شرح النووي على مسلم

النووي

مقدمات

صحيح مسلم شرح النووي

بسم الله الرحمن الرحيم قال شيخنا الامام العالم الزاهد الورع محي الدين يحيى بن شرف بن مرى بن حسن بن حسين بن حزام النووي رحمه الله تعالى آمين الحمد لله البر الجواد الذي جلت نعمه عن الاحصاء والاعداد خالق اللطف والارشاد الهادى إلى سبيل الرشاد الموفق بكرمه لطرق السداد المان بالاعتناء بسنة حبيبه وخليله عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى من لطف به من العباد المخصص هذه الامة زادها الله شرفا بعلم الاسناد الذي لم يشركها فيه أحد من الأمم على تكرر العصور والآباد الذي نصب لحفظ هذه السنة المكرمة الشريفة المطهرة خواص من الحفاظ النقاد وجعلهم ذابين عنها في جميع الازمان والبلاد باذلين وسعهم في تبيين الصحة من طرقها والفساد خوفا من الانتقاص منها والازدياد وحفظا لها على الأمة زادها الله شرفا إلى يوم التناد مستفرغين جهدهم في التفقه في معانيها واستخراج الاحكام واللطائف منها مستمرين على ذلك في جماعات وآحاد مبالغين في بيانها وايضاح وجوهها بالجد والاجتهاد ولا يزال على القيام بذلك بحمد الله ولطفه جماعات في الاعصار كلها إلى انقضاء الدنيا واقبال المعاد وان قلو وخملت بلدان منهم وقربوا من النفاد أحمده أبلغ حمد على نعمه خصوصا على نعمة الاسلام وأن جعلنا من أمة خير الأولين والآخرين وأكرم السابقين واللاحقين محمد عبده ورسوله وحبيبه وخليله خاتم النبيين صاحب الشفاعة العظمى ولواء الحمد والمقام المحمود سيد المرسلين المخصوص بالمعجزة الباهرة المستمرة على تكرر السنين التي تحدى بها أفصح القرون وأفحم بها المنازعين وظهر بها خزي من لم ينقد لها من المعاندين المحفوظة من أن يتطرق اليها تغيير الملحدين أعنى بها القرآن العزيز كلام ربنا الذي نزل به الروح الأمين على قلبه ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين والمصطفى بمعجزات أخر زائدات على الألف والمئين وبجوامع الكلم وسماحة شريعته ووضع اصر المتقدمين المكرم بتفضيل أمته زادها الله شرفا

على الأمم السابقين وبكون أصحابه رضي الله عنهم خير القرون الكائنين وبأنهم كلهم مقطوع بعدالتهم عند من يعتد به من علماء المسلمين ويجعل اجماع أمته حجة مقطوعا بها كالكتاب المبين وأقوال أصحابه المنتشرة من غير مخالفة لذلك عند العلماء المحققين المخصوص بتوفر دواعي أمته زادها الله شرفا على حفظ شريعته وتدوينها ونقلها عن الحفاظ المسندين وأخذها عن الحذاق المتقين والاجتهاد في تبيينها للمسترشدين والدؤوب في تعليمها احتسابا لرضا رب العالمين والمبالغة في الذب عن منهاجه بواضح الأدلة وقمع الملحدين والمبتدعين صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين وآل كل وصحابتهم والتابعين وسائر عباد الله الصالحين ووفقنا للاقتداء به دائمين في أقواله وأفعاله وسائر أحواله مخلصين مستمرين في ذلك دائبين وأشهد أن لا اله الاالله وحده لا شريك له اقرارا بوحدانيته واعترافا بما يجب على الخلق كافة من الاذعان لربوبيته واشهد ان محمد عبده ورسوله المصطفى من بريته والمخصوص بشمول رسالته وتفضيل امته صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله واصحابه وعترته اما بعد فإن الاشتغال بالعلم من افضل القرب واجل الطاعات واهم انواع الخير وآكد العبادات واولى ما انفقت فيه نفائس الأوقات وشمر في ادراكه والتمكن فيه اصحاب الانفاس الزكيات وبادر إلى الاهتمام به المسارعون إلى الخيرات وسابق إلى التحلى به مستبقو المكرمات وقد تظاهرت على ما ذكرته جمل من الآيات الكريمات والاحاديث الصحيحة المشهورات واقاويل السلف رضىالله عنهم النيرات ولاضرورة لذكرها هنا لكونها من الواضحات الجليات ومن اهم انواع العلوم تحقيق معرفة الاحاديث النبويات اعني معرفة متونها صحيحها وحسنها وضعيفها متصلها ومرسلها ومنقطعها ومعضلعا ومقلوبها ومشهورها وغريبها وعزيزها متوارتها وآحادها وافرادها معروفها وشاذها ومنكرها ومعللها وموضوعها ومدرجها وناسخها ومنسوخها وخاصها وعامها ومجملها ومبينها ومختلفها وغير ذلك من انواعها المعروفات ومعرفة علم الاسانيد اعني معرفة حال رجالها وصفاتهم المعتبرة وضبط اسمائهم وانسابهم ومواليدهم ووفياتهم وغير ذلك من الصفات ومعرفة التدليس والمدلسين وطرق الاعتبار والمتابعات ومعرفة حكم اختلاف الرواة في الأسانيد والمتون والوصل والارسال والوقف والرفع والقطع والانقطاع وزيادات الثقات ومعرفة الصحابة والتابعين واتباعهم

واتباع اتباعهم ومن بعدهم رضى الله عنهم وعن سائر المؤمنين والمؤمنات وغير ما ذكرته من علومها المشهورات ودليل ما ذكرته أن شرعنا مبني على الكتاب العزيز والسنن المرويات وعلى السنن مدار اكثر الأحكام الفقهيات فإن اكثر الآيات الفروعيات مجملات وبيانها في السنن المحكمات وقد اتفق العلماء على ان من شرط المجتهد من القاضي والمفتي ان يكون عالما بالأحاديث الحكميات فتيت بما ذكرناه ان الانشغال بالحديث من اجل العلوم الراجحات وافضل انواع الخير وآكد القربات وكيف لا يكون كذلك وهو مشتمل مع ماذكرناه على بيان حال افضل المخلوقات عليه من الله الكريم افضل الصلوات والسلام والتبريكات ولقد كان أكثر اشتغال العلماء بالحديث في الاعصار الخاليات حتى لقد كان يجتمع في مجلس الحديث من الطالبين الوف متكاثرات فتناقص ذلك وضعفت الهمم فلم يبق الا آثار من آثارهم قليلات والله المستعان على هذه المصيبة وغيرها من البليات وقد جاء في فضل احياء السنن المماتات احاديث كثيرة معروفات مشهورات فينبغي الاعتناء بعلم الحديث والتحريض عليه لما ذكرنا من الدلالات ولكونه ايضا من النصيحة لله تعالى وكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم وللائمة والمسلمين والمسلمات وذلك هو الدين كما صح عن سيد البريات صلوات الله وسلامة عليه وعلى آله وصحبه وذريته وازواجه الطاهرات ولقد احسن القائل من جمع ادوات الحديث استنار قلبه واستخرج كنوزه الخفيات وذلك لكثرة فوائده البارزات والكامنات وهو جدير بذلك فانه كلام افصح الخلق ومن اعطي جوامع الكلمات صلى الله عليه وسلم صلوات متضاعفات واصح مصنف فى الحديث بل فى العلم مطلقا الصحيحان للإمامين القدوتين ابى عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري وابى الحسين مسلم بن الحجاج القشيرى رضى الله عنهما فلم يوجد لهما نظير فى المؤلفات فينبغي ان يعتنى بشرحهما وتشاع فوائدهما ويتلطف فى استخراج دقائق المعلوم من متونهما واسانيدهما لما ذكرنا من الحجج الظاهرات وانواع الادلة المتظاهرات فأما صحيح البخارى رحمه الله فقد جمعت فى شرحه جملا مستكثرات مشتملة على نفائس من انواع العلوم بعبارات وجيزات وانا مشمر فى شرحه راج من الله الكريم فى اتمامه المعونات واما صحيح مسلم رحمه الله فقد استخرت الله تعالى الكريم الرؤف الرحيم فى جمع كتاب شرحه متوسط بين المختصرات

والمبسوطات لا من المختصرات المخلات ولا من المطولات المملات ولولا ضعف الهمم وقلة الراغبين وخوف عدم انتشار الكتاب لقلة الطالبين للمطولات لبسطه فبلغت به ما يزيد على مائة من المجلدات من غير تكرار ولا زيادات عاطلات بل ذلك لكثرة فوائده وعظم عوائده الخفيات والبارزات وهو جدير بذلك فإنه كلام أفصح المخلوقات صلى الله عليه وسلم صلوات دائمات لكنى اقتصر على التوسط واحرص على ترك الاطالات وأوثر الاختصار فى كثير من الحالات فأذكر فيه ان شاء الله جملا من علومه الزاهرات من احكام الاصول والفروع والآداب والاشارات الزهديات وبيان نفائس من اصول القواعد الشرعيات وايضاح معانى الالفاظ اللغوية واسماء الرجال وضبط المشكلات وبيان اسماء ذوى الكنى واسماء آباء الابناء والمبهمات والتنبيه على لطيفة من حال بعض الرواة وغيرهم من المذكورين فى بعض الاوقات واستخراج لطائف من خفيات علم الحديث من المتون والاسنانيد المستفادات وضبط جمل من الاسماء المؤتلفات والمختلفات والجمع بين الاحاديث التى تختلف ظاهرا ويظن البعض من لا يحقق صناعتى الحديث والفقه واصوله كونها متعارضات وانبه على ما يحضرني فى الحال فى الحديث من المسائل العمليات واشير إلى الادلة فى كل ذلك اشارات الا فى مواطن الحاجة إلى البسط للضرورات واحرص فى جميع ذلك على الايجاز وايضاح العبارات وحيث انقل شيئا من اسماء الرجال واللغة وضبط المشكل والاحكام والمعانى وغيرها من المنقولات فإن كان مشهورا لا اضيفه إلى قائليه لكثرتهم الا نادرا لبعض المقاصد الصالحات وان كان غريبا اضفته إلى قائليه الا ان اذهل عنه بعض المواطن لطول الكلام او كونه مما تقدم بيانه من الابواب الماضيات واذا تكرر الحديث او الاسم او اللفظة من اللغة ونحوها بسطت المقصود منه فى اول مواضعه واذا مررت على الموضع الآخر ذكرت انه تقدم شرحه وبيانه فى الباب الفلانى من الابواب السابقات وقد اقتصر على بيان تقدمه من غير اضافة او اعيد الكلام فيه لبعد الموضع الاول أو ارتباط كلام او نحوه او غير ذلك من المصالح المطلوبات واقدم فى اول الكتاب جملا من المقدمات مما يعظم النفع به ان شاء الله تعالى ويحتاج إليه طالبو التحقيقات وأرتب ذلك فى فصول متتابعات ليكون اسهل فى مطالعته وابعد من السآمات وانا مستمد المعونة والصيانة واللطف والرعاية من الله

فصل

الكريم رب الارضين والسموات مبتهلا إليه سبحانه وتعالى ان يوفقنى ووالدى ومشايخى وسائر اقاربى واحبابى ومن احسن الينا بحسن النيات وان ييسر لنا الطاعات وان يهدينا لها دائما فى ازدياد حتى الممات وان يجود علينا برضاه ومحبته ودوام طاعته والجمع بيننا فى دار كرامته وغير ذلك من انواع المسرات وان ينفعنا اجمعين ومن يقرأ فى هذا الكتاب به وان يجزل لنا المثوبات وان لا ينزع منا ما وهبه لنا ومن به علينا من الخيرات وان لا يجعل شيئا من ذلك فتنة لنا وان يعيذنا من كل شيء من المخالفات انه مجيب الدعوات جزيل العطيات اعتصمت بالله توكلت على الله ما شاء الله لا قوة الا بالله لا حول ولا قوة الا بالله وحسبى الله ونعم الوكيل وله الحمد والفضل والمنة والنعمة وبه التوفيق واللطف والهداية والعصمة ( ( فصل) في بيان اسناد الكتاب وحال رواته منا إلى الامام مسلم رضي الله عنه مختصرا) أما اسنادي فيه فأخبرنا بجميع صحيح الامام مسلم بن الحجاج رحمه الله الشيخ الأمين العدل الرضى أبو إسحاق ابراهيم بن أبي حفص عمر بن مضر الواسطى رحمه الله بجامع دمشق حماها الله وصانها وسائر بلاد الاسلام وأهله قال أخبرنا الامام ذو الكنى أبو القاسم أبو بكر أبوالفتح منصور بن عبد المنعم الفراوي قال أخبرنا الامام فقيه الحرمين أبو جدى أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي قال أخبرنا أبو الحسين عبد الغافر الفارسي قال أنا أحمد محمد بن عيسى الجلودي قال أنا أبو إسحاق ابراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه انا الامام أبو الحسين مسلم بن الحجاج رحمه الله وهذا الاسناد الذي حصل لنا ولاهل زماننا ممن يشاركنا فيه في نهاية من العلو بحمد الله تعالى فبيننا وبين مسلم ستة وكذلك اتفقت لنا بهذا العدد رواية الكتب الأربعة التي هي تمام الكتب الخمسة التي هي أصول الاسلام أعنى صحيحي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وكذلك رقع لنا بهذا العدد مسندا الامامين أبوي عبد الله أحمد بن حنبل ومحمد بن يزيد أعنى بن ماجه ووقع لنا أعلى من هذه الكتب وان كانت عالية موطأ الامام أبي عبد الله مالك بن أنس فبيننا وبينه رحمه الله سبعة وهو شيخ شيوخ المذكورين كلهم فتعلو روايتنا لاحاديثه برجل ولله الحمد والمنة وحصل في روايتنا لمسلم لطيفة وهو أنه اسناد

مسلسل بالنيسابوريين وبالمعمرين فان رواته كلهم معمرون وكلهم نيسابوريون من شيخنا أبي إسحاق إلى مسلم وشيخنا وان كان واسطيا فقد أقام بنيسابور مدة طويلة والله اعلم اما بيان حال رواته فيطول الكلام في تقصي أخبارهم واستقصاء أحوالهم لكن نقتصر على ضبط أسمائهم وأحرف تتعلق بحال بعضهم أما شيخنا أبو إسحاق فكان من أهل الصلاح والمنسوبين إلى الخير والفلاح معروفا بكثرة الصدقات وانفاق المال في وجوه المكرمات ذا عفاف وعبادة ووقار وسكينة وصيانة بلا استكبار توفي رحمه الله بالاسكندرية اليوم السابع من رجب سنة أربع وستين وستمائة وأما شيخ شيخنا فهو الامام ذو الكنى أبو القاسم أبو بكر أبو الفتح منصور بن عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي العباس الصاعدي الفراوي ثم النيسابوري منسوب إلى فراوة بليدة من ثغر خراسان وهو بفتح الفاء وضمها فاما الفتح فهو المشهور المستعمل بين أهل الحديث وغيرهم وكذا حكى الشيخ الامام الحافظ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله أنه سمع شيخه منصورا هذا رضي الله عنه يقول انه الفراوي بفتح الفاء وذكره أبو سعيد السمعاني في كتابه الانساب بضم الفاء وكذا ذكر الضم ايضا غير السمعانى وكان منصور هذا جليلا شيخا مكثرا ثقة صحيح السماع روى عن أبيه وجده وجد ابيه أبى عبد الله محمد بن الفضل وروى عن غيرهم مولده فى شهر رمضان سنة اثنين وعشرين وخمسمائة وتوفى بشازياخ نيسابور فى شعبان سنة ثمان وستمائة واما أبو عبد الله الفاروى فهو محمد بن الفضل جد ابى منصور النيسابورى وقد تقدم تمام نسبه فى نسب بن بن ابنه منصور كان أبو عبد الله هذا الفراوى رضى الله عنه اماما بارعا فى الفقه والاصول وغيرهما كثير الروايات بالاسانيد الصحيحة العاليات رحلت إليه الطلبة من الاقطار وانتشرت الروايات عنه فيما قرب وبعد من الامصار حتى قالوا فيه للفراوى ألف راوى وكان يقال له فقيه الحرم لاشاعته ونشره العلم بمكة زادها الله فضلا وشرفا ذكره الامام الحافظ أبو القاسم الدمشقى المعروف بابن عساكر رضى الله عنهما فأطنب فى الثناء عليه بما هو أهله ثم روى عن ابى الحسين عبد الغافر أنه ذكره فقال هو فقيه الحرم البارع فى الفقه والاصول الحافظ للقواعد نشأ بين الصوفية فى حجورهم ووصل إليه بركات أنفاسهم وسمع التصانيف والاصول من الامام زين الاسلام ودرس عليه الاصول والتفسير ثم اختلف إلى مجلس امام الحرمين

ولازم درسه ماعاش وتفقه عليه وعلق عنه الاصول وصار من جملة المذكورين من أصحابه وخرج حاجا إلى مكة وعقد المجلس ببغداد وسائر البلاد وأظهر العلم بالحرمين وكان منه بهما أثر وذكر ونشر للعلم وعاد إلى نيسابور وما تعدى قط حد العلماء ولا سيرة الصالحين من التواضع والتبذل فى الملابس والتعايش وتستر بكتابة الشروط لاتصاله بالزمرة الشحامية مصاهرة ليصون بها عرضه وعلمه عن توقع الارفاق ويتبلغ بما يكتسبه منها فى اسباب المعيشة من فنون الارزاق وقعد للتدريس فى المدرسة الناصحة وافادة الطلبة فيها وقد سمع المسانيد والصحاح وأكثر عن مشايخ عصره وله مجالس الوعظ والتذكير المشحونة بالفوائد والمبالغة فى النصح وحكايات المشايخ وذكر احوالهم قال الحافظ أبو القاسم والى الامام محمد الفراوى كانت رحلتى الثانية لأنه المقصود بالرحلة فى تلك الناحية لما اجتمع فيه من علو الاسناد ووفور العلم وصحة الاعتقاد وحسن الخلق ولين الجانب والاقبال بكليته على الطالب فأقمت فى صحبته سنة كاملة وغنمت من مسموعاته فوائد حسنة طائلة وكان مكرما لموردى عليه عارفا بحق قصدى إليه ومرض مرضة فى مدة مقامى عنده ونهاه الطبيب عن التمكين من القراءة عليه فيها وعرفه ان ذلك ربما كان سببا لزيادة تألمه فقال لا أستجيز أن أمنعهم من القراءة وربما أكون قد حسبت فى الدنيا لأجلهم وكنت أقرأ عليه فى حال مرضه وهو ملقى على فراشه ثم عوفى من تلك المرضة وفارقته متوجها إلى هراة فقال لى حين ودعته بعد أن اظهر الجزع لفراقى وربما لا نلتقى بعد هذا فكان كما قال فجاءنا نعيه إلى هراة وكانت وافته فى العشر الأواخر من شوال سنة ثلاثين وخمسمائة ودفن فى تربة أبى بكر بن خزيمة رضى الله عنهما وذكر الحافظ أيضا جملا اخرى من مناقبه حذفتها اختصارا وذكر أبو سعيد السمعانى أنه سأل أبا عبد الله الفراوى هذا عن مولده فقال مولدى تقديرا سنة احدى وأربعين وأربعمائة قال غيره وتوفى يوم الخميس الحادى أو الثانى والعشرين من شوال سنة ثلاثين وخمسمائة قال الحافظ الشيخ أبو عمرو رحمة الله له فى علم المذهب كتاب انتخبت منه فوائد استغربتها وسمع صحيح مسلم من عبد الغافر فى السنة التى توفى فيها عبد الغافر سنة ثمان وأربعين وأربعمائة بقراءة أبى سعيد البحيرى رحمه الله ورضى عنه واما شيخ الفراوى فهو أبو الحسين عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر بن أحمد بن محمد بن سعيد الفارسى الفسوى ثم النيسابورى التاجر وكان سماعه صحيح مسلم من الجلودى سنة خمس وستين

وثلاثمائة ذكره ولد ولده أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر الفارسى الاديب الامام المحدث بن المحدث بن المحدث صاحب التصانيف كذيل تاريخ نيسابور وكتاب مجمع الغرائب والمفهم لشرح غريب صحيح مسلم وغيرها فقال كان شيخا ثقة صالحا صائنا محظوظا من الدين والدنيا محدودا فى الرواية على قلة سماعه مشهورا مقصودا من الآفاق سمع منه الائمة والصدور وقرأ الحافظ الحسن السمرقندى عليه صحيح مسلم نيفا وثلاثين مرة وقرأه عليه أبو سعيد البحيرى نيفا وعشرين مرة وممن قرأه عليه من مشاهير الائمة زين الاسلام أبو القاسم يعنى القشيرى والواحدى وغيرهما استكمل خمسا وتسعين سنة وألحق أحفاد الاحفاد بالاجداد وتوفى يوم الثلاثاء ودفن يوم الاربعاء السادس من شوال سنة ثمان وأربعين وأربعمائة وقال غيره ولد ثلاث وخمسين وثلاثمائة وسمع منه أئمة الدنيا من الغرباء والطارئين والبلديين وبارك الله سبحانه وتعالى فى سماعه وروايته مع قلة سماعه وكان المشهور برواية صحيح مسلم وغريب الخطابى فى عصره وسمع الخطابى وغيره من أهل عصره رحمه الله ورضى عنه وأما شيخ الفارسى فهو أبو أحمد محمد بن عيسى بن محمد بن عبد الرحمن بن عمرويه بن منصور الزاهد النيسابورى الجلودى بضم الجيم بلا خلاف قال الأمام أبو سعيد السمعانى هو منسوب الجلود المعروفة جمع جلد قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ عندى أنه منسوب إلى سكة الجلوديين بنيسابور الدارسة وهذا الذى قاله الشيخ أبو عمرو يمكن حمل كلام السمعانى عليه وانما قلت ان الجلودى هذا بضم الجيم بلا خلاف لان بن السكيت وصاحبه بن قتيبة قالا فى كتابيهما المشهورين أن الجلودى بفتح الجيم منسوب إلى جلود اسم قرية بافريقية وقال غيرهما انها بالشام واراد أن من نسب إلى هذه القرية فهو بفتح الجيم لكونها مفتوحة وأما أبو أحمد الجلودى فليس منسوبا إلى هذه القرية فليس فيما قالاه مخالفة لما ذكرناه والله أعلم قال الحاكم أبو عبد الله كان أبو أحمد هذا الجلودى شيخا صالحا زاهدا من كبار عباد الصوفية صحب أكابر المشايخ من أهل الحقائق وكان ينسخ الكتب ويأكل من كسب يده سمع أبا بكر بن خزيمة ومن كان قبله وكان ينتحل مذهب سفيان الثورى ويعرفه توفى رحمه الله يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من ذى الحجة سنة ثمان وستين وثلاثمائة وهو بن ثمانين سنة قال الحاكم وختم لوفاته سماع صحيح مسلم وكل من حدث به بعده عن ابراهيم بن محمد بن سفيان وغيره فليس بثقة والله أعلم

وأما الشيخ الجلودى فهو السيد الجليل أبو إسحاق ابراهيم بن محمد بن سفيان النيسابورى الفقيه الزاهد المجتهد العابد قال الحاكم أبو عبد الله بن البيع سمعت محمد بن يزيد العدل يقول كان ابراهيم بن محمد بن سفيان مجاب الدعوة قال الحاكم وسمعت أبا عمرو بن نجيد يقول انه كان من الصالحين قال الحاكم كان ابراهيم بن سفيان من العباد المجتهدين ومن الملازمين لمسلم بن الحجاج وكان من أصحاب أيوب بن الحسن الزاهد صاحب الرأى يعنى الفقيه الحنفى سمع ابراهيم بن سفيان بالحجاز ونيسابور والرى والعراق قال ابراهيم فرغ لنا مسلم من قراءة الكتاب فى شهر رمضان سنة سبع وخمسين ومائتين قال الحاكم مات ابراهيم فى رجب سنة ثمان وثلاثمائة رحمه الله ورضى عنه وأما شيخ ابراهيم بن محمد بن سفيان فهو الامام مسلم صاحب الكتاب وهو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيرى نسبا النيسابورى وطنا عربى صليبة وهو أحد أعلام أئمة هذا الشأن وكبار المبرزين فيه وأهل الحفظ والاتقان والرحالين فى طلبه إلى أئمة الاقطار والبلدان والمعترف له بالتقدم فيه بلا خلاف عند أهل الحذق والعرفان والمرجوع إلى كتابه والمعتمد عليه فى كل الازمان سمع بخرسان يحيى بن يحيى واسحاق بن راهويه وغيرها وبالرى محمد بن مهران الجمال بالجيم وأبا غسان وغيرهما وبالعراق أحمد بن حنبل وعبد الله بن مسلمة القعنبى وغيرهما وبالحجاز سعيد بن منصور وأبا مصعب وغيرهما وبمصر عمرو بن سواد وحرملة بن يحيى وغيرهما وخلائق كثيرين روى عنه جماعات من كبار أئمة عصره وحفاظه وفيهم جماعات فى درجته فمنهم أبو حاتم الرازى وموسى بن هارون وأحمد بن سلمة وأبو عيسى الترمذى وأبو بكر بن خزيمة ويحيى بن صاعد وأبو عوانةالاسفراينى وآخرون لا يحصون وصنف مسلم رحمه الله فى علم الحديث كتبا كثيرة منها هذا الكتاب الصحيح الذى من الله الكريم وله الحمد والنعمة والفضل والمنة به على المسلمين وأبقى لمسلم به ذكرا جميلا وثناء حسنا إلى يوم الدين ومنها كتاب المسند الكبير على أسماء الرجال وكتاب الجامع الكبير على الأبواب وكتاب العلل وكتاب أوهام المحدثين وكتاب التميز وكتاب من ليس له الا راو واحد وكتاب طبقات التابعين وكتاب المخضرمين وغير ذلك قال الحاكم أبو عبد الله حدثنا أبو الفضل محمد بن ابراهيم قال سمعت أحمد بن سلمة يقول رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج فى معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما وفى رواية فى معرفة الحديث قلت

فصل

ومن حقق نظره فى صحيح مسلم رحمه الله واطلع على ما أورده فى أسانيده وترتيبه وحسن سياقته وبديع طريقته من نفائس التحقيق وجواهر التدقيق وأنواع الورع والاحتياط والتحرى فى الرواية وتلخيص الطرق واختصارها وضبط متفرقها وانتشارها وكثرة اطلاعه واتساع روايته وغير ذلك مما فيه من المحاسن والاعجوبات واللطائف الظاهرات والخفيات علم أنه امام لا يلحقه من بعد عصره وقل من يساويه بل يدانيه من أهل وقته ودهره وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وأنا أقتصر من أخباره رضى الله عنه على هذا القدر فان أحواله رحمه الله ومناقبه لا تستقصى لبعدها عن أن تحصى وقد دللت بما ذكرت من الاشارة إلى حالته على ما أهملت من جميل طريقته والله الكريم أسأله أن يجزل فى مثوبته وأن يجمع بيننا وبينه مع احبائنا فى دار كرامته بفضله وجوده ولطفه ورحمته وقد قدمت أن أوثر الاختصار وأحاذر التطويل الممل والاكثار توفى مسلم رحمه الله بنيسابور سنة احدى وستين ومائتين قال الحاكم أبو عبد الله بن البيع فى كتاب المزكين لرواة الاخبار سمعت أبا عبد الله بن الاخرم الحافظ رحمه الله يقول توفى مسلم بن الحجاج رحمه الله عشية الاحد ودفن يوم الاثنين لخمس بقين من رجب سنة احدى وستين ومائتين وهو بن خمس وخمسين سنة رحمه الله ورضى عنه ( فصل) صحيح مسلم رحمه الله فى نهاية من الشهرة وهو متواتر عنه من حيث الجملة فالعلم القطعى حاصل بأنه تصنيف أبى الحسين مسلم بن الحجاج وأما من حيث الرواية المتصلة بالاسناد المتصل بمسلم فقد انحصرت طريقه عنده فى هذه البلدان والازمان فى رواية أبى إسحاق ابراهيم بن محمد بن سفيان عن مسلم ويروى فى بلاد المغرب مع ذلك عن أبى محمد أحمد بن على القلانسى عن مسلم ورواه عن بن سفيان جماعة منهم الجلودى وعن الجلودى جماعة منهم الفارسى وعنه جماعة منهم الفراوى وعنه خلائق منهم منصور وعنه خلائق منهم شيخنا أبو إسحاق قال الشيخ الامام الحافظ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله وأما القلانسى فوقعت روايته عند أهل الغرب ولا رواية له عند غيرهم دخلت روايته إليه من جهة أبى عبد الله محمد بن يحيى بن الحذاء التميمى القرطبى وغيره سمعوها بمصر من أبى العلاء عبد الوهاب بن عيسى بن عبد الرحمن بن ماهان البغدادى قال حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن يحيى الاشقر الفقيه على مذهب الشافعى قال

فصل

حدثنا أبو محمد القلانسى قال حدثنا مسلم الا ثلاثة أجزاء من آخر الكتاب أولها حديث الافك الطويل فان أبا العلاء بن ماهان كان يروى ذلك عن أبى أحمد الجلودى عن أبى سفيان عن مسلم رضى الله عنه ( فصل) قال الشيخ الامام الحافظ أبو عمرو وعثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح رحمه الله اختلف النسخ فى رواية الجلودى عن ابراهيم بن سفيان هل هي بحدثنا ابراهيم أو أخبرنا والتردد واقع فى أنه سمع لفظ ابراهيم أو قرأه عليه فالأحوط أن يقال أخبرنا ابراهيم حدثنا ابراهيم فليلفظ القارىء بهما على البدل قال وجائز لنا الاقتصار على أخبرنا فانه كذلك فيما نقلته من ثبت الفراوى من خط صاحبه عبد الرزاق الطبسى وفيما انتخبته بنيسابور من الكتاب من أصل فيه سماع شيخنا المؤيد وهو كذلك بخط الحافظ أبى القاسم الدمشقى العساكرى عن الفراوى وفى غير ذلك وأيضا فحكم المتردد فى ذلك المصير إلى أخبرنا لأن كل تحديث من حديث الحقيقة اخبار وليس كل اخبار تحديثا فصل قال الشيخ الامام أبو عمرو بن الصلاح رضى الله عنه اعلم أن ابراهيم بن سفيان فى الكتاب فائتا لم يسمعه من مسلم يقال فيه أخبرنا ابراهيم عن مسلم ولا يقال فيه أخبرنا مسلم ولا حدثنا مسلم وروايته لذلك عن مسلم اما بطريقة الاجازة واما بطريقة الوجادة وقد غفل أكثر الرواة عن تبين ذلك وتحقيقه فى فهاريسهم وتسميعاتهم واجازاتهم وغيرها بل يقولون فى جميع الكتاب أخبرنا ابراهيم قال أخبرنا مسلم وهذا الفوات فى ثلاثة مواضع محققة فى أصول معتمدة فأولها فى كتاب الحج فى باب الحلق والتقصير حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَحِمَ اللَّهُ المحلقين برواية بن نمير فشاهدت عنده فى أصل الحافظ أبى القاسم الدمشقى بخطه ما صورته أخبرنا أبو إسحاق ابراهيم بن محمد بن سفيان عن مسلم قال حدثنا بن نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عمر الحديث وكذلك فى أصل بخط الحافظ أبى عامر العبدرى الا أنه قال حدثنا أبو إسحاق وشاهدت عنده فى أصل قديم مأخوذ عن أبى أحمد الجلودى ما صورته من ها هنا قرأت على أبى أحمد حدثكم ابراهيم عن مسلم وكذا كان فى كتابه إلى العلامة وقال الشيخ رحمه الله وهذه العلامة هي بعد ثمان ورقات أو نحوها عند أول حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ

فصل

خارجا إلى سفر كبر ثلاثا وعندها فى الاصل المأخوذ عن الجلودى ما صورته إلى هنا قرأت عليه يعنى على الجلودى عن مسلم ومن هنا قال حدثنا مسلم وفى أصل الحافظ أبى القاسم عندها بخطه من هنا يقول حدثنا مسلم والى هنا شك الفائت الثانى لابراهيم أوله فى أول الوصايا قَوْلُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حرب ومحمد بن المثنى واللفظ لمحمد بن المثنى فى حديث بن عمر ما حق أمرىء مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ إلى قوله فى آخر حديث رواه في قصة حويصة ومحيصة في القسامة حدثني إسحاق بن منصور أخبرنا بشر بن عمرو قال سمعت مالك بن أنس الحديث وهو مقدار عشر ورقات ففي الأصل المأخوذ عن الجلودي والأصل الذي بخط الحافظ أبي عامر العبدري ذكر انتهاء هذا الفوات عند أول هذا الحديث وعود قول ابراهيم حدثنا مسلم وفي أصل الحافظ أبي القاسم الدمشقي شبه التردد في أن هذا الحديث داخل في الفوات أو غير داخل فيه والاعتماد على الاول الفائت الثالث أوله قول مسلم في أحاديث الامارة والخلافة حدثنى زهير بن حرب حدثنا شبابة حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم انما الامام جثة ويمتد إلى قوله في كتاب الصيد والذبائح حدثنا محمد بن مهران الرازي حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الخياط حديث أبي ثعلبة الخشنى اذا رميت سهمك فمن أول هذا الحديث عاد قول ابراهيم حدثنا مسلم وهذا الفوات أكثرها وهو نحو ثماني عشرة ورقة وفي أوله بخط الحافظ الكبير أبي حازم العبدري النيسابوري وكان يروى الكتاب عن محمد بن يزيد العدل عن ابراهيم ما صورته من هنا يقول ابراهيم قال مسلم وهو في الاصل المأخوذ عن الجلودي وأصل أبي عامر العبدري وأصل أبي القاسم الدمشقي بكلمة عن وهكذا في الفائت الذي سبق في الأصل المأخوذ عن الجلودي وأصل أبي عامر العبدري وأصل أبي القاسم وذلك يحتمل كونه روى ذلك عن مسلم بالوجادة ويحتمل الاجازة ولكن في بعض النسخ التصريح في بعض ذلك أو كله يكون ذلك عن مسلم بالاجازة والله اعلم هذا آخر كلام الشيخ رحمه الله ( فصل) قال الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ الله اعلم أن الرواية بالاسانيد المتصلة ليس المقصود منها في عصرنا وكثير من الاعصار قبله اثبات ما يروى اذ لا يخلو اسناد منها عن شيخ لا يدري ما يرويه ولا يضبط ما في كتابه ضبطا يصلح لان يعتمد عليه في ثبوته وانما المقصود بها ابقاء سلسلة الاسناد التي خصت بها هذه الامة زادها الله كرامه واذا كان

فصل

كذلك فسبيل من أراد الاحتجاج بحديث من صحيح مسلم وأشباهه أن ينقله من أصل مقابل على يدي ثقتين بأصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة ليحصل له بذلك مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد بالتبديل والتحريف الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول فقد تكثر تلك الأصول المقابل بها كثرة تتنزل منزلة التواتر أو منزلة الاستفاضة هذا كلام الشيخ وهذا الذي قاله محمول على الاستحباب والاستظهار والا فلا يشترط تعداد الأصول والروايات فان الأصل الصحيح المعتمد يكفي وتكفي المقابلة به والله اعلم ( فصل) اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم وتلقتهما الامة بالقبول وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة وقد صح أن مسلما كان ممن يستفيد من البخاري ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث وهذا الذي ذكرناه من ترجيح كتاب البخاري هو المذهب المختار الذي قاله الجماهير وأهل الاتقان والحذق والغوص على أسرار الحديث وقال أبو علي الحسين بن علي النيسابوري الحافظ شيخ الحاكم أبي عبد الله بن البيع كتاب مسلم أصح ووافقه بعض شيوخ المغرب والصحيح الاول وقد قرر الامام الحافظ الفقيه النظار أبو بكر الاسماعيلي رحمه الله في كتابه المدخل ترجيح كتاب البخاري وروينا عن الامام أبي عبد الرحمن النسائي رحمه الله أنه قال ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب البخاري قلت ومن أخصر ما ترجح به اتفاق العلماء على ان البخاري أجل من مسلم وأعلم بصناعة الحديث منه وقد انتخب علمه ولخص ما ارتضاه في هذا الكتاب وبقي في تهذيبه وانتقائه ست عشرة سنة وجمعه من ألوف مؤلفة من الاحاديث الصحيحة وقد ذكرت دلائل هذا كله في أول شرح صحيح البخاري ومما ترجح به كتاب البخاري ان مسلما رحمه الله كان مذهبه بل نقل الاجماع في أول صحيحه أن الاسناد المعنعن له حكم الموصول بسمعت بمجرد كون المعنعن والمعنعن عنه كانا في عصر واحد وان لم يثبت اجتماعهما والبخاري لا يحمله على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما وهذا المذهب يرجح كتاب البخاري وان كنا لا نحكم على مسلم بعمله في صحيحه بهذا المذهب لكونه يجمع طرقا كثيرة يتعذر معها وجود هذا الحكم الذي جوزه والله أعلم وقد انفرد مسلم بفائدة حسنة وهي كونه أسهل متناولا من حيث أنه جعل لكل حديث موضعا واحدا يليق به جمع فيه طرقه التي ارتضاها

فصل

واختار ذكرها وأورد فيه أسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة فيسهل على الطالب النظر في وجوهه واستثمارها ويحصل له الثقة بجميع ما أورده مسلم من طرقه بخلاف البخاري فانه يذكر تلك الوجوه المختلفة في أبواب متفرقة متباعدة وكثير منها يذكره في غير بابه الذي يسبق إلى الفهم انه اولى به وذلك لدقيقة يفهمها البخاري منه فيصعب على الطالب جمع طرقه وحصول الثقة بجميع ما ذكره البخاري من طرق هذا الحديث وقد رأيت جماعة من الحفاظ المتأخرين غلطوا في مثل هذا فنفوا رواية البخاري أحاديث هي موجودة في صحيحه في غير مظانها السابقة إلى الفهم والله اعلم ومما جاء في فضل صحيح مسلم ما بلغنا عن مكي بن عبدان احد حفاظ نيسابور أنه قال سمعت مسلم بن الحجاج رضي الله عنه يقول لو أن أهل الحديث يكتبون مائتي سنة الحديث فمدارهم على هذا المسند يعني صحيحه قال وسمعت مسلما يقول عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي فكل ما أشار أن له علة تركته وكل ما قال أنه صحيح وليس له علة خرجته وذكر غيره ما رواه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي باسناده عن مسلم رحمه الله قال صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة ( فصل) قال الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ الله شرط مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه أن يكون الحديث متصل الاسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه سالما من الشذوذ والعلة قال وهذا حد الصحيح فكل حديث اجتمعت فيه هذه الشروط فهو صحيح بلا خلاف بين أهل الحديث وما اختلفوا في صحته من الأحاديث فقد يكون سبب اختلافهم انتفاء شرط من هذه الشروط وبينهم خلاف في اشتراطه كما اذا كان بعض الرواة مستورا أو كان الحديث مرسلا وقد يكون سبب اختلافهم أنه هل اجتمعت فيه هذه الشروط أم انتفى بعضها وهذا هو الأغلب في ذلك كما اذا كان الحديث في رواته من اختلف في كونه من شرط الصحيح فاذا كان الحديث رواته كلهم ثقات غير أن فيهم أبا الزبير المكي مثلا أو سهيل بن أبي صالح أو العلاء بن عبد الرحمن أو حماد بن سلمة قالوا فيه هذا حديث صحيح على شرط مسلم وليس بصحيح على شرط البخاري لكون هؤلاء عند مسلم ممن اجتمعت فيهم الشروط المعتبرة ولم يثبت عند البخاري ذلك فيهم وكذا حال البخاري فيما خرجه من حديث عكرمة مولى بن عباس واسحاق بن محمد الفروي وعمرو بن مرزوق وغيرهم ممن احتج بهم البخاري ولم يحتج بهم مسلم قال

فصل

الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري في كتابه المدخل إلى معرفة المستدرك عدد من خرج لهم البخاري في الجامع الصحيح ولم يخرج لهم مسلم أربعمائة وأربعة وثلاثون شيخا وعدد من احتج بهم مسلم في المسند الصحيح ولم يحتج بهم البخاري في الجامع الصحيح ستمائة وخمسة وعشرون شيخا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ في صحيحه في باب صفة صلاة رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ كل شيء صحيح عندي وضعته ها هنا يعنى في كتابه هذا الصحيح وانما وضعت ها هنا ما أجمعوا عليه فمشكل فقد وضع فيه أحاديث كثيرة مختلفا في صحتها لكونها من حديث من ذكرناه ومن لم نذكره ممن اختلفوا في صحة حديثه قال الشيخ وجوابه من وجهين أحدهما أن مراده أنه لم يضع فيه الا ما وجد عنده فيه شروط الصحيح المجمع عليه وان لم يظهر اجتماعها في بعض الاحاديث عند بعضهم والثاني أنه أراد أنه لم يضع فيه ما اختلفت الثقات فيه في نفس الحديث متنا أو اسنادا ولم يرد ما كان اختلافهم انما هو في توثيق بعض رواته وهذا هو الظاهر من كلامه فانه ذكر ذلك لما سئل عن حديث أبي هريرة فاذا قرأ فأنصتوا هل هو صحيح فقال هو عندي صحيح فقيل لم لم تضعه ها هنا فأجاب بالكلام المذكور ومع هذا فقد اشتمل كتابه على أحاديث اختلفوا في اسنادها أو متنها لصحتها عنده وفي ذلك ذهول منه عن هذا الشرط أو سبب آخر وقد استدركت وعللت هذا آخر كلام الشيخ رحمه الله ( فصل) قال الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ الله ما وقع في صحيحي البخاري ومسلم مما صورته صورة المنقطع ليس ملتحقا بالمنقطع في خروجه من حيز الصحيح إلى حيز الضعيف ويسمى هذا النوع تعليقا سماه به الامام أبو الحسن الدارقطني ويذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين وكذا غيره من المغاربة وهو في كتاب البخاري كثير جدا وفي كتاب مسلم قليل جدا قال فاذا كان التعليق منهما بلفظ فيه جزم بأن من بينهما وبينه الانقطاع قد قال ذلك أو رواه واتصل الاسناد منه على الشرط مثل أن يقولا روى الزهري عن فلان ويسوقا اسناده الصحيح فحال الكتابين يوجب أن ذلك من الصحيح عندهما وكذلك ما روياه عمن ذكراه بلفظ مبهم لم يعرف به وأورداه أصلا محتجين به وذلك مثل حدثني بعض أصحابنا ونحو ذلك قال وذكر الحافظ أبو على الغساني الجياني أن الانقطاع وقع فيما رواه مسلم في كتابه في أربعة عشر موضعا أولها في التيمم قوله في حديث أبي الجهم وروى الليث بن سعد ثم قوله في كتاب

الصلاة فى باب الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حدثنا صاحب لنا عن إسماعيل بن زكريا عن الاعمش وهذا فى رواية أبى العلاء بن ماهان وسلمت رواة أبى أحمد الجلودى من هذا فقال فيه مسلم حدثنا محمد بن بكار قال حدثنا إسماعيل بن زكريا ثم فى باب السكوت بين التكبير والقراءة قوله وحدثت عن يحيى بن حسان ويونس المؤدب ثم قوله فى كتاب الجنائز فى حديث عائشة رضى الله عنها فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى البقيع ليلا وَحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ حَجَّاجًا الْأَعْوَرَ وَاللَّفْظُ لَهُ قال حدثنا بن جريج وقوله فى باب الحوائج فى حديث عائشة رضى الله عنها حدثنى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالُوا حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن أبى أويس وقوله في هذا الباب وروى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ ربيعة وذكر حديث كعب بن مالك في تقاضي بن أبي حدرد وقوله في باب احتكار الطعام في حديث معمر بن عبد الله العدوي حدثني بعض أصحابنا عن عمرو بن عون وقوله فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُدِّثْتُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَمِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ عنه ابراهيم بن سعيد الجوهري قال حدثنا أبو اسامة وذكر أبو علي أنه رواه أبو أحمد الجلودي عن محمد بن المسيب الارغيابي عن ابراهيم بن سعيد قال الشيخ وريناه من غير طريق أحمد عن محمد بن المسيب ورواه غير بن المسيب عن ابراهيم الجوهري وسنورد ذلك في موضعه ان شاء الله تعالى وقوله في آخر الفضائل في حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أرأيتكم ليلتكم هذه) رواية مسلم اياه موصولا عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه ثم قال حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي قال أخبرنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب ورواه الليث عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر كلاهما عن الزهري باسناد معمر كمثل حديثه وقول مسلم في آخر كتاب القدر في حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (لتركبن سنن من قبلكم) حَدَّثَنِي عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبي مريم وهذا قد وصله ابراهيم بن محمد بن سفيان عن محمد بن يحيى عن بن أبي أبي مريم قال الشيخ وانما أورده مسلم على وجه المتابعة والاستشهاد وقوله فيما سبق في الاستشهاد والمتابعة في حديث البراء بن عازب في الصلاة الوسطى بعد أن رواه موصولا ورواه الاشجعي عن سفيان الثوري إلى آخره وقوله أيضا في الرجم في المتابعة لما رواه موصولا من حديث أبي هريرة في الذي اعترف على نفسه بالزنى ورواه

الليث أيضا عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن بن شهاب بهذا الاسناد وقوله في كتاب الامارة في المتابعة لما رواه متصلا من حديث عوف بن مالك (خيار أئمتكم الذين تحبونهم) ورواه مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ قال الشيخ وذكر أبو علي فيما رواه عندنا من كتابه في الرابع عشر حديث بن عمر (أرأيتكم ليلتكم هذه) المذكور في الفضائل وقد ذكره مرة أخرى فيسقط هذا من العدد ويسقط الحديث الثاني لكون الجلودي رواه عن مسلم موصولا وروايته هي المعتمدة المشهورة فهي اذا اثنا عشر لا أربعة عشر قال الشيخ وأخذ هذا عن أبي على أبو عبد الله المازري صاحب المعلم فأطلق أن هذا في الكتاب أحاديث مقطوعة في أربعة عشر موضعا وهذا يوهم خللا في ذلك وليس ذلك كذلك وليس شيء من هذا والحمد لله مخرجا لما وجد فيه من حيز الصحيح بل هي موصولة من جهات صحيحة لا سيما ما كان منها مذكورا على وجه المتابعة في نفس الكتاب وصلها فاكتفى بكون ذلك معروفا عند أهل الحديث كما انه روى عن جماعة من الضعفاء اعتمادا على كون ما رواه عنهم معروفا من رواية الثقات على ما سنرويه عنه فيما بعد ان شاء الله تعالى قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله وهكذا الأمر في تعليقات البخاري بألفاظ جازمة مثبتة على الصفة التي ذكرناها كمثل ما قال فيه قال فلان أو روى فلان أو ذكر فلان أو نحو ذلك ولم يصب أبو محمد بن حزم الظاهري حيث جعل مثل ذلك انقطاعا قادحا في الصحة واستروح إلى ذلك في تقرير مذهبه الفاسد في اباحة الملاهي وزعمه انه لم يصح في تحريمها حديث مجيبا عن حديث أبي عامر أو أبى مالك الأشعري عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف) إلى آخر الحديث فزعم أنه وان أخرجه البخاري فهو غير صحيح لان البخاري قال فيه قال هشام بن عمار وساقه باسناده فهو منقطع فيما بين البخاري وهشام وهذا خطأ من بن حزم من وجوه أحدها أنه لا انقطاع في هذا أصلا من جهة أن البخارى لقى هشاما وسمع منه وقد قررنا فى كتابنا علوم الحديث أنه اذا تحقق اللقاء والسماع مع السلامة من التدليس حمل ما يرويه عنه على السماع بأى لفظ كان كما يحمل قول الصحابى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على سماعه منه اذا لم يظهر خلافه وكذا غير قال من الالفاظ الثانى أن هذا الحديث بعينه معروف الاتصال بصريح لفظه من غير جهة البخارى الثالث أنه إن كان ذلك انقطاعا فمثل ذلك فى الكتابين غير ملحق بالانقطاع القادح لما عرف

فصل

من عادتهما وشرطهما وذكرهما ذلك فى كتاب موضوع لذكر الصحيح خاصة فلن يستجيرا فيه الجزم المذكور من غير ثبت وثبوت بخلاف الانقطاع أو الارسال الصادر من غيرهما هذا كله فى المعلق بلفظ الجزم أما اذا لم يكن ذلك منهما بلفظ جازم مثبت له عمن ذاكره عنه على الصفة التى تقدم ذكرها مثل أن يقولا روى عن فلان أو ذكر عن فلان أو في الباب عن فلان ونحو ذلك فليس ذلك في حكم التعليق الذي ذكرناه ولكن يستأنس بإيرادهما له وأما قول مسلم في خطبة كتابه وقد ذكر عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ننزل الناس منازلهم) فهذا بالنظر إلى أن لفظه ليس جازما لا يقتضي حكمه بصحته وبالنظر إلى أنه احتج به وأورده ايراد الاصول لا ايراد الشواهد يقتضى حكمه بصحته ومع ذلك فقد حكم الحاكم أبو عبد الله الحافظ في كتابه كتاب معرفة علوم الحديث بصحته وأخرجه أبو داود في سننه باسناده منفردا به وذكر أن الراوي له عن عائشة ميمون بن أبي شبيب ولم يدركها قال الشيخ وفيما قاله أبو داود نظر فانه كوفى متقدم قد أدرك المغيرة بن شعبة ومات المغيرة قبل عائشة وعند مسلم التعاصر مع امكان التلاقي كاف في ثبوت الادراك فلو ورد عن ميمون أنه قال لم ألق عائشة استقام لابي داود الجزم بعدم ادراكه وهيهات ذلك هذا آخر كلام الشيخ قلت وحديث عائشة هذا قد رواه البزار في مسنده وقال هذا الحديث لا يعلم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا من هذا الوجه وقد روى عن عائشة من غير هذا الوجه موقوفا والله أعلم ( فصل) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ جميع ما حكم مسلم رحمه الله بصحته فى هذا الكتاب فهو مقطوع بصحته والعلم النظرى حاصل بصحته فى نفس الأمر وهكذا ما حكم البخارى بصحته فى كتابه وذلك لان الأمة تلقت ذلك بالقبول سوى من لا يعتد بخلافه ووفاقه فى الاجماع قال الشيخ والذى نختاره أن تلقى الأمة للخبر المنحط عن درجة التواتر بالقبول يوجب العلم النظرى بصدقه خلافا لبعض محققى الاصوليين حيث نفى ذلك بناء على أنه لا يفيد فى حق كل منهم الا الظن وانما قبله لانه يجب عليه العمل بالظن والظن قد يخطىء قال الشيخ وهذا مندفع لان ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطىء والامة في اجماعها معصومة من الخطأ وقد قال امام الحرمين لو حلف انسان بطلاق امرأته أن ما في كتابي البخاري ومسلم مما حكما بصحته مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ألزمته الطلاق ولا حنثته لاجماع علماء المسلمين

على صحتها قال الشيخ ولقائل أن يقول انه لا يحنث ولو لم يجمع المسلمون على صحتها للشك في الحنث فانه لو حلف بذلك في حديث ليست هذه صفته لم يحنث وان كان راويه فاسقا فعدم الحنث حاصل قبل الاجماع فلا يضاف إلى الاجماع قال الشيخ والجواب أن المضاف إلى الاجماع هو القطع بعدم الحنث ظاهرا وباطنا وأما عند الشك فعدم الحنث محكوم به ظاهرا مع احتمال وجوده باطنا فعلى هذا يحمل كلام امام الحرمين فهو اللائق بتحقيقه فاذا علم هذا فما أخذ على البخاري ومسلم وقدح فيه معتمد من الحفاظ فهو مستنثى مما ذكرناه لعدم الاجماع على تلقيه بالقبول وما ذلك الا في مواضع قليلة سننبة على ما وقع في هذا الكتاب منها ان شاء الله تعالى وهذا آخِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو رَحِمَهُ الله هنا وقال في جزء له ما اتفق البخاري ومسلم على اخراجه فهو مقطوع بصدق مخبره ثابت يقينا لتلقى الأمة ذلك بالقبول وذلك يفيد العلم النظري وهو في افادة العلم كالمتواتر الا أن المتواتر يفيد العلم الضروري وتلقى الامة بالقبول يفيد العلم النظري وقد اتفقت الأمة على أن ما اتفق البخاري ومسلم على صحته فهو حق وصدق قال الشيخ في علوم الحديث وقد كنت أميل إلى أن ما اتفقنا عليه فهو مظنون وأحسبه مذهبا قويا وقد بان لي الآن أنه ليس كذلك وان الصواب أنه يفيد العلم وهذا الذي ذكره الشيخ في هذه المواضع خلاف ما قاله المحققون والاكثرون فانهم قالوا أحاديث الصحيحين التي ليست بمتواترة انما تفيد الظن فإنها آحاد والآحاد انما تفيد الظن على ما تقرر ولا فرق بين البخاري ومسلم وغيرهما في ذلك وتلقى الأمة بالقبول انما أفادنا وجوب العمل بما فيهما وهذا متفق عليه فان أخبار الآحاد التي في غيرهما يجب العمل بها اذا صحت أسانيدها ولا تفيد الا الظن فكذا الصحيحان وانما يفترق الصحيحان وغيرهما من الكتب في كون ما فيهما صحيحا لا يحتاج إلى النظر فيه بل يجب العمل به مطلقا وما كان في غيرهم لا يعمل به حتى ينظر وتوجد فيه شروط الصحيح ولا يلزم من اجماع الأمة على العمل بما فيهما اجماعهم على أنه مقطوع بأنه كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ اشتد انكار بن برهان الامام على من قال بما قاله الشيخ وبالغ في تغليطه وأما ما قاله الشيخ رحمه الله في تأويل كلام امام الحرمين في عدم الحنث فهو بناء على ما اختاره الشيخ وأما على مذهب الاكثرين فيحتمل أنه أراد أنه لا يحنث ظاهرا ولا يستحب له التزام الحنث حتى تستحب له الرجعة كما لو حلف بمثل ذلك في غير الصحيحين فانا لا نحنثه لكن

فصل

تستحب له الرجعة احتياطا لاحتمال الحنث وهو ظاهر وأما الصحيحان فاحتمال الحنث فيهما في غاية من الضعف فلا تستحب له المراجعة لضعف احتمال موجبها والله أعلم ( فصل) قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله روينا عن أبي قريش الحافظ قال كنت عند أبي زرعة الرازي فجاء مسلم بن الحجاج فسلم عليه وجلس ساعة وتذاكرا فلما قام قلت له هذا جمع أربعة آلاف حديث في الصحيح قال أبو زرعة فلمن ترك الباقي قال الشيخ أراد أن كتابه هذا أربعة آلاف حديث أصول دون المكررات وكذا كتاب البخاري ذكر أنه أربعة آلاف حديث باسقاط المكرر وبالمكرر سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا ثم ان مسلما رحمه الله رتب كتابه على أبواب فهو مبوب في الحقيقة ولكنه لم يذكر تراجم الابواب فيه لئلا يزداد بها حجم الكتاب أو لغير ذلك قلت وقد ترجم جماعة أبوابه بتراجم بعضها جيد وبعضها ليس بجيد إما لقصور في عبارة الترجمة واما لركاكة لفظها واما لغير ذلك وانا ان شاء الله أحرص على التعبير عنها بعبارات تلييق بها في مواطنها والله أعلم فصل سلك مسلم رحمه الله في صحيحه طرقا بالغة في الاحتياط والاتقان والورع والمعرفة وذلك مصرح بكمال ورعة وتمام معرفته وغزارة علومه وشدة تحقيقه بحفظه وتقعدده في هذا الشأن وتمكنه من أنواع معارفه وتبريزه في صناعته وعلو محله في التمييز بين دقائق علومه لا يهتدي اليها الا أفراد في الاعصار فرحمه الله ورضى عنه وأنا أذكره أحرفا من أمثلة ذلك تنبيها بها على ماسواها اذ لا يعرف حقيقة حاله الا من أحسن النظر في كتابه مع كمال أهليته ومعرفته بأنواع العلوم التي يفتقر اليها صاحب هذه الصناعة كالفقه والأصولين والعربية وأسماء الرجال ودقائق علم الاسانيد والتاريخ ومعاشرة أهل هذه الصنعة ومباحثتهم ومع حسن الفكر ونباهة الذهن ومداومة الاشتغال به وغير ذلك من الادوات التي يفتقر اليها فمن تحري مسلم رحمه الله اعتناؤه بالتمييز بين حدثنا وأخبرنا وتقييده ذلك على مشايخه وفي روايته وكان من مذهبه رحمه الله الفرق بينهما وأن حدثنا لا يجوز اطلاقه الا لما سمعه من لفظ الشيخ خاصة وأخبرنا لما قرئ على الشيخ وهذا الفرق هو مذهب الشافعي وأصحابه وجمهور أهل العلم بالمشرق قال محمد بن الحسن الجوهري المصري وهو مذهب أكثر أصحاب الحديث الذين لا يحصيهم أحد وروى هذا المذهب أيضا عن بن جريج والاوزاعي وبن وهب والنسائي وصار هو الشائع الغالب على أهل

الحديث وذهب جماعات إلى أنه يجوز أن تقول فيما قرئ على الشيخ حدثنا وأخبرنا وهو مذهب الزهري ومالك وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان وآخرين من المتقدمين وهو مذهب البخارى وجماعة من المحدثين وهو مذهب معظم الحجازيين والكوفيين وذهبت طائفة إلى أنه لا يجوز اطلاق حدثنا ولا أخبرنا فى القراءة وهو مذهب بن المبارك ويحيى بن يحيى وأحمد بن حنبل والمشهور عن النسائى والله أعلم ومن ذلك اعتناؤه بضبط اختلاف لفظ الرواة كقوله حدثنا فلان وفلان واللفظ لفلان قال أو قالا حدثنا فلان وكما اذا كان بينهما اختلاف فى حرف من متن الحديث أو صفة الراوى أونسبه أونحو ذلك فانه يبينه وربما كان بعضه لا يتغير به معنى وربما كان فى بعضه اختلاف فى المعنى ولكن كان خفيا لا يتفطن له الا ماهر فى العلوم التى ذكرتها فى أول الفصل مع اطلاع على دقائق الفقه ومذاهب الفقهاء وسترى فى هذا الشرح من فوائد ذلك ما تقر به عينيك ان شاء الله تعالى وينبغى أن ندقق النظر فى فهم غرض مسلم من ذلك ومن ذلك تحريه فى رواية صحيفة همام بن منبه عن أبى هريرة كقوله حدثنا محمد بن رافع قال حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا توضأ أحدكم فليستنشق) الحديث وذلك لان الصحائف والاجزاء والكتب المشتملة على أحاديث باسناد واحد اذا اقتصر عند سماعها على ذكر الاسناد فى أولها ولم يجدد عند كل حديث منها وأوراد انسان ممن سمع كذلك أن يفرد حديثنا منها غير الاول بالاسناد المذكور فى أولها فهل يجوز له ذلك قال وكيع بن الجراح ويحيى بن معين وأبو بكر الاسماعيلى الشافعى الامام فى الحديث والفقه والأصول يجوز ذلك وهذا مذهب الاكثرين من العلماء لأن الجميع معطوف على الاول فالاسناد المذكور أولا في حكم المعاد في كل حديث وقال الاستاذ أبو إسحاق الاسفراينى الفقيه الشافعي الامام في علم الاصولين والفقه وغير ذلك لا يجوز ذلك فعلى هذا من سمع هكذا فطريقه أن يبين ذلك كما فعله مسلم فمسلم رحمه الله سلك هذا الطريق ورعا واحتياطا وتحريا واتقانا رضى الله عنه ومن ذلك تحريه في مثل قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سليمان يعنى بن بلال عن يحيى وهو بن سعيد فلم يستجز رضى الله عنه أن يقول سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد لكون لم يقع في روايته منسوبا فلو قاله منسوبا لكان مخبرا عن شيخه أنه أخبره بنسبه

فصل

ولم يخبره وسأذكره هذا بعد هذا في فصل مختص به ان شاء الله تعالى ومن ذلك احتياطه في تلخيص الطرق وتحول الاسانيد مع ايجاز العبارة وكمال حسنها ومن ذلك حسن ترتيبه وترصيفه الأحاديث على نسق يقتضيه تحقيقه وكمال معرفته بمواقع الخطاب ودقائق العلم وأصول القواعد وخفيات علم الاسانيد ومراتب الرواة وغير ذلك (فصل) ذكر مسلم رحمه الله في أول مقدمة صحيحه أنه يقسم الأحاديث ثلاثة أقسام الاول ما رواه الحفاظ المتقنون والثاني ما رواه المستورون المتوسطون في الحفظ والاتقان والثالث ما رواه الضعفاء والمتركون وأنه اذا فرع من القسم الاول أتبعه الثاني وأما الثالث فلا يعرج عليه فاختلف العلماء في مراده بهذا التقسيم فقال الامامان الحافظان أبو عبد الله الحاكم وصاحبه أبو بكر البيهقي رحمهما الله أن المنية اخترمت مسلما رحمه الله قبل اخراج القسم الثاني وانه إنما ذكر القسم الاول قال القاضي عياض رحمه الله وهذا مما قبله الشيوخ والناس من الحاكم أبي عبد الله وتابعوه عليه قال القاضي وليس الأمر على ذلك لمن حقق نظره ولم يتقيد بالتقليد فانك اذا نظرت تقسيم مسلم في كتابة الحديث على ثلاث طبقات من الناس كما قال فذكر أن القسم الاول حديث الحفاظ وأنه اذا انقضى هذا أتبعه بأحاديث من لم يوصف بالحذق والاتقان مع كونهم من أهل الستر والصدق وتعاطى العلم ثم أشار إلى ترك حديث من أجمع العلماء أو اتفق الاكثر منهم على تهمته ونفى من اتهمه بعضهم وصححه بعضهم فلم يذكره هنا ووجدته ذكر في أبواب كتابه حديث الطبقتين الاوليين وأتى بأسانيد الثانية منهما على طريق الاتباع للاولى والاستشهاد أو حيث لم يجد في الباب الأول شيئا وذكر أقواما تكلم قوم فيهم وزكاهم آخرون وخرج حديثهم ممن ضعف أو اتهم ببدعة وكذلك فعل البخارى فعندى أنه أتى بطبقاته الثلاث في كتابه على ما ذكر ورتب في كتابه وبينه في تقسيمه وطرح الرابعة كما نص عليه فالحاكم تأول أنه إنما أراد أن يفرد لكل طبقة كتابا ويأتى بأحاديها خاصة مفردة وليس ذلك مراده بل انما أراد بما ظهر من تأليفه وبان من غرضه أن يجمع ذلك في الأبواب ويأتى بأحاديث الطبقتين فيبدأ بالاولى ثم يأتى بالثانية على طريق الاستشهاد والاتباع حتى استوفى جميع الاقسام الثلاثة ويحتمل أن يكون أراد بالطبقات الثلاث الحفاظ ثم الذين يلونهم والثالثة هي التي طرحها وكذلك علل الحديث التي ذكر ووعد أنه يأتي بها قد جاء بها في مواضعها من

فصل

الأبواب من اختلافهم في الاسانيد كالارسال والاسناد والزيادة والنقص وذكر تصاحيف المصحفين وهذا يدل على استيفائه غرضه في تأليفه وادخاله في كتابه كلما وعد به قال القاضي رحمه الله وقد فاوضت في تأويلي هذا ورأيى فيه من يفهم هذا الباب فما رأيت منصفا الا صوبه وبان له ما ذكرت وهو ظاهر لمن تأمل الكتاب وطالع مجموع الأبواب ولا يعترض على هذا بما قاله بن سفيان صاحب مسلم أن مسلما أخرج ثلاثة كتب من المسندات أحدها هذا الذي قرأه على الناس والثاني يدخل فيه عكرمة وبن إسحاق صاحب المغازي وأمثالها والثالث يدخل فيه من الضعفاء فانك اذا تأملت ما ذكر بن سفيان لم يطابق الغرض الذي أشار إليه الحاكم مما ذكر مسلم في صدر كتابه فتأمله تجده كذلك إن شاء الله تعالى هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وهذا الذي اختاره ظاهر جدا والله اعلم ( فصل) ألزم الامام الحافظ أبوالحسن على بن عمر الدارقطني رحمه الله وغيره البخارى ومسلما رضي الله عنهما اخراج احاديث تركا اخراجها مع أن أسانيدها أسانيد قد أخرجا لرواتها في صحيحهما بها وذكر الدارقطنى وغيره أن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم رووا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورويت أحاديثهم من وجوه صحاح لامطعن في ناقليها ولم يخرجا من أحاديثهم شيئا فيلزمهما اخراجها على مذهبيهما وذكر البيهقى أنهما اتفقا على أحاديث من صحيفة همام بن منبه وأن كل واحد منهما انفرد عن الآخر بأحاديث منها مع أن الاسناد واحد وصنف الدارقطنى وأبو ذر الهروى في هذا النوع الذي ألزموهما وهذا الالزام ليس بلازم في الحقيقة فانهما لم يلتزما استيعاب الصحيح بل صح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه وانما قصدا جمع جمل من الصحيح كما يقصد المصنف في الفقه جمع جملة من مسائله لا أنه يحصر جميع مسائله لكنهما اذا كان الحديث الذي تركاه أو تركه أحدهما مع صحة اسناده في الظاهر أصلا في بابه ولم يخرجا له نظيرا ولا ما يقوم مقامه فالظاهر من حالها أنهما اطلعا فيه على علة ان كانا روياه ويحتمل أنهما تركاه نسيانا أو ايثارا لترك الاطالة أو رأيا أن غيره مما ذكراه يسد مسده أولغير ذلك والله أعلم فصل عاب عائبون مسلما بروايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء والمتوسطين الواقعين في الطبقة الثانية الذين ليسوا من شرط الصحيح ولا عيب عليه في ذلك بل جوابه من أوجه

ذكرها الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ الله أحدها أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده ولا يقال الجرح مقدم على التعديل لان ذلك فيما اذا كان الجرح ثابتا مفسر السبب والا فلا يقبل الجرح اذا لم يكن كذا وقد قال الامام الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي وغيره ما احتج البخارى ومسلم وأبو داود به من جماعة علم الطعن فيهم من غيرهم محمول على أنه لم يثبت الطعن المؤثر مفسر السبب الثاني أن يكون ذلك واقعا في المتابعات والشواهد لافي الأصول وذلك بأن يذكر الحديث أولا باسناد نظيف رجاله ثقات ويجعله أصلا ثم يتبعه باسناد آخر أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد بالمتابعة أو لزيادة فيه تنبه على فائدة فيما قدمه وقد اعتذر الحاكم أبو عبد الله بالمتابعة والاستشهاد في اخراجه عن جماعة ليسوا من شرط الصحيح منهم مطر الوراق وبقية بن الوليد ومحمد بن إسحاق بن يسار وعبد الله بن عمر العمرى والنعمان بن راشد وأخرج مسلم عنهم في الشواهد في أشباه لهم كثيرين الثالث أن يكون ضعف الضعيف الذى احتج به طرأ بعد أخذه عنه باختلاط حدث عليه فهو غير قادح فيما رواه من قبل في زمن استقامته كما في أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن أخي عبد الله بن وهب فذكر الحاكم أبو عبد الله أنه اختلط بعد الخمسين ومائتين بعد خروج مسلم من مصر فهو في ذلك كسعيد بن أبي عروبة وعبد الرازق وغيرهما ممن اختلط آخرا ولم يمنع ذلك من صحة الاحتجاج في الصحيحين بما أخذ عنهم قبل ذلك الرابع أن يعلو بالشخص الضعيف اسناده وهو عنده من رواية الثقات نازل فيقتصر على العالى ولا يطول باضافة النازل إليه مكتفيا بمعرفه أهل الشأن في ذلك وهذا العذر قد رويناه عنه تنصيصا وهو خلاف حاله فيما رواه عن الثقات أولا ثم أتبعه بمن دونهم متابعة وكأن ذلك وقع منه على حسب حضور باعث النشاط وغيبته روينا عن سعيد بن عمرو البرذعى أنه حضر أبا زرعة الرازي وذكر صحيح مسلم وانكار أبي زرعة عليه روايته فيه عن اسباط بن نصر وقطن بن نسير وأحمد بن عيسى المصرى وأنه قال أيضا يطرق لاهل البدع علينا فيجدون السبيل بأن يقولوا اذا احتج عليهم بحديث ليس هذا في الصحيح قال سعيد بن عمرو فلما رجعت إلى نيسابور ذكرت لمسلم انكار أبي زرعة فقال لي مسلم انما قلت صحيح وانما أدخلت من حديث اسباط وقطن وأحمد ما قد رواه الثقات عن شيوخهم الا أنه ربما وقع إلى عنهم بارتفاع ويكون عندي من رواية أوثق منهم بنزول فأقتصر على ذلك

فصل فى بيان جملة من الكتب المخرجة على صحيح مسلم

وأصل الحديث معروف من رواة الثقات قال سعيد وقدم مسلم بعد ذلك الرى فبلغنى أنه خرج إلى أبى عبد الله محمد بن مسلم بن وارة فجفاه وعاتبه على هذا الكتاب وقال له نحوا مما قاله لى أبو زرعة ان هذا يطرق لاهل البدع فاعتذر مسلم وقال انما أخرجت هذا الكتاب وقلت هو صحاح ولم أقل ان ما لم أخرجه من الحديث فى هذا الكتاب فهو ضعيف وانما أخرجت هذا الحديث من الصحيح ليكون مجموعا عندى وعند من يكتبه عنى ولا يرتاب فى صحته فقبل عذره وحمده قال الشيخ وقد قدمنا عن مسلم أنه عرضت كتابى هذا على أبى زرعة الرازى فكل ما أشار أن له علة تركته وكل ما قال انه صحيح وليس له علة فهو هذا الذى أخرجته قال الشيخ فهذا مقام وعر وقد مهدته بواضح من القول لم أره مجتمعا فى مؤلف ولله الحمد قال وفيما ذكرته دليل على أن حكم لشخص بمجرد رواية مسلم عنه فى صحيحه بأنه من شرط الصحيح عند مسلم فقد غفل وأخطأ بل يتوقف ذلك على النظر فى أنه كيف روى عنه على ما بيناه من انقسام ذلك والله أعلم ( فصل فى بيان جملة من الكتب المخرجة على صحيح مسلم) فقد صنف جماعات من الحفاظ على صحيح مسلم كتبا وكان هؤلاء تأخروا عن مسلم وأدركواالاسانيد العالية وفيهم من أدرك بعض شيوخ مسلم فخرجوا أحايث مسلم فى مصنفاتهم المذكورة بأسانيدهم تلك قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله فهذه الكتب المخرجة تلتحق بصحيح مسلم فى أن لها سمة الصحيح وان لم تلتحق به فى خصائصه كلها ويستفاد من مخرجاتهم ثلاث فوائد علو الاسناد وزيادة قوة الحديث بكثرة طرقه وزيادة ألفاظ صحيحة مفيدة ثم انهم لم يلتزموا موافقته فى اللفظ لكونهم يروونها بأسانيد أخر فيقع فى بعضها تفاوت فمن هذه الكتب المخرجة على صحيح مسلم كتاب العبد الصالح أبى جعفر أحمد بن أحمد بن حمدان النيسابورى الزاهد العابد ومنها المسند الصحيح لابى بكر محمد بن محمد بن رجا النيسابورى الحافظ وهو متقدم يشارك مسلما فى أكثر شيوخه ومنها مختصر المسند الصحيح المؤلف على كتاب مسلم للحافظ أبى عوانة يعقوب بن إسحاق الاسفراينى روى فيه عن يونس بن عبد الاعلى وغيره من شيوخ مسلم ومنها كتاب أبى حامد الشازكى الفقيه الشافعى الهروى يروى عن أبى يعلى الموصلى ومنها المسند الصحيح لأبى بكر محمد بن عبد الله الجوزقى النيسابورى الشافعى ومنها المسند المستخرج على كتاب

فصل

مسلم للحافظ المصنف أبى نعيم أحمد بن عبد الله الاصبهانى ومنها المخرج على صحيح مسلم للامام أبى الوليد حسان بن محمد القرشى الفقيه الشافعى وغير ذلك والله أعلم ( فصل) قد استدرك جماعة على البخارى ومسلم أحاديث أخلا بشرطهما فيها ونزلت عن درجة ما التزماه وقد سبقت الاشارة إلى هذا وقد ألف الامام الحافظ أبو الحسن على بن عمر الدارقطنى فى بيان ذلك كتابه المسمى بالاستدراكات والتتبع وذلك فى مائتى حديث مما فى الكتابين ولابى مسعود الدمشقى أيضا عليهما استدراك ولابى على الغسانى الجيانى فى كتابه تقييد المهمل فى جزء العلل منه استدراك أكثره على الرواة عنهما وفيه ما يلزمهما وقد أجيب عن كل ذلك أو أكثره وستراه فى مواضعه ان شاء الله تعالى والله أعلم فصل في معرفة الحديث الصحيح وبيان الحسن والضعيف وأنواعها قال العلماء الحديث ثلاثة أقسام صحيح وحسن وضعيف ولكل قسم أنواع فأما الصحيح فهو ما اتصل سنده بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علة فهذا متفق على أنه صحيح فان اختل بعض هذه الشروط ففيه خلاف وتفصيل نذكره ان شاء الله تعالى وقال الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ابراهيم بن الخطاب الخطابى الفقيه الشافعى المتفنن الحديث عند أهله ثلاثة أقسام صحيح وحسن وسقيم فالصحيح ما اتصل سنده وعدلت نقلته والحسن ما عرف مخرجه واشتهر رجاله وعليه مدار أكثر الحديث وهو الذي يقبله أكثر العلماء وتستعمله عامة الفقهاء والسقيم على ثلاث طبقات شرها الموضوع ثم المقلوب ثم المجهول قال الحاكم أبو عبد الله النيسابورى في كتابه المدخل إلى كتاب الاكليل الصحيح من الحديث عشرة أقسام خمسة متفق عليها وخمسة مختلف فيها فالاول من المتفق عليه اختيار البخارى ومسلم وهو الدرجة الاولى من الصحيح وهو أن لا يذكر الا ما رواه صحابى مشهور عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له راويان ثقتان فأكثر ثم يرويه عنه تابعى مشهور بالرواية عن الصحابة له أيضا روايان ثقتان فأكثر ثم يرويه عنه من تباع الاتباع الحافظ المتقن المشهور على ذلك الشرط ثم كذلك قال الحاكم والاحاديث المروية بهذه الشريطة لا يبلغ عددها عشرة آلاف حديث القسم الثاني مثل الاول الا أن رواية من الصحابة ليس له الا راو واحد القسم الثالث مثل الاول الا أن رواية من التابعين ليس له إلا راو واحد القسم الرابع الأحاديث الافراد الغرائب التي رواها الثقات العدول

القسم الخامس أحاديث جماعة من الائمة عن آبائهم عن أجدادهم ولم تتواتر الرواية عن آبائهم عن أجدادهم بها الا عنهم كصحيفة عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده واياس بن معاوية عن ابيه عن جده وأجدادهم صحابيون وأحفادهم ثقات قال الحاكم فهذه الاقسام الخمسة مخرجة في كتب الائمة فيحتج بها وان لم يخرج منها في الصحيحين حديث يعنى غير القسم الاول قال والخمسة المختلفة فيها المرسل وأحاديث المدلسين اذا لم يذكروا سماعهم وما أسنده ثقة وأرسله جماعة من الثقاة وروايات الثقاة غير الحفاظ العارفين وروايات المبتدعة اذا كانوا صادقين فهذا آخر كلام الحاكم وسنتكلم عليه بعد حكاية قول الجياني ان شاء الله تعالى وقال أبو على الغسانى الجيانى الناقلون سبع طبقات ثلاث مقبولة وثلاث متروكة والسابعة مختلف فيها فالأولى أئمة الحديث وحفاظه وهم الحجة على من خالفهم ويقبل انفرادهم الثانية دونهم فى الحفظ والضبط لحقهم فى بعض روايتهم وهم وغلط والغالب على حديثهم الصحة ويصحح ماوهموا فيه من رواية الأولى وهم لاحقون بهم الثالثة جنحت إلى مذاهب من الاهواء غير غالية ولا داعية وصح حديثها وثبت صدقها وقل وهمها فهذه الطبقات احتمل أهل الحديث الرواية عنهم وعلى هذه الطبقات يدور نقل الحديث وثلاث طبقات أسقطهم أهل المعرفة الأولى من وسم بالكذب ووضع الحديث الثانية من غلب عليه الغلط والوهم والثالثة طائفة غلت فى البدعة ودعت اليها وحرفت الروايات وزادت فيها ليحتجوا بها والسابعة قوم مجهولون انفردوا بروايات لم يتابعوا عليها فقبلهم قوم ووقفهم آخرون هذا كلام الغسانى فأما قوله ان أهل البدع والاهواء الذين لا يدعون اليها ولا يغلون فيها يقبلون بلا خلاف فليس كما قال بل فيهم خلاف وكذلك فى الدعاة خلاف مشهور سنذكرهما قريبا ان شاء الله تعالى حيث ذكره الامام مسلم رحمه الله وأما قوله فى المجهولين خلاف فهو كما قال وقد أخل الحاكم بهذا النوع من المختلف فيه ثم المجهول أقسام مجهول العدالة ظاهرا وباطنا ومجهولا باطنا مع وجودها ظاهرا وهو المستور ومجهول العين فأما الاول فالجمهور على أنه لا يحتج به وأما الآخران فاحتج بهما كثيرون من المحققين وأما قول الحاكم ان من لم يرو عنه الا راو واحد فليس هو من شرط البخارى ومسلم فمردود غلطه الائمة فيه باخراجهما حديث المسيب بن حزن والد سعيد بن المسيب فى وفاة أبى طالب لم يرو عنه غير ابنه سعيد وباخراج البخارى حديث عمرو بن تغلب (انى لأعطى الرجل

فصل في ألفاظ يتداولها أهل الحديث

والذى أدع أحب إلى) لم يرو عنه غير الحسن وحديث قيس بن أبى حازم عن مرداس الاسلمى (يذهب الصالحون) لم يرو عنه غير قيس وباخراج مسلم حديث رافع بن عمرو الغفارى لم يرو عنه غير عبد الله بن الصامت وحديث ربيعة بن كعب الاسلمى لم يرو عنه غير أبى سلمة ونظائر فى الصحيحين لهذا كثيرة والله أعلم وأما الاقسام المختلف فيها فسأعقد فى كل واحد منها فصلا ان شاء الله تعالى ليكون أسهل فى الوقوف عليه هذا ما يتعلق بالصحيح وأما الحسن فقد تقدم قول الخطابى رحمه الله انه ما عرف مخرجه واشتهر رجاله وقال أبو عيسى الترمذى الحسن ما ليس فى اسناده من يتهم وليس بشاذ وروى من غير وجه وضبط الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ الله الحسن فقال هو قسمان أحدهما الذى لا يخلو اسناده من مستور لم تتحقق أهليته وليس كثير الخطأ فيما يرويه ولا ظهر منه تعمد الكذب ولا سبب آخر مفسق ويكون متن الحديث قد عرف بأن روى مثله أو نحوه من وجه آخر القسم الثانى أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والامانة ولم يبلغ درجة رجال الصحيح لقصوره عنهم فى الحفظ والاتقان الا أنه مرتفع عن حال من يعد تفرده منكرا قال وعلى القسم الاول ينزل كلام الترمذى وعلى الثاني كلام الخطابى فاقتصر كل واحد منهما على قسم رآه خفيا ولا بد في القسمين من سلامتهما من الشذوذ والعلة ثم الحسن وان كان دون الصحيح فهو كالصحيح في جواز الاحتجاج به والله أعلم وأما الضعيف فهو مالم يوجد فيه شروط الصحة ولا شروط الحسن وأنواعه كثيرة منها الموضوع والمقلوب والشاذ والمنكر والمعلل والمضطرب وغير ذلك ولهذه الانواع حدود وأحكام وتفريعات معروفة عند أهل هذه الصنعة وقد أتقنها مع ما يحتاج إليه طالب الحديث من الأدوات والمقدمات ويستعين به في جميع الحالات الامام الحافظ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ فِي كِتَابِهِ عُلُومُ الحديث وقد اختصرته وسهلت طريق معرفته لمن أراد تحقيق هذا الفن والدخول في زمرة أهله ففيه من القواعد والمهمات ما يلتحق به من حققه وتكاملت معرفته له بالحفاظ المتقنين ولا يسبقونه الا بكثرة الاطلاع على طرق الحديث فان شاركهم فيها لحقهم والله أعلم ( فصل في ألفاظ يتداولها أهل الحديث) المرفوع ما أضيف إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة لا يقع مطلقه على غيره سواء كان متصلا أو منقطعا وأما الموقوف فما أضيف إلى الصحابي قولا له او فعلا أو نحوه متصلا كان أو منقطعا ويستعمل في غيره مقيدا

فصل اذا قال الصحابى كنا نقول أونفعل أو يقولون أو

فيقال حديث كذا وفقه فلان على عطاء مثلا وأما المقطوع فهو الموقوف على التابعى قولا له أو فعلا متصلا كان أو منقطعا وأما المنقطع فهو ما لم يتصل اسناده على أى وجه كان انقطاعه فان كان الساقط رجلين فأكثر سمى أيضا معضلا بفتح الضاد المعجمة وأما المرسل فهو عند الفقهاء وأصحاب الأصول والخطيب الحافظ أبى بكر البغدادى وجماعة من المحدثين ما انقطع اسناده على أى وجه كان انقطاعه فهو عندهم بمعنى المنقطع وقال جماعات من المحدثين أو أكثرهم لا يسمى مرسلا الا ما أخبر فيه التابعى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم مذهب الشافعى والمحدثين أو جمهورهم وجماعة من الفقهاء أنه لا يحتج بالمرسل ومذهب مالك وأبى حنيفة وأحمد وأكثر الفقهاء أنه يحتج به ومذهب الشافعى أنه اذا انضم إلى المرسل ما يعضده احتج به وذلك بأن يروى أيضا مسندا أو مرسلا من جهة أخرى أو يعمل به بعض الصحابة أو أكثر العلماء وأما مرسل الصحابى وهو روايته ما لم يدركه أو يحضره كقول عائشة رضى الله عنها أول ما بدىء بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الوحى الرؤيا الصالحة فمذهب الشافعى والجماهير أنه يحتج به وقال الاستاذ الامام أبو إسحاق الاسفراينى الشافعى لا يحتج به الا أن يقول انه لا يروى الا عن صحابى والصواب الاول ( فصل اذا قال الصحابى كنا نقول أونفعل أو يقولون أو يفعلون كذا أو كنا لا نرى أو لايرون بأسا بكذا) اختلفوا فيه فقال الامام أبو بكر الاسماعيلى لايكون مرفوعا بل هو موقوف وسنذكر حكم الموقوف فى فصل بعد هذا ان شاء الله تعالى وقال الجمهور من المحدثين وأصحاب الفقه والأصول ان لم يضفه إلى زمن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ بمرفوع بل هو موقوف وان أضافه فقال كنا نفعل فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو فى زمنه أو وهو فينا أو بين أظهرنا أونحو ذلك فهو مرفوع وهذا هو المذهب الصحيح الظاهر فانه اذا فعل فى زمنه صلى الله عليه وسلم فالظاهر اطلاعه عليه وتقريره اياه صلى الله عليه وسلم وذلك مرفوع وقال آخرون ان كان ذلك الفعل مما لا يخفى غالبا كان مرفوعا والا كان موقوفا وبهذا قطع الشيخ أبو إسحاق الشيرازى الشافعى والله أعلم وأما اذا قال الصحابى أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا أو من السنة كذا فكله مرفوع على المذهب الصحيح الذى قاله الجماهير من أصحاب الفنون وقيل موقوف وأما اذا قال التابعى من السنة كذا فالصحيح أنه موقوف وقال بعض أصحابنا الشافعيين

فصل اذا قال الصحابى قولا أو فعل فعلا فقد قدمنا

انه مرفوع مرسل وأما اذا قيل عند ذكر الصحابى يرافعه أو ينهيه أو يبلغ به أو رواية فكله مرفوع متصل بلا خلاف أما اذا قال التابعى كانوا يفعلون فلا يدل على فعل جميع الأمة بل على بعض الأمة فلا حجة فيه الا أن يصرح بنقله عن أهل الاجماع فيكون نقلا للاجماع وفى ثبوته بخبر واحد خلاف ( فصل اذا قال الصحابى قولا أو فعل فعلا فقد قدمنا أنه يسمى موقوفا وهل يحتج به فيه تفصيل واختلاف) قال أصحابنا إن ينتشر فليس هو اجماعا وهل هو حجة فيه قولان للشافعى رحمه الله وهما مشهوران أصحهما الجديد أنه ليس بحجة والثانى وهو القديم أنه جحة فان قلنا هو حجة قدم على القياس ولزم التابعى وغيره العمل به ولم تجز مخالفته وهل يخص به العموم فيه وجهان واذا قلنا ليس بحجة فالقياس مقدم عليه ويجوز للتابعى مخالفته فأما اذا اختلف الصحابة رضى الله عنهم على قولين فان قلنا بالجديد لم يجز تقليد واحد من الفريقين بل يطلب الدليل وان قلنا بالقديم فهما دليلان تعارضا فيرجح أحدهما على الآخر بكثرة العدد فان استوى العدد قدم بالائمة فيقدم ما عليه امام منهم على مالا امام عليه فان كان الذى على أحدهما أكثر عددا ومع الاقل امام فهما سواء فان استويا فى العدد والائمة الا أن فى أحد الشيخين أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَفِي الآخر غيرهما ففيه وجهان لاصحابنا أحدهما أنهما سواء والثانى يقدم ما فيه أحد الشيخين هذا كله اذا انتشر أما اذا لم ينتشر فان خولف فحكمه ما ذكرناه وان لم يخالف ففيه خمسة أوجه لاصحابنا العراقيين الأربعة الأولى منها وهى مشهورة فى كتبهم فى الأصول وفى أوائل كتب الفروع أحدهما أنه حجة واجماع وهذا الوجه هو الصحيح عندهم والثانى أنه حجة وليس باجماع والثالث ان كان فتوى فقيه فهو حجة وان كان حكم امام أو حاكم فليس بحجة وهو قول أبى على بن أبى هريرة والرابع ضده ان كان فتيا لم يكن حجة وان كان حاكما أواماما كان اجماعا والخامس أنه ليس باجماع ولا حجة وهذا الوجه هو المختار عند الغزالى فى المستصفى اما اذا قال التابعى قولا لم ينتشر فليس بحجة بلا خلاف وان انتشر وخولف فليس بحجة بلا خلاف وان انتشر ولم يخالف فظاهر كلام جماهير أصحابنا أن حكمه حكم قول الصحابى المنتشر من غير مخالفة وحكى بعض لأصحابنا فيه وجهين أصحهما هذا والثانى ليس بحجة قال صاحب الشامل من أصحابنا الصحيح أنه يكون اجماعا وهذا هو الأفقه ولا فرق فى هذا

فصل فى الاسناد المعنعن

بين الصحابى والتابعى وقد ذكرت هذا الفصل بدلائله وايضاحه ونسبة هذه الاختلافات إلى قائلها من شرح المهذب على وجه حسن مختصر وحذفت ذلك هنا اختصارا والله أعلم ( فصل فى الاسناد المعنعن) وهو فلان عن فلان قال بعض العلماء هو مرسل والصحيح الذى عليه العمل وقاله الجماهير من أصحاب الحديث والفقه والأصول انه متصل بشرط أن يكون المعنعن غير مدلس وبشرط امكان لِقَاءُ مَنْ أُضِيفَتِ الْعَنْعَنَةُ إِلَيْهِمْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وفى اشتراط ثبوت اللقاء وطول الصحبة ومعرفته بالرواية عنه خلاف منهم من لم يشترط شيئا من ذلك وهو مذهب مسلم ادعى الاجماع عليه وسيأتى الكلام عليه حيث أذكره فى أواخر مقدمة الكتاب ان شاء الله تعالى ومنهم من شرط ثبوت اللقاء وحده وهو مذهب على بن المدينى والبخارى وأبى بكر الصيرفى الشافعى والمحققين وهو الصحيح ومنهم من شرط طول الصحبة وهو قول أبى المظفر السمعانى الفقيه الشافعى ومنهم من شرط ان يكون معروفا بالرواية عنه وبه قال أبو عمرو المقرئ وأما اذا قال حدثنا الزهري أن بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ كَذَا أَوْ حَدَّثَ بِكَذَا أو فعل أو ذكر أو روى أو نحو ذلك فقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وجماعة لا يلتحق ذلك بعن بل يكون منقطعا حتى يبين السماع وقال الجماهير هو كعن محمول على السماع بالشرط المقدم وهذا هو الصحيح وفى هذا الفصل فوائد كثيرة ينتفع بها ان شاء الله تعالى فى معرفة هذا الكتاب وسترى ما يترتب عليه من الفوائد ان شاء الله تعالى حيث تمر بمواضيعها من الكتاب ويستدل بذلك على غزارة علم مسلم رضى الله عنه وشدة تحريه واتقانه وانه ممن لا يساوى فى هذا بل لايدانى رضى الله عنه فصل زيادات الثقة مقبولة مطلقا عند الجماهير من أهل الحديث والفقه والأصول وقيل لا تقبل وقيل تقبل ان زادها غير من رواه ناقصا ولا تقبل ان زادها هو وأما اذا روى العدل الضابط المتقن حديثا انفرد به فمقبول بلا خلاف نقل الخطيب البغدادى اتفاق العلماء عليه وأما اذا رواه بعض الثقات الضابطين متصلا وبعضهم مرسلا أو بعضهم موقوفا وبعضهم مرفوعا أو وصله هو أو رفعه فى وقت وأرسله أو وقفه فى وقت فالصحيح الذى قاله المحققون من الحديث وقاله الفقهاء وأصحاب الأصول وصححه الخطيب البغدادى أن الحكم لمن وصله أو رفعه سواء كان المخالف له مثله أو أكثر وأحفظ لأنه زيادة ثقة وهى مقبولة وقيل الحكم

فصل

لمن أرسله أو وقفه قال الخطيب وهو أكثر قول المحدثين وقيل الحكم للاكثر وقيل للاحفظ ( فصل) التدليس قسمان أحدهما أن يروى عمن عاصره ما لم يسمع منه موهما سماعه قائلا فلان أو عن فلان أو نحوه وربما لم يسقط شيخه وأسقط غيره لكونه ضعيفا أو صغيرا تحسينا لصورة الحديث وهذا القسم مكروه جدا ذمه أكثر العلماء وكان شعبة من أشدهم ذما له وظاهر كلامه أنه حرام وتحريمه ظاهر فانه يوهم الاحتجاج بما لا يجوز الاحتجاج به ويتسبب أيضا إلى اسقاط العمل بروايات نفسه مع ما فيه من الغرور ثم ان مفسدته دائمة وبعض هذا يكفى فى التحريم فكيف باجتماع هذه الأمور ثم قال فريق من العلماء من عرف منه هذا التدليس صار مجروحا لا يقبل له رواية فى شيء أبدا وان بين السماع والصحيح ما قاله الجماهير من الطوائف أن ما رواه بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع فهو مرسل وما بينه فيه كسمعت وحدثنا وأخبرنا وشبهها فهو صحيح مقبول يحتج به وفى الصحيحين وغيرهما من كتب الأصول من هذا الضرب كثير لا يحصى كقتادة والاعمش والسفيانين وهشيم وغيرهم ودليل هذا أن التدليس ليس كذبا واذا لم يكن كذبا وقد قال الجماهير أنه ليس محرما والراوى عدل ضابط وقد بين سماعه وجب الحكم بصحته والله أعلم ثم هذا الحكم فى المدلس جاز فيمن دلس مرة واحدة ولا يشترط تكرره منه واعلم أن ما كان فى الصحيحين عند المدلسين بعن ونحوها فمحمول على ثبوت السماع من جهة أخرى وقد جاء كثير منه فى الصحيح بالطريقتين جميعا فيذكر رواية المدلس بعن ثم يذكرها بالسماع ويقصد به هذا المعنى الذى ذكرته وسترى من ذلك ان شاء الله تعالى جملا مما ننبه عليه فى مواضعه ان شاء الله تعالى وربما مررنا بشيء منه على قلة من غير تنبيه عليه اكتفاء بالتنبيه على مثله قريبا منه والله أعلم وأما القسم الثانى من التدليس فانه يسمى شيخه أو غيره أو ينسبه أو يصفه أو يكنيه بما لا يعرف به كراهة أن يعرف ويحمله على ذلك كونه ضعيفا أو صغيرا أو يستنكف أن يروى عنه لمعنى آخر أو يكون مكثرا من الرواية عنه فيريد أن يغيره كراهة تكرير الرواية عنه على صورة واحدة أو لغير ذلك من الاسباب وكراهة هذا القسم أخف وسببها توحد طريقة معرفته والله أعلم فصل فى معرفة الاعتبار والمتابعة والشاهد والافراد والشاذ والمنكر فإذا روى حماد مثلا حديثا عن أيوب عن بن سيرين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ص

فصل فى حكم المختلط

ينظر هل رواة ثقة غير حماد عن أيوب أو عن بن سيرين غير أيوب أو عن أبى هريرة غير بن سيرين أو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ أبى هريرة فأى ذلك وجد علم أن له أصلا يرجع إليه فهذا النظر والتفتيش يسمى اعتبارا وأما المتابعة فأن يرويه عن أيوب غير حماد أو عن بن سيرين غير أيوب أو عن أبى هريرة غير بن سيرين أو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ أبى هريرة فكل واحد من هذه الاقسام يسمى متابعة وأعلاها الأولى وهى متابعة حماد فى الرواية عن أيوب ثم ما بعدها على الترتيب وأما الشاهد فأن يروى حديث آخر بمعناه وتسمى المتابعة شاهدا ولا يسمى الشاهد متابعة واذا قالوا فى نحو هذا تفرد به أبو هريرة أو بن سيرين أو أيوب أو حماد كان مشعرا بانتفاء وجوه المتابعات كلها واعلم أنه يدخل فى المتابعات والاستشهاد رواية بعض الضعفاء ولا يصلح لذلك كل ضعيف وانما يفعلون هذا لكون التابع لا اعتماد عليه وانما الاعتماد على من قبله واذا انتفت المتابعات وتمحض فردا فله أربعة أحوال حال يكون مخالفا لرواية من هو أحفظ منه فهذا ضعيف ويسمى شاذا ومنكرا وحال يكون مخالفا ويكون هذا الراوى حافظا ضابطا متقنا فيكون صحيحا وحال يكون قاصرا عن هذا ولكنه قريب من درجته فيكون حديثه حسنا وحال يكون بعيدا عن حاله فيكون شاذا ومنكرا مردودا فتحصل أن الفرد قسمان مقبول ومردود والمقبول ضربان فرد لايخالف وراويه كامل الاهلية وفرد هو قريب منه والمردود أيضا ضربان فرد مخالف للاحفظ وفرد ليس فى رواية من الحفظ والاتقان ما يجبر تفرده والله أعلم ( فصل فى حكم المختلط) اذا خلط الثقة لاختلال ضبطه بحرف أو هرم أو لذهاب بصره أو نحو ذلك قبل حديث من أخذ عنه قبل الاختلاط ولا يقبل حديث من أخذ بعد الاختلاط أوشككنا فى وقت أخذه فمن المخلطين عطاء بن السائب وأبواسحاق السبيعى وسعيد الجريرى وسعيد بن أبى عروبة وعبد الرحمن بن عبد الله المسعودى وربيعة أستاذ مالك وصالح مولى التؤمة وحصين بن عبد الوهاب الكوفى وسفيان بن عيينة قال يحيى القطان أشهد أنه اختلط سنة سبع وتسعين وتوفى سنة تسع وتسعين وعبد الرزاق بن همام عمى فى آخر عمره فكان يتلقن وعارم اختلط آخرا واعلم أن ما كان من هذا القبيل محتجا به فى الصحيحين فهو مما علم أنه أخذ قبل الاختلاط

فصل فى أحرف مختصرة فى بيان الناسخ والمنسوخ وحكم

( فصل فى أحرف مختصرة فى بيان الناسخ والمنسوخ وحكم الحديثين المختلفين ظاهرا) أما النسخ فهو رفع الشارع حكما منه متقدما بحكم منه متأخر هذا هو المختار فى حده وقد قيل فيه غير ذلك وقد أدخل فيه كثيرون أو الأكثرون من المصنفين فى الحديث ما ليس منه بل هو من قسم التخصيص أو ليس منسوخا ولا مخصصا بل مؤولا أو غير ذلك ثم النسخ يعرف بأمور منها تصريح رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ (ككنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) ومنها قول الصحابى كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار ومنها ما يعرف بالتاريخ ومنها مه يعرف بالاجماع كقتل شارب الخمر فى المرة الرابعة فإنه منسوخ عرف نسخه بالاجماع والاجماع لا ينسخ ولاينسخ لكن يدل على وجود ناسخ والله أعلم وأما اذا تعارض حديثان فى الظاهر فلا بد من الجمع بينهما أو ترجيح أحدهما وانما يقوم بذلك غالبا الائمة الجامعون بين الحديث والفقه والأصولين المتمكنون فى ذلك الغائصون على المعانى الدقيقة الرائضون أنفسهم فى ذلك فمن كان بهذه الصفة لم يشكل عليه شيء من ذلك الا النادر فى بعض الاحيان ثم المختلف قسمان أحدهما يمكن الجمع بينهما فيتعين ويجب العمل بالحديثين جميعا ومهما أمكن حمل كلام الشارع على وجه يكون أعم للفائدة تعين المصير إليه ولا يصار إلى النسخ مع امكان الجمع لان فى النسخ اخراج أحد الحديثين عن كونه مما يعمل به ومثال الجمع حديث (لاعدوى) مع حدبث (لايورد ممرض على مصح) وجه الجمع أن الأمراض لاتعدى بطبعها ولكن جعل الله سبحانه وتعالى مخالطتها سببا للاعداء فنفى فى الحديث الاول ما يعتقده الجاهلية من العدوى بطبعها وأرشد فى الثانى إلى مجانبة ما يحصل عنده الضرر عادة بقضاء الله وقدره وفعله القسم الثانى أن يتضادا بحيث لا يمكن الجمع بوجه فان علمنا أحدهما ناسخا قدمناه والا علمنا بالراجح منهما كالترجيح بكثرة الرواة وصفاتهم وسائر وجوه الترجيح وهى نحو خمسين وجها جمعها الحافظ أبو بكر الحازمى فى أول كتابه الناسخ والمنسوخ وقد جمعتها أنا مختصرة ولا ضرورة إلى ذكرها هنا كراهة للتطويل والله أعلم فصل فى معرفة الصحابى والتابعى هذا الفصل مما يتأكد الاعتناء به وتمس الحاجة إليه فبه يعرف المتصل من المرسل فأما الصحابى فكل مسلم رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ لحظة هذا هو الصحيح فى حده وهو مذهب أحمد بن حنبل وأبى عبد الله البخارى فى صحيحه

فصل

والمحدثين كافة وذهب أكثر أصحاب الفقه والأصول إلى أنه من طالت صحبته له صلى الله عليه وسلم قال الامام القاضي أبو الطيب الباقلانى لاخلاف بين أهل اللغة أن الصحابى مشتق من الصحبة جار على كل من صحب غيره قليلا كان او كثيرا يقال صحبه شهرا ويوما وساعة قال وهذا يوجب فى حكم اللغة اجراء هذا على مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ سَاعَةً هذا هو الأصل قال ومع هذا فقد تقرر للامة عرف فى أنهم لايستعملونه الا فيمن كثرت صحبته واتصل لقاؤه ولا يجرى ذلك على من لقى المرء ساعة ومشى معه خطوات وسمع منه حديثا فوجب أن لايجرى فى الاستعمال الا على من هذا حاله هذا كلام القاضي المجمع على امانته وجلالته وفيه تقرير للمذهبين ويستدل به على ترجيح مذهب المحدثين فان هذا الامام قد نقل عن أهل اللغة أن الاسم يتناول صحبة ساعة وأكثر أهل الحديث قد نقلوا الاستعمال فى الشرع والعرف على وفق اللغة فوجب المصير والله أعلم وأما التابعى ويقال فيه التابع فهو من لقى الصحابى وقيل من صحبه كالخلاف فى الصحابى والاكتفاء هنا بمجرد اللقاء أولى نظرا إلى مقتضى اللفظين ( فصل) جرت عادة أهل الحديث بحذف قال ونحوه فيما بين رجال الاسناد فى الخط وينبغى للقارىء أن يلفظ بها واذا كان فى الكتاب قرئ على فلان أخبرك فلان فليقل القارىء قرئ على فلان قيل له أخبرك فلان واذا كان فيه قرئ على فلان أخبرنا فلان فليقل قرئ على فلان قيل له قلت أخبرنا فلان واذا تكررت كلمة قال كقوله حدثنا صالح قال قال الشعبى فانهم يحذفون احداهما فى الخط فليلفظ بهما القارىء فلو ترك القارىء لفظ قال فى هذا كله فقد أخطأ والسماع صحيح للعلم بالمقصود ويكون هذا من الحذف لدلالة الحال عليه فصل اذا أراد رواية الحديث بالمعنى فان لم يكن خبيرا بالالفاظ ومقاصدها عالما بما يحيل معانيها لم يجز له الرواية بالمعنى بلا خلاف بين أهل العلم بل يتعين اللفظ وان كان عالما بذلك فقالت طائفة من أصحاب الحديث والفقه والأصول لا يجوز مطلقا وجوزه بعضهم فى غير حديث النبى صلى الله عليه وسلم ولم يجوزه فيه وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف المذكورة يجوز فى الجميع اذا جزم بأنه أدى المعنى وهذا هو الصواب الذى تقتضيه أحوال الصحابة فمن بعدهم رضى الله عنهم فى روايتهم القضية الواحدة بألفاظ مختلفة ثم هذا فى الذى يسمعه فى غير المصنفات أما المصنفات فلا يجوز تغييرها بالمعنى اذا وقع فى الرواية

فصل

أو التصنيف غلط لا شك فيه فالصواب الذى قاله الجماهير أنه يرويه على صواب ولا يغيره فى الكتاب بل ينبه عليه حال الرواية فى حاشية الكتاب فيقول كذا وقع والصواب كذا فصل اذا روى الشيخ الحديث باسناد ثم أتبعه اسنادا آخر وقال عند انتهاء الاسناد مثله او نحوه فأراد السامع أن يروى المتن بالاسناد الثانى مقتصرا عليه فالاظهر منعه وهو قول شعبة وقال سفيان الثورى يجوز بشرط أن يكون الشيخ المحدث ضابطا متحفظا مميزا بين الالفاظ وقال يحيى بن معين يجوز ذلك فى قوله مثله ولا يجوز فى نحوه قال الخطيب البغدادى الذى قاله بن معين بناء على منع الرواية بالمعنى فأما على جوازها فلا فرق وكان جماعة من العلماء يحتاطون فى مثل هذا فاذا أرادوا رواية مثل هذا أو أورد أحدهم الاسناد الثانى ثم يقول مثل حديث قبله متنه كذا ثم يسوقه واختار الخطيب هذا ولا شك فى حسنه أما اذا ذكر الاسناد وطرفا من المتن ثم قال وذكر الحديث أو قال واقتص الحديث أو قال الحديث أو ما أشبهه فأراد السامع أن يروى عنه الحديث بكماله فطريقه أن يقتصر على ما ذكره الشيخ ثم يقول والحديث بطوله كذا ويسوقه إلى آخره فان أراد أن يرويه مطلقا ولا يفعل ما ذكرناه فهو أولى بالمنع مما سبق فى مثله ونحوه وممن نص على منعه الاستاذ أبو إسحاق الاسفراينى الشافعى وأجازه أبو بكر الاسماعيلى بشرط أن يكون السامع والمسمع عارفين ذلك الحديث وهذا الفصل مما تشتد الحاجة إلى معرفته للمعتنى بصحيح مسلم لكثرة تكرره فيه والله أعلم (فصل) اذا قدم بعض المتن على بعض اختلفوا فى جوازه على جواز الرواية بالمعنى فان جوزناها جاز والا فلا وينبغى أن يقطع بجوازه ان لم يكن المقدم مرتبطا بالمؤخر وأما اذا قدم المتن على الاسناد وذكر المتن وبعض الاسناد ثم ذكر باقى الاسناد متصلا حتى وصله بما ابتدأ به فهو حديث متصل والسماع صحيح فلو أراد من سمعه هكذا أن يقدم جميع الاسناد فالصحيح الذى قاله بعض المتقدمين القطع بجوازه وقيل فيه خلاف كتقديم بعض المتن على بعض فصل اذا درس بعض الاسناد أو المتن جاز أن يكتبه من كتاب غيره ويرويه اذا عرف صحته وسكنت نفسه إلى أن ذلك الساقط هذا هو الصواب الذى قاله المحققون ولو بينه فى حال الرواية فهو أولى أما اذا وجد فى كتابه كلمة غير مضبوطة أشكلت عليه فانه يجوز أن يسأل عنها العلماء بها من أهل العربية وغيرهم ويرويها على ما يخبرونه والله أعلم

فصل

( فصل) اذا كان فى سماعه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأراد أن يرويه ويقول عن النبى صلى الله عليه وسلم أو عكسه فالصحيح الذى قاله حماد بن سلمة وأحمد بن حنبل وأبو بكر الخطيب أنه جائز لانه لايختلف به هنا معنى وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ الظاهر أنه لا يجوز وان جازت الرواية بالمعنى لاختلافه والمختار ما قدمته لأنه وان كان أصل النبى والرسول مختلفا فلا اختلاف هنا ولا لبس ولا شك والله أعلم فصل جرت العادة بالاقتصار على الرمز فى حدثنا وأخبرنا واستمر الاصطلاح عليه من قديم الاعصار إلى زماننا واشتهر ذلك بحيث لا يخفى فيكتبون من حدثنا (ثنا) وهى الثاء والنون والالف وربما حذفوا الثاء ويكتبون من أخبرنا (انا) ولا يحسن زيادة الباء قبل نا واذا كان للحديث اسنادان أو أكثر كتبوا عند الانتقال من الاسناد إلى اسناد وهى حاء مهملة مفردة والمختار أنها مأخوذة من التحول لتحوله من الاسناد إلى اسناد وأنه يقول القارىء اذا انتهى اليها ويستمر فى قراءة ما بعدها وقيل انها من حال بين الشيئين اذا حجز لكونها حالت بين الاسناد وأنه لا يلفظ عند الانتهاء اليها بشيء وليست من الرواية وقيل انها رمز إلى قوله الحديث وان أهل المغرب كلهم يقولون اذا وصلوا اليها الحديث وقد كتب جماعة من الحفاظ موضعها صح فيشعر بأنها رمز صح وحسنت ها هنا كتابة صح لئلا يتوهم أنه سقط متن الاسناد الاول ثم هذه الحاء توجد فى كتب المتأخرين كثيرا وهى كثيرة فى صحيح مسلم قليلة فى صحيح البخارى فيتأكد احتياج صاحب هذا الكتاب إلى معرفتها وقد أرشدناه إلى ذلك ولله الحمد والنعمة والفضل والمنة (فصل) ليس للراوى أن يزيد فى نسب غير شيخه ولا صفته على ما سمعه من شيخه لئلا يكون كاذبا على شيخه فان أراد تعريفه وايضاحه وزوال اللبس المتطرق إليه لمشابهة غيره فطريقه أن يقول قال حدثنى فلان يعنى بن فلان أو الفلان أو هو بن فلان أو الفلانى أو نحوه ذلك فهذا جائز حسن قد استعمله الائمة وقد أكثر البخارى ومسلم منه فى الصحيحين غاية الاكثار حتى ان كثيرا من أسانيدهم يقع فى الاسناد الواحد منها موضعان أو أكثر من هذا الضرب كقوله فى أول كتاب البخارى فى باب مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ قَالَ أبو معاوية حدثنا داود هو بن أبى هند عن عامر قال سمعت عبد الله هو بن عمرو وكقوله فى كتاب مسلم

فصل

فى باب منع النساء من الخروج إلى المساجد حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سليمان يعنى بن بلال عن يحيى وهو بن سعيد ونظائره كثيرة وانما يقصدون بهذا الايضاح كما ذكرنا أولا فانه لو قال حدثنا داود أو عبد الله لم يعرف من هو لكثرة المشاركين فى هذا الاسم ولايعرف ذلك فى بعض المواطن الا الخواص والعارفون بهذه الصنعة وبمراتب الرجال فأوضحوه لغيرهم وخففوا عنهم مؤونة النظر والتفتيش وهذا ال فصل نفيس يعظم الانتفاع به فان من لا يعانى هذا الفن قد يتوهم أن قوله يعنى وقوله هو زيادة لا حاجة اليها وأن الأولى حذفها وهذا جهل قبيح والله أعلم (فصل) يستحب لكاتب الحديث اذا مر بذكر الله عز وجل أن يكتب (عز وجل) أو (تعالى) أو (سبحانه وتعالى) أو (تبارك وتعالى) أو (جل ذكره) أو (تبارك اسمه) أو (جلت عظمته) أو ما أشبه ذلك وكذلك يكتب عند ذكر النبى صلى الله عليه وسلم بكمالهما لا رامزا اليهما ولا مقتصرا على أحدهما وكذلك يقول فى الصحابى (رضى الله عنه) فان كان صحابيا بن صحابى قال (رضى الله عنهما) وكذلك يترضى ويترحم على سائر العلماء والأخيار ويكتب كل هذا وان لم يكن مكتوبا فى الاصل الذى ينقل منه فان هذا ليس رواية وانما هو دعاء وينبغى للقارىء أن يقرأ كل ما ذكرناه وان لم يكن مذكورا فى الاصل الذى يقرأ منه ولا يسأم من تكرر ذلك ومن أغفل هذا حرم خيرا عظيما وفوت فضلا جسيما فصل فى ضبط جملة من الأسماء المتكررة فى صحيحى البخارى ومسلم المشتبهة فمن ذلك أبى كله بضم الهمزة وفتح الباء وتشديد الياء الا آبى اللحم فانه بهمزة ممدودة مفتوحة ثم باء مكسورة ثم ياء مخففة لانه كان لايأكل اللحم وقيل لايأكل ما ذبح على الأصنام ومنه البراء كله مخفف الراء الا أبا معشر البراء وأبا العالية البراء فبالتشديد وكله ممدود ومنه يزيد كله بالمثناة من تحت والزى الا ثلاثة أحدهم بزيد بن عبد الله بن أبى بردة بضم الموحدة وبالراء والثانى محمد بن عرعرة بن البرند بالموحدة والراء المكسورتين وقيل بفتحهما ثم نون والثالث على بن هاشم بن البريد بفتح الموحدة وكسر الراء ثم مثناة من تحت ومنه يسار كله بالمثناة والسين المهملة الا محمد بن بشار شيخهما فانه بالوحدة ثم المعجمة وفيهما سيار بن سلامة وبن أبى سيار بتقديم السين ومنه بشر كله بكسر الموحدة وبالشين المعجمة الا أربعة فبالضم والمهملة عبد الله بن بسر الصحابى وبسر بن سعيد وبسر بن عبيد الله وبسر بن محجن وقيل هذا

بالمعجمة ومنه بشير كله بفتح الموحدة وكسر الشين المعجمة الا اثنين فبالضم وفتح الشين وهما بشير بن كعب وبشير بن يسار والا ثالثا فبضم المثناة وفتح السين المهملة وهو يسير بن عمرو ويقال أسير ورابعا بضم النون وفتح المهملة وهو قطن بن نسير ومنه حارثة كله بالحاء والمثلثة الا جارية بن قدامة ويزيد بن جارية فبالجيم والمثناة ومنه جرير كله بالجيم والراء المكررة الا حريز بن عثمان وأبا حريز عبد الله بن الحسين الراوى عن عكرمة فبالحاء والزى آخرا ويقاربه حدير بالحاء والدال والد عمران بن حدير ووالد زيد وزياد ومنه حازم كله بالحاء المهملة الا أبا معاوية محمد بن حازم فبالمعجمة ومنه حبيب كله بالحاء المهملة الا خبيب بن عدى وخبيب بن عبد الرحمن وخبيبا غير منسوب عن حفص بن عاصم وخبيبا كنية بن الزبير فبضم المعجمة ومنه حيان كله بفتح الحاء وبالمثناة الا خباب بن منقذ والد واسع بن خباب وجد محمد بن يحيى بن خباب وجد خباب بن واسع بن خباب والا خباب بن هلال منسوبا وغير منسوب عن شعبة ووهيب وهمام وغيرهم فبالموحدة وفتح الخاء والا حبان بن العرقة وحبان بن عطية وحبان بن موسى منسوبا وغير منسوب عن عبد الله هو بن المبارك فبالموحدة وكسر الحاء ومنه خراش كله بالخاء المعجمة الا والد ربعى فبالمهملة ومنه حزام فى قريش بالزى وفى الانصار بالراء ومنه حصين كله بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين الا أبا حصين عثمان بن عاصم فبالفتح والا أبا ساسان حضين بن المنذر فبالضم والضاد معجمة فيه ومنه حكيم كله بفتح الحاء وكسر الكاف الا حكيم بن عبد الله وزريق بن حكيم فبالضم وفتح الكاف ومنه رباح كله بالموحدة الا زياد بن رياح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَبِالْمُثَنَّاةِ عند الأكثرين وقاله البخارى بالوجهين المثناة والموحدة ومنه زبيد بضم الزاى وفتح الموحدة ثم مثناة هو زبيد بن الحارث ليس فيهما غيره وأما زبيد بضم الزاى وكسرها وبمثناة مكررة فهو بن الصلت فى الموطأ وليس له ذكر فيهما ومنه الزبير كله بضم الزاى الا عبد الرحمن بن الزبير الذى تزوج امرأة رفاعة فبالفتح ومنه زياد كله بالياء الا أبا الزناد فبالنون ومنه سالم كله بالالف ويقاربه سلم بن زرير بفتح الزاى وسلم قتيبة وسلم بن أبى الذيال وسلم بن عبد الرحمن فبحذفها ومنه سريح بالمهملة والجيم بن يونس وبن النعمان وأحمد بن أبى سريج ومن عداهم فبالمعجمة والحاء ومنه سلمة كله بفتح اللام الا عمرو بن سلمة امام قومه وبنى سلمة القبيلة من الانصار فبكسرها

فصل

وفى عبد الخالق بن سلمة الوجهان ومنه سليمان كله بالياء الا سلمان الفارسى وبن عامر والاغر وعبد الرحمن بن سلمان فبحذفها ومنه سلام كله بالتشديد الا عبد الله بن سلام الصحابى ومحمد بن سلام شيخ البخارى وشدد جماعة شيخ البخارى ونقله صاحب المطالع عن الأكثرين والمختار الذى قاله المحققون التخفيف ومنه سليم كله بضم السين الا سليم بن حيان فبفتحها ومنه شيبان كله بالشين المعجمة وبعدها ياء ثم باء ويقاربه سنان بن أبى سنان وسنان بن ربيعة وسنان بن سلمة وأحمد بن سنان وأبو سنان ضرار وأم سنان وكلهم بالمهملة بعدها نون ومنه عباد كله بالفتح وبالتشديد الا قيس بن عباد فبالضم والتخفيف ومنه عبادة كله بالضم الا محمد بن عبادة شيخ البخارى فبالفتح ومنه عبدة كله باسكان الباء الا عامر بن عبدة وبجالة بن عبدة ففيهما الفتح والاسكان وافتح أشهر ومنه عبيد كله بضم العين ومنه عبيدة كله بالضم الا السلمانى وبن سفيان وبن حميد وعامر بن عبيدة فبالفتح ومنه عقيل كله بفتح العين الا عقيل بن خالد ويأتى كثيرا عن الزهري غير منسوب والا يحيى بن عقيل وبنى عقيل فبالضم ومنه عمارة كله بضم العين ومنه واقد كله بالقاف وأما الانساب فمنها الأيلى كله بفتح الهمزة واسكان المثناة ولا يرد علينا شيبان بن فروخ الابلى بضم الهمزة وبالموحدة شيخ مسلم فانه لم يقع فى صحيح مسلم منسوبا ومنها البصرى كله بالموحدة مفتوحة ومكسورة نسبة إلى البصرة الا مالك بن أوس بن الحدثان النصرى وعبد الواحد النصرى وسالما مولى النصريين فبالنون ومنها الثورى كله بالمثلثة الا أبا يعلى محمد بن الصلت التوزى فبالمثناة فوق وتشديد الواو المفتوحة وبالزاى ومنها الجريرى كله بضم الجيم وفتح الراء الا يحيى بن بشر شيخهما فالبحاء المفتوحة ومنها الحارثى بالمهملة والمثلثة ويقاربه سعيد الجارى بالجيم وبعد الراء ياء مشددة ومنها الحزامى كله بالزاى وقوله فى صحيح مسلم فى حديث أبى اليسر كان لى على فلان الحازمى قيل بالزاى وقيل بالراء وقيل الجذامى بالجيم والذال المعجمة ومنها السلمى فى الانصار بفتح السين وفى بنى سليم بضمها ومنها الهمدانى كله باسكان الميم وبالدال المهملة فهذه ألفاظ نافعة فى المؤتلف والمختلف وأما المفردات فلا تنحصر وستأتى فى أبوابها ان شاء الله تعالى مبينة وكذلك نذكر هذا المؤتلف فى مواضعه ان شاء الله تعالى مختصرا احتياطا وتسهيلا ( فصل) تكرر فى صحيح مسلم قوله حدثنا فلان وفلان كليهما عن فلان هكذا يقع

فى مواضع كثيرة فى أكثر الأصول كليهما بالياء وهو مما يستشكل من جهة العربية وحقه أن يقال كلاهما بالالف ولكن استعماله بالياء صحيح وله وجهان أحدهما أن يكون مرفوعا تأكيدا للمرفوع قبله ولكنه كتب بالياء لأجل الامالة ويقرأ بالالف كما كتبوا الربا والربى بالالف والياء ويقرأ بالالف لا غير والوجه الثانى أن يكون كليهما منصوبا ويقرأ بالياء ويكون تقديره! أعز كليهما وهذا ما يسره الله تعالى من الفصول ونشرع الآن فى المقصود والله الموفق

بسم الله الرحمن الرحيم (قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ رحمه الله تعالى الحمد لله رب العالمين) انما بدأ بالحمد لله لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال كل أمر ذى بال لا يبدأ بالحمد لله فهو أقطع وفي رواية بحمد الله وفي رواية بالحمد فهو أقطع وفي رواية أجذم وفي رواية لا يبدأ فيه بذكر الله وفي رواية ببسم الله الرحمن الرحيم روينا كل هذه في كتاب الأربعين للحافظ عبد القادر الرهاوى سماعا من صاحبه الشيخ ابي محمد عبد الرحمن بن سالم الانبارى عنه وروينا فيه أيضا من رواية كعب بن مالك الصحابى رضى الله عنه والمشهور رواية أبي هريرة وهذا الحديث حسن رواه أبو داود وبن ماجه في سننهما ورواه النسائى في كتابه عمل اليوم والليلة روى موصولا ومرسلا ورواية الموصول اسنادها جيد ومعنى أقطع قليل البركة وكذلك أجذم بالجيم والذال المعجمة ويقال منه جذم بكسر الذال يجذم بفتحها والله أعلم والمختار عند الجماهير من أصحاب التفسير والأصول وغيرهم أن العالم اسم للمخلوقات كلها والله أعلم قال رحمه الله (وصلى الله على محمد خاتم النبيين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين) هذا الذى فعله من ذكره الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحمدلة هو عادة العلماء رضي الله عنهم وروينا باسنادنا

الصحيح المشهور من رسالة الشافعى عن الشافعى عن بن عيينة عن بن أبى نجيح عن مجاهد رحمه الله في قول الله تعالى ورفعنا لك ذكرك قال لا أذكر الا ذكرت أشهد أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ محمدا رسول الله وروينا هذا التفسير مرفوعا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن جبريل عن رب العالمين ثم أنه ينكر على مسلم رحمه الله كونه اقتصر على الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دون التسليم وقد أمرنا الله تعالى بهما جميعا فقال تعالى صلوا عليه وسلموا تسليما فكان ينبغى أن يقول وصلى الله وسلم على محمد فان قيل فقد جاءت الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم غير مقرونة بالتسليم وذلك في آخر التشهد في الصلوات فالجواب أن السلام تقدم قبل الصلاة في كلمات التشهد وهو قوله سلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته ولهذا قالت الصحابة رضى الله عنهم يا رسول الله قد علمنا السلام عليك فكيف نصلى عليك الحديث وقد نص العلماء رضى الله عنهم على كراهة الاقتصار على الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم من غير تسليم والله اعلم وقد ينكر على مسلم رحمه الله في هذا الكلام شيء آخر وهو قوله وعلى جميع الأنبياء والمرسلين فيقال اذا ذكر الأنبياء لا يبقى لذكر المرسلين وجه لدخولهم في الأنبياء فان الرسول نبى وزيادة ولكن هذا الانكار ضعيف ويجاب عنه بجوابين أحدهما أن هذا سائغ وهو أن يذكر العام ثم الخاص بنويها! بشأنه وتعظيما لأمره وتفخيما لحاله وقد جاء فى القرآن العزيز آيات كريمات كثيرات من هذا مثل قوله تعالى من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال وقوله تَعَالَى وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى وغير ذلك من الايات الكريمات وقد جاء أيضا عكس هذا وهو ذكر العام بعد الخاص قال الله تعالى حكاية عن نوح صلى الله عليه وسلم رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتى مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات فان ادعى متكلف أنه عنى بالمؤمنين غير من تقدم ذكره فلا يلتفت إليه الجواب الثاني أن قوله والمرسلين أعم من جهة أخرى وهو أنه يتناول جميع رسل الله سبحانه وتعالى من الآدميين والملائكة قال الله تعالى الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس ولا يسم الملك نبيا فحصل بقوله والمرسلين فائدة لم تكن حاصلة بقوله النبيين والله أعلم وسمى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم محمدا لكثرة خصاله المحمودة كذا قاله بن فارس وغيره من أهل اللغة قالوا ويقال لكل كثير الخصال الجميلة محمد ومحمود والله أعلم

قال رحمه الله (ذكرت أنك هممت بالفحص عن تعرف جملة الأخبار المأثورة عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سنن الدين وأحكامه) قال الليث وغيره من أهل اللغة الفحص شدة الطلب والبحث عن الشيء يقال فحصت عن الشيء وتفحصت وافتحصت بمعنى واحد وقوله المأثورة أى المنقولة المذكورة يقال أثرت الحديث اذا نقلته عن غيرك والله أعلم وقوله في سنن الدين وأحكامه هو من قبيل ما قدمناه من ذكر العام بعد الخاص فان السنن من أحكام الدين والله أعلم قال رحمه الله (فأردت أرشدك الله أن توقف على جملتها مؤلفة محصاة وسألتنى أن ألخصها لك في التأليف فان ذلك زعمت مما يشغلك) قوله توقف ضبطناه بفتح الواو وتشديد القاف ولو قرئ باسكان الواو وتخفيف القاف لكان صحيحا وقوله مؤلفة أى مجموعة وقوله محصاة أى مجتمعة كلها وقوله ألخصها أى أبينها وقوله فان ذلك زعمت أى قلت وقد كثر الزعم بمعنى القول وفي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زعم جبريل وفي حديث ضمام بن ثعلبة رضى الله عنه زعم رسولك وقد أكثر سيبويه في كتابه المشهور من قوله زعم الخليل كذا في أشياء يرتضيها سيبويه فمعنى زعم في كل هذا قال وقوله يشغلك هو بفتح الياء هذه اللغة الفصيحة المشهورة التي جاء بها القرآن العزيز قال الله تعالى سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وفيه لغة رديئة حكاها الجوهرى وهي أشغله يشغله بضم الياء

قال رحمه الله (وللذي سألت أكرمك الله إلى قوله عاقبة محمودة) فبقوله للذي هو بكسر اللام وهو خبر عاقبة وانما ضبطه وان كان ظاهرا لأنه مما يغلط فيه ويصحف وقد رأيت ذلك غير مرة قال رحمه الله (وظننت حين سألتنى تجشم ذلك أن لو عزم لى عليه وقضى لى تمامه كان أول من يصيبه نفع ذلك اياى) قوله تجشم ذلك أى تكلفه والتزام مشقته وقوله عزم هو بضم العين وهذا اللفظ مما أعتنى بشرحه من حيث أنه لا يجوز أن يراد بالعزم هنا حقيقته المتبادرة إلى الافهام وهو حصول خاطر في الذهن لم يكن فان هذا محال في حق الله تعالى واختلف في المراد به هنا فقيل معناه لو سهل لى سبيل العزم أو خلق في قدرة عليه وقيل العزم هنا بمعنى الارداة فان القصد والعزم والارادة والنية متقاربات فيقام بعضها مقام بعض فعلى هذا معناه لو أراد الله ذلك لي وقد نقل الازهرى وجماعة غيره أن العرب تقول نواك الله بحفظه قالوا وتفسيره قصدك الله بحفظه وقيل معناه لو ألزمت ذلك فان العزيمة بمعنى اللزوم ومنه قول ام عطية رضى الله عنه نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا أى لم نلزم الترك وفي الحديث الآخر يرغبنا في قيام رمضان من غير عزيمة أى من غير الزام ومثله قول الفقهاء ترك الصلاة في زمن الحيض عزيمة أى واجب على المرأة لازم لها والله اعلم وقوله كان أول هو برفع أول على أنه اسم كان قال رحمه الله (الا بأن يوقفه على التمييز غيره) قوله يوقفه بتشديد القاف ولا يصح أن يقرأ هنا بتخفيف القاف بخلاف ما قدمناه في قوله توقف على جملتها لان اللغة الفصيحة المشهورة وقفت فلانا على كذا فلو كان مخففا لكان حقه أن يقال بأن يقفه على التمييز والله أعلم قال رحمه الله (جملة ذلك أن ضبط القليل من هذا الشان واتقانه أيسر على المرء

من معالجة الكثير) ثم قال بعد هذا (وانما يرجى بعض المنفعة في الاستكثار من هذا الشأن وجمع المكررات لخاصة من الناس ممن رزق فيه بعض التيقظ والمعرفة بأسبابه وعلله فذلك هو ان شاء الله يهجم بما أوتى على الفائدة) قوله يهجم هو بفتح الياء وكسر الجيم هكذا ضبطناه وهكذا هو في نسخ بلادنا وأصولها وذكر القاضي عياض رحمه الله أنه روى كذا وروى يهجم بنون بعد الياء قاله ومعنى يهجم يقع عليها ويبلغ اليها وينال بغيته منها قال بن دريد انهجم الخباء اذا وقع والله أعلم وحاصل هذا الكلام الذى ذكره مسلم رحمه الله أن المراد من علم الحديث تحقيق معانى المتون وتحقيق علم الاسناد والمعلل والعلة عبارة عن معنى في الحديث خفى يقتضى ضعف الحديث مع أن ظاهرة السلامة منها وتكون العلة تارة في المتن وتارة في الاسناد وليس المراد من هذا العلم مجرد السماع ولا الاسماع ولا الكتابة بل الاعتناء بتحقيقه والبحث عن خفى معانى المتون والاسانيد والفكر في ذلك ودوام الاعتناء به ومراجعة أهل المعرفة به ومطالعة كتب أهل التحقيق فيه وتقييد ما حصل من نفائسه وغيرها فيحفظها الطالب بقلبه ويقيدها بالكتابة ثم يديم مطالعة ما كتبه ويتحرى التحقيق فيما يكتبه ويتثبت فيه فانه فيما بعد ذلك يصير معتمدا عليه ويذاكر بمحفوظاته من ذلك من يشتغل بهذا الفن سواء كان مثله في المرتبة أو فوقه أو تحته فان بالمذاكرة يثبت المحفوظ ويتحرر ويتأكد ويتقرر ويزداد بحسب

كثرة المذاكرة ومذاكرة حاذق في الفن ساعة أنفع من المطالعة والحفظ ساعات بل أياما وليكن في مذاكراته متحريا الانصاف قاصدا الاستفادة أو الافادة غير مترفع على صاحبه بقلبه ولا بكلامه ولا بغير ذلك من حاله مخاطبا له بالعبارة الجميلة اللينة فبهذا ينمو علمه وتزكو محفوظاته والله أعلم قال رحمه الله (وقد عجزوا عن معرفة القليل) يقال عجز بفتح الجيم يعجز بكسرها هذه هي اللغة الفصيحة المشهورة وبها جاء القرآن العظيم في قوله تعالى يا ويلتى أعجزت ويقال عجز يعجز بكسرها في الماضى وفتحها في المضارع حكاها الاصمعى وغيره والعجز في كلام العرب أن لا تقدر على ما تريد وأنا عاجز وعجز قوله (على شريطة) يعنى شرطا قال أهل اللغة الشرط والشريطة لغتان بمعنى واحد وجمع الشرط شروط وجمع الشريطة شرائط وقد شرط عليه كذا يشرطه ويشرطه بكسرالراء وضمها لغتان وكذلك اشترط عليه والله أعلم قوله (نعمد إلى جملة ما أسند من الاخبار عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنقسمها على ثلاثة اقسام وثلاث طبقات) قوله جملة ما أسند يعنى جملة غالبة ظاهرة وليس المراد جميع الاخبار المسندة فقد علمنا أنه لم يذكر الجميع ولا النصف وقد قال ليس كل حديث صحيح وضعته ها هنا وقوله على ثلاث طبقات الطبقة هم القوم المتشابهون من أهل العصر وقد قدمنا في الفصول الخلاف في مراده بثلاثة أقسام وهل ذكرها كلها أم لا وقوله على غير تكرار الا أن يأتى موضع لا يستغنى فيه عن ترداد حديث فيه زيادة معنى أو اسناد يقع إلى جنب اسناد لعلة تكون هناك لان معنى الزائد في الحديث المحتاج إليه يقوم مقام حديث تام فلا بد من اعادة الحديث الذي فيه ما وصفنا من الزيادة أو أن يفصل ذلك المعنى من جملة الحديث على اختصاره اذا أمكن قوله أو اسناد يقع هو مرفوع معطوف على قوله

موضع وقوله المحتاج إليه وهو بنصب المحتاج صفة للمعنى وأما الاختصار فهو ايجاد اللفظ مع استيفاء المعنى وقيل رد الكلام الكثير إلى قليل فيه معنى الكثير وسمى اختصارا لاجتماعه ومنه المخصرة وخصر الانسان واما قوله (أو أن يفصل ذلك المعنى من جملة الحديث) فهذه مسألة اختلف العلماء فيها وهي رواية بعض الحديث فمنهم من منعه مطلقا بناء على منع الرواية بالمعنى ومنعه بعضهم وان جازت الرواية بالمعنى اذا لم يكن رواه هو او غيره بتمامه قبل هذا وجوزه جماعة مطلقا ونسبة القاضي عياض إلى مسلم والصحيح الذي ذهب إليه الجماهير والمحققون من أصحاب الحديث والفقه والاصول التفصيل وجواز ذلك من العارف اذا كان ما تركه غير متعلق بما رواه بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة بتركه سواء جوزنا الرواية بالمعنى أم لا وسواء رواه قبل تاما أم لا هذا ان ارتفعت منزلته عن التهمة فأما من رواه تاما ثم خاف ان رواه ثانيا ناقصا أن يتهم بزيادة أولا أو نسيان لغفلة وقلة ضبط ثانيا فلا يجوز له النقصان ثانيا ولا ابتداء ان كان قد تعين عليه اداؤه وأما تقطيع المصنفين الحديث الواحد في الابواب فهو بالجواز أولى بل يبعد طرد الخلاف فيه وقد استمر عليه عمل الأئمة الحفاظ الجلة من المحدثين وغيرهم من أصناف العلماء وهذا معنى قول مسلم رحمه الله أو أن يفصل ذلك المعنى إلى آخره وقوله (اذا أمكن) يعنى اذا وجد الشرط الذي ذكرناه على مذهب الجمهور من التفصيل وقوله (ولكن تفصيله ربما عسر من جملته فاعادته بهيئة اذا ضاق ذلك أسلم) معناه ما ذكرنا أنه لا يفصل الا ما ليس مرتبطا بالباقى وقد يعسر هذا بعض الأحاديث فيكون كله مرتبطا بالباقى او يشك في ارتباطه ففي هذه الحالة يتعين ذكره بتمامه وهيئته ليكون أسلم مخافة من الخطأ والزلل والله أعلم قال رحمه الله

(فأما القسم الأول فانا نتوخى أن نقدم الأخبار التى هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى من أن يكون ناقلوها أهل استقامة في الحديث واتقان لما نقلوا لم يوجد في روايتهم اختلاف شديد ولا تخليط فاحش كما قد عثر فيه على كثير من المحدثين وبان ذلك في حديثهم) أما قوله نتوخى فمعناه نقصد يقال توخى وتأخى وتحرى وقصد بمعنى واحد وأما قوله وأنقى فهو بالنون والقاف وهو معطوف على قوله أسلم وهنا تم الكلام ثم ابتدأ بيان كونها أسلم وأنقى فقال من أن يكون ناقلوها أهل استقامة والظاهر أن لفظة من هنا للتعليل فقد قال الامام أبوالقاسم عبد الواحد بن على بن عمر الاسدى في كتابه شرح اللمع في باب المفعول له اعلم أن الباء تقوم مقام اللام قال الله تعالى فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وكذلك من قال الله تعالى من أجل ذلك كتبنا على بنى اسرائيل وقال أبو البقاء في قوله تعالى وتثبيتا من أنفسهم يجوز أن يكون للتعليل والله أعلم وأما قوله لم يوجد في روايتهم اختلاف شديد ولا تخليط فاحش فتصريح منه بما قال الأئمة من أهل الحديث والفقه والأصول ان ضبط الراوى يعرف بأن تكون روايته غالبا كما روى الثقات لا تخالفهم الا نادرا فان كانت مخالفته نادرة لم يخل ذلك بضبطه بل يحتج به لأن ذلك لا يمكن الاحتراز منه وان كثرت مخالفته اختل ضبطه ولم يحتج برواياته وكذلك التخليط في روايته واضطرابها ان ندر لم يضر وان كثر ردت روايته وقوله كما قد عثر هو بضم العين وكسر المثلثة أى اطلع من قول الله تعالى فإن عثر على أنهما استحقا أثما والله أعلم قال رحمه الله (فاذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخبارا يقع

في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والاتقان كالصنف المقدم قبلهم على أنهم وإن كانوا فيما وصفنا دونهم فان اسم الستر والصدق وتعاطى الاخبار يشملهم كعطاء بن السائب ويزيد بن ابى زياد وليث بن أبى سليم وأضرابهم من حمال الآثار ونقال الأخبار) قوله تقصينا هو بالقاف ومعناه أتينا بها كلها يقال اقتص الحديث وقصه وقص الرؤيا أتى بذلك الشيء بكماله وأما قوله فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف أتبعناها إلى آخره فقد قدمنا فى الفصول بيان الاختلاف فى معناه وانه هل وفى به فى هذا الكتاب أم اخترمته المنية دون تمامه والراجح أنه وفى به والله أعلم وقوله فان اسم الستر هو بفتح السين مصدر سترت الشيء أستره سترا ويوجد فى أكثر الروايات والاصول مضبوطا بكسر السين ويمكن تصحيح هذا على أن الستر يكون بمعنى المستور كالذبح بمعنى المذبوح ونظائره وقوله يشملهم أى يعمهم وهو بفتح الميم على اللغة الفصيحة ويجوز ضمها فى لغة يقال شملهم الأمر بكسر الميم يشملهم بفتحها هذه اللغة المشهورة وحكى أبو عمر والزاهد عن بن الاعرابى أيضا شملهم بالفتح يشملهم بالضم والله أعلم أما عطاء بن السائب فيكنى أبا السائب ويقال أبو يزيد ويقال أبو محمد ويقال أبو زيد الثقفى الكوفى التابعى وهو ثقة لكنه اختلط فى آخر عمره قال أئمة هذا الفن اختلط فى آخر عمره فمن سمع منه قديما فهو صحيح السماع ومن سمع منه متأخرا فهو مضطرب الحديث فمن السامعين أولا سفيان الثورى وشعبة ومن السامعين آخرا جرير وخالد بن عبد الله واسماعيل وعلى بن عاصم هكذا قال أحمد بن حنبل وقال يحيى بن معين جميع ما روى عن عطاء روى عنه فى الاختلاط الا شعبة وسفيان وفى رواية عن يحيى قال وسمع أبو عوانة من عطاء فى الصحة والاختلاط جميعا فلا يحتج بحديثه قلت وقد تقدم حكم التخليط والمخلط فى الفصول وأما يزيد بن أبى زياد فيقال فيه أيضا يزيد بن زياد وهو قرشى دمشقى قال الحافظ هو ضعيف وقال بن نمير ويحيى بن معين ليس هو بشيء وقال أبو حاتم ضعيف وقال

النسائى متروك الحديث وقال الترمذى ضعيف فى الحديث وأما ليث بن أبى سليم فضعفه الجماهير قالوا واختلط واضطربت أحاديثه قالوا وهو ممن يكتب حديثه قال أحمد بن حنبل هو مضطرب الحديث ولكن حدث الناس عنه وقال الدارقطنى وبن عدى يكتب حديثه وقال كثيرون لا يكتب حديثه وامتنع كثيرون من السلف من كتابة حديثه واسم أبى سليم أيمن وقيل أنس والله أعلم وأما قوله وأضرابهم فمعناه أشباههم وهو جمع ضرب قال أهل اللغة الضريب على وزن الكريم والضرب بفتح الضاد واسكان الراء وهما عبارة عن الشكل والمثل وجمع الضرب أضراب وجمع الضريب ضربا ككريم وكرما وأما انكار القاضي عياض على مسلم قوله وأضرابهم وقوله ان صوابه ضربائهم فليس بصحيح فانه حمل قول مسلم وأضرابهم على أنه جمع ضريب بالياء وليس ذلك جمع ضريب بل جمع ضرب بحذفها كما ذكرته فاعرفه وقوله ونقال الاخبار هو باللام والله أعلم قال رحمه الله (ألا ترى أنك اذا وازنت هؤلاء الثلاثة الذين سميناهم عطاء ويزيد وليثا بمنصور بن المعتمر وسليمان الاعمش واسمعيل بن أبى خالد إلى آخر كلامه) فقوله وازنت هو بالنون ومعناه قابلت قال القاضي عياض ويروى وازيت بالياء أيضا وهو بمعنى وازنت ثم هذا كله قد ينكر على مسلم فيه ويقال عادة أهل العلم اذا ذكروا جماعة فى مثل هذا السياق قدموا أجلهم مرتبة فيقدمون الصحابى على التابعى والتابعى على تابعه والفاضل على من دونه فاذا تقرر هذا فاسماعيل بن أبى خالد تابعى مشهور رأى أنس بن مالك وسلمة بن الاكوع وسمع عبد الله بن أبى أوفى وعمرو بن حريث وقيس بن عائد أبا كاهل وأبا

جحيفة وهؤلاء كلهم صحابة رضى الله عنهم واسم أبى خالد هرمز وقيل سعد وقيل كثير وأما الاعمش فرأى أنس بن مالك فحسب وأما منصور بن المعتمر فليس بتابعى وانما هو من أتباع التابعين فكان ينبغى أن يقول اذا وازنتهم باسماعيل والاعمش ومنصور وجوابه أنه ليس المراد هنا التنبيه على مراتبهم فلا حجر فى عدم ترتيبهم ويحتمل أن مسلما قدم منصورا لرجحانه فى ديانته وعبادته فقد كان أرجحهم فى ذلك وان كان الثلاثة راجحين على غيرهم مع كمال حفظ لمنصور واتقان وتثبت قال على بن المديني اذا حدثك ثقة عن منصور فقد ملأت يديك لا تزيد غيره وقال عبد الرحمن بن المهدى منصور أثبت أهل الكوفة وقال سفيان كنت لا أحدث الاعمش عن أحد من أهل الكوفة الا رده فاذا قلت عن منصور سكت وقال أحمد بن حنبل منصور أثبت من إسماعيل بن أبى خالد وقال يحيى بن معين اذا اجتمع الاعمش ومنصور فقدم منصورا وقال أبو حاتم منصور أتقن من الاعمش لا يختلط ولا يدلس وقال الثورى ما خلفت بالكوفة آمن على الحديث من منصور وقال أبو زرعة سمعت ابراهيم بن موسى يقول أثبت أهل الكوفة منصور ثم مسعر وقال أحمد بن عبد الله منصور أثبت أهل الكوفة وكان مثل القدح لا يختلف فيه أحد وصام ستين سنة وقامها وأما عبادته وزهده وورعه وامتناعه من القضاء حين أكره عليه فأكثر من أن يحصر وأشهر من أن يذكر رحمه الله والله أعلم وهذا أول موضوع فى الكتاب جرى فيه ذكر أصحاب الألقاب فنتكلم فيه بقاعدة مختصرة قال العلماء من أصحاب الحديث والفقه وغيرهم يجوز ذكر الراوى بلقبه وصفته ونسبه الذى يكرههه اذا كان المراد تعريفه لا تنقيصه وجوز هذا للحاجة كما جوز جرحهم للحاجة مثال ذلك الاعمش والأعرج والأحول والأعمى والأصم والأشل والأثرم والزمن والمفلوح وبن علية وغير ذلك وقد صنفت فيه كتب معروفة

قال رحمه الله (كابن عون وأيوب السختيانى مع عوف بن أبى جميلة وأشعث الحمرانى) أما بن عون فهو عبد الله بن عون بن ارطبان وأما السختيانى فبفتح السين وكسر التاء المثناة قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ كان أيوب يبيع الجلود بالبصرة فلهذا قيل له السختيانى وأما عوف بن أبى جميلة فيعرف بعوف الاعرابى ولم يكن اعرابيا واسم أبى جميلة بندويه ويقال زريبة قال أحمد بن حنبل عوف ثقة صالح الحديث وقال يحيى بن معين ومحمد بن سعد هو ثقة كنيته أبو سهل وأما أشعث فهو بن عبد الملك أبو هانئ البصرى قال أبو بكر البرقانى قلت للدارقطنى أشعث عن الحسن قال هم ثلاثة يحدثون عن الحسن جميعا أحدهم الحمرانى منسوب إلى حمران مولى عثمان ثقة وأشعث بن عبد الله الحدانى بصرى يروى عن أنس بن مالك والحسن يعتبر به وأشعث بن سوار الكوفى يعتبر به وهو أضعفهم والله أعلم قوله (الا أن البون بينهما بعيد) البون بفتح الباء الموحدة معناه الفرق أى هما متباعدان كما قال وجدتهم متباينين وقوله (ليكون تمثيلهم سمة يصدر عن فهمها من غبى عليه طريق أهل العلم) أما السمة بكسر السين وتخفيف الميم فهي العلامة وقوله يصدر أى يرجع يقال صدر عن الماء والبلاد والحج اذا انصرف عنه بعد قضاء وطره فمعنى يصدر عن فهمها ينصرف عنها بعد فهمها وقضاء حاجته منها وقوله غبى

بفتح الغين وكسر الباء أى خفى قال رحمه الله (وقد ذكر عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ننزل الناس منازلهم) هذا الحديث قد تقدم بيانه فى فصل التعليق من الفصول المتقدمة واضحا ومن فوائده تفاضل الناس فى الحقوق على حسب منازلهم ومراتبهم وهذا فى بعض الأحكام أو أكثرها وقد سوى الشرع بينهم فى الحدود وأشباهها مما هو معروف والله أعلم قال رحمه الله (فأما ما كان منها عن قوم هم عند أهل الحديث متهمون أو عند الأكثر منهم فلسنا نتشاغل بتخريج حديثهم كعبد الله بن مسور أبى جعفر المداينى وعمرو بن خالد وعبد القدوس الشامى ومحمد بن سعيد المصلوب وغياث بن ابراهيم وسليمان بن عمرو أبى داود النخعى وأشباههم ممن اتهم بوضع الأحاديث وتوليد الأخبار) هؤلاء الجماعة المذكورون كلهم متهمون متروكون لا يتشاغل بأحد منهم لشدة ضعفهم وشهرتهم بوضع الأحاديث ومسور بكسر الميم وعبد القدوس الشامى بالشين المعجمة نسبة إلى الشام هذا هو الصواب فيه وحكى القاضي عياض أن بعض الشيوخ من رواة مسلم ضبطه بالسين المهملة قال وهو خطأ وهو خطأ كما قال وهذا لاخلاف فيه وهو عبد القدوس بن حبيب الكلاعى الشامى أبو سعيد روى عن عكرمة وعطاء وغيرهما قال بن أبى حاتم قال عمرو بن

على الفلاس أجمع أهل العلم على ترك حديثه فهذا هو عبد القدوس الذى عناه مسلم هنا ولهم آخر اسمه عبد القدوس ثقة وهو عبد القدوس بن الحجاج أبو المغيرة الخولانى الشامى الحمصى سمع صفوان بن عمرو والأوزاعى وغيرهما روى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ومحمد بن يحيى الذهلى وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمى وآخرون من كبار الأئمة والحفاظ قال أحمد بن عبد الله العجلى والدارقطنى وغيرهما هو ثقة وقد روى له البخارى ومسلم فى صحيحهما وأما محمد بن سعيد المصلوب فهو الدمشقى كنيته أبو عبد الرحمن ويقال أبو عبد الله ويقال أبو قيس وفى نسبه واسمه اختلاف كثير جدا لانعلم أحدا اختلف فيه كمثله وقد حكى الحافظ عبد الغنى المقدسى عن بعض أصحاب الحديث أنه يغلب اسمه على نحو مائة قال أبو حاتم الرازى متروك الحديث قتل وصلب فى الزندقة وقال أحمد بن حنبل قتله أبو جعفر فى الزندقة حديثه موضوع وقال خالد بن يزيد سمعته يقول اذا كان كلام حسن لم أر بأسا أن أجعل له اسنادا وأما غياث بن ابراهيم فبالغين المعجمة وهو كوفى كنيته أبو عبد الرحمن قال البخارى فى تاريخه تركوه وأما قوله وسليمان بن عمرو أبى داود فهو عمرو بفتح العين وبواو فى الخط وأبى دواد كنية سليمان هذا والله سبحانه أعلم وأما الحديث الموضوع فهو المختلق المصنوع وربما أخذ الواضع كلاما لغيره فوضعه وجعله حديثا وربما وضع كلاما من عند نفسه وكثير من الموضوعات أو أكثرها يشهد بوضعها ركاكة لفظها واعلم أن تعمد وضع الحديث حرام بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ وشذت الكرامية الفرقة المبتدعة فجوزت وضعه فى الترغيب والترهيب والزهد وقد سلك مسلكهم بعض الجهلة المتسمين بسمة الزهاد ترغيبا فى الخير فى زعمهم الباطل وهذه غباوة ظاهرة وجهالة متناهية ويكفى فى الرد عليهم قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ وسنزيد هذا قريبا شرحا فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا قوله وتوليد الأخبار فمعناه انشاؤها وزيادتها قال رحمه الله (وعلامة المنكر فى الحديث

المحدث اذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضى خالفت روايته روايتهم أو لم تكد توافقها) هذا الذى ذكر رحمه الله هو المعنى المنكر عند المحدثين يعنى به المنكر المردود فانهم قد يطلقون المنكر على انفراد الثقة بحديث وهذا ليس بمنكر مردود اذا كان الثقة ضابطا متقنا وقوله أو لم تكد توافقها معناه لا توافقها الا فى قليل قال أهل اللغة كاد موضوعة للمقاربة فان لم يتقدمها نفى كانت لمقاربة الفعل ولم يفعل كقوله تعالى يكاد البرق يخطف أبصارهم وان تقدمها نفى كانت للفعل بعد بطء وان شئت قلت لمقاربة عدم الفعل كقوله تعالى فذبحوها وما كادوا يفعلون قال رحمه الله (فمن هذا الضرب من المحدثين عبد الله بن محرر ويحيى بن ابى أنيسة والجراح بن المنهال أبو العطوف وعباد بن كثير وحسين بن عبد الله بن ضميرة وعمر بن صهبان) أما عبد الله بن محرر فهو بفتح الحاء المهملة وبرائين مهملتين الاولى مفتوحة مشددة هكذا هو وفى روايتنا وف أصول أهل بلادنا وهذا هو الصواب وكذا ذكره البخارى فى تاريخه وأبو نصر بن ماكولا وأبو على الغسانى الجيانى وآخرون من الحفاظ وذكر القاضي عياض أن جماعة شيوخهم رووه محرزا باسكان الحاء وكسر الراء وآخره زاى قال وهو غلط والصواب الاول وعبد الله بن محرر عامرى جزرى رقى ولاه أبو جعفر قضاء الرقة وهو من تابعى التابعين روى عن الحسن وقتادة والزهرى ونافع مولى بن عمر وآخرين من التابعين وروى عنه الثورى وجماعات واتفق الحفاظ والمتقدمون على تركه قال أحمد بن حنبل ترك الناس حديثه وقال الآخرون مثله ونحوه وأما أبو أنيسة والد يحيى فاسمه زيد وأما أبو العطوف فبفتح العين وضم الطاء المهملتين والجراح بن منهال هذا جزرى يروى عن التابعين

سمع الحكم بن عتيبة والزهرى يروى عنه يزيد بن هارون قال البخارى وغيره هو منكر الحديث وأما صهبان فهو بضم الصاد المهملة واسكان الهاء وعمر بن صهبان هذا أسلمى مدنى ويقال فيه عمر بن محمد بن صهبان متفق على تركه قال رحمه الله كلاما مختصرا ان زيادة الثقة الضابط مقبولة ورواية الشاذ والمنكر مردودة وهذا الذى قاله الصحيح الذى عليه الجماهير من أصحاب الحديث والفقه والأصول وقد تقدم ايضاح هذه المسألة وبيان الخلاف فيها وما يتعلق بها فى الفصول السابقة والله أعلم قوله (قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق) هو هكذا فى معظم الأصول الاتفاق بالفاء أولا والقاف آخرا وفى بعضها الاتقان بالقاف أولا والنون آخرا والأول أجود وهو الصواب قوله (فيروى عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث) العدد منصوب يروى قوله (وقد شرحنا من مذهب الحديث وأهله بعض ما يتوجه به من أراد سبيل القوم ووفق لها) معنى يتوجه به يقصد طريقهم ويسلك مذهبهم

والسبيل الطريق وهما يؤنثان ويذكران والتوفيق خلق قدرة الطاعة قال رحمه الله (وسنزيد ان شاء الله تعالى شرحا وايضاحا في مواضع من الكتاب عند ذكر الأخبار المعللة اذا أتينا عليها في الأماكن التي يليق بها الشرح والايضاح ان شاء الله تعالى) هذا الذي ذكره مسلم مما اختلف فيه فقيل اخترمته المنية قبل جمعه وقيل بل ذكره في أبوابه من هذا الكتاب الموجود وقد تقدم بيان هذا واضحا في الفصول والله اعلم قوله (مما يقذفون به إلى الاغبياء) أي يلقونه اليهم والأغبياء بالغين المعجمة والباء الموحدة هم الغفلة والجهال والذين لا فطنة لهم قوله (سفيان بن عيينه) هذا أول موضع جاء ذكره رضى الله عنه والمشهور فيه ضم السين والعين وذكر بن السكيت في سفيان ثلاث لغات للعرب ضم السين وفتحها وكسرها وذكر أبو حاتم السختياني وغيره ضم العين وكسرها وهما وجهان لأهل العربية معروفان قال رحمه الله

(اعلم وفقك الله تعالى أن الواجب على كل احد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها وثقات الناقلين لها من المتهمين أن لا يروى منها الا ما عرف صحة مخارجه والستارة في ناقليه وأن يتقى منها ما كان عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع) الستارة بكسر السين وهي ما يستتر به وكذلك السترة وهي هنا اشارة إلى الصيانة وقوله وأن يتقى منها ضبطناه بالتاء المثناة فوق بعد المثناة تحت وبالقاف من الاتقاء وهو الاجتناب وفي بعض الأصول وأن ينفى بالنون والفاء وهو صحيح أيضا وهو بمعنى الأول وقوله صحيح الروايات وسقيمها وثقات الناقلين لها من المتهمين ليس هو من باب التكرار للتأكيد بل له معنى غير ذلك فقد تصح الروايات لمتن ويكون الناقلون لبعض أسانيده متهمين فلا يشتغل بذلك الاسناد وأما قوله انه يجب أن يتقى ما كان منها عن المعاندين من أهل البدع فهذا مذهبه قال العلماء من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول المبتدع الذي يكفر ببدعته لا تقبل روايته بالاتفاق وأما الذي لا يكفر بها فاختلفوا في روايته فمنهم من ردها مطلقا لفسقه ولا ينفعه التأويل ومنهم من قبلها مطلقا اذا لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه أو لأهل مذهبه سواء كان داعية إلى بدعته أو غير داعية وهذا محكى عن امامنا الشافعى رحمه الله لقوله اقبل شهادة أهل الاهواء لا الخطابية من الرافضة لكونهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم ومنهم من قال تقبل اذا لم يكن داعية إلى بدعته ولا تقبل اذا كان داعية وهذا مذهب كثيرين أو الأكثر من العلماء وهو الأعدل الصحيح وقال بعض أصحاب الشافعى رحمه الله اختلف أصحاب الشافعى في غير الداعية واتفقوا على عدم قبول الداعية وقال أبو حاتم بن حيان بكسر الحاء لا يجوز الاحتجاج بالداعية عند أئمتنا قاطبة

لا خلاف بينهم في ذلك وأما المذهب الأول فضعيف جدا ففى الصحيحين وغيرهما من كتب أئمة الحديث الاحتجاج بكثيرين من المبتدعة غير الدعاة ولم يزل السلف والخلف على قبول الرواية منهم والاحتجاج بها والسماع منهم واسماعهم من غير انكار منهم والله اعلم قال رحمه الله (والخبر وان فارق معناه معنى الشهادة في بعض الوجوه فقد يجتمعان في معظم معانيهما) هذا من الدلائل الصريحة على عظم قدر مسلم وكثرة فقهه اعلم أن الخبر والشهادة يشتركان في أوصاف ويفترقان في أوصاف فيشتركان في اشتراط الاسلام والعقل والبلوغ والعدالة والمرؤة وضبط الخبر والمشهود به عند التحمل والأداء ويفترقان في الحرية والذكورية والعدد والتهمة وقبول الفرع مع وجود الأصل فيقبل خبر العبد والمرأة والواحد ورواية الفرع مع حضور الاصل الذى هو شيخه ولا تقبل شهادتهم الا في المرأة في بعض المواضع مع غيرها وترد الشهادة بالتهمة كشهادته على عدوه وبما يدفع به عن نفسه ضررا أو يجر به اليها نفعا ولولده ووالده واختلفوا في شهادة الأعمى فمنعها الشافعى وطائفة وأجازها مالك وطائفة واتفقوا على قبول خبره وانما فرق الشرع بين الشهادة والخبر في هذه الأوصاف لأن الشهادة تخص فيظهر فيها التهمة والخبر يعمه وغيره من الناس أجمعين فتنتفى التهمة وهذه الجملة قول العلماء الذين يعتد بهم وقد شذ عنهم جماعة في أفراد بعض هذه الجملة فمن ذلك شرط بعض أصحاب الأصول أن يكون تحمله الرواية في حال البلوغ والاجماع يرد عليه وانما يعتبر البلوغ حال الرواية لا حال السماع وجوز بعض أصحاب الشافعى رواية الصبى وقبولها منه في حال الصبا

والمعروف من مذاهب العلماء مطلقا ما قدمناه وشرط الجبائى المعتزلى وبعض القدرية العدد في الرواية فقال الجبائى لا بد من اثنين عن اثنين كالشهادة وقال القائل من القدرية لا بد من أربعة عن أربعة في كل خبر وكل هذه الأقوال ضعيفة ومنكرة مطرحة وقد تظاهرت دلائل النصوص الشرعية والحجج العقلية على وجوب العمل بخبر الواحد وقد قرر العلماء في كتب الفقه والأصول ذلك بدلائله وأوضحوه أبلغ ايضاح وصنف جماعات من أهل الحديث وغيرهم مصنفات مستكثرات مستقلات فى خبر الواحد ووجوب العمل به والله أعلم ثم ان قولنا تشترط العدالة والمروءة يدخل فيه مسائل كثيرة معروفة فى كتب الفقه يطول الكلام بتفصيلها قال رحمه الله (وهو الْأَثَرُ الْمَشْهُورُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فهو أحد الكاذبين حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وكيع عن شعبة عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليلى عن سمرة بن جندب ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أيضا حدثنا وكيع عن شعبة وسفيان عن حبيب عن ميمون بن أبى شبيب عن المغيرة

بن شعبة قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك) أما قَوْلُهُ الْأَثَرُ الْمَشْهُورُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ جَارٍ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَدِّثُونَ وَغَيْرُهُمْ وَاصْطَلَحَ عَلَيْهِ السلف وجماهير الخلف وهو أن الْأَثَرُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَرْوِيِّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَنْ صَحَابِيٍّ وَقَالَ الْفُقَهَاءُ الْخُرَاسَانِيُّونَ الْأَثَرُ هُوَ مَا يُضَافُ إِلَى الصَّحَابِيِّ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْمُغِيرَةُ فَبِضَمِّ الْمِيمِ عَلَى المشهور وذكر بن السكيت وبن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ يُقَالُ بِكَسْرِهَا أَيْضًا وَكَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَحَدُ دهاة العرب كنيته أبوعيسى وَيُقَالُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو مُحَمَّدٍ مَاتَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَقِيلَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ أَسْلَمَ عَامَ الْخَنْدَقِ وَمِنْ طُرَفِ أَخْبَارِهِ أَنَّهُ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَحْصَنَ فِي الْإِسْلَامِ ثَلَاثَمِائَةِ امْرَأَةٍ وَقِيلَ أَلْفَ امْرَأَةٍ وَأَمَّا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ فَبِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبِ بْنِ هِلَالٍ الْفَزَارِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو سَعِيدٍ وَيُقَالُ أبو عبد الله وَيُقَالُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَيُقَالُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَيُقَالُ أَبُو سُلَيْمَانَ مَاتَ بِالْكُوفَةِ فِي آخِرِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَأَمَّا سُفْيَانُ الْمَذْكُورُ هُنَا فَهُوَ الثَّوْرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ السِّينَ مِنْ سُفْيَانَ مَضْمُومَةٌ وَتُفْتَحُ وتكسر وأما الحكم فهو بن عُتَيْبَةَ بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَآخِرَهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ هَاءٌ وَهُوَ مِنْ أَفْقَهِ التَّابِعِينَ وَعُبَّادِهِمْ رضى الله عنه وأما حبيب فهو بن أَبِي ثَابِتٍ قَيْسٍ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ كَانَ بِالْكُوفَةِ ثَلَاثَةٌ لَيْسَ لَهُمْ رَابِعٌ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَكَانُوا أَصْحَابَ الْفُتْيَا وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ إِلَّا ذَلَّ لِحَبِيبٍ وَفِي هَذَيْنِ الْإِسْنَادَيْنِ لَطِيفَتَانِ مِنْ عِلْمِ الْإِسْنَادِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُمَا إِسْنَادَانِ رُوَاتُهُمَا كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ الصَّحَابِيَّانِ وَشَيْخَا مُسْلِمٍ وَمَنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا شُعْبَةَ فَإِنَّهُ وَاسِطِيٌّ ثُمَّ بَصْرِيٌّ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا النَّوْعِ كَثِيرٌ جِدًّا سَتَرَاهُ فِي مَوَاضِعِهِ حَيْثُ نُنَبِّهُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّطِيفَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْإِسْنَادَيْنِ فِيهِ تَابِعِيٌّ رَوَى عَنْ تَابِعِيٍّ وَهَذَا كَثِيرٌ وَقَدْ يَرْوِي ثَلَاثَةٌ تَابِعِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُوَ أَيْضًا كَثِيرٌ لَكِنَّهُ دُونَ الْأَوَّلِ وَسَنُنَبِّهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ هَذَا في مواضعه وقد يروى أربعة تابعيون بعضهم عَنْ بَعْضٍ وَهَذَا قَلِيلٌ جِدًّا وَكَذَلِكَ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا كُلِّهِ فِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ صَحَابِيٌّ عَنْ صَحَابِيٍّ كَثِيرٌ وَثَلَاثَةٌ صَحَابَةٌ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَأَرْبَعَةٌ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُوَ قَلِيلٌ جِدًّا وَقَدْ جَمَعْتُ أَنَا الرُّبَاعِيَّاتِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي أَوَّلِ شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِأَسَانِيدِهَا وَجُمَلٍ مِنْ طُرُقِهَا وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّهُ مِنْ أَجَلِّ التَّابِعِينَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ مَا شَعُرَتُ أَنَّ النِّسَاءَ وَلَدَتْ مِثْلَهُ وَقَالَ

عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى فِي حَلْقَةٍ فِيهَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِعُونَ لِحَدِيثِهِ وَيُنْصِتُونَ لَهُ فِيهِمُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَاسْمُ أَبِي لَيْلَى يَسَارٌ وَقِيلَ بِلَالٌ وَقِيلَ بُلَيْلٌ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَبَيْنَ اللَّامَيْنِ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتٍ وَقِيلَ دَاوُدُ وَقِيلَ لَا يُحْفَظُ اسْمُهُ وَأَبُو لَيْلَى صَحَابِيٌّ قُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنهما بصفين وأما بن أَبِي لَيْلَى الْفَقِيهُ الْمُتَكَرِّرُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَالَّذِي لَهُ مَذْهَبٌ مَعْرُوفٌ فَاسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَهُوَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ والله أعلم وأما أبو بكر بن أبى شَيْبَةَ فَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَقَدْ أَكْثَرَ مُسْلِمٌ مِنَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَعَنْ أَخِيهِ عُثْمَانَ وَلَكِنْ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَكْثَرُ وَهُمَا أَيْضًا شَيْخَا الْبُخَارِيِّ وَهُمَا مَنْسُوبَانِ إِلَى جَدِّهِمَا وَاسْمُ أَبِيهِمَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُوَاسْتِيٍّ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ وَاوٍ مُخَفَّفَةٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتٍ وَلِأَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ ابْنَيْ أَبِي شَيْبَةَ أَخٌ ثَالِثٌ اسْمُهُ الْقَاسِمُ وَلَا رِوَايَةَ لَهُ فِي الصَّحِيحِ كَانَ ضَعِيفًا وَأَبُو شَيْبَةَ هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ وَكَانَ قَاضِيَ وَاسِطٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَأَمَّا ابْنُهُ مُحَمَّدٌ وَالِدُ بَنِي أَبِي شَيْبَةَ فَكَانَ عَلَى قَضَاءِ فَارِسَ وَكَانَ ثِقَةٌ قَالَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَيُقَالُ لِأَبِي شَيْبَةَ وَابْنِهِ وَبَنِي ابْنِهِ عَبْسِيُّونَ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ وَعُثْمَانُ فَحَافِظَانِ جَلِيلَانِ وَاجْتَمَعَ فِي مَجْلِسِ أَبِي بَكْرٍ نَحْوُ ثَلَاثِينَ أَلْفَ رَجُلٍ وَكَانَ أَجَلَّ مِنْ عُثْمَانَ وَأَحْفَظَ وَكَانَ عُثْمَانُ أَكْبَرَ مِنْهُ سِنًّا وَتَأَخَّرَتْ وَفَاةُ عُثْمَانَ فَمَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِنْ طُرَفِ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَبِي بَكْرٍ مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ حَدَّثَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ كَاتِبِ الْوَاقِدِيِّ وَيُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ أَبُو عَمْرٍو والنيسابورى وبين وفاتيهما مِائَةٌ وَثَمَانٍ أَوْ سَبْعُ سِنِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا ذِكْرُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مَتْنَ الْحَدِيثِ ثُمَّ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ وَذَكَرَ إِسْنَادَيْهِ إِلَى الصَّحَابِيَّيْنِ ثُمَّ قَالَ قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ بِلَا شَكٍّ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِإِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ وَيُحْتَمَلُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَالِ بَعْضِ رُوَاتِهِ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ هُوَ غَرَضُنَا لَكِنَّهُ أَوَّلُ مَوْضِعٍ جَرَى ذِكْرُهُمْ فَأَشَرْنَا إِلَيْهِ رَمْزًا وَأَمَّا مَتْنُهُ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ ضَبَطْنَاهُ يُرَى بِضَمِّ الْيَاءِ وَالْكَاذِبِينَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ عَلَى الْجَمْعِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي اللَّفْظَتَيْنِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الرِّوَايَةُ فِيهِ عِنْدنَا الْكَاذِبِينَ عَلَى الْجَمْعِ وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كتابه المستخرج على صحيح

(باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم)

مسلم في حَدِيثُ سَمُرَةَ الْكَاذِبَيْنِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ على التثنية واحتج به على أن الراوى له يُشَارِكَ الْبَادِئَ بِهَذَا الْكَذِبِ ثُمَّ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ الْكَاذِبَيْنِ أَوِ الْكَاذِبِينَ عَلَى الشَّكِّ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ وَذَكَرَ بَعْضُ الأئمة جواز فتح الياء من يُرَى وَهُوَ ظَاهِرٌ حَسَنٌ فَأَمَّا مَنْ ضَمَّ الْيَاءَ فَمَعْنَاهُ يَظُنُّ وَأَمَّا مَنْ فَتَحَهَا فَظَاهِرٌ وَمَعْنَاهُ وَهُوَ يَعْلَمُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى يَظُنُّ أَيْضًا فَقَدْ حُكِيَ رَأَى بِمَعْنَى ظَنَّ وَقُيِّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَأْثَمُ إِلَّا بِرِوَايَتِهِ مَا يَعْلَمُهُ أَوْ يَظُنُّهُ كَذِبًا أَمَّا مَا لَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَظُنُّهُ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي رِوَايَتِهِ وَإِنْ ظَنَّهُ غَيْرُهُ كَذِبًا أَوْ عَلِمَهُ وَأَمَّا فِقْهُ الْحَدِيثِ فَظَاهِرٌ فَفِيهِ تَغْلِيظُ الْكَذِبِ وَالتَّعَرُّضُ لَهُ وَأَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَذِبُ مَا يَرْوِيهِ فَرَوَاهُ كَانَ كَاذِبًا وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَاذِبًا وَهُوَ مُخْبِرٌ بِمَا لَمْ يَكُنْ وَسَنُوَضِّحُ حَقِيقَةَ الْكَذِبِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَنَقُولُ (بَاب تَغْلِيظِ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [1] فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَكْذِبُوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ يَكْذِبْ عَلَيَّ يَلِجِ النَّارَ وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ تَعَمَّدَ عَلَيَّ كَذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنِ النَّارِ وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ أَمَّا أَسَانِيدُهُ فَفِيهِ غُنْدَرٌ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِيهِ وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ أَنَّهُ يُقَالُ بِفَتْحِ الدَّالِ وَضَمِّهَا وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهُذَلِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ أَبُو بَكْرٍ وَغُنْدَرٌ لَقَبٌ لقبه به بن جُرَيْجٍ رُوِّينَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَائِشَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ كُلْثُومٍ السُّلَمِيِّ قَالَ قَدِمَ علينا بن جُرَيْجٍ الْبَصْرَةَ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَحَدَّثَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بِحَدِيثٍ فَأَنْكَرَهُ النَّاسُ عَلَيْهِ فَقَالَ بن عائشة انما سماه غندرا بن جُرَيْجٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كَانَ يُكْثِرُ الشَّغْبُ عَلَيْهِ فَقَالَ اسْكُتْ يَا غُنْدَرُ وَأَهْلُ الْحِجَازِ يُسَمُّونَ الْمُشْغِبَ غُنْدَرًا وَمِنْ طُرَفِ أَحْوَالِ غُنْدَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ بَقِيَ خَمْسِينَ سَنَةً يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَمَاتَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وتسعين

وفيه ربعى بن حراش فربعى بِكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ وَحِرَاشٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالرَّاءِ وَآخِرُهُ شِينٌ مُعْجَمَةٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي آخِرِ الْفُصُولِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ حِرَاشٌ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ سِوَاهُ وَمَنْ عَدَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ وَهُوَ رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشِ بْنِ جَحْشٍ الْعَبْسِيُّ بِالْمُوَحَّدَةِ الْكُوفِيُّ أَبُو مَرْيَمَ أَخُو مَسْعُودٍ الَّذِي تَكَلَّمَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَخُوهُمَا رَبِيعٌ وَرِبْعِيٌّ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ جَلِيلٌ لَمْ يَكْذِبْ قَطُّ وَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَضْحَكُ حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ مَصِيرُهُ فَمَا ضَحِكَ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ وَكَذَلِكَ حَلَفَ أَخُوهُ رَبِيعٌ أَنْ لَا يَضْحَكَ حَتَّى يَعْلَمَ أَفِي الْجَنَّةِ هُوَ أَوْ فِي النَّارِ قَالَ غَاسِلُهُ فلم يزل متبسما عَلَى سَرِيرِهِ وَنَحْنُ نُغَسِّلُهُ حَتَّى فَرَغْنَا تُوُفِّيَ رِبْعِيٌّ سَنَةَ إِحْدَى وَمِائَةٍ وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ وَقِيلَ تُوُفِّيَ فِي وِلَايَةِ الْحَجَّاجِ وَمَاتَ الْحَجَّاجُ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ [2] (حَدَّثَنَا إسماعيل يعنى بن عُلَيَّةَ) فَإِنَّمَا قَالَ يَعْنِي لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ في الرواية بن عُلَيَّةَ فَأَتَى بِيَعْنِي وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي الْفُصُولِ وَأَوْضَحْتُ هُنَاكَ مَقْصُودَهُ وَعُلَيَّةُ هِيَ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ وَأَبُوهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَهْمِ بْنِ مِقْسَمٍ الْأَسَدِيُّ أَسَدُ خُزَيْمَةَ مَوْلَاهُمْ وَإِسْمَاعِيلُ بَصْرِيٌّ وَأَصْلُهُ مِنَ الْكُوفَةِ كُنْيَتُهُ أَبُو بِشْرٍ قَالَ شعبة إسماعيل بن عُلَيَّةَ رَيْحَانَةُ الْفُقَهَاءِ وَسَيِّدُ الْمُحَدِّثِينَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عُلَيَّةُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ هِيَ عُلَيَّةُ بِنْتُ حَسَّانٍ مَوْلَاةٌ لِبَنِي شَيْبَانَ وَكَانَتِ امْرَأَةً نَبِيلَةً عَاقِلَةً وَكَانَ صَالِحٌ الْمُرِّيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ وجوه الْبَصْرَةِ وَفُقَهَائِهَا يَدْخُلُونَ عَلَيْهَا فَتَبْرُزُ فَتُحَادِثُهُمْ وَتُسَائِلُهُمْ ومن طرف ما يتعلق باسماعيل بن عُلَيَّةَ مَا ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ حَدَّثَ عن إسماعيل بن علية بن جريج وموسى بن سهل الوشا وَبَيْنَ وَفَاتَيْهِمَا مِائَةٌ وَتِسْعٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَقِيلَ سبع وعشرون قال وحدث عن بن عُلَيَّةَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ وَبَيْنَ

وفاته ووفاة الوشا مِائَةٌ وَعَشْرُ سِنِينَ وَقِيلَ مِائَةٌ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ سنة قال وحدث عن بن علية شعبة وبين وفاته ووفاة الوشا مائة وثمانى عشرة سنة وحدث عن بن عُلَيَّةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ وَبَيْنَ وَفَاتِهِ ووفاة الوشا احدى وثمانون سنة مات الوشا يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلَ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَقَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ الْآخَرِ [3] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْغُبَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا الْغُبَرِيُّ فَبِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ مَنْسُوبٌ إِلَى غُبَرَ أَبِي قَبِيلَةٍ مَعْرُوفَةٍ فِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ وَمُحَمَّدٌ هَذَا بَصْرِيٌّ وَأَمَّا أَبُو عَوَانَةَ فَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِالنُّونِ وَاسْمُهُ الْوَضَّاحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ وَأَمَّا أَبُو حُصَيْنٍ فَبِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الصَّادِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْفُصُولِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَهُ نَظِيرٌ وَأَنَّ مَنْ سِوَاهُ حُصَيْنٌ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ إِلَّا حُضَيْنَ بْنَ الْمُنْذِرِ فَإِنَّهُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَاسْمُ أَبِي حُصَيْنٍ عُثْمَانُ بْنُ عَاصِمٍ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ التَّابِعِيُّ وَأَمَّا أَبُو صَالِحٍ فَهُوَ السَّمَّانُ وَيُقَالُ الزَّيَّاتُ وَاسْمُهُ ذَكْوَانُ كَانَ يَجْلِبُ الزَّيْتَ وَالسَّمْنَ إِلَى الْكُوفَةِ وَهُوَ مَدَنِيٌّ تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَمِائَةٍ وَفِي دَرَجَتِهِ وَقَرِيبٌ مِنْهُ جَمَاعَةٌ يُقَالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَبُو صَالِحٍ وَأَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ كُنِّيَ بِهَذِهِ الْكُنْيَةِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ عَلَى نَحْوٍ مِنْ ثَلَاثِينَ قَوْلًا وَأَصَحُّهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدِي فِيهِ شَيْءٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ هُوَ الَّذِي يَسْكُنُ إِلَيْهِ الْقَلْبُ فِي اسْمِهِ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ قَالَ وَعَلَى هَذَا اعْتَمَدَتْ طَائِفَةٌ صَنَّفَتْ فِي الْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى وَكَذَا قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ أَصَحُّ شَيْءٍ عِنْدنَا فِي اسْمِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ وَأَمَّا سَبَبُ تَكْنِيَتِهِ أَبَا هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ كَانَتْ لَهُ فِي صِغَرِهِ هُرَيْرَةٌ صَغِيرَةٌ يَلْعَبُ بِهَا وَلِأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رِوَايَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ الْأَنْدَلُسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ لِأَبِي هُرَيْرَةَ خَمْسَةَ آلَافِ حَدِيثٍ وَثَلَاثَمِائَةٍ وَأَرْبَعَةً وسبعين حديثا

وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هَذَا الْقَدْرِ وَلَا مَا يُقَارِبهُ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ فِي دَهْرِهِ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ ينزل المدينه بذى الحليفة وله بها دار مات بالمدينة سنة تسع وخمسين وهو بن ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ وَمَاتَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ وَصَلَّى عَلَيْهَا وَقِيلَ إِنَّهُ مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَالصَّحِيحُ سَنَةَ تِسْعٍ وَكَانَ مِنْ سَاكِنِي الصُّفَّةِ وَمُلَازِمِيهَا قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ كَانَ عَرِّيفَ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَأَشْهَرَ مَنْ سَكَنَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَتْنُ الْحَدِيثِ فَهُوَ حَدِيثٌ عَظِيمٌ فِي نِهَايَةٍ مِنَ الصِّحَّةِ وَقِيلَ إِنَّهُ مُتَوَاتِرٌ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِينَ نَفْسًا مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَحَكَى الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ فِي شَرْحِهِ لِرِسَالَةِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ رَوَى عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ صَحَابِيًّا مَرْفُوعًا وَذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَنْدَهْ عَدَدَ مَنْ رَوَاهُ فَبَلَغَ بِهِمْ سَبْعَةً وَثَمَانِينَ ثُمَّ قَالَ وَغَيْرُهُمْ وَذَكَرَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ صَحَابِيًّا وَفِيهِمُ الْعَشَرَةُ الْمَشْهُودُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ قَالَ وَلَا يُعْرَفُ حَدِيثٌ اجْتَمَعَ عَلَى رِوَايَتِهِ الْعَشَرَةُ إِلَّا هَذَا وَلَا حَدِيثٌ يُرْوَى عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ صَحَابِيًّا إِلَّا هَذَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ رَوَاهُ مِائَتَانِ مِنَ الصَّحَابَةِ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ فِي ازْدِيَادٍ وَقَدِ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى إِخْرَاجِهِ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ وَأَمَّا إِيرَادُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُمَيدِيِّ صَاحِبِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي أَفْرَادِ مُسْلِمٍ فَلَيْسَ بِصَوَابٍ فَقَدِ اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا لَفْظُ مَتْنِهِ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ فَلْيَنْزِلْ وَقِيلَ فَلْيَتَّخِذْ مَنْزِلَهُ مِنَ النَّارِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ أَصْلُهُ مِنْ مَبَاءَةِ الْإِبِلِ وَهِيَ أَعْطَانُهَا ثُمَّ قِيلَ إِنَّهُ دُعَاءٌ بِلَفْظِ الْأَمْرِ أَيْ بَوَّأَهُ اللَّهُ ذَلِكَ وَكَذَا فَلْيَلِجِ النَّارَ وَقِيلَ هُوَ خَبَرٌ بِلَفْظِ الْأَمْرِ أَيْ مَعْنَاهُ فَقَدِ اسْتَوْجَبَ ذَلِكَ فَلْيُوَطِّنْ نَفْسَهُ عَلَيْهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى يَلِجِ النَّارَ وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي النَّارِ ثُمَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا جَزَاؤُهُ وَقَدْ يُجَازَى بِهِ وَقَدْ يَعْفُو اللَّهُ الْكَرِيمُ عَنْهُ وَلَا يُقْطَعُ عَلَيْهِ بِدُخُولِ النَّارِ وَهَكَذَا سَبِيلُ كُلِّ مَا جَاءَ مِنَ الْوَعِيدِ بِالنَّارِ لِأَصْحَابِ الْكَبَائِرِ غَيْرَ الْكُفْرِ فَكُلُّهَا يُقَالُ فِيهَا هَذَا جَزَاؤُهُ وَقَدْ يُجَازَى

وَقَدْ يُعْفَى عَنْهُ ثُمَّ إِنْ جُوزِيَ وَأُدْخِلَ النار فلا يخلد فيها بل لابد مِنْ خُرُوجِهِ مِنْهَا بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ وَلَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ أَحَدٌ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَسَيَأْتِي دَلَائِلُهَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْكَذِبُ فَهُوَ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ شَرْطُهُ الْعَمْدِيَّةُ وَدَلِيلُ خِطَابِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَنَا فَإِنَّهُ قَيَّدَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْعَمْدِ لِكَوْنِهِ قَدْ يَكُونُ عَمْدًا وَقَدْ يَكُونُ سَهْوًا مَعَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ وَالنُّصُوصَ الْمَشْهُورَةَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُتَوَافِقَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا إِثْمَ عَلَى الناسى والغالط فَلَوْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْكَذِبَ لَتُوُهِّمَ أَنَّهُ يَأْثَمُ النَّاسِي أَيْضًا فَقَيَّدَهُ وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ الْمُطْلَقَةُ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ بِالْعَمْدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَشْتَمِلُ عَلَى فَوَائِدَ وَجُمَلٍ مِنَ الْقَوَاعِدِ إِحْدَاهَا تَقْرِيرُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْكَذِبَ يَتَنَاوَلُ إِخْبَارُ الْعَامِدِ وَالسَّاهِي عَنِ الشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ الثَّانِيَةُ تَعْظِيمُ تَحْرِيمِ الْكَذِبِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ فَاحِشَةٌ عَظِيمَةٌ وَمُوبِقَةٌ كَبِيرَةٌ وَلَكِنْ لَا يَكْفُرُ بِهَذَا الْكَذِبِ إِلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الطَّوَائِفِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالِدُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَبِي الْمَعَالِي مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا يَكَفُرُ بِتَعَمُّدِ الْكَذِبِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَى إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ هَذَا الْمَذْهَبَ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دَرْسِهِ كَثِيرًا مَنْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْدًا كَفَرَ وَأُرِيقَ دَمُهُ وَضَعَّفَ إِمَامُ الحرمين هذا القول وقاله إِنَّهُ لَمْ يَرَهُ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَصْحَابِ وَإِنَّهُ هَفْوَةٌ عَظِيمَةٌ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنِ الْجُمْهُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إِنَّ مَنْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْدًا فى حديث واحد فسق وردت رواياتة كُلُّهَا وَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِجَمِيعِهَا فَلَوْ تَابَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ فَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَصَاحِبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ مِنْ فُقَهَاءِ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيِّينَ وَأَصْحَابِ الْوُجُوهِ مِنْهُمْ وَمُتَقَدِّمَيْهِمْ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ لَا تُؤَثِّرُ تَوْبَتُهُ فِي ذَلِكَ وَلَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ أَبَدًا بَلْ يُحَتَّمُ جَرْحُهُ دَائِمًا وَأَطْلَقَ الصَّيْرَفِيُّ وَقَالَ كُلُّ مَنْ أَسْقَطْنَا خَبَرَهُ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ بِكَذِبٍ

وَجَدْنَاهُ عَلَيْهِ لَمْ نَعُدْ لِقَبُولِهِ بِتَوْبَةٍ تَظْهَرُ وَمَنْ ضَعَّفْنَا نَقْلَهُ لَمْ نَجْعَلْهُ قَوِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ وَذَلِكَ مِمَّا افْتَرَقَتْ فِيهِ الرِّوَايَةُ وَالشَّهَادَةُ وَلَمْ أَرَ دَلِيلًا لِمَذْهَبِ هَؤُلَاءِ وَيَجُوزُ أَنْ يُوَجَّهَ بِأَنَّ ذَلِكَ جُعِلَ تَغْلِيظًا وَزَجْرًا بَلِيغًا عَنِ الْكَذِبِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِظَمِ مَفْسَدَتِهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ شَرْعًا مُسْتَمِرًّا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِخِلَافِ الْكَذِبِ عَلَى غَيْرِهِ وَالشَّهَادَةِ فَإِنَّ مَفْسَدَتَهُمَا قَاصِرَةٌ لَيْسَتْ عَامَّةٌ قُلْتُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمُخْتَارُ الْقَطْعُ بِصِحَّةِ تَوْبَتِهِ فِي هَذَا وَقَبُولِ رِوَايَاتِهِ بَعْدَهَا إِذَا صَحَّتْ تَوْبَتُهُ بِشُرُوطِهَا الْمَعْرُوفَةِ وَهِيَ الْإِقْلَاعُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَالنَّدَمِ على فعلها والعزم على أن لايعود إِلَيْهَا فَهَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ رِوَايَةِ مَنْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ كَانُوا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ فِي هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ الثَّالِثَةُ أنه لافرق فِي تَحْرِيمِ الْكَذِبِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مَا كَانَ فِي الْأَحْكَامِ وَمَا لَا حُكْمَ فِيهِ كَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالْمَوَاعِظِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَكُلُّهُ حَرَامٌ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَأَقْبَحِ الْقَبَائِحِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ خِلَافًا لِلْكَرَّامِيَّةِ الطَّائِفَةِ الْمُبْتَدِعَةِ فِي زَعْمِهِمُ الْبَاطِلِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَضْعُ الْحَدِيثِ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَتَابَعَهُمْ عَلَى هَذَا كَثِيرُونَ مِنَ الْجَهَلَةِ الَّذِينَ يَنْسُبُونَ أَنْفُسَهُمْ إِلَى الزُّهْدِ أَوْ يَنْسُبهُمْ جَهَلَةٌ مِثْلُهمْ وَشُبْهَةُ زَعْمِهِمُ الْبَاطِلِ أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا لِيُضِلَّ بِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا كَذِبٌ عَلَيْهِ وَهَذَا الَّذِي انْتَحَلُوهُ وَفَعَلُوهُ وَاسْتَدَلُّوا بِهِ غَايَةَ الْجَهَالَةِ وَنِهَايَةِ الْغَفْلَةِ وَأَدَلُّ الدَّلَائِلِ عَلَى بُعْدِهِمْ مِنْ مَعْرِفَةِ شَيْءٍ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَقَدْ جَمَعُوا فِيهِ جُمَلًا مِنَ الْأَغَالِيطِ اللَّائِقَةِ بِعُقُولِهِمُ السَّخِيفَةِ وَأَذْهَانِهِمُ الْبَعِيدَةِ الْفَاسِدَةِ فَخَالَفُوا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا وَخَالَفُوا صَرِيحَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَالْأَحَادِيثَ الصَّرِيحَةَ الْمَشْهُورَةَ فِي إِعْظَامِ شَهَادَةِ الزُّورِ وَخَالَفُوا إِجْمَاعَ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّاتِ فِي تَحْرِيمِ الْكَذِبِ عَلَى آحَادِ النَّاسِ فَكَيْفَ بِمَنْ قَوْلُهُ شَرْعٌ وَكَلَامُهُ وَحْيٌ وَإِذَا نَظَرَ فِي قَوْلِهِمْ وَجَدَ كَذِبًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يوحى وَمِنْ أَعْجَبِ الْأَشْيَاءِ قَوْلُهُمْ هَذَا كَذِبٌ لَهُ وهذا جهل

مِنْهُمْ بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَخِطَابِ الشَّرْعِ فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ كَذِبٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْحَدِيثَ الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ فَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَحْسَنُهَا وَأَخْصَرُهَا أَنَّ قَوْلَهُ لِيُضِلَّ النَّاسَ زِيَادَةٌ بَاطِلَةٌ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى إِبْطَالِهَا وَأَنَّهَا لَا تُعْرَفُ صَحِيحَةً بِحَالٍ الثَّانِي جَوَابُ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهَا لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ لِلتَّأْكِيدِ كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كذبا ليضل الناس الثَّالِثُ أَنَّ اللَّامَ فِي لِيُضِلَّ لَيْسَتْ لَامَ التَّعْلِيلِ بَلْ هِيَ لَامُ الصَّيْرُورَةِ وَالْعَاقِبَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ عَاقِبَةَ كَذِبِهِ وَمَصِيرِهِ إِلَى الْإِضْلَالِ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عدوا وحزنا وَنَظَائِرُهُ فِي الْقُرْآنِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ أَكْثَرُ مِنْ أن يحصر وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَاهُ فَقَدْ يَصِيرُ أَمْرُ كَذِبِهِ إِضْلَالًا وَعَلَى الْجُمْلَةِ مَذْهَبُهُمْ أَرَكُّ مِنْ أَنْ يُعْتَنَى بِإِيرَادِهِ وَأَبْعَدُ مِنْ أَنْ يُهْتَمَّ بِإِبْعَادِهِ وَأَفْسَدُ مِنْ أَنْ يُحْتَاجَ إِلَى إِفْسَادِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الرَّابِعَةُ يَحْرُمُ رِوَايَةُ الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ عَلَى مَنْ عَرَفَ كَوْنَهُ مَوْضُوعًا أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَضْعُهُ فَمَنْ رَوَى حَدِيثًا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ وَضْعَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ حَالَ رِوَايَتِهِ وَضْعَهُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْوَعِيدِ مُنْدَرِجٌ فِي جُمْلَةِ الْكَاذِبِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا الْحَدِيثُ السَّابِقُ مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ يَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ رِوَايَةِ حَدِيثٍ أَوْ ذَكَرَهُ أَنْ يَنْظُرَ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا أَوْ حَسَنًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا أَوْ فَعَلَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْجَزْمِ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَلَا يَقُلْ قَالَ أَوْ فَعَلَ أَوْ أَمَرَ أَوْ نَهَى وَشِبْهَ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْجَزْمِ بَلْ يَقُولُ رُوِيَ عَنْهُ كَذَا أَوْ جَاءَ عَنْهُ كَذَا أَوْ يُرْوَى أَوْ يُذْكَرُ أَوْ يُحْكَى أَوْ يقال أوبلغنا وَمَا أَشْبَهَهُ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وينبغى لقارىء الْحَدِيثِ أَنْ يَعْرِفَ مِنَ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَأَسْمَاءَ الرِّجَالِ مَا يَسْلَمُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ مَا لَمْ يَقُلْ وَإِذَا صَحَّ فِي الرِّوَايَةِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ خَطَأٌ فَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهُ يَرْوِيهِ عَلَى الصَّوَابِ وَلَا يُغَيِّرهُ فِي الْكِتَابِ لَكِنْ يَكْتُبُ فِي الْحَاشِيَةِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ كَذَا وَأَنَّ الصَّوَابَ خِلَافُهُ وَهُوَ كَذَا وَيَقُولُ عِنْدَ

(باب النهي عن الحديث بكل ما سمع)

الرِّوَايَةِ كَذَا وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ فى روايتنا والصواب كذا فهذا أَجْمَعُ لِلْمَصْلَحَةِ فَقَدْ يَعْتَقِدهُ خَطَأً وَيَكُونُ لَهُ وَجْهٌ يَعْرِفهُ غَيْرُهُ وَلَوْ فُتِحَ بَابُ تَغْيِيرِ الْكِتَابِ لَتَجَاسَرَ عَلَيْهِ غَيْرُ أَهْلِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وينبغى للراوى وقارىء الْحَدِيثِ إِذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ لَفْظَةٌ فَقَرَأَهَا عَلَى الشك أن يقول عقيبه أَوْ كَمَا قَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى لِمَنْ هُوَ كَامِلُ الْمَعْرِفَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ رَوَى بِالْمَعْنَى أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ أوكما قَالَ أَوْ نَحْوَ هَذَا كَمَا فَعَلَتْهُ الصَّحَابَةُ فمن بعدهم والله أعلم وأما توحد الزُّبَيْرِ وَأَنَسٍ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِكْثَارِ مِنْهَا فَلِكَوْنِهِمْ خَافُوا الغلط والنسيان والغالط وَالنَّاسِي وَإِنْ كَانَ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ فَقَدْ يُنْسَبُ إِلَى تَفْرِيطٍ لِتَسَاهُلِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِالنَّاسِي بَعْضُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ كَغَرَامَاتِ المتلفات وانتقاض الطهارات وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ الْمَعْرُوفَاتِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْحَدِيثِ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) [5] فِيهِ خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ وَفِي الطَّرِيقِ الْآخَرِ عَنْ خُبَيْبٍ أَيْضًا عَنْ حَفْصٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الْكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ من نحوه أما أسانيده فخبيب بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْفَصْلِ بَيَانُهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ خُبَيْبٌ بِالْمُعْجَمَةِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ هَذَا وَخُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ وأبو خبيب كنية بن الزبير وفيه هشيم بضم الهاء وهو بن بَشِيرٍ السُّلَمِيُّ الْوَاسِطِيُّ أَبُو مُعَاوِيَةَ اتَّفَقَ أَهْلُ عَصْرِهِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى جَلَالَتِهِ وَكَثْرَةِ حِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ وَصِيَانَتِهِ وَكَانَ مُدَلِّسًا وَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ هُنَا عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ وَقَدْ قَدَّمْنَا

فِي الْفُصُولِ أَنَّ الْمُدَلِّسَ إِذَا قَالَ عَنْ لَا يُحْتَجُّ به إلا أن يثبت سماعه مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَأَنَّ مَا كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ ذَلِكَ فَمَحْمُولٌ عَلَى ثُبُوتِ سَمَاعِهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهَذَا مِنْهُ وَفِيهِ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدٍّ مِنْ أَجْدَادِهِ وَهُوَ نَهْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ لَيْثٍ وَأَبُو عُثْمَانَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَفُضَلَائِهِمْ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَلٍّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَاللَّامُ مُشَدَّدَةٌ عَلَى الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ وَيُقَالُ مِلْءٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَأَسْلَمَ أَبُو عُثْمَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَلْقَهُ وَسَمِعَ جَمَاعَاتٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَاتٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَهُوَ كُوفِيٌّ ثُمَّ بَصْرِيٌّ كَانَ بِالْكُوفَةِ مُسْتَوْطِنًا فَلَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَحَوَّلَ مِنْهَا فَنَزَلَ الْبَصْرَةَ وَقَالَ لا أسكن بلدا قتل فيه بن بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُوِّينَا عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ الله تعالى أنه قال لاأعلم فِي التَّابِعِينَ مِثْلَ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ وَقَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَمِنْ طُرَفِ أَخْبَارِهِ مَا رُوِّينَاهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ بَلَغْتُ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ وَمَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَقَدْ أَنْكَرْتُهُ إِلَّا أَمَلِي فَإِنِّي أَجِدهُ كَمَا هُوَ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ مِائَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْإِسْنَادِ الْآخَرِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَابْنُ مَهْدِيٍّ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ أَبُو سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ وَأَمَّا سُفْيَانُ فَهُوَ الثَّوْرِيُّ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ وَأَمَّا أَبُو إِسْحَاقَ فَهُوَ السَّبِيعِيُّ بِفَتْحِ السِّينِ وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ سَمِعَ ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ سَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ لَمْ يَرْوِ عَنْهُمْ غَيْرُهُ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدٍّ مِنْ أَجْدَادِهِ اسْمُهُ السَّبِيعُ بْنُ صَعْبِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَأَمَّا أَبُو الْأَحْوَصِ فَاسْمُهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الْجُشَمِيُّ الْكُوفِيُّ التَّابِعِيُّ الْمَعْرُوفُ لِأَبِيهِ صُحْبَةٌ وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَابْنُ مَسْعُودٍ الصَّحَابِيُّ السَّيِّدُ الْجَلِيلُ أبو عبد الرحمن الكوفى وأما بن وَهْبٍ فِي الْإِسْنَادِ الْآخَرِ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ الْفِهْرِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ الْإِمَامُ الْمُتَّفَقُ عَلَى حِفْظِهِ واتقانه

وَجَلَالَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي الْإِسْنَادِ الْآخَرِ يونس عن بن شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عتبة أما يونس فهو بن يزيد أبو يزيد القرشى الأموى مولاهم الايلى بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَفِي يُونُسَ سِتُّ لُغَاتٍ ضم النون وكسرها وفتحها مع الهمز وتركه وَكَذَلِكَ فِي يُوسُفَ اللُّغَاتُ السِّتُّ وَالْحَرَكَاتُ الثَّلَاثُ فى سينه ذكر بن السِّكِّيتِ مُعْظَمَ اللُّغَاتِ فِيهِمَا وَذَكَرَ أَبُو الْبَقَاءِ باقيهن وأما بن شِهَابٍ فَهُوَ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَرْثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ سَكَنَ الشَّامَ وَأَدْرَكَ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ نَحْوَ عَشَرَةٍ وَأَكْثَرَ مِنَ الرِّوَايَاتِ عَنِ التَّابِعِينَ وَأَكْثَرُوا مِنَ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ وَأَحْوَالُهُ فِي الْعِلْمِ وَالْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ وَالْإِتْقَانِ وَالِاجْتِهَادِ فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْمَشَقَّةِ فِيهِ وَبَذْلِ النَّفْسِ فِي تَحْصِيلِهِ وَالْعِبَادَةِ وَالْوَرَعِ وَالْكَرَمِ وَهَوَانِ الدُّنْيَا عِنْدَهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَرَ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُشْهَرَ وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَأَمَّا فِقْهُ الْإِسْنَادِ فَهَكَذَا وَقَعَ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ عَنْ حَفْصٍ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُرْسَلًا فَإِنَّ حَفْصًا تَابِعِيٌّ وَفِي الطَّرِيقِ الثَّانِي عَنْ حَفْصٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّصِلًا فَالطَّرِيقُ الْأَوَّلُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَكِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ فَأَرْسَلَهُ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَفْصٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ الصَّوَابُ الْمُرْسَلُ عَنْ شُعْبَةَ كما رواه معاذ وبن مَهْدِيٍّ وَغُنْدَرٌ قُلْتُ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ أَيْضًا مُرْسَلًا وَمُتَّصِلًا فَرَوَاهُ مُرْسَلًا عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ النُّمَيْرِيِّ عَنْ شُعْبَةَ وَرَوَاهُ مُتَّصِلًا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ حَفْصٍ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ رُوِيَ مُتَّصِلًا وَمُرْسَلًا فَالْعَمَلُ عَلَى أَنَّهُ مُتَّصِلٌ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْفُقَهَاءُ وَأَصْحَابُ الْأُصُولِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الْأَكْثَرِينَ رَوَوْهُ مُرْسَلًا فَإِنَّ الْوَصْلَ زِيَادَةٌ مِنْ ثِقَةٍ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُوَضَّحَةً فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِي (بِمِثْلِ ذَلِكَ) فَهِيَ رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفُصُولِ

بَيَانُ هَذَا وَكَيْفِيَّةُ الرِّوَايَةِ بِهِ وَقَوْلُهُ (بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الْكَذِبِ) هُوَ بِإِسْكَانِ السِّينِ وَمَعْنَاهُ يَكْفِيهِ ذَلِكَ مِنَ الْكَذِبِ فَإِنَّهُ قَدِ اسْتَكْثَرَ مِنْهُ وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ وَالْآثَارِ الَّتِي فِي الْبَابِ فَفِيهَا الزَّجْرُ عَنِ التَّحْدِيثِ بِكُلِّ مَا سَمِعَ الْإِنْسَانُ فَإِنَّهُ يَسْمَعُ فِي الْعَادَةِ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَإِذَا حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ فَقَدْ كَذَبَ لِإِخْبَارِهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الْكَذِبَ الْإِخْبَارُ عن الشيء بخلاف ماهو وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَمُّدُ لَكِنَّ التَّعَمُّدُ شَرْطٌ فِي كَوْنِهِ إِثْمًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَلَا يَكُونُ إِمَامًا وَهُوَ يُحَدِّثُ بِكُلِّ مَا سمع) فمعناه أنه حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ كَثُرَ الْخَطَأُ فِي رِوَايَتِهِ فَتُرِكَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَالْأَخْذُ عَنْهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (أَرَاكَ قَدْ كَلِفْتَ بِعِلْمِ الْقُرْآنِ) فَهُوَ بفتح الكاف وكسر اللام وبالفاء ومعناه ولعت به ولازمته قال بن فَارِسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْكَلَفُ الْإِيلَاعُ بِالشَّيْءِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الزَّمَخْشَرِيُّ الْكَلَفُ الْإِيلَاعُ بِالشَّيْءِ مَعَ شَغْلِ قَلْبٍ

(باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في

وَمَشَقَّةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ (إِيَّاكَ وَالشَّنَاعَةَ فِي الْحَدِيثِ) فَهِيَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَهِيَ الْقُبْحُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الشَّنَاعَةُ الْقُبْحُ وَقَدْ شَنُعَ الشَّيْءُ بِضَمِّ النُّونِ أَيْ قَبُحَ فَهُوَ أَشْنَعُ وَشَنِيعٌ وَشَنِعْتُ بِالشَّيْءِ بِكَسْرِ النُّونِ وَشَنِعْتُهُ أَيْ أَنْكَرْتُهُ وَشَنَّعْتُ عَلَى الرَّجُلُ أَيْ ذَكَرْتُهُ بِقَبِيحٍ وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّهُ حَذَّرَهُ أَنْ يُحَدِّثَ بِالْأَحَادِيثِ الْمُنْكَرَةِ الَّتِي يَشْنُعُ عَلَى صَاحِبِهَا وَيُنْكَرُ وَيَقْبُحُ حَالُ صَاحِبِهَا فَيُكَذَّبُ أَوْ يُسْتَرَابُ فِي رِوَايَاتِهِ فَتَسْقُطُ مَنْزِلَتُهُ وَيَذِلُّ فِي نَفْسِهِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (بَاب النَّهْيِ عَنْ الرِّوَايَةِ عَنْ الضُّعَفَاءِ وَالِاحْتِيَاطِ فِي تَحَمُّلِهَا) [6] فِيهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ أَبُو هَانِئٍ هُوَ بِهَمْزِ آخِرِهِ وَفِيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ هُوَ بِمُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ مَضْمُومَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ قَالَ وَبِالضَّمِّ يَقُولُهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْأُدَبَاءِ قَالَ وَبَعْضُهُمْ لَا يُجِيزُ فِيهِ إِلَّا الْفَتْحَ وَيَزْعُمُ أَنَّ التَّاءَ أَصْلِيَّةٌ وَفِي بَابِ التَّاءِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ يَعْنِي فَتَكُونُ أَصْلِيَّةً إِلَّا أَنَّهُ قَالَ تُجِيبُ وَتَجُوبُ قَبِيلَةٌ يَعْنِي قَبِيلَةً مِنْ كِنْدَةَ قَالَ وَبِالْفَتْحِ قَيَّدْتُهُ عَلَى جماعة شيوخى وعلى بن سراج وغيره وكان بن السَّيِّدِ الْبَطْلَيُوسِيُّ يَذْهَبُ إِلَى صِحَّةِ الْوَجْهَيْنِ هَذَا كلام صاحب المطالع وقد ذكر بن فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ أَنَّ تَجُوبَ قَبِيلَةٌ مِنْ كِنْدَةَ وَتُجِيبَ بِالضَّمِّ بَطْنٌ لَهُمْ شَرَفٌ قَالَ وَلَيْسَتِ التَّاءُ فِيهِمَا أَصْلًا وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَأَمَّا حُكْمُ صَاحِبِ الْعَيْنِ بِأَنَّ التَّاءَ أَصْلٌ فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ وَاللَّهُ أعلم وحرملة هَذَا كُنْيَتُهُ أَبُو حَفْصٍ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ صَاحِبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ الَّذِي يَرْوِي عَنِ الشَّافِعِيِّ كِتَابَهُ الْمَعْرُوفَ

فِي الْفِقْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَبُو شُرَيْحٍ الرَّاوِي عَنْ شَرَاحِيلَ فَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ الْمِصْرِيُّ وَكَانَتْ له عبادة وفضل وشراحيل بِفَتْحِ الشِّينِ غَيْرُ مَصْرُوفٍ وَأَمَّا قَوْلُ مُسْلِمٍ وَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدَةَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَهَذَا إِسْنَادٌ اجْتَمَعَ فِيهِ طُرْفَتَانِ مِنْ لَطَائِفِ الْإِسْنَادِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ إِسْنَادَهُ كُوفِيٌّ كُلَّهُ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ فِيهِ ثَلَاثَةً تَابِعِيِّينَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمُ الْأَعْمَشُ وَالْمُسَيَّبُ وَعَامِرٌ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ نَفِيسَةٌ قَلَّ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي إِسْنَادِ هَاتَانِ اللَّطِيفَتَانِ فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ الَّذِي يَرْوِي عنه عامر بن عبدة فهو بن مَسْعُودٍ الصَّحَابِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ وَأَمَّا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ شَيْخُ مُسْلِمٍ فَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حُصَيْنٍ الْكِنْدِيُّ الْكُوفِيُّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ إِمَامُ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَمَّا الْمُسَيَّبُ بْنُ رَافِعٍ فَبِفَتْحِ الْيَاءِ بِلَا خِلَافٍ كَذَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فى المشارق وصاحب المطالع أنه لاخلاف فِي فَتْحِ يَائِهِ بِخِلَافِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي فَتْحِ يَائِهِ وَكَسْرِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وأما عامر بن عَبْدَةَ فَآخِرُهُ هَاءٌ وَهُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَإِسْكَانِهَا وَجْهَانِ أَشْهَرُهُمَا وَأَصَحُّهُمَا الْفَتْحُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رُوِّينَا فَتْحَهَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَأَبِي مُسْلِمٍ الْمُسْتَمْلِيِّ قَالَ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي كِتَابِهِ وَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ قَالَ وَرُوِّينَا الْإِسْكَانَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ وَبِالْوَجْهَيْنِ ذَكَرَهُ الدارقطنى وبن مَاكُولَا وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ قَالَ الْقَاضِي وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ يَقُولُونَ عَبْدٌ بِغَيْرِ هَاءٍ وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهَا وَهُوَ قَوْلُ الْحُفَّاظِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَعَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ سَعِيدٍ وَغَيْرِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الرِّوَايَةِ الاخرى عن بن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بن العاصى فأما بن طَاوُسٍ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ الزَّاهِدُ الصَّالِحُ بْنُ الزَّاهِدِ الصَّالِحِ وَأَمَّا الْعَاصِي فَأَكْثَرُ مَا يَأْتِي فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَنَحْوِهَا بِحَذْفِ الْيَاءِ وَهِيَ لُغَةٌ وَالْفَصِيحُ الصَّحِيحُ الْعَاصِي بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وكذلك شداد بن الهادى وبن أَبِي الْمَوَالِي فَالْفَصِيحُ الصَّحِيحُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَمَا أَشْبَهَهُ إِثْبَاتُ الْيَاءِ وَلَا اغْتِرَارَ بِوُجُودِهِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أَوْ أَكْثَرِهَا بِحَذْفِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْ طُرَفِ أَحْوَالِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ فِي الْوِلَادَةِ إِلَّا إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةٍ وَقِيلَ اثْنَتَا عَشْرَةَ وَأَمَّا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْأَشْعَثِيُّ فَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدِّهِ وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ الْكِنْدِيُّ أَبُو عَمْرٍو الْكُوفِيُّ وَأَمَّا هِشَامُ بْنُ

حُجَيْرٍ فَبِضَمِّ الْحَاءِ وَبَعْدَهَا جِيمٌ مَفْتُوحَةٌ وَهِشَامٌ هَذَا مَكِّيٌّ وَأَمَّا بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ فَبِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَأَمَّا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ فَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْقَافِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْعَقَدِ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ مِنْ بَجِيلَةَ وَقِيلَ مِنْ قَيْسٍ وَهُمْ مِنَ الْأَزْدِ وَذَكَرَ أَبُو الشَّيْخِ الْإِمَامُ الْحَافِظُ عَنْ هَارُونَ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ سُمُّوا الْعَقَدَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ بَيْتٍ لِئَامًا فَسُمُّوا عَقَدًا وَاسْمُ أَبِي عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرِو بن قيس البصرى قيل انه مولى للعقديين أما رَبَاحٌ الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ الْعَقَدِيُّ فَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ رَبَاحُ بْنُ أَبِي مَعْرُوفٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ أَنَّ كُلَّ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَرَبَاحٌ بِالْمُوَحَّدَةِ إِلَّا زِيَادَ بْنَ رَبَاحٍ أَبَا قَيْسٍ الرَّاوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَبِالْمُثَنَّاةِ وَقَالَهُ الْبُخَارِيُّ بِالْوَجْهَيْنِ وَأَمَّا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ الراوى عن بن أَبِي مُلَيْكَةَ فَهُوَ الْقُرَشِيُّ الْجُمَحِيُّ الْمَكِّيُّ وَأَمَّا بن أَبِي مُلَيْكَةَ فَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ وَاسْمُ أَبِي مُلَيْكَةَ زُهَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ التَّيْمِيُّ الْمَكِّيُّ أَبُو بَكْرٍ تَوَلَّى الْقَضَاءَ وَالْأَذَانَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَمَّا قَوْلُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الحلوانى حدثنا يحيى بن آدم حدثنا بن إِدْرِيسَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَهُوَ إِسْنَادٌ كُوفِيٌّ كُلُّهُ إِلَّا الْحُلْوَانِيُّ فَأَمَّا الْأَعْمَشُ سليمان بن مهران أبو محمد التابعى وَأَبُو إِسْحَاقَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّبِيعِيُّ التابعى فتقدم ذكرهما وأما بن إِدْرِيسَ الرَّاوِي عَنِ الْأَعْمَشِ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَوْدِيُّ

الْكُوفِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُتَّفَقُ عَلَى إِمَامَتِهِ وَجَلَالَتِهِ وَإِتْقَانِهِ وَفَضِيلَتِهِ وَوَرَعِهِ وَعِبَادَتِهِ رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِبِنْتِهِ حِينَ بَكَتْ عِنْدَ حُضُورِ مَوْتِهِ لَا تَبْكِي فَقَدْ خَتَمْتُ الْقُرْآنَ فِي هَذَا الْبَيْتِ أَرْبَعَةَ آلَافِ خَتْمَةٍ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حنبل كان بن ادريس نسيج وَحْدَهُ وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ فَبِفَتْحِ الْخَاءِ واسكان الشين المعجمتين وفتح الراء وكنيته على أبو الحسن مروزى وهو بن أُخْتِ بِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ الْحَافِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَمَّا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ فَهُوَ الْإِمَامُ الْمُجْمَعُ عَلَى فَضْلِهِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ الصَّحِيحُ أَنَّ اسْمَهُ كُنْيَتُهُ لَا اسْمَ لَهُ غَيْرُهَا وَقِيلَ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ وَقِيلَ سَالِمٌ وَقِيلَ شُعْبَةُ وَقِيلَ رُؤْبَةُ وَقِيلَ مُسْلِمٌ وَقِيلَ خِدَاشٌ وَقِيلَ مُطَرِّفٌ وَقِيلَ حَمَّادٌ وَقِيلَ حَبِيبٌ وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ قَالَ لِي أَبِي إِنَّ أَبَاكَ لَمْ يَأْتِ فَاحِشَةً قَطُّ وَإِنَّهُ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً وَرُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ أَنْ تَعْصِيَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْغُرْفَةِ فَإِنِّي خَتَمْتُ فِيهَا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ خَتْمَةٍ وَرُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِبِنْتِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَقَدْ بَكَتْ يَا بُنَيَّةُ لَا تَبْكِي أَتَخَافِينَ أَنْ يُعَذِّبنِي اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ خَتَمْتُ فِي هَذِهِ الزَّاوِيَةِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ خَتْمَةٍ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَسْمَاءِ هَذَا الْبَابِ وَلَا يَنْبَغِي لِمُطَالِعِهِ أَنْ يُنْكِرَ هَذِهِ الْأَحْرُفَ فِي أَحْوَالِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تُسْتَنْزَلُ الرَّحْمَةُ بِذِكْرِهِمْ مُسْتَطِيلًا لَهَا فَذَلِكَ مِنْ عَلَامَةِ عَدَمِ فَلَاحِهِ إِنْ دَامَ عَلَيْهِ وَاللَّهُ يُوَفِّقُنَا لِطَاعَتِهِ بِفَضْلِهِ وَمِنَّتِهِ أَمَّا لُغَاتُ الْبَابِ فَالدَّجَّالُونَ جَمْعُ دَجَّالٍ قَالَ ثَعْلَبٌ كُلُّ كَذَّابٍ فَهُوَ دَجَّالٌ وَقِيلَ الدَّجَّالُ الْمُمَوِّهُ يُقَالُ دَجَلَ فُلَانٌ إِذَا مَوَّهَ وَدَجَّلَ الْحَقَّ بِبَاطِلِهِ اذا غطاه وحكى بن فَارِسٍ هَذَا الثَّانِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ أَيْضًا

قَوْلُهُ (يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ فَتَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ قرآنا) معناه تقرأ شيأ ليس بقرآن وتقول انه قرآن لتغر بِهِ عَوَامَّ النَّاسِ فَلَا يَغْتَرُّونَ وَقَوْلُهُ يُوشِكُ هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ مَعْنَاهُ يَقْرَبُ وَيُسْتَعْمَلُ أَيْضًا مَاضِيًا فَيُقَالُ أَوْشَكَ كَذَا أَيْ قَرُبَ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ مَنْ أَنْكَرَهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فَقَالَ لَمْ يُسْتَعْمَلْ مَاضِيًا فَإِنَّ هَذَا نَفْيٌ يُعَارِضُهُ إِثْبَاتُ غَيْرِهِ وَالسَّمَاعُ وَهُمَا مقدمان على نفيه وأما قول بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى رَكِبْتُمْ كُلَّ صَعْبٍ وَذَلُولٍ فَهَيْهَاتَ فَهُوَ مِثَالٌ حَسَنٌ وَأَصْلُ الصَّعْبِ وَالذَّلُولِ فِي الْإِبِلِ فَالصَّعْبُ الْعَسِرُ الْمَرْغُوبُ عَنْهُ وَالذَّلُولُ السَّهْلُ الطَّيِّبُ الْمَحْبُوبُ الْمَرْغُوبُ فِيهِ فَالْمَعْنَى سَلَكَ النَّاسُ كُلَّ مَسْلَكٍ مِمَّا يُحْمَدُ وَيُذَمُّ وَقَوْلُهُ فَهَيْهَاتَ أَيْ بَعُدَتِ اسْتِقَامَتُكُمْ أَوْ بَعُدَ أَنْ نَثِقَ بِحَدِيثِكُمْ وَهَيْهَاتَ مَوْضُوعَةٌ لِاسْتِبْعَادِ الشَّيْءِ وَالْيَأْسِ مِنْهُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْوَاحِدِيُّ هَيْهَاتَ اسْمٌ سُمِّيَ بِهِ الْفِعْلُ وَهُوَ بَعُدَ فِي الْخَبَرِ لَا فِي الْأَمْرِ قَالَ وَمَعْنَى هَيْهَاتَ بَعُدَ وَلَيْسَ لَهُ اشْتِقَاقٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَصْوَاتِ قَالَ وَفِيهِ زِيَادَةُ مَعْنًى لَيْسَتْ فى بعد وهو أن المتكلم يخبر عن اعْتِقَادِهِ اسْتِبْعَادَ ذَلِكَ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ بُعْدِهِ فَكَأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلُهُ بَعُدَ جِدًّا وَمَا أَبْعَدَهُ لَا عَلَى أَنْ يَعْلَمَ الْمُخَاطَبُ مَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْءِ فِي الْبُعْدِ فَفِي هَيْهَاتَ زِيَادَةٌ عَلَى بَعُدَ وَإِنْ كُنَّا نُفَسِّرهُ بِهِ وَيُقَالُ هَيْهَاتَ مَا قُلْتَ وَهَيْهَاتَ لِمَا قُلْتَ

وَهَيْهَاتَ لَكَ وَهَيْهَاتَ أَنْتَ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَفِي مَعْنَى هَيْهَاتَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ بَعُدَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ حُذَّاقِ النَّحْوِيِّينَ وَالثَّانِي بِمَنْزِلَةِ بَعِيدٍ وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَالثَّالِثُ بِمَنْزِلَةِ البعد وهو قول الزجاج وبن الْأَنْبَارِيِّ فَالْأَوَّلُ نَجْعَلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْفِعْلِ وَالثَّانِي بِمَنْزِلَةِ الصِّفَةِ وَالثَّالِثُ بِمَنْزِلَةِ الْمَصْدَرِ وَفِي هَيْهَاتَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ لُغَةً ذَكَرَهُنَّ الْوَاحِدِيُّ هَيْهَاتَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا مَعَ التَّنْوِينِ فِيهِنَّ وَبِحَذْفِهِ فَهَذِهِ سِتُّ لُغَاتٍ وَأَيْهَاتَ بِالْأَلِفِ بَدَلَ الْهَاءِ الْأُولَى وَفِيهَا اللُّغَاتُ السِّتُّ أَيْضًا وَالثَّالِثَةَ عَشْرَةَ أَيْهَا بِحَذْفِ التَّاءِ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ وَزَادَ غَيْرُ الواحدى أيئات بِهَمْزَتَيْنِ بَدَلَ الْهَاءَيْنِ وَالْفَصِيحُ الْمُسْتَعْمَلُ مِنْ هَذِهِ اللُّغَاتِ اسْتِعْمَالًا فَاشِيًا هَيْهَاتَ بِفَتْحِ التَّاءِ بِلَا تَنْوِينٍ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَاتَّفَقَ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ تَاءَ هَيْهَاتَ لَيْسَتْ أَصْلِيَّةً وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَقْفِ عَلَيْهَا فَقَالَ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ يُوقَفُ بِالْهَاءِ وَقَالَ الْفَرَّاءُ بِالتَّاءِ وَقَدْ بَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي هَيْهَاتَ وَتَحْقِيقُ مَا قِيلَ فِيهَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَأَشَرْتُ هُنَا إِلَى مَقَاصِدِهِ والله اعلم وأما قوله (فجعل بن عَبَّاسٍ لَا يَأْذَنُ لِحَدِيثِهِ) فَبِفَتْحِ الذَّالِ أَيْ لا يستمع ولا يضغى وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْأُذُنُ وَقَوْلُهُ (إِنَّا كُنَّا

مَرَّةً) أَيْ وَقْتًا وَيَعْنِي بِهِ قَبْلَ ظُهُورِ الكذب وأما قول بن أبى مليكة (كتبت إلى بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَسْأَلُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابًا وَيُخْفِي عَنِّي فَقَالَ وَلَدٌ نَاصِحٌ أَنَا أَخْتَارُ لَهُ الْأُمُورَ اخْتِيَارًا وَأُخْفِي عَنْهُ قَالَ فَدَعَا بِقَضَاءِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجَعَلَ يَكْتُبُ مِنْهُ أَشْيَاءَ وَيَمُرُّ بِالشَّيْءِ فَيَقُولُ وَاللَّهِ مَا قَضَى بِهَذَا عَلِيٌّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ضَلَّ) فَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ضَبْطِهِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ضَبَطْنَا هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ وَهُمَا وَيُخْفِي عَنِّي وَأُخْفِي عَنْهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فِيهِمَا عَنْ جَمِيعِ شُيُوخنَا إِلَّا عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْخُشَنِيِّ فَإِنِّي قَرَأْتُهُمَا عَلَيْهِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ وَكَانَ أَبُو بَحْرٍ يَحْكِي لَنَا عَنْ شَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ الْكِنَانِيِّ أَنَّ صَوَابَهُ بِالْمُعْجَمَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ رِوَايَةَ الْجَمَاعَةِ هِيَ الصَّوَابُ وَأَنَّ مَعْنَى أُحْفِي أَنْقُصُ مِنْ إِحْفَاءِ الشَّوَارِبِ وَهُوَ جَزُّهَا أَيْ أَمْسِكْ عَنِّي مِنْ حَدِيثِكَ وَلَا تُكْثِرْ عَلَيَّ أَوْ يَكُونُ الْإِحْفَاءُ الْإِلْحَاحَ أَوْ الِاسْتِقْصَاءَ وَيَكُونُ عَنِّي بِمَعْنَى عَلَيَّ اي استقصى مَا تُحَدِّثُنِي هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَكَرَ صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ قَوْلَ الْقَاضِي ثُمَّ قَالَ وَفِي هَذَا نَظَرٌ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّهُ بِمَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْبِرِّ بِهِ وَالنَّصِيحَةِ له من قوله تعالى وكان بِي حَفِيًّا أَيْ أُبَالِغُ لَهُ وَأَسْتَقْصِي فِي النَّصِيحَةِ لَهُ وَالِاخْتِيَارِ فِيمَا أُلْقِي إِلَيْهِ مِنْ صَحِيحِ الْآثَارِ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ هُمَا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَكْتُمُ عَنِّي أَشْيَاءَ وَلَا يَكْتُبُهَا إِذَا كَانَ عَلَيْهِ فِيهَا مَقَالٌ مِنَ الشِّيَعِ الْمُخْتَلِفَةِ وَأَهْلِ الْفِتَنِ فَإِنَّهُ إِذَا كَتَبَهَا ظَهَرَتْ وَإِذَا ظَهَرَتْ خُولِفَ فِيهَا وَحَصَلَ فِيهَا قَالٌ وَقِيلٌ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّا يَلْزَمُ بَيَانُهَا لِابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ وَإِنْ لَزِمَ فَهُوَ مُمْكِنٌ بِالْمُشَافَهَةِ دُونَ الْمُكَاتَبَةِ قَالَ وَقَوْلُهُ وَلَدٌ نَاصِحٌ مُشْعِرٌ بِمَا ذَكَرْتُهُ وَقَوْلُهُ أَنَا أَخْتَارُ لَهُ وَأُخْفِي عَنْهُ إِخْبَارٌ مِنْهُ

بِإِجَابَتِهِ إِلَى ذَلِكَ ثُمَّ حَكَى الشَّيْخُ الرِّوَايَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَرَجَّحَهَا وَقَالَ هَذَا تَكَلُّفٌ لَيْسَتْ بِهِ رِوَايَةٌ مُتَّصِلَةٌ نُضْطَرُّ إِلَى قبوله هذا كلام الشيخ أبو عَمْرٍو وَهَذَا الَّذِي أَخْتَارُهُ مِنَ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ الْمَوْجُودَةِ بِهَذِهِ الْبِلَادِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَاللَّهِ مَا قَضَى عَلِيٌّ بِهَذَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ ضَلَّ فَمَعْنَاهُ مَا يَقْضِي بِهَذَا إِلَّا ضال ولا يقضي به على أن لا يُعْرَفَ أَنَّهُ ضَلَّ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يضل فيعمل أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ في الرواية الأخرى (فمحاه الاقدر وأشار سفيان بن عيينة بذراعه) قدر منصور غير منون معناه محاه الاقدر ذِرَاعٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ كَانَ دَرْجًا مُسْتَطِيلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَيَّ عِلْمٍ أَفْسَدُوا) فَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا أَدْخَلَتْهُ الرَّوَافِضُ وَالشِّيعَةُ فِي عِلْمِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَدِيثِهِ وَتَقَوَّلُوهُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَبَاطِيلَ وأضافوه إليه من الروايات والاقاويل المفتعلة والمختلقة وَخَلَطُوهُ بِالْحَقِّ فَلَمْ يَتَمَيَّزْ مَا هُوَ صَحِيحٌ عَنْهُ مِمَّا اخْتَلَقُوهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ فَقَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَقِيلَ بَاعَدَهُمْ وَقِيلَ قَتَلَهُمْ قَالَ وَهَؤُلَاءِ اسْتَوْجَبُوا عِنْدَهُ ذَلِكَ لِشَنَاعَةِ مَا أَتَوْهُ كَمَا فَعَلَهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَإِلَّا فَلَعْنَةُ الْمُسْلِمِ غَيْرُ جَائِزَةٍ وَأَمَّا قَوْلُ المغيرة (لم يكن بصدق عَلَى عَلِيٍّ إِلَّا مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ) فَهَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ إِلَّا مِنْ أَصْحَابِ فَيَجُوزُ فِي مِنْ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لِبَيَانِ الْجِنْسِ وَالثَّانِي أَنَّهَا زَائِدَةٌ وَقَوْلُهُ يَصْدُقُ ضُبِطَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ وَضَمِّ

(باب بيان أن الإسناد من الدين وأن الرواية لا تكون

الدَّالِ وَالثَّانِي بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَالدَّالِ المشددة والمغيرة هذا هو بن مِقْسَمٍ الضَّبِّيُّ أَبُو هِشَامٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا أَحْكَامُ الْبَابِ فَحَاصِلُهَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ رِوَايَةُ الْمَجْهُولِ وَأَنَّهُ يَجِبُ الِاحْتِيَاطُ فِي أَخْذِ الْحَدِيثِ فَلَا يُقْبَلُ إِلَّا مِنْ أَهْلِهِ وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْوَى عَنِ الضُّعَفَاءِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْإِسْنَادَ مِنَ الدِّينِ وَأَنَّ الرِّوَايَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا عَنِ الثِّقَاتِ) وَأَنَّ جَرْحَ الرُّوَاةِ بِمَا هُوَ فِيهِمْ جَائِزٌ بَلْ وَاجِبٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ بَلْ مِنَ الذَّبِّ عَنِ الشَّرِيعَةِ الْمُكَرَّمَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ وَهِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَحَدَّثَنَا فُضَيْلٌ عَنْ هِشَامٍ وَحَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ هِشَامٍ عَنِ بن سِيرِينَ) أَمَّا هِشَامٌ أَوَّلًا فَمَجْرُورٌ مَعْطُوفٌ عَلَى أَيُّوبَ وَهُوَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ الْقُرْدُوسِيُّ بِضَمِّ القاف ومحمد هو بن سِيرِينَ وَالْقَائِلُ وَحَدَّثَنَا فُضَيْلٌ وَحَدَّثَنَا مَخْلَدٌ هُوَ حسن بن الربيع وأما فضيل فهو بن عِيَاضٍ أَبُو عَلِيٍّ الزَّاهِدُ السَّيِّدُ الْجَلِيلُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ البدع فلا يؤخذ حديثهم) فهذه مسألة قد قَدَّمْنَاهَا فِي أَوَّلِ الْخُطْبَةِ وَبَيَّنَّا الْمَذَاهِبَ فِيهَا قوله (حدثنا إسحاق بن ابراهيم الحنظلى) هوابن رَاهَوَيْهِ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ حَافِظُ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَمَّا الْأَوْزَاعِيُّ فَهُوَ أَبُو عَمْرٍو عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُحْمِدَ

بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَكَسْرِ الْمِيمِ الشَّامِيُّ الدِّمَشْقِيُّ إِمَامُ أَهْلِ الشَّامِ فِي زَمَنِهِ بِلَا مُدَافَعَةٍ وَلَا مُخَالَفَةٍ كَانَ يَسْكُنُ دِمَشْقَ خَارِجَ بَابِ الْفَرَادِيسِ ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى بَيْرُوتَ فَسَكَنَهَا مُرَابِطًا إِلَى أَنْ مَاتَ بِهَا وَقَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى إِمَامَتِهِ وَجَلَالَتِهِ وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ وَكَمَالِ فَضِيلَتِهِ وَأَقَاوِيلُ السَّلَفِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي وَرَعِهِ وزهده وعيادته وَقِيَامِهِ بِالْحَقِّ وَكَثْرَةِ حَدِيثِهِ وَفِقْهِهِ وَفَصَاحَتِهِ وَاتِّبَاعِهِ السُّنَّةَ وَإِجْلَالِ أَعْيَانِ أَئِمَّةِ زَمَانِهِ مِنْ جَمِيعِ الْأَقْطَارِ لَهُ وَاعْتِرَافِهِمْ بِمَزِيَّتِهِ وَرُوِّينَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ أَفْتَى فِي سَبْعِينَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ وَرَوَى عَنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَرَوَى عَنْهُ قَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ وَلَيْسَ هُوَ مِنَ التَّابِعِينَ وَهَذَا مِنْ رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ عَنِ الْأَصَاغِرِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَوْزَاعِ الَّتِي نُسِبَ إِلَيْهَا فَقِيلَ بَطْنٌ مِنْ حِمْيَرَ وَقِيلَ قَرْيَةٌ كَانَتْ عِنْدَ بَابِ الْفَرَادِيسِ مِنْ دِمَشْقَ وَقِيلَ مِنْ أَوْزَاعِ الْقَبَائِلِ أَيْ فِرَقِهِمْ وَبَقَايَا مُجْتَمَعَةٍ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ كَانَ اسْمُ الْأَوْزَاعِيِّ عَبْدَ الْعَزِيزِ فَسَمَّى نَفْسَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَكَانَ يَنْزِلُ الْأَوْزَاعَ فَغَلَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْأَوْزَاعُ بَطْنٌ مِنْ هَمْدَانَ وَالْأَوْزَاعِيُّ مِنْ أَنْفَسِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (لَقِيتُ طَاوُسًا فَقُلْتُ حَدَّثَنِي فُلَانٌ كَيْتَ وَكَيْتَ فَقَالَ إِنْ كَانَ مَلِيًّا فَخُذْ عَنْهُ) قَوْلُهُ كَيْتَ وَكَيْتَ هُمَا بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ نَقَلَهُمَا الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَقَوْلُهُ إِنْ كَانَ مَلِيًّا يَعْنِي ثِقَةً ضَابِطًا مُتْقِنًا يُوثَقُ بِدِينِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِ كَمَا يُعْتَمَدُ عَلَى مُعَامَلَةِ الْمَلِيِّ بِالْمَالِ ثِقَةً بِذِمَّتِهِ وَأَمَّا قَوْلُ مُسْلِمٍ (وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ) فَهَذَا الدَّارِمِيُّ هُوَ صَاحِبُ الْمُسْنَدِ الْمَعْرُوفِ كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ مَنْسُوبٌ إِلَى دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ وَكَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ هَذَا أَحَدَ حُفَّاظِ الْمُسْلِمِينَ فِي زَمَانِهِ قَلَّ مَنْ كَانَ يُدَانِيهِ فِي الْفَضِيلَةِ وَالْحِفْظِ قَالَ رَجَاءُ بْنُ مُرَجَّى مَا أَعْلَمُ أَحَدًا هُوَ أَعْلَمُ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الدَّارِمِيِّ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ إِمَامُ أَهْلِ زَمَانِهِ وَقَالَ أَبُو حَامِدِ بْنِ الشَّرْقِيِّ إِنَّمَا أَخْرَجَتْ خُرَاسَانُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ خَمْسَةَ

رِجَالٍ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى وَمُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُسْلِمَ بْنَ الْحَجَّاجِ وَإِبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ غَلَبَنَا الدَّارِمِيُّ بِالْحِفْظِ وَالْوَرَعِ وُلِدَ الدَّارِمِيُّ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ (حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الجهضمى حدثنا الأصمعى عن بن أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ) أَمَّا الْجَهْضَمِيُّ فَبِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَنْسَابُ هَذِهِ النِّسْبَةُ إِلَى الْجَهَاضِمَةِ وَهِيَ مَحِلَّةٌ بِالْبَصْرَةِ قَالَ وَكَانَ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ هَذَا قَاضِيَ الْبَصْرَةِ وَكَانَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُتْقِنِينَ وَكَانَ الْمُسْتَعِينُ بِاللَّهِ بَعَثَ إِلَيْهِ لِيُشْخِصَهُ لِلْقَضَاءِ فَدَعَاهُ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ لِذَلِكَ فَقَالَ أَرْجِعُ فَأَسْتَخِيرُ اللَّهَ تَعَالَى فَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ نِصْفَ النَّهَارِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ لِي عِنْدَكَ خَيْرٌ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ فَنَامَ فَأَنْبَهُوهُ فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ وَكَانَ ذَلِكَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ وَأَمَّا الْأَصْمَعِيُّ فَهُوَ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَالْمُكْثِرِينَ وَالْمُعْتَمَدِينَ مِنْهُمْ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُرَيْبٍ بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثم باء موحدة بن عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَصْمَعَ الْبَصْرِيُّ أَبُو سَعِيدٍ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ وَكَانَ الْأَصْمَعِيُّ مِنْ ثِقَاتِ الرُّوَاةِ وَمُتْقِنِيهِمْ وَكَانَ جَامِعًا لِلُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَالنَّحْوِ وَالْأَخْبَارِ وَالْمُلَحِ وَالنَّوَادِرَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا رَأَيْتُ بِذَلِكَ الْعَسْكَرِ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنَ الْأَصْمَعِيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا مَا عَبَّرَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ بِأَحْسَنَ مِنْ عِبَارَةِ الْأَصْمَعِيِّ وَرُوِّينَا عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ أَحْفَظُ سِتَّ عَشْرَةَ أَلْفَ أُرْجُوزَةٍ وَأَمَّا أَبُو الزناد بكسر الزَّايِ فَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو الزِّنَادِ لَقَبٌ لَهُ كَانَ يَكْرَهُهُ وَاشْتُهِرَ بِهِ وَهُوَ قُرَشِيٌّ مَوْلَاهُمْ مَدَنِيٌّ وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يُسَمِّي أَبَا الزِّنَادِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ قَالَ الْبُخَارِيُّ أَصَحُّ أَسَانِيدِ أبى هريرة

أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وقال مصعب كان أبوالزناد فقيه أهل المدينة وأما بن أَبِي الزِّنَادِ فَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلِأَبِي الزِّنَادِ ثَلَاثَةُ بَنِينَ يَرْوُونَ عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقَاسِمٌ وَأَبُو الْقَاسِمِ وَأَمَّا مِسْعَرٌ فَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ بن كِدَامٍ الْهِلَالِيُّ الْعَامِرِيُّ الْكُوفِيُّ أَبُو سَلَمَةَ الْمُتَّفَقُ على جلالته وحفظه وإتقانه قوله مسعر فبكسر الميم وهو بن كِدَامٍ الْهِلَالِيُّ الْعَامِرِيُّ الْكُوفِيُّ أَبُو سَلَمَةَ الْمُتَّفَقُ عَلَى جَلَالَتِهِ وَحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ وَقَوْلُهُ (لَا يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الا الثقات) معناه لايقبل إِلَّا مِنَ الثِّقَاتِ وَأَمَّا قَوْلُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ (وحدثنى محمد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَادَ مِنْ أَهْلِ مَرْوَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَانَ بْنَ عُثْمَانَ يَقُولُ سَمِعْتُ بن الْمُبَارَكِ يَقُولُ الْإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ) فَفِيهِ لَطِيفَةٌ مِنْ لَطَائِفِ الْإِسْنَادِ الْغَرِيبَةِ وَهُوَ أَنَّهُ إِسْنَادٌ خرسانى كُلَّهُ مِنْ شَيْخِنَا أَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُضَرَ إِلَى آخِرِهِ فَإِنِّي قَدْ قَدَّمْتُ أَنَّ الْإِسْنَادَ مِنْ شَيْخِنَا إِلَى مُسْلِمٍ خُرَاسَانِيُّونَ نَيْسَابُورِيُّونَ وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورُونَ أَعْنِي مُحَمَّدًا وعبدان وبن المبارك خراسانيون مروزيون وَهَذَا قَلَّ أَنْ يَتَّفِقَ مِثْلُهُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ أَمَّا قُهْزَاذَ فَبِقَافٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ هَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ زَايٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ فِي ضَبْطِهِ وَحَكَى صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَيَّدَهُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ وَهُوَ أعجمى فلا ينصرف قال بن مَاكُولَا مَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَادَ هَذَا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مُسْلِمًا رَحِمَهُ اللَّهُ مَاتَ قَبْلَ شَيْخِهِ هَذَا بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ وَنِصْفٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ هَذَا الْكِتَابِ مِنْ تَارِيخِ وَفَاةِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَمَّا عَبْدَانَ فَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَهُوَ لَقَبٌ لَهُ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللِّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ جَبَلَةَ الْعَتَكِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ

تُوُفِّيَ عَبْدَانُ سَنَةَ إِحْدَى أَوِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ ومائتين وأما بن الْمُبَارَكِ فَهُوَ السَّيِّدُ الْجَلِيلُ جَامِعُ أَنْوَاعِ الْمَحَاسِنِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ وَاضِحٍ الْحَنْظَلِيُّ مَوْلَاهُمْ سَمِعَ جَمَاعَاتٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ وَشُيُوخِهِ وَأَئِمَّةِ عَصْرِهِ كَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ وَآخَرِينَ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَلَالَتِهِ وَإِمَامَتِهِ وَكِبَرِ مَحَلِّهِ وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ رُوِّينَا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى قَالَ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ اصحاب بن الْمُبَارَكِ مِثْلُ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى ومَخْلَدِ بْنِ حُسَيْنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ النَّضْرِ فَقَالُوا تَعَالَوْا حَتَّى نعد خصال بن الْمُبَارَكِ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ فَقَالُوا جَمَعَ الْعِلْمَ وَالْفِقْهَ وَالْأَدَبَ وَالنَّحْوَ وَاللُّغَةَ وَالزُّهْدَ وَالشِّعْرَ وَالْفَصَاحَةَ وَالْوَرَعَ وَالْإِنْصَافَ وَقِيَامَ اللَّيْلِ وَالْعِبَادَةَ وَالشِّدَّةَ فِي رَأْيهِ وَقِلَّةَ الْكَلَامِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ وَقِلَّةَ الْخِلَافِ عَلَى أَصْحَابِهِ وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مُصْعَبٍ جمع بن الْمُبَارَكِ الْحَدِيثَ وَالْفِقْهَ وَالْعَرَبِيَّةَ وَأَيَّامَ النَّاسِ وَالشَّجَاعَةَ وَالتِّجَارَةَ وَالسَّخَاءَ وَالْمَحَبَّةَ عِنْدَ الْفِرَقِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بن سعد صنف بن الْمُبَارَكِ كُتُبًا كَثِيرَةً فِي أَبْوَابِ الْعِلْمِ وَصُنُوفِهِ وَأَحْوَالُهُ مَشْهُورَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَأَمَّا مَرْوُ فَغَيْرُ مَصْرُوفَةٍ وَهِيَ مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ بِخُرَاسَانَ وَأُمَّهَاتُ مَدَائِنِ خُرَاسَانَ أَرْبَعٌ نَيْسَابُورُ وَمَرْوُ وَبَلْخُ وَهَرَاةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي رِزْمَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْقَوَائِمُ يَعْنِي الْإِسْنَادَ) أَمَّا رِزْمَةُ فَبِرَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثم زاى ساكنة ثم مم ثم هاء وأما عبد الله فهو بن الْمُبَارَكِ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ إِنْ جَاءَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَبِلْنَا حَدِيثَهُ وَإِلَّا تَرَكْنَاهُ فَجَعَلَ الْحَدِيثَ كَالْحَيَوَانِ لَا يَقُومُ بِغَيْرِ إِسْنَادٍ كَمَا لَا يَقُومُ الْحَيَوَانُ بِغَيْرِ قَوَائِمَ ثُمَّ إِنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ الْعَبَّاسُ بْنُ رِزْمَةَ وَفِي بَعْضِهَا الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي رِزْمَةَ وَكِلَاهُمَا مُشْكِلٌ وَلَمْ يَذْكُرِ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أصحاب كتب أسماء الرجال العباس بن رِزْمَةَ وَلَا الْعَبَّاسَ بْنَ أَبِي رِزْمَةَ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ أَبِي رِزْمَةَ أَبَا مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيَّ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ وَمَاتَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَتَيْنِ وَاسْمُ أَبِي رِزْمَةَ غَزْوَانُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَبَا إِسْحَاقَ الطَّالَقَانِيُّ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ قَالَ قُلْتُ لابن

الْمُبَارَكِ الْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ إِنَّ مِنَ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لِأَبَوَيْكَ مَعَ صَلَاتِكَ وتصوم لهما مع صومك قال بن الْمُبَارَكِ عَمَّنْ هَذَا قُلْتُ مِنْ حَدِيثِ شِهَابِ بْنِ خِرَاشٍ قَالَ ثِقَةٌ عَمَّنْ قُلْتُ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ ثِقَةٌ عَمَّنْ قَالَ قُلْتُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يا أبا إسحاق إِنَّ بَيْنَ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَفَاوِزَ تَنْقَطِعُ فِيهَا أَعْنَاقُ الْمَطِيِّ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الصَّدَقَةِ اخْتِلَافٌ) مَعْنَى هَذِهِ الْحِكَايَةِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ الْحَدِيثُ إِلَّا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَوْلُهُ مَفَاوِزَ جَمْعُ مَفَازَةٍ وَهِيَ الْأَرْضُ الْقَفْرُ الْبَعِيدَةُ عَنِ الْعِمَارَةِ وَعَنِ الْمَاءِ الَّتِي يُخَافُ الْهَلَاكُ فِيهَا قِيلَ سُمِّيَتْ مَفَازَةً لِلتَّفَاؤُلِ بِسَلَامَةِ سَالِكِهَا كَمَا سَمَّوْا اللَّدِيغَ سَلِيمًا وَقِيلَ لِأَنَّ مَنْ قَطَعَهَا فَازَ وَنَجَا وَقِيلَ لِأَنَّهَا تُهْلِكُ صَاحِبَهَا يُقَالُ فَوَّزَ الرَّجُلُ إِذَا هَلَكَ ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ الَّتِي اسْتَعْمَلَهَا هُنَا اسْتِعَارَةٌ حَسَنَةٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ دِينَارٍ هَذَا مِنْ تَابِعِي التَّابِعِينَ فَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَانِ التَّابِعِيُّ وَالصَّحَابِيُّ فَلِهَذَا قَالَ بَيْنَهُمَا مَفَاوِزُ أَيْ انْقِطَاعٌ كَثِيرٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَيْسَ فِي الصَّدَقَةِ اخْتِلَافٌ فَمَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَلَكِنْ مَنْ أَرَادَ بِرَّ وَالِدَيْهِ فَلْيَتَصَدَّقْ عَنْهُمَا فَإِنَّ الصَّدَقَةَ تَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ وَيَنْتَفِعُ بِهَا بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَأَمَّا مَا حَكَاهُ أَقْضَى الْقُضَاةِ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ البصرى الفقيه

الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ الْحَاوِي عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الْكَلَامِ مِنْ أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَلْحَقُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ثَوَابٌ فَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ قَطْعًا وَخَطَأٌ بَيِّنٌ مُخَالِفٌ لِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فَلَا الْتِفَاتَ إِلَيْهِ وَلَا تَعْرِيجَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَصِلُ ثَوَابُهُمَا إِلَى الْمَيِّتِ إِلَّا إِذَا كَانَ الصَّوْمُ وَاجِبًا عَلَى الْمَيِّتِ فَقَضَاهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ أَوْ مَنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فَإِنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ أَشْهَرُهُمَا عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ مُحَقِّقِي مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ إِنْ شاء الله تعالى وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِلُ ثَوَابُهَا إِلَى الْمَيِّتِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ يَصِلُ ثَوَابُهَا إِلَى الْمَيِّتِ وَذَهَبَ جَمَاعَاتٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ ثَوَابُ جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي باب من مات وعليه نذر أن بن عُمَرَ أَمَرَ مَنْ مَاتَتْ أُمُّهَا وَعَلَيْهَا صَلَاةٌ أَنْ تُصَلِّيَ عَنْهَا وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ أَنَّهُمَا قَالَا بِجَوَازِ الصَّلَاةِ عَنِ الْمَيِّتِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَصْرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ فِي كِتَابِهِ الِانْتِصَارُ إِلَى اخْتِيَارِ هَذَا وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ التَّهْذِيبُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُطْعَمَ عَنْ كُلِّ صَلَاةٍ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ وَكُلُّ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ ضَعِيفَةٌ وَدَلِيلُهُمُ الْقِيَاسُ عَلَى الدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ فَإِنَّهَا تَصِلُ بِالْإِجْمَاعِ وَدَلِيلُ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مات بن آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ فِي حَجِّ الْأَجِيرِ هَلْ تَقَعَانِ عَنِ الْأَجِيرِ أَمْ عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا خِرَاشٌ الْمَذْكُورُ فَبِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفُصُولِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ حِرَاشٌ بِالْمُهْمَلَةِ إِلَّا وَالِدَ رِبْعِيٍّ وَأَمَّا قَوْلُ مُسْلِمٍ (حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ صَاحِبُ بُهَيَّةَ) فَهَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ أَبُو بَكْرِ بْنِ النَّضْرِ

بْنِ أَبِي النَّضْرِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ وأبو النضر هذا هو جَدُّ أَبِي بَكْرٍ هَذَا وَأَكْثَرُ مَا يَسْتَعْمِلُ أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ وَاسْمُ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ وَلَقَبُ أَبِي النَّضْرِ قَيْصَرُ وَأَبُو بَكْرٍ هَذَا الِاسْمُ لَهُ لَا كُنْيَتُهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ اسْمُهُ أَحْمَدُ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ قِيلَ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وأما أبو عقيل فبفتح العين وبهية بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهِيَ امْرَأَةٌ تَرْوِي عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قِيلَ إِنَّهَا سَمَّتْهَا بُهَيَّةَ ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ فِي تَقْيِيدِ الْمُهْمَلِ وَرَوَى عَنْ بُهَيَّةَ مَوْلَاهَا أَبُو عَقِيلٍ الْمَذْكُورُ وَاسْمُهُ يَحْيَى بْنُ الْمُتَوَكِّلِ الضَّرِيرُ الْمَدَنِيُّ وَقِيلَ الْكُوفِيُّ وَقَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَعَلِيُّ بن المدنى وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ وَعُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ وبن عَمَّارٍ وَالنَّسَائِيُّ ذَكَرَ هَذَا كُلَّهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي تَارِيخِ بَغْدَادَ بِأَسَانِيدِهِ عَنْ هَؤُلَاءِ فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالُهُ فَكَيْفَ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتُ جَرْحُهُ عِنْدَهُ مُفَسَّرًا وَلَا يُقْبَلُ الْجَرْحُ إِلَّا مُفَسَّرًا وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ أَصْلًا وَمَقْصُودًا بَلْ ذَكَرَهُ اسْتِشْهَادًا لِمَا قَبْلَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى لِلْقَاسِمِ بْنِ عبيد الله (لأنك بن إِمَامَيْ هُدًى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما وفى الرواية الثانية وأنت بن امامى الهدى يعنى عمر وبن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا فان القاسم هذا هو بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَهُوَ ابْنُهُمَا وَأُمُّ الْقَاسِمِ هِيَ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَبُو بَكْرٍ جَدُّهُ الْأَعْلَى لِأُمِّهِ وَعُمَرُ جده الأعلى لأبيه وبن عُمَرَ جَدُّهُ الْحَقِيقِيُّ لِأَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَأَمَّا قَوْلُ سُفْيَانَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (أَخْبَرُونِي عَنْ أَبِي عَقِيلٍ) فَقَدْ يُقَالُ

فِيهِ هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ مَجْهُولِينَ وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا ذَكَرَهُ مُتَابَعَةً وَاسْتِشْهَادًا وَالْمُتَابَعَةُ والاستشهاد يذكرون فيهما من لايحتج بِهِ عَلَى انْفِرَادِهِ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى مَا قَبْلَهُمَا لَا عَلَيْهِمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فى الفصول والله أعلم قوله (سئل بن عَوْنٍ عَنْ حَدِيثٍ لِشَهْرٍ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى أُسْكُفَّةِ الْبَابِ فَقَالَ إِنَّ شَهْرًا نَزَكُوهُ قَالَ يَقُولُ أَخَذَتْهُ أَلْسِنَةُ النَّاسِ تَكَلَّمُوا فِيهِ) أَمَّا بن عَوْنٍ فَهُوَ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ الْمُجْمَعُ عَلَى جَلَالَتِهِ وَوَرَعِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنِ بْنِ أَرْطَبَانَ أَبُو عَوْنٍ الْبَصْرِيُّ كَانَ يُسَمَّى سَيِّدُ الْقُرَّاءِ أَيِ الْعُلَمَاءِ وَأَحْوَالُهُ وَمَنَاقِبُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَقَوْلُهُ أُسْكُفَّةِ الْبَابِ هِيَ الْعَتَبَةُ السُّفْلَى الَّتِي تُوطَأُ وَهِيَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَقَوْلُهُ نَزَكُوهُ هُوَ بِالنُّونِ وَالزَّايِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ مَعْنَاهُ طَعَنُوا فِيهِ وَتَكَلَّمُوا بِجَرْحِهِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ طعنوه بالنيزك بفتح النون وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَفَتْحِ الزَّايِ وَهُوَ رُمْحٌ قَصِيرٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَكَذَا ذَكَرَهَا مِنْ أَهْلِ الْأَدَبِ وَاللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ الْهَرَوِيُّ فِي غَرِيبِهِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ كَثِيرِينَ مِنْ رُوَاةِ مُسْلِمٍ أَنَّهُمْ رَوَوْهُ تَرَكُوهُ بِالتَّاءِ وَالرَّاءِ وَضَعَّفَهُ الْقَاضِي وَقَالَ

الصَّحِيحُ بِالنُّونِ وَالزَّايِ قَالَ وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِسِيَاقِ الْكَلَامِ وَقَالَ غَيْرُ الْقَاضِي رِوَايَةُ التَّاءِ تَصْحِيفٌ وَتَفْسِيرُ مُسْلِمٍ يَرُدُّهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ شَهْرًا لَيْسَ مَتْرُوكًا بَلْ وَثَّقَهُ كَثِيرُونَ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ السَّلَفِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ فَمِمَّنْ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَآخَرُونَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مَا أَحْسَنَ حَدِيثَهُ وَوَثَّقَهُ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ هو تابعى ثقة وقال بن أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ هُوَ ثقة ولم يذكر بن أَبِي خَيْثَمَةَ غَيْرَ هَذَا وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ شَهْرٌ حَسَنُ الْحَدِيثِ وَقَوِيٌّ أَمْرُهُ وقال انما تكلم فيه بن عَوْنٍ ثُمَّ رَوَى عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي زَيْنَبَ عَنْ شَهْرٍ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ شَهْرٌ ثِقَةٌ وَقَالَ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ شَهْرٌ رَوَى عَنْهُ النَّاسُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ وَلَمْ يُوقَفْ مِنْهُ عَلَى كَذِبٍ وَكَانَ رَجُلًا يَنْسُكُ أَيْ يَتَعَبَّدُ إِلَّا أَنَّهُ رَوَى أَحَادِيثَ لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهَا أَحَدٌ فَهَذَا كَلَامُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ جَرْحِهِ أَنَّهُ أَخَذَ خَرِيطَةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَقَدْ حَمَلَهُ الْعُلَمَاءُ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى مَحْمَلٍ صَحِيحٍ وَقَوْلُ أَبِي حَاتِمِ بْنِ حَيَّانَ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ رَفِيقِهِ فِي الْحَجِّ عَيْبَةً غَيْرُ مَقْبُولٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ بَلْ أَنْكَرُوهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهُوَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَبُو سَعِيدٍ وَيُقَالُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو الْجَعْدِ الْأَشْعَرِيُّ الشَّامِيُّ الْحِمْصِيُّ وَقِيلَ الدِّمَشْقِيُّ وَقَوْلُهُ أَخَذَتْهُ أَلْسِنَةُ النَّاسِ جَمْعُ لِسَانٍ عَلَى لُغَةِ مَنْ جَعَلَ اللِّسَانَ مُذَكَّرًا وَأَمَّا مَنْ جَعَلَهُ مُؤَنَّثًا فَجَمْعُهُ أَلْسُنٌ بِضَمِّ السِّينِ قَالَهُ بن قُتَيْبَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ (حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ) هُوَ حَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ حَجَّاجٍ الثَّقَفِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ كَانَ أَبُوهُ يُوسُفُ شَاعِرًا صَحِبَ أَبَا نُوَاسٍ وَحَجَّاجٌ هَذَا يُوَافِقُ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ بْنِ الْحَكَمِ الثَّقَفِيَّ أَبَا مُحَمَّدٍ الْوَالِيَ الْجَائِرَ الْمَشْهُورَ بِالظُّلْمِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ فَيُوَافِقُهُ فِي اسْمِهِ واسم أبيه وكنيته ونسبته ويخالف فِي جَدِّهِ وَعَصْرِهِ وَعَدَالَتِهِ وَحُسْنِ طَرِيقَتِهِ وَأَمَّا شبابة فبفتح الشين المعجمة وبالبائين الموحدتين وهو شبابة بن سوار أبو عمرو الفزارى مولاهم المدانى قِيلَ اسْمُهُ مَرْوَانُ

وَشَبَابَةُ لَقَبٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ (عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ مَنْ تَعْرِفُ حَالَهُ) فَهُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ خِطَابًا يَعْنِي أَنْتَ عَارِفٌ بِضَعْفِهِ وَأَمَّا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ فَبِالْقَافِ وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَتَّابٍ فَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَأَمَّا قَوْلُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ (لَمْ نَرَ الصَّالِحِينَ فِي شَيْءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَمْ تَرَ ضَبَطْنَاهُ فِي الْأَوَّلِ بِالنُّونِ وَفِي الثَّانِي بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَمَعْنَاهُ مَا قَالَهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ يَجْرِي الْكَذِبُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ وَلَا يَتَعَمَّدُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ لَا يُعَانُونَ صِنَاعَةَ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَيَقَعُ الخطأ فى رواياتهم ولا يعرفونه ويرون الْكَذِبَ وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَذِبٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الْكَذِبَ هُوَ الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا أَوْ غَلَطًا وَقَوْلُهُ (فَلَقِيتُ أبا مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ) فَالْقَطَّانُ مَجْرُورٌ صِفَةٌ لِيَحْيَى وَلَيْسَ مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ صفة

لِمُحَمَّدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَأَخَذَهُ الْبَوْلُ فَقَامَ فَنَظَرْتُ فِي الْكُرَّاسَةِ فَإِذَا فِيهَا حَدَّثَنِي أَبَانٌ عَنْ أَنَسٍ) أَمَّا قَوْلُهُ أَخَذَهُ الْبَوْلُ فَمَعْنَاهُ ضَغَطَهُ وَأَزْعَجَهُ وَاحْتَاجَ إِلَى إِخْرَاجِهِ وَأَمَّا الْكُرَّاسَهْ بِالْهَاءِ فِي آخِرِهَا فَمَعْرُوفَةٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرَ النَّحَّاسُ فِي كِتَابِهِ صِنَاعَةِ الْكِتَابِ الْكُرَّاسَهْ مَعْنَاهَا الْكِتْبَةُ الْمَضْمُومُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَالْوَرَقُ الَّذِي قَدْ أُلْصِقَ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ رَسْمٌ مُكَرَّسٌ إِذَا أَلْصَقَتِ الرِّيحُ التُّرَابَ بِهِ قَالَ وَقَالَ الْخَلِيلُ الْكُرَّاسَهْ مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَكْرَاسِ الْغَنَمِ وَهُوَ أَنْ تَبُولَ فِي الْمَوْضِعِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَيَتَلَبَّدَ وَقَالَ أَقْضَى الْقُضَاةِ الْمَاوَرْدِيُّ أَصْلُ الْكُرْسِيِّ الْعِلْمُ وَمِنْهُ قِيلَ لِلصَّحِيفَةِ يَكُونُ فِيهَا عِلْمٌ مَكْتُوبٌ كُرَّاسَهْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَبَانٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ الصَّرْفُ وَعَدَمُهُ فَمَنْ لَمْ يَصْرِفهُ جَعَلَهُ فِعْلًا مَاضِيًا وَالْهَمْزَةُ زَائِدَةٌ فَيَكُونُ أَفْعَلَ وَمَنْ صَرَفَهُ جَعَلَ الْهَمْزَةَ أَصْلًا فَيَكُونُ فَعَالًا وَصَرْفُهُ هُوَ الصَّحِيحُ وهو الَّذِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرَ فِي كِتَابِهِ جَامِعِ اللُّغَةِ وَالْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ السَّيِّدِ الْبَطْلَيُوسِيُّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَسَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيَّ يَقُولُ رَأَيْتُ فِي كِتَابِ عَفَّانَ حَدِيثَ هِشَامٍ أَبِي الْمِقْدَامِ حَدِيثَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ هِشَامٌ حَدَّثَنِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ يَحْيَى بْنُ فُلَانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بن كعب قلت لعفان إِنَّهُمْ يَقُولُونَ هِشَامٌ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ فَقَالَ إِنَّمَا ابْتُلِيَ مِنْ قِبَلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَكَانَ يَقُولُ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ) أَمَّا قَوْلُهُ حَدِيثُ عُمَرَ فَيَجُوزُ فِي إِعْرَابِهِ النَّصْبُ وَالرَّفْعُ فَالرَّفْعُ عَلَى تَقْدِيرِ هُوَ حَدِيثُ عُمَرَ وَالنَّصْبُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْبَدَلُ مِنْ قَوْلِهِ حَدِيثُ هِشَامٍ

وَالثَّانِي عَلَى تَقْدِيرِ أَعْنِي وَقَوْلُهُ قَالَ هِشَامٌ حَدَّثَنِي رَجُلٌ إِلَى آخِرِهِ هُوَ بَيَانٌ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَآهُ فِي كِتَابِ عَفَّانَ وَأَمَّا هِشَامٌ هذا فهو بن زِيَادٍ الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ ضَعَّفَهُ الْأَئِمَّةُ ثُمَّ هُنَا قَاعِدَةٌ نُنَبِّهُ عَلَيْهَا ثُمَّ نُحِيلُ عَلَيْهَا فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهِيَ أَنَّ عَفَّانَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ إِنَّمَا ابْتُلِيَ هِشَامٌ يَعْنِي إِنَّمَا ضَعَّفُوهُ مِنْ قِبَلِ هَذَا الْحَدِيثِ كَانَ يَقُولُ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ وَهَذَا الْقَدْرُ وَحْدَهُ لَا يَقْتَضِي ضَعْفًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِكَذِبٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ ثُمَّ نَسِيَهُ فَحَدَّثَ بِهِ عَنْ يَحْيَى عَنْهُ ثُمَّ ذَكَرَ سَمَاعَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ فَرَوَاهُ عَنْهُ وَلَكِنِ انْضَمَّ إِلَى هَذَا قَرَائِنُ وَأُمُورٌ اقْتَضَتْ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِهَذَا الْفَنِّ الْحُذَّاقِ فيه المبرزين مِنْ أَهْلِهِ الْعَارِفِينَ بِدَقَائِقِ أَحْوَالِ رُوَاتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ مُحَمَّدٍ فَحَكَمُوا بِذَلِكَ لَمَّا قَامَتِ الدَّلَائِلُ الظَّاهِرَةُ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ مِنْ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ فِي الْجَرْحِ بِنَحْوِ هَذَا وَكُلُّهَا يُقَالُ فِيهَا مَا قُلْنَا هُنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَاذَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ جَبَلَةَ يَقُولُ قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي رَوَيْتَ عَنْهُ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يَوْمُ الْفِطْرِ يَوْمُ الْجَوَائِزِ قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْحَجَّاجِ انْظُرْ مَا وضعت فى يدك منه قال بن قهزاذ وسمعت وهب بن زمعة يذكر سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ قَالَ

عبد الله يعنى بن مبارك رَأَيْتُ رَوْحَ بْنَ غُطَيْفٍ صَاحِبَ الدَّمُ قَدْرُ الدرهم وجلست إليه مجلسا فجعلت أستحيى مِنْ أَصْحَابِي أَنْ يَرَوْنِي جَالِسًا مَعَهُ كُرْهَ حَدِيثِهِ) أَمَّا قُهْزَاذُ فَتَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ جَبَلَةَ فَهُوَ الْمُلَقَّبُ بعبدان وتقدم بيانه وجبلة بفتح الجيم الموحدة وَأَمَّا حَدِيثُ يَوْمُ الْفِطْرِ يَوْمُ الْجَوَائِزِ فَهُوَ مَا رُوِيَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ وَقَفَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَى أَفْوَاهِ الطُّرُقِ وَنَادَتْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اغْدُوا إِلَى رَبٍّ رَحِيمٍ يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ وَيُثِيبُ عَلَيْهِ الْجَزِيلَ أَمَرَكُمْ فَصُمْتُمْ وَأَطَعْتُمْ رَبَّكُمْ فَاقْبَلُوا جَوَائِزَكُمْ فَإِذَا صَلَّوْا الْعِيدَ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ ارْجِعُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ رَاشِدِينَ فَقَدْ غُفِرَتْ ذُنُوبُكُمْ كُلُّهَا وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الْجَوَائِزِ وَهَذَا الْحَدِيثُ رُوِّينَاهُ فِي كِتَابِ الْمُسْتَقْصَى فِي فَضَائِلِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى تَصْنِيفُ الْحَافِظِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ عَسَاكِرَ الدِّمَشْقِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْجَوَائِزُ جَمْعُ جَائِزَةٍ وَهِيَ الْعَطَاءُ وَأَمَّا قَوْلُهُ انْظُرْ ما وضعت فى يدك فضبطناه بِفَتْحِ التَّاءِ مِنْ وَضَعْتَ وَلَا يَمْتَنِعُ ضَمُّهَا وَهُوَ مَدْحٌ وَثَنَاءٌ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَجَّاجِ وَأَمَّا زَمْعَةَ فَبِإِسْكَانِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا وَأَمَّا غُطَيْفٌ فَبِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ طَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ أَكْثَرِ شُيُوخِهِ أَنَّهُمْ رَوَوْهُ غُضَيْفٌ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ وَهُوَ خَطَأٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ صَاحِبُ الدَّمُ قَدْرُ الدِّرْهَمِ يُرِيدُ وَصْفَهُ وَتَعْرِيفَهُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ رَوْحٌ هَذَا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنْ قَدْرِ الدرهم يعنى من الدم وهذ الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَهُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ والله أعلم وقوله أستحي هُوَ بِيَاءَيْنِ وَيَجُوزُ حَذْفُ إِحْدَاهُمَا وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَفْسِيرُ حَقِيقَةِ الْحَيَاءِ فِي بَابِهِ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَقَوْلُهُ كُرْهَ حَدِيثِهِ هُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَنَصْبِ الْهَاءِ أَيْ كَرَاهِيَةً لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَلَكِنَّهُ يَأْخُذُ عَمَّنْ أقبل وأدبر) يعنى عن الثقات والضعفاء

قوله (عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ الْهَمْدَانِيُّ أَمَّا الْهَمْدَانِيُّ فَبِإِسْكَانِ الْمِيمِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَأَمَّا الشَّعْبِيُّ فَبِفَتْحِ الشِّينِ وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ وقيل بن شُرَحْبِيلَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ مَنْسُوبٌ إِلَى شَعْبٍ بَطْنٍ مِنْ هَمْدَانَ وُلِدَ لِسِتِّ سِنِينَ خَلَتْ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ الشَّعْبِيُّ إِمَامًا عَظِيمًا جَلِيلًا جَامِعًا لِلتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْمَغَازِي وَالْعِبَادَةِ قَالَ الْحَسَنُ كَانَ الشَّعْبِيُّ وَاللَّهِ كَثِيرَ الْعِلْمِ عَظِيمَ الْحِلْمِ قَدِيمَ السِّلْمِ مِنَ الْإِسْلَامِ بِمَكَانٍ وَأَمَّا الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ فَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ بن عُبَيْدٍ أَبُو زُهَيْرٍ الْكُوفِيُّ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَحَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ الْأَشْعَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مُفَضَّلٍ عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ وَهُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ أَحَدُ الْكَذَّابِينَ) هَذَا إِسْنَادٌ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ فَأَمَّا بَرَّادٌ فَبِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مُشَدَّدَةٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ الْكُوفِيُّ وَأَمَّا أَبُو أُسَامَةَ فَاسْمُهُ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ بْنِ يَزِيدَ الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيُّ الْحَافِظُ الضَّابِطُ المتقن العابد وأما مفضل فهو بن مهلهل أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيُّ الْكُوفِيُّ الْحَافِظُ الضَّابِطُ المتقن العابد وأما مغيرة فهو بن مِقْسَمٍ أَبُو هِشَامٍ الضَّبِّيُّ الْكُوفِيُّ وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِيمَ الْمُغِيرَةِ تُضَمُّ وَتُكْسَرُ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَحَدُ الْكَذَّابِينَ فَبِفَتْحِ النُّونِ عَلَى الْجَمْعِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ يَشْهَدُ يَعُودُ عَلَى الشَّعْبِيِّ وَالْقَائِلُ وَهُوَ يَشْهَدُ هُوَ الْمُغِيرَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُ الْحَارِثِ (تَعَلَّمْتُ الْوَحْيَ فِي سَنَتَيْنِ أَوْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْقُرْآنُ هين الوحى أَشَدُّ) فَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي جُمْلَةِ

مَا أُنْكِرَ عَلَى الْحَارِثِ وَجُرِّحَ بِهِ وَأُخِذَ عَلَيْهِ مِنْ قَبِيحِ مَذْهَبِهِ وَغُلُوِّهِ فِي التَّشَيُّعِ وَكَذِبِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَرْجُو أَنَّ هَذَا مِنْ أَخَفِّ أَقْوَالِهِ لِاحْتِمَالِهِ الصَّوَابَ فَقَدْ فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْوَحْيَ هُنَا الْكِتَابَةُ وَمَعْرِفَةُ الْخَطِّ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ يُقَالُ أَوْحَى وَوَحَى إِذَا كَتَبَ وَعَلَى هَذَا لَيْسَ عَلَى الْحَارِثِ فِي هَذَا دَرَكٌ وَعَلَيْهِ الدَّرَكُ فِي غَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي وَلَكِنْ لَمَّا عُرِفَ قُبْحُ مَذْهَبِهِ وَغُلُوُّهُ فِي مَذْهَبِ الشِّيعَةِ وَدَعْوَاهُمُ الْوَصِيَّةَ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسِرِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ مِنَ الْوَحْيِ وَعِلْمِ الغيب مالم يُطْلِعْ غَيْرَهُ عَلَيْهِ بِزَعْمِهِمْ سِيءَ الظَّنُّ بِالْحَارِثِ فى هذا وذهب به ذلك المذهب وَلَعَلَّ هَذَا الْقَائِلَ فَهِمَ مِنَ الْحَارِثِ مَعْنًى مُنْكَرًا فِيمَا أَرَادَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ مَنْصُورٍ وَالْمُغِيرَةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ) فَالْمُغِيرَةُ مَجْرُورٌ مَعْطُوفٌ عَلَى مَنْصُورٍ قَوْلُهُ (وَأَحَسَّ الْحَارِثُ بِالشَّرِّ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ مِنْ أُصُولٍ مُحَقَّقَةٍ أَحَسَّ وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ أَوْ أَكْثَرِهَا حَسَّ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَهُمَا لُغَتَانِ حَسَّ وَأَحَسَّ وَلَكِنَّ أَحَسَّ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ حَسَّ وَأَحَسَّ لُغَتَانِ بِمَعْنَى عَلِمَ وَأَيْقَنَ وَأَمَّا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ وَأَصْحَابِ الْأُصُولِ الْحَاسَّةُ وَالْحَوَاسُّ الْخَمْسُ فَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى اللُّغَةِ الْقَلِيلَةِ حَسَّ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَالْكَثِيرُ فِي حَسَّ بِغَيْرِ أَلِفٍ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى قَتَلَ قَوْلُهُ (إِيَّاكُمْ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ سَعِيدٍ وَأَبَا عَبْدِ الرَّحِيمِ فَإِنَّهُمَا كَذَّابَانِ

أَمَّا الْمُغِيرَةُ بْنُ سَعِيدٍ فَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِهِ كِتَابُ الضُّعَفَاءِ هُوَ كُوفِيٌّ دَجَّالٌ أُحْرِقَ بِالنَّارِ زَمَنَ النَّخَعِيِّ ادَّعَى النُّبُوَّةَ وَأَمَّا أَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ فَقِيلَ هُوَ شَقِيقٌ الضَّبِّيُّ الْكُوفِيُّ الْقَاصُّ وَقِيلَ هُوَ سَلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّخَعِيُّ وَكِلَاهُمَا يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الرَّحِيمِ وَهُمَا ضَعِيفَانِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُمَا قَرِيبًا أَيْضًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنِي أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ) هُوَ بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ حَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ دَالٍ مَفْتُوحَةٍ مُهْمَلَتَيْنِ وَاسْمُ أَبِي كَامِلٍ فُضَيْلُ بن حسين بالتصغير فيهما بن طَلْحَةَ الْبَصْرِيُّ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ السَّمْعَانِيُّ هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى جَحْدَرٍ اسْمِ رَجُلٍ قَوْلُهُ (كُنَّا نَأْتِي أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ وَنَحْنُ غِلْمَةٌ أَيْفَاعٌ وَكَانَ يَقُولُ لَا تُجَالِسُوا الْقُصَّاصَ غَيْرَ أَبِي الْأَحْوَصِ وَإِيَّاكُمْ وَشَقِيقًا قَالَ وَكَانَ شَقِيقٌ هَذَا يَرَى رَأْيَ الْخَوَارِجِ وَلَيْسَ بِأَبِي وَائِلٍ) أَمَّا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ فَبِضَمِّ السِّينِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ رُبَيِّعَةَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ الْمُشَدَّدَةِ وَآخِرُهُ هَاءٌ الْكُوفِيُّ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ وَقَوْلُهُ غِلْمَةٌ جَمْعُ غُلَامٍ وَاسْمُ الْغُلَامِ يَقَعُ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ حِينِ يُولَدُ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَاتِهِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ وَقَوْلُهُ أَيْفَاعٌ أَيْ شَبَبَةٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَعْنَاهُ بَالِغُونَ يُقَالُ غُلَامٌ يَافِعٌ وَيَفَعٌ وَيَفَعَةٌ بِفَتْحِ الْفَاءِ فِيهِمَا إِذَا شَبَّ وبلغ أو كاد يبلغ قال الثعالبى اذا قَارَبَ الْبُلُوغَ أَوْ بَلَغَهُ يُقَالُ لَهُ يَافِعٌ وَقَدْ أَيْفَعَ وَهُوَ نَادِرٌ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَيْفَعَ الْغُلَامُ إِذَا شَارَفَ الِاحْتِلَامَ وَلَمْ يَحْتَلِمْ هَذَا آخِرُ نَقْلِ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَكَأَنَّ الْيَافِعَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْيَفَاعِ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيُقَالُ غِلْمَانٌ أَيْفَاعٌ وَيَفَعَةٌ أَيْضًا وَأَمَّا الْقُصَّاصُ بِضَمِّ الْقَافِ فَجَمْعُ قَاصٍّ وَهُوَ الَّذِي يَقْرَأُ الْقَصَصَ عَلَى النَّاسِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْقِصَّةُ الْأَمْرُ وَالْخَبَرُ وَقَدِ اقْتَصَصْتُ الْحَدِيثَ إِذَا رَوَيْتُهُ عَلَى وَجْهِهِ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْخَبَرَ قَصَصًا بِفَتْحِ الْقَافِ وَالِاسْمُ أَيْضًا الْقَصَصُ بِالْفَتْحِ وَالْقِصَصُ بِكَسْرِ الْقَافِ اسْمُ جَمْعٍ لِلْقِصَّةِ وَأَمَّا شَقِيقٌ

الَّذِي نَهَى عَنْ مُجَالَسَتِهِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هُوَ شَقِيقٌ الضَّبِّيُّ الْكُوفِيُّ الْقَاصُّ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ الَّذِي حَذَّرَ مِنْهُ إِبْرَاهِيمُ قَبْلَ هَذَا فِي الْكِتَابِ وَقِيلَ إِنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحِيمِ الَّذِي حَذَّرَ مِنْهُ إِبْرَاهِيمُ هُوَ سَلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّخَعِيُّ ذَكَرَ ذَلِكَ بن أبى حاتم الرازى فى كتابه عن بن الْمَدِينِيِّ وَقَوْلُ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ بِأَبِي وَائِلٍ يَعْنِي لَيْسَ هَذَا الَّذِي نَهَى عَنْ مُجَالَسَتِهِ بِشَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ أَبِي وَائِلٍ الْأَسَدِيِّ الْمَشْهُورِ مَعْدُودٌ فى كِبَارِ التَّابِعِينَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّازِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَسْمُوعُ فِي كُتُبِ الْمُحَدِّثِينَ وَرِوَايَاتِهِمْ غسان غير مصروف وذكره بن فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فى باب غسن وفى باب غسس وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ وَتَرْكُ صَرْفِهِ فَمَنْ جَعَلَ النُّونَ أَصْلًا صَرَفَهُ وَمَنْ جَعَلَهَا زَائِدَةً لَمْ يَصْرِفْهُ وَأَبُو غَسَّانَ هَذَا هُوَ الملقب بزنيج بضم الزاى وبالجيم قَوْلُهُ فِي جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ (كَانَ يُؤْمِنُ بِالرَّجْعَةِ) هي بفتح الراء قال الازهرى وغيره لايجوز فيها الا الفتح وَأَمَّا رَجْعَةُ الْمَرْأَةِ الْمُطَلَّقَةِ فَفِيهَا لُغَتَانِ الْكَسْرُ وَالْفَتْحُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَحُكِيَ فِي هَذِهِ الرَّجْعَةِ الَّتِي كَانَ يُؤْمِنُ بِهَا جَابِرٌ الْكَسْرُ أَيْضًا وَمَعْنَى إِيمَانُهُ بِالرَّجْعَةِ هُوَ مَا تَقُولُهُ الرَّافِضَةُ وَتَعْتَقِدُهُ بِزَعْمِهَا الْبَاطِلِ أَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي السَّحَابِ فَلَا نَخْرُجُ يَعْنِي مَعَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ وَلَدِهِ حَتَّى يُنَادِيَ مِنَ السَّمَاءِ أَنِ اخْرُجُوا مَعَهُ وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ أَبَاطِيلِهِمْ وَعَظِيمٌ مِنْ جهالاتهم الللائقة بِأَذْهَانِهِمُ السَّخِيفَةِ وَعُقُولِهِمُ الْوَاهِيَةِ قَوْلُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هُوَ سُفْيَانُ

بْنُ عُيَيْنَةَ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ وَأَمَّا الْحُمَيْدِيُّ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَيْدٍ أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ الْأَسَدِيُّ الْمَكِّيُّ وَقَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ) هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرحمن الكوفى منسوب إلى حمان بَطْنٍ مِنْ هَمْدَانَ وَأَمَّا الْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحٍ فَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَهُوَ وَالِدُ وَكِيعٍ وَهَذَا الْجَرَّاحُ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَلَكِنَّهُ مَذْكُورٌ هُنَا فِي الْمُتَابَعَاتِ وَقَوْلُهُ (عِنْدِي سَبْعُونَ أَلْفَ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ) أَبُو جَعْفَرٍ هَذَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْمَعْرُوفُ بِالْبَاقِرِ لِأَنَّهُ بَقَرَ الْعِلْمَ أَيْ شَقَّهُ وَفَتَحَهُ فَعَرَفَ أَصْلَهُ وَتَمَكَّنَ فِيهِ وَقَوْلُهُ (سَمِعْتُ أَبَا الْوَلِيدِ يَقُولُ سَمِعْتُ سَلَّامَ بْنَ أَبِي مُطِيعٍ) اسْمُ أَبِي الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الملك وهو الطيالسى وسلام بتشديد اللام واسم أبى مطيع سعد قوله (إِنَّ الرَّافِضَةَ تَقُولُ إِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ

عَنْهُ فِي السَّحَابِ فَلَا نَخْرُجُ) إِلَى آخِرِهِ نَخْرُجُ بِالنُّونِ وَسُمُّوا رَافِضَةً مِنَ الرَّفْضِ وَهُوَ التَّرْكُ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ سُمُّوا رَافِضَةً لِأَنَّهُمْ رَفَضُوا زَيْدَ بْنَ عَلِيٍّ فَتَرَكُوهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرًا يُحَدِّثُ بِنَحْوٍ مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ) قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ الْجَيَّانِيُّ سَقَطَ ذِكْرُ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ بَيْنَ مُسْلِمٍ والحميدى عند بن مَاهَانَ وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ الْجُلُودِيِّ بِإِثْبِاتِهِ فَإِنَّ مُسْلِمًا لَمْ يَلْقَ الْحُمَيْدِيَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَذَّاءِ أَحَدُ رُوَاةِ كِتَابِ مُسْلِمٍ سَأَلْتُ عَبْدَ الْغَنِيِّ بْنَ سَعْدٍ هَلْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ فَقَالَ لَمْ أَرَهُ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَمَا أَبْعَدَ ذَلِكَ أَوْ يَكُونُ سَقَطَ قَبْلَ الْحُمَيْدِيِّ رَجُلٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَعَبْدُ الْغَنِيِّ إِنَّمَا رَأَى مِنْ مُسْلِمٍ نُسْخَةَ بن مَاهَانَ فَلِذَلِكَ قَالَ مَا قَالَ وَلَمْ تَكُنْ نُسْخَةُ الْجُلُودِيِّ دَخَلَتْ مِصْرَ قَالَ وَقَدْ ذَكَرَ مسلم قبل هذا حدثنا سلمة حدثنا الجلودى فِي حَدِيثٍ آخَرَ كَذَا هُوَ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ وَهُوَ الصَّوَابُ هُنَا أَيْضًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ (الْحَارِثُ بْنُ حَصِيرَةَ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَآخِرِهُ هَاءٌ وَهُوَ أَزْدِيٌّ كُوفِيٌّ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْقَافِ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى هَذِهِ النِّسْبَةِ فَقِيلَ كَانَ أَبُوهُ نَاسِكًا أَيْ عَابِدًا وَكَانُوا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يُسَمُّونَ

النَّاسِكَ دَوْرَقِيًّا وَهَذَا الْقَوْلُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيِّ هَذَا وَهُوَ مِنْ أَشْهَرِ الْأَقْوَالِ وَقِيلَ هِيَ نِسْبَةٌ إِلَى الْقَلَانِسِ الطِّوَالِ الَّتِي تُسَمَّى الدورقية وَقِيلَ مَنْسُوبٌ إِلَى دَوْرَقَ بَلْدَةٍ بِفَارِسَ أَوْ غَيْرِهَا قَوْلُهُ (ذَكَرَ أَيُّوبُ رَجُلًا فَقَالَ لَمْ يَكُنْ بِمُسْتَقِيمِ اللِّسَانِ وَذَكَرَ آخَرَ فَقَالَ هُوَ يَزِيدُ فِي الرَّقْمِ) أَيُّوبُ هَذَا هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَهَذَانِ اللَّفْظَانِ كِنَايَةٌ عَنِ الْكَذِبِ وَقَوْلُ أَيُّوبَ فِي عَبْدِ الْكَرِيمِ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ لَقَدْ سَأَلَنِي عَنْ حَدِيثٍ لِعِكْرِمَةَ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ هَذَا الْقَطْعُ بِكَذِبِهِ وَكَوْنِهِ غَيْرَ ثِقَةٍ بِمِثْلِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ قَدْ يُسْتَشْكَلُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ عِكْرِمَةَ ثُمَّ نسيه فسأل عَنْهُ ثُمَّ ذَكَرَهُ فَرَوَاهُ وَلَكِنْ عُرِفَ كَذِبُهُ بِقَرَائِنَ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِيضَاحَ هَذَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى ضَعْفِ عَبْدِ الْكَرِيمِ هَذَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَأَحْمَدُ بن حنبل وبن عَدِيٍّ وَكَانَ عَبْدُ الْكَرِيمِ هَذَا مِنْ فُضَلَاءِ فُقَهَاءِ الْبَصْرَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو دَاوُدَ الْأَعْمَى فَجَعَلَ يَقُولُ حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ وحدثنا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِقَتَادَةَ فَقَالَ كَذَبَ مَا سَمِعَ مِنْهُمْ إِنَّمَا كَانَ

إِذْ ذَاكَ سَائِلًا يَتَكَفَّفُ النَّاسَ زَمَنَ طَاعُونِ الْجَارِفِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَبْلَ الْجَارِفِ) أَمَّا أَبُو دَاوُدَ هَذَا فَاسْمُهُ نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ الْقَاصُّ الْأَعْمَى مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ قَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ هُوَ مَتْرُوكٌ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ لَيْسَ هُوَ بِشَيْءٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَضَعَّفَهُ آخَرُونَ وَقَوْلُهُ مَا سَمِعَ مِنْهُمْ يَعْنِي الْبَرَاءَ وَزَيْدًا وَغَيْرَهُمَا مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّهُ رَوَى عَنْهُ فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ رَأَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَدْرِيًّا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ يَتَكَفَّفُ النَّاسَ مَعْنَاهُ يَسْأَلُهُمْ فِي كَفِّهِ أَوْ بِكَفِّهِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ يَتَطَفَّفُ بِالطَّاءِ وَهُوَ بِمَعْنَى يَتَكَفَّفُ أَيْ يَسْأَلُ فِي كَفِّهِ الطفيف وهو القليل وذكر بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ وَغَيْرِهِ يَتَنَطَّفُ وَلَعَلَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ مَا تَنَطَّفَتْ به أى ماتلطخت وَأَمَّا طَاعُونُ الْجَارِفِ فَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَنْ مَاتَ فِيهِ مِنَ النَّاسِ وَسُمِّيَ الْمَوْتُ جَارِفًا لِاجْتِرَافِهِ النَّاسَ وَسُمِّيَ السَّيْلُ جَارِفًا لِاجْتِرَافِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَرِضِ وَالْجَرْفُ الْغَرْفُ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ وَكَشْحُ مَا عَلَيْهَا وَأَمَّا الطَّاعُونُ فَوَبَاءٌ مَعْرُوفٌ وَهُوَ بَثْرٌ وَوَرَمٌ مُؤْلِمٌ جِدًّا يَخْرُجُ مَعَ لَهَبٍ وَيُسَوِّدُ مَا حَوْلَهُ أَوْ يَخْضَرُّ أَوْ يَحْمَرُّ حُمْرَةً بَنَفْسَجِيَّةً كَدِرَةً وَيَحْصُلُ مَعَهُ خَفَقَانُ الْقَلْبِ وَالْقَيْءُ وَأَمَّا زَمَنُ طَاعُونِ الْجَارِفِ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ اخْتِلَافًا شَدِيدًا مُتَبَايِنًا تَبَايُنًا بَعِيدًا فَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي أَوَّلِ التَّمْهِيدِ قَالَ مَاتَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ فِي طاعون الجارف ونقل بن قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّ طَاعُونَ الجارف كان فى زمن بن الزُّبَيْرِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَكَذَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَيْفٍ الْمَدَايِنِيُّ فِي كِتَابِ التَّعَازِي أَنَّ طَاعُونَ الْجَارِفِ كان فى زمن بن الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ فِي شَوَّالٍ وَكَذَا ذَكَرَ الْكَلَابَاذِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي رِجَالِ الْبُخَارِيِّ مَعْنَى هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ وُلِدَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَفِي قَوْلِهِ إِنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ الْجَارِفِ بِسَنَةٍ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَانَ الْجَارِفُ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ وَذَكَرَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيُّ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطَرِّفٍ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ قَالَ مَاتَ مُطَرِّفٌ بَعْدَ طَاعُونِ الْجَارِفِ وَكَانَ الْجَارِفُ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَذَكَرَ فِي تَرْجَمَةِ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ رَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَأَنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ الْجَارِفِ وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ

وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ فَهَذِهِ أَقْوَالٌ مُتَعَارِضَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهَا بِأَنَّ كُلَّ طَاعُونٍ مِنْ هَذِهِ تُسَمَّى جَارِفًا لِأَنَّ مَعْنَى الْجَرْفِ مَوْجُودٌ فِي جميعها وكانت الطواعين كثيرة ذكر بن قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّ أَوَّلَ طَاعُونٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ طَاعُونُ عَمَوَاسَ بِالشَّامِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ تُوُفِّيَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَامْرَأَتَاهُ وَابْنُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ثُمَّ الْجَارِفُ فِي زمن بن الزُّبَيْرِ ثُمَّ طَاعُونُ الْفَتَيَاتِ لِأَنَّهُ بَدَأَ فِي العذارى والجوازى بِالْبَصْرَةِ وَبِوَاسِطٍ وَبِالشَّامِ وَالْكُوفَةِ وَكَانَ الْحَجَّاجُ يَوْمَئِذٍ بِوَاسِطٍ فِي وِلَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ طَاعُونُ الْأَشْرَافِ يَعْنِي لِمَا مَاتَ فِيهِ مِنَ الْأَشْرَافِ ثُمَّ طَاعُونُ عَدِيِّ بْنِ أَرَطْأَةَ سَنَةَ مِائَةٍ ثُمَّ طَاعُونُ غُرَابٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَغُرَابٌ رَجُلٌ ثُمَّ طَاعُونُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ فِي شَعْبَانَ وَشَهْرِ رَمَضَانَ وَأَقْلَعَ فِي شَوَّالٍ وَفِيهِ مَاتَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ قَالَ وَلَمْ يَقَعْ بِالْمَدِينَةِ وَلَا بِمَكَّةَ طَاعُونٌ قَطُّ هَذَا ما حكاه بن قُتَيْبَةَ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَايِنِيُّ كَانَتِ الطَّوَاعِينُ الْمَشْهُورَةُ الْعِظَامُ فِي الْإِسْلَامِ خَمْسَةً طَاعُونُ شِيرَوَيْهِ بِالْمَدَائِنِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ ثُمَّ طَاعُونُ عَمَوَاسَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ بِالشَّامِ مَاتَ فِيهِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا ثُمَّ طَاعُونُ الْجَارِفِ فِي زمن بن الزُّبَيْرِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ هَلَكَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا مَاتَ فِيهِ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ ابْنًا وَيُقَالُ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ ابْنًا وَمَاتَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ أَرْبَعُونَ ابْنًا ثُمَّ طَاعُونُ الْفَتَيَاتِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ ثُمَّ كَانَ طَاعُونٌ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ فِي رَجَبٍ وَاشْتَدَّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَكَانَ يُحْصَى فِي سِكَّةِ الْمُرِيدِ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَلْفُ جِنَازَةٍ أَيَّامًا ثُمَّ خَفَّ فِي شَوَّالٍ وَكَانَ بِالْكُوفَةِ طَاعُونٌ وَهُوَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ سَنَةَ خَمْسِينَ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمَدَائِنِيُّ وَكَانَ طَاعُونُ عَمَوَاسَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ كَانَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ أو ثمانى عشرة

وعمواس قَرْيَةٌ بَيْنَ الرَّمْلَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ نُسِبَ الطَّاعُونُ إِلَيْهَا لِكَوْنِهِ بَدَأَ فِيهَا وَقِيلَ لِأَنَّهُ عَمَّ الناس وتواسوا فيه ذكر القولين للحافظ عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الجراح رضى الله عنه وعمواس بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمِيمِ فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّاعُونِ فَإِذَا عُلِمَ مَا قَالُوهُ فِي طَاعُونِ الْجَارِفِ فَإِنَّ قَتَادَةَ وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا بُطْلَانُ مَا فَسَّرَ بِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ طَاعُونَ الْجَارِفِ هُنَا وَيَتَعَيَّنُ أَحَدُ الطَّاعُونَيْنِ فَإِمَّا سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ فَإِنَّ قَتَادَةَ كَانَ بن سِتِّ سِنِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَمِثْلُهُ يَضْبِطُهُ واما سنة سبع وثمانين وهو الا ظهر إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (لَا يَعْرِضُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا) فَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ لَا يَعْتَنِي بِالْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ (مَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ عَنْ بَدْرِيٍّ مُشَافَهَةً وَلَا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ بَدْرِيٍّ مُشَافَهَةً إِلَّا عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ) الْمُرَادُ بِهَذَا الْكَلَامِ إِبْطَالُ قَوْلِ أَبِي دَاوُدَ الْأَعْمَى هَذَا وَزَعْمِهِ أَنَّهُ لَقِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَدْرِيًّا فَقَالَ قَتَادَةُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَكْبَرُ مِنْ أَبِي دَاوُدَ الْأَعْمَى وَأَجَلُّ وَأَقْدَمُ سِنًّا وَأَكْثَرُ اعْتِنَاءً بِالْحَدِيثِ وَمُلَازَمَةِ أَهْلِهِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْأَخْذِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ مَا حَدَّثَنَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَنْ بَدْرِيٍّ وَاحِدٍ فَكَيْفَ يَزْعُمُ أَبُو دَاوُدَ الْأَعْمَى أَنَّهُ لَقِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَدْرِيًّا هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ وَقَوْلُهُ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ هُوَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَاسْمُ أَبِي وَقَّاصٍ مَالِكُ بْنُ أَهْيَبَ وَيُقَالُ وُهَيْبٍ وَأَمَّا الْمُسَيَّبُ وَالِدُ سَعِيدٍ فَصَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ يَفْتَحُونَ الْيَاءَ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يَكْسِرُونَهَا قَالَ وَحَكَى أَنَّ سَعِيدًا كَانَ يَكْرَهُ الْفَتْحَ وَسَعِيدٌ إِمَامُ التَّابِعِينَ وَسَيِّدُهُمْ وَمُقَدَّمُهُمْ فِي الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَتَعْبِيرِ الرُّؤْيَا وَالْوَرَعِ وَالزُّهْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَحْوَالُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ وَهُوَ مَدَنِيٌّ كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ رَقَبَةَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيَّ الْمَدَنِيَّ كَانَ يَضَعُ

أَحَادِيثَ كَلَامَ حَقٍّ) أَمَّا رَقَبَةُ فَعَلَى لَفْظِ رَقَبَةِ الْإِنْسَانِ وَهُوَ رَقَبَةُ بْنُ مَسْقَلَةَ بِفَتْحِ الميم واسكان السين المهملة وفتح القاف بن عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْدِيُّ الْكُوفِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَكَانَ عَظِيمَ الْقَدْرِ جَلِيلَ الشَّأْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ كَلَامَ حَقٍّ فَبِنَصْبِ كَلَامَ وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ أَحَادِيثَ وَمَعْنَاهُ كَلَامٌ صَحِيحُ الْمَعْنَى وَحِكْمَةٌ مِنَ الْحِكَمِ وَلَكِنَّهُ كَذَبَ فَنَسَبَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ كَلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا أَبُو جَعْفَرٍ هَذَا فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مِسْوَرٍ الْمَدَائِنِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي الضُّعَفَاءِ وَالْوَاضِعِينَ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مِسْوَرِ بْنِ عَوْنِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَبُو جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ الْهَاشِمِيُّ وَذَكَرَ كَلَامَ رَقَبَةَ وَهُوَ هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي هُنَا ثُمَّ إِنَّهُ وَقَعَ فِي الْأُصُولِ هُنَا الْمَدَنِيُّ وَفِي بَعْضِهَا الْمَدِينِيُّ بِزِيَادَةِ يَاءٍ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا هُنَا الْمَدَائِنِيَّ وَوَقَعَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ الْمَدَائِنِيُّ فَأَمَّا الْمَدِينِيُّ وَالْمَدَنِيُّ فَنِسْبَةٌ إِلَى مَدِينَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقِيَاسُ الْمَدَنِيُّ بِحَذْفِ الْيَاءِ وَمَنْ أَثْبَتَهَا فَهُوَ عَلَى الْأَصْلِ وَرَوَى أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ الْإِمَامُ الْحَافِظُ فِي كِتَابِ الْأَنْسَابِ الْمُتَّفِقَةِ فِي الْخَطِّ الْمُتَمَاثِلَةِ فِي النَّقْطِ وَالضَّبْطِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيِّ قَالَ الْمَدِينِيُّ يَعْنِي بِالْيَاءِ هُوَ الَّذِي أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ وَلَمْ يُفَارِقْهَا وَالْمَدَنِيُّ الَّذِي تَحَوَّلَ عَنْهَا وَكَانَ مِنْهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ) هَكَذَا وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ الْمُحَقَّقَةِ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَلَمْ يَقَعْ قَوْلُهُ فِي بَعْضِهَا وَأَبُو إِسْحَاقَ هَذَا صَاحِبُ مُسْلِمٍ وَرِوَايَةُ الْكِتَابِ عَنْهُ فَيَكُونُ قَدْ سَاوَى مُسْلِمًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَعَلَا فِيهِ بِرَجُلٍ وَأَمَّا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فَاسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ تقدم بيانه

قَوْلُهُ (قُلْتُ لِعَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ إِنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا قَالَ كَذَبَ وَاللَّهِ عَمْرٌو وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَحُوزَهَا إِلَى قَوْلِهِ الْخَبِيثِ) أَمَّا عَوْفٌ فَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَأَمَّا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ فَهُوَ الْقَدَرِيُّ الْمُعْتَزِلِيُّ الَّذِي كَانَ صَاحِبَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا صَحِيحٌ مَرْوِيٌّ مِنْ طُرُقٍ وَقَدْ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ هَذَا وَمَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنِ اهْتَدَى بِهَدْيِنَا وَاقْتَدَى بِعِلْمِنَا وَعَمَلِنَا وَحُسْنِ طَرِيقَتِنَا كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِوَلَدِهِ إِذَا لَمْ يَرْضَ فِعْلَهُ لَسْتَ مِنِّي وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِنَحْوِ هَذَا الْقَوْلِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا وَأَشْبَاهِهِ وَمُرَادُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ بِإِدْخَالِ هَذَا الْحَدِيثِ هُنَا بَيَانُ أَنَّ عَوْفًا جَرَّحَ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ وَقَالَ كَذَبَ وَإِنَّمَا كَذَّبَهُ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ لِكَوْنِهِ نَسَبَهُ إِلَى الْحَسَنِ وَكَانَ عَوْفٌ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ الْحَسَنِ وَالْعَارِفِينَ بِأَحَادِيثِهِ فَقَالَ كَذَبَ فِي نِسْبَتِهِ إِلَى الْحَسَنِ فَلَمْ يَرْوِ الْحَسَنُ هَذَا أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ هَذَا مِنَ الْحَسَنِ وَقَوْلُهُ أَرَادَ أَنْ يَحُوزَهَا إِلَى قَوْلِهِ الْخَبِيثِ مَعْنَاهُ كَذَبَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ لِيُعَضِّدَ بِهَا مَذْهَبَهُ الْبَاطِلَ الرَّدِيءَ وَهُوَ الِاعْتِزَالُ فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ ارْتِكَابَ الْمَعَاصِي يُخْرِجُ صَاحِبَهُ عَنِ الْإِيمَانِ وَيُخَلِّدُهُ فِي النَّارِ وَلَا يُسَمُّونَهُ كَافِرًا بَلْ فَاسِقًا مُخَلَّدًا فِي النَّارِ وَسَيَأْتِي الرَّدُّ

عَلَيْهِمْ بِقَوَاطِعِ الْأَدِلَّةِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ (إِنَّمَا نَفِرُّ أَوْ نَفْرَقُ مِنْ تِلْكَ الْغَرَائِبِ) مَعْنَاهُ إِنَّمَا نَهْرُبُ أَوْ نَخَافُ مِنْ هَذِهِ الْغَرَائِبِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ مَخَافَةً مِنْ كَوْنِهَا كَذِبًا فَنَقَعُ فِي الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن كَانَتْ أَحَادِيثَ وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْآرَاءِ وَالْمَذَاهِبِ فَحَذَرًا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْبِدَعِ أَوْ فِي مُخَالَفَةِ الْجُمْهُورِ وَقَوْلُهُ نَفْرَقُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقَوْلُهُ نَفِرُّ أَوْ نَفْرَقُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي فِي إِحْدَاهُمَا قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُبْتَدِعًا قَدَرِيًّا قَوْلُهُ (كَتَبْتُ إِلَى شُعْبَةَ أَسْأَلُهُ عَنْ أبى شيبة قاضى واسط فكتب إلى لاتكتب عَنْهُ شَيْئًا وَمَزِّقْ كِتَابِي) وَأَبُو شَيْبَةَ هَذَا هُوَ جَدُّ أَوْلَادِ أَبِي شَيْبَةَ وَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُثْمَانُ وَالْقَاسِمُ بَنُو مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو شَيْبَةَ ضَعِيفٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ وَبَيَانَهُمْ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَوَاسِطٌ مَصْرُوفٌ كَذَا سُمِعَ مِنَ الْعَرَبِ وَهِي مِنْ بِنَاءِ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ وَقَوْلُهُ

مَزِّقْ كِتَابِي هُوَ بِكَسْرِ الزَّايِ أَمَرَهُ بِتَمْزِيقِهِ مَخَافَةً مِنْ بُلُوغِهِ إِلَى أَبِي شَيْبَةَ وَوُقُوفِهِ عَلَى ذِكْرِهِ لَهُ بِمَا يَكْرَهُ لِئَلَّا يَنَالَهُ مِنْهُ أَذًى أَوْ يَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ قَوْلُهُ فِي صَالِحٍ الْمُرِّيِّ (كَذَبَ) هُوَ مِنْ نَحْوِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي قَوْلِهِ لَمْ نَرَ الصَّالِحِينَ فِي شَيْءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ مَا قَالَهُ مُسْلِمٌ يَجْرِي الْكَذِبُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ صِنَاعَةَ هَذَا الْفَنِّ فَيُخْبِرُونَ بِكُلِّ مَا سَمِعُوهُ وَفِيهِ الْكَذِبُ فَيَكُونُونَ كَاذِبِينَ فَإِنَّ الْكَذِبَ الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ سَهْوًا كَانَ الْإِخْبَارُ أَوْ عَمْدًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَكَانَ صَالِحٌ هَذَا مِنْ كِبَارِ الْعُبَّادِ الزُّهَّادِ الصَّالِحِينَ وَهُوَ صَالِحُ بْنُ بَشِيرٍ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ أَبُو بَشِيرٍ الْبَصْرِيُّ الْقَاضِي وَقِيلَ لَهُ الْمُرِّيُّ لِأَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مُرَّةَ أَعْتَقَتْهُ وَأَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَأُمُّهُ مُعْتَقَةٌ لِلْمَرْأَةِ الْمُرِّيَّةِ وَكَانَ صَالِحٌ رَحِمَهُ اللَّهُ حَسَنَ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ وَقَدْ مَاتَ بَعْضُ مَنْ سَمِعَ قِرَاءَتَهُ وَكَانَ شَدِيدَ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى كَثِيرَ الْبُكَاءِ قَالَ عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ كَانَ صَالِحٌ إِذَا أَخَذَ فِي قَصَصِهِ كَأَنَّهُ رَجُلٌ مَذْعُورٌ يُفْزِعُكَ أَمْرُهُ مِنْ حُزْنِهِ وَكَثْرَةِ بُكَائِهِ كَأَنَّهُ ثَكْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ مِقْسَمٍ) هُوَ بِكَسْرِ الميم وفتح السين قوله (قلت للحكم

مَا تَقُولُ فِي أَوْلَادِ الزِّنَى قَالَ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ قُلْتُ مِنْ حَدِيثِ مَنْ يُرْوَى قَالَ يُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ عَنْ عَلِيٍّ) مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ كَذَبَ فَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَلِيٍّ وَإِنَّمَا هُوَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مِنْ قَوْلِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مِثْلَ هَذَا وَإِنْ كَانَ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ جَاءَ عَنِ الْحَسَنِ وَعَنْ عَلِيٍّ لَكِنَّ الْحُفَّاظَ يَعْرِفُونَ كَذِبَ الْكَذَّابِينَ بِقَرَائِنَ وَقَدْ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ بِدَلَائِلَ قَطِعِيَّةٍ يَعْرِفهَا أَهْلُ هَذَا الْفَنِّ فَقَوْلُهُمْ مَقْبُولٌ فِي كُلِّ هَذَا وَالْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَتَرْكِهِ وَعُمَارَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَيَحْيَى بْنُ الْجَزَّارِ بِالْجِيمِ وَالزَّايِ وَبِالرَّاءِ آخِرَهُ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْمُوَطَّأِ غَيْرُهُ وَمَنْ سِوَاهُ خَزَّارٌ أَوْ خَرَّازٌ بِالْخَاءِ فِيهِمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ قَالَ سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ وَذَكَرَ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ فَقَالَ حَلَفْتُ أَنْ لَا أَرْوِيَ عَنْهُ شَيْئًا وَلَا عَنْ خَالِدِ بْنِ مَحْدُوجٍ قَالَ لَقِيتُ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَدِيثٍ فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنْ بَكْرٍ الْمُزَنِيِّ ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنْ مُوَرِّقٍ ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنِ الْحَسَنِ وَكَانَ يَنْسُبُهُمَا إِلَى الْكَذِبِ) أَمَّا مَحْدُوجٌ فَبِمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ حَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ دَالٍ مَضْمُومَةٍ مُهْمَلَتَيْنِ ثم واو ثم جيم وخالد هَذَا وَاسِطِيٌّ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ وَكُنْيَتُهُ أَبُو رَوْحٍ رَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا زِيَادُ بْنُ مَيْمُونٍ فَبَصْرِيٌّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَمَّارٍ ضَعِيفٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ تَرَكُوهُ وَأَمَّا بَكْرٌ الْمُزَنِيُّ فَهُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَهُوَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ الله المزنى بالزاى أَبُو عَبْدُ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ التَّابِعِيُّ

الْجَلِيلُ الْفَقِيهُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَمَّا مُوَرِّقٌ فَبِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَهُوَ مُوَرِّقُ بْنُ الْمُشَمْرَجِ بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْجِيمِ الْعِجْلِيُّ الْكُوفِيُّ أَبُو الْمُعْتَمِرِ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ الْعَابِدُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَكَانَ يَنْسُبُهُمَا إِلَى الْكَذِبِ فَالْقَائِلُ هُوَ الْحُلْوَانِيُّ وَالنَّاسِبُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَالْمَنْسُوبَانِ خَالِدُ بْنُ مَحْدُوجٍ وَزِيَادُ بْنُ مَيْمُونٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ حَلَفْتُ أَنْ لَا أَرْوِيَ عَنْهُمَا فَفِعْلُهُ نَصِيحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَمُبَالَغَةٌ فِي التَّنْفِيرِ عَنْهُمَا لِئَلَّا يَغْتَرَّ أَحَدٌ بِهِمَا فَيَرْوِيَ عَنْهُمَا الْكَذِبَ فَيَقَعَ فِي الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُبَّمَا رَاجَ حَدِيثُهُمَا فَاحْتُجَّ بِهِ وَأَمَّا حُكْمُهُ بكذب ميمون فلكونه حَدَّثَهُ بِالْحَدِيثِ عَنْ وَاحِدٍ ثُمَّ عَنْ آخَرَ ثُمَّ عَنْ آخَرَ فَهُوَ جَارٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنِ انْضِمَامِ الْقَرَائِنِ وَالدَّلَائِلِ عَلَى الْكَذِبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْعَطَّارَةِ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ حَدِيثٌ رَوَاهُ زِيَادُ بْنُ مَيْمُونٍ هَذَا عَنْ أَنَسٍ أَنَّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا الْحَوْلَاءُ عَطَّارَةٌ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ فَدَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَذَكَرَتْ خَبَرَهَا مَعَ زَوْجِهَا وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ لَهَا فِي فَضْلِ الزَّوْجِ وَهُوَ حديث طويل غير صحيح ذكره بن وَضَّاحٍ بِكَمَالِهِ وَيُقَالُ إِنَّ هَذِهِ الْعَطَّارَةَ هِيَ الْحَوْلَاءُ بِنْتُ تُوَيْتٍ قَوْلُهُ (فَأَنَا لَقِيتُ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ) فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مَرْفُوعٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ لَقِيتُ قَوْلُهُ (إِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ النَّاسُ فَأَنْتُمَا لَا تَعْلَمَانِ أَنِّي لَمْ أَلْقَ أَنَسًا) هَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ فَأَنْتُمَا لَا تَعْلَمَانِ

وَمَعْنَاهُ فَأَنْتُمَا تَعْلَمَانِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لَا زَائِدَةً وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَفَأَنْتُمَا لَا تَعْلَمَانِ وَيَكُونَ اسْتِفْهَامَ تَقْرِيرٍ وَحَذَفَ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ قَوْلُهُ (سَمِعْتُ شَبَابَةَ يَقُولُ كَانَ عَبْدُ الْقُدُّوسِ يُحَدِّثنَا فَيَقُولُ سُوَيْدُ بْنُ عَقَلَةَ قَالَ شَبَابَةُ وَسَمِعْتُ عَبْدَ الْقُدُّوسِ يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتَّخَذَ الرَّوْحُ عَرْضًا قَالَ فَقِيلَ لَهُ أَيُّ شَيْءٍ هَذَا فَقَالَ يَعْنِي يُتَّخَذُ كَوَّةٌ فِي حَائِطِهِ لِيَدْخُلَ عَلَيْهِ الرَّوْحُ) الْمُرَادُ بِهَذَا الْمَذْكُورِ بَيَانُ تَصْحِيفِ عَبْدِ الْقُدُّوسِ وَغَبَاوَتِهِ وَاخْتِلَالِ ضَبْطِهِ وَحُصُولِ الْوَهْمِ فِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ فَأَمَّا الْإِسْنَادُ فَإِنَّهُ قَالَ سُوَيْدُ بْنُ عَقَلَةَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ ظَاهِرٌ وَخَطَأٌ بَيِّنٌ وَإِنَّمَا هُوَ غَفَلَةَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ وَأَمَّا الْمَتْنُ فَقَالَ الرَّوْحُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَعَرْضًا بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ قَبِيحٌ وَخَطَأٌ صَرِيحٌ وَصَوَابُهُ الرُّوحُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَغَرَضًا بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ وَمَعْنَاهُ نَهَى أَنْ نَتَّخِذَ الْحَيَوَانَ الَّذِي فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا أَيْ هَدَفًا لِلرَّمْيِ فَيُرْمَى إِلَيْهِ بِالنُّشَّابِ وَشِبْهِهِ وَسَيَأْتِي إِيضَاحُ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيَانُ فِقْهِهِ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا شَبَابَةُ فَتَقَدَّمَ بَيَانُ اسْمِهِ وَضَبْطُهُ وَأَمَّا الْكَوَّةُ فَبِفَتْحِ الْكَافِ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَحُكِيَ فِيهَا الضَّمُّ وَقَوْلُهُ لِيَدْخُلَ عَلَيْهِ الرَّوْحُ أَيِ النَّسِيمُ قوله (قال حماد بعد ما جَلَسَ مَهْدِيُّ بْنُ هِلَالٍ مَا هَذِهِ الْعَيْنُ الْمَالِحَةُ الَّتِي نَبَعَتْ قِبَلَكُمْ قَالَ نَعَمْ يَا أَبَا إِسْمَاعِيلَ) أَمَّا مَهْدِيٌّ هَذَا فَمُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ قَالَ النَّسَائِيُّ هُوَ بَصْرِيٌّ مَتْرُوكٌ يَرْوِي عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَقَوْلُهُ الْعَيْنُ الْمَالِحَةُ كِنَايَةٌ عَنْ ضَعْفِهِ وَجَرْحِهِ وَقَوْلُهُ قَالَ نَعَمْ يَا أَبَا إِسْمَاعِيلَ كأنه وافقه على جرحه وأبو إسماعيل كنيته حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ

قَوْلُهُ (سَمِعْتُ أَبَا عَوَانَةَ قَالَ مَا بَلَغَنِي عَنِ الْحَسَنِ حَدِيثٌ إِلَّا أَتَيْتُ بِهِ أَبَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ فَقَرَأَهُ عَلَيَّ) أَمَّا أَبُو عَوَانَةَ فَاسْمُهُ الْوَضَّاحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبَانٌ يُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ وَالصَّرْفُ أَجْوَدُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ أَبِي عَوَانَةَ وَأَبَانٍ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ عَنِ الْحَسَنِ بِكُلِّ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ وَهُوَ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ (إِنَّ حَمْزَةَ الزَّيَّاتَ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَا سَمِعَهُ مِنْ أَبَانٍ فَمَا عَرَفَ مِنْهُ إِلَّا شَيْئًا يَسِيرًا) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا وَمِثْلُهُ اسْتِئْنَاسٌ وَاسْتِظْهَارٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ ضَعْفِ أَبَانٍ لَا أَنَّهُ يَقْطَعُ بِأَمْرِ الْمَنَامِ وَلَا أَنَّهُ تَبْطُلُ بِسَبَبِهِ سُنَّةٌ ثَبَتَتْ وَلَا تَثْبُتُ بِهِ سُنَّةٌ لَمْ تَثْبُتْ وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَكَذَا قَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ فَنَقَلُوا الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُغَيَّرُ بِسَبَبِ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ مَا تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ وَلَيْسَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ رُؤْيَتَهُ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَتْ مِنْ أَضْغَاثِ الْأَحْلَامِ وَتَلْبِيسِ الشَّيْطَانِ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ إِثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِهِ لِأَنَّ حَالَةَ النَّوْمِ لَيْسَتْ حَالَةَ ضَبْطٍ وَتَحْقِيقٍ لِمَا يَسْمَعُهُ الرَّائِي وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ مَنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ وَشَهَادَتُهُ أَنْ يَكُونَ مُتَيَقِّظًا لَا مغفلا ولا سىء الْحِفْظِ وَلَا كَثِيرَ الْخَطَأِ وَلَا مُخْتَلَّ الضَّبْطِ وَالنَّائِمُ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ لِاخْتِلَالِ ضَبْطِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي مَنَامٍ يَتَعَلَّقُ بِإِثْبَاتِ حُكْمٍ عَلَى خِلَافِ مَا يَحْكُمُ بِهِ الْوُلَاةُ أَمَّا إِذَا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُهُ بِفِعْلِ مَا هُوَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ أَوْ يَنْهَاهُ عَنْ مَنْهِيٍّ عَنْهُ أَوْ يُرْشِدُهُ إِلَى فِعْلِ مَصْلَحَةٍ فَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ الْعَمَلِ عَلَى وَفْقِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ حُكْمًا بِمُجَرَّدِ الْمَنَامِ بَلْ تَقَرَّرَ مِنْ أَصْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الدَّارِمِيُّ

قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى دَارِمٍ وَأَمَّا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ فَبِفَتْحِ الْفَاءِ وَاسْمُهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَسْمَاءَ بْنِ جَارِحَةَ الْكُوفِيُّ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ الْمُجْمَعُ عَلَى جَلَالَتِهِ وَتَقَدُّمِهِ فِي الْعِلْمِ وَفَضِيلَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ اكْتُبْ عَنْ بَقِيَّةَ مَا رَوَى عَنِ الْمَعْرُوفِينَ وَلَا تَكْتُبْ عَنْهُ مَا رَوَى عَنْ غَيْرِ الْمَعْرُوفِينَ وَلَا تَكْتُبْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ مَا رَوَى عَنِ الْمَعْرُوفِينَ وَلَا غَيْرِهِمْ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ فِي إِسْمَاعِيلَ خِلَافَ قَوْلِ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ قَالَ عَبَّاسٌ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ثِقَةٌ وَكَانَ أَحَبَّ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ مِنْ بَقِيَّةَ وَقَالَ بن أَبِي خَيْثَمَةَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ هُوَ ثِقَةٌ وَالْعِرَاقِيُّونَ يَكْرَهُونَ حَدِيثَهُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مَا رُوِيَ عَنِ الشَّامِيِّينَ أَصَحُّ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ إِذَا حَدَّثَ عَنْ أَهْلِ بِلَادِهِ فَصَحِيحٌ وَإِذَا حَدَّثَ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِثْلُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَسُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ كُنْتُ أَسْمَعُ أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ عِلْمُ الشَّامِ عِنْدَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ يَعْقُوبُ وَتَكَلَّمَ قَوْمٌ فِي إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ ثِقَةٌ عَدْلٌ أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَدِيثِ الشَّامِ وَلَا يَدْفَعُهُ دَافِعٌ وَأَكْثَرُ مَا تَكَلَّمُوا قَالُوا يُغْرِبُ عَنْ ثِقَاتِ الْمَكِّيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إِسْمَاعِيلُ ثِقَةٌ فِيمَا رَوَى عَنِ الشَّامِيِّينَ وَأَمَّا رِوَايَتُهُ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ فَإِنَّ كِتَابَهُ ضَاعَ فَخَلَطَ فِي حِفْظِهِ عَنْهُمْ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ لَيِّنٌ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَفَّ عَنْهُ إِلَّا أَبَا إِسْحَاقَ الْفَزَارِيَّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ أَحْمَدُ هُوَ أَصْلَحُ مِنْ بَقِيَّةَ فَإِنَّ لِبَقَيَّةَ أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ قَالَ لِي وَكِيعٌ يَرْوُونَ عِنْدَكُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ فَقُلْتُ أَمَّا الْوَلِيدُ وَمَرْوَانُ فَيَرْوِيَانِ عَنْهُ وَأَمَّا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِيَاسٍ فَلَا فَقَالَ وأى شيء الهيثم وبن إِيَاسٍ إِنَّمَا أَصْحَابُ الْبَلَدِ الْوَلِيدُ وَمَرْوَانُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِ عَبْدِ

الله قال قال بن الْمُبَارَكِ نِعْمَ الرَّجُلُ بَقِيَّةُ لَوْلَا أَنَّهُ يُكَنِّي الْأَسَامِيَ وَيُسَمِّي الْكُنَى كَانَ دَهْرًا يُحَدِّثنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْوُحَاظِيِّ فَنَظَرْنَا فَإِذَا هُوَ عَبْدُ الْقُدُّوسِ) قَوْلُهُ سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا مَجْهُولٌ وَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَلَكِنْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ مُتَابَعَةً لَا أَصْلًا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْكِتَابِ نَظِيرُ هَذَا وَقَدْ قَدَّمْنَا وَجْهَ إِدْخَالِهِ هُنَا وَأَمَّا قَوْلُهُ يُكَنِّي الْأَسَامِيَ وَيُسَمِّي الْكُنَى فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا رَوَى عَنْ إِنْسَانٍ مَعْرُوفٍ بِاسْمِهِ كَنَاهُ وَلَمْ يُسَمِّهِ وَإِذَا رَوَى عَنْ مَعْرُوفٍ بِكُنْيَتِهِ سَمَّاهُ وَلَمْ يُكَنِّهِ وَهَذَا نَوْعٌ مِنَ التَّدْلِيسِ وَهُوَ قَبِيحٌ مَذْمُومٌ فَإِنَّهُ يُلَبِّسُ أَمْرَهُ عَلَى النَّاسِ وَيُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ الرَّاوِيَ لَيْسَ هُوَ ذَلِكَ الضَّعِيفَ فَيُخْرِجُهُ عَنْ حَالِهِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْجَرْحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَعَلَى تَرْكِهِ إِلَى حَالَةِ الْجَهَالَةِ الَّتِي لَا تُؤَثِّرُ عِنْدَ جماعة من العلماء بل يحتجون بصاحبها وَتُفْضِي تَوَقُّفًا عَنِ الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ أَوْ ضَعْفِهِ عِنْدَ الْآخَرِينَ وَقَدْ يَعْتَضِدُ الْمَجْهُولُ فَيُحْتَجُّ بِهِ أَوْ يُرَجَّحُ بِهِ غَيْرُهُ أَوْ يَسْتَأْنِسُ بِهِ وَأَقْبَحُ هَذَا النَّوْعِ أَنْ يُكَنِّيَ الضَّعِيفَ أَوْ يُسَمِّيَهُ بِكُنْيَةِ الثِّقَةِ أَوْ بِاسْمِهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي ذَلِكَ وَشُهْرَةِ الثِّقَةِ بِهِ فَيُوهِمَ الِاحْتِجَاجَ بِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا حُكْمَ التَّدْلِيسِ وَبَسْطَهُ فِي الْفُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْوُحَاظِيُّ فَبِضَمِّ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُ فَتْحَ الْوَاوِ أَيْضًا قَالَ أَبُو على الغسانى وحاظة بَطْنٌ مِنْ حِمْيَرَ وَعَبْدُ الْقُدُّوسِ هَذَا هُوَ الشَّامِيُّ الَّذِي تَقَدَّمَ تَضْعِيفُهُ وَتَصْحِيفُهُ وَهُوَ عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ حَبِيبٍ الْكَلَاعِيُّ بِفَتْحِ الْكَافِ أَبُو سَعِيدٍ الشَّامِيُّ فَهُوَ كَلَاعِيٌ وُحَاظِيٌ وَقَوْلُ الدَّارِمِيِّ (سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ وَذَكَرَ الْمُعَلَّى بْنَ عُرْفَانَ

فَقَالَ حَدَّثَنَا أَبُو وَائِلٍ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا بن مَسْعُودٍ بِصِفِّينَ فَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ أَتُرَاهُ بُعِثَ بَعْدَ الْمَوْتِ) مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْمُعَلَّى كَذَبَ عَلَى أَبِي وَائِلٍ فِي قَوْلِهِ هَذَا لأن بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَهَذَا قَبْلَ انْقِضَاءِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِثَلَاثِ سِنِينَ وَصِفِّينَ كَانَتْ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ بسنتين فلا يكون بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ عَلَيْهِمْ بِصِفِّينَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بُعِثَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَبُو وَائِلٍ مَعَ جَلَالَتِهِ وَكَمَالِ فَضِيلَتِهِ وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى صِيَانَتِهِ لَا يَقُولُ خَرَجَ عَلَيْنَا من لم يخرج عليهم هذا مالا شَكَّ فِيهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْكَذِبُ مِنَ الْمُعَلَّى بْنِ عُرْفَانَ مَعَ مَا عُرِفَ مِنْ ضَعْفِهِ وَقَوْلُهُ أَتُرَاهُ هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَمَعْنَاهُ أَتَظُنُّهُ وَأَمَّا صِفِّينَ فَبِكَسْرِ الصَّادِ وَالْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ وَهَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَفِيهَا لُغَةٌ أُخْرَى حَكَاهَا أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنِ الْفَرَّاءِ وَحَكَاهَا صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُ مِنَ المتأخرين صفون بِالْوَاوِ فِي حَالِ الرَّفْعِ وَهِيَ مَوْضِعُ الْوَقْعَةِ بَيْنَ أَهْلِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ مَعَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَمَّا عُرْفَانُ وَالِدُ الْمُعَلَّى فَبِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْفَاءِ هَذَا هو الْمَشْهُورُ وَحُكِيَ فِيهِ كَسْرُ الْعَيْنِ وَبِالْكَسْرِ ضَبَطَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَامِرٍ الْعَبْدَرِيُّ وَالْمُعَلَّى هَذَا أَسَدِيٌّ كُوفِيٌّ ضَعِيفٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَارِيخِهِ هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا وَغَيْرُهُ وَأَمَّا أَبُو نُعَيْمٍ فَهُوَ الْفَضْلُ بْنُ دكين بضم المهملة ودكين لَقَبٌ وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ زُهَيْرٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ كُوفِيٌّ مِنْ أَجَلِّ أَهْلِ زَمَانِهِ وَمِنْ أَتْقَنِهِمْ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (وحدثنى أبو جعفر الدارمى) اسم أبى جَعْفَرٍ هَذَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ النيسابورى كان

ثِقَةً عَالِمًا ثَبْتًا مُتْقِنًا أَحَدَ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَكَانَ أَكْثَرَ أَيَّامِهِ الرِّحْلَةُ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ قوله (صالح مولى التوأمة) هُوَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ ثُمَّ وَاوٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا صَوَابُهَا قَالَ وَقَدْ يُسَهَّلُ فَتُفْتَحُ الْوَاوُ وَيُنْقَلُ إِلَيْهَا حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ قَالَ الْقَاضِي وَمَنْ ضَمَّ التَّاءَ وَهَمَزَ الْوَاوَ فَقَدْ أَخْطَأَ وَهِيَ رِوَايَةُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ وَالرُّوَاةِ وَكَمَا قَيَّدْنَاهُ أَوَّلًا قَيَّدَهُ أَصْحَابُ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ وَكَذَلِكَ أَتْقَنَاهُ عَلَى أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ شُيُوخِنَا قَالَ والتوأمة هَذِهِ هِيَ بِنْتُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَكَانَتْ مَعَ أُخْتٍ لَهَا فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَلِذَلِكَ قِيلَ التوأمة وَهِيَ مَوْلَاةُ أَبِي صَالِحٍ وَأَبُو صَالِحٍ هَذَا اسْمُهُ نَبْهَانُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي ثُمَّ إِنَّ مَالِكًا رَحِمَهُ اللَّهُ حَكَمَ بِضَعْفِ صَالِحٍ مولى التوأمة وقال ليس هو بثقة وقد خالفه غيره فقال يحيى بن مَعِينٍ صَالِحٌ هَذَا ثِقَةٌ حُجَّةٌ فَقِيلَ إِنَّ مَالِكًا تَرَكَ السَّمَاعَ مِنْهُ فَقَالَ إِنَّمَا أَدْرَكَهُ مالك بعد ما كَبُرَ وَخَرِفَ وَكَذَلِكَ الثَّوْرِيُّ إِنَّمَا أَدْرَكَهُ بَعْدَ أَنْ خَرِفَ فَسَمِعَ مِنْهُ أَحَادِيثَ مُنْكَرَاتٍ وَلَكِنْ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِطَ فَهُوَ ثَبْتٌ وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا سَمِعُوا مِنْهُ قَدِيمًا مِثْلُ بن أبى ذئب وبن جُرَيْجٍ وَزِيَادِ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ صَالِحٌ هَذَا ضَعِيفٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَقَالَ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حبان تغير صالح مولى التوأمة فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَاخْتَلَطَ حَدِيثُهُ الْأَخِيرُ بِحَدِيثِهِ الْقَدِيمِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَبُو الْحُوَيْرِثِ الَّذِي قَالَ مَالِكٌ إِنَّهُ لَيْسَ بِثِقَةٍ فَهُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحُوَيْرِثِ الْأَنْصَارِيُّ الزُّرَقِيُّ الْمَدَنِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَهُمْ وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَوْلَ مَالِكٍ إِنَّهُ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَقَالَ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةَ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ قَالَ وَكَانَ شُعْبَةُ يَقُولُ فِيهِ أَبُو الْجُوَيْرِيَةِ وَحَكَى الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ هَذَا الْقَوْلَ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ وَهْمٌ وَأَمَّا شُعْبَةُ الذى روى عنه بن أَبِي ذِئْبٍ وَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَ هُوَ بِثِقَةٍ فَهُوَ شُعْبَةُ الْقُرَشِيُّ الْهَاشِمِيُّ الْمَدَنِيُّ

أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ أَبُو يَحْيَى مَوْلَى بن عباس سمع بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ضَعَّفَهُ كَثِيرُونَ مَعَ مَالِكٍ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ معين ليس به بأس قال بن عَدِيٍّ وَلَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا وَأَمَّا بن أَبِي ذِئْبٍ فَهُوَ السَّيِّدُ الْجَلِيلُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَاسْمُهُ هِشَامُ بْنُ شُعْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ الْعَامِرِيُّ الْمَدَنِيُّ فَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدِّ جَدِّهِ وَأَمَّا حَرَامُ بْنُ عُثْمَانَ الَّذِي قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ هُوَ بِثِقَةٍ فَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِالرَّاءِ قَالَ الْبُخَارِيُّ هُوَ أَنْصَارِيٌّ سُلَمِيٌّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ قَالَ الزُّبَيْرُ كَانَ يَتَشَيَّعُ روى عن بن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ هُوَ مَدَنِيٌّ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (وَسَأَلْتُهُ يَعْنِي مَالِكًا عَنْ رَجُلٍ فَقَالَ لَوْ كَانَ ثِقَةً لَرَأَيْتُهُ فِي كُتُبِي) هَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَنَّ مَنْ أَدْخَلَهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ ثِقَةٌ فَمَنْ وَجَدْنَاهُ فِي كِتَابِهِ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ ثِقَةٌ عند مالك وقد لايكون ثِقَةً عِنْدَ غَيْرِهِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي رِوَايَةِ الْعَدْلِ عَنْ مَجْهُولٍ هَلْ يَكُونُ تَعْدِيلًا لَهُ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ تَعْدِيلٌ وَذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِتَعْدِيلٍ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فَإِنَّهُ قَدْ يَرْوِي عَنْ غَيْرِ الثِّقَةِ لَا لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ بَلْ لِلِاعْتِبَارِ وَالِاسْتِشْهَادِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ أَمَّا إِذَا قَالَ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ أَوْ نَحْوَهُ فَمَنْ أَدْخَلَهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ عَدْلٌ أَمَّا إِذَا قَالَ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ فَإِنَّهُ يَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ عِنْدَ مَنْ يُوَافِقُ الْقَائِلَ فِي الْمَذْهَبِ وَأَسْبَابِ الْجَرْحِ عَلَى الْمُخْتَارِ فَأَمَّا مَنْ لَا يُوَافِقُهُ أَوْ يُجْهَلُ حَالُهُ فَلَا يَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ سَبَبُ جَرْحٍ لَا يَرَاهُ الْقَائِلُ جَارِحًا وَنَحْنُ نَرَاهُ جَارِحًا فَإِنَّ أَسْبَابَ الْجَرْحِ تَخْفَى وَمُخْتَلَفٌ فِيهَا وَرُبَّمَا لَوْ ذَكَرَ اسْمَهُ اطَّلَعْنَا فِيهِ عَلَى جَارِحٍ قَوْلُهُ (عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ وَكَانَ مُتَّهَمًا) قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ شُرَحْبِيلَ اسْمٌ عَجَمِيٌّ لَا يَنْصَرِفُ وَكَانَ شُرَحْبِيلُ هَذَا مِنْ أَئِمَّةِ الْمَغَازِي قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنْهُ بِالْمَغَازِي فَاحْتَاجَ وَكَانُوا يَخَافُونَ إِذَا جَاءَ إِلَى الرَّجُلِ يَطْلُبُ مِنْهُ شَيْئًا فَلَمْ يُعْطِهِ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَشْهَدْ أَبُوكَ بَدْرًا قَالَ غَيْرُ سُفْيَانَ كَانَ شُرَحْبِيلُ مَوْلًى لِلْأَنْصَارِ وَهُوَ مَدَنِيٌّ كُنْيَتُهُ أَبُو سَعْدٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَانَ شَيْخًا

قَدِيمًا رَوَى عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَامَّةِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَقِيَ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ حَتَّى اخْتَلَطَ وَاحْتَاجَ حاجة شديدة وليس يحتج به قوله (بن قُهْزَاذَ عَنِ الطَّالَقَانِيِّ) تَقَدَّمَ ضَبْطُهُمَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا قَوْلُهُ (لَوْ خُيِّرْتُ بَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَبَيْنَ أَنْ أَلْقَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَرَّرٍ لَاخْتَرْتُ أَنْ أَلْقَاهُ ثُمَّ أدخل الجنة) ومحرر بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالرَّاءِ الْمُكَرَّرَةِ الْأُولَى مَفْتُوحَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ قوله (قال زيد يعنى بن أَبِي أُنَيْسَةَ لَا تَأْخُذُوا عَنْ أَخِي) أَمَّا أُنَيْسَةُ فَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ النُّونِ وَاسْمُ أَبِي أُنَيْسَةَ زَيْدٌ وَأَمَّا الْأَخُ الْمَذْكُورُ فَاسْمُهُ يَحْيَى وهو المذكور فى الرواية الاخرى وهو جزرى يَرْوِي عَنِ الزُّهْرِيِّ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَيْسَ هُوَ بِذَاكَ وَقَالَ النَّسَائِيُّ ضَعِيفٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَأَمَّا أَخُوهُ زَيْدٌ فَثِقَةٌ جَلِيلٌ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً كَثِيرَ الْحَدِيثِ فَقِيهًا رَاوِيَةً لِلْعِلْمِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ السَّلَامِ الْوَابِصِيُّ) أَمَّا الدَّوْرَقِيُّ فَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي وَسَطِ هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا الْوَابِصِيُّ فَبِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْأَسَدِيُّ أَبُو الْفَضْلِ الرَّقِّيُّ بِفَتْحِ الرَّاءِ قَاضِي الرَّقَّةِ وَحَرَّانَ وَحَلَبٍ وَقَضَى بِبَغْدَادَ

قَوْلُهُ (ذُكِرَ فَرْقَدٌ عِنْدَ أَيُّوبَ فَقَالَ لَيْسَ بصاحب حديث) وفرقد بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَهُوَ فَرْقَدُ بْنُ يَعْقُوبَ السَّبَخِيُّ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى سَبَخَةِ الْبَصْرَةِ أبويعقوب التَّابِعِيُّ الْعَابِدُ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ صَنْعَتَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي قَوْلِهِ لَمْ نَرَ الصَّالِحِينَ فِي شَيْءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (فَضَعَّفَهُ جِدًّا) هُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهُوَ مَصْدَرُ جَدَّ يَجِدُّ جِدًّا وَمَعْنَاهُ تَضْعِيفًا بَلِيغًا قَوْلُهُ (سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ ضَعَّفَ حَكِيمَ بْنَ جُبَيْرٍ وَعَبْدَ الْأَعْلَى وَضَعَّفَ يَحْيَى بْنَ مُوسَى بْنِ دِينَارٍ وَقَالَ حَدِيثُهُ رِيحٌ وَضَعَّفَ مُوسَى بْنَ الدِّهْقَانِ وَعِيسَى بْنَ أَبِي عِيسَى الْمَدَنِيَّ) هَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ كُلِّهَا وَضَعَّفَ يَحْيَى بْنَ مُوسَى بِإِثْبَاتِ لَفْظَةِ بْنَ بَيْنَ يَحْيَى وَمُوسَى وَهُوَ غَلَطٌ بِلَا شَكٍّ وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا كَذَا قَالَهُ الْحُفَّاظُ مِنْهُمْ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ الْجَيَّانِيُّ وَجَمَاعَاتٌ آخَرُونَ وَالْغَلَطُ فِيهِ مِنْ رُوَاةِ كِتَابِ مسلم لا من مسلم ويحيى هو بن سَعِيدٍ الْقَطَّانُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا فَضَعَّفَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَكِيمَ بْنَ جُبَيْرٍ وَعَبْدَ الْأَعْلَى وَمُوسَى بْنَ دِينَارٍ وَمُوسَى بْنَ الدِّهْقَانِ وَعِيسَى وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِمْ وَأَقْوَالُ الْأَئِمَّةِ فِي تضعيفهم مشهورة فأما حكيم فاسدى كُوفِيٌّ مُتَشَيِّعٌ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ هُوَ غَالٍ فِي التَّشْيِيعِ وَقِيلَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مهدى

وَلِشُعْبَةَ لِمَ تَرَكْتُمَا حَدِيثَ حَكِيمٍ قَالَا نَخَافُ النار وأما عبد الأعلى فهو بن عَامِرٍ الثَّعَالِبِيُّ بِالْمُثَلَّثَةِ الْكُوفِيُّ وَأَمَّا مُوسَى بْنُ دِينَارٍ فَمَكِّيٌّ يَرْوِي عَنْ سَالِمٍ قَالَهُ النَّسَائِيُّ وَأَمَّا مُوسَى بْنُ الدِّهْقَانِ فَبَصْرِيٌّ يَرْوِي عَنِ بن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَالدِّهْقَانُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَأَمَّا عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى فَهُوَ عِيسَى بْنُ مَيْسَرَةَ أَبُو مُوسَى وَيُقَالُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْغِفَارِيُّ الْمَدَنِيُّ أَصْلُهُ كُوفِيٌّ يُقَالُ لَهُ الْخَيَّاطُ وَالْحَنَّاطُ وَالْخَبَّاطُ الْأَوَّلُ إِلَى الْخِيَاطَةِ وَالثَّانِي إِلَى الْحِنْطَةِ وَالثَّالِثُ إِلَى الْخَبَطِ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ كَانَ خَيَّاطًا ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَصَارَ حَنَّاطًا ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَصَارَ يَبِيعُ الْخَبَطَ قَوْلُهُ (لاتكتب حَدِيثَ عُبَيْدَةَ بْنِ مُعَتِّبٍ وَالسَّرِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ) هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ مَشْهُورُونَ بِالضَّعْفِ وَالتَّرْكِ فَعُبَيْدَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ وَغَيْرِهِمَا وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ عَنْ بَعْضِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ ضبطه بضم العين وفتحها ومعتب بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ بعدها موحدة وعبيدة هذا ضبى كُوفِيٌّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الْكَرِيمِ وَأَمَّا السَّرِيُّ فهمدانى

(فرع في جملة المسائل والقواعد التي تتعلق بهذا الباب)

بِإِسْكَانِ الْمِيمِ كُوفِيٌّ وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ فهمدانى كُوفِيٌّ أَيْضًا فَاسْتَوَى الثَّلَاثَةُ فِي كَوْنِهِمْ كُوفِيِّينَ مَتْرُوكِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الاحاديث الضعيفة (ولعلها أو أكثرها أكاذيب لاأصل لَهَا) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ الْمُحَقَّقَةِ مِنْ رِوَايَةِ الْفُرَاوِيِّ عَنِ الْفَارِسِيِّ عَنِ الْجُلُودِيِّ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الفارسى عن الجلودى وَأَنَّهَا الصَّوَابُ وَأَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَاتِ شُيُوخِهِمْ عَنِ الْعُذْرِيِّ عَنِ الرَّازِيِّ عَنِ الْجُلُودِيِّ وَأَقَلُّهَا أَوْ أَكْثَرُهَا قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا مُخْتَلٌّ مُصَحَّفٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِكَوْنِهِ تَصْحِيفًا فَإِنَّ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَجْهًا فِي الْجُمْلَةِ لِمَنْ تَدَبَّرَهَا قَوْلُهُ (وَأَهْلِ الْقَنَاعَةِ) هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ أَيِ الَّذِينَ يُقْنَعُ بِحَدِيثِهِمْ لِكَمَالِ حِفْظِهِمْ وَإِتْقَانِهِمْ وَعَدَالَتِهِمْ قَوْلُهُ (ولا مقنع) هو بفتح الميم والنون (فَرْعٌ فِي جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ وَالْقَوَاعِدِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَابِ) إِحْدَاهَا اعْلَمْ أَنَّ جَرْحَ الرُّوَاةِ جَائِزٌ بَلْ وَاجِبٌ بِالِاتِّفَاقِ لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إِلَيْهِ لِصِيَانَةِ الشَّرِيعَةِ الْمُكَرَّمَةِ وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ بَلْ مِنَ النَّصِيحَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَزَلْ فُضَلَاءُ الْأَئِمَّةِ وَأَخْيَارُهُمْ وَأَهْلُ الْوَرَعِ مِنْهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْهُمْ مَا ذَكَرَهُ وَقَدْ ذَكَرْتُ أَنَا قِطْعَةً صَالِحَةً مِنْ كَلَامِهِمْ فِيهِ فِي أَوَّلِ شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ عَلَى الْجَارِحِ تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ وَالتَّثَبُّتُ فِيهِ وَالْحَذَرُ مِنَ التَّسَاهُلِ بِجَرْحِ سَلِيمٍ مِنَ الْجَرْحِ أَوْ بِنَقْصِ مَنْ لَمْ يَظْهَرْ نَقْصُهُ فَإِنَّ مَفْسَدَةَ الْجَرْحِ عَظِيمَةٌ فَإِنَّهَا غِيبَةٌ مُؤَبَّدَةٌ مُبْطِلَةٌ لِأَحَادِيثِهِ مُسْقِطَةٌ لِسُنَّةٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَادَّةٌ لِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ ثُمَّ إِنَّمَا يَجُوزُ الْجَرْحُ لِعَارِفٍ بِهِ مَقْبُولُ الْقَوْلِ فِيهِ أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْجَارِحُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْكَلَامُ فِي أَحَدٍ فَإِنْ تَكَلَّمَ كَانَ كَلَامُهُ غِيبَةً مُحَرَّمَةً كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي

عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَ وَهَذَا كَالشَّاهِدِ يَجُوزُ جَرْحُهُ لِأَهْلِ الْجَرْحِ وَلَوْ عَابَهُ قَائِلٌ بِمَا جُرِّحَ بِهِ أُدِّبَ وَكَانَ غِيبَةً الثَّانِيَةُ الْجَرْحُ لَا يُقْبَلُ إِلَّا مِنْ عَدْلٍ عَارِفٍ بِأَسْبَابِهِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْجَارِحِ وَالْمُعَدِّلِ الْعَدَدُ فِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَصِيرُ مَجْرُوحًا أَوْ عَدْلًا بِقَوْلٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ فَيُقْبَلُ فِيهِ الْوَاحِدُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ سَبَبِ الْجَرْحِ أَمْ لَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَكَثِيرُونَ إِلَى اشْتِرَاطِهِ لِكَوْنِهِ قَدْ يَعُدُّهُ مَجْرُوحًا بِمَا لَا يَجْرَحُ لِخَفَاءِ الْأَسْبَابِ وَلِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ فِي آخَرِينَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مِنَ الْعَارِفِ بِأَسْبَابِهِ وَيُشْتَرَطُ مِنْ غَيْرِهِ وَعَلَى مَذْهَبِ مَنِ اشْتَرَطَ فِي الْجَرْحِ التَّفْسِيرَ يَقُولُ فَائِدَةُ الْجَرْحِ فِيمَنْ جُرِّحَ مُطْلَقًا أَنْ يُتَوَقَّفَ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِهِ إِلَى أَنْ يُبْحَثَ عَنْ ذَلِكَ الْجَرْحِ ثُمَّ مَنْ وُجِدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِمَّنْ جَرَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ جَرْحُهُ مُفَسَّرًا بِمَا يَجْرَحُ وَلَوْ تَعَارَضَ جَرْحٌ وَتَعْدِيلٌ قُدِّمَ الْجَرْحُ عَلَى الْمُخْتَارِ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَالْجَمَاهِيرُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَدَدُ الْمُعَدِّلِينَ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَقِيلَ إِذَا كَانَ الْمُعَدِّلُونَ أَكْثَرَ قُدِّمَ التَّعْدِيلُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْجَارِحَ اطَّلَعَ عَلَى أَمْرٍ خَفِيٍّ جَهِلَهُ الْمُعَدِّلُ الثَّالِثَةُ قَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الشَّعْبِيَّ رَوَى عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ وَشَهِدَ أَنَّهُ كَاذِبٌ وَعَنْ غَيْرِهِ حَدَّثَنِي فُلَانٌ وَكَانَ مُتَّهَمًا وَعَنْ غَيْرِهِ الرِّوَايَةُ عَنِ الْمُغَفَّلِينَ وَالضُّعَفَاءِ وَالْمَتْرُوكِينَ فَقَدْ يُقَالُ لِمَ حَدَّثَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ عَنْ هَؤُلَاءِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يُحْتَجُّ بِهِمْ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُمْ رَوَوْهَا لِيَعْرِفُوهَا وَلِيُبَيِّنُوا ضَعْفَهَا لِئَلَّا يَلْتَبِسَ فِي وَقْتٍ عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَى غَيْرِهِمْ أَوْ يَتَشَكَّكُوا فِي صِحَّتِهَا الثَّانِي أَنَّ الضَّعِيفَ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ لِيُعْتَبَرَ بِهِ أَوْ يُسْتَشْهَدَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ الْمُتَابَعَاتِ وَلَا يُحْتَجَّ بِهِ عَلَى انْفِرَادِهِ الثَّالِثُ أَنَّ رِوَايَاتِ الرَّاوِي الضَّعِيفِ يَكُونُ فِيهَا الصَّحِيحُ وَالضَّعِيفُ وَالْبَاطِلُ فَيَكْتُبُونَهَا ثُمَّ يُمَيِّزُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالْإِتْقَانِ بَعْضَ ذَلِكَ مِنْ بَعْضٍ وَذَلِكَ سَهْلٌ عَلَيْهِمْ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ وَبِهَذَا احْتَجَّ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ حِينَ نَهَى عَنِ الرِّوَايَةِ عَنِ الْكَلْبِيِّ فَقِيلَ لَهُ أَنْتَ تَرْوِي عَنْهُ فَقَالَ أَنَا أَعْلَمُ صِدْقَهُ مِنْ كَذِبِهِ الرَّابِعُ أَنَّهُمْ قَدْ يَرْوُونَ عَنْهُمْ أَحَادِيثَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَالْقَصَصِ وَأَحَادِيثَ الزُّهْدِ وَمَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ وَهَذَا الضَّرْبُ مِنَ الْحَدِيثِ يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمُ التَّسَاهُلُ فِيهِ وَرِوَايَةُ مَا سِوَى الْمَوْضُوعِ مِنْهُ وَالْعَمَلُ بِهِ لِأَنَّ أُصُولَ ذَلِكَ صَحِيحَةٌ مُقَرَّرَةٌ

فِي الشَّرْعِ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ أَهْلِهِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ لَا يَرْوُونَ عَنِ الضُّعَفَاءِ شَيْئًا يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى انْفِرَادِهِ فِي الْأَحْكَامِ فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ لَا يَفْعَلُهُ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُحَدِّثِينَ وَلَا مُحَقِّقٌ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا فِعْلُ كَثِيرِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ ذَلِكَ وَاعْتِمَادُهُمْ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِصَوَابٍ بَلْ قَبِيحٌ جِدًّا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ يَعْرِفُ ضَعْفَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَجَّ بِالضَّعِيفِ فِي الْأَحْكَامِ وَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ ضَعْفُهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَهْجُمَ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ عَلَيْهِ بِالتَّفْتِيشِ عَنْهُ إِنْ كَانَ عَارِفًا أَوْ بِسُؤَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فِي بَيَانِ أَصْنَافِ الْكَاذِبِينَ فِي الْحَدِيثِ وَحُكْمِهِمْ وَقَدْ نَقَّحَهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ الله تعالى فَقَالَ الْكَاذِبُونَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا ضَرْبٌ عُرِفُوا بِالْكَذِبِ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ أَنْوَاعٌ مِنْهُمْ مَنْ يَضَعُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْهُ أَصْلًا إِمَّا تَرَافُعًا وَاسْتِخْفَافًا كَالزَّنَادِقَةِ وَأَشْبَاهِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يَرْجُ لِلدِّينِ وَقَارًا وَإِمَّا حِسْبَةً بِزَعْمِهِمْ وَتَدَيُّنًا كَجَهَلَةِ الْمُتَعَبِّدِينَ الَّذِينَ وَضَعُوا الْأَحَادِيثَ فِي الْفَضَائِلِ وَالرَّغَائِبِ وَإِمَّا إِغْرَابًا وَسُمْعَةً كَفَسَقَةِ الْمُحَدِّثِينَ وَإِمَّا تَعَصُّبًا وَاحْتِجَاجًا كَدُعَاةِ الْمُبْتَدِعَةِ وَمُتَعَصِّبِي الْمَذَاهِبِ وَإِمَّا اتِّبَاعًا لِهَوَى أَهْلِ الدنيا فيما أرادوه وطلب العذر لهم فِيمَا أَتَوْهُ وَقَدْ تَعَيَّنَ جَمَاعَةٌ مِنْ كُلِّ طَبَقَةٍ مِنْ هَذِهِ الطَّبَقَاتِ عِنْدَ أَهْلِ الصَّنْعَةِ وَعِلْمِ الرِّجَالِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَضَعُ مَتْنَ الْحَدِيثِ وَلَكِنْ رُبَّمَا وَضَعَ لِلْمَتْنِ الضَّعِيفِ إِسْنَادًا صَحِيحًا مَشْهُورًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَلِّبُ الْأَسَانِيدَ أَوْ يَزِيدَ فِيهَا وَيَتَعَمَّدُ ذَلِكَ إِمَّا لِلْإِغْرَابِ عَلَى غَيْرِهِ وَإِمَّا لِرَفْعِ الْجَهَالَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْذِبُ فَيَدَّعِي سَمَاعَ مَا لَمْ يَسْمَعْ وَلِقَاءَ مَنْ لَمْ يَلْقَ وَيُحَدِّثُ بِأَحَادِيثِهِمُ الصَّحِيحَةِ عَنْهُمْ وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمِدُ إِلَى كَلَامِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَحِكَمِ الْعَرَبِ وَالْحُكَمَاءِ فَيَنْسُبُهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ كَذَّابُونَ مَتْرُوكُو الْحَدِيثِ وَكَذَلِكَ مَنْ تَجَاسَرَ بِالْحَدِيثِ بِمَا لَمْ يُحَقِّقهُ وَلَمْ يَضْبِطهُ أَوْ هُوَ شَاكٌّ فِيهِ فَلَا يُحَدِّثُ عَنْ هَؤُلَاءِ وَلَا يَقْبَلُ مَا حَدَّثُوا بِهِ وَلَوْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُمْ ما جاؤا بِهِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً كَشَاهِدِ الزُّورِ إِذَا تَعَمَّدَ ذَلِكَ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَاخْتُلِفَ هَلْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِذَا ظَهَرَتْ تَوْبَتُهُ قُلْتُ الْمُخْتَارُ الْأَظْهَرُ قَبُولُ تَوْبَتِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْفِسْقِ وَحُجَّةِ مَنْ رَدَّهَا أَبَدًا وَإِنْ حَسُنَتْ تَوْبَتُهُ التَّغْلِيظُ وَتَعْظِيمُ الْعُقُوبَةِ فِي هَذَا الْكَذِبِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الزَّجْرِ عَنْهُ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ قَالَ الْقَاضِي وَالضَّرْبُ الثَّانِي مَنْ لَا يَسْتَجِيزُ شَيْئًا مِنْ هَذَا كُلِّهِ فِي الْحَدِيثِ وَلَكِنَّهُ يَكْذِبُ فِي حَدِيثِ النَّاسِ قَدْ عُرِفَ بِذَلِكَ فَهَذَا أَيْضًا لَا تُقْبَلُ

(باب صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن إذا أمكن لقاء

رِوَايَتُهُ وَلَا شَهَادَتُهُ وَتَنْفَعُهُ التَّوْبَةُ وَيَرْجِعُ إِلَى الْقَبُولِ فَأَمَّا مَنْ يَنْدُرٌ مِنْهُ الْقَلِيلُ مِنَ الْكَذِبِ وَلَمْ يُعْرَفْ بِهِ فَلَا يُقْطَعُ بِجَرْحِهِ بِمِثْلِهِ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ عَلَيْهِ وَالْوَهْمِ وَإِنِ اعْتَرَفَ بِتَعَمُّدِ ذَلِكَ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِهِ مُسْلِمًا فَلَا يُجَرَّحُ بِهَذَا وَإِنْ كَانَتْ مَعْصِيَةً لِنُدُورِهَا وَلِأَنَّهَا لَا تَلْحَقُ بِالْكَبَائِرِ الْمُوبِقَاتِ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ قَلَّمَا يَسْلَمُونَ مِنْ مُوَاقَعَاتِ بَعْضِ الْهَنَاتِ وَكَذَلِكَ لَا يُسْقِطُهَا كَذِبُهُ فِيمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّعْرِيضِ أَوِ الْغُلُوِّ فِي الْقَوْلِ إِذْ لَيْسَ بِكَذِبٍ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ الْكَذِبِ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ حَدِّ الْكَذِبِ وَلَا يُرِيدُ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ ظَاهِرِ لَفْظِهِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا أَبُو الْجَهْمِ فَلَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ وَقَدْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ أُخْتِي هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ أَتْقَنَ هَذَا الْفَصْلَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ والله أعلم (بَابُ صِحَّةِ الِاحْتِجَاجِ بِالْحَدِيثِ الْمُعَنْعَنِ إِذَا أَمْكَنَ لِقَاءُ الْمُعَنْعِنِينَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُدَلِّسٌ حَاصِلُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ مُسْلِمًا رَحِمَهُ اللَّهُ ادَّعَى إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى أَنَّ الْمُعَنْعَنَ وَهُوَ الَّذِي فِيهِ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ مَحْمُولٌ عَلَى الِاتِّصَالِ وَالسَّمَاعِ إِذَا أَمْكَنَ لِقَاءُ مَنْ أُضِيفَتِ الْعَنْعَنَةُ إِلَيْهِمْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا يَعْنِي مَعَ بَرَاءَتِهِمْ مِنَ التَّدْلِيسِ وَنَقَلَ مُسْلِمٌ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ عَصْرِهِ أَنَّهُ قَالَ لَا تَقُومُ الْحُجَّةُ بِهَا وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الِاتِّصَالِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُمَا الْتَقَيَا فِي عُمُرِهِمَا مَرَّةً فَأَكْثَرَ وَلَا يَكْفِي إِمْكَانُ تَلَاقِيهِمَا قَالَ مُسْلِمٌ وَهَذَا قَوْلٌ سَاقِطٌ مُخْتَرَعٌ مُسْتَحْدَثٌ لَمْ يُسْبَقْ قَائِلُهُ إِلَيْهِ وَلَا مُسَاعِدَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ وَإِنَّ الْقَوْلَ بِهِ بِدْعَةٌ بَاطِلَةٌ وَأَطْنَبَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الشَّنَاعَةِ عَلَى قَائِلِهِ وَاحْتَجَّ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ بِكَلَامٍ)

مُخْتَصَرُهُ أَنَّ الْمُعَنْعَنَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاتِّصَالِ إِذَا ثَبَتَ التَّلَاقِي مَعَ احْتِمَالِ الْإِرْسَالِ وَكَذَا إِذَا أَمْكَنَ التَّلَاقِي وَهَذَا الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ قَدْ أَنْكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَقَالُوا هَذَا الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ ضَعِيفٌ وَالَّذِي رَدَّهُ هو المختار الصحيح الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ هَذَا الْفَنِّ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَدْ زَادَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى هَذَا فَاشْتَرَطَ الْقَابِسِيُّ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَدْرَكَهُ إِدْرَاكًا بَيِّنًا وَزَادَ أَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ فَاشْتَرَطَ طُولَ الصُّحْبَةِ بَيْنَهُمَا وزاد أبوعمرو الدانى المقرئ فَاشْتَرَطَ مَعْرِفَتَهُ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ وَدَلِيلُ هَذَا الْمَذْهَبِ المختار الذى ذهب إليه بن الْمَدِينِيِّ وَالْبُخَارِيُّ وَمُوَافِقُوهُمَا أَنَّ الْمُعَنْعَنَ عِنْدَ ثُبُوتِ التَّلَاقِي إِنَّمَا حُمِلَ عَلَى الِاتِّصَالِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِمَّنْ لَيْسَ بِمُدَلِّسٍ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ ذَلِكَ إِلَّا عَلَى السَّمَاعِ ثُمَّ الِاسْتِقْرَاءُ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّ عَادَتَهُمْ أَنَّهُمْ لَا يُطْلِقُونَ ذَلِكَ إِلَّا فِيمَا سَمِعُوهُ إِلَّا الْمُدَلِّسَ وَلِهَذَا رَدَدْنَا رِوَايَةَ الْمُدَلِّسِ فَإِذَا ثَبَتَ التَّلَاقِي غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ الِاتِّصَالُ وَالْبَابُ مَبْنِيٌّ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ فَاكْتَفَيْنَا بِهِ وَلَيْسَ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودًا فِيمَا إِذَا أَمْكَنَ التَّلَاقِي وَلَمْ يَثْبُتْ فَإِنَّهُ لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ الِاتِّصَالُ فَلَا يَجُوزُ الْحَمْلُ عَلَى الِاتِّصَالِ وَيَصِيرُ كَالْمَجْهُولِ فَإِنَّ رِوَايَتَهُ مَرْدُودَةٌ لَا لِلْقَطْعِ بِكَذِبِهِ أَوْ ضَعْفِهِ بَلْ لِلشَّكِّ فِي حَالِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا حُكْمُ الْمُعَنْعَنِ مِنْ غَيْرِ الْمُدَلِّسِ وَأَمَّا الْمُدَلِّسُ فَتَقَدَّمَ بَيَانُ حُكْمِهِ فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْأُصُولِ أَنَّ الْمُعَنْعَنَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاتِّصَالِ بِشَرْطِهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيهِ وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِالْمُعَنْعَنِ مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ مَرْدُودٌ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَدَلِيلُهُمْ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ حُصُولِ غَلَبَةِ الظَّنِّ مَعَ الِاسْتِقْرَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا حُكْمُ الْمُعَنْعَنِ أَمَّا إِذَا قَالَ حَدَّثَنِي فُلَانٌ أَنَّ فُلَانًا قَالَ كَقَوْلِهِ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ كَذَا أَوْ حَدَّثَ بِكَذَا أَوْ نَحْوَهُ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ أَنَّ كَعَنْ فَيُحْمَلُ عَلَى الِاتِّصَالِ بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ وَأَبُو بَكْرٍ البرديجى لَا تُحْمَلُ أَنَّ عَلَى الِاتِّصَالِ وَإِنْ كَانَتْ عَنْ لِلِاتِّصَالِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَكَذَا قَالَ وَحَدَّثَ وَذَكَرَ وَشِبْهُهَا فَكُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاتِّصَالِ وَالسَّمَاعِ قَوْلُهُ (لَوْ ضَرَبْنَا عَنْ حِكَايَتِهِ) كَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ ضَرَبْنَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَتْ لغة قليلة

قَالَ الْأَزْهَرِيُّ يُقَالُ ضَرَبْتُ عَنِ الْأَمْرِ وَأَضْرَبْتُ عَنْهُ بِمَعْنَى كَفَفْتُ وَأَعْرَضْتُ وَالْمَشْهُورُ الَّذِي قَالَهُ الأكثرون أضربت بِالْأَلِفِ وَقَوْلُهُ (لَكَانَ رَأْيًا مَتِينًا) أَيْ قَوِيًّا وَقَوْلُهُ (وَإِخْمَالِ ذِكْرِ قَائِلِهِ) أَيْ إِسْقَاطُهُ وَالْخَامِلُ السَّاقِطُ وَهُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَقَوْلُهُ (أَجْدَى عَلَى الْأَنَامِ) هُوَ بِالْجِيمِ وَالْأَنَامُ بِالنُّونِ وَمَعْنَاهُ أَنْفَعُ لِلنَّاسِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَالصَّحِيحُ وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ أَجْدَى عَنِ الْآثَامِ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فَالْوَجْهُ هو الأول ويقال فى الانام أيضا الانيم حَكَاهُ الزُّبَيْدِيُّ وَالْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (وَسُوءِ رَوِيَّتِهِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ فِكْرِهِ قَوْلُهُ (حَتَّى يَكُونَ عِنْدَهُ الْعِلْمُ بِأَنَّهُمَا قَدِ اجْتَمَعَا) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ الصَّحِيحَةِ الْمُعْتَمَدَةِ حَتَّى بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ ثُمَّ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ حِينَ

بِالْيَاءِ ثُمَّ بِالنُّونِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ قَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ (فَيُقَالُ لِمُخْتَرِعِ هَذَا الْقَوْلِ قَدْ أَعْطَيْتَ فِي جُمْلَةِ قَوْلِكَ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ حُجَّةٌ يَلْزَمُ بِهِ الْعَمَلُ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَنْبِيهٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي يَنْبَنِي عَلَيْهَا مُعْظَمُ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَهُوَ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَيَنْبَغِي الِاهْتِمَامُ بِهَا وَالِاعْتِنَاءُ بِتَحْقِيقِهَا وَقَدْ أَطْنَبَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي الِاحْتِجَاجِ لَهَا وَإِيضَاحِهَا

وَأَفْرَدَهَا جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ بِالتَّصْنِيفِ وَاعْتَنَى بِهَا أَئِمَّةُ الْمُحَدِّثِينَ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَأَوَّلُ مَنْ بَلَغَنَا تَصْنِيفُهُ فِيهَا الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ تَقَرَّرَتْ أَدِلَّتُهَا النَّقْلِيَّةُ وَالْعَقْلِيَّةُ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَنَذْكُرُ هُنَا طَرَفًا فِي بَيَانِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْمَذَاهِبِ فِيهِ مُخْتَصَرًا قَالَ الْعُلَمَاءُ الْخَبَرُ ضَرْبَانِ مُتَوَاتِرٌ وَآحَادٌ فَالْمُتَوَاتِرُ مَا نَقَلَهُ عَدَدٌ لَا يُمْكِنُ مُوَاطَأَتُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَنْ مِثْلِهِمْ وَيَسْتَوِي طَرَفَاهُ وَالْوَسَطُ وَيُخْبِرُونَ عَنْ حِسِّيٍّ لَا مَظْنُونٍ وَيَحْصُلُ الْعِلْمُ بِقَوْلِهِمْ ثُمَّ الْمُخْتَارُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُضْبَطُ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُخْبِرِينَ الْإِسْلَامُ وَلَا الْعَدَالَةُ وَفِيهِ مَذَاهِبُ أُخْرَى ضَعِيفَةٌ وَتَفْرِيعَاتٌ مَعْرُوفَةٌ مُسْتَقْصَاةٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَأَمَّا خَبَرُ الْوَاحِدِ فَهُوَ مَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ شُرُوطُ الْمُتَوَاتِرِ سَوَاءٌ كَانَ الرَّاوِي لَهُ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِهِ فَالَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَأَصْحَابِ الْأُصُولِ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ حُجَّةٌ مِنْ حُجَجِ الشَّرْعِ يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِهَا وَيُفِيدُ الظَّنَّ وَلَا يُفِيدُ الْعِلْمَ وَأَنَّ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِهِ عَرَفْنَاهُ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ وَذَهَبَتِ الْقَدَرِيَّةُ وَالرَّافِضَةُ وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ إِلَى أنه لا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَنَعَ مِنَ الْعَمَلِ بِهِ دَلِيلُ الْعَقْلِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَنَعَ دَلِيلُ الشَّرْعِ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ مِنْ جِهَةِ دليل العقل وقال الجبائى مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ إِلَّا بِمَا رَوَاهُ اثْنَانِ عَنِ اثْنَيْنِ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ إِلَّا بِمَا رَوَاهُ أَرْبَعَةٌ عَنْ أَرْبَعَةٍ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِلَى أَنَّهُ يُوجِبُ الْعِلْمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُوجِبُ الْعِلْمَ الظَّاهِرَ دُونَ الْبَاطِنِ وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ إِلَى أَنَّ الْآحَادَ الَّتِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَوْ صحيح مسلم

تُفِيدُ الْعِلْمَ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْآحَادِ وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا الْقَوْلَ وَإِبْطَالَهُ فِي الْفُصُولِ وَهَذِهِ الْأَقَاوِيلُ كُلُّهَا سِوَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ بَاطِلَةٌ وَإِبْطَالُ مَنْ قَالَ لَا حُجَّةَ فِيهِ ظَاهِرٌ فَلَمْ تَزَلْ كُتُبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآحَادُ رُسُلِهِ يُعْمَلُ بِهَا وَيُلْزِمُهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَمَلَ بِذَلِكَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَلَمْ تَزَلِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى امْتِثَالِ خَبَرِ الْوَاحِدِ إِذَا أَخْبَرَهُمْ بِسُنَّةٍ وَقَضَائِهِمْ بِهِ وَرُجُوعِهِمْ إِلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا وَنَقْضِهِمْ بِهِ مَا حَكَمُوا بِهِ على خِلَافَهُ وَطَلَبِهِمْ خَبَرَ الْوَاحِدِ عِنْدَ عَدَمِ الْحُجَّةِ مِمَّنْ هُوَ عِنْدَهُ وَاحْتِجَاجِهِمْ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ وَانْقِيَادِ الْمُخَالِفِ لِذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ مَعْرُوفٌ لاشك فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَالْعَقْلُ لَا يُحِيلُ الْعَمَلَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَقَدْ جَاءَ الشَّرْعُ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ يوجب العلم فهو مكابر للحس وَكَيْفَ يَحْصُلُ الْعِلْمُ وَاحْتِمَالُ الْغَلَطِ وَالْوَهْمِ وَالْكَذِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مُتَطَرِّقٌ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ حِكَايَةً عَنْ مُخَالِفِهِ (وَالْمُرْسَلُ فِي أَصْلِ قَوْلِنَا وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذَاهِبِ الْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ بَيَانَ أَحْكَامِ الْمُرْسَلِ وَاضِحَةً وَبَسَطْنَاهَا بَسْطًا شَافِيًا وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ مُخْتَصَرًا وَجِيزًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَإِنْ عَزَبَ عَنِّي مَعْرِفَةُ ذَلِكَ أَوْقَفْتُ الْخَبَرَ) يُقَالُ عَزَبَ الشيء عنى بفتح الزاى يعزب وَيَعْزِبُ بِكَسْرِ الزَّايِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ وَالضَّمُّ أَشْهَرُ وَأَكْثَرُ وَمَعْنَاهُ ذَهَبَ وَقَوْلُهُ أَوْقَفْتُ الْخَبَرَ

كَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ أَوْقَفْتُ وَهِيَ لُغَةٌ قليلة والفصيح المشهور وقفت بغير ألف قَوْلُهُ (فِي ذِكْرِ هِشَامٍ لَمَّا أَحَبَّ أَنْ يَرْوِيَهَا مُرْسَلًا) ضَبَطْنَاهُ لَمَّا بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَمُرْسَلًا بِفَتْحِ السِّينِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ لَمَّا وَكَسْرُ سِينِ مُرْسَلًا قَوْلُهُ (وَيَنْشَطُ أَحْيَانًا) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالشِّينِ أَيْ يَخِفُّ فِي أَوْقَاتٍ

قَوْلُهُ (عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كُنْتُ أُطَيِّبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحِلِّهِ وَلِحُرْمِهِ) يُقَالُ حُرْمِهِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ وَمَعْنَاهُ لِإِحْرَامِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ قَيَّدْنَاهُ عَنْ شُيُوخِنَا بِالْوَجْهَيْنِ قَالَ وَبِالضَّمِّ قيده الخطابى والهروى وَخَطَّأَ الْخَطَّابِيُّ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ فِي كَسْرِهِ وَقَيَّدَهُ ثَابِتٌ بِالْكَسْرِ وَحُكِيَ عَنِ الْمُحَدِّثِينَ الضَّمُّ وَخَطَّأَهُمْ فِيهِ وَقَالَ صَوَابُهُ الْكَسْرُ كَمَا قَالَ لِحِلِّهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ التَّطَيُّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَكَثِيرِينَ اسْتِحْبَابُهُ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِي آخَرِينَ كَرَاهِيَتُهُ وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ) فِيهِ جُمَلٌ مِنَ الْعِلْمِ مِنْهَا أَنَّ أَعْضَاءَ الْحَائِضِ طَاهِرَةٌ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَا يَصِحُّ مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ نَجَاسَةِ يَدِهَا وَفِيهِ جَوَازُ تَرْجِيلِ الْمُعْتَكِفِ شَعْرَهُ وَنَظَرُهُ إِلَى امْرَأَتِهِ وَلَمْسُهَا شَيْئًا مِنْهُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ مِنْهُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ لَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ وَأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَظْهَرُ فِيهِ دَلَالَةٌ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ لَا شَكَّ فِي كَوْنِ هَذَا هُوَ الْمَحْبُوبَ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا فَأَمَّا الِاشْتِرَاطُ وَالتَّحْرِيمُ فِي حَقِّهَا فَلَيْسَ فِيهِ لَكِنَّ لِذَلِكَ دَلَائِلُ أُخَرُ مُقَرَّرَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَاحْتَجَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ بِهِ عَلَى أَنَّ قَلِيلَ الْمُلَامَسَةِ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَرُدَّ بِهِ

عَلَى الشَّافِعِيِّ وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ مِنْهُ عَجَبٌ وَأَيُّ دَلَالَةٍ فِيهِ لِهَذَا وَأَيْنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَسَ بَشَرَةَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَكَانَ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ صَلَّى بِهَا فَقَدْ لَا يَكُونُ كان متوضأ وَلَوْ كَانَ فَمَا فِيهِ أَنَّهُ مَا جَدَّدَ طَهَارَةً وَلِأَنَّ الْمَلْمُوسَ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَلِأَنَّ لَمْسَ الشَّعْرِ لَا يَنْقُضُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَذَا نَصَّ فِي كُتُبِهِ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَكْثَرُ مِنْ مَسِّهَا الشَّعْرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَرَوَى الزُّهْرِيُّ وَصَالِحُ بْنُ أَبِي حَسَّانٍ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ بِبِلَادِنَا وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مُعْظَمِ الْأُصُولِ بِبِلَادِهِمْ وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ أَنَّهُ وَجَدَ فِي نُسْخَةِ الرَّازِيِّ أَحَدَ رُوَاتِهِمْ صَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَهُوَ وَهْمٌ وَالصَّوَابُ صَالِحُ بْنُ أَبِي حَسَّانٍ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الحديث النسائى وغيره من طريق بن وهب عن بن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَسَّانٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قُلْتُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ صَالِحُ بْنُ أَبِي حَسَّانٍ ثِقَةٌ وَكَذَا وَثَّقَهُ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا لِأَنَّهُ رُبَّمَا اشْتَبَهَ بِصَالِحِ بْنِ حَسَّانٍ أَبِي الْحَرْثِ الْبَصْرِيِّ الْمَدِينِيِّ وَيُقَالُ الْأَنْصَارِيُّ وَهُوَ فِي طَبَقَةِ صَالِحِ بن أَبِي حَسَّانٍ هَذَا فَإِنَّهُمَا يَرْوِيَانِ جَمِيعًا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَيَرْوِي عَنْهُمَا جميعا بن أَبِي ذِئْبٍ وَلَكِنَّ صَالِحَ بْنَ حَسَّانٍ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَأَقْوَالُهُمْ فِي ضَعْفِهِ مَشْهُورَةٌ وَقَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي الْكِفَايَةِ أَجْمَعَ نُقَّادُ الْحَدِيثِ عَلَى تَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِصَالِحِ بْنِ حَسَّانٍ هَذَا لِسُوءِ حِفْظِهِ وَقِلَّةِ ضَبْطِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ فِي الْقِبْلَةِ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ) هَذِهِ الرِّوَايَةُ اجْتَمَعَ فِيهَا أَرْبَعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ أَوَّلُهُمْ يَحْيَى بْنُ أبى كَثِيرٍ وَهَذَا مِنْ أَطْرَفِ الطُّرَفِ وَأَغْرَبِ لَطَائِفِ الاسناد ولهذا

نَظَائِرُ قَلِيلَةٌ فِي الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ سَيَمُرُّ بِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا تَيَسَّرَ مِنْهَا وَقَدْ جَمَعْتُ جُمْلَةً مِنْهَا فِي أَوَّلِ شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ لَطِيفَةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ عَنِ الْأَصَاغِرِ فَإِنَّ أَبَا سَلَمَةَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ أَصَاغِرِهِمْ سِنًّا وَطَبَقَةً وَإِنْ كَانَ مِنْ كِبَارِهِمْ عِلْمًا وَقَدْرًا وَدِينًا وَوَرَعًا وَزُهْدًا وَغَيْرَ ذَلِكَ وَاسْمُ أَبِي سَلَمَةَ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ اسْمُهُ إِسْمَاعِيلُ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ كُنْيَتُهُ هِيَ اسْمُهُ حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ فِيهِ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَبُو سَلَمَةَ هَذَا مِنْ أَجَلِّ التَّابِعِينَ وَمِنْ أَفْقَهِهِمْ وَهُوَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِيهِمْ وَأَمَّا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ فَتَابِعِيٌّ صَغِيرٌ كُنْيَتُهُ أَبُو نَصْرٍ رَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَسَمِعَ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ وَكَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ وَاسْمُ أَبِي كَثِيرٍ صَالِحٌ وَقِيلَ سَيَّارٌ وَقِيلَ نَشِيطٌ وَقِيلَ دِينَارٌ قَوْلُهُ (لَزِمَهُ تَرْكُ الِاحْتِجَاجِ فِي قِيَادِ قَوْلِهِ) هُوَ بِقَافٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ

مِنْ تَحْتُ أَيْ مُقْتَضَاهُ قَوْلُهُ (إِذَا كَانَ مِمَّنْ عُرِفَ بِالتَّدْلِيسِ) قَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ التَّدْلِيسِ فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِعَادَتِهِ قَوْلُهُ (فَمَا ابْتُغِيَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُدَلِّسٍ) هَكَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ فَمَا ابْتُغِيَ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَفِي بَعْضِهَا ابْتَغَى بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْغَيْنِ وَفِي بَعْضِ الْأُصُولِ الْمُحَقَّقَةِ فَمَنِ ابْتَغَى وَلِكُلِّ وَاحِدٍ وَجْهٌ قَوْلُهُ (فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيَّ وَقَدْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَوَى عَنْ حُذَيْفَةَ وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ وَعَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثًا يُسْنِدُهُ) أَمَّا حَدِيثُهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ فَهُوَ حَدِيثُ نَفَقَةِ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ وَقَدْ خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَأَمَّا حَدِيثُهُ عَنْ حُذَيْفَةَ فَقَوْلُهُ أَخْبَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا هُوَ كائن الحديث خرجه مُسْلِمٌ وَأَمَّا أَبُو مَسْعُودٍ فَاسْمُهُ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْبَدْرِيِّ قَالَ الْجُمْهُورُ سَكَنَ بَدْرًا وَلَمْ يَشْهَدْهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْحَكَمُ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ التَّابِعِيُّونَ وَالْبُخَارِيُّ شَهِدَهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ

وَعَنْ كُلِّ وَاحِدٍ فَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَعَنْ بِالْوَاوِ وَالْوَجْهُ حَذْفُهَا فَإِنَّهَا تُغَيِّرُ الْمَعْنَى قَوْلُهُ (وَهِيَ فِي زَعْمِ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلَهُ وَاهِيَةٌ) هُوَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ مَشْهُورَةٍ وَلَوْ قَالَ ضَعِيفَةً بَدَلَ وَاهِيَةٌ لَكَانَ أَحْسَنَ فَإِنَّ هَذَا الْقَائِلَ لَا يَدَّعِي أَنَّهَا وَاهِيَةٌ شَدِيدَةُ الضَّعْفِ مُتَنَاهِيَةٌ فِيهِ كَمَا هُوَ مَعْنَى وَاهِيَةٍ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى أَنَّهَا ضَعِيفَةٌ لَا تَقُومُ بِهَا الْحُجَّةُ قَوْلُهُ (وَهَذَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَأَبُو رَافِعٍ الصَّائِغُ وَهُمَا مِمَّنْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ وَصَحِبَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْبَدْرِيِّينَ هَلُمَّ جَرًّا وَنَقَلَا عَنْهُمَا الْأَخْبَارَ حَتَّى نَزَلَا إِلَى مثل أبى هريرة وبن عمر

وَذَوِيهِمَا قَدْ أَسْنَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا) أَمَّا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ فَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلٍّ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَأَمَّا أَبُو رَافِعٍ فَاسْمُهُ نُفَيْعٌ الْمَدَنِيُّ قَالَ ثَابِتٌ لَمَّا أُعْتِقَ أَبُو رَافِعٍ بَكَى فَقِيلَ لَهُ مَا يُبْكِيكَ فَقَالَ كَانَ لِي أَجْرَانِ فَذَهَبَ أَحَدُهُمَا وَأَمَّا قَوْلُهُ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ فَمَعْنَاهُ كَانَا رَجُلَيْنِ قَبْلَ بَعْثَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْجَاهِلِيَّةُ مَا قَبْلَ بَعْثَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُمُّوا بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ جَهَالَاتِهِمْ وَقَوْلُهُ مِنَ الْبَدْرِيِّينَ هَلُمَّ جَرًّا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ اسْتِعْمَالٍ هَلُمَّ جَرًّا لِأَنَّهَا إِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِيمَا اتَّصَلَ إِلَى زَمَانِ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ مُسْلِمٌ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَوْلُهُ جَرًّا مَنُونٌ قَالَ صَاحِبِ الْمَطَالِعِ قال بن الْأَنْبَارِيِّ مَعْنَى هَلُمَّ جَرًّا سِيرُوا وَتَمَهَّلُوا فِي سَيْرِكُمْ وَتَثَبَّتُوا وَهُوَ مِنَ الْجَرِّ وَهُوَ تَرْكُ النَّعَمِ فِي سَيْرِهَا فَيُسْتَعْمَلُ فِيمَا دُووِمَ عَلَيْهِ من الأعمال قال بن الْأَنْبَارِيِّ فَانْتَصَبَ جَرًّا عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ جَرُّوا جَرًّا أَوْ عَلَى الْحَالِ أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ وَقَوْلُهُ وَذَوِيهِمَا فِيهِ إِضَافَةُ ذِي إِلَى غَيْرِ الْأَجْنَاسِ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا مُضَافَةً إِلَى الْأَجْنَاسِ كَذِي مَالٍ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ إِضَافَةُ أَحْرُفٍ مِنْهَا إِلَى الْمُفْرَدَاتِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَتَصِلُ ذَا رَحِمِكَ وَكَقَوْلِهِمْ ذُو يَزَنَ وَذُو نُوَاسٍ وَأَشْبَاهُهَا قَالُوا هَذَا كُلُّهُ مُقَدَّرٌ فِيهِ الِانْفِصَالُ فَتَقْدِيرُ ذِي رَحِمِكَ الَّذِي لَهُ مَعَكَ رَحِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أُبَيٍّ فَقَوْلُهُ كَانَ رَجُلٌ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَبْعَدَ بَيْتًا مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْهُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاكَ اللَّهُ مَا احْتَسَبْتَ خرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ عَنْهُ فَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأُخَرِ فَسَافَرَ عَامًا فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائى وبن مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمْ وَرَوَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمَسَانِيدِ قَوْلُهُ (وَأَسْنَدَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ وَأَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَيْنِ) أَمَّا أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ فَاسْمُهُ سَعْدُ بْنُ إِيَاسٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَأَمَّا سَخْبَرَةُ فَبِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ

سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ رَوَاهُمَا الشَّيْبَانِيُّ فَأَحَدُهُمَا حَدِيثُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّهُ أَبْدَعَ بِي وَالْآخَرُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ فَقَالَ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُمِائَةٍ أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ وَأَسْنَدَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي مسعود حديث المستشار مؤتمن رواه بن مَاجَهْ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مُسْنَدِهِ وَأَمَّا حَدِيثَا أَبِي مَعْمَرٍ فَأَحَدُهُمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْآخَرُ لَا تَجْزِي صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ صُلْبَهُ فِيهَا فِي الرُّكُوعِ رَوَاهُ أبو داود والترمذى والنسائى وبن مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَأَسْنَدَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا) هُوَ قَوْلُهَا لَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ غَرِيبٌ وَفِي أَرْضِ غربة لا بكينة بُكَاءً يُتَحَدَّثُ عَنْهُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَاسْمُ أُمِّ سَلَمَةَ هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ وَاسْمُهُ حُذَيْفَةُ وَقِيلَ سُهَيْلُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّةُ تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَقِيلَ اسْمُهَا رَمْلَةُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ قَوْلُهُ (وَأَسْنَدَ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ ثَلَاثَةَ أخبار) هي حديث ان الايمان ها هنا وَإِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ وَحَدِيثُ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَكْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وحديث لاأكاد أُدْرِكُ الصَّلَاةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلَانٌ أَخْرَجَهَا كُلَّهَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَاسْمُ أَبِي حَازِمٍ عَبْدُ عَوْفٍ وَقِيلَ عَوْفُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ الْبَجَلِيُّ صَحَابِيٌّ قَوْلُهُ (وَأَسْنَدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا) هُوَ قَوْلُهُ أَمَرَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ اصْنَعِي طَعَامًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم

أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ اسْمُ أَبِي لَيْلَى وبيان الاختلاف فيه وبيان ابنه وبن ابْنِهِ قَوْلُهُ (وَأَسْنَدَ رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا) أَمَّا حَدِيثَاهُ عَنْ عِمْرَانَ فَأَحَدُهُمَا فِي إِسْلَامِ حُصَيْنٍ وَالِدِ عِمْرَانَ وَفِيهِ قَوْلُهُ كَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ خَيْرًا لِقَوْمِكَ مِنْكَ رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مُسْنَدِهِ وَالنَّسَائِيُّ فِي كِتَابِهِ عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بِإِسْنَادَيْهِمَا الصَّحِيحَيْنِ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ وَأَمَّا حَدِيثُهُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ فَهُوَ إِذَا الْمُسْلِمَانِ حَمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَخِيهِ السِّلَاحَ فَهُمَا عَلَى جُرْفِ جَهَنَّمَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَشَارَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ وَاسْمُ أَبِي بَكْرَةَ نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّامُ الثَّقَفِيُّ كُنِيَ بِأَبِي بَكْرَةَ لِأَنَّهُ تَدَلَّى مِنْ حِصْنِ الطَّائِفِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَكْرَةَ وَكَانَ أَبُو بَكْرَةَ مِمَّنِ اعْتَزَلَ يَوْمَ الْجَمَلِ فَلَمْ يُقَاتِلْ مَعَ أَحَدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ وَأَمَّا رِبْعِيُّ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَحِرَاشٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَتَقَدَّمَ بَيَانُهُمَا قَوْلُهُ (وَأَسْنَدَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا) أَمَّا حَدِيثُهُ فَهُوَ حَدِيثُ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ هَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ وَأَمَّا أَبُو شُرَيْحٍ فَاسْمُهُ خُوَيْلِدُ بْنُ عَمْرٍو وَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ عَمْرُو بْنُ خُوَيْلِدٍ وَقِيلَ هَانِئُ بْنُ عَمْرٍو وَقِيلَ كَعْبٌ وَيُقَالُ فِيهِ أَبُو شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيُّ وَالْعَدَوِيِّ وَالْكَعْبِيُّ قَوْلُهُ (وَأَسْنَدَ النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَمَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ

بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ مِنَ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا وَالثَّانِي إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا أَخْرَجَهُمَا مَعًا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالثَّالِثُ إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً مَنْ صَرَفَ اللَّهُ وَجْهَهُ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فَاسْمُهُ سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ مَنْسُوبٌ إِلَى خُدْرَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَرْثِ بْنِ الْخَزْرَجِ تُوُفِّيَ أَبُو سَعِيدٍ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وهو بن أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَأَمَّا أَبُو عَيَّاشٍ وَالِدُ النُّعْمَانِ فَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَاسْمُهُ زَيْدُ بْنُ الصَّامِتِ وَقِيلَ زَيْدُ بْنُ النُّعْمَانِ وَقِيلَ عُبَيْدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ (وَأَسْنَدَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا) هُوَ حَدِيثُ الدِّينُ النَّصِيحَةُ وَأَمَّا تَمِيمٌ الدَّارِيُّ فَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ وَاخْتَلَفَ فِيهِ رُوَاةُ الموطأ ففى رواية يحيى وبن بُكَيْرٍ وَغَيْرِهِمَا الدِّيرِيُّ بِالْيَاءِ وَفِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ وبن الْقَاسِمِ وَأَكْثَرِهِمُ الدَّارِيُّ بِالْأَلِفِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّهُ إِلَى مَا نُسِبَ فَقَالَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَدٍّ مِنْ أَجْدَادِهِ وَهُوَ الدَّارُ بْنُ هَانِئٍ فانه تميم بن أوس بن خَارِجَةَ بْنِ سُورِ بِضَمِّ السِّينِ بْنِ جَذِيمَةَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بْنِ ذِرَاعِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الدَّارِ بْنِ هَانِئِ بْنِ جبيب بْنِ نِمَارَةَ بْنِ لَخْمٍ وَهُوَ مَالِكُ بْنُ عَدِيٍّ وَأَمَّا مَنْ قَالَ الدَّيْرِيُّ فَهُوَ نِسْبَةٌ إِلَى دَيْرٍ كَانَ تَمِيمٌ فِيهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وكان نصرانيا هكذا رواه أبو الحسين الرَّازِيُّ فِي كِتَابِهِ مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي النِّسْبَتَيْنِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الدَّارِيُّ بِالْأَلِفِ إِلَى دَارَيْنِ وَهُوَ مَكَانٌ عِنْدَ الْبَحْرَيْنِ وَهُوَ مَحَطُّ السُّفُنِ كَانَ يُجْلَبُ إِلَيْهِ الْعِطْرُ مِنَ الْهِنْدِ وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْعَطَّارِ دَارِيٌّ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ بِالْيَاءِ نِسْبَةً إِلَى قَبِيلَةٍ أَيْضًا وَهُوَ بَعِيدٌ شَاذٌّ حَكَاهُ وَالَّذِي قَبْلَهُ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ قَالَ وَصَوَّبَ بَعْضُهُمُ الدَّيْرِيَّ قُلْتُ وَكِلَاهُمَا صَوَابٌ فَنُسِبَ إِلَى الْقَبِيلَةِ بِالْأَلِفِ وَإِلَى الدَّيْرِ بِالْيَاءِ لِاجْتِمَاعِ الْوَصْفَيْنِ فِيهِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْمُوَطَّأِ دَارِيٌّ ولا ديرى الا تميم وكنيته تَمِيمٍ أَبُو رُقَيَّةَ أَسْلَمَ سَنَةَ تِسْعٍ وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الشَّامِ فَنَزَلَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِصَّةَ الْجَسَّاسَةِ وَهَذِهِ مَنْقَبَةٌ شَرِيفَةٌ لِتَمِيمٍ وَيَدْخُلُ فِي رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ عَنِ الْأَصَاغِرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ

(وَأَسْنَدَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا) هُوَ حَدِيثُ الْمُحَاقَلَةِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَأَسْنَدَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ) مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُنْفَرِدًا بِهِ عَنِ الْبُخَارِيِّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُمَيْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي آخِرِ مُسْنَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ لَيْسَ لِحُمَيْدِ بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة فِي الصَّحِيحِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ شَيْءٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْحُمَيْدِيُّ صَحِيحٌ وَرُبَّمَا اشْتَبَهَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ هَذَا بِحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ الرَّاوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا وَقَدْ رَوَيَا لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً فَقَدْ يَقِفُ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُمَا فَيُنْكِرُ قَوْلَ الْحُمَيْدِيِّ تَوَهُّمًا مِنْهُ أَنَّ حُمَيْدًا هَذَا هُوَ ذَاكَ وَهُوَ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَجَهْلٌ قَبِيحٌ وَلَيْسَ لِلْحِمْيَرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا فِي الْكُتُبِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ تَمَامُ أُصُولِ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةِ أَعْنِي سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيَّ وَالنَّسَائِيَّ

كتاب الايمان

غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (كَلَامًا خَلْفًا) بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَهُوَ السَّاقِطُ الْفَاسِدُ قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ) هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ أَيْ الِاتِّكَالُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ وَالْفَضْلُ والمنة وبه التوفيق والعصمة ( كتاب الايمان () (بَابُ بَيَانِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ وَوُجُوبِ الْإِيمَانِ بِإِثْبَاتِ قَدَرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) (وَبَيَانُ الدَّلِيلِ عَلَى التَّبَرِّي مِمَّنْ لَا يُؤْمِنُ بِالْقَدْرِ وَإِغْلَاظِ الْقَوْلِ فِي حَقِّهِ) أَهَمُّ مَا يُذْكَرُ فِي الْبَابِ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَعُمُومِهِمَا وَخُصُوصِهِمَا وَأَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ أَمْ لَا وَأَنَّ الْأَعْمَالَ مِنَ الْإِيمَانِ أَمْ لَا وَقَدْ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ الْقَوْلَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ وَأَنَا أَقْتَصِرُ عَلَى نَقْلِ أَطْرَافٍ مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِهِمْ يَحْصُلُ مِنْهَا مَقْصُودُ مَا ذَكَرْتُهُ مَعَ زِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَطَّابِيُّ الْبُسْتِيُّ الْفَقِيهُ الْأَدِيبُ الشَّافِعِيُّ الْمُحَقِّقُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مَعَالِمُ السُّنَنِ مَا أَكْثَرَ مَا يَغْلَطُ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَقَالَ الْإِسْلَامُ الْكَلِمَةُ وَالْإِيمَانُ الْعَمَلُ وَاحْتَجَّ بِالْآيَةِ يَعْنِي قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ)

الايمان فى قلوبكم وَذَهَبَ غَيْرُهُ إِلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ رَجُلَانِ مِنْ كُبَرَاءِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى قَوْلٍ مِنْ هَذَيْنِ وَرَدَّ الْآخَرُ مِنْهُمَا عَلَى الْمُتَقَدِّمِ وَصَنَّفَ عَلَيْهِ كِتَابًا يَبْلُغُ عَدَدُ أَوْرَاقِهِ الْمِئِينَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَيَّدَ الْكَلَامُ فِي هَذَا وَلَا يُطْلَقَ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمَ قَدْ يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِهَا وَالْمُؤْمِنُ مُسْلِمٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ فَكُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا وَإِذَا حَمَلْتَ الْأَمْرَ عَلَى هَذَا اسْتَقَامَ لَكَ تَأْوِيلُ الْآيَاتِ وَاعْتَدَلَ الْقَوْلُ فِيهَا وَلَمْ يَخْتَلِفْ شَيْءٌ مِنْهَا وَأَصْلُ الْإِيمَانِ التَّصْدِيقُ وَأَصْلُ الْإِسْلَامِ الِاسْتِسْلَامُ وَالِانْقِيَادُ فَقَدْ يَكُونُ الْمَرْءُ مُسْتَسْلِمًا فِي الظَّاهِرِ غَيْرَ مُنْقَادٍ فِي الْبَاطِنِ وَقَدْ يَكُونُ صَادِقًا فِي الْبَاطِنِ غَيْرَ مُنْقَادٍ فِي الظَّاهِرِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانٌ أَنَّ الْإِيمَانَ الشَّرْعِيَّ اسْمٌ لِمَعْنًى ذِي شُعَبٍ وَأَجْزَاءٍ لَهُ أَدْنَى وَأَعْلَى وَالِاسْمُ يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِهَا كَمَا يَتَعَلَّقُ بِكُلِّهَا وَالْحَقِيقَةُ تَقْتَضِي جَمِيعَ شُعَبِهِ وَتَسْتَوْفِي جُمْلَةَ أَجْزَائِهِ كَالصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ لَهَا شُعَبٌ وَأَجْزَاءٌ وَالِاسْمُ يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِهَا وَالْحَقِيقَةُ تَقْتَضِي جَمِيعَ أَجْزَائِهَا وَتَسْتَوْفِيهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَيَاءُ شُعْبَةً مِنَ الْإِيمَانِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ التَّفَاضُلِ فِي الْإِيمَانِ وَتَبَايُنُ الْمُؤْمِنِينَ فِي دَرَجَاتِهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْبَغَوِيُّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي حَدِيثِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَجَوَابِهِ قَالَ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامَ اسْمًا لِمَا ظَهَرَ مِنَ الْأَعْمَالِ وَجَعَلَ الْإِيمَانَ اسْمًا لِمَا بَطَنَ مِنَ الِاعْتِقَادِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقَ بِالْقَلْبِ لَيْسَ مِنَ الْإِسْلَامِ بَلْ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ لِجُمْلَةٍ هِيَ كُلُّهَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَجِمَاعُهَا الدِّينُ وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ وَالتَّصْدِيقُ وَالْعَمَلُ يَتَنَاوَلُهُمَا اسْمُ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ جَمِيعًا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دينا وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ منه فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ الدِّينَ الَّذِي رَضِيَهُ وَيَقْبَلُهُ مِنْ عِبَادِهِ هُوَ الْإِسْلَامُ وَلَا يَكُونُ الدِّينُ فِي مَحَلِّ الْقَبُولِ وَالرِّضَا إِلَّا بِانْضِمَامِ التَّصْدِيقِ إِلَى الْعَمَلِ هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ التَّمِيمِيُّ الْأَصْبَهَانِيُّ الشَّافِعِيُّ رحمه

اللَّهُ فِي كِتَابِهِ التَّحْرِيرُ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ الْإِيمَانُ فِي اللُّغَةِ هُوَ التَّصْدِيقُ فَإِنْ عَنَى بِهِ ذَلِكَ فَلَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ لَيْسَ شَيْئًا يَتَجَزَّأُ حَتَّى يُتَصَوَّرَ كَمَالُهُ مَرَّةً وَنَقْصُهُ أُخْرَى وَالْإِيمَانُ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ هُوَ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ وَالْعَمَلُ بِالْأَرْكَانِ وَإِذَا فُسِّرَ بِهَذَا تَطَرَّقَ إِلَيْهِ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ قَالَ فَالْخِلَافُ فِي هَذَا عَلَى التَّحْقِيقِ إِنَّمَا هُوَ أَنَّ الْمُصَدِّقَ بِقَلْبِهِ اذا لم يجمع إلى تصديقه العمل بمواجب الْإِيمَانَ هَلْ يُسَمَّى مُؤْمِنًا مُطْلَقًا أَمْ لَا وَالْمُخْتَارُ عِنْدنَا أَنَّهُ لَا يُسَمَّى بِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِمُوجِبِ الْإِيمَانِ فَيَسْتَحِقَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ خَلَفِ بْنِ بَطَّالٍ الْمَالِكِيُّ الْمَغْرِبِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَذْهَبُ جَمَاعَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَالْحُجَّةُ عَلَى زِيَادَتِهِ وَنُقْصَانِهِ مَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ مِنَ الْآيَاتِ يَعْنِي قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مع ايمانهم وقوله تعالى وزدناهم هدى وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وقوله تعالى والذين اهتدوا زادهم هدى وقوله تعالى ويزداد الذين آمنوا ايمانا وَقَوْلُهُ تَعَالَى أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الذين آمنوا فزادتهم ايمانا وقوله تعالى فاخشوهم فزادهم ايمانا وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا قال بن بَطَّالٍ فَإِيمَانُ مَنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الزِّيَادَةُ نَاقِصٌ قَالَ فَإِنْ قِيلَ الْإِيمَانُ فِي اللُّغَةِ التَّصْدِيقُ فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّصْدِيقَ يَكْمُلُ بِالطَّاعَاتِ كُلِّهَا فَمَا ازْدَادَ الْمُؤْمِنُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ كَانَ إِيمَانُهُ أَكْمَلَ وَبِهَذِهِ الْجُمْلَةِ يَزِيدُ الْإِيمَانُ وَبِنُقْصَانِهَا يَنْقُصُ فَمَتَى نَقَصَتْ أَعْمَالُ الْبِرِّ نَقَصَ كَمَالُ الْإِيمَانِ وَمَتَى زَادَتْ زَادَ الْإِيمَانُ كَمَالًا هَذَا تَوَسُّطُ الْقَوْلِ فِي الْإِيمَانِ وَأَمَّا التَّصْدِيقُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَنْقُصُ وَلِذَلِكَ تَوَقَّفَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنِ الْقَوْلِ بِالنُّقْصَانِ إِذْ لَا يَجُوزُ نُقْصَانُ التَّصْدِيقِ لِأَنَّهُ إِذَا نَقَصَ صَارَ شَكًّا وَخَرَجَ عَنِ اسْمِ الْإِيمَانِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا تَوَقَّفَ مَالِكٌ عَنِ الْقَوْلِ بِنُقْصَانِ الْإِيمَانِ خَشْيَةَ أَنْ يُتَأَوَّلَ عَلَيْهِ مُوَافَقَةُ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ أَهْلَ الْمَعَاصِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِالذُّنُوبِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ بِنُقْصَانِ الْإِيمَانِ مِثْلَ قَوْلِ جَمَاعَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ سَمِعْتُ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ شُيُوخِنَا وَأَصْحَابِنَا سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَالْأَوْزَاعِيَّ ومعمر بن راشد وبن جريح وَسُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُونَ الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يزيد وينقص وهذا قول بن مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ فَالْمَعْنَى

الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعَبْدُ الْمَدْحَ وَالْوِلَايَةَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ إِتْيَانُهُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ وَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ وَالْعَمَلُ بِالْجَوَارِحِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْجَمِيعِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ وَعَمِلَ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ مِنْهُ وَمَعْرِفَةٍ بِرَبِّهِ لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ مُؤْمِنٍ وَلَوْ عَرَفَهُ وَعَمِلَ وَجَحَدَ بِلِسَانِهِ وَكَذَبَ مَا عَرَفَ مِنَ التَّوْحِيدِ لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ مُؤْمِنٍ وَكَذَلِكَ إِذَا أَقَرَّ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِرُسُلِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِالْفَرَائِضِ لَا يُسَمَّى مُؤْمِنًا بِالْإِطْلَاقِ وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يُسَمَّى مُؤْمِنًا بِالتَّصْدِيقِ فَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أولئك هم المؤمنون حقا فَأَخْبَرَنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ مَنْ كَانَتْ هذه صفته وقال بن بَطَّالٍ فِي بَابِ مَنْ قَالَ الْإِيمَانُ هُوَ الْعَمَلُ فَإِنْ قِيلَ قَدْ قَدَّمْتُمْ أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ قِيلَ التَّصْدِيقُ هُوَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْإِيمَانِ وَيُوجِبُ لِلْمُصَدِّقِ الدُّخُولَ فِيهِ وَلَا يُوجِبُ لَهُ اسْتِكْمَالَ مَنَازِلِهِ وَلَا يُسَمَّى مُؤْمِنًا مُطْلَقًا هَذَا مَذْهَبُ جَمَاعَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَرْبَابِ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ الَّذِينَ كَانُوا مَصَابِيحَ الْهُدَى وَأَئِمَّةَ الدِّينِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَغَيْرِهِمْ قال بن بَطَّالٍ وَهَذَا الْمَعْنَى أَرَادَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إِثْبَاتَهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَعَلَيْهِ بَوَّبَ أَبْوَابَهُ كُلَّهَا فَقَالَ بَابُ أُمُورِ الْإِيمَانِ وَبَابُ الصَّلَاةُ مِنَ الْإِيمَانِ وَبَابُ الزَّكَاةُ مِنَ الْإِيمَانِ وَبَابُ الْجِهَادُ مِنَ الْإِيمَانِ وَسَائِرُ أَبْوَابِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ وَتَبْيِينَ غَلَطِهِمْ وَسُوءَ اعْتِقَادِهِمْ وَمُخَالَفَتِهِمْ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ ثُمَّ قَالَ بن بَطَّالٍ فِي بَابٍ آخَرَ قَالَ الْمُهَلَّبُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْحَقِيقَةِ هُوَ الْإِيمَانُ الَّذِي هُوَ عَقْدُ الْقَلْبِ الْمُصَدِّقِ لِإِقْرَارِ اللِّسَانِ الَّذِي لَا يَنْفَعُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُهُ وَقَالَتِ الْكَرَّامِيَّةُ وَبَعْضُ الْمُرْجِئَةُ الْإِيمَانُ هُوَ الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ دُونَ عَقْدِ الْقَلْبِ وَمِنْ أَقْوَى مَا يُرَدُّ بِهِ عَلَيْهِمْ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى إِكْفَارِ الْمُنَافِقِينَ وَإِنْ كَانُوا قَدْ أَظْهَرُوا الشَّهَادَتَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ هذا آخر كلام بن بَطَّالٍ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الاسلام أن تشهد أن لااله إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا

وَالْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ هَذَا بَيَانٌ لِأَصْلِ الْإِيمَانِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ الْبَاطِنُ وَبَيَانٌ لِأَصْلِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الِاسْتِسْلَامُ وَالِانْقِيَادُ الظَّاهِرُ وَحُكْمُ الْإِسْلَامِ فِي الظَّاهِرِ ثَبَتَ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَإِنَّمَا أَضَافَ إِلَيْهِمَا الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالْحَجَّ وَالصَّوْمَ لِكَوْنِهَا أَظْهَرَ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَأَعْظَمَهَا وَبِقِيَامِهِ بِهَا يَتِمُّ اسْتِسْلَامُهُ وَتَرْكُهُ لَهَا يُشْعِرُ بِانْحِلَالِ قَيْدِ انْقِيَادِهِ أَوِ اخْتِلَالِهِ ثُمَّ إِنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ يَتَنَاوَلُ مَا فُسِّرَ بِهِ الْإِسْلَامُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وسائر الطاعات لكونها ثَمَرَاتٌ لِلتَّصْدِيقِ الْبَاطِنِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ وَمُقَوِّيَاتٌ وَمُتَمِّمَاتٌ وَحَافِظَاتٌ لَهُ وَلِهَذَا فَسَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَانُ فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَإِعْطَاءِ الْخُمُسِ مِنَ الْمَغْنَمِ وَلِهَذَا لَا يَقَعُ اسْمُ الْمُؤْمِنِ الْمُطْلَقِ عَلَى مَنِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً أَوْ بَدَّلَ فَرِيضَةً لِأَنَّ اسْمَ الشَّيْءِ مُطْلَقًا يَقَعُ عَلَى الْكَامِلِ مِنْهُ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي النَّاقِصِ ظَاهِرًا إِلَّا بِقَيْدٍ وَلِذَلِكَ جَازَ إِطْلَاقُ نَفْيِهِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَاسْمُ الْإِسْلَامِ يَتَنَاوَلُ أَيْضًا مَا هُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ الْبَاطِنُ وَيَتَنَاوَلُ أَصْلَ الطَّاعَاتِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ اسْتِسْلَامٌ قَالَ فَخَرَجَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَحَقَقْنَا أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ يَجْتَمِعَانِ وَيَفْتَرِقَانِ وَأَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا قَالَ وَهَذَا تَحْقِيقٌ وَافِرٌ بِالتَّوْفِيقِ بَيْنَ مُتَفَرِّقَاتِ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ الَّتِي طَالَمَا غَلِطَ فِيهَا الْخَائِضُونَ وَمَا حَقَّقْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَذَاهِبِ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْخَلَفِ فَهِيَ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَطَابِقَةٌ عَلَى كَوْنِ الْإِيمَانِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَهَذَا مَذْهَبُ السَّلَفِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَأَنْكَرَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ زِيَادَتَهُ وَنُقْصَانَهُ وَقَالُوا مَتَى قَبِلَ الزِّيَادَةَ كَانَ شَكًّا وَكُفْرًا قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَكَلِّمِينَ نَفْسُ التَّصْدِيقِ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَالْإِيمَانُ الشَّرْعِيُّ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ بِزِيَادَةِ ثَمَرَاتِهِ وَهِيَ الْأَعْمَالُ وَنُقْصَانِهَا قَالُوا وَفِي هَذَا تَوْفِيقٌ بَيْنَ ظَوَاهِرِ النُّصُوصِ الَّتِي جَاءَتْ بِالزِّيَادَةِ وَأَقَاوِيلِ السَّلَفِ وَبَيْنَ أَصْلِ وَضْعِهِ فِي اللُّغَةِ وَمَا عَلَيْهِ الْمُتَكَلِّمُونَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا حَسَنًا فَالْأَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ نَفْسَ التَّصْدِيقِ يَزِيدُ بِكَثْرَةِ النَّظَرِ وَتَظَاهُرِ الْأَدِلَّةِ وَلِهَذَا يَكُونُ إِيمَانُ الصِّدِّيقِينَ أَقْوَى مِنْ إِيمَانِ غَيْرِهِمْ بِحَيْثُ لَا تَعْتَرِيهِمُ الشُّبَهُ وَلَا يَتَزَلْزَلُ إِيمَانُهُمْ بِعَارِضٍ بَلْ لَا تَزَالُ قُلُوبُهُمْ مُنْشَرِحَةً نَيِّرَةً وَإِنِ اخْتَلَفَتْ عَلَيْهِمُ

الْأَحْوَالُ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ وَمَنْ قَارَبَهُمْ وَنَحْوِهِمْ فَلَيْسُوا كَذَلِكَ فَهَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ إِنْكَارُهُ وَلَا يَتَشَكَّكُ عَاقِلٌ فِي أَنَّ نَفْسَ تَصْدِيقِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُسَاوِيهِ تَصْدِيقُ آحَادِ النَّاسِ وَلِهَذَا قَالَ البخارى فى صحيحه قال بن أَبِي مُلَيْكَةَ أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا إِطْلَاقُ اسْمِ الْإِيمَانِ عَلَى الْأَعْمَالِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ وَدَلَائِلُهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُشْهَرَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا كَانَ اللَّهُ ليضيع ايمانكم أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ صَلَاتَكُمْ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ فَسَتَمُرُّ بِكَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْهَا جُمَلٌ مُسْتَكْثَرَاتٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الَّذِي يُحْكَمُ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَلَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَنِ اعْتَقَدَ بِقَلْبِهِ دِينَ الْإِسْلَامِ اعْتِقَادًا جَازِمًا خَالِيًا مِنَ الشُّكُوكِ وَنَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى إِحْدَاهُمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ أَصْلًا إِلَّا إِذَا عَجَزَ عَنِ النُّطْقِ لِخَلَلٍ فِي لِسَانِهِ أَوْ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِمُعَاجَلَةِ الْمَنِيَّةِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُؤْمِنًا أَمَّا إِذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ فَلَا يُشْتَرَطُ مَعَهُمَا أَنْ يَقُولَ وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ إِلَّا إِذَا كَانَ مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ اخْتِصَاصَ رِسَالَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْعَرَبِ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إِلَّا بِأَنْ يَتَبَرَّأَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْ شَرَطَ أَنْ يَتَبَرَّأَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ أَمَّا إِذَا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَقُلْ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لايكون مُسْلِمًا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَكُونُ مُسْلِمًا وَيُطَالَبُ بِالشَّهَادَةِ الْأُخْرَى فَإِنْ أَبَى جُعِلَ مُرْتَدًّا وَيُحْتَجُّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَهَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ عَلَى قَوْلِ الشَّهَادَتَيْنِ وَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى لِارْتِبَاطِهِمَا وَشُهْرَتِهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا إِذَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ أَوِ الصَّوْمِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ عَلَى خِلَافِ مِلَّتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فَهَلْ يُجْعَلُ بِذَلِكَ مُسْلِمًا فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا فَمَنْ جَعَلَهُ مُسْلِمًا قَالَ كُلُّ مَا يَكْفُرُ الْمُسْلِمُ بِإِنْكَارِهِ يَصِيرُ الْكَافِرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ مُسْلِمًا أَمَّا إِذَا أَقَرَّ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِالْعَجَمِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ فَهَلْ يُجْعَلُ بِذَلِكَ مُسْلِمًا فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا الصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا لِوُجُودِ الْإِقْرَارِ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْحَقُّ وَلَا يَظْهَرُ لِلْآخَرِ وَجْهٌ وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ مُسْتَقْصًى فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَاللَّهُ أعلم واختلفا

الْعُلَمَاءُ مِنَ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ فِي إِطْلَاقِ الْإِنْسَانِ قَوْلَهُ أَنَا مُؤْمِنٌ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَقُولُ أَنَا مُؤْمِنٌ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ بَلْ يَقُولُ أَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَحَكَى هَذَا الْمَذْهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا الْمُتَكَلِّمِينَ وَذَهَبَ آخرون إلى جواز الاطلاق وأنه لايقول إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَقَوْلُ أَهْلِ التَّحْقِيقِ وَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُ إِلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَمَنْ أَطْلَقَ نَظَرَ إِلَى الْحَالِ وَأَحْكَامُ الْإِيمَانِ جَارِيَةٌ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَمَنْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَالُوا فِيهِ هُوَ إِمَّا لِلتَّبَرُّكِ وَإِمَّا لِاعْتِبَارِ الْعَاقِبَةِ وَمَا قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَدْرِي أَيَثْبُتُ عَلَى الْإِيمَانِ أَمْ يُصْرَفُ عَنْهُ وَالْقَوْلُ بِالتَّخْيِيرِ حَسَنٌ صَحِيحٌ نَظَرًا إِلَى مَأْخَذِ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَرَفْعًا لِحَقِيقَةِ الْخِلَافِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَفِيهِ خِلَافٌ غَرِيبٌ لِأَصْحَابِنَا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُقَالُ هُوَ كَافِرٌ وَلَا يَقُولُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ فِي التَّقْيِيدِ كَالْمُسْلِمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيُقَالُ عَلَى قَوْلِ التَّقْيِيدِ هُوَ كَافِرٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ نَظَرًا إِلَى الْخَاتِمَةِ وَأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ وَلَا يُكَفَّرُ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَأَنَّ مَنْ جَحَدَ مَا يُعْلَمُ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ضَرُورَةً حُكِمَ بِرِدَّتِهِ وَكُفْرِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ فَيُعَرَّفُ ذَلِكَ فَإِنِ اسْتَمَرَّ حُكِمَ بِكُفْرِهِ وَكَذَا حُكْمُ مَنِ استحل الزنى أَوِ الْخَمْرَ أَوِ الْقَتْلَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي يُعْلَمُ تَحْرِيمُهَا ضَرُورَةً فَهَذِهِ جُمَلٌ مِنَ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْإِيمَانِ قَدَّمْتُهَا فِي صَدْرِ الْكِتَابِ تَمْهِيدًا لِكَوْنِهَا مِمَّا يَكْثُرُ الِاحْتِيَاجُ إِلَيْهِ وَلِكَثْرَةِ تَكَرُّرِهَا وَتَرْدَادِهَا فِي الْأَحَادِيثِ فَقَدَّمْتُهَا لأحيل عليها اذا مررت بما يحرج عَلَيْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [8] (حَدَّثَنِي أبو خيثمة زهير بن حرب ثنا وَكِيعٌ عَنْ كَهْمَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بريدة عن يحيى بن

يعمر ح وثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ وَهَذَا حَدِيثُهُ ثنا أبى ثنا كهمس عن بن بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ قَالَ كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ) اعْلَمْ أَنَّ مُسْلِمًا رَحِمَهُ اللَّهُ سَلَكَ فِي هَذَا الْكِتَابِ طَرِيقَةً فِي الْإِتْقَانِ وَالِاحْتِيَاطِ وَالتَّدْقِيقِ وَالتَّحْقِيقِ مَعَ الِاخْتِصَارِ الْبَلِيغِ وَالْإِيجَازِ التَّامِّ فِي نِهَايَةٍ مِنَ الْحُسْنِ مُصَرِّحَةً بِغَزَارَةِ عُلُومِهِ وَدِقَّةِ نَظَرِهِ وَحِذْقِهِ وَذَلِكَ يَظْهَرُ فِي الْإِسْنَادِ تَارَةً وَفِي الْمَتْنِ تَارَةً وَفِيهِمَا تَارَةً فَيَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ فِي كِتَابِهِ أَنْ يَتَنَبَّهَ لِمَا ذَكَرْتُهُ فَإِنَّهُ يَجِدُ عَجَائِبَ مِنَ النَّفَائِسِ وَالدَّقَائِقِ تَقَرُّ بِآحَادِ أَفْرَادِهَا عَيْنُهُ وَيَنْشَرِحُ لَهَا صَدْرُهُ وَتُنَشِّطُهُ لِلِاشْتِغَالِ بِهَذَا الْعِلْمِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ أَحَدٌ شَارَكَ مُسْلِمًا فِي هَذِهِ النَّفَائِسِ الَّتِي يُشِيرُ إِلَيْهَا مِنْ دَقَائِقِ عِلْمِ الْإِسْنَادِ وَكِتَابُ الْبُخَارِيِّ وَإِنْ كَانَ أَصَحَّ وَأَجَلَّ وَأَكْثَرَ فَوَائِدَ فِي الْأَحْكَامِ وَالْمَعَانِي فَكِتَابُ مُسْلِمٍ يَمْتَازُ بِزَوَائِدَ مِنْ صَنْعَةِ الْإِسْنَادِ وَسَتَرَى مِمَّا أُنَبِّهُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَنْشَرِحُ لَهُ صَدْرُكَ وَيَزْدَادُ بِهِ الْكِتَابُ وَمُصَنِّفُهُ فِي قَلْبِكَ جَلَالَةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا قُلْتُهُ فَفِي هَذِهِ الْأَحْرُفِ الَّتِي ذَكَرَهَا مِنَ الْإِسْنَادِ أَنْوَاعٌ مِمَّا ذَكَرْتُهُ فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ ثُمَّ قَالَ فِي الطَّرِيقِ الْآخَرِ وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ فَفَرَّقَ بَيْنَ حَدَّثَنِي وَحَدَّثَنَا وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ أَهْلِ الصَّنْعَةِ وَهِيَ أَنَّهُ يَقُولُ فِيمَا سَمِعَهُ وَحْدَهُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ حَدَّثَنِي وَفِيمَا سَمِعَهُ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ حَدَّثَنَا وَفِيمَا قَرَأَهُ وَحْدَهُ عَلَى الشَّيْخِ أَخْبَرَنِي وَفِيمَا قُرِئَ بِحَضْرَتِهِ فِي جَمَاعَةٍ عَلَى الشَّيْخِ أَخْبَرَنَا وَهَذَا اصْطِلَاحٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُمْ وَلَوْ تَرَكَهُ وَأَبْدَلَ حَرْفًا مِنْ ذَلِكَ بِآخَرَ صَحَّ السَّمَاعُ وَلَكِنْ تَرَكَ الْأَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ كَهْمَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ ثُمَّ فِي الطَّرِيقِ الثانى أعاد الرواية عن كهمس عن بن بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى فَقَدْ يُقَالُ هَذَا تَطْوِيلٌ لَا يَلِيقُ بِإِتْقَانِ مُسْلِمٍ وَاخْتِصَارِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ بِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ عَلَى وَكِيعٍ وَيَجْتَمِعُ مُعَاذٌ وَوَكِيعٌ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ كَهْمَسٍ عَنِ بن بُرَيْدَةَ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ فَاسِدٌ لَا يَصْدُرُ إِلَّا مِنْ شَدِيدِ الْجَهَالَةِ بِهَذَا الْفَنِّ فَإِنَّ مُسْلِمًا رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْلُكُ الِاخْتِصَارَ لَكِنْ بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ خَلَلٌ وَلَا يَفُوتُ بِهِ مَقْصُودٌ وَهَذَا الْمَوْضِعُ يَحْصُلُ فِي الِاخْتِصَارِ فِيهِ خَلَلٌ وَيَفُوتُ بِهِ مَقْصُودٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ وَكِيعًا قَالَ عَنْ كَهْمَسٍ وَمُعَاذٌ قَالَ حَدَّثَنَا

كَهْمَسٌ وَقَدْ عُلِمَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ المعنعن أن العلماء اختلفوا فى الاحتجاج بالمعنعن ولم يختلفوا فى المتصل بحدثنا فَأَتَى مُسْلِمٌ بِالرِّوَايَتَيْنِ كَمَا سُمِعَتَا لِيُعْرَفَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَلِيَكُونَ رَاوِيًا بِاللَّفْظِ الَّذِي سَمِعَهُ وَلِهَذَا نَظَائِرُ فِي مُسْلِمٍ سَتَرَاهَا مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ مِثْلُ هَذَا ظَاهِرًا لِمَنْ لَهُ أَدْنَى اعْتِنَاءٍ بِهَذَا الْفَنِّ إِلَّا أَنِّي أُنَبِّهُ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِمْ وَلِبَعْضِهِمْ مِمَّنْ قَدْ يَغْفُلُ وَلِكُلِّهِمْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُمُ النَّظَرُ وَتَحْرِيرُ عِبَارَةٍ عَنِ الْمَقْصُودِ وَهُنَا مَقْصُودٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ قَالَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ وَفِي رِوَايَةِ معاذ قال عن بن بُرَيْدَةَ فَلَوْ أَتَى بِأَحَدِ اللَّفْظَيْنِ حَصَلَ خَلَلٌ فانه ان قال بن بُرَيْدَةَ لَمْ نَدْرِ مَا اسْمُهُ وَهَلْ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ هَذَا أَوْ أَخُوهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بُرَيْدَةَ وَإِنْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ كَانَ كَاذِبًا عَلَى مُعَاذٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ عَبْدُ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ فَلَا يَظْهَرُ لِذِكْرِهِ أَوَّلًا فَائِدَةٌ وَعَادَةُ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ لَا يَذْكُرُوا يَحْيَى بْنَ يَعْمَرَ لِأَنَّ الطَّرِيقَيْنِ اجْتَمَعَتَا فِي بن بُرَيْدَةَ وَلَفْظُهُمَا عَنْهُ بِصِيغَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا أَنِّي رَأَيْتُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى عن يحيى فحسب وليس فيها بن يَعْمَرَ فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَهُوَ مُزِيلٌ لِلْإِنْكَارِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِيهِ فَائِدَةٌ كَمَا قررناه فى بن بريدة والله أعلم ومن ذلك قوله حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ وَهَذَا حَدِيثُهُ فَهَذِهِ عَادَةٌ لِمُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ أَكْثَرَ مِنْهَا وَقَدِ اسْتَعْمَلَهَا غَيْرُهُ قَلِيلًا وَهِيَ مُصَرِّحَةٌ بِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ تَحْقِيقِهِ وَوَرَعِهِ وَاحْتِيَاطِهِ وَمَقْصُودُهُ أَنَّ الرَّاوِيَيْنِ اتَّفَقَا فِي الْمَعْنَى وَاخْتَلَفَا فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ وَهَذَا لَفْظُ فُلَانٍ وَالْآخَرُ بِمَعْنَاهُ وَاللَّهُ أعلم وأما قوله بَعْدَ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَهِيَ حَاءُ التَّحْوِيلِ مِنْ إِسْنَادٍ إِلَى إِسْنَادٍ فيقول القارىء إِذَا انْتَهَى إِلَيْهَا ح قَالَ وَحَدَّثَنَا فُلَانٌ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ بَيَانَهَا وَالْخِلَافَ فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَهَذَا مَا حَضَرَنِي فِي الْحَالِ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى دَقَائِقِ هَذَا الْإِسْنَادِ وَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى مَا سِوَاهُ وَأَرْجُو أَنْ يُتَفَطَّنَ بِهِ لِمَا عَدَاهُ وَلَا يَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ فِي هَذَا الشَّرْحِ أَنْ يَسْأَمَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يَجِدُهُ مَبْسُوطًا وَاضِحًا فَإِنِّي إِنَّمَا أَقْصِدُ بِذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْكَرِيمُ الْإِيضَاحَ وَالتَّيْسِيرَ وَالنَّصِيحَةَ لِمُطَالِعِهِ وَإِعَانَتَهُ واغنائه مِنْ مُرَاجَعَةِ غَيْرِهِ فِي بَيَانِهِ وَهَذَا مَقْصُودُ الشُّرُوحِ فَمَنِ اسْتَطَالَ شَيْئًا مِنْ هَذَا وَشِبْهِهِ فَهُوَ بَعِيدٌ مِنَ الْإِتْقَانِ مُبَاعِدٌ لِلْفَلَاحِ فِي هَذَا الشَّأْنِ فَلْيُعَزِّ نَفْسَهُ لِسُوءِ حَالِهِ وَلْيَرْجِعْ عَمَّا ارْتَكَبَهُ مِنْ قَبِيحِ فِعَالِهِ وَلَا يَنْبَغِي لِطَالِبِ التَّحْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ وَالْإِتْقَانِ وَالتَّدْقِيقِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى كَرَاهَةِ أَوْ سَآمَةِ ذَوِي الْبَطَالَةِ وَأَصْحَابِ الْغَبَاوَةِ وَالْمَهَانَةِ وَالْمَلَالَةِ بَلْ

يَفْرَحُ بِمَا يَجِدُهُ مِنَ الْعِلْمِ مَبْسُوطًا وَمَا يُصَادِفهُ مِنَ الْقَوَاعِدِ وَالْمُشْكِلَاتِ وَاضِحًا مَضْبُوطًا وَيَحْمَدُ اللَّهَ الْكَرِيمَ عَلَى تَيْسِيرِهِ وَيَدْعُو لِجَامِعِهِ السَّاعِي فِي تَنْقِيحِهِ وَإِيضَاحِهِ وَتَقْرِيرِهِ وَفَّقَنَا اللَّهُ الْكَرِيمُ لِمَعَالِي الْأُمُورِ وَجَنَّبَنَا بِفَضْلِهِ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الشُّرُورِ وَجَمَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَحْبَابِنَا فِي دَارِ الْحُبُورِ وَالسُّرُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا ضَبْطُ أَسْمَاءِ الْمَذْكُورِينَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ فَخَيْثَمَةُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَبَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ وَأَمَّا كَهْمَسٌ فَبِفَتْحِ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ الْبَصْرِيُّ وَأَمَّا يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ فَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَيُقَالُ بِضَمِّهَا وَهُوَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ لِوَزْنِ الْفِعْلِ كُنْيَةُ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ أَبُو سُلَيْمَانَ وَيُقَالُ أَبُو سَعِيدٍ وَيُقَالُ أَبُو عَدِيٍّ الْبَصْرِيُّ ثُمَّ الْمَرْوَزِيُّ قَاضِيهَا مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ بَكْرِ بْنِ أَسَدٍ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فى تاريخ نيسابور يحيى بن يعمر فقيه أديب نحوى مبرر أَخَذَ النَّحْوَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ نَفَاهُ الْحَجَّاجُ إِلَى خُرَاسَانَ فَقَبِلَهُ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ وَوَلَّاهُ قَضَاءَ خُرَاسَانَ وَأَمَّا مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ التَّمِيمِيُّ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَنْسَابُ الْجُهَنِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ نِسْبَةً إِلَى جُهَيْنَةَ قَبِيلَةٌ مِنْ قُضَاعَةَ وَاسْمُهُ زَيْدُ بْنُ لَيْثِ بْنِ سَوْدِ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ الْحَافِّ بْنِ قُضَاعَةَ نَزَلَتِ الْكُوفَةَ وَبِهَا مَحِلَّةٌ تُنْسَبُ إِلَيْهِمْ وَبَقِيَّتُهُمْ نَزَلَتِ الْبَصْرَةَ قَالَ وَمِمَّنْ نَزَلَ جُهَيْنَةَ فَنُسِبَ إِلَيْهِمْ مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ كَانَ يُجَالِسُ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْبَصْرَةِ بِالْقَدَرِ فَسَلَكَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ بَعْدَهُ مَسْلَكَهُ لَمَّا رَأَوْا عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ يَنْتَحِلُهُ قَتَلَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ صَبْرًا وَقِيلَ إِنَّهُ مَعْبَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُوَيْمِرٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِ السَّمْعَانِيِّ وَأَمَّا الْبَصْرَةُ فَبِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهَا الْأَزْهَرِيُّ وَالْمَشْهُورُ الْفَتْحُ وَيُقَالُ لَهَا الْبُصَيْرَةُ بِالتَّصْغِيرِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَيُقَالُ لَهَا تَدْمُرَ وَيُقَالُ لَهَا الْمُؤْتَفِكَةُ لِأَنَّهَا ائْتَفَكَتْ بِأَهْلِهَا فِي أَوَّلِ الدَّهْرِ وَالنَّسَبُ إِلَيْهَا بَصْرِيُّ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ قَالَ السَّمْعَانِيُّ يُقَالُ الْبَصْرَةُ قُبَّةُ الْإِسْلَامِ وَخِزَانَةُ الْعَرَبِ بَنَاهَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَنَاهَا سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَسَكَنَهَا النَّاسُ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَلَمْ يُعْبَدَ الصَّنَمُ قَطُّ عَلَى أَرْضِهَا هَكَذَا كَانَ يَقُولُ لِي أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْوَاعِظُ بِالْبَصْرَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْبَصْرَةُ دَاخِلَةٌ فِي أَرْضِ سَوَادِ الْعِرَاقِ وَلَيْسَ لَهَا حُكْمُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ فَمَعْنَاهُ أَوَّلُ مَنْ قَالَ بِنَفْيِ الْقَدَرِ فَابْتَدَعَ وَخَالَفَ الصَّوَابَ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَقِّ وَيُقَالُ الْقَدَرُ وَالْقَدْرُ بِفَتْحِ الدَّالِ وَإِسْكَانِهَا

لغتان مشهورتان وحكاهما بن قُتَيْبَةَ عَنِ الْكِسَائِيِّ وَقَالَهُمَا غَيْرُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ إِثْبَاتُ الْقَدَرِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدَّرَ الْأَشْيَاءَ فِي الْقِدَمِ وَعَلِمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهَا سَتَقَعُ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ عِنْدَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَلَى صِفَاتٍ مَخْصُوصَةٍ فَهِيَ تَقَعُ عَلَى حَسَبِ مَا قَدَّرَهَا سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى وَأَنْكَرَتِ الْقَدَرِيَّةُ هَذَا وَزَعَمَتْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يُقَدِّرْهَا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ عِلْمُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهَا وَأَنَّهَا مُسْتَأْنَفَةُ الْعِلْمِ أَيْ إِنَّمَا يَعْلَمُهَا سُبْحَانَهُ بَعْدَ وُقُوعِهَا وَكَذَبُوا عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَجَلَّ عَنْ أَقْوَالِهِمُ الْبَاطِلَةَ عُلُوًّا كَبِيرًا وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْفِرْقَةُ قَدَرِيَّةً لِإِنْكَارِهِمُ الْقَدَرَ قَالَ أَصْحَابُ الْمَقَالَاتِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَقَدِ انْقَرَضَتِ الْقَدَرِيَّةُ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ الشَّنِيعِ الْبَاطِلِ وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ عَلَيْهِ وَصَارَتِ الْقَدَرِيَّةُ فِي الْأَزْمَانِ الْمُتَأَخِّرَةِ تَعْتَقِدُ إِثْبَاتَ الْقَدَرِ وَلَكِنْ يَقُولُونَ الْخَيْرُ مِنَ اللَّهِ وَالشَّرُّ مِنْ غَيْرِهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ وَقَدْ حَكَى أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ غَرِيبُ الْحَدِيثِ وَأَبُو الْمَعَالِي إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ الْإِرْشَادُ فِي أُصُولِ الدِّينِ أَنَّ بَعْضَ الْقَدَرِيَّةِ قَالَ لَسْنَا بِقَدَرِيَّةٍ بَلْ أَنْتُمُ الْقَدَرِيَّةَ لِاعْتِقَادِكُمْ إِثْبَاتَ القدر قال بن قُتَيْبَةَ وَالْإِمَامُ هَذَا تَمْوِيهٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةِ ومباهتة وتواقح فان أهل الحق يفوضون أمورهم إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَيُضِيفُونَ الْقَدَرَ وَالْأَفْعَالَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ يُضِيفُونَهُ إِلَى أَنْفُسِهِمْ وَمُدَّعِي الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ وَمُضِيفُهُ إِلَيْهَا أَوْلَى بِأَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ مِمَّنْ يَعْتَقِدُهُ لِغَيْرِهِ وَيَنْفِيهِ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ الْإِمَامُ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ شَبَّهَهُمْ بِهِمْ لِتَقْسِيمِهِمُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ فِي حُكْمِ الْإِرَادَةِ كَمَا قَسَّمَتِ الْمَجُوسُ فَصَرَفَتِ الْخَيْرَ إِلَى يَزْدَانَ وَالشَّرَّ إِلَى أَهْرَمْنَ وَلَا خَفَاءَ بِاخْتِصَاصِ هَذَا الْحَدِيثِ بِالْقَدَرِيَّةِ هَذَا كلام الامام وبن قُتَيْبَةَ وَحَدِيثُ الْقَدَرِيَّةِ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ رَوَاهُ أبو حازم عن بن عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ إِنْ صَحَّ سماع أبى حازم من بن عُمَرَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا جَعَلَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجُوسًا لِمُضَاهَاةِ مَذْهَبِهِمْ مَذْهَبَ الْمَجُوسَ فِي قَوْلِهِمْ بِالْأَصْلَيْنِ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْخَيْرَ مِنْ فِعْلِ النُّورِ وَالشَّرَّ مِنْ فِعْلِ الظُّلْمَةِ فَصَارُوا ثَنَوِيَّةً وَكَذَلِكَ الْقَدَرِيَّةُ يُضِيفُونَ الْخَيْرَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّرَّ إِلَى غَيْرِهِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَالِقُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ جَمِيعًا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُمَا إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ فَهُمَا مُضَافَانِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلْقًا وَإِيجَادًا وَإِلَى الْفَاعِلَيْنِ لَهُمَا مِنْ عِبَادِهِ فِعْلًا وَاكْتِسَابًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قال الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ يَحْسَبُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ معنى القضاء

وَالْقَدَرِ إِجْبَارُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعَبْدَ وَقَهْرُهُ عَلَى مَا قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَتَوَهَّمُونَهُ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ تَقَدُّمِ عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِمَا يَكُونُ مِنَ اكْتِسَابِ الْعَبْدِ وَصُدُورِهَا عَنْ تَقْدِيرٍ مِنْهُ وَخَلَقَ لَهَا خَيْرَهَا وَشَرَّهَا قَالَ وَالْقَدَرُ اسْمٌ لِمَا صَدَرَ مُقَدَّرًا عَنْ فِعْلِ الْقَادِرِ يُقَالُ قَدَرْتُ الشَّيْءَ وَقَدَّرْتُهُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالْقَضَاءُ فِي هَذَا مَعْنَاهُ الْخَلْقُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سماوات فى يومين أَيْ خَلَقَهُنَّ قُلْتُ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَدِلَّةُ الْقَطْعِيَّاتُ مِنَ الْكِتَابِ وِالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَأَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى إِثْبَاتِ قَدَرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقَدْ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءُ مِنَ التَّصْنِيفِ فِيهِ وَمِنْ أَحْسَنِ الْمُصَنَّفَاتِ فِيهِ وَأَكْثَرِهَا فَوَائِدَ كِتَابُ الْحَافِظِ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْبَيْهَقِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ قَرَّرَ أَئِمَّتُنَا مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ ذَلِكَ أَحْسَنَ تَقْرِيرٍ بِدَلَائِلِهِمُ الْقَطْعِيَّةِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) هُوَ بِضَمِّ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ مَعْنَاهُ جُعِلَ وَفْقًا لَنَا وَهُوَ مِنَ الْمُوَافَقَةِ الَّتِي هِيَ كَالِالْتِحَامِ يُقَالُ أَتَانَا لِتِيفَاقِ الْهِلَالِ وَمِيفَاقِهِ أَيْ حِينَ أَهَلَّ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَهِيَ لَفْظَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الِاجْتِمَاعِ وَالِالْتِئَامِ وَفِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ فَوَافَقَ لَنَا بِزِيَادَةِ أَلِفٍ وَالْمُوَافَقَةُ الْمُصَادَفَةُ قَوْلُهُ (فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي) يَعْنِي صِرْنَا فِي نَاحِيَتَيْهِ ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ وَكَنَفَا الطَّائِرِ جَنَاحَاهُ وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَدَبِ الْجَمَاعَةِ فِي مَشْيهِمْ مَعَ فَاضِلِهِمْ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَكْتَنِفُونَهُ وَيَحُفُّونَ بِهِ قَوْلُهُ (فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ) مَعْنَاهُ يَسْكُتُ وَيُفَوِّضُهُ إِلَيَّ لِإِقْدَامِي وَجُرْأَتِي وَبَسْطَةِ لِسَانِي فَقَدْ جَاءَ عَنْهُ فِي رِوَايَةٍ لِأَنِّي كُنْتُ أَبْسَطَ لِسَانًا قَوْلُهُ (ظهر قبلنا ناس يقرؤن الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ) هُوَ بِتَقْدِيمِ الْقَافِ عَلَى الْفَاءِ وَمَعْنَاهُ يَطْلُبُونَهُ وَيَتَتَبَّعُونَهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ يَجْمَعُونَهُ وَرَوَاهُ بَعْضُ شُيُوخِ الْمَغَارِبَةِ من طريق بن ماهان يتفقرون بتقديم الفاء وهو صحيح أَيْضًا مَعْنَاهُ يَبْحَثُونَ عَنْ غَامِضِهِ وَيَسْتَخْرِجُونَ خَفِيَّهُ وروى

فى غير مسلم يتفقون بِتَقْدِيمِ الْقَافِ وَحَذْفِ الرَّاءِ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا وَمَعْنَاهُ أَيْضًا يَتَتَبَّعُونَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَرَأَيْتُ بَعْضَهُمْ قَالَ فِيهِ يَتَقَعَّرُونَ بِالْعَيْنِ وَفَسَّرَهُ بِأَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ قَعْرَهُ أَيْ غَامِضَهُ وَخَفِيَّهُ وَمِنْهُ تَقَعَّرَ فِي كَلَامِهِ إِذَا جَاءَ بِالْغَرِيبِ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ يَتَفَقَّهُونَ بِزِيَادَةِ الْهَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَوْلُهُ (وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ) هَذَا الْكَلَامُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الرُّوَاةِ الَّذِينَ دُونَ يحيى بن يعمر والظاهر أنه من بن بُرَيْدَةَ الرَّاوِي عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ يَعْنِي وذكر بن يَعْمَرَ مِنْ حَالِ هَؤُلَاءِ وَوَصْفِهِمْ بِالْفَضِيلَةِ فِي الْعِلْمِ وَالِاجْتِهَادِ فِي تَحْصِيلِهِ وَالِاعْتِنَاءِ بِهِ قَوْلُهُ (يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ أَيْ مُسْتَأْنَفٌ لَمْ يَسْبِقْ بِهِ قَدَرٌ وَلَا عِلْمٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا يَعْلَمُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ كَمَا قَدَّمْنَا حِكَايَتَهُ عَنْ مَذْهَبِهِمُ الْبَاطِلِ وَهَذَا الْقَوْلُ قَوْلُ غُلَاتِهِمْ وَلَيْسَ قَوْلُ جَمِيعِ الْقَدَرِيَّةِ وَكَذَبَ قَائِلُهُ وَضَلَّ وَافْتَرَى عَافَانَا اللَّهُ وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ (قال يعنى بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ) هذا الذى قاله بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ظَاهِرٌ فِي تَكْفِيرِهِ الْقَدَرِيَّةَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا فِي الْقَدَرِيَّةِ الْأُوَلِ الَّذِينَ نَفَوْا تَقَدُّمَ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْكَائِنَاتِ قَالَ وَالْقَائِلُ بِهَذَا كَافِرٌ بِلَا خِلَافٍ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ الْقَدَرَ هُمُ الْفَلَاسِفَةُ فِي الْحَقِيقَةِ قَالَ غَيْرُهُ وَيَجُوزُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا الْكَلَامَ التَّكْفِيرَ الْمُخْرِجَ مِنَ الْمِلَّةِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ كُفْرَانِ النِّعَمِ إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْهُ ظَاهِرٌ فى التكفير فَإِنَّ إِحْبَاطَ الْأَعْمَالِ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْكُفْرِ إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي الْمُسْلِمِ لَا يُقْبَلُ عَمَلُهُ لِمَعْصِيَتِهِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ صَحِيحَةٌ غَيْرُ مُحْوِجَةٍ إِلَى الْقَضَاءِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ بَلْ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَهِيَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فَلَا ثَوَابَ فِيهَا عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ فَأَنْفَقَهُ يَعْنِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ طَاعَتِهِ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قال نفطويه

سُمِّيَ الذَّهَبُ ذَهَبًا لِأَنَّهُ يَذْهَبُ وَلَا يَبْقَى قَوْلُهُ (لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ) ضَبَطْنَاهُ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ الْمَضْمُومَةِ وَكَذَلِكَ ضَبَطْنَاهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِ وَضَبَطَهُ الْحَافِظُ أَبُو حَازِمٍ الْعَدَوِيُّ هُنَا نَرَى بِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ وَكَذَا هُوَ فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ (وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ) مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّجُلَ الدَّاخِلَ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْ نَفْسِهِ وَجَلَسَ عَلَى هَيْئَةِ الْمُتَعَلِّمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَالْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَإِيضَاحُهُ بِمَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَتِهِ قَوْلُهُ (فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ) سَبَبُ تَعَجُّبِهِمْ أَنَّ هَذَا خِلَافُ عَادَةِ السَّائِلِ الْجَاهِلِ إِنَّمَا هَذَا كَلَامُ خَبِيرٍ بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَنْ يَعْلَمُ هَذَا غَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) هَذَا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي أُوتِيَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ أَحَدَنَا قَامَ فِي عِبَادَةٍ وَهُوَ يُعَايِنُ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ الْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ وَحُسْنِ السَّمْتِ وَاجْتِمَاعِهِ بِظَاهِرِهِ

وَبَاطِنِهِ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِتَتْمِيمِهَا عَلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهَا إِلَّا أَتَى بِهِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْبُدِ اللَّهَ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِكَ كَعِبَادَتِكَ فِي حَالِ الْعِيَانِ فَإِنَّ التَّتْمِيمَ الْمَذْكُورَ فِي حَالِ الْعِيَانِ إِنَّمَا كَانَ لِعِلْمِ الْعَبْدِ بِاطِّلَاعِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِ فَلَا يُقْدِمُ الْعَبْدُ عَلَى تَقْصِيرٍ فِي هَذَا الْحَالِ لِلِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ مَعَ عَدَمِ رُؤْيَةِ الْعَبْدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ بِمُقْتَضَاهُ فَمَقْصُودُ الْكَلَامِ الْحَثُّ عَلَى الْإِخْلَاصِ فِي الْعِبَادَةِ وَمُرَاقَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي إِتْمَامِ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ نَدَبَ أَهْلُ الْحَقَائِقِ إِلَى مُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ لِيَكُونَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ تَلَبُّسِهِ بِشَيْءٍ مِنَ النَّقَائِصِ احْتِرَامًا لَهُمْ وَاسْتِحْيَاءً مِنْهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ لَا يَزَالُ اللَّهُ تَعَالَى مُطَّلِعًا عَلَيْهِ فِي سِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدِ اشْتَمَلَ عَلَى شَرْحِ جَمِيعِ وَظَائِفِ الْعِبَادَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ مِنْ عُقُودِ الْإِيمَانِ وَأَعْمَالِ الْجَوَارِحِ وَإِخْلَاصِ السَّرَائِرِ وَالتَّحَفُّظِ مِنْ آفَاتِ الْأَعْمَالِ حَتَّى إِنَّ عُلُومَ الشَّرِيعَةِ كُلَّهَا راجعة إليه ومتشعبة مِنْهُ قَالَ وَعَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَأَقْسَامِهِ الثَّلَاثَةِ أَلَّفْنَا كِتَابَنَا الَّذِي سَمَّيْنَاهُ بِالْمَقَاصِدِ الْحِسَانِ فِيمَا يَلْزَمُ الْإِنْسَانَ إِذْ لَا يَشِذُّ شَيْءٌ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ وَالرَّغَائِبِ وَالْمَحْظُورَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ عَنْ أَقْسَامِهِ الثَّلَاثَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ) فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ وَالْمُفْتِي وَغَيْرِهِمَا إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْقُصُهُ بَلْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وَرَعِهِ وَتَقْوَاهُ وَوُفُورِ عِلْمِهِ وَقَدْ بَسَطْتُ هَذَا بِدَلَائِلِهِ وَشَوَاهِدِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي مُقَدِّمَةِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْخَيْرِ لَا بُدَّ لِطَالِبِ الْعِلْمِ مِنْ مَعْرِفَةِ مِثْلِهَا وَإِدَامَةِ النَّظَرِ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْأَمَارَةُ وَالْأَمَارُ بِإِثْبَاتِ الْهَاءِ وَحَذْفِهَا هِيَ الْعَلَامَةُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى رَبَّهَا عَلَى التَّذْكِيرِ وَفِي الْأُخْرَى بَعْلَهَا وَقَالَ يَعْنِي السَّرَارِيَّ وَمَعْنَى رَبَّهَا وَرَبَّتَهَا سَيِّدَهَا وَمَالِكَهَا وَسَيِّدَتَهَا وَمَالِكَتَهَا قَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ كَثْرَةِ السَّرَارِيِّ وَأَوْلَادِهِنَّ فَإِنَّ وَلَدَهَا مِنْ سَيِّدِهَا بِمَنْزِلَةِ سَيِّدِهَا لِأَنَّ مَالَ الْإِنْسَانِ صَائِرٌ إِلَى وَلَدِهِ وَقَدْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ فِي الْحَالِ تَصَرُّفَ

الْمَالِكِينَ إِمَّا بِتَصْرِيحِ أَبِيهِ لَهُ بِالْإِذْنِ وَإِمَّا بِمَا يَعْلَمُهُ بِقَرِينَةِ الْحَالِ أَوْ عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِمَاءَ يَلِدْنَ الْمُلُوكَ فَتَكُونُ أُمُّهُ مِنْ جُمْلَةِ رَعِيَّتِهِ وَهُوَ سَيِّدُهَا وَسَيِّدُ غَيْرِهَا مِنْ رَعِيَّتِهِ وَهَذَا قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ وقيل معناه أن تَفْسُدُ أَحْوَالُ النَّاسِ فَيَكْثُرُ بَيْعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَيَكْثُرُ تَرْدَادُهَا فِي أَيْدِي الْمُشْتَرِينَ حَتَّى يَشْتَرِيَهَا ابْنُهَا وَلَا يَدْرِي وَيُحْتَمَلُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ لَا يَخْتَصَّ هَذَا بِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فَإِنَّهُ مُتَصَوَّرٌ فِي غَيْرِهِنَّ فَإِنَّ الْأَمَةَ تَلِدُ وَلَدًا حُرًّا مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا بِشُبْهَةٍ أَوْ وَلَدًا رَقِيقًا بِنِكَاحٍ أَوْ زِنًا ثُمَّ تُبَاعُ الْأَمَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ بَيْعًا صَحِيحًا وَتَدُورُ فِي الْأَيْدِي حَتَّى يَشْتَرِيَهَا وَلَدُهَا وَهَذَا أَكْثَرُ وَأَعَمُّ مِنْ تَقْدِيرِهِ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَقِيلَ فِي مَعْنَاهُ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَلَكِنَّهَا أَقْوَالٌ ضَعِيفَةٌ جِدًّا أَوْ فَاسِدَةٌ فَتَرَكْتُهَا وَأَمَّا بَعْلُهَا فَالصَّحِيحُ فِي مَعْنَاهُ أَنَّ الْبَعْلَ هُوَ الْمَالِكُ أَوِ السَّيِّدُ فَيَكُونُ بِمَعْنَى رَبِّهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ بَعْلُ الشَّيْءِ ربه ومالكه وقال بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهُ سبحانه وتعالى أتدعون بعلا أَيْ رَبًّا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْبَعْلِ فِي الْحَدِيثِ الزَّوْجُ وَمَعْنَاهُ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَكْثُرُ بَيْعُ السَّرَارِيِّ حَتَّى يَتَزَوَّجَ الْإِنْسَانُ أُمَّهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي وَهَذَا أَيْضًا مَعْنًى صَحِيحٌ إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ حَمْلُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْقَضِيَّةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ كَانَ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَلَا مَنْعِ بَيْعِهِنَّ وَقَدِ اسْتَدَلَّ إِمَامَانِ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ بِهِ عَلَى ذَلِكَ فَاسْتَدَلَّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْمَنْعِ وَذَلِكَ عَجَبٌ مِنْهُمَا وَقَدْ أُنْكِرَ عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَوْنِهِ مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ يَكُونُ مُحَرَّمًا أَوْ مَذْمُومًا فَإِنَّ تَطَاوُلَ الرِّعَاءِ فِي الْبُنْيَانِ وَفُشُوَّ الْمَالِ وَكَوْنَ خَمْسِينَ امْرَأَةً لَهُنَّ قَيِّمٌ وَاحِدٌ لَيْسَ بِحَرَامٍ بِلَا شَكٍّ وَإِنَّمَا هَذِهِ عَلَامَاتٌ وَالْعَلَامَةُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَلْ تَكُونُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْمُبَاحِ وَالْمُحَرَّمِ وَالْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ) أَمَّا الْعَالَةُ فَهُمُ الْفُقَرَاءُ وَالْعَائِلُ الْفَقِيرُ وَالْعَيْلَةُ الْفَقْرُ وَعَالَ الرَّجُلُ يَعِيلُ عَيْلَةً أَيِ افْتَقَرَ وَالرِّعَاءُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْمَدِّ وَيُقَالُ فِيهِمْ رُعَاةٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَزِيَادَةِ الْهَاءِ بِلَا مَدٍّ وَمَعْنَاهُ أَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ وَأَشْبَاهَهَمْ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ تُبْسَطُ لَهُمُ الدُّنْيَا حَتَّى يَتَبَاهَوْنَ فِي الْبُنْيَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَلَبِثَ مَلِيًّا) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ لَبِثَ آخِرَهُ ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ مِنْ غَيْرِ تَاءٍ وَفِي

كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ الْمُحَقَّقَةِ لَبِثْتُ بِزِيَادَةِ تَاءِ الْمُتَكَلِّمِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَأَمَّا مَلِيًّا بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ فَمَعْنَاهُ وَقْتًا طَوِيلًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ لِلْبَغَوِيِّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ وَفِي ظَاهِرِ هَذَا مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ هَذَا ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُدُّوا عَلَيَّ الرَّجُلَ فَأَخَذُوا لِيَرُدُّوهُ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا جِبْرِيلُ فَيَحْتَمِلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَحْضُرَ قَوْلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ فِي الْحَالِ بَلْ كَانَ قَدْ قَامَ مِنَ الْمَجْلِسِ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَاضِرِينَ فِي الْحَالِ وَأُخْبِرَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ إِذْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا وَقْتَ إِخْبَارِ الْبَاقِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ) فِيهِ أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ وَالْإِحْسَانَ تُسَمَّى كُلُّهَا دِينًا وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَجْمَعُ أَنْوَاعًا مِنَ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ وَالْآدَابِ وَاللَّطَائِفِ بَلْ هُوَ أَصْلُ الْإِسْلَامِ كَمَا حُكِينَاهُ عَنِ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ضِمْنِ الْكَلَامِ فِيهِ جُمَلٌ مِنْ فَوَائِدِهِ وَمِمَّا لَمْ نَذْكُرُهُ مِنْ فَوَائِدِهِ أَنَّ فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ حَضَرَ مَجْلِسَ الْعَالِمِ إِذَا عَلِمَ بِأَهْلِ الْمَجْلِسِ حَاجَةً إِلَى مَسْأَلَةٍ لَا يَسْأَلُونَ عَنْهَا أَنْ يَسْأَلَ هُوَ عَنْهَا لِيَحْصُلَ الْجَوَابُ لِلْجَمِيعِ وَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَرْفُقَ بِالسَّائِلِ وَيُدْنِيَهُ مِنْهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ سُؤَالِهِ غَيْرَ هَائِبٍ وَلَا مُنْقَبِضٍ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلسَّائِلِ أَنْ يَرْفُقَ فِي سُؤَالِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيُّ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ) أَمَّا الْغُبَرِيُّ فَبِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي أول مقدمة الكتاب والجحدرى اسْمُهُ الْفُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَبَعْدَهَا حَاءٌ سَاكِنَةٌ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا بَيَانُهُ فِي المقدمة وعبدة بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفُصُولِ بَيَانُ عَبْدَةَ وَعُبَيْدَةَ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ هُوَ مَطَرُ بْنُ طَهْمَانَ أَبُو رَجَاءٍ الْخُرَسَانِيُّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ كَانَ يَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ فَقِيلَ لَهُ الْوَرَّاقُ قَوْلُهُ (فَحَجَجْنَا حِجَّةً) هِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ فَالْكَسْرُ هُوَ

الْمَسْمُوعُ مِنَ الْعَرَبِ وَالْفَتْحُ هُوَ الْقِيَاسُ كَالضَّرْبَةِ وَشِبْهِهَا كَذَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ قَوْلُهُ (عُثْمَانُ بن غياث) هو بالغين المعجمة وحجاج بْنُ الشَّاعِرِ هُوَ حَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ حَجَّاجٍ الثَّقَفِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ بَيَانُهُ وَاتِّفَاقُهُ مَعَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ الْوَالِي الظَّالِمِ الْمَعْرُوفِ وَافْتِرَاقُهُ وَفِي الاسناد يونس وقدم تَقَدَّمَ فِيهِ سِتُّ لُغَاتٍ ضَمُّ النُّونِ وَكَسْرِهَا وفتحها مع الهمز فيهن وتركه وفى الْإِسْنَادِ الْآخَرِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ واسمعيل بْنُ عُلَيَّةَ وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَبَيَانُ حَالِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَحَالِ أَخِيهِ عُثْمَانَ وَأَبِيهِمَا مُحَمَّدٍ وَجَدِّهِمَا أَبِي شَيْبَةَ إِبْرَاهِيمَ وَأَخِيهِمَا الْقَاسِمِ وَأَنَّ اسْمَ أَبِي بَكْرٍ عَبْدُ الله والله أعلم وفى هَذَا الْإِسْنَادُ أَبُو حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بن عمرو بن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ فَأَبُو حَيَّانَ بِالْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَاسْمُهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ التَّيْمِيُّ تَيْمُ الرَّبَابِ الْكُوفِيُّ وَأَمَّا أَبُو زُرْعَةَ فَاسْمُهُ هَرَمٌ وَقِيلَ

عَمْرُو بْنُ عَمْرٍو وَقِيلَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَارِزًا) أَيْ ظَاهِرًا وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ وَلَمَّا بَرَزُوا لجالوت قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَلِقَائِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الْآخِرِ) هُوَ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْإِيمَانِ بِلِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْبَعْثِ فَقِيلَ اللِّقَاءُ يَحْصُلُ بِالِانْتِقَالِ إِلَى دَارِ الْجَزَاءِ وَالْبَعْثُ بَعْدَهُ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ وَقِيلَ اللِّقَاءُ مَا يَكُونُ بَعْدَ الْبَعْثِ عِنْدَ الْحِسَابِ ثُمَّ لَيْسَ الْمُرَادُ بِاللِّقَاءِ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ أَحَدًا لَا يَقْطَعُ لِنَفْسِهِ بِرُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَدْرِي الْإِنْسَانُ بِمَاذَا يُخْتَمُ لَهُ وَأَمَّا وَصْفُ الْبَعْثِ بِالْآخِرِ فَقِيلَ هُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الْبَيَانِ وَالْإِيضَاحِ وَذَلِكَ لِشِدَّةِ الِاهْتِمَامِ بِهِ وَقِيلَ سَبَبُهُ أَنَّ خُرُوجَ الْإِنْسَانِ إِلَى الدُّنْيَا بَعْثٌ مِنَ الْأَرْحَامِ وَخُرُوجَهُ مِنَ الْقَبْرِ لِلْحَشْرِ بَعْثٌ مِنَ الْأَرْضِ فَقَيَّدَ الْبَعْثَ بِالْآخِرِ لِيَتَمَيَّزَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الاسلام أن تعبد الله لا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ إِلَى آخِرِهِ) أَمَّا الْعِبَادَةُ فَهِيَ الطَّاعَةُ مَعَ خُضُوعٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعِبَادَةِ هُنَا مَعْرِفَةُ اللَّهِ تعالى والاقرار بوحدانيته فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَطْفُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ عَلَيْهَا لِإِدْخَالِهَا فِي الْإِسْلَامِ فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ دَخَلَتْ فِي الْعِبَادَةِ وَعَلَى هَذَا إِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثِ لِكَوْنِهَا مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَأَظْهَرِ شَعَائِرِهِ وَالْبَاقِي مُلْحَقٌ بِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعِبَادَةِ الطَّاعَةُ مُطْلَقًا فَيَدْخُلُ جَمِيعُ وَظَائِفِ الْإِسْلَامِ فِيهَا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَطْفُ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ تَنْبِيهًا عَلَى شَرَفِهِ وَمَزِيَّتِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نوح وَنَظَائِرِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُشْرِكُ بِهِ فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ الْعِبَادَةِ لِأَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الصُّورَةِ وَيَعْبُدُونَ مَعَهُ أَوْثَانًا يَزْعُمُونَ أَنَّهَا شُرَكَاءُ فَنَفَى هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ

الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ) أَمَّا تَقْيِيدُ الصَّلَاةِ بِالْمَكْتُوبَةِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الصَّلَاةَ كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وَقَدْ جَاءَ فِي أَحَادِيثَ وَصْفُهَا بِالْمَكْتُوبَةِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَخَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ وَأَمَّا تَقْيِيدُ الزَّكَاةِ بِالْمَفْرُوضَةِ وَهِيَ الْمُقَدَّرَةُ فَقِيلَ احْتِرَازٌ مِنَ الزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ فَإِنَّهَا زَكَاةٌ وَلَيْسَتْ مَفْرُوضَةً وَقِيلَ إِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فِي التَّقْيِيدِ لِكَرَاهَةِ تَكْرِيرِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَقْيِيدُ الزَّكَاةِ بِالْمَفْرُوضَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ فَإِنَّهَا زَكَاةٌ لُغَوِيَّةٌ وَأَمَّا مَعْنَى إِقَامَةِ الصَّلَاةِ فَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إِدَامَتُهَا وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا وَالثَّانِي إِتْمَامُهَا عَلَى وَجْهِهَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ قُلْتُ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال اعْتَدِلُوا فِي الصُّفُوفِ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ إِقَامَتِهَا الْمَأْمُورِ بِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَهَذَا يُرَجِّحُ الْقَوْلَ الثَّانِيَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ فَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَذْهَبِ الْجَمَاهِيرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي قَوْلِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالشَّهْرِ خِلَافًا لِمَنْ كَرِهَهُ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُوَضَّحَةً بِدَلَائِلِهَا وَشَوَاهِدِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا) هِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَاحِدُهَا شَرَطٌ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالرَّاءِ وَالْأَشْرَاطُ الْعَلَامَاتُ وَقِيلَ مُقَدِّمَاتُهَا وَقِيلَ صِغَارُ أُمُورِهَا قَبْلَ تَمَامِهَا وَكُلُّهُ مُتَقَارِبٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا تَطَاوَلَ رِعَاءُ الْبَهْمِ) هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَهِيَ الصِّغَارُ مِنْ أَوْلَادِ الْغَنَمِ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ جَمِيعًا وَقِيلَ أَوْلَادُ الضَّأْنِ خَاصَّةً وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ وَالْوَاحِدَةُ بَهْمَةٌ قَالَ

الْجَوْهَرِيُّ وَهِيَ تَقَعُ عَلَى الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ وَالسِّخَالُ أَوْلَادُ الْمِعْزَى قَالَ فَإِذَا جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا قُلْتَ بِهَامٌ وَبَهْمٌ أَيْضًا وَقِيلَ إِنَّ الْبَهْمَ يَخْتَصُّ بِأَوْلَادِ الْمَعْزِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِقَوْلِهِ وَقَدْ يَخْتَصُّ بِالْمَعْزِ وَأَصْلُهُ كُلُّ مَا اسْتَبْهَمَ عَنِ الْكَلَامِ وَمِنْهُ الْبَهِيمَةُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ رِعَاءُ الْإِبِلِ الْبُهْمُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِهَا وَلَا وَجْهَ لَهُ مَعَ ذِكْرِ الْإِبِلِ قَالَ وَرُوِّينَاهُ بِرَفْعِ الْمِيمِ وَجَرِّهَا فَمَنْ رَفَعَ جَعَلَهُ صفة للرعاء أى انهم سود وقيل لاشىء لهم وقال الْخَطَّابِيُّ هُوَ جَمْعُ بَهِيمٍ وَهُوَ الْمَجْهُولُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ وَمِنْهُ أَبْهَمَ الْأَمْرَ وَمَنْ جَرَّ الْمِيمَ جَعَلَهُ صِفَةً لِلْإِبِلِ أَيِ السُّودِ لِرَدَاءَتِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (يَعْنِي السَّرَارِيَّ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ الْوَاحِدَةُ سُرِّيَّةٌ بالتشديد لا غير قال بن السِّكِّيتِ فِي إِصْلَاحِ الْمَنْطِقِ كُلُّ مَا كَانَ وَاحِدُهُ مُشَدَّدًا مِنْ هَذَا النَّوْعِ جَازَ فِي جَمْعِهِ التَّشْدِيدُ وَالتَّخْفِيفُ وَالسُّرِّيَّةُ الْجَارِيَةُ الْمُتَّخَذَةُ لِلْوَطْءِ مَأْخُوذَةٌ مِنَ السِّرِّ وَهُوَ النِّكَاحُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ السُّرِّيَّةُ فُعْلِيَّةٌ مِنَ السِّرِّ وَهُوَ النِّكَاحُ قَالَ وَكَانَ أَبُو الْهَيْثَمِ يَقُولُ السُّرُّ السُّرُورُ فَقِيلَ لَهَا سُرِّيَّةُ لِأَنَّهَا سُرُورُ مَالِكِهَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَهَذَا الْقَوْلُ أَحْسَنُ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ قَوْلُهُ [10] (عَنْ عمارة وهو بن الْقَعْقَاعِ) فَعُمَارَةُ بِالضَّمِّ وَالْقَعْقَاعُ بِفَتْحِ الْقَافِ الْأُولَى وقوله وهو بن قَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ فَائِدَتِهِ فِي الْفُصُولِ وَفِي الْمُقَدِّمَةِ وَأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الرِّوَايَةِ نَسَبُهُ فأراد

بَيَانَهُ بِحَيْثُ لَا يَزِيدُ فِي الرِّوَايَةِ عَلَى مَا سَمِعَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَلُونِي) هَذَا لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِلنَّهْيِ عَنْ سُؤَالِهِ فَإِنَّ هَذَا الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ فِيمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تعالى فاسألوا أهل الذكر قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا رَأَيْتَ الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الصُّمَّ الْبُكْمَ مُلُوكَ الْأَرْضِ فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا) الْمُرَادُ بِهِمُ الْجَهَلَةُ السَّفِلَةُ الرِّعَاعُ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ أَيْ لَمَّا لَمْ يَنْتَفِعُوا بِجَوَارِحِهِمْ هَذِهِ فَكَأَنَّهُمْ عَدِمُوهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَذَا جِبْرِيلُ أَرَادَ أَنْ تَعَلَّمُوا إِذْ لَمْ تَسْأَلُوا) ضَبَطْنَاهُ عَلَى وَجْهَيْنِ

(باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام فيه

أَحَدُهُمَا تَعَلَّمُوا بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ تَتَعَلَّمُوا وَالثَّانِي تَعْلَمُوا بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَهُمَا صَحِيحَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [11] (بَاب بَيَانِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فِيهِ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ اخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ قُتَيْبَةُ اسْمُهُ وَقِيلَ بَلْ هُوَ لَقَبٌ وَاسْمُهُ عَلِيٌّ قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ وَقِيلَ اسْمُهُ يحيى قاله بن عَدِيٍّ وَأَمَّا قَوْلُهُ الثَّقَفِيُّ فَهُوَ مَوْلَاهُمْ قِيلَ إِنَّ جَدَّهُ جَمِيلًا كَانَ مَوْلًى لِلْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ الثَّقَفِيِّ وَفِيهِ أَبُو سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي سُهَيْلٍ نَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْأَصْبَحِيُّ وَنَافِعٌ عَمُّ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ الْإِمَامِ وَهُوَ تَابِعِيٌّ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَوْلُهُ (رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرُ الرَّأْسِ) هُوَ بِرَفْعِ ثَائِرٍ صِفَةٌ لِرَجُلٍ وَقِيلَ يَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ وَمَعْنَى ثَائِرَ الرَّأْسِ قَائِمٌ شَعْرُهُ مُنْتَفِشُهُ وَقَوْلُهُ (نَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ) رُوِيَ نَسْمَعُ وَنَفْقَهُ بِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ فِيهِمَا وَرُوِيَ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ الْمَضْمُومَةِ فِيهِمَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَشْهَرُ الْأَكْثَرُ الْأَعْرَفُ وَأَمَّا دَوِيَّ صَوْتِهِ فَهُوَ بُعْدُهُ فِي الْهَوَاءِ وَمَعْنَاهُ شِدَّةُ صَوْتٍ لَا يُفْهَمُ وَهُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ فِيهِ ضَمَّ الدَّالِ أَيْضًا قَوْلُهُ (هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ) الْمَشْهُورُ فِيهِ تَطَّوَّعَ بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ عَلَى إِدْغَامِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ فِي الطَّاءِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ مُحْتَمِلٌ لِلتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ عَلَى الْحَذْفِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ)

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَمَعْنَاهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَكَ أَنْ تَطَّوَّعَ وَجَعَلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا واستدلوا به على أن مَنْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ نَفْلٍ أَوْ صَوْمِ نَفْلٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إِتْمَامُهُ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِتْمَامُ وَلَا يَجِبُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ) قِيلَ هَذَا الْفَلَاحُ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهُ لَا أَنْقُصُ خاصة والا ظهر أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الْمَجْمُوعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ كَانَ مُفْلِحًا لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ وَمَنْ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ فَهُوَ مُفْلِحٌ وَلَيْسَ فِي هَذَا أَنَّهُ إِذَا أَتَى بِزَائِدٍ لَا يَكُونُ مُفْلِحًا لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُعْرَفُ بِالضَّرُورَةِ فَإِنَّهُ إِذَا أَفْلَحَ بِالْوَاجِبِ فَلَأَنْ يُفْلِحَ بِالْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ أَوْلَى فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَالَ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَيْسَ فى هذا الحديث جميع الواجبات ولا االمنهيات الشَّرْعِيَّةِ وَلَا السُّنَنِ الْمَنْدُوبَاتِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ تُوَضِّحُ الْمَقْصُودَ قَالَ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ شَيْئًا فَعَلَى عُمُومِ قَوْلِهِ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَقَوْلِهِ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ يَزُولُ الْإِشْكَالُ فِي الْفَرَائِضِ وَأَمَّا النَّوَافِلُ فَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ شَرْعِهَا وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ لَا أَزِيدُ فِي الْفَرْضِ بِتَغْيِيرِ صِفَتِهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ لَا أُصَلِّي الظُّهْرَ خَمْسًا وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي النَّافِلَةَ مَعَ أَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِشَيْءٍ مِنَ الْفَرَائِضِ وَهَذَا مُفْلِحٌ بِلَا شَكٍّ وَإِنْ كَانَتْ مُوَاظَبَتُهُ عَلَى تَرْكِ السُّنَنِ مَذْمُومَةٌ وَتُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِعَاصٍ بَلْ هُوَ مُفْلِحٌ نَاجٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْحَجِّ وَلَا جَاءَ ذِكْرُهُ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَذَا غَيْرُ هَذَا مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَمْ يُذْكَرْ فِي بَعْضِهَا

الصَّوْمُ وَلَمْ يُذْكَرُ فِي بَعْضِهَا الزَّكَاةُ وَذُكِرَ فِي بَعْضِهَا صِلَةُ الرَّحِمِ وَفِي بَعْضِهَا أَدَاءُ الْخُمُسِ وَلَمْ يَقَعْ فِي بَعْضِهَا ذِكْرُ الْإِيمَانِ فَتَفَاوَتَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِي عَدَدِ خِصَالِ الْإِيمَانِ زِيَادَةً وَنَقْصًا وَإِثْبَاتًا وَحَذْفًا وَقَدْ أَجَابَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ عَنْهَا بِجَوَابٍ لَخَّصَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَّبَهُ فَقَالَ لَيْسَ هَذَا بِاخْتِلَافٍ صَادِرٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هُوَ مِنْ تَفَاوُتِ الرُّوَاةِ فِي الْحِفْظِ وَالضَّبْطِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَصَّرَ فَاقْتَصَرَ عَلَى مَا حَفِظَهُ فَأَدَّاهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا زَادَهُ غَيْرُهُ بنفى ولا اثبات وان كَانَ اقْتِصَارُهُ عَلَى ذَلِكَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ الْكُلُّ فَقَدْ بَانَ بِمَا أَتَى بِهِ غَيْرُهُ مِنَ الثِّقَاتِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِالْكُلِّ وَأَنَّ اقْتِصَارَهُ عَلَيْهِ كَانَ لِقُصُورِ حِفْظِهِ عَنْ تَمَامِهِ أَلَا تَرَى حَدِيثَ النُّعْمَانِ بْنِ قَوْقَلٍ الْآتِي قَرِيبًا اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي خِصَالِهِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مَعَ أَنَّ رَاوِيَ الْجَمِيعِ رَاوٍ وَاحِدٍ وَهُوَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ إِيرَادِ الْجَمِيعِ فِي الصَّحِيحِ لِمَا عُرِفَ فِي مَسْأَلَةِ زِيَادَةِ الثِّقَةِ مِنْ أَنَّا نَقْبَلُهَا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ وَهُوَ تَقْرِيرٌ حَسَنٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ) هَذَا مِمَّا جَرَتْ عَادَتُهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا عَنِ الْجَوَابِ عَنْهُ مَعَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَجَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَحَ وَأَبِيهِ لَيْسَ هُوَ حَلِفًا إِنَّمَا هُوَ كَلِمَةٌ جَرَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ أَنْ تُدْخِلَهَا فِي كَلَامِهَا غَيْرَ قَاصِدَةٍ بِهَا حَقِيقَةَ الْحَلِفِ وَالنَّهْيُ إِنَّمَا وَرَدَ فِيمَنْ قَصَدَ حَقِيقَةَ الْحَلِفِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِعْظَامِ الْمَحْلُوفِ بِهِ وَمُضَاهَاتِهِ بِهِ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الْمُرْضِي وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَبْلَ النَّهْيِ عَنِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي هِيَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الَّتِي أُطْلِقَتْ فِي بَاقِي الْأَحَادِيثِ هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَأَنَّهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ بِهَا وَقَوْلُنَا بِهَا احْتِرَازٌ مِنَ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فَإِنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ إِلَّا الصَّلَاةَ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا مِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَفِيهِ أَنَّ وُجُوبَ صَلَاةِ اللَّيْلِ مَنْسُوخٌ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ

(باب السؤال عن أركان الإسلام فيه حديث أنس رضي الله

الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي نَسْخِهِ فِي حَقِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَصَحُّ نَسْخُهُ وَفِيهِ أَنَّ صَلَاةَ الْوِتْرِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ أَيْضًا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَهَذَا مَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَطَائِفَةٌ إِلَى وُجُوبِ الْوِتْرِ وَذَهَبَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إِلَى أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ صَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَا غَيْرِهِ سِوَى رَمَضَانَ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ كَانَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ وَاجِبًا قَبْلَ إِيجَابِ رَمَضَانَ أَمْ كَانَ الْأَمْرُ بِهِ نَدْبًا وَهُمَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَظْهَرُهُمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَالثَّانِي كَانَ وَاجِبًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ عَلَى مَنْ مَلَكَ نِصَابًا وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [12] (باب السُّؤَالِ عَنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فِيهِ حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ فَيَسْأَلُهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَكَ قَالَ صَدَقَ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ) يَعْنِي سُؤَالَ مَا لَا ضَرُورَةَ إِلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ قَرِيبًا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ سلونى أى عما تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وَقَوْلُهُ (الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ) يَعْنِي مَنْ لَمْ يَكُنْ بَلَغَهُ النَّهْيُ عَنِ السؤال وقوله (العاقل) لكونه أَعْرَفَ بِكَيْفِيَّةِ السُّؤَالِ وَآدَابِهِ وَالْمُهِمِّ مِنْهُ وَحُسْنِ الْمُرَاجَعَةِ فَإِنَّ هَذِهِ أَسْبَابُ عِظَمِ الِانْتِفَاعِ بِالْجَوَابِ وَلِأَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ هُمُ الْأَعْرَابُ وَيَغْلِبُ فِيهِمُ الْجَهْلُ وَالْجَفَاءُ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مَنْ بَدَا جَفَا وَالْبَادِيَةُ وَالْبَدْوُ بِمَعْنًى وَهُوَ مَا عَدَا الْحَاضِرَةَ وَالْعُمْرَانَ وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهَا بَدْوِيٌّ وَالْبِدَاوَةُ الْإِقَامَةُ بِالْبَادِيَةِ وَهِيَ بِكَسْرِ الْبَاءِ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ هِيَ بِفَتْحِ الْبَاءِ قَالَ ثَعْلَبٌ لَا أَعْرِفُ الْبَدَاوَةَ بِالْفَتْحِ إِلَّا عَنْ أَبِي زَيْدٍ)

قَوْلُهُ (فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ لَعَلَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ مُخَاطَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاسْمِهِ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بينكم كدعاء بعضكم بعضا عَلَى أَحَدِ التَّفْسِيرَيْنِ أَيْ لَا تَقُولُوا يَا مُحَمَّدُ بَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ وَلَمْ تَبْلُغِ الْآيَةُ هَذَا الْقَائِلَ وَقَوْلُهُ (زَعَمَ رَسُولُكُ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَكَ قَالَ صَدَقَ) فَقَوْلُهُ زَعَمَ وَتَزْعُمُ مَعَ تَصْدِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ زَعَمَ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِالْكَذِبِ وَالْقَوْلِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ بَلْ يَكُونُ أَيْضًا فِي القول المحقق والصدق الذى لاشك فِيهِ وَقَدْ جَاءَ مِنْ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْأَحَادِيثِ وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ زَعَمَ جِبْرِيلُ كَذَا وَقَدْ أَكْثَرَ سِيبَوَيْهِ وَهُوَ إِمَامُ الْعَرَبِيَّةِ فِي كِتَابِهِ الَّذِي هُوَ إِمَامُ كُتُبِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ زَعَمَ الْخَلِيلُ زَعَمَ أَبُو الْخَطَّابِ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْقَوْلَ الْمُحَقَّقَ وَقَدْ نَقَلَ ذَلِكَ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ وَنَقَلَهُ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ فِي شَرْحِ الْفَصِيحِ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٍ عَنِ الْعُلَمَاءِ بِاللُّغَةِ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي جَاءَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ اسْمُهُ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ كَذَا جَاءَ مُسَمًّى فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (قَالَ فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ قَالَ اللَّهُ قَالَ فَمَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ قَالَ اللَّهُ قَالَ فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ قَالَ اللَّهُ قَالَ فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَخَلَقَ الْأَرْضَ وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا قَالَ صَدَقَ قَالَ فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ) هَذِهِ جُمْلَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْعِلْمِ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ هَذَا مِنْ حُسْنِ سُؤَالِ هَذَا الرَّجُلِ وَمَلَاحَةِ

سياقته وترتيبه فَإِنَّهُ سَأَلَ أَوَّلًا عَنْ صَانِعِ الْمَخْلُوقَاتِ مَنْ هُوَ ثُمَّ أَقْسَمَ عَلَيْهِ بِهِ أَنْ يَصْدُقَهُ فِي كَوْنِهِ رَسُولًا لِلصَّانِعِ ثُمَّ لَمَّا وَقَفَ عَلَى رِسَالَتِهِ وَعِلْمِهَا أَقْسَمَ عَلَيْهِ بِحَقِّ مُرْسِلِهِ وَهَذَا تَرْتِيبٌ يَفْتَقِرُ إِلَى عَقْلٍ رَصِينٍ ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْأَيْمَانَ جَرَتْ لِلتَّأْكِيدِ وَتَقْرِيرِ الْأَمْرِ لَا لِافْتِقَارِهِ إِلَيْهَا كَمَا أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَمْ يَأْتِ إِلَّا بَعْدَ إِسْلَامِهِ وَإِنَّمَا جَاءَ مُسْتَثْبِتًا وَمُشَافِهًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جُمَلٌ مِنَ الْعِلْمِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ مُتَكَرِّرَةٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا وَأَنَّ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ يَجِبُ فِي كُلِّ سَنَةٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِصِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَئِمَّةُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّ الْعَوَامَّ الْمُقَلِّدِينَ مُؤْمِنُونَ وَأَنَّهُ يُكْتَفَى مِنْهُمْ بِمُجَرَّدِ اعْتِقَادِ الْحَقِّ جَزْمًا مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَتَزَلْزُلٍ خِلَافًا لِمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قرر ضماما عَلَى مَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي تَعَرُّفِ رِسَالَتِهِ وَصِدْقِهِ وَمُجَرَّدِ إِخْبَارِهِ إِيَّاهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَا قَالَ يَجِبُ عَلَيْكَ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ فِي مُعْجِزَاتِي وَالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة (وأن من تمسك

[13] (باب بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة (وَأَنَّ مَنْ تَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ) فِيهِ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَمَّا حَدِيثَا أَبِي أَيُّوبٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُمَا أَيْضًا الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَانْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ أَمَّا أَلْفَاظُ الْبَابِ فَأَبُو أَيُّوبَ اسْمُهُ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ نَحْوِ ثَلَاثِينَ قَوْلًا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ بِزِيَادَاتٍ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ قَوْلُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ثنا أَبِي ثنا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ ثنا مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ وَفِي الطَّرِيقِ الْآخَرِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ قَالَا ثنا بَهْزٌ قَالَ ثنا شُعْبَةُ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ وَأَبُوهُ عُثْمَانُ أَنَّهُمَا سَمِعَا مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ وَفِي الثَّانِي مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ وَهْمٌ وَغَلَطٌ مِنْ شُعْبَةَ وَأَنَّ صَوَابَهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ كَمَا فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ قَالَ الْكَلَابَاذِيُّ وَجَمَاعَاتٌ لَا يُحْصَوْنَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ هَذَا وَهْمٌ مِنْ شُعْبَةَ فَإِنَّهُ كَانَ يُسَمِّيهِ مُحَمَّدًا وَإِنَّمَا هُوَ عَمْرٌو وَكَذَا وَقَعَ عَلَى الْوَهْمِ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ فِي كتاب الزكاة من البخارى والله أعلم وموهب بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ (أَنَّ أَعْرَابِيًّا) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ الْبَدْوِيُّ أَيِ الَّذِي يَسْكُنُ الْبَادِيَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا بَيَانُهَا قَوْلُهُ (فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ أَوْ بِزِمَامِهَا) هُمَا بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالزَّايِ قَالَ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْخِطَامُ هُوَ الَّذِي يُخْطَمُ بِهِ الْبَعِيرُ وَهُوَ أَنْ يُؤْخَذَ حَبْلٌ مِنْ لِيفٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ كَتَّانٍ فَيُجْعَلَ فِي أَحَدِ طَرَفَيْهِ حَلْقَةٌ يُسْلَكُ فِيهَا الطَّرَفُ الْآخَرُ حَتَّى يَصِيرَ كَالْحَلْقَةِ ثُمَّ يُقَلَّدُ الْبَعِيرُ ثُمَّ يُثْنَى عَلَى مِخْطَمِهِ فَإِذَا ضُفِّرَ مِنَ الْأَدَمِ فَهُوَ جَرِيرٌ فَأَمَّا الَّذِي يُجْعَلُ فِي الْأَنْفِ دَقِيقًا فَهُوَ الزِّمَامُ هَذَا)

كَلَامُ الْهَرَوِيِّ عَنِ الْأَزْهَرِيِّ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ الزمام للابل ما تشد به رؤسها مِنْ حَبْلٍ وَسَيْرٍ وَنَحْوِهِ لِتُقَادَ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَقَدْ وُفِّقَ هَذَا) قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُتَكَلِّمُونَ التَّوْفِيقُ خَلْقُ قُدْرَةِ الطَّاعَةِ وَالْخِذْلَانِ خَلْقُ قُدْرَةِ الْمَعْصِيَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ حِكْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْمُرَادِ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَسَبَبُ تَسْمِيَتِهَا مَكْتُوبَةً وَتَسْمِيَةِ الزَّكَاةِ مفروضة وبيان قوله لاأزيد وَلَا أَنْقُصُ وَبَيَانُ اسْمِ أَبِي زُرْعَةَ الرَّاوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَّهُ هَرَمٌ وَقِيلَ عَمْرٌو وَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ عُبَيْدُ اللَّهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَتَصِلُ الرَّحِمَ) أَيْ تُحْسِنُ إِلَى أَقَارِبِكَ ذَوِي رَحِمِكَ بِمَا تَيَسَّرَ عَلَى حَسَبِ حَالِكَ وَحَالِهِمْ مِنْ إِنْفَاقٍ أَوْ سَلَامٍ أَوْ زِيَادَةٍ أَوْ طَاعَتِهِمْ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَتَصِلُ ذَا رَحِمِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ جَوَازِ إِضَافَةِ ذِي إِلَى الْمُفْرَدَاتِ فِي آخِرِ الْمُقَدِّمَةِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دَعِ النَّاقَةَ) إِنَّمَا قَالَهُ لِأَنَّهُ كَانَ مُمْسِكًا بِخِطَامِهَا أَوْ زِمَامِهَا لِيَتَمَكَّنَ مِنْ سُؤَالِهِ بِلَا مَشَقَّةً فَلَمَّا حَصَلَ جَوَابُهُ قَالَ دَعْهَا قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إسحاق

قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ اسْمَيْهِمَا فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ فأبو الاحوص سلام بالتشديد بن سُلَيْمٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّبِيعِيُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنْ تَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ) كَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ الْمُحَقَّقَةِ وَكَذَا ضَبَطْنَاهُ أمر بضم الهمزة وكسر الميم وبه بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ مَبْنِيٌّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَضَبَطَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَامِرٍ الْعَبْدَرِيُّ أَمَرْتُهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ الَّتِي هِيَ ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا ذِكْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِلَةَ الرَّحِمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَذِكْرُ الْأَوْعِيَةِ فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِمَا فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ذَلِكَ بِحَسْبِ مَا يَخُصُّ السَّائِلَ وَيَعْنِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم [14] (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا) فَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّهُ يُوفِي بِمَا الْتَزَمَ وَأَنَّهُ يَدُومُ عَلَى ذَلِكَ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ [15] وَأَمَّا قَوْلُ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ) فَهَذَا إِسْنَادٌ كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ إِلَّا جَابِرًا وَأَبَا سُفْيَانَ فَإِنَّ جَابِرًا مَدَنِيٌّ وَأَبَا سُفْيَانَ وَاسِطِيٌّ ويقال

مَكِّيٌّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ اسْمَ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ أَبُو شَيْبَةَ وَأَمَّا أَبُو كُرَيْبٍ فَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ باسكان الميم وبالدال المهملة وأبو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْأَعْمَشُ سليمان بن مهران أبو محمد وأبو سُفْيَانَ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي سِينِ سُفْيَانَ ثَلَاثَ لُغَاتٍ الضَّمُّ وَالْكَسْرُ وَالْفَتْحُ وَقَوْلُ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَعَ أَنَّ الْأَعْمَشَ مُدَلِّسٌ وَالْمُدَلِّسُ إِذَا قَالَ عَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إلا أن يَثْبُتَ سَمَاعُهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ وَفِي شَرْحِ الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ مَا كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْمُدَلِّسِينَ بِعَنْ فَمَحْمُولٌ عَلَى ثُبُوتِ سَمَاعِهِمْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَتَى النُّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الْمَكْتُوبَةَ وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ وَأَحْلَلْتُ الْحَلَالَ أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ) أَمَّا قَوْقَلٌ فَبِقَافَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنهمَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرَهُ لَامٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَحَرَّمْتَ الْحَرَامَ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَمْرَيْنِ أَنْ يَعْتَقِدَهُ حَرَامًا وَأَنْ لَا يَفْعَلَهُ بِخِلَافِ تَحْلِيلِ الْحَلَالِ فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ اعْتِقَادِهِ حَلَالًا قَوْلُهُ (عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ) تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ أَنَّ اسْمَ أَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانُ (قول الحسن بن أعين ثنا معقل وهو بن عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) أَمَّا أَعْيَنُ فهو

(باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام قال مسلم

بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ نُونٌ وَهُوَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَعْيَنَ الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عَلِيٍّ الْحَرَّانِيُّ وَالْأَعْيَنُ مَنْ فِي عَيْنَيْهِ سَعَةٌ وَأَمَّا مَعْقِلٌ فَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَأَمَّا أَبُو الزُّبَيْرِ فَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقُ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مضمومة ثم سين مهملة وقوله وهو بن عُبَيْدِ اللَّهِ قَدْ تَقَدَّمَ مَرَّاتٍ بَيَانُ فَائِدَتِهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الرِّوَايَةِ لَفْظَةُ بن عُبَيْدِ اللَّهِ فَأَرَادَ إِيضَاحَهُ بِحَيْثُ لَا يَزِيدُ فِي الرِّوَايَةِ [16] (باب بَيَانِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَدَعَائِمِهِ الْعِظَامِ قَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ ثنا أَبُو خَالِدٍ يَعْنِي سُلَيْمَانَ بْنِ حَيَّانَ الْأَحْمَرَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ عبيدة عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسَةٍ عَلَى أَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ وَإِقَامِ الصَّلَاةَ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصِيَامِ رَمَضَانَ وَالْحَجِّ فَقَالَ رَجُلٌ الْحَجِّ وَصِيَامِ رَمَضَانَ فَقَالَ لَا صِيَامِ رَمَضَانَ وَالْحَجِّ هَكَذَا سَمِعْتُهُ مِنْ)

رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ عَلَى أَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وَيُكْفَرَ بِمَا دُونَهُ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شهادة أن لا إله إلا الله وأن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَفِي الرِّوَايَةِ الرَّابِعَةِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَلَا تَغْزُو فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ان الاسلام بنى عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وَحَجِّ الْبَيْتِ) أَمَّا الْإِسْنَادُ الْأَوَّلُ الْمَذْكُورُ هُنَا فَكُلُّهُ كُوفِيُّونَ إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَإِنَّهُ مَكِّيٌّ مَدَنِيٌّ وَأَمَّا الْهَمْدَانِيُّ فَبِإِسْكَانِ الْمِيمِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَضُبِطَ هَذَا لِلِاحْتِيَاطِ وَإِكْمَالِ الْإِيضَاحِ وَإِلَّا فَهُوَ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ وَأَيْضًا فَقَدْ قَدَّمْتُ فِي آخِرِ الْفُصُولِ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فَهُوَ هَمْدَانِيٌّ بِالْإِسْكَانِ وَالْمُهْمَلَةِ وَأَمَّا حَيَّانُ فَبِالْمُثَنَّاةِ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي الْفُصُولِ بَيَانُ ضَبْطِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَأَمَّا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ فَهُوَ سَعْدُ

بْنُ طَارِقٍ الْمُسَمَّى فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ وَأَمَّا ضَبْطُ أَلْفَاظِ الْمَتْنِ فَوَقَعَ فِي الْأُصُولِ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسَةٍ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ بِالْهَاءِ فِيهَا وَفِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ خَمْسٍ بِلَا هَاءٍ وَفِي بَعْضِ الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي الرَّابِعِ بِلَا هَاءٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْمُرَادُ بِرِوَايَةِ الْهَاءِ خَمْسَةُ أَرْكَانٍ أَوْ أَشْيَاءَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَبِرِوَايَةِ حَذْفِ الْهَاءِ خَمْسُ خِصَالٍ أَوْ دَعَائِمَ أَوْ قَوَاعِدَ أَوْ نَحْو ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْحَجِّ وَتَأْخِيرُهُ فَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَالرَّابِعَةِ تَقْدِيمُ الصِّيَامِ وَفِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ تَقْدِيمُ الْحَجِّ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي انكار بن عُمَرَ عَلَى الرَّجُلِ الَّذِي قَدَّمَ الْحَجَّ مَعَ أن بن عُمَرَ رَوَاهُ كَذَلِكَ كَمَا وَقَعَ فِي الطَّرِيقَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَالْأَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ بن عُمَرَ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِتَقْدِيمِ الْحَجِّ وَمَرَّةً بِتَقْدِيمِ الصَّوْمِ فَرَوَاهُ أَيْضًا عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ فَلَمَّا رَدَّ عَلَيْهِ الرَّجُلُ وَقَدَّمَ الْحَجَّ قَالَ بن عُمَرَ لَا تَرُدَّ عَلَى مَا لَا عِلْمَ لَكَ بِهِ وَلَا تَعْتَرِضْ بِمَا لَا تَعْرِفُهُ وَلَا تَقْدَحُ فِيمَا لَا تَتَحَقَّقُهُ بَلْ هُوَ بِتَقْدِيمِ الصَّوْمِ هَكَذَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ فِي هَذَا نَفْيٌ لِسَمَاعِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ بن عُمَرَ كَانَ سَمِعَهُ مَرَّتَيْنِ بِالْوَجْهَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ لَمَّا رَدَّ عَلَيْهِ الرَّجُلُ نَسِيَ الْوَجْهَ الَّذِي رَدَّهُ فَأَنْكَرَهُ فَهَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ هُمَا الْمُخْتَارَانِ فِي هَذَا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى محافظة بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَى مَا سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَهْيُهُ عَنْ عَكْسِهِ تَصْلُحُ حُجَّةً لِكَوْنِ الْوَاوِ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَهُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيِّينَ وَشُذُوذٍ مِنَ النَّحْوِيِّينَ وَمَنْ قَالَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ بَلْ لِأَنَّ فَرْضَ صَوْمِ رَمَضَانَ نَزَلَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَنَزَلَتْ فَرِيضَةُ الْحَجِّ سَنَةَ سِتٍّ وَقِيلَ سَنَةَ تِسْعٍ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَمِنْ حَقِّ الْأَوَّلِ أَنْ يُقَدَّمَ فى الذكر على الثانى فمحافظة بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِهَذَا وَأَمَّا رِوَايَةُ تَقْدِيمِ الْحَجِّ فَكَأَنَّهُ وَقَعَ مِمَّنْ كَانَ يَرَى الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى وَيَرَى أَنَّ تَأْخِيرَ الْأَوَّلِ أَوِ الْأَهَمِّ فِي الذِّكْرِ شَائِعٌ فِي اللِّسَانِ فَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ لِذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يسمع نهى بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ ذَلِكَ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنَ الْمُشْكِلِ الَّذِي لَمْ أَرَهُمْ بَيَّنُوهُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ قَدْ ثَبَتَتَا فِي الصَّحِيحِ وَهُمَا صَحِيحَتَانِ فِي الْمَعْنَى لَا تَنَافِيَ بَيْنهمَا كَمَا قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ فَلَا يَجُوزُ إِبْطَالُ إِحْدَاهُمَا الثَّانِي أَنَّ فَتْحَ بَابِ احْتِمَالِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي مِثْلِ هَذَا قَدْحٌ فِي الرُّوَاةِ وَالرِّوَايَاتِ فَإِنَّهُ لَوْ فُتِحَ ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ لنا

(باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله

وَثِيقٌ بِشَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ إِلَّا الْقَلِيلَ وَلَا يَخْفَى بُطْلَانُ هَذَا وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَفَاسِدِ وَتَعَلُّقِ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ مِمَّنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ الْإِسْفَرَايِنِيِّ فِي كتابه المخرج على صحيح مسلم وشرطه عَكْسَ مَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِ الرَّجُلِ لِابْنِ عُمَرَ قَدَّمَ الْحَجَّ فَوَقَعَ فِيهِ أن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لِلرَّجُلِ اجْعَلْ صِيَامَ رَمَضَانَ آخِرَهُنَّ كَمَا سَمِعْتُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ لايقاوم هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ قُلْتُ وَهَذَا مُحْتَمَلٌ أَيْضًا صِحَّتُهُ وَيَكُونُ قَدْ جَرَتِ الْقَضِيَّةُ مَرَّتَيْنِ لِرَجُلَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا اقْتِصَارُهُ فِي الرِّوَايَةِ الرَّابِعَةِ عَلَى إِحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ فَهُوَ إِمَّا تَقْصِيرٌ مِنَ الرَّاوِي فِي حَذْفِ الشَّهَادَةِ الْأُخْرَى التى أثبتها غيره من الحفاظ واما أَنْ يَكُونَ وَقَعَتِ الرِّوَايَةُ مِنْ أَصْلِهَا هَكَذَا وَيَكُونَ مِنَ الْحَذْفِ لِلِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِ الْقَرِينَتَيْنِ وَدَلَالَتِهِ عَلَى الْآخَرِ الْمَحْذُوفِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَفَتْحِ الْحَاءِ مَبْنِيٌّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ أَمَّا اسم الرجل الذى رد عليه بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَقْدِيمَ الْحَجِّ فَهُوَ يَزِيدُ بْنُ بِشْرٍ السَّكْسَكِيُّ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَسْمَاءُ الْمُبْهَمَةُ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَلَا تَغْزُو فَهُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ لِلْخِطَابِ وَيَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ تَغْزُوا بِالْأَلِفِ وَبِحَذْفِهَا فَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْكُتَّابِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالثَّانِي قول بعض المتأخرين وهو الأصح حكاهما بن قتيبة فى أدب الكاتب وأما جواب بن عُمَرَ لَهُ بِحَدِيثِ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ الْغَزْوُ بِلَازِمٍ عَلَى الْأَعْيَانِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ بُنِيَ عَلَى خَمْسٍ لَيْسَ الْغَزْوُ مِنْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي مَعْرِفَةِ الدِّينِ وَعَلَيْهِ اعْتِمَادُهُ وَقَدْ جَمَعَ أَرْكَانَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [17] (بَابُ الْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَائِعِ الدِّينِ وَالدُّعَاءِ إِلَيْهِ وَالسُّؤَالِ عَنْهُ وَحِفْظِهِ وَتَبْلِيغِهِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ هَذَا الباب فيه حديث بن عَبَّاسٍ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنهم فأما حديث بن عَبَّاسٍ فَفِي الْبُخَارِيِّ أَيْضًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَفِي مُسْلِمٍ خَاصَّةً قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى (حَدَّثَنَا حَمَّادُ)

بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ أَبِي جمرة عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) قَدْ يَتَوَهَّمُ مَنْ لَا يُعَانِي هَذَا الْفَنَّ أَنَّ هَذَا تَطْوِيلٌ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ وَأَنَّهُ خِلَافَ عَادَتِهِ وَعَادَةِ الْحُفَّاظِ فَإِنَّ عَادَتَهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَقُولُوا عَنْ حَمَّادٍ وَعَبَّادٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عن بن عَبَّاسٍ وَهَذَا التَّوَهُّمُ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ غَبَاوَةِ صَاحِبِهِ وَعَدَمِ مُؤَانَسَتِهِ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْفَنِّ فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَفْعَلُونَهُ فِيمَا اسْتَوَى فِيهِ لَفْظُ الرُّوَاةِ وَهُنَا اخْتَلَفَ لَفْظُهُمْ فَفِي رِوَايَةِ حماد عن أبى جمرة سمعت بن عَبَّاسٍ وَفِي رِوَايَةِ عَبَّادٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عن بن عَبَّاسٍ وَهَذَا التَّنْبِيهُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُتَفَطَّنَ لِمِثْلِهِ وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَى مِثْلِهِ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَنَبَّهْتُ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي الْفُصُولِ وَسَأُنَبِّهُ عَلَى مَوَاضِعَ مِنْهُ أَيْضًا مُفَرَّقَةٍ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَقْصُودُ أَنْ تَعْرِفَ هَذِهِ الدَّقِيقَةَ وَيَتَيَقَّظُ الطَّالِبُ لِمَا جَاءَ مِنْهَا فَيَعْرِفَهُ وَإِنْ لَمْ أَنُصَّ عَلَيْهِ اتِّكَالًا عَلَى فَهْمِهِ بِمَا تَكَرَّرَ التَّنْبِيهُ بِهِ وَلِيُسْتَدَلَّ أَيْضًا بِذَلِكَ عَلَى عِظَمِ إِتْقَانِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَلَالَتِهِ وَوَرَعِهِ وَدِقَّةِ نَظَرِهِ وَحِذْقِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَبُو جَمْرَةَ وَهُوَ بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ وَاسْمُهُ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ عصام وقيل بن عَاصِمٍ الضُّبَعِيُّ بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ الْبَصْرِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْمُوَطَّأِ أَبُو جَمْرَةَ وَلَا جَمْرَةَ بِالْجِيمِ إِلَّا هُوَ قُلْتُ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ شيخ الحاكم أبى عبد الله فى كتاب الْأَسْمَاءُ وَالْكُنَى أَبَا جَمْرَةَ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ هَذَا فِي الْأَفْرَادِ فَلَيْسَ عِنْدَهُ فِي الْمُحَدِّثِينَ مَنْ يُكْنَى أَبَا جَمْرَةَ بِالْجِيمِ سِوَاهُ وَيَرْوِي عن بن عَبَّاسٍ حَدِيثًا وَاحِدًا ذَكَرَ فِيهِ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَإِرْسَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إليه بن عَبَّاسٍ وَتَأَخُّرَهُ وَاعْتِذَارَهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ فِي كِتَابِهِ عُلُومُ الْحَدِيثِ وَالْقِطْعَةُ الَّتِي شَرَحَهَا فِي أَوَّلِ مُسْلِمٍ عَنْ بَعْضِ الْحُفَّاظِ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ شُعْبَةَ بْنَ الْحَجَّاجِ رَوَى عَنْ سَبْعَةِ رجال يروون كلهم عن بن عَبَّاسٍ كُلُّهُمْ يُقَالُ لَهُ أَبُو حَمْزَةَ بِالْحَاءِ والزاى الاأبا جَمْرَةَ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ فَبِالْجِيمِ وَالرَّاءِ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنهمْ يُدْرَكُ بِأَنَّ شُعْبَةَ إِذَا أَطْلَقَ وقال عن أبى جمرة عن بن عَبَّاسٍ فَهُوَ بِالْجِيمِ وَهُوَ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ واذا روى

عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ بِالْحَاءِ وَالزَّايِ فَهُوَ يَذْكُرُ اسْمَهُ أَوْ نَسَبَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ الْوَفْدُ الْجَمَاعَةُ الْمُخْتَارَةُ مِنَ الْقَوْمِ لِيَتَقَدَّمُوهُمْ فِي لُقِيِّ الْعُظَمَاءِ وَالْمَصِيرِ إِلَيْهِمْ فِي الْمُهِمَّاتِ وَاحِدُهُمْ وَافِدٌ قَالَ وَوَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ هَؤُلَاءِ تَقَدَّمُوا قَبَائِلَ عَبْدِ الْقَيْسِ لِلْمُهَاجَرَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَاكِبًا الْأَشَجُّ الْعَصْرِيُّ رَئِيسُهُمْ وَمَزِيدَةُ بْنُ مَالِكٍ الْمُحَارِبِيُّ وَعُبَيْدَةُ بْنُ هَمَّامٍ الْمُحَارِبِيُّ وَصَحَّارُ بْنُ العباس المرى وعمرو بن مرحوم الْعَصْرِيُّ وَالْحَارِثُ بْنُ شُعَيْبٍ الْعَصْرِيُّ وَالْحَارِثُ بْنُ جُنْدُبٍ مِنْ بَنِي عَايِشٍ وَلَمْ نَعْثُرْ بَعْدَ طُولِ التَّتَبُّعِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ قَالَ وَكَانَ سَبَبُ وُفُودِهِمْ أَنَّ مُنْقِذَ بْنَ حَيَّانَ أَحَدُ بَنِي غَنْمِ بْنِ وَدِيعَةَ كَانَ مَتْجَرُهُ إِلَى يَثْرِبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَشَخَصَ إِلَى يَثْرِبَ بِمَلَاحِفَ وَتَمْرٍ مِنْ هَجَرَ بَعْدَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا مُنْقِذُ بْنُ حَيَّانَ قَاعِدٌ إِذْ مَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَضَ مُنْقِذٌ إِلَيْهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمُنْقِذُ بْنُ حَيَّانَ كَيْفَ جَمِيعُ هَيْئَتِكَ وَقَوْمِكَ ثُمَّ سأله عن أشرافهم رجل رجل يسميهم بأسمائهم فَأَسْلَمَ مُنْقِذٌ وَتَعَلَّمَ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ثُمَّ رَحَلَ قِبَلَ هَجَرَ فَكَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ إِلَى جَمَاعَةِ عَبْدِ الْقَيْسِ كِتَابًا فَذَهَبَ بِهِ وَكَتَمَهُ أَيَّامًا ثُمَّ اطَّلَعَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَهِيَ بِنْتُ الْمُنْذِرِ بن عائذ بالذال المعجمة بن الحارث وَالْمُنْذِرُ هُوَ الْأَشَجُّ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ لِأَثَرٍ كَانَ فِي وَجْهِهِ وَكَانَ مُنْقِذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُصَلِّي وَيَقْرَأُ فَنَكِرَتِ امْرَأَتُهُ ذَلِكَ فَذَكَرَتْهُ لِأَبِيهَا الْمُنْذِرِ فَقَالَتْ أَنْكَرْتُ بَعْلِي مُنْذُ قَدِمَ مِنْ يَثْرِبَ إِنَّهُ يَغْسِلُ أَطْرَافَهُ وَيَسْتَقْبِلُ الْجِهَةَ تَعْنِي الْقِبْلَةَ فَيَحْنِي ظَهْرَهُ مَرَّةً وَيَضَعُ جَبِينَهُ مَرَّةً ذَلِكَ دَيْدَنُهُ مُنْذُ قَدِمَ فَتَلَاقَيَا فَتَجَارَيَا ذَلِكَ فَوَقَعَ الْإِسْلَامُ فِي قَلْبِهِ ثُمَّ ثَارَ الْأَشَجُّ إِلَى قَوْمِهِ عَصَرٍ وَمُحَارِبٍ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ فَوَقَعَ الْإِسْلَامُ فِي قُلُوبِهِمْ وَأَجْمَعُوا عَلَى السَّيْرِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَارَ الْوَفْدُ فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجُلَسَائِهِ أَتَاكُمْ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ خَيْرُ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَفِيهِمُ الْأَشَجُّ الْعَصَرِيُّ غَيْرَ نَاكِثِينَ وَلَا مُبَدِّلِينَ وَلَا مُرْتَابِينَ إِذْ لَمْ يُسْلِمْ قَوْمٌ حَتَّى وُتِرُوا قَالَ وَقَوْلُهُمْ (إِنَّا هَذَا الْحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ) لِأَنَّهُ عَبْدُ الْقَيْسِ بْنُ أَفْصَى يَعْنِي بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِالْفَاءِ والصاد المهملة المفتوحة بن دَعْمِيِّ بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ

بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ وَكَانُوا يَنْزِلُونَ الْبَحْرَيْنَ الخط وأعنابها وسرة القطيف والسفار والظهران إلى لرمل إِلَى الْأَجْرَعِ مَا بَيْنَ هَجَرَ إِلَى قَصْرِ وَبَيْنُونَةَ ثُمَّ الْجَوْفَ وَالْعُيُونَ وَالْأَحْسَاءَ إِلَى حَدِّ أطراف الدهنا وَسَائِرِ بِلَادِهَا هَذَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ قَوْلُهُمْ إِنَّا هَذَا الْحَيَّ فَالْحَيُّ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّخْصِيصِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ الَّذِي نَخْتَارُهُ نَصْبُ الْحَيِّ عَلَى التَّخْصِيصِ وَيَكُونُ الْخَبَرُ فِي قَوْلِهِمْ مِنْ رَبِيعَةَ وَمَعْنَاهُ إِنَّا هَذَا الْحَيُّ حَيٌّ مِنْ رَبِيعَةَ وَقَدْ جَاءَ بَعْدَ هَذَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِنَّا حَيٌّ مِنْ رَبِيعَةَ وَأَمَّا مَعْنَى الْحَيِّ فَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ الْحَيُّ اسْمٌ لِمَنْزِلِ الْقَبِيلَةِ ثُمَّ سُمِّيَتِ الْقَبِيلَةُ بِهِ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَحْيَا بِبَعْضٍ قَوْلُهُمْ (وَقَدْ حَالَتْ بَيْننَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ) سَبَبُهُ أَنَّ كُفَّارَ مُضَرَ كَانُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ فَلَا يُمْكِنُهُمُ الْوُصُولُ إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَّا عَلَيْهِمْ قَوْلُهُمْ (وَلَا نَخْلُصُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي شَهْرِ الْحَرَامِ) مَعْنَى نَخْلُصُ نَصِلُ وَمَعْنَى كَلَامِهِمْ أَنَّا لَا نَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْكَ خَوْفًا مِنْ أَعْدَائِنَا الْكُفَّارِ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَعَرَّضُونَ لَنَا كَمَا كَانَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ من تعظيم الاشهر الحرم وَامْتِنَاعِهِمْ مِنَ الْقِتَالِ فِيهَا وَقَوْلُهُمْ شَهْرُ الْحَرَامِ كَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ كُلِّهَا بِإِضَافَةِ شَهْرٍ إِلَى الْحَرَامِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَشْهُرُ الْحُرُمُ وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي نَظَائِرِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ مَسْجِدُ الْجَامِعِ وَصَلَاةُ الْأُولَى وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تعالى بجانب الغربى ولدار الآخرة فَعَلَى مَذْهَبِ النَّحْوِيِّينَ الْكُوفِيِّينَ هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ وَعَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ لَا تَجُوزُ هَذِهِ الْإِضَافَةُ وَلَكِنَّ هَذَا كُلَّهُ عِنْدَهُمْ عَلَى حَذْفٍ فِي الْكَلَامِ لِلْعِلْمِ بِهِ فَتَقْدِيرُهُ شَهْرُ الْوَقْتِ الْحَرَامِ وَأَشْهُرُ الْأَوْقَاتِ الْحُرُمِ وَمَسْجِدُ الْمَكَانِ الْجَامِعِ وَدَارُ الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ وَجَانِبُ الْمَكَانِ الْغَرْبِيِّ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إِنَّ قَوْلَهُمْ شَهْرُ الْحَرَامِ الْمُرَادُ بِهِ جِنْسُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ حُرُمٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ وَتَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى بَعْدَ هَذِهِ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحُرُمِ وَالْأَشْهُرُ الْحُرُمُ هِيَ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ هِيَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ الْفُنُونِ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي الْأَدَبِ الْمُسْتَحْسَنِ فِي كَيْفِيَّةِ عَدِّهَا عَلَى قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ فِي كِتَابِهِ صِنَاعَةُ الْكُتَّابِ قَالَ ذَهَبَ الْكُوفِيّونَ إِلَى أَنَّهُ يُقَالُ الْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ قَالَ وَالْكُتَّابُ يَمِيلُونَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ لِيَأْتُوا

بِهِنَّ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ وقوم ينكرون هذا ويقولون جاؤوا بِهِنَّ مِنْ سَنَتَيْنِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهَذَا غَلَطٌ بَيِّنٌ وَجَهْلٌ بِاللُّغَةِ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ الْمُرَادُ وَأَنَّ الْمَقْصُودَ ذِكْرُهَا وَأَنَّهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا مِنْ سَنَتَيْنِ قَالَ وَالْأَوْلَى وَالِاخْتِيَارُ مَا قَالَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ قَدْ تَظَاهَرَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالُوا مِنْ رِوَايَةِ بن عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ وَهَذَا أَيْضًا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ قَالَ النَّحَّاسُ وَأُدْخِلَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْمُحَرَّمِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ قَالَ وَجَاءَ مِنَ الشُّهُورِ ثَلَاثَةُ مُضَافَاتٍ شَهْرُ رَمَضَانَ وَشَهْرَا رَبِيعٍ يَعْنِي وَالْبَاقِي غَيْرُ مُضَافَاتٍ وَسُمِّيَ الشَّهْرُ شَهْرًا لِشُهْرَتِهِ وَظُهُورِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (آمركم بأربع وأنها كم عَنْ أَرْبَعٍ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ ثُمَّ فَسَّرَهَا لَهُمْ فقال شهادة أن لا اله الاالله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ وَفِي رواية شهادة أن لا اله الاالله وَعَقَدَ وَاحِدَةً) وَفِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى قَالَ وَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ قَالَ أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ قَالَ وَهَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسًا مِنَ الْمَغْنَمِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَصُومُوا رَمَضَانَ وَأَعْطُوا الْخُمُسَ مِنَ الْغَنَائِمِ هَذِهِ أَلْفَاظُهُ هُنَا وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ صَحِيحِهِ وَقَالَ فِيهِ فِي بَعْضِهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له ذكره فِي بَابِ إِجَازَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَذَكَرَهُ فِي بَابٍ بَعْدَ بَابِ نِسْبَةِ الْيَمَنِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ

ذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَقَالَ فِيهِ آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ الإيمان بالله وشهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان بِزِيَادَةِ وَاوٍ وَكَذَلِكَ قَالَ فِيهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَشَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ بِزِيَادَةِ وَاوٍ أَيْضًا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا الصِّيَامَ وَذَكَرَ فِي بَابٍ حَدِيثَ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَهَذِهِ أَلْفَاظُ هَذِهِ الْقِطْعَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مِمَّا يُعَدُّ مِنَ الْمُشْكِلِ وَلَيْسَتْ مُشْكِلَةً عِنْدَ أَصْحَابِ التَّحْقِيقِ وَالْإِشْكَالُ فِي كَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَالْمَذْكُورُ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ خَمْسٌ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا على أقوال أظهرها ما قاله الامام بن بَطَّالٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ أَمَرَهُمْ بِالْأَرْبَعِ الَّتِي وَعَدَهُمْ بِهَا ثُمَّ زَادَهُمْ خَامِسَةً يَعْنِي أَدَاءَ الْخُمْسِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجَاوِرِينَ لِكُفَّارِ مُضَرَ فَكَانُوا أَهْلَ جِهَادٍ وَغَنَائِمَ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ نَحْوَ هَذَا فَقَالَ قَوْلُهُ أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ أَعَادَهُ لِذِكْرِ الْأَرْبَعِ وَوَصْفِهِ لَهَا بِأَنَّهَا إِيمَانٌ ثُمَّ فَسَّرَهَا بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ فَهَذَا مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ وَلِتَفْسِيرِ الْإِسْلَامِ بِخَمْسٍ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مَا يُسَمَّى إِسْلَامًا يُسَمَّى إِيمَانًا وَأَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ يَجْتَمِعَانِ وَيَفْتَرِقَانِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّمَا لَمْ يُذْكَرِ الْحَجُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَكُنْ نَزَلَ فَرْضُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسًا مِنَ الْمَغْنَمِ فَلَيْسَ عَطْفًا على قوله شهادة ان لا اله الاالله فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْأَرْبَعُ خَمْسًا وَإِنَّمَا هُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِأَرْبَعٍ فَيَكُونُ مُضَافًا إِلَى الْأَرْبَعِ لَا وَاحِدًا مِنْهَا وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا مِنْ مُطْلَقِ شُعَبِ الْإِيمَانِ قَالَ وَأَمَّا عَدَمُ ذِكْرِ الصَّوْمِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَهُوَ إِغْفَالٌ مِنَ الرَّاوِي وَلَيْسَ مِنَ الِاخْتِلَافِ الصَّادِرِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ مِنِ اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ الصَّادِرِ مِنْ تَفَاوُتِهِمْ فِي الضَّبْطِ وَالْحِفْظِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَافْهَمْ ذَلِكَ وَتَدَبَّرْهُ تَجِدْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِمَّا هَدَانَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِحَلِّهِ مِنَ الْعُقَدِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو وَقِيلَ فِي مَعْنَاهُ غَيْرُ مَا قَالَاهُ مِمَّا لَيْسَ بِظَاهِرٍ فَتَرَكْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ إِنَّ تَرْكَ الصَّوْمِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ إِغْفَالٌ مِنَ الرَّاوِي وَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَانَتْ وِفَادَةُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَامَ الْفَتْحِ قَبْلَ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ وَنَزَلَتْ فَرِيضَةُ الْحَجِّ سَنَةَ تِسْعٍ بَعْدَهَا عَلَى الْأَشْهَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ فَفِيهِ إِيجَابُ الْخُمُسِ مِنَ الْغَنَائِمِ وَإِنْ

لَمْ يَكُنِ الْإِمَامُ فِي السَّرِيَّةِ الْغَازِيَةِ وَفِي هَذَا تَفْصِيلٌ وَفُرُوعٌ سَنُنَبِّهُ عَلَيْهَا فِي بَابِهَا إِنْ وَصَلْنَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُقَالُ خُمُسٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَكَذَلِكَ الثُّلُثُ وَالرُّبُعُ وَالسُّدُسُ وَالسُّبُعُ وَالثُّمُنُ وَالتُّسُعُ وَالْعُشُرُ بِضَمِّ ثَانِيهَا وَيُسَكَّنُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأنها كم عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُقَيَّرِ وَفِي رِوَايَةٍ الْمُزَفَّتِ بَدَلَ الْمُقَيَّرِ فَنَضْبِطُهُ ثُمَّ نَتَكَلَّمُ عَلَى مَعْنَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَالدُّبَّاءُ بِضَمِّ الدَّالِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ الْقَرْعُ الْيَابِسُ أَيِ الْوِعَاءُ مِنْهُ وَأَمَّا الْحَنْتَمُ فَبِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ نُونٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مِيمٍ الْوَاحِدَةُ حَنْتَمَةُ وَأَمَّا النَّقِيرُ فَبِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْقَافِ وَأَمَّا الْمُقَيَّرُ فَبِفَتْحِ الْقَافِ وَالْيَاءِ فَأَمَّا الدُّبَّاءُ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا الْحَنْتَمُ فَاخْتُلِفَ فِيهَا فَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ وَأَقْوَاهَا أَنَّهَا جِرَارٌ خُضْرٌ وَهَذَا التَّفْسِيرُ ثَابِتٌ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الصَّحَابِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ أَوْ كَثِيرُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالثَّانِي أَنَّهَا الْجِرَارُ كُلُّهَا قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو سَلَمَةَ وَالثَّالِثُ أَنَّهَا جِرَارٌ يُؤْتَى بِهَا مِنْ مِصْرَ مُقَيَّرَاتُ الْأَجْوَافِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك رضى الله عنه ونحوه عن بن أَبِي لَيْلَى وَزَادَ أَنَّهَا حُمْرٌ وَالرَّابِعُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا جِرَارٌ حُمْرٌ أَعْنَاقُهَا فِي جُنُوبِهَا يُجْلَبُ فِيهَا الْخَمْرُ مِنْ مِصْرَ والخامس عن بن أَبِي لَيْلَى أَيْضًا أَفْوَاهُهَا فِي جُنُوبِهَا يُجْلَبُ فِيهَا الْخَمْرُ مِنَ الطَّائِفِ وَكَانَ نَاسٌ يَنْتَبِذُونَ فِيهَا يُضَاهُونَ بِهِ الْخَمْرَ وَالسَّادِسُ عَنْ عَطَاءٍ جِرَارٌ كَانَتْ تُعْمَلُ مِنْ طِينٍ وَشَعْرٍ وَدَمٍ وَأَمَّا النَّقِيرُ فَقَدْ جَاءَ فِي تَفْسِيرِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ أَنَّهُ جِذْعٌ يُنْقَرُ وَسَطُهُ وَأَمَّا الْمُقَيَّرُ فَهُوَ الْمُزَفَّتُ وَهُوَ الْمَطْلِيُّ بِالْقَارِ وَهُوَ الزِّفْتُ وَقِيلَ الزِّفْتُ نَوْعٌ مِنَ الْقَارِ وَالصَّحِيحُ الاول فقد صح عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ الْمُزَفَّتُ هُوَ الْمُقَيَّرُ وَأَمَّا مَعْنَى النَّهْيِ عَنْ هَذِهِ الْأَرْبَعِ فَهُوَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الِانْتِبَاذِ فِيهَا وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ فِي الْمَاءِ حَبَّاتٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا لِيَحْلُوَ وَيُشْرَبَ وَإِنَّمَا خُصَّتْ هَذِهِ بِالنَّهْيِ لِأَنَّهُ يُسْرِعُ إِلَيْهِ الاسكار فيها فيصير حراما نجسا وتبطل مَالِيَّتُهُ فَنَهَى عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إِتْلَافِ الْمَالِ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا شَرِبَهُ بَعْدَ إِسْكَارِهِ مَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي أَسْقِيَةِ الْأَدَمِ بَلْ أَذِنَ فِيهَا لِأَنَّهَا لِرِقَّتِهَا لَا يَخْفَى فِيهَا الْمُسْكِرُ بَلْ إِذَا صَارَ مُسْكِرًا شَقَّهَا غَالِبًا ثُمَّ إِنَّ هَذَا النَّهْيَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ بِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ الِانْتِبَاذِ إِلَّا فِي الْأَسْقِيَةِ فَانْتَبِذُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ

كونه منسوحا هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْقَوْلُ بِالنَّسْخِ هُوَ أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ قَالَ وَقَالَ قَوْمٌ التَّحْرِيمُ بَاقٍ وَكَرِهُوا الِانْتِبَاذَ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَهُوَ مروى عن بن عُمَرَ وَعَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شعبة وقال الآخران ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شُعْبَةُ) هَذَا مِنِ احْتِيَاطِ مُسْلِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّ غُنْدَرًا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَلَكِنْ أَبُو بَكْرٍ ذَكَرَهُ بِلَقَبِهِ وَالْآخَرَانِ بِاسْمِهِ وَنَسَبهِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَنْهُ عَنْ شُعْبَةَ وقال الْآخَرَانِ عَنْهُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ فَحَصَلَتْ مُخَالَفَةٌ بَيْنهمَا وَبَيْنَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَلِهَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ دَالَ غُنْدَرٍ مَفْتُوحَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَنَّ الْجَوْهَرِيَّ حَكَى ضَمَّهَا أَيْضًا وَتَقَدَّمَ بَيَانُ سَبَبِ تَلْقِيبِهِ بِغُنْدَرٍ قَوْلُهُ (كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ يَدَيِ بن عَبَّاسٍ وَبَيْنَ النَّاسِ) كَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وتقديره بين يدى بن عَبَّاسٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ فَحَذَفَ لَفْظَةَ بَيْنَهُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بين بن عَبَّاسٍ وَبَيْنَ النَّاسِ كَمَا جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ بِحَذْفِ يَدَيْ فَتَكُونُ يَدَيْ عِبَارَةً عَنِ الْجُمْلَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ يَنْظُرُ المرء ما قدمت يداه أَيْ قَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَعْنَى التَّرْجَمَةِ فَهُوَ التَّعْبِيرُ عَنْ لُغَةٍ بِلُغَةٍ ثُمَّ قِيلَ إِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِالْفَارِسِيَّةِ فَكَانَ يُتَرْجِمُ لِابْنِ عَبَّاسٍ عَمَّنْ يَتَكَلَّمُ بِهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدِي أنه كان يبلغ كلام بن عَبَّاسٍ إِلَى مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ مِنَ النَّاسِ إِمَّا لِزِحَامٍ مَنَعَ مِنْ سَمَاعِهِ فَأَسْمَعَهُمْ وَإِمَّا لِاخْتِصَارٍ مَنَعَ مِنْ فَهْمِهِ فَأَفْهَمَهُمْ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ قَالَ وَإِطْلَاقُهُ لَفْظَ النَّاسِ يُشْعِرُ بِهَذَا قَالَ وَلَيْسَتِ التَّرْجَمَةُ مَخْصُوصَةً بِتَفْسِيرِ لُغَةٍ بِلُغَةٍ أُخْرَى فَقَدْ أَطْلَقُوا عَلَى قَوْلِهِمْ بَابُ كَذَا اسْمَ التَّرْجَمَةِ لِكَوْنِهِ يُعَبِّرُ عَمَّا يَذْكُرُهُ بَعْدَهُ هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُفْهِمُهُمْ عَنْهُ وَيُفْهِمُهُ عَنْهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ تَسْأَلهُ عَنْ نَبِيذِ الْجَرِّ) أَمَّا الْجَرُّ فَبِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ اسْمُ جَمْعٍ الْوَاحِدَةُ جَرَّةٌ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى جِرَارٍ وَهُوَ هَذَا الْفَخَّارُ الْمَعْرُوفُ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِفْتَاءِ الْمَرْأَةِ الرِّجَالَ الْأَجَانِبَ وَسَمَاعِهَا صَوْتَهُمْ وَسَمَاعِهِمْ صَوْتَهَا لِلْحَاجَةِ وَفِي قَوْلِهِ إِنَّ وَفْدَ

عَبْدِ الْقَيْسِ إِلَخْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ بَلْ حُكْمُهُ بَاقٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ الْخِلَافِ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ) مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ وَأَكْثَرَتْ مِنْهُ تُرِيدُ بِهِ الْبِرَّ وَحُسْنَ اللِّقَاءِ وَمَعْنَاهُ صَادَفْتُ رَحْبًا وَسَعَةً قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (غَيْرَ خَزَايَا وَلَا النَّدَامَى) هَكَذَا هُوَ فِي الاصول الندامى بالالف واللام وخزايا بِحَذْفِهِمَا وَرُوِيَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِيهِمَا وَرُوِيَ بِإِسْقَاطِهِمَا فِيهِمَا وَالرِّوَايَةُ فِيهِ غَيْرَ بِنَصْبِ الرَّاءِ عَلَى الْحَالِ وَأَشَارَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ إِلَى أَنَّهُ يُرْوَى أَيْضًا بِكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى الصِّفَةِ لِلْقَوْمِ وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ الذين جاؤا غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا الْخَزَايَا فَجَمْعُ خَزْيَانَ كَحَيْرَانَ وَحَيَارَى وَسَكْرَانَ وَسَكَارَى وَالْخَزْيَانُ الْمُسْتَحِي وَقِيلَ الذَّلِيلُ الْمُهَانُ وَأَمَّا النَّدَامَى فَقِيلَ إِنَّهُ جَمْعُ نَدْمَانَ بِمَعْنَى نَادِمٍ وَهِيَ لُغَةٌ فِي نَادِمٍ حَكَاهَا الْقَزَّازُ صَاحِبُ جَامِعِ اللُّغَةِ وَالْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ وَعَلَى هَذَا هُوَ عَلَى بَابِهِ وَقِيلَ هُوَ جَمْعُ نَادِمٍ اتِّبَاعًا لِلْخَزَايَا وَكَانَ الْأَصْلُ نَادِمِينَ فَأُتْبِعَ لِخَزَايَا تَحْسِينًا لِلْكَلَامِ وَهَذَا الْإِتْبَاعُ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَهُوَ مِنْ فَصِيحِهِ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ أَتْبَعَ مَأْزُورَاتٍ لِمَأْجُورَاتٍ وَلَوْ أَفْرَدَ وَلَمْ يَضُمَّ إِلَيْهِ مَأْجُورَاتٍ لَقَالَ مَوْزُورَاتٍ كَذَا قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَجَمَاعَاتٌ قَالُوا وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ إِنَى لَآتِيهِ بِالْغَدَايَا وَالْعَشَايَا جَمَعُوا الْغَدَاةَ عَلَى غَدَايَا إِتْبَاعًا لعشايا ولو أفردت لم يجز الاغدوات وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ تأخر عن الاسلام ولا عناد ولاأصابكم إِسَارٌ وَلَا سَبَاءٌ وَلَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا تَسْتَحْيُونَ بِسَبَبِهِ أَوْ تَذِلُّونَ أَوْ تُهَانُونَ أَوْ تَنْدَمُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَأْتِيكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ) الشُّقَّةُ بِضَمِّ الشِّينِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ أَشْهَرُهُمَا وَأَفْصَحُهُمَا الضَّمُّ وَهِيَ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ وَقَرَأَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ بِكَسْرِ الشِّينِ وَهِيَ لُغَةُ قيس والشقة السفر البعيد كذا قاله

بن السكيت وبن قُتَيْبَةَ وَقُطْرُبٌ وَغَيْرُهُمْ قِيلَ سُمِّيَتْ شُقَّةً لِأَنَّهَا تَشُقُّ عَلَى الْإِنْسَانِ وَقِيلَ هِيَ الْمَسَافَةُ وَقِيلَ الْغَايَةُ الَّتِي يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ إِلَيْهَا فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ قَوْلُهُمْ بَعِيدَةً مُبَالَغَةً فِي بُعْدِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلِهِمْ (فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ) هُوَ بِتَنْوِينِ أَمْرٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ الْبَيِّنُ الْوَاضِحُ الَّذِي يَنْفَصِلُ بِهِ الْمُرَادُ وَلَا يُشْكِلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَخْبِرُوا بِهِ مِنْ وَرَائِكُمْ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَتِهِ مَنْ وَرَاءَكُمْ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ الْأُوَلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالثَّانِي بِفَتْحِهَا وَهُمَا يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ بَيْنَهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي شَرْحِ الْمُقَدِّمَةِ قَوْلُهُ (قَالَا جَمِيعًا) فَلَفْظَةُ جَمِيعًا مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْحَالِ وَمَعْنَاهُ اتَّفَقَا وَاجْتَمَعَا على التعديت بِمَا يَذْكُرهُ إِمَّا مُجْتَمِعَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ واما فى وقتين ومن اعتقد

أنه لابد أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا بَيِّنًا قَوْلُهُ (وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَشَجِّ أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ) أَمَّا الْأَشَجُّ فَاسْمُهُ الْمُنْذِرُ بْنُ عَائِذٍ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْعَصَرِيُّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ هذا هو الصحيح المشهور الذى قاله بن عبد البر والاكثرون أو الكثيرون وقال بن الكلبى اسمه المنذر بن الْحَارِثِ بْنُ زِيَادِ بْنِ عَصَرِ بْنِ عَوْفٍ وَقِيلَ اسْمُهُ الْمُنْذِرُ بْنُ عَامِرٍ وَقِيلَ الْمُنْذِرُ بن عبيد وقيل اسمه عائذ بن الْمُنْذِرِ وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْفٍ وَأَمَّا الحلم فهو العقل وأما الأناة فهي التثبت وَتَرْكُ الْعَجَلَةِ وَهِيَ مَقْصُورَةٌ وَسَبَبُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لَهُ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْوَفْدِ أَنَّهُمْ لَمَّا وَصَلُوا الْمَدِينَةَ بَادَرُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَامَ الْأَشَجُّ عِنْدَ رِحَالِهِمْ فَجَمَعَهَا وَعَقَلَ نَاقَتَهُ وَلَبِسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى النبى صلى الله عليه وسلم فقر به النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَجْلَسَهُ إِلَى جَانِبِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُبَايِعُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَقَوْمِكُمْ فَقَالَ الْقَوْمُ نَعَمْ فَقَالَ الْأَشَجُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَمْ تُزَاوِلِ الرَّجُلَ عَنْ شَيْءٍ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ دِينِهِ نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْفُسِنَا وَنُرْسِلُ مَنْ يَدْعُوهُمْ فَمَنِ اتَّبَعَنَا كَانَ مِنَّا وَمَنْ أَبَى قَاتَلْنَاهُ قَالَ صَدَقْتَ إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ الْحَدِيثَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَالْأَنَاةُ تَرَبُّصُهُ حَتَّى نَظَرَ فِي مَصَالِحِهِ وَلَمْ يَعْجَلْ وَالْحِلْمُ هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ الدَّالُّ عَلَى صِحَّةِ عَقْلِهِ وَجَوْدَةِ نَظَرِهِ لِلْعَوَاقِبِ قُلْتُ وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا جَاءَ فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَشَجِّ إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ الْحَدِيثَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَا فِيَّ أَمْ حَدَثَا قَالَ بَلْ قَدِيمٌ قَالَ قُلْتُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا قَوْلُهُ [18] (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مَنْ لَقِيَ الْوَفْدَ الَّذِينَ قَدِمُوا على رسول

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ قَالَ سَعِيدٌ وَذَكَرَ قَتَادَةُ أَبَا نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ قَتَادَةَ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذَا مِنْ رواية بن أَبِي عَدِيٍّ وَأَمَّا أَبُو عَرُوبَةَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فَاسْمُهُ مِهْرَانَ وَهَكَذَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ عروبة بغير ألف ولام وقال بن قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ أَدَبُ الْكَاتِبِ فِي بَابِ ما تغير من أسماء الناس هو بن أَبِي الْعَرُوبَةَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُمْ عروبة لحن وذكره بن قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ الْمَعَارِفُ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ يُكْنَى أَبَا النضر لاعقب لَهُ يُقَالُ إِنَّهُ لَمْ يَمَسَّ امْرَأَةً قَطُّ وَاخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنِ اخْتِلَاطِهِ كَذَا قَالَهُ غَيْرُهُ وَاخْتِلَاطُهُ مَشْهُورٌ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَخَلَّطَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ بَعْدَ هَزِيمَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ يَعْنِي وَمِائَةٍ وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ صَحِيحُ السَّمَاعِ مِنْهُ بِوَاسِطٍ وَأَثْبَتُ النَّاسِ سَمَاعًا مِنْهُ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ قُلْتُ وَقَدْ مَاتَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَقَدْ تَقَرَّرَ مِنَ الْقَاعِدَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا أَنَّ مِنْ عَلِمْنَا أَنَّهُ رَوَى عَنِ الْمُخْتَلِطِ فِي حَالِ سَلَامَتِهِ قَبِلْنَا رِوَايَتَهُ وَاحْتَجَجْنَا بِهَا وَمَنْ رَوَى فِي حَالِ الِاخْتِلَاطِ أَوْ شَكَكْنَا فِيهِ لَمْ نَحْتَجَّ بِرِوَايَتِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَيْضًا أَنَّ مَنْ كَانَ مِنَ الْمُخْتَلِطِينَ مُحْتَجًّا بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ ثَبَتَ أَخْذُ ذَلِكَ عَنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَبُو نَضْرَةَ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ فَاسْمُهُ الْمُنْذِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ قِطْعَةَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ الْعَوَقِيُّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْوَاوِ وَبِالْقَافِ هَذَا هُوَ المشهور

الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ أَنَّ بعضهم سكن الواو من العوقى والعوقة بَطْنٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ وَهُوَ بَصْرِيٌّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فَاسْمُهُ سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي خُدْرَةَ وَكَانَ أَبُوهُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَحَابِيًّا أَيْضًا قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَتَقْذِفُونَ فِيهِ مِنَ الْقُطَيْعَاءِ) أَمَّا تَقْذِفُونَ فَهُوَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ قَافٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ فَاءٍ ثُمَّ وَاوٍ ثُمَّ نُونٍ كَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ كُلِّهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ وَمَعْنَاهُ تُلْقُونَ فِيهِ وَتَرْمُونَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بن المثنى وبن بشار عن بن أَبِي عَدِيٍّ وَتَذِيفُونَ بِهِ مِنَ الْقُطَيْعَاءِ فَلَيْسَتْ فِيهَا قَافٌ وَرُوِيَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُهْمَلَةِ وَهُمَا لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ وَكِلَاهُمَا بِفَتْحِ التَّاءِ وَهُوَ مِنْ ذَافَ يَذِيفُ بِالْمُعْجَمَةِ كَبَاعَ يَبِيعُ وَدَافَ يَدُوفُ بِالْمُهْمَلَةِ كَقَالَ يَقُولُ وَإِهْمَالُ الدَّالِ أَشْهَرُ فِي اللُّغَةِ وَضَبَطَهُ بَعْضُ رُوَاةِ مُسْلِمٍ بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى رِوَايَةِ الْمُهْمَلَةِ وَعَلَى رِوَايَةِ الْمُعْجَمَةِ أَيْضًا جَعَلَهُ مِنْ أَذَافَ وَالْمَعْرُوفُ فَتْحُهَا مِنْ ذَافَ وَأَذَافَ وَمَعْنَاهُ عَلَى الْأَوْجُهِ كُلِّهَا خَلْطٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْقُطَيْعَاءُ فَبِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ التَّمْرِ صِغَارٌ يُقَالُ له الشهريز بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ وَبِضَمِّهِمَا وَبِكَسْرِهِمَا قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (حتى أن أحدكم أوان أحدهم ليضرب بن عَمِّهِ بِالسَّيْفِ) مَعْنَاهُ إِذَا شَرِبَ هَذَا الشَّرَابَ سَكِرَ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ عَقْلٌ وَهَاجَ بِهِ الشر فيضرب بن عَمِّهِ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُ مِنْ أَحَبِّ أَحْبَابِهِ وَهَذِهِ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ وَنَبَّهَ بِهَا عَلَى مَا سِوَاهَا مِنَ الْمَفَاسِدِ وَقَوْلُهُ أَحَدُكُمْ أَوْ أَحَدُهُمْ شك من الراوى والله أعلم قوله (وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ) وَاسْمُ هَذَا الرجل جهم

وَكَانَتِ الْجِرَاحَةُ فِي سَاقِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي أَسْقِيَةِ الْأَدَمِ الَّتِي يُلَاثُ عَلَى أَفْوَاهِهَا) أَمَّا الْأَدَمُ فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالدَّالِ جَمْعُ أَدِيمٍ وَهُوَ الْجِلْدُ الَّذِي تَمَّ دِبَاغُهُ وَأَمَّا يُلَاثُ عَلَى أَفْوَاهِهَا فَبِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَآخِرُهُ ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ كَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ وَفِي أصل الحافظ أبى عامر العبدرى ثلاث بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَمَعْنَى الْأَوَّلُ يُلَفُّ الْخَيْطُ عَلَى أَفْوَاهِهَا وَيُرْبَطُ بِهِ وَمَعْنَى الثَّانِي تُلَفُّ الْأَسْقِيَةُ عَلَى أَفْوَاهِهَا كَمَا يُقَالُ ضَرَبْتُهُ عَلَى رَأْسِهِ قَوْلُهُ (إِنَّ أَرْضَنَا كَثِيرَةُ الْجِرْذَانِ) كَذَا ضَبَطْنَاهُ كَثِيرَةُ بِالْهَاءِ فِي آخِرهِ وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ كَثِيرَ بِغَيْرِ هَاءٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ صَحَّ فِي أُصُولِنَا كَثِيرَ مِنْ غَيْرِ تَاءِ التَّأْنِيثِ وَالتَّقْدِيرُ فِيهِ عَلَى هَذَا أَرْضُنَا مَكَانٌ كَثِيرُ الْجِرْذَانِ وَمَنْ نَظَائِرِهِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ان رحمة الله قريب من المحسنين وَأَمَّا الْجِرْذَانِ فَبِكَسْرِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ جُرَذٍ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ كنغر ونغران وصرد وصردان وَالْجُرَذُ نَوْعٌ مِنَ الْفَأْرِ كَذَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ هُوَ الذكر من الفار وأطاق جَمَاعَةٌ مِنْ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ الْفَأْرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ مُكَرَّرٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَوْلُهُ (قالا ثنا بن أَبِي عَدِيٍّ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَإِبْرَاهِيمُ هو

أَبُو عَدِيٍّ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ بن جُرَيْجٍ أَمَّا أَبُو عَاصِمٍ فَالضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ النبيل وأما بن جُرَيْجٍ فَهُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ثنا عبد الرزاق انا بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو قَزَعَةَ أَنَّ أَبَا نَضْرَةَ أَخْبَرَهُ وَحَسَنًا أَخْبَرَهُمَا أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَخْبَرَهُ) هَذَا الْإِسْنَادُ مَعْدُودٌ فِي الْمُشْكِلَاتِ وَقَدِ اضْطَرَبَتْ فِيهِ أَقْوَالُ الْأَئِمَّةِ وَأَخْطَأَ فِيهِ جماعات من كبار الحفاظ والصواب فِيهِ مَا حَقَّقَهُ وَحَرَّرَهُ وَبَسَطَهُ وَأَوْضَحَهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيُّ فِي الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَهُ فِيهِ وَمَا أَحْسَنَهُ وَأَجْوَدَهُ وَقَدْ لَخَّصَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ هَذَا الْإِسْنَادُ أَحَدُ الْمُعْضِلَاتِ وَلِإِعْضَالِهِ وَقَعَ فِيهِ تَعْبِيرَاتٌ مِنْ جَمَاعَةٍ وَاهِمَةٍ فَمِنْ ذَلِكَ رِوَايَةُ أَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ فِي مُسْتَخْرَجِهِ عَلَى كِتَابِ مُسْلِمٍ بِإِسْنَادِهِ أَخْبَرَنِي أَبُو قَزَعَةَ أَنَّ أَبَا نَضْرَةَ وَحَسَنًا أَخْبَرَهُمَا أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَخْبَرَهُ وَهَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَبُو قَزَعَةَ هُوَ الَّذِي أَخْبَرَ أَبَا نَضْرَةَ وَحَسَنًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَيَكُونُ أَبُو قَزَعَةَ هُوَ الَّذِي سَمِعَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ بِلَا شَكٍّ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الْغَسَّانِيَّ صَاحِبَ تَقْيِيدِ الْمُهْمَلِ رَدَّ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ هَذِهِ وَقَلَّدَهُ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الْمُعْلِمِ وَمِنْ شَأْنِهِ تَقْلِيدُهُ فِيمَا يَذْكُرُهُ مِنْ عِلْمِ الْأَسَانِيدِ وَصَوَّبَهُمَا فِي ذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَقَالَ أبو علي الصواب فى الاسناد عن بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو قَزَعَةَ أَنَّ أَبَا نَضْرَةَ وَحَسَنًا أَخْبَرَاهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ أَخْبَرَهُ وَلَمْ يَقُلْ أَخْبَرَهُمَا لِأَنَّهُ رَدَّ الضَّمِيرَ إِلَى أَبِي نَضْرَةَ وَحْدَهُ وَأَسْقَطَ الْحَسَنَ لِمَوْضِعِ الْإِرْسَالِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَلَمْ يَلْقَهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ خَرَّجَهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ فِي مُصَنَّفِهِ بِإِسْنَادِهِ قال وأظن أن هذا من اصلاح بن السَّكَنِ وَذَكَرَ الْغَسَّانِيُّ أَيْضًا أَنَّهُ رَوَاهُ كَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ الْكَبِيرِ بِإِسْنَادِهِ وَحُكِيَ عَنْهُ وَعَنْ عَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ سَعِيدٍ الْحَافِظِ أَنَّهُمَا ذَكَرَا أَنَّ حَسَنًا هَذَا هُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ بَلْ

مَا أَوْرَدَهُ مُسْلِمٌ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ هُوَ الصَّوَابُ وَكَمَا أَوْرَدَهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عن روح بن عبادة عن بن جُرَيْجٍ وَقَدِ انْتَصَرَ لَهُ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ كِتَابًا لَطِيفًا تَبَجَّحَ فِيهِ بِإِجَادَتِهِ وَإِصَابَتِهِ مَعَ وَهْمِ غَيْرِ وَاحِدٍ فِيهِ فَذَكَرَ أَنَّ حَسَنًا هَذَا هُوَ الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ يَنَاقَ الَّذِي روى عنه بن جريج غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَنَّ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ أَبَا نَضْرَةَ أَخْبَرَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا قَزَعَةَ وَحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ كِلَيْهِمَا ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ أَعَادَ فَقَالَ أَخْبَرَهُمَا أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ يَعْنِي أَخْبَرَ أَبُو سَعِيدٍ أَبَا نَضْرَةَ وَهَذَا كَمَا تَقُولُ إِنَّ زَيْدًا جَاءَنِي وَعَمْرًا جَاءَنِي فَقَالَا كَذَا وَكَذَا وَهَذَا مِنْ فَصِيحِ الْكَلَامِ وَاحْتَجَّ عَلِيٌّ أَنَّ حَسَنًا فِيهِ هُوَ الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ يَنَاقَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ وَهُوَ ثِقَةٌ رَوَاهُ عَنْ عبد الرزاق عن بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو قَزَعَةَ أَنَّ أَبَا نَضْرَةَ أَخْبَرَهُ وَحَسَنُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ يَنَاقَ أَخْبَرَهُمَا أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ فِي كِتَابِهِ الْمُخَرَّجُ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَقَدْ أَسْقَطَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ وَغَيْرُهُ ذِكْرَ حَسَنٍ مِنَ الْإِسْنَادِ لِأَنَّهُ مَعَ إِشْكَالِهِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى مَا حَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَبَيَّنَ بُطْلَانَهُ وَبُطْلَانَ رِوَايَةِ مِنْ غَيْرِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ أَخْبَرَهُمَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّغْيِيرَاتِ وَلَقَدْ أَجَادَ وَأَحْسَنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هذا آخر كلام الشيخ أبي عمرو رحمه اللَّهُ وَفِي هَذَا الْقَدْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبْلَغُ كِفَايَةٍ وَإِنْ كَانَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى قَدْ أَطْنَبَ فِي بَسْطِهِ وَإِيضَاحِهِ بِأَسَانِيدِهِ وَاسْتِشْهَادَاتِهِ وَلَا ضَرُورَةَ إِلَى زِيَادَةٍ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَبُو قَزَعَةَ الْمَذْكُورُ فَاسْمُهُ سُوَيْدُ بْنُ حُجَيْرٍ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مَفْتُوحَةٍ وَآخِرُهُ رَاءٌ وَهُوَ بَاهِلِيٌّ بَصْرِيٌّ انْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِالرِّوَايَةِ لَهُ دُونَ الْبُخَارِيِّ وَقَزَعَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَبِفَتْحِ الزَّايِ وَإِسْكَانِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ فِي تَقْيِيدِ الْمُهْمَلِ سِوَى الْفَتْحِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ الْفَتْحَ وَالْإِسْكَانَ وَوُجِدَ بخط بن الأنباري بالاسكان وذكر بن مَكِّيٍّ فِي كِتَابِهِ فِيمَا يُلْحَنُ فِيهِ أَنَّ الْإِسْكَانَ هُوَ الصَّوَابُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُمْ (جَعَلَنَا الله فداك) هو بكسر الفاء وبالمد ومعناه يَقِيكَ الْمَكَارِهَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(وَعَلَيْكُمْ بِالْمُوكَى) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ مَقْصُورٌ غَيْرُ مَهْمُوزٍ وَمَعْنَاهُ انْبِذُوا فِي السِّقَاءِ الدَّقِيقَ الَّذِي يُوكَى أَيْ يُرْبَطُ فُوهُ بِالْوِكَاءِ وَهُوَ الْخَيْطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمَّا أَحْكَامُهُ وَمَعَانِيهِ فَقَدِ انْدَرَجَ جُمَلٌ مِنْهَا فِيمَا ذَكَرْتُهُ وَأَنَا أُشِيرُ إِلَيْهَا مُلَخَّصَةً مُخْتَصَرَةً مُرَتَّبَةً فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وِفَادَةُ الرُّؤَسَاءِ وَالْأَشْرَافِ إِلَى الْأَئِمَّةِ عِنْدَ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ وَفِيهِ تَقْدِيمُ الِاعْتِذَارِ بَيْنَ يَدَيِ الْمَسْأَلَةِ وَفِيهِ بَيَانُ مُهِمَّاتِ الْإِسْلَامِ وَأَرْكَانِهِ مَا سِوَى الْحَجِّ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فُرِضَ وَفِيهِ اسْتِعَانَةُ الْعَالِمِ فِي تَفْهِيمِ الْحَاضِرِينَ وَالْفَهْمِ عَنْهُمْ بِبَعْضِ أَصْحَابِهِ كَمَا فعله بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي فِي التَّرْجَمَةِ فِي الْفَتْوَى وَالْخَبَرِ قَوْلٌ وَاحِدٌ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِزُوَّارِهِ وَالْقَادِمِينَ عَلَيْهِ مَرْحَبًا وَنَحْوَهُ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ إِينَاسًا وَبَسْطًا وَفِيهِ جَوَازُ الثَّنَاءِ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي وَجْهِهِ إِذَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ فِتْنَةُ بِإِعْجَابٍ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا اسْتِحْبَابُهُ فَيَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ وَأَمَّا النَّهْيُ عَنِ الْمَدْحِ فِي الْوَجْهِ فَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ مَدَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فِي الْوَجْهِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَسْتَ مِنْهُمْ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا تَبْكِ إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَقَالَ لَهُ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ أَيْ مِنَ الَّذِينَ يُدْعَوْنَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ائذن له وبشره بالجنة وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ وَرَأَيْتُ قَصْرًا فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا قَالُوا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَيْكَ أَغَارُ وَقَالَ لَهُ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَحْ لِعُثْمَانَ وَبِشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ وَقَالَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ سَمِعْتُ دَقَّ نَعْلَيْكَ فِي الْجَنَّةِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ أَنْتَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى تَمُوتَ وَقَالَ لِلْأَنْصَارِيِّ ضَحِكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ عَجِبَ مِنْ فِعَالِكُمَا وَقَالَ لِلْأَنْصَارِ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ

(باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام فيه بعث

وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ مِنْ مَدْحِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَجْهِ وَأَمَّا مَدْحُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يُقْتَدَى بِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَنَّهُ لَا عَتَبَ عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ وَالْمُسْتَفْتِي إِذَا قَالَ لِلْعَالِمِ أَوْضِحْ لِيَ الْجَوَابَ وَنَحْوَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِقَوْلِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الشَّهْرِ وَفِيهِ جَوَازُ مُرَاجَعَةِ الْعَالِمِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِرْشَادِ وَالِاعْتِذَارِ لِيَتَلَطَّفَ لَهُ فِي جَوَابٍ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَفِيهِ تَأْكِيدُ الْكَلَامِ وَتَفْخِيمِهِ لِيَعْظُمَ وَقْعُهُ فِي النَّفْسِ وَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ الْإِنْسَانِ لِمُسْلِمٍ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ فَهَذِهِ أَطْرَافٌ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ طَوِيلَةً فَهِيَ مُخْتَصَرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى طَالِبِي التَّحْقِيقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ [19] (باب الدُّعَاءِ إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ فِيهِ بَعْثِ مُعَاذٍ إِلَى الْيَمَنِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وربما قال وكيع عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ مُعَاذًا قَالَ) هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ نِهَايَةُ التَّحْقِيقِ وَالِاحْتِيَاطِ وَالتَّدْقِيقِ فَإِنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى قَالَ فِيهَا عَنْ مُعَاذٍ والثانية أن معاذا وبين أن وعن فَرْقٌ فَإِنَّ الْجَمَاهِيرَ قَالُوا أَنَّ كَعَنْ فَيُحْمَلُ عَلَى الِاتِّصَالِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ لَا تَلْتَحِقُ أَنَّ بِعَنْ بَلْ تُحْمَلُ أَنَّ عَلَى الِانْقِطَاعِ وَيَكُونُ مُرْسَلًا وَلَكِنَّهُ هُنَا يَكُونُ مُرْسَلَ صَحَابِيٍّ لَهُ حُكْمُ الْمُتَّصِلِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَفِيهِ قَوْلُ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِنِيِّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي الْفُصُولِ أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ فَاحْتَاطَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَبَيَّنَ اللَّفْظَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَبُو مَعْبَدٍ فَاسْمُهُ نَافِذٌ بِالنُّونِ والفاء والذال المعجمة وهو مولى بن عَبَّاسٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ كَانَ مِنْ أصدق موالى بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الكتاب)

فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ) أَمَّا الْكَرَائِمُ فَجَمْعُ كَرِيمَةٍ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ هِيَ جَامِعَةُ الْكَمَالِ الْمُمْكِنِ فِي حَقِّهَا مِنْ غَزَارَةِ لَبَنٍ وَجَمَالِ صُورَةٍ أَوْ كَثْرَةِ لَحْمٍ أَوْ صُوفٍ وَهَكَذَا الرِّوَايَةُ فَإِيَّاكَ وكرائم بالواو في قوله وكرائم قال بن قُتَيْبَةَ وَلَا يَجُوزُ إِيَّاكَ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ بِحَذْفِهَا وَمَعْنَى لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ أَيْ أَنَّهَا مَسْمُوعَةٌ لَا تُرَدُّ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ وَفِيهِ أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّ بَعْثَ مُعَاذٍ إِلَى الْيَمَنِ كَانَ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَلِيلٍ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْوِتْرِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنَّ الْكُفَّارَ يُدْعَوْنَ إِلَى التَّوْحِيدِ قَبْلَ الْقِتَالِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إِلَّا بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَفِيهِ أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ تَجِبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَفِيهِ بَيَانُ عِظَمِ تَحْرِيمِ الظُّلْمِ وَأَنَّ الْإِمَامَ يَنْبَغِي أَنْ يَعِظَ وُلَاتَهُ وَيَأْمُرَهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَيُبَالِغَ فِي نَهْيِهِمْ عَنِ الظُّلْمِ وَيُعَرِّفَهُمْ قُبْحَ عَاقِبَتِهِ وَفِيهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى السَّاعِي أَخْذَ كَرَائِمِ الْمَالِ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ بَلْ يَأْخُذُ الْوَسَطَ وَيَحْرُمُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ إِخْرَاجُ شَرِّ الْمَالِ وَفِيهِ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تُدْفَعُ إِلَى كَافِرٍ وَلَا تُدْفَعُ أَيْضًا إِلَى غَنِيٍّ مِنْ نَصِيبِ الْفُقَرَاءِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْخَطَّابِيُّ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ نَقْلُهَا عَنْ بَلَدِ الْمَالِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي فُقَرَائِهِمْ مُحْتَمِلٌ لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلِفُقَرَاءِ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَالنَّاحِيَةِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ

أَظْهَرُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ لَيْسُوا بِمُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ والزكاة وتحريم الزنى وَنَحْوِهَا لِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يُطِيعُوا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ ضَعِيفٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَعْلِمْهُمْ أَنَّهُمْ مُطَالَبُونَ بِالصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا فِي الدُّنْيَا وَالْمُطَالَبَةُ فِي الدُّنْيَا لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونُوا مُخَاطَبِينَ بِهَا يُزَادُ فِي عَذَابِهِمْ بِسَبَبِهَا فِي الْآخِرَةِ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَتَّبَ ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَبَدَأَ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ أَلَا تَرَاهُ بَدَأَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّكَاةِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّهُ يَصِيرُ مُكَلَّفًا بِالصَّلَاةِ دُونَ الزَّكَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ هَذَا قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ وَالْأَكْثَرِينَ وَقِيلَ لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِهَا وَقِيلَ مُخَاطَبُونَ بِالْمَنْهِيِّ دُونَ الْمَأْمُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الَّذِي وَقَعَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ مِنْ ذِكْرِ بَعْضِ دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ دُونَ بَعْضِ هُوَ مِنْ تَقْصِيرِ الرَّاوِي كَمَا بَيَّنَّاهُ فِيمَا سَبَقَ مِنْ نَظَائِرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قوله (فى الرواية الثانية حدثنا بن أَبِي عُمَرَ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَكَنَ مَكَّةَ وَفِيهَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ هُوَ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ صَاحِبُ الْمُسْنَدِ يُكَنَى أَبَا مُحَمَّدٍ قِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ وَفِيهَا أَبُو عَاصِمٍ هُوَ النبيل الضحاك بن مخلد قوله (عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا) هَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَدِيثَ من مسند بن عَبَّاسٍ وَكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ الَّتِي بَعْدَهُ وَأَمَّا الْأُولَى فَمِنْ مُسْنَدِ مُعَاذٍ وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنْ يكون بن عَبَّاسٍ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ مُعَاذٍ فَرَوَاهُ تَارَةً عَنْهُ مُتَّصِلًا وَتَارَةً أَرْسَلَهُ فَلَمْ يَذْكُرْ مُعَاذًا وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ مُرْسَلَ الصَّحَابِيِّ إِذَا لَمْ يُعْرَفِ الْمَحْذُوفُ يَكُونُ حُجَّةً فَكَيْفَ وَقَدْ عَرَفْنَاهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ مُعَاذٌ ويحتمل ان بن عَبَّاسٍ سَمِعَهُ مِنْ مُعَاذٍ وَحَضَرَ الْقَضِيَّةَ فَتَارَةً رَوَاهَا بِلَا وَاسِطَةٍ لِحُضُورِهِ إِيَّاهَا وَتَارَةً رَوَاهَا عَنْ مُعَاذٍ إِمَّا لِنِسْيَانِهِ الْحُضُورَ وَإِمَّا لِمَعْنًى آخَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِيُّ) أَمَّا بِسْطَامُ فَبِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ أَيْضًا فَتْحَهَا وَاخْتُلِفَ فِي صَرْفِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ صَرَفَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَصْرِفْهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِسْطَامُ عَجَمِيٌّ لَا يَنْصَرِفُ قَالَ بن دُرَيْدٍ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَالَ وَوَجَدْتُهُ في كتاب بن الْجَوَالِيقِيِّ فِي الْمُعَرَّبِ مَصْرُوفًا وَهُوَ بَعِيدٌ هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ بِسْطَامُ لَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَرَبِ وَإِنَّمَا سَمَّى قَيْسُ بْنُ مَسْعُودٍ ابْنَهُ بِسْطَامًا بِاسْمِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ فَارِسَ كَمَا سَمَّوْا قَابُوسَ فَعَرَّبُوهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْعَيْشِيُّ فَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي عَايِشِ بْنِ مَالِكِ بْنِ تَيْمِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَكَانَ أَصْلُهُ الْعَايِشِيُّ وَلَكِنَّهُمْ خَفَّفُوهُ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَالْخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ الْبَغْدَادِيُّ الْعَيْشِيُّونَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بَصْرِيُّونَ وَالْعَبْسِيُّونَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ كُوفِيُّونَ وَالْعَنْسِيُّونَ بِالنُّونِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ شَامِيُّونَ وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ هُوَ الْغَالِبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ إِلَى آخِرِهِ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِعَارِفِينَ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ مَذْهَبُ حُذَّاقِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ غَيْرُ عَارِفِينَ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنْ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ وَيُظْهِرُونَ مَعْرِفَتَهُ لِدَلَالَةِ السَّمْعِ عِنْدَهُمْ عَلَى هَذَا وَإِنْ كَانَ الْعَقْلُ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَعْرِفَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ كَذَّبَ رَسُولًا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا عَرَفَ اللَّهَ تَعَالَى مَنْ شَبَّهَهُ وَجَسَّمَهُ مِنَ الْيَهُودِ أَوْ أَجَازَ عَلَيْهِ الْبِدَاءَ أَوْ أَضَافَ إِلَيْهِ الْوَلَدَ مِنْهُمْ أَوْ أَضَافَ إِلَيْهِ الصَّاحِبَةَ وَالْوَلَدَ وَأَجَازَ الْحُلُولَ عَلَيْهِ وَالِانْتِقَالَ والامتزاج من النصارى أو وصفه مما لَا يَلِيقُ بِهِ أَوْ أَضَافَ إِلَيْهِ الشَّرِيكَ وَالْمُعَانِدَ فِي خَلْقِهِ مِنَ الْمَجُوسِ

(باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله

وَالثَّنَوِيَّةِ فَمَعْبُودُهُمُ الَّذِي عَبَدُوهُ لَيْسَ هُوَ اللَّهَ وَإِنْ سَمَّوْهُ بِهِ إِذْ لَيْسَ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ الْإِلَهِ الْوَاجِبَةِ لَهُ فَإِذَنْ مَا عَرَفُوا اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَتَحَقَّقْ هَذِهِ النُّكْتَةَ وَاعْتَمِدْ عَلَيْهَا وَقَدْ رَأَيْتُ مَعْنَاهَا لِمُتَقَدِّمِي أَشْيَاخِنَا وَبِهَا قَطَعَ الْكَلَامَ ابوعمران الْفَارِسِيُّ بَيْنَ عَامَّةِ أَهْلِ الْقَيْرَوَانِ عِنْدَ تَنَازُعِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ (فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) قَدْ يُسْتَدَلُّ بِلَفْظَةِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى أَنَّهُ إِذَا امْتَنَعَ مِنَ الزَّكَاةِ أُخِذَتْ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ اختياره وهذا الحكم لاخلاف فِيهِ وَلَكِنْ هَلْ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ وَيَجْزِيهِ ذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ [20] (باب الأمر بقتال النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ (ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويؤمنوا بجميع ما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم) (وان من فعل ذلك عصم نفسه وماله الا بحقها ووكلت سريرته إلى الله تعالى) (وقتال من منع الزكاة أو غيرها من حقوق الاسلام واهتمام الامام بشعائر الاسلام) أَمَّا أَسْمَاءُ الرُّوَاةِ فَفِيهِ عُقَيْلٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَقَدَّمَ فِي الْفُصُولِ بَيَانُهُ وَفِيهِ يُونُسُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَأَنَّ فِيهِ سِتَّةَ أَوْجُهٍ ضَمُّ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا مَعَ الهمز وتركه وفيه سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُسَيَّبَ بِفَتْحِ الْيَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بِكَسْرِهَا وَفِيهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وفِيهِ أُمَيَّةُ بْنُ بِسِطَامَ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وفيه حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أبى هريرة فقوله وعن أَبِي صَالِحٍ يَعْنِي رَوَاهُ الْأَعْمَشُ)

أَيْضًا عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ اسْمَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ نَحْوِ ثَلَاثِينَ قَوْلًا وَأَنَّ اسْمَ أَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانُ السَّمَّانُ وَأَنَّ اسْمَ أَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ وَأَنَّ اسْمَ الْأَعْمَشِ سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ وَأَمَّا غِيَاثٌ فَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ مُثَلَّثَةٌ وَفِيهِ أَبُو الزُّبَيْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ أَنَّ اسْمَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وفيه أبوغسان الْمِسْمَعِيُّ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ بَيْنَهُمَا مَنْسُوبٌ إِلَى مِسْمَعِ بْنِ رَبِيعَةَ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ صَرْفِ غَسَّانَ وَعَدَمِهِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ الْوَجْهَانِ فِيهِ وفيه واقد بن محمد وهو بالقاف وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَافِدٌ بِالْفَاءِ بَلْ كُلُّهُ بِالْقَافِ وَفِيهِ أبو خالد الاحمر وأبومالك عَنْ أَبِيهِ فَأَبُو مَالِكٍ اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ طارق وطارق الصحابى وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا فِي بَابِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَتَقَدَّمَ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ أَبَا خَالِدٍ اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ بِالْمُثَنَّاةِ وَفِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ وَهُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ ثُمَّ أَلِفٌ ثُمَّ وَاوٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ رَاءٌ أُخْرَى سَاكِنَةٌ ثُمَّ دَالٌ أُخْرَى ثُمَّ يَاءُ النَّسَبِ وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ نِسْبَتِهِ فَالْأَصَحُّ الَّذِي قاله المحققون انه نسبة إلى داربجرد بِفَتْحِ الدَّالِ الْأُولَى وَبَعْدَهَا رَاءٌ ثُمَّ أَلِفٌ ثُمَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ جِيمٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ رَاءٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ دَالٌ فَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَاللُّغَةِ مِنْهُمُ الْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ وَقَالَهُ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ الْإِمَامُ وَأَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ الْبُسْتِيُّ وَأَبُو نَصْرٍ الْكَلَابَاذِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالُوا وَهُوَ مِنْ شَوَاذِّ النَّسَبِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَأَصْلُهُ دِرَابِيٌّ أَوْ جَرْدِيٌّ وَدِرَابِيٌّ أَجْوَدُ قَالُوا وَدَرَابَجِرْدُ مَدِينَةٌ بِفَارِسَ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَالْكَلَاباذِيُّ كَانَ جَدُّ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَذَا مِنْهَا وَقَالَ الْبُسْتِيُّ كان أبوه منها وقال بن قُتَيْبَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ هُوَ مَنْسُوبٌ إلى دارورد ثم قيل دراورد هي درابحرد وَقِيلَ بَلْ هِيَ قَرْيَةٌ بِخُرَاسَانَ وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ فِي كِتَابِ الْأَنْسَابِ قِيلَ إِنَّهُ مِنْ أَنْدَرَابَهْ يَعْنِي بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبَعْدَهَا نُونٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ دَالٌ مُهْمَلَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ رَاءٌ ثُمَّ أَلِفٌ ثُمَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ هَاءٌ وَهِيَ مَدِينَةٌ مِنْ عَمَلِ بَلْخَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ السَّمْعَانِيُّ لَائِقٌ بِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ فِيهِ الْأَنْدَرَاوَرْدِيُّ وَأَمَّا فقهه ومعانيه قوله [20] (لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ

(وكان هؤلاء المتمسكون بدينهم من الأزد محصورين

مِنَ الْعَرَبِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ هَذَا الْكَلَامِ كَلَامًا حَسَنًا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِمَّا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ فِي هَذَا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ أَهْلَ الرِّدَّةِ كَانُوا صِنْفَيْنِ صِنْفٌ ارْتَدُّوا عَنِ الدِّينِ وَنَابَذُوا الْمِلَّةَ وَعَادُوا إِلَى الْكُفْرِ وَهُمُ الَّذِينَ عَنَاهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ بِقَوْلِهِ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ وَهَذِهِ الْفِرْقَةُ طَائِفَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَصْحَابُ مُسَيْلِمَةَ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمُ الَّذِينَ صَدَّقُوهُ عَلَى دَعْوَاهُ فِي النُّبُوَّةِ وَأَصْحَابُ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ وَمَنْ كَانَ مِنْ مُسْتَجِيبِيهِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِمْ وَهَذِهِ الْفِرْقَةُ بِأَسْرِهَا مُنْكِرَةٌ لِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّعِيَةٌ النُّبُوَّةَ لِغَيْرِهِ فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى قَتَلَ اللَّهُ مُسَيْلِمَةَ بِالْيَمَامَةِ وَالْعَنْسِيَّ بِصَنْعَاءَ وَانْفَضَّتْ جُمُوعُهُمْ وَهَلَكَ أَكْثَرُهُمْ وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى ارْتَدُّوا عَنِ الدِّينِ وَأَنْكَرُوا الشَّرَائِعَ وَتَرَكُوا الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَغَيْرَهَا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَعَادُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَكُنْ يُسْجَدُ لِلَّهِ تَعَالَى فِي بَسِيطِ الْأَرْضِ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ مَكَّةَ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَمَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ فِي الْبَحْرَيْنِ فِي قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا جُوَاثَا فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الْأَعْوَرُ الشَّنِّيُّ يَفْتَخِرُ بِذَلِكَ ... وَالْمَسْجِدُ الثَّالِثُ الشَّرْقِيُّ كَانَ لَنَا ... وَالْمِنْبَرَانِ وَفَصْلُ الْقَوْلِ في الخطب ... أيام لامنبر لِلنَّاسِ نَعْرِفُهُ ... إِلَّا بِطَيْبَةَ وَالْمَحْجُوبِ ذِي الْحُجُبِ ... (وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْمُتَمَسِّكُونَ بِدِينِهِمْ مِنَ الْأَزْدِ مَحْصُورِينَ بِجُوَاثَا إِلَى أَنْ فَتَحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْيَمَامَةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَبِي بَكْرِ بْنِ كِلَابٍ يَسْتَنْجِدُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ... أَلَا أَبْلِغْ أَبَا بَكْرٍ رَسُولًا ... وَفِتْيَانَ الْمَدِينَةِ أَجْمَعِينَا ... فَهَلْ لَكُمُ إِلَى قَوْمٍ كِرَامٍ ... قُعُودٍ فِي جُوَاثَا مُحْصَرِينَا ... كَأَنَّ دِمَاءَهُمْ فِي كُلِّ فَجٍّ ... دِمَاءُ البدن تغشى الناظرينا ... تَوَكَّلْنَا عَلَى الرَّحْمَنِ إِنَّا ... وَجَدْنَا النَّصْرَ لَلْمُتَوَكِّلِينَا) وَالصِّنْفُ الْآخَرُ هُمُ الَّذِينَ فَرَّقُوا بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَأَقَرُّوا بِالصَّلَاةِ وَأَنْكَرُوا فَرْضَ الزَّكَاةِ وَوُجُوبَ أَدَائِهَا إِلَى الْإِمَامِ وَهَؤُلَاءِ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَهْلُ بَغْيٍ وَإِنَّمَا لَمْ يُدْعَوْا بِهَذَا الِاسْمِ فِي ذلك

الزَّمَانِ خُصُوصًا لِدُخُولِهِمْ فِي غِمَارِ أَهْلِ الرِّدَّةِ فَأُضِيفَ الِاسْمُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى الرِّدَّةِ إِذْ كَانَتْ أَعْظَمَ الْأَمْرَيْنِ وَأَهَمَّهُمَا وَأُرِّخَ قِتَالُ أَهْلِ الْبَغْيِ فِي زَمَنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذْ كَانُوا مُنْفَرِدِينَ فِي زَمَانِهِ لَمْ يَخْتَلِطُوا بِأَهْلِ الشِّرْكِ وَقَدْ كَانَ فِي ضِمْنِ هَؤُلَاءِ الْمَانِعِينَ لِلزَّكَاةِ مَنْ كَانَ يَسْمَحُ بِالزَّكَاةِ وَلَا يَمْنَعُهَا إِلَّا أَنَّ رُؤَسَاءَهُمْ صَدُّوهُمْ عَنْ ذَلِكَ الرَّأْيِ وَقَبَضُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي ذَلِكَ كَبَنِي يَرْبُوعٍ فَإِنَّهُمْ قَدْ جَمَعُوا صَدَقَاتِهِمْ وَأَرَادُوا أَنْ يَبْعَثُوا بِهَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَنَعَهُمْ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ مِنْ ذَلِكَ وَفَرَّقَهَا فِيهِمْ وَفِي أَمْرِ هَؤُلَاءِ عَرَضَ الْخِلَافُ وَوَقَعَتِ الشُّبْهَةُ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَاجَعَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَنَاظَرَهُ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ وَكَانَ هَذَا مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَعَلُّقًا بِظَاهِرِ الْكَلَامِ قَبْلَ أَنْ يَنْظُرَ فِي آخِرِهِ وَيَتَأَمَّلَ شَرَائِطَهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ يُرِيدُ أَنَّ الْقَضِيَّةَ قَدْ تَضَمَّنَتْ عِصْمَةَ دَمٍ وَمَالٍ مُعَلَّقَةً بِإِيفَاءِ شَرَائِطِهَا وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطَيْنِ لَا يَحْصُلُ بِأَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ مَعْدُومٌ ثُمَّ قَايَسَهُ بِالصَّلَاةِ وَرَدَّ الزَّكَاةَ إِلَيْهَا وَكَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قِتَالَ الْمُمْتَنِعِ مِنَ الصَّلَاةِ كَانَ إِجْمَاعًا مِنَ الصَّحَابَةِ وَكَذَلِكَ رَدَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ إِلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَاجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الِاحْتِجَاجُ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْعُمُومِ وَمِنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْقِيَاسِ وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ يُخَصُّ بِالْقِيَاسِ وَأَنَّ جَمِيعَ مَا تَضَمَّنَهُ الْخِطَابُ الْوَارِدُ فِي الْحُكْمِ الْوَاحِدِ مِنْ شَرْطٍ وَاسْتِثْنَاءٍ مُرَاعًى فِيهِ وَمُعْتَبَرٌ صِحَّتُهُ بِهِ فَلَمَّا اسْتَقَرَّ عِنْدَ عُمَرَ صِحَّةُ رَأْيِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَبَانَ لَهُ صَوَابُهُ تَابَعَهُ عَلَى قِتَالِ الْقَوْمِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَلَمَّا رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ عَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ يُشِيرُ إِلَى انْشِرَاحِ صَدْرِهِ بِالْحُجَّةِ الَّتِي أَدْلَى بِهَا وَالْبُرْهَانِ الَّذِي أَقَامَهُ نَصًّا وَدَلَالَةً وَقَدْ زَعَمَ زَاعِمُونَ مِنَ الرَّافِضَةِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ الله عنه اول من سبى المسلمون وَأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا مُتَأَوِّلِينَ فِي مَنْعِ الصَّدَقَةِ وَكَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ الْخِطَابَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم خِطَابٌ خَاصٌّ فِي مُوَاجَهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرَائِطَ لَا تُوجَدُ فِيمَنْ سِوَاهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لاحد من التطهير والتزكية والصلاة علىالمتصدق مَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِثْلُ هَذِهِ الشُّبْهَةِ إِذَا وُجِدَ كَانَ مِمَّا يُعْذَرُ فِيهِ أَمْثَالُهُمْ وَيُرْفَعُ بِهِ السَّيْفُ عَنْهُمْ وَزَعَمُوا أَنَّ قِتَالَهُمْ كَانَ عَسْفًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمُوا مَا ذَكَرْنَاهُ قَوْمٌ لاخلاق لَهُمْ فِي الدِّينِ

وَإِنَّمَا رَأْسُ مَالِهِمُ الْبُهُتُ وَالتَّكْذِيبُ وَالْوَقِيعَةُ فِي السَّلَفِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَهْلَ الرِّدَّةِ كَانُوا أَصْنَافًا مِنْهُمْ مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْمِلَّةِ وَدَعَا إِلَى نُبُوَّةِ مُسَيْلِمَةَ وَغَيْرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَأَنْكَرَ الشَّرَائِعَ كُلَّهَا وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ الصَّحَابَةُ كُفَّارًا وَلِذَلِكَ رَأَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَبْيَ ذَرَارِيِّهِمْ وَسَاعَدَهُ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَاسْتَوْلَدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَارِيَةً مِنْ سبى بنى حنيفة فولدت له محمد الذى يدعى بن الْحَنَفِيَّةِ ثُمَّ لَمْ يَنْقَضِ عَصْرُ الصَّحَابَةِ حَتَّى أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُسْبَى فَأَمَّا مَانِعُو الزَّكَاةِ مِنْهُمُ الْمُقِيمُونَ عَلَى أَصْلِ الدِّينِ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ بَغْيٍ وَلَمْ يُسَمَّوْا عَلَى الِانْفِرَادِ مِنْهُمْ كُفَّارًا وَإِنْ كَانَتِ الرِّدَّةُ قَدْ أُضِيفَتْ إِلَيْهِمْ لِمُشَارَكَتِهِمُ الْمُرْتَدِّينَ فِي مَنْعِ بَعْضِ مَا مَنَعُوهُ مِنْ حُقُوقِ الدِّينِ وَذَلِكَ أَنَّ الرِّدَّةَ اسْمٌ لُغَوِيٌّ وَكُلُّ مَنِ انْصَرَفَ عَنْ أَمْرٍ كَانَ مُقْبِلًا عَلَيْهِ فَقَدِ ارْتَدَّ عَنْهُ وَقَدْ وُجِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الِانْصِرَافُ عَنِ الطَّاعَةِ وَمَنْعُ الْحَقِّ وَانْقَطَعَ عَنْهُمُ اسْمُ الثَّنَاءِ وَالْمَدْحِ بِالدِّينِ وَعَلِقَ بِهِمُ الِاسْمُ الْقَبِيحُ لِمُشَارَكَتِهِمُ الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانَ ارْتِدَادُهُمْ حَقًّا وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى خذ من أموالهم صدقة وَمَا ادَّعَوْهُ مِنْ كَوْنِ الْخِطَابِ خَاصًّا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ خِطَابَ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ خِطَابٌ عَامٌّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذا قمتم إلى الصلاة الْآيَةَ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كتب عليكم الصيام وَخِطَابٌ خَاصٌّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَهُوَ مَا أُبِينَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ بِسِمَةِ التَّخْصِيصِ وَقَطْعِ التَّشْرِيكِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لك وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وخطاب مواجهة للنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَجَمِيعُ أُمَّتِهِ فِي الْمُرَادِ بِهِ سَوَاءٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَقِمِ الصلاة لدلوك الشمس وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ من الشيطان الرجيم وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ خِطَابِ الْمُوَاجَهَةِ فَكُلُّ ذَلِكَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ تُشَارِكُهُ فِيهِ الْأُمَّةُ فَكَذَا قَوْلُهُ تعالى خذ من أموالهم صدقة فَعَلَى الْقَائِمِ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِ الْأُمَّةِ أَنْ يَحْتَذِيَ حَذْوَهُ فِي أَخْذِهَا مِنْهُمْ وَإِنَّمَا الْفَائِدَةُ فِي مُوَاجَهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخِطَابِ أَنَّهُ هُوَ الدَّاعِي إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُبَيِّنُ عَنْهُ مَعْنَى مَا أَرَادَ فَقَدَّمَ اسْمَهُ فِي الْخِطَابِ لِيَكُونَ سُلُوكُ الْأَمْرِ فِي شَرَائِعِ الدِّينِ عَلَى حَسَبِ مَا يَنْهَجُهُ وَيُبَيِّنُهُ لَهُمْ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فطلقوهن لعدتهن فَافْتَتَحَ الْخِطَابَ بِالنُّبُوَّةِ بِاسْمِهِ خُصُوصًا ثُمَّ خَاطَبَهُ وَسَائِرَ أُمَّتِهِ بِالْحُكْمِ عُمُومًا وَرُبَّمَا كَانَ الْخِطَابُ لَهُ مُوَاجَهَةً وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ كنت فى شك مما أنزلنا اليك

فاسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك إلى قوله فلا تكونن من الممترين وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَكَّ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِمَّا أُنْزِلَ إِلَيْهِ فَأَمَّا التَّطْهِيرُ وَالتَّزْكِيَةُ وَالدُّعَاءُ مِنَ الْإِمَامِ لِصَاحِبِ الصَّدَقَةِ فَإِنَّ الْفَاعِلَ فِيهَا قَدْ يَنَالُ ذَلِكَ كُلَّهُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَكُلُّ ثَوَابٍ موعود على عمل بر كَانَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ بَاقٍ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ وَعَامِلِ الصَّدَقَةِ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمُصَّدِّقِ بِالنَّمَاءِ وَالْبَرَكَةِ فِي مَالِهِ وَيُرْجَى أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ ذَلِكَ وَلَا يُخَيِّبَ مَسْأَلَتَهُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَأَوَّلْتَ أَمْرَ الطَّائِفَةِ الَّتِي مَنَعَتِ الزَّكَاةَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبْتَ إِلَيْهِ وَجَعَلْتَهُمْ أَهْلَ بَغْيٍ وَهَلْ إِذَا أَنْكَرَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي زَمَانِنَا فَرْضَ الزَّكَاةِ وَامْتَنَعُوا مِنْ أَدَائِهَا يَكُونُ حُكْمُهُمْ حُكْمَ أَهْلِ الْبَغْيِ قُلْنَا لَا فَإِنَّ مَنْ أَنْكَرَ فَرْضَ الزَّكَاةِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ كَانَ كَافِرًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَأُولَئِكَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا عُذِرُوا لِأَسْبَابٍ وَأُمُورٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْهَا قُرْبُ الْعَهْدِ بِزَمَانِ الشَّرِيعَةِ الَّذِي كَانَ يَقَعُ فِيهِ تَبْدِيلُ الْأَحْكَامِ بِالنَّسْخِ وَمِنْهَا أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا جُهَّالًا بِأُمُورِ الدِّينِ وَكَانَ عَهْدُهُمْ بِالْإِسْلَامِ قَرِيبًا فَدَخَلَتْهُمُ الشُّبْهَةُ فَعُذِرُوا فَأَمَّا الْيَوْمَ وَقَدْ شَاعَ دِينُ الْإِسْلَامِ وَاسْتَفَاضَ فِي الْمُسْلِمِينَ عِلْمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ حَتَّى عَرَفَهَا الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَاشْتَرَكَ فِيهِ الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ فَلَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِتَأْوِيلٍ يَتَأَوَّلُهُ فِي إِنْكَارِهَا وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ فِي كُلِّ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِمَّا أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ إِذَا كَانَ عِلْمُهُ مُنْتَشِرًا كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصَوْمِ شَهْرِ رمضان والاغتسال من الجنابة وتحريم الزنى وَالْخَمْرِ وَنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْأَحْكَامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلًا حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ وَلَا يَعْرِفُ حُدُودَهُ فَإِنَّهُ إِذَا أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْهَا جَهْلًا بِهِ لَمْ يَكْفُرْ وَكَانَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ أُولَئِكَ الْقَوْمِ فِي بَقَاءِ اسْمِ الدِّينِ عَلَيْهِ فَأَمَّا مَا كَانَ الْإِجْمَاعُ فِيهِ مَعْلُومًا مِنْ طَرِيقِ عِلْمِ الْخَاصَّةِ كَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَأَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا لَا يَرِثُ وَأَنَّ لِلْجَدَّةِ السُّدُسَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ فَإِنَّ مَنْ أَنْكَرَهَا لَا يَكْفُرُ بَلْ يُعْذَرُ فِيهَا لِعَدَمِ اسْتِفَاضَةِ عِلْمِهَا فِي الْعَامَّةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا عَرَضَتِ الشُّبْهَةُ لِمَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْهُ لِكَثْرَةِ مَا دَخَلَهُ مِنَ الْحَذْفِ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ لَمْ يَكُنْ سِيَاقُ الْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي كَيْفِيَّةِ الرِّدَّةِ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا قُصِدَ بِهِ حِكَايَةُ مَا جَرَى بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَمَا تَنَازَعَاهُ فِي اسْتِبَاحَةِ قِتَالِهِمْ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّمَا لَمْ يَعْنِ بِذِكْرِ جَمِيعِ الْقِصَّةِ اعْتِمَادًا عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِهَا إِذْ كَانُوا قَدْ عَلِمُوا كَيْفِيَّةَ الْقِصَّةِ وَيُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مُخْتَصَرٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ

بْنَ عُمَرَ وَأَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رَوَيَاهُ بِزِيَادَةٍ لَمْ يَذْكُرْهَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَفِي حَدِيثِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ وَفِي رِوَايَةِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنْ يَسْتَقْبِلُوا قِبْلَتَنَا وَأَنْ يَأْكُلُوا ذَبِيحَتَنَا وَأَنْ يُصَلُّوا صَلَاتَنَا فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قُلْتُ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الطَّرِيقِ الثَّالِثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَفِي اسْتِدْلَالِ أَبِي بَكْرٍ وَاعْتِرَاضِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَحْفَظَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما رواه بن عُمَرَ وَأَنَسٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ سَمِعُوا هَذِهِ الزِّيَادَاتِ الَّتِي فِي رِوَايَاتِهِمْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَإِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ سَمِعَ ذَلِكَ لَمَا خَالَفَ وَلَمَا كَانَ احْتَجَّ بِالْحَدِيثِ فَإِنَّهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَلَوْ سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَاحْتَجَّ بِهَا وَلَمَا احْتَجَّ بِالْقِيَاسِ وَالْعُمُومِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إله إلا الله فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا أَهْلُ الْأَوْثَانِ دُونَ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ يُقَاتَلُونَ وَلَا يُرْفَعُ عَنْهُمُ السَّيْفُ قَالَ وَمَعْنَى وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ أَيْ فِيمَا يَسْتَسِرُّونَ بِهِ وَيُخْفُونَهُ دُونَ مَا يُخِلُّونَ بِهِ فِي الظَّاهِرِ مِنَ الْأَحْكَامِ الْوَاجِبَةِ قَالَ فَفِيهِ أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَأَسَرَّ الْكُفْرَ قُبِلَ إِسْلَامُهُ فِي الظَّاهِرِ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَذَهَبَ مالك إلى أن توبة الزنديق لاتقبل وَيُحْكَى ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَعْنَى هَذَا وَزَادَ عَلَيْهِ وَأَوْضَحَهُ فَقَالَ اخْتِصَاصُ عِصْمَةِ

الْمَالِ وَالنَّفْسِ بِمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْبِيرٌ عَنِ الْإِجَابَةِ إِلَى الْإِيمَانِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا مُشْرِكُو الْعَرَبِ وَأَهْلُ الْأَوْثَانِ وَمَنْ لَا يُوَحِّدُ وَهُمْ كَانُوا أَوَّلَ مَنْ دُعِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَقُوتِلَ عَلَيْهِ فَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ يُقِرُّ بِالتَّوْحِيدِ فَلَا يُكْتَفَى فِي عِصْمَتِهِ بِقَوْلِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذْ كَانَ يَقُولُهَا فِي كُفْرِهِ وَهِيَ مِنَ اعْتِقَادِهِ فَلِذَلِكَ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي قُلْتُ وَلَا بُدَّ مَعَ هَذَا مِنَ الْإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا جاء فى الرواية الأخرى لأبى هُرَيْرَةَ هِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْكِتَابِ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قُلْتُ اخْتَلَفَ أصحابنا فى قبول توبة الزنديق وهو الَّذِي يُنْكِرُ الشَّرْعَ جُمْلَةً فَذَكَرُوا فِيهِ خَمْسَةَ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهَا وَالْأَصْوَبُ مِنْهَا قَبُولُهَا مُطْلَقًا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالثَّانِي لَا تُقْبَلُ وَيَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ لَكِنَّهُ إِنْ صَدَقَ فِي تَوْبَتِهِ نَفَعَهُ ذَلِكَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالثَّالِثُ إِنْ تَابَ مَرَّةً وَاحِدَةً قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ فَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ تُقْبَلْ وَالرَّابِعُ إِنْ أَسْلَمَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ قُبِلَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ تَحْتَ السَّيْفِ فَلَا وَالْخَامِسُ إِنْ كَانَ دَاعِيًا إِلَى الضَّلَالِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَإِلَّا قُبِلَ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ) ضَبَطْنَا بِوَجْهَيْنِ فَرَقَ وَفَرَّقَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَمَعْنَاهُ مَنْ أَطَاعَ فِي الصَّلَاةِ وَجَحَدَ الزَّكَاةَ أَوْ مَنَعَهَا وَفِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مَكْرُوهًا إِذَا كَانَ لِحَاجَةٍ مِنْ تَفْخِيمِ أَمْرٍ وَنَحْوِهِ قَوْلُهُ (وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ) هَكَذَا فِي مُسْلِمٍ عِقَالًا وَكَذَا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ وَفِي بَعْضِهَا عَنَاقًا بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِالنُّونِ وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَرَّرَ الْكَلَامَ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ فِي مَرَّةٍ عِقَالًا وَفِي الْأُخْرَى عَنَاقًا فَرُوِيَ عَنْهُ اللَّفْظَانِ فَأَمَّا رِوَايَةُ الْعَنَاقِ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَتِ الْغَنَمُ صغارا كلها بأن ماتت أماتها فى بعض الحول فاذا حال حول الأمات زكى السخال الصغار بحول الأمات سواء بقى من الأمات شيء

(أراد مدة عقال فنصبه على الظرف وعمرو هذا الساعي هو

أَمْ لَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَنْمَاطِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يُزَكَّى الأولاد بحول الأمات الا أن يبقى من الأمات نصاب وقال بعض أصحابنا الا أن يَبْقَى مِنَ الْأُمَّهَاتِ شَيْءٌ وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِيمَا إِذَا مَاتَ مُعْظَمُ الْكِبَارِ وَحَدَثَتْ صِغَارٌ فَحَالَ حَوْلُ الْكِبَارِ عَلَى بَقِيَّتِهَا وَعَلَى الصِّغَارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا رِوَايَةُ عِقَالًا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِيهَا فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِقَالِ زَكَاةُ عَامٍ وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ بِذَلِكَ وَهَذَا قَوْلُ النَّسَائِيِّ وَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَالْمُبَرِّدِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّ الْعِقَالَ يُطْلَقُ عَلَى زَكَاةِ الْعَامِ بِقَوْلِ عَمْرِو بْنِ الْعَدَّاءِ سَعَى عِقَالًا فَلَمْ يَتْرُكْ لَنَا سَبْدًا ... فَكَيْفَ لَوْ قَدْ سَعَى عَمْرٌو عِقَالَيْنِ ... (أَرَادَ مُدَّةَ عِقَالٍ فَنَصَبَهُ عَلَى الظَّرْفِ وَعَمْرٌو هَذَا السَّاعِي هُوَ عَمْرُو بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَلَّاهُ عَمُّهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَدَقَاتِ كَلْبٍ فَقَالَ فِيهِ قَائِلُهُمْ ذَلِكَ قَالُوا وَلِأَنَّ الْعِقَالَ الَّذِي هُوَ الْحَبْلُ الَّذِي يُعْقَلُ بِهِ الْبَعِيرُ لَا يَجِبُ دَفْعُهُ فِي الزَّكَاةِ فَلَا يَجُوزُ الْقِتَالُ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ وَذَهَبَ كَثِيرُونَ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِقَالِ الْحَبْلُ الَّذِي يُعْقَلُ بِهِ الْبَعِيرُ وَهَذَا الْقَوْلُ يُحْكَى عَنْ مَالِكٍ وبن أَبِي ذِئْبٍ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ حُذَّاقِ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ قَوْلُ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ صَدَقَةُ عَامٍ تَعَسُّفٌ وَذَهَابٌ عَنْ طَرِيقَةِ الْعَرَبِ لِأَنَّ الْكَلَامَ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّضْيِيقِ وَالتَّشْدِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ فَتَقْتَضِي قِلَّةَ مَا عَلَّقَ بِهِ الْقِتَالَ وَحَقَارَتَهُ وَإِذَا حُمِلَ عَلَى صَدَقَةِ الْعَامِ لَمْ يَحْصُلْ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ وَلَسْتُ أُشَبِّهُ هَذَا إِلَّا بِتَعَسُّفِ مَنْ قَالَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيْضَةِ بَيْضَةُ الْحَدِيدِ الَّتِي يُغَطَّى بِهَا الرَّأْسُ فِي الْحَرْبِ وَبِالْحَبْلِ الْوَاحِدِ مِنْ حِبَالِ السَّفِينَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ يَبْلُغُ دَنَانِيرَ كَثِيرَةً قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مَنْ يَعْرِفُ اللُّغَةَ وَمَخَارِجَ كَلَامِ الْعَرَبِ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مَوْضِعُ تَكْثِيرٍ لِمَا يَسْرِقُهُ فَيَصْرِفَ إليه بيضة تساوى دنانير وحبل لَا يَقْدِرُ السَّارِقُ عَلَى حَمْلِهِ وَلَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ أَنْ يَقُولُوا قَبَّحَ اللَّهُ فُلَانًا عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلضَّرْبِ فِي عِقْدِ جَوْهَرٍ وَتَعَرَّضَ لِعُقُوبَةِ الْغُلُولِ فِي جِرَابِ مِسْكٍ وَإِنَّمَا الْعَادَةُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يُقَالَ لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَرَّضَ لِقَطْعِ الْيَدِ فِي حَبْلٍ رَثٍّ أَوْ فِي كُبَّةِ شَعْرٍ وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا أَحْقَرَ كَانَ أَبْلَغَ فَالصَّحِيحُ هُنَا أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْعِقَالَ الَّذِي يُعْقَلُ بِهِ الْبَعِيرُ وَلَمْ يُرِدْ)

عَيْنَهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ قَدْرَ قِيمَتِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُبَالَغَةَ وَلِهَذَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنَاقًا وَفِي بَعْضِهَا لَوْ مَنَعُونِي جَدْيًا أَذْوَطَ وَالْأَذْوَطُ صَغِيرُ الْفَكِّ وَالذَّقَنِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يَنْبَغِي غَيْرُهُ وَعَلَى هَذَا اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِمَنَعُونِي عِقَالًا فَقِيلَ قَدْرُ قِيمَتِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ مُتَصَوَّرٌ فِي زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمُعَشَّرَاتِ وَالْمَعْدِنِ وَالزَّكَاةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَفِي الْمَوَاشِي أَيْضًا فِي بَعْضِ أَحْوَالِهَا كَمَا إِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَنَزَلَ إِلَى سِنٍّ دُونَهَا وَاخْتَارَ أَنْ يَرُدَّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَمَنَعَ مِنَ الْعِشْرِينَ قِيمَةَ عِقَالٍ وَكَمَا إِذَا كَانَتْ غَنَمُهُ سِخَالًا وَفِيهَا سَخْلَةٌ فَمَنَعَهَا وَهِيَ تُسَاوِي عِقَالًا وَنَظَائِرُ مَا ذَكَرْتُهُ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذِهِ الصُّورَةَ تَنْبِيهًا بِهَا عَلَى غَيْرِهَا وعلى أنه متصور ليس بِصَعْبٍ فَإِنِّي رَأَيْتُ كَثِيرِينَ مِمَّنْ لَمْ يُعَانِ الْفِقْهَ يَسْتَصْعِبُ تَصَوُّرَهُ حَتَّى حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ وَرُبَّمَا وَافَقَهُ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لِلْمُبَالَغَةِ وَلَيْسَ مُتَصَوَّرًا وَهَذَا غَلَطٌ قَبِيحٌ وَجَهْلٌ صَرِيحٌ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَعْنَاهُ مَنَعُونِي زَكَاةً لِعِقَالٍ إِذَا كَانَ مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ صَحِيحٌ أَيْضًا وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مَنَعُونِي عِقَالًا أَيْ مَنَعُونِي الْحَبْلَ نَفْسَهُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجَوِّزُ الْقِيمَةَ وَيَتَصَوَّرُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَحَدِ أَقْوَالِهِ فَإِنَّ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْوَاجِبِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا عَرَضًا حَبْلًا أَوْ غَيْرَهُ كَمَا يَأْخُذَ مِنَ الْمَاشِيَةِ مِنْ جِنْسِهَا وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ إِلَّا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ رُبْعَ عُشْرِ قِيمَتِهِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالثَّالِثُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْعَرَضِ وَالنَّقْدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْعِقَالَ يُؤْخَذُ مَعَ الْفَرِيضَةِ لِأَنَّ عَلَى صَاحِبِهَا تَسْلِيمَهَا وَإِنَّمَا يَقَعُ قَبْضُهَا التَّامُّ برباطها قال الخطابى قال بن عَائِشَةَ كَانَ مِنْ عَادَةِ الْمُصَّدِّقِ إِذَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ أَنْ يَعْمِدَ إِلَى قَرَنٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالرَّاءِ وَهُوَ حَبْلٌ فَيُقْرَنُ بِهِ بَيْنَ بَعِيرَيْنِ أَيْ يَشُدَّهُ فِي أَعْنَاقِهِمَا لِئَلَّا تَشْرُدَ الْإِبِلُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَكَانَ يَأْخُذُ مَعَ كُلِّ فَرِيضَتَيْنِ عِقَالَهُمَا وَقِرَانَهُمَا وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا يَأْخُذُ مَعَ كُلِّ فَرِيضَةٍ عِقَالًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ للقتال

فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ) مَعْنَى رَأَيْتُ عَلِمْتُ وَأَيْقَنْتُ وَمَعْنَى شَرَحَ فَتَحَ وَوَسَّعَ وَلَيَّنَ وَمَعْنَاهُ عَلِمْتُ بِأَنَّهُ جَازِمٌ بِالْقِتَالِ لِمَا أَلْقَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي قَلْبِهِ مِنَ الطُّمَأْنِينَةِ لِذَلِكَ وَاسْتِصْوَابِهِ ذَلِكَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ أَيْ بِمَا أَظْهَرَ مِنَ الدَّلِيلِ وَأَقَامَهُ مِنَ الْحُجَّةِ فَعَرَفْتُ بِذَلِكَ أَنَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ هُوَ الْحَقُّ لَا أَنَّ عُمَرَ قَلَّدَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ الْمُجْتَهِدَ وَقَدْ زَعَمَتِ الرَّافِضَةُ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّمَا وَافَقَ أَبَا بَكْرٍ تَقْلِيدًا وَبَنَوْهُ عَلَى مَذْهَبِهِمُ الْفَاسِدِ فِي وُجُوبِ عِصْمَةِ الْأَئِمَّةِ وَهَذِهِ جَهَالَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ) فِيهِ بَيَانُ مَا اخْتُصِرَ فِي الرِّوَايَاتِ الْأُخَرِ مِنَ الِاقْتِصَارِ عَلَى قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا وَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِمَذْهَبِ الْمُحَقِّقِينَ وَالْجَمَاهِيرِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا اعْتَقَدَ دِينَ الْإِسْلَامِ اعْتِقَادًا جَازِمًا لَا تَرَدُّدَ فِيهِ كَفَاهُ ذَلِكَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَلُّمُ أَدِلَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا خِلَافًا لِمَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ شَرْطًا فِي كونه من

أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ هُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا الْمُتَكَلِّمِينَ وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ التَّصْدِيقُ الْجَازِمُ وَقَدْ حَصَلَ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتَفَى بِالتَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْمَعْرِفَةَ بِالدَّلِيلِ فَقَدْ تَظَاهَرَتْ بِهَذَا أَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ يَحْصُلُ بِمَجْمُوعِهَا التَّوَاتُرُ بِأَصْلِهَا وَالْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي أَوَّلِ الْإِيمَانِ وَاللَّهُ أعلم قوله (ثُمَّ قَرَأَ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بمسيطر) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ مَعْنَاهُ إِنَّمَا أَنْتَ وَاعِظٌ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ إِذْ ذَاكَ إِلَّا بِالتَّذْكِيرِ ثُمَّ أُمِرَ بَعْدُ بِالْقِتَالِ والمسيطر المسلط وقيل الجبار وقيل الرَّبُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِطُرُقِهِ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْعُلُومِ وَجُمَلٍ مِنَ الْقَوَاعِدِ وَأَنَا أُشِيرُ إِلَى أَطْرَافٍ مِنْهَا مُخْتَصَرَةٍ فَفِيهِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى شَجَاعَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَقَدُّمِهِ فِي الشَّجَاعَةِ وَالْعِلْمِ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ لِلْقِتَالِ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُوَ أَكْبَرُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَنْبَطَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْعِلْمِ بِدَقِيقِ نَظَرِهِ ورصانة فكره

مَا لَمْ يُشَارِكْهُ فِي الِابْتِدَاءِ بِهِ غَيْرُهُ فَلِهَذَا وَغَيْرِهِ مِمَّا أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَقِّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ أُمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ صَنَّفَ الْعُلَمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي مَعْرِفَةِ رُجْحَانِهِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مَشْهُورَةً فِي الْأُصُولِ وَغَيْرِهَا وَمِنْ أَحْسَنِهَا كِتَابُ فَضَائِلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِلْإِمَامِ أَبِي الْمُظَفَّرِ مَنْصُورِ بْنِ مُحَمَّدِ السَّمْعَانِيِّ الشَّافِعِيِّ وَفِيهِ جَوَازُ مُرَاجَعَةِ الْأَئِمَّةِ وَالْأَكَابِرِ وَمُنَاظَرَتِهِمْ لِإِظْهَارِ الْحَقِّ وَفِيهِ أَنَّ الْإِيمَانَ شَرْطُهُ الْإِقْرَارُ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ اعْتِقَادِهِمَا وَاعْتِقَادِ جَمِيعِ مَا أَتَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ جَمَعَ ذَلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ وَفِيهِ وُجُوبُ الْجِهَادِ وَفِيهِ صِيَانَةُ مَالِ مَنْ أَتَى بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ وَنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ عِنْدَ السَّيْفِ وَفِيهِ أَنَّ الْأَحْكَامَ تَجْرِي عَلَى الظاهر والله تعالى يتولى السراء وَفِيهِ جَوَازُ الْقِيَاسِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَفِيهِ وُجُوبُ قتال ما نعى الزَّكَاةِ أَوِ الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ وَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا لِقَوْلِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا أَوْ عَنَاقًا وَفِيهِ جَوَازُ التَّمَسُّكِ بِالْعُمُومِ لِقَوْلِهِ

(باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت (ما لم يشرع

فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَفِيهِ وُجُوبُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَفِيهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي السِّخَالِ تَبَعًا لِأُمَّهَاتِهَا وَفِيهِ اجْتِهَادُ الْأَئِمَّةِ فِي النَّوَازِلِ وَرَدِّهَا إِلَى الْأُصُولِ وَمُنَاظَرَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهَا وَرُجُوعُ مَنْ ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ إِلَى قَوْلِ صَاحِبِهِ وَفِيهِ تَرْكُ تَخْطِئَةِ الْمُجْتَهِدِينَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْفُرُوعِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَفِيهِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْعَقِدُ إِذَا خَالَفَ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَاحِدٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَخَالَفَ فِيهِ أَصْحَابِ الْأُصُولِ وَفِيهِ قَبُولُ تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ وَقَدْ قَدَّمْتُ الْخِلَافَ فِيهِ وَاضِحًا وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ وَالْفَضْلُ وَالْمِنَّةُ وبه التوفيق والعصمة [24] (باب الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ إِسْلَامِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ (ما لم يشرع فى النزع وهو الْغَرْغَرَةِ وَنَسْخِ جَوَازِ الِاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ) (مَنْ مَاتَ عَلَى الشِّرْكِ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ وَلَا يُنْقِذُهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ مِنَ الْوَسَائِلِ) فِيهِ حَدِيثُ وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ حَدِيثٌ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى إِخْرَاجِهِ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرْوِهِ عَنِ الْمُسَيَّبِ إِلَّا ابْنُهُ سَعِيدٌ كَذَا قَالَهُ الْحُفَّاظُ وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ البيع الْحَافِظِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ لَمْ يُخَرِّجِ الْبُخَارِيُّ وَلَا مُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا رَاوٍ وَاحِدٌ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مِنْ غَيْرِ الصَّحَابَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا أَسْمَاءُ رُوَاةِ الْبَابِ فَفِيهِ حَرْمَلَةُ التُّجِيبِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ وَأَنَّ الْأَشْهَرَ فِيهِ ضَمُّ التَّاءِ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ وَتَقَدَّمَتِ اللُّغَاتُ السِّتُّ فِي يُونُسَ فِيهَا وَتَقَدَّمَ فِيهَا الْخِلَافُ فِي فَتْحِ الْيَاءِ مِنَ الْمُسَيَّبِ وَالِدِ سَعِيدٍ هَذَا خَاصَّةً وَكَسْرِهَا وَأَنَّ الْأَشْهَرَ الْفَتْحُ وَاسْمُ أَبِي طَالِبٍ عَبْدُ مَنَافٍ وَاسْمُ أَبِي جَهْلٍ عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ وَفِيهِ صَالِحٌ عن الزهري عن بن الْمُسَيَّبِ هُوَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَكَانَ أَكْبَرَ سِنًّا مِنَ الزُّهْرِيِّ وَابْتَدَأَ بِالتَّعَلُّمِ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَلِصَالِحٍ تِسْعُونَ سَنَةً مَاتَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَاجْتَمَعَ فِي الْإِسْنَادِ طُرْفَتَانِ إِحْدَاهُمَا رِوَايَةُ الْأَكَابِرِ عَنِ الْأَصَاغِرِ وَالْأُخْرَى ثَلَاثَةٌ تَابِعِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَفِيهِ أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَبَا حَازِمٍ الرَّاوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ اسْمُهُ سَلْمَانُ مَوْلَى عزة)

وَأَمَّا أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَاسْمُهُ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ (لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ) فَالْمُرَادُ قَرُبَتْ وَفَاتُهُ وَحَضَرَتْ دَلَائِلُهَا وَذَلِكَ قَبْلَ الْمُعَايَنَةِ وَالنَّزْعِ وَلَوْ كَانَ فِي حَالِ الْمُعَايَنَةِ وَالنَّزْعِ لَمَا نَفَعَهُ الْإِيمَانُ وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قال انى تبت الآن وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ الْمُعَايَنَةِ مُحَاوَرَتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ جَعَلَ الْحُضُورَ هُنَا عَلَى حَقِيقَةِ الِاحْتِضَارِ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَا بِقَوْلِهِ ذَلِكَ حِينَئِذٍ أَنْ تَنَالَهُ الرَّحْمَةُ بِبَرَكَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عليه ويعيد له تلك المقالة) فَهَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ وَيُعِيدُ لَهُ يَعْنِي أَبَا طَالِبٍ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ جَمِيعِ الْأُصُولِ وَالشُّيُوخِ قَالَ وَفِي نُسْخَةٍ وَيُعِيدَانِ لَهُ عَلَى التَّثْنِيَةِ لِأَبِي جَهْلٍ وبن أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا أَشْبَهُ وَقَوْلُهُ يَعْرِضُهَا بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَأَمَّا قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ بِهِ هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) فَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْآدَابِ وَالتَّصَرُّفَاتِ وَهُوَ أَنَّ مَنْ حَكَى قَوْلَ غَيْرِهِ الْقَبِيحَ أَتَى بِهِ بِضَمِيرِ الْغَيْبَةِ لِقُبْحِ صُورَةِ لَفْظِهِ الْوَاقِعِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمْ وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ

لَكَ) فَهَكَذَا ضَبَطْنَاهُ أَمْ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ بَعْدَ الْمِيمِ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ أَوْ أَكْثَرِهَا أَمَا وَاللَّهِ بِأَلِفٍ بَعْدَ الْمِيمِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو السَّعَادَاتِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيُّ الْحَسَنِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الشَّجَرِيِّ فِي كِتَابِهِ الْأَمَالِي مَا الْمَزِيدَةُ لِلتَّوْكِيدِ رَكَّبُوهَا مَعَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَاسْتَعْمَلُوا مَجْمُوعَهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنَى حَقًّا فِي قَوْلِهِمْ أَمَا وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ افْتِتَاحًا لِلْكَلَامِ بِمَنْزِلَةِ أَلَا كَقَوْلِكَ أَمَا إِنَّ زَيْدًا مُنْطَلِقٌ وَأَكْثَرُ مَا تُحْذَفُ أَلِفُهَا إِذَا وَقَعَ بَعْدَهَا الْقَسَمُ لِيَدُلُّوا عَلَى شِدَّةِ اتِّصَالِ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ إِذَا بَقِيَتْ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ لَمْ تَقُمْ بِنَفْسِهَا فَعُلِمَ بِحَذْفِ أَلِفِ مَا افْتِقَارُهَا إِلَى الِاتِّصَالِ بِالْهَمْزَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَفِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ وَكَانَ الْحَلِفُ هُنَا لِتَوْكِيدِ الْعَزْمِ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ وَتَطْيِيبًا لِنَفْسِ أَبِي طَالِبٍ وَكَانَتْ وَفَاةُ أَبِي طَالِبٍ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بقليل قال بن فَارِسٍ مَاتَ أَبُو طَالِبٍ وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم تسع وأربعون سَنَةً وَثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ وَأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا وَتُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بَعْدَ مَوْتِ أَبِي طَالِبٍ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أن يستغفروا للمشركين فَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَأَهْلُ الْمَعَانِي مَعْنَاهُ مَا يَنْبَغِي لَهُمْ قَالُوا وَهُوَ نَهْيٌ وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ تعالى ولو كانوا أولى قربى وَاوُ الْحَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ وَكَذَا نَقَلَ إِجْمَاعَهُمْ عَلَى هَذَا الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ وَهِيَ عَامَّةٌ فَإِنَّهُ لَا يَهْدِي وَلَا يُضِلُّ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى مَنْ أَحْبَبْتَ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا مَعْنَاهُ مَنْ أَحْبَبْتَهُ لِقَرَابَتِهِ وَالثَّانِي من أحببت أن يهتدى

قال بن عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ أَيْ بِمَنْ قُدِّرَ لَهُ الْهُدَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا قَوْلُهُ (يَقُولُونَ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَزَعُ لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ) فَهَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ وَجَمِيعِ رِوَايَاتِ الْمُحَدِّثِينَ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ الْجَزَعُ بِالْجِيمِ وَالزَّايِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنْ جَمِيعِ رِوَايَاتِ الْمُحَدِّثِينَ وَأَصْحَابِ الْأَخْبَارِ أَيِ التَّوَارِيخِ وَالسِّيَرِ وَذَهَبَ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ إِلَى أَنَّهُ الْخَرَعُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ أَيْضًا وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ كَذَلِكَ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ وَنَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ ثَعْلَبٍ مُخْتَارًا لَهُ وَقَالَهُ أَيْضًا شِمْرٌ وَمَنَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَبُو الْقَاسِمِ الزَّمَخْشَرِيُّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَبَّهَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِنَا عَلَى أَنَّهُ الصَّوَابُ قَالُوا وَالْخَرَعُ هُوَ الضَّعْفُ وَالْخَوَرُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَقِيلَ الْخَرَعُ الدَّهَشُ قَالَ شِمْرٌ كُلُّ رَخْوٍ ضَعِيفٍ خَرِيعٌ وَخَرِعٌ

(باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة

قَالَ وَالْخَرَعُ الدَّهَشُ قَالَ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ فَأَحْسَنُ مَا يُقَالُ فِيهِ مَا قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ قَالَ مَعْنَى أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ أَيْ بَلَّغَهُ اللَّهُ أُمْنِيَّتهُ حَتَّى تَرْضَى نَفْسُهُ وَتَقَرَّ عَيْنُهُ فَلَا تَسْتَشْرِفَ لِشَيْءٍ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ مَعْنَاهُ أَبْرَدَ اللَّهُ دَمْعَتَهُ لِأَنَّ دَمْعَةَ الْفَرَحِ بَارِدَةٌ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَرَاهُ اللَّهُ مَا يَسُرُّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [26] (باب الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ دَخَلَ الْجَنَّةَ قَطْعًا هَذَا الْبَابُ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَتَنْتَهِي إِلَى حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَقِّ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ مَنْ مَاتَ مُوَحِّدًا دَخَلَ الْجَنَّةَ قَطْعًا عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنْ كَانَ سَالِمًا مِنَ الْمَعَاصِي كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَالَّذِي اتَّصَلَ جُنُونُهُ بِالْبُلُوغِ وَالتَّائِبِ تَوْبَةً صَحِيحَةً مِنَ الشِّرْكِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْمَعَاصِي إِذَا لَمْ يُحْدِثْ مَعْصِيَةً بَعْدَ تَوْبَتِهِ وَالْمُوَفَّقُ الَّذِي لَمْ يُبْتَلَ بِمَعْصِيَةٍ أَصْلًا فَكُلُّ هَذَا الصِّنْفِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يَدْخُلُونَ النَّارَ أَصْلًا لَكِنَّهُمْ يَرِدُونَهَا عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي الْوُرُودِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى ظَهْرِ جَهَنَّمَ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْهَا وَمِنْ سَائِرِ الْمَكْرُوهِ وَأَمَّا مَنْ كَانَتْ لَهُ مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ فَهُوَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ أَوَّلًا وَجَعَلَهُ كَالْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ الْقَدْرَ الَّذِي يُرِيدُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ثُمَّ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ فَلَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ أَحَدٌ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَلَوْ عَمِلَ مِنَ الْمَعَاصِي مَا عَمِلَ كَمَا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ وَلَوْ عَمِلَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ مَا عَمِلَ هَذَا مُخْتَصَرٌ جَامِعٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنَ الْأُمَّةِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَتَوَاتَرَتْ بِذَلِكَ نُصُوصٌ تُحَصِّلُ الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ حُمِلَ عَلَيْهَا جَمِيعُ مَا وَرَدَ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهِ فَإِذَا وَرَدَ حَدِيثٌ فِي ظَاهِرِهِ مُخَالَفَةٌ وَجَبَ تَأْوِيلُهُ عَلَيْهَا لِيُجْمَعَ بَيْنَ نُصُوصِ الشَّرْعِ وَسَنَذْكُرُ مِنْ تَأْوِيلِ بَعْضِهَا مَا يُعْرَفُ بِهِ تَأَوِيلُ الْبَاقِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا شَرْحُ أَحَادِيثِ الْبَابِ فَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا مُرَتَّبَةً لَفْظًا وَمَعْنًى إِسْنَادًا وَمَتْنًا فقَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ)

بن أبى شيبة حدثنا بن عُلَيَّةَ عَنْ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ حُمْرَانَ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ) أَمَّا إسماعيل بن ابراهيم فهو بن عُلَيَّةَ وَهَذَا مِنَ احْتِيَاطِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فان أحد الراويين قال بن عُلَيَّةَ وَالْآخَرَ قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فَبَيَّنَهُمَا ولم يقتصر على أحدهما وعلية أُمُّ إِسْمَاعِيلَ وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ لَهُ بن عُلَيَّةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَأَمَّا خَالِدٌ فَهُوَ بن مِهْرَانَ الْحَذَّاءُ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ مَمْدُودٌ وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْمَنَازِلِ بِالْمِيمِ الْمَضْمُومَةِ وَالنُّونِ وَالزَّايِ وَاللَّامِ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ لَمْ يَكُنْ خَالِدٌ حَذَّاءً قَطُّ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَجْلِسُ إِلَيْهِمْ فَقِيلَ لَهُ الْحَذَّاءُ لِذَلِكَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ فَهْدُ بْنُ حَيَّانَ بِالْفَاءِ إِنَّمَا كان يقول أحذوا على هذا النحو فلقب بِالْحَذَّاءِ وَخَالِدٌ يُعَدُّ فِي التَّابِعِينَ وَأَمَّا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الْعَنْبَرِيُّ الْبَصْرِيُّ أَبُو بِشْرٍ فَرَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَرُبَّمَا اشْتَبَهَ عَلَى بَعْضِ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الْأَسْمَاءَ بِالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْأُمَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الدِّمَشْقِيِّ أَبِي الْعَبَّاسِ صَاحِبِ الْأَوْزَاعِيِّ وَلَا يَشْتَبِهُ ذَلِكَ عَلَى الْعُلَمَاءِ بِهِ فَإِنَّهُمَا مُفْتَرِقَانِ فِي النَّسَبِ إِلَى الْقَبِيلَةِ وَالْبَلْدَةِ وَالْكُنْيَةِ كَمَا ذَكَرْنَا وَفِي الطَّبَقَةِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ أَقْدَمُ طَبَقَةً وَهُوَ فِي طَبَقَةِ كِبَارِ شُيُوخِ الثَّانِي وَيَفْتَرِقَانِ أَيْضًا فِي الشُّهْرَةِ والعلم والجلالة فان الثانى متميز بذلك كُلِّهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ انْتَهَى عِلْمُ الشَّامِ إِلَيْهِ وَإِلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَكَانَ أَجَلَّ مِنِ بن عَيَّاشٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا حُمْرَانُ فَبِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَهُوَ حُمْرَانُ بْنُ أَبَانٍ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانٍ رضى الله عنه كنية حمران أبو يزيد كَانَ مِنْ سَبْيِ عَيْنِ التَّمْرِ وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَقَدْ جَمَعَ فِيهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ كَلَامًا حَسَنًا جَمَعَ فِيهِ نَفَائِسَ فَأَنَا أَنْقُلُ كَلَامَهُ مُخْتَصَرًا ثُمَّ أَضُمُّ بَعْدَهُ إِلَيْهِ مَا حَضَرَنِي مِنْ زِيَادَةٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَتَيْنِ فَقَالَتِ الْمُرْجِئَةُ لَا تَضُرُّهُ الْمَعْصِيَةُ مَعَ الْإِيمَانِ وَقَالَتِ الْخَوَارِجُ تَضُرُّهُ وَيَكْفُرُ بِهَا وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ يَخْلُدُ فِي النَّارِ إِذَا كَانَتْ مَعْصِيَتُهُ كَبِيرَةً وَلَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ وَلَكِنْ يُوصَفُ بأنه

فَاسِقٌ وَقَالَتِ الْأَشْعَرِيَّةُ بَلْ هُوَ مُؤْمِنٌ وَإِنْ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ وَعُذِّبَ فَلَا بُدَّ مِنْ إِخْرَاجِهِ مِنَ النَّارِ وَإِدْخَالِهِ الْجَنَّةَ قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَأَمَّا الْمُرْجِئَةُ فَإِنِ احْتَجَّتْ بِظَاهِرِهِ قُلْنَا مَحْمَلُهُ عَلَى أَنَّهُ غُفِرَ لَهُ أَوْ أُخْرِجَ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ ثُمَّ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَيْ دَخَلَهَا بَعْدَ مُجَازَاتِهِ بِالْعَذَابِ وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ لِمَا جَاءَ فِي ظَوَاهِرَ كَثِيرَةٍ مِنْ عَذَابِ بَعْضِ الْعُصَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِ هذا لئلا تتناقض نصوص الشريعة وفى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَعْلَمُ إِشَارَةً إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ غُلَاةِ الْمُرْجِئَةِ إِنَّ مُظْهِرَ الشَّهَادَتَيْنِ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ وَقَدْ قَيَّدَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ آخَرَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا وَهَذَا يُؤَكِّدُ مَا قُلْنَاهُ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهِ أَيْضًا مَنْ يَرَى أَنَّ مُجَرَّدَ مَعْرِفَةِ الْقَلْبِ نَافِعَةٌ دُونَ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى الْعِلْمِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ مُرْتَبِطَةٌ بِالشَّهَادَتَيْنِ لَا تَنْفَعُ إِحْدَاهُمَا وَلَا تُنَجِّي مِنَ النَّارِ دُونَ الْأُخْرَى إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ لِآفَةٍ بِلِسَانِهِ أَوْ لَمْ تُمْهِلْهُ الْمُدَّةَ لِيَقُولَهَا بَلِ اخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّةُ وَلَا حُجَّةَ لِمُخَالِفِ الْجَمَاعَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ إِذْ قَدْ وَرَدَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ وَأَمْثَالُهُ كَثِيرَةٌ فِي أَلْفَاظِهَا اخْتِلَافٌ وَلِمَعَانِيهَا عِنْدَ أَهْلِ التَّحْقِيقِ ائْتِلَافٌ فَجَاءَ هَذَا اللَّفْظُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَفِي رِوَايَةِ مُعَاذٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا الله دخل الْجَنَّةَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من لقى الله لايشرك بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ وَنَحْوُهُ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَعِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ وَزَادَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرُ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا الله يبتغى بذلك وجه الله تعالى وهذه الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا سَرَدَهَا مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَحَكَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ رَحِمَهُمُ الله منهم بن الْمُسَيَّبِ أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ مُجْمَلَةٌ تَحْتَاجُ إِلَى شَرْحٍ وَمَعْنَاهُ مَنْ قَالَ الْكَلِمَةَ وَأَدَّى حَقَّهَا وَفَرِيضَتَهَا وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ لِمَنْ قَالَهَا عِنْدَ النَّدَمِ وَالتَّوْبَةِ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا قَوْلُ الْبُخَارِيِّ وَهَذِهِ التَّأْوِيلَاتُ إِنَّمَا هِيَ إِذَا حُمِلَتِ الْأَحَادِيثُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَأَمَّا إِذَا نَزَلَتْ مَنَازِلَهَا فَلَا يُشْكِلُ تَأْوِيلُهَا عَلَى مَا بَيَّنَهُ

الْمُحَقِّقُونَ فَنُقَرِّرَ أَوَّلًا أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِأَجْمَعِهِمْ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى مَذْهَبِهِمْ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ أَنَّ أَهْلَ الذُّنُوبِ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ وَتَشَهَّدَ مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَإِنْ كَانَ تَائِبًا أَوْ سَلِيمًا مِنَ الْمَعَاصِي دَخَلَ الْجَنَّةَ بِرَحْمَةِ رَبِّهِ وَحَرُمَ عَلَى النَّارِ بِالْجُمْلَةِ فَإِنْ حَمَلْنَا اللَّفْظَيْنِ الْوَارِدَيْنِ عَلَى هَذَا فِيمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ كَانَ بَيِّنًا وَهَذَا مَعْنًى تَأْوِيلَيِ الْحَسَنِ وَالْبُخَارِيِّ وَإِنْ كَانَ هَذَا مِنَ الْمُخَلِّطِينَ بِتَضْيِيعِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَوْ بِفِعْلِ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ فَهُوَ فِي الْمَشِيئَةِ لَا يُقْطَعُ فِي أَمْرِهِ بِتَحْرِيمِهِ عَلَى النَّارِ وَلَا بِاسْتِحْقَاقِهِ الْجَنَّةَ لِأَوَّلِ وَهْلَةٍ بَلْ يُقْطَعُ بِأَنَّهُ لابد مِنْ دُخُولِهِ الْجَنَّةَ آخِرًا وَحَالُهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي خَطَرِ الْمُشِيئَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَذَّبَهُ بِذَنْبِهِ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ بِفَضْلِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ تَسْتَقِلَّ الْأَحَادِيثُ بِنَفْسِهَا وَيُجْمَعُ بَيْنَهَا فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِاسْتِحْقَاقِ الْجَنَّةِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ إِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهَا لِكُلِّ مُوَحِّدٍ إِمَّا مُعَجَّلًا مُعَافًى وَإِمَّا مؤخرا بعد عقابه وَالْمُرَادُ بِتَحْرِيمِ النَّارِ تَحْرِيمُ الْخُلُودِ خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ والمعتزلة فى المسئلتين وَيَجُوزُ فِي حَدِيثِ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَنْ يَكُونَ خُصُوصًا لِمَنْ كَانَ هَذَا آخِرَ نُطْقِهِ وَخَاتِمَةَ لَفْظِهِ وَإِنْ كَانَ قَبْلُ مُخَلِّطًا فَيَكُونُ سَبَبًا لِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ وَنَجَاتِهِ رَأْسًا مِنَ النَّارِ وَتَحْرِيمِهِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ آخِرَ كَلَامِهِ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ الْمُخَلِّطِينَ وَكَذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ مِنْ مِثْلِ هَذَا وَدُخُولُهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ يَكُونُ خُصُوصًا لِمَنْ قَالَ مَا ذَكَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرَنَ بِالشَّهَادَتَيْنِ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ الَّذِي وَرَدَ فِي حَدِيثِهِ فَيَكُونُ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مَا يَرْجَحُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ وَيُوجِبُ لَهُ الْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ وَدُخُولَ الْجَنَّةِ لِأَوَّلِ وَهْلَةٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ فِي نِهَايَةِ الْحُسْنِ وَأَمَّا مَا حكاه عن بن الْمُسَيَّبِ وَغَيْرِهِ فَضَعِيفٌ بَاطِلٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ رَاوِيَ أَحَدِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ أَسْلَمَ عَامَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ بِالِاتِّفَاقِ وَكَانَتْ أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ مُسْتَقِرَّةً وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْوَاجِبَاتِ كَانَتْ فُرُوضُهَا مُسْتَقِرَّةً وَكَانَتِ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالزَّكَاةُ وَغَيْرُهَا مِنَ الْأَحْكَامِ قَدْ تَقَرَّرَ فَرْضُهَا وَكَذَا الْحَجُّ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ فُرِضَ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ وَهُمَا أَرْجَحُ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ سَنَةَ تِسْعٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَأْوِيلًا آخَرَ فِي الظَّوَاهِرِ الْوَارِدَةِ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَةِ فَقَالَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اقْتِصَارًا مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ نَشَأَ مِنْ

تَقْصِيرِهِ فِي الْحِفْظِ وَالضَّبْطِ لَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلَالَةِ مَجِيئِهِ تَامًّا فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَحْوُ هَذَا التَّأْوِيلِ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اخْتِصَارًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا خَاطَبَ بِهِ الْكُفَّارَ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ الَّذِينَ كَانَ تَوْحِيدُهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى مَصْحُوبًا بِسَائِرِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ وَمُسْتَلْزِمًا لَهُ وَالْكَافِرُ إِذَا كَانَ لَا يُقِرُّ بِالْوَحْدَانِيَّةِ كَالْوَثَنِيِّ وَالثَّنَوِيِّ فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحَالُهُ الْحَالُ الَّتِي حَكَيْنَاهَا حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ وَلَا نَقُولُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ مَا قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ أَنَّ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ثُمَّ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ سَائِرِ الْأَحْكَامِ فَإِنَّ حَاصِلَهُ رَاجِعٌ إِلَى أَنَّهُ يُجْبَرُ حِينَئِذٍ عَلَى إِتْمَامِ الْإِسْلَامِ وَيُجْعَلُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْكَمَ بِإِسْلَامِهِ بِذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَفِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَمَنْ وَصَفْنَاهُ مُسْلِم فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَفِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ [27] (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ الْأَشْجَعِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هريرة أوعن أَبِي سَعِيدٍ شَكَّ الْأَعْمَشُ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ غَزْوَةِ تَبُوكَ الْحَدِيثَ) هَذَانِ الْإِسْنَادَانِ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَعَلَّلَهُ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَعَلَّلَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَبَا أُسَامَةَ وَغَيْرَهُ خَالَفُوا عُبَيْدَ اللَّهِ الْأَشْجَعِيَّ فَرَوَوْهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ مُرْسَلًا وَأَمَّا الثَّانِي فَعَلَّلَهُ لِكَوْنِهِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَنِ الْأَعْمَشِ فَقِيلَ فِيهِ أَيْضًا عَنْهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ جَابِرٍ وَكَانَ الْأَعْمَشُ يَشُكُّ فِيهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَانِ الِاسْتِدْرَاكَانِ مِنَ الدَّارَقُطْنِيِّ مَعَ أَكْثَرِ اسْتِدْرَاكَاتِهِ عَلَى الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قَدْحٌ فِي أَسَانِيدِهِمَا غَيْرُ مُخْرِجٍ لِمُتُونِ الْأَحَادِيثِ مِنْ حَيِّزِ الصِّحَّةِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَبُو مَسْعُودٍ إِبْرَاهِيمَ بن محمد

الدِّمَشْقِيُّ الْحَافِظُ فِيمَا أَجَابَ الدَّارَقُطْنِيَّ عَنِ اسْتِدْرَاكَاتِهِ عَلَى مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْأَشْجَعِيَّ ثِقَةٌ مُجَوِّدٌ فَإِذَا جَوَّدَ مَا قَصَّرَ فِيهِ غَيْرُهُ حُكِمَ لَهُ بِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْحَدِيثُ لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِوَايَةِ الْأَعْمَشِ لَهُ مُسْنَدًا وَبِرِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ وَإِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ الشَّيْخُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا شَكُّ الْأَعْمَشِ فَهُوَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي مَتْنِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ شَكٌّ فِي عَيْنِ الصَّحَابِيِّ الرَّاوِي لَهُ وَذَلِكَ غَيْرُ قَادِحٍ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كُلُّهُمْ عُدُولٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو رَحِمَهُ اللَّهُ قُلْتُ وَهَذَانِ الِاسْتِدْرَاكَانِ لَا يَسْتَقِيمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّا قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ بَعْضُ الثِّقَاتِ مَوْصُولًا وَبَعْضُهُمْ مُرْسَلًا فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْفُقَهَاءُ وَأَصْحَابُ الْأُصُولِ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّ الْحُكْمَ لِرِوَايَةِ الْوَصْلِ سَوَاءٌ كَانَ رَاوِيهَا أَقَلَّ عددا من رواية الارسال أو مساويا لِأَنَّهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ فَهَذَا مَوْجُودٌ هُنَا وَهُوَ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ جَوَّدَ وحفظ ماقصر فِيهِ غَيْرُهُ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُمْ قَالُوا إِذَا قَالَ الرَّاوِي حَدَّثَنِي فُلَانٌ أَوْ فُلَانٌ وَهُمَا ثِقَتَانِ احْتُجَّ بِهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرِّوَايَةُ عَنْ ثِقَةٍ مُسَمًّى وَقَدْ حَصَلَ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ ذَكَرَهَا الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي الْكِفَايَةِ وَذَكَرَهَا غَيْرُهُ وَهَذَا فِي غَيْرِ الصَّحَابَةِ فَفِي الصَّحَابَةِ أَوْلَى فَإِنَّهُمْ كُلُّهُمْ عُدُولٌ فَلَا غَرَضَ فِي تَعْيِينِ الرَّاوِي مِنْهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا ضَبْطُ لَفْظِ الْإِسْنَادِ فَمِغْوَلٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَأَمَّا مُصَرِّفٌ فَبِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْمُحَدِّثِينَ وَأَصْحَابِ الْمُؤْتَلِفِ وَأَصْحَابِ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ وَغَيْرِهِمْ وَحَكَى الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَلَعِيُّ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ أَلْفَاظُ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ يُرْوَى بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ مِنْ رِوَايَةِ الْفَتْحِ غَرِيبٌ مُنْكَرٌ وَلَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ وَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَلَّدَ فِيهِ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ أَوْ بَعْضَ النُّسَخِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَهَذَا كَثِيرٌ يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَفِي الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي شَرْحِ أَلْفَاظِهَا فَيَقَعُ فِيهَا تَصْحِيفَاتٌ وَنُقُولٌ غَرِيبَةٌ لا تعرف وأكثر هذه الغريبة أَغَالِيطُ لِكَوْنِ النَّاقِلِينَ لَهَا لَمْ يَتَحَرَّوْا فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَتَّى

هَمَّ بِنَحْرِ بَعْضِ حَمَائِلِهِمْ) رُوِيَ بِالْحَاءِ وَبِالْجِيمِ وَقَدْ نَقَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّرَّاحِ الْوَجْهَيْنِ لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي الرَّاجِحِ مِنْهُمَا فَمِمَّنْ نَقَلَ الْوَجْهَيْنِ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَالشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُمَا وَاخْتَارَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ الْجِيمَ وَجَزَمَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِالْحَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو رَحِمَهُ اللَّهُ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَهُوَ بِالْحَاءِ جَمْعُ حَمُولَةٍ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَهِيَ الْإِبِلُ الَّتِي تَحْمِلُ وَبِالْجِيمِ جَمْعُ جِمَالَةً بِكَسْرِهَا جَمْعُ جَمَلٍ وَنَظِيرُهُ حَجَرٌ وَحِجَارَةٌ وَالْجَمَلُ هُوَ الذَّكَرُ دُونَ النَّاقَةِ وَفِي هَذَا الَّذِي هَمَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانٌ لِمُرَاعَاةِ الْمَصَالِحِ وَتَقْدِيمُ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ وَارْتِكَابُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ لِدَفْعِ أَضَرِّهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ جَمَعْتَ مَا بَقِيَ مِنْ أَزْوَادِ الْقَوْمِ) هَذَا فِيهِ بَيَانُ جَوَازِ عَرْضِ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً لِيَنْظُرَ الْفَاضِلُ فِيهِ فَإِنْ ظَهَرَتْ لَهُ مَصْلَحَةٌ فَعَلَهُ وَيُقَالُ بَقِيَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ لُغَةُ أَكْثَرِ الْعَرَبِ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ وَالْفَتْحُ لُغَةُ طَيٍّ وَكَذَا يَقُولُونَ فِيمَا أَشْبَهَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَجَاءَ ذُو الْبُرِّ بِبُرِّهِ وَذُو التَّمْرِ بِتَمْرِهِ قَالَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَذُو النَّوَاةِ بِنَوَاهُ) هَكَذَا هُوَ فِي أُصُولِنَا وَغَيْرِهَا الْأَوَّلُ النَّوَاةُ بِالتَّاءِ فِي آخِرِهِ وَالثَّانِي بِحَذْفِهَا وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ الْأُصُولِ كُلِّهَا ثُمَّ قَالَ وَوَجْهُهُ ذُو النَّوَى بِنَوَاهُ كَمَا قَالَ ذُو التَّمْرِ بِتَمْرِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِ أَبِي نُعَيْمٍ الْمُخَرَّجُ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ ذُو النَّوَى بِنَوَاهُ قَالَ وَلِلْوَاقِعِ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ وَجْهٌ صَحِيحٌ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ النَّوَاةَ عِبَارَةً عَنْ جُمْلَةٍ مِنَ النَّوَى أُفْرِدَتْ عَنْ غَيْرِهَا كَمَا أُطْلِقَ اسْمُ الْكَلِمَةِ عَلَى الْقَصِيدَةِ أَوْ تَكُونَ النَّوَاةُ مِنْ قَبِيلِ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ ثُمَّ إِنَّ الْقَائِلَ قَالَ مُجَاهِدٌ هُوَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ قَالَهُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْمِصْرِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ خَلْطِ الْمُسَافِرِينَ أَزْوَادَهُمْ وَأَكْلِهِمْ مِنْهَا مُجْتَمِعِينَ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَأْكُلُ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كَانُوا يَمَصُّونَهَا) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ هَذِهِ اللُّغَةِ الْفَصِيحَةُ

الْمَشْهُورَةُ وَيُقَالُ مَصِصْتُ الرُّمَّانَةَ وَالتَّمْرَةَ وَشِبْهَهُمَا بِكَسْرِ الصاد أمصها بفتح الميم وحكى الازهرى عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ ضَمَّ الْمِيمِ وَحَكَى أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ فِي شَرْحِ الْفَصِيحِ عَنْ ثَعْلَبٍ عن بن الْأَعْرَابِيِّ هَاتَيْنِ اللُّغَتَيْنِ مَصِصْتُ بِكَسْرِ الصَّادِ أَمُصُّ بفتح الْمِيمِ وَمَصَصْتُ بِفَتْحِ الصَّادِ أَمُصُّ بِضَمِّ الْمِيمِ مصافيهما فَأَنَا مَاصٌّ وَهِيَ مَمْصُوصَةٌ وَإِذَا أَمَرْتُ مِنْهُمَا قُلْتُ مَصَّ الرُّمَّانَةَ وَمَصِّهَا وَمُصَّهَا وَمُصِّهَا وَمُصُّهَا فَهَذِهِ خَمْسُ لُغَاتٍ فِي الْأَمْرِ فَتْحُ الْمِيمِ مَعَ الصَّادِ وَمَعَ كَسْرِهَا وَضَمِّ الْمِيمِ مَعَ فَتْحِ الصَّادِ وَمَعَ كَسْرِهَا وَضَمِّهَا هَذَا كَلَامُ ثَعْلَبٍ وَالْفَصِيحُ الْمَعْرُوفُ فِي مَصِّهَا وَنَحْوِهِ مِمَّا يَتَّصِلُ بِهِ هَاءُ التَّأْنِيثِ لِمُؤَنَّثٍ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ فَتْحُ مَا يَلِي الْهَاءَ وَلَا يُكْسَرُ وَلَا يُضَمُّ قَوْلُهُ (حَتَّى مَلَأَ الْقَوْمُ أَزْوِدَتَهُمْ) هَكَذَا الرِّوَايَةُ فِيهِ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ وَكَذَا نَقَلَهُ عَنِ الْأُصُولِ جَمِيعِهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ الْأَزْوِدَةُ جَمْعُ زَادٍ وَهِيَ لَا تُمْلَأُ إِنَّمَا تُمْلَأُ بِهَا أَوْعِيَتُهَا قَالَ وَوَجْهُهُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ حَتَّى مَلَأَ الْقَوْمُ أَوْعِيَةَ أَزْوِدَتِهِمْ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَمَّى الْأَوْعِيَةَ أَزْوَادًا بِاسْمِ مَا فِيهَا كَمَا فِي نَظَائِرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ الظَّاهِرَةِ وَمَا أَكْثَرَ نَظَائِرَهُ الَّتِي يَزِيدُ مَجْمُوعُهَا عَلَى شَرْطِ التَّوَاتُرِ وَيُحْصُلُ الْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ وَقَدْ جَمَعَهَا الْعُلَمَاءُ وَصَنَّفُوا فِيهَا كُتُبًا مَشْهُورَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (لَمَّا كَانَ يَوْمُ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ يَوْمُ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ هُنَا الْوَقْتُ وَالزَّمَانُ لَا الْيَوْمُ الَّذِي هُوَ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَغُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَيْسَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ أَوْ أَكْثَرِهَا ذِكْرُ الْيَوْمِ هُنَا وَأَمَّا الْغَزْوَةِ فَيُقَالُ فِيهَا أَيْضًا الْغَزَاةُ وَأَمَّا تَبُوكُ فَهِيَ مِنْ أَدْنَى أَرْضِ الشَّامِ وَالْمَجَاعَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَهُوَ الجوع الشديد

قَوْلُهُ (فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَذِنْتَ لَنَا فَنَحَرْنَا نَوَاضِحَنَا فَأَكَلْنَا وَادَّهَنَّا) النَّوَاضِحُ مِنَ الْإِبِلِ الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الذَّكَرُ مِنْهَا نَاضِحٌ وَالْأُنْثَى نَاضِحَةٌ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ وَادَّهَنَّا لَيْسَ مَقْصُودُهُ مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنَ الِادِّهَانِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ اتَّخَذْنَا دُهْنًا مِنْ شُحُومِهَا وَقَوْلُهُمْ لَوْ أَذِنْتَ لَنَا هَذَا مِنْ أَحْسَنِ آدَابِ خِطَابِ الْكِبَارِ وَالسُّؤَالِ مِنْهُمْ فَيُقَالُ لَوْ فَعَلْتَ كَذَا أَوْ أَمَرْتَ بِكَذَا لَوْ أَذِنْتَ فِي كَذَا وَأَشَرْتَ بِكَذَا وَمَعْنَاهُ لَكَانَ خَيْرًا أَوْ لَكَانَ صَوَابًا وَرَأْيًا مَتِينًا أَوْ مَصْلَحَةً ظَاهِرَةً وَمَا أَشْبَهَ هَذَا فَهَذَا أَجْمَلُ مِنْ قَوْلِهِمْ لِلْكَبِيرِ افْعَلْ كَذَا بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعَسْكَرِ مِنَ الْغُزَاةِ أَنْ يُضَيِّعُوا دَوَابَّهُمُ الَّتِي يَسْتَعِينُونَ بِهَا فِي الْقِتَالِ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ وَلَا يَأْذَنُ لَهُمْ إِلَّا إِذَا رَأَى مَصْلَحَةً أَوْ خَافَ مَفْسَدَةً ظَاهِرَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْرُ) فِيهِ جَوَازُ الْإِشَارَةِ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَالرُّؤَسَاءِ وَأَنَّ لِلْمَفْضُولِ أَنْ يُشِيرَ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ مَا رَأَوْهُ إِذَا ظَهَرَتْ مَصْلَحَتُهُ عِنْدَهُ وَأَنْ يُشِيرَ عَلَيْهِمْ بِإِبْطَالِ مَا أَمَرُوا بِفِعْلِهِ وَالْمُرَادُ بِالظَّهْرِ هُنَا الدَّوَابُّ سُمِّيَتْ ظَهْرًا لِكَوْنِهَا يُرْكَبُ عَلَى ظَهْرِهَا أَوْ لِكَوْنِهَا يُسْتَظْهَرُ بِهَا وَيُسْتَعَانُ عَلَى السَّفَرِ قَوْلُهُ (ثُمَّ ادْعُ اللَّهَ تَعَالَى لَهُمْ عَلَيْهَا بِالْبَرَكَةِ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ فِي ذَلِكَ) هَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ الَّتِي رَأَيْنَا وَفِيهِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ يَجْعَلُ فِي ذَلِكَ بَرَكَةً أَوْ خَيْرًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَحَذَفَ الْمَفْعُولَ بِهِ لِأَنَّهُ فَضْلَةٌ وَأَصْلُ الْبَرَكَةِ كَثْرَةُ الْخَيْرِ وَثُبُوتُهُ وَتَبَارَكَ اللَّهُ ثَبَتَ الْخَيْرُ عِنْدَهُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ (فَدَعَا بِنِطَعٍ) فِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ مَشْهُورَةٌ أَشْهُرُهَا كَسْرُ النُّونِ مَعَ فَتْحِ الطَّاءِ وَالثَّانِيَةُ بِفَتْحِهِمَا وَالثَّالِثَةُ بِفَتْحِ النُّونِ مَعَ إِسْكَانِ الطَّاءِ وَالرَّابِعَةُ بِكَسْرِ النُّونِ مَعَ إِسْكَانِ الطَّاءِ قَوْلُهُ

(وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ) يُقَالُ فَضِلَ وَفَضَلَ بِكَسْرِ الضَّادِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رشيد حدثنا الوليد يعنى بن مسلم عن بن جَابِرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ قَالَ حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ) أَمَّا رُشَيْدٌ فَبِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ وَأَمَّا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ فَهُوَ الدِّمَشْقِيُّ صَاحِبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ هذا الباب بيانه وقوله يعنى بن مُسْلِمٍ قَدْ قَدَّمْنَا مَرَّاتٍ فَائِدَتَهُ وَأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ نَسَبُهُ فِي الرِّوَايَةِ فَأَرَادَ إِيضَاحَهُ مِنْ غير زيادة فى الرواية وأما بن جَابِرٍ فَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ الدِّمَشْقِيُّ الْجَلِيلُ وَأَمَّا هَانِئٌ فَهُوَ بِهَمْزِ آخِرِهِ وَأَمَّا جُنَادَةُ بِضَمِّ الْجِيمِ فَهُوَ جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ وَاسْمُ أَبِي أُمَيَّةَ كَبِيرٌ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ دَوْسِيٌّ أَزْدِيٌّ نَزَلَ فِيهِمْ شَامِيٌّ وَجُنَادَةُ وَأَبُوهُ صَحَابِيَّانِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَقَدْ رَوَى لَهُ النَّسَائِيُّ حَدِيثًا فِي صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَمَانِيَةِ أَنْفُسٍ وَهُمْ صِيَامٌ وَلَهُ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ التَّصْرِيحُ بِصُحْبَتِهِ قَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ يُونُسَ فِي تَارِيخِ مِصْرَ كَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَشَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ رِوَايَاتِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَاتِبُ الْوَاقِدِيِّ قَالَ بن عبد الله العجلى هو تَابِعِيٌّ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَكُنْيَةُ جُنَادَةَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ كَانَ صَاحِبَ غَزْوٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ شَامِيُّونَ إِلَّا دَاوُدَ بْنَ رُشَيْدٍ فَإِنَّهُ خُوَارِزْمِيٌّ سَكَنَ بَغْدَادَ [28] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ

لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله وبن أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ) هَذَا حَدِيثٌ عَظِيمُ الْمَوْقِعِ وَهُوَ أَجْمَعُ أَوْ مِنْ أَجْمَعِ الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْعَقَائِدِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ فِيهِ مَا يُخْرِجُ عَنْ جَمِيعِ مِلَلِ الْكُفْرِ عَلَى اخْتِلَافِ عَقَائِدِهِمْ وَتَبَاعُدِهِمْ فَاخْتَصَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَحْرُفِ عَلَى مَا يُبَايِنُ بِهِ جَمِيعَهُمْ وَسَمَّى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامَ كَلِمَةً لِأَنَّهُ كَانَ بِكَلِمَةِ كُنْ فَحَسْبُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ بَنِي آدَمَ قَالَ الْهَرَوِيُّ سُمِّيَ كَلِمَةً لِأَنَّهُ كَانَ عَنِ الْكَلِمَةِ فَسُمِّيَ بِهَا كَمَا يُقَالُ لِلْمَطَرِ رَحْمَةٌ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَرُوحٌ مِنْهُ أَيْ رَحْمَةٌ قَالَ وقال بن عَرَفَةَ أَيْ لَيْسَ مِنْ أَبٍ إِنَّمَا نَفَخَ فِي أُمِّهِ الرُّوحَ وَقَالَ غَيْرُهُ وَرُوحٌ مِنْهُ أَيْ مَخْلُوقَةٌ مِنْ عِنْدِهِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ إِضَافَتُهَا إِلَيْهِ إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ كَنَاقَةِ اللَّهِ وَبَيْتِ اللَّهِ وَإِلَّا فَالْعَالَمُ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمِنْ عِنْدِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ الدَّوْرَقِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ اسْمَ الْأَوْزَاعِيِّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو مَعَ بَيَانِ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَوْزَاعِ الَّتِي نُسِبَ إِلَيْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى إِدْخَالِهِ الْجَنَّةَ فِي الْجُمْلَةِ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ مَعَاصٍ مِنَ الْكَبَائِرِ فَهُوَ فِي الْمَشِيئَةِ فَإِنْ عُذِّبَ خُتِمَ لَهُ بِالْجَنَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ مَبْسُوطًا مَعَ بَيَانِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ والله أعلم [29] قوله (عن بن

عجلان عن محمد بن يحيى بن حيان عن بن مُحَيْرِيزٍ عَنِ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَبَكَيْتُ فَقَالَ مَهْلًا) أَمَّا بن عَجْلَانَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فَهُوَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ كَانَ عَابِدًا فَقِيهًا وَكَانَ لَهُ حَلْقَةٌ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُفْتِي وَهُوَ تَابِعِيٌّ أَدْرَكَ أَنَسًا وَأَبَا الطُّفَيْلِ قَالَهُ أَبُو نُعَيْمٍ رَوَى عَنْ أَنَسٍ وَالتَّابِعِينَ وَمِنْ طُرَفِ أَخْبَارِهِ أَنَّهُ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ وَقَدْ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ فِي كِتَابِ الْكُنَى مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ يُعَدُّ فِي التَّابِعِينَ لَيْسَ هُوَ بِالْحَافِظِ عِنْدَهُ وَوَثَّقَهُ غَيْرُهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ هُنَا مُتَابَعَةً قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ فِي الْأُصُولِ شَيْئًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا حَبَّانُ فَبِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى هَذَا تَابِعِيٌّ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأما بن مُحَيْرِيزٍ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَيْرِيزٍ بْنِ جُنَادَةَ بْنِ وَهْبٍ الْقُرَشِيُّ الْجُمَحِيُّ مِنْ أَنْفَسِهمُ الْمَكِّيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ سَمِعَ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَأَبُو مَحْذُورَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ سَكَنَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ من كان مقتديا فليقتد بمثل بن مُحَيْرِيزٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيُضِلَّ أمة فيها مثل بن مُحَيْرِيزٍ وَقَالَ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ بَعْدَ مَوْتِ بن محيريز والله ان كنت لأعد بقاء بن مُحَيْرِيزٍ أَمَانًا لِأَهْلِ الْأَرْضِ وَأَمَّا الصُّنَابِحِيُّ بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ فَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عُسَيْلَةَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْمُرَادِيُّ وَالصُّنَابِحُ بَطْنٌ مِنْ مُرَادٍ وَهُوَ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ رَحَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ بِالْجُحْفَةِ قَبْلَ أن يصل بخمس ليال أوست فَسَمِعَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَخَلَائِقَ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَقَدْ يُشْتَبَهُ عَلَى غير المشتغل بالحديث الصنابحى هذا بالصنابح بن الْأَعْسَرِ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ فِيهِ لَطِيفَةٌ مُسْتَطْرَفَةٌ مِنْ لَطَائِفِ الْإِسْنَادِ وَهِيَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ أَرْبَعَةُ تَابِعِيِّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ بن عجلان وبن حبان وبن مُحَيْرِيزٍ وَالصُّنَابِحِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (عَنِ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ) فَهَذَا كَثِيرٌ يَقَعُ مِثْلُهُ وَفِيهِ صَنْعَةٌ حَسَنَةٌ وَتَقْدِيرُهُ عَنِ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ عُبَادَةَ بِحَدِيثٍ قَالَ فِيهِ دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ

مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حديث ثلاثة يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ قَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ صَالِحٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا سَأَلَ الشَّعْبِيَّ فَقَالَ يَا أَبَا عَمْرٍو إِنَّ مِنْ قِبَلِنَا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ نَاسٌ يَقُولُونَ كَذَا فَقَالَ الشَّعْبِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ فَهَذَا الْحَدِيثُ مِنَ النَّوْعِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ فَتَقْدِيرُهُ قَالَ هُشَيْمٌ حَدَّثَنِي صَالِحٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ بِحَدِيثٍ قَالَ فِيهِ صَالِحٌ رَأَيْتُ رَجُلًا سَأَلَ الشَّعْبِيَّ وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ سَنُنَبِّهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهَا فِي مَوَاضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ (مَهْلًا) هُوَ بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَمَعْنَاهُ أَنْظِرْنِي قَالَ الْجَوْهَرِيُّ يُقَالُ مَهْلًا يَا رَجُلُ بِالسُّكُونِ وَكَذَلِكَ لِلِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالْمُؤَنَّثِ وَهِيَ مُوَحَّدَةٌ بِمَعْنَى أَمْهِلْ فَإِذَا قِيلَ لَكَ مَهْلًا قُلْتَ لَا مَهْلَ وَاللَّهِ وَلَا تَقُلْ لَا مَهْلًا وَتَقُولُ مَا مَهْلُ وَاللَّهِ بِمُغْنِيَةٍ عَنْكَ شَيْئًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (مَا مِنْ حَدِيثٍ لَكُمْ فِيهِ خَيْرٌ إِلَّا وَقَدْ حَدَّثْتُكُمُوهُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَتَمَ مَا خَشِيَ الضَّرَرَ فِيهِ وَالْفِتْنَةَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُهُ عَقْلُ كُلِّ وَاحِدٍ وَذَلِكَ فِيمَا لَيْسَ تَحْتَهُ عَمَلٌ وَلَا فِيهِ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ الشَّرِيعَةِ قَالَ وَمِثْلُ هَذَا عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَثِيرٌ فِي تَرْكِ الْحَدِيثِ بِمَا لَيْسَ تَحْتَهُ عَمَلٌ وَلَا تَدْعُو إِلَيْهِ ضَرُورَةٌ أَوْ لَا تَحْمِلُهُ عُقُولُ الْعَامَّةِ أَوْ خُشِيَتْ مَضَرَّتُهُ عَلَى قَائِلِهِ أَوْ سَامِعِهِ لَا سِيَّمَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَخْبَارِ الْمُنَافِقِينَ وَالْإِمَارَةِ وَتَعْيِينِ قَوْمٍ وُصِفُوا بِأَوْصَافٍ غَيْرِ مُسْتَحْسَنَةٍ وَذَمِّ آخَرِينَ وَلَعْنِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَقَدْ أُحِيطَ بِنَفْسِي) مَعْنَاهُ قَرُبْتُ مِنَ الْمَوْتِ وَأَيِسْتُ مِنَ النَّجَاةِ وَالْحَيَاةِ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ أَصْلُ الْكَلِمَةِ فِي الرَّجُلِ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ أَعْدَاؤُهُ فَيَقْصِدُونَهُ فَيَأْخُذُونَ عَلَيْهِ جَمِيعَ الْجَوَانِبِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لَهُ فِي الْخَلَاصِ مَطْمَعٌ فَيُقَالُ أَحَاطُوا بِهِ أَيْ أَطَافُوا بِهِ مِنْ

جوانبه ومقصوده رب مَوْتِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَيُقَالُ هُدْبَةُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْكِتَابِ يَقُولُ فِي بَعْضِهَا هُدْبَةُ وَفِي بَعْضِهَا هَدَّابٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا اسْمٌ وَالْآخَرُ لَقَبٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الِاسْمِ مِنْهُمَا فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الطَّبَسِيُّ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَالْحَافِظُ عَبْدِ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيُّ الْمُتَأَخِّرُ هُدْبَةُ هُوَ الِاسْمُ وَهَدَّابٌ لَقَبٌ وَقَالَ غَيْرُهُمْ هَدَّابٌ اسْمٌ وهدبة لقب واختار الشيح أَبُو عَمْرٍو هَذَا وَأَنْكَرَ الْأَوَّلَ وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ الْفَلَكِيُّ الْحَافِظُ إِنَّهُ كَانَ يَغْضَبُ إِذَا قِيلَ لَهُ هُدْبَةُ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ فَقَالَ هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ هَدَّابًا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّ هُدْبَةَ هُوَ الِاسْمُ وَالْبُخَارِيُّ أَعْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ) أَمَّا قَوْلُهُ رِدْفَ فَهُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ الَّتِي ضَبَطَهَا مُعْظَمُ الرُّوَاةِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الطَّبَرِيَّ الْفَقِيهَ الشَّافِعِيَّ أَحَدَ رُوَاةِ الْكِتَابِ ضَبَطَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ وَالرِّدْفُ وَالرَّدِيفُ هُوَ الرَّاكِبُ خَلْفَ الرَّاكِبِ يُقَالُ مِنْهُ رَدِفْتُهُ أَرْدَفُهُ بِكَسْرِ الدَّالِ فِي الْمَاضِي وَفَتْحِهَا فِي الْمُضَارِعِ إِذَا رَكِبْتُ خَلْفَهُ وَأَرْدَفْتُهُ أَنَا وَأَصْلُهُ مِنْ رُكُوبِهِ عَلَى الرِّدْفِ وَهُوَ الْعَجُزُ قَالَ الْقَاضِي وَلَا وَجْهَ لِرِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فَعِلَ هُنَا اسْمُ فَاعِلٍ مِثْلَ عَجِلَ وَزَمِنَ إِنْ صَحَّتْ رِوَايَةُ الطَّبَرِيِّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي شِدَّةِ قُرْبِهِ لِيَكُونَ

أَوْقَعَ فِي نَفْسِ سَامِعِهِ لِكَوْنِهِ أَضْبَطَ وَأَمَّا مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ فَبِضَمِّ الْمِيمِ بَعْدَهُ هَمْزَةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ خَاءٌ مَكْسُورَةٌ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَفِيهِ لغة أخرى مؤخرة بفتح الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ الْمُشَدَّدَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ الله أنكر بن قُتَيْبَةَ فَتْحَ الْخَاءِ وَقَالَ ثَابِتٌ مُؤَخَّرَةُ الرَّحْلِ وَمُقَدَّمَتُهُ بِفَتْحِهِمَا وَيُقَالُ آخِرَةُ الرَّحْلِ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ وَهَذِهِ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَقَدْ جَمَعَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ فِيهَا سِتَّ لُغَاتٍ فَقَالَ فِي قَادِمَتَيِ الرَّحْلِ سِتُّ لُغَاتٍ مُقْدِمٌ وَمُقْدِمَةٌ بِكَسْرِ الدَّالِ مُخَفَّفَةٌ وَمُقَدَّمٌ وَمُقَدَّمَةٌ بِفَتْحِ الدَّالِ مُشَدَّدَةً وَقَادِمٌ وَقَادِمَةٌ قَالَ وَكَذَلِكَ هَذِهِ اللُّغَاتُ كُلُّهَا فِي آخِرَةِ الرَّحْلِ وَهِيَ الْعُودُ الَّذِي يَكُونُ خَلْفِ الرَّاكِبِ وَيَجُوزُ فِي يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَجْهَانِ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَشْهُرُهُمَا وَأَرْجَحُهُمَا فَتْحُ مُعَاذَ والثانى ضمه ولا خلاف فى نصب بن وَقَوْلُهُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ فِي مَعْنَى لَبَّيْكَ أَقْوَالٌ نُشِيرُ هُنَا إِلَى بَعْضِهَا وَسَيَأْتِي إِيضَاحُهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهَا إِجَابَةً لَكَ بَعْدَ إِجَابَةٍ لِلتَّأْكِيدِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ قُرْبًا مِنْكَ وَطَاعَةً لَكَ وَقِيلَ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكَ وَقِيلَ مَحَبَّتِي لَكَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَمَعْنَى سَعْدَيْكَ أَيْ سَاعَدْتُ طَاعَتَكَ مُسَاعَدَةً بَعْدَ مُسَاعَدَةٍ وَأَمَّا تَكْرِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِدَاءَ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلِتَأْكِيدِ الِاهْتِمَامِ بِمَا يُخْبِرُهُ وَلِيَكْمُلَ تَنَبُّهُ مُعَاذٍ فِيمَا يَسْمَعُهُ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا لِهَذَا الْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ وَهَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى) قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ اعْلَمْ أَنَّ الْحَقَّ كُلُّ مَوْجُودٍ مُتَحَقِّقٌ أَوْ مَا سَيُوجَدُ لَا مَحَالَةَ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْحَقُّ الْمَوْجُودُ الْأَزَلِيُّ الْبَاقِي الْأَبَدِيُّ وَالْمَوْتُ وَالسَّاعَةُ وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ حَقٌّ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ لَا مَحَالَةَ وَإِذَا قِيلَ لِلْكَلَامِ الصِّدْقُ حَقٌّ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الشَّيْءَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ بذلك الخبر واقع متحقق لاتردد فِيهِ وَكَذَلِكَ الْحَقُّ الْمُسْتَحَقُّ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَرَدُّدٌ وَتَحَيُّرٌ فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ مَعْنَاهُ مَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِمْ مُتَحَتِّمًا عَلَيْهِمْ وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُتَحَقِّقٌ لَا مَحَالَةَ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ وَقَالَ غَيْرُهُ إِنَّمَا قَالَ حَقُّهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى جِهَةِ الْمُقَابَلَةِ لِحَقِّهِ عَلَيْهِمْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَحْوِ قَوْلِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ حَقُّكَ وَاجِبٌ عَلَيَّ أَيْ مُتَأَكِّدٌ قيامى

بِهِ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ بَيَانُهُ وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ) بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ فَاءٍ مَفْتُوحَةٍ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي الرِّوَايَةِ وَفِي الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ وَفِي كُتُبِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إِنَّهُ بَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَتْرُوكٌ قَالَ الشَّيْخُ وَهُوَ الْحِمَارُ الَّذِي كَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ إِنَّهُ مَاتَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي مَرَّةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْمَرَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ فَإِنَّ مُؤْخِرَةَ الرَّحْلِ تَخْتَصُّ بِالْإِبِلِ وَلَا تَكُونُ عَلَى حِمَارٍ قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا قَضِيَّةً وَاحِدَةً وَأَرَادَ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ قَدْرَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي حَصِينٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ وَاسْمُهُ عَاصِمٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ محمد بن مثنى وبن بَشَّارٍ (أَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وَلَا يُشْرَكَ بِهِ شَيْءٌ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ يُعْبَدُ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَشَيْءٌ بِالرَّفْعِ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَقَعَ فِي الْأُصُولِ شَيْئًا بِالنَّصْبِ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى التَّرَدُّدِ فِي قَوْلِهِ يُعْبَدَ اللَّهُ وَلَا يُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا بَيْنَ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا يَعْبُدَ اللَّهَ بِفَتْحِ الْيَاءِ الَّتِي هِيَ لِلْمُذَكَّرِ الْغَائِبِ أَيْ يَعْبُدَ الْعَبْدُ اللَّهَ وَلَا يُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا قَالَ وَهَذَا الْوَجْهُ أَوْجَهُ الْوُجُوهِ وَالثَّانِي تَعْبُدَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ لِلْمُخَاطَبِ عَلَى التَّخْصِيصِ لِمُعَاذٍ لِكَوْنِهِ الْمُخَاطَبَ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى غَيْرِهِ وَالثَّالِثُ يُعْبَدَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَيَكُونُ شَيْئًا كِنَايَةً عَنِ الْمَصْدَرِ لَا عَنِ الْمَفْعُولِ بِهِ أَيْ لَا يُشْرَكَ بِهِ إِشْرَاكًا وَيَكُونُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ هُوَ الْقَائِمُ مَقَامَ الْفَاعِلِ قَالَ وَإِذَا لَمْ تُعَيِّنُ الرِّوَايَةُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَحَقٌّ عَلَى مَنْ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ مِنَّا أَنْ يَنْطِقَ بِهَا كُلِّهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ لِيَكُونَ آتِيًا بِمَا هُوَ الْمَقُولُ مِنْهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ جَزْمًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا صَحِيحٌ فِي الرِّوَايَةِ وَالْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (نَحْوَ حَدِيثِهِمْ) يَعْنِي أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ زَكَرِيَّا شَيْخَ مُسْلِمٍ فِي الرِّوَايَةِ الرَّابِعَةِ رَوَاهُ نَحْوَ رِوَايَةِ شُيُوخِ مُسْلِمٍ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورِينَ فِي الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهُمْ هَدَّابٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مثنى وبن بَشَّارٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ هَذِهِ (حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ عَنْ زَائِدَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ كُلِّهَا حُسَيْنٌ بِالسِّينِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَالَ الْقَاضِي

عِيَاضٌ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ حَصِينٌ بِالصَّادِ وَهُوَ غَلَطٌ وَهُوَ حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ وَقَدْ تَكَرَّرَتْ رِوَايَتُهُ عَنْ زَائِدَةَ فِي الْكِتَابِ وَلَا يُعْرَفُ حَصِينٌ بِالصَّادِ عَنْ زَائِدَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي أَبُو كَثِيرٍ) هُوَ بِالْمُثَلَّثَةِ واسمه يزيد بالزاى بن عبد الرحمن بن أذينة ويقال بن غفيلة بضم الغين المعجمة وبالفاء ويقال بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُذَيْنَةَ قَالَ أَبُو عَوَانَةَ الاسفراينى فِي مُسْنَدِهِ غُفَيْلَةُ أَصَحُّ مِنْ أُذَيْنَةَ قَوْلُهُ (كُنَّا قُعُودًا حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي نَفَرٍ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ قَعَدْنَا حَوْلَهُ وَحَوْلَيْهِ وَحَوَالَيْهِ وَحَوَالَهُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَاللَّامِ فِي جَمِيعِهِمَا أَيْ عَلَى جَوَانِبِهِ قَالُوا وَلَا يُقَالُ حَوَالِيهِ بِكَسْرِ اللَّامِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمَعَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهُوَ مِنْ فَصِيحِ الْكَلَامِ وَحُسْنِ الْإِخْبَارِ فَإِنَّهُمْ إِذَا أَرَادُوا الْإِخْبَارَ عَنْ جَمَاعَةٍ فَاسْتَكْثَرُوا أَنْ يَذْكُرُوا جَمِيعَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ذَكَرُوا أَشْرَافَهُمْ أَوْ بَعْضَ أَشْرَافِهِمْ ثُمَّ قَالُوا وَغَيْرُهُمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ مَعَنَا بِفَتْحِ الْعَيْنِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَيَجُوزُ تَسْكِينُهَا فِي لُغَةٍ حَكَاهَا صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهِيَ لِلْمُصَاحَبَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ مَعَ اسْمٌ مَعْنَاهُ الصُّحْبَةُ وَكَذَلِكَ مَعْ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ غَيْرَ أَنَّ الْمُحَرَّكَةَ تَكُونُ اسْمًا وَحَرْفًا وَالسَّاكِنَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا حَرْفًا قَالَ اللِّحْيَانِيُّ قَالَ الْكِسَائِيُّ رَبِيعَةُ وَغَنْمٌ يُسَكِّنُونَ فَيَقُولُونَ مَعْكُمْ وَمَعْنَا فَإِذَا جَاءَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ أَوْ أَلِفُ الْوَصْلِ اخْتَلَفُوا فَبَعْضُهُمْ يَفْتَحُ الْعَيْنِ وَبَعْضُهُمْ يَكْسِرُهَا فَيَقُولُونَ مَعَ الْقَوْمِ وَمَعَ ابْنِكِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ مَعِ الْقَوْمِ وَمَعِ ابْنِكَ أَمَّا مَنْ فَتَحَ فَبَنَاهُ عَلَى قَوْلِكَ كُنَّا مَعًا وَنَحْنُ مَعًا فَلَمَّا جَعَلَهَا حَرْفًا وَأَخْرَجَهَا عَنْ الِاسْمِ حَذَفَ الْأَلِفَ وَتَرَكَ الْعَيْنَ عَلَى فَتْحَتِهَا وَهَذِهِ لُغَةُ عَامَّةِ الْعَرَبِ وَأَمَّا مَنْ سَكَّنَ ثُمَّ كَسَرَ عِنْدَ أَلِفِ الْوَصْلِ فَأَخْرَجَهُ مخرج الأدوات مثل هل وبل فَقَالَ مَعِ الْقَوْمِ كَقَوْلِكَ هَلِ الْقَوْمُ وَبَلِ الْقَوْمُ وَهَذِهِ الْأَحْرُفُ الَّتِي ذَكَرْتُهَا فِي مَعَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مَوْضِعَهَا فَلَا ضَرَرَ فِي التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا لِكَثْرَةِ تَرْدَادِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا) وَقَالَ بَعْدَهُ كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا هَكَذَا هُوَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَظْهُرِنَا وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَقَعَ الثَّانِي فِي بَعْضِ الْأُصُولِ ظَهْرَيْنَا

وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ نَحْنُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَظَهْرَيْكُمْ وَظَهْرَانَيْكُمْ بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ بَيْنَكُمْ قَوْلُهُ (وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعُ دُونَنَا) أَيْ يُصَابَ بِمَكْرُوهٍ مِنْ عَدُوٍّ إِمَّا بِأَسْرٍ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ قَوْلُهُ (وَفَزِعْنَا وَقُمْنَا فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الْفَزَعُ يَكُونُ بِمَعْنَى الرَّوْعُ وَبِمَعْنَى الْهُبُوبِ لِلشَّيْءِ وَالِاهْتِمَامِ بِهِ وَبِمَعْنَى الْإِغَاثَةِ قَالَ فَتَصِحُّ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ أَيْ ذُعِرْنَا لِاحْتِبَاسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَّا أَلَا تَرَاهُ كَيْفَ قَالَ وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا وَيَدُلُّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ قَوْلُهُ فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ قَوْلُهُ (حَتَّى أَتَيْتُ حَائِطًا لِلْأَنْصَارِ) أَيْ بُسْتَانًا وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ حَائِطٌ لَا سَقْفَ لَهُ قَوْلُهُ (فَإِذَا رَبِيعٌ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئْرٍ خَارِجَةٍ وَالرَّبِيعُ الْجَدْوَلُ) أَمَّا الرَّبِيعُ فَبِفَتْحِ الراء على لفظ الربيع الفصل المعروف والجدول بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ النَّهَرُ الصَّغِيرُ وَجَمْعُ الرَّبِيعِ أَرْبِعَاءُ كَنَبِيٍّ وَأَنْبِيَاءٍ وَقَوْلُهُ بِئْرٍ خَارِجَةٍ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِالتَّنْوِينِ فِي بِئْرٍ وَفِي خَارِجَةٍ عَلَى أَنَّ خَارِجَةٍ صِفَةٌ لِبِئْرٍ وَكَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ عَنِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ بِخَطِّ الْحَافِظِ أَبِي عَامِرٍ الْعَبْدَرِيِّ وَالْأَصْلُ الْمَأْخُوذُ عَنِ الْجُلُودِيِّ وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ رُوِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا هَذَا وَالثَّانِي مِنْ بِئْرٍ خَارِجَهُ بِتَنْوِينِ بِئْرٍ وَبِهَاءٍ فِي آخِرِ خَارِجَهُ مَضْمُومَةٌ وَهِيَ هَاءُ ضَمِيرِ الْحَائِطِ أَيِ الْبِئْرِ فِي مَوْضِعٍ خَارِجٍ عَنِ الْحَائِطِ وَالثَّالِثُ مِنْ بِئْرِ خَارِجَةَ بِإِضَافَةِ بِئْرٍ إِلَى خَارِجَةَ آخِرَهُ تَاءُ التَّأْنِيثِ وَهُوَ اسْمُ رَجُلٍ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ الظَّاهِرُ وَخَالَفَ هَذَا صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فَقَالَ الصَّحِيحُ هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ قَالَ وَالْأَوَّلُ تَصْحِيفٌ قَالَ وَالْبِئْرُ يَعْنُونَ بِهَا الْبُسْتَانَ قَالَ وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُونَ هَذَا فَيُسَمُّونَ الْبَسَاتِينَ بِالْآبَارِ الَّتِي فِيهَا يَقُولُونَ بِئْرُ أَرِيسٍ وَبِئْرُ بُضَاعَةَ وَبِئْرُ حَاءٍ وَكُلُّهَا بَسَاتِينُ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ وَأَكْثَرُهُ أَوْ كُلُّهُ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالْبِئْرُ مُؤَنَّثَةٌ مَهْمُوزَةٌ يَجُوزُ تَخْفِيفُ هَمْزَتِهَا وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ بَأَرْتُ أَيْ حَفَرْتُ وَجَمْعُهَا فِي الْقِلَّةِ أَبْؤُرٌ وَأَبْآرٌ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْبَاءِ فِيهِمَا وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقْلِبُ

الْهَمْزَةَ فِي أَبْآرٍ وَيَنْقُلُ فَيَقُولُ آبَارٌ وَجَمْعُهَا فِي الْكَثْرَةِ بِئَارٌ بِكَسْرِ الْبَاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ) هَذَا قَدْ رُوِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ رُوِيَ بِالزَّايِ وَرُوِيَ بِالرَّاءِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَوَاهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا بِالرَّاءِ عَنِ الْعَبْدَرِيِّ وَغَيْرِهِ قَالَ وَسَمِعْنَا عَنِ الْأَسَدِيِّ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ الشَّاشِيِّ عَنْ عَبْدِ الْغَافِرِ الْفَارِسِيِّ عَنِ الْجُلُودِيِّ بِالزَّايِ وَهُوَ الصواب ومعناه نضاممت لِيَسَعَنِي الْمَدْخَلُ وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو إِنَّهُ بِالزَّايِ فِي الْأَصْلِ الَّذِي بِخَطِّ أَبِي عَامِرٍ الْعَبْدَرِيِّ وَفِي الْأَصْلِ الْمَأْخُوذِ عَنِ الْجُلُودِيِّ وَإِنَّهَا رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ وَإِنَّ رِوَايَةَ الزَّايِ أَقْرَبُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَشْبِيهُهُ بِفِعْلِ الثَّعْلَبِ وَهُوَ تَضَامُّهُ فِي الْمَضَايِقِ وَأَمَّا صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فَأَنْكَرَ الزَّايَ وَخَطَّأَ رُوَاتَهَا وَاخْتَارَ الرَّاءَ وَلَيْسَ اخْتِيَارُهُ بِمُخْتَارٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ نَعَمْ) مَعْنَاهُ أَنْتَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ (فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ وَقَالَ اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ) فِي هَذَا الْكَلَامِ فَائِدَةٌ لَطِيفَةٌ فَإِنَّهُ أَعَادَ لَفْظَةَ قَالَ وَإِنَّمَا أَعَادَهَا لِطُولِ الْكَلَامِ وَحُصُولِ الْفَصْلِ بِقَوْلِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ وَهَذَا حَسَنٌ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بَلْ جَاءَ أَيْضًا فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ ما عرفوا كفروا به قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْوَاحِدِيُّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ قَوْلُهُ تَعَالَى فَلَمَّا جَاءَهُمْ تَكْرِيرٌ لِلْأَوَّلِ لِطُولِ الْكَلَامِ قَالَ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أنكم مخرجون أَعَادَ أَنَّكُمْ لِطُولِ الْكَلَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا إِعْطَاؤُهُ النَّعْلَيْنِ فَلِتَكُونَ عَلَامَةً ظَاهِرَةً مَعْلُومَةً عِنْدَهُمْ يَعْرِفُونَ بِهَا أَنَّهُ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَكُونَ أَوْقَعَ فِي نُفُوسِهِمْ لِمَا يُخْبِرُهُمْ بِهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُنْكَرُ كَوْنُ مِثْلِ هَذَا يُفِيدُ تَأْكِيدًا وَإِنْ كَانَ خَبَرُهُ مَقْبُولًا مِنْ غَيْرِ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ) مَعْنَاهُ أَخْبِرْهُمْ أَنَّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِلَّا فَأَبُو هُرَيْرَةَ لَا يَعْلَمُ اسْتِيقَانَ قُلُوبِهِمْ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ اعْتِقَادُ التَّوْحِيدِ دُونَ النُّطْقِ وَلَا النُّطْقَ دُونَ الِاعْتِقَادِ بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَذِكْرُ الْقَلْبِ هُنَا لِلتَّأْكِيدِ وَنَفْيِ توهم المجاز وإلا فَالِاسْتِيقَانُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْقَلْبِ قَوْلُهُ (فَقَالَ ماهاتان النَّعْلَانِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ هَاتَيْنِ نَعْلَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنِي بِهِمَا) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ فَقُلْتُ هَاتَيْنِ نَعْلَا بِنَصْبِ هَاتَيْنِ وَرَفْعِ نَعْلَا وَهُوَ صَحِيحٌ مَعْنَاهُ فَقُلْتُ يَعْنِي هَاتَيْنِ هُمَا نَعْلَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَصَبَ هَاتَيْنِ بِإِضْمَارِ يَعْنِي وَحَذَفَ هُمَا الَّتِي هِيَ الْمُبْتَدَأُ لِلْعِلْمِ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ بَعَثَنِي بِهِمَا فَهَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِهِمَا عَلَى التَّثْنِيَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ أَوْ أَكْثَرِهَا بِهَا مِنْ غَيْرِ مِيمٍ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا وَيَكُونُ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى الْعَلَامَةِ فَإِنَّ النَّعْلَيْنِ كَانَتَا عَلَامَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَضَرَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَخَرَرْتُ لِاسْتِي فَقَالَ ارْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ) أَمَّا قَوْلُهُ ثَدْيَيَّ فَتَثْنِيَةُ ثَدْيٍ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ وَقَدْ يُؤَنَّثُ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي اخْتِصَاصِهِ بِالْمَرْأَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَكُونُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ لِلْمَرْأَةِ خَاصَّةً فَيَكُونُ إِطْلَاقُهُ فِي الرَّجُلِ مَجَازًا وَاسْتِعَارَةً وَقَدْ كَثُرَ إِطْلَاقُهُ فِي الْأَحَادِيثِ لِلرَّجُلِ وَسَأَزِيدُهُ إِيضَاحًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ غِلَظِ تَحْرِيمِ قَتْلِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ لِاسْتِي فَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الدُّبُرِ وَالْمُسْتَحَبُّ فِي مِثْلِ هَذَا الْكِنَايَةُ عَنْ قَبِيحِ الْأَسْمَاءِ وَاسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ وَالْأَلْفَاظِ الَّتِي تُحَصِّلُ الْغَرَضَ وَلَا يَكُونُ فِي صُورَتِهَا مَا يُسْتَحْيَا مِنَ التَّصْرِيحِ بِحَقِيقَةِ لَفْظِهِ وَبِهَذَا الْأَدَبِ جَاءَ الْقُرْآنُ

الْعَزِيزُ وَالسُّنَنُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ من الغائط فاعتزلوا النساء فى المحيض وَقَدْ يَسْتَعْمِلُونَ صَرِيحَ الِاسْمِ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ وَهِيَ إِزَالَةُ اللَّبْسِ أَوِ الِاشْتِرَاكُ أَوْ نَفْيِ الْمَجَازِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِكْتَهَا وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ وَكَقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَدَثُ فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ وَاسْتِعْمَالُ أَبِي هُرَيْرَةَ هُنَا لَفْظُ الِاسْتِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا دَفْعُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَهُ فَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ سُقُوطَهُ وَإِيذَاءَهُ بَلْ قَصَدَ رَدَّهُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ وَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِهِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي زَجْرِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَلَيْسَ فِعْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمُرَاجَعَتُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتِرَاضًا عَلَيْهِ وَرَدًّا لِأَمْرِهِ إِذْ لَيْسَ فيما بعث به أبا هريرة غير تطيب قُلُوبِ الْأُمَّةِ وَبُشْرَاهُمْ فَرَأَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ كَتْمَ هَذَا أَصْلَحُ لَهُمْ وَأَحْرَى أَنْ لَا يَتَّكِلُوا وَأَنَّهُ أَعْوَدُ عَلَيْهِمْ بِالْخَيْرِ مِنْ مُعَجَّلِ هَذِهِ الْبُشْرَى فَلَمَّا عَرَضَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوَّبَهُ فِيهِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْإِمَامَ وَالْكَبِيرَ مُطْلَقًا إِذَا رَأَى شَيْئًا وَرَأَى بَعْضُ أَتْبَاعِهِ خِلَافَهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلتَّابِعِ أَنْ يَعْرِضَهُ عَلَى الْمَتْبُوعِ لِيَنْظُرَ فِيهِ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ مَا قَالَهُ التَّابِعُ هُوَ الصَّوَابُ رَجَعَ إِلَيْهِ وَإِلَّا بَيَّنَ لِلتَّابِعِ جَوَابَ الشُّبْهَةِ الَّتِي عَرَضَتْ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَأَجْهَشْتُ بُكَاءً وَرَكِبَنِي عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِذَا هُوَ عَلَى أَثَرِي) أَمَّا قَوْلُهُ أَجْهَشْتُ فَهُوَ بِالْجِيمِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ مَفْتُوحَتَانِ هَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ الَّتِي رَأَيْنَاهَا وَرَأَيْتُ فِي كِتَابِ الْقَاضِي عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَجَهَشْتُ بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَهُمَا صَحِيحَانِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ جهشت جهشا وجهرشا وَأَجْهَشْتُ إِجْهَاشًا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ أَنْ يَفْزَعَ الْإِنْسَانُ إِلَى غَيْرِهِ وَهُوَ متغير الوجه متهىء لِلْبُكَاءِ وَلَمَّا يَبْكِ بَعْدُ قَالَ الطَّبَرِيُّ هُوَ الفزع

وَالِاسْتِغَاثَةُ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ جَهَشْتُ لِلْبُكَاءِ وَالْحُزْنِ وَالشَّوْقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ بُكَاءً فَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ وَقَدْ جَاءَ فِي رواية للبكاء والبكا يُمَدُّ وَيُقْصَرُ لُغَتَانِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَرَكِبَنِي عُمَرُ فَمَعْنَاهُ تَبِعَنِي وَمَشَى خَلْفِي فِي الْحَالِ بِلَا مُهْلَةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَى أَثَرِي فَفِيهِ لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ مَشْهُورَتَانِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الثَّاءِ وَبِفَتْحِهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي) مَعْنَاهُ أَنْتَ مُفَدًّى أَوْ أَفْدِيكَ بِأَبِي وَأُمِّي وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا مُشْتَمِلٌ عَلَى فَوَائِدَ كَثِيرَةٍ تَقَدَّمَ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ مِنْهُ جُمَلٌ فَفِيهِ جُلُوسُ الْعَالِمِ لِأَصْحَابِهِ وَلِغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُسْتَفْتِينَ وَغَيْرِهِمْ يُعَلِّمهُمْ وَيُفِيدُهُمْ وَيُفْتِيهِمْ وَفِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ ذِكْرَ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ فَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ بَعْضِهِمْ ذَكَرَ أَشْرَافَهُمْ أَوْ بَعْضَ أَشْرَافِهِمْ ثُمَّ قَالَ وَغَيْرَهُمْ وَفِيهِ بَيَانُ مَا كَانَتِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِكْرَامِهِ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَالِانْزِعَاجِ الْبَالِغِ لِمَا يُطْرِقُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ اهْتِمَامُ الْأَتْبَاعِ بِحُقُوقِ مَتْبُوعِهِمْ وَالِاعْتِنَاءِ بِتَحْصِيلِ مَصَالِحِهِ وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ عَنْهُ وَفِيهِ جَوَازُ دُخُولِ الْإِنْسَانِ ملك غيره بغير اذنه اذا علم أنه يرضى ذَلِكَ لِمَوَدَّةٍ بَيْنَهُمَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَخَلَ الْحَائِطَ وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ وَهَذَا غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِدُخُولِ الْأَرْضِ بَلْ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِأَدَوَاتِهِ وَأَكْلِ طَعَامِهِ وَالْحَمْلِ مِنْ طَعَامِهِ إِلَى بَيْتِهِ وَرُكُوبِ دَابَّتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفِ الَّذِي يُعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَى صَاحِبِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْعُلَمَاءِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَصَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَجَاوَزُ الطَّعَامَ وَأَشْبَاهَهُ إِلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَأَشْبَاهِهِمَا وَفِي ثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ فِي حَقِّ مَنْ يَقْطَعُ بِطِيبِ قَلْبِ صَاحِبهِ بِذَلِكَ نَظَرٌ وَلَعَلَّ هَذَا يَكُونُ فِي الدَّرَاهِمِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي يُشَكُّ أَوْ قَدْ يُشَكُّ فِي رِضَاهُ بِهَا فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَشَكَّكَ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ مُطْلَقًا فِيمَا تَشَكَّكَ فِي رِضَاهُ بِهِ ثُمَّ دَلِيلُ الْجَوَازِ فِي الْبَابِ

الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَفِعْلُ وَقَوْلُ أَعْيَانِ الْأُمَّةِ فَالْكِتَابُ قَوْلُهُ تَعَالَى لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أو بيوت آبائكم إِلَى قَوْلُهُ تَعَالَى أَوْ صَدِيقِكُمْ وَالسُّنَّةُ هَذَا الْحَدِيثُ وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِنَحْوِهِ وَأَفْعَالُ السَّلَفِ وَأَقْوَالُهُمْ فِي هَذَا أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَفِيهِ إِرْسَالُ الْإِمَامِ وَالْمَتْبُوعِ إِلَى أَتْبَاعِهِ بِعَلَامَةٍ يَعْرِفُونَهَا لِيَزْدَادُوا بِهَا طُمَأْنِينَةً وَفِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الْإِيمَانَ الْمُنْجِيَ مِنَ الْخُلُودِ فِي النَّارِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الِاعْتِقَادِ وَالنُّطْقِ وَفِيهِ جَوَازُ إِمْسَاكِ بَعْضِ الْعُلُومِ الَّتِي لَا حاجة اليها للمصلحة أوخوف الْمَفْسَدَةِ وَفِيهِ إِشَارَةُ بَعْضِ الْأَتْبَاعِ عَلَى الْمَتْبُوعِ بِمَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً وَمُوَافَقَةُ الْمَتْبُوعِ لَهُ إِذَا رَآهُ مَصْلَحَةً وَرُجُوعُهُ عَمَّا أَمَرَ بِهِ بِسَبَبِهِ وَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلْآخَرِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ كَرِهَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَقَالَ لَا يُفْدَى بِمُسْلِمٍ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُفَدَّى بِهِ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ (حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنِي مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ إِلَّا إِسْحَاقَ فَإِنَّهُ نَيْسَابُورِيٌّ فَيَكُونُ الْإِسْنَادُ بَيْنِي وَبَيْنَ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ نَيْسَابُورِيَّيْنِ وَبَاقِيهِ بَصْرِيُّونَ قَوْلُهُ (فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ الْمُشَدَّدَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ تَأَثَّمَ الرَّجُلُ إِذَا فَعَلَ فِعْلًا يَخْرُجُ بِهِ مِنَ الْإِثْمِ وَتَحَرَّجَ أَزَالَ عَنْهُ الْحَرَجَ وَتَحَنَّثَ أَزَالَ عَنْهُ الْحِنْثَ وَمَعْنَى تَأَثُّمِ مُعَاذٌ أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ عِلْمًا يَخَافُ فَوَاتَهُ وَذَهَابَهُ بِمَوْتِهِ فَخَشِيَ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ كَتَمَ عِلْمًا وممن لم

يَمْتَثِلْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَبْلِيغِ سُنَّتِهِ فَيَكُونُ آثِمًا فَاحْتَاطَ وَأَخْبَرَ بِهَذِهِ السُّنَّةِ مَخَافَةً مِنَ الْإِثْمِ وَعَلِمَ أن النبى صلى الله عليه وسلم ولم لَمْ يَنْهَهُ عَنِ الْإِخْبَارِ بِهَا نَهْيَ تَحْرِيمٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَعَلَّ مُعَاذًا لَمْ يَفْهَمْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيَ لَكِنْ كَسَرَ عَزْمَهُ عَمَّا عَرَضَ لَهُ مِنْ بُشْرَاهُمْ بِدَلِيلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ لَقِيتَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ قَالَ أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ بَلَغَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَخَافَ أَنْ يَكْتُمَ عِلْمًا عَلِمَهُ فَيَأْثَمَ أَوْ يَكُونَ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى إِذَاعَتِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ ظَاهِرٌ وَقَدِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ مَنَعَهُ مِنَ التَّبْشِيرِ الْعَامِّ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ وَلَا عِلْمَ فَيَغْتَرَّ وَيَتَّكِلَ وَأَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُصُوصِ مَنْ أَمِنَ عَلَيْهِ الِاغْتِرَارَ وَالِاتِّكَالَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَإِنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ مُعَاذًا فَسَلَكَ مُعَاذٌ هَذَا الْمَسْلَكِ فَأَخْبَرَ بِهِ مِنَ الْخَاصَّةِ مَنْ رَآهُ أَهْلًا لِذَلِكَ قَالَ وَأَمَّا أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالتَّبْشِيرِ فَهُوَ مِنْ تَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ وَقَدْ كَانَ الِاجْتِهَادُ جَائِزًا لَهُ وَوَاقِعًا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَلَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى سَائِرِ الْمُجْتَهِدِينَ بِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى الْخَطَأِ فِي اجْتِهَادِهِ وَمَنْ نَفَى ذَلِكَ وَقَالَ لَا يَجُوزُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَوْلُ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ إِلَّا عَنْ وَحْيٍ فَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مُخَاطَبَتِهِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحْيٌ بِمَا أَجَابَهُ بِهِ نَاسِخٌ لِوَحْيٍ سَبَقَ بِمَا قَالَهُ أَوَّلًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَهِيَ اجْتِهَادُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا تَفْصِيلٌ مَعْرُوفٌ فَأَمَّا أُمُورُ الدُّنْيَا فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى جَوَازِ اجْتِهَادِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَوُقُوعُهُ مِنْهُ وَأَمَّا أَحْكَامُ الدِّينِ فَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ بِجَوَازِ الِاجْتِهَادِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ لِغَيْرِهِ فَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى وَقَالَ جَمَاعَةٌ لَا يَجُوزُ لَهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْيَقِينِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَانَ يَجُوزُ فِي الْحُرُوبِ دُونَ غَيْرِهَا وَتَوَقَّفَ فِي كُلِّ ذَلِكَ آخَرُونَ ثُمَّ الْجُمْهُورُ الَّذِينَ جَوَّزُوهُ اخْتَلَفُوا فِي وُقُوعِهِ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ وُجِدَ ذَلِكَ وَقَالَ آخَرُونَ لَمْ يُوجَدْ وَتَوَقَّفَ آخَرُونَ ثُمَّ الْأَكْثَرُونَ الَّذِينَ قَالُوا بِالْجَوَازِ وَالْوُقُوعِ اخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ الْخَطَأُ جَائِزًا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَ كَثِيرُونَ إِلَى جَوَازِهِ وَلَكِنْ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ اسْتِقْصَاءِ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ) هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ لِلْعُجْمَةِ وَالْعَلَمِيَّةِ قَالَ صَاحِبُ كِتَابِ الْعَيْنِ فروخ اسم بن لِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ أَبُو الْعَجَمِ وَكَذَا نَقَلَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُ أن فروخ بن لِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ أَبُو الْعَجَمِ وَقَدْ نَصَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضى الله عنه قال حدثنى محمود بن الربيع عن عتبان بن مَالِكٍ قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عِتْبَانَ فَقُلْتُ حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ) هَذَا اللَّفْظُ شَبِيهٌ بِمَا تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ قَوْلِهِ عَنِ بن مُحَيْرِيزٍ عَنِ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ وَاضِحًا وَتَقْرِيرُ هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ عِتْبَانَ بِحَدِيثٍ قَالَ فِيهِ مَحْمُودٌ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عِتْبَانَ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ لَطِيفَتَانِ مِنْ لَطَائِفِهِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةٌ صَحَابِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمْ أَنَسٌ وَمَحْمُودٌ وَعِتْبَانُ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ عَنِ الْأَصَاغِرِ فَإِنَّ أَنَسًا أَكْبَرُ مِنْ مَحْمُودٍ سِنًّا وَعِلْمًا وَمَرْتَبَةً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَقَدْ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ حَدَّثَنِي عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ الْأَوَّلَ فَإِنَّ أَنَسًا سَمِعَهُ أَوَّلًا مِنْ مَحْمُودٍ عَنْ عِتْبَانَ ثُمَّ اجْتَمَعَ أَنَسٌ بِعِتْبَانَ فَسَمِعَهُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وعتبان بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا تَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَسْرِ الْعَيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي لَمْ يَذْكُرِ الْجُمْهُورُ سِوَاهُ وَقَالَ صَاحِبُ المطالع وقد ضبطناه من طريق بن سَهْلٍ بِالضَّمِّ أَيْضًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَصَابَنِي فِي بَصَرِي بَعْضُ الشَّيْءِ) وَقَالَ فِي

الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَمِيَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِبَعْضِ الشَّيْءِ الْعَمَى وَهُوَ ذَهَابُ الْبَصَرِ جَمِيعُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ ضَعْفَ الْبَصَرِ وَذَهَابَ مُعْظَمِهِ وَسَمَّاهُ عَمًى فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لِقُرْبِهِ مِنْهُ وَمُشَارَكَتِهِ إِيَّاهُ فِي فَوَاتِ بَعْضِ مَا كَانَ حَاصِلًا فِي حَالِ السَّلَامَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ثُمَّ أَسْنَدُوا عُظْمَ ذَلِكَ وَكُبْرَهُ إِلَى مَالِكِ بْنِ دُخْشُمٍ) أَمَّا عُظْمَ فَهُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الظَّاءِ أَيْ مُعْظَمَهُ وَأَمَّا كُبْرَهُ فَبِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَذَكَرهُمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ لَكِنْهُمْ رَجَّحُوا الضم وقرىء قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ بِكَسْرِ الْكَافِ وَضَمِّهَا الْكَسْرُ قِرَاءَةُ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ وَالضَّمُّ فِي الشَّوَاذِّ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ الْمُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالْكَسْرِ وَقِرَاءَةُ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ وَيَعْقُوبَ الْحَضْرَمِيِّ بِالضَّمِّ قَالَ أبوعمرو بن العلاء هو خطأ وقال الْكِسَائِيُّ هُمَا لُغَتَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَسْنَدُوا عُظْمَ ذَلِكَ وَكُبْرَهُ أَنَّهُمْ تَحَدَّثُوا وَذَكَرُوا شَأْنَ الْمُنَافِقِينَ وَأَفْعَالَهُمُ الْقَبِيحَةَ وَمَا يَلْقَوْنَ مِنْهُمْ وَنَسَبُوا مُعْظَمَ ذَلِكَ إِلَى مَالِكٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ بن دُخْشُمٍ فَهُوَ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا مِيمٌ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَوْلَى وَضَبَطْنَاهُ فِي الثَّانِيَةِ بِزِيَادَةِ يَاءٍ بَعْدَ الْخَاءِ عَلَى التَّصْغِيرِ وَهَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ وَفِي بَعْضِهَا فِي الثَّانِيَةِ مُكَبَّرٌ أَيْضًا ثُمَّ إِنَّهُ فِي الْأُولَى بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ رُوِّينَاهُ دُخْشُمٌ مكبرا ودخشيم مُصَغَّرًا قَالَ وَرُوِّينَاهُ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ بِالنُّونِ بدل الميم مكبرا ومصغرا قال الشيخ أبوعمرو بن الصلاح ويقال أيضا بن الدخشن بِكَسْرِ الدَّالِ وَالشِّينِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ مَالِكَ بْنَ دُخْشُمٍ هَذَا مِنَ الْأَنْصَارِ ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي شُهُودِهِ الْعَقَبَةَ قَالَ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْمَشَاهِدِ قَالَ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ النِّفَاقُ فَقَدْ ظَهَرَ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِهِ مَا يَمْنَعُ مِنِ اتِّهَامِهِ هَذَا كَلَامُ أَبِي عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ قُلْتُ وَقَدْ نَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِيمَانِهِ بَاطِنًا وَبَرَاءَتِهِ مِنَ النِّفَاقِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَلَا تَرَاهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذِهِ شَهَادَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِأَنَّهُ

قَالَهَا مُصَدِّقًا بِهَا مُعْتَقِدًا صِدْقَهَا مُتَقَرِّبًا بِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَشَهِدَ لَهُ فِي شَهَادَتِهِ لِأَهْلِ بَدْرٍ بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُشَكَّ فِي صِدْقِ إِيمَانِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ رَدٌّ عَلَى غُلَاةِ الْمُرْجِئَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يَكْفِي فِي الْإِيمَانِ النُّطْقُ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ فَإِنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تَدْمَغُهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَدُّوا أَنَّهُ دَعَا عَلَيْهِ فَهَلَكَ وَوَدُّوا أَنَّهُ أصابه شر) هكذا هُوَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ شَرٌّ وَفِي بَعْضِهَا بِشَرٍّ بِزِيَادَةِ الْبَاءِ الْجَارَّةِ وَفِي بَعْضِهَا شَيْءٌ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَمَنِّي هَلَاكِ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ وَوُقُوعِ الْمَكْرُوهِ بِهِمْ قَوْلُهُ (فَخُطَّ لِي مَسْجِدًا) أَيْ أَعْلِمْ لِي عَلَى مَوْضِعٍ لِأَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا أَيْ مَوْضِعًا أَجْعَلُ صَلَاتِي فِيهِ مُتَبَرِّكًا بِآثَارِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْعِلْمِ تَقَدَّمَ كثير منها ففيه التَّبَرُّكِ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ وَفِيهِ زِيَارَةُ الْعُلَمَاءِ وَالْفُضَلَاءِ وَالْكُبَرَاءِ أَتْبَاعِهِمْ وَتَبْرِيكِهِمْ إِيَّاهُمْ وَفِيهِ جَوَازُ اسْتِدْعَاءِ الْمَفْضُولِ لِلْفَاضِلِ لِمَصْلَحَةٍ تَعْرِضُ وَفِيهِ جَوَازُ الْجَمَاعَةِ فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي نَوَافِلِ النَّهَارِ رَكْعَتَانِ كَاللَّيْلِ وَفِيهِ جَوَازُ الْكَلَامِ والتحدث بحضرة المصلين مالم يشغلهم ويدخل عليهم لبسا فِي صَلَاتِهِمْ أَوْ نَحْوِهِ وَفِيهِ جَوَازُ إِمَامَةِ الزَّائِرِ الْمَزُورِ بِرِضَاهُ وَفِيهِ ذِكْرُ مَنْ يُتَّهَمُ بِرِيبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا لِلْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ لِيُتَحَرَّزَ مِنْهُ وَفِيهِ جَوَازُ كِتَابَةِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ لِقَوْلِ أَنَسٍ لِابْنِهِ اكْتُبْهُ بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ كَتْبِ الْحَدِيثِ وَجَاءَ الْإِذْنُ فِيهِ فَقِيلَ كَانَ النَّهْيُ لمن خيف

اتِّكَالُهُ عَلَى الْكِتَابِ وَتَفْرِيطُهُ فِي الْحِفْظِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ وَالْإِذْنُ لِمَنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْحِفْظِ وَقِيلَ كَانَ النَّهْيُ أَوَّلًا لَمَّا خِيفَ اخْتِلَاطُهُ بِالْقُرْآنِ وَالْإِذْنُ بَعْدَهُ لَمَّا أُمِنَ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ بَيْنَ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ خِلَافٌ فِي جَوَازِ كِتَابَةِ الْحَدِيثِ ثُمَّ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِهَا وَاسْتِحْبَابِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ الْبُدَاءَةُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عِتْبَانَ هَذَا بَدَأَ أَوَّلَ قُدُومِهِ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ أَكَلَ وَفِي حَدِيثِ زِيَارَتِهِ لِأُمِّ سُلَيْمٍ بَدَأَ بِالْأَكْلِ ثُمَّ صَلَّى لِأَنَّ الْمُهِمَّ فِي حَدِيثِ عِتْبَانَ هُوَ الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ دَعَاهُ لَهَا وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ دَعَتْهُ لِلطَّعَامِ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَدِيثِينَ بَدَأَ بِمَا دُعِيَ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ جَوَازُ اسْتِتْبَاعِ الْإِمَامِ وَالْعَالِمِ أَصْحَابَهُ لِزِيَارَةٍ أَوْ ضِيَافَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ وَمَا حَذَفْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْدُ والنعمة والفضل والمنة وبه التوفيق والعصمة

(باب الدليل على أن من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا

[34] (بَاب الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا [34] (وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم رَسُولًا فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَإِنْ ارْتَكَبَ الْمَعَاصِيَ الْكَبَائِرَ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رَسُولًا) قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَى رَضِيتُ بِالشَّيْءِ قَنَعْتُ بِهِ وَاكْتَفَيْتُ بِهِ وَلَمْ أَطْلُبْ مَعَهُ غَيْرَهُ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَمْ يَطْلُبْ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَسْعَ فِي غَيْرِ طَرِيقِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَسْلُكْ إِلَّا مَا يُوَافِقُ شَرِيعَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ فَقَدْ خَلَصَتْ حَلَاوَةُ الْإِيمَانِ إِلَى قَلْبِهِ وَذَاقَ طَعْمَهُ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ صَحَّ إِيمَانُهُ وَاطْمَأَنَّتْ بِهِ نَفْسُهُ وَخَامَرَ بَاطِنَهُ لِأَنَّ رِضَاهُ بِالْمَذْكُورَاتِ دَلِيلٌ لِثُبُوتِ مَعْرِفَتِهِ وَنَفَاذِ بَصِيرَتِهِ وَمُخَالَطَةِ بَشَاشَتِهِ قَلْبَهُ لِأَنَّ مَنْ رَضِيَ أَمْرًا سَهُلَ عَلَيْهِ فَكَذَا الْمُؤْمِنُ إِذَا دَخَلَ قَلْبَهُ الْإِيمَانَ سَهَّلَ عَلَيْهِ طَاعَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَذَّتْ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْإِسْنَادِ الدَّرَاوَرْدِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ وَفِيهِ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ هُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ هَكَذَا يَقُولهُ الْمُحَدِّثُونَ الْهَادِ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِيهِ وَفِي)

(باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة

نظائره بالياء كالعاصى وبن أَبِي الْمَوَالِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَرْوِهِ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ (باب بَيَانِ عَدَدِ شُعَبِ الْإِيمَانِ وَأَفْضَلِهَا وَأَدْنَاهَا وَفَضِيلَةِ الْحَيَاءِ (وَكَوْنِهِ مِنْ الْإِيمَانِ) [35] قَوْلُهُ (أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْقَافِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي أَوَّلِ الْمُقَدِّمَةِ فِي بَابِ النَّهْيِ عَنِ الرِّوَايَةِ عَنِ الضُّعَفَاءِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً) هَكَذَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ كَذَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلٍ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ عَلَى الشَّكِّ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ مِنْ رِوَايَةِ الْعَقَدِيِّ بضع وستون بلا شك ورواه أبوداود وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلٍ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بِلَا شَكٍّ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَقَالَ فِيهِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ بَابًا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الرَّاجِحَةِ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الصَّوَابُ مَا وَقَعَ فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ وَلِسَائِرِ الرُّوَاةِ بِضْعٌ وَسِتُّونَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الشَّكُّ الْوَاقِعُ فِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ هُوَ مِنْ سُهَيْلٍ كَذَا قَالَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سُهَيْلٍ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَأَمَّا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَلَى الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ أَخْرَجَاهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ غَيْرَ أَنَّهَا فِيمَا عِنْدنَا مِنْ كِتَابِ مُسْلِمٍ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ وَفِيمَا عِنْدنَا من كتاب)

الْبُخَارِيِّ بِضْعٌ وَسِتُّونَ وَقَدْ نَقَلْتُ كُلَّ وَاحِدَةٍ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْكِتَابَيْنِ وَلَا إِشْكَالَ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رِوَايَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي طُرُقِ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّرْجِيحِ قَالَ وَالْأَشْبَهُ بِالْإِتْقَانِ وَالِاحْتِيَاطِ تَرْجِيحُ رِوَايَةِ الْأَقَلِّ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ رِوَايَةَ الْأَكْثَرِ وَإِيَّاهَا اخْتَارَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ فَإِنَّ الْحُكْمَ لِمَنْ حَفِظَ الزِّيَادَةَ جَازِمًا بِهَا قَالَ الشَّيْخُ ثُمَّ إِنَّ الْكَلَامَ فِي تَعْيِينِ هَذِهِ الشُّعَبِ يَطُولُ وَقَدْ صُنِّفَتْ فِي ذَلِكَ مُصَنَّفَاتٌ وَمِنْ أَغْزَرِهَا فَوَائِدُ كِتَابِ الْمِنْهَاجُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيِّ إِمَامِ الشَّافِعِيِّينَ بِبُخَارَى وَكَانَ مِنْ رُفَعَاءِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَحَذَا حَذْوَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْجَلِيلِ الْحَفِيلِ كِتَابِ شُعَبُ الْإِيمَانِ هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الْبِضْعُ وَالْبِضْعَةُ بِكَسْرِ الْبَاءِ فِيهِمَا وَفَتْحِهَا هَذَا فِي الْعَدَدِ فاما بضعة اللحم فبالفتح لاغير وَالْبِضْعُ فِي الْعَدَدِ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ وَالْعَشْرِ وَقِيلَ مِنْ ثَلَاثٍ إِلَى تِسْعٍ وَقَالَ الْخَلِيلُ الْبِضْعُ سَبْعٌ وَقِيلَ مَا بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلَى عَشَرَةٍ وَمَا بَيْنَ اثْنَيْ عَشَرَ إِلَى عِشْرِينَ وَلَا يُقَالُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ قُلْتُ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَشْهُرُ الْأَظْهَرُ وَأَمَّا الشُّعْبَةُ فَهِيَ الْقِطْعَةِ مِنَ الشَّيْءِ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ خَصْلَةً قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَصْلَ الْإِيمَانِ فِي اللُّغَةِ التَّصْدِيقُ وَفِي الشَّرْعِ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَظَوَاهِرُ الشَّرْعِ تُطْلِقُهُ عَلَى الْأَعْمَالِ كَمَا وَقَعَ هُنَا أَفْضَلُهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَآخِرُهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ كَمَالَ الْإِيمَانِ بِالْأَعْمَالِ وَتَمَامَهُ بِالطَّاعَاتِ وَأَنَّ الْتِزَامَ الطَّاعَاتِ وَضَمَّ هَذِهِ الشُّعَبِ مِنْ جُمْلَةِ التَّصْدِيقِ وَدَلَائِلُ عَلَيْهِ وَأَنَّهَا خُلُقُ أَهْلِ التَّصْدِيقِ فَلَيْسَتْ خَارِجَةً عَنِ اسْمِ الْإِيمَانِ الشَّرْعِيِّ وَلَا اللُّغَوِيِّ وَقَدْ نَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهَا التَّوْحِيدُ الْمُتَعَيِّنُ علَى كُلِّ أَحَدٍ وَالَّذِي لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنَ الشُّعَبِ إِلَّا بَعْدَ صِحَّتِهِ وَأَدْنَاهَا مَا يُتَوَقَّعُ ضَرَرُهُ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ إِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْ طَرِيقِهِمْ وَبَقِيَ بَيْنَ هَذَيْنِ الطَّرَفَيْنِ أَعْدَادٌ لَوْ تَكَلَّفَ الْمُجْتَهِدُ تَحْصِيلَهَا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ وَشِدَّةِ التَّتَبُّعِ لَأَمْكَنَهُ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَ وَفِي الْحُكْمِ بِأَنَّ ذَلِكَ مُرَادُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُعُوبَةٌ ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَعْرِفَةُ أَعْيَانِهَا وَلَا يَقْدَحُ جَهْلُ ذَلِكَ فِي الْإِيمَانِ إِذْ أُصُولُ الْإِيمَانِ وَفُرُوعُهُ مَعْلُومَةٌ مُحَقَّقَةٌ وَالْإِيمَانُ بِأَنَّهَا هَذَا الْعَدَدُ وَاجِبٌ فِي الْجُمْلَةِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ بِكَسْرِ الْحَاءِ تَتَبَّعْتُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ مُدَّةً وَعَدَدْتُ الطَّاعَاتِ فَإِذَا هِيَ تَزِيدُ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ شَيْئًا كَثِيرًا فَرَجَعَتُ إِلَى السُّنَنِ فَعَدَدْتُ كُلَّ طَاعَةٍ عَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْإِيمَانِ فَإِذَا هِيَ تنقص

عَنِ الْبِضْعِ وَالسَّبْعِينَ فَرَجَعَتْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَرَأَتْهُ بِالتَّدَبُّرِ وَعَدَدْتُ كُلَّ طَاعَةٍ عَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْإِيمَانِ فَإِذَا هِيَ تَنْقُصُ عَنِ الْبِضْعِ وَالسَّبْعِينَ فَضَمَمْتُ الْكِتَابَ إِلَى السُّنَنِ وَأَسْقَطَتِ الْمُعَادَ فَإِذَا كُلُّ شَيْءٍ عَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَنَبِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْإِيمَانِ تِسْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا وَلَا تَنْقُصُ فَعَلِمْتُ أَنَّ مُرَادَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَنِ وَذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ وَصْفِ الْإِيمَانِ وَشُعَبِهِ وَذَكَرَ أَنَّ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً أَيْضًا صَحِيحَةٌ فَإِنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَذْكُرُ لِلشَّيْءِ عَدَدًا وَلَا تُرِيدُ نَفْيَ مَا سِوَاهُ وَلَهُ نَظَائِرُ أَوْرَدَهَا فِي كِتَابِهِ مِنْهَا فِي أَحَادِيثِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ وَفِي الْأُخْرَى الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ وَفِي الْأُخْرَى الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ أَوْ قَالَ كُلُّهُ خَيْرٌ الْحَيَاءُ مَمْدُودٌ وَهُوَ الِاسْتِحْيَاءُ قَالَ الْإِمَامُ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الِاسْتِحْيَاءُ مِنَ الْحَيَاةِ وَاسْتَحْيَا الرَّجُلُ مِنْ قُوَّةِ الْحَيَاةِ فِيهِ لِشِدَّةِ علمه بمواقع الغيب قال فالحياء من قوة الحس ولطفه وقرة الْحَيَاةِ وَرُوِّينَا فِي رِسَالَةِ الْإِمَامِ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيِّ عَنِ السَّيِّدِ الْجَلِيلِ أَبِي الْقَاسِمِ الْجُنَيْدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْحَيَاءُ رُؤْيَةُ الْآلَاءِ أَيِ النِّعَمِ وَرُؤْيَةُ التَّقْصِيرِ فَيَتَوَلَّدُ بَيْنَهُمَا حَالَةٌ تُسَمَّى الْحَيَاءُ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنَ الشُّرَّاحِ إِنَّمَا جُعِلَ الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ وَإِنْ كَانَ غَرِيزَةً لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ تَخَلُّقًا وَاكْتِسَابًا كَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَقَدْ يَكُونُ غَرِيزَةً وَلَكِنَّ اسْتِعْمَالَهُ عَلَى قَانُونِ الشَّرْعِ يَحْتَاجُ إِلَى اكْتِسَابٍ وَنِيَّةٍ وَعِلْمٍ فَهُوَ مِنَ الْإِيمَانِ بِهَذَا وَلِكَوْنِهِ بَاعِثًا عَلَى أَفْعَالِ الْبِرِّ وَمَانِعًا مِنَ الْمَعَاصِي وَأَمَّا كَوْنُ الْحَيَاءِ خَيْرًا كُلَّهُ وَلَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ فَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ صَاحِبَ الْحَيَاءِ قَدْ يستحى أَنْ يُوَاجِهَ بِالْحَقِّ مَنْ يُجِلُّهُ فَيَتْرُكُ أَمْرَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيَهُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَقَدْ يَحْمِلُهُ الْحَيَاءُ عَلَى الْإِخْلَالِ بِبَعْضِ الْحُقُوقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْعَادَةِ وَجَوَابُ هَذَا مَا أَجَابَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْهُمُ الشَّيْخُ أبوعمرو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ هَذَا الْمَانِعُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَيْسَ بِحَيَاءٍ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ عَجْزٌ وَخَوَرٌ وَمَهَانَةٌ وَإِنَّمَا تَسْمِيَتُهُ حَيَاءً مِنْ إِطْلَاقِ بَعْضِ أَهْلِ الْعُرْفِ أَطْلَقُوهُ مَجَازًا لِمُشَابَهَتِهِ الحياء

الْحَقِيقِيَّ وَإِنَّمَا حَقِيقَةُ الْحَيَاءِ خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى تَرْكِ الْقَبِيحِ وَيَمْنَعُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ ذِي الْحَقِّ وَنَحْوِ هَذَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنِ الْجُنَيْدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ) أَيْ تَنْحِيَتُهُ وَإِبْعَادُهُ وَالْمُرَادُ بِالْأَذَى كُلُّ مَا يُؤْذِي مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ شَوْكٍ أَوْ غَيْرِهِ قَوْلُهُ (يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ) أَيْ يَنْهَاهُ عَنْهُ وَيُقَبِّحَ لَهُ فِعْلَهُ وَيَزْجُرُهُ عَنْ كَثْرَتِهِ فَنَهَاهُ النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فَقَالَ دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ أَيْ دَعْهُ عَلَى فِعْلِ الْحَيَاءِ وَكُفَّ عَنْ نَهْيِهِ وَوَقَعَتْ لَفْظَةُ دَعْهُ فِي الْبُخَارِيِّ وَلَمْ تَقَعْ فِي مُسْلِمٍ قَوْلُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا السَّوَّارِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ) وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِي حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ إِسْحَاقَ وَهُوَ بن سُوَيْدٍ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ حَدَّثَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ فِي رَهْطٍ فَحَدَّثَنَا إِلَى آخِرِهِ هَذَانِ الْإِسْنَادَانِ كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ وَهَذَا مِنَ النَّفَائِسِ اجْتِمَاعُ الْإِسْنَادَيْنِ فِي الْكِتَابِ

مُتَلَاصِقَيْنِ جَمِيعُهُمْ بَصْرِيُّونَ وَشُعْبَةُ وَإِنْ كَانَ وَاسِطِيًّا فَهُوَ بَصْرِيٌّ أَيْضًا فَكَانَ وَاسِطِيًّا بَصْرِيًّا فَإِنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ وَاسِطٍ إِلَى الْبَصْرَةِ وَاسْتَوْطَنَهَا وَأَمَّا أَبُو السَّوَّارِ فَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَآخِرُهُ رَاءٌ وَاسْمُهُ حَسَّانُ بْنُ حُرَيْثٍ الْعَدَوِيُّ وَأَمَّا أَبُو قَتَادَةَ هَذَا فَاسْمُهُ تَمِيمُ بْنُ نُذَيْرٍ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ العدوى ويقال تميم بن الزبير ويقال بن يَزِيدَ بِالزَّايِ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ وَأَمَّا الرهط فهو مادون الْعَشَرَةِ مِنَ الرِّجَالِ خَاصَّةً لَا يَكُونُ فِيهِمُ امْرَأَةٌ وَلَيْسَ لَهُ وَاحِدٌ مِنَ اللَّفْظِ وَالْجَمْعُ أَرْهُطٌ وَأَرْهَاطٌ وَأَرَاهِطُ وَأَرَاهِيطُ قَوْلُهُ (فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ إِنَّا لَنَجِدُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَوِ الْحِكْمَةِ أَنَّ مِنْهُ سَكِينَةً وَوَقَارًا لِلَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُ ضَعْفٌ فَغَضَبَ عِمْرَانُ حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ وَقَالَ أَنَا أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُعَارِضُ فِيهِ إِلَى قوله فمازلنا نَقُولُ إِنَّهُ مِنَّا يَا أَبَا نُجَيْدٍ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ) أَمَّا بُشَيْرٌ فَبِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَبَيَانُ أَمْثَالِهِ فِي آخَرِ الْفُصُولِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هُوَ أَيْضًا فِي أَوَّلِ الْمُقَدِّمَةِ وَأَمَّا نُجَيْدُ فَبِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَآخِرِهِ دَالٌ مُهْمَلَةٌ وَأَبُو نُجَيْدٍ هُوَ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ كُنِي بِابْنِهِ نُجَيْدٍ وَأَمَّا الضَّعْفُ فَبِفَتْحِ الضَّادِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَقَوْلُهُ حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ كَذَا هُوَ

(باب جامع أوصاف الإسلام [38] قوله (قلت يا رسول الله قل

فِي الْأُصُولِ وَهُوَ صَحِيحٌ جَارٍ عَلَى لُغَةِ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ وَمِثْلُهُ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا عَلَى أَحَدِ الْمَذَاهِبِ فِيهَا وَمِثْلُهُ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ وَأَشْبَاهُهُ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَرُوِّينَاهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَاحْمَرَّتْ عَيْنَاهُ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَأَمَّا إِنْكَارُ عِمْرَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلِكَوْنِهِ قَالَ مِنْهُ ضَعْفٌ بَعْدَ سَمَاعِهِ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَيْرٌ كُلُّهُ وَمَعْنَى تُعَارِضُ تَأْتِي بِكَلَامٍ فِي مُقَابَلَتِهِ وَتَعْتَرِضُ بِمَا يُخَالِفُهُ وَقَوْلُهُمْ إِنَّهُ مِنَّا لَا بَأْسَ بِهِ مَعْنَاهُ لَيْسَ هُوَ مِمَّنْ يتهم بنفاق أو زندقة أو بدعة أوغيرها مِمَّا يُخَالِفُ بِهِ أَهْلَ الِاسْتِقَامَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ (أَنْبَأَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنْبَأَنَا النَّضْرُ حَدَّثَنَا أَبُو نَعَامَةَ الْعَدَوِيُّ قَالَ سَمِعْتُ حُجَيْرَ بْنَ الرَّبِيعِ الْعَدَوِيَّ يَقُولُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ) هَذَا الْإِسْنَادُ أَيْضًا كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ إِلَّا إِسْحَاقَ فَإِنَّهُ مَرْوَزِيٌّ فَأَمَّا النَّضْرُ فَهُوَ ابْنُ شُمَيْلٍ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ وَأَمَّا أَبُو نَعَامَةَ فَبِفَتْحِ النُّونِ وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عِيسَى بْنِ سُوَيْدٍ وَهُوَ مِنَ الثِّقَاتِ الَّذِينَ اخْتَلَطُوا قَبْلَ مَوْتِهِمْ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ وَبَعْدَهَا أَنَّ مَا كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْمُخْتَلِطِينَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ أَخَذَ عَنْهُمْ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ وَأَمَّا حُجَيْرٌ فَبِضَمِّ الْحَاءِ وَبَعْدَهَا جِيمٌ مَفْتُوحَةٌ وَآخِرُهُ رَاءٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ (باب جَامِعِ أَوْصَافِ الْإِسْلَامِ [38] قَوْلُهُ (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ غَيْرَكَ قَالَ قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ استقم)

(باب بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل [39] فيه (عن عبد

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثم استقاموا أَيْ وَحَّدُوا اللَّهَ وَآمَنُوا بِهِ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَمْ يَحِيدُوا عَنِ التَّوْحِيدِ وَالْتَزَمُوا طَاعَتَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى أَنْ تُوُفُّوا عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَهُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا آخَرُ كَلَامِ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ وقال بن عباس رضى الله عنهما فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ مَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جميع القرآن آية كانت أَشَدُّ وَلَا أَشَقُّ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ حِينَ قَالُوا قَدْ أَسْرَعَ إِلَيْكَ الشَّيْبُ فَقَالَ شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الِاسْتِقَامَةُ دَرَجَةٌ بِهَا كَمَالُ الْأُمُورِ وَتَمَامُهَا وَبِوُجُودِهَا حُصُولُ الْخَيْرَاتِ وَنِظَامُهَا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِيمًا فِي حَالَتِهِ ضَاعَ سَعْيُهُ وَخَابَ جَهْدُهُ قَالَ وَقِيلَ الِاسْتِقَامَةُ لَا يُطِيقُهَا إِلَّا الْأَكَابِرُ لِأَنَّهَا الْخُرُوجُ عَنِ الْمَعْهُودَاتِ وَمُفَارَقَةُ الرُّسُومِ وَالْعَادَاتِ وَالْقِيَامُ بَيْنَ يَدِيِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى حَقِيقَةِ الصِّدْقِ وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَقَالَ الْوَاسِطِيُّ الْخَصْلَةُ الَّتِي بِهَا كَمُلَتِ الْمَحَاسِنُ وَبِفَقْدِهَا قَبُحَتِ الْمَحَاسِنُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَمْ يَرْوِ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ لِسُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ وَزَادَ فِيهِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيَّ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب بَيَانِ تَفَاضُلِ الْإِسْلَامِ وَأَيُّ أُمُورِهِ أَفْضَلُ [39] فِيهِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْإِسْلَامِ)

خَيْرٌ قَالَ تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ) وَفِي رِوَايَةِ أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ قَالَ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَفِي رِوَايَةِ جَابِرٍ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ قَوْلُهُ أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ مَعْنَاهُ أَيُّ خِصَالِهِ وَأُمُورِهِ وَأَحْوَالِهِ قَالُوا وَإِنَّمَا وَقَعَ اخْتِلَافُ الْجَوَابِ فِي خَيْرِ الْمُسْلِمِينَ لِاخْتِلَافِ حَالِ السَّائِلِ وَالْحَاضِرِينَ فَكَانَ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ الْحَاجَةُ إِلَى إِفْشَاءِ السَّلَامِ وَإِطْعَامِ الطَّعَامِ أَكْثَرُ وَأَهَمُّ لِمَا حَصَلَ مِنْ إِهْمَالِهِمَا وَالتَّسَاهُلِ فِي أُمُورِهِمَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَفِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ إِلَى الْكَفِّ عَنْ إِيذَاءِ الْمُسْلِمِينَ [40] وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ) مَعْنَاهُ مَنْ لَمْ يُؤْذِ مُسْلِمًا بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ وَخَصَّ الْيَدَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْأَفْعَالِ بِهَا وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ بِإِضَافَةِ الِاكْتِسَابِ وَالْأَفْعَالِ إِلَيْهَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ قَالُوا مَعْنَاهُ الْمُسْلِمُ الْكَامِلُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ أَصْلِ الْإِسْلَامِ عَنْ مَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ بَلْ هذا كما يقال العلم ما نفع أوالعالم زَيْدٌ أَيِ الْكَامِلُ أَوِ الْمَحْبُوبُ وَكَمَا يُقَالُ النَّاسُ الْعَرَبُ وَالْمَالُ الْإِبِلُ فَكُلُّهُ عَلَى التَّفْضِيلِ لَا لِلْحَصْرِ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَعْنَى الْحَدِيثِ قَوْلُهُ أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ قَالَ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ثُمَّ إِنَّ كَمَالَ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِ مُتَعَلِّقٌ بِخِصَالٍ أُخَرَ كَثِيرَةً وَإِنَّمَا خَصَّ مَا ذَكَرَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْحَاجَةِ الْخَاصَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمَعْنَى تَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ أَيْ تُسَلِّمُ عَلَى كُلِّ مَنْ لَقِيتَهُ عَرَفْتَهُ أَمْ لَمْ تَعْرِفْهُ وَلَا تَخُصَّ بِهِ مَنْ تَعْرِفُهُ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرُونَ مِنَ النَّاسِ ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْعُمُومَ مَخْصُوصٌ بِالْمُسْلِمِينَ فَلَا يُسَلَّمُ ابْتِدَاءً عَلَى كَافِرٍ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ جُمَلٌ مِنَ الْعِلْمِ فَفِيهَا الْحَثُّ عَلَى إِطْعَامِ الطَّعَامِ وَالْجُودِ وَالِاعْتِنَاءِ بِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكَفِّ عَمَّا يُؤْذِيهِمْ بقول

أو فعل مباشرة أَوْ سَبَبٍ وَالْإِمْسَاكُ عَنِ احْتِقَارِهِمْ وَفِيهَا الْحَثُّ عَلَى تَأَلُّفِ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ وَاجْتِمَاعِ كَلِمَتِهِمْ وَتَوَادُّهِمْ وَاسْتِجْلَابِ مَا يُحَصِّلُ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ الله والالفة احدى فرائط الدِّينِ وَأَرْكَانِ الشَّرِيعَةِ وَنِظَامِ شَمْلِ الْإِسْلَامِ قَالَ وَفِيهِ بَذْلُ السَّلَامِ لِمَنْ عَرَفْتَ وَلِمَنْ لَمْ تَعْرِفْ وَإِخْلَاصُ الْعَمَلِ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا مُصَانَعَةً وَلَا مَلَقًا وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ اسْتِعْمَالُ خُلُقِ التَّوَاضُعِ وَإِفْشَاءِ شِعَارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَمَّا أَسْمَاءُ رِجَالِ الْبَابِ فَقَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يَعْنِي بن العاصى قال مسلم رحمه الله وحدثنى أبو الطاهر أحمد بن عمرو المصرى أخبرنا بن وهب عن عمرو بن الحرث عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهَذَانِ الْإِسْنَادَانِ كُلُّهُمْ مِصْرِيُّونَ أَئِمَّةٌ جِلَّةٌ وَهَذَا مِنْ عَزِيزِ الْأَسَانِيدِ فِي مُسْلِمٍ بَلْ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّ اتِّفَاقَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ فِي كَوْنِهِمْ مِصْرِيِّينَ فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ وَيَزْدَادُ قِلَّةً بِاعْتِبَارِ الْجَلَالَةِ فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَجَلَالَتُهُ وَفِقْهُهُ وَكَثْرَةُ حَدِيثِهِ وَشِدَّةُ وَرَعِهِ وَزَهَادَتُهُ وَإِكْثَارُهُ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ فَمَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ لَا يُمْكِنُ اسْتِقْصَاؤُهَا فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا أَبُو الخير بالخاء المعجمة واسمه مرثد بالمثلثة بن عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيُّ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَالزَّايِ مَنْسُوبٌ إِلَى يَزَنَ بَطْنٌ مِنْ حِمْيَرَ قَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنِ يُونُسَ كَانَ أَبُو الْخَيْرِ مُفْتِيَ أَهْلِ مِصْرَ فِي زَمَانِهِ مَاتَ سَنَةَ سَبْعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَأَمَّا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ فَكُنْيَتُهُ أَبُو رَجَاءٍ وَهُوَ تَابِعِيٌّ قَالَ بن يُونُسَ وَكَانَ مُفْتِيَ أَهْلِ مِصْرَ فِي زَمَانِهِ وَكَانَ حَلِيمًا عَاقِلًا وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ الْعِلْمَ بِمِصْرَ وَالْكَلَامَ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَقَبْلَ ذلك كانوا يتحدثون بالفتن والملاحمم وَالتَّرْغِيبِ فِي الْخَيْرِ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَزِيدُ سَيِّدُنَا وَعَالِمُنَا وَاسْمُ أَبِي حَبِيبٍ سُوَيْدٌ وَأَمَّا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِمَامَتُهُ وَجَلَالَتُهُ وَصِيَانَتُهُ وَبَرَاعَتُهُ وَشَهَادَةُ أَهْلِ عَصْرِهِ سخائه وَسِيَادَتِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ جَمِيلِ حَالَاتِهِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ وَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَيَكْفِي فِي جَلَالَتِهِ شَهَادَةُ الْإِمَامَيْنِ الْجَلِيلَيْنِ الشَّافِعِيِّ وبن بَكِيرٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ اللَّيْثَ أَفْقَهُ مِنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ فَهَذَانِ صَاحِبَا مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ شَهِدَا بِمَا شهدا وهم بِالْمَنْزِلَةِ الْمَعْرُوفَةِ مِنَ الْإِتْقَانِ وَالْوَرَعِ وَإِجْلَالِ مَالِكٍ ومعرفتها بِأَحْوَالِهِ هَذَا كُلُّهُ مَعَ مَا قَدْ عُلِمَ مِنْ جَلَالَةِ مَالِكٍ وَعِظَمِ فِقْهِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ كَانَ دَخْلُ اللَّيْثِ ثَمَانِينَ أَلْفَ دِينَارٍ مَا أَوْجَبَ

اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ زَكَاةً قَطُّ وَقَالَ قُتَيْبَةُ لَمَّا قَدِمَ اللَّيْثُ أَهْدَى لَهُ مَالِكٌ مِنْ طَرَفِ الْمَدِينَةِ فَبَعَثَ إِلَيْهِ اللَّيْثُ أَلْفَ دِينَارٍ وَكَانَ اللَّيْثُ مُفْتِيَ أَهْلِ مِصْرَ فِي زَمَانِهِ وأما محمد بن رمح فقال بن يُونُسَ هُوَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فِي الْحَدِيثِ وَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِأَخْبَارِ الْبَلَدِ وَفِقْهِهِ وَكَانَ إِذَا شَهِدَ فِي كِتَابِ دَارٍ عَلِمَ أَهْلُ الْبَلَدِ أَنَّهَا طَيِّبَةُ الْأَصْلِ وَذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ فَقَالَ مَا أَخْطَأَ فِي حَدِيثٍ وَلَوْ كَتَبَ عَنْ مَالِكٍ لَأَثْبَتُّهُ فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ فَعِلْمُهُ وَوَرَعُهُ وَزُهْدُهُ وَحِفْظُهُ وَإِتْقَانُهُ وَكَثْرَةُ حَدِيثِهِ وَاعْتِمَادُ أَهْلِ مِصْرَ عَلَيْهِ وَإِخْبَارُهُمْ بِأَنَّ حَدِيثَ أَهْلِ مِصْرَ وَمَا وَالَاهَا يَدُورُ عَلَيْهِ فَكُلُّهُ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ أَئِمَّةِ هَذَا الْفَنِّ وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَكْتُبْ إِلَى أَحَدٍ وَعَنْوَنَهُ بِالْفِقْهِ إِلَّا إلى بن وهب رحمه الله وأما عمرو بن الحرث فهو مفتى اهل مصر في زمنه وقاريهم قَالَ أَبُو زُرْعَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْحِفْظِ فِي زَمَنِهِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ كَانَ أَحْفَظَ النَّاسِ فِي زَمَانِهِ وقال مالك بن أنس عمرو بن الحرث دُرَّةُ الْغَوَّاصِ وَقَالَ هُوَ مُرْتَفِعُ الشَّأْنِ وَقَالَ بن وهب سمعت من ثلاثمائة وَسَبْعِينَ شَيْخًا فَمَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ عَمْرِو بن الحرث رَحِمَهُ اللَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ الآخر [41] (أبو عاصم عن بن جريج عن أبىالزبير) أَمَّا أَبُو عَاصِمٍ فَهُوَ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ وأما بن جريج

(باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان [43] قوله

فَهُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ وَأَمَّا أَبُو الزُّبَيْرِ فَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُمْ وَفِي الاسناد الآخر أبوبردة عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى فَأَبُو بُرْدَةَ الْأَوَّلُ اسْمُهُ بُرَيْدٌ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَقَدْ سَمَّاهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَأَبُو بُرْدَةَ الثَّانِي اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ اسْمُهُ عَامِرٌ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ عَامِرٌ كَمَا قَالَ الْجُمْهُورُ وَفِي الْأُخْرَى الْحَارِثُ وَأَمَّا أَبُو مُوسَى فَهُوَ الْأَشْعَرِيُّ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ وَإِنَّمَا نَقْصِدُ بِذِكْرِ مِثْلِ هَذَا وَإِنْ كَانَ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الْفَنِّ مِنَ الْوَاضِحَاتِ الْمَشْهُورَاتِ الَّتِي لَا حَاجَةَ إِلَى ذِكْرِهَا لِكَوْنِ هَذَا الْكِتَابِ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْفُضَلَاءِ بَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِإِفَادَةِ مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي هَذَا الْفَنِّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (باب بَيَانِ خِصَالٍ مَنْ اتَّصَفَ بِهِنَّ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ [43] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إليه مما سواهما وأن يحب المرء لايحبه إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا هَذَا حَدِيثٌ عَظِيمٌ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ قَالَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَعْنَى حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ اسْتِلْذَاذُ الطاعات وتحمل المشقات في رضى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِيثَارُ ذَلِكَ عَلَى عَرَضِ الدُّنْيَا وَمَحَبَّةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِفِعْلِ طَاعَتِهِ وَتَرْكِ مُخَالَفَتِهِ وَكَذَلِكَ مَحَبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْحَدِيثُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ)

رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْمَحَبَّةُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقِيقَةً وَحُبُّ الْآدَمِيِّ فِي اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَرَاهَةُ الرُّجُوعِ إِلَى الْكُفْرِ إِلَّا لِمَنْ قَوَّى بِالْإِيمَانِ يَقِينَهُ وَاطْمَأَنَّتْ بِهِ نَفْسُهُ وَانْشَرَحَ لَهُ صَدْرُهُ وَخَالَطَ لَحْمَهُ وَدَمَهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي وَجَدَ حَلَاوَتَهُ قَالَ وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ مِنْ ثَمَرَاتِ حُبِّ اللَّهِ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمَحَبَّةُ مُوَاطَأَةُ الْقَلْبِ عَلَى مَا يُرْضِي الرَّبَّ سُبْحَانَهُ فَيُحِبُّ مَا أَحَبَّ وَيَكْرَهُ مَا كَرِهَ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي هَذَا الْبَابِ بِمَا لا يؤول إِلَى اخْتِلَافٍ إِلَّا فِي اللَّفْظِ وَبِالْجُمْلَةِ أَصْلُ الْمَحَبَّةِ الْمَيْلُ إِلَى مَا يُوَافِقُ الْمُحَبَّ ثُمَّ الْمَيْلُ قَدْ يَكُونُ لِمَا يَسْتَلِذُّهُ الْإِنْسَانُ وَيَسْتَحْسِنُهُ كَحُسْنِ الصُّورَةِ وَالصَّوْتِ وَالطَّعَامِ وَنَحْوِهَا وَقَدْ يَسْتَلِذُّهُ بِعَقْلِهِ لِلْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ كَمَحَبَّةِ الصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ مُطْلَقًا وَقَدْ يَكُونُ لِإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ وَدَفْعِهِ الْمَضَارَّ وَالْمَكَارِهَ عَنْهُ وَهَذِهِ الْمَعَانِي كُلُّهَا مَوْجُودَةٌ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا جَمَعَ مِنْ جَمَالِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَكَمَالِ خِلَالِ الْجَلَالِ وَأَنْوَاعِ الْفَضَائِلِ وَإِحْسَانِهِ إِلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ بِهِدَايَتِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَدَوَامِ النِّعَمِ وَالْإِبْعَادِ مِنَ الْجَحِيمِ وَقَدْ أَشَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ هَذَا مُتَصَوَّرٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ الْمَحَبَّةُ فِي اللَّهِ مِنْ وَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودَ أَوْ يَرْجِعَ فَمَعْنَاهُ يَصِيرُ وَقَدْ جَاءَ الْعَوْدُ وَالرُّجُوعُ بمعنى الصيرورة وأما أبوقلابة الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ

(باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر

فَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وَأَمَّا قَوْلُ مسلم حدثنا بن مثنى وبن بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهَذَا إِسْنَادٌ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ شُعْبَةَ وَاسِطِيٌّ بَصْرِيٌّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (بَاب وُجُوبِ مَحَبَّةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل (والوالد والوالد والناس أجمعين واطلاق عدم الايمان على من لم يحبه هذه المحبة) [44] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ لَمْ يُرِدْ بِهِ حُبَّ الطَّبْعِ بَلْ أَرَادَ بِهِ حُبَّ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ حُبَّ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ طَبْعٌ وَلَا سَبِيلَ إِلَى قَلْبِهِ قَالَ فَمَعْنَاهُ لَا تَصْدُقُ فِي حُبِّي حَتَّى تُفْنِيَ فِي طَاعَتِي نَفْسَكَ وَتُؤْثِرَ رِضَايَ عَلَى هَوَاكَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ هَلَاكُكَ هَذَا كَلَامُ الخطابى وقال بن بَطَّالٍ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُمَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الْمَحَبَّةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مَحَبَّةُ إِجْلَالٍ وَإِعْظَامٍ كَمَحَبَّةِ الْوَالِدِ وَمَحَبَّةُ شَفَقَةٍ وَرَحْمَةٍ كَمَحَبَّةِ الْوَلَدِ وَمَحَبَّةُ مُشَاكَلَةٍ وَاسْتِحْسَانٍ كَمَحَبَّةِ سَائِرِ النَّاسِ فَجَمَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْنَافَ الْمَحَبَّةِ فِي مَحَبَّتِهِ قال بن بَطَّالٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَعْنَى)

(باب الدليل على أن من خصال الإيمان (أن يحب لأخيه

الْحَدِيثِ أَنَّ مَنِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ عَلِمَ أَنَّ حَقَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكَدُ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لِأَنَّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتُنْقِذْنَا مِنَ النَّارِ وَهُدِينَا مِنَ الضَّلَالِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِنْ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُصْرَةُ سُنَّتِهِ وَالذَّبُّ عَنْ شَرِيعَتِهِ وَتَمَنِّي حُضُورِ حَيَاتِهِ فَيَبْذُلَ مَالَهُ وَنَفْسَهُ دُونَهُ قَالَ وَإِذَا تَبَيَّنَ مَا ذَكَرْنَاهُ تَبَيَّنَ أَنَّ حقيقة الايمان لا يتم الابذلك وَلَا يَصِحُّ الْإِيمَانُ إِلَّا بِتَحْقِيقِ إِعْلَاءِ قَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْزِلَتِهِ عَلَى كُلِّ وَالِدٍ وَوَلَدٍ وَمُحْسِنٍ وَمُفَضَّلٍ وَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ هَذَا وَاعْتَقَدَ سِوَاهُ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ مُسْلِمٌ (وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مثنى وبن بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ) وَهَذَانِ الْإِسْنَادانِ رُوَاتُهُمَا بَصْرِيُّونَ كُلُّهُمْ وَشَيْبَانُ بْنُ أبى شيبة هذا هو شيبان بن فروج الَّذِي رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (باب الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مِنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ (أَنْ يُحِبَّ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنْ الْخَيْرِ) [45] قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يُحِبَّ لِأَخِيهِ أَوْ قَالَ لِجَارِهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) هَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ لِأَخِيهِ أَوْ لِجَارِهِ عَلَى الشَّكِّ وَكَذَا هُوَ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَلَى الشَّكِّ وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ لِأَخِيهِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ قَالَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَعْنَاهُ لَا يُؤْمِنُ الْإِيمَانَ التَّامَّ وَإِلَّا فَأَصْلُ الْإِيمَانِ يَحْصُلُ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَالْمُرَادُ يُحِبَّ لِأَخِيهِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْأَشْيَاءِ الْمُبَاحَاتِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مِنَ الْخَيْرِ)

(باب بيان تحريم ايذاء الجار [46] قوله صلى الله عليه

مَا يُحِبَّ لِنَفْسِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ وَهَذَا قَدْ يُعَدُّ مِنَ الصَّعْبِ الْمُمْتَنِعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِذْ مَعْنَاهُ لَا يَكْمُلُ إِيمَانُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلَ مَا يُحِبَّ لِنَفْسِهِ وَالْقِيَامُ بِذَلِكَ يَحْصُلُ بِأَنْ يُحِبَّ لَهُ حُصُولَ مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ جِهَةٍ لَا يُزَاحِمُهُ فِيهَا بِحَيْثُ لَا تَنْقُصُ النِّعْمَةُ عَلَى أَخِيهِ شَيْئًا مِنَ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ وذلك سهل على القلب السليم وانما يَعْسُرُ عَلَى الْقَلْبِ الدَّغِلِ عَافَانَا اللَّهُ وَإِخْوَانَنَا أَجْمَعِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا إِسْنَادُهُ فَقَالَ مُسْلِمٌ رحمه الله حدثنا محمد بن مثنى وبن بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ وهؤلاء كلهم بصريون والله اعلم (باب بيان تحريم ايذاء الجار [46] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ) الْبَوَائِقُ جَمْعُ بَائِقَةٍ وَهِيَ الْغَائِلَةُ وَالدَّاهِيَةُ وَالْفَتْكُ وَفِي مَعْنَى لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ جَوَابَانِ يَجْرِيَانِ فِي كُلِّ مَا أَشْبَهَ هَذَا أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يَسْتَحِلُّ الْإِيذَاءَ مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِهِ فَهَذَا كَافِرٌ لَا يَدْخُلُهَا أَصْلًا وَالثَّانِي مَعْنَاهُ جَزَاؤُهُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا وَقْتَ دُخُولِ الْفَائِزِينَ إِذَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا لَهُمْ بَلْ يُؤَخَّرُ ثُمَّ قَدْ يُجَازَى وَقَدْ يُعْفَى عَنْهُ فَيَدْخُلُهَا أَوَّلًا وَإِنَّمَا تَأَوَّلْنَا هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ لِأَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ مُصِرًّا عَلَى الْكَبَائِرِ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ تعالى ان شاء عَفَا عَنْهُ فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ أَوَّلًا وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ)

(باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت (الا

(باب الْحَثِّ عَلَى إِكْرَامِ الْجَارِ وَالضَّيْفِ وَلُزُومِ الصمت (الا عن الخير وكون ذلك كله من الايمان) [47] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ صَمَتَ يصمت بضم الميم صمتا وصموتا وصمات أَيْ سَكَتَ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيُقَالُ أَصْمُتُ بِمَعْنَى صَمَتُّ وَالتَّصْمِيتُ السُّكُوتُ وَالتَّصْمِيتُ أَيْضًا التَّسْكِيتُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ مَنِ الْتَزَمَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ لَزِمَهُ إِكْرَامُ جَارِهِ وَضَيْفِهِ وَبِرِّهِمَا وَكُلُّ ذَلِكَ تَعْرِيفٌ بِحَقِّ الْجَارِ وَحَثٌّ عَلَى حِفْظِهِ وَقَدْ أَوْصَى اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا زَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ وَالضِّيَافَةُ مِنْ آدَابِ الْإِسْلَامِ وَخُلُقِ النَّبِيِّينَ وَالصَّالِحِينَ وَقَدْ أَوْجَبَهَا اللَّيْثُ لَيْلَةً وَاحِدَةً وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَبِحَدِيثِ عُقْبَةَ إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِحَقِّ الضَّيْفِ فَاقْبَلُوا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالْجَائِزَةُ الْعَطِيَّةُ وَالْمِنْحَةُ وَالصِّلَةُ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ الِاخْتِيَارِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيُكْرِمْ وَلْيُحْسِنْ يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَيْضًا إِذْ لَيْسَ يُسْتَعْمَلُ مِثْلُهُ فِي الْوَاجِبِ مَعَ أَنَّهُ مَضْمُومٌ إِلَى الْإِكْرَامِ لِلْجَارِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ وَتَأَوَّلُوا الْأَحَادِيثَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إِذْ كَانَتِ الْمُوَاسَاةُ وَاجِبَةً وَاخْتَلَفُوا هَلِ الضِّيَافَةُ عَلَى الْحَاضِرِ وَالْبَادِي أَمْ عَلَى الْبَادِي خَاصَّةً فَذَهَبَ)

الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ إِلَى أَنَّهَا عَلَيْهِمَا وَقَالَ مَالِكٌ وَسُحْنُونٌ إِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْبَوَادِي لِأَنَّ الْمُسَافِرَ يَجِدُ فِي الْحَضَرِ الْمَنَازِلَ فِي الْفَنَادِقِ وَمَوَاضِعَ النُّزُولِ وَمَا يَشْتَرِي مِنَ الْمَأْكَلِ فِي الْأَسْوَاقِ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ الضِّيَافَةِ عَلَى أَهْلِ الْوَبَرِ وليست على أهل المدر لكن هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مَوْضُوعٌ وَقَدْ تَتَعَيَّنُ الضِّيَافَةُ لِمَنِ اجْتَازَ مُحْتَاجًا وَخِيفَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا اشْتُرِطَتْ عَلَيْهِمْ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَإِنْ كَانَ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ خَيْرًا مُحَقَّقًا يُثَابُ عَلَيْهِ وَاجِبًا اومندوبا فَلْيَتَكَلَّمْ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَنَّهُ خَيْرٌ يُثَابُ عَلَيْهِ فَلْيُمْسِكْ عَنِ الْكَلَامِ سَوَاءٌ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ مُبَاحٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْكَلَامُ الْمُبَاحُ مَأْمُورًا بِتَرْكِهِ مَنْدُوبًا إِلَى الْإِمْسَاكِ عَنْهُ مَخَافَةً مِنِ انْجِرَارِهِ إِلَى الْمُحَرَّمِ أَوِ الْمَكْرُوهِ وَهَذَا يَقَعُ فِي الْعَادَةِ كَثِيرًا أَوْ غَالِبًا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ الا لديه رقيب عتيد وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْعُلَمَاءُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُكْتَبُ جَمِيعُ مَا يَلْفِظُ بِهِ الْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لَا ثَوَابَ فِيهِ وَلَا عِقَابَ لِعُمُومِ الآية أم لا يكتب الا مافيه جَزَاءٌ مِنْ ثَوَابٍ أَوْ عِقَابٍ وَإِلَى الثَّانِي ذهب بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ أَيْ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جَزَاءٌ وَقَدْ نَدَبَ الشَّرْعُ إِلَى الْإِمْسَاكِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمُبَاحَاتِ لِئَلَّا يَنْجَرَّ صَاحِبُهَا إِلَى الْمُحَرَّمَاتِ أَوِ الْمَكْرُوهَاتِ وَقَدْ أَخَذَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ فَقَالَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَلْيُفَكِّرْ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ تَكَلَّمَ وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ فِيهِ ضرر أوشك فِيهِ أَمْسَكَ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ إِمَامُ الْمَالِكِيَّةِ بِالْمَغْرِبِ فِي زَمَنِهِ جِمَاعُ آدَابِ الْخَيْرِ يَتَفَرَّعُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المرء تركه مالا يَعْنِيهِ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي اخْتَصَرَ لَهُ الْوَصِيَّةَ لَا تَغْضَبْ وَقَوْلِهِ صَلَّى الله عليه وسلم لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَرُوِّينَا عَنِ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الصَّمْتُ بِسَلَامَةٍ وَهُوَ الْأَصْلُ وَالسُّكُوتُ فِي وَقْتِهِ صِفَةُ الرِّجَالِ كَمَا

أَنَّ النُّطْقَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ أَشْرَفِ الْخِصَالِ قَالَ وَسَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الدَّقَّاقَ يَقُولُ مَنْ سَكَتَ عَنِ الْحَقِّ فَهُوَ شَيْطَانٌ أَخْرَسُ قَالَ فَأَمَّا إِيثَارُ أَصْحَابِ الْمُجَاهَدَةِ السُّكُوتَ فَلِمَا عَلِمُوا مَا فِي الْكَلَامِ مِنَ الْآفَاتِ ثُمَّ مَا فِيهِ مِنْ حَظِّ النَّفْسِ وَإِظْهَارِ صِفَاتِ الْمَدْحِ وَالْمَيْلِ إِلَى أَنْ يَتَمَيَّزَ مِنْ بَيْنِ أَشْكَالِهِ بِحُسْنِ النُّطْقِ وَغَيْرِ هَذَا مِنَ الْآفَاتِ وَذَلِكَ نَعْتُ أَرْبَابِ الرِّيَاضَةِ وَهُوَ أَحَدُ أَرْكَانِهِمْ فِي حُكْمِ الْمُنَازَلَةِ وَتَهْذِيبِ الْخُلُقِ وَرُوِّينَا عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ مَنْ عَدَّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ وَعَنْ ذِي النُّونِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَصْوَنُ النَّاسِ لِنَفْسِهِ أَمْسَكُهُمْ لِلِسَانِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ) فَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ يُؤْذِي بِالْيَاءِ فِي آخِرِهِ وَرُوِّينَا فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ فَلَا يُؤْذِ بِحَذْفِهَا وَهُمَا صَحِيحَانِ فَحَذْفُهَا لِلنَّهْيِ وَإِثْبَاتُهَا عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ يُرَادُ بِهِ النَّهْيُ فَيَكُونُ أبلغ ومنه قوله تعالى لاتضار والدة بولدها عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم لايبيع أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَسَانِيدُ الْبَابِ فَقَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ الله حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهَذَا الْإِسْنَادُ

(باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان (وأن

كُلُّهُ كُوفِيُّونَ مَكِّيُّونَ إِلَّا أَبَا هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ مَدَنِيٌّ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ أَسْمَائِهِمْ كُلِّهِمْ فِي مَوَاضِعَ وَحَصِينٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَقَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ الْآخَرِ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ قَدْ قَدَّمْنَا فِي آخِرِ شَرْحِ مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ الِاخْتِلَافَ فِي اسْمِهِ وَأَنَّهُ قِيلَ اسْمُهُ خُوَيْلِدُ بْنُ عَمْرٍو وَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ عَمْرُو بْنُ خُوَيْلِدٍ وَقِيلَ هَانِئُ بْنُ عَمْرٍو وَقِيلَ كَعْبٌ وَأَنَّهُ يُقَالُ الْخُزَاعِيُّ وَالْعَدَوَيُّ وَالْكَعْبِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب بيان كون النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مِنْ الْإِيمَانِ (وَأَنَّ الْإِيمَانَ يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجبان) [49] قَوْلُهُ (أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَرْوَانُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ اخْتُلِفَ فِي هَذَا فَوَقَعَ هُنَا مَا نَرَاهُ وَقِيلَ أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقِيلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا رَأَى النَّاسَ يَذْهَبُونَ عِنْدَ تَمَامِ الصَّلَاةِ وَلَا يَنْتَظِرُونَ الْخُطْبَةَ وَقِيلَ بَلْ لِيُدْرِكَ الصَّلَاةَ مَنْ تَأَخَّرَ وَبَعُدَ مَنْزِلُهُ وَقِيلَ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ مُعَاوِيَةُ وقيل فعله بن الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالَّذِي ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَقَدْ عَدَّهُ بَعْضُهُمْ إِجْمَاعًا يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ بَعْدَ الْخِلَافِ أولم يَلْتَفِتْ إِلَى خِلَافِ بَنِي أُمَيَّةَ بَعْدَ إِجْمَاعِ الْخُلَفَاءِ وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَفِي قَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ بِمَحْضَرٍ مِنْ ذَلِكَ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِقْرَارِ السُّنَّةِ عِنْدَهُمْ عَلَى خِلَافِ مَا فَعَلَهُ مَرْوَانُ وَبَيَّنَهُ أَيْضًا احْتِجَاجُهُ بِقَوْلِهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ وَلَا يُسَمَّى مُنْكَرًا لَوِ اعتقده ومن حضر أوسبق بِهِ عَمَلٌ أَوْ مَضَتْ بِهِ سُنَّةٌ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ خَلِيفَةٌ قَبْلَ مَرْوَانَ وَأَنَّ مَا حُكِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَمُعَاوِيَةَ لَا يَصِحُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ الصَّلَاةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَقَالَ قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ أَمَّا هَذَا)

فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ الْحَدِيثَ) قَدْ يُقَالُ كَيْفَ تَأَخَّرَ أَبُو سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ إِنْكَارِ هَذَا الْمُنْكَرِ حَتَّى سَبَقَهُ إِلَيْهِ هَذَا الرَّجُلُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا أَوَّلَ مَا شَرَعَ مَرْوَانُ فِي أَسْبَابِ تَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ ثُمَّ دَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ وَهُمَا فِي الْكَلَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ كَانَ حَاضِرًا مِنَ الْأَوَّلِ وَلَكِنَّهُ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ حُصُولَ فِتْنَةٍ بِسَبَبِ إِنْكَارِهِ فَسَقَطَ عَنْهُ الْإِنْكَارُ وَلَمْ يَخَفْ ذَلِكَ الرَّجُلُ شَيْئًا لِاعْتِضَادِهِ بِظُهُورِ عَشِيرَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَوْ أَنَّهُ خَافَ وَخَاطَرَ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي مِثْلِ هَذَا بَلْ مُسْتَحَبٌّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ هَمَّ بِالْإِنْكَارِ فَبَدَرَهُ الرَّجُلُ فَعَضَّدَهُ أَبُو سَعِيدٍ والله أعلم ثم أنه جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَى إِخْرَاجِهِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ هُوَ الَّذِي جَذَبَ بِيَدِ مَرْوَانَ حِينَ رَآهُ يَصْعَدُ الْمِنْبَرَ وَكَانَا جَاءَا مَعًا فَرَدَّ عَلَيْهِ مَرْوَانُ بِمِثْلِ مَا رَدَّ هُنَا عَلَى الرَّجُلِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ إِحْدَاهُمَا لِأَبِي سَعِيدٍ وَالْأُخْرَى لِلرَّجُلِ بِحَضْرَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ فَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِالْإِنْكَارِ أَيْضًا مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيُغَيِّرْهُ فَهُوَ أَمْرُ إِيجَابٍ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَقَدْ تَطَابَقَ عَلَى وُجُوبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَهُوَ أَيْضًا مِنَ النَّصِيحَةِ الَّتِي هِيَ الدِّينُ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلَّا بَعْضُ الرَّافِضَةِ وَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْمَعَالِي إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يُكْتَرَثُ بِخِلَافِهِمْ فِي هَذَا فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَنْبُغَ هَؤُلَاءِ وَوُجُوبُهُ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهتديتم فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ مَا كُلِّفْتُمْ بِهِ فَلَا يَضُرُّكُمْ تَقْصِيرُ غَيْرِكُمْ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزر أخرى وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمِمَّا كُلِّفَ بِهِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَإِذَا فَعَلَهُ وَلَمْ يَمْتَثِلِ الْمُخَاطَبُ فَلَا عَتْبَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْفَاعِلِ لِكَوْنِهِ أَدَّى مَا عَلَيْهِ فَإِنَّمَا

عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لَا الْقَبُولُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَرْضُ كِفَايَةٍ إِذَا قَامَ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنِ الْبَاقِينَ وَإِذَا تَرَكَهُ الْجَمِيعُ أَثِمَ كُلُّ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ وَلَا خَوْفٍ ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ يَتَعَيَّنُ كَمَا إِذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَعْلَمُ بِهِ الا هو أولا يَتَمَكَّنُ مِنْ إِزَالَتِهِ إِلَّا هُوَ وَكَمَنْ يَرَى زَوْجَتَهُ أَوْ وَلَدَهُ أَوْ غُلَامَهُ عَلَى مُنْكَرٍ أَوْ تَقْصِيرٍ فِي الْمَعْرُوفِ قَالَ الْعُلَمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَا يَسْقُطُ عَنِ الْمُكَلَّفِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ لِكَوْنِهِ لَا يُفِيدُ فِي ظَنِّهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لَا الْقَبُولُ وَكَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا البلاغ وَمَثَّلَ الْعُلَمَاءُ هَذَا بِمَنْ يَرَى إِنْسَانًا فِي الْحَمَّامِ أَوْ غَيْرِهِ مَكْشُوفَ بَعْضِ الْعَوْرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْآمِرِ وَالنَّاهِي أَنْ يَكُونَ كَامِلَ الْحَالِ مُمْتَثِلًا مَا يَأْمُرُ بِهِ مُجْتَنِبًا مَا يَنْهَى عَنْهُ بَلْ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَإِنْ كَانَ مُخِلًّا بِمَا يَأْمُرُ بِهِ وَالنَّهْيُ وَإِنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِمَا يَنْهَى عَنْهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْئَانِ أَنْ يَأْمُرَ نَفْسَهُ وَيَنْهَاهَا وَيَأْمُرَ غَيْرَهُ وَيَنْهَاهُ فَإِذَا أَخَلَّ بِأَحَدِهِمَا كَيْفَ يُبَاحُ لَهُ الْإِخْلَالُ بِالْآخَرِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَخْتَصُّ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ بِأَصْحَابِ الْوِلَايَاتِ بَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ غَيْرَ الْوُلَاةِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَالْعَصْرِ الَّذِي يَلِيهِ كَانُوا يَأْمُرُونَ الْوُلَاةَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ مَعَ تَقْرِيرِ الْمُسْلِمِينَ إِيَّاهُمْ وَتَرْكِ تَوْبِيخِهِمْ عَلَى التَّشَاغُلِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ مِنْ غَيْرِ وِلَايَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إِنَّهُ إِنَّمَا يَأْمُرُ وَيَنْهَى مَنْ كَانَ عَالِمًا بِمَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الشَّيْءِ فَإِنْ كَانَ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْمُحَرَّمَاتِ الْمَشْهُورَةِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالزِّنَا وَالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا فَكُلُّ الْمُسْلِمِينَ عُلَمَاءُ بِهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ دَقَائِقِ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالِاجْتِهَادِ لَمْ يَكُنْ لِلْعَوَامِّ مَدْخَلٌ فِيهِ وَلَا لَهُمْ إِنْكَارُهُ بَلْ ذَلِكَ لِلْعُلَمَاءِ ثُمَّ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا يُنْكِرُونَ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ أَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَلَا إِنْكَارَ فِيهِ لِأَنَّ عَلَى أَحَدِ الْمَذْهَبَيْنِ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ كَثِيرِينَ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ أَوْ أَكْثَرِهِمْ وعلى المذهب الآخر المصيب واحد والمخطىء غَيْرُ مُتَعَيَّنٌ لَنَا وَالْإِثْمُ مَرْفُوعٌ عَنْهُ لَكِنْ إِنْ نَدَبَهُ عَلَى جِهَةِ النَّصِيحَةِ إِلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ فَهُوَ حَسَنٌ مَحْبُوبٌ مَنْدُوبٌ إِلَى فِعْلِهِ بِرِفْقٍ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى الْحَثِّ عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ إِذَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ إِخْلَالٌ بِسُنَّةٍ أَوْ وُقُوعٍ فِي خِلَافٍ آخَرَ وَذَكَرَ أَقْضَى الْقُضَاةِ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ الْبَصْرِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامُ السُّلْطَانِيَّةُ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ مَنْ قَلَّدَهُ

السُّلْطَانُ الْحِسْبَةَ هَلْ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مَذْهَبِهِ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ إِذَا كَانَ الْمُحْتَسِبُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ أَمْ لَا يُغَيِّرُ مَا كَانَ عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَمْ يَزَلِ الْخِلَافُ فِي الْفُرُوعِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَلَا يُنْكِرُ مُحْتَسِبٌ وَلَا غَيْرُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ قَالُوا لَيْسَ لِلْمُفْتِي وَلَا لِلْقَاضِي أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ إِذَا لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا أَوْ اجماعا أوقياسا جَلِيًّا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْبَابَ أَعْنِي بَابَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ قَدْ ضُيِّعَ أَكْثَرُهُ مِنْ أَزْمَانٍ مُتَطَاوِلَةٍ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ إِلَّا رُسُومٌ قَلِيلَةٌ جِدًّا وَهُوَ بَابٌ عَظِيمٌ بِهِ قِوَامُ الأمر وملاكه واذا كثر الخبث عَمَّ الْعِقَابُ الصَّالِحَ وَالطَّالِحَ وَإِذَا لَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدِ الظَّالِمِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِعِقَابِهِ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فَيَنْبَغِي لِطَالِبِ الْآخِرَةِ وَالسَّاعِي فِي تَحْصِيلِ رِضَا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعْتَنِيَ بِهَذَا الْبَابِ فَإِنَّ نَفْعَهُ عَظِيمٌ لَا سِيَّمَا وَقَدْ ذَهَبَ معظمه ويخلص نيته ولا يهابن مَنْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ لِارْتِفَاعِ مَرْتَبَتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تعالى قال ولينصرن الله من ينصره وَقَالَ تَعَالَى وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صراط مستقيم وَقَالَ تَعَالَى وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَقَالَ تَعَالَى أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وليعلمن الكاذبين وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَجْرَ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ وَلَا يُتَارِكُهُ أَيْضًا لِصَدَاقَتِهِ وَمَوَدَّتِهِ وَمُدَاهَنَتِهِ وَطَلَبِ الْوَجَاهَةِ عِنْدَهُ وَدَوَامِ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْهِ فَإِنَّ صَدَاقَتَهُ وَمَوَدَّتَهُ تُوجِبُ لَهُ حُرْمَةً وَحَقًّا وَمَنْ حَقِّهِ أَنْ يَنْصَحَهُ وَيَهْدِيَهُ إِلَى مَصَالِحِ آخِرَتِهِ وَيُنْقِذهُ مِنْ مَضَارِّهَا وَصَدِيقُ الْإِنْسَانِ وَمُحِبُّهُ هُوَ مَنْ سَعَى فِي عِمَارَةِ آخِرَتِهِ وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى نَقْصٍ فِي دُنْيَاهُ وَعَدُوُّهُ مَنْ يَسْعَى فِي ذَهَابِ أَوْ نَقْصِ آخِرَتِهِ وَإِنْ حَصَلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ صُورَةُ نَفْعٍ فِي دُنْيَاهُ وَإِنَّمَا كَانَ إِبْلِيسُ عَدُوًّا لَنَا لِهَذَا وَكَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَوْلِيَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ لِسَعْيِهِمْ فِي مَصَالِحِ آخِرَتِهِمْ وَهِدَايَتِهِمْ إِلَيْهَا وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْكَرِيمَ تَوْفِيقَنَا وَأَحْبَابَنَا وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ لِمَرْضَاتِهِ وَأَنْ يَعُمَّنَا بِجُودِهِ وَرَحْمَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيَنْبَغِي لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنِ الْمُنْكَرِ أَنْ يَرْفُقَ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى تَحْصِيلِ الْمَطْلُوبِ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ سِرًّا فَقَدْ نَصَحَهُ وَزَانَهُ وَمَنْ وَعَظَهُ عَلَانِيَةً فَقَدْ فَضَحَهُ وَشَانَهُ وَمِمَّا يَتَسَاهَلُ أَكْثَرُ النَّاسِ فِيهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَا إِذَا رَأَى إِنْسَانًا يَبِيعُ مَتَاعًا مَعِيبًا أَوْ نَحْوَهُ فَإِنَّهُمْ لَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَلَا يُعَرِّفُونَ الْمُشْتَرِيَ بِعَيْبِهِ وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ وَقَدْ

نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى الْبَائِعِ وَأَنْ يُعْلِمَ الْمُشْتَرِيَ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا صِفَةُ النَّهْيِ وَمَرَاتِبُهُ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِقَلْبِهِ مَعْنَاهُ فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِزَالَةٍ وَتَغْيِيرٍ مِنْهُ لِلْمُنْكَرِ وَلَكِنَّهُ هُوَ الَّذِي فِي وُسْعِهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَقَلُّهُ ثَمَرَةً قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي صِفَةِ التَّغْيِيرِ فَحَقُّ الْمُغَيِّرِ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِكُلِّ وَجْهٍ أَمْكَنَهُ زَوَالُهُ بِهِ قَوْلًا كَانَ أَوْ فِعْلًا فَيَكْسِرَ آلَاتِ الْبَاطِلِ وَيُرِيقَ الْمُسْكِرَ بِنَفْسِهِ أَوْ يَأْمُرَ مَنْ يَفْعَلُهُ وَيَنْزِعَ الْغُصُوبَ وَيَرُدَّهَا إِلَى أَصْحَابِهَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِأَمْرِهِ إِذَا أَمْكَنَهُ وَيَرْفُقَ فِي التَّغْيِيرِ جُهْدَهُ بِالْجَاهِلِ وَبِذِي الْعِزَّةِ الظَّالِمِ الْمَخُوفِ شَرُّهُ إِذْ ذَلِكَ أَدْعَى إِلَى قَبُولِ قَوْلِهِ كَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مُتَوَلِّيَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْفَضْلِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَيُغْلِظَ عَلَى الْمُتَمَادِي فِي غَيِّهِ وَالْمُسْرِفِ فِي بَطَالَتِهِ إِذَا أَمِنَ أَنْ يُؤَثِّرَ إِغْلَاظُهُ مُنْكَرًا أَشَدَّ مِمَّا غَيَّرَهُ لِكَوْنِ جَانِبِهِ مَحْمِيًّا عَنْ سَطْوَةِ الظَّالِمِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ تَغْيِيرَهُ بِيَدِهِ يُسَبِّبُ مُنْكَرًا أَشَدَّ مِنْهُ مِنْ قَتْلِهِ أَوْ قَتْلِ غَيْرِهِ بِسَبَبِ كَفِّ يَدَهُ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْقَوْلِ بِاللِّسَانِ وَالْوَعْظِ وَالتَّخْوِيفِ فَإِنْ خَافَ أَنْ يُسَبِّبَ قَوْلُهُ مِثْلَ ذَلِكَ غَيَّرَ بِقَلْبِهِ وَكَانَ فِي سَعَةٍ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ اسْتَعَانَ مَا لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إِلَى إِظْهَارِ سِلَاحٍ وَحَرْبٍ وَلْيَرْفَعْ ذَلِكَ إِلَى مَنْ لَهُ الْأَمْرُ إِنْ كَانَ الْمُنْكَرُ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى تَغْيِيرِهِ بِقَلْبِهِ هَذَا هُوَ فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ وَصَوَابُ الْعَمَلِ فِيهَا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُحَقِّقِينَ خِلَافًا لِمَنْ رَأَى الْإِنْكَارَ بِالتَّصْرِيحِ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ قُتِلَ وَنِيلَ مِنْهُ كُلُّ أَذًى هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَسُوغُ لِآحَادِ الرَّعِيَّةِ أَنْ يصد مرتكب الكبيرة ان لَمْ يَنْدَفِعْ عَنْهَا بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَنْتَهِ الْأَمْرُ إِلَى نَصْبِ قِتَالٍ وَشَهْرِ سِلَاحٍ فَإِنِ انْتَهَى الْأَمْرُ إِلَى ذَلِكَ رَبَطَ الْأَمْرَ بِالسُّلْطَانِ قَالَ وَإِذَا جَارَ وَالِي الْوَقْتِ وَظَهَرَ ظُلْمُهُ وَغَشْمُهُ وَلَمْ يَنْزَجِرْ حِينَ زُجِرَ عَنْ سُوءِ صَنِيعِهِ بِالْقَوْلِ فَلِأَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ التَّوَاطُؤُ عَلَى خَلْعِهِ وَلَوْ بِشَهْرِ الْأَسْلِحَةِ وَنَصْبِ الْحُرُوبِ هَذَا كَلَامُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ خَلْعِهِ غَرِيبٌ وَمَعَ هَذَا فَهُوَ مَحْمُولٌ

عَلَى مَا إِذَا لَمْ يُخَفْ مِنْهُ إِثَارَةُ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْهُ قَالَ وَلَيْسَ لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ الْبَحْثُ وَالتَّنْقِيرُ وَالتَّجَسُّسُ وَاقْتِحَامُ الدُّورِ بِالظُّنُونِ بَلْ إِنْ عَثَرَ عَلَى مُنْكَرٍ غَيَّرَهُ جَهْدَهُ هَذَا كَلَامُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ أَقْضَى الْقُضَاةِ الْمَاوَرْدِيُّ لَيْسَ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَبْحَثَ عَمَّا لَمْ يَظْهَرْ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ اسْتِسْرَارُ قَوْمٍ بِهَا لِأَمَارَةٍ وَآثَارٍ ظَهَرَتْ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي انْتَهَاكِ حُرْمَةٍ يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهَا مِثْلُ أَنْ يُخْبِرَهُ مَنْ يَثِقَ بِصِدْقِهِ أَنَّ رَجُلًا خَلَا بِرَجُلٍ لِيَقْتُلَهُ أَوْ بِامْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بِهَا فَيَجُوزُ لَهُ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ أَنْ يَتَجَسَّسَ وَيُقْدِمَ عَلَى الْكَشْفِ والبحث حذرا من فوات مالا يستدرك وكذا لوعرف ذلك غير المحتسب من المتطوعة جازلهم الْإِقْدَامُ عَلَى الْكَشْفِ وَالْإِنْكَارِ الضَّرْبُ الثَّانِي مَا قَصُرَ عَنْ هَذِهِ الرُّتْبَةِ فَلَا يَجُوزُ التَّجَسُّسُ عَلَيْهِ وَلَا كَشْفُ الْأَسْتَارِ عَنْهُ فَإِنْ سَمِعَ أَصْوَاتَ الْمَلَاهِي الْمُنْكَرَةِ مِنْ دَارٍ أَنْكَرَهَا خَارِجَ الدَّارِ لَمْ يَهْجُمْ عَلَيْهَا بِالدُّخُولِ لِأَنَّ الْمُنْكَرَ ظَاهِرٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَكْشِفَ عَنِ الْبَاطِنِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي آخَرِ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ بَابًا حَسَنًا فِي الْحِسْبَةِ مُشْتَمِلًا عَلَى جُمَلٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَقَدْ أَشَرْنَا هُنَا إِلَى مَقَاصِدِهَا وَبَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْبَابِ لِعِظَمِ فَائِدَتِهِ وَكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَكَوْنِهِ مِنْ أَعْظَمِ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) فَقَوْلُهُ وَعَنْ قَيْسٍ مَعْطُوفٌ عَلَى إِسْمَاعِيلَ مَعْنَاهُ رَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [50] قَوْلُهُ (عَنْ صَالِحِ بْنِ كيسان عن الحرث عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ عن

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خردل قال أبورافع فَحَدَّثْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فانكره علي فقدم بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَنَزَلَ بَقَنَاةَ فَاسْتَتْبَعَنِي إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَعُودُهُ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَلَمَّا جَلَسْنَا سَأَلْتُ بن مَسْعُودٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حَدَّثْتُهُ بن عُمَرَ قَالَ صَالِحٌ وَقَدْ تُحُدِّثَ بِنَحْوِ ذَلِكَ عن أبى رافع) أما الحرث فهو بن فُضَيْلٍ الْأَنْصَارِيُّ الْخَطْمِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ رَوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي قَرَّادٍ الصَّحَابِيِّ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هُوَ ثِقَةٌ وَأَمَّا أَبُو رَافِعٍ فَهُوَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ اسْمَهُ أَسْلَمُ وَقِيلَ إِبْرَاهِيمُ وَقِيلَ هُرْمُزُ وَقِيلَ ثَابِتٌ وقيل يزيد وهو غريب حكاه بن الجوزى فى كتابه جامع المسانيد

وفى هذاالاسناد طَرِيفَةٌ وَهُوَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ صالح والحرث وَجَعْفَرٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا وَقَدْ جَمَعْتُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى جُزْءًا مُشْتَمِلًا عَلَى أَحَادِيثَ رُبَاعِيَّاتٍ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ صَحَابِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَأَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ قَالَ صَالِحٌ وَقَدْ تُحُدِّثَ بِنَحْوِ ذَلِكَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ فَهُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَالْحَاءِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَى هَذَا أَنَّ صَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ قَالَ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رُوِيَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ ذكر بن مَسْعُودٍ فِيهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ كَذَلِكَ فِي تَارِيخِهِ مُخْتَصَرًا عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَالَ أبوعلى الْجَيَّانِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ هَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ قَالَ وَهَذَا الكلام لا يشبه كلام بن مسعود وبن مَسْعُودٍ يَقُولُ اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ أَنْكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رحمه الله وقد روى عن الحرث هَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ ذكرا في كتب الضعفاء وفى كتاب بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ ثقة ثم أن الحرث لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ بَلْ تُوبِعَ عَلَيْهِ عَلَى مَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ الْمَذْكُورُ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الدَّارَقُطْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ مِنْهَا عَنْ أَبِي وَاقِدٍ الليثى عن بن مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا قَوْلُهُ اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي فَذَلِكَ حَيْثُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ سَفْكُ الدِّمَاءِ أَوْ إِثَارَةُ الْفِتَنِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَمَا وَرَدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْحَثِّ عَلَى جِهَادِ الْمُبْطِلِينَ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ فَذَلِكَ حَيْثُ لَا يَلْزَمَ مِنْهُ إِثَارَةُ فِتْنَةٍ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَسُوقٌ فِيمَنْ سَبَقَ مِنَ الْأُمَمِ وَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ ذِكْرٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَ وَقَدْحُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا بِهَذَا عَجَبٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْحَوَارِيُّونَ الْمَذْكُورُونَ فَاخْتُلِفَ فِيهِمْ فَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ هُمْ خُلْصَانُ الْأَنْبِيَاءِ وَأَصْفِيَاؤُهُمْ وَالْخُلْصَانُ الَّذِينَ نُقُّوا مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَقَالَ غَيْرُهُمْ أَنْصَارُهُمْ وَقِيلَ الْمُجَاهِدُونَ وَقِيلَ الَّذِينَ يَصْلُحُونَ لِلْخِلَافَةِ بَعْدَهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ الضَّمِيرُ فِي إِنَّهَا هُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ النَّحْوِيُّونَ ضَمِيرَ الْقِصَّةِ وَالشَّأْنِ وَمَعْنَى تَخْلُفُ تَحْدُثُ وَهُوَ بِضَمِّ اللَّامِ وَأَمَّا الْخُلُوفُ فَبِضَمِّ الْخَاءِ وَهُوَ جمع خلف باسكان اللام وهوالخالف بِشَرٍّ وَأَمَّا بِفَتْحِ اللَّامِ فَهُوَ الْخَالِفُ بِخَيْرٍ هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مِنْهُمْ أَبُو زَيْدٍ يُقَالُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْفَتْحِ وَالْإِسْكَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ الْفَتْحَ فِي الشَّرِّ وَلَمْ يُجَوِّزِ الْإِسْكَانَ فِي الْخَيْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَنَزَلَ بَقَنَاةَ

(باب تفاضل أهل الإيمان فيه ورجحان أهل اليمن فيه [51] في

هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ الْمُحَقَّقَةِ بَقَنَاةَ بِالْقَافِ الْمَفْتُوحَةِ وَآخِرُهُ تَاءُ التَّأْنِيثِ وَهُوَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ وَلِمُعْظَمِ رُوَاةِ كِتَابِ مُسْلِمٍ بِفِنَائِهِ بِالْفَاءِ الْمَكْسُورَةِ وَبِالْمَدِّ وَآخِرُهُ هَاءُ الضَّمِيرِ قَبْلَهَا هَمْزَةٌ وَالْفِنَاءُ مَا بَيْنَ أَيْدِي الْمَنَازِلِ والدور وكذا رواه أبو عوانة الاسفراينى قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِوَايَةِ السَّمَرْقَنْدِيِّ بَقَنَاةَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَنَاةُ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ مَالٌ مِنْ أَمْوَالِهَا قَالَ ورواية الجمهور بفنائه وهو خطأ وتصحيف قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَهْتَدُونَ بِهَدْيِهِ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ أَيْ بِطَرِيقَتِهِ وَسَمْتِهِ قَوْلُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَلَمْ يَذْكُرْ قُدُومَ بن مسعود واجتماع بن عُمَرَ مَعَهُ) هَذَا مِمَّا أَنْكَرَهُ الْحَرِيرِيُّ فِي كِتَابِهِ دُرَّةُ الْغَوَّاصِ فَقَالَ لَا يُقَالُ اجْتَمَعَ فُلَانٌ مَعَ فُلَانٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ اجْتَمَعَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَقَدْ خَالَفَهُ الْجَوْهَرِيُّ فَقَالَ فِي صِحَاحِهِ جَامَعَهُ عَلَى كَذَا أَيِ اجْتَمَعَ مَعَهُ (باب تَفَاضُلِ أَهْلِ الْإِيمَانِ فِيهِ وَرُجْحَانِ أَهْلِ الْيَمَنِ فِيهِ [51] فِي هَذَا الْبَابِ (أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْيَمَنِ فَقَالَ الا أن الإيمان ها هنا وان القسوة)

وَغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الْإِبِلِ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ وَفِي رِوَايَةٍ جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْفِقْهُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيُمْنِ هُمْ أَضْعَفُ قُلُوبًا وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً الْفِقْهُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوُ الْمَشْرِقِ وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ

وَفِي رِوَايَةٍ الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْكُفْرُ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ وَالْفَخْرُ وَالرِّيَاءُ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْخَيْلِ وَالْوَبَرِ وَفِي رِوَايَةٍ أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَلْيَنُ قُلُوبًا وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً الايمان يمان

وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ وَرَأْسُ الْكُفْرِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَفِي رِوَايَةٍ غِلَظُ الْقُلُوبِ وَالْجَفَاءُ فِي الْمَشْرِقِ وَالْإِيمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ) قَدِ اخْتُلِفَ فى مواضع من هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ جَمَعَهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَقَّحَهَا مُخْتَصَرَةً بَعْدَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَنَا أَحْكِي مَا ذَكَرَهُ قَالَ أَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ نِسْبَةِ الْإِيمَانِ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَدْ صَرَفُوهُ عَنْ ظَاهِرِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ مَبْدَأَ الْإِيمَانِ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ مِنَ الْمَدِينَةِ حَرَسَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ إِمَامُ الْغَرْبِ ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُ فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا أَحَدُهَا أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يُقَالُ إِنَّ مَكَّةَ مِنْ تِهَامَةَ وَتِهَامَةُ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ فَإِنَّهُ يُرْوَى فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذَا الْكَلَامَ وَهُوَ بِتَبُوكَ وَمَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ حِينَئِذٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَمَنِ فَأَشَارَ إِلَى نَاحِيَةِ الْيَمَنِ وَهُوَ يُرِيدُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ فَقَالَ الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَنَسَبَهُمَا إِلَى الْيَمَنِ لِكَوْنِهِمَا حِينَئِذٍ مِنْ نَاحِيَةِ الْيَمَنِ كَمَا قَالُوا الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ وَهُوَ بِمَكَّةَ لِكَوْنِهِ إِلَى نَاحِيَةِ الْيَمَنِ وَالثَّالِثُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ أَحْسَنُهَا عِنْدَ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْأَنْصَارُ لِأَنَّهُمْ يَمَانُونَ فِي الْأَصْلِ فَنَسَبَ الْإِيمَانَ إِلَيْهِمْ لِكَوْنِهِمْ أَنْصَارَهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ جَمَعَ أَبُو عُبَيْدٍ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُ طُرُقَ الْحَدِيثِ بِأَلْفَاظِهِ كَمَا جَمَعَهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَتَأَمَّلُوهَا لَصَارُوا إِلَى غَيْرِ مَا ذَكَرُوهُ وَلَمَا تَرَكُوا الظَّاهِرَ وَلَقَضَوْا بِأَنَّ الْمُرَادَ الْيَمَنَ وَأَهْلَ الْيَمَنِ عَلَى مَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ إِطْلَاقِ ذَلِكَ إِذْ مِنْ أَلْفَاظِهِ أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ والانصار

(والله أعلم قال الشيخ وقوله صلى الله عليه وسلم

مِنْ جُمْلَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ فَهُمْ إِذَنْ غَيْرُهُمْ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ وَإِنَّمَا جَاءَ حِينَئِذٍ غَيْرُ الْأَنْصَارِ ثُمَّ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَهُمْ بِمَا يَقْضِي بِكَمَالِ إِيمَانِهِمْ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْإِيمَانُ يَمَانٍ فَكَانَ ذَلِكَ إِشَارَةٌ لِلْإِيمَانِ إِلَى مَنْ أَتَاهُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ لَا إِلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ إِجْرَاءِ الْكَلَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَمْلِهِ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ حَقِيقَةً لِأَنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِشَيْءٍ وَقَوِيَ قِيَامُهُ بِهِ وَتَأَكَّدَ اطِّلَاعُهُ مِنْهُ يُنْسَبُ ذَلِكَ الشَّيْءُ إِلَيْهِ إِشْعَارًا بِتَمَيُّزِهِ بِهِ وَكَمَالِ حَالِهِ فِيهِ وَهَكَذَا كَانَ حَالُ أَهْلِ الْيَمَنِ حِينَئِذٍ فِي الْإِيمَانِ وَحَالُ الْوَافِدِينَ مِنْهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي أَعْقَابِ مَوْتِهِ كَأُوَيْسٍ الْقَرْنِيِّ وَأَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَشِبْهِهِمَا مِمَّنْ سَلِمَ قَلْبُهُ وَقَوِيَ إِيمَانُهُ فَكَانَتْ نِسْبَةُ الْإِيمَانِ إِلَيْهِمْ لِذَلِكَ إِشْعَارًا بِكَمَالِ إِيمَانِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ نَفْيٌ لَهُ عَنْ غَيْرِهِمْ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمَوْجُودُونَ مِنْهُمْ حِينَئِذٍ لَا كُلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَإِنَّ اللَّفْظَ لَا يَقْتَضِيهِ هَذَا هُوَ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ وَنَشْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى هِدَايَتِنَا لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ وَأَمَّا مَا ذَكَرَ مِنَ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ فَالْفِقْهُ هُنَا عِبَارَةٌ عَنِ الْفَهْمِ فِي الدِّينِ وَاصْطَلَحَ بَعْدَ ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ وَأَصْحَابُ الْأُصُولِ عَلَى تَخْصِيصِ الْفِقْهِ بِإِدْرَاكِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَعْيَانِهَا وَأَمَّا الْحِكْمَةُ فَفِيهَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ مُضْطَرِبَةٌ قَدِ اقْتَصَرَ كُلٌّ مِنْ قَائِلِيهَا عَلَى بَعْضِ صِفَاتِ الْحِكْمَةِ وَقَدْ صَفَا لَنَا مِنْهَا أَنَّ الْحِكْمَةَ عِبَارَةٌ عَنِ الْعِلْمِ الْمُتَّصِفِ بِالْأَحْكَامِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْمَصْحُوبِ بِنَفَاذِ الْبَصِيرَةِ وَتَهْذِيبِ النَّفْسِ وَتَحْقِيقِ الْحَقِّ وَالْعَمَلِ بِهِ وَالصَّدِّ عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى وَالْبَاطِلِ وَالْحَكِيمُ مَنْ لَهُ ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ كُلُّ كَلِمَةٍ وعظتك وزجرتك أودعتك إِلَى مَكْرُمَةٍ أَوْ نَهَتْكَ عَنْ قَبِيحٍ فَهِيَ حكمة وحكم وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنَ الشَّعْرِ حِكْمَةً وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ حُكْمًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّيْخُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَانٍ وَيَمَانِيَةٌ هُوَ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّ الْأَلِفَ الْمَزِيدَةَ فِيهِ عِوَضٌ مِنْ يَاءِ النَّسَبِ الْمُشَدَّدَةِ فلا يجمع بينهما وقال بن السَّيِّدِ فِي كِتَابِهِ الِاقْتِضَابُ حَكَى الْمُبَرِّدُ وَغَيْرُهُ أَنَّ التَّشْدِيدَ لُغَةٌ قَالَ الشَّيْخُ وَهَذَا غَرِيبٌ قُلْتُ وَقَدْ حَكَى الْجَوْهَرِيُّ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ حَكَى عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ الْيَمَانِيُّ بِالْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَأَنْشَدَ لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ ... يَمَانِيًّا يَظَلُّ يَشِبُّ كِيرًا ... وَيَنْفُخُ دَائِمًا لَهَبَ الشُّوَاظِ ... (وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّيْخُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْيَنُ قُلُوبًا وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً الْمَشْهُورُ أَنَّ)

الْفُؤَادَ هُوَ الْقَلْبُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ كَرَّرَ لفظ القلوب بِلَفْظَيْنِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَكْرِيرِهِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَقِيلَ الْفُؤَادُ غَيْرُ الْقَلْبِ وَهُوَ عَيْنُ الْقَلْبِ وَقِيلَ بَاطِنُ الْقَلْبِ وَقِيلَ غِشَاءُ الْقَلْبِ وَأَمَّا وصفها باللين والرفة وَالضَّعْفِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا ذَاتُ خَشْيَةٍ وَاسْتِكَانَةٍ سَرِيعَةِ الاستجابة والتأثر بِقَوَارِعِ التَّذْكِيرِ سَالِمَةً مِنَ الْغِلَظِ وَالشِّدَّةِ وَالْقَسْوَةِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا قُلُوبَ الْآخَرِينَ قَالَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفَدَّادِينَ فَزَعَمَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ أَنَّهُ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ وَهُوَ جمع فداد بِتَشْدِيدِ الدَّالِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْبَقَرِ الَّتِي يُحْرَثُ عَلَيْهَا حَكَاهُ عَنْهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَصْحَابُهَا فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَالصَّوَابُ فِي الْفَدَّادِينَ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ جَمْعُ فَدَّادٍ بِدَالَيْنِ أُولَاهُمَا مُشَدَّدَةٌ وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْأَصْمَعِيِّ وَجُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهُوَ مِنْ الْفَدِيدِ وَهُوَ الصَّوْتُ الشَّدِيدُ فَهُمُ الَّذِينَ تَعْلُو أَصْوَاتُهُمْ فِي إِبِلِهِمْ وَخَيْلِهِمْ وَحُرُوثِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى هُمُ الْمُكْثِرُونَ مِنَ الْإِبِلِ الَّذِينَ يَمْلِكُ أَحَدُهُمُ الْمِائَتَيْنِ منها إلى الالف وقوله ان القسو فِي الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الْإِبِلِ مَعْنَاهُ الَّذِينَ لَهُمْ جَلَبَةٌ وَصِيَاحٌ عِنْدَ سَوْقِهِمْ لَهَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ يَطْلُعُ فرنا الشَّيْطَانِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ قَوْلُهُ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ بَدَلٌ مِنَ الْفَدَّادِينَ وَأَمَّا قَرْنَا الشَّيْطَانِ فَجَانِبَا رَأْسِهِ وَقِيلَ هُمَا جَمْعَاهُ اللَّذَانِ يُغْرِيهِمَا بِإِضْلَالِ النَّاسِ وَقِيلَ شِيعَتَاهُ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ اخْتِصَاصُ الْمَشْرِقِ بِمَزِيدٍ مِنْ تَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ وَمِنَ الْكُفْرِ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ ذَلِكَ وَيَكُونُ حِينَ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنَ الْمَشْرِقِ وَهُوَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مَنْشَأُ الْفِتَنِ الْعَظِيمَةِ وَمَثَارُ الْكَفَرَةِ التُّرْكِ الْغَاشِمَةِ الْعَاتِيَةِ الشَّدِيدَةِ الْبَأْسِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فَالْفَخْرُ هُوَ الِافْتِخَارُ وَعَدُّ الْمَآثِرِ الْقَدِيمَةِ تَعْظِيمًا وَالْخُيَلَاءُ الْكِبْرُ وَاحْتِقَارُ النَّاسِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ فَالْوَبَرُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْإِبِلِ دُونَ الْخَيْلِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَصَفَهُمْ بِكَوْنِهِمْ جَامِعِينَ بين الخيل والابل والوبر وأما قوله صلى الله عليه وسلم والسكينة فى أهل الغنم فالسكينة الطُّمَأْنِينَةِ وَالسُّكُونِ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ صِفَةِ الْفَدَّادِينَ هَذَا آخِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِيهِ كِفَايَةٌ فَلَا نُطَوِّلُ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَسَانِيدُ الْبَابِ فَقَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قال وحدثنا بن نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حدثنا بن إِدْرِيسَ كُلُّهمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ حَدَّثَنَا

(باب بيان أنه لا يدخل الجنة الا المؤمنون (وأن محبة

مُعْتَمِرٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ سَمِعْتُ قَيْسًا يَرْوِي عن أبى مسعود هؤلاء الرجال كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ إِلَّا يَحْيَى بْنَ حَبِيبٍ وَمُعْتَمِرًا فانهما بصريان وقد تقدم أن اسم بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَأَنَّ أَبَا أسامة حماد بن اسامة وبن نُمَيْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وأبو كريب محمد بن العلاء وبن إِدْرِيسَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو خَالِدٍ هُرْمُزُ وَقِيلَ سَعْدٌ وَقِيلَ كَثِيرٌ وَأَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ الْبَدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَفِي الْإِسْنَادِ الْآخَرِ الدَّارِمِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدٍّ لِلْقَبِيلَةِ اسْمُهُ دَارِمٌ وَفِيهِ أَبُو الْيَمَانِ وَاسْمُهُ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ وَبَعْدَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْأَعْمَشُ سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ وَأَبُو صالح ذكوان وبن جُرَيْجٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ وَأَبُو الزُّبَيْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ وَكُلُّ هَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ فَإِنَّمَا أَقْصِدُ بِتَكْرِيرِهِ وَذِكْرِهِ الْإِيضَاحَ لِمَنْ لَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ فَرُبَّمَا وَقَفَ عَلَى هَذَا الْبَابِ وَأَرَادَ مَعْرِفَةَ اسْمِ بَعْضِ هَؤُلَاءِ لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى مُطَالَعَةِ تَرْجَمَتِهِ ومعرفة حاله أوغير ذَلِكَ مِنَ الْأَغْرَاضِ فَسَهَّلْتُ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ بِعِبَارَةٍ مختصرة والله أعلم بالصواب (باب بيان أنه لا يدخل الجنة الا المؤمنون (وأن محبة المؤمنين من الايمان وأن افشاء السلام سبب لحصولها) [54] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أولا أدلكم)

عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ وَالرِّوَايَاتِ وَلَا تُؤْمِنُوا بِحَذْفِ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ وَهِيَ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ صَحِيحَةٌ وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا مَعْنَاهُ لَا يَكْمُلُ إِيمَانُكُمْ وَلَا يَصْلُحُ حَالُكُمْ فِي الْإِيمَانِ إِلَّا بِالتَّحَابِّ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لاتدخلون الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا فَهُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِطْلَاقِهِ فَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَامِلَ الْإِيمَانِ فَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْحَدِيثِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا يَكْمُلُ إِيمَانُكُمْ إِلَّا بِالتَّحَابِّ وَلَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عِنْدَ دُخُولِ أَهْلِهَا إِذَا لَمْ تَكُونُوا كَذَلِكَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحْتَمَلٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَفْشُوا السلام بينكم فهو بقط الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَفِيهِ الْحَثُّ الْعَظِيمُ عَلَى إِفْشَاءِ السَّلَامِ وَبَذْلِهِ لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَالسَّلَامُ أَوَّلُ أَسْبَابِ التَّأَلُّفِ وَمِفْتَاحُ اسْتِجْلَابِ الْمَوَدَّةِ وَفِي إِفْشَائِهِ تَمَكُّنُ أُلْفَةِ الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَإِظْهَارُ شِعَارِهِمُ الْمُمَيِّزِ لَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ رِيَاضَةِ النَّفْسِ وَلُزُومِ التَّوَاضُعِ وَإِعْظَامِ حُرُمَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَانَ الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ وَالْإِنْفَاقُ من الاقتار وروى غَيْرُ الْبُخَارِيِّ هَذَا الْكَلَامَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ كُلُّهَا بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَفِيهَا لَطِيفَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ رَفْعَ التَّقَاطُعِ وَالتَّهَاجُرِ وَالشَّحْنَاءِ وَفَسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ الَّتِي هِيَ الْحَالِقَةُ وَأَنَّ سَلَامَهُ لِلَّهِ لَا يَتْبَعُ فِيهِ هَوَاهُ وَلَا يَخُصُّ أَصْحَابَهُ وَأَحْبَابَهُ بِهِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

(باب بيان أن الدين النصيحة [55] فيه (عن تميم الداري رضي

(باب بَيَانِ أَنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ [55] فِيهِ (عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ المسلمين عامتهم) هَذَا حَدِيثٌ عَظِيمُ الشَّأْنِ وَعَلَيْهِ مَدَارُ الْإِسْلَامِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ شَرْحِهِ وَأَمَّا مَا قَالَهُ جماعات من العلماء أن أَحَدُ أَرْبَاعِ الْإِسْلَامِ أَيْ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تَجْمَعُ أُمُورَ الْإِسْلَامِ فَلَيْسَ كَمَا قَالُوهُ بَلِ الْمَدَارُ عَلَى هَذَا وَحْدَهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ لِتَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ وَلَا لَهُ فِي مُسْلِمٍ عَنْهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي نِسْبَةِ تَمِيمٍ وأنه دارى أوديرى وَأَمَّا شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ النَّصِيحَةُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ مَعْنَاهَا حِيَازَةُ الْحَظِّ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ قَالَ وَيُقَالُ هُوَ مِنْ وَجِيزِ الْأَسْمَاءِ وَمُخْتَصَرِ الْكَلَامِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَلِمَةٌ مُفْرَدَةٌ يُسْتَوْفَى بِهَا العبارة عن المعنى هَذِهِ الْكَلِمَةِ كَمَا قَالُوا فِي الْفَلَاحِ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَلِمَةٌ أَجْمَعَ لِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْهُ قَالَ وَقِيلَ النَّصِيحَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ نَصَحَ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ إِذَا خَاطَهُ فَشَبَّهُوا فِعْلَ النَّاصِحِ فِيمَا يَتَحَرَّاهُ مِنْ صَلَاحِ الْمَنْصُوحِ لَهُ بِمَا يَسُدُّهُ مِنْ خَلَلِ الثَّوْبِ قَالَ وَقِيلَ إِنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ نَصَحْتَ الْعَسَلَ إِذَا صَفَّيْتَهُ مِنَ الشَّمْعِ شَبَّهُوا تَخْلِيصَ الْقَوْلِ مِنَ الْغِشِّ بِتَخْلِيصِ الْعَسَلِ مِنَ الْخَلْطِ قَالَ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ عماد الدين وقوامه النصحية كَقَوْلِهِ الْحَجُّ عَرَفَةُ أَيْ عِمَادُهُ وَمُعْظَمُهُ عَرَفَةُ وَأَمَّا تَفْسِيرُ النَّصِيحَةِ)

وَأَنْوَاعُهَا فَقَدْ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِيهَا كَلَامًا نَفِيسًا أَنَا أَضُمُّ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ مُخْتَصَرًا قَالُوا أَمَّا النَّصِيحَةُ لِلَّهِ تَعَالَى فَمَعْنَاهَا مُنْصَرِفٌ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَنَفْيِ الشَّرِيكِ عَنْهُ وَتَرْكِ الْإِلْحَادِ فِي صِفَاتِهِ وَوَصْفِهِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ كُلِّهَا وَتَنْزِيهِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ وَالْقِيَامِ بِطَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ وَالْحُبِّ فيه والبغض فيه وموالاة من أطاعه ومعادة مَنْ عَصَاهُ وَجِهَادِ مَنْ كَفَرَ بِهِ وَالِاعْتِرَافِ بِنِعْمَتِهِ وَشُكْرِهِ عَلَيْهَا وَالْإِخْلَاصِ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ وَالدُّعَاءِ إِلَى جَمِيعِ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ وَالْحَثِّ عَلَيْهَا وَالتَّلَطُّفِ فِي جَمِيعِ النَّاسِ أَوْ مَنْ أَمْكَنَ مِنْهُمْ عَلَيْهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحْمَهُ اللَّهُ وَحَقِيقَةُ هَذِهِ الْإِضَافَةِ رَاجِعَةٌ إِلَى الْعَبْدِ فِي نُصْحِهِ نَفْسَهُ فَاللَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ نُصْحِ النَّاصِحِ وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى فالإيمان بأن كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَتَنْزِيلُهُ لَا يُشْبِههُ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ الْخَلْقِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِهِ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ ثُمَّ تَعْظِيمُهُ وَتِلَاوَتُهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ وَتَحْسِينُهَا وَالْخُشُوعُ عِنْدَهَا وَإِقَامَةُ حُرُوفِهِ فِي التِّلَاوَةِ وَالذَّبُّ عَنْهُ لِتَأْوِيلِ الْمُحَرِّفِينَ وَتَعَرُّضِ الطَّاعِنِينَ وَالتَّصْدِيقُ بِمَا فِيهِ وَالْوُقُوفُ مَعَ أَحْكَامِهِ وَتَفَهُّمُ عُلُومِهِ وَأَمْثَالِهِ وَالِاعْتِبَارُ بِمَوَاعِظِهِ وَالتَّفَكُّرُ فِي عَجَائِبِهِ وَالْعَمَلُ بِمُحْكَمِهِ وَالتَّسْلِيمُ لِمُتَشَابِهِهِ وَالْبَحْثُ عَنْ عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ وَنَشْرُ عُلُومِهِ وَالدُّعَاءُ إِلَيْهِ والى ما ذكرناه مِنْ نَصِيحَتِهِ وَأَمَّا النَّصِيحَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَصْدِيقُهُ عَلَى الرِّسَالَةِ وَالْإِيمَانُ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ وَطَاعَتُهُ فِي أَمْرِهِ ونهيه ونصرته حيا وميتا ومعاداة عن عَادَاهُ وَمُوَالَاةُ مَنْ وَالَاهُ وَإِعْظَامُ حَقِّهِ وَتَوْقِيرُهُ وَإِحْيَاءُ طَرِيقَتِهِ وَسُنَّتِهِ وَبَثُّ دَعْوَتِهِ وَنَشْرُ شَرِيعَتِهِ وَنَفْيُ التُّهْمَةِ عَنْهَا وَاسْتِثَارَةُ عُلُومِهَا وَالتَّفَقُّهُ فِي مَعَانِيهَا وَالدُّعَاءُ إِلَيْهَا وَالتَّلَطُّفُ فِي تَعَلُّمِهَا وَتَعْلِيمِهَا وَإِعْظَامُهَا وَإِجْلَالُهَا وَالتَّأَدُّبُ عِنْدَ قِرَاءَتِهَا وَالْإِمْسَاكُ عَنِ الكلام فيها بغير علم واجلال أهلها لانتسابها إِلَيْهَا وَالتَّخَلُّقُ بِأَخْلَاقِهِ وَالتَّأَدُّبُ بِآدَابِهِ وَمَحَبَّةُ أَهْلِ بَيْتِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمُجَانَبَةُ مَنِ ابْتَدَعَ فِي سُنَّتِهِ أوتعرض لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَأَمَّا النَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَمُعَاوَنَتُهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَطَاعَتُهُمْ فِيهِ وأمرهم به وتنبيهم وَتَذْكِيرُهُمْ بِرِفْقٍ وَلُطْفٍ وَإِعْلَامُهُمْ بِمَا غَفَلُوا عَنْهُ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَتَرْكُ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ وَتَأَلُّفُ قُلُوبِ النَّاسِ لِطَاعَتِهِمْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِنَ النَّصِيحَةِ لَهُمُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُمْ وَالْجِهَادُ مَعَهُمْ وَأَدَاءُ الصَّدَقَاتِ إِلَيْهِمْ وَتَرْكُ الْخُرُوجِ بِالسَّيْفِ عَلَيْهِمْ إِذَا ظَهَرَ مِنْهُمْ حَيْفٌ أَوْ سُوءُ عِشْرَةٍ وَأَنْ لَا يُغَرُّوا بِالثَّنَاءِ الْكَاذِبِ عَلَيْهِمْ وَأَنْ يُدْعَى لَهُمْ بِالصَّلَاحِ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْخُلَفَاءُ وَغَيْرُهُمْ ممن يقوم بأمور المسملين مِنْ أَصْحَابِ الْوِلَايَاتِ وَهَذَا هُوَ

الْمَشْهُورُ وَحَكَاهُ أَيْضًا الْخَطَّابِيُّ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ يُتَأَوَّلُ ذَلِكَ عَلَى الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ هُمْ عُلَمَاءُ الدِّينِ وَأَنَّ مِنْ نَصِيحَتِهِمْ قَبُولُ مَا رَوَوْهُ وَتَقْلِيدُهُمْ فِي الْأَحْكَامِ وَإِحْسَانُ الظَّنِّ بِهِمْ وَأَمَّا نَصِيحَةُ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ مَنْ عَدَا وُلَاةِ الْأَمْرِ فَإِرْشَادُهُمْ لِمَصَالِحِهِمْ فِي آخِرَتِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَكَفُّ الْأَذَى عَنْهُمْ فَيُعَلِّمُهُمْ مَا يَجْهَلُونَهُ مِنْ دِينِهِمْ وَيُعِينُهُمْ عَلَيْهِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَسَتْرُ عَوْرَاتِهِمْ وَسَدُّ خَلَّاتِهِمْ وَدَفْعُ الْمَضَارِّ عَنْهُمْ وَجَلْبُ الْمَنَافِعِ لَهُمْ وَأَمْرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ بِرِفْقٍ وَإِخْلَاصٍ وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ وَتَوْقِيرُ كَبِيرِهِمْ وَرَحْمَةُ صَغِيرِهِمْ وَتَخَوُّلُهُمْ بِالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَتَرْكُ غِشِّهِمْ وَحَسَدِهِمْ وَأَنْ يُحِبَّ لهم ما يجب لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَيَكْرَهُ لَهُمْ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْمَكْرُوهِ وَالذَّبُّ عَنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِهِمْ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَحَثُّهُمْ عَلَى التَّخَلُّقِ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنْوَاعِ النصيحة وتنشيط هممهم إِلَى الطَّاعَاتِ وَقَدْ كَانَ فِي السَّلَفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَنْ تَبْلُغُ بِهِ النَّصِيحَةُ إِلَى الْإِضْرَارِ بِدُنْيَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا آخِرُ مَا تلخص في تفسير النصيحة قال بن بَطَّالٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّصِيحَةَ تُسَمَّى دِينًا وَإِسْلَامًا وَأَنَّ الدِّينَ يَقَعُ عَلَى الْعَمَلِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الْقَوْلِ قَالَ وَالنَّصِيحَةُ فَرْضٌ يُجْزِي فِيهِ مَنْ قَامَ بِهِ وَيَسْقُطُ عَنِ الْبَاقِينَ قَالَ وَالنَّصِيحَةُ لَازِمَةٌ عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ إِذَا عَلِمَ النَّاصِحُ أَنَّهُ يُقْبَلُ نُصْحُهُ وَيُطَاعُ أَمْرُهُ وَأَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَكْرُوهَ فَإِنْ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ أَذًى فَهُوَ فِي سَعَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [56] وَأَمَّا حَدِيثُ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَالَ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

على اقام الصلاة وايتاء الزكاة لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فَلَقَّنَنِي فِيمَا اسْتَطَعْتَ) وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ لِكَوْنِهِمَا قَرِينَتَيْنِ وَهُمَا أَهَمُّ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ وَأَظْهَرُهَا وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّوْمَ وَغَيْرَهُ لِدُخُولِهَا فِي السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا اسْتَطَعْتَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَالرِّوَايَةُ اسْتَطَعْتَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَتَلْقِينُهُ مِنْ كَمَالِ شَفَقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَدْ يعجز فى بعض الاحال فلو لم يقيده بما استطاع لأخل التزم فى بعض الاحال وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِحَدِيثِ جَرِيرٍ مَنْقَبَةٌ وَمَكْرُمَةٌ لِجَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهَا الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادِهِ اخْتِصَارُهَا أَنَّ جَرِيرًا أَمَرَ مَوْلَاهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ فَرَسًا فَاشْتَرَى بِثَلَثِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَجَاءَ بِهِ وَبِصَاحِبِهِ لِيَنْقُدَهُ الثَّمَنَ فَقَالَ جَرِيرٌ لِصَاحِبِ الْفَرَسِ فَرَسُكَ خَيْرٌ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَتَبِيعُهُ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ ذَلِكَ إِلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ فَرَسُكَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ أَتَبِيعُهُ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ لَمْ يَزُلْ يَزِيدُهُ مِائَةً فَمِائَةً وَصَاحِبُهُ يَرْضَى وَجَرِيرٌ يَقُولُ فَرَسُكَ خَيْرٌ إِلَى أَنْ بَلَغَ ثَمَانمِائَةِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهُ بِهَا فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَسَانِيدِ الْبَابِ فَفِيهِ أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْمُقَدِّمَةِ الْخِلَافَ فِي أَنَّهُ هل يصرف اولا يُصْرَفُ وَفِي أَنَّ الْبَاءَ مَكْسُورَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وأن صاحب المطالع حكى أيضا فتحتها وفِيهِ زِيَادُ بْنُ عِلَاقَةَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَبِالْقَافِ وفِيهِ سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْجِيمِ وفيه الدور فى بِفَتْحِ الدَّالِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ بَيَانُ هَذِهِ النِّسْبَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرٍ فَهَذَا إِسْنَادٌ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ وَأَمَّا قَوْلُهُ حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ وَيَعْقُوبُ قَالَا حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ سَيَّارٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَرِيرٍ ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ فِي آخِرِهِ قَالَ يَعْقُوبُ فِي رِوَايَتِهِ حَدَّثَنَا سَيَّارٌ فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى لَطِيفَةٍ وَهِيَ أَنَّ هُشَيْمًا مُدَلِّسٌ وَقَدْ قَالَ عَنْ سَيَّارٍ وَالْمُدَلِّسُ إِذَا قَالَ عَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إِلَّا إِنْ ثَبَتَ سَمَاعُهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَرَوَى مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدِيثَهُ هَذَا عَنْ شَيْخَيْنِ وَهُمَا سُرَيْجٌ وَيَعْقُوبُ فَأَمَّا سُرَيْجٌ فَقَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ سَيَّارٍ وَأَمَّا يَعْقُوبُ فَقَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ حَدَّثَنَا سَيَّارٌ فَبَيَّنَ مُسْلِمٌ رحمه الله اختلاف عبارة الروايتين في نقلهما عبارته وحصل منها اتصال حديثه لم يَقْتَصِرْ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهَذَا مِنْ عَظِيمِ إِتْقَانِهِ وَدَقِيقِ نَظَرِهِ وَحُسْنِ احْتِيَاطِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَيَّارٌ بِتَقْدِيمِ

(باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي (ونفيه عن المتلبس

السِّينِ عَلَى الْيَاءِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (بَابُ بَيَانِ نُقْصَانِ الْإِيمَانِ بِالْمَعَاصِي (وَنَفْيِهِ عَنِ الْمُتَلَبِّسِ بِالْمَعْصِيَةِ عَلَى إِرَادَةِ نَفْيِ كَمَالِهِ) [57] فِي الْبَابِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ الْحَدِيثَ) وَفِي رِوَايَةٍ وَلَا يَغُلُّ أَحَدُكُمْ حِينَ يَغُلُّ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَفِي رِوَايَةٍ وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ فَالْقَوْلُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَفْعَلُ هَذِهِ الْمَعَاصِي وَهُوَ كَامِلُ الْإِيمَانِ وَهَذَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُطْلَقُ عَلَى نَفْيِ الشَّيْءِ وَيُرَادُ نَفْيُ كَمَالِهِ وَمُخْتَارِهِ كَمَا يُقَالُ لَا عِلْمَ إِلَّا مَا نَفَعَ وَلَا مَالَ إِلَّا الْإِبِلُ وَلَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ وَإِنَّمَا تَأَوَّلْنَاهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ وَحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ أَنَّهُمْ بَايَعُوهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ لَا يَسْرِقُوا وَلَا يَزْنُوا وَلَا يَعْصُوا إِلَى آخِرِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَتُهُ وَمَنْ فَعَلَ وَلَمْ يُعَاقَبْ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مع نظائرهما فى الصحيح مع قوله اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لمن يشاء مَعَ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْحَقِّ عَلَى أَنَّ الزَّانِيَ وَالسَّارِقَ وَالْقَاتِلَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ غَيْرِ الشِّرْكِ لَا يَكْفُرُونَ بِذَلِكَ بَلْ هُمْ مُؤْمِنُونَ نَاقِصُو الْإِيمَانِ إِنْ تَابُوا سَقَطَتْ عُقُوبَتُهُمْ وَإِنْ مَاتُوا مُصِرِّينَ عَلَى الْكَبَائِرِ كَانُوا فِي الْمَشِيئَةِ فان)

شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَفَا عَنْهُمْ وَأَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ أَوَّلًا وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ ثُمَّ أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ وَكُلُّ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ تَضْطَرُّنَا إِلَى تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَشِبْهِهِ ثُمَّ إِنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ ظَاهِرٌ سَائِغٌ فِي اللُّغَةِ مُسْتَعْمَلٌ فِيهَا كَثِيرٌ وَإِذَا وَرَدَ حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ ظَاهِرًا وَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ وَرَدَا هُنَا فَيُجِبُ الْجَمْعُ وَقَدْ جَمَعْنَا وَتَأَوَّلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُسْتَحِلًّا لَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِوُرُودِ الشَّرْعِ بِتَحْرِيمِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ مَعْنَاهُ يَنْزِعُ مِنْهُ اسْمَ الْمَدْحِ الَّذِي يُسَمِّي بِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَسْتَحِقُّ اسْمَ الذَّمِّ فَيُقَالُ سَارِقٌ وَزَانٍ وَفَاجِرٌ وفاسق وحكى عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ يُنْزَعُ مِنْهُ نُورُ الْإِيمَانِ وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ يُنْزَعُ مِنْهُ بَصِيرَتُهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَهَبَ الزُّهْرِيُّ إِلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَمَا أَشْبَهَهُ يُؤْمَنُ بِهَا وَيُمَرُّ عَلَى مَا جَاءَتْ وَلَا يُخَاضُ فِي مَعْنَاهَا وَأَنَّا لَا نَعْلَمُ مَعْنَاهَا وَقَالَ أَمِرُّوهَا كَمَا أَمَرَّهَا مَنْ قَبْلَكُمْ وَقِيلَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ مِمَّا لَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ بَعْضُهَا غَلَطٌ فتركهتا وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الَّتِي ذَكَرْتُهَا فِي تَأْوِيلِهِ كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ وَالصَّحِيحُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا قَدَّمْنَاهُ أولا والله أعلم وأما قول بن وهب أخبرنى يونس عن بن شِهَابٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولَانِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ إِلَى آخره (قال بن شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُحَدِّثُهُمْ هَؤُلَاءِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ يَقُولُ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُلْحِقُ مَعَهُنَّ وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) فَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَا يَنْتَهِبُ إِلَى آخِرِهِ ليس من كلام النبى ص

بَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَلَكِنْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ جَمَعَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ كَلَامًا حَسَنًا فَقَالَ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُخَرَّجِهِ عَلَى كِتَابِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبَّهٍ هَذَا الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَنْتَهِبُ أَحَدُكُمْ وَهَذَا مُصَرَّحٌ بِرَفْعِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَلَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ ذِكْرِ هَذَا بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بِإِسْنَادِهِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ عنه معطرفا فِيهِ ذِكْرُ النُّهْبَةِ عَلَى مَا بَعْدَ قَوْلِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بِقَوْلِهِ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُلْحِقُ مَعَهُنَّ ذَلِكَ وَذَلِكَ مُرَادُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ يَذْكُرُ مَعَ ذِكْرِ النُّهْبَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَاتَ شَرَفٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِهَذَا فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَوْنِ النبهة مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ قَدْ يُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْمُدْرَجِ فِي الْحَدِيثِ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ رُوَاتِهِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ مَنْ فَصَّلَ فَقَالَ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُلْحِقُ مَعَهُنَّ وَمَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ يَرْتَفِعُ عَنْ أَنْ يَتَطَرَّقَ إِلَيْهِ هَذَا الِاحْتِمَالُ وَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُلْحِقُ مَعَهُنَّ مَعْنَاهُ يُلْحِقُهَا رِوَايَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَكَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَصَّهَا بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ بَلَغَهُ أَنَّ غَيْرَهُ لَا يَرْوِيهَا وَدَلِيلُ ذَلِكَ مَا تَرَاهُ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الْحَدِيثُ مِنْ رواية يونس وعقيل عن بن شهاب عن أبى سلمة وبن الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ النُّهْبَةِ ثُمَّ إِنَّ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ أَنَّ بن شِهَابٍ رَوَى ذِكْرَ النُّهْبَةِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَفْسِهِ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عن عبد الملك بن أبى بكر عَنْهُ فَكَأَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنِ ابْنِهِ عَنْهُ ثُمَّ سَمِعَهُ مِنْهُ نَفْسِهِ وَأَمَّا قَوْلُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ يَذْكُرُ مَعَ ذِكْرِ النُّهْبَةِ) فَكَذَا وَقَعَ يَذْكُرُ مِنْ

غَيْرِ هَاءِ الضَّمِيرِ فَإِمَّا أَنْ يُقَالُ حَذَفَهَا مَعَ إِرَادَتِهَا وَإِمَّا أَنْ يُقْرَأَ يُذْكَرُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْكَافِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ أَيِ اقْتَصَّ الْحَدِيثَ مَذْكُورًا مَعَ ذِكْرِ النُّهْبَةِ هَذَا آخَرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو رَحِمَهُ اللَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (ذَاتَ شَرَفٍ) فَهُوَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَالْأُصُولُ الْمَشْهُورَةُ الْمُتَدَاوَلَةُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ جَمِيعِ الرُّوَاةِ لِمُسْلِمٍ وَمَعْنَاهُ ذَاتُ قَدْرٍ عَظِيمٍ وَقِيلَ ذَاتُ اسْتِشْرَافٍ يَسْتَشْرِفُ النَّاسُ لَهَا نَاظِرِينَ اليها رافعين أبصارهم قال القاضي عياض وَغَيْرُهُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو وَكَذَا قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ وَقَالَ مَعْنَاهُ أَيْضًا ذَاتُ قَدْرٍ عَظِيمٍ وَاللَّهُ

أَعْلَمُ وَالنُّهْبَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَهِيَ مَا يَنْهَبُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَغُلُّ) فَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْغَيْنِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَرَفْعِهَا وَهُوَ مِنَ الْغُلُولِ وَهُوَ الْخِيَانَةُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (فَإِيَّاكُمْ إِيَّاكُمْ) فَهَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ إِيَّاكُمْ إِيَّاكُمْ مَرَّتَيْنِ وَمَعْنَاهُ احْذَرُوا احْذَرُوا يُقَالُ إِيَّاكَ وَفُلَانًا أَيِ احْذَرْهُ وَيُقَالُ إِيَّاكَ أَيِ احْذَرْ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ فُلَانٍ كَمَا وَقَعَ هُنَا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ) فَظَاهِرٌ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى قَبُولِ التَّوْبَةِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَلِلتَّوْبَةِ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ أَنْ يُقْلِعَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَيَنْدَمَ عَلَى فِعْلِهَا وَيَعْزِمَ أَنْ لَا يَعُودَ إِلَيْهَا فَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْبٍ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ لَمْ تَبْطُلْ تَوْبَتُهُ وَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْبٍ وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِآخَرَ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ هَذَا مذهب أهل الحق وخالفت المعتزلة فى المسئلتين وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَشَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ مَا فِي هذا الْحَدِيثِ تَنْبِيهٌ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمَعَاصِي وَالتَّحْذِيرِ منها فنبه بالزنى عَلَى جَمِيعِ الشَّهَوَاتِ وَبِالسَّرِقَةِ عَلَى الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْحِرْصِ عَلَى الْحَرَامِ وَبِالْخَمْرِ عَلَى جَمِيعِ مَا يَصُدُّ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُوجِبُ الْغَفْلَةِ عَنْ حُقُوقِهِ وَبِالِانْتِهَابِ الْمَوْصُوفِ عَنْ الِاسْتِخْفَافِ بِعِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَرْكِ تَوْقِيرِهِمْ وَالْحَيَاءِ مِنْهُمْ وَجَمْعِ الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ وَجْهِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِسْنَادِ فَفِيهِ حَرْمَلَةُ التُّجِيبِيُّ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَرَّاتٍ أَنَّهُ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِهَا وَفِيهِ عقيل عن بن شهاب وتقدم أنه بضم العين وفيه الدراؤردى بِفَتْحِ الدَّالِ وَالْوَاوِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي باب

(باب بيان خصال المنافق [58] قوله صلى الله عليه وسلم

الْأَمْرِ بِقِتَالِ النَّاسِ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (باب بَيَانِ خِصَالِ الْمُنَافِقِ [58] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ وَفِي رِوَايَةٍ آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا عَدَّهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مُشْكِلًا مِنْ حَيْثُ إِنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ تُوجَدُ فِي الْمُسْلِمِ الْمُصَدِّقِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شَكٌّ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مُصَدِّقًا بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَفَعَلَ هَذِهِ الْخِصَالَ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِكُفْرٍ وَلَا هُوَ مُنَافِقٌ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ فَإِنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعُوا هَذِهِ الْخِصَالَ وَكَذَا وُجِدَ لِبَعْضِ السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ بَعْضُ هَذَا أَوْ كُلُّهِ وَهَذَا)

الْحَدِيثُ لَيْسَ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى إِشْكَالٌ وَلَكِنِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ فَالَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ خِصَالُ نِفَاقٍ وَصَاحِبُهَا شَبِيهٌ بالمنافقين فِي هَذِهِ الْخِصَالِ وَمُتَخَلِّقٌ بِأَخْلَاقِهِمْ فَإِنَّ النِّفَاقَ هُوَ إِظْهَارُ مَا يُبْطِنُ خِلَافَهُ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي صَاحِبِ هَذِهِ الْخِصَالِ وَيَكُونُ نِفَاقُهُ فِي حَقِّ مَنْ حَدَّثَهُ وَوَعَدَهُ وَائْتَمَنَهُ وَخَاصَمَهُ وَعَاهَدَهُ مِنَ النَّاسِ لَا أَنَّهُ مُنَافِقٌ فِي الْإِسْلَامِ فَيُظْهِرُهُ وَهُوَ يُبْطِنُ الْكُفْرَ وَلَمْ يُرِدِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا أَنَّهُ مُنَافِقٌ نِفَاقَ الْكُفَّارِ الْمُخَلَّدِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا مَعْنَاهُ شَدِيدُ الشَّبَهِ بِالْمُنَافِقِينَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْخِصَالِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَهَذَا فِيمَنْ كَانَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ غَالِبَةً عَلَيْهِ فَأَمَّا من يندر ذلك منه فَلَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ فَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعْنَاهُ عَنِ الْعُلَمَاءِ مُطْلَقًا فَقَالَ إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ نِفَاقُ الْعَمَلِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُرَادُ بِهِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثُوا بِإِيمَانِهِمْ وَكَذَبُوا وَاؤْتُمِنُوا عَلَى دِينِهِمْ فَخَانُوا وَوَعَدُوا فِي أَمْرِ الدِّينِ وَنَصْرِهِ فَأَخْلَفُوا وَفَجَرُوا فِي خُصُومَاتِهِمْ وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَرَجَعَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ عَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ مروى عن بن عباس وبن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَوَيَاهُ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِلَيْهِ مَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلًا آخَرَ أَنَّ مَعْنَاهُ التَّحْذِيرُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْتَادَ هَذِهِ الْخِصَالَ الَّتِي يُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ تُفْضِيَ بِهِ إِلَى حَقِيقَةِ النِّفَاقِ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي رَجُلٍ بِعَيْنِهِ مُنَافِقٍ وَكَانَ

النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُوَاجِهُهُمْ بِصَرِيحِ الْقَوْلِ فَيَقُولُ فُلَانٌ مُنَافِقٌ وَإِنَّمَا كَانَ يُشِيرُ إِشَارَةً كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَفْعَلُونَ كَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ قَدْ تَكُونُ لَهُ عَلَامَاتٌ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تَحْصُلُ بِهَا صِفَتُهُ ثُمَّ قَدْ تَكُونُ تِلْكَ الْعَلَامَةُ شَيْئًا وَاحِدًا وَقَدْ تَكُونُ أَشْيَاءَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ هُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ خَاصَمَ فَجَرَ أَيْ مَالَ عَنِ الْحَقِّ وَقَالَ الْبَاطِلُ وَالْكَذِبُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَأَصْلُ الْفُجُورِ الْمَيْلُ عَنِ الْقَصْدِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةُ الْمُنَافِقِ أَيْ عَلَامَتُهُ وَدَلَالَتُهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَّةٌ وَخَصْلَةٌ هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ فِيهِمَا وَإِحْدَاهُمَا بِمَعْنَى الْأُخْرَى وَأَمَّا أَسَانِيدُهُ فَفِيهَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى الجرقة بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْقَافِ وَهُوَ بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ وَفِيهِ عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ أَمَّا مُكْرَمٌ فَبِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَأَمَّا الْعَمِّيُّ فَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَكْسُورَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي الْعَمِّ بَطْنٌ مِنْ تَمِيمٍ وَفِيهِ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ أَبُو زُكَيْرٍ بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ الْفَلَكِيُّ الْحَافِظُ أَبُو زُكَيْرٍ لَقَبٌ وَكُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَفِيهِ أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ هُوَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بن الحرث وهو بن أخى بشر بن الحرث الْحَافِي الزَّاهِدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ هُوَ مِنْ أَبْنَاءِ خُرَاسَانَ مِنْ أَهْلِ نَسَا نَزَلَ بَغْدَادَ وَتَجَرَ بِهَا فِي التَّمْرِ وَغَيْرِهِ وَكَانَ فَاضِلًا خَيِّرًا وَرِعًا وَاللَّهُ أعلم بالصواب

(باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم يا كافر

(باب بَيَانِ حَالِ إِيمَانِ مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ يَا كَافِرُ [60] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَيُّمَا رَجُلٍ قال لاخيه كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ عَدُوَّ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ) هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا عَدَّهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْمُشْكِلَاتِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّهُ لَا يَكْفُرَ الْمُسْلِمُ بِالْمَعَاصِي كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَكَذَا قَوْلُهُ لأخيه كَافِرُ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ بُطْلَانِ دِينِ الْإِسْلَامِ وَإِذَا عُرِفَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَقِيلَ)

فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ أَوْجُهٌ أَحَدُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ لِذَلِكَ وَهَذَا يُكَفَّرُ فَعَلَى هَذَا مَعْنَى بَاءَ بِهَا أَيْ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ وَكَذَا حَارَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَعْنَى رَجَعَتْ عَلَيْهِ أَيْ رَجَعَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ فَبَاءَ وَحَارَ وَرَجَعَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالْوَجْهُ الثَّانِي مَعْنَاهُ رَجَعَتْ عَلَيْهِ نَقِيصَتُهُ لِأَخِيهِ وَمَعْصِيَةُ تَكْفِيرِهِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْخَوَارِجِ الْمُكَفِّرِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَهَذَا الْوَجْهُ نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ أَنَّ الْخَوَارِجَ لَا يُكَفَّرُونَ كَسَائِرِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ مَعْنَاهُ أن ذلك يؤول بِهِ إِلَى الْكُفْرِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعَاصِيَ كَمَا قَالُوا بَرِيدُ الْكُفْرِ وَيُخَافُ عَلَى الْمُكْثِرِ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ عَاقِبَةَ شُؤْمِهَا الْمَصِيرُ إِلَى الْكُفْرِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْوَجْهَ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي عَوَانَةَ الْإِسْفَرَايِنِيِّ فِي كِتَابِهِ الْمُخَرَّجُ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا فَقَدْ بَاءَ بِالْكُفْرِ وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ وَجَبَ الْكُفْرُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ مَعْنَاهُ فَقَدْ رَجَعَ عَلَيْهِ تَكْفِيرُهُ فَلَيْسَ الرَّاجِعُ حَقِيقَةُ الْكُفْرِ بَلِ التَّكْفِيرُ لِكَوْنِهِ جَعَلَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ كَافِرًا فَكَأَنَّهُ كَفَّرَ نَفْسَهُ إِمَّا لِأَنَّهُ كَفَّرَ مَنْ هُوَ مِثْلَهُ وَإِمَّا لِأَنَّهُ كَفَّرَ مَنْ لَا يُكَفِّرُهُ إِلَّا كَافِرٌ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ دِينِ الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنِ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ كَفَرَ فَقِيلَ فِيهِ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِلِّ وَالثَّانِي أَنَّهُ كُفْرُ النِّعْمَةِ وَالْإِحْسَانِ وَحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ أَبِيهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْكُفْرُ الَّذِي يُخْرِجُهُ مِنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا كما قال صلى الله عليه وسلم بكفرن ثُمَّ فَسَّرَهُ بِكُفْرَانِهِنَّ الْإِحْسَانَ وَكُفْرَانِ الْعَشِيرِ وَمَعْنَى ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ أَيِ انْتَسَبَ إِلَيْهِ وَاتَّخَذَهُ أَبًا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يعلم تقييد لابد مِنْهُ فَإِنَّ الْإِثْمَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ الْعَالِمِ بِالشَّيْءِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا فَقَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَى هَدْيِنَا وَجَمِيلِ طَرِيقَتِنَا كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِابْنِهِ لَسْتَ مِنِّي وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ قَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْمُقَدِّمَةِ بَيَانَهُ وَأَنَّ مَعْنَاهُ فَلْيَنْزِلْ مَنْزِلَهُ مِنْهَا أو فليتخذ منزلا بها وأنه دعاء أوخبر بِلَفْظِ الْأَمْرِ وَهُوَ أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ وَمَعْنَاهُ هَذَا جَزَاؤُهُ فَقَدْ يُجَازَى وَقَدْ يُعْفَى عَنْهُ وَقَدْ يُوَفَّقُ لِلتَّوْبَةِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ ذَلِكَ وَفِي هَذَا الحديث تحريم دعوى ماليس لَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ أَمْ لَا وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا حَكَمَ لَهُ بِهِ الْحَاكِمُ إِذَا كَانَ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ عَدُوَّ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ

(باب بيان حال ايمان من رغب عن أبيه وهو يعلم [62] قوله

عَلَيْهِ فَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ قِيلَ إِنَّهُ وَاقِعٌ عَلَى الْمَعْنَى وَتَقْرِيرُهُ مَا يَدْعُوهُ أَحَدٌ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ جَارِيًا عَلَى اللَّفْظِ وَضَبَطْنَا عَدُوَّ اللَّهِ عَلَى وَجْهَيْنِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالنَّصْبُ أَرْجَحُ عَلَى النِّدَاءِ أَيْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ أَيْ هُوَ عَدُوُّ اللَّهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ لِأَخِيهِ كَافِرٌ فَإِنَّا ضَبَطْنَاهُ كَافِرٌ بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ والله اعلم وأما أسانيد الباب ففيه بن بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عن أبى ذر فأما بن بُرَيْدَةَ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحَصِيبِ الْأَسْلَمِيُّ وَلَيْسَ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ بُرَيْدَةَ أَخَاهُ وَهُوَ وَأَخُوهُ سُلَيْمَانُ ثِقَتَانِ سَيِّدَانِ تَابِعِيَّانِ جَلِيلَانِ وُلِدَا فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فِي عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا يَعْمَرَ فَبِفَتْحِ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا وَقَدْ تقدم ذكر بن بُرَيْدَةَ وَيَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ فِي أَوَّلِ إِسْنَادٍ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَأَمَّا أَبُو الْأَسْوَدِ فَهُوَ الدُّؤَلِيُّ وَاسْمُهُ ظَالِمُ بْنُ عَمْرٍو وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ ظَالِمٍ وَقِيلَ عُثْمَانُ بْنُ عَمْرٍو وَقِيلَ عَمْرُو بْنُ سُفْيَانَ وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ اسْمُهُ عُوَيْمِرُ بْنُ ظُوَيْلِمٍ وَهُوَ بَصْرِيٌّ قَاضِيهَا وَكَانَ مِنْ عُقَلَاءِ الرِّجَالِ وَهُوَ الَّذِي وَضَعَ النَّحْوَ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ وَقَدِ اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ تَابِعِيُّونَ جِلَّةٌ بَعْضُهُمْ عن بعض بن بُرَيْدَةَ وَيَحْيَى وَأَبُو الْأَسْوَدِ وَأَمَّا أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَالْمَشْهُورُ فِي اسْمِهِ جُنْدُبُ بْنُ جُنَادَةَ وَقِيلَ اسْمُهُ بُرَيْرٌ بِضَمِّ الْبَاءِ الموحدة وبالزاء الْمُكَرَّرَةِ وَاسْمُ أُمِّهِ رَمْلَةُ بِنْتُ الْوَقِيعَةِ كَانَ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ فِي الْإِسْلَامِ وَقِيلَ خَامِسَ خَمْسَةٍ ومناقبه مشهورة رضى الله عنه والله أعلم (باب بيان حال ايمان من رغب عن أبيه وهو يعلم [62] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ فَهُوَ كُفْرٌ وَفِي الرِّوَايَةِ)

الْأُخْرَى مَنِ ادَّعَى أَبًا فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ أَبِيهِ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ) أَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُولَى فَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ فَفِيهِ التَّأْوِيلَانِ اللَّذَانِ قَدَّمْنَاهُمَا فِي نَظَائِرِهِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ مُسْتَحِلًّا لَهُ وَالثَّانِي أَنَّ جَزَاءَهُ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ أَوَّلًا عِنْدَ دُخُولِ الْفَائِزِينَ وَأَهْلِ السَّلَامَةِ ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ يُجَازَى فَيُمْنَعُهَا عِنْدَ دُخُولِهِمْ ثُمَّ يَدْخُلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ لَا يُجَازَى بَلْ يَعْفُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ وَمَعْنَى حَرَامٌ مَمْنُوعَةٌ وَيُقَالُ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ أَيْ تَرَكَ الِانْتِسَابَ إِلَيْهِ وَجَحَدَهُ يُقَالُ رَغِبْتُ عَنِ الشَّيْءِ تَرَكْتُهُ وَكَرِهْتُهُ وَرَغِبْتُ فِيهِ اخْتَرْتُهُ وَطَلَبْتُهُ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي عُثْمَانَ لَمَّا ادُّعِيَ زِيَادٌ لَقِيتُ أَبَا بَكْرَةَ فَقُلْتُ لَهُ مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمْ إِنِّي سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ سَمِعَ أُذُنَايَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ مَنِ ادَّعَى أَبًا فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ الْإِنْكَارُ عَلَى أَبِي بَكْرَةَ وَذَلِكَ أَنَّ زِيَادًا هَذَا الْمَذْكُورَ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِزِيَادِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَيُقَالُ فِيهِ زِيَادُ بْنُ أَبِيهِ وَيُقَالُ زِيَادُ بْنُ أُمِّهِ وَهُوَ أَخُو أَبِي بَكْرَةَ لِأُمِّهِ وَكَانَ يُعْرَفُ بِزِيَادِ بْنِ عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ ثُمَّ ادَّعَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَأَلْحَقَهُ بِأَبِيهِ أَبِي سُفْيَانَ وَصَارَ مِنْ جُمْلَةِ أَصْحَابِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلِهَذَا قَالَ أَبُو عُثْمَانَ لِأَبِي بَكْرَةَ مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمْ وَكَانَ أَبُو بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِمَّنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَهَجَرَ بِسَبَبِهِ زِيَادًا وَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ أَبَدًا وَلَعَلَّ أَبَا عُثْمَانَ لَمْ يَبْلُغْهُ إِنْكَارُ أَبِي بَكْرَةَ حِينَ قَالَ لَهُ هَذَا الْكَلَامَ أَوْ يَكُونُ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمْ أَيْ مَا هَذَا الَّذِي جَرَى مِنْ أَخِيكَ مَا أَقْبَحَهُ وَأَعْظَمَ عُقُوبَتَهُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ عَلَى فَاعِلِهِ الْجَنَّةَ وَقَوْلُهُ ادُّعِيَ ضَبَطْنَاهُ بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ مَبْنِيٌّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ أَيِ ادَّعَاهُ مُعَاوِيَةُ وَوُجِدَ بِخَطِّ الْحَافِظِ أَبِي عَامِرٍ الْعَبْدَرِيِّ ادَّعَى بِفَتْحِ الدَّالِ وَالْعَيْنِ عَلَى أَنَّ زِيَادًا

(باب بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم سباب المسلم

هُوَ الْفَاعِلُ وَهَذَا لَهُ وَجْهٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ مُعَاوِيَةَ ادَّعَاهُ وَصَدَّقَهُ زِيَادٌ فَصَارَ زِيَادٌ مدعيا أنه بن أَبِي سُفْيَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُ سَعْدٍ سَمِعَ أُذُنَايَ فَهَكَذَا ضَبَطْنَاهُ سَمِعَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَأُذُنَايَ بِالتَّثْنِيَةِ وَكَذَا نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو كَوْنَهُ أُذُنَايَ بِالْأَلِفِ عَلَى التَّثْنِيَةِ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي الْفَتْحِ السَّمَرْقَنْدِيِّ عَنْ عَبْدِ الْغَافِرِ قَالَ وَهُوَ فِيمَا يُعْتَمَدُ مِنْ أَصْلِ أَبِي الْقَاسِمِ الْعَسَاكِرِيِّ وَغَيْرِهِ أُذُنَيَّ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ بَعْضَهُمْ ضَبَطَهُ بِإِسْكَانِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ عَلَى الْمَصْدَرِ وَأُذُنِي بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ قَالَ وَضَبَطْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْجَيَّانِيِّ بِضَمِّ الْعَيْنِ مَعَ إِسْكَانِ الْمِيمِ وَهُوَ الْوَجْهُ قَالَ سِيبَوَيْهِ الْعَرَبُ تَقُولُ سَمِعَ أُذُنَيَّ زَيْدًا يَقُولُ كَذَا وَحُكِيَ عَنِ الْقَاضِي الْحَافِظِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ سَكْرَةَ أَنَّهُ ضَبَطَهُ بِكَسْرِ الْمِيمِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَأَنْكَرَهُ الْقَاضِي وَلَيْسَ إِنْكَارُهُ بِشَيْءٍ بَلِ الْأَوْجُهُ الْمَذْكُورَةُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ ظَاهِرَةٌ وَيُؤَيِّدُ كَسْرَ الْمِيمِ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي محمدا صلى الله عليه وسلم فنصب محمدا على البدل من الضمير فى سمعته أذناى ومعنى وعاه حَفِظَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِسْنَادِ فَفِيهِ هَارُونَ الْأَيْلِيُّ بِالْمُثَنَّاةِ وَعِرَاكٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ المهملة وتخفيف الراء وبالكاف وَفِيهِ أَبُو عُثْمَانَ وَهُوَ النَّهْدِيُّ بِفَتْحِ النُّونِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَلٍّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا مَعَ تَشْدِيدِ اللَّامِ وَيُقَالُ مِلْءٍ بِالْكَسْرِ مَعَ إِسْكَانِ اللَّامِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي شَرْحِ آخِرِ الْمُقَدِّمَةِ وَأَمَّا أبو بكرة فاسمه نفيع بن الحرث بْنِ كَلَدَةَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّامِ وَأُمُّهُ وَأُمُّ أخيه زياد سمية أمة الحرث بْنِ كَلَدَةَ وَقِيلَ لَهُ أَبُو بَكْرَةَ لِأَنَّهُ تَدَلَّى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حِصْنِ الطَّائِفِ بِبَكْرَةَ مَاتَ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَقِيلَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (بَابُ بَيَانِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ السَّبُّ فِي اللُّغَةِ الشَّتْمُ وَالتَّكَلُّمُ فِي عِرْضِ الْإِنْسَانِ بِمَا يَعِيبُهُ وَالْفِسْقُ فِي اللُّغَةِ الْخُرُوجُ وَالْمُرَادُ)

بِهِ فِي الشَّرْعِ الْخُرُوجُ عَنِ الطَّاعَةِ وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَسَبُّ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَفَاعِلُهُ فَاسِقٌ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا قِتَالُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يَكْفُرُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ كُفْرًا يَخْرُجُ بِهِ مِنَ الْمِلَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ إِلَّا إِذَا اسْتَحَلَّهُ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَقِيلَ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ أَقْوَالٌ أَحَدُهَا أَنَّهُ فِي الْمُسْتَحِلِّ وَالثَّانِي أَنَّ المراد كفر الاحسان والنعمة وأخوة الاسلام لاكفر الجحود والثالث أنه يؤول إِلَى الْكُفْرِ بِشُؤْمِهِ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ كَفِعْلِ الْكُفَّارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قِتَالِهِ الْمُقَاتَلَةُ الْمَعْرُوفَةُ قَالَ الْقَاضِي وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمُشَارَّةُ وَالْمُدَافَعَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِسْنَادِ فَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ الرَّيَّانِ بِالرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَفِيهِ زُبَيْدٌ بِضَمِّ الزَّايِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ الْمُثَنَّاةِ وَهُوَ زبيد بن الحرث الْيَامِيُّ وَيُقَالُ الْأَيَامِيُّ وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ غَيْرُهُ وفى الموطأ زبيد بْنُ الصَّلْتِ بِتَكْرِيرِ الْمُثَنَّاةِ وَبِضَمِّ الزَّايِ وَكَسْرِهَا وقد تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي آخَرِ الْفُصُولِ وَفِيهِ أَبُو وَائِلٍ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَمَّا قَوْلُ مُسْلِمٍ فِي أَوَّلِ الْإِسْنَادِ [64] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ وَعَوْنٌ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ كلهم عن زبيد) فهكذا ضبطناه وَكَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِنَا وَبَعْضِ الْأُصُولِ وَوَقَعَ فى الاصول

(باب بيان معنى [65] قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا

الَّتِي اعْتَمَدَهَا الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِطَرِيقَيْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ وَشُعْبَةَ وَلَمْ يَقَعْ فِيهَا طَرِيقُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عن بن مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ وَأَنْكَرَ الشَّيْخُ قَوْلَهُ كُلُّهُمْ مَعَ أَنَّهُمَا اثْنَانِ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ وَشُعْبَةُ وَإِنْكَارُهُ صَحِيحٌ عَلَى مَا فِي أُصُولِهِ وَأَمَّا عَلَى مَا عِنْدَنَا فَلَا إِنْكَارَ فَإِنَّ سُفْيَانَ ثَالِثُهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب بَيَانِ مَعْنَى [65] قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (لاترجعوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) قِيلَ فِي مَعْنَاهُ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِلِّ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالثَّانِي الْمُرَادُ كُفْرُ النِّعْمَةِ وَحَقِّ الْإِسْلَامِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يُقَرِّبُ مِنَ الْكُفْرِ وَيُؤَدِّي إِلَيْهِ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ فِعْلٌ كَفِعْلِ الْكُفَّارِ وَالْخَامِسُ الْمُرَادُ حَقِيقَةُ الْكُفْرِ وَمَعْنَاهُ لَا تَكْفُرُوا بَلْ دُومُوا مُسْلِمِينَ وَالسَّادِسُ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُفَّارِ الْمُتَكَفِّرُونَ بِالسِّلَاحِ يُقَالُ تَكَفَّرَ الرَّجُلُ بِسِلَاحِهِ إِذَا لَبِسَهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي كِتَابِهِ تَهْذِيبُ اللُّغَةِ يُقَالُ لِلَابِسِ السِّلَاحِ كَافِرٌ وَالسَّابِعُ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ لَا يُكَفِّرُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَتَسْتَحِلُّوا قِتَالَ بَعْضِكُمْ بَعْضًا وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ الرَّابِعُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ إِنَّ الرِّوَايَةَ يَضْرِبُ بِرَفْعِ الْبَاءِ هَكَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَكَذَا رَوَاهُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ وَبِهِ يَصِحُّ الْمَقْصُودُ هُنَا وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ ضَبَطَهُ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ إِحَالَةٌ لِلْمَعْنَى وَالصَّوَابُ الضَّمُّ قُلْتُ وَكَذَا قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ الْعُكْبَرِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ جَزْمُ الْبَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ شَرْطٍ مُضْمِرٍ أَيْ إِنْ تَرْجِعُوا يَضْرِبْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَرْجِعُوا)

بَعْدِي كُفَّارًا فَقَالَ الْقَاضِي قَالَ الصُّبَرِيُّ مَعْنَاهُ بَعْدَ فِرَاقِي مِنْ مَوْقِفِي هَذَا وَكَانَ هَذَا يَوْمُ النَّحْرِ بِمِنًى فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ أَوْ يَكُونُ بَعْدِي أَيْ خِلَافِي أَيْ لَا تَخْلُفُونِي فِي أَنْفُسِكُمْ بِغَيْرِ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ بِهِ أَوْ يَكُونُ تَحَقَّقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ فِي حَيَاتِهِ فَنَهَاهُمْ عَنْهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اسْتَنْصِتِ النَّاسَ) مَعْنَاهُ مُرْهُمْ بِالْإِنْصَاتِ لِيَسْمَعُوا هَذِهِ الْأُمُورَ الْمُهِمَّةِ وَالْقَوَاعِدَ الَّتِي سَأُقَرِّرُهَا لَكُمْ وَأُحَمِّلُكُمُوهَا وَقَوْلُهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَّعَ النَّاسَ فِيهَا وَعَلَّمَهُمْ فِي خُطْبَتِهِ فِيهَا أَمْرَ دِينَهُمْ وَأَوْصَاهُمْ بِتَبْلِيغِ الشَّرْعِ فِيهَا إِلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ وَالْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَةِ حَجَّةُ الْوَدَاعِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْمَسْمُوعُ مِنَ الْعَرَبِ فِي وَاحِدَةِ الْحِجَجِ حِجَّةٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ قَالُوا وَالْقِيَاسُ فَتْحُهَا لِكَوْنِهَا اسْمًا لِلْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ وَلَيْسَتْ عِبَارَةً عَنِ الْهَيْئَةِ حَتَّى تُكْسَرَ قَالُوا فَيَجُوزُ الْكَسْرُ بِالسَّمَاعِ وَالْفَتْحُ بِالْقِيَاسِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَيْحَكُمْ أَوْ قَالَ وَيْلَكُمْ) قَالَ الْقَاضِي هُمَا كَلِمَتَانِ اسْتَعْمَلَتْهُمَا الْعَرَبُ بِمَعْنَى التَّعَجُّبِ وَالتَّوَجُّعِ قَالَ سِيبَوَيْهِ وَيْلٌ كَلِمَةٌ لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ وويح تَرَحُّمٌ وَحُكِيَ عَنْهُ وَيْحٌ زَجْرٌ لِمَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَكَةِ قَالَ غَيْرُهُ وَلَا يُرَادُ بِهِمَا الدُّعَاءُ بِإِيقَاعِ الْهَلَكَةِ وَلَكِنِ التَّرَحُّمُ وَالتَّعَجُّبُ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَيْحٌ كَلِمَةُ

(باب إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب والنياحة

رَحْمَةٍ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ وَيْحٌ لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا فَيُتَرَحَّمُ عَلَيْهِ وَيُرْثَى لَهُ وويل لِلَّذِي يَسْتَحِقُّهَا وَلَا يُتَرَحَّمُ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَسَانِيدُ الْبَابِ فَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ مُدْرِكٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَفِيهِ أَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ وَفِي اسْمِهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ قَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَهُوَ كِتَابُ الْإِيمَانِ قِيلَ اسْمُهُ هَرَمٌ وقيل عمرو وقيل عبد الرحمن وقيل عبيد وَفِيهِ وَاقِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ بِالْقَافِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أنه ليس فى الصحيحين وافد وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (باب إِطْلَاقِ اسْمِ الْكُفْرِ عَلَى الطَّعْنِ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةِ [67] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفُرٌ الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ) وَفِيهِ أَقْوَالٌ أَصَحُّهَا أَنَّ مَعْنَاهُ هُمَا مِنْ أَعْمَالِ الْكُفَّارِ وَأَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْكُفْرِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ كُفْرُ النِّعْمَةِ وَالْإِحْسَانِ وَالرَّابِعُ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَحِلِّ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَغْلِيظُ تَحْرِيمِ الطَّعْنِ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةِ وَقَدْ جَاءَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نُصُوصٌ مَعْرُوفَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ) باب تَسْمِيَةِ الْعَبْدِ الْآبِقِ كَافِرًا [68] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ مِنْ مَوَالِيهِ فَقَدْ كَفَرَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ) وَفِي الرِّوَايَةِ

الْأُخْرَى فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ وَفِي الْأُخْرَى إِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَمَّا تَسْمِيَتُهُ كَافِرًا فَفِيهِ الْأَوْجُهُ الَّتِي فِي الْبَابِ قَبْلِهِ وَأَمَّا [69] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (فقد برئت منه الذمة) فَمَعْنَاهُ لَا ذِمَّةَ لَهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو رَحِمَهُ اللَّهُ الذِّمَّةُ هُنَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الذِّمَّةُ الْمُفَسَّرَةُ بِالذِّمَامِ وَهِيَ الْحُرْمَةُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى وَذِمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ ضَمَانَهُ وَأَمَانَتَهُ وَرِعَايَتَهُ وَمَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْآبِقَ كَانَ مَصُونًا عَنْ عُقُوبَةِ السَّيِّدِ لَهُ وَحَبْسِهِ فَزَالَ ذَلِكَ بِإِبَاقِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [70] وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ) فَقَدْ أَوَّلَهُ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ وَتَابَعَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ لِلْإِبَاقِ فَيَكْفُرُ ولا تقبل له صلاة لا غَيْرُهَا وَنَبَّهَ بِالصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهَا وَأَنْكَرَ الشَّيْخُ أبوعمرو هَذَا وَقَالَ بَلْ ذَلِكَ جَارٍ فِي غَيْرِ الْمُسْتَحِلِّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ عَدَمُ الصِّحَّةِ فَصَلَاةُ الْآبِقِ صَحِيحَةٌ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فَعَدَمُ قَبُولِهَا لِهَذَا الْحَدِيثِ وَذَلِكَ لِاقْتِرَانِهَا بِمَعْصِيَةٍ وَأَمَّا صِحَّتُهَا فَلِوُجُودِ شُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا الْمُسْتَلْزِمَةِ صِحَّتِهَا وَلَا تَنَاقُضَ فِي ذَلِكَ وَيَظْهَرُ أَثَرُ عَدَمِ الْقَبُولِ فِي سُقُوطِ الثَّوَابِ وَأَثَرِ الصِّحَّةِ فِي سُقُوطِ الْقَضَاءِ وَفِي أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ عُقُوبَةَ تَارِكِ الصَّلَاةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو رحمه الله وهو ظاهر لاشك فِي حُسْنِهِ وَقَدْ قَالَ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا إِنَّ الصَّلَاةَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ صَحِيحَةٌ لَا ثَوَابَ فِيهَا وَرَأَيْتُ فِي فَتَاوَى أَبِي نَصْرِ بْنِ الصباغ من أصحابنا التى نقلها عنه بن أخيه القاضي أبومنصور قَالَ الْمَحْفُوظُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا بِالْعِرَاقِ أَنَّ الصلاة فى الدار المغصوبة صَحِيحَةٌ يَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ وَلَا ثَوَابَ فِيهَا قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ وَرَأَيْتُ أَصْحَابَنَا بِخُرَاسَانَ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ قَالَ وَذَكَرَ شَيْخُنَا فِي الْكَامِلِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ وَيَحْصُلُ الثَّوَابُ عَلَى الْفِعْلِ فَيَكُونُ مُثَابًا عَلَى فِعْلِهِ عَاصِيًا بِالْمُقَامِ فِي الْمَغْصُوبِ فَإِذَا لم نمنع

(باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء [71] قوله (صلى بنا

مِنْ صِحَّتِهَا لَمْ نَمْنَعْ مِنْ حُصُولِ الثَّوَابِ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى طَرِيقِ مَنْ صَحَّحَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيُقَالُ أَبَقَ الْعَبْدُ وَأَبِقَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْفَتْحُ أَفْصَحُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ إِذْ أَبَقَ إلى الفلك المشحون وَأَمَّا قَوْلُهُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَرِيرٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ أَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ مِنْ مَوَالِيهِ فَقَدْ كَفَرَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ قَالَ مَنْصُورٌ قَدْ وَاللَّهِ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكنى أكره أن يروى عنى ها هنا بِالْبَصْرَةِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ مَنْصُورًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَرِيرٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ مَنْصُورٌ بَعْدَ رِوَايَتِهِ إِيَّاهُ مَوْقُوفًا وَاللَّهِ إِنَّهُ مَرْفُوعٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْلَمُوهُ أَيُّهَا الْخَوَاصُّ الْحَاضِرُونَ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُصَرِّحَ بِرَفْعِهِ فِي لَفْظِ رِوَايَتِي فَيَشِيعُ عنى فى البصرة التى هي مملؤة مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِتَخْلِيدِ أَهْلِ الْمَعَاصِي فِي النَّارِ وَالْخَوَارِجُ يَزِيدُونَ عَلَى التَّخْلِيدِ فَيَحْكُمُونَ بِكُفْرِهِ وَلَهُمْ شُبْهَةٌ فِي التَّعَلُّقِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ قَدَّمْنَا تَأْوِيلَهُ وَبُطْلَانَ مَذَاهِبِهِمْ بِالدَّلَائِلِ الْقَاطِعَةِ الْوَاضِحَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا فَهُوَ الْأَشَلُّ الْغُدَانِيُّ الْبَصْرِيُّ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ معين ووضعفه أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ وَفِي الرُّوَاةِ خَمْسَةٌ يُقَالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هذا أحدهم والله اعلم (باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء [71] قَوْلُهُ (صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ قَالَ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي)

مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ) أَمَّا الْحُدَيْبِيَةُ فَفِيهَا لُغَتَانِ تَخْفِيفُ الْيَاءِ وَتَشْدِيدُهَا وَالتَّخْفِيفُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْمُخْتَارُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَهْلِ اللُّغَةِ وَبَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ وَالتَّشْدِيدُ قَوْلُ الْكِسَائِيِّ وبن وَهْبٍ وَجَمَاهِيرِ الْمُحَدِّثِينَ وَاخْتِلَافُهُمْ فِي الْجِعْرَانَةِ كَذَلِكَ فِي تَشْدِيدِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَالْمُخْتَارُ فِيهَا أَيْضًا التَّخْفِيفُ وَقَوْلُهُ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الثَّاءِ وَبِفَتْحِهِمَا جَمِيعًا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَالسَّمَاءُ الْمَطَرُ وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كُفْرِ مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا هُوَ كُفْرٌ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَالِبٌ لِأَصْلِ الْإِيمَانِ مُخْرِجٌ مِنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ قَالُوا وَهَذَا فِيمَنْ قَالَ ذَلِكَ مُعْتَقِدًا أن الكوكب فاعل مدبر منشىء لِلْمَطَرِ كَمَا كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَزْعُمُ وَمَنِ اعْتَقَدَ هَذَا فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَالشَّافِعِيُّ مِنْهُمْ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ قَالُوا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءٍ كَذَا مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى

وَبِرَحْمَتِهِ وَأَنَّ النَّوْءَ مِيقَاتٌ لَهُ وَعَلَامَةٌ اعْتِبَارًا بِالْعَادَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ مُطِرْنَا فِي وَقْتِ كَذَا فَهَذَا لَا يَكْفُرُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَتِهِ وَالْأَظْهَرُ كَرَاهَتُهُ لَكِنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَا إِثْمَ فِيهَا وَسَبَبُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهَا كَلِمَةٌ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ فَيُسَاءُ الظَّنُّ بِصَاحِبِهَا وَلِأَنَّهَا شِعَارُ الْجَاهِلِيَّةِ وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي أَصْلِ تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ كُفْرُ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِاقْتِصَارِهِ عَلَى إِضَافَةِ الْغَيْثِ إِلَى الْكَوْكَبِ وَهَذَا فِيمَنْ لَا يَعْتَقِدُ تَدْبِيرَ الْكَوْكَبِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ الرِّوَايَةُ الْأَخِيرَةُ فِي الْبَابِ أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ وَكَافِرٌ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَا أَنْعَمْتُ عَلَى عِبَادِي مِنْ نِعْمَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِهَا كَافِرِينَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ السَّمَاءِ مِنْ بَرَكَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنَ النَّاسِ بِهَا كَافِرِينَ فَقَوْلُهُ بِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كُفْرٌ بِالنِّعْمَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا النَّوْءُ فَفِيهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ قَدْ لَخَّصَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ النَّوْءُ فِي أَصْلِهِ لَيْسَ هُوَ نَفْسُ الْكَوْكَبِ فَإِنَّهُ مَصْدَرُ نَاءَ النَّجْمُ يَنُوءُ نَوْءًا أَيْ سَقَطَ وَغَابَ وَقِيلَ أَيْ نَهَضَ وَطَلَعَ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ نَجْمًا مَعْرُوفَةَ الْمَطَالِعِ فِي أَزْمِنَةِ السَّنَةِ كُلِّهَا وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِمَنَازِلِ الْقَمَرِ الثَّمَانِيَةِ والعشرين يسقط فى كل ثلاثة عَشْرَةَ لَيْلَةً مِنْهَا نَجْمٌ فِي الْمَغْرِبِ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَطْلُعُ آخَرُ يُقَابِلُهُ فِي الْمَشْرِقِ مِنْ سَاعَتِهِ وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَانَ عِنْدَ ذَلِكَ مَطَرٌ يَنْسُبُونَهُ إِلَى السَّاقِطِ الْغَارِبِ مِنْهُمَا وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ إِلَى الطَّالِعِ مِنْهُمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَنْسُبُ النَّوْءَ لِلسُّقُوطِ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ثُمَّ إِنَّ النَّجْمَ نَفْسَهُ قَدْ يُسَمَّى نَوْءًا تَسْمِيَةً لِلْفَاعِلِ بِالْمَصْدَرِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ فِي بَعْضِ أَمَالِيهِ السَّاقِطَةُ فِي الْغَرْبِ هِيَ الْأَنْوَاءُ وَالطَّالِعَةُ فى المشرق هي البوارح والله اعلم [73] وأما قوله فى رواية بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (مُطِرَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ وَمِنْهُمْ كَافِرٌ قَالُوا هَذِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَلَا أقسم بمواقع النجوم حتى بلغ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ جَمِيعَ هَذَا نَزَلَ فِي قَوْلِهِمْ فِي الْأَنْوَاءِ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ وَتَفْسِيرُهُ يَأْبَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا النَّازِلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون وَالْبَاقِي نَزَلَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَلَكِنِ اجْتَمَعَا فِي وَقْتِ النُّزُولِ فَذَكَرَ الْجَمِيعَ مِنْ أَجْلِ ذلك قال الشيخ أبوعمرو رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ فى بعض الروايات عن بن عباس رضى الله عنهما فِي ذَلِكَ الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ الْيَسِيرِ فَحَسْبُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ وأما تفسير الآية فقيل تجعلون زرقكم أى شكركم كذا قاله بن عَبَّاسٍ وَالْأَكْثَرُونَ وَقِيلَ تَجْعَلُونَ شُكْرَ رِزْقِكُمْ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْ تَجْعَلُونَ حَظَّكُمْ وَأَمَّا مَوَاقِعُ النُّجُومِ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ الْمُرَادُ نُجُومُ السَّمَاءِ وَمَوَاقِعُهَا مَغَارِبُهَا وَقِيلَ مَطَالِعُهَا وقيل انكدارها وقيل انتثارها يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ النُّجُومُ نُجُومُ الْقُرْآنِ وَهِيَ أَوْقَاتُ نُزُولِهِ وَقَالَ مُجَاهِدُ مَوَاقِعُ النُّجُومِ مُحْكَمُ الْقُرْآنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَسَانِيدِ فَفِيهِ عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ آخِرُهُ دَالٌ وَفِيهِ أَبُو يُونُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَاسْمُهُ سُلَيْمُ بْنُ جُبَيْرٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا وَفِيهِ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيِّ هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْعَنْبَرِيُّ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ قَالَ الْقَاضِي وَضَبَطَهُ الْعُذْرِيُّ الْغُبْرِيُّ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ بِلَا شَكٍّ وَفِيهِ أَبُو زُمَيْلٍ بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَاسْمُهُ سِمَاكُ بْنُ الوليد الحنفى اليمامى قال بن عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ ثِقَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ أَخْبَرْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرْنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا يُونُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ إِلَّا أَبَا

باب الدليل على أن حب الانصار وعلى رضى الله عنهم

هُرَيْرَةَ فَمَدَنِيٌّ وَإِنَّمَا أَتَى مُسْلِمٌ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَوَّلًا ثُمَّ أَعَادَهُمَا وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ لِاخْتِلَافِ لَفْظِ الرِّوَايَاتِ كَمَا تَرَى وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى مِثْلِ هَذَا التَّدْقِيقِ وَالِاحْتِيَاطِ لِمُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَوَاضِعَ وَاللَّهُ اعلم بالصواب (باب الدليل على أن حب الانصار وعلى رضى الله عنهم (من الايمان وعلاماته وبعضهم من علامات النفاق) [74] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (آيَةُ الْمُنَافِقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ وَآيَةُ الْمُؤْمِنِ حُبُّ الْأَنْصَارِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى حُبُّ الْأَنْصَارِ آيَةُ الْإِيمَانِ وَبُغْضُهُمْ آيَةُ النِّفَاقِ وَفِي الْأُخْرَى لَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ وَفِي الأخرى)

لَا يُبْغِضُ الْأَنْصَارَ رَجُلٌ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ أَنْ لَا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضَنِي إِلَّا مُنَافِقٌ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْآيَةَ هِيَ الْعَلَامَةُ وَمَعْنَى هَذَهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ مَنْ عَرَفَ مَرْتَبَةَ الْأَنْصَارِ وَمَا كَانَ مِنْهُمْ فِي نُصْرَةِ دِينِ الْإِسْلَامِ وَالسَّعْيِ فِي إِظْهَارِهِ وَإِيوَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَقِيَامِهِمْ فِي مُهِمَّاتِ دِينِ الْإِسْلَامِ حَقَّ الْقِيَامِ وَحُبِّهِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُبِّهِ إِيَّاهُمْ وَبَذْلِهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقِتَالِهِمْ وَمُعَادَاتِهِمْ سَائِرَ النَّاسِ إِيثَارًا لِلْإِسْلَامِ وَعَرَفَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُرْبَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي نُصْرَةِ الْإِسْلَامِ وَسَوَابِقِهِ فِيهِ ثُمَّ أَحَبَّ الْأَنْصَارَ وَعَلِيًّا لِهَذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ صِحَّةِ إِيمَانِهِ وَصِدْقِهِ فِي إِسْلَامِهِ لِسُرُورِهِ بِظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَالْقِيَامِ بِمَا يُرْضِي اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ كَانَ بِضِدِّ ذَلِكَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى نِفَاقِهِ وَفَسَادِ سَرِيرَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَلَقَ الْحَبَّةَ فَمَعْنَاهُ شَقَّهَا بِالنَّبَاتِ وَقَوْلُهُ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ هُوَ بِالْهَمْزَةِ أَيْ خَلَقَ

باب بيان نقصان الايمان بنقص الطاعات وبيان اطلاق

النَّسَمَةَ وَهِيَ بِفَتْحِ النُّونِ وَالسِّينِ وَهِيَ الْإِنْسَانُ وَقِيلَ النَّفْسُ وَحَكَى الْأَزْهَرِيُّ أَنَّ النَّسَمَةَ هِيَ النَّفْسُ وَأَنَّ كُلَّ دَابَّةٍ فِي جَوْفِهَا رُوحٌ فَهِيَ نَسَمَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَسَانِيدِ الْبَابِ فَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ فَعَبْدُ مُكَبَّرٌ فِي اسْمِهِ وَاسْمُ أَبِيهِ وَجَبْرٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا جَابِرٌ وَفِيهِ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَأَهْلِ اللُّغَةِ والأخبار وأصحاب الفنون كلها قال الشيخ أبوعمرو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحَفِظْتُ فِيهِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ الْقَصْرَ وَالْمَدَّ وَفِيهِ يَعْقُوبُ بن عبد الرحمن القارىء بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَارَةِ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَفِيهِ زِرٌّ بِكَسْرِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَهُوَ زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ وَهُوَ مِنَ الْمُعَمَّرِينَ أَدْرَكَ الجاهلية ومات سنة اثنتين وثمانين وهو بن مائة وعشرين سنة وقيل بن مِائَةٍ وَاثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَقِيلَ مِائَةٍ وَسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ أَسَدِيٌّ كُوفِيٌّ وَأمَّا قَوْلُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جبر قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ يعنى بن الحرث حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ فَهَذَانِ الْإِسْنَادَانِ رِجَالُهُمَا كُلُّهُمْ بصريون الا بن جَبْرٍ فَإِنَّهُ أَنْصَارِيٌّ مَدَنِيٌّ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ شُعْبَةَ وَإِنْ كَانَ وَاسِطِيًّا فَقَدِ اسْتَوْطَنَ الْبَصْرَةَ والله اعلم (باب بيان نقصان الايمان بنقص الطاعات وبيان اطلاق لفظ (الكفر على غير الكفر بالله ككفر النعمة والحقوق) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أهل)

النَّارِ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ قَالَ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ قَالَ أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّينِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمَعْشَرُ هُمُ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ أَمْرُهُمْ وَاحِدٌ أَيْ مُشْتَرِكُونَ وَهُوَ اسْمٌ يَتَنَاوَلُهُمْ كَالْإِنْسِ مَعْشَرٌ وَالْجِنُّ مَعْشَرٌ وَالْأَنْبِيَاءُ مَعْشَرٌ وَالنِّسَاءُ مَعْشَرٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَجَمْعُهُ مَعَاشِرُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُكُنَّ أكثر اهل النار هو بِنَصْبِ أَكْثَرَ إِمَّا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَةَ تَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ وَإِمَّا عَلَى الْحَالِ عَلَى مذهب بن السَّرَّاجِ وَأَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ قَالَ إِنَّ أَفْعَلَ لَا يَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ وَقِيلَ هُوَ بَدَلٌ مِنَ الْكَافِ فِي رَأَيْتُكُنَّ وَأَمَّا قَوْلُهَا ومالنا أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ فَمَنْصُوبٌ إِمَّا عَلَى الْحِكَايَةِ وَإِمَّا عَلَى الْحَالِ وَقَوْلُهُ جَزْلَةٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ أَيْ ذَاتُ عَقْلٍ وَرَأْيٍ قَالَ بن دُرَيْدٍ الْجَزَالَةُ الْعَقْلُ وَالْوَقَارُ وَأَمَّا الْعَشِيرُ فَبِفَتْحِ العين وكسرالشين وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْمُعَاشِرُ مُطْلَقًا وَالْمُرَادُ هُنَا الزَّوْجُ وَأَمَّا اللُّبُّ فَهُوَ الْعَقْلُ وَالْمُرَادُ كَمَالُ الْعَقْلِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ أَيْ عَلَامَةُ نُقْصَانِهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي أَيْ تَمْكُثُ لَيَالِيَ وَأَيَّامًا لَا تُصَلِّي بِسَبَبِ الْحَيْضِ وَتُفْطِرُ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ بِسَبَبِ الْحَيْضِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَحْكَامُ الْحَدِيثِ فَفِيهِ جُمَلٌ مِنَ الْعُلُومِ مِنْهَا الْحَثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَأَفْعَالِ الْبِرِّ وَالْإِكْثَارِ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ وَفِيهِ أَنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ كَمَا قَالَ اللَّهُ عزوجل وَفِيهِ أَنَّ كُفْرَانَ الْعَشِيرِ وَالْإِحْسَانَ مِنَ الْكَبَائِرِ فَإِنَّ التَّوَعُّدَ بِالنَّارِ مِنْ عَلَامَةِ كَوْنِ الْمَعْصِيَةِ كَبِيرَةً كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ أَنَّ اللَّعْنَ أَيْضًا مِنَ الْمَعَاصِي

الشَّدِيدَةِ الْقُبْحِ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَالصَّغِيرَةُ إِذَا أُكْثِرَتْ صَارَتْ كَبِيرَةً وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ اللَّعْنِ فَإِنَّهُ فِي اللُّغَةِ الْإِبْعَادُ وَالطَّرْدُ وَفِي الشَّرْعِ الْإِبْعَادُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبْعَدَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ لَا يُعْرَفَ حاله وخاتمةأمره مَعْرِفَةً قَطْعِيَّةً فَلِهَذَا قَالُوا لَا يَجُوزُ لَعْنُ أحد بعينه مسلما كان أوكافرا أَوْ دَابَّةً إِلَّا مَنْ عَلِمْنَا بِنَصٍّ شَرْعِيٍّ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ أَوْ يَمُوتُ عَلَيْهِ كَأَبِي جَهْلٍ وَإِبْلِيسَ وَأَمَّا اللَّعْنُ بِالْوَصْفِ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ كَلَعْنِ الْوَاصِلَةِ وَالْمُسْتَوْصِلَةِ وَالْوَاشِمَةِ وَالْمُسْتَوْشِمَةِ وَآكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ وَالْمُصَوِّرِينَ وَالظَّالِمِينَ وَالْفَاسِقِينَ وَالْكَافِرِينَ وَلَعْنِ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ وَمَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ وَمَنِ انْتَسَبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَمَنْ أَحْدَثَ فِي الْإِسْلَامِ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ باطلاقه على الأوصاف لاعلى الْأَعْيَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ إِطْلَاقُ الْكُفْرِ عَلَى غَيْرِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ تَعَالَى كَكُفْرِ الْعَشِيرِ وَالْإِحْسَانِ وَالنِّعْمَةِ وَالْحَقِّ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ تَأْوِيلِ الْكُفْرِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى مَا تَأَوَّلْنَاهَا وَفِيهِ بَيَانُ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ وَفِيهِ وَعْظُ الْإِمَامِ وَأَصْحَابِ الْوِلَايَاتِ وَكُبَرَاءِ النَّاسِ رَعَايَاهُمْ وَتَحْذِيرُهُمُ الْمُخَالَفَاتِ وَتَحْرِيضُهُمْ عَلَى الطَّاعَاتِ وَفِيهِ مُرَاجَعَةُ الْمُتَعَلِّمِ الْعَالِمَ وَالتَّابِعِ الْمَتْبُوعَ فِيمَا قَالَهُ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَعْنَاهُ كَمُرَاجَعَةِ هَذِهِ الْجَزْلَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَفِيهِ جَوَازُ إِطْلَاقِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ إِضَافَةٍ إِلَى الشَّهْرِ وَإِنْ كَانَ الِاخْتِيَارُ إِضَافَتَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ تَنْبِيهٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا وَرَاءَهُ وَهُوَ مَا نَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى أَيْ أَنَّهُنَّ قَلِيلَاتُ الضَّبْطِ قَالَ وَقَدِ

اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْعَقْلِ مَا هُوَ فَقِيلَ هُوَ الْعِلْمُ وَقِيلَ بَعْضُ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ وَقِيلَ قُوَّةٌ يُمَيَّزُ بِهَا بَيْنَ حَقَائِقِ الْمَعْلُومَاتِ هَذَا كَلَامُهُ قُلْتُ وَالِاخْتِلَافُ فِي حَقِيقَةِ الْعَقْلِ وَأَقْسَامِهِ كَثِيرٌ مَعْرُوفٌ لَا حَاجَةَ هُنَا إِلَى الْإِطَالَةِ بِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّهِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْمُتَكَلِّمُونَ هُوَ فِي الْقَلْبِ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هُوَ فِي الرَّأْسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا وَصْفُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّسَاءَ بِنُقْصَانِ الدِّينِ لِتَرْكِهِنَّ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ فَقَدْ يُسْتَشْكَلُ مَعْنَاهُ وَلَيْسَ بِمُشْكِلٍ بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الدِّينَ وَالْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ مُشْتَرِكَةٌ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَوَاضِعَ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ أَنَّ الطَّاعَاتِ تُسَمَّى إِيمَانًا وَدِينًا وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا عَلِمْنَا أَنَّ مَنْ كَثُرَتْ عِبَادَتُهُ زَادَ إِيمَانُهُ وَدِينُهُ وَمَنْ نَقَصَتْ عِبَادَتُهُ نَقَصَ دِينُهُ ثُمَّ نَقْصُ الدِّينِ قَدْ يَكُونُ عَلَى وَجْهٍ يَأْثَمُ بِهِ كَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ أَوِ الصَّوْمَ أَوْ غَيْرَهُمَا مِنَ الْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ وَقَدْ يَكُونُ عَلَى وَجْهٍ لَا إِثْمَ فِيهِ كَمَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ أَوِ الْغَزْوَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجِبُ عليه لعذر وَقَدْ يَكُونُ عَلَى وَجْهٍ هُوَ مُكَلَّفٌ بِهِ كَتَرْكِ الْحَائِضِ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ فَإِنْ قِيلَ فَإِنْ كَانَتْ مَعْذُورَةً فَهَلْ تُثَابُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَقْضِيهَا كَمَا يثاب المريض والمسافر وَيُكْتَبُ لَهُ فِي مَرَضِهِ وَسَفَرِهِ مِثْلَ نَوَافِلِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي كَانَ يَفْعَلُهَا فِي صِحَّتِهِ وَحَضَرِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهَا لَا تُثَابُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ كَانَ يَفْعَلُهَا بِنِيَّةِ الدَّوَامِ عَلَيْهَا مَعَ أَهْلِيَّتِهِ لَهَا وَالْحَائِضُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ نِيَّتُهَا تَرْكُ الصَّلَاةِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا نِيَّةُ الصَّلَاةِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ فَنَظِيرُهَا مُسَافِرٌ أَوْ مَرِيضٌ كَانَ يُصَلِّي النَّافِلَةَ فِي وَقْتٍ وَيَتْرُكُ فِي وَقْتٍ غَيْرَ نَاوٍ الدَّوَامَ عَلَيْهَا فَهَذَا لَا يُكْتَبُ لَهُ فِي سَفَرِهِ وَمَرَضِهِ فِي الزَّمَنِ الذى لم يكن يتنفل فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَسَانِيدِ الْبَابِ ففيه بن الْهَادِ وَاسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ وَأُسَامَةُ هُوَ الْهَادِ لِأَنَّهُ كَانَ يُوقِدُ نَارًا لِيَهْتَدِيَ إِلَيْهَا الْأَضْيَافُ وَمَنْ سَلَكَ الطَّرِيقَ وَهَكَذَا يَقُولُهُ الْمُحَدِّثُونَ الْهَادِ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى لُغَةٍ وَالْمُخْتَارُ فِي الْعَرَبِيَّةِ الْهَادِي بِالْيَاءِ وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَ هَذَا فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنِ إِسْحَاقَ واسمه

(باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة [81] في

محمد وفيه بن أَبِي مَرْيَمَ وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ الْجُمَحِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ الْفَقِيهُ الْجَلِيلُ وَفِيهِ عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو عَنِ الْمَقْبُرِيِّ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْمَقْبُرِيِّ هُنَا هَلْ هُوَ أَبُو سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ أَوِ ابْنُهُ سَعِيدٌ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقَالُ لَهُ الْمَقْبُرِيُّ وَإِنْ كَانَ الْمَقْبُرِيُّ فِي الْأَصْلِ هُوَ أَبُو سَعِيدٍ فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ الْجَيَّانِيُّ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيِّ هُوَ أَبُو سَعِيدٍ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ خَالَفَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ فَرَوَاهُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَوْلُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ أَصَحُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُخَرَّجُ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ وُجُوهٍ مَرْضِيَّةٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ هَكَذَا مُبَيَّنًا لَكِنْ رُوِّينَاهُ فِي مُسْنَدِ أَبِي عَوَانَةَ الْمُخَرَّجِ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَمِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ سَعِيدٍ كَمَا سَبَقَ عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ فَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ إِذًا هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ وَيُقَالُ الْمَقْبُرِيُّ بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِيهِ وَهِيَ نِسْبَةُ إِلَى الْمَقْبُرَةِ وَفِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ ضَمُّ الْبَاءِ وَفَتْحُهَا وَكَسْرُهَا وَالثَّالِثَةُ غَرِيبَةٌ قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ وَغَيْرُهُ كَانَ أَبُو سَعِيدٍ يَنْزِلُ الْمَقَابِرَ فَقِيلَ لَهُ الْمَقْبُرِيُّ وَقِيلَ كَانَ مَنْزِلُهُ عِنْدَ الْمَقَابِرِ وَقِيلَ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَهُ عَلَى حَفْرِ الْقُبُورِ فَقِيلَ لَهُ الْمَقْبُرِيُّ وَجَعَلَ نُعَيْمًا عَلَى إِجْمَارِ الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَهُ نُعَيْمٌ الْمُجَمِّرُ وَاسْمُ أَبِي سَعِيدٍ كَيْسَانُ اللَّيْثِيُّ الْمَدَنِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب بَيَانِ إِطْلَاقِ اسْمِ الْكُفْرِ عَلَى مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ [81] فِي الْبَابِ حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا (إِذَا قَرَأَ بن آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ ياويله)

وفى رواية يا ويلى أمر بن آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِي النَّارُ) [82] وَالْحَدِيثُ الثَّانِي (إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةُ) مَقْصُودُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ بِذِكْرِ هَذَيْنِ الْحَدِيثِينَ هُنَا أَنَّ مِنَ الْأَفْعَالِ مَا تَرْكُهُ يُوجِبُ الْكُفْرَ إِمَّا حَقِيقَةً وَإِمَّا تَسْمِيَةً فَأَمَّا كُفْرُ إِبْلِيسَ بِسَبَبِ السُّجُودِ فَمَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا ابليس أبى واستكبر وكان من الكافرين قَالَ الْجُمْهُورُ مَعْنَاهُ وَكَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْكَافِرِينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَصَارَ مِنَ الْكَافِرِينَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ من المغرقين وَأَمَّا تَارِكُ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا لِوُجُوبِهَا فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ خَارِجٌ مِنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ وَلَمْ يُخَالِطِ الْمُسْلِمِينَ مُدَّةً يَبْلُغُهُ فِيهَا وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ تَرَكَهُ تَكَاسُلًا مَعَ اعْتِقَادِهِ وُجُوبَهَا كَمَا هُوَ حَالُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَالْجَمَاهِيرُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بَلْ يَفْسُقُ وَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قَتَلْنَاهُ حَدًّا كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ وَلَكِنَّهُ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى أَنَّهُ يَكْفُرُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْمُزَنِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ وَلَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِكُفْرِهِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الثَّانِي الْمَذْكُورِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ

وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ لَا يُقْتَلُ بِحَدِيثِ لَا يَحِلُّ دَمِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ وَلَيْسَ فِيهِ الصَّلَاةُ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لمن يشاء وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَالَ لا إله الا الله دخل الجنة مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَلَا يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى عَبْدٌ بِهِمَا غَيْرَ شَاكٍّ فَيُحْجَبُ عَنِ الْجَنَّةِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاحْتَجُّوا على قتله بقوله تعالى فإن تابوا وأقام الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ عُقُوبَةَ الْكَافِرِ وَهِيَ الْقَتْلُ أَوْ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ أَوْ عَلَى أَنَّهُ قد يؤول بِهِ إِلَى الْكُفْرِ أَوْ أَنَّ فِعْلَهُ فِعْلُ الْكُفَّارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم اذا قرأ بن آدم السجدة فمعناه آية السجدة وقوله ياويله هُوَ مِنْ آدَابِ الْكَلَامِ وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا عَرَضَ فِي الْحِكَايَةِ عَنِ الْغَيْرِ مَا فِيهِ سُوءٌ وَاقْتَضَتِ الْحِكَايَةُ رُجُوعَ الضَّمِيرِ إِلَى الْمُتَكَلِّمِ صَرَفَ الْحَاكِي الضَّمِيرَ عَنْ نَفْسِهِ تَصَاوُنًا عَنْ صُورَةِ إِضَافَةِ السُّوءِ إِلَى نَفْسِهِ وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَا وَيْلِي يَجُوزُ فِيهِ فَتْحُ اللَّامِ وَكَسْرُهَا وقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ الشِّرْكُ وَالْكُفْرُ بِالْوَاوِ وَفِي مُخَرَّجِ أَبِي عوانة الاسفراينى وأبى نعيم الاصبهانى أوالكفر بِأَوْ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهٌ وَمَعْنَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشِّرْكِ تَرْكُ الصَّلَاةِ أَنَّ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ كُفْرِهِ كَوْنُهُ لَمْ يَتْرُكِ الصَّلَاةَ فَإِذَا تَرَكَهَا لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشِّرْكِ حَائِلٌ بَلْ دَخَلَ فِيهِ ثُمَّ إِنَّ الشِّرْكَ وَالْكُفْرَ قَدْ يُطْلَقَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَيُخَصُّ الشِّرْكُ بِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ مَعَ اعْتِرَافِهِمْ بِاللَّهِ تَعَالَى كَكُفَّارِ قُرَيْشٍ فَيَكُونُ الْكُفْرُ أَعَمُّ مِنَ الشِّرْكِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدِ احْتَجَّ أَصْحَابُ أَبِي حنيفة رحمه الله واياهم بقوله أمر بن آدَمَ بِالسُّجُودِ عَلَى أَنَّ

(باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال [83] أما

سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَاجِبٌ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْكَبِيرِينَ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنْ تَسْمِيَةَ هَذَا أَمْرًا إِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ إِبْلِيسَ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا فَإِنْ قَالُوا حَكَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْكِرْهَا قُلْنَا قَدْ حُكِيَ غَيْرَهَا مِنْ أَقْوَالِ الْكُفَّارِ وَلَمْ يُبْطِلْهَا حَالَ الْحِكَايَةِ وَهِيَ بَاطِلَةُ الْوَجْهِ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ أَمْرُ نَدْبٍ لَا إِيجَابٍ الثَّالِثُ الْمُرَادُ الْمُشَارَكَةُ فِي السُّجُودِ لَا فِي الْوُجُوبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ باسانيده فَفِيهِ أَبُو غَسَّانَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ وفيه أبو سفيان عن جابر وقد تقدم ان اسمه طلحة بن نافع وفيه أبو الزبير محمد بن مسلم بن تَدْرُسَ تَقَدَّمَ أَيْضًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب بَيَانِ كَوْنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ [83] أَمَّا أَحَادِيثُ الْبَابِ (فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي ذَرٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ حَجٌّ مَبْرُورٌ وَفِي رِوَايَةٍ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَفِي رِوَايَةٍ)

الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ قُلْتُ أَيُّ الرقاب أَفْضَلُ قَالَ أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا قُلْتُ فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ قَالَ تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ قُلْتُ أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ قَالَ تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ) وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ تُعِينُ الصَّانِعَ أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ وَفِي رِوَايَةٍ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ قَالَ الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قلت ثم

أَيُّ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَا تَرَكْتُ أَسْتَزِيدُهُ إِلَّا إِرْعَاءً عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي وَفِي رِوَايَةٍ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَقْرَبُ إِلَى الْجَنَّةِ قَالَ الصَّلَاةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا قلت وماذا قَالَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قُلْتُ وَمَاذَا قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةٍ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ هَذِهِ أَلْفَاظُ الْمُتُونِ وَأَمَّا أَسْمَاءُ الرِّجَالِ فَفِي الْبَابِ أَبُو هُرَيْرَةَ وأبو ذر ومنصور بن أبى مزاحم وبن شِهَابٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وأبو مراوح وَالشَّيْبَانِيُّ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيْزَارِ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِيَاسٍ أَبِي عَمْرِو الشَّيْبَانِيِّ وَأَبُو يَعْفُورٍ أَمَّا أَلْفَاظُ الْأَحَادِيثِ فَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ شَمِرٌ هُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَأْثَمِ وَمِنْهُ بَرَّتْ يمينه اذا سلم من الحنث وبربيعه إِذَا سَلِمَ مِنَ الْخِدَاعِ وَقِيلَ الْمَبْرُورُ الْمُتَقَبَّلُ وقال الحربى برحجك بضم الباء

وَبَرَّ اللَّهُ حَجَّكَ بِفَتْحِهَا إِذَا رَجَعَ مَبْرُورًا مَأْجُورًا وَفِي الْحَدِيثِ بِرُّ الْحَجِّ إِطْعَامُ الطَّعَامِ وَطِيبُ الْكَلَامِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مِنَ الْبِرِّ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْجَمِيلِ وَمِنْهُ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَالْمُؤْمِنِينَ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَبْرُورُ الصَّادِقُ الْخَالِصُ لِلَّهِ تَعَالَى هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ بُرَّ حَجُّهُ وَبَرَّ حَجُّهُ بفتح الباء وضمها وبر الله حجه وقول من قال المبرور المتقبل قد يستشكل من حيث إِنَّهُ لَا اطِّلَاعَ عَلَى الْقَبُولِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ مِنْ عَلَامَاتِ الْقَبُولِ أَنْ يَزْدَادَ بَعْدَهُ خَيْرًا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا فَمَعْنَاهُ أَرْفَعُهَا وَأَجْوَدُهَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ مَالٌ نَفِيسٌ أَيْ مَرْغُوبٌ فِيهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ الْأَخْرَقُ هُوَ الَّذِي لَيْسَ بِصَانِعٍ يُقَالُ رَجُلٌ أَخْرَقُ وَامْرَأَةٌ خَرْقَاءُ لِمَنْ لَا صَنْعَةَ لَهُ فَإِنْ كَانَ صَانِعًا حَاذِقًا قِيلَ رَجُلٌ صَنَعٌ بِفَتْحِ النُّونِ وَامْرَأَةٌ صَنَاعٌ بِفَتْحِ الصَّادِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَانِعًا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الصَّانِعُ فَرُوِيَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ فِيهِمَا وَبِالنُّونِ مِنَ الصَّنْعَةِ وَرُوِيَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَبِهَمْزَةٍ بَدَلَ النُّونِ تُكْتَبُ يَاءٌ مِنَ الضَّيَاعِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ رِوَايَةُ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالْأَكْثَرُ فِي الرِّوَايَةِ بِالْمُعْجَمَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ رِوَايَتُنَا فِي هَذَا مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ أَوَّلًا بِالْمُعْجَمَةِ فَتُعِينُ ضَائِعًا وَكَذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَتُعِينُ الضَّائِعَ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِنَا عَنْ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ هِشَامٍ وَالزُّهْرِيِّ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْفَتْحِ الشَّاشِيِّ عَنْ عَبْدِ الْغَافِرِ الْفَارِسِيِّ فَإِنَّ شَيْخَنَا أَبَا بَحْرٍ حَدَّثَنَا عَنْهُ فِيهِمَا بِالْمُهْمَلَةِ وَهُوَ صَوَابُ الْكَلَامِ لِمُقَابَلَتِهِ بِالْأَخْرَقِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى مِنْ جِهَةِ مَعُونَةِ الضَّائِعِ أَيْضًا صَحِيحًا لَكِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ عَنْ هِشَامٍ هُنَا بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَذَلِكَ رُوِّينَاهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ بن الْمَدِينِيِّ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ الصَّانِعُ بِالْمُهْمَلَةِ وَيَرَوْنَ أَنَّ هِشَامًا صَحَّفَ فِي قَوْلِهِ ضَائِعًا بِالْمُعْجَمَةِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مَعْمَرٍ كَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ صَحَّفَ هشام قال الدار قطنى وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَصْحَابُ هِشَامٍ عَنْهُ بِالْمُعْجَمَةِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الزُّهْرِيُّ هَذَا كَلَامُ القاضي وقال الشيخ أبوعمرو بْنُ الصَّلَاحِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ تُعِينُ صَانِعًا هُوَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّونُ فِي أَصْلِ الْحَافِظِ أَبِي عَامِرٍ الْعَبْدَرِيِّ وَأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ عَسَاكِرَ قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ رِوَايَةُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ إِنَّمَا رِوَايَتُهُ بِالْمُعْجَمَةِ وَكَذَا جَاءَ مُقَيَّدًا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنِ الزُّهْرِيِّ فَتُعِينُ الصَّانِعَ فَهِيَ بِالْمُهْمَلَةِ وَهِيَ مَحْفُوظَةٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ وَكَانَ يَنْسُبُ هِشَامًا إِلَى التَّصْحِيفِ قَالَ الشيخ

وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ بِالْمُعْجَمَةِ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ لِرُوَاةِ كِتَابِ مُسْلِمٍ إِلَّا رِوَايَةَ أَبِي الْفَتْحِ السَّمَرْقَنْدِيِّ قَالَ الشَّيْخُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا حَكَاهُ فِي رِوَايَةِ أُصُولِنَا لِكِتَابِ مُسْلِمٍ فكلها مقيدة فى رواية الزهري بالمهملة وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا بِرُّ الْوَالِدَيْنِ فَهُوَ الْإِحْسَانُ اليهما وَفِعْلُ الْجَمِيلِ مَعَهُمَا وَفِعْلُ مَا يَسُرُّهُمَا وَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِحْسَانُ إِلَى صَدِيقِهِمَا كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ وَضِدُّ الْبِرِّ الْعُقُوقِ وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا تَفْسِيرُهُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ بَرِرْتُ وَالِدِي بِكَسْرِ الرَّاءِ أَبَرُّهُ بِضَمِّهَا مَعَ فَتْحِ الْبَاءِ بِرًّا وَأَنَا بَرٌّ بِهِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَبَارٌّ وَجَمْعُ الْبَرِّ الْأَبْرَارُ وَجَمْعُ الْبَارِّ الْبَرَرَةُ قَوْلُهُ فَمَا تَرَكْتُ أَسْتَزِيدُهُ إِلَّا إِرْعَاءً عَلَيْهِ كَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ تَرَكْتُ أَسْتَزِيدُهُ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ أَنْ بَيْنَهُمَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَهِيَ مُرَادَةٌ وَقَوْلُهُ إِرْعَاءً هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَمْدُودٌ وَمَعْنَاهُ إِبْقَاءً عَلَيْهِ وَرِفْقًا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَسْمَاءُ الرِّجَالِ فَأَبُو هُرَيْرَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَأَبُو ذَرٍّ اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَالْأَشْهَرُ جندب بضم الدال وفتحها بن جُنَادَةَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَقِيلَ اسْمُهُ بُرَيْرٌ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِرَاءَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ وَأَمَّا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ فَبِالزَّايِ وَالْحَاءِ وَجَمِيعُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِمَّا هَذِهِ صُورَتُهُ فَهُوَ مُزَاحِمٌ بِالزَّايِ والحاء ولهم فى الاسماء مراجم بالراء والجيم وَمِنْهُ الْعَوَّامُ بْنُ مُرَاجِمٍ وَاسْمُ أَبِي مُزَاحِمٍ وَالِدُ مَنْصُورٍ هَذَا بَشِيرٌ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَأَمَّا بن شهاب فتقدم مرات وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد الله بن شهاب وأما بن الْمُسَيَّبِ فَتَقَدَّمَ أَيْضًا مَرَّاتٍ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بِكَسْرِهَا وَأَمَّا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ فَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ اسْمَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ وَأَمَّا أَبُو مُرَاوِحٍ فَبِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالرَّاءِ والحاء المهملة والواو مكسورة قال بن عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ ثِقَةٌ وَلَيْسَ يُوقَفُ لَهُ عَلَى اسْمٍ وَاسْمُهُ كُنْيَتُهُ قَالَ إِلَّا أَنَّ مُسْلِمَ بْنَ الْحَجَّاجِ ذَكَرَهُ فِي الطَّبَقَاتِ فَقَالَ اسْمُهُ سَعْدٌ وَذَكَرَهُ فِي الْكُنَى وَلَمْ يَذْكُرِ اسْمَهُ وَيُقَالُ فِي نَسَبِهِ الْغِفَارِيُّ ويقال الليثى قال أبو على الغسانى هوالغفارى ثُمَّ اللَّيْثِيُّ وَأَمَّا الشَّيْبَانِيُّ الرَّاوِي عَنِ الْوَلِيدِ بن العيزار فهو أبواسحاق سُلَيْمَانُ بْنُ فَيْرُوزَ الْكُوفِيُّ وَأَمَّا أَبُو يَعْفُورٍ فَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ وَالرَّاءِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ نِسْطَاسَ بِكَسْرِ النُّونِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُكَرَّرَةِ الثَّعْلَبِيُّ بِالْمُثَلَّثَةِ الْعَامِرِيُّ الْبَكَّايُ وَيُقَالُ الْبَكَالِيُّ وَيُقَالُ الْبَكَّارِيُّ الْكُوفِيُّ وَنِسْطَاسُ غَيْرُ مَصْرُوفٍ وَأَبُو يَعْفُورٍ هَذَا هُوَ الْأَصْغَرُ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا فِي بَابِ التَّطْبِيقِ فِي الرُّكُوعِ وَلَهُمْ أَبُو يَعْفُورٍ الْأَكْبَرُ الْعَبْدِيُّ الْكُوفِيُّ التَّابِعِيُّ وَاسْمُهُ وَاقِدٌ وَقِيلَ وَقْدَانُ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ أيضا

فِي بَابِ صَلَاةِ الْوِتْرِ وَقَالَ اسْمُهُ وَاقِدٌ وَلَقَبُهُ وَقْدَانُ وَلَهُمْ أَيْضًا أَبُو يَعْفُورٍ ثَالِثٌ اسمه عبد الكريم بن يَعْفُورٍ الْجُعْفِيُّ الْبَصْرِيُّ يَرْوِي عَنْهُ قُتَيْبَةُ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَغَيْرُهُمَا وَآبَاءُ يَعْفُورٍ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ ثِقَاتٌ وَأَمَّا الْوَلِيدُ بْنُ الْعَيْزَارِ فَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَبِالزَّايِ قَبْلَ الْأَلِفِ وَالرَّاءِ بَعْدَهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَبِيبٍ مَوْلَى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي مُرَاوِحٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ فَفِيهِ لَطِيفَةٌ مِنْ لَطَائِفِ الْإِسْنَادِ وَهُوَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُوَ الزُّهْرِيُّ وَحَبِيبٌ وَعُرْوَةُ وَأَبُو مُرَاوِحٍ فَأَمَّا الزُّهْرِيُّ وَعُرْوَةُ وَأَبُو مُرَاوِحٍ فَتَابِعِيُّونَ مَعْرُوفُونَ وَأَمَّا حَبِيبٌ مَوْلَى عُرْوَةَ فَقَدْ رَوَى عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما قال محمد بن سَعْدٍ مَاتَ حَبِيبٌ مَوْلَى عُرْوَةَ هَذَا قَدِيمًا فِي آخِرِ سُلْطَانِ بَنِي أُمَيَّةَ فَرِوَايَتُهُ عَنْ أَسْمَاءَ مَعَ هَذَا ظَاهِرُهَا أَنَّهُ أَدْرَكَهَا وَأَدْرَكَ غَيْرَهَا مِنَ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ تَابِعِيًّا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا مَعَانِي الْأَحَادِيثِ وَفِقْهُهَا فَقَدْ يُسْتَشْكَلُ الْجَمْعُ بينها مَعَ مَا جَاءَ فِي مَعْنَاهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ جَعَلَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الافضل الايمان بالله ثم الجهاد ثُمَّ الْحَجُّ وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الْإِيمَانُ والجهاد وفى حديث بن مَسْعُودٍ الصَّلَاةُ ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ثُمَّ الْجِهَادُ وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ قَالَ تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ قَالَ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَصَحَّ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ وَأَمْثَالُ هَذَا فِي الصَّحِيحِ كَثِيرَةٌ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهَا فَذَكَرَ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ الشَّافِعِيُّ عَنْ شَيْخِهِ الْإِمَامِ الْعَلَّامَةِ الْمُتْقِنِ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ الْكَبِيرُ وَهُوَ غَيْرُ الْقَفَّالِ الصَّغِيرِ الْمَرْوَزِيِّ الْمَذْكُورِ فِي كُتُبِ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالَ الْحَلِيمِيُّ وَكَانَ الْقَفَّالُ أَعْلَمُ مِنْ لَقِيتُهُ مِنْ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهَا بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافُ جَوَابٍ جَرَى عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ خَيْرُ الْأَشْيَاءِ كَذَا وَلَا يُرَادُ بِهِ خَيْرُ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَفِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ بَلْ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَاسْتَشْهَدَ فى ذلك بأخبار منها عن بن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حَجَّةٌ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِينَ غَزْوَةً وَغَزْوَةٌ لِمَنْ حج أفضل من أربعين حجة الوجه الثَّانِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ كَذَا أَوْ مِنْ خَيْرِهَا أَوْ مِنْ خَيْرِكُمْ مَنْ فَعَلَ كَذَا فَحُذِفَتْ مِنْ وَهِيَ مُرَادَةٌ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ أَعْقَلُ النَّاسِ

(وذكر القاضي عياض في الجمع بينهما وجهين أحدهما نحو

وَأَفْضَلُهُمْ وَيُرَادُ أَنَّهُ مِنْ أَعْقَلِهِمْ وَأَفْضَلِهِمْ وَمَنْ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ خِيرَ النَّاسِ مُطْلَقًا وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ أَزْهَدُ النَّاسِ فِي الْعَالِمِ جِيرَانُهُ وَقَدْ يُوجَدُ فِي غَيْرِهِمْ مَنْ هُوَ أَزْهَدُ مِنْهُمْ فِيهِ هَذَا كَلَامُ الْقَفَّالِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ الثَّانِي يَكُونُ الْإِيمَانُ أَفْضَلَهَا مُطْلَقًا وَالْبَاقِيَاتُ مُتَسَاوِيَةٌ فِي كَوْنِهَا مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَالْأَحْوَالِ ثُمَّ يُعْرَفُ فَضْلُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بِدَلَائِلَ تَدُلُّ عَلَيْهَا وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَفْضَلُهَا كَذَا ثُمَّ كَذَا بِحَرْفٍ ثُمَّ وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّرْتِيبِ فَالْجَوَابُ أَنَّ ثُمَّ هُنَا لِلتَّرْتِيبِ فِي الذِّكْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين آمنوا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا التَّرْتِيبُ فِي الْفِعْلِ وَكَمَا قَالَ تَعَالَى قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ ما حرم ربكم عليكم ان لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا إلى قوله ثم آتينا موسى الكتاب وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ وَأَنْشَدُوا فِيهِ ... قُلْ لِمَنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أَبُوهُ ... ثُمَّ قَدْ سَادَ قَبْلَ ذَلِكَ جَدُّهُ ... (وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا نَحْوُ الْأَوَّلِ مِنَ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَيْنَاهُمَا قَالَ قِيلَ اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لاختلاف الاحوال فأعلم كُلَّ قَوْمٍ بِمَا بِهِمْ حَاجَةً إِلَيْهِ أَوْ بما لم يكلموه بَعْدُ مِنْ دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ وَلَا بَلَغَهُمْ عِلْمُهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدَّمَ الْجِهَادَ عَلَى الْحَجِّ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ وَمُحَارَبَةَ أَعْدَائِهِ وَالْجِدَّ فِي إِظْهَارِهِ وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ هَذَا الْوَجْهَ الثَّانِيَ وَوَجْهًا آخَرَ أَنَّ ثُمَّ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا وَهَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْأُصُولِ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ على الجهاد فى وقت الزحف الملجىء والنفير العام فانه حينئذ يجب الجهاد علىالجميع وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَالْجِهَادُ أَوْلَى بِالتَّحْرِيضِ وَالتَّقْدِيمِ مِنَ الْحَجِّ لِمَا فِي الْجِهَادِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ مُتَضَيِّقٌ فِي هَذَا الْحَالِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سُئِلَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ فَقَالَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ففيه تصريح بأن العمل يطلق علىالايمان وَالْمُرَادُ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْإِيمَانُ الَّذِي يَدْخُلُ بِهِ فِي مِلَّةِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ بِقَلْبِهِ وَالنُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَالتَّصْدِيقُ عَمَلُ الْقَلْبِ وَالنُّطْقُ عَمَلُ اللسان ولا يدخل فى الايمان ها هنا الْأَعْمَالُ بِسَائِرِ الْجَوَارِحِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِهَا لِكَوْنِهِ جُعِلَ قِسْمًا لِلْجِهَادِ وَالْحَجِّ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)

(باب بيان كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده

إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَا يُقَالُ هَذَا فِي الْأَعْمَالِ وَلَا يَمْنَعُ هَذَا مِنْ تَسْمِيَةِ الْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ إِيمَانًا فَقَدْ قَدَّمْنَا دَلَائِلَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّقَابِ أَفْضَلُهَا أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا فَالْمُرَادُ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً وَاحِدَةً أَمَّا إِذَا كَانَ مَعَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَأَمْكَنَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا رَقَبَتَيْنِ مَفْضُولَتَيْنِ أَوْ رَقَبَةً نَفِيسَةً مُثَمَّنَةً فَالرَّقَبَتَانِ أَفْضَلُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ فَإِنَّ التَّضْحِيَةَ بِشَاةٍ سَمِينَةٍ أَفْضَلُ مِنَ التَّضْحِيَةِ بِشَاتَيْنِ دُونَهَا فِي السِّمَنِ قَالَ الْبَغَوِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التهذيب بعد أن ذكر هاتين المسئلتين كَمَا ذَكَرْتُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ اسْتِكْثَارُ الْقِيمَةِ مَعَ اسْتِقْلَالِ الْعَدَدِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ اسْتِكْثَارِ الْعَدَدِ مَعَ اسْتِقْلَالِ القيمة وفى العتق استكثار العدد مع استقلال القيمة احب إلى من استكثار القيمة مع استقلال العدد لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ اللَّحْمُ وَلَحْمُ السَّمِينِ أَوْفَرُ وَأَطْيَبُ وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْعِتْقِ تَكْمِيلُ حَالِ الشَّخْصِ وَتَخْلِيصُهُ مِنْ ذُلِّ الرِّقِّ فَتَخْلِيصُ جَمَاعَةٍ أَفْضَلُ مِنْ تَخْلِيصِ وَاحِدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اسْتِحْبَابُهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِكَوْنِهِ احْتِيَاطًا لَهَا وَمُبَادَرَةً إِلَى تَحْصِيلِهَا فِي وَقْتِهَا وَفِيهِ حُسْنُ الْمُرَاجَعَةِ فِي السُّؤَالِ وَفِيهِ صَبْرُ الْمُفْتِي وَالْمُعَلِّمِ عَلَى مَنْ يُفْتِيهِ أَوْ يُعَلِّمُهُ وَاحْتِمَالُ كَثْرَةِ مَسَائِلِهِ وَتَقْرِيرَاتِهِ وَفِيهِ رِفْقُ الْمُتَعَلِّمِ بِالْمُعَلِّمِ وَمُرَاعَاةُ مَصَالِحِهِ وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ فَمَا تَرَكْتُ أَسْتَزِيدُهُ إِلَّا إِرْعَاءً عَلَيْهِ وَفِيهِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ لَوْ لِقَوْلِهِ وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي وَفِيهِ جَوَازُ إِخْبَارِ الْإِنْسَانِ عَمَّا لَمْ يَقَعْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَا لَوَقَعَ لِقَوْلِهِ لَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ بَيَانِ كَوْنِ الشِّرْكِ أَقْبَحَ الذُّنُوبِ وَبَيَانِ أَعْظَمِهَا بَعْدَهُ [86] فِيهِ (عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ)

تَعَالَى قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قَالَ قُلْتُ إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ قَالَ ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَهُ وَزَادَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَصْدِيقَهَا وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلك يلق أثاما أَمَّا الْإِسْنَادَانِ فَفِيهِمَا لَطِيفَةٌ عَجِيبَةٌ غَرِيبَةٌ وَهِيَ أَنَّهُمَا إِسْنَادَانِ مُتَلَاصِقَانِ رُوَاتُهُمَا جَمِيعُهُمْ كُوفِيُّونَ وَجَرِيرٌ هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن الْمُعْتَمِرِ وَأَبُو وَائِلٍ هُوَ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ وَشُرَحْبِيلُ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِكَوْنِهِ اسْمًا عَجَمِيًّا عَلَمًا وَالنِّدُّ الْمِثْلُ رَوَى شَمِرٌ عَنِ الْأَخْفَشِ قَالَ النِّدُّ الضِّدُّ وَالشَّبَهُ وَفُلَانٌ نِدٌّ فُلَانٍ وَنَدِيدُهُ وَنَدِيدَتُهُ أَيْ مِثْلُهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَهُ وَزَادَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَصْدِيقَهَا وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أثاما) أَمَّا الْإِسْنَادَانِ فَفِيهِمَا لَطِيفَةٌ عَجِيبَةٌ غَرِيبَةٌ وَهِيَ أَنَّهُمَا إِسْنَادَانِ مُتَلَاصِقَانِ رُوَاتُهُمَا جَمِيعُهُمْ كُوفِيُّونَ وَجَرِيرٌ هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن الْمُعْتَمِرِ وَأَبُو وَائِلٍ هُوَ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ وَشُرَحْبِيلُ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِكَوْنِهِ اسْمًا عَجَمِيًّا عَلَمًا وَالنِّدُّ الْمِثْلُ رَوَى شَمِرٌ عَنِ الْأَخْفَشِ قَالَ النِّدُّ الضِّدُّ وَالشَّبَهُ وَفُلَانٌ نِدٌّ فُلَانٍ وَنَدِيدُهُ وَنَدِيدَتُهُ أَيْ مِثْلُهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ يَأْكُلَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق أى فقر وقوله تعالى يلق أثاما قِيلَ مَعْنَاهُ جَزَاءَ إِثْمِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَأَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ وَالْفَرَّاءِ وَالزَّجَّاجِ وَأَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ وَقِيلَ

(باب الكبائر وأكبرها [87] فيه (أبو بكرة رضي الله عنه قال

مَعْنَاهُ عُقُوبَةً قَالَهُ يُونُسُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَقِيلَ معناه جزاء قاله بن عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ أَوْ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ هُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ عَافَانَا اللَّهُ الْكَرِيمُ وَأَحْبَابَنَا مِنْهَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ هِيَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ زَوْجَتُهُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا تَحِلُّ لَهُ وَقِيلَ لِكَوْنِهَا تَحِلُّ مَعَهُ وَمَعْنَى تُزَانِي أى تزنى بها برضاها وذلك يتضمن الزنى وَإِفْسَادَهَا عَلَى زَوْجِهَا وَاسْتِمَالَةَ قَلْبِهَا إِلَى الزَّانِي وَذَلِكَ أَفْحَشُ وَهُوَ مَعَ امْرَأَةِ الْجَارِ أَشَدُّ قُبْحًا وَأَعْظَمُ جُرْمًا لِأَنَّ الْجَارَ يَتَوَقَّعُ مِنْ جَارِهِ الذَّبَّ عَنْهُ وَعَنْ حَرِيمِهِ وَيَأْمَنُ بَوَائِقَهُ وَيَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ وَقَدْ أُمِرَ بِإِكْرَامِهِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ فاذا قابل هذا كله بالزنى بِامْرَأَتِهِ وَإِفْسَادِهَا عَلَيْهِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَكَّنُ غَيْرُهُ مِنْهُ كَانَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْقُبْحِ وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ مَعْنَاهُ أَيْ لَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي هِيَ مَعْصُومَةٌ فِي الْأَصْلِ إِلَّا مُحِقِّينَ فِي قَتْلِهَا أَمَّا أَحْكَامُ هَذَا الْحَدِيثِ فَفِيهِ أَنَّ أَكْبَرَ الْمَعَاصِي الشِّرْكُ وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ فِيهِ وَأَنَّ الْقَتْلَ بِغَيْرِ حَقٍّ يَلِيهِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ الْقَتْلُ وَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَأَمَّا مَا سواهما من الزنى وَاللِّوَاطِ وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ وَالسِّحْرِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ وَالْفِرَارِ يَوْمَ الزَّحْفِ وَأَكْلِ الرِّبَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْكَبَائِرِ فَلَهَا تَفَاصِيلُ وَأَحْكَامٌ تُعْرَفُ بِهَا مَرَاتِبُهَا ويختلف أمرها باختلاف الاحوال والمفاسد المرتبة عليها وعلى هذا يقال فى كل واحدة وَاحِدَةٍ مِنْهَا هِيَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَإِنْ جَاءَ فِي مَوْضِعٍ أَنَّهَا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ الْكَبَائِرِ وَأَكْبَرِهَا [87] فِيهِ (أَبُو بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ)

الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَوْ قَوْلُ الزُّورِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ) قَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ [88] (وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ وَهُوَ بن الْحَارِثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَبَائِرِ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَقَوْلُ الزُّورِ) قَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ (وحدثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ حَدَّثَنَا محمد بن جعفر حدثنا شعبة حدثنى عبيد اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَبَائِرَ أَوْ سُئِلَ عَنِ الْكَبَائِرِ فَقَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَالَ أَلَا أُنَبِّئكُمْ بأكبر الكبائر قال قول الزُّورُ أَوْ قَالَ شَهَادَةُ الزُّورِ قَالَ شُعْبَةُ وَأَكْبَرُ ظَنِّيَ أَنَّهُ شَهَادَةُ الزُّورِ [89] وعَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي

هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قَالَ نَعَمْ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ) أما أبو بكرة فاسمه نفيع بن الحرث وَقَدْ تَقَدَّمَ وَأَمَّا الْإِسْنَادَانِ الَّلذِانِ ذَكَرَهُمَا فَهُمْا بصريون كلهم من أولهما إلى آخرهما إِلَّا أَنَّ شُعْبَةَ وَاسِطِيٌّ بَصْرِيٌّ فَلَا يَقْدَحُ هذا فى كونهما بَصْرِيِّينَ وَهَذَا مِنَ الطُّرَفِ الْمُسْتَحْسَنَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا نَظِيرُهُمْا فِي الكوفيين وقوله حدثنا خالد وهو بن الحرث قد قدمنا بيان فائدة قوله وهو بن الحرث ولم يقل خالد بن الحرث وَهُوَ أَنَّهُ إِنَّمَا سَمِعَ فِي الرِّوَايَةِ خَالِدَ وَلِخَالِدٍ مُشَارِكُونَ فَأَرَادَ تَمْيِيزَهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أن يقول حدثنا خالد

بن الحرث لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَاذِبًا عَلَى الْمَرْوِيِّ عَنْهُ فَإِنَّهُ لم يقل الا خالد فعدل إلى لفظه وهو بن الحرث لتحصل الفائدة بالتميز والسلامة من الكذب وقوله عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ هُوَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَعُبَيْدُ اللَّهِ يَرْوِي عَنْ جَدِّهِ وَقَوْلُهُ وَأَكْبَرُ ظَنِّي هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَأَبُو الْغَيْثِ اسْمُهُ سَالِمٌ وَقَوْلُهُ فى أول الباب عن سعيد الجريرى هو بضم الجيم المنسوب إِلَى جُرَيْرٍ مُصَغَّرٌ وَهُوَ جُرَيْرُ بْنُ عُبَادٍ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ بَطْنٌ مِنْ بَكْرِ بن أوئل وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَصْرِيُّ وَأَمَّا الْمُوبِقَاتُ فَهِيَ الْمُهْلِكَاتُ يُقَالُ وَبَقَ الرَّجُلُ بفتح الباء يبق بكسرها ووبق بِضَمِّ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْبَاءِ يُوبِقُ إِذَا هَلَكَ وأوبق غَيْرَهُ أَيْ أَهْلَكَهُ وأَمَّا الزُّورُ فَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ الْمُفَسِّرُ وَأَبُو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ أَصْلُهُ تَحْسِينُ الشَّيْءِ وَوَصْفُهُ بِخِلَافِ صِفَتِهِ حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَى مَنْ سَمِعَهُ أَوْ رَآهُ أَنَّهُ بِخِلَافِ مَا هُوَ بِهِ فَهُوَ تَمْوِيهُ الْبَاطِلِ بِمَا يُوهِمُ أَنَّهُ حَقٌّ وَأَمَّا الْمُحْصَنَاتُ الْغَافِلَاتُ فَبِكَسْرِ الصَّادِ وَفَتْحِهَا قرءتان فِي السَّبْعِ قَرَأَ الْكِسَائِيُّ بِالْكَسْرِ وَالْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ هُنَا الْعَفَائِفُ وَبِالْغَافِلَاتِ الْغَافِلَاتُ عَنِ الْفَوَاحِشِ وَمَا قُذِفْنَ بِهِ وَقَدْ وَرَدَ الْإِحْصَانُ فِي الشَّرْعِ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ الْعِفَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَالنِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْحُرِّيَّةِ وَقَدْ بَيَّنْتُ مَوَاطِنَهُ وَشَرَائِطَهُ وَشَوَاهِدَهُ فِي كِتَابِ تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَعَانِي الْأَحَادِيثِ وَفِقْهُهَا فَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا كَيْفِيَّةَ تَرْتِيبِ الكبائر قال الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَلَا انْحِصَارَ لِلْكَبَائِرِ فِي عدد مذكور وقد جاء عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْكَبَائِرِ أَسَبْعٌ هِيَ فَقَالَ هِيَ إِلَى سَبْعِينَ وَيُرْوَى إِلَى سَبْعمِائَةٍ أَقْرَبُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَبَائِرُ سَبْعٌ فَالْمُرَادُ بِهِ مِنَ الْكَبَائِرِ سَبْعٌ فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ وَإِنْ كَانَتْ لِلْعُمُومِ فَهِيَ مَخْصُوصَةٌ بِلَا شَكٍّ وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذِهِ السَّبْعِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ثَلَاثٌ وَفِي الْأُخْرَى أَرْبَعٌ لِكَوْنِهَا مِنْ أَفْحَشِ الْكَبَائِرِ مَعَ كَثْرَةِ وُقُوعِهَا لَا سِيَّمَا فِيمَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي بَعْضِهَا مَا ذَكَرَ فِي الْأُخْرَى وَهَذَا مُصَرَّحٌ بِمَا ذَكَرَتُهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الْبَعْضُ وَقَدْ جَاءَ بَعْدَ هَذَا مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدِيهِ وَجَاءَ فِي النَّمِيمَةِ وَعَدَمِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنَ الْبَوْلِ أَنَّهُمَا مِنَ الْكَبَائِرِ وَجَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ مِنَ الْكَبَائِرِ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَاسْتِحْلَالُ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حَدِّ الكبيرة وتمييزها من الصغيرة فجاء عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كُلُّ شَيْءٍ نُهِيَ الله عَنْهُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَبِهَذَا قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إسحاق الاسفراينى الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ الْإِمَامُ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرُهُ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ

اللَّهُ هَذَا الْمَذْهَبَ عَنِ الْمُحَقِّقِينَ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِهَذَا بِأَنَّ كُلَّ مُخَالَفَةٍ فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى كَبِيرَةٌ وَذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ إِلَى انْقِسَامِ الْمَعَاصِي إِلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ أَيْضًا عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَدْ تَظَاهَرَ عَلَى ذَلِكَ دَلَائِلُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاسْتِعْمَالُ سَلَفِ الْأَمَّةِ وَخَلَفِهَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْبَسِيطُ فِي الْمَذْهَبِ إِنْكَارُ الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ لَا يَلِيقُ بِالْفِقْهِ وَقَدْ فُهِمَا مِنْ مَدَارِكِ الشَّرْعِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أبو حامد قد قَالَهُ غَيْرُهُ بِمَعْنَاهُ وَلَا شَكَّ فِي كَوْنِ المخالفة فبيحة جِدًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنَّ بعضها أعظم من بعض وتنقسم باعتبار ذلك إلى مَا تُكَفِّرُهُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ أَوْ صَوْمُ رَمَضَانَ أَوِ الْحَجُّ أَوِ الْعُمْرَةُ أَوِ الْوُضُوءُ أَوْ صَوْمُ عَرَفَةَ أَوْ صَوْمُ عَاشُورَاءَ أَوْ فِعْلُ الْحَسَنَةِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَإِلَى مَا لَا يُكَفِّرهُ ذَلِكَ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مَا لَمْ يَغْشَ كَبِيرَةً فَسَمَّى الشَّرْعُ مَا تُكَفِّرُهُ الصَّلَاةُ وَنَحْوُهَا صَغَائِرَ وَمَا لَا تُكَفِّرُهُ كَبَائِرَ وَلَا شَكَّ فِي حُسْنِ هَذَا وَلَا يُخْرِجُهَا هَذَا عَنْ كَوْنِهَا قَبِيحَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهَا صَغِيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا فَوْقَهَا لِكَوْنِهَا أَقَلَّ قُبْحًا وَلِكَوْنِهَا مُتَيَسِّرَةَ التَّكْفِيرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا ثَبَتَ انْقِسَامُ الْمَعَاصِي إِلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا مُنْتَشِرًا جدا فروى عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ الْكَبَائِرُ كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنَارٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ لَعْنَةٍ أَوْ عَذَابٍ وَنَحْوِ هَذَا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ مَا أوعد الله عليه بنار أوحد فِي الدُّنْيَا وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالضَّابِطُ الشَّامِلُ الْمَعْنَوِيُّ فِي ضَبْطِ الْكَبِيرَةِ أَنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ يُقْدِمُ الْمَرْءُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِشْعَارِ خَوْفٍ وَحَذَارِ نَدَمٍ كَالْمُتَهَاوِنِ بِارْتِكَابِهَا والمتجرىء عَلَيْهِ اعْتِيَادًا فَمَا أَشْعَرَ بِهَذَا الِاسْتِخْفَافِ وَالتَّهَاوُنِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَمَا يُحْمَلُ عَلَى فَلَتَاتِ النَّفْسِ أَوِ اللِّسَانِ وَفَتْرَةِ مُرَاقَبَةِ التَّقْوَى وَلَا يَنْفَكُّ عَنْ تَنَدُّمٍ يَمْتَزِجُ بِهِ تَنْغِيصُ التَّلَذُّذِ بِالْمَعْصِيَةِ فَهَذَا لَا يَمْنَعُ الْعَدَالَةَ وَلَيْسَ هُوَ بِكَبِيرَةٍ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فَتَاوِيهِ الْكَبِيرَةِ كُلُّ ذَنْبٍ كَبُرَ وَعَظُمُ عِظَمًا يَصِحُّ مَعَهُ أَنْ يُطْلَقَ عليه اسم الكبيرة وَوُصِفَ بِكَوْنِهِ عَظِيمًا عَلَى الْإِطْلَاقِ قَالَ فَهَذَا حَدُّ الْكَبِيرَةِ ثُمَّ لَهَا أَمَارَاتٌ مِنْهَا إِيجَابُ الحد ومنها الابعاد عَلَيْهَا بِالْعَذَابِ بِالنَّارِ وَنَحْوِهَا فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ وَمِنْهَا وَصْفُ فَاعِلِهَا بِالْفِسْقِ نَصًّا وَمِنْهَا اللَّعْنُ كَلَعْنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْقَوَاعِدُ إِذَا أَرَدْتَ

مَعْرِفَةَ الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ فَاعْرِضْ مَفْسَدَةَ الذَّنْبِ عَلَى مَفَاسِدِ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ أَقَلِّ مَفَاسِدِ الْكَبَائِرِ فَهِيَ مِنَ الصَّغَائِرِ وَإِنْ سَاوَتْ أَدْنَى مَفَاسِدِ الْكَبَائِرِ أَوْ رَبَتْ عَلَيْهِ فَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ فَمَنْ شَتَمَ الرَّبَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ اسْتَهَانَ بِالرُّسُلِ أَوْ كَذَّبَ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَوْ ضَمَّخَ الْكَعْبَةَ بِالْعَذِرَةِ أَوْ أَلْقَى الْمُصْحَفَ فِي الْقَاذُورَاتِ فَهِيَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَلَمْ يُصَرِّحِ الشَّرْعُ بِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ أَمْسَكَ امْرَأَةً مُحْصَنَةً لِمَنْ يَزْنِي بِهَا أَوْ أَمْسَكَ مُسْلِمًا لِمَنْ يَقْتُلَهُ فَلَا شَكَّ أن مفسدة ذلك أعظم من مَفْسَدَةِ أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ مَعَ كَوْنِهِ مِنَ الْكَبَائِرِ وَكَذَلِكَ لَوْ دَلَّ الْكُفَّارَ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ يُسْتَأْصَلُونَ بِدَلَالَتِهِ وَيَسْبُونَ حَرَمَهُمْ وَأَطْفَالَهُمْ وَيَغْنَمُونَ أَمْوَالَهُمْ فَإِنَّ نِسْبَتَهُ إِلَى هَذِهِ الْمَفَاسِدِ أَعْظَمُ مِنْ تَوَلِّيهِ يَوْمَ الزَّحْفِ بِغَيْرِ عُذْرٍ مَعَ كَوْنِهِ مِنَ الْكَبَائِرِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَذَبَ عَلَى إِنْسَانٍ كَذِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِسَبَبِهِ أَمَّا إِذَا كَذَبَ عَلَيْهِ كَذِبًا يُؤْخَذُ مِنْهُ بِسَبَبِهِ تَمْرَةً فَلَيْسَ كَذِبُهُ مِنَ الْكَبَائِرِ قَالَ وَقَدْ نَصَّ الشَّرْعُ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ مِنَ الْكَبَائِرِ فَإِنْ وَقَعَا فِي مَالٍ خَطِيرٍ فَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنْ وَقَعَا فِي مَالٍ حَقِيرٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَا مِنَ الْكَبَائِرِ فِطَامًا عَنْ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ كَمَا جُعِلَ شُرْبُ قَطْرَةٍ مِنْ خَمْرٍ مِنَ الكبائر وان لم يتحقق الْمَفْسَدَةُ وَيَجُوزُ أَنْ يُضْبَطَ ذَلِكَ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ قَالَ وَالْحُكْمُ بِغَيْرِ الْحَقِّ كَبِيرَةٌ فَإِنَّ شَاهِدَ الزُّورِ مُتَسَبِّبٌ وَالْحَاكِمُ مُبَاشِرٌ فَإِذَا جُعِلَ السَّبَبُ كَبِيرَةٌ فَالْمُبَاشَرَةُ أَوْلَى قَالَ وَقَدْ ضَبَطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْكَبَائِرَ بِأَنَّهَا كُلُّ ذَنْبٍ قُرِنَ بِهِ وَعِيدٌ أَوْ حَدٌّ أَوْ لَعْنٌ فَعَلَى هَذَا كُلُّ ذَنْبٍ عُلِمَ أَنَّ مَفْسَدَتَهُ كَمَفْسَدَةِ مَا قُرِنَ بِهِ الْوَعِيدُ أَوِ الْحَدُّ أَوِ اللَّعْنُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مَفْسَدَتِهِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ ثُمَّ قَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ تُضْبَطَ الْكَبِيرَةُ بِمَا يُشْعِرُ بِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهَا فِي دِينِهِ إِشْعَارَ أَصْغَرِ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْوَاحِدِيُّ الْمُفَسِّرُ وَغَيْرُهُ الصَّحِيحُ أَنَّ حَدَّ الْكَبِيرَةِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ بَلْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِوَصْفِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْمَعَاصِي بأنها كبائر وأنواعها بِأَنَّهَا صَغَائِرَ وَأَنْوَاعٌ لَمْ تُوصَفْ وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ على صغائر وكبائر والحكمة فى عدم بيانه أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مُمْتَنِعًا مِنْ جَمِيعِهَا مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْكَبَائِرِ قَالُوا وَهَذَا شَبِيهٌ بِإِخْفَاءِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَسَاعَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَسَاعَةِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ مِنَ اللَّيْلِ وَاسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا أُخْفِيَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَالْإِصْرَارُ عَلَى الصَّغِيرَةِ يَجْعَلُهَا كبيرة وروى عن عمر وبن عباس

وَغَيْرِهِمَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إِصْرَارٍ مَعْنَاهُ أَنَّ الْكَبِيرَةَ تُمْحَى بِالِاسْتِغْفَارِ وَالصَّغِيرَةَ تَصِيرُ كَبِيرَةً بِالْإِصْرَارِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي حَدِّ الْإِصْرَارِ هُوَ أَنْ تَتَكَرَّرَ مِنْهُ الصَّغِيرَةُ تَكْرَارًا يُشْعِرُ بِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِدِينِهِ إِشْعَارَ ارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ بِذَلِكَ قَالَ وَكَذَلِكَ إِذَا اجْتَمَعَتْ صَغَائِرُ مُخْتَلِفَةُ الْأَنْوَاعِ بِحَيْثُ يُشْعِرُ مَجْمُوعُهَا بِمَا يُشْعِرُ بِهِ أَصْغَرُ الْكَبَائِرِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُصِرُّ مَنْ تَلَبَّسَ مِنْ أَضْدَادِ التَّوْبَةِ بِاسْمِ الْعَزْمِ عَلَى الْمُعَاوَدَةِ أَوْ بِاسْتِدَامَةِ الْفِعْلِ بِحَيْثُ يَدْخُلُ بِهِ ذَنْبُهُ فِي حَيِّزِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْوَصْفُ بِصَيْرُورَتِهِ كَبِيرًا عَظِيمًا وَلَيْسَ لِزَمَانِ ذَلِكَ وَعَدَدِهِ حَصْرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِضَبْطِ الْكَبِيرَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ قَالَ أَلَا أُنَبِّئكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا فَمَعْنَاهُ قَالَ هَذَا الْكَلَامُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَمَّا عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْعَقِّ وَهُوَ الْقَطْعُ وَذَكَرَ الْأَزْهَرِيُّ أَنَّهُ يُقَالُ عَقَّ وَالِدَهُ يَعُقُّهُ بِضَمِّ الْعَيْنِ عَقًّا وَعُقُوقًا إِذَا قَطَعَهُ وَلَمْ يَصِلُ رَحِمَهُ وَجَمْعُ العاق عققة بفتح الحروف كلها وعقق بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالْقَافِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ رَجُلٌ عُقُقٌ وَعَقَقٌ وَعَقٌّ وَعَاقٌّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الَّذِي شَقَّ عَصَا الطَّاعَةِ لِوَالِدِهِ هَذَا قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَمَّا حَقِيقَةُ الْعُقُوقِ الْمُحَرَّمِ شَرْعًا فَقَلَّ مَنْ ضَبَطَهُ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ أَقِفْ فِي عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ وَفِيمَا يَخْتَصَّانِ بِهِ مِنَ الْحُقُوقِ عَلَى ضَابِطٍ أَعْتَمِدهُ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ طَاعَتهُمَا فِي كُلِّ مَا يَأْمُرَانِ بِهِ وَيَنْهَيَانِ عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ حَرُمَ على الولد الجهاد بغير اذنهما لما يشق عَلَيْهِمَا مِنْ تَوَقُّعِ قَتْلِهِ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ وَلِشِدَّةِ تَفَجُّعِهِمَا عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ أُلْحِقَ بِذَلِكَ كُلُّ سَفَرٍ يَخَافَانِ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ هَذَا كَلَامُ الشيخ أبى محمد وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فَتَاوِيهِ الْعُقُوقُ الْمُحَرَّمُ كُلُّ فِعْلٍ يَتَأَذَّى بِهِ الْوَالِدُ أَوْ نَحْوُهُ تَأَذِّيًا لَيْسَ بِالْهَيِّنِ مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ مِنَ الْأَفْعَالِ الْوَاجِبَةِ قَالَ وَرُبَّمَا قِيلَ طَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ مَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَمُخَالَفَةُ أَمْرِهِمَا فِي ذَلِكَ عُقُوقٌ وَقَدْ أَوْجَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ طَاعَتُهُمَا فِي الشُّبُهَاتِ قَالَ وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْ عُلَمَائِنَا يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَفِي التِّجَارَةِ بِغَيْرِ إِذْنِهِمَا مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرْتُهُ فَإِنَّ هَذَا كَلَامٌ مُطْلَقٌ وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ بَيَانٌ لِتَقْيِيدِ ذَلِكَ الْمُطْلَقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قَوْلُ الزُّورِ أَوْ شَهَادَةُ الزُّورِ فَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ الْمُتَبَادَرِ إِلَى الْأَفْهَامِ مِنْهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشِّرْكَ أَكْبَرُ مِنْهُ بِلَا شَكٍّ وَكَذَا الْقَتْلُ فَلَا بُدَّ مِنْ

تَأْوِيلِهِ وَفِي تَأْوِيلِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْكُفْرِ فَإِنَّ الْكَافِرَ شَاهِدٌ بِالزُّورِ وعامل به والثانى أنه محمول على المستحيل فَيَصِيرُ بِذَلِكَ كَافِرًا وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي نَظَائِرِهِ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الظَّاهِرُ أَوِ الصَّوَابُ فَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى الْكُفْرِ فَضَعِيفٌ لِأَنَّ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الزَّجْرِ عَنْ شَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْحُقُوقِ وَأَمَّا قُبْحُ الْكُفْرِ وَكَوْنُهُ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ فَكَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ وَلَا يَتَشَكَّكُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فِي ذَلِكَ فَحَمْلُهُ عَلَيْهِ يُخْرِجُهُ عَنِ الْفَائِدَةِ ثُمَّ الظَّاهِرُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ عُمُومُ الْحَدِيثِ وَإِطْلَاقُهُ وَالْقَوَاعِدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي كَوْنِ شَهَادَةِ الزُّورِ بِالْحُقُوقِ كَبِيرَةً بَيْنَ أَنْ تَكُونَ بِحَقٍّ عَظِيمٍ أَوْ حَقِيرٍ وَقَدْ يُحْتَمَلُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يُقَالَ فِيهِ الِاحْتِمَالُ الَّذِي قَدَّمْتُهُ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي أَكْلِ تَمْرَةٍ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا عَدُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّوَلِّيَ يَوْمَ الزَّحْفِ مِنَ الْكَبَائِرِ فَدَلِيلٌ صَرِيحٌ لِمَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً فِي كَوْنِهِ كَبِيرَةً إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ هُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ قَالَ وَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي أَهْلِ بَدْرٍ خَاصَّةً وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْجَمَاهِيرُ أَنَّهُ بَاقٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ فَجُلُوسُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِاهْتِمَامِهِ بِهَذَا الْأَمْرِ وَهُوَ يُفِيدُ تَأْكِيدَ تَحْرِيمِهِ وَعِظَمَ قُبْحِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَيْتَهُ سَكَتَ فَإِنَّمَا قَالُوهُ وَتَمَنَّوْهُ شَفَقَةً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَرَاهَةً لِمَا يُزْعِجُهُ وَيُغْضِبُهُ وَأَمَّا عَدُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّحْرَ مِنَ الْكَبَائِرِ فَهُوَ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِنَا الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَمَذْهَبِ الْجَمَاهِيرِ أَنَّ السِّحْرَ حَرَامٌ مِنَ الْكَبَائِرِ فِعْلُهُ وَتَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِنَّ تَعَلُّمَهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ بَلْ يَجُوزُ لِيُعْرَفَ وَيُرَدَّ عَلَى صَاحِبِهِ وَيُمَيَّزَ عَنِ الْكَرَامَةِ لِلْأَوْلِيَاءِ وَهَذَا الْقَائِلُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْمِلَ الْحَدِيثَ عَلَى فِعْلِ السِّحْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ إِلَى آخِرِهِ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ تَسَبَّبَ فِي شَيْءٍ جَازَ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَإِنَّمَا جَعَلَ هَذَا عُقُوقًا لِكَوْنِهِ يَحْصُلُ مِنْهُ مَا يَتَأَذَّى بِهِ الْوَالِدُ تَأَذِّيًا لَيْسَ بِالْهَيِّنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِّ الْعُقُوقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ قَطْعُ الذَّرَائِعِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَتَّخِذُ الْخَمْرَ وَالسِّلَاحَ مِمَّنْ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب تحريم الكبر وبيانه [91] فيه أبان بن تغلب عن فضيل

(باب تَحْرِيمِ الْكِبْرِ وَبَيَانِهِ [91] فِيهِ أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ عَنْ فُضَيْلٍ الْفُقَيْمِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ قَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ (حَدَّثَنَا مِنْجَابٌ وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرِيَاءَ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَبَانًا يَجُوزُ صَرْفُهُ وَتَرْكُ صَرْفِهِ وَأَنَّ الصَّرْفَ أفصح وتغلب بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَأَمَّا الْفُقَيْمِيُّ فَبِضَمِّ الفاء وفتح القاف ومنجاب بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَبِالْجِيمِ وَآخِرُهُ بَاءٌ موحدة ومسهر بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ الثانى لطيفتان)

مِنْ لَطَائِفِ الْإِسْنَادِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ فِيهِ ثَلَاثَةً تَابِعِيِّينَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمُ الْأَعْمَشُ وَإِبْرَاهِيمُ وَعَلْقَمَةُ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ إِسْنَادٌ كُوفِيٌّ كُلُّهُ فَمِنْجَابٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَمَنْ بَيْنَهُمَا كوفيون الاسويد بْنُ سَعِيدٍ رَفِيقُ مِنْجَابٍ فَيُغْنِي عَنْهُ مِنْجَابٌ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَمْطُ النَّاسِ هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَبِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ نَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ جَمِيعِ شُيُوخِنَا هنا وفى البخارى الا بطاء قال وبالطاء ذكره أَبُو دَاوُدَ فِي مُصَنَّفِهِ وَذَكَرَهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ غَمْصُ بِالصَّادِ وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَمَعْنَاهُ احْتِقَارُهُمْ يُقَالُ فِي الْفِعْلِ مِنْهُ غَمَطَهُ بفتح الميم يغمطه بكسرها وغمطه بكسر الميم يغمطه بفتحها أما بَطْرُ الْحَقِّ فَهُوَ دَفْعُهُ وَإِنْكَارُهُ تَرَفُّعًا وَتَجَبُّرًا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كِبْرِيَاءَ هِيَ غَيْرُ مَصْرُوفَةٍ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ إِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ أَمْرِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَسَنٌ جَمِيلٌ وَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَصِفَاتُ الْجَمَالِ وَالْكَمَالِ وَقِيلَ جَمِيلٌ بِمَعْنَى مُجَمِّلٌ كَكَرِيمٍ وَسَمِيعٍ بِمَعْنَى مُكَرِّمٌ وَمُسَمِّعٍ وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَاهُ جَلِيلٌ وَحَكَى الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ بمعنى ذى النور والبهجة أى مالكهما وقيل معناه جَمِيلُ الْأَفْعَالِ بِكُمْ بِاللُّطْفِ وَالنَّظَرِ إِلَيْكُمْ يُكَلِّفُكُمُ الْيَسِيرَ مِنَ الْعَمَلِ وَيُعِينُ عَلَيْهِ وَيُثِيبُ عَلَيْهِ الْجَزِيلَ وَيَشْكُرُ عَلَيْهِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ وَرَدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَلَكِنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ وَوَرَدَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ إِطْلَاقِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمِنِ الْعُلَمَاءِ مَنْ مَنَعَهُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْمَعَالِي إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِطْلَاقِهِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ أَطْلَقْنَاهُ وَمَا مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْ إِطْلَاقِهِ مَنَعْنَاهُ وَمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ إِذْنٌ وَلَا مَنْعٌ لَمْ نَقْضِ فِيهِ بِتَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمٍ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ تُتَلَقَّى مِنْ مَوَارِدِ الشَّرْعِ وَلَوْ قَضَيْنَا بِتَحْلِيلٍ أَوْ تَحْرِيمٍ لَكُنَّا مُثْبِتِينَ حُكْمًا بِغَيْرِ الشَّرْعِ قَالَ ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ الْإِطْلَاقِ وُرُودِ ما يقطع به الشرع ولكن ما يقتضى للعمل وَإِنْ لَمْ يُوجِبِ الْعِلْمَ فَإِنَّهُ

كَافٍ إِلَّا أَنَّ الْأَقْيِسَةَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَمَلِ وَلَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِهِنَّ فِي تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَصْفِهِ هَذَا كَلَامُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ ومحله من الاتقان والتحقق بِالْعِلْمِ مُطْلَقًا وَبِهَذَا الْفَنِّ خُصُوصًا مَعْرُوفٌ بِالْغَايَةِ الْعُلْيَا وَأَمَّا قَوْلُهُ لَمْ نَقْضِ فِيهِ بِتَحْلِيلٍ ولا تحريم لانه ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالشَّرْعِ فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ فِي حُكْمِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابنَا أَنَّهُ لَا حُكْمَ فِيهَا لَا بِتَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمٍ وَلَا إِبَاحَةٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالشَّرْعِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِنَّهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى التَّحْرِيمِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْوَقْفِ لَا يُعْلَمُ مَا يُقَالُ فِيهَا وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ السُّنَّةِ فِي تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَصْفِهِ مِنْ أَوْصَافِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ وَالْمَدْحِ بِمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ وَلَا مَنَعَهُ فَأَجَازَهُ طَائِفَةٌ وَمَنَعَهُ آخَرُونَ إِلَّا أَنْ يَرِدَ بِهِ شَرْعٌ مَقْطُوعٌ بِهِ مِنْ نَصِّ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ عَلَى إِطْلَاقِهِ فَإِنْ وَرَدَ خَبَرٌ وَاحِدٌ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَأَجَازَهُ طَائِفَةٌ وَقَالُوا الدُّعَاءُ بِهِ وَالثَّنَاءُ مِنْ بَابِ الْعَمَلِ وَذَلِكَ جَائِزٌ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَمَنَعَهُ آخَرُونَ لِكَوْنِهِ رَاجِعًا إِلَى اعْتِقَادِ مَا يَجُوزُ أَوْ يَسْتَحِيلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَطَرِيقِ هَذَا الْقَطْعِ قَالَ الْقَاضِي وَالصَّوَابُ جَوَازُهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْعَمَلِ ولقوله اللَّهِ تَعَالَى وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لايدخل الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهِ فَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ التَّكَبُّرُ عَنِ الْإِيمَانِ فَصَاحِبُهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَصْلًا إِذَا مَاتَ عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي قَلْبِهِ كِبْرٌ حَالَ دُخُولِهِ الْجَنَّةَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غل وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ فِيهِمَا بُعْدٌ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ عَنِ الْكِبْرِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ عَلَى النَّاسِ وَاحْتِقَارُهُمْ وَدَفْعُ الْحَقِّ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ الْمُخْرِجَيْنِ لَهُ عَنِ الْمَطْلُوبِ بَلِ الظَّاهِرُ مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ دُونَ مُجَازَاةٍ إِنْ جَازَاهُ وَقِيلَ هَذَا جَزَاؤُهُ لَوْ جَازَاهُ وَقَدْ يَتَكَرَّمُ بِأَنَّهُ لَا يُجَازِيهِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ كُلُّ الْمُوَحِّدِينَ الْجَنَّةَ إِمَّا أَوَّلًا وَإِمَّا ثَانِيًا بَعْدَ تَعْذِيبِ بَعْضِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ الَّذِينَ ماتوا مصرين عليها وقيل لا يدخلها مَعَ الْمُتَّقِينَ أَوَّلَ وَهْلَةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَالْمُرَادُ بِهِ دُخُولُ الْكُفَّارِ وَهُوَ دُخُولُ الْخُلُودِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْقَالُ حَبَّةٍ هُوَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَتَقَرَّرَ مِنْ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنَقْصِهِ

(باب الدليل على أن من مات لا يشرك بالله شيئا دخل

وَأَمَّا قَوْلُهُ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا فَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ مَالِكُ بْنُ مُرَارَةَ الرَّهَاوِيُّ قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَأَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَدْ جَمَعَ أَبُو الْقَاسِمِ خَلَفُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ بَشْكُوَالَ الْحَافِظُ فِي اسْمِهِ أَقْوَالًا مِنْ جِهَاتٍ فَقَالَ هُوَ أَبُو ريحانة واسمه شمعون ذكره بن الْأَعْرَابِيِّ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ فِي الطَّبَقَاتِ اسْمُهُ رَبِيعَةُ بْنُ عَامِرٍ وَقِيلَ سَوَادُ بِالتَّخْفِيفِ بن عمر وذكره بن السكن وقيل معاذ بن جبل ذكره بن أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْخُمُولِ وَالتَّوَاضُعِ وَقِيلَ مَالِكُ بْنُ مُرَارَةَ الرَّهَاوِيُّ ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي ذَكَرَهُ مَعْمَرٌ فِي جَامِعِهِ وَقِيلَ خُرَيْمُ بْنُ فَاتِكٍ هَذَا مَا ذَكَرَهُ بن بشكوال وقولهم بن مُرَارَةَ الرَّهَاوِيُّ هُوَ مُرَارَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِرَاءٍ مكررة وآخره هَاءٌ وَالرَّهَاوِيُّ هُنَا نِسْبَةٌ إِلَى قَبِيلَةٍ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْمِصْرِيُّ بِفَتْحِ الراء ولم يذكره بن ما كولا وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ أَنَّ الرَّهَاوِيَّ نِسْبَةً إِلَى رُهَا بِضَمِّ الرَّاءِ حَيٌّ مِنْ مُذْحِجٍ وَأَمَّا شَمْعُونُ فَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُعْجَمَةِ وَالشِّينُ مُعْجَمَةٌ فيهما وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة (وان مَاتَ مُشْرِكًا دَخَلَ النَّارَ) [92] قَالَ مُسْلِمٌ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي وَوَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَكِيعٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال بن نُمَيْرٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ مَاتَ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ قُلْتُ أَنَا وَمَنْ)

مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة وَعَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُوجِبَتَانِ فَقَالَ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ) قَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَحَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ الْغَيْلَانِيُّ سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ حَدَّثَنَا قُرَّةُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ حَدَّثَنَا جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكْ بِهِ دَخَلَ النَّارَ قَالَ أَبُو أَيُّوبَ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عن جابر وعن الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَبَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لَا يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ

قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زنى وان سرق وعن بن بُرَيْدَةَ أَنْ يَحْيَى بْنَ يَعْمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا الْأَسْوَدِ الدِّيلِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ حَدَّثَهُ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ عَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَإِذَا هُوَ نَائِمٌ ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ فَخَرَجَ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ يَقُولُ وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ) أَمَّا الْإِسْنَادُ الْأَوَّلُ فَكُلُّهُ كُوفِيُّونَ مُحَمَّدُ بْنُ نُمَيْرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَمَنْ بَيْنَهُمَا وَقَوْلُهُ قَالَ وَكِيعٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال بن نُمَيْرٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا وَمَا أَشْبَهَ مِنَ الدَّقَائِقِ الَّتِي يُنَبِّهُ عَلَيْهَا مُسْلِمٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَلَائِلُ قَاطِعَةٌ عَلَى شِدَّةِ تَحَرِّيهِ وَإِتْقَانِهِ وَضَبْطِهِ وَعِرْفَانِهِ وَغَزَارَةِ عِلْمِهِ وَحِذْقِهِ وَبَرَاعَتِهِ فِي الْغَوْصِ عَلَى الْمَعَانِي وَدَقَائِقِ عِلْمِ الْإِسْنَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَرَضِيَ الله عنه والدقيقة فى هذا أن بن نمير قال رواية عن بن مَسْعُودٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا مُتَّصِلٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَقَالَ وَكِيعٌ رِوَايَةً عَنْهُ قَالَ

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الِاتِّصَالِ أَمْ عَلَى الِانْقِطَاعِ فَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ عَلَى الِاتِّصَالِ كَسَمِعْتُ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَى الِاتِّصَالِ إِلَّا بِدَلِيلٍ عَلَيْهِ فَإِذَا قِيلَ بِهَذَا الْمَذْهَبِ كَانَ مُرْسَلَ صَحَابِيٍّ وَفِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ خِلَافٌ فَالْجَمَاهِيرُ قَالُوا يُحْتَجُّ بِهِ وان لم يحتج بمرسل غيرهم وذهب الأستاذ أبو إسحاق الاسفراينى الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ به فعلى هذا يكون الْحَدِيثُ قَدْ رُوِيَ مُتَّصِلًا وَمُرْسَلًا وَفِي الِاحْتِجَاجِ بِمَا رُوِيَ مُرْسَلًا وَمُتَّصِلًا خِلَافٌ مَعْرُوفٌ قِيلَ الْحُكْمُ لِلْمُرْسَلِ وَقِيلَ لِلْأَحْفَظِ رِوَايَةً وَقِيلَ لِلْأَكْثَرِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تُقَدَّمَ رِوَايَةُ الْوَصْلِ فَاحْتَاطَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَكَرَ اللَّفْظَيْنِ لِهَذِهِ الْفَائِدَةِ وَلِئَلَّا يكون روايا بِالْمَعْنَى فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ بِاللَّفْظِ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَبُو سُفْيَانَ الرَّاوِي عن جابر فاسمه طلحة بن نافع وأبو الزُّبَيْرِ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ قَالَ أَبُو أَيُّوبَ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فَمُرَادُهُ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ وَحَجَّاجًا اخْتَلَفَا فِي عِبَارَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ عَنْ جَابِرٍ وَقَالَ حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا جَابِرٌ فَأَمَّا حَدَّثَنَا فَصَرِيحَةٌ فِي الِاتِّصَالِ وَأَمَّا عَنْ فَمُخْتَلَفٌ فِيهَا فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا لِلِاتِّصَالِ كَحَدَّثَنَا وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ هِيَ لِلِانْقِطَاعِ وَيَجِيءُ فِيهَا مَا قَدَّمْنَاهُ إِلَّا أَنَّ هَذَا عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ يكون مرسل تابعى وأما قرة فهو بن خَالِدٍ وَأَمَّا الْمَعْرُورُ فَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِرَاءٍ مُهْمَلَةٍ مُكَرَّرَةٍ وَمِنْ طُرَفِ أَحْوَالِهِ أَنَّ الْأَعْمَشَ قَالَ رَأَيْتُ الْمَعْرُورَ وَهُوَ بن عِشْرِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ أَسْوَدَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَأَمَّا أَبُو ذَرٍّ فَتَقَدَّمَ أَنَّ اسْمَهُ جُنْدُبُ بْنُ جُنَادَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ غَيْرُهُ وَفِي الْإِسْنَادِ أَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ تَقَدَّمَ وَأَمَّا بن بُرَيْدَةَ فَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَلِبُرَيْدَةَ ابْنَانِ سُلَيْمَانُ وَعَبْدُ اللَّهِ وَهُمَا ثِقَتَانِ وُلِدَا فِي بَطْنٍ وتقدم ذكرهما أول كتاب الايمان وبن بُرَيْدَةَ هَذَا وَيَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ وَأَبُو الْأَسْوَدِ ثَلَاثَةٌ تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَيَعْمَرُ بفتح الميم وضمها تقدم أيضا وأبو الْأَسْوَدِ اسْمُهُ ظَالِمُ بْنُ عَمْرٍو هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ ظَالِمٍ وَقِيلَ عُثْمَانُ بْنُ عَمْرٍو وَقِيلَ عَمْرُو بْنُ سُفْيَانَ وَقِيلَ عُوَيْمِرُ بْنُ ظُوَيْلِمٍ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي النَّحْوِ وَوَلِيَ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَأَمَّا الدِّيلِيُّ فَكَذَا وَقَعَ هُنَا بِكَسْرِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ فَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُونَ فِيهِ وَفِي كُلِّ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى هَذَا الْبَطْنِ الَّذِي فِي كِنَانَةَ دِيلِيٌّ بِكَسْرِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا وَأَنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُونَ فِيهِ الدُّؤَلِيُّ بِضَمِّ الدَّالِ

وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَبَعْضُهُمْ يَكْسِرُهَا وَأَنْكَرَهَا النُّحَاةُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَقَدْ ضَبَطَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَبْطًا حَسَنًا وَهُوَ مَعْنَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ قَالَ الشَّيْخُ هُوَ الدِّيلِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ الدُّؤَلِيُّ عَلَى مِثَالِ الْجُهَنِيِّ وَهُوَ نِسْبَةٌ إِلَى الدُّئِلِ بِدَالِ مَضْمُومَةٍ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَكْسُورَةٌ حَيٌّ مِنْ كِنَانَةَ وَفَتَحُوا الْهَمْزَةَ فِي النَّسَبِ كَمَا قَالُوا فِي النَّسَبِ إِلَى نَمِرٍ نَمَرِيٌّ بِفَتْحِ الْمِيمِ قَالَ وَهَذَا قَدْ حَكَاهُ السِّيرَافِيُّ عَنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ قال ووجدت عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْقَالِيِّ وَهُوَ بِالْقَافِ فِي كِتَابِ الْبَارِعِ أَنَّهُ حَكَى ذَلِكَ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ وسيبويه وبن السِّكِّيتِ وَالْأَخْفَشِ وَأَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرِهِمْ وَأَنَّهُ حَكَى عَنِ الْأَصْمَعِيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيهِ أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّئِلِيُّ بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَحَكَاهُ أَيْضًا عَنْ يُونُسَ وَغَيْرِهِ عَنِ الْعَرَبِ يَدَعُونَهُ فِي النَّسَبِ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ شَاذٌّ فِي الْقِيَاسِ وَذَكَرَ السِّيرَافِيُّ عَنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدِّيلِيُّ بِكَسْرِ الدَّالِ وَيَاءٍ سَاكِنَةٍ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنِ الْكِسَائِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ وَعَنْ صَاحِبِ كِتَابِ الْعَيْنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ حُبَيْبَ بِفَتْحِ الْبَاءِ غَيْرُ مَصْرُوفٍ لِأَنَّهَا أمه كانوا يقولون فِي هَذَا الْحَيِّ مِنْ كِنَانَةَ الدِّيلُ بِإِسْكَانِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ وَيَجْعَلُونَهُ مِثْلَ الدِّيلِ الَّذِي هُوَ فِي عَبْدِ الْقَيْسِ وَأَمَّا الدُّولُ بِضَمِّ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ فَحَيٌّ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ مَا الْمُوجِبَتَانِ فَمَعْنَاهُ الْخَصْلَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْجَنَّةِ وَالْخَصْلَةُ الْمُوجِبَةُ لِلنَّارِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ فَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وضمها وكسرها وقوله وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَكَسْرِهَا ذَكَرَ هَذَا كُلَّهَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الرَّغَامِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَهُوَ التُّرَابُ فَمَعْنَى أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَهُ أَيْ أَلْصَقَهُ بِالرَّغَامِ وَأَذَلَّهُ فَمَعْنَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ أَيْ عَلَى ذُلٍّ مِنْهُ لِوُقُوعِهِ مُخَالِفًا لِمَا يُرِيدُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ عَلَى كَرَاهَةٍ مِنْهُ وَإِنَّمَا قَالَهُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لِاسْتِبْعَادِهِ الْعَفْوَ عَنِ الزَّانِي السَّارِقِ الْمُنْتَهِكِ لِلْحُرْمَةِ وَاسْتِعْظَامِهِ ذَلِكَ وَتَصَوُّرُ أَبِي ذَرٍّ بِصُورَةِ الْكَارِهِ الْمُمَانِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمَانِعًا وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ لِشِدَّةِ نَفْرَتِهِ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَهْلِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي رواية بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ وَقُلْتُ أَنَا وَمَنْ مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة هَكَذَا وَقَعَ فِي أُصُولِنَا مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِوَايَتِهِ لِصَحِيحِ مُسْلِمٍ وَوُجِدَ فِي بَعْضِ

الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَكْسُ هَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مات لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ أَنَا وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي كِتَابِهِ المخرج على صحيحه مُسْلِمٍ وَقَدْ صَحَّ اللَّفْظَانِ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ جابر المذكور فأما اقتصار بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى رَفْعِ إِحْدَى اللَّفْظَتَيْنِ وَضَمِّهِ الْأُخْرَى إِلَيْهَا مِنْ كَلَامِ نَفْسِهِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ سَبَبُهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا إِحْدَاهُمَا وَضَمَّ إِلَيْهَا الْأُخْرَى لِمَا عَلِمَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَحْيِهِ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ مُقْتَضَى مَا سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ فِيهِ نَقْصٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ اللَّفْظَتَيْنِ قَدْ صح رفعهما من حديث بن مَسْعُودٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَالْجَيِّدُ أَنْ يُقَالَ سَمِعَ بن مَسْعُودٍ اللَّفْظَتَيْنِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهُ فِي وَقْتٍ حَفِظَ إِحْدَاهُمَا وَتَيَقَّنَهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَحْفَظِ الْأُخْرَى فَرَفَعَ الْمَحْفُوظَةَ وَضَمَّ الْأُخْرَى إِلَيْهَا وَفِي وَقْتٍ آخَرَ حَفِظَ الْأُخْرَى وَلَمْ يَحْفَظِ الْأُولَى مَرْفُوعَةً فَرَفَعَ الْمَحْفُوظَةَ وَضَمَّ الْأُخْرَى إِلَيْهَا فهذا جمع ظاهر بين روايتى بن مَسْعُودٍ وَفِيهِ مُوَافَقَةٌ لِرِوَايَةِ غَيْرِهِ فِي رَفْعِ اللَّفْظَتَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا حُكْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِدُخُولِ النَّارِ وَمَنْ مَاتَ غَيْرَ مُشْرِكٍ بِدُخُولِهِ الْجَنَّةَ فقد فَقَدْ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَأَمَّا دُخُولُ الْمُشْرِكِ النَّارَ فَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ فَيَدْخُلُهَا وَيَخْلُدُ فِيهَا وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْكِتَابِيِّ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَبَيْنَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَسَائِرِ الْكَفَرَةِ وَلَا فَرْقَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ بَيْنَ الْكَافِرِ عِنَادًا وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ مَنْ خَالَفَ مِلَّةَ الْإِسْلَامِ وَبَيْنَ مَنِ انْتَسَبَ إِلَيْهَا ثُمَّ حُكِمَ بِكُفْرِهِ بِجَحْدِهِ مَا يَكْفُرُ بِجَحْدِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَمَّا دُخُولُ مَنْ مَاتَ غَيْرَ مُشْرِكٍ الْجَنَّةَ فَهُوَ مَقْطُوعٌ لَهُ بِهِ لَكِنْ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ كَبِيرَةٍ مَاتَ مُصِرًّا عَلَيْهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ أَوَّلًا وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ كَبِيرَةٍ مَاتَ مُصِرًّا عَلَيْهَا فَهُوَ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ فَإِنْ عُفِيَ عَنْهُ دَخَلَ أَوَّلًا وَإِلَّا عُذِّبَ ثُمَّ أُخْرِجَ مِنَ النَّارِ وَخُلِّدَ فِي الْجَنَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ فَهُوَ حُجَّةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السَّنَةِ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَبَائِرِ لَا يُقْطَعُ لَهُمْ بِالنَّارِ وَأَنَّهُمْ إِنْ دَخَلُوهَا أُخْرِجُوا مِنْهَا وَخُتِمَ لَهُمْ بِالْخُلُودِ فِي الْجَنَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا كُلُّهُ مَبْسُوطًا والله أعلم

(باب تحريم قتل الكافر بعد قوله لا إله إلا الله [95] فيه

(بَابُ تَحْرِيمِ قَتْلِ الْكَافِرِ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [95] فِيهِ حَدِيثُ الْمِقْدَادِ بْنِ الأسود رضى الله عنه أنه قَالَ (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ أَسْلَمْتُ لِلَّهِ أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقْتُلْهُ إِلَى أَنْ قَالَ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ) وَفِيهِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما)

(قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ قَالَ أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ قَالَهَا أَمْ لَا فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمئِذٍ قَالَ فَقَالَ سَعْدٌ وَأَنَا وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ يَعْنِي أُسَامَةَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ تَعَالَى وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تكون فتنة ويكون الدين لله قَالَ سَعْدٌ قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فتنة وأنت

وَأَصْحَابُكُ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ) وَفِي الطَّرِيقِ الْآخَرِ (فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي يَا أُسَامَةُ قَتَلْتَهُ بعد ما قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا فَقَالَ أَقَتَلْتَهُ بعد ما قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى

تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ) وَفِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا أُسَامَةُ فَسَأَلَهُ لِمَ قَتَلْتَهُ إِلَى أَنْ قَالَ فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي قَالَ فكيف بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَجَعَلَ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَمَّا أَلْفَاظُ أَسْمَاءِ الْبَابِ فَفِيهِ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى حَدَّثَنِي عَطَاءٌ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو بن الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيَّ وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ الله فالمقداد هذا هو بن عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ هَذَا نَسَبُهُ الْحَقِيقِيُّ وَكَانَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ

زُهْرَةَ قَدْ تَبَنَّاهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنُسِبَ إِلَيْهِ وَصَارَ بِهِ أَشْهَرَ وَأَعْرَفَ فَقَوْلُهُ ثَانِيًا إِنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ قَدْ يُغْلَطُ فِي ضَبْطِهِ وَقِرَاءَتِهِ وَالصَّوَابُ فِيهِ أَنْ يُقْرَأَ عمرو مجرورا منونا وبن الْأَسْوَدِ بِنَصْبِ النُّونِ وَيُكْتَبُ بِالْأَلْفِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ للمقداد وهو منصوب فينصب وليس بن ها هنا وَاقِعًا بَيْنَ عَلَمَيْنِ مُتَنَاسِلَيْنِ فَلِهَذَا قُلْنَا تَتَعَيَّنُ كتابته بالألف ولو قرئ بن الأسود بجر بن لفسد المعنى وصار عمرو بن الْأَسْوَدِ وَذَلِكَ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَلِهَذَا الِاسْمُ نَظَائِرٌ منها عبد الله بن عمرو بن أُمِّ مَكْتُومٍ كَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ آخِرَ الْكِتَابِ فِي حَدِيثِ الْجَسَّاسَةِ وَعَبْدُ اللَّهِ بن ابى بن سلول وعبد الله بن مالك بن بحينة ومحمد بن على بن الحنفية واسماعيل بن ابراهيم بن علية واسحاق بن ابراهيم بن راهويه ومحمد بن يزيد بن ماجه فكل هؤلاء ليس الأب فيهم ابنا لمن بعده فيتعين أن يكتب بن بِالْأَلِفِ وَأَنْ يُعْرَبَ بِإِعْرَابِ الِابْنِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا فَأُمُّ مَكْتُومٍ زَوْجَةُ عَمْرٍو وَسَلُولُ زَوْجَةُ أُبَيٍّ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبُحَيْنَةُ زَوْجَةُ مَالِكٍ وَأُمُّ عَبْدِ اللَّهِ وَكَذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ زَوْجَةُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعُلَيَّةُ زَوْجَةُ إِبْرَاهِيمَ وَرَاهَوَيْهِ هُوَ إِبْرَاهِيمُ وَالِدُ إِسْحَاقَ وَكَذَلِكَ مَاجَهْ هُوَ يَزِيدُ فَهُمَا لَقَبَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمُرَادُهُمْ فِي هَذَا كُلِّهِ تَعْرِيفُ الشَّخْصِ بِوَصْفَيْهِ لِيَكْمُلَ تَعْرِيفُهُ فَقَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ عَارِفًا بِأَحَدِ وَصْفَيْهِ دُونَ الْآخَرِ فَيَجْمَعُونَ بَيْنَهُمَا لِيَتِمَّ التَّعْرِيفُ لِكُلِّ أَحَدٍ وَقَدَّمَ هُنَا نِسْبَتَهُ إِلَى عَمْرٍو عَلَى نِسْبَتِهِ إِلَى الْأَسْوَدِ لِكَوْنِ عَمْرٍو هُوَ الْأَصْلَ وَهَذَا مِنَ الْمُسْتَحْسَنَاتِ النَّفِيسَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَكَانَ الْمِقْدَادُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَوَّلِ مَنْ أَسْلَمَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ بِمَكَّةَ سَبْعَةٌ مِنْهُمُ الْمِقْدَادُ وَهَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ يُكْنَى أَبَا الْأَسْوَدِ وَقِيلَ أَبَا عَمْرٍو وَقِيلَ أَبَا مَعْبَدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ فَذَلِكَ لِمُحَالَفَتِهِ الْأَسْوَدَ بْنَ عَبْدِ يَغُوثَ الزهري فقد ذكر بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْأَسْوَدَ حَالَفَهُ أَيْضًا مَعَ تَبَنِّيهِ إِيَّاهُ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي نَسَبِهِ الْكِنْدِيُّ فَفِيهِ إِشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ أَهْلَ النَّسَبِ قَالُوا إِنَّهُ بَهْرَانِيٌّ صُلْبِيَّةٌ مِنْ بَهْرَاءَ بن الحاف بالحاء المهملة وبالفاء بن قضاعة لاخلاف بَيْنهمْ فِي هَذَا وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ صَالِحٍ الْإِمَامَ الْحَافِظَ الْمِصْرِيَّ كَاتِبَ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ إِنَّ وَالِدَ الْمِقْدَادِ حَالَفَ كِنْدَةَ فَنُسِبَ إِلَيْهَا وروينا عن بن شَمَاسَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ صُهَابَةَ بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْهَاءِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَهْرِيِّ قَالَ كنت صاحب المقداد بن الاسود في

الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَجُلًا مِنْ بَهْرَاءَ فَأَصَابَ فِيهِمْ دَمًا فَهَرَبَ إِلَى كِنْدَةَ فَحَالَفَهُمْ ثُمَّ أَصَابَ فِيهِمْ دَمًا فَهَرَبَ إِلَى مَكَّةَ فَحَالَفَ الْأَسْوَدَ بْنَ عَبْدِ يَغُوثَ فَعَلَى هَذَا تَصِحُّ نِسْبَتُهُ إِلَى بَهْرَاءَ لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ وَكَذَلِكَ إِلَى قُضَاعَةَ وَتَصِحُّ نِسْبَتُهُ إِلَى كِنْدَةَ لِحِلْفِهِ أَوْ لِحِلْفِ أَبِيهِ وَتَصِحُّ إِلَى زُهْرَةَ لِحِلْفِهِ مَعَ الْأَسْوَدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ الْمِقْدَادَ بن عمرو بن الْأَسْوَدِ إِلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ الله فَأَعَادَ أَنَّهُ لِطُولِ الْكَلَامِ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْهَا لَكَانَ صَحِيحًا بَلْ هُوَ الْأَصْلُ وَلَكِنْ لَمَّا طَالَ الْكَلَامُ جَازَ أَوْ حَسُنَ ذِكْرُهَا وَنَظِيرُهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرٌ وَقَدْ جَاءَ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَالْأَحَادِيثُ الشَّرِيفَةُ وَمِمَّا جَاءَ فى القرآن قوله جل وعز حِكَايَةً عَنِ الْكُفَّارِ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أنكم مخرجون فَأَعَادَ أَنَّكُمْ لِلطُّولِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كفروا فلما جاءهم ماعرفوا كفروا به فأعاد فلما جَاءَهُمْ وَقَدْ قَدَّمْنَا نَظِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا عَدِيُّ بْنُ الْخِيَارِ فَبِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَأَمَّا عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ ثُمَّ الْجُنْدَعِيُّ فَبِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَبَعْدَهَا دَالٌ ثُمَّ عَيْنٌ مُهْمَلَتَانِ وَتُفْتَحُ الدَّالُ وَتُضَمُّ لُغَتَانِ وَجُنْدَعٌ بَطْنٌ مِنْ لَيْثٍ فَلِهَذَا قَالَ اللَّيْثِيُّ ثُمَّ الْجُنْدَعِيُّ فَبَدَأَ بِالْعَامِّ وَهُوَ لَيْثٌ ثُمَّ الْخَاصِّ وَهُوَ جُنْدَعٌ وَلَوْ عَكَسَ هَذَا فَقِيلَ الْجُنْدَعِيُّ اللَّيْثِيُّ لَكَانَ خَطَأً مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِهِ اللَّيْثِيُّ بَعْدَ الْجُنْدَعِيِّ وَلِأَنَّهُ أَيْضًا يَقْتَضِي أَنَّ لَيْثًا بَطْنٌ مِنْ جُنْدَعٍ وَهُوَ خَطَأٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ لَطِيفَةٌ تَقَدَّمَ نَظَائِرُهَا وَهُوَ أَنَّ فِيهِ ثلاثة تابعيين يروى بعضهم عن بعض بن شِهَابٍ وَعَطَاءٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ فَهُوَ بِفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا فَأَهْلُ اللُّغَةِ يَفْتَحُونَهَا وَيُلَحِّنُونَ مَنْ يَكْسِرَهَا وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يَكْسِرُونَهَا وَكَذَلِكَ قيده بن مَاكُولَا وَغَيْرُهُ وَاسْمُ أَبِي ظَبْيَانَ حَصِينُ بْنُ جُنْدُبِ بْنِ عَمْرٍو كُوفِيٌّ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعِينَ وَأَمَّا الْحُرَقَاتُ فَبِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْقَافِ وَأَمَّا الدَّوْرَقِيُّ فَتَقَدَّمَ مَرَّاتٍ وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ بن خراش بكسر الخاء المعجمة وأما خالد الاثبج فبفتح الْهَمْزَةِ وَبَعْدَهَا ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ جِيمٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْأَثْبَجُ هُوَ عَرِيضُ الثَّبَجِ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَالْبَاءِ وقيل ناتىء الثَّبَجِ وَالثَّبَجُ مَا بَيْنَ الْكَاهِلِ وَالظَّهْرِ وَأَمَّا صَفْوَانُ بْنُ مُحْرِزٍ فَبِإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِرَاءٍ ثُمَّ زَايٍ وَأَمَّا جُنْدُبٌ فَبِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا وَأَمَّا عَسْعَسِ بْنِ سَلَامَةَ فَبِعَيْنَيْنِ وَسِينَيْنِ مُهْمَلَاتٍ وَالْعَيْنَانِ مَفْتُوحَتَانِ وَالسِّينُ بَيْنَهُمَا سَاكِنَةٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ

هُوَ بَصْرِيٌّ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولون ان حديثه مرسل وأنه لَمْ يَسْمَعِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ حَدِيثُهُ مُرْسَلٌ وكذا ذكره بن أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ فِي التَّابِعِينَ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ كُنْيَةُ عَسْعَسٍ أَبُو صُفْرَةَ وَهُوَ تَمِيمِيٌّ بَصْرِيٌّ وَهُوَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُفْرَدَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُ نَظِيرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا لُغَاتُ الْبَابِ وَمَا يُشْبِهُهَا فَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ الْمُعْتَبَرَةِ وَفِي بَعْضِهَا أَرَأَيْتَ لَقِيتُ بِحَذْفِ إِنْ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ وَقَوْلُهُ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ أَيِ اعْتَصَمَ مِنِّي وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ قَالَهَا مُتَعَوِّذًا أَيْ مُعْتَصِمًا وَهُوَ بِكَسْرِ الْوَاوِ قَوْلُهُ أَمَّا الأوزاعى وبن جُرَيْجٍ فِي حَدِيثِهِمَا هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ فِي حَدِيثِهِمَا بِفَاءٍ وَاحِدَةٍ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ فَفِي حَدِيثِهِمَا بِفَاءَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَالْجَيِّدُ وَالْأَوَّلُ أَيْضًا جَائِزٌ فَإِنَّ الْفَاءَ فِي جَوَابِ أَمَّا يَلْزَمُ إِثْبَاتُهَا إِلَّا إِذَا كَانَ الْجَوَابُ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ حَذْفُهَا إِذَا حُذِفَ الْقَوْلُ وَهَذَا مِنْ ذَاكَ فَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ أما الاوزاعى وبن جُرَيْجٍ فَقَالَا فِي حَدِيثِهِمَا كَذَا وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرٌ فَمِنْهُ فى القرآن قوله عزوجل فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم أى فيقال لهم أكفرتم وقوله عزوجل وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عليكم وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ فَلَمَّا أَهْوَيْتُ لِأَقْتُلَهُ أَيْ مِلْتُ يُقَالُ هَوَيْتُ وَأَهْوَيْتُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا الْفَاعِلُ فِي قَوْلِهِ أَقَالَهَا هُوَ الْقَلْبُ وَمَعْنَاهُ أَنَّكَ إِنَّمَا كُلِّفْتَ بِالْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ وَمَا يَنْطِقُ بِهِ اللِّسَانُ وَأَمَّا الْقَلْبُ فَلَيْسَ لَكَ طَرِيقٌ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا فِيهِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ امْتِنَاعَهُ مِنَ الْعَمَلِ بِمَا ظَهَرَ بِاللِّسَانِ وَقَالَ أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ لِتَنْظُرَ هَلْ قَالَهَا الْقَلْبُ وَاعْتَقَدَهَا وَكَانَتْ فِيهِ أَمْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ بَلْ جَرَتْ عَلَى اللِّسَانِ فَحَسْبُ يَعْنِي وَأَنْتَ لَسْتَ بِقَادِرٍ عَلَى هَذَا فَاقْتَصِرْ عَلَى اللِّسَانِ فَحَسْبُ يَعْنِي وَلَا تَطْلُبْ غَيْرَهُ وَقَوْلُهُ حَتَّى تَمَنَّيْتَ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمئِذٍ مَعْنَاهُ لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ إِسْلَامِي بَلِ ابْتَدَأْتُ الْآنَ الْإِسْلَامَ لِيَمْحُوَ عَنِّي مَا تَقَدَّمَ وَقَالَ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ عِظَمِ مَا وَقَعَ فِيهِ وَقَوْلُهُ فَقَالَ سَعْدٌ وَأَنَا وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ يَعْنِي اسامة أما سعد فهو بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا ذُو الْبُطَيْنِ فَهُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ تَصْغِيرُ بَطْنٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ قِيلَ لِأُسَامَةَ ذُو الْبُطَيْنِ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ بَطْنٌ عَظِيمٌ وَقَوْلُهُ حَسَرَ الْبُرْنُسَ عَنْ رَأْسِهِ فَقَالَ إِنِّي أَتَيْتُكُمْ وَلَا أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا فقوله

حسر أى كشف والبرنس بِضَمِّ الْبَاءِ وَالنُّونِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ كُلُّ ثَوْبٍ رَأْسُهُ مُلْتَصِقٌ بِهِ دُرَّاعَةً كَانَتْ أوجبة أَوْ غَيْرَهُمَا وَأَمَّا قَوْلُهُ أَتَيْتُكُمْ وَلَا أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكُمْ فَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ وَفِيهِ إِشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ بَعَثَ إِلَى عَسْعَسٍ فَقَالَ اجْمَعْ لِي نَفَرًا مِنْ إِخْوَانِكَ حَتَّى أُحَدِّثَهُمْ ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَهُ أَتَيْتُكُمْ وَلَا أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكُمْ فَيَحْتَمِلُ هَذَا الْكَلَامُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ لَا زَائِدَةٌ كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لئلا يعلم أهل الكتاب وقوله تعالى ما منعك أن لا تسجد وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَتَيْتُكُمْ وَلَا أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَعِظُكُمْ وَأُحَدِّثُكُمْ بِكَلَامٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِي لَكِنِّي الْآنَ أَزِيدُكُمْ عَلَى مَا كُنْتُ نَوَيْتُهُ فَأُخْبِرُكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بَعْثًا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ (وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ) هُوَ بِضَمِّ النُّونِ مِنْ نُحَدَّثُ وَفَتْحِ الدَّالِ وَقَوْلُهُ (فَلَمَّا رَجَعَ عَلَيْهِ السَّيْفُ) كَذَا فِي بَعْضِ الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ رَجَعَ بِالْجِيمِ وَفِي بَعْضِهَا رَفَعَ بِالْفَاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالسَّيْفُ مَنْصُوبٌ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فَرَفَعَ لِتَعَدِّيهِ وَرَجَعَ بِمَعْنَاهُ فَإِنَّ رَجَعَ يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا وَالْمُرَادُ هُنَا الْمُتَعَدِّي وَمِنْهُ قول الله عزوجل فإن رجعك الله إلى طائفة وقوله تعالى فلا ترجعوهن إلى الكفار وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي إِسْنَادِ بَعْضِ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا أَنْكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ قَوْلُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَا أَنْبَأَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أنبأ معمر ح وحدثنا إسحاق بن مُوسَى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاق أخبرنا بن جُرَيْجٍ جَمِيعًا عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَهَكَذَا وَقَعَ هَذَا الْإِسْنَادُ فِي رِوَايَةِ الْجُلُودِيِّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَلَمْ يَقَعْ هَذَا الْإِسْنَادُ عِنْدَ بن ماهان يعنى رفيق الجلودى قال القاضي قال ابومسعود الدمشقى هذا ليس بمعروف عن الوليد بهذا الْإِسْنَادِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ وَفِيهِ خِلَافٌ عَلَى الْوَلِيدِ وَعَلَى الْأَوْزَاعِيِّ وَقَدْ بَيَّنَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ الْخِلَافَ فِيهِ وَذَكَرَ أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ يَرْوِيهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُرَّةَ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فَرَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ مَزِيدٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُرَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْخِيَارِ عَنِ الْمِقْدَادِ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ وَاخْتُلِفَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ فَرَوَاهُ الْوَلِيدُ الْقُرَشِيُّ عَنِ الْوَلِيدِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْخِيَارِ عَنِ الْمِقْدَادِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَطَاءً وَأَسْقَطَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مرة وخالفه

عِيسَى بْنُ مُسَاوِرٍ فَرَوَاهُ عَنِ الْوَلِيدِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْخِيَارِ عَنِ الْمِقْدَادِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُرَّةَ وَجَعَلَ مَكَانَ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَرَوَاهُ الْفِرْيَابِيُّ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُرَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا عَنِ الْمِقْدَادِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ الصَّحِيحُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ أَوَّلًا مِنْ رِوَايَةِ الليث ومعمر ويونس وبن جريج وتابعهم صالح بن كَيْسَانَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قُلْتُ وَحَاصِلُ هَذَا الْخِلَافِ وَالِاضْطِرَابِ إِنَّمَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ الاوزاعى وأما رواية الليث ومعمر ويونس وبن جُرَيْجٍ فَلَا شَكَّ فِي صِحَّتِهَا وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ هِيَ الْمُسْتَقِلَّةُ بِالْعَمَلِ وَعَلَيْهَا الِاعْتِمَادُ وَأَمَّا رِوَايَةُ الْأَوْزَاعِيِّ فَذَكَرَهَا مُتَابَعَةً وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمُتَابَعَاتِ يُحْتَمَلُ فِيهَا مَا فِيهِ نَوْعُ ضَعْفٍ لكونها الاعتماد عليها وانما هِيَ لِمُجَرَّدِ الِاسْتِئْنَاسِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الِاضْطِرَابَ الَّذِي فِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ أَصْلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ أَكْثَرَ استدراكات الدارقطنى من هذا النحو ولا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ الْمُتُونِ وَقَدَّمْنَا أَيْضًا فِي الْفُصُولِ اعْتِذَارَ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ نَحْوِ هَذَا بِأَنَّهُ لَيْسَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَعَانِي الْأَحَادِيثِ وَفِقْهُهَا فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ فَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ وَأَظْهَرَهُ ما قاله الامام الشافعى وبن الْقَصَّارِ الْمَالِكِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ فَإِنَّهُ مَعْصُومُ الدَّمِ مُحَرَّمٌ قَتْلُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَمَا كُنْتَ أَنْتَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِنَّكَ بَعْدَ قَتْلِهِ غَيْرُ مَعْصُومِ الدَّمِ وَلَا مُحَرَّمُ الْقَتْلِ كَمَا كَانَ هُوَ قَبْلَ قوله لا إله الا الله قال بن الْقَصَّارِ يَعْنِي لَوْلَا عُذْرُكَ بِالتَّأْوِيلِ الْمُسْقِطِ لِلْقِصَاصِ عَنْكَ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ مَعْنَاهُ إِنَّكَ مِثْلَهُ فى مخالفة الحق وارتكاب الاثم وان اختلف أَنْوَاعُ الْمُخَالَفَةِ وَالْإِثْمِ فَيُسَمَّى إِثْمُهُ كُفْرًا وَإِثْمُكَ مَعْصِيَةً وَفِسْقًا وَأَمَّا كَوْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوجِبْ عَلَى أُسَامَةَ قِصَاصًا وَلَا دِيَةً وَلَا كَفَّارَةً فَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ لِإِسْقَاطِ الْجَمِيعِ وَلَكِنَّ الْكَفَّارَةَ وَاجِبَةٌ وَالْقِصَاصُ سَاقِطٌ لِلشُّبْهَةِ فَإِنَّهُ ظَنَّهُ كَافِرًا وَظَنَّ أَنَّ إِظْهَارَهُ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ فِي هَذَا الْحَالِ لَا يَجْعَلُهُ مُسْلِمًا وَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ وَقَالَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَيُجَابُ عَنْ عَدَمِ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ هِيَ عَلَى التَّرَاخِي وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ وَأَمَّا الدِّيَةُ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَوْجَبَهَا فَيُحْتَمَلُ أَنَّ أُسَامَةَ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُعْسِرًا بِهَا فَأُخِّرَتْ إِلَى يَسَارِهِ

(باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من حمل علينا

وَأَمَّا مَا فَعَلَهُ جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ جَمْعِ النَّفَرِ وَوَعْظِهِمْ فَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ وَالرَّجُلِ الْعَظِيمِ الْمُطَاعِ وَذِي الشُّهْرَةِ أَنْ يُسَكِّنَ النَّاسَ عِنْدَ الْفِتَنِ وَيَعِظَهُمْ وَيُوَضِّحَ لَهُمُ الدَّلَائِلَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ فِيهِ دَلِيلٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ أَنَّ الْأَحْكَامَ يُعْمَلُ فِيهَا بِالظَّوَاهِرِ وَاللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ وَأَمَّا قَوْلُ أُسَامَةَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَجَاءَ الْبَشِيرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَ الرَّجُلِ فَدَعَاهُ يَعْنِي أُسَامَةَ فَسَأَلَهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهَا بِأَنَّ أُسَامَةَ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ بَعْدَ قَتْلِهِ وَنَوَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ فَجَاءَ الْبَشِيرُ فَأَخْبَرَ بِهِ قَبْلَ مَقْدَمِ أُسَامَةَ وَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا بَعْدَ قُدُومِهِمْ فَسَأَلَ أُسَامَةَ فَذَكَرَهُ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ فَذَكَرْتُهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ ابْتِدَاءً قَبْلَ تَقَدُّمِ عِلْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا [98] فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السلاح فليس منا) رواه بن عُمَرَ [99] وَسَلَمَةُ وَأَبُو مُوسَى وَفِي رِوَايَةِ سَلَمَةَ (مَنْ سَلَّ عَلَيْنَا السَّيْفَ) وفِي إِسْنَادِ أَبِي مُوسَى لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّ إِسْنَادَهُ كُلَّهُمْ)

(باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من غشنا فليس منا

كوفيون وهم أبوبكر بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ وأبو كريب قالوا حدثنا أبوأسامة عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى فَأَمَّا بَرَّادٌ فَبِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الراء وآخره دال وأبو كريب محمد بن العلاء وأبو اسامة حماد بن أسامة وبريد بضم الموحدة وأبو بردة اسمه عامر وقيل الحرث وأبو مُوسَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ قَاعِدَةُ مَذْهَبِ أَهْلِ السَّنَةِ وَالْفُقَهَاءُ وَهِيَ أَنَّ مَنْ حَمَلَ السِّلَاحَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا تَأْوِيلٍ وَلَمْ يَسْتَحِلَّهُ فَهُوَ عَاصٍ وَلَا يَكْفُرُ بِذَلِكَ فَإِنِ اسْتَحَلَّهُ كَفَرَ فَأَمَّا تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ فَقِيلَ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ فَيَكْفُرُ وَيَخْرُجُ مِنَ الْمِلَّةِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَى سِيرَتِنَا الْكَامِلَةِ وَهَدْيِنَا وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَكْرَهُ قَوْلَ مَنْ يُفَسِّرُهُ بِلَيْسَ عَلَى هَدْيِنَا وَيَقُولُ بِئْسَ هَذَا الْقَوْلُ يَعْنِي بَلْ يُمْسِكُ عَنْ تَأْوِيلِهِ لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي النُّفُوسِ وَأَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا فِيهِ يَعْقُوبُ بْنُ عبد الرحمن القارىء هُوَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَارَةِ الْقَبِيلَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَأَبُو الْأَحْوَصِ مُحَمَّدُ بْنُ حَيَّانَ بِالْيَاءِ المثناة وقوله (حدثنا بن أَبِي حَازِمٍ) هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حازم واسم)

(باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى

أبى حازم هذا سلمة بن دينار وقوله (صُبْرَةٌ مِنْ طَعَامٍ) هِيَ بِضَمِّ الصَّادِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الصُّبْرَةُ الْكَوْمَةُ الْمَجْمُوعَةُ مِنَ الطَّعَامِ سُمِّيَتْ صُبْرَةً لِإِفْرَاغِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّحَابِ فَوْقَ السَّحَابِ صَبِيرٌ وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ (أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ) أَيِ الْمَطَرُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) كَذَا فِي الْأُصُولِ مِنِّي وَهُوَ صَحِيحٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب تَحْرِيمِ ضَرْبِ الْخُدُودِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ وَالدُّعَاءِ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ [103] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ) إلى آخره كلهم كوفيون وقوله (عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ)

وَإِسْكَانِ الشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وقَوْلُهُ (الْقَنْطَرِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالطَّاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى قَنْطَرَةِ بردان بفتح الباء والراء جسر ببغداد [104] وقوله (الْقَاسِمُ بْنُ مُخَيْمِرَةَ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ (وَجِعَ أَبُو مُوسَى) هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَقَوْلُهُ (فِي حِجْرِ امْرَأَتِهِ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ قَوْلُهُ (فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ أَنَا بريء مما بريء مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ مِمَّا وهو صحيح أى من الشيء الذى بريء مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ (الصَّالِقَةُ وَالْحَالِقَةُ وَالشَّاقَّةُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ حَلَقَ وَسَلَقَ وَخَرَقَ فَالصَّالِقَةُ وَقَعَتْ فِي الْأُصُولِ بِالصَّادِ وَسَلَقَ بِالسِّينِ وَهُمَا صَحِيحَانِ وَهُمَا لُغَتَانِ السَّلْقُ وَالصَّلْقُ وَسَلَقَ وَصَلَقَ وَهِيَ صَالِقَةٌ وَسَالِقَةٌ وَهِيَ الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وَالْحَالِقَةُ هِيَ الَّتِي تَحْلِقُ شَعْرَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وَالشَّاقَّةُ الَّتِي تَشُقُّ ثَوْبَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الظَّاهِرُ الْمَعْرُوفُ وَحَكَى القاضي عياض عن بن الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ قَالَ الصَّلْقُ ضَرْبُ الْوَجْهِ وَأَمَّا دعوى الجاهلية فقال القاضي عياض هِيَ النِّيَاحَةُ وَنُدْبَةُ الْمَيِّتِ وَالدُّعَاءُ بِالْوَيْلِ وَشِبْهِهِ وَالْمُرَادُ بِالْجَاهِلِيَّةِ مَا كَانَ فِي الْفَتْرَةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَقَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ الْآخَرِ (أَبُو عُمَيْسٍ عَنْ أَبِي صَخْرَةَ

هُوَ عُمَيْسٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَاسْمُهُ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي أَفْرَادِ الْكُنَى يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُشَارِكُهُ فِي كُنْيَتِهِ أَحَدٌ وَأَمَّا أَبُو صَخْرَةَ فَبِالْهَاءِ فِي آخِرِهِ كَذَا وَقَعَ هُنَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُنْيَتِهِ وَيُقَالُ فِيهَا أَيْضًا أَبُو صَخْرٍ بِحَذْفِ الْهَاءِ وَاسْمُهُ جامع بن شداد وقوله (تَصِيحُ بِرَنَّةٍ) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ الرَّنَّةُ صَوْتٌ مَعَ الْبُكَاءِ فِيهِ تَرْجِيعٌ كَالْقَلْقَلَةِ وَاللَّقْلَقَةِ يُقَالُ أَرَنَّتْ فَهِيَ مُرِنَّةٌ وَلَا يُقَالُ رَنَّتْ وَقَالَ ثَابِتٌ فِي الْحَدِيثِ لُعِنَتِ الرَّانَّةُ وَلَعَلَّهُ مِنْ نَقَلَةِ الْحَدِيثِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْمَطَالِعِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الرَّنَّةُ وَالرَّنِينُ وَالْإِرْنَانُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَيُقَالُ رَنَّتْ وَأَرَنَّتْ لُغَتَانِ حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَفِيهِ رَدٌّ لِمَا قَالَهُ ثَابِتٌ وَغَيْرُهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ حَلَقَ أَيْ مِنْ فِعْلِهِنَّ أَوْ مَا يَسْتَوْجِبْنَ مِنَ الْعُقُوبَةِ أَوْ مِنْ عُهْدَةِ مَا لَزِمَنِي مِنْ بَيَانِهِ وَأَصْلُ الْبَرَاءَةِ الِانْفِصَالُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ ظَاهِرُهُ وَهُوَ الْبَرَاءَةُ مِنْ فَاعِلِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَلَا يُقَدَّرُ فِيهِ حَذْفٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ) فَذَكَرَهُ مَرْفُوعًا

(باب بيان غلظ تحريم النميمة [105] في رواية لا يدخل الجنة

فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يَرْوُونَهُ عَنْ شُعْبَةَ مَوْقُوفًا وَلَمْ يَرْفَعْهُ عَنْهُ غَيْرُ عَبْدِ الصَّمَدِ قُلْتُ وَلَا يَضُرُّ هَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ وَهُوَ إِذَا رَوَى الْحَدِيثَ بَعْضُ الرُّوَاةِ مَوْقُوفًا وَبَعْضُهُمْ مَرْفُوعًا أَوْ بَعْضُهُمْ مُتَّصِلًا وَبَعْضُهُمْ مُرْسَلًا فَإِنَّ الْحُكْمَ لِلرَّفْعِ وَالْوَصْلِ وَقِيلَ لِلْوَقْفِ وَالْإِرْسَالِ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْأَحْفَظُ وَقِيلَ الْأَكْثَرُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَمَعَ هَذَا فَمُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْإِسْنَادَ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ إِنَّمَا ذَكَرَهُ مُتَابَعَةً وَقَدْ تَكَلَّمْنَا قَرِيبًا عَلَى نَحْوِ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب بَيَانِ غِلَظِ تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ [105] فِي رِوَايَةٍ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ وَفِي أُخْرَى قَتَّاتٌ وَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ فَالْقَتَّاتُ هُوَ النَّمَامُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فوق قال الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ يُقَالُ نَمَّ الْحَدِيثَ يَنُمِّهُ وَيَنِمُّهُ بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا نَمًّا وَالرَّجُلُ نَمَّامٌ وَنَمٌّ وَقَتَّهُ يَقُتُّهُ بِضَمِّ الْقَافِ قَتًّا قَالَ الْعُلَمَاءُ النَّمِيمَةُ نَقْلُ كَلَامِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ عَلَى جِهَةِ الْإِفْسَادِ بَيْنَهُمْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْإِحْيَاءِ اعْلَمْ أَنَّ النَّمِيمَةَ إِنَّمَا تُطْلَقُ فِي الْأَكْثَرِ عَلَى مَنْ يَنِمَّ قَوْلَ الْغَيْرِ إِلَى الْمَقُولِ فِيهِ كَمَا تَقُولُ فُلَانٌ يَتَكَلَّمُ فِيكَ بِكَذَا قَالَ وَلَيْسَتِ النَّمِيمَةُ مَخْصُوصَةٌ بِهَذَا بَلْ حَدُّ النَّمِيمَةِ كَشْفُ مَا يُكْرَهُ كَشْفُهُ سَوَاءٌ كَرِهَهُ الْمَنْقُولُ)

عَنْهُ أَوِ الْمَنْقُولُ إِلَيْهِ أَوْ ثَالِثٌ وَسَوَاءٌ كان الكشف بالنكاية أَوْ بِالرَّمْزِ أَوْ بِالْإِيمَاءِ فَحَقِيقَةُ النَّمِيمَةِ إِفْشَاءُ السِّرِّ وَهَتْكُ السِّتْرِ عَمَّا يُكْرَهُ كَشْفُهُ فَلَوْ رَآهُ يُخْفِي مَالًا لِنَفْسِهِ فَذَكَرَهُ فَهُوَ نَمِيمَةٌ قَالَ وَكُلُّ مَنْ حُمِلَتْ إِلَيْهِ نَمِيمَةٌ وَقِيلَ لَهُ فُلَانٌ يَقُولُ فِيكَ أَوْ يَفْعَلُ فِيكَ كذا فعليه ستة أمور الأول أن لا يُصَدِّقَهُ لِأَنَّ النَّمَّامَ فَاسِقٌ الثَّانِي أَنْ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَيَنْصَحَهُ وَيُقَبِّحَ لَهُ فِعْلَهُ الثَّالِثُ أَنْ يُبْغِضَهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ بَغِيضٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَجِبُ بُغْضُ مَنْ أَبْغَضَهُ الله تعالى الرابع أن لا يظن بأخيه الغائب السوء الخامس أن لا يَحْمِلَهُ مَا حُكِيَ لَهُ عَلَى التَّجَسُّسِ وَالْبَحْثِ عن ذلك السادس أن لا يَرْضَى لِنَفْسِهِ مَا نُهِيَ النَّمَّامُ عَنْهُ فَلَا يَحْكِي نَمِيمَتَهُ عَنْهُ فَيَقُولُ فُلَانٌ حَكَى كَذَا فَيَصِيرُ بِهِ نَمَّامًا وَيَكُونُ آتِيًا مَا نُهِيَ عَنْهُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكُلُّ هَذَا الْمَذْكُورِ فِي النَّمِيمَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَصْلَحَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَإِنْ دَعَتْ حَاجَةٌ إِلَيْهَا فَلَا مَنْعَ مِنْهَا وَذَلِكَ كَمَا إِذَا أَخْبَرَهُ بِأَنَّ إِنْسَانًا يُرِيدُ الْفَتْكَ بِهِ أَوْ بأهله أو بماله أو أخبر الامام أومن لَهُ وِلَايَةٌ بِأَنَّ إِنْسَانًا يَفْعَلُ كَذَا وَيَسْعَى بِمَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ وَيَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْوِلَايَةِ الْكَشْفُ عَنْ ذَلِكَ وَإِزَالَتُهُ فَكُلُّ هَذَا وَمَا أشبهه لَيْسَ بِحَرَامٍ وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُهُ وَاجِبًا وَبَعْضُهُ مُسْتَحَبًّا عَلَى حَسَبِ الْمَوَاطِنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْإِسْنَادِ فَرُّوخُ وَهُوَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ تَقَدَّمَ مَرَّاتٍ وفيه الضبعى بضم الضاد المعجمة وفتح الوحدة وَقَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ الْأَخِيرِ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن أبي شيبة إلى آخره) كلهم كوفيون الا حذيفة بن اليمان فانه استوطن المداين وأما قوله صلى الله عليه وسلم (لايدخل الْجَنَّةَ نَمَّامٌ) فَفِيهِ التَّأْوِيلَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي نَظَائِرِهِ أَحَدُهُمَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ وَالثَّانِي لَا يَدْخُلُهَا دُخُولَ الْفَائِزِينَ والله أعلم

باب بيان غلط تَحْرِيمِ إِسْبَالِ الْإِزَارِ وَالْمَنِّ بِالْعَطِيَّةِ (وَتَنْفِيقِ السِّلْعَةِ بالحلف وبيان الثلاثة الذين لايكلمهم الله يوم القيامة) (ولا ينظر إليهم ولا يُزَكِّيهِمِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [106] فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ) وَفِي رِوَايَةٍ (الْمَنَّانُ الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّهُ وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ) وَفِي

[107] رِوَايَةٍ (شَيْخٌ زَانٍ وَمَلِكٌ كَذَّابٌ وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ) وَفِي رِوَايَةٍ [108] (رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلَاةِ يمنعه من بن السَّبِيلِ وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ لَهُ بِاللَّهِ لَأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفَى وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ) أَمَّا أَلْفَاظُ أَسْمَاءِ الْبَابِ فَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ مُدْرِكٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَفِيهِ خَرَشَةُ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ وَفِيهِ أَبُو زُرْعَةَ وهو بن عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ وَتَقَدَّمَ مَرَّاتٍ الْخِلَافُ فِي اسمه وأن الاشهر فيه هرم وفيه أَبُو حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هُوَ أَبُو حازم سلمان الاغر مولى عزة وفيه أَبُو صَالِحٍ وَهُوَ ذَكْوَانُ تَقَدَّمَ وَفِيهِ سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْأَشْعَثِيُّ هُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدِّهِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ الْكِنْدِيِّ فَإِنَّهُ سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الاشعت بْنِ قَيْسٍ الْكِنْدِيُّ وَفِيهِ عَبْثَرٌ هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ وَأَمَّا أَلْفَاظُ اللُّغَةِ وَنَحْوُهَا فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ هُوَ عَلَى لفظ الآية

الْكَرِيمَةِ قِيلَ مَعْنَى لَا يُكَلِّمُهُمْ أَيْ لَا يكلمهم تكليم أهل الخيرات وباظهار الرضى بَلْ بِكَلَامِ أَهْلِ السُّخْطِ وَالْغَضَبِ وَقِيلَ الْمُرَادُ الْإِعْرَاضُ عَنْهُمْ وَقَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ لَا يُكَلِّمُهُمْ كَلَامًا يَنْفَعُهُمْ وَيَسُرُّهُمْ وَقِيلَ لَا يُرْسِلُ إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ بِالتَّحِيَّةِ وَمَعْنَى لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ أَيْ يُعْرِضْ عَنْهُمْ وَنَظَرُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِعِبَادِهِ رَحْمَتُهُ وَلُطْفُهُ بِهِمْ وَمَعْنَى لَا يُزَكِّيهِمْ لَا يُطَهِّرُهُمْ مِنْ دَنَسِ ذُنُوبِهِمْ وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ لَا يُثْنِي عَلَيْهِمْ وَمَعْنَى عَذَابٌ أَلِيمٌ مُؤْلِمٌ قَالَ الْوَاحِدِيُّ هُوَ الْعَذَابُ الَّذِي يَخْلُصُ إِلَى قُلُوبِهِمْ وَجَعُهُ قَالَ وَالْعَذَابُ كُلُّ مَا يُعْيِي الْإِنْسَانَ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ قَالَ وَأَصْلُ الْعَذَابِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ الْعَذْبِ وَهُوَ الْمَنْعُ يُقَالُ عَذَبْتُهُ عَذْبًا إِذَا مَنَعْتُهُ وَعَذُبَ عُذُوبًا أَيِ امْتَنَعَ وَسُمِّيَ الْمَاءُ عَذْبًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْعَطَشَ فَسُمِّيَ الْعَذَابُ عَذَابًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْمُعَاقَبَ مِنْ مُعَاوَدَةِ مِثْلِ جُرْمِهِ وَيَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ مِثْلِ فِعْلِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْبِلُ إِزَارَهُ فَمَعْنَاهُ الْمُرْخِي لَهُ الْجَارُّ طَرَفَهُ خُيَلَاءً كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ يَجُرُّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ وَالْخُيَلَاءُ الْكِبْرُ وَهَذَا التَّقْيِيدُ بِالْجَرِّ خُيَلَاءَ يُخَصِّصُ عُمُومَ الْمُسْبِلِ إِزَارَهُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَعِيدِ مَنْ جَرَّهُ خُيَلَاءَ وَقَدْ رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ لَسْتَ مِنْهُمْ إِذْ كَانَ جَرُّهُ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ إِسْبَالَ الْإِزَارِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ كَانَ عَامَّةَ لِبَاسِهِمْ وَحُكْمُ غَيْرِهِ مِنْ الْقَمِيصِ وَغَيْرِهِ حُكْمُهُ قُلْتُ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْإِسْبَالُ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ مَنْ جَرَّ شَيْئًا خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائى وبن ماجه باسناد حسن وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْفَاجِرِ فَهُوَ بِمَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ وَيُقَالُ الْحَلِفُ بِكَسْرِ اللام واسكانها وممن ذكر الاسكان بن السِّكِّيتِ فِي أَوَّلِ إِصْلَاحِ الْمَنْطِقِ وَأَمَّا الْفَلَاةُ بِفَتْحِ الْفَاءِ فَهِيَ الْمَفَازَةُ وَالْقَفْرُ

الَّتِي لَا أَنِيسَ بِهَا وَأَمَّا تَخْصِيصُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الشَّيْخَ الزَّانِي وَالْمَلِكَ الْكَذَّابَ وَالْعَائِلَ الْمُسْتَكْبِرَ بِالْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ سَبَبُهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْتَزَمَ الْمَعْصِيَةَ الْمَذْكُورَةَ مَعَ بُعْدِهَا مِنْهُ وَعَدَمِ ضَرُورَتِهِ إِلَيْهَا وَضَعْفِ دَوَاعِيهَا عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِذَنْبٍ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ إِلَى هَذِهِ الْمَعَاصِي ضَرُورَةٌ مُزْعِجَةٌ ولا دواعى متعادة أَشْبَهَ إِقْدَامُهُمْ عَلَيْهَا الْمُعَانَدَةَ وَالِاسْتِخْفَافَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَقَصْدَ مَعْصِيَتِهِ لَا لِحَاجَةٍ غَيْرِهَا فَإِنَّ الشَّيْخَ لِكَمَالِ عَقْلِهِ وَتَمَامِ مَعْرِفَتِهِ بِطُولِ مَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنَ الزَّمَانِ وَضَعْفِ أَسْبَابِ الْجِمَاعِ وَالشَّهْوَةِ لِلنِّسَاءِ وَاخْتِلَالِ دَوَاعِيهِ لِذَلِكَ عِنْدَهُ مَا يُرِيحُهُ مِنْ دَوَاعِي الْحَلَالِ فِي هَذَا وَيُخَلِّي سره منه فكيف بالزنى الْحَرَامِ وَإِنَّمَا دَوَاعِي ذَلِكَ الشَّبَابُ وَالْحَرَارَةُ الْغَرِيزِيَّةُ وَقِلَّةُ الْمَعْرِفَةِ وَغَلَبَةُ الشَّهْوَةِ لِضَعْفِ الْعَقْلِ وَصِغَرِ السِّنِّ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ لَا يَخْشَى مِنْ أَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مُدَاهَنَتِهِ وَمُصَانَعَتِهِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِنَّمَا يُدَاهِنُ وَيُصَانِعُ بِالْكَذِبِ وَشِبْهِهِ مَنْ يَحْذَرُهُ وَيَخْشَى أَذَاهُ وَمُعَاتَبَتَهُ أَوْ يَطْلُبُ عِنْدَهُ بِذَلِكَ مَنْزِلَةً أَوْ مَنْفَعَةً وَهُوَ غَنِيٌّ عَنِ الْكَذِبِ مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ الْعَائِلُ الْفَقِيرُ قَدْ عَدِمَ الْمَالَ وَإِنَّمَا سَبَبُ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَالتَّكَبُّرِ وَالِارْتِفَاعِ عَلَى الْقُرَنَاءِ الثَّرْوَةُ فِي الدُّنْيَا لِكَوْنِهِ ظَاهِرًا فِيهَا وَحَاجَاتُ أَهْلِهَا إِلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَسْبَابُهَا فَلِمَاذَا يَسْتَكْبِرُ وَيَحْتَقِرُ غَيْرَهُ فَلَمْ يَبْقَ فِعْلُهُ وَفِعْلُ الشَّيْخِ الزَّانِي وَالْإِمَامُ الْكَاذِبُ إِلَّا لِضَرْبٍ مِنَ الِاسْتِخْفَافِ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ فَمِنْهُمْ رَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ الْمَاءِ مِنَ بن السَّبِيلِ الْمُحْتَاجِ وَلَا شَكَّ فِي غِلَظِ تَحْرِيمِ مَا فَعَلَ وَشِدَّةِ قُبْحِهِ فَإِذَا كَانَ مَنْ يَمْنَعُ فَضْلَ الْمَاءِ الْمَاشِيَةَ عَاصِيًا فَكَيْفَ بِمَنْ يَمْنَعُهُ الْآدَمِيَّ الْمُحْتَرَمَ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِيهِ فَلَوْ كان بن السَّبِيلِ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ كَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ لَمْ يَجِبْ بَذْلُ الْمَاءِ لَهُ وَأَمَّا الْحَالِفُ كَاذِبًا بَعْدَ الْعَصْرِ فَمُسْتَحِقٌّ هَذَا الْوَعِيدَ وَخَصَّ مَا بَعْدَ الْعَصْرِ لِشَرَفِهِ بِسَبَبِ اجْتِمَاعِ مَلَائِكَةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَمَّا مُبَايِعُ الْإِمَامِ عَلَى الْوَجْهِ المذكور

(باب بيان غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه [109] (وأن من قتل

فَمُسْتَحِقٌّ هَذَا الْوَعِيدَ لِغِشِّهِ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامِهِمْ وَتَسَبُّبِهِ إِلَى الْفِتَنِ بَيْنَهُمْ بِنَكْثِهِ بَيْعَتَهُ لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ووقع فى معظم الأصول فى الرواية الثانية عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ثَلَاثٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ بِحَذْفِ الْهَاءِ وَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى مَعْنَى ثَلَاثُ أَنْفُسٍ وَجَاءَ الضَّمِيرُ فِي يُكَلِّمُهُمْ مُذَكَّرًا عَلَى الْمَعْنَى وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (بَابُ بَيَانِ غِلَظِ تَحْرِيمِ قَتْلِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ [109] (وَأَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي النَّارِ وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ) فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أبدا) وفى)

[110] الْحَدِيثِ الْآخَرِ (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِي شَيْءٍ لَا يَمْلِكُهُ) وَفِي رِوَايَةٍ (مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ سِوَى الْإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ (لَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنِ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً لِيَتَكَثَّرَ بِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا قِلَّةً وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ فَاجِرَةٍ) وَفِي الْبَابِ الْأَحَادِيثُ الْبَاقِيَةُ وَسَتَمُرَّ عَلَى أَلْفَاظِهَا وَمَعَانِيهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا الْأَسْمَاءُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِعِلْمِ الْإِسْنَادِ فَفِيهِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ تَقَدَّمَتْ مِنَ الكنى والدقائق كقوله حدثنا خالد يعنى بن الحرث فقد قدمنا بيان فائدة قوله هو بن الحرث وَكَقَوْلِهِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَالْأَعْمَشُ مُدَلِّسٌ وَالْمُدَلِّسُ إِذَا قَالَ عَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إِلَّا إِذَا ثَبَتَ السَّمَاعُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَقَدَّمْنَا أَنَّ مَا كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْمُدَلِّسِ بِعَنْ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ ثَبَتَ السَّمَاعُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَقَدْ جَاءَ هُنَا مُبَيَّنًا فِي الطَّرِيقِ الْآخَرِ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ وَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ إِلَخْ إِسْنَادُهُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ إِلَّا أَبَا هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ مَدَنِيٌّ وَاسْمُ الْأَشَجِّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَصِينٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ قَبْلَ مُسْلِمٍ بِأَرْبَعِ سِنِينَ وَقَوْلُهُ كُلُّهُمْ بِهَذَا الاسناد مثله

وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ ذَكْوَانَ يَعْنِي بِقَوْلِهِ هَذَا الْإِسْنَادَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةَ الْمَذْكُورِينَ وَهُمْ جَرِيرٌ وَعَبْثَرٌ وَشُعْبَةُ رَوَوْهُ عَنِ الْأَعْمَشِ كَمَا رَوَاهُ وَكِيعٌ فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى إِلَّا أَنَّ شُعْبَةَ زَادَ هُنَا فَائِدَةً حَسَنَةً فَقَالَ عَنْ سُلَيْمَانَ وَهُوَ الْأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ ذَكْوَانَ وَهُوَ أَبُو صَالِحٍ فَصَرَّحَ بِالسَّمَاعِ وَفِي الرِّوَايَاتِ الْبَاقِيَةِ يَقُولُ عَنْ وَالْأَعْمَشُ مُدَلِّسٌ لَا يُحْتَجُّ بِعَنْعَنَتِهِ إِلَّا إِذَا صَحَّ سَمَاعُهُ الَّذِي عَنْعَنَهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَبَيَّنَ مُسْلِمٌ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ صَحَّ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ أَبُو قِلَابَةَ هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وَقَوْلُهُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ قَالُوا إِنَّمَا قِيلَ لَهُ الْحَذَّاءُ لِأَنَّهُ كَانَ يَجْلِسُ فِي الْحَذَّائِينَ وَلَمْ يَحْذُ نَعْلًا قَطُّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَرُوِّينَا عَنْ فَهْدِ بْنِ حَيَّانَ بِالْمُثَنَّاةِ قَالَ لَمْ يَحْذُ خَالِدٌ قَطُّ وَإِنَّمَا كَانَ يَقُولُ احْذُوَا عَلَى هَذَا النَّحْوِ فَلُقِّبَ الْحَذَّاءُ وَهُوَ خَالِدُ بْنُ مِهْرَانَ أَبُو الْمُنَازِلِ بِضَمِّ الْمِيمِ وبالزاى واللام وَقَوْلُهُ (عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضِّحَاكِ الْأَنْصَارِيِّ) ثُمَّ تَحَوَّلَ الْإِسْنَادُ فَقَالَ (عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضِّحَاكِ) قَدْ يُقَالُ هَذَا تَطْوِيلٌ لِلْكَلَامِ عَلَى خِلَافِ عَادَةِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَكَانَ حَقُّهُ وَمُقْتَضَى عَادَتِهِ أَنْ يَقْتَصِرَ أَوَّلًا عَلَى أَبِي قِلَابَةَ ثُمَّ يَسُوقُ الطَّرِيقَ الْآخَرَ إِلَيْهِ فَأَمَّا ذِكْرُ ثَابِتٍ فَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ أَوَّلًا وَجَوَابُهُ أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ أَيُّوبَ نَسَبَ ثَابِتَ بْنَ الضِّحَاكِ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ وَلَمْ يَنْسُبهُ

فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ فِعْلِ مَا فعل ليصح ذكر نسبه قوله يعقوب القارىء هو بتشديد الياء تقدم قريبا وأبو حازم الراوى عن سهل بن ساعد السَّاعِدِيُّ اسْمُهُ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ وَالرَّاوِي عَن أَبِي هُرَيْرَةَ اسْمُه سَلْمَانُ مَوْلَى عَزَّةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا لُغَاتُ الْبَابِ وَشِبْهُهَا فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ هُوَ بِالْجِيمِ وَهَمْزِ آخِرِهِ وَيَجُوزُ تَسْهِيلُهُ بِقَلْبِ الْهَمْزَةِ أَلِفًا وَمَعْنَاهُ يَطْعَنُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَرَدَّى يَنْزِلُ وَأَمَّا جَهَنَّمُ فَهُوَ اسْمٌ لِنَارِ الْآخِرَةِ عَافَانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ بَلَاءٍ قَالَ يُونُسُ وَأَكْثَرُ النَّحْوِيِّينَ هِيَ عَجَمِيَّةٌ لَا تَنْصَرِفُ لِلْعُجْمَةِ وَالتَّعْرِيفِ وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ عَرَبِيَّةٌ لَمْ تُصْرَفْ لِلتَّأْنِيثِ وَالْعَلَمِيَّةِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِبُعْدِ قَعْرِهَا قَالَ رُؤْبَةُ يُقَالُ بِئْرٌ جَهَنَّامٌ أَيْ بَعِيدَةُ الْقَعْرِ وَقِيلَ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْجُهُومَةِ وَهِيَ الْغِلَظُ يُقَالُ جَهْمُ الْوَجْهِ أَيْ غَلِيظُهُ فَسُمِّيَتْ جَهَنَّمَ لِغِلَظِ أَمْرِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَرِبَ سَمًّا فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ هُوَ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْفَتْحُ أَفْصَحُهُنَّ الثَّالِثَةُ فِي الْمَطَالِعِ وَجَمْعُهُ سِمَامٌ وَمَعْنَى يَتَحَسَّاهُ يَشْرَبُهُ فِي تَمَهُّلٍ وَيَتَجَرَّعُهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنِ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً هَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ يُقَالُ دَعْوَى بَاطِلٌ وَبَاطِلَةٌ وَكَاذِبٌ وَكَاذِبَةٌ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَالتَّأْنِيثُ أَفْصَحُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَتَكَثَّرَ بِهَا فَضَبَطْنَاهُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ بَعْدَ الْكَافِ وَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَضَبَطَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ الْمُعْتَمَدِينَ فِي نُسْخَتِهِ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَلَهُ وَجْهٌ وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ أَيْ يَصِيرُ مَالُهُ كَبِيرًا عَظِيمًا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ فَاجِرَةٍ كَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ هَذَا الْقَدْرُ فَحَسْبُ وَفِيهِ مَحْذُوفٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي الْحَدِيثِ هُنَا الْخَبَرُ عَنْ هَذَا الْحَالِفِ إِلَّا أَنْ يَعْطِفَهُ عَلَى قَوْلِهِ قَبْلِهِ وَمَنِ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً لِيَتَكَثَّرَ بِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ بِهَا إِلَّا قِلَّةً أَيْ وَكَذَلِكَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ فَهُوَ مِثْلُهُ قَالَ وَقَدْ وَرَدَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ تَامًّا مُبَيَّنًا فِي حَدِيثٍ آخَرَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مال أمرىء مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ وَيَمِينُ الصَّبْرِ هِيَ الَّتِي أُلْزِمَ بها الحالف عند حاكم وَنَحْوِهِ وَأَصْلُ الصَّبْرِ الْحَبْسُ وَالْإِمْسَاكُ

[111] وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنًا) كَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رحمه الله صوابه خيبر بالخاء المعجمة وقوله (يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ الَّذِي قُلْتَ لَهُ آنِفًا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ) أَيْ قُلْتَ فى شأنه وفى سببه قال الفراء وبن الشَّجَرِيِّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ اللَّامُ قَدْ تَأْتِي بِمَعْنَى فِي وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وجل ونضع الموازين القسط ليوم القيامة أَيْ فِيهِ وَقَوْلُهُ آنِفًا أَيْ قَرِيبًا وَفِيهِ لُغَتَانِ الْمَدُّ وَهُوَ أَفْصَحُ وَالْقَصْرُ وَقَوْلُهُ (فَكَادَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرْتَابَ) كَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ أَنْ يَرْتَابَ فَأَثْبَتَ أَنْ مَعَ كَادَ وَهُوَ جَائِزٌ لَكِنَّهُ قَلِيلٌ وَكَادَ لِمُقَارَبَةِ الْفِعْلِ وَلَمْ يَفْعَلْ إِذَا لَمْ يَتَقَدَّمْهَا نَفْيٌ فَإِنْ تَقَدَّمَهَا كَقَوْلِكَ مَا كَادَ يَقُومُ كَانَتْ دَالَّةٌ عَلَى الْقِيَامِ لَكِنْ بَعْدَ بُطْءٍ كَذَا نَقَلَهُ الْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الْعَرَبِ وَاللُّغَةِ وَقَوْلُهُ (ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَنَادَى فِي النَّاسِ إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينِ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ) يَجُوزُ فِي إِنَّهُ وَإِنَّ كَسْرُ الْهَمْزَةِ وَفَتْحُهَا وَقَدْ قُرِئَ فِي السَّبْعِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ الله يبشرك بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا

[112] وَقَوْلُهُ (لَا يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا) الشَّاذُّ وَالشَّاذَّةُ الْخَارِجُ وَالْخَارِجَةُ عَنْ الْجَمَاعَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّثَ الْكَلِمَةَ عَلَى مَعْنَى النَّسَمَةِ أَوْ تَشْبِيهِ الْخَارِجِ بِشَاذَّةِ الْغَنَمِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَدَعُ أَحَدًا عَلَى طَرِيقِ المبالغة قال بن الْأَعْرَابِيِّ يُقَالُ فُلَانٌ لَا يَدَعُ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِذَا كَانَ شُجَاعًا لَا يَلْقَاهُ أَحَدٌ إِلَّا قَتَلَهُ وَهَذَا الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ لَا يَدَعُ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً اسْمُهُ قُزْمَانُ قَالَهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ وَكَانَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَقَوْلُهُ (مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ مَا أَجْزَأَ فُلَانٌ) مَهْمُوزٌ مَعْنَاهُ مَا أَغْنَى وَكَفَى أَحَدٌ غِنَاءَهُ وَكِفَايَتَهُ قَوْلُهُ (فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ أَنَا صَاحِبُهُ) كَذَا فِي الْأُصُولِ وَمَعْنَاهُ أَنَا أَصْحَبُهُ فِي خُفْيَةٍ وَأُلَازِمُهُ لِأَنْظُرَ السَّبَبَ الَّذِي بِهِ يَصِيرُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَإِنَّ فِعْلَهُ فِي الظَّاهِرِ جَمِيلٌ وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ عَجِيبٍ قَوْلُهُ (وَوَضَعَ ذُبَابَ السَّيْفِ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ) هُوَ بِضَمِّ الذَّالِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُكَرَّرَةِ وَهُوَ طَرَفَهُ الْأَسْفَلُ وَأَمَّا طَرَفَهُ الْأَعْلَى فَمِقْبَضُهُ وَقَوْلُهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ هُوَ تَثْنِيَةُ ثَدْيٍ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَهُوَ يُذَكَّرُ عَلَى اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ الَّتِي اقْتَصَرَ عَلَيْهَا الفراء وثعلب وغيرهما وحكى بن فَارِسٍ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِيهِ التَّذْكِيرَ

والتأنيث قال بن فَارِسٍ الثَّدْيُ لِلْمَرْأَةِ وَيُقَالُ لِذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنَ الرَّجُلِ ثَنْدُوَةٌ وَثُنْدُؤَةٌ بِالْفَتْحِ بِلَا هَمْزَةٍ وَبِالضَّمِّ مَعَ الْهَمْزَةِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالثَّدْيُ لِلْمَرْأَةِ وَلِلرَّجُلِ فعلى قول بن فَارِسٍ يَكُونُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَدِ اسْتَعَارَ الثَّدْيَ لِلرَّجُلِ وَجَمْعُ الثَّدْيِ أَثْدٍ وَثُدِيٌّ وَثِدِيٌّ بِضَمِّ الثَّاءِ وَكَسْرِهَا [113] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَرَجَتْ بِرَجُلٍ قَرْحَةٌ فَآذَتْهُ فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَنَكَأَهَا فَلَمْ يَرْقَأِ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى خَرَجَ بِهِ خُرَّاجٌ الْقَرْحَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهِيَ وَاحِدَةُ الْقُرُوحِ وَهِيَ حَبَّاتٌ تَخْرُجُ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ وَالْكِنَانَةُ بِكَسْرِ الْكَافِ وَهِيَ جَعْبَةُ النُّشَّابِ مَفْتُوحَةٌ الْجِيمِ سُمِّيَتْ كِنَانَةٌ لِأَنَّهَا تَكِنُّ السِّهَامَ أَيْ تَسْتُرُهَا وَمَعْنَى نَكَأَهَا قَشَرَهَا وَخَرَقَهَا وَفَتَحَهَا وَهُوَ مَهْمُوزٌ وَمَعْنَى لَمْ يَرْقَأِ الدَّمُ أَيْ لَمْ يَنْقَطِعْ وَهُوَ مَهْمُوزٌ يُقَالُ رَقَأَ الدَّمُ وَالدَّمْعُ يرقأ

رُقُوءًا مِثْلُ رَكَعَ يَرْكَعُ رُكُوعًا إِذَا سَكَنَ وَانْقَطَعَ وَالْخُرَاجُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَهُوَ الْقُرْحَةُ قَوْلُهُ (فَمَا نَسِينَا وَمَا نَخْشَى أَنْ يَكُونَ كَذَبَ) هُوَ نَوْعٌ مِنْ تَأْكِيدِ الْكَلَامِ وَتَقْوِيَتِهِ فِي النَّفْسِ أَوِ الْإِعْلَامِ بِتَحْقِيقِهِ وَنَفْيِ تَطَرُّقِ الْخَلَلِ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا أَحْكَامُ الْحَدِيثِ وَمَعَانِيهَا فَفِيهَا بَيَانُ غِلَظِ تَحْرِيمِ قتل نفسه وَالْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ الَّتِي يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ غَيْرِهِ وَالْحَلِفُ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَقَوْلِهِ هُوَ يَهُودِيٌّ أو نصرانى ان كان كذا أو واللات وَالْعُزَّى وَشِبْهُ ذَلِكَ وَفِيهَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا يَلْزَمُ بِهَذَا النَّذْرِ شَيْءٌ وَفِيهَا تَغْلِيظُ تَحْرِيمِ لَعَنِ الْمُسْلِمِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يَجُوزُ لَعْنُ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا الدَّوَابِّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَاسِقِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ لَعْنُ أَعْيَانِ الْكُفَّارِ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا إِلَّا مَنْ عَلِمْنَا بِالنَّصِّ أَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا كَأَبِي لَهَبٍ وَأَبِي جَهْلٍ وَشِبْهِهِمَا وَيَجُوزُ لَعْنُ طَائِفَتِهِمْ كَقَوْلِكَ لَعَنَ اللَّهُ الْكُفَّارَ وَلَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي أَصْلِ التَّحْرِيمِ وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ أَغْلَظَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا مِمَّا لَيْسَ بِظَاهِرٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا فَقِيلَ فِيهِ أَقْوَالٌ أَحَدُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُسْتَحِلًّا مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ فَهَذَا كَافِرٌ وَهَذِهِ عُقُوبَتُهُ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخُلُودِ طُولُ الْمُدَّةِ وَالْإِقَامَةِ الْمُتَطَاوِلَةِ لَا حَقِيقَةَ الدَّوَامِ كَمَا يُقَالُ خَلَّدَ اللَّهُ مُلْكَ السُّلْطَانِ وَالثَّالِثُ أَنَّ هَذَا جَزَاؤُهُ وَلَكِنْ تَكَرَّمَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُخَلِّدُ فِي النَّارِ مَنْ مَاتَ مُسْلِمًا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ مِنَ الْقَاتِلِ يَكُونُ بِمَا قَتَلَ به محددا كان أو غيره اقتداء لعقاب اللَّهِ تَعَالَى لِقَاتِلِ نَفْسِهِ وَالِاسْتِدْلَالُ

بِهَذَا لِهَذَا ضَعِيفٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَفِيهِ بَيَانٌ لِغِلَظِ تَحْرِيمِ هَذَا الْحَلِفِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاذِبًا لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ التَّقْيِيدَ وَالِاحْتِرَازَ مِنَ الْحَلِفِ بِهَا صَادِقًا لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ الْحَالِفُ بِهَا عَنْ كَوْنِهِ كَاذِبًا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُعَظِّمًا لِمَا حَلَفَ بِهِ فَإِنْ كَانَ مُعْتَقِدًا عَظَمَتَهُ بِقَلْبِهِ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي الصُّورَةِ لِكَوْنِهِ عَظَّمَهُ بِالْحَلِفِ بِهِ وَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ كَوْنِهِ كَاذِبًا حُمِلَ التَّقْيِيدُ بِكَاذِبًا عَلَى أَنَّهُ بَيَانٌ لِصُورَةٍ الْحَالِفَ وَيَكُونُ التَّقْيِيدُ خَرَجَ عَلَى سَبَبٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ وَيَكُونُ مِنْ بَابِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَقْتُلُونَ الانبياء بغير حق وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ وقوله تعالى وربائبكم اللاتى فى حجوركم وَقَوْلُهُ تَعَالَى فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ ان خفتم وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أردن تحصنا وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ ثُمَّ إِنْ كَانَ الْحَالِفُ بِهِ معظما لما حلف به مجلاله كَانَ كَافِرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَظِّمًا بَلْ كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي حَلِفِهِ بِمَا لَا يَحْلِفُ بِهِ وَمُعَامَلَتُهُ إِيَّاهُ مُعَامَلَةَ مَا يَحْلِفُ بِهِ وَلَا يَكُونُ كَافِرًا خَارِجًا عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ وَيَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْكُفْرِ وَيُرَادُ بِهِ كُفْرُ الْإِحْسَانِ وَكُفْرُ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهَا تَقْتَضِي أَنْ لَا يَحْلِفَ هَذَا الْحَلِفَ الْقَبِيحَ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا وَرَدَ مِنْ مِثْلِ هَذَا مِمَّا ظَاهِرُهُ تَكْفِيرُ أَصْحَابِ الْمَعَاصِي إِنَّ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ التَّغْلِيظِ وَالزَّجْرِ عَنْهُ وَهَذَا مَعْنًى مَلِيحٌ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُضَمَّ إِلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ كَافِرَ النِّعَمِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً لِيَتَكَثَّرَ بِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلَّا قِلَّةً فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ دَعْوَى يَتَشَبَّعُ بِهَا الْمَرْءُ بِمَا لَمْ يُعْطَ مِنْ مَالٍ يَخْتَالُ فِي التَّجَمُّلِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ نَسَبٍ يَنْتَمِي إِلَيْهِ أَوْ عِلْمٍ يَتَحَلَّى بِهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ حَمَلَتِهِ أَوْ دِينٍ يُظْهِرُهُ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهِ فَقَدْ أَعْلَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُبَارَكٍ لَهُ فِي دَعْوَاهُ وَلَا زَاكٍ مَا اكْتَسَبَهُ بِهَا وَمِثْلُهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْبِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الرَّجُلَ لِيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لِيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَفِيهِ التَّحْذِيرُ مِنَ الِاغْتِرَارِ بِالْأَعْمَالِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ لَا يَتَّكِلَ عَلَيْهَا وَلَا يَرْكَنَ إِلَيْهَا مَخَافَةً مِنَ انْقِلَابِ الْحَالِ لِلْقَدْرِ السَّابِقِ وَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاصِي أَنْ لَا يَقْنَطَ ولغيره

(باب غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا

أَنْ لَا يُقَنِّطَهُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الرَّجُلَ لِيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَكَذَا عَكْسُهُ أَنَّ هَذَا قَدْ يَقَعُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خَرَجَتْ بِهِ قَرْحَةٌ فَلَمَّا آذَتْهُ انْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَنَكَأَهَا فَلَمْ يَرْقَأِ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ قَالَ رَبُّكُمْ قَدْ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَحِلًّا أَوْ يُحْرَمُهَا حِينَ يَدْخُلُهَا السَّابِقُونَ وَالْأَبْرَارُ أَوْ يُطِيلُ حِسَابَهُ أَوْ يُحْبَسُ فِي الْأَعْرَافِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي قُلْتُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ شَرْعَ أَهْلِ ذَلِكَ الْعَصْرِ تَكْفِيرُ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ ثُمَّ إِنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ نَكَأَهَا اسْتِعْجَالًا لِلْمَوْتِ أَوْ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْمُدَاوَاةِ الَّتِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ نَفْعُهَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ غِلَظِ تَحْرِيمِ الْغُلُولِ وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ [114] فِيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ فُلَانٌ شَهِيدٌ حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّا إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا بن الْخَطَّابِ اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ قَالَ فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ)

أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلِ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ) وَفِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ نَحْوِ مَعْنَاهُ فِي الْإِسْنَادِ أَبُو زُمَيْلٍ بِضَمِّ الزَّايِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ وَتَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرَهُ رَاءٌ فَهَكَذَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ وَهُوَ الصَّوَابُ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ أَكْثَرَ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ رَوَوْهُ هَكَذَا وَأَنَّهُ الصَّوَابُ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ حُنَيْنٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّا زَجْرٌ وَرَدٌّ لِقَوْلِهِمْ فِي هَذَا الرَّجُلِ إِنَّهُ شَهِيدٌ مَحْكُومٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ أَوَّلَ وَهْلَةٍ بَلْ هُوَ فِي النَّارِ بِسَبَبِ غُلُولِهِ [115] وَقَوْلُهُ (ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ الدِّيلِيُّ) هُوَ هُنَا بِكَسْرِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ الْمَوْجُودَةِ بِبِلَادِنَا وَفِي بَعْضِهَا الدُّؤَلِيُّ بِضَمِّ الدَّالِ وَبِالْهَمْزَةِ بَعْدَهَا الَّتِي تُكْتَبُ صُورَتُهَا وَاوًا وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ ضَبَطَهُ هُنَا عَنْ أَبِي بَحْرٍ دُوَلِيٌّ بِضَمِّ الدَّالِ وَبِوَاوٍ سَاكِنَةٍ قَالَ وَضَبَطْنَاهُ عَنْ غَيْرِهِ بِكَسْرِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ قَالَ وَكَذَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَغَيْرُهُمَا قُلْتُ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ أَنَّ ثَوْرًا هَذَا مِنْ رَهْطِ أَبِي الْأَسْوَدِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا فِي أَبِي الْأَسْوَدِ وَقَوْلُهُ (عن سالم أبى الغيث مولى بن مُطِيعٍ) هَذَا صَحِيحٌ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ أَبَا الْغَيْثِ هَذَا يُسَمَّى سَالِمًا وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ التَّمْهِيدُ لَا يُوقَفُ عَلَى اسْمِهِ صَحِيحًا فَلَيْسَ بمعارض لهذا الاثبات الصحيح واسم بن مُطِيعٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعِ بْنِ الْأَسْوَدِ الْقُرَشِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ أَمَّا الْبُرْدَةُ بِضَمِّ الْبَاءِ فَكِسَاءٌ مُخَطَّطٌ وَهِيَ الشَّمْلَةُ وَالنَّمِرَةُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ كِسَاءٌ أَسْوَدُ فِيهِ صُوَرٌ وَجَمْعُهَا بُرَدٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَأَمَّا الْعَبَاءَةُ فَمَعْرُوفَةٌ وَهِيَ مَمْدُودَةٌ وَيُقَالُ فِيهَا أَيْضًا عَبَايَةٌ بِالْيَاءِ قَالَهُ بن السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بُرْدَةٍ أَيْ مِنْ أَجْلِهَا وَبِسَبَبِهَا وَأَمَّا الْغُلُولُ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ الْخِيَانَةُ

فِي الْغَنِيمَةِ خَاصَّةً وَقَالَ غَيْرُهُ هِيَ الْخِيَانَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَيُقَالُ مِنْهُ غَلَّ يَغُلُّ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَقَوْلُهُ (رَجُلٌ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ) هُوَ بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتَ سَاكِنَةٍ ثُمَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ قَوْلُهُ (يَحُلُّ رَحْلُهُ) هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ مَرْكَبُ الرَّجُلِ عَلَى الْبَعِيرِ وَقَوْلُهُ (فَكَانَ فِيهِ حَتْفُهُ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ أَيْ مَوْتُهُ وَجَمْعُهُ حُتُوفٌ وَمَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَيْ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ وَلَا ضَرْبٍ قَوْلُهُ (فَجَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ) كَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَفِيهِ حَذْفُ الْمَفْعُولِ أَيْ أَصَبْتُ هَذَا وَالشِّرَاكُ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ السَّيْرُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يَكُونُ فِي النَّعْلِ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ قال القاضي عياض رحمه الله قوله النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الشَّمْلَةَ لَتَلْتَهِبُ عَلَيْهِ نَارًا) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ) تَنْبِيهٌ عَلَى الْمُعَاقَبَةِ عَلَيْهِمَا وَقَدْ تَكُونُ الْمُعَاقَبَةُ بِهِمَا أَنْفُسُهُمَا فَيُعَذَّبُ بِهِمَا وَهُمَا مِنْ نَارٍ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا سَبَبٌ لِعَذَابِ النَّارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدٌ لَهُ) فَاسْمُهُ مِدْعَمٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ كَذَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْمُوَطَّأِ فِي هذا الحديث بعينه قال الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقِيلَ إِنَّهُ غَيْرُ مِدْعَمٍ قَالَ وَوَرَدَ فِي حَدِيثٍ مِثْلِ هَذَا اسْمُهُ كَرْكِرَةُ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وكركرة بِفَتْحِ الْكَافِ الْأُولَى وَكَسْرِهَا وَأَمَّا

(باب الدليل على أن قاتل نفسه لا يكفر [116] فيه حديث جابر

الثَّانِيَةُ فَمَكْسُورَةٌ فِيهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَحْكَامُ الْحَدِيثِينَ فَمِنْهَا غِلَظُ تَحْرِيمِ الْغُلُولِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ حَتَّى الشِّرَاكُ وَمِنْهَا أَنَّ الْغُلُولَ يَمْنَعُ مِنْ إِطْلَاقِ اسْمِ الشَّهَادَةِ عَلَى مَنْ غَلَّ إِذَا قُتِلَ وَسَيَأْتِي بَسْطُ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَدْخُلِ الْجَنَّةَ أَحَدٌ مِمَّنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْهَا جَوَازُ الْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ غَلَّ شَيْئًا مِنَ الْغَنِيمَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَأَنَّهُ إِذَا رَدَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَا يُحْرَقُ مَتَاعُهُ سَوَاءٌ رَدَّهُ أَوْ لَمْ يَرُدَّهُ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحَرِّقْ مَتَاعَ صَاحِبِ الشَّمْلَةِ وَصَاحِبِ الشِّرَاكِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَفَعَلَهُ وَلَوْ فَعَلَهُ لَنُقِلَ وَأَمَّا الْحَدِيثُ مَنْ غَلَّ فَاحْرِقُوا مَتَاعَهُ وَاضْرِبُوهُ وَفِي رِوَايَةٍ وَاضْرِبُوا عُنُقَهُ فَضَعِيفٌ بَيَّنَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ ضَعْفَهُ قَالَ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَكَانَ مَنْسُوخًا وَيَكُونُ هَذَا حِينَ كَانَتِ الْعُقُوبَاتِ فِي الْأَمْوَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ قَاتِلَ نَفْسَهُ لَا يَكْفُرُ [116] فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ فَمَرِضَ فَجَزِعَ فَأَخَذَ مَشَاقِصَ)

فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ فَرَآهُ الطُّفَيْلُ فِي مَنَامِهِ وَهَيْئَتِهِ حَسَنَةٌ وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ فَقَالَ غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَالِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ قَالَ قِيلَ لِي لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ) قَوْلُهُ فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ هُوَ بِضَمِّ الْوَاوِ الثَّانِيَةِ ضَمِيرُ جَمْعٍ وَهُوَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الطُّفَيْلِ وَالرَّجُلِ الْمَذْكُورِ وَمَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا وَمَعْنَاهُ كَرِهُوا الْمُقَامَ بِهَا لِضَجَرٍ وَنَوْعٍ مِنْ سَقَمٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا اجْتَوَيْتُ الْبَلَدَ إِذَا كَرِهْتُ الْمَقَامَ بِهِ وَإِنْ كُنْتُ فِي نِعْمَةٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَأَصْلُهُ مِنَ الْجَوَى وَهُوَ دَاءٌ يُصِيبُ الْجَوْفَ وَقَوْلُهُ فَأَخَذَ مَشَاقِصَ هِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ جَمْعُ مِشْقَصٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ قال الخليل وبن فَارِسٍ وَغَيْرُهُمَا هُوَ سَهْمٌ فِيهِ نَصْلٌ عَرِيضٌ وَقَالَ آخَرُونَ سَهْمٌ طَوِيلٌ لَيْسَ بِالْعَرِيضِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْمِشْقَصُ مَا طَالَ وَعَرُضَ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ هُنَا لِقَوْلِهِ قَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْعَرِيضِ وَأَمَّا الْبَرَاجِمُ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْجِيمِ فَهِيَ مَفَاصِلُ الْأَصَابِعِ وَاحِدَتهَا برجمة وقوله فَشَخَبَتْ يَدَاهُ هُوَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ أَيْ سَالَ دَمُهُمَا وَقِيلَ سَالَ بِقُوَّةٍ وَقَوْلُهُ هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنَعَةٍ هِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِهَا لُغَتَانِ ذَكَرَهُمَا بن السِّكِّيتِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْفَتْحُ أَفْصَحُ وَهِيَ الْعِزُّ وَالِامْتِنَاعُ مِمَّنْ يُرِيدُهُ وَقِيلَ الْمَنَعَةُ جَمْعُ مَانِعٍ كَظَالِمِ وَظَلَمَةٍ أَيْ جَمَاعَةً يَمْنَعُونَكَ مِمَّنْ يَقْصِدُكَ بِمَكْرُوهٍ أَمَّا أَحْكَامُ الْحَدِيثِ فَفِيهِ حُجَّةٌ لِقَاعِدَةٍ عظيمة

(باب في الريح التي تكون قرب القيامة تقبض (من في

لِأَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ أَوِ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً غَيْرَهَا وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ وَلَا يُقْطَعُ لَهُ بِالنَّارِ بَلْ هُوَ فِي حُكْمِ الْمَشِيئَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْقَاعِدَةِ وَتَقْرِيرُهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ شَرْحٌ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي قَبْلَهُ الْمُوهِمُ ظَاهِرُهَا تَخْلِيدَ قَاتِلِ النَّفْسِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ فِي النَّارِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ عُقُوبَةِ بَعْضِ أَصْحَابِ الْمَعَاصِي فَإِنَّ هَذَا عُوقِبَ فِي يَدَيْهِ فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمَعَاصِيَ لَا تَضُرُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب فِي الرِّيحِ الَّتِي تَكُونُ قُرْبَ الْقِيَامَةِ تَقْبِضُ (مَنْ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنْ الْإِيمَانِ) [117] فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْعَثُ رِيحًا مِنَ الْيَمَنِ أَلْيَنُ مِنَ الْحَرِيرِ فَلَا تَدَعْ أَحَدًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ) أَمَّا إِسْنَادُهُ فَفِيهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَأَبُو عَلْقَمَةَ الْفَرْوِيُّ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى آلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَقَدْ جَاءَتْ فِي هَذَا النَّوْعِ أَحَادِيثُ مِنْهَا لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ وَمِنْهَا لَا تَقُومُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ اللَّهُ اللَّهُ وَمِنْهَا لَا تَقُومُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ وَهَذِهِ كُلُّهَا وَمَا فِي مَعْنَاهَا عَلَى ظَاهِرِهَا وَأَمَّا الْحَدِيثُ الآخر لاتزال طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ لِأَنَّ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقْبِضَهُمْ هَذِهِ الرِّيحُ اللَّيِّنَةُ قُرْبَ الْقِيَامَةِ وَعِنْدَ تَظَاهُرِ أَشْرَاطِهَا فَأَطْلَقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَقَاءَهُمْ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ عَلَى أَشْرَاطِهَا وَدُنُوَّهَا الْمُتَنَاهِيَ فِي الْقُرْبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْقَالُ حَبَّةٍ أَوْ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَفِيهِ بَيَانٌ لِلْمَذْهَبِ الصحيح)

(باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن

أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِيحًا أَلْيَنَ مِنَ الْحَرِيرِ فَفِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِشَارَةٌ إِلَى الرِّفْقِ بِهِمْ والا كرام لَهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَجَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَبْعَثُ اللَّهُ تَعَالَى رِيحًا مِنَ الْيَمَنِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْكِتَابِ عَقِبَ أَحَادِيثِ الدَّجَّالِ رِيحًا مِنْ قِبَلِ الشَّامِ وَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا رِيحَانِ شَامِيَّةٌ وَيَمَانِيَةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَبْدَأَهَا مِنْ أَحَدِ الْإِقْلِيمَيْنِ ثُمَّ تَصِلُ الْآخَرَ وَتَنْتَشِرُ عِنْدَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب الْحَثِّ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِالْأَعْمَالِ قَبْلَ تَظَاهُرِ الْفِتَنِ [118] فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا) مَعْنَى الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ تَعَذُّرِهَا وَالِاشْتِغَالِ عَنْهَا بِمَا يَحْدُثُ مِنَ الْفِتَنِ الشَّاغِلَةِ الْمُتَكَاثِرَةِ الْمُتَرَاكِمَةِ كَتَرَاكُمِ ظَلَامِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ لَا الْمُقْمِرِ وَوَصَفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوْعًا مِنْ شَدَائِدِ تِلْكَ الْفِتَنِ وَهُوَ أَنَّهُ يُمْسِي مُؤْمِنًا ثُمَّ يُصْبِحُ كَافِرًا أَوْ عَكْسُهُ شَكَّ الرَّاوِي وَهَذَا لِعِظَمِ الْفِتَنِ يَنْقَلِبُ الْإِنْسَانُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ هَذَا الِانْقِلَابَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ) باب مَخَافَةِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ [119] فِيهِ قِصَّةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَخَوْفُهُ حِينَ نَزَلَتْ لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ

صوت النبى الْآيَةَ وَكَانَ ثَابِتٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَهِيرَ الصَّوْتِ وَكَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ وَكَانَ خَطِيبَ الْأَنْصَارِ وَلِذَلِكَ اشْتَدَّ حَذَرُهُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ وَكَبِيرِ الْقَوْمِ أَنْ يَتَفَقَّدَ أَصْحَابَهُ وَيَسْأَلَ عَمَّنْ غَابَ مِنْهُمْ وَقَوْلُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ (حَدَّثَنَا قَطَنُ بْنُ نُسَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ) فِيهِ لَطِيفَةٌ وَهُوَ أَنَّهُ اسناد كله بصريون وقطن بفتح القاف والطاء المهملة وبالنون ونسير بَنُونَ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ رَاءٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ نُسَيْرٌ غَيْرُهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ الْمَذْكُورَةِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ إِنْكَارَ مَنْ أَنْكَرَ عَلَى مُسْلِمٍ رِوَايَتَهُ عَنْهُ وَجَوَابَهُ وَفِي

(باب هل يؤاخذ بأعمال الجاهلية [120] قال مسلم (حدثنا عثمان

الْإِسْنَادِ الْآخَرِ حَبَّانُ هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ والباء الموحدة وهو بن هِلَالٍ وَكُلُّ هَذَا الْإِسْنَادُ أَيْضًا بَصْرِيُّونَ إِلَّا أَحْمَدَ بْنَ سَعِيدٍ الدَّارِمِيَّ فِي أَوَّلِهِ فَإِنَّهُ نَيْسَابُورِيٌّ وَقَوْلُ مُسْلِمٍ (حَدَّثَنَا هُرَيْمُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ) هَذَا الاسناد أيضا كله بصريون حقيقة وهريم بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَقَوْلُهُ (فَكُنَّا نَرَاهُ يَمْشِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ رَجُلًا وَفِي بَعْضِهَا رَجُلٌ وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ الْأَوَّلُ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْهَاءِ فِي نَرَاهُ وَالثَّانِي عَلَى الِاسْتِئْنَافِ (باب هَلْ يُؤَاخَذُ بِأَعْمَالِ الْجَاهِلِيَّةِ [120] قَالَ مُسْلِمٌ (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ أُنَاسٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ أَمَّا مَنْ أَحْسَنَ مِنْكُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهَا وَمَنْ أَسَاءَ أُخِذَ بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ) قَالَ مُسْلِمٌ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ)

(باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الحج والهجرة

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي وَوَكِيعٌ قَالَ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَذَكَرَهُ) قال مسلم (حدثنا منجاب أخبرنا بن مُسْهِرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ) هَذِهِ الْأَسَانِيدُ الثَّلَاثَةُ كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ وَهَذَا مِنْ أَطْرَفِ النَّفَائِسِ لِكَوْنِهَا أَسَانِيدَ مُتَلَاصِقَةً مُسَلْسَلَةً بِالْكُوفِيِّينَ وَعَبْدُ اللَّهِ هو بن مَسْعُودٍ وَمِنْجَابٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَالصَّحِيحُ فِيهِ مَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِحْسَانِ هُنَا الدُّخُولُ فِي الْإِسْلَامِ بِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ جَمِيعًا وَأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا حَقِيقِيًّا فَهَذَا يُغْفَرُ لَهُ مَا سَلَفَ فِي الْكُفْرِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْإِسْلَامُ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ وَبِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُرَادُ بِالْإِسَاءَةِ عَدَمُ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ بِقَلْبِهِ بَلْ يَكُونُ مُنْقَادًا فى الظاهر مظهرا لِلشَّهَادَتَيْنِ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ لِلْإِسْلَامِ بِقَلْبِهِ فَهَذَا مُنَافِقٌ بَاقٍ عَلَى كُفْرِهِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فَيُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ إِظْهَارِ صُورَةِ الْإِسْلَامِ وَبِمَا عَمِلَ بَعْدَ إِظْهَارِهَا لِأَنَّهُ مُسْتَمِرٌّ عَلَى كُفْرِهِ وَهَذَا مَعْرُوفٌ فِي اسْتِعْمَالِ الشَّرْعِ يَقُولُونَ حَسُنَ إِسْلَامُ فُلَانٍ إِذَا دَخَلَ فِيهِ حَقِيقَةً بِإِخْلَاصٍ وَسَاءَ إِسْلَامُهُ أَوْ لَمْ يَحْسُنُ إِسْلَامُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب كَوْنِ الْإَسْلَامِ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ وَكَذَا الْحَجُّ وَالْهِجْرَةُ [121] فِيهِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي رَضِيَ الله عنه وقصة وفاته وفيه حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)

فِي سَبَبِ نُزُولِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخر وَقَوْلُهُ تَعَالَى يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أنفسهم فَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرٍو فَنَتَكَلَّمُ فِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ ثم نعود إلى حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَمَّا إِسْنَادُهُ فَفِيهِ محمد بن مثنى العنزى بفتح العين والنون وأبو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ اسْمُهُ زيد بن يزيد وأبو عَاصِمٍ هُوَ النَّبِيلُ وَاسْمُهُ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ وبن شَمَاسَةَ الْمَهْرِيُّ وَشَمَاسَةُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ فِي أَوَّلِهِ بِفَتْحِهَا وَضَمِّهَا ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَالْمِيمِ مُخَفَّفَةٌ وَآخِرُهُ سِينٍ مُهْمَلَةٌ ثُمَّ هَاءٌ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَمَاسَةَ بْنِ ذِئْبٍ أَبُو عَمْرٍو وقيل أبو عبد الله والمهرى بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَبِالرَّاءِ وَأَمَّا أَلْفَاظُ مَتْنِهِ فَقَوْلُهُ (فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ) هُوَ بِكَسْرِ السين أى حال حضور الموت وقوله (أفضل ما نعد) هو بضم النون وقوله (كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلَاثٍ) أَيْ عَلَى أَحْوَالٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ فَلِهَذَا أَنَّثَ ثَلَاثًا إِرَادَةً لِمَعْنَى أَطْبَاقٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(تَشْتَرِطُ بِمَاذَا) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِمَا بِإِثْبَاتِ الْبَاءِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً لِلتَّوْكِيدِ كَمَا فِي نَظَائِرِهَا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ دَخَلَتْ عَلَى مَعْنَى تَشْتَرِطُ وَهُوَ تَحْتَاطُ أَيْ تَحْتَاطُ بِمَاذَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْإِسْلَامُ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ) أَيْ يُسْقِطُهُ وَيَمْحُو أَثَرَهُ قَوْلُهُ (وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مِنْ عَيْنَيَّ عَلَى التَّثْنِيَةِ قَوْلُهُ (فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَسُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ سَنًّا) ضَبَطْنَاهُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُعْجَمَةِ وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي إِنَّهُ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ قَالَ وَهُوَ الصَّبُّ وَقِيلَ بِالْمُهْمَلَةِ الصب فى سهولة وبالمعجمة التفريق وَقَوْلُهُ (قَدْرَ مَا يُنْحَرُ جَزُورٍ) هِيَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهِيَ مِنَ الْإِبِلِ أَمَّا أَحْكَامُهُ فَفِيهِ عِظَمُ مَوْقِعِ الْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ وَالْحَجِّ وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْمَعَاصِي وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَنْبِيهِ الْمُحْتَضَرِ عَلَى إِحْسَانِ ظَنِّهِ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَذِكْرِ آيَاتِ الرَّجَاءِ وَأَحَادِيثِ الْعَفْوِ عِنْدَهُ وَتَبْشِيرِهِ بِمَا أَعَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ وَذِكْرِ حُسْنِ أَعْمَالِهِ عِنْدَهُ لِيَحْسُنَ ظَنُّهُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَيَمُوتَ عَلَيْهِ وَهَذَا الْأَدَبُ مُسْتَحَبٌّ بِالِاتِّفَاقِ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ لَهُ مِنْ هَذَا الحديث قول بن عَمْرٍو لِأَبِيهِ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا وَفِيهِ مَا كَانَتِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَيْهِ مِنْ تَوْقِيرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِجْلَالِهِ وَفِي قَوْلِهِ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ امْتِثَالٌ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ كَرِهَ الْعُلَمَاءُ ذَلِكَ فَأَمَّا النِّيَاحَةُ فَحَرَامٌ وَأَمَّا اتِّبَاعُ الْمَيِّتِ بِالنَّارِ فَمَكْرُوهٌ لِلْحَدِيثِ ثُمَّ قِيلَ سَبَبُ الْكَرَاهَةِ كَوْنُهُ

من شعار الجاهلية وقال بن حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ كَرِهَ تَفَاؤُلًا بِالنَّارِ وَفِي قَوْلِهِ فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ اسْتِحْبَابُ صَبِّ التُّرَابِ فِي الْقَبْرِ وَأَنَّهُ لَا يُقْعَدُ عَلَى الْقَبْرِ بِخِلَافِ مَا يُعْمَلُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَقَوْلُهُ ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي فِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا إِثْبَاتُ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَسُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ الْمُكْثِ عِنْدَ الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ لَحْظَةً نَحْوَ مَا ذُكِرَ لِمَا ذُكِرَ وَفِيهِ أَنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ حِينَئِذٍ مَنْ حَوْلَ الْقَبْرِ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ لِجَوَازِ قِسْمَةِ اللَّحْمِ الْمُشْتَرَكِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الرَّطْبَةِ كَالْعِنَبِ وَفِي هَذَا خِلَافٌ لِأَصْحَابِنَا مَعْرُوفٌ قَالُوا إِنْ قُلْنَا بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْقِسْمَةَ تَمْيِيزُ حَقٍّ لَيْسَتْ بِبَيْعٍ جَازَ وَإِنْ قُلْنَا بَيْعٌ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجُوزُ لِلْجَهْلِ بِتَمَاثُلِهِ فِي حَالِ الْكَمَالِ فَيُؤَدِّي إِلَى الرِّبَا وَالثَّانِي يَجُوزُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْحَالِ فَإِذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ فَطَرِيقُهَا أَنْ يُجْعَلَ اللَّحْمُ وَشِبْهُهُ قِسْمَيْنِ ثُمَّ يَبِيعُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ نَصِيبَهُ مِنْ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا ثُمَّ يَبِيعُ الْآخَرُ نَصِيبَهُ مِنَ الْقِسْمِ الْآخَرِ لِصَاحِبِهِ بِذَلِكَ الدِّرْهَمَ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ فَيَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِسْمٌ بِكَمَالِهِ وَلَهَا طُرُقٌ غَيْرُ هَذَا لَا حَاجَةَ إِلَى الْإِطَالَةِ بها هنا والله أعلم [122] وأما حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَمُرَادُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْهُ أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَزِيزَ جَاءَ بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ كَوْنِ الْإِسْلَامِ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ فِيهِ (وَلَوْ تُخْبِرُنَا بِأَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً فَنَزَلَ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ الْآيَةَ) فِيهِ مَحْذُوفٌ وَهُوَ جَوَابُ لَوْ أَيْ لو تخبرنا

(باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده [123] فيه حديث

لَأَسْلَمْنَا وَحَذْفُهَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ وأشباهه وأما قوله تعالى يلق أثاما فَقِيلَ مَعْنَاهُ عُقُوبَةً وَقِيلَ هُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ وَقِيلَ بِئْرٌ فِيهَا وَقِيلَ جَزَاءَ إِثْمِهِ (باب بَيَانِ حُكْمِ عَمَلِ الْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَهُ [123] فِيهِ حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ هَلْ لِي فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ) أَمَّا التَّحَنُّثُ فَهُوَ التَّعَبُّدُ كَمَا فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ وَفَسَّرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بِالتَّبَرُّرِ وَهُوَ فِعْلُ الْبِرِّ وَهُوَ الطَّاعَةُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَصْلُ التَّحَنُّثِ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا يَخْرُجُ بِهِ مِنَ الْحِنْثِ وَهُوَ الْإِثْمُ وَكَذَا تَأَثَّمَ وَتَحَرَّجَ وَتَهَجَّدَ أَيْ فَعَلَ فِعْلًا يَخْرُجُ بِهِ عَنِ الْإِثْمِ وَالْحَرَجِ وَالْهُجُودِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ فَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ظَاهِرُهُ خِلَافُ مَا تَقْتَضِيهِ الْأُصُولُ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّقَرُّبُ فَلَا يُثَابُ عَلَى طَاعَتِهِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُطِيعًا غَيْرَ مُتَقَرِّبٍ كَنَظِيرِهِ فِي الْإِيمَانِ فَإِنَّهُ مُطِيعٌ فِيهِ مِنْ حَيْثُ كَانَ مُوَافِقًا لِلْأَمْرِ وَالطَّاعَةُ عِنْدنَا مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ وَلَكِنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَقَرِّبًا لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُتَقَرِّبِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْمُتَقَرَّبِ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي حِينِ نَظَرِهِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِلْمُ بِاللَّهِ تَعَالَى بَعْدُ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا عُلِمَ أَنَّ الْحَدِيثَ مُتَأَوَّلٌ وَهُوَ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ اكْتَسَبْتَ طِبَاعًا جَمِيلَةً وَأَنْتَ تَنْتَفِعُ بِتِلْكَ الطِّبَاعِ فِي الْإِسْلَامِ وَتَكُونُ تِلْكَ الْعَادَةُ تَمْهِيدًا لَكَ وَمَعُونَةً عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَالثَّانِي مَعْنَاهُ اكْتَسَبْتَ بِذَلِكَ)

ثَنَاءً جَمِيلًا فَهُوَ بَاقٍ عَلَيْكَ فِي الْإِسْلَامِ والثالث أنه لا يبعد أن يزاد فِي حَسَنَاتِهِ الَّتِي يَفْعَلُهَا فِي الْإِسْلَامِ وَيَكْثُرُ أَجْرُهُ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنَ الْأَفْعَالِ الْجَمِيلَةِ وَقَدْ قَالُوا فِي الْكَافِرِ إِذَا كَانَ يَفْعَلُ الْخَيْرَ فَإِنَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُ بِهِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُزَادَ هَذَا فِي الْأُجُورِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ بِبَرَكَةِ مَا سَبَقَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ هَدَاكَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَنَّ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ خَيْرٌ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى سَعَادَةِ آخِرِهِ وحسن عاقبته هذا كلام القاضي وذهب بن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى أَنَّ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَمَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ يُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنَ الْخَيْرِ فِي حَالِ الْكُفْرِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ كُلَّ حَسَنَةٍ زَلَفَهَا وَمَحَا عَنْهُ كُلَّ سَيِّئَةٍ زَلَفَهَا وَكَانَ عَمَلُهُ بَعْدُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرِيبِ حَدِيثِ مَالِكٍ وَرَوَاهُ عَنْهُ مِنْ تِسْعِ طُرُقٍ وَثَبَتَ فِيهَا كُلِّهَا أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا حَسُنَ إِسْلَامُهُ يُكْتَبُ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ كل حسنة عملها فى الشرك قال بن بَطَّالٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

بَعْدَ ذِكْرِهِ الْحَدِيثَ وَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَتَفَضَّلَ على عباده بما يشاء لَا اعْتِرَاضَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ قَالَ وَهُوَ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ لَا يَصِحُّ مِنَ الْكَافِرِ عِبَادَةٌ وَلَوْ أَسْلَمَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا فَمُرَادُهُمْ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِهَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ فَإِنْ أَقْدَمَ قَائِلٌ عَلَى التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ رُدَّ قَوْلُهُ بِهَذِهِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَقَدْ يُعْتَدُّ بِبَعْضِ أَفْعَالِ الْكُفَّارِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ إِذَا وَجَبَ عَلَى الْكَافِرِ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ أَوْ غَيْرُهَا فَكَفَّرَ فِي حَالِ كُفْرِهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَإِذَا أَسْلَمَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ إِعَادَتُهَا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا إِذَا أَجْنَبَ وَاغْتَسَلَ فِي حَالِ كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَةُ الْغُسْلِ أَمْ لَا وَبَالَغَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَقَالَ يَصِحُّ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ كُلُّ طَهَارَةٍ مِنْ غُسْلٍ وَوُضُوءٍ وَتَيَمُّمٍ وَإِذَا أَسْلَمَ صَلَّى بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِلَفْظِ الْبَابِ فَقَوْلُهُ (أَعْتَقَ مِائَةَ رَقَبَةٍ وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بعير) معناه تصدق بها وفيه صالح عن بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ تَابِعِيُّونَ رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَمْثَالَ ذَلِكَ وَفِيهِ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ الصَّحَابِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِنْ مَنَاقِبِهِ أَنَّهُ وُلِدَ فِي الْكَعْبَةِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَلَا يُعْرَفُ أَحَدٌ شَارَكَهُ فِي هَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَمِنْ طُرَفِ أَخْبَارِهِ أَنَّهُ عَاشَ سِتِّينَ سَنَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَسِتِّينَ فِي الْإِسْلَامِ وَأَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْإِسْلَامِ مِنْ حِينِ ظُهُورِهِ وَانْتِشَارِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب صدق الإيمان وإخلاصه [124] فيه قول عبد الله بن مسعود

(بَابُ صِدْقِ الْإِيمَانِ وَإِخْلَاصِهِ [124] فِيهِ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (لَمَّا نَزَلَتِ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ لَا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم) هَكَذَا وَقَعَ الْحَدِيثُ هُنَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ لَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ قَالَ أَصْحَابُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى ان الشرك لظلم عظيم فَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا تُبَيِّنُ الْأُخْرَى فَيَكُونُ لَمَّا شَقَّ عَلَيْهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ الشِّرْكَ لظلم عظيم وَأَعْلَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الظُّلْمَ الْمُطْلَقَ هُنَاكَ الْمُرَادُ بِهِ هَذَا الْمُقَيَّدُ وَهُوَ الشِّرْكُ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ الظُّلْمُ عَلَى إِطْلَاقِهِ وَعُمُومِهِ كَمَا ظَنَنْتُمْ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ فَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَمَلُوا الظُّلْمَ عَلَى عُمُومِهِ وَالْمُتَبَادَرُ إِلَى الْأَفْهَامِ مِنْهُ وَهُوَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَهُوَ مُخَالَفَةُ الشَّرْعِ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِلَى أَنْ أَعْلَمَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُرَادِ بِهَذَا الظُّلْمِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا شَقَّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ ظَاهِرَ الظُّلْمِ الِافْتِيَاتُ بِحُقُوقِ النَّاسِ وَمَا ظَلَمُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ مِنَ ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي فَظَنُّوا أَنَّ الْمُرَادَ مَعْنَاهُ الظَّاهِرُ وَأَصْلُ الظُّلْمِ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَمَنْ جَعَلَ الْعِبَادَةَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَظْلَمُ الظَّالِمِينَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جُمَلٌ مِنَ الْعِلْمِ مِنْهَا أَنَّ الْمَعَاصِيَ لَا تَكُونُ كُفْرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِسْنَادِ فَقَوْلُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ الله (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ)

(باب بيان تجاوز الله تعالى عن حديث النفس (والخواطر

هَذَا إِسْنَادٌ رِجَالُهُ كُوفِيُّونَ كُلُّهُمْ وَحُفَّاظٌ مُتْقِنُونَ فِي نِهَايَةِ الْجَلَالَةِ وَفِيهِمْ ثَلَاثَةٌ أَئِمَّةٌ جِلَّةٌ فُقَهَاءٌ تَابِعِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ سُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ وَقَلَّ اجْتِمَاعُ مِثْلِ هَذَا الَّذِي اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ وَفِيهِ مِنْجَابٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَبِالْجِيمِ وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وفيه (قال بن إِدْرِيسَ حَدَّثَنِيهِ أَوَّلًا أَبِي عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عَنِ الْأَعْمَشِ ثُمَّ سَمِعْتُهُ مِنْهُ) هَذَا تَنْبِيهٌ مِنْهُ عَلَى عُلُوِّ إِسْنَادِهِ هُنَا فَإِنَّهُ نَقَصَ عَنْهُ رَجُلَانِ وَسَمِعَهُ مِنَ الْأَعْمَشِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا فِي بَابِ الدِّينُ النَّصِيحَةُ وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي صَرْفِ أَبَانٍ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَأَنَّ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ صَرْفُهُ وَتَغْلِبَ بِكَسْرِ اللَّامِ غَيْرُ مَصْرُوفٍ وَفِيهِ لُقْمَانُ الْحَكِيمُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نُبُوَّتِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ حَكِيمًا وَلَمْ يَكُنْ نَبِيًّا إِلَّا عِكْرِمَةُ فَإِنَّهُ قال كان نبيا وتفرد بهذا القول وأما بن لُقْمَانَ الَّذِي قَالَ لَهُ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقِيلَ اسْمُهُ أَنْعُمُ وَيُقَالُ مِشْكَمُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ بَيَانِ تَجَاوُزِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ (وَالْخَوَاطِرِ بِالْقَلْبِ إِذَا لَمْ تَسْتَقِّرَ وَبَيَانِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يُكَلِّفْ إِلَّا مَا يطاق) (وَبَيَانِ حُكْمِ الْهَمِّ بِالْحَسَنَةِ وَبِالسَّيِّئَةِ) [127] أَمَّا أَسَانِيدُ الْبَابِ وَلُغَاتُهُ فَفِيهِ أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِيُّ فَبِسْطَامُ بِكَسْرِ الْبَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ أَيْضًا فَتْحَهَا وَالْعَيْشِيُّ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَقَدْ قَدَّمْتُ ضَبْطَ هَذَا كُلِّهُ مَعَ بَيَانِ)

الْخِلَافِ فِي صَرْفِ بِسْطَامَ وَفِيهِ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ والله على كل شيء قدير قَالَ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ) إِنَّمَا أَعَادَ لَفْظَةَ قَالَ لِطُولِ الْكَلَامِ فَإِنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ لَمَّا نَزَلَتِ اشْتَدَّ فَلَمَّا طَالَ حَسُنَ إِعَادَةُ لَفْظَةِ قَالَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَذَكَرْتُ ذَلِكَ مُبَيَّنًا وَأَنَّهُ جَاءَ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أنكم مخرجون فَأَعَادَ أَنَّكُمْ وَقَوْلِهِ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عند الله مصدق لما معهم إِلَى قَوْلِهِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رسله لَا نُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ فِي الْإِيمَانِ فَنُؤْمِنُ بِبَعْضِهِمْ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ كَمَا فَعَلَهُ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ بَلْ نُؤْمِنُ بِجَمِيعِهِمْ وَأَحَدٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى الْجَمْعِ وَلِهَذَا دَخَلَتْ فِيهِ بَيْنَ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ وَفِيهِ قَوْلُهُ (فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي إِثْرِهَا) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالثَّاءِ وَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَعَ إِسْكَانِ الثَّاءِ لُغَتَانِ

وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيُّ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي غُبَرَ وَقَدْ قَدَّمْنَا

بيانه فى المقدمة وفيه أبوعوانة وَاسْمُهُ الْوَضَّاحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [127] وَفِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأمتى ماحدثت بِهِ أَنْفُسَهَا) ضَبَطَ الْعُلَمَاءُ أَنْفُسَهَا بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ وَهُمَا ظَاهِرَانِ إِلَّا أَنَّ النَّصْبَ أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنْفُسَهَا بِالنَّصْبِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ إِنَّ أَحَدَنَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ قَالَ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَأَهْلُ اللُّغَةِ يَقُولُونَ أَنْفُسُهَا بِالرَّفْعِ يُرِيدُونَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَعْلَمُ ماتوسوس به نفسه والله اعلم وفيه أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ أَمَّا أَبُو الزِّنَادِ فَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَمَّا أَبُو الزِّنَادِ فَلَقَبٌ غَلَبَ عليه وكان يغضب منه وأما الأعرج فعبد الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ وَهَذَانِ وَإِنْ كَانَا مَشْهُورَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُمَا إِلَّا أَنَّهُ

قَدْ تَخْفَى أَسْمَاؤُهُمَا عَلَى بَعْضِ النَّاظِرِينَ فِي الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَبِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ لُغَتَانِ مَعْنَاهُ مِنْ أَجْلِي وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلَامَهُ فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِمِثْلِهَا) مَعْنَى أَحْسَنَ إِسْلَامَهُ أَسْلَمَ إِسْلَامًا حَقِيقِيًّا وَلَيْسَ كَإِسْلَامِ الْمُنَافِقِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا وفِيهِ

أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ بِالْمُثَنَّاةِ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَفِيهِ شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ لِكَوْنِهِ عَجَمِيًّا عَلَمًا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَفِيهِ أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ اسْمُهُ عِمْرَانُ بْنُ تَيْمٍ وقيل بن ملحان وقيل بن عَبْدِ اللَّهِ أَدْرَكَ زَمَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَهُ وَأَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ وعاش مائة وعشرين سنة وقيل مائة وثمانيا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَقِيلَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَأَمَّا فِقْهُ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَمَعَانِيهَا فَكَثِيرَةٌ وَأَنَا أَخْتَصِرُ مَقَاصِدَهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَوْلُهُ لَمَّا نَزَلَتْ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تخفوه يحاسبكم به الله فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالُوا لَا نُطِيقهَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اشفاقهم وقولهم لا نطيقها لكونها اعْتَقَدُوا أَنَّهُمْ يُؤَاخَذُونَ بِمَا لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى دَفْعِهِ مِنَ الْخَوَاطِرِ الَّتِي لَا تُكْتَسَبُ فَلِهَذَا رَأَوْهُ مِنْ قِبَلِ مَا لَا يُطَاقُ وَعِنْدَنَا أَنَّ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقَ جَائِزٌ عَقْلًا وَاخْتُلِفَ هَلْ وَقَعَ التَّعَبُّدُ بِهِ فِي الشَّرِيعَةِ أَمْ لَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وسعها فَقَالَ الْمَازِرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَسْمِيَةِ هَذَا نَسْخًا نَظَرٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ نَسْخًا إِذَا تَعَذَّرَ الْبِنَاءُ وَلَمْ يُمْكِنْ رَدُّ إِحْدَى الْآيَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَإِنْ تُبْدُوا مَا فى أنفسكم أو تخفوه عُمُومٌ يَصِحُّ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى مَا يُمْلَكُ مِنَ الْخَوَاطِرِ دُونَ مَا لَا يُمْلَكُ فَتَكُونُ الْآيَةُ الْأُخْرَى مُخَصِّصَةً إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ فَهِمَتِ الصَّحَابَةُ بِقَرِينَةِ الْحَالِ أَنَّهُ تَقَرَّرَ تَعَبُّدُهُمْ بِمَا لَا يُمْلَكُ مِنَ الْخَوَاطِرِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ لنه رَفْعُ ثَابِتٍ مُسْتَقِرٍّ هَذَا كَلَامُ الْمَازِرِيِّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَا وَجْهَ لِإِبْعَادِ النَّسْخِ فِي هذه القضية فان روايها قَدْ رَوَى فِيهَا النَّسْخَ وَنَصَّ عَلَيْهِ لَفْظًا وَمَعْنًى بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ بِالْإِيمَانِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَمَّا أَعْلَمَهُمُ اللَّهُ

تَعَالَى مِنْ مُؤَاخَذَتِهِ إِيَّاهُمْ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ وألقى الله تعالى الايمان فى قلبوبهم وذلت بالاستسلام لذلك ألسنتهم كما نص فِي هَذَا الْحَدِيثِ رَفَعَ الْحَرَجَ عَنْهُمْ وَنَسَخَ هَذَا التَّكْلِيفَ وَطَرِيقُ عِلْمِ النَّسْخِ إِنَّمَا هُوَ بِالْخَبَرِ عَنْهُ أَوْ بِالتَّارِيخِ وَهُمَا مُجْتَمِعَانِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ الْقَاضِي وَقَوْلُ الْمَازِرِيِّ إِنَّمَا يَكُونُ نَسْخًا إِذَا تَعَذَّرَ الْبِنَاءُ كَلَامٌ صَحِيحٌ فِيمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ النَّصُّ بِالنَّسْخِ فَإِنْ وَرَدَ وَقَفْنَا عِنْدَهُ لَكِنِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الْأُصُولِ فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نُسِخَ كَذَا بِكَذَا هَلْ يَكُونُ حُجَّةٌ يَثْبُتُ بِهَا النَّسْخُ أَمْ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَالْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ قَوْلُهُ هَذَا عَنِ اجْتِهَادِهِ وَتَأْوِيلِهِ فَلَا يَكُونُ نَسْخًا حَتَّى يُنْقَلَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدِهِمْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيهَا مِنَ النَّسْخِ وَأَنْكَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَلَا يَدْخُلُ النَّسْخُ الْأَخْبَارَ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ هَذَا الْمُتَأَخِّرُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ خَبَرًا فَهُوَ خَبَرٌ عَنْ تَكْلِيفٍ وَمُؤَاخَذَةٍ بِمَا تُكِنُّ النُّفُوسُ وَالتَّعَبُّدُ بِمَا أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ بِذَلِكَ وَأَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَهَذِهِ أَقْوَالُ وَأَعْمَالُ اللِّسَانِ وَالْقَلْبِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِرَفْعِ الْحَرَجِ وَالْمُؤَاخَذَةِ وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ مَعْنَى النَّسْخِ هُنَا إِزَالَةُ مَا وَقَعَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الشِّدَّةِ وَالْفَرَقِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَأُزِيلَ عَنْهُمْ بِالْآيَةِ الْأُخْرَى وَاطْمَأَنَّتْ نُفُوسُهُمْ وَهَذَا الْقَائِلُ يَرَى أنهم لم يلزموا مالا يُطِيقُونَ لَكِنْ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ مِنَ التَّحَفُّظِ مِنْ خَوَاطِرِ النَّفْسِ وَإِخْلَاصِ الْبَاطِنِ فَأَشْفَقُوا أَنْ يكلفوا من ذلك مالا يُطِيقُونَ فَأُزِيلَ عَنْهُمُ الْإِشْفَاقُ وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ لَمْ يكلفوا الا وسعهم وعلى هذا لاحجة فِيهِ لِجَوَازِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ إِذْ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَلَى تَكْلِيفِهِ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ باستعاذتهم منه بقوله تعالى

ولا تحملنا مالا طاقة لنا به وَلَا يَسْتَعِيذُونَ إِلَّا مِمَّا يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِهِ وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ مالا نُطِيقُهُ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ فِي إِخْفَاءِ الْيَقِينِ وَالشَّكِّ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنَيْنِ وَيُعَذِّبُ الْكَافِرِينَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الِاخْتِلَافَ فِي نَسْخِ الْآيَةِ ثُمَّ قَالَ وَالْمُحَقِّقُونَ يَخْتَارُونَ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ مُحْكَمَةً غَيْرَ مَنْسُوخَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ) [128] وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ (إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِسَيِّئَةٍ فَلَا تَكْتُبُوا عَلَيْهِ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا سَيِّئَةً وَإِذَا هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا عَشْرًا) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ (فِي الْحَسَنَةِ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ) وَفِي الْآخَرِ (فِي السَّيِّئَةِ إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ) فَقَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ أَنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِقَلْبِهِ وَوَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا أَثِمَ فِي اعْتِقَادِهِ وَعَزْمِهِ وَيُحْمَلُ مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَمْثَالِهَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ يُوَطِّنْ نَفْسَهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَإِنَّمَا مَرَّ ذَلِكَ بِفِكْرِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْرَارٍ وَيُسَمَّى هَذَا هَمًّا وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْهَمِّ وَالْعَزْمِ هَذَا مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَخَالَفَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَأَخَذُوا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَامَّةُ السَّلَفِ وَأَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ لِلْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِأَعْمَالِ الْقُلُوبِ لَكِنَّهُمْ قَالُوا إِنَّ هَذَا الْعَزْمَ يُكْتَبُ سَيِّئَةً وَلَيْسَتِ السَّيِّئَةُ الَّتِي هَمَّ بِهَا لِكَوْنِهِ لَمْ يَعْمَلْهَا وَقَطَعَهُ عَنْهَا قَاطِعٌ غَيْرُ خَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِنَابَةِ لَكِنْ نَفْسُ الْإِصْرَارِ وَالْعَزْمِ مَعْصِيَةٌ فَتُكْتَبُ مَعْصِيَةً فَإِذَا عَمِلَهَا كُتِبَتْ مَعْصِيَةً ثَانِيَةً فَإِنْ تَرَكَهَا خَشْيَةً لِلَّهِ تَعَالَى كُتِبَتْ حَسَنَةً كَمَا فِي الْحَدِيثِ إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ فَصَارَ تَرْكُهُ لَهَا لِخَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُجَاهَدَتِهِ نَفْسَهُ الْأَمَّارَةَ بِالسُّوءِ فى ذلك وعصيانه هواه فَأَمَّا الْهَمُّ الَّذِي لَا يُكْتَبُ فَهِيَ الْخَوَاطِرُ الَّتِي لَا تُوَطَّنُ النَّفْسُ عَلَيْهَا وَلَا يَصْحَبُهَا عَقْدٌ وَلَا نِيَّةٌ وَعَزْمٌ وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ خِلَافًا فِيمَا إِذَا تَرَكَهَا لِغَيْرِ خَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ لِخَوْفِ النَّاسِ هَلْ تُكْتَبُ حَسَنَةً قَالَ لَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى تَرْكِهَا الْحَيَاءُ وَهَذَا ضَعِيفٌ لَا وَجْهَ لَهُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَهُوَ ظَاهِرٌ حَسَنٌ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ نُصُوصُ الشَّرْعِ بِالْمُؤَاخَذَةِ بِعَزْمِ الْقَلْبِ الْمُسْتَقِرِّ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الذين آمنوا لهم عذاب أليم الْآيَةَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظن إثم

وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ نُصُوصُ الشَّرْعِ وَإِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَسَدِ وَاحْتِقَارِ الْمُسْلِمِينَ وَإِرَادَةِ الْمَكْرُوهِ بِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَعَزْمِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَنْ يَهْلِكَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا هَالِكٌ) فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَاهُ مَنْ حُتِمَ هَلَاكُهُ وَسُدَّتْ عَلَيْهِ أَبْوَابُ الْهُدَى مَعَ سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَرَمِهِ وَجَعْلِهِ السَّيِّئَةَ حَسَنَةً إِذَا لَمْ يَعْمَلْهَا وَإِذَا عَمِلَهَا وَاحِدَةً وَالْحَسَنَةَ إِذَا لَمْ يَعْمَلْهَا وَاحِدَةً وَإِذَا عَمِلَهَا عَشْرًا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ فَمَنْ حُرِمَ هَذِهِ السَّعَةُ وَفَاتَهُ هَذَا الْفَضْلُ وَكَثُرَتْ سَيِّئَاتُهُ حَتَّى غَلَبَتْ مَعَ أَنَّهَا أَفْرَادُ حَسَنَاتِهِ مَعَ أَنَّهَا مُتَضَاعِفَةٌ فَهُوَ الْهَالِكُ الْمَحْرُومُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَفَظَةَ يَكْتُبُونَ أَعْمَالَ الْقُلُوبِ وَعَقْدَهَا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إِنَّهَا لَا تَكْتُبُ إِلَّا الْأَعْمَالَ الظَّاهِرَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ فَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِالْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّضْعِيفَ لَا يَقِفُ عَلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وَحَكَى أَبُو الْحَسَنِ أَقْضَى الْقُضَاةِ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّضْعِيفَ لَا يَتَجَاوَزُ سَبْعَمِائَةِ ضِعْفٍ وَهُوَ غَلَطٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي أَحَادِيثِ الْبَابِ بَيَانُ مَا أَكْرَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا وَخَفَّفَهُ عَنْهُمْ مِمَّا كَانَ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْإِصْرِ وَهُوَ الثِّقْلُ وَالْمَشَاقُّ وَبَيَانُ مَا كَانَتِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْمُسَارَعَةِ إِلَى الِانْقِيَادِ لِأَحْكَامِ الشَّرْعِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ هَذَا الدُّعَاءُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا ان نسينا أو أخطأنا إِلَى آخِرِ السُّورَةِ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَجَعَلَهُ فِي كِتَابِهِ لِيَكُونَ دُعَاءُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ رَضِيَ الله عنهم فهو من الدعاء الذين يَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ وَيُدْعَى بِهِ كَثِيرًا قَالَ الزَّجَّاجُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ أَيْ أَظْهِرْنَا عَلَيْهِمْ فِي الْحُجَّةِ وَالْحَرْبِ وَإِظْهَارِ الدِّينِ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَرَأَ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ قِيلَ كفتاه

(باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها

مِنْ قِيَامِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَقِيلَ كَفَتَاهُ الْمَكْرُوهَ فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ بَيَانِ الْوَسْوَسَةِ فِي الْإِيمَانِ وَمَا يَقُولُهُ مَنْ وَجَدَهَا [132] فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَالَ جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ قَالَ وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى [133] (سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوَسْوَسَةِ فَقَالَ تِلْكَ مَحْضُ الْإِيمَانِ) [134] وفى الْحَدِيثِ الْآخَرِ (لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ هَذَا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ) وَفِي)

الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا حَتَّى يَقُولَ لَهُ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ) أَمَّا مَعَانِي الْأَحَادِيثِ وَفِقْهُهَا فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ وَمَحْضُ الْإِيمَانِ مَعْنَاهُ اسْتِعْظَامُكُمُ الْكَلَامَ بِهِ هُوَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ فَإِنَّ اسْتِعْظَامَ هَذَا وَشِدَّةَ الْخَوْفِ مِنْهُ وَمِنَ النُّطْقِ بِهِ فَضْلًا عَنِ اعْتِقَادِهِ إِنَّمَا يَكُونُ لِمَنِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ اسْتِكْمَالًا مُحَقَّقًا وَانْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيبَةُ وَالشُّكُوكُ وَاعْلَمْ أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ذِكْرُ الِاسْتِعْظَامِ فَهُوَ مُرَادٌ وَهِيَ مُخْتَصَرَةٌ مِنَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَلِهَذَا قَدَّمَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الرِّوَايَةَ الْأُولَى وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يُوَسْوِسُ لِمَنْ أَيِسَ مِنْ إِغْوَائِهِ فَيُنَكِّدُ عَلَيْهِ بِالْوَسْوَسَةِ لِعَجْزِهِ عَنْ إِغْوَائِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَإِنَّهُ يَأْتِيهِ مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَلَا يَقْتَصِرُ فِي حَقِّهِ عَلَى الْوَسْوَسَةِ بَلْ يَتَلَاعَبُ بِهِ كَيْفَ أَرَادَ فَعَلَى هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ سَبَبُ الْوَسْوَسَةِ مَحْضُ الْإِيمَانِ أَوِ الْوَسْوَسَةُ عَلَامَةُ مَحْضِ الْإِيمَانِ وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتِيَارُ القاضي عياض وأما قوله

ص فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ فَمَعْنَاهُ الْإِعْرَاضُ عَنْ هَذَا الْخَاطِرِ الْبَاطِلِ وَالِالْتِجَاءُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إِذْهَابِهِ قَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا الْخَوَاطِرَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا وَالرَّدِّ لَهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِدْلَالٍ وَلَا نَظَرٍ فِي إِبْطَالِهَا قَالَ وَالَّذِي يُقَالُ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْخَوَاطِرَ عَلَى قِسْمَيْنِ فَأَمَّا الَّتِي لَيْسَتْ بِمُسْتَقِرَّةٍ وَلَا اجْتَلَبَتْهَا شُبْهَةٌ طَرَأَتْ فَهِيَ الَّتِي تُدْفَعُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ الْحَدِيثُ وَعَلَى مِثْلِهَا يَنْطَلِقُ اسْمُ الْوَسْوَسَةِ فَكَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَمْرًا طَارِئًا بِغَيْرِ أَصْلٍ دُفِعَ بغير نظر فى دليل اذلا أَصْلَ لَهُ يُنْظَرُ فِيهِ وَأَمَّا الْخَوَاطِرُ الْمُسْتَقِرَّةُ الَّتِي أَوْجَبَتْهَا الشُّبْهَةُ فَإِنَّهَا لَا تُدْفَعُ إِلَّا بِالِاسْتِدْلَالِ وَالنَّظَرِ فِي إِبْطَالِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ فَمَعْنَاهُ إِذَا عَرَضَ لَهُ هَذَا الْوَسْوَاسُ فَلْيَلْجَأْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي دَفْعِ شَرِّهِ عَنْهُ وَلْيُعْرِضْ عَنِ الْفِكْرِ فِي ذَلِكَ وَلْيَعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخَاطِرَ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ وَهُوَ إِنَّمَا يَسْعَى بِالْفَسَادِ وَالْإِغْوَاءِ فَلْيُعْرِضْ

عَنِ الْإِصْغَاءِ إِلَى وَسْوَسَتِهِ وَلْيُبَادِرْ إِلَى قَطْعِهَا بِالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَسَانِيدُ الْبَابِ ففيه محمد بن عمرو بن جبلة هو محمد بن عمرو بن عباد بْنِ جَبَلَةَ وَفِيهِ أَبُو الْجَوَّابِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ رُزَيْقٍ أَمَّا أَبُو الْجَوَّابِ فَبِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَاسْمُهُ الْأَحْوَصُ بن جواب وأما رزيق فبتقدم الراء على الزاى وَفِيهِ قَالَ مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الصَّفَّارُ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَثَّامٍ عَنْ سُعَيْرِ بْنِ الْخِمْسِ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ هو بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كوفيون وعثام بالثاء المثلثة وسعير هو بضم السين المهملة وآخره راء والخمس بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُعَيْرٌ وَأَبُوهُ لَا يُعْرَفُ لَهُمَا نَظِيرٌ وَمُغِيرَةُ وَإِبْرَاهِيمُ وَعَلْقَمَةُ تَابِعِيُّونَ وَقَدِ اعْتُرِضَ عَلَى هَذَا الْإِسْنَادِ وَفِيهِ أَبُو النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمُؤَدِّبِ هُوَ أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ وَاسْمُ أَبِي سَعِيدٍ الْمُؤَدِّبِ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي الْوَضَّاحِ وَاسْمُ أَبِي الْوَضَّاحِ الْمُثَنَّى وَكَانَ يُؤَدِّبُ الْمَهْدِيَّ وَغَيْرَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ وَفِيهِ بن أخى بن شهاب

(باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار [137] فيه

وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شهاب أبو عبد الله وَفِيهِ يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي شَرْحِ الْمُقَدِّمَةِ وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الرُّومِيِّ هُوَ عبد الله بن محمد وقيل بن عُمَرَ بَغْدَادِيٌّ وفِيهِ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْقَافِ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي أَلْفَاظِ الْمَتْنِ حَتَّى يَقُولُوا اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ يَقُولُوا بِغَيْرِ نُونٍ وَفِي بَعْضِهَا يَقُولُونَ بِالنُّونِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَإِثْبَاتُ النُّونِ مَعَ النَّاصِبِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ ذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي النَّحْوِيِّينَ وَجَاءَتْ مُتَكَرِّرَةٌ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَمَا سَتَرَاهَا فِي مَوَاضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ وَعِيدِ مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ فَاجِرَةٍ بِالنَّارِ [137] فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِنْ قَضِيبٌ مِنْ أَرَاكٍ))

[138] وفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ أَرْضٌ بِالْيَمَنِ فَخَاصَمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَلْ لَكَ بَيِّنَةٌ فَقُلْتُ لَا قَالَ فَيَمِينُهُ قُلْتُ إِذَنْ يَحْلِفُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مال امرئ

مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ) [139] وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي كَانَتْ لِأَبِي فَقَالَ الْكِنْدِيُّ هِيَ أَرْضِي فِي يَدِي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ أَلِكَ بَيِّنَةٌ قَالَ لَا قَالَ فَلَكَ يَمِينُهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَلِكَ فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَدْبَرَ أَمَا لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ) أَمَّا أَسْمَاءُ الْبَابِ وَلُغَاتُهُ فَفِيهِ مَوْلَى الْحُرَقَةِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَهِيَ بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَفِيهِ مَعْبَدُ بْنُ كَعْبٍ السَّلَمِيُّ بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَفِي النَّسَبِ بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ يَجُوزُ كَسْرُ اللَّامِ فِي النَّسَبِ أيضا وفيه عبد الله بن كعب بن أَبِي أُمَامَةَ الْحَارِثِيِّ وَفِي الرِّوَايَةِ

الْأُخْرَى سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ يُحَدِّثُ أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ الْحَارِثِيَّ حَدَّثَهُ اعْلَمْ أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ هَذَا لَيْسَ هُوَ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ صُدَيَّ بْنَ عَجْلَانَ الْمَشْهُورَ بَلْ هَذَا غَيْرُهُ وَاسْمُ هَذَا إِيَاسُ بْنُ ثَعْلَبَةَ الْأَنْصَارِيُّ الحارثى من بنى الحرث بن الْخَزْرَجِ وَقِيلَ إِنَّهُ بَلْوِيٌّ وَهُوَ حَلِيفُ بَنِي حارثة وهو بن أُخْتِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نَيَّارٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي اسْمِهِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ وَيُقَالُ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هُنَا دقيقة لابد مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا وَهِيَ أَنَّ الَّذِينَ صَنَّفُوا فِي أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ هَذَا الْحَارِثِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تُوُفِّيَ عِنْدَ انْصِرَافِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أُحُدٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَمُقْتَضَى هَذَا التَّارِيخِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُنْقَطِعًا فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ تَابِعِيٌّ فَكَيْفَ يَسْمَعُ مَنْ تُوُفِّيَ عَامَ أُحُدٍ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَلَكِنَّ هَذَا النَّقْلَ فِي وَفَاةِ أَبِي أُمَامَةَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ صَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِسَمَاعِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ التَّابِعِيِّ مِنْهُ فَبَطَلَ مَا قِيلَ فِي وَفَاتِهِ وَلَوْ كَانَ مَا قِيلَ فِي وَفَاتِهِ صَحِيحًا لَمْ يُخَرِّجْ مُسْلِمٌ حَدِيثَهُ وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْإِمَامُ أَبُو الْبَرَكَاتِ الْجَزَرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْأَثِيرِ حَيْثُ أَنْكَرَ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هَذَا الْقَوْلَ فِي وَفَاتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ وَإِنْ قَضِيبٌ مِنْ أَرَاكٍ هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ أَوْ أَكْثَرِهَا وَفِي كَثِيرٍ مِنْهَا وَإِنْ قَضِيبًا عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ الْمَحْذُوفَةِ أَوْ أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَإِنِ اقْتَطَعَ قَضِيبًا وَفِيهِ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ هُوَ بِإِضَافَةِ يَمِينٍ إِلَى صَبْرٍ وَيَمِينُ الصَّبْرِ هِيَ الَّتِي يَحْبِسُ الْحَالِفُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي بَابِ غِلَظِ تحريم قتل الانسان نفسه وفيه قول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ أَيْ مُتَعَمِّدُ الْكَذِبِ وَتُسَمَّى هَذِهِ الْيَمِينُ الْغَمُوسَ وَفِيهِ قَوْلُهُ إِذَنْ يَحْلِفُ يَجُوزُ بِنَصْبِ الْفَاءِ وَرَفْعِهَا وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ خَرُوفٍ فِي شَرْحِ الْجُمَلِ أَنَّ الرِّوَايَةَ فِيهِ بِرَفْعِ الْفَاءِ وَفِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ مَعْنَاهُ لَكَ مَا يَشْهَدُ بِهِ شَاهِدَاكَ أو يمينه وفيه حَضْرَمَوْتَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمِيمِ وَفِيهِ قَوْلُ مُسْلِمٍ (حَدَّثَنِي زهير

بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعًا عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ) هِشَامٌ هُوَ أَبُو الْوَلِيدِ وَفِيهِ قَوْلُهُ (انْتَزَى عَلَى أَرْضِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ) مَعْنَاهُ غَلَبَ عَلَيْهَا وَاسْتَوْلَى وَالْجَاهِلِيَّةُ مَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ لِكَثْرَةِ جَهْلِهِمْ وَفِيهِ (امْرُؤُ الْقِيسِ بْنُ عَابِسٍ وربيعة بن عيدان) وأما عابس فبالموحدة والسين المهملة وأما عيدان فَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ أَنَّ زُهَيْرًا وَإِسْحَاقَ اخْتَلَفَا فِي ضَبْطِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْأَقْوَالَ فِيهِ وَاخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فَقَالَ هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِيَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ هَذَا صَوَابُهُ وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ وَأَمَّا رِوَايَةُ زُهَيْرٍ فَعِبْدَانَ بكسر العين وبباء موحدة قال القاضي كَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي الْحَرْفَيْنِ عَنْ شُيُوخِنَا قَالَ ووقع عند بن الحذاء عكس ما ضبطناه فقال فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ بِالْفَتْحِ وَالْمُثَنَّاةِ وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بِالْكَسْرِ وَالْمُوَحَّدَةِ قَالَ الْجَيَّانِيُّ وَكَذَا هُوَ فِي الْأَصْلِ عَنِ الْجُلُودِيِّ قَالَ الْقَاضِي وَالَّذِي صَوَّبْنَاهُ أَوَّلًا هُوَ قَوْلُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَعَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ سَعِيدٍ وَأَبِي نَصْرِ بْنِ مَاكُولَا وَكَذَا قاله بن يُونُسَ فِي التَّارِيخِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَضَبَطَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ مِنْهُمُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ الدِّمَشْقِيُّ عِبِدَّانُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَحْكَامُ الْبَابِ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ إِلَى آخِرِهِ فِيهِ لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقُّ امْرِئٍ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ حَلَفَ على غير مال كجلد الْمَيْتَةِ وَالسِّرْجِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النَّجَاسَاتِ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا وَكَذَا سَائِرُ الْحُقُوقِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَالٍ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَنَصِيبِ الزَّوْجَةِ فِي الْقَسْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَفِيهِ الْجَوَابَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ الْمُتَكَرِّرَانِ فِي نَظَائِرِهِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ لِذَلِكَ إِذَا مَاتَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ وَيُخَلَّدُ فِي النَّارِ وَالثَّانِي مَعْنَاهُ فَقَدِ

اسْتَحَقَّ النَّارَ وَيَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ وَقَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ دُخُولُ الْجَنَّةِ أَوَّلَ وَهْلَةٍ مَعَ الْفَائِزِينَ وَأَمَّا تَقْيِيدُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُسْلِمِ فَلَيْسَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَحْرِيمِ حَقِّ الذِّمِّيِّ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ وَهُوَ أَنَّهُ يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ لِمَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ الْمُسْلِمِ وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَاقْتِطَاعُ حَقِّهِ حَرَامٌ لَكِنْ لَيْسَ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ فِيهِ هَذِهِ الْعُقُوبَةُ الْعَظِيمَةُ هَذَا كُلُّهُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ وَأَمَّا مَنْ لَا يَقُولُ بِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ وَقَالَ القاضي عياض رحمه الله تخصيص المسلم لِكَوْنِهِمُ الْمُخَاطَبِينَ وَعَامَّةَ الْمُتَعَامِلِينَ فِي الشَّرِيعَةِ لَا أَنَّ غَيْرَ الْمُسْلِمِ بِخِلَافِهِ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَةَ لِمَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ الْمُسْلِمِ وَمَاتَ قَبْلَ التَّوْبَةِ أَمَّا مَنْ تَابَ فَنَدِمَ عَلَى فِعْلِهِ وَرَدَّ الْحَقَّ إِلَى صَاحِبِهِ وَتَحَلَّلَ مِنْهُ وَعَزَمَ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْإِثْمُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجَمَاهِيرِ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُبِيحُ لِلْإِنْسَانِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ بَيَانُ غِلَظِ تَحْرِيمِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْحَقِّ وَكَثِيرِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ قَضِيبٌ مِنْ أَرَاكٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ فَالتَّقْيِيدُ بِكَوْنِهِ فَاجِرًا لَا بُدَّ مِنْهُ وَمَعْنَاهُ هُوَ آثِمٌ وَلَا يَكُونُ آثِمًا إِلَّا إِذَا كَانَ مُتَعَمِّدًا عَالِمًا بِأَنَّهُ غَيْرُ مُحِقٍّ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ الْإِعْرَاضُ وَالْغَضَبُ وَالسَّخَطُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ إِرَادَتُهُ إِبْعَادَ ذَلِكَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَتَعْذِيبَهُ وانكار فعله وذمه والله أعلم وأما حديث الحضرمى والكندى ففيه أَنْوَاعٌ مِنَ الْعُلُومِ فَفِيهِ أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ أَوْلَى مِنْ أَجْنَبِيٍّ يَدَّعِي عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ إِذَا لَمْ يُقِرَّ وَفِيهِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُقَدَّمُ عَلَى الْيَدِ وَيُقْضَى لِصَاحِبِهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ وَفِيهِ أَنَّ يَمِينَ الْفَاجِرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تُقْبَلُ كَيَمِينِ الْعَدْلِ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا وَفِيهِ أَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إِذَا قَالَ لِصَاحِبِهِ إِنَّهُ ظَالِمٌ أَوْ فَاجِرٌ أَوْ نَحْوَهُ فِي حَالِ

(باب دليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق (كان

الْخُصُومَةِ يُحْتَمَلُ ذَلِكَ مِنْهُ وَفِيهِ أَنَّ الْوَارِثَ إِذَا ادَّعَى شَيْئًا لِمُوَرِّثِهِ وَعَلِمَ الْحَاكِمُ أَنَّ مُوَرِّثَهُ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ سِوَى هَذَا الْمُدَّعِي جَازَ لَهُ الْحُكْمُ بِهِ وَلَمْ يُكَلِّفْهُ حَالَ الدَّعْوَى بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ قَالَ غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي كَانَتْ لِأَبِي فَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ فَلَوْلَا عِلْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ ورثها وحده لطالبه بينة عَلَى كَوْنِهِ وَارِثًا ثُمَّ بِبَيِّنَةٍ أُخْرَى عَلَى كَوْنِهِ مُحِقًّا فِي دَعْوَاهُ عَلَى خَصْمِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاهِدَاكَ مَعْنَاهُ شَاهِدَاكَ عَلَى مَا تَسْتَحِقُّ بِهِ انْتِزَاعَهَا وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِأَنْ يَشْهَدَا بِكَوْنِهِ وَارِثًا وَحْدَهُ وَأَنَّهُ وَرِثَ الدَّارَ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا والله أعلم (باب دليل عَلَى أَنَّ مَنْ قَصَدَ أَخْذَ مَالِ غَيْرِهِ بغير حق (كان القاصد مهدر الدم حقه وَإِنْ قُتِلَ كَانَ فِي النَّارِ) (وَأَنَّ مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) [140] فِيهِ (أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ ان جاء رجل يريد أخذ مالى فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي قَالَ قَاتِلْهُ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي قَالَ فَأَنْتَ شَهِيدٌ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ قَالَ هُوَ فِي النَّارِ) أَمَّا أَلْفَاظُ الْبَابِ فَالشَّهِيدُ قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ حَيٌّ لِأَنَّ أَرْوَاحَهُمْ شَهِدَتْ دَارَ السَّلَامِ وَأَرْوَاحُ غَيْرِهِمْ لَا تَشْهَدُهَا إِلَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَالَ)

بن الْأَنْبَارِيِّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَمَلَائِكَتَهُ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ يشهدوم لَهُ بِالْجَنَّةِ فَمَعْنَى شَهِيدٍ مَشْهُودٌ لَهُ وَقِيلَ سُمِّيَ شَهِيدًا لِأَنَّهُ يَشْهَدُ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ ماله مِنَ الثَّوَابِ وَالْكَرَامَةِ وَقِيلَ لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ يشهدون فَيَأْخُذُونَ رُوحَهُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ شُهِدَ لَهُ بِالْإِيمَانِ وَخَاتِمَةِ الْخَيْرِ بِظَاهِرِ حَالِهِ وَقِيلَ لِأَنَّ عَلَيْهِ شَاهِدًا يَشْهَدُ بِكَوْنِهِ شَهِيدًا وَهُوَ دَمُهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا وَحَكَى الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ سُمِّيَ شَهِيدًا لِكَوْنِهِ مِمَّنْ يَشْهَدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الْأُمَمِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِهَذَا السَّبَبِ وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّهِيدَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا الْمَقْتُولُ فِي حرب الكفار بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْقِتَالِ فَهَذَا لَهُ حُكْمُ الشُّهَدَاءِ فِي ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَفِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَالثَّانِي شَهِيدٌ فِي الثَّوَابِ دُونَ أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَهُوَ الْمَبْطُونُ وَالْمَطْعُونُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِتَسْمِيَتِهِ شَهِيدًا فَهَذَا يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَهُ فِي الْآخِرَةِ ثَوَابُ الشُّهَدَاءِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ ثَوَابِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثُ مَنْ غَلَّ فى الغنيمة وشبهه ممن وَرَدَتِ الْآثَارُ بِنَفْيِ تَسْمِيَتِهِ شَهِيدًا إِذَا قُتِلَ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ فَهَذَا لَهُ حُكْمُ الشُّهَدَاءِ فِي الدُّنْيَا فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ ثَوَابُهُمُ الْكَامِلُ فِي الْآخِرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْبَابِ فِي [141] الْحَدِيثِ الثَّانِي (تَيَسَّرُوا للقتال فركب خالد بن العاصى) معنى تيسروا للقتال تأهبوا وتهيؤا وَقَوْلُهُ فَرَكِبَ كَذَا ضَبَطْنَاهُ وَفِي بَعْضِ الْأُصُولِ وَرَكِبَ بِالْوَاوِ وَفِي بَعْضِهَا رَكِبَ مِنْ غَيْرِ فَاءٍ وَلَا وَاوٍ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْفَصِيحَ فِي الْعَاصِي إِثْبَاتُ الْيَاءِ وَيَجُوزُ حَذْفُهَا وَهُوَ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ مُعْظَمُ الْمُحَدِّثِينَ أَوْ كُلُّهُمْ وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) هو

(باب استحقاق الواى الغاش لرعيته النار [142] فيه قوله صلى

بِفَتْحِ التَّاءِ مِنْ عَلِمْتَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَحْكَامُ الْبَابِ فَفِيهِ جَوَازُ قَتْلِ الْقَاصِدِ لِأَخْذِ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا أو كثيرا لعموم الحديث وهذا قول الجماهير من الْعُلَمَاءِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ إِذَا طَلَبَ شَيْئًا يَسِيرًا كَالثَّوْبِ وَالطَّعَامِ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْجَمَاهِيرُ وَأَمَّا الْمُدَافَعَةُ عَنِ الْحَرِيمِ فَوَاجِبَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْمُدَافَعَةِ عَنِ النَّفْسِ بِالْقَتْلِ خِلَافٌ فِي مَذْهَبنَا وَمَذْهَبِ غَيْرِنَا وَالْمُدَافَعَةُ عَنِ الْمَالِ جَائِزَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تُعْطِهِ فَمَعْنَاهُ لَا يَلْزَمُكَ أَنْ تُعْطِيَهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَحْرِيمَ الْإِعْطَاءِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّائِلِ إِذَا قُتِلَ هُوَ فِي النَّارِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ وَقَدْ يُجَازَى وَقَدْ يُعْفَى عنه الا أن يكون مستحيلا لِذَلِكَ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ وَلَا يُعْفَى عنه والله أعلم (باب استحقاق الواى الْغَاشِّ لِرَعِيَّتِهِ النَّارَ [142] فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ)

إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ إِلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ) أَمَّا فِقْهُ الْحَدِيثِ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فِيهِ التَّأْوِيلَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي نَظَائِرِهِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ وَالثَّانِي حَرَّمَ عَلَيْهِ دُخُولَهَا مَعَ الْفَائِزِينَ السَّابِقِينَ وَمَعْنَى التَّحْرِيمِ هُنَا الْمَنْعُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَاهُ بَيِّنٌ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ غِشِّ الْمُسْلِمِينَ لِمَنْ قَلَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِمْ وَاسْتَرْعَاهُ عَلَيْهِمْ وَنَصَبَهُ لِمَصْلَحَتِهِمْ فِي دِينِهِمْ أَوْ دُنْيَاهُمْ فَإِذَا خَانَ فِيمَا اؤْتُمِنَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَنْصَحْ فِيمَا قُلِّدَهُ إِمَّا بِتَضْيِيعِهِ تَعْرِيفَهُمْ مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ دِينِهِمْ وَأَخْذَهُمْ بِهِ وَإِمَّا بِالْقِيَامِ بِمَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِ شَرَائِعِهِمْ وَالذَّبِّ عَنْهَا لكل متصد لا دخال دَاخِلَةٍ فِيهَا أَوْ تَحْرِيفٍ لِمَعَانِيهَا أَوْ إِهْمَالِ حُدُودِهِمْ أَوْ تَضْيِيعِ حُقُوقِهِمْ أَوْ تَرْكِ حِمَايَةِ حَوْزَتِهِمْ وَمُجَاهَدَةِ عَدُوِّهِمْ أَوْ تَرْكِ سِيرَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ فَقَدْ غَشَّهُمْ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ نَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْكَبَائِرِ الْمُوبِقَةِ الْمُبْعِدَةِ عَنِ الْجَنَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُ مَعْقِلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ (لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ لِي حَيَاةً مَا حَدَّثْتُكَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (لَوْلَا أَنِّي فِي الْمَوْتِ لَمْ أُحَدِّثْكَ فَقَالَ

(باب رفع الأمانة والإيمان من بعض القلوب (وعرض الفتن

الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ هَذَا لِأَنَّهُ عَلِمَ قَبْلَ هَذَا أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَنْفَعْهُ الْوَعْظُ كَمَا ظَهَرَ مِنْهُ مَعَ غَيْرِهِ ثُمَّ خَافَ مَعْقِلٌ مِنْ كِتْمَانِ الْحَدِيثِ وَرَأَى تَبْلِيغَهُ أَوْ فِعْلَهُ لِأَنَّهُ خَافَهُ لَوْ ذَكَرَهُ فِي حَيَاتِهِ لِمَا يُهَيِّجُ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثَ وَيُثْبِتُهُ فِي قُلُوبِ النَّاسِ مِنْ سُوءِ حَالِهِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ وَالْأَوَّلُ ضَعِيفٌ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ لَا يَسْقُطُ بِاحْتِمَالِ عَدَمِ قَبُولِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَلْفَاظُ الْبَابِ فَفِيهِ شَيْبَانُ عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بصريون وفروخ غير مصروف لكونه عجميا تقدم مرات وأبو الْأَشْهَبِ اسْمُهُ جَعْفَرُ بْنُ حَيَّانَ بِالْمُثَنَّاةِ الْعُطَارِدِيُّ السَّعْدِيُّ الْبَصْرِيُّ وَفِيهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ هُوَ زِيَادُ بْنُ أَبِيهِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ زِيَادُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَفِيهِ أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ وَأَنَّ غسان يصرف ولا يصرف وَالْمِسْمَعِيُّ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى مِسْمَعِ بْنِ رَبِيعَةَ وَاسْمُ أَبِي غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ وَفِيهِ أَبُو الْمَلِيحِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاسْمُهُ عَامِرٌ وَقِيلَ زَيْدُ بْنُ أُسَامَةَ الْهُذَلِيُّ الْبَصْرِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب رَفْعِ الْأَمَانَةِ وَالْإِيمَانِ مِنْ بَعْضِ الْقُلُوبِ (وَعَرْضِ الْفِتَنِ عَلَى الْقُلُوبِ) [143] فِيهِ قَوْلُ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ قَدْ رَأَيْتُ أَحَدُهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الْآخَرَ إِلَى آخِرِهِ) وَفِيهِ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ الْآخَرُ فِي عَرْضِ الْفِتَنِ وَأَنَا أَذْكُرُ شَرْحَ لَفْظِهِمَا وَمَعْنَاهُمَا على ترتيبهما ان شاء تَعَالَى فَأَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَقَالَ مُسْلِمٌ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أبو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ قَالَ وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) هَذَا الاسناد كله كوفيون وحذيفة مداينى كُوفِيٌّ وَقَوْلُهُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدٍ وَالْأَعْمَشُ مُدَلِّسٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُدَلِّسَ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ إِذَا قَالَ)

عَنْ وَجَوَابُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مَرَّاتٍ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ ثَبَتَ سَمَاعُ الْأَعْمَشِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ زَيْدٍ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَلَمْ يَضُرَّهُ بَعْدَ هَذَا قَوْلُهُ فِيهِ عَنْ وَأَمَّا قَوْلُ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ فَمَعْنَاهُ حَدَّثَنَا حَدِيثَيْنِ فِي الْأَمَانَةِ وَإِلَّا فَرِوَايَاتُ حُذَيْفَةَ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَعَنَى بِأَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ قَوْلَهُ حَدَّثَنَا أَنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ وَبِالثَّانِي قَوْلَهُ ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الْأَمَانَةِ إِلَى آخِرِهِ قَوْلُهُ (أَنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ) أَمَّا الْجَذْرُ فَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فِيهِمَا وَهُوَ الْأَصْلُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مَذْهَبُ الْأَصْمَعِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَتْحُ الْجِيمِ وَأَبُو عَمْرٍو يَكْسِرُهَا وَأَمَّا الْأَمَانَةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا التَّكْلِيفُ الَّذِي كَلَّفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عِبَادَهُ وَالْعَهْدُ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال قال بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هِيَ الْفَرَائِضُ الَّتِي افْتَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ وَقَالَ الْحَسَنُ هُوَ الدِّينُ وَالدِّينُ كُلُّهُ أَمَانَةٌ وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ الْأَمَانَةُ مَا أُمِرُوا بِهِ وَمَا نُهُوا عَنْهُ وَقَالَ مُقَاتِلٌ الْأَمَانَةُ الطَّاعَةُ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ قَالَ فَالْأَمَانَةُ فِي قَوْلِ جَمِيعِهِمُ الطَّاعَةُ وَالْفَرَائِضُ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِأَدَائِهَا الثَّوَابُ وَبِتَضْيِيعِهَا الْعِقَابُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ الْأَمَانَةُ فِي الْحَدِيثِ هِيَ الْأَمَانَةُ الْمَذْكُورَةُ فى قوله تعالى إنا عرضنا الأمانة وَهِيَ عَيْنُ الْإِيمَانِ فَإِذَا اسْتَمْكَنَتِ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِ الْعَبْدِ قَامَ حِينَئِذٍ بِأَدَاءِ التَّكَالِيفِ وَاغْتَنَمَ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْهَا وَجَدَّ فِي إِقَامَتِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ فَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَبِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَهُوَ الْأَثَرُ الْيَسِيرُ كَذَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ سَوَادٌ يَسِيرٌ وَقِيلَ هُوَ لَوْنٌ يَحْدُثُ مُخَالِفٌ لِلَّوْنِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ

وَأَمَّا (الْمَجْلُ) فَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَالْمَشْهُورُ الْإِسْكَانُ يُقَالُ مِنْهُ مَجِلَتْ يَدُهُ بِكَسْرِ الْجِيمِ تَمْجَلُ بِفَتْحِهَا مَجَلًا بِفَتْحِهَا أَيْضًا وَمَجَلَتْ بِفَتْحِ الْجِيمِ تَمْجُلُ بِضَمِّهَا مَجْلًا بِإِسْكَانِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَأَمْجَلَهَا غَيْرُهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ الْمَجْلُ هُوَ التَّنَفُّطُ الَّذِي يَصِيرُ فِي الْيَدِ مِنَ الْعَمَلِ بِفَأْسٍ أَوْ نَحْوِهَا وَيَصِيرُ كَالْقُبَّةِ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ (كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ) فَالْجَمْرُ وَالدَّحْرَجَةُ مَعْرُوفَانِ وَنَفِطَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَيُقَالُ تَنَفَّطَ بِمَعْنَاهُ وَمُنْتَبِرًا مُرْتَفِعًا وَأَصْلُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ الِارْتِفَاعُ وَمِنْهُ الْمِنْبَرُ لِارْتِفَاعِهِ وَارْتِفَاعُ الْخَطِيبِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ نَفِطَ وَلَمْ يَقُلْ نَفِطَتْ مَعَ أَنَّ الرِّجْلَ مُؤَنَّثَةٌ إِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَكَّرَ نَفِطَ اتِّبَاعًا لِلَّفْظِ الرِّجْلِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إِتْبَاعًا لِمَعْنَى الرِّجْلِ وَهُوَ الْعُضْوُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (ثُمَّ أَخَذَ حَصًى فَدَحْرَجَهُ) فَهَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ ثُمَّ أَخَذَ حَصَاةً فَدَحْرَجَهُ بِإِفْرَادِ لَفْظِ الْحَصَاةِ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا وَيَكُونُ مَعْنَاهُ دَحْرَجَ ذَلِكَ الْمَأْخُوذَ أَوِ الشَّيْءَ وَهُوَ الْحَصَاةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَمَانَةَ تَزُولُ عَنِ الْقُلُوبِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِذَا زَالَ أَوَّلُ جُزْءٍ مِنْهَا زل نُورُهَا وَخَلَفَتْهُ ظُلْمَةٌ كَالْوَكْتِ وَهُوَ اعْتِرَاضُ لَوْنٍ مُخَالِفٍ لِلَّوْنِ الَّذِي قَبْلَهُ فَإِذَا زَالَ شَيْءٌ آخَرُ صَارَ كَالْمَجْلِ وَهُوَ أَثَرٌ مُحْكَمٌ لَا يَكَادُ يَزُولُ إِلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ وَهَذِهِ الظُّلْمَةُ فَوْقَ الَّتِي قَبْلَهَا ثُمَّ شَبَّهَ زَوَالَ ذَلِكَ النُّورِ بَعْدَ وُقُوعِهِ فِي الْقَلْبِ وَخُرُوجِهِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ فِيهِ وَاعْتِقَابِ الظُّلْمَةِ إِيَّاهُ بِجَمْرٍ يُدَحْرِجُهُ عَلَى رِجْلِهِ حَتَّى يُؤَثِّرَ فِيهَا ثُمَّ يَزُولُ الْجَمْرُ وَيَبْقَى التَّنَفُّطُ وَأَخْذِهِ الْحَصَاةَ وَدَحْرَجَتِهِ إِيَّاهَا أَرَادَ بِهَا زِيَادَةَ الْبَيَانِ وَإِيضَاحَ الْمَذْكُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (ولقد أتى

عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيُّكُمْ بَايَعْتُ لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ دِينُهُ وَلَئِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ لِأُبَايِعَ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا) فَمَعْنَى الْمُبَايَعَةِ هُنَا الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ الْمَعْرُوفَانِ وَمُرَادُهُ أَنِّي كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ الْأَمَانَةَ لَمْ تَرْتَفِعْ وَأَنَّ فِي النَّاسِ وَفَاءً بِالْعُهُودِ فَكُنْتُ أُقْدِمُ عَلَى مُبَايَعَةِ مَنِ اتَّفَقَ غَيْرَ بَاحِثٍ عَنْ حَالِهِ وُثُوقًا بِالنَّاسِ وَأَمَانَتِهِمْ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَدِينُهُ وَأَمَانَتُهُ تَمْنَعُهُ مِنَ الْخِيَانَةِ وَتَحْمِلُهُ عَلَى أَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَسَاعِيهِ وَهُوَ الْوَالِي عَلَيْهِ كَانَ أَيْضًا يَقُومُ بِالْأَمَانَةِ فِي وِلَايَتِهِ فَيَسْتَخْرِجُ حَقِّي مِنْهُ وَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ ذَهَبَتِ الْأَمَانَةُ فَمَا بَقِيَ لِي وُثُوقٌ بِمَنْ أُبَايِعُهُ وَلَا بِالسَّاعِي فِي أَدَائِهِمَا الْأَمَانَةَ فَمَا أُبَايِعُ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا يَعْنِي أَفْرَادًا مِنَ النَّاسِ أَعْرِفُهُمْ وَأَثِقُ بِهِمْ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَحَمَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمُبَايَعَةَ هُنَا عَلَى بَيْعَةِ الْخِلَافَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُعَاقَدَةِ وَالتَّحَالُفِ فِي أُمُورِ الدِّينِ قَالَا وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ قَائِلِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَوَاضِعُ تُبْطِلُ قَوْلَهُ مِنْهَا قَوْلُهُ وَلَئِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ وَالْيَهُودِيَّ لَا يُعَاقَدُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ والله اعلم وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي فِي عَرْضِ الْفِتَنِ فَفِي إِسْنَادِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ بِالْمُثَنَّاةِ وَرِبْعِيٌّ بِكَسْرِ الراء وهو بن حِرَاشٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ [144] وَقَوْلُهُ (فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَصْلُ الْفِتْنَةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الِابْتِلَاءُ وَالِامْتِحَانُ وَالِاخْتِبَارُ

قَالَ الْقَاضِي ثُمَّ صَارَتْ فِي عُرْفِ الْكَلَامِ لِكُلِّ أَمْرٍ كَشَفَهُ الِاخْتِبَارُ عَنْ سُوءٍ قَالَ أَبُو زَيْدٍ فُتِنَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فُتُونًا إِذَا وَقَعَ فِي الْفِتْنَةِ وَتَحَوَّلَ مِنْ حَالٍ حَسَنَةٍ إِلَى سَيِّئَةٍ وَفِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ ضُرُوبٌ مِنْ فَرْطِ مَحَبَّتِهِ لَهُمْ وَشُحِّهِ عَلَيْهِمْ وَشُغْلِهِ بِهِمْ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْخَيْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ أَوْ لِتَفْرِيطِهِ بِمَا يَلْزَمُ مِنَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِمْ وَتَأْدِيبِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ فَإِنَّهُ رَاعٍ لَهُمْ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكَذَلِكَ فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي جَارِهِ مِنْ هَذَا فَهَذِهِ كُلُّهَا فِتَنٌ تَقْتَضِي الْمُحَاسَبَةَ وَمِنْهَا ذُنُوبٌ يُرْجَى تَكْفِيرُهَا بِالْحَسَنَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ان الحسنات يذهبن السيئات وَقَوْلُهُ (الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرِ) أَيْ تضطرب وَيَدْفَعُ بَعْضَهَا بَعْضًا وَشَبَّهَهَا بِمَوْجِ الْبَحْرِ لِشِدَّةِ عِظَمِهَا وَكَثْرَةِ شُيُوعِهَا وَقَوْلُهُ (فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ) هُوَ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ سَكَتَ وَأَسْكَتَ لُغَتَانِ بِمَعْنَى صَمَتَ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ سَكَتَ صَمَتَ وَأَسْكَتَ أَطْرَقَ وَإِنَّمَا سَكَتَ الْقَوْمُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَحْفَظُونَ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْفِتْنَةِ وَإِنَّمَا حَفِظُوا النَّوْعَ الْأَوَّلَ وَقَوْلُهُ (لِلَّهِ أَبُوكَ) كَلِمَةُ مَدْحٍ تَعْتَادُ الْعَرَبُ الثَّنَاءَ بِهَا فَإِنَّ الْإِضَافَةَ إِلَى الْعَظِيمِ تَشْرِيفٌ وَلِهَذَا يُقَالُ بيت الله وناقة اللَّهِ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فَإِذَا وُجِدَ مِنَ الْوَلَدِ مَا يُحْمَدُ قِيلَ لَهُ لِلَّهِ أَبُوكَ حَيْثُ أَتَى بِمِثْلِكَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا) هَذَانِ الْحَرْفَانِ مِمَّا اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَظْهَرُهَا وَأَشْهَرُهَا عُودًا عُودًا بِضَمِّ الْعَيْنِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالثَّانِي بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا وَالثَّالِثُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ غَيْرَ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الْقَاضِي عِيَاضٌ فَذَكَرَ هَذِهِ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ عَنْ أَئِمَّتِهِمْ وَاخْتَارَ الْأَوَّلُ أَيْضًا قَالَ وَاخْتَارَ شيخنا أبوالحسين بْنُ سَرَّاجٍ فَتْحَ الْعَيْنِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ وَمَعْنَى تُعْرَضُ أَنَّهَا تُلْصَقُ بِعَرْضِ الْقُلُوبِ أَيْ جَانِبهَا كَمَا يُلْصَقُ الْحَصِيرُ بِجَنْبِ النَّائِمِ وَيُؤَثِّرُ فِيهِ شِدَّةُ الْتِصَاقهَا بِهِ قَالَ وَمَعْنَى عَوْدًا عَوْدًا أَيْ تُعَادُ وَتُكَرَّرُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ قال بن سَرَّاجٍ وَمَنْ رَوَاهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَمَعْنَاهُ سُؤَالُ الِاسْتِعَاذَةِ مِنْهَا كَمَا يُقَالُ غُفْرًا غُفْرًا وَغُفْرَانَكَ أَيْ نَسْأَلُكَ أَنْ تُعِيذَنَا مِنْ

ذَلِكَ وَأَنْ تَغْفِرَ لَنَا وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ مَعْنَاهُ تَظْهَرُ عَلَى الْقُلُوبِ أَيْ تَظْهَرُ لَهَا فِتْنَةٌ بَعْدَ أُخْرَى وَقَوْلُهُ كَالْحَصِيرِ أَيْ كَمَا يُنْسَجُ الْحَصِيرُ عُودًا عُودًا وَشَظِيَّةً بَعْدَ أُخْرَى قَالَ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا يَتَرَجَّحُ رِوَايَةُ ضَمِّ الْعَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ نَاسِجَ الْحَصِيرِ عِنْدَ الْعَرَبِ كُلَّمَا صَنَعَ عُودًا أَخَذَ آخَرَ وَنَسَجَهُ فَشَبَّهَ عَرْضَ الْفِتَنِ عَلَى الْقُلُوبِ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى بِعَرْضِ قُضْبَانِ الْحَصِيرِ عَلَى صَانِعِهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدِي وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ لَفْظِهِ وَصِحَّةُ تَشْبِيهِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ) مَعْنَى أُشْرِبَهَا دَخَلَتْ فِيهِ دُخُولًا تَامًّا وَأُلْزِمَهَا وَحَلَّتْ مِنْهُ مَحَلَّ الشَّرَابِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأُشْرِبُوا فِي قلوبهم العجل أَيْ حُبَّ الْعِجْلِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ ثَوْبٌ مُشْرَبٌ بِحُمْرَةٍ أَيْ خَالَطَتْهُ الْحُمْرَةُ مُخَالَطَةً لَا انْفِكَاكَ لَهَا وَمَعْنَى نُكِتَ نُكْتَةً نُقِطَ نُقْطَةً وَهِيَ بالتاء المثناة فى آخره قال بن دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُ كُلُّ نُقْطَةٍ فِي شَيْءٍ بِخِلَافِ لَوْنِهِ فَهُوَ نَكْتٌ وَمَعْنَى أَنْكَرَهَا رَدَّهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ تَشْبِيهُهُ بِالصَّفَا بَيَانًا لِبَيَاضِهِ لَكِنْ صِفَةً أُخْرَى لِشِدَّتِهِ عَلَى عَقْدِ الْإِيمَانِ وَسَلَامَتِهِ مِنَ الْخَلَلِ وَأَنَّ الْفِتَنَ لَمْ تَلْصَقْ بِهِ وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ كَالصَّفَا وَهُوَ الْحَجَرُ الْأَمْلَسُ الَّذِي لَا يَعْلَقُ بِهِ شَيْءٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ مُرْبَادًّا فَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَتِنَا وَأُصُولِ بِلَادِنَا وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافًا فِي ضَبْطِهِ وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ ضبطه كما

ذَكَرْنَاهُ وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ مُرْبَئِدٌ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَ الْبَاءِ قَالَ الْقَاضِي وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَكْثَرِ شُيُوخِنَا وَأَصْلُهُ أَنْ لَا يُهْمَزَ وَيَكُونُ مُرْبَدٌّ مِثْلُ مُسَوَّدٌ وَمُحْمَرٌّ وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْهَرَوِيُّ وَصَحَّحَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَنْ أَبِي مَرْوَانَ بْنِ سَرَّاجٍ لِأَنَّهُ مِنَ ارْبَدَّ إِلَّا عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ احْمَأَرَّ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنِينَ فَيُقَالُ ارْبَأَدَّ وَمُرْبَئِدٌّ وَالدَّالُ مُشَدَّدَةٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ مُجَخِّيًا فَهُوَ بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ مَعْنَاهُ مَائِلًا كَذَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَفَسَّرَهُ الرَّاوِي فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ مَنْكُوسًا وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْمَائِلِ قَالَ القاضي عياض قال لى بن سَرَّاجٍ لَيْسَ قَوْلُهُ كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا تَشْبِيهًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ سَوَادِهِ بَلْ هُوَ وَصْفٌ آخَرُ مِنْ أَوْصَافِهِ بِأَنَّهُ قُلِبَ وَنُكِّسَ حَتَّى لَا يَعْلَقَ بِهِ خَيْرٌ وَلَا حِكْمَةٌ وَمَثَّلَهُ بِالْكُوزِ الْمُجَخِّي وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ شَبَّهَ الْقَلْبَ الَّذِي لَا يَعِي خَيْرًا بِالْكُوزِ الْمُنْحَرِفِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ الْمَاءُ فِيهِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَبِعَ هَوَاهُ وَارْتَكَبَ الْمَعَاصِيَ دَخَلَ قَلْبَهُ بِكُلِّ مَعْصِيَةٍ يَتَعَاطَاهَا ظُلْمَةٌ وَإِذَا صَارَ كَذَلِكَ افْتُتِنَ وَزَالَ عَنْهُ نُورُ الْإِسْلَامِ وَالْقَلْبُ مِثْلُ الْكُوزِ فَإِذَا انْكَبَّ انْصَبَّ مَا فِيهِ وَلَمْ يَدْخُلْهُ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ (قُلْتُ لِسَعْدٍ مَا أَسْوَدُ مُرْبَادًّا فَقَالَ شِدَّةُ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ) فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يَقُولُ إِنَّهُ تَصْحِيفٌ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ الْكِنَانِيِّ قَالَ أَرَى أَنَّ صَوَابَهُ شِبْهُ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ وَذَلِكَ أَنَّ شِدَّةَ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ لَا يُسَمَّى رُبْدَةً وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهَا بَلَقٌ إِذَا كَانَ فِي الْجِسْمِ وَحَوَرًا إِذَا كَانَ فِي الْعَيْنِ وَالرُّبْدَةُ إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ مِنْ بَيَاضٍ يَسِيرٍ يُخَالِطُ السَّوَادَ كَلَوْنِ أَكْثَرِ النَّعَامِ وَمِنْهُ قِيلَ لِلنَّعَامَةِ رَبْدَاءُ فَصَوَابُهُ شِبْهُ الْبَيَاضِ لَا شِدَّةُ الْبَيَاضِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَغَيْرِهِ الرُّبْدَةُ لَوْنٌ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْغَبَرَةِ وَقَالَ بن دُرَيْدٍ الرُّبْدَةُ لَوْنٌ أَكْدَرٌ وَقَالَ غَيْرُهُ هِيَ أَنْ يَخْتَلِطَ السَّوَادُ بِكُدْرَةٍ وَقَالَ الْحَرْبِيُّ لَوْنُ النَّعَامِ بَعْضُهُ أَسْوَدُ وَبَعْضُهُ أَبْيَضُ وَمِنْهُ ارْبَدَّ لَوْنُهُ إِذَا تَغَيَّرَ وَدَخَلَهُ سَوَادٌ وَقَالَ نَفْطَوَيْهِ الْمُرْبَدُ الْمُلَمَّعُ بِسَوَادٍ

وَبَيَاضٍ وَمِنْهُ تَرَبَّدَ لَوْنُهُ أَيْ تَلَوَّنَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ حَدَّثْتُهُ أَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا يُوشِكُ أَنْ يُكْسَرَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَكَسْرًا لَا أَبَا لَكَ فَلَوْ أَنَّهُ فُتِحَ لَعَلَّهُ كَانَ يُعَادُ أَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا فَمَعْنَاهُ أَنَّ تِلْكَ الْفِتَنَ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهَا فِي حياتك وأما قوله يوشك فبضم الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَمَعْنَاهُ يَقْرُبُ وَقَوْلُهُ أَكَسْرًا أَيْ أَيُكْسَرُ كَسْرًا فَإِنَّ الْمَكْسُورَ لَا يُمْكِنُ إِعَادَتُهُ بِخِلَافِ الْمَفْتُوحِ وَلِأَنَّ الْكَسْرَ لَا يَكُونُ غَالِبًا إِلَّا عَنْ إِكْرَاهٍ وَغَلَبَةٍ وَخِلَافِ عَادَةٍ وَقَوْلُهُ لَا أَبَا لَكَ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ هَذِهِ كَلِمَةٌ تَذْكُرهَا الْعَرَبُ لِلْحَثِّ عَلَى الشَّيْءِ وَمَعْنَاهَا أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كَانَ لَهُ أَبٌ وَحَزَبَهُ أَمْرٌ وَوَقَعَ فِي شِدَّةٍ عَاوَنَهُ أَبُوهُ وَرَفَعَ عَنْهُ بَعْضَ الْكُلِّ فَلَا يَحْتَاجُ مِنَ الجد والاهتمام إلى ما يحتاج إليه حالة الِانْفِرَادُ وَعَدَمُ الْأَبِ الْمُعَاوِنِ فَإِذَا قِيلَ لَا أَبَا لَكَ فَمَعْنَاهُ جِدَّ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَشَمِّرْ وَتَأَهَّبْ تَأَهُّبَ مَنْ لَيْسَ لَهُ مُعَاوِنٌ والله اعلم قوله وحدثته أَنَّ ذَلِكَ الْبَابَ رَجُلٌ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يُقْتَلُ فَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا (وأنه

هَكَذَا عَلَى الشَّكِّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِبْهَامُ عَلَى حُذَيْفَةَ وَغَيْرِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُذَيْفَةُ عَلِمَ أَنَّهُ يُقْتَلُ وَلَكِنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُخَاطِبَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْقَتْلِ فَإِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ الْبَابُ كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَعْلَمُ مَنِ الْبَابُ كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ قَبْلَ غَدٍ اللَّيْلَةَ فَأَتَى حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِكَلَامٍ يَحْصُلُ مِنْهُ الْغَرَضُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ إِخْبَارًا لِعُمَرَ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ وَأَمَّا قَوْلُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ فَهِيَ جَمْعُ أُغْلُوطَةٍ وَهِيَ الَّتِي يُغَالَطُ بِهَا فَمَعْنَاهُ حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا صِدْقًا مُحَقَّقًا لَيْسَ هُوَ مِنْ صُحُفِ الْكِتَابِيِّينَ وَلَا مِنَ اجْتِهَادِ ذِي رَأْيٍ بَلْ مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَائِلَ بَيْنَ الْفِتَنِ وَالْإِسْلَامِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ الْبَابُ فَمَا دَامَ حَيًّا لَا تَدْخُلُ الْفِتَنُ فَإِذَا مَاتَ دَخَلَتِ الْفِتَنُ وَكَذَا كَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ رِبْعِيٍّ قَالَ لَمَّا قَدِمَ حُذَيْفَةُ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جَلَسَ فَحَدَّثَنَا فَقَالَ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمْسِ لَمَّا جَلَسْتُ إِلَيْهِ سَأَلَ أَصْحَابَهُ أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الفتن إلى آخره فالمراد بقوله أمس الزمان الْمَاضِي لَا أَمْسِ يَوْمِهِ وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يَلِي يَوْمَ تَحْدِيثِهِ لِأَنَّ مُرَادَهُ لَمَّا قَدِمَ حُذَيْفَةُ الْكُوفَةَ فِي انْصِرَافِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَفِي أَمْسِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ أَمْسٌ اسْمٌ حُرِّكَ آخِرُهُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَاخْتَلَفَ الْعَرَبُ فِيهِ فَأَكْثَرُهُمْ يَبْنِيهِ عَلَى الْكَسْرِ مَعْرِفَةً وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْرِبهُ مَعْرِفَةً وَكُلُّهُمْ يُعْرِبهُ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ أَوْ صَيَّرَهُ نَكِرَةً أَوْ أَضَافَهُ تَقُولُ مَضَى الْأَمْسُ الْمُبَارَكُ وَمَضَى أَمْسُنَا وَكُلُّ غَدٍ صَائِرٌ أَمْسًا وَقَالَ سِيبَوَيْهِ جَاءَ فِي الشِّعْرِ مُذْ أَمْسَ بِالْفَتْحِ هَذَا كَلَامُ الْجَوْهَرِيِّ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ قَالَ الْفَرَّاءُ وَمِنِ الْعَرَبِ مَنْ يَخْفِضُ الْأَمْسَ وَإِنْ أُدْخِلَ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَاللَّهُ أعلم (باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا (وَأَنَّهُ يَأْرَزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ) [145] فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ)

وَهُوَ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا) [147] وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا) أَمَّا أَلْفَاظُ الْبَابِ فَفِيهِ أَبُو حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاسْمُ أَبِي حَازِمٍ هَذَا سَلْمَانُ الْأَشْجَعِيُّ مَوْلَى عَزَّةَ الْأَشْجَعِيَّةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ اسْمَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ نَحْوِ ثَلَاثِينَ قَوْلًا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا كَذَا ضَبَطْنَاهُ بَدَأَ بِالْهَمْزِ مِنَ الِابْتِدَاءِ وَطُوبَى فُعْلَى مِنَ الطِّيبِ قَالَهُ الْفَرَّاءُ قَالَ وَإِنَّمَا جَاءَتِ الْوَاوُ لِضَمَّةِ الطَّاءِ قَالَ وَفِيهَا لُغَتَانِ تَقُولُ الْعَرَبُ طُوبَاكَ وَطُوبَى لَكَ وَأَمَّا مَعْنَى طُوبَى فَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى طوبى لهم وحسن مآب فروى عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ فَرَحٌ وَقُرَّةُ عَيْنٍ وَقَالَ عِكْرِمَةُ نِعْمَ مَا لَهُمْ وَقَالَ الضَّحَّاكُ غِبْطَةٌ لَهُمْ وَقَالَ قَتَادَةُ حُسْنَى لَهُمْ وَعَنْ قَتَادَةَ أَيْضًا مَعْنَاهُ أَصَابُوا خَيْرًا وقال ابراهيم خير لهم وكرامة وقال بن عَجْلَانَ دَوَامُ الْخَيْرِ وَقِيلَ الْجَنَّةُ وَقِيلَ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُحْتَمَلَةٌ فِي الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي

الْإِسْنَادِ شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ فَشَبَابَةُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُكَرَّرَةِ وَسَوَّارٌ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَشَبَابَةُ لَقَبٌ وَاسْمُهُ مَرْوَانُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَفِيهِ عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيُّ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَهُوَ عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عنهم وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَأْرِزُ بِيَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ ثُمَّ رَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ زَايٍ مُعْجَمَةٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ عَنْ أكثر الرواة قال وقال أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ سَرَّاجٍ لَيَأْرُزَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَحَكَى الْقَابِسِيُّ فَتْحَ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ يَنْضَمُّ وَيَجْتَمِعُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَقِيلَ فِي مَعْنَاهُ غَيْرُ هَذَا مِمَّا لَا يَظْهَرُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ المسجدين أى مسجدى مكة والمدينة وفى الاسناد الآخر خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قوله غريبا روى بن أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مَعْنَاهُ فِي الْمَدِينَةِ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ بِهَا غَرِيبًا وَسَيَعُودُ إِلَيْهَا قَالَ الْقَاضِي وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْعُمُومُ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ فِي آحَادٍ مِنَ النَّاسِ وَقِلَّةٍ ثُمَّ انْتَشَرَ وَظَهَرَ ثُمَّ سَيَلْحَقُهُ النَّقْصُ وَالْإِخْلَالُ حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا فِي آحَادٍ وَقِلَّةٍ أَيْضًا كَمَا بَدَأَ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ تَفْسِيرُ الْغُرَبَاءِ وَهُمُ النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ قَالَ الْهَرَوِيُّ أَرَادَ بِذَلِكَ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ هَجَرُوا أَوْطَانَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْقَاضِي وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِيمَانَ أَوَّلًا وَآخِرًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأَنَّهُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَانَ كُلُّ مَنْ خَلَصَ إِيمَانُهُ وَصَحَّ إِسْلَامُهُ أَتَى الْمَدِينَةَ إِمَّا مُهَاجِرًا مُسْتَوْطِنًا وَإِمَّا مُتَشَوِّقًا إِلَى رُؤْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُتَعَلِّمًا مِنْهُ وَمُتَقَرِّبًا ثُمَّ بَعْدَهُ هَكَذَا فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ كَذَلِكَ وَلِأَخْذِ سِيرَةِ الْعَدْلِ مِنْهُمْ وَالِاقْتِدَاءِ بِجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِيهَا ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ كَانُوا سُرُجَ الْوَقْتِ وَأَئِمَّةَ الْهُدَى لِأَخْذِ السُّنَنِ الْمُنْتَشِرَةِ بِهَا عَنْهُمْ فَكَانَ كُلُّ ثَابِتِ الْإِيمَانِ مُنْشَرِحِ الصَّدْرِ بِهِ يَرْحَلُ إِلَيْهَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ وَقْتٍ إِلَى زَمَانِنَا لِزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّبَرُّكِ بِمَشَاهِدِهِ وَآثَارِهِ وَآثَارِ أَصْحَابِهِ الْكِرَامِ فَلَا يَأْتِيهَا إِلَّا مُؤْمِنٌ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

(باب ذهاب الإيمان آخر الزمان فيه قوله صلى الله

(باب ذَهَابِ الْإِيمَانِ آخَرِ الزَّمَانِ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ اللَّهُ اللَّهُ) أَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَهُوَ أَنَّ الْقِيَامَةَ إِنَّمَا تَقُومُ عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (وَتَأْتِي الرِّيحُ مِنْ قِبَلَ الْيَمَنِ فَتَقْبِضُ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ قُرْبِ السَّاعَةِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي بَابِ الرِّيحِ الَّتِي تَقْبِضُ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ بَيَانُ هَذَا وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) وَأَمَّا أَلْفَاظُ الْبَابِ فَفِيهِ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَفِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ اللَّهُ اللَّهُ هُوَ بِرَفْعِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ يَغْلَطُ فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ فَلَا يَرْفَعْهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى تَكْرِيرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الرِّوَايَتَيْنِ وَهَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رحمه الله وفى رواية بن أَبِي جَعْفَرٍ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ والله سبحانه وتعالى أعلم) باب جواز الِاسْتِسْرَارِ بِالْإِيمَانِ لِلْخَائِفِ [149] قَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بن عبد الله بن نمير وأبو كريب واللفظ لابى كريب قالوا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ

(فقال أحصوا لي كم يلفظ الإسلام فقلنا يا رسول الله

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَالَ أَحْصُوا لِي كَمْ يَلْفِظُ الْإِسْلَامَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أتخاف علينا ونحن مَا بَيْنَ السِّتِّمِائَةِ إِلَى السَّبْعِمِائَةِ قَالَ إِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ لَعَلَّكُمْ أَنْ تُبْتَلَوْا قَالَ فَابْتُلِينَا حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا لَا يُصَلِّي إِلَّا سِرًّا) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ وَأَمَّا مَتْنُهُ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَحْصُوا) مَعْنَاهُ عُدُّوا وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ اكْتُبُوا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَمْ يَلْفِظُ الْإِسْلَامَ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَالْإِسْلَامُ مَنْصُوبٌ مَفْعُولُ يَلْفِظُ بِإِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ أَيْ يَلْفِظُ بِالْإِسْلَامِ وَمَعْنَاهُ كَمْ عَدَدُ مَنْ يَتَلَفَّظُ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَكَمْ هُنَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ وَمُفَسِّرُهَا مَحْذُوفٌ وَتَقْدِيرُهُ كَمْ شَخْصًا يَلْفِظُ بِالْإِسْلَامِ وَفِي بَعْضِ الْأُصُولِ تَلَفَّظُ بِتَاءِ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ وَفَتْحِ اللَّامِ وَالْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لِلْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ اكْتُبُوا مَنْ يَلْفِظُ بِالْإِسْلَامِ فَكَتَبْنَا وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ أَحْصُوا لِي مَنْ كَانَ يَلْفِظُ بِالْإِسْلَامِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ أَحْصُوا كُلَّ مَنْ تَلَفَّظَ بِالْإِسْلَامِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَنَحْنُ مَا بَيْنَ السِّتِّمِائَةِ إِلَى السَّبْعمِائَةِ فَكَذَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ وَهُوَ مُشْكِلٌ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَلَهُ وَجْهٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِائَةٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَنْصُوبًا عَلَى التَّمْيِيزِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَقِيلَ إِنَّ مِائَةً فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَجْرُورَةٌ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ زَائِدَتَيْنِ فَلَا اعْتِدَادَ بِدُخُولِهِمَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ مُسْلِمٍ سِتِّمِائَةٍ إِلَى سَبْعمِائَةٍ وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا إِشْكَالَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَكَتَبْنَا لَهُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَقُلْنَا تَخَافُ وَنَحْنُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَيْضًا فَوَجَدْنَاهُمْ خَمْسَمِائَةٍ وَقَدْ يُقَالُ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ الْمُرَادُ بِهِ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَالرِّجَالُ وَيَكُونُ قَوْلُهُمْ سِتُّمِائَةٍ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ الرِّجَالُ خَاصَّةً وَيَكُونُ خَمْسُمِائَةٍ الْمُرَادُ بِهِ الْمُقَاتِلُونَ وَلَكِنَّ هَذَا الْجَوَابَ بَاطِلٌ بِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ السِّيَرِ فِي بَابِ كِتَابَةِ الْإِمَامِ النَّاسَ قَالَ فِيهَا فَكَتَبْنَا لَهُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةِ رَجُلٍ وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُقَالَ لَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ مَا بَيْنَ السِّتِّمِائَةِ إِلَى السَّبْعِمِائَةِ رِجَالُ الْمَدِينَةِ خَاصَّةً وَبِقَوْلِهِمْ فَكَتَبْنَا لَهُ أَلْفًا وَخَمْسمِائَةٍ هُمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ حَوْلَهُمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ ابْتُلِينَا فَجَعَلَ الرَّجُلُ لَا يُصَلِّي إِلَّا سِرًّا فَلَعَلَّهُ كَانَ فِي بَعْضِ الْفِتَنِ التى جرت)

(باب تألف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه (والنهي عن

بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ بَعْضُهُمْ يُخْفِي نَفْسَهُ وَيُصَلِّي سِرًّا مَخَافَةً مِنَ الظُّهُورِ وَالْمُشَارَكَةِ فِي الدُّخُولِ فِي الْفِتْنَةِ وَالْحُرُوبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب تَأَلُّفِ قَلْبِ مَنْ يَخَافُ عَلَى إِيمَانِهِ لِضَعْفِهِ (وَالنَّهْيِ عَنْ الْقَطْعِ بِالْإِيمَانِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ قَاطِعٍ) [150] فِيهِ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أما أَلْفَاظُهُ فَقَوْلُهُ (قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوْ مُسْلِمٍ) هُوَ بِإِسْكَانِ الْوَاوِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَخَافَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ) يَكُبَّهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ يُقَالُ أَكَبَّ الرَّجُلُ وَكَبَّهُ اللَّهُ وَهَذَا بِنَاءٌ غَرِيبٌ فَإِنَّ الْعَادَةَ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ اللَّازِمُ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ فَيُعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَهُنَا عَكْسُهُ وَالضَّمِيرُ فِي يَكُبَّهُ يَعُودُ عَلَى الْمُعْطِي أَيْ أَتَأَلَّفُ قَلْبَهُ بِالْإِعْطَاءِ مَخَافَةً مِنْ كُفْرِهِ إِذَا لَمْ يُعْطَ وَقَوْلُهُ (أَعْطَى رَهْطًا) أَيْ جَمَاعَةً وَأَصْلُهُ الْجَمَاعَةُ دُونَ الْعَشَرَةِ وَقَوْلُهُ (وَهُوَ أَعْجَبهُمْ إِلَيَّ) أَيْ أَفْضَلُهُمْ وَأَصْلَحُهُمْ فِي اعْتِقَادِي وَقَوْلُهُ (إِنِّي لَأَرَاهُ)

مُؤْمِنًا) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنْ لَأَرَاهُ أَيْ لَأَعْلَمَهُ وَلَا يَجُوزُ ضَمُّهَا فَإِنَّهُ قَالَ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ رَاجَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَازِمًا بِاعْتِقَادِهِ لَمَا كَرَّرَ الْمُرَاجَعَةَ وَقَوْلُهُ عن صالح عن بن شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ هَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ عَنِ الْأَصَاغِرِ فَإِنَّ صَالِحًا أَكْبَرُ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَأَمَّا فِقْهُهُ وَمَعَانِيهُ فَفِيهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَكَلَامٌ طَوِيلٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِيضَاحُ شَرْحِهَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ الْإِقْرَارَ بِاللِّسَانِ لَا يَنْفَعُ إِلَّا إِذَا اقْتَرَنَ بِهِ الِاعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ خِلَافًا لِلْكَرَّامِيَّةِ وَغُلَاةِ الْمُرْجِئَةِ فِي قَوْلِهِمْ يَكْفِي الْإِقْرَارُ وَهَذَا خَطَأٌ ظاهر يراه إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَالنُّصُوصُ فِي إِكْفَارِ الْمُنَافِقِينَ وَهَذِهِ صِفَتُهُمْ وَفِيهِ الشَّفَاعَةُ إِلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ فِيمَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَفِيهِ مُرَاجَعَةُ الْمَسْئُولِ فِي الْأَمْرِ الْوَاحِدِ وَفِيهِ تَنْبِيهُ الْمَفْضُولِ الْفَاضِلَ عَلَى مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً وَفِيهِ أَنَّ الْفَاضِلَ لَا يَقْبَلُ مَا يُشَارُ عَلَيْهِ بِهِ مُطْلَقًا بَلْ يَتَأَمَّلُهُ فَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ مَصْلَحَتُهُ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ وفيه الأمر بالتثبت وَتَرْكِ الْقَطْعِ بِمَا لَا يُعْلَمَ الْقَطْعُ فِيهِ وَفِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ يَصْرِفُ الْمَالَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَحَدٍ بِالْجَنَّةِ عَلَى التَّعْيِينِ إِلَّا مَنْ ثَبَتَ فِيهِ نَصٌّ كَالْعَشَرَةِ وَأَشْبَاهُهُمْ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مُسْلِمًا فَلَيْسَ فِيهِ إِنْكَارُ كَوْنِهِ مُؤْمِنًا بَلْ مَعْنَاهُ النَّهْيُ عَنِ الْقَطْعِ بِالْإِيمَانِ وَأَنَّ لَفْظَةَ الْإِسْلَامِ أَوْلَى بِهِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ مَعْلُومٌ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ وَأَمَّا الْإِيمَانُ فَبَاطِنٌ لَا يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ زَعَمَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ بَلْ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى إِيمَانِهِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي جَوَابِ سَعْدٍ (إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ) مَعْنَاهُ أُعْطِي مَنْ أَخَافُ عَلَيْهِ لِضَعْفِ إِيمَانِهِ أَنْ يَكْفُرَ وَأَدَعُ غَيْرَهُ مِمَّنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ لِمَا أَعْلَمُهُ مِنْ طُمَأْنِينَةِ قَلْبِهِ وَصَلَابَةِ إِيمَانِهِ وَأَمَّا قَوْلُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزهري عن عامر) فقال أبوعلى الْغَسَّانِيُّ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا يَرْوِيهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عن سفيان وكذلك قال أبو الحسن الدار قطنى فِي كِتَابِهِ الِاسْتِدْرَاكَاتُ قُلْتُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ قَدْ يُقَالُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُوَافَقُوا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ سُفْيَانَ سَمِعَهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ مَرَّةً وَسَمِعَهُ مِنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَرَّةً فَرَوَاهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فَلَا يَقْدَحُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ وَلَكِنِ انْضَمَّتْ أُمُورٌ اقْتَضَتْ مَا ذَكَرُوهُ مِنْهَا أَنَّ سُفْيَانَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ قَالَ عَنْ وَمِنْهَا أَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِهِ رَوَوْهُ عَنْ مَعْمَرٍ وَقَدْ يُجَابَ عَنْ هَذَا بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ مُسْلِمًا رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَرْوِي عَنْ مُدَلِّسٍ قَالَ عَنْ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِمَّنْ عَنْعَنَ عنه وكيف كان فهذا الكلام فى الاسناد لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَتْنِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مُتَّصِلٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة فيه قوله

(باب زِيَادَةِ طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ بِتَظَاهُرِ الْأَدِلَّةِ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى قال وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى ركن شديد وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ لَبْثِ يُوسُفَ لأجبت الداعى) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ أَحْسَنُهَا وَأَصَحُّهَا مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَاتٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّكَّ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّ إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّ الشَّكَّ فِي إِحْيَاءِ الْمَوْتَى لَوْ كَانَ مُتَطَرِّقًا إِلَى الْأَنْبِيَاءِ لَكُنْتُ أَنَا أَحَقُّ بِهِ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي لَمْ أَشُكَّ فَاعْلَمُوا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَشُكَّ وَإِنَّمَا خُصَّ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِ الْآيَةِ قَدْ يَسْبِقُ إِلَى بَعْضِ الْأَذْهَانِ الْفَاسِدَةِ مِنْهَا احْتِمَالُ الشك وانما رجح إِبْرَاهِيمُ عَلَى نَفْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَاضُعًا وَأَدَبًا أَوْ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَيْرُ وَلَدِ آدَمَ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَتْ طَائِفَةٌ شَكَّ إِبْرَاهِيمُ وَلَمْ يَشُكَّ نَبِيُّنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْهُ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا قَدَّمْتُهُ ثُمَّ قَالَ وَيَقَعُ لِي فِيهِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ فِي الْخِطَابِ فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ الْمُدَافَعَةَ عَنْ إِنْسَانٍ قَالَ لِلْمُتَكَلِّمِ فِيهِ مَا كُنْتُ قَائِلًا لِفُلَانٍ أَوْ فَاعِلًا مَعَهُ مِنْ مَكْرُوهٍ فَقُلْهُ لِي وَافْعَلْهُ مَعِي وَمَقْصُودُهُ لَا تَقُلْ ذَلِكَ فِيهِ وَالثَّانِي أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الَّذِي تَظُنُّونَهُ شَكًّا أَنَا أَوْلَى بِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَكٍّ وَإِنَّمَا هُوَ طَلَبٌ لِمَزِيدِ الْيَقِينِ وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا مِنَ الاقوال)

فَنَقْتَصِرُ عَلَى هَذِهِ لِكَوْنِهَا أَصَحَّهَا وَأَوْضَحَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا سُؤَالُ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي سَبَبِهِ أَوْجُهًا أَظْهَرُهَا أَنَّهُ أَرَادَ الطُّمَأْنِينَةَ بِعِلْمِ كَيْفِيَّةِ الْإِحْيَاءِ مُشَاهَدَةً بَعْدَ الْعِلْمِ بِهَا اسْتِدْلَالًا فَإِنَّ عِلْمَ الِاسْتِدْلَالِ قَدْ تَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ الشُّكُوكُ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ عِلْمِ الْمُعَايَنَةِ فَإِنَّهُ ضَرُورِيٌّ وَهَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ الْأَزْهَرِيِّ وَغَيْرِهِ وَالثَّانِي أَرَادَ اخْتِبَارَ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ فِي إِجَابَةِ دُعَائِهِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى أَوَلَمْ تُؤْمِنْ أَيْ تُصَدِّقَ بِعِظَمِ مَنْزِلَتِكَ عِنْدِي وَاصْطِفَائِكَ وَخُلَّتِكَ وَالثَّالِثُ سَأَلَ زِيَادَةَ يَقِينٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَوَّلُ شَكًّا فَسَأَلَ التَّرَقِّي مِنْ عِلْمِ الْيَقِينِ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ فَإِنَّ بَيْنَ الْعِلْمَيْنِ تَفَاوُتًا قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ كَشْفَ غِطَاءِ الْعِيَانِ لِيَزْدَادَ بنور اليقين تمكنا الرابع أَنَّهُ لَمَّا احْتَجَّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُحْيِي وَيُمِيتُ طَلَبَ ذَلِكَ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِيُظْهِرَ دَلِيلَهُ عِيَانًا وَقِيلَ أَقْوَالٌ أُخَرُ كَثِيرَةٌ لَيْسَتْ بِظَاهِرَةٍ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ سُؤَالِهِ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ رَأَى جِيفَةً بِسَاحِلِ الْبَحْرِ يَتَنَاوَلُهَا السِّبَاعُ وَالطَّيْرُ وَدَوَابُّ الْبَحْرِ فَتَفَكَّرَ كَيْفَ يَجْتَمِعُ مَا تَفَرَّقَ مِنْ تِلْكَ الْجِيفَةِ وَتَطَلَّعَتْ نَفْسُهُ إِلَى مُشَاهَدَةِ مَيِّتٍ يُحْيِيهِ رَبُّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَاكًّا فِي إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَلَكِنْ أَحَبَّ رُؤْيَةَ ذَلِكَ كَمَا أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُحِبُّونَ أَنْ يَرَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْجَنَّةَ وَيُحِبُّونَ رُؤْيَةَ اللَّهَ تَعَالَى مَعَ الْإِيمَانِ بِكُلِّ ذَلِكَ وَزَوَالِ الشُّكُوكِ عَنْهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ والهمزة فى قوله تعالى أولم تؤمن هَمْزَةُ إِثْبَاتٍ كَقَوْلِ جَرِيرٍ أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ فَالْمُرَادُ بِالرُّكْنِ الشَّدِيدِ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى

فَإِنَّهُ أَشَدُّ الْأَرْكَانِ وَأَقْوَاهَا وَأَمْنَعُهَا وَمَعْنَى الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ لُوطًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَافَ عَلَى أَضْيَافِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَشِيرَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنَ الظَّالِمِينَ ضَاقَ ذَرْعُهُ وَاشْتَدَّ حُزْنُهُ عَلَيْهِمْ فَغَلَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ فِي ذَلِكَ الْحَالِ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قوة فى الدفع بنفسى أو آوى إِلَى عَشِيرَةٍ تَمْنَعُ لَمَنَعْتُكُمْ وَقَصْدُ لُوطٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِظْهَارُ الْعُذْرِ عِنْدَ أَضْيَافِهِ وَأَنَّهُ لَوِ اسْتَطَاعَ دَفْعَ الْمَكْرُوهِ عَنْهُمْ بِطَرِيقٍ مَا لَفَعَلَهُ وَأَنَّهُ بَذَلَ وُسْعَهُ فِي إِكْرَامِهِمْ وَالْمُدَافَعَةِ عَنْهُمْ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِعْرَاضًا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا كَانَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تطيب قُلُوبِ الْأَضْيَافِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَسِيَ الِالْتِجَاءَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي حِمَايَتِهِمْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْتَجَأَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَظْهَرَ لِلْأَضْيَافِ التَّأَلُّمَ وَضِيقَ الصَّدْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ لَبْثِ يُوسُفَ لَأَجَبْتُ الداعى) فهو ثناء على يوسف عليه السلام وَبَيَانٌ لِصَبْرِهِ وَتَأَنِّيهِ وَالْمُرَادُ بِالدَّاعِي رَسُولُ الْمَلِكِ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قطعن أيديهن فَلَمْ يَخْرُجْ يُوسُفُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَادِرًا إِلَى الرَّاحَةِ وَمُفَارَقَةِ السَّجْنِ الطَّوِيلِ بَلْ تَثَبَّتَ وَتَوَقَّرَ وَرَاسَلَ الْمَلِكَ فِي كَشْفِ أَمْرِهِ الَّذِي سُجِنَ بِسَبَبِهِ وَلِتَظْهَرَ بَرَاءَتُهُ عِنْدَ الْمَلِكِ وَغَيْرِهِ وَيَلْقَاهُ مَعَ اعْتِقَادِهِ بَرَاءَتَهُ مِمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ وَلَا خَجَلَ مِنْ يُوسُفَ وَلَا غَيْرِهِ فَبَيَّنَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضِيلَةَ يوسف فى هذا وقوة نفسه فىالخير وَكَمَالِ صَبْرِهِ وَحُسْنِ نَظَرِهِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَفْسِهِ مَا قَالَهُ تَوَاضُعًا وَإِيثَارًا لِلْإِبْلَاغِ فِي بَيَانِ كَمَالِ فَضِيلَةِ يُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَسَانِيدِ الْبَابِ فَفِيهِ مِمَّا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ الْمُسَيَّبُ وَالِدُ سَعِيدٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْسِرُهَا وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَفِيهِ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ اسْمُهُ إِسْمَاعِيلُ وَقِيلَ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ وَفِيهِ قَوْلُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحَدَّثَنِي بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَسْمَاءَ هَذَا مِمَّا قَدْ يُنْكِرُهُ عَلَى مُسْلِمٍ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ وَلَا خِبْرَةَ لَدَيْهِ لِكَوْنِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ وَحَدَّثَنِي بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيَقُولُ كَيْفَ يَحْتَجُّ بِشَيْءٍ يَشُكُّ فِيهِ وَهَذَا خَيَالٌ بَاطِلٌ مِنْ قَائِلِهِ فَإِنَّ مُسْلِمًا رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَحْتَجَّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مُتَابَعَةً وَاسْتِشْهَادًا وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُمْ يحتملون فى المتابعات والشواهد مالا يَحْتَمِلُونَ فِي الْأُصُولِ وَاللَّهُ

(باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه

تَعَالَى أَعْلَمُ وَفِيهِ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاسْمُ أَبِي عُبَيْدٍ هَذَا سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ وَيُقَالُ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَفِيهِ أَبُو أُوَيْسٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُوَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْأَصْبَحِيِّ الْمَدَنِيِّ وَمِنْ أَلْفَاظِ الْبَابِ قَوْلُهُ قَرَأَ الْآيَةَ حَتَّى جَازَهَا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنْجَزَهَا مَعْنَى جَازَهَا فَرَغَ مِنْهَا وَمَعْنَى أَنْجَزَهَا أَتَمَّهَا وَفِيهِ يُوسُفُ وَفِيهِ سِتُّ لُغَاتٍ ضَمُّ السِّينِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا مَعَ الْهَمْزِ فِيهِنَّ وَتَرْكِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ وَنَسْخِ الْمِلَلِ بِمِلَّتِهِ) [152] فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا مِنْ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [153] وفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) وَفِيهِ حَدِيثُ (ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ) أَمَّا أَلْفَاظُ الْبَابِ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ)

آمَنَ بِالْمَدِّ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَمِثْلُهُ مَرْفُوعٌ وَفِيهِ قول مسلم حدثنى يونس قال حدثنا بن وَهْبٍ قَالَ وَأَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ أَبَا يُونُسَ حدثه فقوله وأخبرنى عمرو هو بِالْوَاوِ فِي أَوَّلُ وَأَخْبَرَنِي وَهِيَ وَاوٌ حَسَنَةٌ فِيهَا دَقِيقَةٌ نَفِيسَةٌ وَفَائِدَةٌ لَطِيفَةٌ وَذَلِكَ أَنَّ يونس سمع من بن وَهْبٍ أَحَادِيثَ مِنْ جُمْلَتِهَا هَذَا الْحَدِيثُ وَلَيْسَ هو أولها فقال بن وَهْبٍ فِي رِوَايَتِهِ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو بِكَذَا ثُمَّ قَالَ وَأَخْبَرَنِي عَمْرٌو بِكَذَا وَأَخْبَرَنِي عَمْرٌو بِكَذَا إِلَى آخِرِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ فَإِذَا روى يونس عن بن وَهْبٍ غَيْرَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ قال بن وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي عَمْرٌو فَيَأْتِي بِالْوَاوِ لِأَنَّهُ سَمِعَهُ هَكَذَا وَلَوْ حَذَفَهَا لَجَازَ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِهَا لِيَكُونَ رَاوِيًا كَمَا سَمِعَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَبُو يُونُسَ فَاسْمُهُ سُلَيْمُ بْنُ جُبَيْرٍ [154] وَفِيهِ (هُشَيْمٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ صَالِحٍ الْهَمْدَانِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ خراسان سألى الشَّعْبِيُّ فَقَالَ يَا أَبَا عَمْرٍو) أَمَّا هُشَيْمٌ فَبِضَمِّ الْهَاءِ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ قَالَ عَنْ صَالِحٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مِثْلَ هَذَا إِذَا كان الصَّحِيحِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هُشَيْمًا ثَبَتَ سَمَاعُهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ صَالِحٍ وَأَمَّا صَالِحٌ فَهُوَ صَالِحُ بْنُ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ حَيَّانَ وَلَقَبُ حَيَّانَ حَيٌّ قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا الْهَمْدَانِيُّ فَبِإِسْكَانِ الْمِيمِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَأَمَّا الشَّعْبِيُّ بِفَتْحِ الشِّينِ فَاسْمُهُ عَامِرٌ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ لَطِيفَةٌ يَتَكَرَّرُ مِثْلُهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ عَنْ صَالِحٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا سَأَلَ الشَّعْبِيَّ وَهَذَا الْكَلَامُ لَيْسَ مُنْتَظِمًا فِي الظَّاهِرِ وَلَكِنَّ تَقْدِيرَهُ حَدَّثَنَا صَالِحٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا سَأَلَ الشَّعْبِيَّ بِحَدِيثٍ وَقِصَّةٍ طَوِيلَةٍ قَالَ فِيهَا صَالِحٌ رَأَيْتُ رَجُلًا سَأَلَ الشَّعْبِيَّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ أَبُو بُرْدَةَ

عَنْ أَبِي مُوسَى اسْمُ أَبِي بُرْدَةَ عَامِرٌ وقيل الحرث وَاسْمُ أَبِي مُوسَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ وَفِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَغَذَاهَا فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا) أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِتَخْفِيفِ الذَّالِ وَأَمَّا الثانى فبالمد أما معانى الحديث فالحديث الأول اختلف فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ أُعْطِيَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ مَا كَانَ مِثْلُهُ لِمَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَآمَنَ بِهِ الْبَشَرُ وَأَمَّا مُعْجِزَتِي الْعَظِيمَةُ الظَّاهِرَةُ فَهِيَ الْقُرْآنُ الَّذِي لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِثْلَهُ فَلِهَذَا قَالَ أَنَا أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا وَالثَّانِي مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي أُوتِيتُهُ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ تَخْيِيلٌ بِسِحْرٍ وَشُبْهَةٍ بِخِلَافِ مُعْجِزَةِ غَيْرِي فَإِنَّهُ قَدْ يُخَيِّلُ السَّاحِرُ بِشَيْءٍ مِمَّا يُقَارِبُ صُورَتَهَا كَمَا خَيَّلَتِ السَّحَرَةُ فِي صُورَةِ عَصَا مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخَيَالُ قَدْ يَرُوجُ عَلَى بَعْضِ الْعَوَامِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعْجِزَةِ وَالسِّحْرِ وَالتَّخْيِيلِ يَحْتَاجُ إِلَى فِكْرٍ ونظر وقد يخطىء النَّاظِرُ فَيَعْتَقِدُهُمَا سَوَاءً وَالثَّالِثُ مَعْنَاهُ أَنَّ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ انْقَرَضَتْ بِانْقِرَاضِ أَعْصَارِهِمْ وَلَمْ يُشَاهِدْهَا إِلَّا مَنْ حَضَرَهَا بِحَضْرَتِهِمْ وَمُعْجِزَةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنُ الْمُسْتَمِرُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَعَ خَرْقِ الْعَادَةِ فِي أُسْلُوبِهِ وَبَلَاغَتِهِ وَإِخْبَارِهِ بِالْمُغَيَّبَاتِ وَعَجْزِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ عَنْ أَنْ يَأْتُوا بسورة من مثله مجتمعين أومتفرقين فى جميع الأعصار مع اعْتِنَائِهِمْ بِمُعَارَضَتِهِ فَلَمْ يَقْدِرُوا وَهُمْ أَفْصَحُ الْقُرُونِ مَعَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْرُوفَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذَا فِي زَمَنِ قِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى وَفَتَحَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْبِلَادَ وَبَارَكَ فِيهِمْ حَتَّى انْتَهَى الْأَمْرُ وَاتَّسَعَ الْإِسْلَامُ فِي الْمُسْلِمِينَ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ وَسَائِرِ نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي فَفِيهِ نَسْخُ المللم كُلِّهَا بِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي مَفْهُومِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَهَذَا جَارٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَيْ من هُوَ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِي وَبَعْدِي إِلَى يَوْمِ القيامة فكلهم يجب عليهم الدُّخُولُ فِي طَاعَتِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ النصارى لَهُمْ كِتَابٌ فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ مَعَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّالِثِ فَفِيهِ فَضِيلَةُ مَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ

(باب بيان نزول عيسى بن مريم حاكما (بشريعة نبينا

بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ لَهُ أجرين لايمانه بنبيه قبل النسخ والثانى لا يمانه بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ فَضِيلَةُ الْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الْقَائِمِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ سَيِّدِهِ وَفَضِيلَةُ مَنْ أَعْتَقَ مَمْلُوكَتَهُ وَتَزَوَّجَهَا وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ فِي شَيْءٍ بَلْ هُوَ إِحْسَانٌ إِلَيْهَا بَعْدَ إِحْسَانٍ وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ (خُذْ هَذَا الْحَدِيثَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِيمَا دُونَ هَذَا إِلَى الْمَدِينَةِ) فَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ الْعَالِمِ مِثْلَ هَذَا تَحْرِيضًا لِلسَّامِعِ عَلَى حِفْظِ مَا قَالَهُ وَفِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ السَّلَفُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الرِّحْلَةِ إِلَى الْبُلْدَانِ الْبَعِيدَةِ فِي حَدِيثِ وَاحِدٍ أَوْ مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ بَيَانِ نُزُولِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ حَاكِمًا (بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (وَإِكْرَامِ اللَّهِ تَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّةِ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا وَبَيَانِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ لَا تنسخ) (وانه لَا تَزَالَ طَائِفَةٌ مِنْهَا ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) [155] فِيهِ الْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ فَنَذْكُرُ ألفاظها ومعانيها وأحكامها على ترتيبها فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيُوشِكَنَّ أَنْ ينزل فيكم عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فيكسر)

الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ) أَمَّا لَيُوشِكَنَّ فَهُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَمَعْنَاهُ لَيَقْرَبَنَّ وَقَوْلُهُ فِيكُمْ أَيْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَإِنْ كَانَ خِطَابًا لِبَعْضِهَا مِمَّنْ لَا يُدْرِكْ نُزُولَهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَكَمًا) أَيْ يَنْزِلُ حاكما بهذه الشريعة لا ينزل نبيا بِرِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَشَرِيعَةٍ نَاسِخَةٍ بَلْ هُوَ حَاكِمٌ مِنْ حُكَّامِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَالْمُقْسِطُ الْعَادِلُ يُقَالُ أَقْسَطَ يُقْسِطُ إِقْسَاطًا فَهُوَ مُقْسِطٌ إِذَا عَدَلَ وَالْقِسْطُ بِكَسْرِ الْقَافِ الْعَدْلُ وَقَسَطَ يَقْسِطُ قَسْطًا بِفَتْحِ الْقَافِ فَهُوَ قَاسِطٌ إِذَا جَارَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ) مَعْنَاهُ يَكْسِرَهُ حَقِيقَةً وَيُبْطِلَ مَا يَزْعُمُهُ النَّصَارَى مِنْ تَعْظِيمِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرَاتِ وَآلَاتِ الْبَاطِلِ وَقَتْلُ الْخِنْزِيرِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْمُخْتَارِ مِنْ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَنَّا اذا وجدنا الخنزير فى دار الكفر أوغيرها وَتَمَكَّنَّا مِنْ قَتْلِهِ قَتَلْنَاهُ وَإِبْطَالٌ لِقَوْلِ مَنْ شَذَّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فَقَالَ يُتْرَكُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَاوَةٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ) فَالصَّوَابُ فِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُهَا وَلَا يَقْبَلُ مِنَ الْكُفَّارِ إِلَّا الْإِسْلَامَ وَمَنْ بَذَلَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ لَمْ يَكُفَّ عَنْهُ بِهَا بَلْ لَا يَقْبَلُ إِلَّا الْإِسْلَامَ أَوِ الْقَتْلَ هَكَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مَعْنَى هَذَا ثُمَّ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ فَيْضُ الْمَالِ هُنَا مِنْ وَضْعِ الْجِزْيَةِ وَهُوَ ضَرْبُهَا عَلَى جَمِيعِ الْكَفَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُقَاتِلُهُ أَحَدٌ فَتَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا وَانْقِيَادُ جَمِيعِ النَّاسِ لَهُ إِمَّا بِالْإِسْلَامِ وَإِمَّا بِإِلْقَاءِ يَدٍ فَيَضَعُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ وَيَضْرِبُهَا وَهَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ إِلَّا الْإِسْلَامَ فَعَلَى هَذَا قَدْ يُقَالُ هَذَا خِلَافُ حُكْمِ الشَّرْعِ الْيَوْمَ فَإِنَّ الْكِتَابِيَّ إِذَا بَذَلَ الْجِزْيَةَ وَجَبَ قَبُولُهَا وَلَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ وَلَا إِكْرَاهُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَيْسَ بِمُسْتَمِرٍّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا قَبْلَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَدْ أَخْبَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِنَسْخِهِ وَلَيْسَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ النَّاسِخُ بَلْ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُبَيِّنُ لِلنَّسْخِ فَإِنَّ عِيسَى يَحْكُمُ بِشَرْعِنَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ قَبُولِ الْجِزْيَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ هُوَ شَرْعُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَيَفِيضُ الْمَالُ) فَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَمَعْنَاهُ يَكْثُرُ وَتَنْزِلُ الْبَرَكَاتُ وَتَكْثُرُ الْخَيْرَاتُ بسبب العدل

وَعَدَمِ التَّظَالُمِ وَتَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَتَقِلُّ أَيْضًا الرَّغَبَاتُ لِقِصَرِ الْآمَالِ وَعِلْمِهِمْ بِقُرْبِ السَّاعَةِ فَإِنَّ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ السَّاعَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) فَمَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ النَّاسَ تَكْثُرُ رَغْبَتُهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ لقصر آمالهم وعلمهم بِقُرْبِ الْقِيَامَةِ وَقِلَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَاهُ أَنَّ أَجْرَهَا خَيْرٌ لِمُصَلِّيهَا مِنْ صَدَقَتِهِ بِالدُّنْيَا وما فيها لفيض المال حينئذ وهوانه وَقِلَّةِ الشُّحِّ وَقِلَّةِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لِلنَّفَقَةِ فِي الْجِهَادِ قَالَ وَالسَّجْدَةُ هِيَ السَّجْدَةُ بِعَيْنِهَا أَوْ تَكُونُ عِبَارَةً عَنِ الصَّلَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قوله (ثم يقول أبو هريرة اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا ليؤمنن به قبل موته) فَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْآيَةِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي مَوْتِهِ يَعُودُ عَلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَعْنَاهَا وَمَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَكُونُ فِي زَمَنِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَّا مَنْ آمَنَ بِهِ وَعَلِمَ أنه عبد الله وبن أَمَتِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَذَهَبَ كَثِيرُونَ أَوِ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى الْكِتَابِيِّ وَمَعْنَاهَا وَمَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَحَدٌ يَحْضُرُهُ الْمَوْتُ إِلَّا آمَنَ عِنْدَ الْمَوْتِ قَبْلَ خُرُوجِ رُوحِهِ بِعِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وانه عبد

الله وبن أَمَتِهِ وَلَكِنْ لَا يَنْفَعُهُ هَذَا الْإِيمَانُ لِأَنَّهُ فِي حَضْرَةِ الْمَوْتِ وَحَالَةِ النَّزْعِ وَتِلْكَ الْحَالَةُ لَا حُكْمَ لِمَا يُفْعَلُ أَوْ يُقَالُ فِيهَا فَلَا يَصِحُّ فِيهَا إِسْلَامٌ وَلَا كُفْرٌ وَلَا وَصِيَّةٌ وَلَا بَيْعٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أحدهم الموت قال انى تبت الآن وَهَذَا الْمَذْهَبُ أَظْهَرُ فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَخُصُّ الْكِتَابِيَّ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ عُمُومُهُ لِكُلِّ كِتَابِيٍّ فِي زَمَنِ عيسى وقبل نزله ويؤيد هَذَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ قَبْلَ مَوْتِهِمْ وَقِيلَ إِنَّ الْهَاءَ فِي بِهِ يَعُودُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْهَاءُ فِي مَوْتِهِ تَعُودُ عَلَى الْكِتَابِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ بَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٌ ثُمَّ نُونٌ ثُمَّ أَلِفٌ مَمْدُودَةٌ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (وَلَيُتْرَكَنَّ الْقِلَاصُ فَلَا يُسْعَى عَلَيْهَا) فَالْقِلَاصُ بِكَسْرِ الْقَافِ جَمْعُ قَلُوصٍ بِفَتْحِهَا وَهِيَ مِنَ الْإِبِلِ كَالْفَتَاةِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْحَدَثِ مِنَ الرِّجَالِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يُزْهَدَ فِيهَا وَلَا يُرْغَبُ فِي اقْتِنَائِهَا لِكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَقِلَّةِ الْآمَالِ وَعَدَمِ الْحَاجَةِ وَالْعِلْمِ بِقُرْبِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّمَا ذُكِرَتِ الْقِلَاصُ لِكَوْنِهَا أَشْرَفَ الْإِبِلِ الَّتِي هِيَ أَنْفَسُ الْأَمْوَالِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَهُوَ شَبِيهٌ بِمَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ واذا العشار عطلت وَمَعْنَى لَا يُسْعَى عَلَيْهَا لَا يُعْتَنَى بِهَا أَيْ يَتَسَاهَلُ أَهْلُهَا فِيهَا وَلَا يَعْتَنُونَ بِهَا هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مَعْنَى لَا يُسْعَى عَلَيْهَا أَيْ لَا تُطْلَبُ زَكَاتُهَا إِذْ لَا يُوجَدُ مَنْ يَقْبَلُهَا وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ تُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ بَلِ الصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ) فَالْمُرَادُ بِهِ الْعَدَاوَةُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى الْمَالِ فَلَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ) هُوَ بضم العين

وَفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَإِنَّمَا لَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ كَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَقِصَرِ الْآمَالِ وَعَدَمِ الْحَاجَةِ وَقِلَّةِ الرَّغْبَةِ لِلْعِلْمِ بِقُرْبِ السَّاعَةِ [156] وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) فَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ وَالْجَمْعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ

(باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان [157] فيه قوله

لَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ اللَّهُ اللَّهُ وَقَوْلُهُ (تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ) هُوَ بِنَصْبِ تَكْرِمَةَ عَلَى الْمَصْدَرِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب بَيَانِ الزَّمَنِ الَّذِي لَا يُقْبَلُ فِيهِ الْإِيمَانُ [157] فِيهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لاتقوم السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبهَا فَإِذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبهَا آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ)

فى ايمانها خيرا) [158] وفى الرواية الاخرى (ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبهَا وَالدَّجَّالُ وَدَابَّةُ الْأَرْضِ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ خِلَافًا لِمَا تَأَوَّلَتْهُ الْبَاطِنِيَّةُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [159] فِي الحديث الآخر فِي الشَّمْسِ (مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً) فَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِيهِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ

بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ إِذَا غَرَبَتْ كُلَّ يَوْمٍ اسْتَقَرَّتْ تَحْتَ الْعَرْشِ إِلَى أَنْ تَطْلُعَ مِنْ مَغْرِبهَا وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ مَعْنَاهُ تَجْرِي إِلَى وَقْتٍ لَهَا وَأَجَلٍ لَا تَتَعَدَّاهُ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَعَلَى هَذَا مُسْتَقَرُّهَا انْتِهَاءُ سَيْرِهَا عِنْدَ انْقِضَاءِ الدُّنْيَا وَهَذَا اخْتِيَارُ الزَّجَّاجِ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ تَسِيرُ فِي

(باب بدء الوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

مَنَازِلِهَا حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى آخِرِ مُسْتَقَرِّهَا الَّذِي لَا تُجَاوِزُهُ ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى أَوَّلِ مَنَازِلِهَا واختار بن قُتَيْبَةَ هَذَا الْقَوْلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا سُجُودُ الشمس فهو بتمييز وادراك بخلق اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا وَفِي الْإِسْنَادِ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْوَاسِطِيُّ هُوَ بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَقَايَا تَأْتِي فِي آخِرِ الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (بَابُ بدء الوحى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [160] فِيهِ الْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ فَنَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى تَرْتِيبِ أَلْفَاظِهَا وَمَعَانِيهَا فَقَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ (أَبُو الطَّاهِرِ بْنُ السَّرْحِ) هُوَ بِالسِّينِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالسِّينُ مَفْتُوحَةٌ وَقَوْلُهُ (أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ أَوَّلُ مَا بدىء بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ) هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَإِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمْ تُدْرِكْ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ فَتَكُونُ قَدْ سَمِعَتْهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنَ الصَّحَابِيِّ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ أَنَّ مُرْسَلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفِرَايِنِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةَ وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وفى من هنا قولان أحدهما أنها لبيان الجنس والثانى للتبعيض ذكرهما الْقَاضِي وَقَوْلُهَا (فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ فَلَقُ الصُّبْحِ وَفَرَقُ الصُّبْحِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَاللَّامِ وَالرَّاءِ هُوَ ضِيَاؤُهُ وَإِنَّمَا يُقَالُ هَذَا فِي الشَّيْءِ الْوَاضِحِ الْبَيِّنِ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ وغيره من)

العلماء انما ابتدىء صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرُّؤْيَا لِئَلَّا يَفْجَأَهُ الملك ويأتيه صريح النبوة بغتة فلا يحتملها قوى البشرية فبدىء بِأَوَّلِ خِصَالِ النُّبُوَّةِ وَتَبَاشِيرِ الْكَرَامَةِ مِنْ صِدْقِ الرُّؤْيَا وَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مِنْ رُؤْيَةِ الضَّوْءِ وَسَمَاعِ الصَّوْتِ وَسَلَامِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ عَلَيْهِ بِالنُّبُوَّةِ قَوْلُهَا (ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ يَتَحَنَّثُ فِيهِ وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ أُولَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ رضى الله عنها فيتزود لمثلها حتى فجئه الْحَقُّ) أَمَّا الْخَلَاءُ فَمَمْدُودٌ وَهُوَ الْخَلْوَةُ وَهِيَ شَأْنُ الصَّالِحِينَ وَعِبَادِ اللَّهِ الْعَارِفِينَ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ حُبِّبَتِ الْعُزْلَةُ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ مَعَهَا فَرَاغَ الْقَلْبِ وَهِيَ مُعِينةٌ عَلَى التَّفَكُّرِ وَبِهَا يَنْقَطِعُ عَنْ مَأْلُوفَاتِ الْبَشَرِ وَيَتَخَشَّعُ قَلْبُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْغَارُ فَهُوَ الْكَهْفُ وَالنَّقْبُ فِي الْجَبَلِ وَجَمْعُهُ غِيرَانٌ وَالْمَغَارُ وَالْمَغَارَةُ بِمَعْنَى الْغَارِ وَتَصْغِيرُ الْغَارِ غُوَيْرٌ وَأَمَّا حِرَاءٌ فَبِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ مَصْرُوفٌ وَمُذَكَّرٌ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ الْقَاضِي فِيهِ لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ وَالتَّذْكِيرُ أَكْثَرُ فَمَنْ ذَكَّرَهُ صَرَفَهُ وَمَنْ أَنَّثَهُ لَمْ يَصْرِفْهُ أَرَادَ الْبُقْعَةَ أَوِ الْجِهَةَ الَّتِي فِيهَا الْجَبَلُ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ حَرَى بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْقَصْرِ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ صَاحِبُ ثَعْلَبٍ وَأَبُو سُلَيْمَانُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَالْعَوَامُّ يُخْطِئُونَ فِي حِرَاءٍ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ يَفْتَحُونَ الْحَاءَ وَهِيَ مَكْسُورَةٌ وَيَكْسِرُونَ الرَّاءَ وَهِيَ مَفْتُوحَةٌ وَيَقْصُرُونَ الْأَلِفَ وَهِيَ مَمْدُودَةٌ وَحِرَاءٌ جَبَلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ عَنْ يَسَارِ الذَّاهِبِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى مِنًى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا التَّحَنُّثُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فَقَدْ فَسَّرَهُ بِالتَّعَبُّدِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ صَحِيحٌ وَأَصْلُ الْحِنْثِ الْإِثْمُ فَمَعْنَى يَتَحَنَّثُ يَتَجَنَّبُ الْحِنْثَ فَكَأَنَّهُ بِعِبَادَتِهِ يَمْنَعُ نَفْسَهُ مِنَ الْحِنْثِ وَمِثْلُ يَتَحَنَّثُ يتحرح وَيَتَأَثَّمُ أَيْ يَتَجَنَّبُ الْحَرَجَ وَالْإِثْمَ وَأَمَّا قَوْلُهَا الليالى أولات العدد فمتعلق يتحنث لَا بِالتَّعَبُّدِ وَمَعْنَاهُ يَتَحَنَّثُ اللَّيَالِيَ وَلَوْ جُعِلَ مُتَعَلِّقًا بِالتَّعَبُّدِ فَسَدَ الْمَعْنَى فَإِنَّ التَّحَنُّثَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اللَّيَالِي بَلْ يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَهَذَا التَّفْسِيرُ اعْتَرَضَ بَيْنَ كَلَامِ

عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَمَّا كَلَامُهَا فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ اللَّيَالِيَ أُولَاتِ الْعَدَدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهَا فَجِئَهُ الْحَقُّ أَيْ جَاءَهُ الْوَحْيُ بَغْتَةً فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ مُتَوَقِّعًا لِلْوَحْيِ وَيُقَالُ فَجِئَهُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَيُقَالُ فَجَأَهُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْهَمْزَةِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا أَنَا بقارىء) مَعْنَاهُ لَا أُحْسِنَ الْقِرَاءَةَ فَمَا نَافِيَةٌ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهَا خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا نَافِيَةً وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا اسْتِفْهَامِيَّةً وَضَعَّفُوهُ بِإِدْخَالِ الْبَاءِ فِي الْخَبَرِ قَالَ الْقَاضِي وَيُصَحِّحُ قَوْلَ مَنْ قَالَ اسْتِفْهَامِيَّةً رِوَايَةُ مَنْ رَوَى مَا أَقْرَأُ وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا نَافِيَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي) أَمَّا غَطَّنِي فَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَمَعْنَاهُ عَصَرَنِي وَضَمَّنِي يُقَالُ غَطَّهُ وَغَتَّهُ وَضَغَطَهُ وَعَصَرَهُ وَخَنَقَهُ وَغَمَزَهُ كُلُّهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَأَمَّا الْجَهْدُ فَيَجُوزُ فَتْحُ الْجِيمِ وَضَمُّهَا لُغَتَانِ وَهُوَ الْغَايَةُ وَالْمَشَقَّةُ وَيَجُوزُ نَصْبُ الدَّالِ وَرَفْعُهَا فَعَلَى النَّصْبِ بَلَغَ جِبْرِيلُ مِنِّي الْجَهْدَ وَعَلَى الرَّفْعِ بَلَغَ الْجَهْدُ مِنِّي مَبْلَغَهُ وَغَايَتَهُ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي نَصْبِ الدَّالِ وَرَفْعِهَا صَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا أَرْسَلَنِي فَمَعْنَاهُ أَطْلَقَنِي قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي الْغَطِّ شَغْلُهُ مِنَ الِالْتِفَاتِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي أَمْرِهِ بِإِحْضَارِ قَلْبِهِ لِمَا يقوله له وكرره ثلاثا مبالغة فى التنبيه فَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُعَلِّمِ أَنْ يَحْتَاطَ فِي تَنْبِيهِ الْمُتَعَلِّمِ وَأَمْرِهِ بِإِحْضَارِ قَلْبِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ أَرْسَلَنِي فقال اقرأ باسم ربك الذى خلق) هَذَا دَلِيلٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقِيلَ أوله يا أيها المدثر وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَسَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا فِي

مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَعْضُ مَنْ يَقُولُ إِنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَيْسَتْ مِنَ الْقُرْآنِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ لِكَوْنِهَا لَمْ تُذْكَرْ هُنَا وَجَوَابُ الْمُثْبِتِينَ لَهَا أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ أَوَّلًا بَلْ نَزَلَتِ الْبَسْمَلَةُ فِي وَقْتٍ آخَرَ كَمَا نَزَلَ بَاقِي السُّورَةِ فِي وَقْتٍ آخَرَ قَوْلُهَا (تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَمَعْنَى تَرْجُفُ تَرْعَدُ وَتَضْطَرِبُ وَأَصْلُهُ شِدَّةُ الْحَرَكَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَسَائِرُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَهِيَ اللَّحْمَةُ الَّتِي بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالْعُنُقِ تَضْطَرِبُ عِنْدَ فَزَعِ الْإِنْسَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي) هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ مُكَرَّرٌ مَرَّتَيْنِ وَمَعْنَى زَمِّلُونِي غَطُّونِي بِالثِّيَابِ وَلُفُّونِي بِهَا وقولها فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَهُوَ الْفَزَعُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ هُوَ بِمَعْنَى الشَّكِّ فِيمَا أَتَاهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّهُ رُبَّمَا خَشِيَ أَنْ لَا يَقْوَى عَلَى مُقَاوَمَةِ هَذَا الْأَمْرِ وَلَا يَقْدِرَ عَلَى حَمْلِ أَعْبَاءِ الْوَحْيِ فَتَزْهَقَ نَفْسُهُ أَوْ يَكُونَ هَذَا لِأَوَّلِ مَا رَأَى التَّبَاشِيرَ فِي النَّوْمِ وَالْيَقَظَةِ وَسَمِعَ الصَّوْتَ قَبْلَ لِقَاءِ الْمَلَكِ وَتَحَقُّقِهِ رِسَالَةَ رَبِّهِ فَيَكُونُ خَافَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَأَمَّا مُنْذُ جَاءَهُ الْمَلَكُ بِرِسَالَةِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الشَّكُّ فِيهِ وَلَا يَخْشَى مِنْ تَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ يُحْمَلُ جَمِيعُ مَا وَرَدَ مِنْ مِثْلِ هَذَا فِي حَدِيثِ الْبَعْثِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَذَكَرَ أَيْضًا فِي كِتَابِهِ الشِّفَاءُ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي كَلَامٍ مَبْسُوطٍ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ تَصْرِيحِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ هَذَا كَانَ بَعْدَ غَطِّ الْمَلَكِ وَإِتْيَانِهِ بِاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (قَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ كَلَّا أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وتكسب المعدوم

وَتُقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ) أَمَّا قَوْلُهَا كَلَّا فَهِيَ هُنَا كَلِمَةُ نَفْيٍ وَإِبْعَادٍ وهذا أحد معانيها وقد تَأْتِي كَلَّا بِمَعْنَى حَقًّا وَبِمَعْنَى أَلَا الَّتِي لِلتَّنْبِيهِ يُسْتَفْتَحُ بِهَا الْكَلَامُ وَقَدْ جَاءَتْ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ عَلَى أَقْسَامٍ وَقَدْ جَمَعَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ أَقْسَامَهَا وَمَوَاضِعَهَا فِي بَابٍ مِنْ كِتَابِهِ الْوَقْفُ وَالِابْتِدَاءُ وَأَمَّا قَوْلُهَا لَا يُخْزِيكَ فَهُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ كَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ وَعُقَيْلٍ وَقَالَ معمر فى روايته يحزنك بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَيَجُوزُ فَتْحُ الْيَاءِ فِي أَوَّلِهِ وَضَمُّهَا وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْخِزْيُ الْفَضِيحَةُ وَالْهَوَانُ وَأَمَّا صِلَةُ الرَّحِمِ فَهِيَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْأَقَارِبِ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْوَاصِلِ وَالْمَوْصُولِ فَتَارَةً تَكُونُ بِالْمَالِ وَتَارَةً بِالْخِدْمَةِ وَتَارَةً بِالزِّيَارَةِ وَالسَّلَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَمَّا الْكَلُّ فَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَأَصْلُهُ الثِّقْلُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مولاه وَيَدْخُلُ فِي حَمْلِ الْكَلِّ الْإِنْفَاقُ عَلَى الضَّعِيفِ وَالْيَتِيمِ وَالْعِيَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ مِنَ الْكَلَالِ وَهُوَ الْإِعْيَاءُ وَأَمَّا قَوْلُهَا وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ فَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِضَمِّهَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ وَأَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ يُقَالُ كَسَبْتُ الرَّجُلَ مَالًا وَأَكْسَبْتُهُ مَالًا لُغَتَانِ أَفْصَحُهُمَا بِاتِّفَاقِهِمْ كَسَبْتُهُ بِحَذْفِ الْأَلْفِ وَأَمَّا مَعْنَى تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ فَمَنْ رَوَاهُ بِالضَّمِّ فَمَعْنَاهُ تُكْسِبُ غَيْرَكَ الْمَالَ الْمَعْدُومَ أَيْ تُعْطِيهِ إِيَّاهُ تَبَرُّعًا فَحَذَفَ أحد المفعولين وقيل معناه تعطى الناس مالايجدونه عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ نَفَائِسِ الْفَوَائِدِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَأَمَّا رِوَايَةُ الْفَتْحِ فَقِيلَ مَعْنَاهَا كَمَعْنَى الضَّمِّ وَقِيلَ مَعْنَاهَا تَكْسِبُ الْمَالَ الْمَعْدُومَ وَتُصِيبُ مِنْهُ مَا يَعْجِزُ غَيْرُكَ عَنْ تَحْصِيلِهِ وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَتَمَادَحُ بِكَسْبِ الْمَالِ الْمَعْدُومِ لَا سِيَّمَا قُرَيْشٌ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْظُوظًا فِي تِجَارَتِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ ثَابِتٍ صَاحِبِ الدَّلَائِلِ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ وَأَيُّ مَعْنًى لِهَذَا الْقَوْلِ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ إِلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ بِأَنْ يُضَمَّ إِلَيْهِ زِيَادَةٌ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ تَكْسِبُ الْمَالَ الْعَظِيمَ الَّذِي يَعْجِزُ عَنْهُ غَيْرُكَ ثُمَّ تَجُودُ بِهِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ وَأَبْوَابِ الْمَكَارِمِ كَمَا ذَكَرَتْ مِنْ حَمْلِ الْكَلِّ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَقِرَى الضَّيْفِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَهَذَا هُوَ

(قال العلماء رضي الله عنهم معنى كلام خديجة رضي

الصَّوَابُ فِي هَذَا الْحَرْفِ وَأَمَّا صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فَجَعَلَ الْمَعْدُومَ عِبَارَةً عَنِ الرَّجُلِ الْمُحْتَاجِ الْمُعْدِمِ الْعَاجِزِ عَنِ الْكَسْبِ وَسَمَّاهُ مَعْدُومًا لِكَوْنِهِ كَالْمَعْدُومِ الْمَيِّتِ حَيْثُ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي الْمَعِيشَةِ كَتَصَرُّفِ غَيْرِهِ قَالَ وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ صَوَابَهُ الْمُعْدِمَ بِحَذْفِ الْوَاوِ قَالَ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ بَلْ مَا رَوَاهُ الرُّوَاةُ صَوَابٌ قَالَ وَقِيلَ مَعْنَى تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ أَيْ تَسْعَى فِي طَلَبِ عَاجِزٍ تُنْعِشُهُ وَالْكَسْبُ هُوَ الِاسْتِفَادَةُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَعْضُ الِاتِّجَاهِ كَمَا حَرَّرْتُ لَفْظَهُ فَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ مَا قَدَّمْتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهَا وَتَقْرِي الضَّيْفَ فَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ قَرَيْتُ الضَّيْفَ أُقْرِيهِ قِرًى بِكَسْرِ الْقَافِ مَقْصُورٌ وَقَرَاءً بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْمَدِّ وَيُقَالُ لِلطَّعَامِ الَّذِي يُضَيِّفُهُ بِهِ قِرًى بِكَسْرِ الْقَافِ مَقْصُورٌ وَيُقَالُ لِفَاعِلِهِ قَارٍ مِثْلُ قَضَى فَهُوَ قَاضٍ وَأَمَّا قَوْلُهَا وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَالنَّوَائِبُ جَمْعُ نائبة وهى الحادثة وانما قَالَتْ نَوَائِبَ الْحَقِّ لِأَنَّ النَّائِبَةَ قَدْ تَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَقَدْ تَكُونُ فِي الشَّرِّ قَالَ لَبِيدٌ ... نَوَائِبُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ كِلَاهُمَا ... فَلَا الْخَيْرُ مَمْدُودٌ وَلَا الشَّرُّ لَازِبُ ... (قَالَ الْعُلَمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَعْنَى كَلَامِ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِنَّكَ لَا يُصِيبُكَ مَكْرُوهٌ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ فِيكَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَكَرَمِ الشَّمَائِلِ وَذَكَرَتْ ضُرُوبًا مِنْ ذَلِكَ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَخِصَالَ الْخَيْرِ سَبَبُ السَّلَامَةِ مِنْ مَصَارِعِ السُّوءِ وَفِيهِ مَدْحُ الْإِنْسَانِ فِي وَجْهِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِمَصْلَحَةٍ نظر أو فيه تَأْنِيسُ مَنْ حَصَلَتْ لَهُ مَخَافَةً مِنْ أَمْرٍ وَتَبْشِيرُهُ وَذِكْرُ أَسْبَابِ السَّلَامَةِ لَهُ وَفِيهِ أَعْظَمُ دَلِيلٍ وَأَبْلَغُ حُجَّةٍ عَلَى كَمَالِ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَجَزَالَةِ رَأْيِهَا وَقُوَّةِ نَفْسِهَا وَثَبَاتِ قَلْبِهَا وَعِظَمِ فِقْهِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) مَعْنَاهُ صَارَ نَصْرَانِيًّا وَالْجَاهِلِيَّةُ مَا قَبْلَ رِسَالَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُمُّوا بِذَلِكَ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ فَاحِشِ الْجَهَالَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ وَيَكْتُبُ مِنَ الْإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَكْتُبَ) هَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ وَيَكْتُبُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَوَقَعَ فِي أَوَّلِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ يَكْتُبُ)

الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنَ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَحَاصِلُهُمَا أَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ مَعْرِفَةِ دِينِ النَّصَارَى بِحَيْثُ إِنَّهُ صَارَ يَتَصَرَّفُ فِي الْإِنْجِيلِ فَيَكْتُبُ أَيَّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ إِنْ شَاءَ وَبِالْعَرَبِيَّةِ إِنْ شَاءَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَيْ عم اسمع من بن أَخِيكَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (قَالَتْ خَدِيجَةُ أَيِ بن عَمِّ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ فِي الْأَوَّلِ عم وفى الثانى بن عم وكلاهما صحيح أما الثانى فلأنه بن عَمِّهَا حَقِيقَةً كَمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدٍ وَهِيَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فسمته عما مجازا للاحترام وهذه عَادَةُ الْعَرَبِ فِي آدَابِ خِطَابِهِمْ يُخَاطِبُ الصَّغِيرُ الكبير بياعم احْتِرَامًا لَهُ وَرَفْعًا لِمَرْتَبَتِهِ وَلَا يَحْصُلُ هَذَا الغرض بقولها يا بن عَمِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) النَّامُوسُ بِالنُّونِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ النَّامُوسُ فِي اللُّغَةِ صَاحِبُ سِرِّ الْخَيْرِ وَالْجَاسُوسُ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ وَيُقَالُ نَمَسْتُ السِّرَّ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمِيمِ أَنْمِسُهُ بِكَسْرِ الْمِيمِ نَمْسًا أَيْ كَتَمْتُهُ وَنَمَسْتُ الرَّجُلَ وَنَامَسْتُهُ سَارَرْتُهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُسَمَّى النَّامُوسَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ هُنَا قَالَ الْهَرَوِيُّ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّهُ بِالْغَيْبِ وَالْوَحْيِ وَأَمَّا قَوْلُهُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَذَا هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَرُوِّينَاهُ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ نَزَلَ عَلَى عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وكلاهما صحيح قوله (ياليتنى فِيهَا جَذَعًا) الضَّمِيرُ فِيهَا يَعُودُ إِلَى أَيَّامِ النُّبُوَّةِ وَمُدَّتِهَا وَقَوْلُهُ جَذَعًا يَعْنِي شَابًّا قَوِيًّا حَتَّى أُبَالِغَ فِي نُصْرَتِكَ وَالْأَصْلُ فِي الْجَذَعِ لِلدَّوَابِّ وَهُوَ هُنَا اسْتِعَارَةٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ جَذَعًا فَهَكَذَا هُوَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بالنصب قال القاضي ووقع فى رواية بن مَاهَانَ جَذَعٌ بِالرَّفْعِ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ فِي الْبُخَارِيِّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ ظَاهِرَةٌ وَأَمَّا النَّصْبُ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ والمازرى وغيرهما

نُصِبَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ الْمَحْذُوفَةِ تَقْدِيرُهُ لَيْتَنِي أَكُونُ فِيهَا جَذَعًا وَهَذَا يَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ النَّحْوِيِّينَ الْكُوفِيِّينَ وَقَالَ الْقَاضِي الظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَخَبَرُ لَيْتَ قَوْلُهُ فِيهَا وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي اخْتَارَهُ أَهْلُ التَّحْقِيقِ وَالْمَعْرِفَةِ مِنْ شُيُوخِنَا وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (أو مخرجى هُمْ) هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ هَكَذَا الرواية ويجوز تخفيف الياء على وجه والصحيح الْمَشْهُورِ تَشْدِيدُهَا وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى بِمُصْرِخِيَّ وَهُوَ جَمْعُ مُخْرِجٍ فَالْيَاءُ الْأُولَى يَاءُ الْجَمْعِ وَالثَّانِيَةُ ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ وَفُتِحَتْ لِلتَّخْفِيفِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْكَسْرَةُ وَالْيَاءَانِ بَعْدَ كَسْرَتَيْنِ قَوْلُهُ (وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ) أَيْ وَقْتَ خُرُوجِكَ قَوْلُهُ (أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا) هُوَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَبِهَمْزَةٍ قَبْلَهَا أَيْ قَوِيًّا بَالِغًا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بِالْوَاوِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْقَائِلُ وَأَخْبَرَنِي هُوَ الزُّهْرِيُّ وَفِي هَذِهِ الْوَاوِ فَائِدَةٌ لَطِيفَةٌ قَدَّمْنَاهَا فِي مَوَاضِعَ وَهِيَ أَنَّ مَعْمَرًا سَمِعَ مِنَ الزُّهْرِيِّ أَحَادِيثَ قَالَ الزُّهْرِيُّ فِيهَا أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بِكَذَا وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بِكَذَا إِلَى آخِرِهَا فَإِذَا أَرَادَ مَعْمَرٌ رِوَايَةَ غَيْرِ الْأَوَّلِ قَالَ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ فَأَتَى بِالْوَاوِ لِيَكُونَ رَاوِيًا كَمَا سَمِعَ وَهَذَا مِنَ الِاحْتِيَاطِ وَالتَّحْقِيقِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَالتَّحَرِّي فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَعْنِي رِوَايَةَ مَعْمَرٍ (فَوَاللَّهِ لَا يُحْزِنْكَ اللَّهُ) هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ قوله

فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ وَهُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ (يَرْجُفُ فُؤَادَهُ) قَدْ قَدَّمْنَا فِي حَدِيثِ أَهْلُ الْيَمَنِ أَرَقُّ قُلُوبًا بَيَانَ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَلْبِ وَالْفُؤَادِ وَأَمَّا عِلْمُ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِرَجَفَانِ فُؤَادِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا رَأَتْهُ حَقِيقَةً وَيَجُوزُ أَنَّهَا لَمْ تَرَهُ وَعَلِمَتْهُ بِقَرَائِنَ وَصُورَةِ الْحَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [161] قَوْلُهُ (أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَذَا نَوْعٌ مِمَّا يَتَكَرَّرُ فِي الْحَدِيثِ يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ عَنْ جَابِرٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنْ مَشْهُورِي الصَّحَابَةِ أَشَدُّ شُهْرَةً بَلْ هُوَ أَحَدُ السِّتَّةِ الَّذِينَ هُمْ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ رِوَايَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَوَابُهُ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ خَاطَبَ بِهِ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَخْفَى عَلَيْهِ كَوْنُهُ صَحَابِيًّا فَبَيَّنَهُ إِزَالَةً لِلْوَهْمِ وَاسْتَمَرَّتِ الرِّوَايَةُ بِهِ فَإِنْ قِيلَ فَهَؤُلَاءِ الرُّوَاةُ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ أَئِمَّةٌ جِلَّةٌ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ خَفَاءُ صُحْبَةِ جَابِرٍ فِي حَقِّهِمْ فَالْجَوَابُ أَنَّ بَيَانَ هَذَا لِبَعْضِهِمْ كَانَ فِي حَالَةِ صِغَرِهِ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ وَمَعْرِفَتِهِ ثُمَّ رَوَاهُ عِنْدَ كَمَالِهِ كَمَا سَمِعَهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي جَابِرٍ يَتَكَرَّرُ مِثْلُهُ فِي كَثِيرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَجَوَابُهُ كُلُّهُ مَا ذَكَرْتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ) يَعْنِي احْتِبَاسَهُ

وَعَدَمَ تَتَابُعِهِ وَتَوَالِيهِ فِي النُّزُولِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ) جَالِسًا هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ جَالِسًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَجُئِثْتُ مِنْهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ يونس وعقيل ومعمر ثم كلهم عن بن شِهَابٍ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ فَجُئِثْتُ بِجِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ ثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ تَاءِ الضَّمِيرِ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ وَمَعْمَرٍ فَجُثِثْتُ بَعْدَ الْجِيمِ ثَاءَانِ مُثَلَّثَتَانِ هَكَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي ضَبْطِ رِوَايَةِ الثَّلَاثَةِ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ ضبط على ثلاثة أوجه منهم من ضبطه بالهمزة فىالمواضع الثَّلَاثَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِالثَّاءِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ قَالَ الْقَاضِي وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ لِلْكِتَابِ عَلَى أَنَّهُ بِالْهَمْزِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَهُمَا رِوَايَةُ يُونُسَ وَعُقَيْلٍ وَبِالثَّاءِ فِي الْمَوْضِعِ الثَّالِثِ وَهِيَ رِوَايَةُ مَعْمَرٍ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الَّتِي نَقَلَهَا الْقَاضِي كُلُّهَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ مُسْلِمًا رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ (ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فَجُثِثْتُ مِنْهُ فَرَقًا) ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ أنها

نحو حديث يونس الا انه قال فحثثت مِنْهُ كَمَا قَالَ عُقَيْلٌ فَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ مُسْلِمٍ بِأَنَّ رِوَايَةَ مَعْمَرٍ وَعُقَيْلٍ مُتَّفِقَتَانِ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَأَنَّهُمَا مُخَالِفَتَانِ لِرِوَايَةِ يُونُسَ فِيهَا فَبَطَلَ بِذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ الثَّلَاثَةُ بِالثَّاءِ أَوْ بِالْهَمْزَةِ وَبَطَلَ أَيْضًا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ رِوَايَةَ يُونُسَ وَعُقَيْلٍ مُتَّفِقَةٌ وَرِوَايَةَ مَعْمَرٍ مخالفة لرواية عقيل وهذا ظاهر لاخفاء بِهِ وَلَا شَكَّ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ أَيْضًا رِوَايَاتٍ أُخَرَ بَاطِلَةً مُصَحَّفَةً تَرَكْتُ حِكَايَتَهَا لِظُهُورِ بُطْلَانِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَالرِّوَايَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَعْنِي رِوَايَةَ الْهَمْزِ وَرِوَايَةَ الثَّاءِ وَمَعْنَاهَا فَزِعْتُ وَرُعِبْتُ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَرُعِبْتُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ جُئِثَ الرَّجُلُ إِذَا فَزِعَ فهو مجؤوث قال الخليل والكسائى جئث وجث فهو مجؤوث وَمَجْثُوثٌ أَيْ مَذْعُورٌ فَزِعٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَوَيْتُ إِلَى الْأَرْضِ) هَكَذَا فِي الرِّوَايَةِ هَوَيْتُ وَهُوَ صَحِيحٌ يُقَالُ هَوَى إِلَى الْأَرْضِ وَأَهْوَى إِلَيْهَا لُغَتَانِ أَيْ سَقَطَ وَقَدْ غَلِطَ وَجَهِلَ مَنْ أَنْكَرَ هَوَى وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يُقَالُ إِلَّا أَهْوَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ثُمَّ حَمِيَ الْوَحْيُ وَتَتَابَعَ) هُمَا بِمَعْنًى فَأُكِّدَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَمَعْنَى حَمِيَ كَثُرَ نُزُولُهُ وَازْدَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ حَمِيَتِ النَّارُ وَالشَّمْسُ أَيْ قَوِيَتْ حَرَارَتُهَا قَوْلُهُ (إِنَّ أَوَّلَ مَا انزل قوله تعالى يا أيها المدثر) ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ أَوَّلَ مَا أُنْزِلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عنها واما يا أيها المدثر فَكَانَ نُزُولُهَا بَعْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ وَالدَّلَالَةُ صَرِيحَةٌ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا قَوْلُهُ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ إِلَى أَنْ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى يا أيها المدثر وَمِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ ثُمَّ قَالَ فأنزل الله تعالى يا أيها المدثر وَمِنْهَا قَوْلُهُ ثُمَّ تَتَابَعَ

الْوَحْيُ يَعْنِي بَعْدَ فَتْرَتِهِ فَالصَّوَابُ أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ اقْرَأْ وَأَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ بعد فترة الوحى يا أيها المدثر وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ الْفَاتِحَةُ فَبُطْلَانُهُ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَاسْتَبْطَنْتُ الْوَادِيَ) أَيْ صِرْتُ فِي بَاطِنِهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جبريل عليه الصلاة والسلام (فَإِذَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ فِي الْهَوَاءِ) الْمُرَادُ بِالْعَرْشِ الْكُرْسِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْعَرْشُ هُوَ السَّرِيرُ وَقِيلَ سَرِيرُ الْمَلِكِ قال الله تعالى ولها عرش عظيم وَالْهَوَاءُ هُنَا مَمْدُودٌ يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَهُوَ الْجَوُّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَالْهَوَاءُ الْخَالِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَخَذَتْنِي رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ) هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ رَجْفَةٌ بِالرَّاءِ قَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ وَجْفَةٌ بِالْوَاوِ وَهُمَا صَحِيحَانِ مُتَقَارِبَانِ وَمَعْنَاهُمَا الِاضْطِرَابُ قَالَ اللَّهُ تعالى قلوب يومئذ واجفة وقال تعالى يوم ترجف الراجفة ويوم ترجف الارض والجبال قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً) فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَبَّ عَلَى الْفَزِعِ الْمَاءَ لِيَسْكُنَ فَزَعُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا تفسير قوله تعالى يا أيها المدثر فَقَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُدَّثِّرُ وَالْمُزَّمِّلُ وَالْمُتَلَفِّفُ وَالْمُشْتَمِلُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ثُمَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ الْمُدَّثِّرُ بِثِيَابِهِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ قَوْلًا عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ مَعْنَاهُ الْمُدَّثِّرُ بِالنُّبُوَّةِ وَأَعْبَائِهَا وَقَوْلُهُ تَعَالَى قم فأنذر مَعْنَاهُ حَذِّرِ الْعَذَابَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ وَرَبَّكَ فكبر

(باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى

أَيْ عَظِّمْهُ وَنَزِّهْهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ وثيابك فطهر قِيلَ مَعْنَاهُ طَهِّرْهَا مِنَ النَّجَاسَةِ وَقِيلَ قَصِّرْهَا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالثِّيَابِ النَّفْسُ أَيْ طَهِّرْهَا مِنَ الذَّنْبِ وَسَائِرِ النَّقَائِصِ وَالرِّجْزُ بِكَسْرِ الرَّاءِ فِي قِرَاءَةِ الْأَكْثَرِينَ وَقَرَأَ حَفْصٌ بِضَمِّهَا وَفَسَّرَهُ فِي الكتاب بالاوثان وكذا قاله جماعات من المفسرين والرجز فى اللغة العذاب وسمى الشرك وعبادة الأوثان رِجْزًا لِأَنَّهُ سَبَبُ الْعَذَابِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالرِّجْزِ فِي الْآيَةِ الشِّرْكُ وَقِيلَ الذَّنْبُ وَقِيلَ الظُّلْمُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِلَى السَّمَاوَاتِ وَفَرْضِ الصَّلَوَاتِ) هَذَا بَابٌ طَوِيلٌ وَأَنَا أَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَقَاصِدَهُ مُخْتَصَرَةً مِنَ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي عَلَى تَرْتِيبِهَا وَقَدْ لَخَصَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْإِسْرَاءِ جُمَلًا حَسَنَةً نَفِيسَةً فَقَالَ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ إِنَّمَا كَانَ جَمِيعُ ذَلِكَ فِي الْمَنَامِ وَالْحَقُّ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ وَمُعْظَمُ السَّلَفِ وَعَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِجَسَدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآثَارُ تَدُلُّ عَلَيْهِ لِمَنْ طَالَعَهَا وَبَحَثَ عَنْهَا وَلَا يُعْدَلُ عَنْ ظَاهِرِهَا إِلَّا بِدَلِيلٍ وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي حَمْلِهَا عَلَيْهِ فَيُحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْكِتَابِ أَوْهَامٌ أَنْكَرَهَا عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَقَدْ نَبَّهَ مُسْلِمٌ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَقَدَّمَ وَأَخَّرَ وَزَادَ وَنَقَصَ مِنْهَا قَوْلُهُ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ غَلَطٌ لَمْ يُوَافَقْ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِسْرَاءَ أَقَلُّ مَا قِيلَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ مَبْعَثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَقَالَ الْحَرْبِيُّ كَانَ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَبْعَثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بخمس سنين وقال بن إِسْحَاقَ أُسْرِيَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ فَشَا الْإِسْلَامُ بِمَكَّةَ وَالْقَبَائِلِ)

وأشبه هذه الأقوال قول الزهري وبن إِسْحَاقَ إِذْ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا صَلَّتْ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فَرْضِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَلَا خِلَافَ أنها توفيت قبل الهجرة بمدة قيل بثلاث سِنِينَ وَقِيلَ بِخَمْسٍ وَمِنْهَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ كَانَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ وَهُوَ نَائِمٌ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بَيْنَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ فَقَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَجْعَلُهَا رُؤْيَا نَوْمٍ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ إِذْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ حَالَةَ أَوَّلِ وُصُولِ الْمَلَكِ إِلَيْهِ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ نَائِمًا فِي الْقِصَّةِ كُلِّهَا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ وَأَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ أَنْكَرُوهَا قَدْ قَالَهُ غَيْرُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ رِوَايَةَ شَرِيكٍ هَذِهِ عَنْ أَنَسٍ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ مِنْ صَحِيحِهِ وَأَتَى بِالْحَدِيثِ مُطَوَّلًا قَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْحَقِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ رِوَايَةِ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسٍ وَقَدْ زَادَ فِيهِ زِيَادَةً مَجْهُولَةً وَأَتَى فِيهِ بِأَلْفَاظٍ غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ الْإِسْرَاءِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ كَابْنِ شِهَابٍ وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَقَتَادَةَ يَعْنِي عَنْ أَنَسٍ فَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِمَا أَتَى بِهِ شَرِيكٌ وَشَرِيكٌ لَيْسَ بِالْحَافِظِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَالَ وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ قَبْلَ هَذَا هِيَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهَا هَذَا كَلَامُ الْحَافِظِ عَبْدُ الْحَقِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُ مُسْلِمٍ [162] (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بصريون وفروخ عجمى لا ينصرف تقدم بيانه مرات والبنانى بِضَمِّ الْبَاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى بُنَانَةَ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ) هُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْبُرَاقُ اسْمُ الدَّابَّةِ الَّتِي رَكِبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ قَالَ الزَّبِيدِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ وَصَاحِبُ التَّحْرِيرِ هِيَ دَابَّةٌ كَانَ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ يركبونها وهذا الذى قَالَاهُ مِنِ اشْتِرَاكِ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ فِيهَا يَحْتَاجُ إلى نقل صحيح قال بن دُرَيْدٍ اشْتِقَاقُ الْبُرَاقِ مِنَ الْبَرْقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى يَعْنِي لِسُرْعَتِهِ وَقِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِشِدَّةِ صَفَائِهِ وَتَلَأْلُئِهِ وَبَرِيقِهِ وَقِيلَ

لِكَوْنِهِ أَبْيَضَ وَقَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أَنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ ذَا لَوْنَيْنِ يُقَالُ شَاةٌ بَرْقَاءُ إِذَا كَانَ فِي خِلَالِ صُوفِهَا الْأَبْيَضِ طَاقَاتٌ سُودٌ قَالَ وَوُصِفَ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ أَبْيَضُ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ نَوْعِ الشَّاةِ الْبَرْقَاءِ وَهِيَ مَعْدُودَةٌ فِي الْبِيضِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي تَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) أَمَّا بَيْتُ الْمَقْدِسِ فَفِيهِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ غَايَةَ الشُّهْرَةِ إِحْدَاهُمَا بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُخَفَّفَةِ وَالثَّانِيَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَالدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ أَمَّا مَنْ شَدَّدَهُ فَمَعْنَاهُ الْمُطَهَّرُ وَأَمَّا مَنْ خَفَّفَهُ فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا أَوْ مَكَانًا فَإِنْ كَانَ مَصْدَرًا كَانَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ وَنَحْوِهِ مِنَ الْمَصَادِرِ وَإِنْ كَانَ مَكَانًا فَمَعْنَاهُ بَيْتُ الْمَكَانِ الَّذِي جُعِلَ فِيهِ الطَّهَارَةُ أَوْ بَيْتُ مَكَانِ الطَّهَارَةِ وَتَطْهِيرُهُ إِخْلَاؤُهُ مِنَ الْأَصْنَامِ وَإِبْعَادُهُ مِنْهَا وَقَالَ الزَّجَّاجُ الْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ الْمُطَهَّرُ وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ أَيِ الْمَكَانُ الَّذِي يُطَهَّرُ فِيهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا إِيلِيَاءُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْحَلْقَةُ فَبِإِسْكَانِ اللَّامِ عَلَى اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ فَتْحَ اللَّامِ أَيْضًا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ حَكَى يُونُسُ عَنْ أَبِي عَمْرِوِ بْنِ الْعَلَاءِ حَلَقَةٌ بِالْفَتْحِ وَجَمْعُهَا حَلَقٌ وَحَلَقَاتٌ وَأَمَّا عَلَى لُغَةِ الْإِسْكَانِ فَجَمْعُهَا حَلَقٌ وَحِلَقٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَلَقَةُ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ فَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ بِهِ بِضَمِيرِ الْمُذَكَّرِ أَعَادَهُ عَلَى مَعْنَى الْحَلْقَةِ وَهُوَ الشَّيْءُ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ الْمُرَادُ حَلْقَةُ بَابِ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي رَبْطِ الْبُرَاقِ الْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْأُمُورِ وَتَعَاطِي الْأَسْبَابِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي التَّوَكُّلِ إِذَا كَانَ الِاعْتِمَادُ على اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ) هَذَا اللَّفْظُ وَقَعَ مُخْتَصَرًا هُنَا وَالْمُرَادُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ اخْتَرْ أَيَّ الْإِنَاءَيْنِ شِئْتَ كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا بَعْدَ هَذَا فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأُلْهِمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتِيَارَ اللَّبَنِ

وَقَوْلُهُ (اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ) فَسَّرُوا الْفِطْرَةَ هُنَا بِالْإِسْلَامِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَمَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ اخْتَرْتَ عَلَامَةَ الْإِسْلَامِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَجُعِلَ اللَّبَنُ عَلَامَةً لِكَوْنِهِ سَهْلًا طَيِّبًا طَاهِرًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ سَلِيمَ الْعَاقِبَةِ وَأَمَّا الْخَمْرُ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ وَجَالِبَةٌ لِأَنْوَاعٍ مِنَ الشَّرِّ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقِيلَ لَهُ مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قد بعث إليه) أما قوله عرج فبتح الْعَيْنِ وَالرَّاءِ أَيْ صَعِدَ وَقَوْلُهُ جِبْرِيلُ فِيهِ بَيَانُ الْأَدَبِ فِيمَنِ اسْتَأْذَنَ بِدَقِّ الْبَابِ وَنَحْوِهِ فَقِيلَ لَهُ مَنْ أَنْتَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ زَيْدٌ مَثَلًا إِذَا كَانَ اسْمُهُ زَيْدًا وَلَا يَقُولُ أَنَا فَقَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَأَمَّا قَوْلُ بَوَّابِ السَّمَاءِ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَمُرَادُهُ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ لِلْإِسْرَاءِ وَصُعُودِ السَّمَاوَاتِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ الِاسْتِفْهَامَ عَنْ أَصْلِ الْبَعْثَةِ وَالرِّسَالَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ إِلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فِي مَعْنَاهُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْخَطَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي قَدْ ذَكَرَ خِلَافًا أَوْ أَشَارَ إِلَى خِلَافٍ فِي أَنَّهُ اسْتَفْهَمَ عَنْ أَصْلِ الْبَعْثَةِ أَوْ عَمَّا ذَكَرْتُهُ قَالَ القاضي وفى هذا أن للسماء أبوابا حقيقية وَحَفَظَةً مُوَكَّلِينَ بِهَا وَفِيهِ إِثْبَاتُ الِاسْتِئْذَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ) ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ (فَإِذَا أَنَا بِابْنَيِ الْخَالَةِ فَرَحَّبَا بِي وَدَعَوَا) وَذَكَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَاقِي الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ نَحْوَهُ فِيهِ اسْتِحْبَابُ لِقَاءِ أَهْلِ الْفَضْلِ بِالْبِشْرِ وَالتَّرْحِيبِ وَالْكَلَامِ الْحَسَنِ والدعاء

لهم وان كانو أَفْضَلَ مِنَ الدَّاعِي وَفِيهِ جَوَازُ مَدْحِ الْإِنْسَانِ فِي وَجْهِهِ إِذَا أُمِنَ عَلَيْهِ الْإِعْجَابُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَسْبَابِ الْفِتْنَةِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فاذ أنا بابنى الخالة قال الأزهرى قال بن السِّكِّيتِ يُقَالُ هُمَا ابْنَا عَمٍّ وَلَا يُقَالُ ابنا خال ويقال هما ابْنَا خَالَةٍ وَلَا يُقَالُ ابْنَا عَمَّةٍ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنَادِ إِلَى الْقِبْلَةِ وَتَحْوِيلِ الظهر اليها قوله ص

(ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى) هَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ السِّدْرَةِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَفِي الروايات بعد هذا سدرة المنتهى قال بن عَبَّاسٍ وَالْمُفَسِّرُونَ وَغَيْرُهُمْ سُمِّيَتْ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى لِأَنَّ عِلْمَ الْمَلَائِكَةِ يَنْتَهِي إِلَيْهَا وَلَمْ يُجَاوِزْهَا أَحَدٌ الا رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا يَنْتَهِي إِلَيْهَا مَا يَهْبِطُ مِنْ فَوْقِهَا وَمَا يَصْعَدُ مِنْ تَحْتِهَا مِنْ أمر اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ) هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ جَمْعُ قُلَّةٍ وَالْقُلَّةُ جَرَّةٌ عَظِيمَةٌ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي) مَعْنَاهُ رَجَعْتُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي نَاجَيْتُهُ مِنْهُ أَوَّلًا فَنَاجَيْتُهُ فِيهِ ثَانِيًا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)

مَعْنَاهُ بَيْنَ مَوْضِعِ مُنَاجَاةِ رَبِّي وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ (قَالَ الشَّيْخُ أَبُو أَحْمَدَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَاسَرْجِسِيُّ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ) أَبُو أَحْمَدَ هَذَا هُوَ الْجُلُودِيُّ رَاوِي الكتاب عن بن سُفْيَانَ عَنْ مُسْلِمٍ وَقَدْ عَلَا لَهُ هَذَا الحديث برجل فانه رواه أولا عن سُفْيَانَ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ ثُمَّ رَوَاهُ عَنِ الْمَاسَرْجِسِيِّ عَنْ شَيْبَانَ وَاسْمُ الْمَاسَرْجِسِيِّ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ النَّيْسَابُورِيُّ وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدِّهِ مَاسَرْجَسَ وَهَذِهِ الْفَائِدَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو أَحْمَدَ إِلَى آخِرِهِ تَقَعُ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ فِي الْحَاشِيَةِ وَفِي أَكْثَرِهَا فِي نَفْسِ الْكِتَابِ وَكِلَاهُمَا لَهُ وَجْهٌ فَمَنْ جَعَلَهَا فِي الْحَاشِيَةِ فَهُوَ الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ مُسْلِمٍ وَلَا مِنْ كِتَابِهِ فَلَا يَدْخُلُ فِي نَفْسِهِ إِنَّمَا هِيَ فَائِدَةٌ فَشَأْنُهَا أَنْ تُكْتَبَ فِي الحاشية ومن أدخلها فى الْكِتَابِ فَلِكَوْنِ الْكِتَابِ مَنْقُولًا عَنْ عَبْدِ الْغَافِرِ الْفَارِسِيِّ عَنْ شَيْخِهِ الْجُلُودِيِّ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ الْجُلُودِيِّ فَنَقَلَهَا عَبْدُ الْغَافِرِ فِي نَفْسِ الْكِتَابِ لِكَوْنِهَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَأْخُوذِ عَنِ الْجُلُودِيِّ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ لَبْسٌ وَلَا ايهام أنها من أصل مُسْلِمٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَشُرِحَ عَنْ صَدْرِي ثُمَّ غُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ أُنْزِلْتُ) مَعْنَى شُرِحَ شُقَّ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أُنْزِلْتُ هُوَ بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَضَمِّ التَّاءِ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ

وَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ وَالنُّسَخِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ وَفِي مَعْنَاهُ خَفَاءٌ وَاخْتِلَافٌ قَالَ الْقَاضِي قال الوقشى هَذَا وَهَمٌ مِنَ الرُّوَاةِ وَصَوَابُهُ تُرِكْتُ فَتَصَحَّفَ قال القاضي فسألت عنه بن سَرَّاجٍ فَقَالَ أُنْزِلْتُ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى تُرِكْتُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ فِيهِ تَصْحِيفٌ قَالَ الْقَاضِي وَظَهَرَ لِي أَنَّهُ صَحِيحٌ بِالْمَعْنَى الْمَعْرُوفِ فِي أُنْزِلْتُ فَهُوَ ضِدُّ رُفِعْتُ لِأَنَّهُ قَالَ انْطَلَقُوا بِي إِلَى زَمْزَمَ ثُمَّ أُنْزِلْتُ أَيْ ثُمَّ صُرِفْتُ إِلَى مَوْضِعِي الَّذِي حُمِلْتُ مِنْهُ قَالَ وَلَمْ أَزَلْ أَبْحَثُ عَنْهُ حَتَّى وَقَعْتُ عَلَى الْجَلَاءِ فِيهِ مِنْ رِوَايَةِ الْحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ الْبَرْقَانِيِّ وَأَنَّهُ طَرَفُ حَدِيثٍ وَتَمَامُهُ ثُمَّ أُنْزِلْتُ عَلَى طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمُقْتَضَى رِوَايَةِ الْبَرْقَانِيِّ أَنْ يُضْبَطَ أُنْزِلْتُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَإِسْكَانِ التَّاءِ وَكَذَلِكَ ضَبَطْنَاهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ لِلْحُمَيْدِيِّ وَحَكَى الْحُمَيْدِيُّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ عَنْ رِوَايَةِ الْبَرْقَانِيِّ وَزَادَ عَلَيْهَا وَقَالَ أَخْرَجَهَا الْبَرْقَانِيُّ بِإِسْنَادِ مُسْلِمٍ وَأَشَارَ الْحُمَيْدِيُّ إِلَى أَنَّ رواية مسلم ناقصة وأن تمامها مَا زَادَهُ الْبَرْقَانِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ لَأَمَهُ) أَمَّا الطست فبفتح الطاء وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهِيَ إِنَاءٌ مَعْرُوفٌ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ قَالَ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ كَسْرَ الطَّاءِ لُغَةً وَالْمَشْهُورُ الْفَتْحُ كَمَا ذَكَرْنَا وَيُقَالُ فِيهَا طس بتشديد السين وحذف التاء وطسة أَيْضًا وَجَمْعُهَا طِسَاسٌ وَطُسُوسٌ وَطِسَّاتٌ وَأَمَّا لَأَمَهُ فَبِفَتْحِ اللَّامِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ عَلَى وَزْنِ ضَرَبَهُ وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى لَاءَمَهُ بِالْمَدِّ عَلَى وَزْنِ آذَنَهُ وَمَعْنَاهُ جَمَعَهُ وَضَمَّ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يُوهِمُ جَوَازَ اسْتِعْمَالِ إِنَاءِ الذَّهَبِ لَنَا فَإِنَّ هَذَا فِعْلُ الْمَلَائِكَةِ وَاسْتِعْمَالُهُمْ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمْ حُكْمَنَا وَلِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ الْأَمْرِ قَبْلَ تَحْرِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَانِيَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قَوْلُهُ (يَعْنِي ظِئْرَهُ) هِيَ بِكَسْرِ الظَّاءِ

الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ سَاكِنَةٌ وَهِيَ الْمُرْضِعَةُ وَيُقَالُ أَيْضًا لِزَوْجِ الْمُرْضِعَةِ ظِئْرٌ قَوْلُهُ (فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقَعُ اللَّوْنِ) هُوَ بِالْقَافِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ مُتَغَيِّرُ اللَّوْنِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ امْتَقَعَ لَوْنُهُ فَهُوَ ممتقع وانتقع فهو منتقع وابتقع بِالْبَاءِ فَهُوَ مُبْتَقِعٌ فِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ وَالْقَافُ مَفْتُوحَةٌ فِيهِنَّ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمِيمُ أَفْصَحُهُنَّ وَنَقَلَ الْجَوْهَرِيُّ اللُّغَاتُ الثَّلَاثُ عَنِ الْكِسَائِيِّ قَالَ وَمَعْنَاهُ تَغَيَّرَ مِنْ حُزْنٍ أَوْ فَزَعٍ وَقَالَ الهروي فِي الْغَرِيبَيْنِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ يُقَالُ انْتَقَعَ لَوْنُهُ وابْتَقَعَ وَامْتَقَعَ وَاسْتَقَعَ وَالْتَمَى وَانْتَسَفَ وَانْتَشَفَ بِالسِّينِ وَالشِّينِ وَالْتَمَعَ وَالْتَمَغَ بِالْعَيْنِ وَالْغَيْنِ وَابْتَسَرَ وَالْتَهَمَ قَوْلُهُ (كُنْتُ أَرَى أَثَرَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ وَهِيَ الْإِبْرَةُ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ نَظَرِ الرَّجُلِ إِلَى صَدْرِ الرَّجُلِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا فَوْقَ سُرَّتِهِ وَتَحْتَ رُكْبَتِهِ إِلَّا أَنْ يَنْظُرَ بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ بِشَهْوَةٍ إِلَى كُلِّ آدَمِيٍّ إِلَّا الزَّوْجَ لِزَوْجَتِهِ وَمَمْلُوكَتِهِ وَكَذَا هُمَا إِلَيْهِ وَإِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَنْظُورُ إِلَيْهِ أَمْرَدَ حَسَنَ الصُّورَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهِ إِلَى وَجْهِهِ وَسَائِرِ بَدَنِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِشَهْوَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لحاجة البيع والشراء والتطبيب وَالتَّعْلِيمِ وَنَحْوِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا هَارُونُ الأيلى [163] وحدثنى حرملة التجيبى) قد تقدم ضبطهما مرات فالأيلى بالمثناة والتجيبى

بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِهَا وَأَوْضَحْنَا أَصْلَهُ وَضَبْطَهُ فِي المقدمة قوله (جاء بطست من ذهب ممتلىء حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي) قَدْ قَدَّمْنَا لغات الطست وأنها مؤنثة فجاء ممتلىء عَلَى مَعْنَاهَا وَهُوَ الْإِنَاءُ وَأَفْرَغَهَا عَلَى لَفْظِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْإِيمَانِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَبَيَانُ الْحِكْمَةِ فِي حَدِيثِ الْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ وَالضَّمِيرُ فِي أَفْرَغَهَا يَعُودُ عَلَى الطَّسْتِ كَمَا ذكرناه وحكى صاحب التحرير قولا أَنَّهُ يَعُودُ عَلَى الْحِكْمَةِ وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فَالْأَظْهَرُ مَا قَدَّمْنَاهُ لِأَنَّ عَوْدَهُ عَلَى الطَّسْتِ يَكُونُ تَصْرِيحًا بِإِفْرَاغِ الْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ وَعَلَى قَوْلِهِ يَكُونُ إِفْرَاغُ الْإِيمَانِ مَسْكُوتًا عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا جَعْلُ الْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ فِي إِنَاءٍ وَإِفْرَاغُهُمَا مَعَ أَنَّهُمَا مَعْنَيَانِ وَهَذِهِ صِفَةُ الْأَجْسَامِ فَمَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الطَّسْتَ كَانَ فِيهَا شَيْءٌ يَحْصُلُ بِهِ كَمَالُ الْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ وَزِيَادَتُهُمَا فَسُمِّيَ إِيمَانًا وَحِكْمَةً لِكَوْنِهِ سَبَبًا لَهُمَا وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْمَجَازِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ) فَسَّرَ الْأَسْوِدَةَ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهَا نَسَمُ بَنِيهِ أَمَّا الْأَسْوِدَةُ فَجَمْعُ سَوَادٍ كَقَذَالٍ وَأَقْذِلَةٍ وَسَنَامٍ وَأَسْنِمَةٍ وَزَمَانٍ وَأَزْمِنَةٍ وَتُجْمَعُ الأسودة على أساود وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ السَّوَادُ الشَّخْصُ وَقِيلَ السَّوَادُ الْجَمَاعَاتُ وَأَمَّا النَّسَمُ فَبِفَتْحِ النُّونِ وَالسِّينِ وَالْوَاحِدَةُ نَسَمَةٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ هِيَ نَفْسُ الْإِنْسَانِ وَالْمُرَادُ أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ آدَمَ وَنَسَمَ بَنِيهِ من أهل

الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَقَدْ جَاءَ أَنَّ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ فِي سِجِّينٍ قِيلَ فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ وَقِيلَ تَحْتَهَا وَقِيلَ فِي سِجْنٍ وَأَنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ مُنَعَّمَةٌ فِي الْجَنَّةِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا تُعْرَضُ عَلَى آدَمَ أَوْقَاتًا فَوَافَقَ وَقْتَ عَرْضِهَا مُرُورُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ كَوْنَهُمْ فِي النَّارِ وَالْجَنَّةِ إِنَّمَا هُوَ فِي أَوْقَاتٍ دُونَ أَوْقَاتٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى النَّارُ يُعْرَضُونَ عليها غدوا وعشيا وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُؤْمِنِ عُرِضَ مَنْزِلُهُ مِنَ الْجَنَّةِ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَهُ هَذَا مَنْزِلُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْجَنَّةَ كَانَتْ فِي جِهَةِ يَمِينِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالنَّارَ فِي جِهَةِ شِمَالِهِ وَكِلَاهُمَا حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى) فِيهِ شَفَقَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ وَسُرُورُهُ بِحُسْنِ حَالِهِ وَحُزْنِهِ وَبُكَاؤُهُ لِسُوءِ حَالِهِ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ (وَجَدَ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ) وَتَقَدَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ فِي السَّابِعَةِ فَإِنْ كَانَ الْإِسْرَاءُ مَرَّتَيْنِ فَلَا إِشْكَالَ فِيهِ وَيَكُونُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَجَدَهُ فِي سَمَاءٍ وَإِحْدَاهُمَا مَوْضِعُ اسْتِقْرَارِهِ وَوَطَنُهُ وَالْأُخْرَى كَانَ فِيهَا غَيْرَ مُسْتَوْطِنٍ وَإِنْ كَانَ الْإِسْرَاءُ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَعَلَّهُ وَجَدَهُ فِي السَّادِسَةِ

ثُمَّ ارْتَقَى إِبْرَاهِيمُ أَيْضًا إِلَى السَّابِعَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِدْرِيسَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا يَقُولُهُ أَهْلُ النَّسَبِ وَالتَّارِيخِ مِنْ أَنَّ إِدْرِيسَ أَبٌ مِنْ آبَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ جَدٌّ أَعْلَى لِنُوحٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن نوحا هو بن لَامكَ بْنِ متوشلخَ بْنِ خنوخَ وَهُوَ عِنْدَهُمْ ادريس بن يرد بْنِ مِهْلَايِيلَ بْنِ قَيْنَانَ بْنِ أَنُوشَ بْنِ شِيثِ بْنِ آدَمَ! عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ فِي عَدَدِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَسَرْدِهَا عَلَى ماذكرناه وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُونَ فِي ضَبْطِ بَعْضِهَا وَصُورَةِ لَفْظِهِ وَجَاءَ جَوَابُ الْآبَاءِ هُنَا إِبْرَاهِيمُ وَآدَمُ مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَقَالَ إِدْرِيسُ مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ كَمَا قَالَ مُوسَى وَعِيسَى وَهَارُونُ وَيُوسُفُ وَيَحْيَى وَلَيْسُوا بِآبَاءٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَقَدْ قِيلَ عَنْ إِدْرِيسَ إِنَّهُ إِلْيَاسُ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِجَدٍّ لِنُوحٍ فَإِنَّ إِلْيَاسَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِنَّهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَأَنَّ أَوَّلَ الْمُرْسَلِينَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَمْنَعُ كَوْنَ إِدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَبًا لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ قَوْلَهُ الْأَخِ الصَّالِحِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ تَلَطُّفًا وَتَأَدُّبًا وَهُوَ أَخٌ وَإِنْ كَانَ ابْنًا فَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ وَالْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ والله اعلم قوله (ان بن عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولَانِ) أَبُو حَبَّةَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ هُنَا وَفِي ضَبْطِهِ وَاسْمِهِ اخْتِلَافٌ فَالْأَصَحُّ

الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ حَبَّةُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ كَمَا ذَكَرْنَا وَقِيلَ حَيَّةُ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَقِيلَ حَنَّةُ بِالنُّونِ وَهَذَا قَوْلُ الْوَاقِدِيِّ وَرَوَى عَنِ بن شِهَابٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي اسْمِ أَبِي حَبَّةَ فَقِيلَ عَامِرٌ وَقِيلَ مَالِكٌ وَقِيلَ ثَابِتٌ وَهُوَ بَدْرِيٌّ بِاتِّفَاقِهِمْ وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدَ وَقَدْ جَمَعَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْأَثِيرِ الْجَزَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ فِي ضَبْطِهِ وَالِاخْتِلَافَ فِي اسْمِهِ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبَيَّنَهَا بَيَانًا شَافِيًا رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوَى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ) مَعْنَى ظَهَرْتُ عَلَوْتُ وَالْمُسْتَوَى بِفَتْحِ الْوَاوِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ به المصعد وقيل المكان المستوى وصريف الْأَقْلَامِ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ تَصْوِيتُهَا حَالَ الْكِتَابَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ صَوْتُ مَا تَكْتُبُهُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ أَقْضِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَحْيِهِ وَمَا يَنْسَخُونَهُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُكْتَبَ وَيُرْفَعَ لِمَا أَرَادَهُ مِنْ أَمْرِهِ وَتَدْبِيرِهِ قَالَ الْقَاضِي فِي هَذَا حُجَّةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْإِيمَانِ بِصِحَّةِ كِتَابَةِ الْوَحْيِ وَالْمَقَادِيرِ فِي كَتْبِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَمَا شَاءَ بِالْأَقْلَامِ الَّتِي هُوَ تَعَالَى يَعْلَمُ كَيْفِيَّتَهَا عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْآيَاتُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَأَنَّ مَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى ظاهره لكن كيفية ذلك وصورته وجنسه ممالا يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى أَوْ مَنْ أَطْلَعَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَمَا يَتَأَوَّلُ هَذَا وَيُحِيلُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ إِلَّا ضعيف النظر والايمان اذ جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ الْمُطَهَّرَةُ وَدَلَائِلُ الْعُقُولِ لَا تُحِيلُهُ وَاللَّهُ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ ما يُرِيدُ حِكْمَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِظْهَارًا لِمَا يَشَاءُ مِنْ غَيْبِهِ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ مَلَائِكَتِهِ وَسَائِرِ خَلْقِهِ وَإِلَّا فَهُوَ غَنِيٌّ عَنِ الْكَتْبِ وَالِاسْتِذْكَارِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي عُلُوِّ مَنْزِلَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَارْتِفَاعِهِ فَوْقَ مَنَازِلِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَبُلُوغِهِ حَيْثُ بَلَغَ من ملكوت السماوات دَلِيلٌ عَلَى عُلُوِّ دَرَجَتِهِ وَإِبَانَةِ فَضْلِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْبَزَّارُ خَبَرًا فِي الْإِسْرَاءِ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَذَكَرَ مَسِيرَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الْبُرَاقِ حَتَّى أَتَى الْحِجَابَ وَذَكَرَ كَلِمَةً وَقَالَ خَرَجَ مَلَكٌ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ فَقَالَ جِبْرِيلُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا رَأَيْتُهُ مُنْذُ خُلِقْتُ وَإِنِّي أَقْرَبُ الْخَلْقِ مَكَانًا وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ فَارَقَنِي جِبْرِيلُ وَانْقَطَعَتْ عَنِّي الْأَصْوَاتُ

هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَفَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً إِلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَاجَعْتُ رَبِّي فَوَضَعَ شَطْرَهَا وَبَعْدَهُ فَرَاجَعْتُ رَبِّي فَقَالَ هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ) وَهَذَا الْمَذْكُورُ هُنَا لَا يُخَالِفُ الرِّوَايَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حَطَّ عَنِّي خَمْسًا إِلَى آخِرِهِ فَالْمُرَادُ بِحَطِّ الشَّطْرِ هُنَا أَنَّهُ حَطَّ فِي مَرَّاتٍ بِمُرَاجَعَاتٍ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُرَادُ بِالشَّطْرِ هُنَا الْجُزْءُ وَهُوَ الْخَمْسُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ النِّصْفَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحْتَمَلٌ وَلَكِنْ لَا ضَرُورَةَ إِلَيْهِ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الثَّانِيَ مُخْتَصَرٌ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ كَرَّاتُ الْمُرَاجَعَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاحْتَجَّ الْعُلَمَاءُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ الشَّيْءِ قَبْلَ فِعْلِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى نَأْتِيَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ حَتَّى نَأْتِيَ بِالنُّونِ فِي أَوَّلِهِ وَفِي بَعْضِ الْأُصُولِ حَتَّى أُتِيَ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ) أَمَّا الْجَنَابِذُ فَبِالْجِيمِ الْمَفْتُوحَةِ وَبَعْدَهَا نُونٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ أَلِفٌ ثُمَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ ذَالٌ مُعْجَمَةٌ وَهِيَ الْقِبَابُ وَاحِدَتُهَا جَنْبَذَةٌ

وَوَقَعَ فِي كِتَابِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ كَذَلِكَ وَوَقَعَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْهُ حَبَائِلُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرَهُ لَامٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ تَصْحِيفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا اللُّؤْلُؤُ فَمَعْرُوفٌ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ بِهَمْزَتَيْنِ وَبِحَذْفِهِمَا وَبِإِثْبَاتِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَعَكْسِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ وَأَنَّ الْجَنَّةَ فى السماء وَاللَّهُ أَعْلَمُ [164] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حدثنا بن أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَعَلَّهُ قَالَ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ) قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ هَكَذَا هُوَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي رواية بن مَاهَانَ وَأَبِي الْعَبَّاسِ الرَّازِيِّ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الْجُلُودِيِّ وَعِنْدَ غَيْرِهِ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ قتادة عن

أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ بِغَيْرِ شَكٍّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ غَيْرُ قَتَادَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ (فَلَمَّا جَاوَزْتُهُ بَكَى فَنُودِيَ مَا يُبْكِيكَ قَالَ رَبِّ هَذَا غُلَامٌ بَعَثْتَهُ بَعْدِي يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِهِ الْجَنَّةَ أَكْثَرُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي) مَعْنَى هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَزِنَ عَلَى قَوْمِهِ لِقِلَّةِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ مَعَ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ فَكَانَ بُكَاؤُهُ حُزْنًا عَلَيْهِمْ وَغِبْطَةً لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كَثْرَةِ أَتْبَاعِهِ وَالْغِبْطَةُ فِي الْخَيْرِ مَحْبُوبَةٌ وَمَعْنَى الْغِبْطَةِ أَنَّهُ وَدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أُمَّتِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَا أَنَّهُ وَدَّ أَنْ يَكُونُوا أَتْبَاعًا لَهُ وَلَيْسَ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُمْ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ إِنَّمَا بَكَى حُزْنًا عَلَى قَوْمِهِ وَعَلَى فَوَاتِ الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَالثَّوَابِ الْجَزِيلِ بِتَخَلُّفِهِمْ عَنِ الطَّاعَةِ فَإِنَّ مَنْ دَعَا إِلَى خَيْرٍ وَعَمِلَ النَّاسُ بِهِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أُجُورِهِمْ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَمِثْلُ هَذَا يُبْكَى عَلَيْهِ وَيُحْزَنُ عَلَى فَوَاتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى أَرْبَعَةَ أَنْهَارٍ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ وَنَهْرَانِ بَاطِنَانِ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الْأَنْهَارُ قَالَ أَمَّا النَّهْرَانِ الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ) هَكَذَا هُوَ فِي أُصُولِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا وَالْمُرَادُ مِنْ أَصْلِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ قَالَ مُقَاتِلٌ الْبَاطِنَانِ هُمَا السَّلْسَبِيلُ وَالْكَوْثَرُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَصْلَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى فِي الْأَرْضِ

لِخُرُوجِ النِّيلِ وَالْفُرَاتِ مِنْ أَصْلِهَا قُلْتُ هَذَا الَّذِي قَالَهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَنْهَارَ تَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا ثُمَّ تَسِيرُ حَيْثُ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى تَخْرُجَ مِنَ الْأَرْضِ وَتَسِيرَ فِيهَا وَهَذَا لَا يَمْنَعُهُ عَقْلٌ وَلَا شَرْعٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْفُرَاتَ بِالتَّاءِ الْمَمْدُودَةِ فِي الْخَطِّ فِي حَالَتَيِ الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا مَشْهُورًا فَنَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِكَوْنِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ يَقُولُونَهُ بِالْهَاءِ وَهُوَ خَطَأٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يَدْخُلهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرُ مَا عَلَيْهِمْ) قَالَ صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ رُوِّينَاهُ آخِرُ مَا عَلَيْهِمْ بِرَفْعِ الرَّاءِ وَنَصْبِهَا فَالنَّصْبُ عَلَى الظَّرْفِ وَالرَّفْعُ عَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ آخِرُ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ دُخُولِهِ قَالَ وَالرَّفْعُ أَوْجَهُ وَفِي هَذَا أَعْظَمُ دَلِيلٍ عَلَى كَثْرَةِ الْمَلَائِكَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ أَحَدُهُمَا خَمْرٌ وَالْآخَرُ لَبَنٌ فَعُرِضَا عَلَيَّ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ فَقِيلَ أَصَبْتَ أَصَابَ اللَّهُ بِكَ أُمَّتَكَ عَلَى الْفِطْرَةِ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَالَّذِي يُزَادُ هُنَا مَعْنَى أَصَبْتَ أَيْ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْفِطْرَةِ وَمَعْنَى أَصَابَ اللَّهُ بِكَ أَيْ أَرَادَ بِكَ الْفِطْرَةَ وَالْخَيْرَ وَالْفَضْلَ وَقَدْ جَاءَ أَصَابَ بِمَعْنَى أَرَادَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أصاب أَيْ حَيْثُ أَرَادَ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ وَأَهْلُ اللُّغَةِ كَذَا نَقَلَ الْوَاحِدِيُّ اتِّفَاقَ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ أُمَّتُكَ عَلَى الْفِطْرَةِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ لَكَ وَقَدْ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ فَهُمْ يَكُونُونَ عَلَيْهَا وَاللَّهُ

أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَشُقَّ من النخر إِلَى مَرَاقِّ الْبَطْنِ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ وَهُوَ مَا سَفَلَ مِنَ الْبَطْنِ وَرَقَّ مِنْ جِلْدِهِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ لَا وَاحِدَ لَهَا وقال صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَاحِدُهَا مَرَقُّ قَوْلُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ الله [165] (حدثنى محمد بن مثنى وبن بشار قال بن مثنى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ يَقُولُ حَدَّثَنِي بن عَمِّ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ وَشُعْبَةُ وَإِنْ كَانَ وَاسِطِيًّا فَقَدِ انْتَقَلَ إلى البصرة واستوطنها وبن عَبَّاسٍ أَيْضًا سَكَنَهَا وَاسْمُ أَبِي الْعَالِيَةِ رُفَيْعٌ بضم الراء وفتح الفاء بن مِهْرَانَ الرِّيَاحِيُّ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مُوسَى آدَمُ طُوَالٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ وَقَالَ عِيسَى جَعْدٌ مَرْبُوعٌ) أَمَّا طُوَالٌ فَبِضَمِّ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَمَعْنَاهُ طَوِيلٌ وَهُمَا لُغَتَانِ وأما شنوءة فبشين مُعْجَمَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ نُونٌ ثُمَّ وَاوٌ ثُمَّ هَمْزَةٌ ثُمَّ هَاءٌ وَهِيَ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ قَالَ بن قُتَيْبَةَ فِي أَدَبِ الْكَاتِبِ سُمُّوا بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِكَ رَجُلٌ فِيهِ شَنُوءَةٌ أَيْ تَقَزُّزٌ قَالَ ويقال سموا بذلك لأنهم تشانؤا وَتَبَاعَدُوا وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الشَّنُوءَةُ التَّقَزُّزُ وَهُوَ التَّبَاعُدُ من الأدناس ومنه أزدشنوءه وَهُمْ حَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ يُنْسَبُ إِلَيْهِمْ شَنَئِيٌّ قال قال بن السكيت ربما قالوا أزدشنوة بِالتَّشْدِيدِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ وَيُنْسَبُ إِلَيْهَا شَنَوِيٌّ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعٌ فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ الرَّجُلُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فِي الْقَامَةِ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ الْحَقِيرِ وَفِيهِ لُغَاتٌ ذَكَرَهُنَّ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَغَيْرُهُ مَرْبُوعٌ ومرتبع ومرتبع بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا وَرَبْعٌ وَرَبْعَةٌ وَرَبَعَةٌ الْأَخِيرَةُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْمَرْأَةُ رَبَعَةٌ وَرَبْعَةٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جَعْدٌ وَوَقَعَ فِي أكثر

الرِّوَايَاتِ فِي صِفَتِهِ سَبْطُ الرَّأْسِ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِالْجَعْدِ هُنَا جُعُودَةُ الْجِسْمِ وَهُوَ اجْتِمَاعُهُ وَاكْتِنَازُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ جُعُودَةُ الشَّعْرِ وَأَمَّا الْجَعْدُ فِي صِفَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فِيهِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ فِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ اكْتِنَازُ الْجِسْمِ وَالثَّانِي جُعُودَةُ الشَّعْرِ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ رَجِلُ الشَّعْرِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ وَالْمَعْنَيَانِ فِيهِ جَائِزَانِ وَتَكُونُ جُعُودَةُ الشَّعْرِ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي لَيْسَتْ جُعُودَةَ الْقَطَطِ بَلْ مَعْنَاهَا أَنَّهُ بَيْنَ الْقَطَطِ وَالسَّبِطِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالسَّبِطُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُ الْبَاءِ مَعَ كَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا عَلَى التَّخْفِيفِ كَمَا فِي كَتِفٍ وَبَابِهِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الشَّعْرُ السَّبِطُ هُوَ الْمُسْتَرْسِلُ لَيْسَ فِيهِ تَكَسُّرٌ وَيُقَالُ فِي الْفِعْلِ مِنْهُ سَبِطَ شَعْرُهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ يَسْبَطُ بِفَتْحِهَا سَبَطًا بِفَتْحِهَا أَيْضًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ) هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ وَسَقَطَتْ لَفْظَةُ مَرَرْتُ فى مُعْظَمُهَا وَلَا بُدَّ مِنْهَا فَإِنْ حُذِفَتْ كَانَتْ مُرَادَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأُرِي مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَمَالِكًا بِالنَّصْبِ وَمَعْنَاهُ أُرِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالِكًا وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَرَأَيْتُ مَالِكًا وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ مَالِكٌ بِالرَّفْعِ وَهَذَا قَدْ يُنْكَرُ وَيُقَالُ هَذَا لَحْنٌ لَا يَجُوزُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَلَكِنْ عَنْهُ جَوَابٌ حَسَنٌ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَةَ مَالِكٍ مَنْصُوبَةٌ وَلَكِنْ أُسْقِطَتِ الْأَلِفُ فِي الْكِتَابَةِ وَهَذَا يَفْعَلهُ الْمُحَدِّثُونَ كثيرا فيكتبون سمعت أنس بغير ألف ويقرؤنه بالنصب وكذلك مالك كتبوه بغير ألف ويقرؤنه بِالنَّصْبِ فَهَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أحسن

مَا يُقَالُ فِيهِ وَفِيهِ فَوَائِدُ يُتَنَبَّهُ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَأُرِيَ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ وَالدَّجَّالَ فِي آيَاتٍ أَرَاهُنَّ اللَّهُ إِيَّاهُ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ قَالَ كَانَ قَتَادَةُ يُفَسِّرُهَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ لَقِيَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ) هَذَا الِاسْتِشْهَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَلَا تكن فى مرية هُوَ مِنَ اسْتِدْلَالِ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَأَمَّا تَفْسِيرُ قَتَادَةَ فَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ وَالْكَلْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ وَعَلَى مَذْهَبِهِمْ مَعْنَاهُ فَلَا تَكُنْ فِي شَكٍّ مِنْ لِقَائِكَ مُوسَى وَذَهَبَ كَثِيرُونَ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَأَصْحَابِ الْمَعَانِي إِلَى أن مَعْنَاهَا فَلَا تَكُنْ فِي شَكٍّ مِنْ لِقَاءِ موسى الكتاب وهذا مذهب بن عباس ومقاتل والزجاج وغيرهم والله أَعْلَمُ قَوْلُهُ [166] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَسُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ) هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ وَلَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّلْبِيَةِ) ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يُونُسَ بْنِ مَتَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَأَيْتُهُ وَهُوَ يُلَبِّي) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ فِي وَصْفِهِمْ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى ذَلِكَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا فى رواية أبى العالية عن بن عباس وفى رواية بن الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ التَّلْبِيَةِ قَالَ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَحُجُّونَ وَيُلَبُّونَ وَهُمْ أَمْوَاتٌ وَهُمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ وَلَيْسَتْ دَارَ عَمَلٍ فَاعْلَمْ أَنَّ لِلْمَشَايِخِ وَفِيمَا ظَهَرَ لَنَا عَنْ هَذَا أَجْوِبَةً أَحَدُهَا أَنَّهُمْ كَالشُّهَدَاءِ بَلْ هُمْ أَفْضَلُ مِنْهُمْ وَالشُّهَدَاءُ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَحُجُّوا وَيُصَلُّوا كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَأَنْ يَتَقَرَّبُوا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا اسْتَطَاعُوا لِأَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا قَدْ تُوُفُّوا فَهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي هِيَ دَارُ الْعَمَلِ حَتَّى إِذَا فَنِيَتْ

مُدَّتُهَا وَتَعَقَّبَتْهَا الْآخِرَةُ الَّتِي هِيَ دَارُ الْجَزَاءِ انْقَطَعَ الْعَمَلُ الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ عَمَلَ الْآخِرَةِ ذِكْرٌ وَدُعَاءٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى دَعْوَاهُمْ فِيهَا سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ رُؤْيَةُ مَنَامٍ فِي غَيْرِ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ أَوْ فِي بَعْضِ ليلة الاسراء كما قال فى رواية بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رأيتنى أطوف بالكعبة وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي قِصَّةِ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ أَحْوَالَهُمُ الَّتِي كَانَتْ فِي حَيَاتِهِمْ وَمَثَلُوا لَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِمْ كَيْفَ كَانُوا وَكَيْفَ حَجُّهُمْ وَتَلْبِيَتُهُمْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عِيسَى وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ الْوَجْهُ الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ أَخْبَرَ عَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَا كَانَ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَرَهُمْ رُؤْيَةَ عَيْنٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ جُؤَارٌ بِضَمِّ الْجِيمِ وَبِالْهَمْزِ وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ قَوْلُهُ (ثَنِيَّةَ هَرْشَى) هِيَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورَةُ الْأَلِفِ وَهُوَ جَبَلٌ عَلَى طَرِيقِ الشَّامِ وَالْمَدِينَةِ قَرِيبٌ مِنَ الْجُحْفَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ جَعْدَةٍ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ خِطَامُ نَاقَتِهِ خُلْبَةٌ قَالَ هُشَيْمٌ يَعْنِي لِيفًا أَمَّا الْجَعْدَةُ فَهِيَ مُكْتَنِزَةُ اللَّحْمِ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَأَمَّا الْخِطَامُ بِكَسْرِ الْخَاءِ فَهُوَ الْحَبْلُ الَّذِي يُقَادُ بِهِ الْبَعِيرُ يُجْعَلُ عَلَى خَطْمِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَأَمَّا الْخُلْبَةُ فَبِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَيْنَهُمَا لَامٌ فيها لغتان مشهورتان الضم والإسكان حكاهما بن السِّكِّيتِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ وَكَذَلِكَ الْخُلْبُ وَالْخِلْبُ وَهُوَ اللِّيفُ كَمَا فَسَّرَهُ هُشَيْمٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى وَاضِعًا إِصْبَعَيْهِ

فِي أُذُنَيْهِ) أَمَّا الْأُصْبُعُ فَفِيهَا عَشْرُ لُغَاتٍ كَسْرُ الْهَمْزَةِ وَفَتْحُهَا وَضَمُّهَا مَعَ فَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا وَالْعَاشِرَةُ أُصْبُوعٌ عَلَى مِثَالِ عُصْفُورٍ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ وَضْعِ الْأُصْبُعِ فِي الْأُذُنِ عِنْدَ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُسْتَحَبُّ لَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ وَهَذَا الِاسْتِنْبَاطُ وَالِاسْتِحْبَابُ يَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ إِنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَالَ أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ قَالُوا هَرْشَى أَوْ لِفْتٌ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهَا لِفْتٌ بِكَسْرِ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَبَعْدَهَا تَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقُ وَذَكَرَ الْقَاضِي وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا مَا ذَكَرْتُهُ وَالثَّانِي فَتْحُ اللَّامِ مَعَ إِسْكَانِ الْفَاءِ وَالثَّالِثُ فَتْحُ اللَّامِ وَالْفَاءِ جَمِيعًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خِطَامُ نَاقَتِهِ لِيفٌ خُلْبَةٌ) رُوِيَ بِتَنْوِينِ لِيفٍ وَرُوِيَ بِإِضَافَتِهِ إِلَى خُلْبَةٍ فَمَنْ نَوَّنَ جَعَلَ خُلْبَةً بَدَلًا أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ قَوْلُهُ (عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَذَكَرُوا الدَّجَّالَ فَقَالَ إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ قَالَ فَقَالَ بن عَبَّاسٍ لَمْ أَسْمَعْهُ قَالَ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ قَالَ أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ) كَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ فَقَالَ إِنَّهُ مَكْتُوبٌ أَيْ قَالَ قَائِلٌ مِنَ الْحَاضِرِينَ وَوَقَعَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ لِعَبْدِ الْحَقِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَذَكَرُوا الدَّجَّالَ فَقَالُوا إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ هَكَذَا رَوَاهُ فَقَالُوا وَفِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ عَنِ الصَّحِيحَيْنِ وَذَكَرُوا الدَّجَّالَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ فَحَذَفَ لَفْظَةَ قَالَ وَقَالُوا وَهَذَا كُلُّهُ يُصَحِّحُ مَا تَقَدَّمَ

وقوله فقال بن عَبَّاسٍ لَمْ أَسْمَعْهُ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ إِذَا انْحَدَرَ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ كُلِّهَا إِذَا بِالْأَلِفِ بَعْدَ الذَّالِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ أَنْكَرَ إِثْبَاتَ الْأَلِفِ وَغَلَّطَ رَاوِيهِ وَغَلَّطَهُ الْقَاضِي وَقَالَ هَذَا جَهْلٌ مِنْ هَذَا الْقَائِلِ وَتَعَسُّفٌ وَجَسَارَةٌ عَلَى التَّوَهُّمِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَعَدَمِ فَهْمٍ بِمَعَانِي الْكَلَامِ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ إِذَا وَإِذْ هُنَا لِأَنَّهُ وَصْفُ حَالِهِ حِينَ انْحِدَارِهِ فِيمَا مَضَى [167] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ) هُوَ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هُوَ الرَّجُلُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فِي كَثْرَةِ اللَّحْمِ وَقِلَّتِهِ قَالَ الْقَاضِي لَكِنْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ مِنْ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مُضْطَرِبٌ وَهُوَ الطَّوِيلُ غَيْرُ الشَّدِيدِ وَهُوَ ضِدُّ جَعْدِ اللَّحْمِ مُكْتَنِزِهِ وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى أَصَحُّ يَعْنِي رِوَايَةَ ضَرْبٍ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى حَسِبْتُهُ قَالَ مُضْطَرِبٌ فَقَدْ ضُعِّفَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لِلشَّكِّ وَمُخَالَفَةِ الْأُخْرَى الَّتِي لَا شَكَّ فِيهَا وفى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى جَسِيمٌ سَبِطٌ وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى الطَّوِيلِ وَلَا يَتَأَوَّلُ جَسِيمٌ بِمَعْنَى سَمِينٍ لِأَنَّهُ ضِدُّ ضَرْبٍ وَهَذَا إِنَّمَا جَاءَ فِي صِفَةِ الدَّجَّالِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ تَضْعِيفِ رِوَايَةِ مُضْطَرِبٍ وَأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَةِ ضَرْبٍ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الضَّرْبُ هُوَ الرجل الخفيف اللحم كذا قاله بن السِّكِّيتِ فِي الْإِصْلَاحِ وَصَاحِبُ الْمُجْمَلِ وَالزُّبَيْدِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ لَا يُحْصَوْنَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَوْلُهُ (دَحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ) هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ [168] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَجِلُ الرَّأْسِ) هُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ رَجِلُ الشَّعْرِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُ تَرْجِيلِ الشَّعْرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَةِ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ يَعْنِي حَمَّامًا) أَمَّا الرَّبْعَةُ فَبِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا بَيَانُ اللُّغَاتِ فِيهِ وَبَيَانُ مَعْنَاهُ وَأَمَّا الدِّيمَاسُ فَبِكَسْرِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَالسِّينِ فِي آخِرِهِ مُهْمَلَةٌ وَفَسَّرَهُ الرَّاوِي بِالْحَمَّامِ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ أن الديماس هوالسرب وَهُوَ أَيْضًا الْكِنُّ قَالَ الْهَرَوِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ بَعْضُهُمْ الدِّيمَاسُ هُنَا هُوَ الْكِنُّ أَيْ كَأَنَّهُ مُخَدَّرٌ لَمْ يَرَ شَمْسًا قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ بِهِ السِّرْبُ وَمِنْهُ دَمَسْتُهُ اذا دفتنه وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ يَعْنِي فِي نَضَارَتِهِ وَكَثْرَةِ مَاءِ وَجْهِهِ كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ كِنٍّ لِأَنَّهُ قَالَ فِي وَصْفِهِ كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ مَاءً وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ فِيهِ فَقَالَ الدِّيمَاسُ قِيلَ هُوَ السِّرْبُ وَقِيلَ الْكِنُّ وقيل الحمام هذا ما يتعلق الديماس وَأَمَّا الْحَمَّامُ فَمَعْرُوفٌ وَهُوَ مُذَكَّرٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللغة وقد نقل الازهرى فِي تَهْذِيبِ اللُّغَةِ تَذْكِيرَهُ عَنِ الْعَرَبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا وَصْفُ عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّهُ أَحْمَرُ وَوَصَفَهُ فى رواية بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَعْدَهَا بِأَنَّهُ آدَمُ والآدم الاسمر وقد روى

البخارى عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ أَنْكَرَ رِوَايَةَ أَحْمَرَ وَحَلَفَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْهُ يَعْنِي وَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَى الرَّاوِي فَيَجُوزُ أَنْ يُتَأَوَّلَ الْأَحْمَرُ عَلَى الْآدَمِ وَلَا يَكُونُ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْأُدْمَةِ وَالْحُمْرَةِ بَلْ مَا قَارَبَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ [169] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَرَانِي لَيْلَةً عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَرَأَيْتُ رَجُلًا آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَمِ قَدْ رَجَّلَهَا فَهِيَ تَقْطُرُ مَاءً مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا فَقِيلَ هذا المسيح بن مَرْيَمَ ثُمَّ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطِطٍ أَعْوَرَ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا فَقِيلَ هَذَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ) أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَانِي فَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَأَمَّا الْكَعْبَةُ فَسُمِّيَتْ كَعْبَةٌ لِارْتِفَاعِهَا وَتَرَبُّعِهَا وَكُلُّ بَيْتٍ مُرَبَّعٍ عِنْدَ الْعَرَبِ فَهُوَ كَعْبَةٌ وَقِيلَ سُمِّيَتْ كَعْبَةً لِاسْتِدَارَتِهَا وَعُلُوِّهَا وَمِنْهُ كَعْبُ الرَّجُلِ وَمِنْهُ كَعَبَ ثَدْيُ الْمَرْأَةِ إِذَا عَلَا وَاسْتَدَارَ وَأَمَّا اللِّمَّةُ فَهِيَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَجَمْعُهَا لِمَمٌ كَقِرْبَةٍ وَقِرَبٍ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيُجْمَعُ عَلَى لِمَامٍ يَعْنِي بِكَسْرِ اللَّامِ وَهُوَ الشَّعْرُ الْمُتَدَلِّي الَّذِي جَاوَزَ شَحْمَةَ الْأُذُنَيْنِ فَإِذَا بَلَغَ الْمَنْكِبَيْنِ فَهُوَ جُمَّةٌ وَأَمَّا رَجَّلَهَا فَهُوَ بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ وَمَعْنَاهُ سَرَّحَهَا بِمُشْطٍ مَعَ مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْطُرُ مَاءً فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَيْ يَقْطُرُ بِالْمَاءِ الَّذِي رَجَّلَهَا بِهِ لِقُرْبِ تَرْجِيلِهِ

وَإِلَى هَذَا نَحَا الْقَاضِي الْبَاجِيُّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَمَعْنَاهُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِبَارَةً عَنْ نَضَارَتِهِ وَحُسْنِهِ وَاسْتِعَارَةً لِجَمَالِهِ وَأَمَّا الْعَوَاتِقُ فَجَمْعُ عَاتِقٍ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالْعُنُقِ وَفِيهِ لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ وَالتَّذْكِيرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَيُجْمَعُ الْعَاتِقُ عَلَى عَوَاتِقَ كَمَا ذَكَرْنَا وَعَلَى عُتُقٍ وَعُتْقٍ بِإِسْكَانِ التَّاءِ وَضَمِّهَا وَأَمَّا طَوَافُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ رُؤْيَا عَيْنٍ فَعِيسَى حَيٌّ لَمْ يَمُتْ يَعْنِي فَلَا امْتِنَاعَ فِي طَوَافِهِ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ مَنَامًا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي رِوَايَتِهِ فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَلِتَأْوِيلِ الرُّؤْيَا قَالَ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا ذُكِرَ مِنْ طَوَافِ الدَّجَّالِ بِالْبَيْتِ وَأَنَّ ذَلِكَ رُؤْيَا إِذْ قَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ وَلَا الْمَدِينَةَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ طَوَافَ الدَّجَّالِ وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ تَحْرِيمَ دُخُولِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ فِي زَمَنِ فِتْنَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْمَسِيحُ فَهُوَ صِفَةٌ لِعِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِفَةٌ لِلدَّجَّالِ فَأَمَّا عِيسَى فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهِ مَسِيحًا قَالَ الْوَاحِدِيُّ ذَهَبَ أَبُو عُبَيْدٍ وَاللَّيْثُ إِلَى أَنَّ أَصْلَهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَشِيحَا فَعَرَّبَتْهُ الْعَرَبُ وَغَيَّرَتْ لَفْظَهُ كَمَا قَالُوا مُوسَى وَأَصْلُهُ مُوشَى أَوْ مِيشَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ فَلَمَّا عَرَّبُوهُ غَيَّرُوهُ فَعَلَى هَذَا لَا اشْتِقَاقَ لَهُ قَالَ وَذَهَبَ أكثر العلماء إلى أنه مُشْتَقٍّ وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ إِنَّهُ مُشْتَقٌّ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَحُكِيَ عَنِ بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ لِأَنَّهُ لم يمسح ذا عاهة الا بريء وقال ابراهيم وبن الْأَعْرَابِيِّ الْمَسِيحُ الصِّدِّيقُ وَقِيلَ لِكَوْنِهِ مَمْسُوحُ أَسْفَلِ الْقَدَمَيْنِ لَا أَخْمَصَ لَهُ وَقِيلَ لِمَسْحِ زَكَرِيَّا إِيَّاهُ وَقِيلَ لِمَسْحِهِ الْأَرْضَ أَيْ قَطْعِهَا وَقِيلَ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَمْسُوحًا بِالدُّهْنِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ مُسِحَ بِالْبَرَكَةِ حِينَ وُلِدَ وَقِيلَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَسَحَهُ أَيْ خَلَقَهُ خَلْقًا حَسَنًا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الدَّجَّالُ فَقِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ أَعْوَرُ وَالْأَعْوَرُ يُسَمَّى مَسِيحًا وَقِيلَ لِمَسْحِهِ الْأَرْضَ حِينَ خُرُوجِهِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي وَلَا خِلَافَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الرُّوَاةِ فِي اسْمِ عِيسَى أَنَّهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ السِّينِ مُخَفَّفَةً وَاخْتُلِفَ فِي الدَّجَّالِ فَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُهُ مِثْلَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ وَلَكِنَّ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسِيحُ هُدًى وَالدَّجَّالُ مَسِيحُ ضَلَالَةٍ وَرَوَاهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ مِسِّيحٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالسِّينِ الْمُشَدَّدَةِ وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَقَالَهُ بَعْضُهُمْ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا تَسْمِيَةُ الدَّجَّالِ فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي شَرْحِ الْمُقَدِّمَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فِي صِفَةِ الدَّجَّالِ جَعْدٌ قَطَطٌ فَهُوَ بِفَتْحِ القاف والطاء هذا هوالمشهور قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رُوِّينَاهُ بِفَتْحِ الطَّاءِ الْأُولَى وَبِكَسْرِهَا قَالَ وَهُوَ شَدِيدُ الْجُعُودَةِ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ الْجَعْدُ فِي صِفَاتِ الرِّجَالِ يَكُونُ مَدْحًا وَيَكُونُ ذَمًّا فَإِذَا كَانَ ذَمًّا فَلَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا الْقَصِيرُ الْمُتَرَدِّدُ وَالْآخَرُ الْبَخِيلُ يُقَالُ رَجُلٌ جَعْدُ الْيَدَيْنِ وَجَعْدُ الْأَصَابِعِ أَيْ بَخِيلٌ وَإِذَا كَانَ مَدْحًا فَلَهُ أَيْضًا مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ شَدِيدُ الْخُلُقِ وَالْآخَرُ يَكُونُ شَعْرُهُ جَعْدًا غَيْرَ سَبِطٍ فَيَكُونُ مَدْحًا لِأَنَّ السُّبُوطَةَ أَكْثَرُهَا فِي شُعُورِ الْعَجَمِ قَالَ الْقَاضِي قَالَ غَيْرُ الْهَرَوِيِّ الْجَعْدُ فِي صِفَةِ الدَّجَّالِ ذَمٌّ وَفِي صِفَةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَدْحٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ فَرُوِيَ بِالْهَمْزِ وبغير همز فمن همز معناه ذهب ضوؤها وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْ مَعْنَاهُ نَاتِئَةٌ بَارِزَةٌ ثُمَّ إِنَّهُ جَاءَ هُنَا أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى وَقَدْ ذَكَرَهُمَا جَمِيعًا مُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْكِتَابِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ رُوِّينَا هَذَا الْحَرْفَ عَنْ أَكْثَرِ شُيُوخِنَا بِغَيْرِ هَمْزٍ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ أَكْثَرُهُمْ قَالَ وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَخْفَشُ وَمَعْنَاهُ نَاتِئَةٌ كَنُتُوءِ حَبَّةِ الْعِنَبِ مِنْ بَيْنِ صَوَاحِبِهَا قَالَ وَضَبَطَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِالْهَمْزِ وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِهِ وَقَدْ وُصِفَ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ جَحْرَاءَ وَلَا نَاتِئَةً بَلْ مَطْمُوسَةً وَهَذِهِ صِفَةُ حَبَّةِ الْعِنَبِ إِذَا سَالَ مَاؤُهَا وَهَذَا يُصَحِّحُ رِوَايَةَ الْهَمْزِ وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ جَاحِظُ الْعَيْنِ وَكَأَنَّهَا كَوْكَبٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهَا حَدَقَةٌ جَاحِظَةٌ كَأَنَّهَا نُخَاعَةٌ فِي حَائِطٍ فَتُصَحِّحُ رِوَايَةَ تَرْكِ الْهَمْزَةِ وَلَكِنْ يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَتُصَحَّحُ الرِّوَايَاتُ جَمِيعًا بِأَنْ تكون الْمَطْمُوسَةُ وَالْمَمْسُوحَةُ وَالَّتِي لَيْسَتْ بِجَحْرَاءَ وَلَا نَاتِئَةً هِيَ الْعَوْرَاءَ الطَّافِئَةَ بِالْهَمْزِ وَهِيَ الْعَيْنُ الْيُمْنَى كَمَا جَاءَ هُنَا وَتَكُونُ الْجَاحِظَةُ وَالَّتِي كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ وَكَأَنَّهَا نُخَاعَةٌ هِيَ الطَّافِيَةَ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَهِيَ الْعَيْنُ الْيُسْرَى كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَالرِّوَايَاتِ فِي الطَّافِيَةِ بِالْهَمْزِ وَبِتَرْكِهِ وَأَعْوَرَ الْعَيْنِ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَوْرَاءُ فَإِنَّ الْأَعْوَرَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ الْمَعِيبُ لَا سِيَّمَا مَا يَخْتَصُّ بِالْعَيْنِ وَكِلَا عَيْنَيِ الدَّجَّالِ مَعِيبَةٌ عَوْرَاءُ إِحْدَاهُمَا بِذَهَابِهَا وَالْأُخْرَى بِعَيْبِهَا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَهُوَ فِي نِهَايَةٍ مِنَ الْحُسْنِ وَاللَّهُ أعلم قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَيَّبِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدٍّ لَهُ وَهُوَ مُحَمَّدُ

بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ قَوْلُهُ (بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النَّاسِ) هُوَ بِفَتْحِ الظَّاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ أَيْ بَيْنَهُمْ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ أَلَا إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى) مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ سِمَاتِ الْحَدَثِ وَعَنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ وَأَنَّ الدَّجَّالَ مَخْلُوقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى نَاقِصُ الصُّورَةِ فَيَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَعْلَمُوا هَذَا وَتُعَلِّمُوهُ النَّاسَ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِالدَّجَّالِ مَنْ يَرَى تَخْيِيلَاتِهِ وَمَا مَعَهُ مِنَ الْفِتْنَةِ وَأَمَّا أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى فَهُوَ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ مِنَ الْكُوفِيِّينَ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنَ الْإِضَافَةِ وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ يُقَدَّرُ فِيهِ مَحْذُوفٌ كَمَا يُقَدَّرُ فِي نَظَائِرِهِ فَالتَّقْدِيرُ أَعْوَرُ عَيْنِ صَفْحَةِ وَجْهِهِ الْيُمْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ بِابْنِ قَطَنٍ) ضَبَطْنَاهُ

رأيت بضم التاء وفتحها وهما ظاهران وقطن هَذَا بِفَتْحِ الْقَافِ وَالطَّاءِ [170] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَجَلَا اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ) رَوَى فَجَلَا بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِهَا وَهُمَا ظَاهِرَانِ وَمَعْنَاهُ كَشَفَ وَأَظْهَرَ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ لُغَاتِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاشْتِقَاقِهِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ وَآيَاتُهُ عَلَامَاتُهُ [171] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً أَوْ يُهْرَاقُ) أَمَّا يَنْطِفُ فَمَعْنَاهُ يَقْطُرُ وَيَسِيلُ يُقَالُ نَطَفَ بِفَتْحِ الطَّاءِ يَنْطِفُ بِضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَأَمَّا يُهْرَاقُ فَبِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَمَعْنَاهُ يَنْصَبُّ [172] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى) هُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ ثُمَّ نُونٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ) هُوَ بِضَمِّ الْكَافَيْنِ وَالضَّمِيرُ فِي مِثْلِهِ يَعُودُ عَلَى مَعْنَى الْكُرْبَةِ وَهُوَ الْكَرْبُ أَوِ الْغَمُّ أَوِ الْهَمُّ أَوِ الشَّيْءُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْكُرْبَةُ بِالضَّمِّ الْغَمُّ الَّذِي يَأْخُذُ بِالنَّفْسِ وَكَذَلِكَ الْكَرْبُ وَكَرَبَهُ الْغَمُّ إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَإِذَا مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي وَإِذَا عِيسَى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَائِمٌ يُصَلِّي وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَائِمٌ يُصَلِّي فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ فِي صَلَاتِهِمْ عِنْدَ ذِكْرِ طَوَافِ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ قَالَ وَقَدْ تَكُونُ الصَّلَاةُ هُنَا بِمَعْنَى الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَهِيَ مِنْ أَعْمَالِ الْآخِرَةِ قَالَ الْقَاضِي فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ رَأَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامَ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ وَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَنْبِيَاءِ بِبَيْتِ المقدس ووجدهم على مراتبهم فى السماوات وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَرَحَّبُوا بِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ رُؤْيَتُهُ مُوسَى فِي قَبْرِهِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ كَانَتْ قَبْلَ صُعُودِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَاءِ وَفِي طَرِيقِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ وَجَدَ مُوسَى قَدْ سَبَقَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَصَلَّى بِهِمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لِأَوَّلِ مَا رَآهُمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ وَرَحَّبُوا بِهِ أَوْ يَكُونَ اجْتِمَاعُهُ بِهِمْ وَصَلَاتُهُ وَرُؤْيَتُهُ مُوسَى بَعْدَ انْصِرَافِهِ وَرُجُوعِهِ عَنْ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ

[173] قَوْلُهُ (عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ مُرَّةَ) أَمَّا مِغْوَلٌ فَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الواو وطلحة هو بن مُصَرِّفٍ وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ أَعْنِي الزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَمُرَّةَ تَابِعِيُّونَ كُوفِيُّونَ قَوْلُهُ (انْتَهَى بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ) كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ السَّادِسَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الرِّوَايَاتِ الْأُخَرِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهَا فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ قَالَ الْقَاضِي كَوْنُهَا فِي السَّابِعَةِ هُوَ الْأَصَحُّ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَعْنَى وَتَسْمِيَتُهَا بِالْمُنْتَهَى قُلْتُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ أَصْلُهَا فِي السَّادِسَةِ وَمُعْظَمُهَا فِي السَّابِعَةِ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهَا فِي نِهَايَةٍ مِنَ الْعِظَمِ وَقَدْ قَالَ الْخَلِيلُ رَحِمَهُ اللَّهُ هِيَ سدرة في السماء السابعة قد أظلت السماوات وَالْجَنَّةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا حَكَيْنَاهُ عَنِ الْقَاضِي عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ إِنَّ مُقْتَضَى خُرُوجِ النَّهْرَيْنِ الظَّاهِرَيْنِ النِّيلِ وَالْفُرَاتِ مِنْ أَصْلِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى أَنْ يَكُونَ أَصْلُهَا فِي

الْأَرْضِ فَإِنْ سُلِّمَ لَهُ هَذَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا الْمُقْحِمَاتُ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَمَعْنَاهُ الذُّنُوبُ الْعِظَامُ الْكَبَائِرُ الَّتِي تُهْلِكُ أَصْحَابَهَا وَتُورِدُهُمُ النَّارَ وَتُقْحِمُهُمْ إِيَّاهَا وَالتَّقَحُّمُ الْوُقُوعُ فِي الْمَهَالِكِ وَمَعْنَى الْكَلَامِ مَنْ مَاتَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ غَيْرَ مُشْرِكٍ بِاللَّهِ غُفِرَ لَهُ الْمُقْحِمَاتُ وَالْمُرَادُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِغُفْرَانِهَا أَنَّهُ لَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُعَذَّبُ أَصْلًا فَقَدْ تَقَرَّرَتْ نُصُوصُ الشَّرْعِ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى إِثْبَاتِ عَذَابِ بَعْضِ الْعُصَاةِ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذَا خُصُوصًا مِنَ الْأُمَّةِ أَيْ يُغْفَرُ لِبَعْضِ الْأُمَّةِ الْمُقْحِمَاتُ وَهَذَا يَظْهَرُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ لَفْظَةَ مِنْ لَا تَقْتَضِي الْعُمُومَ مُطْلَقًا وَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ لَا تَقْتَضِيهِ فِي الْإِخْبَارِ وَإِنِ اقْتَضَتْهُ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ وَهُوَ كَوْنُهَا لِلْعُمُومِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قَدْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى إِرَادَةِ الْخُصُوصِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ النصوص والاجماع والله أعلم

باب معنى قول الله عز وجل ولقد رآه نزلة أخرى

(باب معنى قول الله عز وجل ولقد رآه نزلة أخرى) وهل رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ لَيْلَةَ الاسراء قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ هَلْ رَأَى نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فَأَنْكَرَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَمَا وَقَعَ هُنَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَجَاءَ مِثْلُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَمَاعَةٍ وهو المشهور عن بن مَسْعُودٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وروى عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ رَآهُ بِعَيْنِهِ وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَكَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَانَ يَحْلِفُ عَلَى ذلك وحكى مثله عن بن مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَحَكَى أَصْحَابُ الْمَقَالَاتِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ رَآهُ وَوَقَفَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِي هَذَا وَقَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ وَلَكِنَّهُ جَائِزٌ وَرُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا جَائِزَةٌ وَسُؤَالُ مُوسَى إِيَّاهَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهَا إِذْ لَا يَجْهَلُ نَبِيٌّ مَا يَجُوزُ أَوْ يَمْتَنِعُ عَلَى رَبِّهِ وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي رُؤْيَةِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ وَفِي مُقْتَضَى الْآيَةِ وَرُؤْيَةِ الْجَبَلِ فَفِي جَوَابِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَلَّمَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ أَمْ لَا فَحُكِيَ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَقَوْمٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ كَلَّمَهُ وَعَزَا بَعْضُهُمْ هَذَا إِلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وبن مسعود وبن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي قوله تعالى ثم دنا فتدلى فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا الدُّنُوَّ وَالتَّدَلِّي مُنْقَسِمٌ مَا بَيْنَ جِبْرِيلَ وَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مُخْتَصٌّ بِأَحَدِهِمَا مِنَ الْآخَرِ وَمِنَ السدرة المنتهى وذكر عن بن عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ دُنُوٌّ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ الدُّنُوُّ وَالتَّدَلِّي مُتَأَوَّلًا لَيْسَ عَلَى وَجْهِهِ بَلْ كَمَا قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّنُوُّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا حَدَّ لَهُ وَمِنَ الْعِبَادِ بِالْحُدُودِ فَيَكُونُ مَعْنَى دُنُوِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقُرْبِهِ مِنْهُ ظُهُورُ عَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ لَدَيْهِ وَإِشْرَاقُ أَنْوَارِ مَعْرِفَتِهِ عَلَيْهِ وَإِطْلَاعُهُ مِنْ غَيْبِهِ وَأَسْرَارِ مَلَكُوتِهِ عَلَى مَا لَمْ يُطْلِعْ سِوَاهُ عَلَيْهِ وَالدُّنُوُّ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَهُ إِظْهَارُ ذَلِكَ لَهُ وَعَظِيمُ بِرِّهِ

(هذا مما لا ينبغي أن يتشكك فيه ثم إن عائشة رضي

وَفَضْلِهِ الْعَظِيمِ لَدَيْهِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى قَابَ قوسين أو أدنى عَلَى هَذَا عِبَارَةً عَنْ لُطْفِ الْمَحَلِّ وَإِيضَاحِ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِشْرَافِ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنَ اللَّهِ إِجَابَةَ الرَّغْبَةِ وَإِبَانَةَ الْمَنْزِلَةِ وَيُتَأَوَّلُ فِي ذَلِكَ مَا يُتَأَوَّلُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تقربت منه ذراعا الحديث هذا آخر كَلَامُ الْقَاضِي وَأَمَّا صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فَإِنَّهُ اخْتَارَ إِثْبَاتَ الرُّؤْيَةِ قَالَ وَالْحُجَجُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وان كانت كثيرة ولكنا لَا نَتَمَسَّكُ إِلَّا بِالْأَقْوَى مِنْهَا وَهُوَ حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَتَعْجَبُونَ أَنْ تَكُونَ الْخُلَّةُ لِإِبْرَاهِيمَ وَالْكَلَامُ لِمُوسَى وَالرُّؤْيَةُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وسلم وعن عكرمة سئل بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ قَالَ نَعَمْ وَقَدْ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَأَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ وَكَانَ الْحَسَنُ يَحْلِفُ لَقَدْ رَأَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ وَالْأَصْلُ في الباب حديث بن عَبَّاسٍ حَبْرِ الْأُمَّةِ وَالْمَرْجُوعِ إِلَيْهِ فِي الْمُعْضِلَاتِ وقد راجعه بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَرَاسَلَهُ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَآهُ وَلَا يَقْدَحُ فِي هَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِأَنَّ عَائِشَةَ لَمْ تُخْبِرْ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَمْ أَرَ ربى وانما ذكرت ما ذَكَرَتْ مُتَأَوِّلَةً لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ من وراء حجاب أو يرسل رسولا ولقول الله تعالى لا تدركه الأبصار وَالصَّحَابِيُّ إِذَا قَالَ قَوْلًا وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ حُجَّةً وَإِذَا صَحَّتِ الرِّوَايَاتُ عن بن عَبَّاسٍ فِي إِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَى إِثْبَاتِهَا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ وَيُؤْخَذُ بِالظَّنِّ وَإِنَّمَا يُتَلَقَّى بِالسَّمَاعِ وَلَا يَسْتَجِيزُ أَحَدٌ أَنْ يَظُنَّ بِابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالظَّنِّ وَالِاجْتِهَادِ وَقَدْ قَالَ مَعْمَرُ بن راشد حين ذكر اختلاف عائشة وبن عباس ما عائشة عندنا بأعلم من بن عباس ثم ان بن عباس أثبت شيئا نفاه غيره وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لِحَدِيثِ بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ وَإِثْبَاتُ هَذَا لَا يَأْخُذُونَهُ إِلَّا بِالسَّمَاعِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَشَكَّكَ فِيهِ ثُمَّ إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمْ تَنْفِ الرُّؤْيَةَ بِحَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ مَعَهَا فِيهِ حَدِيثٌ لَذَكَرَتْهُ وَإِنَّمَا اعْتَمَدَتِ الِاسْتِنْبَاطَ مِنَ الْآيَاتِ وَسَنُوَضِّحُ الْجَوَابَ عَنْهَا فَأَمَّا احْتِجَاجُ عَائِشَةَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُدْرِكُهُ الأبصار فَجَوَابُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْإِدْرَاكَ هُوَ الْإِحَاطَةُ وَاللَّهُ)

تَعَالَى لَا يُحَاطُ بِهِ وَإِذَا وَرَدَ النَّصُّ بِنَفْيِ الْإِحَاطَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الرُّؤْيَةِ بِغَيْرِ إِحَاطَةٍ وَأُجِيبَ عَنِ الْآيَةِ بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى لَا حَاجَةَ إِلَيْهَا مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُ فِي نِهَايَةٍ مِنَ الْحُسْنِ مَعَ اخْتِصَارِهِ وَأَمَّا احْتِجَاجُهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وحيا الْآيَةِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الرُّؤْيَةِ وُجُودُ الْكَلَامِ حَالَ الرُّؤْيَةِ فَيَجُوزُ وُجُودُ الرُّؤْيَةِ مِنْ غَيْرِ كَلَامٍ الثَّانِي أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَدِلَّةِ الثَّالِثُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَحْيِ الْكَلَامُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَحْيِ هُنَا الْإِلْهَامُ وَالرُّؤْيَةُ فِي الْمَنَامِ وَكِلَاهُمَا يُسَمَّى وَحْيًا وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فَقَالَ الْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ غَيْرُ مُجَاهِرٍ لَهُمْ بِالْكَلَامِ بَلْ يَسْمَعُونَ كَلَامَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ هُنَاكَ حِجَابًا يَفْصِلُ مَوْضِعًا مِنْ مَوْضِعٍ وَيَدُلُّ عَلَى تَحْدِيدِ الْمَحْجُوبِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا يُسْمَعُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ حَيْثُ لَمْ يُرَ الْمُتَكَلِّمُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [174] قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَاسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ قَوْلُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ وغياث بالغين المعجمة والشيبانى هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ وَاسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ فَيْرُوزَ وقيل بن خاقان وقيل بن عَمْرٍو وَهُوَ تَابِعِيٌّ وَأَمَّا زِرٌّ فَبِكَسْرِ الزَّايِ وَحُبَيْشٌ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرَهُ الشِّينُ الْمُعْجَمَةُ وَهُوَ مِنَ الْمُعَمَّرِينَ زَادَ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةٍ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ ما رأى قَالَ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةُ جَنَاحٍ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هو مذهبه في هذه الْآيَةِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ بِفُؤَادِهِ دُونَ عَيْنَيْهِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ رَآهُ بِعَيْنَيْهِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْوَاحِدِيُّ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ قال بن عَبَّاسٍ وَأَبُو ذَرٍّ وَإِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ رَآهُ بِقَلْبِهِ قَالَ وَعَلَى هَذَا رَأَى بِقَلْبِهِ رَبَّهُ رُؤْيَةً صَحِيحَةً وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ بَصَرَهُ فِي فُؤَادِهِ أَوْ خَلَقَ لِفُؤَادِهِ بَصَرًا حَتَّى رَأَى رَبَّهُ رُؤْيَةً صَحِيحَةً كَمَا يَرَى بِالْعَيْنِ قَالَ وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّهُ رَآهُ بِعَيْنِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَنَسٍ وَعِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالرَّبِيعِ قَالَ الْمُبَرِّدُ وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ الفؤاد رأى شيئا فصدق فيه

وما رَأَى فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ أَيْ مَا كَذَبَ الفؤاد مرئيه وقرأ بن عَامِرٍ مَا كَذَّبَ بِالتَّشْدِيدِ قَالَ الْمُبَرِّدُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ رَأَى شَيْئًا فَقَبِلَهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُبَرِّدُ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَةَ لِلْفُؤَادِ فَإِنْ جَعَلْتَهَا لِلْبَصَرِ فَظَاهِرٌ أَيْ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَآهُ الْبَصَرُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْوَاحِدِيِّ قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَقَدْ رَأَى من آيات ربه الكبرى قَالَ رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ قَوْلُ كَثِيرِينَ مِنَ السَّلَفِ وهو مروى عن بن عباس رضى الله عنهما وبن زَيْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ وَقَالَ الضَّحَّاكُ الْمُرَادُ أَنَّهُ رَأَى سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى وَقِيلَ رَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ وَفِي الْكُبْرَى قَوْلَانِ للسلف منهم من يقول هو نَعْتٌ لِلْآيَاتِ وَيَجُوزُ نَعْتُ الْجَمَاعَةِ بِنَعْتِ الْوَاحِدَةِ كقوله تعالى مآرب أخرى وَقِيلَ هُوَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ رَأَى مِنْ آيات ربه الآية الكبرى [175] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أخرى قَالَ رَأَى جِبْرِيلَ) وَهَكَذَا قَالَهُ أَيْضًا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الْمُرَادُ رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ تعالى عليها وقال بن عَبَّاسٍ رَأَى رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَلَى هَذَا معنى نزلة أخرى يَعُودُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ كَانَتْ لَهُ عَرَجَاتٌ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ لِاسْتِحْطَاطِ عَدَدِ الصَّلَوَاتِ فَكُلُّ عَرْجَةٍ نَزْلَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَبِي جَهْمَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنِ بن عباس رضى الله عنهما مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى وَلَقَدْ رَآهُ نزلة أخرى قَالَ رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ بن عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَرَّتَيْنِ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَقَدْ قَدَّمْنَا اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي الْمُرَادِ بِالْآيَتَيْنِ وَأَنَّ الرُّؤْيَةَ

عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَهَا بِالْفُؤَادِ أَمْ بِالْعَيْنِ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ تَابِعِيُّونَ الْأَعْمَشُ وَزِيَادٌ وَأَبُو الْعَالِيَةِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَاسْمُ الْأَعْمَشِ سُلَيْمَانُ بن مهران تقدم بيانه مرات وجهمة بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَاسْمُ أَبِي الْعَالِيَةِ رُفَيْعٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ) هِيَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهِيَ الْكَذِبُ يُقَالُ فَرِيَ الشَّيْءَ يَفْرِيهُ فَرْيًا وَافْتَرَاهُ يَفْتَرِيهِ افْتِرَاءً إِذَا اخْتَلَقَهُ وَجَمْعُ الْفِرْيَةِ فِرًى قَوْلُهُ (أَنْظِرِينِي) أَيْ أَمْهِلِينِي قَوْلُهُ (عَنْ مَسْرُوقٍ أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ تَعَالَى وَلَقَدْ رآه بالافق المبين وَقَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لَا تُدْرِكُهُ الابصار أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ما كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا ثُمَّ قَالَتْ عَائِشَةُ أَيْضًا (وَاللَّهُ تَعَالَى

يقول يا أيها الرسول بلغ ثُمَّ قَالَتْ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا الله هَذَا كُلُّهُ تَصْرِيحٌ مِنْ عَائِشَةَ وَمَسْرُوقٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِجَوَازِ قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ بِآيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشخير التابعى المشهور فروى بن أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادِهِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا تَقُولُوا إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ وَلَكِنْ قُولُوا إِنَّ اللَّهَ قَالَ وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ مُطَرِّفٌ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافَ مَا فَعَلَتْهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ كَمَا اسْتَعْمَلَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَمَنْ فِي عَصْرِهَا وَبَعْدَهَا مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَلَيْسَ لِمَنْ أَنْكَرَهُ حُجَّةٌ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ مِنَ النُّصُوصِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهَا (أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ مَا كَانَ لِبَشَرٍ فَهَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ مَا كَانَ بِحَذْفِ الْوَاوِ وَالتِّلَاوَةُ وَمَا كَانَ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ وَلَكِنْ لَا يَضُرُّ هَذَا فِي الرِّوَايَةِ وَالِاسْتِدْلَالِ لِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ لَيْسَ مَقْصُودَهُ التِّلَاوَةُ عَلَى وَجْهِهَا وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُ بَيَانُ مَوْضِعِ الدَّلَالَةِ وَلَا يُؤَثِّرُ حَذْفُ الْوَاوِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَ لِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الْحَدِيثِ مِنْهَا قَوْلُهُ فَأَنْزَلَ الله تعالى أقم الصلاة طرفى النهار وقوله تعالى أقم الصلاة لذكرى هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالتِّلَاوَةُ بِالْوَاوِ فِيهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَسْرُوقٌ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ السَّمْعَانِيُّ فِي الْأَنْسَابِ سُمِّيَ مَسْرُوقًا لِأَنَّهُ سَرَقَهُ إِنْسَانٌ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ وُجِدَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَأَمَّا عِظَمُ خَلْقِهِ فَضُبِطَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الظَّاءِ وَالثَّانِي بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الظَّاءِ

وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ (سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ لَقَدْ قَفَّ شَعَرِي لِمَا قُلْتَ) أَمَّا قَوْلُهَا سُبْحَانَ اللَّهِ فَمَعْنَاهُ التَّعَجُّبُ مِنْ جَهْلِ مِثْلِ هَذَا وَكَأَنَّهَا تَقُولُ كَيْفَ يَخْفَى عَلَيْكَ مِثْلُ هَذَا وَلَفْظَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ لِإِرَادَةِ التَّعَجُّبِ كَثِيرَةٌ فِي الْحَدِيثِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِي بِهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ وَقَوْلِ الصَّحَابَةِ سُبْحَانَ الله يارسول اللَّهِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ مِنَ النَّحْوِيِّينَ أَنَّهَا مِنْ أَلْفَاظِ التَّعَجُّبِ أَبُو بَكْرِ بْنُ السَّرَّاجِ وَغَيْرُهُ وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِي التَّعَجُّبِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَفَّ شَعَرِي فَمَعْنَاهُ قَامَ شَعَرِي مِنَ الفزع لكونى سمعت مالا ينبغى أن يقال قال بن الْأَعَرَابِيِّ تَقُولُ الْعَرَبُ عِنْدَ إِنْكَارِ الشَّيْءِ قَفَّ شَعَرِي وَاقْشَعَرَّ جِلْدِي وَاشْمَأَزَّتْ نَفْسِي قَالَ النَّضْرُ بن شميل القفة كَهَيْئَةِ الْقُشَعْرِيرَةِ وَأَصْلُهُ التَّقَبُّضُ وَالِاجْتِمَاعُ لِأَنَّ الْجِلْدَ يَنْقَبِضُ عِنْدَ الْفَزَعِ وَالِاسْتِهْوَالِ فَيَقُومُ الشَّعْرُ لِذَلِكَ وبذلك سُمِّيَتِ الْقُفَّةُ الَّتِي هِيَ الزِّنْبِيلُ لِاجْتِمَاعِهَا وَلِمَا يَجْتَمِعُ فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ الله (حدثنا بن نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا عَنِ بن أَشْوَعَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ مَسْرُوقٍ) هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ كوفيون وبن نُمَيْرٍ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ اسْمُهُ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ وزكريا هو بن أَبِي زَائِدَةَ وَاسْمُ أَبِي زَائِدَةَ

خالد بن ميمون وقيل هبيرة وبن أشوع هو سعيد بْنُ عَمْرِو بْنِ أَشْوَعَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ (قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَأَيْنَ قَوْلُهُ تَعَالَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى فَقَالَتْ إِنَّمَا ذَاكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْوَاحِدِيُّ مَعْنَى التَّدَلِّي الِامْتِدَادُ إِلَى جِهَةِ السُّفْلِ هَكَذَا هُوَ الْأَصْلُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْقُرْبِ مِنَ الْعُلُوِّ هَذَا قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَقَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ هَذَا عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ لِأَنَّ الْمَعْنَى ثُمَّ تَدَلَّى فَدَنَا لِأَنَّ التدلى سبب الدنو قال بن الْأَعْرَابِيِّ تَدَلَّى إِذَا قَرُبَ بَعْدَ عُلُوٍّ قَالَ الْكَلْبِيُّ الْمَعْنَى دَنَا جِبْرِيلُ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرُبَ مِنْهُ وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ ثُمَّ دَنَا جِبْرِيلُ بَعْدَ اسْتِوَائِهِ فِي الْأُفُقِ الْأَعْلَى مِنَ الْأَرْضِ فَنَزَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فكان قاب قوسين أو أدنى فَالْقَابُ مَا بَيْنَ الْقَبْضَةِ وَالسِّيَةِ وَلِكُلِّ قَوْسٍ قَابَانِ وَالْقَابُ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا الْقَدْرُ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ عِنْدَ جَمِيعِ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُرَادُ القوس التى يرمي عنها وهى القوس العرببة وخصت بالذكر على عادتهم وذهب جماعةالى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَوْسِ الذِّرَاعُ هَذَا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَشَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ وَعَلَى هَذَا معنى القوس ما يقاس به الشئ أَيْ يُذْرَعُ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وبن عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ هَذِهِ الْمَسَافَةُ كَانَتْ بَيْنَ جِبْرِيلَ وَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَدْنَى مَعْنَاهُ أَوْ أَقْرَبُ قَالَ مُقَاتِلٌ بَلْ أَقْرَبُ وَقَالَ الزَّجَّاجُ خَاطَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْعِبَادَ عَلَى لُغَتِهِمْ وَمِقْدَارِ فهمهم والمعنى أَوْ أَدْنَى فِيمَا تُقَدِّرُونَ أَنْتُمْ وَاللَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِحَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَكِنَّهُ خَاطَبَنَا عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُنَا وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ عِظَمِ خَلْقِهِ وَكَثْرَةِ أَجْزَائِهِ دَنَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الدُّنُوُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

[178] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ فَقَالَ نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (رَأَيْتُ نُورًا) أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ فَهُوَ بِتَنْوِينِ نُورٍ وَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ فِي أنى وتشديد النون وفتحها وأراه بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ هَكَذَا رَوَاهُ جَمِيعُ الرُّوَاةِ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ وَالرِّوَايَاتِ وَمَعْنَاهُ حِجَابُهُ نُورٌ فَكَيْفَ أَرَاهُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الضَّمِيرُ فِي أَرَاهُ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمَعْنَاهُ أَنَّ النُّورَ مَنَعَنِي مِنَ الرُّؤْيَةِ كَمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِإِغْشَاءِ الْأَنْوَارِ الْأَبْصَارَ وَمَنْعِهَا مِنْ إِدْرَاكِ مَا حَالَتْ بَيْنَ الرائى وبينه وقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَأَيْتُ نُورًا) مَعْنَاهُ رَأَيْتُ النُّورَ فَحَسْبُ وَلَمْ أَرَ غَيْرَهُ قَالَ وَرُوِيَ نُورَانِيٌّ أَرَاهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ رَاجِعًا إِلَى مَا قُلْنَاهُ أَيْ خَالِقُ النُّورِ الْمَانِعُ مِنْ رُؤْيَتِهِ فَيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لم تقع الينا ولا رأيتها في شئ مِنَ الْأُصُولِ وَمَنَ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ تَكُونَ ذَاتُ اللَّهِ تَعَالَى نُورًا إِذِ النُّورُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَجْسَامِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَجِلُّ عَنْ ذَلِكَ هَذَا مَذْهَبُ جَمِيعِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ تعالى الله نور السماوات والارض وَمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ تَسْمِيَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالنُّورِ مَعْنَاهُ ذُو نُورِهِمَا وَخَالِقُهُ وَقِيلَ هادى أهل السماوات والأرض وقيل منور قلوب عباده المومنين وقيل معناه

ذُو الْبَهْجَةِ وَالضِّيَاءِ وَالْجَمَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [179] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ حِجَابُهُ النُّورُ وَفِي رِوَايَةٍ النَّارُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ) أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَنَامُ وَأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ النَّوْمُ فَإِنَّ النَّوْمَ انْغِمَارٌ وَغَلَبَةٌ عَلَى الْعَقْلِ يَسْقُطُ بِهِ الْإِحْسَاسُ وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ في حقه جل وعلا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ الْهَرَوِيُّ قال بن قُتَيْبَةَ الْقِسْطُ الْمِيزَانُ وَسُمِّيَ قِسْطًا لِأَنَّ الْقِسْطَ الْعَدْلُ وَبِالْمِيزَانِ يَقَعُ الْعَدْلُ قَالَ وَالْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْفِضُ الْمِيزَانَ وَيَرْفَعُهُ بِمَا يُوزَنُ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ الْمُرْتَفِعَةِ وَيُوزَنُ مِنْ أَرْزَاقِهِمُ النَّازِلَةِ وَهَذَا تَمْثِيلٌ لِمَا يُقَدَّرُ تَنْزِيلُهُ فَشُبِّهَ بِوَزْنِ الْمِيزَانِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْقِسْطِ الرِّزْقُ الَّذِي هُوَ قِسْطُ كُلِّ مَخْلُوقٍ يَخْفِضُهُ فَيُقَتِّرُهُ وَيَرْفَعُهُ فَيُوَسِّعُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (عَمَلُ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ وَعَمَلُ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ) فَمَعْنَى الْأَوَّلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ الَّذِي بَعْدَهُ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ الَّذِي بَعْدَهُ وَمَعْنَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ النَّهَارِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ الَّذِي بَعْدَهُ وَيُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ الَّذِي بَعْدَهُ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ الْحَفَظَةَ يَصْعَدُونَ بِأَعْمَالِ اللَّيْلِ بَعْدَ انْقِضَائِهِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَيَصْعَدُونَ بِأَعْمَالِ النَّهَارِ بَعْدَ انْقِضَائِهِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ) فَالسُّبُحَاتُ بِضَمِّ السِّينِ وَالْبَاءِ وَرَفْعِ التَّاءِ فِي آخِرِهِ وَهِيَ جَمْعُ سُبْحَةٍ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَالْهَرَوِيُّ وَجَمِيعُ الشَّارِحِينَ لِلْحَدِيثِ

مِنَ اللُّغَوِيِّينَ وَالْمُحَدِّثِينَ مَعْنَى سُبُحَاتُ وَجْهِهِ نُورُهُ وَجَلَالُهُ وَبَهَاؤُهُ وَأَمَّا الْحِجَابُ فَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ وَالسَّتْرُ وَحَقِيقَةُ الْحِجَابِ إِنَّمَا تَكُونُ لِلْأَجْسَامِ المحدودة والله تعالى مُنَزَّهٌ عَنِ الْجِسْمِ وَالْحَدِّ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَانِعُ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَانِعُ نُورًا أَوْ نَارًا لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ مِنَ الْإِدْرَاكِ فِي الْعَادَةِ لِشُعَاعِهِمَا وَالْمُرَادُ بِالْوَجْهِ الذَّاتُ وَالْمُرَادُ بِمَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ لِأَنَّ بَصَرَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَلَفْظَةُ مِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا لِلتَّبْعِيضِ وَالتَّقْدِيرُ لَوْ أَزَالَ الْمَانِعَ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَهُوَ الْحِجَابُ الْمُسَمَّى نُورًا أَوْ نَارًا وَتَجَلَّى لِخَلْقِهِ لَأَحْرَقَ جَلَالُ ذَاتِهِ جَمِيعَ مَخْلُوقَاتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى ثُمَّ قَالَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَلَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ بَصْرِيٌّ كُوفِيٌّ وَاسْمُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ أَبُو شَيْبَةَ وَاسْمُ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَارِمٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْأَعْمَشُ سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قَيْسٍ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ تَقَدَّمَ بَيَانُهُمْ وَلَكِنْ طَالَ الْعَهْدُ بِهِمْ فَأَرَدْتُ تَجْدِيدَهُ لِمَنْ لَا يَحْفَظْهُمْ وأما أبو عبيدة فهو بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ لَطِيفَتَانِ مِنْ لَطَائِفِ عِلْمِ الْإِسْنَادِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ كَمَا ذَكَرْتُهُ والثانية أن فيه ثلاثة تابعيون يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ الْأَعْمَشُ وَعَمْرٌو وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَلَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا فَهُوَ مِنَ احْتِيَاطِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَرَعِهِ وَإِتْقَانِهِ وَهُوَ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وَأَبِي

باب اثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم سبحانه

بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ فِي رِوَايَتِهِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ عِبَارَتُهُمَا فِي كَيْفِيَّةِ رِوَايَةِ شَيْخِهِمَا أَبِي مُعَاوِيَةَ بَيَّنَهَا مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فَحَصَلَ فِيهِ فَائِدَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ حَدَّثَنَا لِلِاتِّصَالِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَفِي عَنْ خِلَافٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهَا وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ مِنْ طَوَائِفِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا أَيْضًا لِلِاتِّصَالِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَائِلُهَا مُدَلِّسًا فَبَيَّنَ مُسْلِمٌ ذَلِكَ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى إِحْدَى الْعِبَارَتَيْنِ كَانَ فِيهِ خَلَلٌ فَإِنَّهُ إِنِ اقْتَصَرَ عَلَى عَنْ كَانَ مُفَوِّتًا لِقُوَّةِ حَدَّثَنَا وَرَاوِيًا بِالْمَعْنَى وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى حَدَّثَنَا كَانَ زَائِدًا فِي رِوَايَةِ أَحَدِهِمَا رَاوِيًا بِالْمَعْنَى وَكُلُّ هَذَا مِمَّا يُجْتَنَبُ وَاللَّهُ أعلم بالصواب (باب اثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم سبحانه وتعالى) اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِأَجْمَعِهِمْ أَنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُمْكِنَةٌ غَيْرُ مُسْتَحِيلَةٍ عَقْلًا وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى وُقُوعِهَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى دُونَ الْكَافِرِينَ وَزَعَمَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ وَبَعْضُ الْمُرْجِئَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ وَأَنَّ رُؤْيَتَهُ مُسْتَحِيلَةٌ عَقْلًا وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَجَهْلٌ قَبِيحٌ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ عَلَى إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنَيْنِ وَرَوَاهَا نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ صَحَابِيًّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآيَاتُ الْقُرْآنِ فِيهَا مَشْهُورَةٌ وَاعْتِرَاضَاتُ الْمُبْتَدِعَةِ عَلَيْهَا لَهَا أَجْوِبَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَكَذَلِكَ بَاقِي شُبَهِهِمْ وَهِيَ مُسْتَقْصَاةٌ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ وَلَيْسَ بِنَا ضَرُورَةٌ إِلَى ذِكْرِهَا هُنَا وَأَمَّا رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهَا مُمْكِنَةٌ وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهَا لَا تَقَعُ فِي الدُّنْيَا وَحَكَمَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ عَنِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ فُورَكَ أَنَّهُ حَكَى فِيهَا قَوْلَيْنِ لِلْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَحَدُهُمَا وُقُوعُهَا وَالثَّانِي لَا تَقَعُ ثُمَّ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الرُّؤْيَةَ

قُوَّةٌ يَجْعَلُهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا اتِّصَالُ الْأَشِعَّةِ وَلَا مُقَابَلَةُ الْمَرْئِيِّ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ لَكِنْ جَرَتِ الْعَادَةُ فِي رُؤْيَةِ بَعْضِنَا بَعْضًا بِوُجُودِ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الِاتِّفَاقِ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاطِ وَقَدْ قَرَّرَ أَئِمَّتُنَا الْمُتَكَلِّمُونَ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ الْجَلِيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِثْبَاتُ جِهَةٍ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ بَلْ يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ لَا فِي جِهَةٍ كَمَا يَعْلَمُونَهُ لَا فِي جِهَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ (الْجَهْضَمِيُّ وَأَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ) أَمَّا الْجَهْضَمِيُّ فَبِفَتْحِ الْجِيمِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ بَيْنَهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْمُقَدِّمَةِ وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ بَيَانُ أَبِي غَسَّانَ وَأَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ وَتَرْكُ صَرْفِهِ وَأَنَّ اسْمَهُ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ وَأَنَّ الْمِسْمَعِيَّ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى مِسْمَعِ بْنِ رَبِيعَةَ جَدِّ الْقَبِيلَةِ وَهَذَا كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ إِلَّا أَنِّي أُعِيدُهُ لِطُولِ الْعَهْدِ بِمَوْضِعِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ) هُوَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَاسْمُ أَبِي بَكْرٍ عَمْرٌو وَقِيلَ عَامِرٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَاطِبُ الْعَرَبَ بِمَا يَفْهَمُونَهُ وَيُقَرِّبُ الْكَلَامَ إِلَى أَفْهَامِهِمْ وَيَسْتَعْمِلُ الِاسْتِعَارَةَ وَغَيْرَهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ لِيُقَرِّبَ مُتَنَاوَلَهَا فَعَبَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ زَوَالِ الْمَانِعِ وَرَفْعِهِ عَنِ الْأَبْصَارِ بِإِزَالَةِ الرِّدَاءِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي جَنَّةِ عَدْنٍ) أَيِ النَّاظِرُونَ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ فَهِيَ ظَرْفٌ لِلنَّاظِرِ [181] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ صُهَيْبٍ عَنِ

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ الْحَدِيثَ) هَذَا الْحَدِيثُ هكذا رواه الترمذى والنسائى وبن مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عن ثابت عن بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ صُهَيْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَمْ يَرْوِهِ هَكَذَا مَرْفُوعًا عَنْ ثَابِتٍ غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَحَمَّادُ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنِ بن أَبِي لَيْلَى مِنْ قَوْلِهِ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا ذِكْرُ صُهَيْبٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ لَيْسَ بِقَادِحٍ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ فَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَأَصْحَابُ الْأُصُولِ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَصَحَّحَهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ أَنَّ الْحَدِيثَ إِذَا رَوَاهُ بَعْضُ الثِّقَاتِ مُتَّصِلًا وَبَعْضُهُمْ مُرْسَلًا أَوْ بَعْضُهُمْ مَرْفُوعًا وَبَعْضُهُمْ مَوْقُوفًا حُكِمَ بِالْمُتَّصِلِ وَبِالْمَرْفُوعِ لِأَنَّهُمَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ مِنْ كُلِّ الطَّوَائِفِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [182] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ) وفى الرواية

الْأُخْرَى هَلْ تُضَامُونَ وَرَوَى تُضَارُّونَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَبِتَخْفِيفِهَا وَالتَّاءُ مَضْمُومَةٌ فِيهِمَا وَمَعْنَى الْمُشَدَّدِ هَلْ تُضَارُّونَ غَيْرَكُمْ فِي حَالَةِ الرُّؤْيَةِ بِزَحْمَةٍ أَوْ مُخَالَفَةٍ فِي الرُّؤْيَةِ أَوْ غَيْرِهَا لِخَفَائِهِ كَمَا تَفْعَلُونَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنَ الشَّهْرِ وَمَعْنَى الْمُخَفَّفِ هَلْ يَلْحَقُكُمْ فِي رُؤْيَتِهِ ضَيْرٌ وَهُوَ الضَّرَرُ وَرُوِيَ أَيْضًا تُضَامُونَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِهَا فَمَنْ شَدَّدَهَا فَتَحَ التَّاءَ وَمَنْ خَفَّفَهَا ضَمَّ التَّاءَ وَمَعْنَى الْمُشَدَّدِ هَلْ تَتَضَامُّونَ وَتَتَلَطَّفُونَ فِي التَّوَصُّلِ إِلَى رُؤْيَتِهِ وَمَعْنَى الْمُخَفَّفِ هَلْ يَلْحَقُكُمْ ضَيْمٌ وَهُوَ الْمَشَقَّةُ وَالتَّعَبُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ تُضَارُّونَ أَوْ تَضَامُّونَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَالْمِيمِ وَأَشَارَ الْقَاضِي بِهَذَا إِلَى أَنَّ غَيْرَ هَذَا الْقَائِلِ يَقُولهُمَا بِضَمِّ التَّاءِ سَوَاءٌ شَدَّدَ أَوْ خَفَّفَ وَكُلُّ هَذَا صَحِيحٌ ظَاهِرُ الْمَعْنَى وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ لَا تَضَامُّونَ أَوْ لَا تُضَارُّونَ عَلَى الشَّكِّ وَمَعْنَاهُ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْكُمْ وَتَرْتَابُونَ فِيهِ فَيُعَارِضُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي رُؤْيَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ) مَعْنَاهُ تَشْبِيهُ الرُّؤْيَةِ بِالرُّؤْيَةِ فِي الْوُضُوحِ وَزَوَالِ الشَّكِّ وَالْمَشَقَّةِ وَالِاخْتِلَافِ قَوْلُهُ (الطَّوَاغِيتُ) هُوَ جَمْعُ طَاغُوتٍ قَالَ اللَّيْثُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ والكسائي وجماهير أهل اللغة الطاغوت كل ماعبد من دون الله تعالى وقال بن عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُمْ الطَّاغُوتُ الشَّيْطَانُ وَقِيلَ هُوَ الْأَصْنَامُ قَالَ الْوَاحِدِيُّ الطَّاغُوتُ يَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا وَيُؤَنَّثُ وَيُذَكَّرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يكفروا به فَهَذَا فِي الْوَاحِدِ وَقَالَ تَعَالَى فِي الْجَمْعِ الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم وَقَالَ فِي الْمُؤَنَّثِ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يعبدوها قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَمِثْلُهُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْفُلْكُ يَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا وَمُذَكَّرًا أَوْ مُؤَنَّثًا قَالَ النَّحْوِيُّونَ وَزْنُهُ فَعْلُوتُ وَالتَّاءُ زَائِدَةٌ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ طَغَى وَتَقْدِيرُهُ طَغْوُوتُ ثُمَّ قُلِبَتِ الْوَاوُ أَلِفًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا) قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا بَقُوا فِي زُمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا مُتَسَتِّرِينَ بِهِمْ فَيَتَسَتَّرُونَ بِهِمْ أَيْضًا في

الْآخِرَةِ وَسَلَكُوا مَسْلَكَهُمْ وَدَخَلُوا فِي جُمْلَتِهِمْ وَتَبِعُوهُمْ وَمَشَوْا فِي نُورِهِمْ حَتَّى ضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُوَرٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ وَذَهَبَ عَنْهُمْ نُورُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَؤُلَاءِ هُمُ الْمَطْرُودُونَ عَنِ الْحَوْضِ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمْ سُحْقًا سُحْقًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فيأتيهم الله فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتَّبِعُونَهُ) اعْلَمْ أَنَّ لِأَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَآيَاتِ الصِّفَاتِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ مُعْظَمِ السَّلَفِ أَوْ كُلِّهِمْ أَنَّهُ لَا يُتَكَلَّمُ فِي مَعْنَاهَا بَلْ يَقُولُونَ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِهَا وَنَعْتَقِدَ لَهَا مَعْنًى يَلِيقُ بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ مَعَ اعْتِقَادِنَا الْجَازِمِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ التَّجَسُّمِ وَالِانْتِقَالِ وَالتَّحَيُّزِ فِي جِهَةٍ وَعَنْ سَائِرِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَقِّقِيهِمْ وَهُوَ أَسْلَمُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ مَذْهَبُ مُعْظَمِ الْمُتَكَلِّمِينَ أنها تتأول على مايليق بِهَا عَلَى حَسَبِ مَوَاقِعهَا وَإِنَّمَا يَسُوغُ تَأْوِيلُهَا لِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ بِأَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَقَوَاعِدِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ ذَا رِيَاضَةٍ فِي الْعِلْمِ فَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ يُقَالُ فِي قوله صلى الله عليه وسلم فيأتيهم الله أَنَّ الْإِتْيَانَ عِبَارَةٌ عَنْ رُؤْيَتِهِمْ إِيَّاهُ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ مَنْ غَابَ عَنْ غَيْرِهِ لَا يمكنه رؤيته الا بالاتيان فعبر بالاتيان والمجئ هُنَا عَنِ الرُّؤْيَةِ مَجَازًا وَقِيلَ الْإِتْيَانُ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى سَمَّاهُ إِتْيَانًا وَقِيلَ المراد بيأتيهم اللَّهُ أَيْ يَأْتِيهِمْ بَعْضُ مَلَائِكَةِ اللَّهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْوَجْهُ أَشْبَهُ عِنْدِي بِالْحَدِيثِ قَالَ وَيَكُونُ هَذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَهُمْ فِي الصُّورَةِ الَّتِي أَنْكَرُوهَا مِنْ سِمَاتِ الْحَدَثِ الظَّاهِرَةِ عَلَى الْمَلَكِ وَالْمَخْلُوقِ قَالَ أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ يَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي صُورَةٍ أَيْ يَأْتِيهِمْ بِصُورَةٍ وَيُظْهِرُ لَهُمْ مِنْ صُوَرِ مَلَائِكَتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ الَّتِي لَا تُشْبِهُ

صِفَاتِ الْإِلَهِ لِيَخْتَبِرَهُمْ وَهَذَا آخِرُ امْتِحَانِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِذَا قَالَ لَهُمْ هَذَا الْمَلَكُ أَوْ هَذِهِ الصُّورَةُ أَنَا رَبُّكُمْ رَأَوْا عَلَيْهِ مِنْ عَلَامَاتِ الْمَخْلُوقِ مَا يُنْكِرُونَهُ وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ رَبَّهُمْ وَيَسْتَعِيذُونَ بِاللَّهِ مِنْهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَأْتِيَهِمُ اللَّهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ) فَالْمُرَادُ بِالصُّورَةِ هُنَا الصِّفَةُ وَمَعْنَاهُ فَيَتَجَلَّى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُمْ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يَعْلَمُونَهَا وَيَعْرِفُونَهُ بِهَا وَإِنَّمَا عَرَفُوهُ بِصِفَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَقَدَّمَتْ لَهُمْ رُؤْيَةٌ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ لَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ لَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَبُّهُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالصُّورَةِ عَنِ الصِّفَةِ لِمُشَابَهَتِهَا إِيَّاهَا وَلِمُجَانَسَةِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الصُّورَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ (نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ) فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الِاسْتِعَاذَةُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ خَاصَّةً وَأَنْكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا وَقَالَ لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مِنْ قَوْلِ الْمُنَافِقِينَ وَلَا يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ بِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي هُوَ الصَّوَابُ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ مُصَرِّحٌ بِهِ أَوْ ظَاهِرٌ فِيهِ وَإِنَّمَا اسْتَعَاذُوا مِنْهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِمْ رَأَوْا سِمَاتِ الْمَخْلُوقِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَتَّبِعُونَهُ) فَمَعْنَاهُ يَتَّبِعُونَ أَمْرَهُ إِيَّاهُمْ بِذَهَابِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ أَوْ يَتَّبِعُونَ مَلَائِكَتَهُ الَّذِينَ يَذْهَبُونَ بِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمٍ) هُوَ بِفَتْحِ الظَّاءِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَمَعْنَاهُ يُمَدُّ الصِّرَاطُ عَلَيْهَا وَفِي هَذَا إِثْبَاتُ الصِّرَاطِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ إِثْبَاتُهُ وَقَدْ أَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى إِثْبَاتِهِ وَهُوَ جِسْرٌ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمٍ يَمُرُّ عَلَيْهِ النَّاسُ كُلُّهُمْ فَالْمُؤْمِنُونَ يَنْجُونَ عَلَى حَسَبِ حَالِهِمْ أَيْ مَنَازِلِهِمْ وَالْآخَرُونَ يَسْقُطُونَ فِيهَا أَعَاذَنَا اللَّهُ الْكَرِيمُ مِنْهَا وَأَصْحَابُنَا الْمُتَكَلِّمُونَ وَغَيْرُهُمْ مِنَ السَّلَفِ يَقُولُونَ إِنَّ الصِّرَاطَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرَةِ وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُنَا فِي رِوَايَتِهِ الْأُخْرَى الْمَذْكُورَةِ فِي الكتاب وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَالزَّايُ آخِرَهُ وَمَعْنَاهُ يَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَمْضِي عَلَيْهِ وَيَقْطَعُهُ يُقَالُ أَجَزْتُ الْوَادِيَ وَجُزْتُهُ لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ أَجَزْتُهُ قَطَعْتُهُ وَجُزْتُهُ مَشَيْتُ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ) مَعْنَاهُ لِشِدَّةِ الاهوال

وَالْمُرَادُ لَا يَتَكَلَّمُ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ وَإِلَّا فَفِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَوَاطِنُ يَتَكَلَّمُ النَّاسُ فِيهَا وَتُجَادِلُ كُلُّ نَفْسٍ عَنْ نَفْسِهَا وَيَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَتَلَاوَمُونَ وَيُخَاصِمُ التَّابِعُونَ الْمَتْبُوعِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ) هَذَا مِنْ كَمَالِ شَفَقَتِهِمْ وَرَحْمَتِهِمْ لِلْخَلْقِ وَفِيهِ أَنَّ الدَّعَوَاتِ تَكُونُ بِحَسَبِ الْمَوَاطِنِ فَيُدْعَى فِي كُلِّ مَوْطِنٍ بِمَا يَلِيقُ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ) أَمَّا الْكَلَالِيبُ فَجَمْعُ كَلُّوبٍ بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ وَهُوَ حَدِيدَةٌ مَعْطُوفَةُ الرَّأْسِ يُعَلَّقُ فِيهَا اللَّحْمُ وَتُرْسَلُ فِي التَّنُّورِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ هِيَ خَشَبَةٌ فِي رَأْسِهَا عُقَّافَةُ حَدِيدٍ وَقَدْ تَكُونُ حَدِيدًا كُلُّهَا وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا كُلَّابٌ وَأَمَّا السَّعْدَانُ فَبِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ نَبْتٌ لَهُ شَوْكَةٌ عَظِيمَةٌ مِثْلُ الْحَسَكِ مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ) هُوَ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا يُقَالُ خَطِفَ وَخَطَفَ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ تَخْطَفُهُمْ بِسَبَبِ أَعْمَالِهِمْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ تَخْطَفُهُمْ بِسَبَبِ أَعْمَالِهِمْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ تَخْطَفُهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ بَقِيَ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمُ الْمُجَازَى حَتَّى يُنَجَّى) أَمَّا الْأَوَّلُ فَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ رُوِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا الْمُؤْمِنُ يَقِي بِعَمَلِهِ بِالْمِيمِ وَالنُّونِ وَبَقِيَ بِالْيَاءِ وَالْقَافِ وَالثَّانِي الْمُوثَقُ بِالْمُثَلَّثَةِ وَالْقَافِ وَالثَّالِثُ الْمُوبَقُ يَعْنِي بِعَمَلِهِ فَالْمُوبَقُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْقَافِ وَيَعْنَى بِفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ وَبَعْدَهَا الْعَيْنُ ثُمَّ النُّونُ قَالَ الْقَاضِي هَذَا أَصَحُّهَا وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ هَذَا الثَّالِثُ هُوَ الصَّوَابُ قَالَ وَفِي يَقِي عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ضَبْطَانِ أَحَدُهُمَا بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالثَّانِي بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ مِنَ الْوِقَايَةِ قُلْتُ وَالْمَوْجُودُ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ بِبِلَادِنَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمِنْهُمُ الْمُجَازَى) فَضَبَطْنَاهُ بِالْجِيمِ وَالزَّايِ مِنَ الْمُجَازَاةِ وَهَكَذَا هُوَ

فِي أُصُولِ بِلَادِنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي ضَبْطِهِ خِلَافًا فَقَالَ رَوَاهُ الْعُذْرِيُّ وَغَيْرُهُ الْمُجَازَى كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ الْمُخَرْدَلُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ وَاللَّامِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ فِي الْبُخَارِيِّ الْمُجَرْدَلُ بِالْجِيمِ فَأَمَّا الَّذِي بِالْخَاءِ فَمَعْنَاهُ الْمُقَطَّعُ أَيْ بِالْكَلَالِيبِ يُقَالُ خَرْدَلْتُ اللَّحْمَ أَيْ قَطَّعْتُهُ وَقِيلَ خَرْدَلْتُ بِمَعْنَى صَرَعْتُ وَيُقَالُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْضًا وَالْجَرْدَلَةُ بِالْجِيمِ الْإِشْرَافُ عَلَى الْهَلَاكِ وَالسُّقُوطُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (تأكل النار من بن آدَمَ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ النَّارَ لَا تَأْكُلُ جَمِيعَ أَعْضَاءِ السُّجُودِ السَّبْعَةِ الَّتِي يَسْجُدُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهَا وَهِيَ الْجَبْهَةُ وَالْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ وَهَكَذَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَأَنْكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ الْمُرَادُ بِأَثَرِ السُّجُودِ الْجَبْهَةُ خَاصَّةً وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ فَإِنْ قِيلَ قَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا مَرْفُوعًا أن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها إِلَّا دَارَاتِ الْوُجُوهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ مَخْصُوصُونَ مِنْ جُمْلَةِ الْخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ بِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُمْ مِنَ النَّارِ إِلَّا دَارَاتُ الْوُجُوهِ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَيَسْلَمُ جَمِيعُ أَعْضَاءِ السُّجُودِ مِنْهُمْ عَمَلًا بِعُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ فَهَذَا الْحَدِيثُ عَامٌّ وَذَلِكَ خَاصٌّ فَيُعْمَلُ بِالْعَامِّ إِلَّا مَا خَصَّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتَحَشُوا) هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْحَاءِ هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ مُتْقِنِي شُيُوخِهِمْ قَالَ وَهُوَ وَجْهُ الْكَلَامِ وَبِهِ ضَبَطَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْهَرَوِيُّ وَقَالُوا فِي مَعْنَاهُ احْتَرَقُوا قَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَنْبُتُونَ مِنْهُ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ فَيَنْبُتُونَ مِنْهُ بِالْمِيمِ وَالنُّونِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ يَنْبُتُونَ بِسَبَبِهِ وَأَمَّا الْحِبَّةُ فَبِكَسْرِ الْحَاءِ وَهِيَ بِزْرُ الْبُقُولِ وَالْعُشْبُ تَنْبُتُ فِي الْبَرَارِي وَجَوَانِبِ السُّيُولِ وَجَمْعُهَا حِبَبٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَأَمَّا حَمِيلُ السَّيْلِ فَبِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ مَا جَاءَ بِهِ السَّيْلُ مِنْ طِينٍ أَوْ غُثَاءٍ وَمَعْنَاهُ مَحْمُولُ السَّيْلِ وَالْمُرَادُ التَّشْبِيهُ فِي سُرْعَةِ النَّبَاتِ وَحُسْنِهِ وَطَرَاوَتِهِ قَوْلُهُ (قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا) أَمَّا قَشَبَنِي فَبِقَافٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ مُخَفَّفَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمَعْنَاهُ سَمَّنِي وَآذَانِي وَأَهْلَكَنِي كَذَا قَالَهُ الْجَمَاهِيرُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَاهُ غَيَّرَ جِلْدِي وَصُورَتِي وَأَمَّا ذَكَاؤُهَا فَكَذَا وَقَعَ في جميع روايات الحديث ذكاؤها بِالْمَدِّ وَهُوَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُ لَهَبُهَا وَاشْتِعَالُهَا وَشِدَّةُ وَهَجِهَا وَالْأَشْهَرُ فِي اللُّغَةِ ذَكَاهَا مَقْصُورٌ وَذَكَرَ جَمَاعَاتٌ أَنَّ الْمَدَّ وَالْقَصْرَ لُغَتَانِ يُقَالُ ذَكَتِ النَّارُ تَذْكُو ذَكًا إِذَا اشْتَعَلَتْ وَأَذْكَيْتُهَا أَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (هل عسبت) هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ وَيُقَالُ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ

وَقُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ قَرَأَ نَافِعٌ بِالْكَسْرِ وَالْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ وَهُوَ الْأَفْصَحُ الْأَشْهَرُ فِي اللُّغَةِ قال بن السِّكِّيتِ وَلَا يُنْطَقُ فِي عَسَيْتَ بِمُسْتَقْبَلٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا قَامَ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ) أَمَّا الْخَيْرُ فَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَاتِ وَالْأُصُولِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ فِي مُسْلِمٍ رَوَاهُ الْحَبْرُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَمَعْنَاهُ السُّرُورُ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَالَ وَالثَّانِي أَظْهَرُ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ الْحَبْرَةُ وَالسُّرُورُ وَالْحَبْرَةُ الْمَسَرَّةُ وَأَمَّا انْفَهَقَتْ فَبِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْهَاءِ وَالْقَافِ وَمَعْنَاهُ انْفَتَحَتْ وَاتَّسَعَتْ قَوْلُهُ فَلَا يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ ضَحِكُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ هُوَ رِضَاهُ بِفِعْلِ عَبْدِهِ وَمَحَبَّتِهِ إِيَّاهُ وَإِظْهَارِ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ وَإِيجَابِهَا عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَسْأَلُ رَبَّهُ وَيَتَمَنَّى حَتَّى إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيُذَكِّرُهُ مِنْ كَذَا وكذا) معناه يقول له تمن من الشئ الفلانى ومن الشئ الْآخَرِ يُسَمِّي لَهُ أَجْنَاسَ مَا يَتَمَنَّى وَهَذَا مِنْ عَظِيمِ رَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ (لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَ أَوَّلًا بِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ تَكَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى فَزَادَ [183] مَا فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْمَعْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا) مَعْنَاهُ لَا تُضَارُّونَ أَصْلًا كَمَا لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا أَصْلًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَغُبَّرِ أَهْلِ الْكِتَابِ) أَمَّا الْبَرُّ فَهُوَ الْمُطِيعُ وَأَمَّا غُبَّرِ فَبِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَمَعْنَاهُ بقاياهم جمع غابر قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا) أَمَّا السَّرَابُ فَهُوَ الَّذِي يَتَرَاءَى لِلنَّاسِ فِي الْأَرْضِ الْقَفْرِ وَالْقَاعِ الْمُسْتَوِي وَسْطَ النَّهَارِ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ لَامِعًا مِثْلَ الْمَاءِ يَحْسَبهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا فَالْكُفَّارُ يَأْتُونَ جَهَنَّمَ أَعَاذَنَا اللَّهُ الْكَرِيمُ وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَهُمْ عِطَاشٌ فَيَحْسَبُونَهَا مَاءً فَيَتَسَاقَطُونَ فِيهَا وَأَمَّا يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَمَعْنَاهُ لِشِدَّةِ اتِّقَادِهَا وَتَلَاطُمِ أَمْوَاجِ لَهَبِهَا وَالْحَطْمُ الْكَسْرُ وَالْإِهْلَاكُ وَالْحُطَمَةُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ النَّارِ لِكَوْنِهَا تَحْطِمُ مَا يُلْقَى فِيهَا قَوْلُهُ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا) مَعْنَى رَأَوْهُ فِيهَا عَلِمُوهَا لَهُ وَهِيَ صِفَتُهُ الْمَعْلُومَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْإِتْيَانِ وَالصُّورَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قَالُوا رَبَّنَا فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ) مَعْنَى قَوْلِهِمْ التَّضَرُّعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كَشْفِ هَذِهِ الشِّدَّةِ عَنْهُمْ وَأَنَّهُمْ لَزِمُوا طَاعَتَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَفَارَقُوا فِي الدُّنْيَا النَّاسَ الَّذِينَ زَاغُوا عَنْ طَاعَتِهِ سُبْحَانَهُ مِنْ قَرَابَاتِهِمْ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ كَانُوا يَحْتَاجُونَ فِي مَعَايِشِهِمْ وَمَصَالِحِ دُنْيَاهُمْ إِلَى مُعَاشَرَتِهِمْ لِلِارْتِفَاقِ بِهِمْ وَهَذَا كَمَا جَرَى لِلصَّحَابَةِ الْمُهَاجِرِينَ وَغَيْرِهِمْ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ فَإِنَّهُمْ يُقَاطِعُونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ حَاجَتِهِمْ فِي مَعَايِشِهِمْ إِلَى الِارْتِفَاقِ بِهِمْ وَالِاعْتِضَادِ بِمُخَالَطَتِهِمْ فَآثَرُوا رِضَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا مَعْنًى ظَاهِرٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا شَكَّ فِي حُسْنِهِ وَقَدْ أَنْكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْكَلَامَ الْوَاقِعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَادَّعَى أَنَّهُ مُغَيَّرٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلِ الصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ بِإِثْبَاتِ أَنْ وَإِثْبَاتُهَا مَعَ كَادَ لُغَةٌ كَمَا أَنَّ حَذْفَهَا مَعَ عَسَى لُغَةٌ وَيَنْقَلِبُ بِيَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ قَافٍ ثُمَّ لَامٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَمَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ يَنْقَلِبُ عَنِ الصَّوَابِ وَيَرْجِعُ عَنْهُ لِلِامْتِحَانِ الشَّدِيدِ الَّذِي جَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ) ضَبْطُ يُكْشَفُ بفتح الياء وضمها وهما صحيحان وفسر بن عَبَّاسٍ وَجُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ السَّاقَ هُنَا بِالشِّدَّةِ أَيْ يُكْشَفُ عَنْ شِدَّةٍ وَأَمْرٍ مَهُولٍ وَهَذَا مَثَلٌ تَضْرِبُهُ الْعَرَبُ لِشِدَّةِ

الْأَمْرِ وَلِهَذَا يَقُولُونَ قَامَتِ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا وَقَعَ فِي أَمْرٍ شَدِيدٍ شَمَّرَ سَاعِدَهُ وَكَشَفَ عَنْ سَاقِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالسَّاقِ هُنَا نُورٌ عَظِيمٌ وَوَرَدَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال بن فُورَكَ وَمَعْنَى ذَلِكَ مَا يَتَجَدَّدُ لِلْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْفَوَائِدِ وَالْأَلْطَافِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقِيلَ قَدْ يَكُونُ السَّاقُ عَلَامَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ظُهُورِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى خِلْقَةٍ عَظِيمَةٍ لِأَنَّهُ يُقَالُ سَاقٌ مِنَ النَّاسِ كَمَا يُقَالُ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ وَقِيلَ قَدْ يَكُونُ سَاقٌ مَخْلُوقًا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَامَةً لِلْمُؤْمِنِينَ خَارِجَةً عَنِ السُّوقِ الْمُعْتَادَةِ وقيل معناه كَشْفُ الْخَوْفِ وَإِزَالَةُ الرُّعْبِ عَنْهُمْ وَمَا كَانَ غَلَبَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مِنَ الْأَهْوَالِ فَتَطْمَئِنُّ حِينَئِذٍ نُفُوسُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَتَجَلَّى لَهُمْ فَيَخِرُّونَ سُجَّدًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذِهِ الرُّؤْيَةُ الَّتِي فِي هَذَا الْمَقَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غَيْرُ الرُّؤْيَةِ الَّتِي فِي الْجَنَّةِ لِكَرَامَةِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا هَذِهِ لِلِامْتِحَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَّا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ بِالسُّجُودِ وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلَّا جَعَلَ اللَّهَ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً هَذَا السُّجُودُ امْتِحَانٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِهَذَا مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فلا يستطيعون عَلَى جَوَازِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ بَاطِلٌ فَإِنَّ الْآخِرَةَ لَيْسَتْ دَارَ تَكْلِيفٍ بِالسُّجُودِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ امْتِحَانُهُمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَبَقَةً فَبِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْبَاءِ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ الطَّبَقُ فَقَارُ الظَّهْرِ أَيْ صَارَ فَقَارَةً وَاحِدَةً كَالصَّحِيفَةِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذلك طائفة حكاه بن فُورَكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ بَاطِلٌ بَلْ لَا يَرَاهُ الْمُنَافِقُونَ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِرُؤْيَتِهِمُ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ الْجَمْعَ الَّذِي فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُنَافِقُونَ يَرَوْنَ

الصُّورَةَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ يَرَاهُ جَمِيعُهُمْ وَقَدْ قَامَتْ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُنَافِقَ لَا يَرَاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يرفعون رؤسهم وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ صُورَتِهِ بِالْهَاءِ فِي آخِرهَا وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ أَوْ كَثِيرٍ مِنْهَا فِي صُورَةٍ بِغَيْرِ هَاءٍ وَكَذَا هُوَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ لِلْحُمَيْدِيِّ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَافِظِ عَبْدِ الْحَقِّ وَمَعْنَاهُ وَقَدْ أَزَالَ الْمَانِعَ لَهُمْ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَتَجَلَّى لَهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ) الْجِسْرُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَهُوَ الصِّرَاطُ وَمَعْنَى تَحِلُّ الشَّفَاعَةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَقِيلَ بِضَمِّهَا أَيْ تَقَعُ وَيُؤْذَنُ فِيهَا قَوْلُهُ (قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجِسْرُ قَالَ دَحْضٌ مَزَلَّةٌ) هُوَ بِتَنْوِينِ دحض وداله مفتوحة والحاء ساكنة ومزلة بِفَتْحِ الْمِيمِ وَفِي الزَّايِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ وَالدَّحْضُ وَالْمَزَلَّةُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ وَلَا تَسْتَقِرُّ وَمِنْهُ دحضت الشمس أى مالت وحجة داحضة لاثبات لَهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكٌ) أَمَّا الْخَطَاطِيفُ فَجَمْعُ خُطَّافٍ بِضَمِّ الْخَاءِ فِي الْمُفْرَدِ وَالْكَلَالِيبُ بِمَعْنَاهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُمَا وَأَمَّا الْحَسَكُ فَبِفَتْحِ الْحَاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ شَوْكٌ صُلْبٌ مِنْ حَدِيدٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ) مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ ثلاثة أقسام قسم يسلم فلا يناله شئ أَصْلًا وَقِسْمٌ يُخْدَشُ ثُمَّ يُرْسَلُ فَيُخَلَّصُ وَقِسْمٌ يُكَرْدَسُ وَيُلْقَى فَيَسْقُطُ فِي جَهَنَّمَ وَأَمَّا مَكْدُوسٌ فَهُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَكَذَا نَقَلَهُ

الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ قَالَ وَرَوَاهُ الْعُذْرِيُّ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ السَّوْقُ وَبِالْمُهْمَلَةِ كَوْنُ الْأَشْيَاءِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَمِنْهُ تَكَدَّسَتِ الدَّوَابُّ فِي سَيْرِهَا إِذَا رَكِبَ بَعْضُهَا بَعْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْكُمْ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ فِي النَّارِ) اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ ضُبِطَتْ عَلَى أَوْجُهٍ أَحَدُهَا اسْتِيضَاءِ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ ثُمَّ ضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَالثَّانِي اسْتِضَاءِ بِحَذْفِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَالثَّالِثُ اسْتِيفَاءِ بِإِثْبَاتِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَبِالْفَاءِ بَدَلَ الضَّادِ وَالرَّابِعُ اسْتِقْصَاءِ بِمُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ ثُمَّ قَافٍ ثُمَّ صَادٍ مُهْمَلَةٍ فَالْأَوَّلُ مَوْجُودٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ بِبِلَادِنَا وَالثَّانِي هُوَ الْمَوْجُودُ فِي أَكْثَرِهَا وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ لِلْحُمَيْدِيِّ وَالثَّالِثُ فِي بَعْضِهَا وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ لِعَبْدِ الْحَقِّ الْحَافِظِ وَالرَّابِعُ فِي بَعْضِهَا وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي عِيَاضٌ غَيْرَهُ وَادَّعَى اتِّفَاقَ الرُّوَاةِ وَجَمِيعِ النُّسَخِ عَلَيْهِ وَادَّعَى أَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَوَهَمٌ وَفِيهِ تَغْيِيرٌ وَأَنَّ صَوَابَهُ مَا وَقَعَ فِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ من رواية بن بكير بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةٍ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ يَعْنِي فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمْ وَبِهِ يَتِمُّ الْكَلَامُ وَيَتَوَجَّهُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَهُ بَلْ جَمِيعُ الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا صَحِيحَةٌ لِكُلٍّ مِنْهَا مَعْنًى حَسَنٌ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً فِي الْحَقِّ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ إِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فِي إِخْوَانِهِمْ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّيْثُ تُوَضِّحُ الْمَعْنَى فَمَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ أَنَّكُمْ إِذَا عَرَضَ لَكُمْ فِي الدُّنْيَا أَمْرٌ مُهِمٌّ وَالْتَبَسَ الْحَالُ فِيهِ وَسَأَلْتُمُ اللَّهَ تَعَالَى بَيَانَهُ وَنَاشَدْتُمُوهُ

فِي اسْتِيضَائِهِ وَبَالَغْتُمْ فِيهَا لَا تَكُونُ مُنَاشَدَةُ أَحَدِكُمْ مُنَاشَدَةً بِأَشَدَّ مِنْ مُنَاشَدَةِ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الشَّفَاعَةِ لِإِخْوَانِهِمْ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ فَمَعْنَاهُمَا أَيْضًا مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يُنَاشِدُ اللَّهَ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا فِي اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ أَوِ اسْتِقْصَائِهِ وَتَحْصِيلِهِ مِنْ خَصْمِهِ وَالْمُتَعَدِّي عَلَيْهِ بِأَشَدَّ مِنْ مُنَاشَدَةِ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهَ تَعَالَى فِي الشَّفَاعَةِ لِإِخْوَانِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ وَنِصْفَ مِثْقَالٍ مِنْ خَيْرٍ وَمِثْقَالَ ذَرَّةٍ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ قِيلَ مَعْنَى الْخَيْرِ هُنَا الْيَقِينُ قَالَ والصحيح أن معناه شئ زَائِدٌ عَلَى مُجَرَّدِ الْإِيمَانِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ التَّصْدِيقُ لَا يَتَجَزَّأُ وَإِنَّمَا يَكُونُ هذا التجزؤ لشئ زَائِدٍ عَلَيْهِ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ أَوْ ذِكْرٍ خَفِيٍّ أَوْ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ مِنْ شَفَقَةٍ عَلَى مِسْكَيْنٍ أَوْ خَوْفٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَنِيَّةٍ صَادِقَةٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي الْكِتَابِ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ كَذَا وَمِثْلُهُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَأُخْرِجَنَّ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ فَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ مَعَهُمْ مُجَرَّدُ الْإِيمَانِ وَهُمُ الَّذِينَ لَمْ يُؤْذَنْ فِي الشَّفَاعَةِ فِيهِمْ وَإِنَّمَا دَلَّتِ الْآثَارُ عَلَى أَنَّهُ أَذِنَ لِمَنْ عِنْدَهُ شئ زَائِدٌ عَلَى مُجَرَّدِ الْإِيمَانِ وَجَعَلَ لِلشَّافِعِينَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ دَلِيلًا عَلَيْهِ وَتَفَرَّدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعِلْمِ مَا تُكِنُّهُ الْقُلُوبُ وَالرَّحْمَةُ لِمَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ إِلَّا مُجَرَّدُ الْإِيمَانِ وَضَرَبَ بِمِثْقَالِ الذَّرَّةِ الْمَثَلَ لِأَقَلِّ الْخَيْرِ فَإِنَّهَا أَقَلُّ الْمَقَادِيرِ قَالَ

الْقَاضِي وَقَوْلُهُ تَعَالَى مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ ذَرَّةٌ وَكَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا حَضَرَ لَهُ الْقَلْبُ وَصَحِبَتْهُ نِيَّةٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا) هَكَذَا هُوَ خَيْرًا بِإِسْكَانِ الْيَاءِ أَيْ صَاحِبَ خَيْرٍ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ) هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لِأَنِّي رَأَيْتُ مَنْ يُصَحِّفُهُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ يُقَالُ شَفَعَ يَشْفَعُ شَفَاعَةً فَهُوَ شَافِعٌ وَشَفِيعٌ وَالْمُشَفِّعُ بِكَسْرِ الْفَاءِ الَّذِي يَقْبَلُ الشَّفَاعَةَ وَالْمُشَفَّعُ بِفَتْحِهَا الَّذِي تُقْبَلُ شَفَاعَتُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ) مَعْنَاهُ يَجْمَعُ جَمَاعَةً قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَمًا) مَعْنَى عَادُوا صَارُوا وَلَيْسَ بِلَازِمٍ فِي عَادَ أن يصير إلى حالة كان عليه قَبْلَ ذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ صَارَ وَأَمَّا الْحُمَمُ فبضم الْحَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى الْمُخَفَّفَةِ وَهُوَ الْفَحْمُ الْوَاحِدَةُ حُمَمَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ) أَمَّا النَّهَرُ فَفِيهِ لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فَتْحُ الْهَاءِ وَإِسْكَانُهَا وَالْفَتْحُ أَجْوَدُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ وَأَمَّا الْأَفْوَاهُ فَجَمْعُ فُوَّهَةٍ بِضَمِّ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ الْمَفْتُوحَةِ وَهُوَ جَمْعٌ سُمِعَ مِنَ الْعَرَبِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَأَفْوَاهُ الْأَزِقَّةِ وَالْأَنْهَارِ أَوَائِلُهَا قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ كَأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْحَدِيثِ مُفْتَتَحٌ مِنْ مَسَالِكِ قُصُورِ الْجَنَّةِ وَمَنَازِلِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا يَكُونُ

إِلَى الشَّمْسِ أُصَيْفِرُ وَأُخَيْضِرُ وَمَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ يَكُونُ أَبْيَضَ) أَمَّا يَكُونُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَتَامَّةٌ لَيْسَ لَهَا خَبَرٌ مَعْنَاهَا مَا يَقَعُ وَأُصَيْفِرُ وَأُخَيْضِرُ مَرْفُوعَانِ وَأَمَّا يَكُونُ أَبْيَضُ فَيَكُونُ فِيهِ نَاقِصَةٌ وَأَبْيَضُ مَنْصُوبٌ وَهُوَ خَبَرُهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِمُ) أَمَّا اللُّؤْلُؤُ فَمَعْرُوفٌ وَفِيهِ أَرْبَعُ قِرَاءَاتٍ فِي السَّبْعِ بِهَمْزَتَيْنِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَبِحَذْفِهِمَا وَبِإِثْبَاتِ الْهَمْزَةِ فِي أَوَّلِهِ دُونَ آخِرِهِ وَعَكْسِهِ وَأَمَّا الْخَوَاتِمُ فَجَمْعُ خَاتَمٍ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا وَيُقَالُ أَيْضًا خَيْتَامٌ وَخَاتَامٌ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ الْمُرَادُ بِالْخَوَاتِمِ هُنَا أَشْيَاءُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ تُعَلَّقُ فِي أَعْنَاقِهِمْ عَلَامَةً يُعْرَفُونَ بِهَا قَالَ مَعْنَاهُ تَشْبِيهُ صَفَائِهِمْ وَتَلَأْلُئِهِمْ بِاللُّؤْلُؤِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ) أَيْ يَقُولُونَ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ قَوْلُهُ (قَرَأْتُ عَلَى عِيسَى بْنِ حَمَّادٍ زُغْبَةَ) هُوَ بِضَمِّ الزَّايِ وَإِسْكَانِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَهُوَ لَقَبٌ لِحَمَّادٍ وَالِدِ عِيسَى ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ الْجَيَّانِيُّ

قَوْلُهُ (وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا قَدَمٍ قَدَّمُوهُ) هَذَا مِمَّا قَدْ يُسْأَلُ عَنْهُ فَيُقَالُ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى ذِكْرُهُ الْقَدَمَ وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَقُولَ زَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا قَدَمٍ إِذْ لَمْ يَجْرِ لِلْقَدَمِ ذِكْرٌ وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا الزِّيَادَةُ وَقَعَ فِيهَا وَلَا قَدَمٍ بَدَلَ قَوْلِهِ فِي الْأُولَى خَيْرٍ وَوَقَعَ فِيهَا الزِّيَادَةُ فَأَرَادَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ بَيَانَ الزِّيَادَةِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقُولَ زَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ إِذْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَالَ زَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا قَدَمٍ قَدَّمُوهُ أَيْ زَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي رِوَايَتِهِ وَلَا قَدَمٍ قَدَّمُوهُ وَاعْلَمْ أَيُّهَا الْمُخَاطَبُ أَنَّ هَذَا لَفْظُهُ فِي رِوَايَتِهِ وَأَنَّ زِيَادَتَهُ بَعْدَ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالْقَدَمُ هُنَا بِفَتْحِ الْقَافِ وَالدَّالِ وَمَعْنَاهُ الْخَيْرُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ اللَّيْثِ فَيَقُولُونَ رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا مالم تعط أحدا من العالمين وما بعده فاقربه عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ أَمَّا قَوْلُهُ وَمَا بَعْدَهُ فَمَعْطُوفٌ عَلَى فَيَقُولُونَ رَبَّنَا أَيْ لَيْسَ فِيهِ فَيَقُولُونَ رَبَّنَا وَلَا مَا بَعْدَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فأقربه عِيسَى فَمَعْنَاهُ أَقَرَّ بِقَوْلٍ لَهُ أَوَّلًا أَخْبَرَكُمُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ إِلَى آخِرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ بِإِسْنَادِهِمَا نَحْوَ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ) فَقَوْلُهُ بِإِسْنَادِهِمَا يَعْنِي باسناد حفص بن مَيْسَرَةَ وَإِسْنَادِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ الرَّاوِيَيْنِ فِي الطَّرِيقَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي

(باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار)

سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمُرَادُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ رَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَرَوَاهُ عَنْ زَيْدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ وَهِشَامُ بْنُ سَعْدٍ فَأَمَّا رِوَايَتَا حَفْصٍ وَسَعِيدٍ فَتَقَدَّمَتَا مُبَيَّنَتَيْنِ فِي الْكِتَابِ وَأَمَّا رِوَايَةُ هِشَامٍ فهي من حيث الاسناد باسنادهما ومن حديث الْمَتْنِ نَحْوَ حَدِيثِ حَفْصٍ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أعلم (باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النَّارِ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ جَوَازُ الشَّفَاعَةِ عَقْلًا وَوُجُوبُهَا سَمْعًا بِصَرِيحِ قَوْلِهِ تَعَالَى يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قولا وقوله ولا يشفعون الا لمن ارتضى وَأَمْثَالِهِمَا وَبِخَبَرِ الصَّادِقِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ جَاءَتِ الْآثَارُ الَّتِي بَلَغَتْ بِمَجْمُوعِهَا التَّوَاتُرَ بِصِحَّةِ الشَّفَاعَةِ فِي الْآخِرَةِ لِمُذْنِبِي الْمُؤْمِنِينَ وَأَجْمَعَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَيْهَا وَمَنَعَتِ الْخَوَارِجُ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْهَا وَتَعَلَّقُوا بِمَذَاهِبِهِمْ فِي تَخْلِيدِ الْمُذْنِبِينَ فِي النَّارِ وَاحْتَجُّوا بقوله تعالى فما تنفعهم شفاعة الشافعين وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شفيع يطاع وَهَذِهِ الْآيَاتُ فِي الْكُفَّارِ وَأَمَّا تَأْوِيلُهُمْ أَحَادِيثَ الشَّفَاعَةِ بِكَوْنِهَا فِي زِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ فَبَاطِلٌ وَأَلْفَاظُ الْأَحَادِيثِ فِي الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ صَرِيحَةٌ فِي بُطْلَانِ مَذْهَبِهِمْ وَإِخْرَاجِ مَنِ اسْتَوْجَبَ النَّارَ لَكِنَّ الشَّفَاعَةَ خمسة أقسام أولها مختصة بنبينا صلى الله عليه سلم وَهِيَ الْإِرَاحَةُ مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ وَتَعْجِيلُ الْحِسَابِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهَا الثَّانِيَةُ فِي إِدْخَالِ قَوْمٍ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَهَذِهِ وَرَدَتْ أَيْضًا لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الثَّالِثَةُ الشَّفَاعَةُ لِقَوْمٍ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ فَيَشْفَعُ فِيهِمْ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَنُنَبِّهُ عَلَى مَوْضِعِهَا قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّابِعَةُ فِيمَنْ دخل النار

مِنَ الْمُذْنِبِينَ فَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَلَائِكَةِ وَإِخْوَانِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ يُخْرِجُ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ لَا يَبْقَى فِيهَا إِلَّا الْكَافِرُونَ الْخَامِسَةُ فِي زِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ فِي الْجَنَّةِ لِأَهْلِهَا وَهَذِهِ لَا يُنْكِرُهَا الْمُعْتَزِلَةُ وَلَا يُنْكِرُونَ أَيْضًا شَفَاعَةَ الْحَشْرِ الْأَوَّلِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَدْ عُرِفَ بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ سُؤَالُ السَّلَفِ الصَّالِحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ شَفَاعَةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَغْبَتَهُمْ فِيهَا وَعَلَى هَذَا لَا يُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَسْأَلَ الْإِنْسَانُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَهُ شَفَاعَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهَا لَا تَكُونُ إِلَّا لِلْمُذْنِبِينَ فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ كَمَا قَدَّمْنَا لِتَخْفِيفِ الْحِسَابِ وَزِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ ثُمَّ كُلُّ عَاقِلٍ مُعْتَرِفٌ بِالتَّقْصِيرِ مُحْتَاجٌ إِلَى الْعَفْوِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِعَمَلِهِ مُشْفِقٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ وَيَلْزَمُ هَذَا الْقَائِلَ أَلَّا يَدْعُوَ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ لِأَنَّهَا لِأَصْحَابِ الذُّنُوبِ وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ مَا عُرِفَ مِنْ دُعَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [184] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا حُمَمًا قَدِ امْتَحَشُوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ أَوِ الْحَيَا فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ) أَمَّا الْحُمَمُ فَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ وَهُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ الْمُخَفَّفَةِ وَهُوَ الْفَحْمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ بَيَانُ الْحِبَّةِ وَالنَّهَرِ وَبَيَانُ امْتَحَشُوا وَأَنَّهُ بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَقِيلَ بِضَمِّهَا وَمَعْنَاهُ احْتَرَقُوا وَقَوْلُهُ الْحَيَاةِ أَوِ الْحَيَا هَكَذَا وَقَعَ هُنَا وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَقَدْ صَرَّحَ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَّلِ صَحِيحِهِ بِأَنَّ هَذَا الشَّكَّ مِنْ مَالِكٍ وَرِوَايَاتِ غَيْرِهِ الْحَيَاةِ بِالتَّاءِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ ثُمَّ إِنَّ الْحَيَا هُنَا مقصور

وَهُوَ الْمَطَرُ سُمِّيَ حَيَا لِأَنَّهُ تَحْيَا بِهِ الْأَرْضُ وَلِذَلِكَ هَذَا الْمَاءُ يَحْيَا بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُحْتَرِقُونَ وَتَحْدُثُ فِيهِمُ النَّضَارَةُ كَمَا يُحْدِثُ ذَلِكَ الْمَطَرُ فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كَمَا تَنْبُتُ الْغُثَاءَ) هُوَ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ الْمُخَفَّفَةِ وَبِالْمَدِّ وَآخِرُهُ هَاءٌ وَهُوَ كُلُّ مَا جَاءَ بِهِ السَّيْلُ وَقِيلَ الْمُرَادُ مَا احْتَمَلَهُ السَّيْلُ مِنَ الْبُذُورِ وَجَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي غُثَاءِ السَّيْلِ بِحَذْفِ الْهَاءِ مِنْ آخِرِهِ وَهُوَ مَا احْتَمَلَهُ السَّيْلُ مِنَ الزَّبَدِ وَالْعِيدَانِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الْأَقْذَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَفِي حَدِيثِ وُهَيْبٍ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِئَةٍ أَوْ حَمِيلَةِ السَّيْلِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ حَمِئَةٍ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَهِيَ الطِّينُ الْأَسْوَدُ الَّذِي يَكُونُ فِي أَطْرَافِ النَّهَرِ وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ حَمِيلَةِ وَهِيَ وَاحِدَةُ الْحَمِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الرِّوَايَاتِ الأخر بِمَعْنَى الْمَحْمُولِ وَهُوَ الْغُثَاءُ الَّذِي يَحْتَمِلُهُ السَّيْلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [185] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً حتى اذا كانوا فحما أذن بالشفاعة فجئ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ثُمَّ قِيلَ يَا أَهْلَ الْجَنَةِ أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ) هَكَذَا وَقَعَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ أَهْلُ النَّارِ وَفِي بَعْضِهَا أَمَّا أَهْلُ النَّارِ بِزِيَادَةِ أَمَّا وَهَذَا أَوْضَحُ وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ وَتَكُونُ الْفَاءُ فِي فَإِنَّهُمْ زَائِدَةً وَهُوَ جَائِزٌ وَقَوْلُهُ (فَأَمَاتَهُمْ) أَيْ أَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً وَحُذِفَ لِلْعِلْمِ بِهِ وَفِي بَعْضِ النسخ فأماتتهم

بِتَاءَيْنِ أَيْ أَمَاتَتْهُمُ النَّارُ وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَالظَّاهِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْكُفَّارَ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ النَّارِ وَالْمُسْتَحِقُّونَ لِلْخُلُودِ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ حَيَاةً يَنْتَفِعُونَ بِهَا وَيَسْتَرِيحُونَ مَعَهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عنهم من عذابها وَكَمَا قَالَ تَعَالَى ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا ولا يحيى وَهَذَا جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ نَعِيمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دَائِمٌ وَأَنَّ عَذَابَ أَهْلِ الْخُلُودِ فِي النَّارِ دَائِمٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ إِلَى آخِرِهِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُذْنِبِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُمِيتُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِمَاتَةً بَعْدَ أَنْ يُعَذَّبُوا الْمُدَّةَ الَّتِي أَرَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَهَذِهِ الْإِمَاتَةُ إِمَاتَةٌ حَقِيقِيَّةٌ يَذْهَبُ مَعَهَا الْإِحْسَاسُ وَيَكُونُ عَذَابُهُمْ عَلَى قَدْرِ ذُنُوبِهِمْ ثُمَّ يُمِيتُهُمْ ثُمَّ يَكُونُونَ مَحْبُوسِينَ فِي النَّارِ مِنْ غَيْرِ إِحْسَاسٍ الْمُدَّةَ الَّتِي قَدَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ مَوْتَى قَدْ صَارُوا فَحْمًا فَيُحْمَلُونَ ضَبَائِرَ كَمَا تُحْمَلُ الْأَمْتِعَةُ وَيُلْقَوْنَ عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فيصب عليهم ماء الحياة فيحيون وَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ فِي سُرْعَةِ نَبَاتِهَا وَضَعْفِهَا فَتَخْرُجُ لِضَعْفِهَا صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً ثُمَّ تَشْتَدُّ قُوَّتُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَصِيرُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ وَتَكْمُلُ أَحْوَالُهُمْ فَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا إِمَاتَةٌ حَقِيقِيَّةٌ وَالثَّانِي لَيْسَ بِمَوْتٍ حَقِيقِيٍّ وَلَكِنْ تَغَيَّبَ عَنْهُمْ إِحْسَاسُهُمْ بِالْآلَامِ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ آلَامُهُمْ أَخَفَّ فَهَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالْمُخْتَارُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ فَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ وَالْأُصُولِ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ مُكَرَّرٌ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَهُوَ بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ جَمْعُ ضِبَارَةٍ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُمَا أَشْهَرُهُمَا الْكَسْرُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ إِلَّا الْكَسْرَ وَيُقَالُ فِيهَا أَيْضًا إِضْبَارَةٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الضَّبَائِرُ جَمَاعَاتٌ فِي تَفْرِقَةٍ وَرَوَى ضُبَارَاتٍ ضُبَارَاتٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَبُثُّوا) فَهُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَضْمُومَةِ بَعْدَهَا ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ وَمَعْنَاهُ فُرِّقُوا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ عَنْ أبى سعيد الخدرى) أما أبو سعيد فاسمعه سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ

سِنَانٍ وَأَمَّا أَبُو نَضْرَةَ فَاسْمُهُ الْمُنْذِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ قِطْعَةَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَأَمَّا أَبُو مَسْلَمَةَ فَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ السِّينِ وَاسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ الْأَزْدِيُّ الْبَصْرِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [186] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ كِلَيْهِمَا) هَكَذَا وَقَعَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ كِلَيْهِمَا بِالْيَاءِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا كِلَاهُمَا بِالْأَلْفِ مُصَلَّحًا وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي الْفُصُولِ الَّتِي فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ بَيَانَ جَوَازِهِ بِالْيَاءِ قَوْلُهُ (عَنْ عَبِيدَةَ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَهُوَ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْوًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى زَحْفًا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْحَبْوُ الْمَشْيُ عَلَى الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَرُبَّمَا قَالُوا عَلَى الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَرُبَّمَا قَالُوا عَلَى يَدَيْهِ وَمَقْعَدَتِهِ وَأَمَّا الزَّحْفُ فقال بن دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُ هُوَ الْمَشْيُ عَلَى الِاسْتِ مَعَ افراشه بصدره فحصل من هذا أن الحبو والزحف مُتَمَاثِلَانِ أَوْ مُتَقَارِبَانِ وَلَوْ ثَبَتَ اخْتِلَافُهُمَا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ فِي حَالٍ يَزْحَفُ وَفِي حَالٍ يَحْبُو وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَتَسْخَرُ بِي أَوْ أتضحك بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ) هَذَا شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي هَلْ قَالَ أَتَسْخَرُ بِي أَوْ قَالَ أَتَضْحَكُ بِي فَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ

فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَتَضْحَكُ بِي فَمَعْنَاهُ أَتَسْخَرُ بِي لِأَنَّ السَّاخِرَ فِي الْعَادَةِ يَضْحَكُ مِمَّنْ يَسْخَرُ بِهِ فَوَضَعَ الضَّحِكَ مَوْضِعَ السُّخْرِيَةِ مَجَازًا وَأَمَّا مَعْنَى أَتَسْخَرُ بِي هُنَا فَفِيهِ أَقْوَالٌ أَحَدُهَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى الْمُقَابَلَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ دُونَ لَفْظِهِ لِأَنَّهُ عَاهَدَ اللَّهَ مِرَارًا أَلَّا يَسْأَلَهُ غَيْرَ مَا سَأَلَ ثُمَّ غَدَرَ فَحَلَّ غَدْرُهُ مَحَلَّ الِاسْتِهْزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ فَقَدَّرَ الرَّجُلُ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ ادْخُلِ الْجَنَّةَ وَتَرَدُّدَهُ إِلَيْهَا وَتَخْيِيلَ كَوْنِهَا مَمْلُوءَةً ضَرْبٌ مِنَ الْإِطْمَاعِ لَهُ وَالسُّخْرِيَةِ بِهِ جَزَاءً لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ غَدْرِهِ وَعُقُوبَةً لَهُ فَسُمِّيَ الْجَزَاءُ عَلَى السُّخْرِيَةِ سُخْرِيَةً فَقَالَ أَتَسْخَرُ بِي أَيْ تُعَاقِبُنِي بِالْإِطْمَاعِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الصُّوفِيُّ إِنَّ مَعْنَاهُ نَفْيُ السُّخْرِيَةِ الَّتِي لَا تَجُوزُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَأَنَّهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّكَ لَا تَهْزَأُ بِي لِأَنَّكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَمَا أَعْطَيْتَنِي مِنْ جَزِيلِ الْعَطَاءِ وَأَضْعَافِ مِثْلِ الدُّنْيَا حَقٌّ وَلَكِنَّ الْعَجَبَ أَنَّكَ أَعْطَيْتَنِي هَذَا وَأَنَا غَيْرُ أَهْلٍ لَهُ قَالَ وَالْهَمْزَةُ فِي أَتَسْخَرُ بِي هَمْزَةُ نَفْيٍ قَالَ وَهَذَا كَلَامٌ مُنْبَسِطٌ مُتَدَلِّلٌ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلَامُ صَدَرَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ وَهُوَ غَيْرُ ضَابِطٍ لِمَا قاله لما ناله من السرور ببلوغ مالم يَخْطِرْ بِبَالِهِ فَلَمْ يَضْبِطْ لِسَانَهُ دَهَشًا وَفَرَحًا فَقَالَهُ وَهُوَ لَا يَعْتَقِدُ حَقِيقَةَ مَعْنَاهُ وَجَرَى عَلَى عَادَتِهِ فِي الدُّنْيَا فِي مُخَاطَبَةِ الْمَخْلُوقِ وَهَذَا كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّجُلِ الْآخَرِ أَنَّهُ لَمْ يَضْبِطْ نَفْسَهُ مِنَ الْفَرَحِ فَقَالَ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الرِّوَايَاتِ أَتَسْخَرُ بِي وَهُوَ صَحِيحٌ يُقَالُ سَخِرْتُ مِنْهُ وَسَخِرْتُ بِهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَفْصَحُ الْأَشْهَرُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَالثَّانِي فَصِيحٌ أَيْضًا وَقَدْ قال بعض العلماء أنه انما جاء بالباء لِإِرَادَةِ مَعْنَاهُ كَأَنَّهُ قَالَ أَتَهْزَأُ بِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ) هُوَ بِالْجِيمِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمُ الْمُرَادُ بِالنَّوَاجِذِ هُنَا الْأَنْيَابُ وَقِيلَ الْمُرَادُ هُنَا الضَّوَاحِكُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَا الْأَضْرَاسُ وَهَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ فِي إِطْلَاقِ النَّوَاجِذِ فِي اللُّغَةِ وَلَكِنَّ الصَّوَابَ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي هَذَا جَوَازُ الضَّحِكِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ وَلَا بِمُسْقِطٍ لِلْمُرُوءَةِ إِذَا لَمْ يُجَاوِزْ بِهِ الْحَدَّ الْمُعْتَادَ مِنْ أَمْثَالِهِ فِي مِثْلِ

تِلْكَ الْحَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (لَكَ الَّذِي تَمَنَّيْتَ وَعَشَرَةُ أَضْعَافِ الدُّنْيَا) هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَإِحْدَاهُمَا تَفْسِيرُ الْأُخْرَى فَالْمُرَادُ بِالْأَضْعَافِ الْأَمْثَالُ فَإِنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الضِّعْفَ الْمِثْلُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأُخْرَى فِي الْكِتَابِ (فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ رَضِيتُ رَبِّ فَيَقُولُ لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ رَضِيتُ رَبِّ فَيَقُولُ هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ) فَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ لَا تُخَالِفَانِ الْأُولَيَيْنِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْأُولَى مِنْ هَاتَيْنِ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوَّلًا لَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلُهَا ثُمَّ يُزَادُ إِلَى تَمَامِ عَشَرَةِ أَمَثَالِهَا كَمَا بَيَّنَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ وَأَمَّا الْأَخِيرَةُ فَالْمُرَادُ بِهَا أَنَّ أَحَدَ مُلُوكِ الدُّنْيَا لَا يَنْتَهِي مُلْكُهُ إِلَى جَمِيعِ الْأَرْضِ بَلْ يَمْلِكُ بَعْضًا منها ثم منهم مَنْ يَكْثُرُ الْبَعْضُ الَّذِي يَمْلِكُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقِلُّ بَعْضُهُ فَيُعْطَى هَذَا الرَّجُلُ مِثْلَ أَحَدِ مُلُوكِ الدُّنْيَا خَمْسَ مَرَّاتٍ وَذَلِكَ كُلُّهُ

قَدْرَ الدُّنْيَا كُلِّهَا ثُمَّ يُقَالُ لَهُ لَكَ عَشَرَةُ أَمْثَالِ هَذَا فَيَعُودُ مَعْنَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِلَى مُوَافَقَةِ الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَهُوَ أَعْلَمُ [187] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (آخِرُ مَنْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ رَجُلٌ فَهُوَ يَمْشِي مَرَّةً وَيَكْبُو مَرَّةً وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً) أَمَّا يَكْبُو فَمَعْنَاهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ وَأَمَّا تَسْفَعُهُ فَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَمَعْنَاهُ تَضْرِبُ وَجْهَهُ وَتُسَوِّدُهُ وَتُؤَثِّرُ فِيهِ أَثَرًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِأَنَّهُ يَرَى مالا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ) كَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ في المرتين الاولتين وأما الثالثة فوقع في أكثر الاصول مالا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهَا وَفِي بَعْضِهَا عَلَيْهِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَمَعْنَى عَلَيْهَا أَيْ نِعْمَةً لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهَا أَيْ عَنْهَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ يا بن آدم مايصرينى مِنْكَ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ ومعناه يقطع مسئلتك مِنِّي قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الصَّرْيُ بِفَتْحِ الصَّادِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ هُوَ الْقَطْعُ وَرُوِيَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ مَا يَصْرِيكَ مِنِّي قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ هُوَ الصَّوَابُ وَأَنْكَرَ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مَا يَصْرِينِي مِنْكَ وَلَيْسَ هُوَ كَمَا قَالَ بَلْ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَإِنَّ السَّائِلَ متى انقطع من المسؤل انقطع

المسؤل منه والمعنى أى شئ يُرْضِيكَ وَيَقْطَعُ السُّؤَالَ بَيْنِي وَبَيْنِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قوله (قالوا مم تضحك يارسول اللَّهِ قَالَ مِنْ ضَحِكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قَدْ قَدَّمْنَا مَعْنَى الضَّحِكَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الرِّضَى وَالرَّحْمَةُ وَإِرَادَةُ الْخَيْرِ لِمَنْ يَشَاءُ رَحْمَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [188] قَوْلُهُ (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ) هُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ أَبُو عَيَّاشٍ الزُّرَقِيُّ الْأَنْصَارِيُّ الصَّحَابِيُّ الْمَعْرُوفُ فِي اسْمِهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ قِيلَ زَيْدُ بْنُ الصَّامِتِ وَقِيلَ زَيْدُ بْنُ النُّعْمَانِ وَقِيلَ عُبَيْدٌ وَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(فَتَدْخُلُ عَلَيْهِ زَوْجَتَاهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ فَتَقُولَانِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَاكَ لَنَا وَأَحْيَانَا لَكَ) هَكَذَا ثَبَتَ فِي الرِّوَايَاتِ وَالْأُصُولِ زَوْجَتَاهُ بِالتَّاءِ تَثْنِيَةُ زَوْجَةٍ بِالْهَاءِ وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَفِيهَا أَبْيَاتٌ كَثِيرَةٌ مِنْ شِعْرِ الْعَرَبِ وَذَكَرَهَا بن السِّكِّيتِ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَتَقُولَانِ) هُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَإِنَّمَا ضَبَطْتُ هَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لِكَوْنِهِ مِمَّا يَغْلَطُ فِيهِ بَعْضُ مَنْ لَا يُمَيِّزُ فَيَقُولُهُ بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَذَلِكَ لَحْنٌ لَا شَكَّ فِيهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى اذ همت طائفتان منكم أن تفشلا وَقَالَ تَعَالَى وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ والارض أن تزولا وقال تعالى فيهما عينان تجريان وَأَمَّا قَوْلُهُمَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَاكَ لَنَا وَأَحْيَانَا لَكَ فَمَعْنَاهُ الَّذِي خَلَقَكَ لَنَا وَخَلَقَنَا لَكَ وَجَمَعَ بَيْنَنَا فِي هَذِهِ الدَّارِ الدَّائِمَةِ السرور والله أعلم [189] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْأَشْعَثِيُّ) هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ بَعْدَ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدِّهِ الْأَشْعَثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَوْلُهُ (عَنِ بن أَبْجَرَ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ بْنِ أَبْجَرَ وَهُوَ تَابِعِيٌّ سَمِعَ أَبَا الطُّفَيْلِ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ وَقَدْ سَمَّاهُ مُسْلِمٌ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِي فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بن سعيد قوله (عن مطرف وبن أَبْجَرَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رِوَايَةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) وَفِي الرواية

الاخرى (سمعته عَلَى الْمِنْبَرِ يَرْفَعُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (عَنْ سفيان عن مطرف وبن أَبْجَرَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ سُفْيَانُ رفعه أحدهما أراه بن أَبْجَرَ قَالَ سَأَلَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً) اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفُصُولِ الَّتِي فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ قَوْلَهُمْ رِوَايَةً أَوْ يَرْفَعُهُ أَوْ يُنْمِيهِ أَوْ يَبْلُغُ بِهِ كُلُّهَا أَلْفَاظٌ مَوْضُوعَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لِإِضَافَةِ الْحَدِيثِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَوْلُهُ رِوَايَةً مَعْنَاهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وقد بَيَّنَهُ هُنَا فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ رِوَايَةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا يَضُرُّهُ هَذَا الشَّكُّ وَالِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّهُ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّوَايَاتِ الباقية وأما قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ رَفَعَهُ أَحَدُهُمَا فَمَعْنَاهُ أَنَّ أَحَدَهُمَا رَفَعَهُ وَأَضَافَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآخَرَ وَقَفَهُ عَلَى الْمُغِيرَةِ فَقَالَ عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ سَأَلَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالضَّمِيرُ فِي أَحَدِهِمَا يعود على مطرف وبن أَبْجَرَ شَيْخَيْ سُفْيَانَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَأَلَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْآخَرُ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ سَأَلَ مُوسَى ثُمَّ إِنَّهُ يَحْصُلُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحَدِيثَ رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ الَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَأَصْحَابُ الْأُصُولِ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّ الْحَدِيثَ إِذَا رُوِيَ مُتَّصِلًا وَرُوِيَ مُرْسَلًا وَرُوِيَ مَرْفُوعًا وَرُوِيَ مَوْقُوفًا فَالْحُكْمُ لِلْمَوْصُولِ وَالْمَرْفُوعِ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ مِنْ أَصْحَابِ فنون العلوم فلا يقدح اختلافهم ها هنا في رفع الحديث ووقفه لاسيما وَقَدْ رَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ مَرْفُوعًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ) كَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ ما أدنى

وَهُوَ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ مَا صِفَةُ أَوْ مَا عَلَامَةُ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُغِيرَةَ يُقَالُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ وَالضَّمُّ أَشْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ قَالَ الْقَاضِي هُوَ مَا أَخَذُوهُ مِنْ كَرَامَةِ مَوْلَاهُمْ وَحَصَّلُوهُ أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ قَصَدُوا منازلهم قال وذكره ثَعْلَبٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً قَالَ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ قَالَ وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى) أَمَّا أَرَدْتُ فَبِضَمِّ التَّاءِ وَمَعْنَاهُ اخْتَرْتُ وَاصْطَفَيْتُ وَأَمَّا غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي إِلَى آخِرِهِ فَمَعْنَاهُ اصْطَفَيْتُهُمْ وَتَوَلَّيْتُهُمْ فَلَا يَتَطَرَّقُ إِلَى كَرَامَتِهِمْ تَغْيِيرٌ وَفِي آخِرِ الْكَلَامِ حَذْفٌ اخْتُصِرَ لِلْعِلْمِ بِهِ تَقْدِيرُهُ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ مَا أَكْرَمْتُهُمْ بِهِ وَأَعْدَدْتُهُ لَهُمْ وَقَوْلُهُ وَمِصْدَاقُهُ هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَمَعْنَاهُ دَلِيلُهُ وَمَا يُصَدِّقُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى عَنْ أَخَسِّ أَهْلِ الْجَنَّةِ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا

السِّينُ الْمُشَدَّدَةُ وَهَكَذَا رَوَاهُ جَمِيعُ الرُّوَاةِ وَمَعْنَاهُ أَدْنَاهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى [190] قَوْلُهُ (عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ) هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ الْمُكَرَّرَةِ [191] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما يسأل عن الورود فقال نجئ نَحْنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ كَذَا وَكَذَا انْظُرْ أَيْ ذَلِكَ فَوْقَ النَّاسِ قَالَ فَتُدْعَى الْأُمَمُ بِأَوْثَانِهَا إِلَى آخِرِهِ) هَكَذَا وَقَعَ هَذَا اللَّفْظُ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَاتَّفَقَ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَتَغْيِيرٌ وَاخْتِلَاطٌ فِي اللَّفْظِ قَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْحَقِّ

فِي كِتَابِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ هَذَا الَّذِي وَقَعَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ تَخْلِيطٌ مِنْ أَحَدِ النَّاسِخِينَ أَوْ كَيْفَ كَانَ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذِهِ صُورَةُ الْحَدِيثِ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَفِيهِ تغيير كثير وتصحيف قال وصوابه نجئ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى كَوْمٍ هَكَذَا رَوَاهُ بَعْضُ أهل الحديث وفي كتاب بن أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ طَرِيقِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى تَلٍّ وَأُمَّتِي عَلَى تَلٍّ وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ حديث بن عُمَرَ فَيَرْقَى هُوَ يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتُهُ عَلَى كَوْمٍ فَوْقَ النَّاسِ وَذَكَرَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلٍّ قَالَ الْقَاضِي فَهَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ مَا تَغَيَّرَ مِنَ الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ كَانَ أَظْلَمَ هَذَا الْحَرْفُ عَلَى الرَّاوِي أَوْ أُمْحِيَ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِكَذَا وَكَذَا وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ أَيْ فَوْقَ النَّاسِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ انْظُرْ تَنْبِيهًا فَجَمَعَ النَّقَلَةُ الْكُلَّ وَنَسَّقُوهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ مَتْنِ الْحَدِيثِ كَمَا تَرَاهُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ جَاءَ كُلُّهُ مِنْ كَلَامِ جَابِرٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ شَرْطِ مُسْلِمٍ إِذْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ وَأَدْخَلَهُ فِي الْمُسْنَدِ لِأَنَّهُ رُوِيَ مُسْنَدًا مِنْ غير هذا الطريق فذكر بن أبي خيثمة عن بن جريج يَرْفَعُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ يَضْحَكُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فَيُنْطَلَقُ بِهِمْ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هذا في حديث بن أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ فِي الشَّفَاعَةِ وَإِخْرَاجِ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ وَذَكَرَ إِسْنَادَهُ وَسَمَاعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى بَعْضِ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (فَيَتَجَلَّى لَهُمْ يَضْحَكُ فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ وَيَتَّبِعُونَهُ) فَتَقَدَّمَ بَيَانُهُمَا فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ قَرِيبًا مَعْنَى الضَّحِكِ وَأَمَّا التَّجَلِّي فَهُوَ الظُّهُورُ وَإِزَالَةُ الْمَانِعِ مِنَ الرُّؤْيَةِ وَمَعْنَى يَتَجَلَّى يَضْحَكُ أَيْ يَظْهَرُ وَهُوَ رَاضٍ عَنْهُمْ

قَوْلُهُ (ثُمَّ يُطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِينَ) رُوِيَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا وَهُمَا صَحِيحَانِ مَعْنَاهُمَا ظَاهِرٌ قَوْلُهُ (ثُمَّ يَنْجُو الْمُؤْمِنُونَ) هَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ وَفِي أَكْثَرِهَا الْمُؤْمِنِينَ بِالْيَاءِ قَوْلُهُ (أَوَّلُ زُمْرَةٍ) أَيْ جَمَاعَةٍ قَوْلُهُ (حَتَّى يَنْبُتُوا نبات الشئ فِي السَّيْلِ وَيَذْهَبُ حُرَاقُهُ ثُمَّ يَسْأَلُ حَتَّى تُجْعَلَ لَهُ الدُّنْيَا وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا) هَكَذَا هُوَ في جميع الاصول ببلادنا نبات الشئ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وَعَنْ بَعْضِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ نَبَاتَ الدِّمْنِ يَعْنِي بِكَسْرِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَوْجُودَةُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ لِعَبْدِ الْحَقِّ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَشْهُورُ الظَّاهِرُ وَهُوَ بِمَعْنَى الرِّوَايَاتِ السَّابِقَةِ نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ وَأَمَّا نَبَاتُ الدِّمْنِ فَمَعْنَاهَا أَيْضًا كَذَلِكَ فَإِنَّ الدِّمْنَ الْبَعْرُ وَالتَّقْدِيرُ نَبَاتَ ذِي الدمن في السيل أى كما ينبت الشئ الْحَاصِلُ فِي الْبَعْرِ وَالْغُثَاءِ الْمَوْجُودِ فِي أَطْرَافِ النَّهَرِ وَالْمُرَادُ التَّشْبِيهُ بِهِ فِي السُّرْعَةِ وَالنَّضَارَةِ وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ إِلَى تَصْحِيحِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَكِنْ لَمْ يُنَقِّحِ الْكَلَامَ فِي تَحْقِيقِهَا بَلْ قَالَ عِنْدِي أَنَّهَا رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ وَمَعْنَاهُ سُرْعَةُ نَبَاتِ الدِّمْنِ مَعَ ضَعْفِ مَا يَنْبُتُ فِيهِ وَحُسْنِ مَنْظَرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَيَذْهَبُ حُرَاقُهُ) فَهُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَالضَّمِيرُ فِي حُرَاقِهِ يَعُودُ عَلَى الْمُخْرَجِ مِنَ النَّارِ وَعَلَيْهِ يَعُودُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ

ثُمَّ يَسْأَلُ وَمَعْنَى حُرَاقِهِ أَثَرُ النَّارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي يَزِيدُ الْفَقِيرُ) هُوَ يَزِيدُ بْنُ صُهَيْبٍ الْكُوفِيُّ ثُمَّ الْمَكِّيُّ أَبُو عُثْمَانَ قِيلَ لَهُ الْفَقِيرُ لِأَنَّهُ أُصِيبَ فِي فَقَارِ ظَهْرِهِ فَكَانَ يَأْلَمُ مِنْهُ حَتَّى يَنْحَنِيَ لَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ يَحْتَرِقُونَ فِيهَا إِلَّا دَارَاتِ وُجُوهِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ حَتَّى يَدْخُلُونَ بِالنُّونِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهِيَ لُغَةٌ سَبَقَ بَيَانُهَا وَأَمَّا دَارَاتِ الْوُجُوهِ فَهِيَ جَمْعُ دَارَةٍ وَهِيَ مَا يُحِيطُ بِالْوَجْهِ مِنْ جَوَانِبِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّارَ لَا تَأْكُلُ دَارَةَ الْوَجْهِ لِكَوْنِهَا مَحَلَّ السُّجُودِ وَوَقَعَ هُنَا إِلَّا دَارَاتِ الْوُجُوهِ وَسَبَقَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ إِلَّا مَوَاضِعَ السُّجُودِ وَسَبَقَ هُنَاكَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كُنْتُ قَدْ شَغَفَنِي رَأْيٌ مَنْ رَأْيِ الْخَوَارِجِ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَالرِّوَايَاتِ شَغَفَنِي بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ رُوِيَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ وَمَعْنَاهُ لَصِقَ بِشَغَافِ قَلْبِي وَهُوَ غِلَافُهُ وَأَمَّا رَأْيُ الْخَوَارِجِ فَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مَرَّاتٍ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَبَائِرِ يَخْلُدُونَ فِي النَّارِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا مَنْ دَخَلَهَا قَوْلُهُ (فَخَرَجْنَا فِي عِصَابَةٍ ذَوِي عَدَدٍ نُرِيدُ أَنْ نَحُجَّ ثُمَّ نَخْرُجَ عَلَى النَّاسِ) مَعْنَاهُ خَرَجْنَا مِنْ بِلَادِنَا وَنَحْنُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ

لِنَحُجَّ ثُمَّ نَخْرُجُ عَلَى النَّاسِ مُظْهِرِينَ مَذْهَبَ الخوارج وندعوا إِلَيْهِ وَنَحُثُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ زَعَمَ أَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ) زَعَمَ هُنَا بِمَعْنَى قَالَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ إِيضَاحُهَا وَنَقْلُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ) هُوَ بِالسِّينَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ وَالثَّانِيَةُ مَكْسُورَةٌ وَهُوَ جَمْعُ سِمْسِمٍ وَهُوَ هَذَا السِّمْسِمُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ الشَّيْرَجُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو السَّعَادَاتِ الْمُبَارَكُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْأَثِيرِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ السَّمَاسِمَ جَمْعُ سِمْسِمٍ وَعِيدَانُهُ تَرَاهَا إِذَا قُلِعَتْ وَتُرِكَتْ فِي الشَّمْسِ لِيُؤْخَذُ حَبُّهَا دِقَاقًا سُودًا كَأَنَّهَا مُحْتَرِقَةٌ فَشَبَّهَ بِهَا هَؤُلَاءِ قَالَ وَطَالَمَا طَلَبْتُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَسَأَلْتُ عَنْهَا فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا شَافِيًا قَالَ وَمَا أَشْبَهَ أَنْ تَكُونَ اللَّفْظَةُ مُحَرَّفَةً وَرُبَّمَا كَانَتْ عِيدَانُ السَّاسَمِ وَهُوَ خَشَبٌ أَسْوَدُ كَالْآبَنُوسِ هَذَا كَلَامُ أَبِي السَّعَادَاتِ وَالسَّاسَمُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ بِحَذْفِ الْمِيمِ وَفَتْحِ السِّينِ الثَّانِيَةِ كَذَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا الْقَاضِي عِيَاضٌ فَقَالَ لَا يعرف معنى السماسم هنا قال ولعله صَوَابَهُ عِيدَانُ السَّاسَمِ وَهُوَ أَشْبَهُ وَهُوَ عُودٌ أَسْوَدُ وَقِيلَ هُوَ الْآبَنُوسُ وَأَمَّا صَاحِبُ الْمَطَالِعِ فَقَالَ قَالَ بَعْضُهُمْ السَّمَاسِمُ كُلُّ نَبْتٍ ضَعِيفٍ كَالسِّمْسِمِ وَالْكُزْبَرَةِ وَقَالَ آخَرُونَ لَعَلَّهُ السَّأْسَمُ مَهْمُوزٌ وَهُوَ الْآبَنُوسُ شَبَّهَهُمْ بِهِ فِي سَوَادِهِ فَهَذَا

مُخْتَصَرُ مَا قَالُوهُ فِيهِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ السِّمْسِمُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَلَى مَا بَيَّنَهُ أَبُو السَّعَادَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ من الأصول والكتب كَأَنَّهَا عِيدَانُ السَّمَاسِمِ بِأَلِفٍ بَعْدَ الْهَاءِ وَالصَّحِيحُ الْمَوْجُودُ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ وَالْكُتُبِ كَأَنَّهُمْ بِمِيمٍ بَعْدَ الْهَاءِ وَلِلْأَوَّلِ أَيْضًا وَجْهٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي كَأَنَّهَا عَائِدٌ عَلَى الصُّوَرِ أَيْ كَأَنَّ صُوَرَهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ الْقَرَاطِيسُ) الْقَرَاطِيسُ جَمْعُ قِرْطَاسٍ بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ وَهُوَ الصَّحِيفَةُ الَّتِي يُكْتَبُ فِيهَا شَبَّهَهُمْ بِالْقَرَاطِيسِ لِشِدَّةِ بَيَاضِهِمْ بَعْدَ اغْتِسَالِهِمْ وَزَوَالِ مَا كَانَ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّوَادِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقُلْنَا وَيْحَكُمْ أَتَرَوْنَ الشَّيْخَ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَعْنِي بِالشَّيْخِ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَجَحْدٍ أَيْ لَا يُظَنُّ بِهِ الْكَذِبُ بِلَا شَكٍّ قوله (فرجعنا فلا والله ماخرج مِنَّا غَيْرُ رَجُلٍ وَاحِدٍ) مَعْنَاهُ رَجَعْنَا مِنْ حَجِّنَا وَلَمْ نَتَعَرَّضْ لِرَأْيِ الْخَوَارِجِ بَلْ كَفَفْنَا عَنْهُ وَتُبْنَا مِنْهُ إِلَّا رَجُلًا مِنَّا فَإِنَّهُ لَمْ يُوَافِقنَا فِي الِانْكِفَافِ عَنْهُ قَوْلُهُ (أَوْ كَمَا قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ) الْمُرَادُ بِأَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَّلِ الْإِسْنَادِ وَهُوَ شَيْخُ شَيْخِ مُسْلِمٍ وَهَذَا الَّذِي فَعَلَهُ أَدَبٌ مَعْرُوفٌ مِنْ آدَابِ الرُّوَاةِ وَهُوَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلرَّاوِي إِذَا رَوَى بِالْمَعْنَى أَنْ يَقُولَ عَقِبَ رِوَايَتِهِ أَوْ كَمَا قَالَ احْتِيَاطًا وَخَوْفًا مِنْ تَغْيِيرٍ حَصَلَ [192] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الْأَزْدِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ وَثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ أَمَّا هَدَّابٌ فَهُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا هُدْبَةُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ فَأَحَدُهُمَا اسْمٌ وَالْآخَرُ لَقَبٌ وَاخْتُلِفَ فِيهِمَا وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ وَأَمَّا أَبُو عِمْرَانَ فَهُوَ الْجُونِيِّ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ وَأَمَّا

ثَابِتٌ فَهُوَ الْبُنَانِيُّ [193] قَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ (الْجَحْدَرِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَبَعْدَهَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ دَالٌ مُهْمَلَةٌ مَفْتُوحَةٌ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدٍّ لَهُ اسْمُهُ جَحْدَرٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ قَوْلُهُ (مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيُّ) هُوَ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى غُبَرَ جَدِّ الْقَبِيلَةِ تَقَدَّمَ أَيْضًا بَيَانُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَهْتَمُّونَ لِذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ فَيُلْهَمُونَ مَعْنَى اللَّفْظَتَيْنِ مُتَقَارِبٌ فَمَعْنَى الْأُولَى أَنَّهُمْ يَعْتَنُونَ بِسُؤَالِ الشَّفَاعَةِ وَزَوَالِ الْكَرْبِ الَّذِي هُمْ فِيهِ وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُلْهِمهُمْ سُؤَالَ ذَلِكَ وَالْإِلْهَامُ أَنْ يُلْقِيَ اللَّهُ تَعَالَى فِي النَّفْسِ أَمْرًا يُحْمَلُ عَلَى فِعْلِ الشئ أَوْ تَرْكِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ أَنَّهُمْ يَأْتُونَ آدَمَ وَنُوحًا وَبَاقِيَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ فَيَطْلُبُونَ شَفَاعَتَهُمْ فَيَقُولُونَ لَسْنَا هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُونَ خَطَايَاهُمْ إِلَى آخِرِهِ اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ وَغَيْرِهِمُ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْمَعَاصِي عَلَى الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَقَدْ لَخَصَّ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَقَاصِدَ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ لَا خِلَافَ أَنَّ الْكُفْرَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ النُّبُوَّةِ لَيْسَ بِجَائِزٍ بَلْ هُمْ مَعْصُومُونَ مِنْهُ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَمَّا الْمَعَاصِي فَلَا خِلَافَ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ كُلِّ كَبِيرَةٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْعَقْلِ أَوِ الشَّرْعِ فَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَمَنْ مَعَهُ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ مِنْ مُقْتَضَى دَلِيلِ الْمُعْجِزَةِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَمَنْ وَافَقَهُ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْإِجْمَاعِ وَذَهَبَتِ الْمُعْتَزِلَةُ إلى أن ذلك من طريق العقل وكذلك اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ طَرِيقُهُ الْإِبْلَاغَ فِي الْقَوْلِ فَهُمْ مَعْصُومُونَ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَمَّا مَا كَانَ طَرِيقُهُ الْإِبْلَاغَ فِي الْفِعْلِ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْعِصْمَةِ فِيهِ رَأْسًا وَأَنَّ السَّهْوَ وَالنِّسْيَانَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ فيه وتأولوا

أَحَادِيثَ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا بِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوَاضِعِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْمُظَفَّرِ الْإِسْفَرَايِنِيُّ مِنْ أَئِمَّتِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَشَايِخِ الْمُتَصَوِّفَةِ وَذَهَبَ مُعْظَمُ الْمُحَقِّقِينَ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَوُقُوعِهِ مِنْهُمْ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ تَنْبِيهِهِمْ عَلَيْهِ وَذِكْرِهِمْ إِيَّاهُ إِمَّا فِي الْحِينِ عَلَى قَوْلِ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَإِمَّا قَبْلَ وَفَاتِهِمْ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ لِيَسُنُّوا حُكْمَ ذَلِكَ وَيُبَيِّنُوهُ قَبْلَ انْخِرَامِ مُدَّتِهِمْ وَلِيَصِحَّ تَبْلِيغُهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ لَا خِلَافَ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الصَّغَائِرِ الَّتِي تزرى بفاعلها وتحط منزلته وتسقط مروأته وَاخْتَلَفُوا فِي وُقُوعِ غَيْرِهَا مِنَ الصَّغَائِرِ مِنْهُمْ فَذَهَبَ مُعْظَمُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى جَوَازِ وُقُوعِهَا مِنْهُمْ وَحُجَّتُهُمْ ظَوَاهِرُ الْقُرْآنِ وَالْأَخْبَارِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّحْقِيقِ وَالنَّظَرِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَئِمَّتنَا إِلَى عِصْمَتِهِمْ مِنَ الصَّغَائِرِ كَعِصْمَتِهِمْ مِنَ الْكَبَائِرِ وَأَنَّ منصب النبوة يجل عن مواقعها وَعَنْ مُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَمْدًا وَتَكَلَّمُوا عَلَى الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَتَأَوَّلُوهَا وَأَنَّ مَا ذُكِرَ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا كَانَ مِنْهُمْ عَلَى تَأْوِيلٍ أَوْ سَهْوٍ أَوْ مِنْ إِذْنٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَشْيَاءَ أَشْفَقُوا مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ بِهَا وَأَشْيَاءَ مِنْهُمْ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ هُوَ الْحَقُّ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ لَمْ يَلْزَمْنَا الِاقْتِدَاءُ بِأَفْعَالِهِمْ وَإِقْرَارِهِمْ وَكَثِيرٌ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَلَا خِلَافَ فِي الِاقْتِدَاءِ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ هَلْ ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى النَّدْبِ أَوِ الْإِبَاحَةِ أَوِ التَّفْرِيقِ فِيمَا كَانَ مِنْ بَابِ الْقُرَبِ أَوْ غَيْرِهَا قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي كِتَابِنَا الشِّفَاءُ وَبَلَغْنَا فِيهِ الْمَبْلَغَ الَّذِي لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ وَتَكَلَّمْنَا عَلَى الظَّوَاهِرِ فِي ذَلِكَ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَلَا يَهُولُكَ أَنْ نَسَبَ قَوْمٌ هَذَا الْمَذْهَبَ إِلَى الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَطَوَائِفَ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ إِذْ مَنْزِعُهُمْ فِيهِ مَنْزِعٌ آخَرُ مِنَ التَّكْفِيرِ بِالصَّغَائِرِ وَنَحْنُ نَتَبَرَّأُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا الْمَذْهَبِ وَانْظُرْ هَذِهِ الْخَطَايَا الَّتِي ذُكِرَتْ لِلْأَنْبِيَاءِ مِنْ أَكْلِ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ الشَّجَرَةِ نَاسِيًا وَمِنْ دَعْوَةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى قَوْمٍ كُفَّارٍ وقتل موسى صلى الله عليه وسلم لكافر لَمْ يُؤْمَرْ بِقَتْلِهِ وَمُدَافَعَةِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم الكفار بقوله

عَرَّضَ بِهِ هُوَ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ صَادِقٍ وَهَذِهِ كُلُّهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ لَيْسَتْ بِذُنُوبٍ لَكِنَّهُمْ أَشْفَقُوا مِنْهَا إِذْ لَمْ تَكُنْ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَتَبَ عَلَى بَعْضِهِمْ فِيهَا لِقَدْرِ مَنْزِلَتِهِمْ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فِي آدَمَ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ) هُوَ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ التَّشْرِيفِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَسْتَ هُنَاكُمْ) مَعْنَاهُ لَسْتَ أَهْلًا لِذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى) قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ قَدْ ذَكَرَ الْمُؤَرِّخُونَ أَنَّ إِدْرِيسَ جَدُّ نُوحٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ أَنَّ إِدْرِيسَ أُرْسِلَ أَيْضًا لَمْ يَصِحَّ قَوْلُ النَّسَّابِينَ أَنَّهُ قَبْلَ نُوحٍ لِإِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ آدَمَ أَنَّ نُوحًا أَوَّلُ رَسُولٍ بُعِثَ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ جَازَ مَا قَالُوهُ وَصَحَّ أَنْ يُحْمَلَ أَنَّ إِدْرِيسَ كَانَ نَبِيًّا غَيْرَ مرسل قال القاضي عياض وقد قِيلَ إِنَّ إِدْرِيسَ هُوَ إِلْيَاسُ وَأَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ مَعَ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ فَإِنْ كَانَ هَكَذَا سَقَطَ الِاعْتِرَاضُ قَالَ الْقَاضِي وَبِمِثْلِ هَذَا يَسْقُطُ الِاعْتِرَاضُ بِآدَمَ وَشِيثَ وَرِسَالَتِهِمَا إِلَى مَنْ مَعَهُمَا وَإِنْ كَانَا رَسُولَيْنِ فَإِنَّ آدَمَ إِنَّمَا أُرْسِلَ لِبَنِيهِ وَلَمْ يَكُونُوا كُفَّارًا بَلْ أُمِرَ بِتَعْلِيمِهِمُ الْإِيمَانَ وَطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ خَلَفَهُ شِيثٌ بَعْدَهُ فِيهِمْ بِخِلَافِ رِسَالَةِ نُوحٍ إِلَى كُفَّارِ أَهْلِ الْأَرْضِ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ بَطَّالٍ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ آدَمَ لَيْسَ بِرَسُولٍ لِيَسْلَمَ مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الطَّوِيلُ يَنُصُّ عَلَى أَنَّ آدَمَ وَإِدْرِيسَ رَسُولَانِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ الَّذِي اتَّخَذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصْلُ الْخَلَّةِ الِاخْتِصَاصُ وَالِاسْتِصْفَاءُ وَقِيلَ

أَصْلُهَا الِانْقِطَاعُ إِلَى مَنْ خَالَلْتَ مَأْخُوذٌ مِنَ الخلة وهي الحاجة فسمى ابراهيم صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ لِأَنَّهُ قَصَرَ حَاجَتَهُ عَلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقِيلَ الْخَلَّةُ صَفَاءُ الْمَوَدَّةِ الَّتِي تُوجِبُ تَخَلُّلَ الْأَسْرَارِ وَقِيلَ مَعْنَاهَا الْمَحَبَّةُ وَالْإِلْطَافُ هَذَا كلام القاضي وقال بن الْأَنْبَارِيِّ الْخَلِيلُ مَعْنَاهُ الْمُحِبُّ الْكَامِلُ الْمَحَبَّةِ وَالْمَحْبُوبُ الْمُوَفِّي بِحَقِيقَةِ الْمَحَبَّةِ اللَّذَانِ لَيْسَ فِي حُبِّهِمَا نَقْصٌ وَلَا خَلَلٌ قَالَ الْوَاحِدِيُّ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الِاخْتِيَارُ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلِيلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِبْرَاهِيمَ خَلِيلُ اللَّهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ اللَّهُ تَعَالَى خَلِيلُ إِبْرَاهِيمَ مِنَ الْخَلَّةِ الَّتِي هِيَ الْحَاجَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ يَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ أَوْ لَسْتُ لَهَا) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هذا يقولونه تواضعا واكبارا لما يسئلونه قَالَ وَقَدْ تَكُونُ إِشَارَةً مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الشَّفَاعَةَ وَهَذَا الْمَقَامَ لَيْسَ لَهُ بَلْ لِغَيْرِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَدُلُّ عَلَى الْآخَرِ حَتَّى انْتَهَى الْأَمْرُ إِلَى صَاحِبِهِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ صَاحِبَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَيَّنًا وَتَكُونُ إِحَالَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْآخَرِ عَلَى تَدْرِيجِ الشَّفَاعَةِ فِي ذَلِكَ إِلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَفِيهِ تَقْدِيمُ ذَوِي الْأَسْنَانِ وَالْآبَاءِ عَلَى الْأَبْنَاءِ فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَهَا بَالٌ قَالَ وَأَمَّا مُبَادَرَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لذلك واجابته لِدَعْوَتِهِمْ فَلِتَحَقُّقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذِهِ الْكَرَامَةَ وَالْمَقَامَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْهَمَهُمْ سُؤَالَ آدَمَ وَمَنْ بَعْدَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَمْ يُلْهَمُوا سُؤَالَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِظْهَارُ فَضِيلَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُمْ لَوْ سَأَلُوهُ ابْتِدَاءً لَكَانَ يَحْتَمِلُ أَنَّ غَيْرَهُ يَقْدِرُ عَلَى هَذَا وَيُحَصِّلُهُ وَأَمَّا إِذَا سَأَلُوا غَيْرَهُ مِنْ رُسُلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَصْفِيَائِهِ فَامْتَنَعُوا ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَجَابَ وَحَصَلَ غَرَضُهُمْ فَهُوَ النِّهَايَةُ فِي ارْتِفَاعِ الْمَنْزِلَةِ وَكَمَالِ الْقُرْبِ وَعَظِيمِ الْإِدْلَالِ وَالْأُنْسِ وَفِيهِ تَفْضِيلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَمِيعِ الْمَخْلُوقِينَ مِنَ الرُّسُلِ وَالْآدَمِيِّينَ وَالْمَلَائِكَةِ فَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الْعَظِيمَ وَهِيَ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ غَيْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا) هَذَا بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّمَ مُوسَى حَقِيقَةً كَلَامًا سَمِعَهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَلِهَذَا أُكِّدَ بِالْمَصْدَرِ وَالْكَلَامُ صِفَةٌ ثَابِتَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يُشْبِهُ كَلَامَ غَيْرِهِ قَوْلُهُ فِي عِيسَى (رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي مَعْنَاهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ائْتُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ) هَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ قَالَ الْقَاضِي قِيلَ الْمُتَقَدِّمُ مَا كَانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَالْمُتَأَخِّرُ عِصْمَتُكَ بَعْدَهَا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ ذُنُوبُ أُمَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُرَادُ الْغُفْرَانَ لِبَعْضِهِمْ أَوْ سَلَامَتَهُمْ مِنَ الْخُلُودِ فِي النَّارِ وَقِيلَ الْمُرَادُ مَا وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَهْوٍ وَتَأْوِيلٍ حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ وَاخْتَارَهُ الْقُشَيْرِيُّ وَقِيلَ مَا تَقَدَّمَ لِأَبِيكَ آدَمَ وَمَا تَأَخَّرَ مِنْ ذُنُوبِ أُمَّتِكَ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَكَ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِذَنْبٍ لَوْ كَانَ وَقِيلَ هُوَ تَنْزِيهٌ لَهُ مِنَ الذُّنُوبِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَأْتُونِي فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَيُؤْذَنُ لِي فِي الشَّفَاعَةِ الْمَوْعُودِ بِهَا وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الَّذِي ادَّخَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ يَبْعَثَهُ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي وَجَاءَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ابْتِدَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ سُجُودِهِ وَحَمْدِهِ وَالْإِذْنِ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ بِقَوْلِهِ أُمَّتِي أُمَّتِي وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بَعْدَ هَذَا في هذا الْحَدِيثِ نَفْسِهِ قَالَ فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُومُ وَيُؤْذَنُ لَهُ وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ فَيَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا فَيَمُرُّ أَوَّلُهُمْ كَالْبَرْقِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ وَبِهَذَا يَتَّصِلُ الْحَدِيثُ لِأَنَّ هَذِهِ هِيَ الشَّفَاعَةُ الَّتِي لَجَأَ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا وَهِيَ الْإِرَاحَةُ مِنَ الْمَوْقِفِ وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْعِبَادِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ حَلَّتِ الشَّفَاعَةُ في أمته

(وفي المذنبين وحلت الشفاعة للأنبياء والملائكة

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَفِي الْمُذْنِبِينَ وَحَلَّتِ الشَّفَاعَةُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ كَمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ وَجَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الرُّؤْيَةِ وَحَشْرِ النَّاسِ اتِّبَاعُ كُلِّ أَمَةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ ثُمَّ تَمْيِيزُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ ثُمَّ حُلُولُ الشَّفَاعَةِ وَوَضْعُ الصِّرَاطِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْأَمْرَ بِاتِّبَاعِ الْأُمَمِ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ هُوَ أَوَّلُ الْفَصْلِ وَالْإِرَاحَةِ مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ وَهُوَ أَوَّلُ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ وَأَنَّ الشَّفَاعَةَ الَّتِي ذَكَرَ حُلُولَهَا هِيَ الشَّفَاعَةُ فِي الْمُذْنِبِينَ عَلَى الصِّرَاطِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَأَنَّهَا لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِغَيْرِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَحَادِيثِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهَا الشَّفَاعَةَ فِيمَنْ دَخَلَ النَّارَ وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ مُتُونُ الْحَدِيثِ وَتَتَرَتَّبَ مَعَانِيهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ) أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ وَبَيَّنَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ قَوْلَهُ أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ هُوَ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ الرَّاوِي وَهَذَا التَّفْسِيرُ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ مَنْ أَخْبَرَ الْقُرْآنُ أَنَّهُ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ وَهُمُ الْكُفَّارُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ به وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ السَّلَفُ أَنَّهُ)

لَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ أَحَدٌ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثم آتيه فأقول يارب) مَعْنَى آتِيهِ أَيْ أَعُودُ إِلَى الْمَقَامِ الَّذِي قُمْتُ فِيهِ أَوَّلًا وَسَأَلْتُ وَهُوَ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بشار قالا حدثنا بن أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ مُسْلِمٌ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ) قَالَ مُسْلِمٌ (وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَهِشَامٌ صَاحِبُ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ مُسْلِمٌ وَحَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ المثنى قالا حدثنا معاذ وهو بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ) قَالَ مُسْلِمٌ

(حدثنا أبو الربيع العتكي حدثنا حماد بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَنَزِيُّ) يَعْنِي عَنْ أَنَسٍ هَذِهِ الْأَسَانِيدُ رِجَالُهَا كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ وَهَذَا الِاتِّفَاقُ فِي غَايَةٍ مِنَ الْحُسْنِ وَنِهَايَةٍ مِنَ النُّدُورِ أَعْنِي اتِّفَاقَ خَمْسَةِ أَسَانِيدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مُتَوَالِيَةٍ جَمِيعُهُمْ بَصْرِيُّونَ وَالْحَمْدُ لله على ما هدانا له فأما بن أَبَى عَدِيٍّ فَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ وَأَمَّا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ هَكَذَا يُرْوَى فِي كُتُبِ الحديث وغيرها وأن بن قتيبة قال في كتابه أدب الكتاب الصواب بن أَبِي الْعَرُوبَةِ بِالْأَلْفِ وَاللَّامِ وَاسْمُ أَبِي عَرُوبَةَ مِهْرَانُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَيْضًا أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ مِمَّنِ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَأَنَّ الْمُخْتَلِطَ لَا يُحْتَجُّ بِمَا رَوَاهُ فِي حَالِ الِاخْتِلَاطِ وَشَكَكْنَا هَلْ رَوَاهُ فِي الِاخْتِلَاطِ أَمْ فِي الصِّحَّةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَا كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْمُخْتَلِطِينَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عُرِفَ أَنَّهُ رَوَاهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا هِشَامٌ صَاحِبُ الدَّسْتَوَائِيِّ فَهُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبَعْدَهُمَا مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقُ مَفْتُوحَةٌ وَبَعْدَ الْأَلِفِ يَاءٌ مِنْ غَيْرِ نُونٍ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَهَكَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَزِيدُ فِيهِ نُونًا بَيْنَ الْأَلِفِ وَالْيَاءِ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى دَسْتَوَاءَ وَهِيَ كَوْرَةٌ مِنْ كُوَرِ الْأَهْوَازِ كَانَ يَبِيعُ الثِّيَابَ الَّتِي تُجْلَبُ مِنْهَا فَنُسِبَ إِلَيْهَا فَيُقَالُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ وَهِشَامٌ صَاحِبُ الدستوائي أى صاحب البر الدَّسْتَوَائِيُّ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى أَوْهَمَتْ لَبْسًا فَقَالَ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَذَانِ حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ صَاحِبِ الدَّسْتَوَائِيِّ فَتَوَهَّمَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ أَنَّ قوله صَاحِبِ الدَّسْتَوَائِيِّ مَرْفُوعٌ وَأَنَّهُ صِفَةٌ لِمُعَاذٍ فَقَالَ يُقَالُ صَاحِبُ الدَّسْتَوَائِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُهُ وَهَذَا الذى قاله صاحب المطالع ليس بشئ وَإِنَّمَا صَاحِبُ هُنَا مَجْرُورٌ

صِفَةٌ لِهِشَامٍ كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي نَحْنُ الْآنَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ فَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَأَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ وَتَرْكُهُ وَأَنَّ الْمِسْمَعِيُّ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى مِسْمَعٍ جَدِّ الْقَبِيلَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُعَاذٌ وهو بن هِشَامٍ فَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْفُصُولِ وَفِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَأَنَّ فَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ قَوْلُهُ بن هِشَامٍ فِي الرِّوَايَةِ فَأَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَهُ وَلَمْ يَسْتَجِزْ أَنْ يَقُولَ مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ لِكَوْنِهِ لم يقع في الرواية فقال وهو بن هِشَامٍ وَهَذَا وَأَشْبَاهُهُ مِمَّا كُرِّرَ ذِكْرُهُ أَقْصِدُ بِهِ الْمُبَالَغَةَ فِي الْإِيضَاحِ وَالتَّسْهِيلِ فَإِنَّهُ إِذَا طَالَ الْعَهْدُ بِهِ قَدْ يُنْسَى وَقَدْ يَقِفُ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ بالموضع المتقدم والله أعلم وأما قوله قَوْلُهُ أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ فَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالتَّاءِ وَهُوَ أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ الَّذِي يُكَرِّرُهُ مُسْلِمٌ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَاسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ نَسَبَهُ مُسْلِمٌ مَرَّةً زَهْرَانِيًّا وَمَرَّةً عَتَكِيًّا وَمَرَّةً جَمَعَ لَهُ النَّسَبَيْنِ وَلَا يَجْتَمِعَانِ بِوَجْهٍ وَكِلَاهُمَا يَرْجِعُ إِلَى الْأَزْدِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْجَمْعِ سَبَبٌ مِنْ جَوَازٍ أَوْ خَلِفٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَعْبَدٌ الْعَنَزِيُّ فَهُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِفَتْحِ النُّونِ وَبِالزَّايِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزْنُ ذَرَّةً) الْمُرَادُ بِالذَّرَّةِ وَاحِدَةُ الذَّرِّ وَهُوَ الْحَيَوَانُ الْمَعْرُوفُ الصَّغِيرُ مِنَ النَّمْلِ وَهِيَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَمَعْنَى يَزْنُ أَيْ يَعْدِلُ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ شُعْبَةَ جَعَلَ مَكَانَ الذَّرَّةِ ذُرَةً فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ رَوَاهُ بِضَمِّ الذَّالِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ تَصْحِيفٌ مِنْهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ قَالَ يَزِيدُ صَحَّفَ فِيهَا أَبُو بِسْطَامَ يَعْنِي شُعْبَةَ قَوْلُهُ (فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَأَجْلَسَ ثَابِتًا مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ) فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ وَكَبِيرِ الْمَجْلِسِ أَنْ يُكْرِمَ فُضَلَاءَ الدَّاخِلِينَ عَلَيْهِ وَيُمَيِّزَهُمْ بِمَزِيدِ إِكْرَامٍ فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (إِخْوَانُكَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ) قَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ أَنَّ فِي الْبَصْرَةِ ثَلَاثَ لُغَاتٍ فَتْحُ الْبَاءِ وَضَمُّهَا وَكَسْرُهَا وَالْفَتْحُ هُوَ الْمَشْهُورُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ (فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ الْآنَ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَيَعُودُ الضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِ إِلَى الْحَمْدِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيُقَالُ انْطَلِقْ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ بُرَّةٍ أَوْ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ مِنْهَا فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ) ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ (فَيُقَالُ انْطَلِقْ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ) ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم

(فَيُقَالُ لِي انْطَلِقْ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ) أَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَاتَّفَقَتِ الْأُصُولُ عَلَى أَنَّهُ فَأَخْرِجْهُ بِضَمِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي بَعْضِ الْأُصُولِ فَأَخْرِجُوهُ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى لَفْظِ الْجَمْعِ وَفِي بَعْضِهَا فَأَخْرِجْهُ وَفِي أَكْثَرِهَا فَأَخْرِجُوا بِغَيْرِ هَاءٍ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ فَمَنْ رَوَاهُ فَأَخْرِجُوهُ يَكُونُ خِطَابًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَمَنْ حَذَفَ الْهَاءَ فَلِأَنَّهَا ضَمِيرُ الْمَفْعُولِ وَهُوَ فَضْلَةٌ يَكْثُرُ حَذْفُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ مُكَرَّرٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ السَّلَفِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَنَظَائِرُهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرَةٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا تَقْرِيرَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَأَوْضَحْنَا الْمَذَاهِبَ فيها والجمع بينها والله أعلم وقوله (هَذَا حَدِيثُ أَنَسٍ الَّذِي أَنْبَأَنَا بِهِ فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ فَلَمَّا كُنَّا بِظَهْرِ الْجَبَّانِ قُلْنَا لَوْ مِلْنَا إِلَى الْحَسَنِ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ وَهُوَ مُسْتَخْفٍ فِي دَارِ أَبِي خَلِيفَةَ قَالَ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ وَقُلْنَا يَا أَبَا سَعِيدٍ جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَبِي حَمْزَةَ فَلَمْ نَسْمَعْ بِمِثْلِ حَدِيثٍ حَدَّثَنَاهُ فِي الشَّفَاعَةِ قَالَ هِيهِ فَحَدَّثْنَاهُ الْحَدِيثَ قَالَ هِيهِ قُلْنَا مَا زَادَنَا قَالَ حَدَّثَنَا بِهِ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً وَهُوَ يَوْمئِذٍ جَمِيعٌ وَلَقَدْ تَرَكَ مِنْهُ شَيْئًا مَا أَدْرِي أَنَسِيَ الشَّيْخُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يُحَدِّثَكُمْ فَتَتَّكِلُوا قُلْنَا لَهُ

حَدِّثْنَا فَضَحِكَ وَقَالَ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ما ذكرت لكم هذا إلا وأنا أريد أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي فِي الرَّابِعَةِ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ لِي يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فأقول يارب ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ أَوْ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْكَ وَلَكِنْ وَعِزَّتِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي وَجِبْرِيَائِي لَأُخْرِجَنَّ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ فَأَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ أَنَّهُ حَدَّثَنَا بِهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَرَاهُ قَالَ قَبْلَ عِشْرِينَ سَنَةً وَهُوَ يَوْمئِذٍ جَمِيعٌ) هَذَا الْكَلَامُ فِيهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ فَلِهَذَا نَقَلْتُ الْمَتْنَ بِلَفْظِهِ مُطَوَّلًا لِيِعْرِفَ مُطَالِعُهُ مَقَاصِدَهُ أَمَّا قَوْلُهُ بِظَهْرِ الْجَبَّانِ فَالْجَبَّانُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْجَبَّانُ وَالْجَبَّانَةُ هُمَا الصَّحْرَاءُ وَيُسَمَّى بِهِمَا الْمَقَابِرُ لِأَنَّهَا تَكُونُ فِي الصحراء وهو من تسمية الشئ بِاسْمِ مَوْضِعِهِ وَقَوْلُهُ بِظَهْرِ الْجَبَّانِ أَيْ بِظَاهِرِهَا وَأَعْلَاهَا الْمُرْتَفِعِ مِنْهَا وَقَوْلُهُ مِلْنَا إِلَى الْحَسَنِ يَعْنِي عَدَلْنَا وَهُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَوْلُهُ وَهُوَ مُسْتَخْفٍ يَعْنِي مُتَغَيِّبًا خَوْفًا مِنَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ وَقَوْلُهُ قَالَ هِيهِ هُوَ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ الثَّانِيَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ فِي اسْتِزَادَةِ الْحَدِيثِ إِيهِ وَيُقَالُ هِيهِ بِالْهَاءِ بَدَلَ الْهَمْزَةِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ إِيهِ اسْمٌ سُمِّيَ بِهِ الْفِعْلُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ تَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا اسْتَزَدْتَهُ مِنْ حَدِيثٍ أَوْ عمل إيه بكسر الهمزة قال بن السِّكِّيتِ فَإِنْ وَصَلْتَ نَوَّنْتَ فَقُلْتَ إِيهٍ حَدِيثًا قال بن السَّرِيِّ إِذَا قُلْتَ إِيهِ فَإِنَّمَا تَأْمُرُهُ بِأَنْ يَزِيدَكَ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَعْهُودِ بَيْنَكُمَا كَأَنَّكَ قُلْتَ هَاتِ الْحَدِيثَ وَإِنْ قُلْتَ إِيهٍ بِالتَّنْوِينِ كَأَنَّكَ قُلْتَ هَاتِ حَدِيثًا مَا لِأَنَّ التَّنْوِينَ تَنْكِيرٌ فَأَمَّا إِذَا أَسْكَنْتَهُ وَكَفَفْتَهُ فَإِنَّكَ تَقُولُ إِيهًا عَنْهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُوَ يَوْمئِذٍ جَمِيعٌ فَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمِيمِ

وَمَعْنَاهُ مُجْتَمِعُ الْقُوَّةِ وَالْحِفْظِ وَقَوْلُهُ فَضَحِكَ فِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِضَحِكِ الْعَالِمِ بِحَضْرَةِ أَصْحَابِهِ إِذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أُنْسٌ وَلَمْ يَخْرُجْ بضحكه إلى حد يعد تركا للمرؤة وَقَوْلُهُ فَضَحِكَ وَقَالَ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ فِيهِ جَوَازُ الِاسْتِشْهَادِ بِالْقُرْآنِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِثْلُهُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا طَرَقَ فَاطِمَةَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ يَقُولُ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شئ جدلا وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ وَقَوْلُهُ مَا ذَكَرْتُ لَكُمْ هذا إلا وأنا أريد أن أحدثكموه ثم أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَتَمَّ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ أُحَدِّثَكُمُوهُ ثُمَّ ابْتَدَأَ تَمَامَ الْحَدِيثِ فَقَالَ ثُمَّ أَرْجِعُ وَمَعْنَاهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ وَلَكِنْ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي وَجِبْرِيَائِي لَأُخْرِجَنَّ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَعْنَاهُ لَأَتَفَضَّلَنَّ عَلَيْهِمْ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ غَيْرِ شَفَاعَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَجِبْرِيَائِي فَهُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ عَظَمَتِي وَسُلْطَانِي أَوْ قَهْرِي وَأَمَّا قَوْلُهُ فَأَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ أَنَّهُ حَدَّثَنَا بِهِ إِلَى آخِرِهِ فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ تَأْكِيدًا وَمُبَالَغَةً فِي تَحْقِيقِهِ وَتَقْرِيرِهِ فِي نَفْسِ الْمُخَاطَبِ وَإِلَّا فَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ) أَمَّا حَيَّانُ فَبِالْمُثَنَّاةِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ أبي حيان وأبي زرعة في أولكتاب الْإِيمَانِ وَأَنَّ اسْمَ أَبِي زُرْعَةَ هَرَمٌ وَقِيلَ عمرو وقيل عبيد الله وقيل عبد الرحمن وَاسْمُ أَبِي حَيَّانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ قَوْلُهُ (فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَحَبَّتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلذِّرَاعِ لِنُضْجِهَا وَسُرْعَةِ اسْتِمْرَائِهَا مَعَ زِيَادَةِ لَذَّتِهَا وَحَلَاوَةِ مَذَاقِهَا وَبُعْدِهَا عَنْ مَوَاضِعِ الْأَذَى هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ

بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَا كَانَتِ الذِّرَاعُ أَحَبَّ اللَّحْمِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ كَانَ لَا يَجِدُ اللَّحْمَ إِلَّا غِبًّا فَكَانَ يَعْجَلُ إِلَيْهَا لِأَنَّهَا أَعْجَلُهَا نُضْجًا قَوْلُهُ فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ رَوَوْهُ بِالْمُهْمَلَةِ وَوَقَعَ لِابْنِ مَاهَانَ بِالْمُعْجَمَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ بِمَعْنَى أَخَذَ بِأَطْرَافِ أَسْنَانِهِ قَالَ الْهَرَوِيُّ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّهْسُ بِالْمُهْمَلَةِ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ وَبِالْمُعْجَمَةِ الْأَضْرَاسُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّمَا قَالَ هَذَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحدثا بنعمة الله تعالى وقد أمره اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا وَنَصِيحَةً لَنَا بِتَعْرِيفِنَا حَقَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قيل السيد الذي يفوق قومه والذي يفزع إِلَيْهِ فِي الشَّدَائِدِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِنَّمَا خُصَّ يوم القيامة لارتفاع السودد فِيهَا وَتَسْلِيمُ جَمِيعِهِمْ لَهُ وَلِكَوْنِ آدَمَ وَجَمِيعِ أَوْلَادِهِ تَحْتَ لِوَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ أَيِ انْقَطَعَتْ دَعَاوَى الْمُلْكِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُسْمِعهُمُ الدَّاعِيَ وَيَنْفَذُهُمُ الْبَصَرَ أَمَّا الصَّعِيدُ فَهُوَ الْأَرْضُ الْوَاسِعَةُ الْمُسْتَوِيَةُ وَأَمَّا يَنْفَذُهُمُ الْبَصَرَ فَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَذَكَرَ الْهَرَوِيُّ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ رُوِيَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَبِفَتْحِهَا قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ رَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ بِالْفَتْحِ وَبَعْضُهُمْ بِالضَّمِّ قَالَ الْهَرَوِيُّ قَالَ الْكِسَائِيُّ يُقَالُ نَفَذَنِي بَصَرَهُ إِذَا بَلَغَنِي وَجَاوَزَنِي قَالَ وَيُقَالُ أَنَفَذْتُ الْقَوْمَ إِذَا خَرَقْتُهُمْ وَمَشَيْتُ فِي وَسَطِهِمْ فَإِنْ جُزْتَهُمْ حَتَّى تَخَلَّفْتَهُمْ قُلْتَ نَفَذْتُهُمْ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَقَالَ الْهَرَوِيُّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ يَنْفُذُهُمْ بَصَرُ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ وَقَالَ غَيْرُ أَبِي عُبَيْدٍ أَرَادَ تَخْرِقُهُمْ أَبْصَارُ النَّاظِرِينَ لِاسْتِوَاءِ الصَّعِيدِ وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَحَاطَ بِالنَّاسِ أَوَّلًا وَآخِرًا هَذَا كَلَامُ الْهَرَوِيِّ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ معناه أنه يحيط بهم الناظر لايخفى عليه منهم شيء لاستواء الارض أي لَيْسَ فِيهَا مَا يَسْتَتِرُ بِهِ أَحَدٌ عَنِ الناظرين قال

وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ يَأْتِي عَلَيْهِمْ بَصَرُ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِأَنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى تُحِيطُ بِجَمِيعِهِمْ فِي كُلِّ حَالٍ فِي الصَّعِيدِ الْمُسْتَوِي وَغَيْرِهِ هَذَا قَوْلُ صَاحِبِ الْمَطَالِعِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو السَّعَادَاتِ الْجَزَرِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بَصَرُ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْ بَصَرُ النَّاظِرِ مِنَ الْخَلْقِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَرْوُونَهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالْمُهْمَلَةِ أَيْ يَبْلُغُ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ حَتَّى يَرَاهُمْ كُلَّهُمْ وَيَسْتَوْعِبَهُمْ مِنْ نَفَذَ الشَّيْءُ وَأَنْفَذْتُهُ قَالَ وَحَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى بَصَرِ النَّاظِرِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى بَصَرِ الرَّحْمَنِ هَذَا كَلَامُ أَبِي السَّعَادَاتِ فَحَصَلَ خِلَافٌ فِي فَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا وَفِي الذَّالِ وَالدَّالِ وَفِي الضَّمِيرِ فِي يُنْفِذُهُمْ وَالْأَصَحُّ فَتْحُ الْيَاءِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَأَنَّهُ بَصَرُ الْمَخْلُوقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ وَضَبَطَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ المتأخرين بالفتح وَالْإِسْكَانِ وَهَذَا لَهُ وَجْهٌ وَلَكِنَّ الْمُخْتَارَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَبْلَ هَذَا أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ وَلَوْ كَانَ بِإِسْكَانِ الْغَيْنِ لَقَالَ

بَلَغْتُمْ قَوْلُهُ (فَيَقُولُ آدَمُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبْ بَعْدَهُ مِثْلَهُ) الْمُرَادُ بِغَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَظْهَرُ مِنَ انْتِقَامِهِ مِمَّنْ عَصَاهُ وَمَا يَرَوْنَهُ مِنْ أَلِيمِ عَذَابِهِ وَمَا يُشَاهِدُهُ أَهْلُ الْمَجْمَعِ مِنَ الْأَهْوَالِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ وَلَا يَكُونُ مِثْلُهَا وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِثْلُهُ وَلَا يَكُونُ بَعْدَهُ مِثْلُهُ فَهَذَا مَعْنَى غَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَنَّ رِضَاهُ ظُهُورُ رَحْمَتِهِ وَلُطْفُهُ بِمَنْ أَرَادَ بِهِ الْخَيْرَ وَالْكَرَامَةَ

لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ التَّغَيُّرُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى) الْمِصْرَاعَانِ بِكَسْرِ الْمِيمِ جَانِبَا الْبَابِ وَهَجَرُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْجِيمِ وَهِيَ مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ هِيَ قَاعِدَةُ بِلَادِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ هَجَرٌ اسْمُ بَلَدٍ مُذَكَّرٌ مَصْرُوفٌ قَالَ وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِ هَاجِرِيٌّ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ فِي الْجُمَلِ هَجَرٌ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ قُلْتُ وَهَجَرٌ هَذِهِ غَيْرُ هَجَرٍ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرٍ تِلْكَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْمَدِينَةِ كَانَتِ الْقِلَالُ تُصْنَعُ بِهَا وَهِيَ غَيْرُ مَصْرُوفَةٍ وَقَدْ أَوْضَحْتُهَا فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَأَمَّا بُصْرَى فَبِضَمِّ الْبَاءِ وَهِيَ مَدِينَةٌ مَعْرُوفَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دِمَشْقَ نَحْوُ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ وهي مدينة حوران وبينها وَبَيْنَ مَكَّةَ شَهْرٌ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا تَقُولُونَ كيفه قالوا كيفه يارسول اللَّهِ) هَذِهِ الْهَاءُ هِيَ هَاءُ السَّكْتِ تَلْحَقُ في الوقف واما قول الصحابه كيفه يارسول اللَّهِ فَأَثْبَتُوا الْهَاءَ فِي حَالَةِ الدَّرَجِ فَفِيهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا أَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُجْرِي الدَّرَجَ مَجْرَى الْوَقْفِ وَالثَّانِي أَنَّ الصَّحَابَةَ قَصَدُوا اتِّبَاعَ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي حَثَّهُمْ عَلَيْهِ فَلَوْ قَالُوا كَيْفَ لَمَا كَانُوا سَائِلِينَ عَنِ اللَّفْظِ الَّذِي حَثَّهُمْ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِلَى عِضَادَتَيِ الْبَابِ) هُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ عِضَادَتَا الْبَابِ هُمَا خَشَبَتَاهُ مِنْ جَانِبَيْهِ [195] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تُزْلَفَ لَهُمُ الْجَنَّةَ) هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ وَمَعْنَاهُ تَقْرُبُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ للمتقين أَيْ قَرُبَتْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ

(والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (وترسل الأمانة

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلًا مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ) قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ هَذِهِ كَلِمَةٌ تُذْكَرُ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ أَيْ لَسْتُ بِتِلْكَ الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ قَالَ وَقَدْ وَقَعَ لِي مَعْنًى مَلِيحٌ فِيهِ وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَكَارِمَ الَّتِي أُعْطِيتُهَا كَانَتْ بِوَسَاطَةِ سِفَارَةِ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى فَإِنَّهُ حَصَلَ لَهُ سَمَاعُ الْكَلَامِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ قَالَ وَإِنَّمَا كَرَّرَ وَرَاءَ وَرَاءَ لِكَوْنِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصَلَ لَهُ السَّمَاعُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَحَصَلَ لَهُ الرُّؤْيَةُ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَرَاءُ مُوسَى الَّذِي هُوَ وراء محمد صلى الله عليه وسلم أَجْمَعِينَ وَسَلَّمَ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ وَأَمَّا ضَبْطُ وَرَاءَ وَرَاءَ فَالْمَشْهُورُ فِيهِ الْفَتْحُ فِيهِمَا بلا تنوين ويجوز عند أهل العربية بناؤها عَلَى الضَّمِّ وَقَدْ جَرَى فِي هَذَا كَلَامٌ بَيْنَ الْحَافِظِ أَبِي الْخَطَّابِ بْنِ دِحْيَةَ وَالْإِمَامُ الأديب أبي اليمن الكندي فرواهما بن دِحْيَةَ بِالْفَتْحِ وَادَّعَى أَنَّهُ الصَّوَابُ فَأَنْكَرَهُ الْكِنْدِيُّ وَادَّعَى أَنَّ الضَّمَّ هُوَ الصَّوَابُ وَكَذَا قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ الصَّوَابُ الضَّمُّ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ مِنْ وراء ذلك أو من وراء شئ آخَرَ قَالَ فَإِنْ صَحَّ الْفَتْحُ قَبْلُ وَقَدْ أَفَادَنِي هَذَا الْحَرْفَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أُمَيَّةَ أَدَامَ اللَّهُ نِعَمَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْفَتْحُ صَحِيحٌ وَتَكُونُ الْكَلِمَةُ مُؤَكَّدَةً كَشَذَرَ مَذَرَ وَشَغَرَ بَغَرَ وَسَقَطُوا بَيْنَ بَيْنَ فَرَكَّبَهُمَا وَبَنَاهُمَا عَلَى الْفَتْحِ قَالَ وَإِنْ وَرَدَ مَنْصُوبًا مُنَوَّنًا جَازَ جَوَازًا جَيِّدًا قُلْتُ وَنَقَلَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ عَنِ الْأَخْفَشِ أَنَّهُ يُقَالُ لَقِيتُهُ مِنْ وَرَاءُ مَرْفُوعٌ عَلَى الْغَايَةِ كَقَوْلِكَ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ قَالَ وَأَنْشَدَ الْأَخْفَشُ شِعْرًا ... إِذَا أَنَا لَمْ أُومَنْ عَلَيْكَ وَلَمْ يَكُنْ ... لِقَاؤُكَ إِلَّا مِنْ وَرَاءُ وَرَاءُ بِضَمِّهِمَا ... (وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ فَتَقُومَانِ جَنْبَتَيِ الصِّرَاطِ)

أَمَّا تَقُومَانِ فَبِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانُ ذَلِكَ وَأَنَّ الْمُؤَنَّثَتَيْنِ الْغَائِبَتَيْنِ تَكُونَانِ بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَأَمَّا جَنَبَتَا الصِّرَاطِ فَبِفَتْحِ الْجِيمِ وَالنُّونِ وَمَعْنَاهُمَا جَانِبَاهُ وَأَمَّا إِرْسَالُ الْأَمَانَةِ وَالرَّحِمِ فَهُوَ لِعِظَمِ أَمْرِهِمَا وَكِبَرِ مَوْقِعِهِمَا فَتُصَوَّرَانِ مُشَخَّصَتَيْنِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يُرِيدُهَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فِي الْكَلَامِ اخْتِصَارٌ وَالسَّامِعُ فَهِمَ أَنَّهُمَا تَقُومَانِ لِتُطَالِبَا كُلَّ مَنْ يُرِيدُ الْجَوَازَ بِحَقِّهِمَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فيمر أولهم كالبرق ثم كمر الرِّيحَ ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدِّ الرِّجَالِ تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ) أَمَّا شَدُّ الرِّجَالِ فَهُوَ بِالْجِيمِ جَمْعُ رَجُلٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ الْمَشْهُورُ ونقل القاضي أنه في رواية بن مَاهَانَ بِالْحَاءِ قَالَ الْقَاضِي وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَعْنَى وَشَدُّهَا عَدْوُهَا الْبَالِغُ وَجَرْيُهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ فَهُوَ كَالتَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ إِلَى آخِرِهِ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي سُرْعَةِ الْمُرُورِ عَلَى حَسَبِ مَرَاتِبِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَفِي حَافَّتَيِ الصِّرَاطِ) هُوَ بِتَخْفِيفِ الْفَاءِ وَهُمَا جَانِبَاهُ وَأَمَّا الْكَلَالِيبُ فَتَقَدَّمَ بَيَانُهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ وَمَكْدُوسٌ) هُوَ بِالدَّالِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ هُنَا مُكَرْدَسٌ بِالرَّاءِ ثُمَّ الدَّالِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْمَكْدُوسِ قَوْلُهُ (وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ لَسَبْعُونَ بِالْوَاوِ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَفِيهِ حَذْفُ تَقْدِيرِهِ إِنَّ مَسَافَةَ قَعْرِ جَهَنَّمَ سَيْرُ سَبْعِينَ سَنَةً وَوَقَعَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ وَالرِّوَايَاتِ لَسَبْعِينَ بِالْيَاءِ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَحْذِفُ الْمُضَافُ وَيُبْقِي الْمُضَافَ إِلَيْهِ عَلَى جَرِّهِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ سَيْرُ سبعين واما على أن قعر جهنم مصدر

يقال قعرت الشئ إِذَا بَلَغْتَ قَعْرَهُ وَيَكُونُ سَبْعِينَ ظَرْفُ زَمَانٍ وفيه خبران التَّقْدِيرَ أَنَّ بُلُوغَ قَعْرِ جَهَنَّمَ لَكَائِنٌ فِي سَبْعِينَ خَرِيفًا وَالْخَرِيفُ السَّنَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُوهَا فَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى

(لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى

(لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ دَعَا بِهَا فِي أُمَّتِهِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ وَإِنِّي أُرِيدَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أُؤَخِّرَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً دَعَاهَا لِأُمَّتِهِ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ القيامة) هذه الاحاديث تفسر بعضها بعضا ومعناها أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ لَهُ دَعْوَةً مُتَيَقَّنَةَ الْإِجَابَةِ وَهُوَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ إِجَابَتِهَا وَأَمَّا بَاقِي دَعَوَاتِهِمْ فَهُمْ عَلَى طَمَعٍ مِنْ إِجَابَتِهَا وَبَعْضُهَا يُجَابُ وَبَعْضُهَا لَا يُجَابُ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ لِأُمَّتِهِ كَمَا فِي الرِّوَايَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ كَمَالِ شَفَقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ بِهِمْ وَاعْتِنَائِهِ بِالنَّظَرِ فِي مَصَالِحِهِمُ الْمُهِمَّةِ فأخر النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْوَتَهُ لِأُمَّتِهِ إِلَى أَهَمِّ أَوْقَاتِ حَاجَاتِهِمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا فَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ غَيْرَ مُشْرِكٍ بِاللَّهِ تَعَالَى لَمْ يُخَلَّدْ فِي النَّارِ وَإِنْ كَانَ مُصِرًّا عَلَى الْكَبَائِرِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ دَلَائِلُهُ وَبَيَانُهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ عَلَى جهة

التَّبَرُّكِ وَالِامْتِثَالِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَقُولَنَّ لشئ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الله وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَسِيدُ بْنُ جَارِيَةَ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ السِّينِ وَجَارِيَةُ بِالْجِيمِ قَوْلُهُ (كَعْبُ الْأَحْبَارِ) هُوَ كَعْبُ بْنُ مَاتِعٍ بِالْمِيمِ وَالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ بَعْدَهَا عَيْنٌ وَالْأَحْبَارُ الْعُلَمَاءُ واحدهم حبر بفتح الحاء وكسرها الغتان أى كعب العلماء كذا قاله بن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ سُمِّيَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ لِكَوْنِهِ صَاحِبَ كُتُبِ الْأَحْبَارِ جَمْعُ حِبْرٍ وَهُوَ مَا يُكْتَبُ بِهِ وَهُوَ مَكْسُورُ الْحَاءِ وَكَانَ كَعْبٌ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَقِيلَ بَلْ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تُوُفِّيَ بِحِمْصَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مِنْ فُضَلَاءِ التَّابِعِينَ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ المثنى وبن بَشَّارٍ حَدَّثَانَا وَاللَّفْظُ لِأَبِي غَسَّانَ قَالُوا حَدَّثَنَا معاذ يعنون بن هِشَامٍ) هَذَا اللَّفْظُ قَدْ يَسْتَدْرِكُهُ مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِتَحْقِيقِ مُسْلِمٍ وَإِتْقَانِهِ وَكَمَالِ وَرَعِهِ وَحِذْقِهِ وَعِرْفَانِهِ فَيَتَوَهَّمُ أَنَّ فِي الْكَلَامِ طُولًا فَيَقُولُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْذِفَ قَوْلَهُ حَدَّثَانَا وَهَذِهِ غَفْلَةٌ مِمَّنْ يَصِيرُ إِلَيْهَا بَلْ فِي كَلَامِ مُسْلِمٍ فَائِدَةٌ لَطِيفَةٌ فَإِنَّهُ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ لَفْظِ أَبِي غَسَّانَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَ مُسْلِمٍ غَيْرُهُ وَسَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ مثنى وبن بَشَّارٍ وَكَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ وَالْمُخْتَارَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ سَمِعَ وَحْدَهُ قَالَ حَدَّثَنِي وَمَنْ سَمِعَ مَعَ غَيْرِهِ قَالَ حَدَّثَنَا فَاحْتَاطَ مُسْلِمٌ وَعَمِلَ بِهَذَا الْمُسْتَحَبِّ فَقَالَ حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ أَيْ سَمِعْتُ مِنْهُ وَحْدِي ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ ومحمد بن مثنى وبن بَشَّارٍ حَدَّثَانَا أَيْ سَمِعْتُ مِنْهُمَا مَعَ غَيْرِي فَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى مُبْتَدَأٌ وَحَدَّثَانَا الْخَبَرُ وَلَيْسَ هُوَ مَعْطُوفًا عَلَى أَبِي غَسَّانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ (قَالُوا حَدَّثَنَا مُعَاذٌ) يَعْنِي بِقَالُوا مُحَمَّدَ بن المثنى وبن بَشَّارٍ وَأَبَا غَسَّانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ (عَنْ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ) ثُمَّ ذَكَرَ مُسْلِمٌ طَرِيقًا آخَرَ عَنْ وَكِيعٍ وَأَبِي أُسَامَةَ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ قَتَادَةَ ثُمَّ قَالَ غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ

(باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وبكائه

وكيع قال قَالَ أُعْطِيَ وَحَدِيثُ أَبِي أُسَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا مِنَ احْتِيَاطِ مُسْلِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ رِوَايَاتِهِمُ اختلفت فِي كَيْفِيَّةِ لَفْظِ أَنَسٍ فَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَةً وفي رواية أبي أسامة عن أنس عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لكل نَبِيٍّ دَعْوَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسٍ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ وَاللَّهُ أعلم (بَاب دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته وبكائه شفقة عليهم) قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ حدثنا بن وهيب قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ بَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصي) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ وَقَدَّمْنَا أَنَّ فِي يُونُسَ سِتُّ لُغَاتٍ ضَمُّ النُّونِ وَفَتْحُهَا وَكَسْرُهَا مَعَ الْهَمْزِ فِيهِنَّ وَتَرْكِهِ وَأَمَّا الصَّدَفِيُّ فَبِفَتْحِ الصَّادِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبِالْفَاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى الصَّدِفِ بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الدَّالِ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ قَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ يُونُسَ دَعَوْتُهُمْ فِي الصَّدِفِ وليس من

أَنْفُسِهِمْ وَلَا مِنْ مَوَالِيهِمْ تُوُفِّيَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى هَذَا فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَةٍ فَفِي هَذَا الاسناد رواية مسلم عَنْ شَيْخٍ عَاشَ بَعْدَهُ فَإِنَّ مُسْلِمًا تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا بَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ فَبِفَتْحِ السِّينِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) تَلَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أضللن كثيرا من الناس الْآيَةَ وَقَالَ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن تعذبهم فانهم عبادك) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَقَالَ عِيسَى قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ قَالَ هُوَ اسْمٌ لِلْقَوْلِ لَا فِعْلٌ يُقَالُ قَالَ قَوْلًا وَقَالًا وَقِيلًا كَأَنَّهُ قَالَ وَتَلَا قَوْلَ عِيسَى هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٍ قَوْلُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ (رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي وَبَكَى فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَاسْأَلْهُ مَا يُبْكِيكَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسَأَلَهُ فَأَخْبِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ) هَذَا الْحَدِيثُ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْفَوَائِدِ مِنْهَا بَيَانُ كَمَالِ شَفَقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمَّتِهِ وَاعْتِنَائِهِ بِمَصَالِحِهِمْ وَاهْتِمَامِهِ بِأَمْرِهِمْ وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ وَمِنْهَا الْبِشَارَةُ الْعَظِيمَةُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ زَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى شَرَفًا بِمَا وَعَدَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ وَهَذَا مِنْ أرجى

(باب بيان أن من مات على الكفر فهو في النار)

الْأَحَادِيثِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَوْ أَرْجَاهَا وَمِنْهَا بَيَانُ عِظَمِ مَنْزِلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظِيمِ لُطْفِهِ سُبْحَانَهُ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحِكْمَةُ فِي إِرْسَالِ جِبْرِيلَ لِسُؤَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِظْهَارُ شَرَفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى فَيُسْتَرْضَى وَيُكْرَمُ بِمَا يُرْضِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا الْحَدِيثُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وجل ولسوف يعطيك ربك فترضى وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا نَسُوءُكَ فَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ هُوَ تَأْكِيدٌ لِلْمَعْنَى أَيْ لَا نُحْزِنُكَ لِأَنَّ الْإِرْضَاءَ قَدْ يَحْصُلُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ وَيَدْخُلُ الْبَاقِي النَّارَ فَقَالَ تَعَالَى نُرْضِيكَ وَلَا نُدْخِلُ عَلَيْكَ حُزْنًا بَلْ نُنَجِّي الجميع والله أعلم (باب بَيَانِ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ فَهُوَ فِي النَّارِ) (وَلَا تَنَالُهُ شَفَاعَةٌ وَلَا تنفعه قرابة المقربين) قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أَبِي قَالَ فِي النَّارِ فَلَمَّا قَفَّى دعاه فقال إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ) فِيهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ فَهُوَ فِي النَّارِ وَلَا تَنْفَعُهُ قَرَابَةُ الْمُقَرَّبِينَ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَرَبُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَلَيْسَ هَذَا مُؤَاخَذَةٌ قَبْلَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ هُوَ مِنْ حُسْنِ الْعِشْرَةِ لِلتَّسْلِيَةِ بِالِاشْتِرَاكِ فِي الْمُصِيبَةِ وَمَعْنَى قَفَّى ولى قفاه منصرفا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ

قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ لُؤَيٌّ يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ وَالْهَمْزُ أَكْثَرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا فَاطِمَةُ أَنْقِذِي نَفْسَكِ) هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ فَاطِمَةُ وَفِي بَعْضِهَا أَوْ أَكْثَرِهَا يافاطم بِحَذْفِ الْهَاءِ عَلَى التَّرْخِيمِ وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ ضَمُّ الْمِيمِ وَفَتْحُهَا كَمَا عُرِفَ فِي نَظَائِرِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) مَعْنَاهُ لَا تَتَّكِلُوا عَلَى قَرَابَتِي فَإِنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ مَكْرُوهٍ يُرِيدُهُ اللَّهُ تَعَالَى بِكَمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا) ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ الْبَاءِ الثَّانِيَةِ وَكَسْرِهَا وَهُمَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا جَمَاعَاتٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رُوِّينَاهُ بِالْكَسْرِ قَالَ وَرَأَيْتُ لِلْخَطَّابِيِّ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ رُوِّينَاهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا مِنْ بَلَّهُ يَبُلُّهُ وَالْبَلَالُ الْمَاءُ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ سَأَصِلُهَا شُبِّهَتْ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ بِالْحَرَارَةِ وَوَصْلُهَا بِإِطْفَاءِ الْحَرَارَةِ بِبُرُودَةٍ وَمِنْهُ بلوا أرحامكم أى صلوها قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ يَا صَفِيَّةُ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) يَجُوزُ نَصْبُ فَاطِمَةَ وَصْفِيَّةَ وَعَبَّاسٍ وَضَمُّهُمْ وَالنَّصْبُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وأما بنت وبن فَمَنْصُوبٌ لَا غَيْرَ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا

مَعْرُوفًا فَلَا بَأْسَ بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ لِمَنْ لَا يَحْفَظُهُ وَأَفْرَدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَؤُلَاءِ لِشِدَّةِ قَرَابَتِهِمْ قَوْلُهُ (عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ وَزُهَيْرِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين قَالَ انْطَلَقَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَضْمَةٍ مِنْ جَبَلٍ فَعَلَا أَعْلَاهَا حجرا ثم نادى يابني عَبْدِ مَنَافَاهُ إِنِّي نَذِيرٌ إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ رَأَى الْعَدُوَّ فَانْطَلَقَ يَرْبَأُ أَهْلَهُ فَخَشِيَ أَنْ يَسْبِقُوهُ فَجَعَلَ يَهْتِفُ يَا صَبَاحَاهُ) أَمَّا قَوْلُهُ أَوَّلًا قَالَ انْطَلَقَ فَمَعْنَاهُ قَالَا لان

الْمُرَادَ أَنَّ قَبِيصَةَ وَزُهَيْرًا قَالَا وَلَكِنْ لَمَّا كَانَا مُتَّفِقَيْنِ وَهُمَا كَالرَّجُلِ الْوَاحِدِ أَفْرَدَ فِعْلَهُمَا وَلَوْ حَذَفَ لَفْظَةَ قَالَ كَانَ الْكَلَامُ وَاضِحًا مُنْتَظِمًا وَلَكِنْ لَمَّا حَصَلَ فِي الْكَلَامِ بَعْضُ الطُّولِ حَسُنَ إِعَادَةٍ قَالَ لِلتَّأْكِيدِ وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أنكم مخرجون فَأَعَادَ أَنَّكُمْ وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَالْحَدِيثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْمُخَارِقُ وَالِدُ قَبِيصَةَ فَبِضَمِّ الْمِيمِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَأَمَّا الرَّضْمَةُ فَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَبِفَتْحِهَا لُغَتَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُ وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ العين والجوهري والهروي وغيرهم على الاسكان وبن فَارِسٍ وَبَعْضُهُمْ عَلَى الْفَتْحِ قَالُوا وَالرَّضْمَةُ وَاحِدَةُ الرَّضْمِ وَالرِّضَامِ وَهِيَ صُخُورٌ عِظَامٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَقِيلَ هِيَ دُونَ الْهِضَابِ وَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ الرَّضْمَةُ حِجَارَةٌ مُجْتَمِعَةٌ لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ فِي الْأَرْضِ كَأَنَّهَا مَنْثُورَةٌ وَأَمَّا يَرْبَأُ فَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبَعْدُهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ هَمْزَةٌ عَلَى وَزْنِ يَقْرَأُ وَمَعْنَاهُ يَحْفَظُهُمْ وَيَتَطَلَّعُ لهم ويقال لفاعل ذلك ربئة وَهُوَ الْعَيْنُ وَالطَّلِيعَةُ الَّذِي يَنْظُرُ لِلْقَوْمِ لِئَلَّا يَدْهَمَهُمُ الْعَدُوُّ وَلَا يَكُونُ فِي الْغَالِبِ إِلَّا على جبل أو شرف أو شئ مُرْتَفِعٍ لِيَنْظُرَ إِلَى بُعْدٍ وَأَمَّا يَهْتِفُ فَبِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ التَّاءِ وَمَعْنَاهُ يَصِيحُ وَيَصْرُخُ وَقَوْلُهُمْ ياصباحاه كَلِمَةٌ يَعْتَادُونَهَا عِنْدَ وُقُوعِ أَمْرٍ عَظِيمٍ فَيَقُولُونَهَا لِيَجْتَمِعُوا وَيَتَأَهَّبُوا لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنِ بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هذه الآية وأنذر عشيرتك الأقربين وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ فَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ قَوْلَهُ وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ كَانَ قُرْآنًا أُنْزِلَ ثُمَّ نُسِخَتْ

تِلَاوَتُهُ وَلَمْ تَقَعْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ) أَمَّا سَفْحُ الْجَبَلِ فَبِفَتْحِ السِّينِ وَهُوَ أَسْفَلُهُ وَقِيلَ عَرْضُهُ وَأَمَّا مُصَدِّقِيَّ فَبِتَشْدِيدِ الدَّالِ وَالْيَاءِ قَوْلُهُ (فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ تَبَّتْ يدا أبي لهب وقد تب كَذَا قَرَأَ الْأَعْمَشُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَعْمَشَ زَادَ لَفْظَةَ قَدْ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ وَقَوْلُهُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ يَعْنِي أَتَمَّ الْقِرَاءَةَ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ كَمَا يَقْرَؤُهَا النَّاسُ وفي السورة لغتان الهمز وتركه حكاهما بن قُتَيْبَةَ وَالْمَشْهُورُ بِغَيْرِ هَمْزٍ كَسُورِ الْبَلَدِ لِارْتِفَاعِهَا وَمَنْ هَمَزَهُ قَالَ هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَسُؤْرِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَهِيَ الْبَقِيَّةُ مِنْهُ وَفِي أَبِي لَهَبٍ لُغَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا فَتْحُ الْهَاءِ وَإِسْكَانُهَا وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى وَمَعْنَى تَبَّ خَسِرَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذِهِ السُّورَةِ عَلَى جَوَازِ تَكْنِيَةِ الْكَافِرِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فِي جَوَازِ تَكْنِيَةِ الْكَافِرِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ عَلَى جِهَةِ التَّأَلُّفِ وَإِلَّا فَلَا إِذْ فِي التَّكْنِيَةِ تَعْظِيمٌ وَتَكْبِيرٌ وَأَمَّا تَكْنِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَبِي لَهَبٍ فَلَيْسَتْ مِنْ هَذَا وَلَا حُجَّةَ فِيهِ إِذَا كَانَ اسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى وهَذِهِ تَسْمِيَةٌ بَاطِلَةٌ فَلِهَذَا كَنَّى عَنْهُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يُعْرَفُ بِهَا وَقِيلَ إِنَّ أَبَا لَهَبٍ لَقَبٌ وَلَيْسَ بِكُنْيَةٍ وَكُنْيَتُهُ أَبُو عُتْبَةَ وَقِيلَ جَاءَ ذِكْرُ أَبِي لَهَبٍ

(باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لابي طالب)

لمجانسة الكلام والله أعلم (باب شَفَاعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابي طالب) (والتخفيف عنه بسببه) قَوْلُهُ (كَانَ يَحُوطُكَ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْحَاءِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ حَاطَهُ يَحُوطُهُ حَوْطًا وَحِيَاطَةً إِذَا صَانَهُ وَحَفِظَهُ وَذَبَّ عَنْهُ وتوفر على مصالحه قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَجَدْتُهُ فِي غَمَرَاتٍ مِنَ النَّارِ فَأَخْرَجْتُهُ إِلَى ضَحْضَاحٍ) أَمَّا الضَّحْضَاحُ فَهُوَ بِضَادَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ وَالضَّحْضَاحُ مَا رَقَّ مِنَ الْمَاءِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إِلَى نَحْوِ الْكَعْبَيْنِ وَاسْتُعِيرَ فِي النَّارِ وَأَمَّا الْغَمَرَاتُ فَبِفَتْحِ الْغَيْنِ وَالْمِيمِ وَاحِدَتُهَا غَمْرَةٌ بِإِسْكَانِ الْمِيمِ وهي المعظم من الشئ قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي الدَّرْكِ لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فَتْحُ الرَّاءِ وَإِسْكَانُهَا وَقُرِئَ بِهِمَا فِي الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ قَالَ الْفَرَّاءُ هُمَا لُغَتَانِ جَمْعُهُمَا أَدْرَاكٌ وَقَالَ الزجاج اللغتان جميعا حَكَاهُمَا أَهْلُ اللُّغَةِ إِلَّا أَنَّ الِاخْتِيَارَ فَتْحُ الرَّاءِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ جَمْعُ الدَّرَكِ بِالْفَتْحِ أَدْرَاكٌ كَجَمَلٍ وَأَجْمَالٍ وَفَرَسٍ وَأَفْرَاسٍ وَجَمْعُ الدَّرْكِ بِالْإِسْكَانِ أَدْرُكٌ كَفَلْسٍ

وَأَفْلُسٍ وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَقَالَ جَمِيعُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْمَعَانِي وَالْغَرِيبِ وَجَمَاهِيرِ الْمُفَسِّرِينَ الدَّرْكُ الْأَسْفَلُ قَعْرُ جَهَنَّمَ وَأَقْصَى أَسْفَلِهَا قَالُوا وَلِجَهَنَّمَ أَدْرَاكٌ فَكُلُّ طَبَقَةٍ مِنْ أَطْبَاقِهَا تُسَمَّى دَرْكًا وَاللَّهُ

(باب الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل)

أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ الْمُتَجَافِي مِنَ الرِّجْلِ عَنِ الْأَرْضِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا مَنْ لَهُ نَعْلَانِ وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ) أَمَّا الشِّرَاكُ فَبِكَسْرِ الشِّينِ وَهُوَ أَحَدُ سُيُورِ النَّعْلِ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ عَلَى وَجْهِهَا وَعَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ وَالْغَلَيَانُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ شِدَّةُ اضْطِرَابِ الْمَاءِ وَنَحْوُهُ عَلَى النَّارِ لِشِدَّةِ اتِّقَادِهَا يُقَالُ غَلَتِ الْقِدْرُ تَغْلِي غَلْيًا وَغَلَيَانًا وَأَغْلَيْتُهَا أَنَا وَأَمَّا الْمِرْجَلُ فَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ قِدْرٌ مَعْرُوفٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ حِجَارَةٍ أَوْ خَزَفٍ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَقِيلَ هُوَ الْقِدْرُ مِنَ النُّحَاسِ يَعْنِي خَاصَّةً وَالْأَوَّلُ أَعْرَفُ وَالْمِيمُ فِيهِ زَائِدَةٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا أَشْبَهَهُ تَصْرِيحٌ بِتَفَاوُتِ عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ كَمَا أَنَّ نَعِيمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ مُتَفَاوِتٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ لَا يَنْفَعُهُ عَمَلٌ) فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (قَالَتْ قلت يارسول الله بن جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهُ قَالَ لَا يَنْفَعُهُ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ

(باب موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم والبراءة منهم)

مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ مِنَ الصِّلَةِ وَالْإِطْعَامِ وَوُجُوهِ الْمَكَارِمِ لَا يَنْفَعُهُ فِي الْآخِرَةِ لِكَوْنِهِ كَافِرًا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ أَيْ لَمْ يَكُنْ مُصَدِّقًا بِالْبَعْثِ وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْ بِهِ كَافِرٌ وَلَا يَنْفَعُهُ عَمَلٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ لَا تَنْفَعُهُمْ أَعْمَالُهُمْ وَلَا يُثَابُونَ عَلَيْهَا بِنَعِيمٍ وَلَا تَخْفِيفِ عَذَابٍ لَكِنَّ بَعْضَهُمْ أَشَدُّ عَذَابًا مِنْ بَعْضٍ بِحَسَبِ جَرَائِمِهِمْ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ الْبَعْثُ وَالنُّشُورُ نَحْوَ هَذَا عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالنَّظَرِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ بن جُدْعَانَ وَمَا وَرَدَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ فِي بُطْلَانِ خَيْرَاتِ الْكَافِرِ إِذَا مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ وَرَدَ فِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهَا مَوْقِعُ التَّخَلُّصِ مِنَ النَّارِ وَإِدْخَالِ الْجَنَّةِ وَلَكِنْ يُخَفَّفُ عنه من عَذَابُهُ الَّذِي يَسْتَوْجِبُهُ عَلَى جِنَايَاتٍ ارْتَكَبَهَا سِوَى الْكُفْرِ بِمَا فَعَلَ مِنَ الْخَيْرَاتِ هَذَا كَلَامُ البيهقي قال العلماء وكان بن جُدْعَانَ كَثِيرَ الْإِطْعَامِ وَكَانَ اتَّخَذَ لِلضِّيفَانِ جَفْنَةً يُرْقَى إِلَيْهَا بِسُلَّمٍ وَكَانَ مِنْ بَنِي تَمِيمِ بْنِ مُرَّةَ أَقْرِبَاءِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَكَانَ مِنْ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَجُدْعَانُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَأَمَّا صِلَةُ الرَّحِمِ فَهِيَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْأَقَارِبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا وَأَمَّا الْجَاهِلِيَّةُ فَمَا كَانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ سُمُّوا بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ جَهَالَاتِهِمْ والله تعالى أَعْلَمُ (باب مُوَالَاةِ الْمُؤْمِنِينَ وَمُقَاطَعَةِ غَيْرِهِمْ وَالْبَرَاءَةِ منهم) قَوْلُهُ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ أَلَا إِنَّ آلَ أَبِي يَعْنِي فُلَانًا لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) هَذِهِ الْكِنَايَةُ بِقَوْلِهِ يَعْنِي فُلَانًا هِيَ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ خَشِيَ أَنْ يُسَمِّيَهُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ وَفِتْنَةٌ إِمَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِمَّا فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ فَكَنَى عَنْهُ

(باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة)

وَالْغَرَضُ إِنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَمَعْنَاهُ إِنَّمَا وَلِيِّيَ مَنْ كَانَ صَالِحًا وَإِنْ بَعُدَ نسبه مِنِّي وَلَيْسَ وَلِيِّي مَنْ كَانَ غَيْرُ صَالِحٍ وان كان نسبه قريبا قال القاضي عياض رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قِيلَ إِنَّ الْمُكَنَّى عَنْهُ ها هنا هُوَ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ جِهَارًا فَمَعْنَاهُ عَلَانِيَةً لَمْ يُخْفِهِ بَلْ بَاحَ بِهِ وَأَظْهَرَهُ وَأَشَاعَهُ فَفِيهِ التَّبَرُّؤُ من المخالفين وموالاة الصالحين والاعلان بذلك مالم يَخَفْ تَرَتُّبَ فِتْنَةٍ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب الدَّلِيلِ عَلَى دُخُولِ طَوَائِفَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْجَنَّةَ) (بغير حساب ولا عذاب) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي الْجَنَّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ) فِيهِ عِظَمُ مَا أَكْرَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتَهُ زَادَهَا اللَّهُ فَضْلًا وَشَرَفًا وَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ مسلم

سَبْعُونَ أَلْفًا مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَبْعُونَ ألفا قَوْلُهُ (عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ وَتَخْفِيفِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ ذَكَرَهُمَا جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ ثَعْلَبٌ وَالْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ ثَعْلَبٌ هُوَ مُشَدَّدٌ وَقَدْ يُخَفَّفُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ التَّشْدِيدُ أَكْثَرُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي عِيَاضٌ هُنَا غَيْرَ التَّشْدِيدِ وَأَمَّا مِحْصَنُ فَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ الثَّانِي سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قِيلَ إِنَّ الرَّجُلَ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ تِلْكَ الْمَنْزِلَةَ وَلَا كَانَ بِصِفَةِ أَهْلِهَا بِخِلَافِ عُكَّاشَةَ وَقِيلَ بَلْ كَانَ مُنَافِقًا فَأَجَابَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلَامٍ مُحْتَمَلٌ وَلَمْ يَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّصْرِيحَ لَهُ بِأَنَّكَ لَسْتَ مِنْهُمْ لِمَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ الْعِشْرَةِ وَقِيلَ قَدْ يَكُونُ سَبْقُ عُكَّاشَةَ بِوَحْيٍ أَنَّهُ يُجَابُ فِيهِ وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لِلْآخَرِ قُلْتُ وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ أَنَّهُ يُقَالُ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنْ صَحَّ هَذَا بَطَلَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُنَافِقٌ وَالْأَظْهَرُ الْمُخْتَارُ هُوَ الْقَوْلُ الْأَخِيرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (يَرْفَعُ نَمِرَةً) النَّمِرَةُ كِسَاءٌ فِيهِ خُطُوطٌ بِيضٌ وَسُودٌ وَحُمْرٌ كَأَنَّهَا أُخِذَتْ مِنْ جِلْدِ النَّمِرِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّلَوُّنِ وَهِيَ مِنْ مَآزِرِ الْعَرَبِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي أَبُو يُونُسَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) وَاسْمُ أَبِي يُونُسَ هَذَا سُلَيْمُ بْنُ جُبَيْرٍ بِضَمِّ السِّينِ وَالْجِيمِ الْمِصْرِيُّ الدَّوْسِيُّ مَوْلَى ابي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (يدخل الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا

زُمْرَةً وَاحِدَةً مِنْهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ) رُوِيَ زُمْرَةً وَاحِدَةً بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ وَالزُّمْرَةُ الْجَمَاعَةُ فِي تَفْرِقَةِ بَعْضِهَا فِي إِثْرِ بَعْضٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هُمُ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ التَّدَاوِيَ مَكْرُوهٌ وَمُعْظَمُ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَاحْتَجُّوا بِمَا وَقَعَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِنْ ذِكْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنَافِعِ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَطْعِمَةِ كَالْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ وَالْقُسْطِ وَالصَّبْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدَاوَى وَبِإِخْبَارِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِكَثْرَةِ تدَاوِيهِ وَبِمَا عُلِمَ مِنَ الِاسْتِشْفَاءِ بِرُقَاهُ وَبِالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ أَخَذُوا عَلَى الرُّقْيَةِ أَجْرًا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا حُمِلَ مَا فِي الْحَدِيثِ عَلَى قَوْمٍ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْأَدْوِيَةَ نَافِعَةٌ بِطَبْعِهَا وَلَا يُفَوِّضُونَ الْأَمْرَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْحَدِيثِ وَلَا يَسْتَقِيمُ هَذَا التَّأْوِيلُ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَهُمْ مَزِيَّةٌ وَفَضِيلَةٌ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وبان وجوههم تضئ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَلَوْ كَانَ كَمَا تَأَوَّلَهُ هَؤُلَاءِ لَمَا اخْتُصَّ هَؤُلَاءِ بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ لِأَنَّ تِلْكَ هِيَ عَقِيدَةُ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنِ اعْتَقَدَ خِلَافَ ذَلِكَ كَفَرَ وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ وَأَصْحَابُ الْمَعَانِي عَلَى هَذَا فَذَهَبَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ تَرَكَهَا تَوَكُّلًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَرِضَاءً بِقَضَائِهِ وَبَلَائِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهَذِهِ مِنْ أَرْفَعِ دَرَجَاتِ الْمُحَقِّقِينَ بِالْإِيمَانِ قَالَ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ سَمَّاهُمْ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْكَيِّ وَالرُّقَى وَسَائِرُ أَنْوَاعِ الطِّبِّ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي يَفْعَلُونَهُ فِي الصِّحَّةِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِمَنْ لَيْسَتْ بِهِ عِلَّةٌ أَنْ يَتَّخِذَ التَّمَائِمَ وَيَسْتَعْمِلَ الرُّقَى وَأَمَّا مَنْ يَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ مِمَّنْ

بِهِ مَرَضٌ فَهُوَ جَائِزٌ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى تَخْصِيصِ الرُّقَى وَالْكَيِّ مِنْ بَيْنِ أَنْوَاعِ الطِّبِّ لِمَعْنًى وَأَنَّ الطِّبَّ غَيْرُ قَادِحٍ فِي التَّوَكُّلِ إِذْ تَطَبَّبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْفُضَلَاءُ مِنَ السَّلَفِ وَكُلُّ سَبَبٍ مَقْطُوعٌ بِهِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِلْغِذَاءِ وَالرِّيِّ لَا يَقْدَحُ في التَّوَكُّلَ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي هَذَا الْبَابِ وَلِهَذَا لَمْ يُنْفَ عَنْهُمُ التَّطَبُّبُ وَلِهَذَا لَمْ يَجْعَلُوا الِاكْتِسَابَ لِلْقُوتِ وَعَلَى الْعِيَالِ قَادِحًا فِي التَّوَكُّلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ ثِقَتُهُ فِي رِزْقِهِ بِاكْتِسَابِهِ وَكَانَ مُفَوِّضًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْكَلَامُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الطِّبِّ وَالْكَيِّ يَطُولُ وَقَدْ أَبَاحَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَثْنَى عَلَيْهِمَا لَكِنِّي أَذْكُرُ مِنْهُ نُكْتَةً تَكْفِي وَهُوَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطَبَّبَ فِي نَفْسِهِ وَطَبَّبَ غَيْرَهُ وَلَمْ يَكْتَوِ وَكَوَى غَيْرَهُ وَنَهَى فِي الصَّحِيحِ أُمَّتَهُ عَنِ الْكَيِّ وَقَالَ مَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالظَّاهِرُ مِنْ مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا اخْتَارَهُ الْخَطَّابِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ كَمُلَ تَفْوِيضُهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يَتَسَبَّبُوا فِي دَفْعِ مَا أَوْقَعَهُ بِهِمْ وَلَا شَكَّ فِي فَضِيلَةِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَرُجْحَانِ صَاحِبِهَا وَأَمَّا تَطَبُّبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَعَلَهُ لِيُبَيِّنَ لَنَا الْجَوَازَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِي حَقِيقَةِ التَّوَكُّلِ فَحَكَى الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ التَّوَكُّلِ إِلَّا مَنْ لَمْ يُخَالِطْ قَلْبَهُ خَوْفٌ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ سَبُعٍ أَوْ عَدُوٍّ حَتَّى يَتْرُكَ السَّعْيَ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ ثِقَةً بِضَمَانِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ رِزْقَهُ وَاحْتَجُّوا بِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ وَقَالَتْ طائفة حده الثقة بالله تعالى والايقان بِأَنَّ قَضَاءَهُ نَافِذٌ وَاتِّبَاعُ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّعْي فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالتَّحَرُّزِ مِنَ الْعَدُوِّ كَمَا فَعَلَهُ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهَذَا الْمَذْهَبُ هُوَ اخْتِيَارُ الطَّبَرِيُّ وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ بَعْضِ الْمُتَصَوِّفَةِ وَأَصْحَابِ عِلْمِ الْقُلُوبِ وَالْإِشَارَاتِ وَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ إِلَى نَحْوِ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمُ اسْمُ التَّوَكُّلِ مَعَ الِالْتِفَاتِ وَالطُّمَأْنِينَةِ إِلَى الْأَسْبَابِ بَلْ فِعْلُ الْأَسْبَابِ سُنَّةُ اللَّهِ وَحِكْمَتُهُ وَالثِّقَةُ بِأَنَّهُ لَا يَجْلِبُ نَفْعًا وَلَا يَدْفَعُ ضَرًّا وَالْكُلُّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٍ قَالَ الْإِمَامُ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اعْلَمْ أَنَّ التَّوَكُّلَ مَحَلُّهُ الْقَلْبُ وَأَمَّا الْحَرَكَةُ بِالظَّاهِرِ فَلَا تُنَافِي التَّوَكُّلَ بِالْقَلْبِ بَعْدَ مَا تَحَقَّقَ الْعَبْدُ أَنَّ الثِّقَةَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تعالى فان تعسر شئ فَبِتَقْدِيرِهِ وَإِنْ تَيَسَّرَ فَبِتَيْسِيرِهِ وَقَالَ سَهْلُ بْنُ

عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ التَّوَكُّلُ الِاسْتِرْسَالُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا يُرِيدُ وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ الْجَبَّرِيُّ التَّوَكُّلُ الِاكْتِفَاءُ بِاللَّهِ تَعَالَى مَعَ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ وَقِيلَ التَّوَكُّلُ أَنْ يَسْتَوِيَ الْإِكْثَارُ وَالتَّقَلُّلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ عُمَرَ أَبُو خُشَيْنَةَ) هُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ بَعْدَهُمَا مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ هَاءٍ وَحَاجِبٌ هَذَا هُوَ أَخُو عِيسَى بْنُ عُمَرَ النَّحْوِيُّ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا مُتَمَاسِكُونَ آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لَا يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ مُتَمَاسِكُونَ بالواو وآخذ بالرفع ووقع في بعض الاصول متماسكين وآخذا بِالْيَاءِ وَالْأَلِفِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَمَعْنَى مُتَمَاسِكِينَ مُمْسِكٌ بَعْضُهُمْ بِيَدِ بَعْضٍ وَيَدْخُلُونَ مُعْتَرِضِينَ صَفًّا وَاحِدًا بَعْضُهُمْ بِجَنْبِ بَعْضٍ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِعِظَمِ سَعَةِ بَابِ الْجَنَّةِ نَسْأَلُ اللَّهَ الْكَرِيمَ رِضَاهُ وَالْجَنَّةَ لَنَا وَلِأَحْبَابِنَا وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ (أَيُّكُمْ رَأَى الْكَوْكَبَ الَّذِي انْقَضَّ الْبَارِحَةَ) هُوَ بِالْقَافِ

وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُ سَقَطَ وَأَمَّا الْبَارِحَةَ فَهِيَ أَقْرَبُ لَيْلَةٍ مَضَتْ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ يُقَالُ قَبْلَ الزَّوَالِ رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ وَبَعْدَ الزَّوَالِ رأيت البارحة وهكذا قاله غَيْرُ ثَعْلَبٍ قَالُوا وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ بَرِحَ إِذَا زَالَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الرُّؤْيَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ قَالَ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمُ الْبَارِحَةَ رُؤْيَا قَوْلُهُ (أَمَا إِنِّي لَمْ أَكُنْ فِي صَلَاةٍ وَلَكِنِّي لُدِغْتُ) أَرَادَ أَنْ يَنْفِيَ عَنْ نَفْسِهِ اتِّهَامَ العبادة والسهر فِي الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهَا وَقَوْلُهُ لُدِغْتُ هُوَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ لَدَغَتْهُ الْعَقْرَبُ وَذَوَاتُ السَّمُومِ إِذَا أَصَابَتْهُ بِسُمِّهَا وَذَلِكَ بِأَنْ تَأْبُرُهُ بشوكتها قوله (لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ) أَمَّا الْحُمَةُ فَهِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَهِيَ سُمُّ الْعَقْرَبِ وَشِبْهِهَا وَقِيلَ فَوْعَةُ السُّمِّ وَهِيَ حِدَّتُهُ وَحَرَارَتُهُ وَالْمُرَادُ أَوْ ذِي حُمَةٍ كَالْعَقْرَبِ وَشِبْهِهَا أَيْ لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ لَدْغِ ذِي حُمَةٍ وَأَمَّا الْعَيْنُ فَهِيَ إِصَابَةُ الْعَائِنِ غَيْرَهُ بِعَيْنِهِ وَالْعَيْنُ حَقٌّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا رُقْيَةَ أَشْفَى وَأَوْلَى مِنْ رُقْيَةِ الْعَيْنِ وَذِي الْحُمَةِ وَقَدْ رَقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِهَا فَإِذَا كَانَتْ بِالْقُرْآنِ وَبِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ مُبَاحَةٌ وَإِنَّمَا جَاءَتِ الْكَرَاهَةُ مِنْهَا لِمَا كَانَ بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا كَانَ كُفْرًا أَوْ قَوْلًا يَدْخُلُهُ الشِّرْكُ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي كُرِهَ مِنَ الرُّقْيَةِ مَا كَانَ مِنْهَا عَلَى مَذَاهِبِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْعُوَذِ الَّتِي كَانُوا يَتَعَاطَوْنَهَا وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا تَدْفَعُ عَنْهُمُ الْآفَاتِ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا مِنْ قِبَلِ الْجِنِّ وَمَعُونَتِهِمْ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (بُرَيْدَةُ بْنُ حُصَيْبٍ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ) هُوَ بِضَمِّ

الرَّاءِ تَصْغِيرُ الرَّهْطِ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ دُونَ الْعَشَرَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ فَقِيلَ لِي هَذِهِ أُمَّتُكَ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ) مَعْنَاهُ وَمَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِكَ فَكَوْنُهُمْ مِنْ أُمَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا شَكَّ فِيهِ وَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَسَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِكَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ وَلَيْسُوا مَعَ هَؤُلَاءِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ فِي جُمْلَتِهِمْ سَبْعُونَ أَلْفًا وَيُؤَيِّدُ هَذَا رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ هَذِهِ أُمَّتُكَ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَخَاضَ النَّاسُ) هُوَ بِالْخَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ أَيْ تَكَلَّمُوا وَتَنَاظَرُوا

باب بيان كون هذه الامة نصف أهل الجنة

وَفِي هَذَا إِبَاحَةُ الْمُنَاظَرَةِ فِي الْعِلْمِ وَالْمُبَاحَثَةِ فِي نُصُوصِ الشَّرْعِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِفَادَةِ وَإِظْهَارِ الحق والله أعلم (باب بيان كون هذه الامة نصف أهل الجنة) قَالَ مُسْلِمٌ (حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ وَاسْمُ أَبِي الْأَحْوَصِ سَلَّامُ بْنُ سَلِيمٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عبد الله وعبد الله هو بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ (كَشَعْرَةٍ بَيْضَاءَ فِي ثَوْرٍ أَسْوَدَ أَوْ كَشَعْرَةٍ سَوْدَاءَ فِي ثَوْرٍ أَبْيَضَ) هَذَا شك من الراوي قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نمير حدثنا أبي حدثنا مالك وهو بن مِغْوَلٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ قَوْلُهُ (قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالَ فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ أَمَّا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ) أَمَّا تَكْبِيرُهُمْ فَلِسُرُورِهِمْ بِهَذِهِ الْبِشَارَةِ الْعَظِيمَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ الشَّطْرَ وَلَمْ يَقُلْ أَوَّلًا شَطْرَ أهل الجنة فلفائدة حسنة وفي أَنَّ ذَلِكَ أَوْقَعُ فِي نُفُوسِهِمْ وَأَبْلَغُ فِي إِكْرَامِهِمْ فَإِنَّ إِعْطَاءَ الْإِنْسَانِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى دَلِيلٌ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِهِ وَدَوَامِ مُلَاحَظَتِهِ وَفِيهِ فَائِدَةٌ أُخْرَى هِيَ تَكْرِيرُهُ الْبِشَارَةَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَفِيهِ أَيْضًا حَمْلُهُمْ عَلَى تَجْدِيدِ شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَكْبِيرِهِ وَحَمْدِهِ عَلَى كَثْرَةِ نِعَمِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إِنَّهُ وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْهَا ثَمَانُونَ صَفًّا فَهَذَا دَلِيلٌ

عَلَى أَنَّهُمْ يَكُونُونَ ثُلُثَيْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَكُونُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِحَدِيثِ الشَّطْرِ ثُمَّ تَفَضَّلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالزِّيَادَةِ فأعلم بحديث الصفوف فأخبر النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الْحَدِيثِ مَعْرُوفَةٌ كَحَدِيثِ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَبِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً عَلَى إِحْدَى التَّأْوِيلَاتِ فِيهِ وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ وَصَلْنَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ) هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ لَا يَدْخُلِ الْجَنَّةَ أَصْلًا وَهَذَا النَّصُّ عَلَى عُمُومِهِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ اشْهَدْ) مَعْنَاهُ

أَنَّ التَّبْلِيغَ وَاجِبٌ عَلَيَّ وَقَدْ بَلَّغْتُ فَاشْهَدْ لِي بِهِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الْعَبْسِيُّ) هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ) مَعْنَى فِي يَدَيْكَ عِنْدَكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِآدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ) الْبَعْثُ هُنَا بِمَعْنَى الْمَبْعُوثِ الْمُوَجَّهِ إِلَيْهَا وَمَعْنَاهُ مَيِّزْ أَهْلَ النَّارِ مِنْ غَيْرِهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ الله شديد) معناه موافقة الآية في قوله تعالى إن زلزلة الساعة شئ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أرضعت إِلَى آخِرِهَا وَقَوْلِهِ تَعَالَى فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَقْتِ وَضْعِ كُلِّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَذْكُورِ فَقِيلَ عِنْدَ زَلْزَلَةِ السَّاعَةِ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ مِنَ الدُّنْيَا وَقِيلَ هُوَ فِي الْقِيَامَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ مَجَازًا لِأَنَّ الْقِيَامَةَ لَيْسَ فِيهَا حَمْلٌ وَلَا وِلَادَةٌ وَتَقْدِيرُهُ يَنْتَهِي بِهِ الْأَهْوَالُ وَالشَّدَائِدُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ تُصُوِّرَتِ الْحَوَامِلُ هُنَاكَ لَوَضَعْنَ أَحْمَالَهُنَّ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ أَصَابَنَا أَمْرٌ يَشِيبُ مِنْهُ الْوَلِيدُ يُرِيدُونَ شِدَّتَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفٌ وَمِنْكُمْ رَجُلٌ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَالرِّوَايَاتِ أَلْفٌ وَرَجُلٌ بِالرَّفْعِ فِيهِمَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَتَقْدِيرُهُ أَنَّهُ بِالْهَاءِ الَّتِي هِيَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَحُذِفَتِ الْهَاءُ وَهُوَ جَائِزٌ مَعْرُوفٌ وَأَمَّا يَاجُوجُ وَمَاجُوجُ فَهُمَا غَيْرُ مَهْمُوزَيْنِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْقُرَّاءِ وَأَهْلِ اللُّغَةِ وَقَرَأَ عَاصِمٌ بِالْهَمْزِ فِيهِمَا وَأَصْلُهُ مِنْ أَجِيجِ النَّارِ وَهُوَ صَوْتُهَا وَشَرَرُهَا شُبِّهُوا بِهِ لِكَثْرَتِهِمْ وَشِدَّتِهِمْ وَاضْطِرَابِهِمْ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَمُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ هُمْ مِنْ وَلَدِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ وَقَالَ الضَّحَّاكُ هُمْ جِيلٌ مِنَ التُّرْكِ وَقَالَ كَعْبٌ هُمْ بَادِرَةٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ مِنْ غَيْرِ حَوَّاءَ قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ آدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَلَمَ فَامْتَزَجَتْ نُطْفَتُهُ بِالتُّرَابِ فَخَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الْحِمَارِ) هِيَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الرَّقْمَتَانِ فِي الْحِمَارِ هُمَا الْأَثَرَانِ فِي بَاطِنِ عَضُدَيْهِ وَقِيلَ هِيَ الدَّائِرَةُ فِي ذِرَاعَيْهِ وَقِيلَ هِيَ الْهَنَةُ النَّاتِئَةُ فِي ذِرَاعِ الدَّابَّةِ مِنْ دَاخِلٍ وَاللَّهُ أعلم بالصواب

(كتاب الطهارة)

(كِتَابُ الطَّهَارَةِ) قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ يُقَالُ الْوُضُوءُ والطُّهُورُ بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ وَيُقَالُ الْوَضُوءُ وَالطَّهُورُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَاءُ الَّذِي يتطهر به هكذا نقله بن الْأَنْبَارِيِّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَذَهَبَ الْخَلِيلُ وَالْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ وَالْأَزْهَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَحُكِيَ الضَّمُّ فِيهِمَا جَمِيعًا وَأَصْلُ الْوُضُوءِ مِنَ الْوَضَاءَةِ وَهِيَ الْحُسْنُ وَالنَّظَافَةُ وَسُمِّيَ وُضُوءُ الصَّلَاةِ وُضُوءًا لِأَنَّهُ يُنَظِّفُ الْمُتَوَضِّئَ وَيُحَسِّنُهُ وَكَذَلِكَ الطَّهَارَةُ أَصْلُهَا النَّظَافَةُ وَالتَّنَزُّهُ وَأَمَّا الْغُسْلُ فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَاءُ فَهُوَ مَضْمُومُ الْغَيْنِ وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَصْدَرُ فَيَجُوزُ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ إِنْ كَانَ مَصْدَرًا لِغَسَلْتُ فَهُوَ بِالْفَتْحِ كَضَرَبْتُ ضَرْبًا وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الِاغْتِسَالِ فَهُوَ بِالضَّمِّ كَقَوْلِنَا غُسْلُ الْجُمُعَةِ مَسْنُونٌ وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَاجِبٌ وَمَا أَشْبَهَهُ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ مَنْ صَنَّفَ فِي لَحْنِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُمْ غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ وَشِبْهُهُمَا بِالضَّمِّ لَحْنٌ فَهُوَ خَطَأٌ مِنْهُ بَلِ الَّذِي قَالُوهُ صَوَابٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا الْغِسْلُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ فَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ من خطمى وغيره والله أعلم (بَاب فَضْلِ الْوُضُوءِ) قَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ حَدَّثَنَا أَبَانٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى أَنَّ زَيْدًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا سَلَّامٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ) هَذَا الْإِسْنَادُ مِمَّا تَكَلَّمَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ فَقَالُوا سَقَطَ فِيهِ رَجُلٌ بَيْنَ أَبِي سَلَّامٍ وَأَبِي مَالِكٍ وَالسَّاقِطُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ قَالُوا وَالدَّلِيلُ عَلَى

سُقُوطِهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ سَلَّامٍ رَوَاهُ عَنْ أَخِيهِ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَلَّامٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ أبي مالك الأشعري وهكذا أخرجه النسائي وبن مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ لِمُسْلِمٍ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ عَلِمَ سَمَاعَ أَبِي سَلَّامٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَبِي مَالِكٍ فَيَكُونُ أَبُو سَلَّامٍ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي مَالِكٍ وَسَمِعَهُ أَيْضًا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ فَرَوَاهُ مَرَّةً عَنْهُ وَمَرَّةً عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَيْفَ كَانَ فَالْمَتْنُ صَحِيحٌ لَا مَطْعَنَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ فَبِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَأَمَّا أَبَانٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ وَتَرْكُ صَرْفِهِ وَأَنَّ الْمُخْتَارَ صَرْفُهُ وَأَمَّا أَبُو سَلَّامٍ فَاسْمُهُ مَمْطُورٌ الْأَعْرَجُ الْحَبَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ نُسِبَ إِلَى حَيٍّ مِنْ حِمْيَرَ مِنَ الْيَمَنِ لَا إِلَى الْحَبَشَةِ وَأَمَّا أَبُو مَالِكٍ فَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ الْحَارِثُ وَقِيلَ عُبَيْدٌ وَقِيلَ كَعْبُ بْنُ عَاصِمٍ وَقِيلَ عَمْرٌو وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي الشَّامِيِّينَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا) هَذَا حَدِيثٌ عَظِيمٌ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ قَدِ اشْتَمَلَ عَلَى مُهِمَّاتٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ فَأَمَّا الطُّهُورُ فَالْمُرَادُ بِهِ الْفِعْلُ فَهُوَ مَضْمُومُ الطَّاءِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَقَوْلِ الْأَكْثَرِينَ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَأَصْلُ الشَّطْرِ النِّصْفُ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطهور شطر الْإِيمَانِ فَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَجْرَ فِيهِ يَنْتَهِي تَضْعِيفُهُ إِلَى نِصْفِ أَجْرِ الْإِيمَانِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِيمَانَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْخَطَايَا وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَصِحُّ إِلَّا مَعَ الْإِيمَانِ فَصَارَ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِيمَانِ فِي مَعْنَى الشَّطْرِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ هُنَا الصَّلَاةُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا كَانَ اللَّهُ ليضيع ايمانكم وَالطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَصَارَتْ كَالشَّطْرِ وَلَيْسَ يَلْزَمُ فِي الشَّطْرِ أَنْ يَكُونَ نِصْفًا حَقِيقِيًّا وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ الْأَقْوَالِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يكون

مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِيمَانَ تَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ وَانْقِيَادٌ بِالظَّاهِرِ وَهُمَا شَطْرَانِ لِلْإِيمَانِ وَالطَّهَارَةُ مُتَضَمِّنَةٌ الصَّلَاةَ فَهِيَ انْقِيَادٌ فِي الظَّاهِرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ فَمَعْنَاهُ عِظَمُ أَجْرِهَا وَأَنَّهُ يَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ نُصُوصُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَلَى وَزْنِ الْأَعْمَالِ وَثِقَلِ الْمَوَازِينِ وَخِفَّتِهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَضَبَطْنَاهُ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ فِي تَمْلَآنِ وَتَمْلَأُ وَهُوَ صَحِيحٌ فَالْأَوَّلُ ضَمِيرُ مُؤَنَّثَتَيْنِ غَائِبَتَيْنِ وَالثَّانِي ضَمِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنَ الْكَلَامِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ يَجُوزُ تَمْلَآنِ بِالتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِيرِ جَمِيعًا فَالتَّأْنِيثُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَالتَّذْكِيرُ عَلَى إِرَادَةِ النَّوْعَيْنِ مِنَ الْكَلَامِ أَوِ الذِّكْرَيْنِ قَالَ وَأَمَّا تَمْلَأُ فَمُذَكَّرٌ عَلَى إِرَادَةِ الذِّكْرِ وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَوْ قُدِّرَ ثَوَابُهُمَا جِسْمًا لَمَلَأَ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَسَبَبُ عِظَمِ فَضْلِهِمَا مَا اشْتَمَلَتَا عَلَيْهِ مِنَ التَّنْزِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالتَّفْوِيضِ وَالِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّلَاةُ نُورٌ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا تَمْنَعُ مِنَ الْمَعَاصِي وَتَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَتَهْدِي إِلَى الصَّوَابِ كَمَا أَنَّ النُّورَ يُسْتَضَاءُ بِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَكُونُ أَجْرُهَا نُورًا لِصَاحِبِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِأَنَّهَا سَبَبٌ لِإِشْرَاقِ أَنْوَارِ الْمَعَارِفِ وَانْشِرَاحِ الْقَلْبِ وَمُكَاشَفَاتِ الْحَقَائِقِ لِفَرَاغِ الْقَلْبِ فِيهَا وَإِقْبَالِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تعالى واستعينوا بالصبر والصلاة وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَكُونُ نُورًا ظَاهِرًا عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَكُونُ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا عَلَى وَجْهِهِ الْبَهَاءُ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ فَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ مَعْنَاهُ يَفْزَعُ إِلَيْهَا كَمَا يَفْزَعُ إِلَى الْبَرَاهِينِ كَأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا سُئِلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ مَصْرِفِ مَالِهِ كَانَتْ صَدَقَاتُهُ بَرَاهِينَ فِي جَوَابِ هَذَا السُّؤَالِ فَيَقُولُ تَصَدَّقْتُ بِهِ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يُوسَمَ الْمُتَصَدِّقُ بِسِيمَاءَ يُعْرَفُ بِهَا فَيَكُونُ بُرْهَانًا لَهُ عَلَى حَالِهِ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ مَصْرِفِ مَالِهِ وَقَالَ غَيْرُ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ مَعْنَاهُ الصَّدَقَةُ حُجَّةٌ عَلَى إِيمَانِ فَاعِلِهَا فَإِنَّ الْمُنَافِقَ يَمْتَنِعُ مِنْهَا لِكَوْنِهِ لَا يَعْتَقِدُهَا فَمَنْ تَصَدَّقَ اسْتُدِلَّ بِصَدَقَتِهِ عَلَى صِدْقِ إِيمَانِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ فَمَعْنَاهُ الصَّبْرُ الْمَحْبُوبُ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ الصَّبْرُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّبْرُ عَنْ مَعْصِيَتِهِ وَالصَّبْرُ أَيْضًا عَلَى النَّائِبَاتِ وَأَنْوَاعِ الْمَكَارِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْمُرَادُ أَنَّ الصَّبْرَ مَحْمُودٌ وَلَا يَزَالُ صَاحِبُهُ مُسْتَضِيئًا مُهْتَدِيًا مُسْتَمِرًّا عَلَى الصَّوَابِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْخَوَاصُّ الصَّبْرُ هُوَ الثَّبَاتُ عَلَى

(باب وجوب الطهارة للصلاة)

الكتاب والسنة وقال بن عَطَاءٍ الصَّبْرُ الْوُقُوفُ مَعَ الْبَلَاءِ بِحُسْنِ الْأَدَبِ وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَقِيقَةُ الصَّبْرِ أَنْ لَا يَعْتَرِضَ عَلَى الْمَقْدُورِ فَأَمَّا إِظْهَارُ الْبَلَاءِ لَا عَلَى وَجْهِ الشَّكْوَى فَلَا يُنَافِي الصَّبْرَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نعم العبد مَعَ أَنَّهُ قَالَ إِنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ فَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ أَيْ تَنْتَفِعُ بِهِ إِنْ تَلَوْتَهُ وَعَمِلْتَ بِهِ وَإِلَّا فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا فَمَعْنَاهُ كُلُّ إِنْسَانٍ يَسْعَى بِنَفْسِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَبِيعُهَا لِلَّهِ تَعَالَى بِطَاعَتِهِ فَيُعْتِقُهَا مِنَ الْعَذَابِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَبِيعُهَا لِلشَّيْطَانِ وَالْهَوَى بِاتِّبَاعِهِمَا فَيُوبِقُهَا أَيْ يُهْلِكُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ) فِي إِسْنَادِهِ (أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَاسْمُهُ الْفُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدٍّ لَهُ اسْمُهُ جَحْدَرٌ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَفِيهِ (أَبُو عَوَانَةَ) وَاسْمُهُ الْوَضَّاحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ) هَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي وُجُوبِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَاخْتَلَفُوا مَتَى فُرِضَتِ الطَّهَارَةُ للصلاة فذهب بن الْجَهْمِ إِلَى أَنَّ الْوُضُوءَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَانَ سُنَّةً ثُمَّ نَزَلَ فَرْضُهُ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ قَالَ الْجُمْهُورُ بَلْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فَرْضًا قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْوُضُوءَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ إِلَى الصَّلَاةِ أَمْ عَلَى المحدث خاصة

فَذَهَبَ ذَاهِبُونَ مِنَ السَّلَفِ إِلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَرْضٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ الْآيَةَ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ ثُمَّ نُسِخَ وَقِيلَ الْأَمْرُ بِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَلَى النَّدْبِ وَقِيلَ بَلْ لَمْ يُشْرَعْ إِلَّا لِمَنْ أَحْدَثَ وَلَكِنَّ تَجْدِيدَهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مُسْتَحَبٌّ وَعَلَى هَذَا أَجْمَعَ أَهْلُ الْفَتْوَى بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمْ فِيهِ خِلَافٌ وَمَعْنَى الْآيَةِ عِنْدَهُمْ إِذَا كُنْتُمْ مُحْدِثِينَ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمُوجِبِ لِلْوُضُوءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ يَجِبُ بِالْحَدَثِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا وَالثَّانِي لَا يَجِبُ إِلَّا عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ وَالثَّالِثُ يَجِبُ بِالْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مِنْ مَاءٍ أَوْ تُرَابٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالنَّافِلَةِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ مِنْ قَوْلِهِمَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى خِلَافِهِ وَلَوْ صَلَّى مُحْدِثًا مُتَعَمِّدًا بِلَا عُذْرٍ أَثِمَ وَلَا يَكْفُرُ عِنْدنَا وَعِنْدَ الْجَمَاهِيرِ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَكْفُرُ لِتَلَاعُبِهِ وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْكُفْرَ لِلِاعْتِقَادِ وَهَذَا الْمُصَلِّي اعْتِقَادُهُ صَحِيحٌ وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُصَلِّي مُحْدِثًا عُذْرٌ أَمَّا الْمَعْذُورُ كَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهِيَ مَذَاهِبُ لِلْعُلَمَاءِ قَالَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا قَائِلُونَ أَصَحُّهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَالِهِ وَيَجِبُ أَنْ يُعِيدَ إِذَا تَمَكَّنَ مِنَ الطَّهَارَةِ وَالثَّانِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ أن يصلي ويحب الْقَضَاءُ وَالثَّالِثُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَالرَّابِعُ يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ وَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ أَقْوَى الْأَقْوَالِ دَلِيلًا فَأَمَّا وُجُوبُ الصَّلَاةِ فَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَأَمَّا الْإِعَادَةُ فَإِنَّمَا تَجِبُ بِأَمْرٍ مُجَدَّدٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَكَذَا يَقُولُ الْمُزَنِيُّ كُلُّ صَلَاةٍ أُمِرَ بِفِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْخَلَلِ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذا أحدث حتى يتوضأ فمعناه حَتَّى يَتَطَهَّرَ بِمَاءٍ أَوْ تُرَابٍ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْوُضُوءِ لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ وَالْغَالِبَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ فهو بضم الغين والغلول الْخِيَانَةُ وَأَصْلُهُ السَّرِقَةُ مِنْ مَالِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ القسمة وأما قول بن عامر ادع لى فقال بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ وَكُنْتُ عَلَى الْبَصْرَةِ فَمَعْنَاهُ أَنَّكَ لَسْتَ بِسَالِمٍ مِنَ الْغُلُولِ فَقَدْ كُنْتَ وَالِيًا عَلَى

الْبَصْرَةِ وَتَعَلَّقَتْ بِكَ تَبِعَاتٌ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ وَلَا يُقْبَلُ الدُّعَاءُ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ كَمَا لَا تُقْبَلُ الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ إِلَّا مِنْ مُتَصَوِّنٍ وَالظَّاهِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ بن عمر قصد زجر بن عَامِرٍ وَحَثَّهُ عَلَى التَّوْبَةِ وَتَحْرِيضَهُ عَلَى الْإِقْلَاعِ عَنِ الْمُخَالَفَاتِ وَلَمْ يُرِدِ الْقَطْعَ حَقِيقَةً بِأَنَّ الدُّعَاءَ لِلْفُسَّاقِ لَا يَنْفَعُ فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالسَّلَفُ وَالْخَلَفُ يَدْعُو لِلْكُفَّارِ وَأَصْحَابِ الْمَعَاصِي بِالْهِدَايَةِ وَالتَّوْبَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قوله (حدثنا محمد بن مثنى وبن بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَوَكِيعٌ حَدَّثَنَا عَنْ إِسْرَائِيلَ كُلُّهُمْ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ) أَمَّا قَوْلُهُ كُلُّهُمْ فَيَعْنِي بِهِ شُعْبَةَ وَزَائِدَةَ وَإِسْرَائِيلَ فَأَمَّا قَوْلُهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَوَكِيعٌ حَدَّثَنَا فَمَعْنَاهُ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ أَيْضًا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَوَكِيعٌ حَدَّثَنَا وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَسَقَطَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ لَفْظَةُ حَدَّثَنَا وَبَقِيَ قَوْلُهُ أَبُو بَكْرٍ وَوَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا وَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ أَوَّلًا حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ أَيْ وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ هَكَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب صفة الوضوء وكماله)

(بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَكَمَالِهِ) فِيهِ حَرْمَلَةُ التُّجِيبِيُّ هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي مَوَاضِعَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قوله (عن بن شِهَابٍ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنَّ حُمْرَانَ أَخْبَرَهُ) هَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ تَابِعِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بعض وحمران أن بِضَمِّ الْحَاءِ قَوْلُهُ (فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَسْلَهُمَا فِي أَوَّلِ الْوُضُوءِ سُنَّةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَقَوْلُهُ (ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ) قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءُ وَالْمُحَدِّثُونَ الِاسْتِنْثَارُ هُوَ إِخْرَاجُ الْمَاءِ مِنَ الانف بعد الاستنشاق وقال بن الاعرابي وبن قُتَيْبَةَ الِاسْتِنْثَارُ الِاسْتِنْشَاقُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى اسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّثْرَةِ وَهِيَ طَرَفُ الْأَنْفِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ هِيَ الْأَنْفُ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ رَوَى سَلَمَةُ عَنِ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ يُقَالُ نَثَرَ الرَّجُلُ وَانْتَثَرَ وَاسْتَنْثَرَ إِذَا حَرَّكَ النَّثْرَةَ فِي الطَّهَارَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا حَقِيقَةُ الْمَضْمَضَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا كَمَالُهَا أَنْ يَجْعَلَ الْمَاءَ فِي فَمِهِ ثُمَّ يُدِيرُهُ فِيهِ ثُمَّ يَمُجُّهُ وَأَمَّا أَقَلُّهَا فَأَنْ يَجْعَلَ الْمَاءَ فِي فِيهِ وَلَا يُشْتَرَطُ إِدَارَتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ مِثْلُ الْخِلَافِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ يَدَهُ الْمُبْتَلَّةَ عَلَى رَأْسِهِ وَلَمْ يُمِرَّهَا هَلْ يَحْصُلُ الْمَسْحُ وَالْأَصَحُّ الْحُصُولُ كَمَا يَكْفِي إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى بَاقِي الْأَعْضَاءِ من غير دلك وَأَمَّا الِاسْتِنْشَاقُ فَهُوَ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى دَاخِلِ الْأَنْفِ وَجَذْبُهُ بِالنَّفَسِ إِلَى أَقْصَاهُ وَيُسْتَحَبُّ الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا فَيُكْرَهُ ذَلِكَ لِحَدِيثِ لَقِيطٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَى أَيِّ صِفَةٍ وَصَلَ الْمَاءُ إِلَى الْفَمِ وَالْأَنْفِ حَصَلَتِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَفِي الْأَفْضَلِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ يَتَمَضْمَضُ مِنْ كُلٍّ

وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ مِنْهَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ يَتَمَضْمَضُ مِنْهَا ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ مِنْهَا ثَلَاثًا وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ يَجْمَعُ أَيْضًا بِغَرْفَةِ وَلَكِنْ يَتَمَضْمَضُ مِنْهَا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ مِنْهَا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ مِنْهَا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ وَالرَّابِعُ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِغَرْفَتَيْنِ فَيَتَمَضْمَضُ مِنْ إِحْدَاهُمَا ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ مِنَ الْأُخْرَى ثَلَاثًا وَالْخَامِسُ يَفْصِلُ بِسِتِّ غَرَفَاتٍ يَتَمَضْمَضُ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ وَالصَّحِيحُ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَبِهِ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا وَأَمَّا حَدِيثُ الْفَصْلِ فَضَعِيفٌ فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَى الْجَمْعِ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ كَمَا ذَكَرْنَا لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَضْمَضَةَ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ وَعَلَى كُلِّ صِفَةٍ وهل هو تقديم استحباب واشتراط فِيهِ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا اشْتِرَاطٌ لِاخْتِلَافِ الْعُضْوَيْنِ وَالثَّانِي اسْتِحْبَابٌ كَتَقْدِيمِ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ) هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ مَرَّةً مَرَّةً وَعَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ سُنَّةٌ وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالْغَسْلِ مَرَّةً مَرَّةً وَثَلَاثًا ثَلَاثًا وَبَعْضُ الْأَعْضَاءِ ثَلَاثًا وَبَعْضُهَا مَرَّتَيْنِ وَبَعْضُهَا مَرَّةً قَالَ الْعُلَمَاءُ فَاخْتِلَافُهَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَأَنَّ الثَّلَاثَ هِيَ الْكَمَالُ وَالْوَاحِدَةُ تُجْزِئُ فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ اخْتِلَافُ الْأَحَادِيثِ وَأَمَّا اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِيهِ عَنِ الصَّحَابِيِّ الْوَاحِدِ فِي الْقِصَّةِ الْوَاحِدَةِ فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ حَفِظَ وَبَعْضَهُمْ نَسِيَ فَيُؤْخَذُ بِمَا زَادَ الثِّقَةُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي قَبُولِ زِيَادَةِ الثِّقَةِ الضَّابِطِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي طَائِفَةٍ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِيهِ الْمَسْحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَمَا فِي بَاقِي الْأَعْضَاءِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالكٌ وَأَحْمَدُ وَالْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ السُّنَّةَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا

وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِيهَا الْمَسْحُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَفِي بَعْضِهَا الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ مَسَحَ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْآتِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا وَبِالْقِيَاسِ عَلَى بَاقِي الْأَعْضَاءِ وَأَجَابَ عَنْ أَحَادِيثِ الْمَسْحِ مَرَّةً وَاحِدَةً بِأَنَّ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَوَاظَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَفْضَلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَاسْتِيعَابِ جَمِيعِهِمَا بِالْغَسْلِ وَانْفَرَدَتِ الرَّافِضَةُ عَنِ الْعُلَمَاءِ فَقَالُوا الْوَاجِبُ فِي الرِّجْلَيْنِ الْمَسْحُ وَهَذَا خَطَأٌ مِنْهُمْ فَقَدْ تَظَاهَرَتِ النُّصُوصُ بِإِيجَابِ غَسْلِهِمَا وَكَذَلِكَ اتَّفَقَ كُلُّ مَنْ نَقَلَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّهُ غَسَلَهُمَا وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ مَسْحِ الرَّأْسِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ فِيهِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي جَمَاعَةٍ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَلَوْ شَعْرَةً وَاحِدَةً وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ إِلَى وُجُوبِ اسْتِيعَابِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي رِوَايَةٍ الْوَاجِبُ رُبْعُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَذَهَبَ إِلَيْهِ مِنَ السَّلَفِ الحسن البصري والزهري والحكم وقتادة وربيعة ويحي بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ عَطَاءٍ وَأَحْمَدَ وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي أَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لَا يَصِحَّانِ إِلَّا بِهِمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حنبل وهو مذهب بن أَبِي لَيْلَى وَحَمَّادٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَرِوَايَةً عَنْ عَطَاءٍ وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ أَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ فِي الْغُسْلِ دُونَ الْوُضُوءِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ أَنَّ الِاسْتِنْشَاقَ وَاجِبٌ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالْمَضْمَضَةُ سُنَّةٌ فِيهِمَا وهو مذهب أبي ثور وأبي عبيد وَدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ الدَّلْكُ وَانْفَرَدَ مَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ بِاشْتِرَاطِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاتَّفَقَ الْجَمَاهِيرُ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الْكَعْبَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ وَانْفَرَدَ زُفَرُ وَدَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ بِقَوْلِهِمَا لَا يَجِبُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَعْبَيْنِ الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ بَيْنَ السَّاقِ وَالْقَدَمِ وَفِي كُلِّ رِجْلٍ كَعْبَانِ وَشَذَّتِ الرَّافِضَةُ فَقَالَتْ فِي كُلِّ رِجْلٍ كَعْبٌ وَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي فِي ظَهْرِ الْقَدَمِ وَحُكِيَ هَذَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ وَحُجَّةُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ نَقْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالِاشْتِقَاقِ وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي نَحْنُ

فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَغَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَرِجْلَهُ الْيُسْرَى كَذَلِكَ فَأَثْبَتَ فِي كُلِّ رِجْلٍ كَعْبَيْنِ وَالْأَدِلَّةُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَثِيرَةٌ وَقَدْ أَوْضَحْتُهَا بِشَوَاهِدِهَا وَأُصُولِهَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَكَذَلِكَ بَسَطْتُ فِيهِ أَدِلَّةَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَاخْتِلَافَ الْمَذَاهِبِ وَحُجَجَ الْجَمِيعِ مِنَ الطَّوَائِفِ وَأَجْوِبَتَهَا وَالْجَمْعَ بَيْنَ النُّصُوصِ الْمُخْتَلِفَةِ فِيهَا وَأَطْنَبْتُ فِيهَا غَايَةَ الْإِطْنَابِ وَلَيْسَ مُرَادِي هُنَا إِلَّا الْإِشَارَةَ إلى ما يتعلق بالحديث والله أعلم قال أَصْحَابُنَا وَلَوْ خُلِقَ لِلْإِنْسَانِ وَجْهَانِ وَجَبَ غَسْلُهُمَا وَلَوْ خُلِقَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيْدٍ أَوْ أَرْجُلٍ أَوْ أَكْثَرَ وَهِيَ مُتَسَاوِيَاتٌ وَجَبَ غَسْلُ الْجَمِيعِ وَإِنْ كَانَتِ الْيَدُ الزَّائِدَةُ نَاقِصَةً وَهِيَ نَابِتَةٌ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ وَجَبَ غَسْلُهَا مَعَ الْأَصْلِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ نَابِتَةً فَوْقَ الْمِرْفَقِ وَلَمْ تُحَاذِ مَحَلَّ الْفَرْضِ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهَا وَإِنْ حَاذَتْهُ وَجَبَ غَسْلُ الْمُحَاذِي خَاصَّةً عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يَجِبُ وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ فَوْقِ الْمِرْفَقِ فَلَا فَرْضَ عَلَيْهِ فِيهَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلُ بَعْضَ مَا بَقِيَ لِئَلَّا يَخْلُو الْعُضْوُ مِنْ طَهَارَةٍ فَلَوْ قُطِعَ بَعْضُ الذِّرَاعِ وَجَبَ غَسْلُ بَاقِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) إِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ وُضُوئِي وَلَمْ يَقُلْ مِثْلَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ مُمَاثَلَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ وَالْمُرَادُ بِالْغُفْرَانِ الصَّغَائِرُ دُونَ الْكَبَائِرِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ عَقِبَ كُلِّ وُضُوءٍ وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَيَفْعَلُ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ لَهَا سَبَبًا وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ بِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُخَرَّجِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ مَتَى تَوَضَّأَ صَلَّى وَقَالَ إِنَّهُ أَرْجَى عَمَلٍ لَهُ وَلَوْ صَلَّى فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً مَقْصُودَةً حَصَلَتْ لَهُ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ كَمَا تَحْصُلُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ فَالْمُرَادُ لَا يحدث بشئ من أمور الدنيا ومالا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ وَلَوْ عَرَضَ لَهُ حَدِيثٌ فَأَعْرَضَ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ عُرُوضِهِ عُفِيَ عَنْ ذَلِكَ وَحَصَلَتْ لَهُ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَقَدْ عُفِيَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَنِ الْخَوَاطِرِ الَّتِي تَعْرِضُ وَلَا تَسْتَقِرُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي كتاب الايمان

وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَدْ قَالَ مَعْنَى مَا ذكرته الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَقَالَ يُرِيدُ بِحَدِيثِ النَّفْسِ الْحَدِيثَ الْمُجْتَلَبَ وَالْمُكْتَسَبَ وَأَمَّا مَا يَقَعُ فِي الْخَوَاطِرِ غَالِبًا فَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادَ قَالَ وَقَوْلُهُ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ مِمَّا يُكْتَسَبُ لِإِضَافَتِهِ إِلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا الَّذِي يَكُونُ بِغَيْرِ قَصْدٍ يُرْجَى أَنْ تُقْبَلَ مَعَهُ الصَّلَاةُ وَيَكُونُ دُونَ صلاة من لم يحدث نفسه بشئ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا ضَمَّنَ الْغُفْرَانَ لِمُرَاعِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَلَّ مَنْ تَسْلَمُ صَلَاتُهُ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَإِنَّمَا حَصَلَتْ لَهُ هَذِهِ الْمَرْتَبَةُ لِمُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ مِنْ خَطَرَاتِ الشَّيْطَانِ وَنَفْيِهَا عَنْهُ وَمُحَافَظَتِهِ عَلَيْهَا حَتَّى لَمْ يَشْتَغِلْ عَنْهَا طَرْفَةَ عَيْنٍ وَسَلِمَ مِنَ الشَّيْطَانِ بِاجْتِهَادِهِ وَتَفْرِيغِهِ قَلْبَهُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالصَّوَابُ ما قدمته والله أعلم قوله (قال بن شِهَابٍ وَكَانَ عُلَمَاؤُنَا يَقُولُونَ هَذَا أَسْبَغُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ أَحَدٌ لِلصَّلَاةِ) مَعْنَاهُ هَذَا أَتَمُّ الْوُضُوءِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ وَالْمُرَادُ بِالثَّلَاثِ الْمُسْتَوْعِبَةِ لِلْعُضْوِ وَأَمَّا إِذَا لَمْ تَسْتَوْعِبِ الْعُضْوَ إِلَّا بِغَرْفَتَيْنِ فَهِيَ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ شَكَّ هَلْ غَسَلَ ثَلَاثًا أَمِ اثْنَتَيْنِ جَعَلَ ذَلِكَ اثْنَتَيْنِ وَأَتَى بِثَالِثَةٍ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْجَمَاهِيرُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهَا مَخَافَةً مِنَ ارْتِكَابِ بِدْعَةٍ بِالرَّابِعَةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ وَإِنَّمَا تَكُونُ الرَّابِعَةُ بِدْعَةً وَمَكْرُوهَةً إِذَا تَعَمَّدَ كَوْنَهَا رَابِعَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ وقد يستدل بقول بن شِهَابٍ هَذَا مَنْ يَكْرَهُ غَسْلَ مَا فَوْقَ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَكْرُوهٍ عِنْدنَا بَلْ هُوَ سُنَّةٌ مَحْبُوبَةٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي بَابِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا دَلَالَةَ فِي قول بن شِهَابٍ عَلَى كَرَاهَتِهِ فَإِنَّ مُرَادَهُ الْعَدَدُ كَمَا قدمناه ولو صرح بن شِهَابٍ أَوْ غَيْرُهُ بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ كَانَتْ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحِيحَةُ مُقَدَّمَةً عليه والله أعلم قَوْلُهُ (أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَا بِإِنَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى

(باب فضل الوضوء والصلاة عقبه)

كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْإِنَاءِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ لَهُمَا بِيَمِينِهِ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ يَكُونَانِ بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ أَحَدُ الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ الَّتِي قَدَّمْتُهَا وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَ تَكْرَارَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ وَالْوَجْهِ وَأَطْلَقَ أَخْذَ الْمَاءِ لِلْمَضْمَضَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَامَ مِنَ النَّوْمِ إِذَا شَكَّ فِي نَجَاسَةِ يَدِهِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَالدَّلَالَةُ مِنْهُ ظَاهِرَةٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِهَا قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ فضل الوضوء والصلاة عقبه) قَوْلُهُ (وَهُوَ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ) هُوَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَبِالْمَدِّ أَيْ بَيْنَ يَدَيِ الْمَسْجِدِ وَفِي جِوَارِهِ والله أعلم قوله (وَاللَّهِ لَأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا) فِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةِ الِاسْتِحْلَافِ قَوْلُهُ (لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا حَدَّثْتُكُمْ ثُمَّ قَالَ عُرْوَةُ الْآيَةُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا من البينات

الْآيَةَ) مَعْنَاهُ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى مَنْ عَلِمَ عِلْمًا إِبْلَاغَهُ لَمَا كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى تَحْدِيثِكُمْ وَلَسْتُ مُتَكَثِّرًا بِتَحْدِيثِكُمْ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ الَّتِي بِبِلَادِنَا وَلِأَكْثَرِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِهِمْ لَوْلَا آيَةٌ بِالْيَاءِ وَمَدِّ الْأَلِفِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَعَ لِلرُّوَاةِ فِي الْحَدِيثَيْنِ لَوْلَا آيَةٌ بِالْيَاءِ إِلَّا الْبَاجِيَّ فَإِنَّهُ رَوَاهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لَوْلَا أَنَّهُ بِالنُّونِ قَالَ وَاخْتَلَفَ رُوَاةُ مَالِكٍ فِي هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ قَالَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ فَفِي مُسْلِمٍ قَوْلُ عُرْوَةَ إِنَّ الْآيَةَ هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أنزلنا من البينات وَعَلَى هَذَا لَا تَصِحُّ رِوَايَةُ النُّونِ وَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ أَرَاهُ يُرِيدُ هَذِهِ الْآيَةَ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ الْآيَةَ وَعَلَى هَذَا تَصِحُّ الرِّوَايَتَانِ وَيَكُونُ مَعْنَى رِوَايَةِ النُّونِ لَوْلَا أَنَّ مَعْنَى مَا أُحَدِّثُكُمْ بِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا حَدَّثْتُكُمْ بِهِ لِئَلَّا تَتَّكِلُوا قَالَ الْقَاضِي وَالْآيَةُ الَّتِي رَآهَا عُرْوَةُ وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الكتاب ففيه تَنْبِيهٌ وَتَحْذِيرٌ لِمَنْ فَعَلَ فِعْلَهُمْ وَسَلَكَ سَبِيلَهُمْ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَمَّ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ مَنْ كَتَمَ عِلْمًا أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالصَّحِيحُ تَأْوِيلُ عُرْوَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ) أَيْ يَأْتِي بِهِ تَامًّا بِكَمَالِ صِفَتِهِ وَآدَابِهِ وفي هذا الحديث الحث على الإعتناء بتعلم آدَابُ الْوُضُوءِ وَشُرُوطُهُ وَالْعَمَلُ بِذَلِكَ وَالِاحْتِيَاطُ فِيهِ وَالْحِرْصُ عَلَى أَنْ يَتَوَضَّأَ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ وَلَا يَتَرَخَّصُ بِالِاخْتِلَافِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصْ عَلَى التَّسْمِيَةِ وَالنِّيَّةِ وَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَالِاسْتِنْثَارِ وَاسْتِيعَابِ مَسْحِ الرَّأْسِ وَمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ وَدَلْكِ الْأَعْضَاءِ وَالتَّتَابُعِ فِي الْوُضُوءِ وَتَرْتِيبِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَتَحْصِيلِ مَاءٍ طَهُورٍ بِالْإِجْمَاعِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ الَّتِي تَلِيهَا) أَيْ الَّتِي بَعْدَهَا فَقَدْ جاء في

الموطأ التي تليها حتى يصليها قوله (عن صالح قال قال بن شِهَابٍ وَلَكِنَّ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ حُمْرَانَ أَنَّهُ قَالَ تَوَضَّأَ عُثْمَانُ) هَذَا إِسْنَادٌ اجْتَمَعَ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ مَدَنِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَفِيهِ لَطِيفَةٌ أُخْرَى وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ عَنِ الْأَصَاغِرِ فَإِنَّ صَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ أَكْبَرُ سِنًّا مِنَ الزُّهْرِيِّ وَقَوْلُهُ (وَلَكِنَّ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِحَدَثٍ قَبْلَهُ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتَ كَبِيرَةٌ وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الذُّنُوبَ كُلَّهَا تُغْفَرُ إِلَّا الْكَبَائِرَ فَإِنَّهَا لَا تُغْفَرُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الذُّنُوبَ تُغْفَرُ مالم تكن كبيرة فان كانت لا يغفر شئ مِنَ الصَّغَائِرِ فَإِنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا فَسِيَاقُ الْأَحَادِيثِ يَأْبَاهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ غُفْرَانِ الذُّنُوبِ مَا لَمْ تُؤْتَ كَبِيرَةٌ هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَنَّ الْكَبَائِرَ إِنَّمَا تُكَفِّرُهَا التَّوْبَةُ أَوْ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَفَضْلُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ أَيْ ذَلِكَ مُسْتَمِرٌّ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ ثُمَّ إِنَّهُ وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (مَا مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة) وَفِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَفِي الرواية الأخرى الاغفر لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ الَّتِي تَلِيهَا وفي الحديث الآخر (مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَمَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ نَافِلَةً) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ يُقَالُ إِذَا كَفَّرَ الْوُضُوءُ فَمَاذَا تُكَفِّرُ الصَّلَاةُ وَإِذَا كَفَّرَتِ الصَّلَاةُ فَمَاذَا تُكَفِّرُ الْجُمُعَاتُ وَرَمَضَانُ وَكَذَلِكَ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَالْجَوَابُ مَا أَجَابَهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنَ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَاتٌ وَرُفِعَتْ بِهِ دَرَجَاتٌ وَإِنْ صَادَفَتْ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً رَجَوْنَا أَنْ يُخَفِّفَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ (عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي أَنَسٍ

أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَوَضَّأَ بِالْمَقَاعِدِ فَقَالَ أَلَا أُرِيكُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) وَزَادَ قُتَيْبَةُ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ سُفْيَانُ قَالَ أَبُو النَّضْرِ عَنْ أَبِي أَنَسٍ قَالَ وَعِنْدَهُ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا أَبُو النَّضْرِ فَاسْمُهُ سَالِمُ بن أمية المدني القرشي التيمي مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ وَكَاتِبُهُ وَأَمَّا أَبُو أَنَسٍ فَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الْأَصْبَحِيُّ الْمَدَنِيُّ وَهُوَ جَدُّ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ الْإِمَامِ وَوَالِدُ أَبِي سُهَيْلٍ عَمِّ مَالِكٍ وَأَمَّا الْمَقَاعِدُ فَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالْقَافِ قِيلَ هِيَ دَكَاكِينُ عِنْدَ دَارِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَقِيلَ دَرَجٌ وَقِيلَ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ اتَّخَذَهُ لِلْقُعُودِ فِيهِ لِقَضَاءِ حَوَائِجِ النَّاسِ وَالْوُضُوءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَهُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْوُضُوءِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ وَأَنَّ الْوَاجِبَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي الرَّأْسِ أَنْ يُمْسَحَ ثَلَاثًا كَبَاقِي الْأَعْضَاءِ وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِنَحْوِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ جَمَعْتُهَا مُبَيَّنَةٌ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَنَبَّهْتُ عَلَى صَحِيحِهَا مِنْ ضَعِيفِهَا وَمَوْضِعِ الدَّلَالَةِ مِنْهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَعْنَاهُ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ مَا قَالَهُ وَالرِّجَالُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُخَالِفُوهُ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ رَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ رَأَيْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ هَذَا قَالُوا نَعَمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي أَنَسٍ أَنَّ عُثْمَانَ تَوَضَّأَ) هَذَا الْإِسْنَادُ مِنْ جُمْلَةِ مَا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ الْجَيَّانِيُّ مَذْكُورٌ أَنَّ وَكِيعَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَهِمَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ عَنْ أَبِي أَنَسٍ وَإِنَّمَا يَرْوِيهِ أَبُو النَّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رُوِّينَا هَذَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ قَالَ وَهَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا مِمَّا وَهِمَ فِيهِ وَكِيعٌ عَلَى الثَّوْرِيِّ وَخَالَفَهُ أَصْحَابُ الثَّوْرِيِّ الْحُفَّاظُ مِنْهُمُ الْأَشْجَعِيُّ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ وَالْفِرْيَابِيُّ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو حُذَيْفَةَ وَغَيْرُهُمْ رَوَوْهُ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ

بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُثْمَانَ وَهُوَ الصَّوَابُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ أَبِي عَلِيٍّ وَقَوْلُهُ (عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ أَبِي صَخْرَةَ) هُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ رَاءٍ ثُمَّ هَاءٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ قَوْلُهُ (فَمَا أَتَى عَلَيْهِ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ يُفِيضُ عَلَيْهِ نُطْفَةً) النُّطْفَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَهِيَ الْمَاءُ الْقَلِيلُ وَمُرَادُهُ لَمْ يَكُنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ يَوْمٌ إِلَّا اغْتَسَلَ فِيهِ وَكَانَتْ مُلَازَمَتُهُ لِلِاغْتِسَالِ مُحَافَظَةً عَلَى تَكْثِيرِ الطُّهْرِ وَتَحْصِيلِ مَا فِيهِ مِنْ عَظِيمِ الْأَجْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي حَدِيثِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا أدري أحدثكم بشئ أو أسكت قال فقلنا يارسول اللَّهِ إِنْ كَانَ خَيْرًا فَحَدِّثْنَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) أَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم ما أدري أحدثكم أَوْ أَسْكُتُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَا أَدْرِي هَلْ ذِكْرِي لَكُمْ هَذَا الْحَدِيثَ فِي هَذَا الزَّمَنِ مَصْلَحَةٌ أَمْ لَا ثُمَّ ظَهَرَتْ مَصْلَحَتُهُ فِي الْحَالِ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَهُمْ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْغِيبِهِمْ فِي الطَّهَارَةِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ وَسَبَبُ تَوَقُّفِهِ أَوَّلًا أَنَّهُ خَافَ مَفْسَدَةَ اتِّكَالِهِمْ ثُمَّ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي التَّحْدِيثِ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنْ كَانَ خَيْرًا فَحَدِّثْنَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إِنْ كَانَ بِشَارَةً لَنَا وَسَبَبًا لِنَشَاطِنَا وَتَرْغِيبِنَا فِي الْأَعْمَالِ أَوْ تَحْذِيرًا وَتَنْفِيرًا مِنَ الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتِ فَحَدِّثْنَا بِهِ لِنَحْرِصَ عَلَى عَمَلِ الْخَيْرِ وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الشَّرِّ وَإِنْ كَانَ حَدِيثًا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَعْمَالِ وَلَا تَرْغِيبَ فِيهِ وَلَا تَرْهِيبَ فَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ وَمَعْنَاهُ فِرْ فِيهِ رَأْيَكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَطَهَّرُ فَيُتِمُّ الطُّهُورَ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَيُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَوَاتِ

الْخَمْسَ إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُنَّ) هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِيهَا فَائِدَةٌ نَفِيسَةٌ وَهِيَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطُّهُورُ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ مَنِ اقْتَصَرَ فِي وُضُوئِهِ عَلَى طَهَارَةِ الْأَعْضَاءِ الْوَاجِبَةِ وَتَرَكَ السُّنَنَ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ كَانَتْ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ حَاصِلَةً لَهُ وَإِنْ كَانَ مَنْ أَتَى بِالسُّنَنِ أَكْمَلَ وَأَشَدَّ تَكْفِيرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةَ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْهَاءِ وَإِسْكَانِ النُّونِ بَيْنَهُمَا وَمَعْنَاهُ لَا يَدْفَعُهُ وَيَنْهَضُهُ وَيُحَرِّكُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ نَهَزْتُ الرَّجُلَ أَنْهَزُهُ إِذَا دَفَعْتُهُ وَنَهَزَ رأسه أى حركه قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ يُنْهِزُهُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَهُوَ خَطَأٌ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ هِيَ لُغَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الْإِخْلَاصِ فِي الطَّاعَاتِ وَأَنْ تَكُونَ مُتَمَحِّضَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (غُفِرَ لَهُ مَا خَلَا مِنْ ذَنْبِهِ) أَيْ مَضَى

قَوْلُهُ (أَنَّ الْحُكَيْمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَاهُ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُمَا عَنْ حُمْرَانَ) هَذَا الْإِسْنَادُ اجْتَمَعَ فِيهِ الْحُكَيْمُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَنَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُعَاذٌ وَحُمْرَانُ قَوْلُهُ (مَوْلَى الْحُرَقَةِ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ تقدم بيانه أول الكتاب قوله (حدثنا بن وَهْبٍ عَنْ أَبِي صَخْرٍ) هُوَ أَبُو صَخْرٍ مِنْ غَيْرِ هَاءٍ فِي آخِرِهِ وَاسْمُهُ حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ وَقِيلَ حُمَيْدُ بْنُ صَخْرٍ وَقِيلَ حَمَّادُ بْنُ زِيَادٍ وَيُقَالُ لَهُ أَبُو الصَّخْرِ الْخَرَّاطُ صَاحِبُ الْعَبَاءِ الْمَدَنِيُّ سَكَنَ مِصْرَ

(باب الذكر المستحب عقب الوضوء)

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا) فِيهِ جَوَازُ قَوْلِ رَمَضَانُ مِنْ غَيْرِ إِضَافَةِ شَهْرٍ إِلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِ مَنْ أَنْكَرَهُ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاضِحَةً مَبْسُوطَةً بِشَوَاهِدِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ اجْتَنَبَ آخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَالْكَبَائِرُ مَنْصُوبٌ أَيْ إِذَا اجْتَنَبَ فَاعِلُهَا الْكَبَائِرَ وَفِي بَعْضِ الْأُصُولِ اجْتُنِبَتْ بِزِيَادَةِ تَاءٍ مثناة في أخره على مالم يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَرَفْعِ الْكَبَائِرِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ ظَاهِرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب الذِّكْرِ الْمُسْتَحَبِّ عَقِبَ الْوُضُوءِ) قَالَ مُسْلِمٌ (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ ربيعة يعنى بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ وَحَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عُقْبَةَ

بْنِ عَامِرٍ) ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ (وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الحباب حدثنا معاوية بن صالح بن ميمون عن ربيعة بين يَزِيدَ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ وَأَبِي عُثْمَانَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عُقْبَةَ) اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْقَائِلِ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَحَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ مَنْ هُوَ فَقِيلَ هُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ وَقِيلَ رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ الْجَيَّانِيُّ فِي تَقْيِيدِ الْمُهْمَلِ الصَّوَابُ أَنَّ الْقَائِلَ ذَلِكَ هُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ وَكَتَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَذَّاءِ فِي نُسْخَتِهِ قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ وَحَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ عَنْ جُبَيْرٍ عَنْ عُقْبَةَ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَالَّذِي أَتَى فِي النُّسَخِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ مُسْلِمٍ هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا يَعْنِي مَا قَدَّمْتُهُ أَنَا هُنَا قَالَ وهو الصواب قال وما أتى به بن الْحَذَّاءِ وَهَمٌ مِنْهُ وَهَذَا بَيِّنٌ مِنْ رِوَايَةِ الْأَئِمَّةِ الثِّقَاةِ الْحُفَّاظِ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرْوِيهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ بِإِسْنَادَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ عُقْبَةَ وَالثَّانِي عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عُقْبَةَ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الصَّوَابِ خَرَّجَهُ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ فَصَرَّحَ وَقَالَ قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ وَحَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ عَنْ جُبَيْرٍ عَنْ عُقْبَةَ ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ طُرُقًا كَثِيرَةً فِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ وَأَطْنَبَ أَبُو عَلِيٍّ فِي إِيضَاحِ مَا صَوَّبَهُ وَكَذَلِكَ جَاءَ التَّصْرِيحُ بِكَوْنِ الْقَائِلِ هُوَ مُعَاوِيَةَ بْنَ صَالِحٍ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا أحمد بن سعيد عن بن وَهْبٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ وَأَظُنُّهُ سَعِيدَ بْنَ هَانِئٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عُقْبَةَ قَالَ مُعَاوِيَةُ وَحَدَّثَنِي رَبِيعَةُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ عُقْبَةَ هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى من طريق بن أَبِي شَيْبَةَ (حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ وَأَبِي عُثْمَانَ عَنْ جُبَيْرٍ) فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَقَوْلُهُ وَأَبِي عُثْمَانَ مَعْطُوفٌ عَلَى رَبِيعَةَ وَتَقْدِيرُهُ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ جُبَيْرٍ وَحَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ جُبَيْرٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَالتَّقْدِيرِ مَا رَوَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ

الْبَغَوِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ عُقْبَةَ قَالَ مُعَاوِيَةُ وَأَبُو عُثْمَانَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عُقْبَةَ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ فَهَذَا الْإِسْنَادُ يُبَيِّنُ مَا أُشْكِلَ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا فَبَيَّنَ الْإِسْنَادَيْنِ مَعًا وَمِنْ أَيْنَ مَخْرَجُهُمَا فَذَكَرَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بن سعيد عن بن وَهْبٍ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَقَدْ خَرَّجَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فِي مُصَنَّفِهِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ شَيْخٍ لَهُ لَمْ يَقُمْ إِسْنَادُهُ عَنْ زَيْدٍ وَحَمَلَ أَبُو عِيسَى فِي ذَلِكَ عَلَى زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ وَزَيْدٌ بَرِيءٌ مِنْ هَذِهِ الْعُهْدَةِ وَالْوَهَمُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَبِي عِيسَى أَوْ مِنْ شَيْخِهِ الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ لِأَنَّا قَدَّمْنَا مِنْ رِوَايَةِ أَئِمَّةٍ حُفَّاظٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ مَا خَالَفَ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عِيسَى وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَذَكَرَهُ أَبُو عِيسَى أَيْضًا فِي كِتَابِ الْعِلَلِ وَسُؤَالَاتِهِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ فَلَمْ يُجَوِّدْهُ وَأَتَى فِيهِ عَنْهُ بِقَوْلٍ يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَا عَنِ الْأَئِمَّةِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَحْفَظْهُ عَنْهُ وَهَذَا حَدِيثٌ مُخْتَلَفٌ فِي إِسْنَادِهِ وَأَحْسَنُ طُرُقِهِ مَا خرجه مسلم بن الحجاج من حديث بن مَهْدِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَقَدْ رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَخُو أَبِي بَكْرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ فَزَادَ فِي إِسْنَادِهِ رَجُلًا وَهُوَ جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ فِي بَابِ كَرَاهَةِ الْوَسْوَسَةِ بِحَدِيثِ النَّفْسِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ أَبِي عَلِيٍّ الْغَسَّانِيِّ وَقَدْ أَتْقَنَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْإِسْنَادَ غَايَةَ الْإِتْقَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْمُ أَبِي إِدْرِيسَ عَائِذُ الله بالذال المعجمة بن عَبْدِ اللَّهِ وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ فَبِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُكَرَّرَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الْإِبِلِ فَجَاءَتْ نَوْبَتِي فروحتها بعشى معنى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَنَاوَبُونَ رَعْيَ إِبِلِهِمْ فَيَجْتَمِعُ الْجَمَاعَةُ وَيَضُمُّونَ إِبِلَهُمْ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ فيرعاها كل

(باب آخر في صفته الوضوء)

يَوْمٍ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِيَكُونَ أَرْفَقَ بِهِمْ وَيَنْصَرِفَ الباقون في مصالحهم والرعاية بِكَسْرِ الرَّاءِ وَهِيَ الرَّعْيُ وَقَوْلُهُ رَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ أَيْ رَدَدْتُهَا إِلَى مَرَاحِهَا فِي آخِرِ النَّهَارِ وَتَفَرَّغْتُ مِنْ أَمْرِهَا ثُمَّ جِئْتُ إِلَى مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ مُقْبِلٌ أَيْ وَهُوَ مُقْبِلٌ وَقَدْ جَمَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ أَنْوَاعُ الْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ لِأَنَّ الْخُضُوعَ فِي الْأَعْضَاءِ وَالْخُشُوعَ بِالْقَلْبِ عَلَى مَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ قَوْلُهُ مَا أَجْوَدَ هَذِهِ يَعْنِي هَذِهِ الْكَلِمَةَ أَوِ الْفَائِدَةَ أَوِ الْبِشَارَةَ أَوِ الْعِبَادَةَ وَجَوْدَتُهَا مِنْ جِهَاتٍ مِنْهَا أَنَّهَا سَهْلَةٌ مُتَيَسِّرَةٌ يَقْدِرُ عَلَيْهَا كُلُّ أَحَدٍ بِلَا مَشَقَّةٍ وَمِنْهَا أَنَّ أَجْرَهَا عَظِيمٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ جِئْتُ آنِفًا أَيْ قَرِيبًا وَهُوَ بِالْمَدِّ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَبِالْقَصْرِ عَلَى لُغَةٍ صَحِيحَةٍ قُرِئَ بِهَا فِي السَّبْعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَبْلُغُ أَوْ يُسْبِغُ الْوُضُوءَ) هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَيْ يُتِمُّهُ وَيُكْمِلُهُ فَيُوَصِّلُهُ مَوَاضِعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا أَحْكَامُ الْحَدِيثِ فَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ للمتوضيء أَنْ يَقُولَ عَقِبَ وُضُوئِهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَضُمَّ إِلَيْهِ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مُتَّصِلَا بِهَذَا الْحَدِيثِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ وَيُسْتَحَبُّ أن يضم إليه مارواه النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِهِ عَمَلُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَرْفُوعًا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَتُسْتَحَبُّ هَذِهِ الْأَذْكَارُ للمغتسل أيضا والله أعلم (باب آخر في صفته الْوُضُوءِ) فِيهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ وَهُوَ غَيْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ صَاحِبِ الْأَذَانِ كَذَا قَالَهُ الْحُفَّاظُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَغَلَّطُوا سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ فِي قَوْلِهِ هُوَ هُوَ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى غَلَطِهِ فِي ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ صَحِيحِهِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ صَاحِبَ الْأَذَانِ لَا يُعْرَفُ لَهُ غَيْرُ

حَدِيثِ الْأَذَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَأَكْفَأَ مِنْهَا عَلَى يَدَيْهِ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ مِنْهَا وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْ مِنَ الْمَطْهَرَةِ أَوِ الْإِدَاوَةِ وَقَوْلُهُ أَكْفَأَ هُوَ بِالْهَمْزِ أَيْ أَمَالَ وَصَبَّ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَقْدِيمِ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ قَبْلَ غَمْسِهِمَا فِي الْإِنَاءِ قَوْلُهُ (فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَنْ يَكُونَ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَقَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْخِلَافَ فِيهَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ فِيهِ حُجَّةٌ لِلْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ الَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الاستنثار غير الاستنشاق خلافا لما قاله بن الاعرابي وبن قُتَيْبَةَ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الباب الاول ايضاحه وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا) هَكَذَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَدْخَلَ يَدَهُ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ وَكَذَا فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ هَذَا ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فَاغْتَرَفَ بِهِمَا فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ بن عَبَّاسٍ ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا أضافتها إِلَى يَدِهِ الْأُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا وَجْهَهُ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صِفَةِ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاءِ جَمِيعًا فَأَخَذَ بِهِمَا حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى وَجْهِهِ فَهَذِهِ أَحَادِيثُ فِي بَعْضِهَا يَدَهُ وَفِي بَعْضِهَا يَدَيْهِ وَفِي بَعْضِهَا يَدَهُ وَضَمَّ إِلَيْهَا الْأُخْرَى فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى جَوَازِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَأَنَّ الْجَمِيعَ سُنَّةٌ وَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَرَّاتٍ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ مِنْهَا وَالْمَشْهُورَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْمُزَنِيِّ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَخْذُ الْمَاءِ لِلْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ جَمِيعًا لِكَوْنِهِ أَسْهَلَ وَأَقْرَبَ إِلَى الْإِسْبَاغِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ فِي غَسْلِ وَجْهِهِ بِأَعْلَاهُ لِكَوْنِهِ أَشْرَفَ ولأنه أقرب

إِلَى الِاسْتِيعَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ مُخَالَفَةِ الْأَعْضَاءِ وَغَسْلِ بَعْضِهَا ثَلَاثًا وَبَعْضِهَا مَرَّتَيْنِ وَبَعْضِهَا مَرَّةً وَهَذَا جَائِزٌ وَالْوُضُوءُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ صَحِيحٌ بِلَا شَكٍّ وَلَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَطْهِيرُ الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا ثَلَاثًا ثَلَاثًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِنَّمَا كَانَتْ مُخَالَفَتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ كَمَا تَوَضَّأَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً مَرَّةً فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَفْضَلَ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الْبَيَانَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ قِيلَ الْبَيَانُ يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَوْقَعُ بِالْفِعْلِ فِي النُّفُوسِ وَأَبْعَدُ مِنَ التَّأْوِيلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ) هَذَا مُسْتَحَبٌّ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّهُ طَرِيقٌ إِلَى اسْتِيعَابِ الرَّأْسِ وَوُصُولِ الْمَاءِ إِلَى جَمِيعِ شَعْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الرَّدُّ إِنَّمَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ غَيْرُ مَضْفُورٍ أَمَّا مَنْ لَا شَعْرَ عَلَى رَأْسِهِ وَكَانَ شَعْرُهُ مَضْفُورًا فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الرَّدُّ إِذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَوْ رَدَّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يُحْسَبِ الرَّدُّ مَسْحَةً ثَانِيَةً لِأَنَّ الماء

صَارَ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا سِوَى تِلْكَ الْمَسْحَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِوُجُوبِ اسْتِيعَابِ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي كَمَالِ الْوُضُوءِ لَا فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فأقبل به) أى بالمسح قوله (حدثنا هارون بن معرف وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ وَأَبُو الطَّاهِرِ قالوا حدثنا بن وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ حَبَّانَ بْنَ وَاسِعٍ حَدَّثَهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ حَدَّثَنَا بن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ) هَذَا مِنَ احْتِيَاطِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَوُفُورِ عِلْمِهِ وَوَرَعِهِ فَفَرَّقَ بَيْنَ رِوَايَتِهِ عَنْ شَيْخَيْهِ الْهَارُونَيْنِ فَقَالَ فِي الْأَوَّلِ حَدَّثَنَا وَفِي الثَّانِي حَدَّثَنِي فَإِنَّ رِوَايَتَهُ عَنِ الْأَوَّلِ كَانَتْ سَمَاعًا مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَرِوَايَتَهُ عَنِ الثَّانِي كَانَتْ لَهُ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ شَرِيكٍ لَهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي مِثْلِ الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ حَدَّثَنَا وَفِي الثَّانِي وَحَدَّثَنِي وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ بِالِاتِّفَاقِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فَاسْتَعْمَلَهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ أَكْثَرَ مِنَ التَّحَرِّي فِي مِثْلِ هَذَا وَقَدْ قَدَّمْتُ لَهُ نَظَائِرَ وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى التَّنْبِيهُ عَلَى نَظَائِرِهِ كثيرة وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ حدثنا بن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ فَهُوَ أَيْضًا مِنَ احْتِيَاطِ مُسْلِمٍ وَوَرَعِهِ فَإِنَّهُ رَوَى الْحَدِيثَ أَوَّلًا عَنْ شُيُوخِهِ الثَّلَاثَةِ الْهَارُونَيْنِ وَأَبِي الطَّاهِرِ عن بن وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَلَمْ يَكُنْ فِي رِوَايَةِ أَبِي الطَّاهِرِ أَخْبَرَنِي إِنَّمَا كَانَ فِيهَا عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ لَفْظَةَ عَنْ مُخْتَلَفٌ فِي حَمْلِهَا عَلَى الِاتِّصَالِ وَالْقَائِلُونَ إِنَّهَا لِلِاتِّصَالِ وَهُمُ الْجَمَاهِيرُ يُوَافِقُونَ عَلَى أَنَّهَا دُونَ أَخْبَرَنَا فَاحْتَاطَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبَيَّنَ ذَلِكَ وَكَمْ فِي كِتَابِهِ مِنَ الدُّرَرِ وَالنَّفَائِسِ الْمُشَابِهَةِ لِهَذَا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجَمَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب الإيتار في الاستنثار والاستجمار)

وَحَبَّانُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ وَالْأَيْلِيُّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدِهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَدَيْهِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَسَحَ الرَّأْسَ بِمَاءٍ جَدِيدٍ لَا بِبَقِيَّةِ مَاءِ يَدَيْهِ وَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ لَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ بِهِ لِأَنَّ هَذَا إِخْبَارٌ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ لِلرَّأْسِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ اشْتِرَاطُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ الْإِيتَارِ فِي الِاسْتِنْثَارِ وَالِاسْتِجْمَارِ) فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ وِتْرًا وَإِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ لْيَنْثُرْ) أَمَّا الِاسْتِجْمَارُ فَهُوَ مَسْحُ مَحَلِّ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ بِالْجِمَارِ وَهِيَ الْأَحْجَارُ الصِّغَارُ قَالَ الْعُلَمَاءُ يُقَالُ الِاسْتِطَابَةُ وَالِاسْتِجْمَارُ وَالِاسْتِنْجَاءُ لِتَطْهِيرِ مَحَلِّ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَأَمَّا الِاسْتِجْمَارُ فَمُخْتَصٌّ بِالْمَسْحِ بِالْأَحْجَارِ وَأَمَّا الِاسْتِطَابَةُ وَالِاسْتِنْجَاءُ فَيَكُونَانِ بِالْمَاءِ وَيَكُونَانِ بِالْأَحْجَارِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِجْمَارِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَالَهُ الْجَمَاهِيرُ مِنْ طَوَائِفِ الْعُلَمَاءِ مِنَ اللُّغَوِيِّينَ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فِي مَعْنَى الِاسْتِجْمَارِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقِيلَ هَذَا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الْبُخُورِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ ثَلَاثَ قِطَعٍ أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَسْتَعْمِلُ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى قَالَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَالْمُرَادُ بِالْإِيتَارِ أَنْ يَكُونَ عَدَدُ الْمَسَحَاتِ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ فَوْقَ

ذَلِكَ مِنَ الْأَوْتَارِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ الْإِيتَارَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ مُسْتَحَبٌّ وَحَاصِلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْإِنْقَاءَ وَاجِبٌ وَاسْتِيفَاءُ ثَلَاثَ مَسَحَاتٍ وَاجِبٌ فَإِنْ حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِثَلَاثٍ فَلَا زِيَادَةَ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ وَجَبَ الزِّيَادَةُ ثُمَّ إِنْ حَصَلَ بِوِتْرٍ فَلَا زِيَادَةَ وَإِنْ حَصَلَ بِشَفْعٍ كَأَرْبَعٍ أَوْ سِتٍّ اسْتُحِبَّ الْإِيتَارُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَجِبُ الْإِيتَارُ مُطْلَقًا لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي السُّنَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ وَيَحْمِلُونَ حَدِيثَ الْبَابِ عَلَى الثَّلَاثِ وَعَلَى النَّدْبِ فِيمَا زَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ لْيَنْثُرْ فَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ الِاسْتِنْثَارَ غَيْرُ الِاسْتِنْشَاقِ وَأَنَّ الِانْتِثَارَ هُوَ إِخْرَاجُ الْمَاءِ بَعْدَ الِاسْتِنْشَاقِ مَعَ مَا فِي الْأَنْفِ مِنْ مُخَاطٍ وَشِبْهِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ هَذَا وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ الِاسْتِنْشَاقُ وَاجِبٌ لِمُطْلَقِ الْأَمْرِ وَمَنْ لَمْ يُوجِبْهُ حَمَلَ الْأَمْرَ عَلَى النَّدْبِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ حَقِيقَةً وَهُوَ الِانْتِثَارُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ قَالُوا فَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِذَا تَوَضَّأَ فليستنشق بمنخريه من الماء ثم لينثر فَهَذَا فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْوُجُوبِ وَلَكِنَّ حَمْلَهُ عَلَى النَّدْبِ مُحْتَمَلٌ لِيَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَدِلَّةِ الدالة على الاستحباب والله أعلم قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ هَمَّامٍ (فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَدْ قَدَّمْنَا مَرَّاتٍ بَيَانَ الْفَائِدَةِ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَإِنَّمَا نُنَبِّهُ عَلَى تَقَدُّمِهَا لِيُتَعَاهَدَ قَوْلُهُ (بِمَنْخِرَيْهِ) هُمَا بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَبِكَسْرِهِمَا جَمِيعًا لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم

باب وجوب غسل الرجلين بكمالها

(فَلْيَسْتَنْثِرْ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشِيمِهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْخَيْشُومُ أَعْلَى الْأَنْفِ وَقِيلَ هُوَ الْأَنْفُ كُلُّهُ وَقِيلَ هِيَ عِظَامٌ رِقَاقٌ لَيِّنَةٌ فِي أَقْصَى الْأَنْفِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّمَاغِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ اخْتِلَافٌ مُتَقَارِبُ الْمَعْنَى قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشِيمِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَإِنَّ الْأَنْفَ أَحَدُ مَنَافِذِ الْجِسْمِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ إِلَى الْقَلْبِ مِنْهَا لَا سِيَّمَا وَلَيْسَ مِنْ مَنَافِذِ الْجِسْمِ ماليس عَلَيْهِ غَلْقٌ سِوَاهُ وَسِوَى الْأُذُنَيْنِ وَفِي الْحَدِيثِ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ غَلَقًا وَجَاءَ فِي التَّثَاؤُبِ الْأَمْرُ بِكَظْمِهِ مِنْ أَجْلِ دُخُولِ الشَّيْطَانِ حِينَئِذٍ فِي الْفَمِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ فَإِنَّ مَا يَنْعَقِدُ مِنَ الْغُبَارِ وَرُطُوبَةِ الْخَيَاشِيمِ قَذَارَةٌ تُوَافِقُ الشَّيْطَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب وجوب غسل الرجلين بكمالها) فِي الْبَابِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ويل للاعقاب من النار أسبغوا الوضوء) ومراد مسلم

رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِإِيرَادِهِ هُنَا الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَأَنَّ الْمَسْحَ لَا يُجْزِئُ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا عَلَى مَذَاهِبَ فَذَهَبَ جَمْعٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ مَعَ الْكَعْبَيْنِ وَلَا يُجْزِئُ مَسْحُهُمَا وَلَا يَجِبُ الْمَسْحُ مَعَ الْغَسْلِ وَلَمْ يَثْبُتْ خِلَافُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ وَقَالَتِ الشِّيعَةُ الْوَاجِبُ مَسْحُهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وَالْجُبَّائِيُّ رَأْسُ الْمُعْتَزِلَةِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ وَتَعَلَّقَ هَؤُلَاءِ الْمُخَالِفُونَ لِلْجَمَاهِيرِ بِمَا لَا تَظْهَرُ فِيهِ دَلَالَةٌ وَقَدْ أَوْضَحْتُ دَلَائِلَ الْمَسْأَلَةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَشَوَاهِدِهَا وَجَوَابُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْمُخَالِفُونَ بِأَبْسَطِ الْعِبَارَاتِ الْمُنَقَّحَاتِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ لِلْمُخَالِفِ شُبْهَةٌ أَصْلًا إِلَّا وَضَحَ جَوَابُهَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَالْمَقْصُودُ هُنَا شَرْحُ مُتُونِ الْأَحَادِيثِ وَأَلْفَاظِهَا دُونَ بَسْطِ الْأَدِلَّةِ وَأَجْوِبَةِ الْمُخَالِفِينَ وَمِنْ أَخْصَرِ مَا نَذْكُرُهُ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ وَصَفَ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي مَوَاطِنَ مُخْتَلِفَةٍ وَعَلَى صِفَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ مُتَّفِقُونَ عَلَى غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ فَتَوَاعَدَهَا بِالنَّارِ لِعَدَمِ طَهَارَتِهَا وَلَوْ كَانَ الْمَسْحُ كَافِيًا لَمَا تَوَاعَدَ مَنْ تَرَكَ غَسْلَ عَقِبَيْهِ وَقَدْ صَحَّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عن جده أن رجلا قال يارسول اللَّهِ كَيْفَ الطُّهُورُ فَدَعَا بِمَاءٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا إِلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدِهِمُ الصَّحِيحَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ سَالِمٍ مَوْلَى شَدَّادٍ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ وَفِي الثَّالِثَةِ سَالِمٌ مَوْلَى الْمَهْرِيِّ) هَذِهِ كُلُّهَا صِفَاتٌ لَهُ وَهُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ يُقَالُ لَهُ سَالِمٌ مَوْلَى شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ وَسَالِمٌ مَوْلَى الْمُهْرِيِّ وَسَالِمٌ بَادُوسُ وَسَالِمٌ مَوْلَى مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيُّ بِالنُّونِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسَالِمٌ سَبْنَانُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسَالِمٌ الْبَرَّادُ وَسَالِمٌ مَوْلَى الْبَصْرِيِّينَ وَسَالِمٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ مَوْلَى شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ فَهَذِهِ كُلُّهَا تُقَالُ فِيهِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ كَانَ سَالِمٌ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ حَدَّثَنِي سَالِمٌ الْبَرَّادُ وَكَانَ أَوْثَقَ عِنْدِي مِنْ نَفْسِي وَأَمَّا قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَالِمٍ مولى بن شداد) فكذا وقع في الاصول مولى بن شَدَّادٍ قِيلَ إِنَّهُ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ حَذْفُ لَفْظَةِ بن كَمَا تَقَدَّمَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ صَحِيحٌ فَإِنَّ مَوْلَى شَدَّادٍ مَوْلًى لِابْنِهِ وَإِذَا أَمْكَنَ

تَأْوِيلُ مَا صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَةُ لَمْ يَجُزْ إِبْطَالُهَا لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الَّذِي قَدْ قِيلَ فِيهِ هَذِهِ الْأَقْوَالُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا يحي بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَوْ حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سَالِمٌ مَوْلَى الْمَهْرِيِّ) هَذَا إِسْنَادٌ اجْتَمَعَ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فَسَالِمٌ وَأَبُو سلمة ويحي تَابِعِيُّونَ مَعْرُوفُونَ وَعِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ أَيْضًا تَابِعِيٌّ سَمِعَ الْهِرْمَاسَ بْنَ زِيَادٍ الْبَاهِلِيَّ الصَّحَابِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِهِ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ حَدَّثَنِي أَوْ حَدَّثَنَا فِيهِ أَحْسَنُ احْتِيَاطٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا قَرِيبًا وَسَابِقًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَأَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ) اسْمُ أَبِي مَعْنٍ زَيْدُ بْنُ يَزِيدَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ (كُنْتُ أَنَا مَعَ عَائِشَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ الْمُحَقَّقَةِ الَّتِي ضَبَطَهَا الْمُتْقِنُونَ أَنَا مَعَ بِالنُّونِ وَالْمِيمِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ وَلِكَثِيرٍ مِنَ الرُّوَاةِ الْمَشَارِقَةِ وَالْمَغَارِبَةِ أُبَايِعُ عَائِشَةَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنَ الْمُبَايَعَةِ قَالَ الْقَاضِي الصَّوَابُ هُوَ الْأَوَّلُ قُلْتُ وَلِلثَّانِي أَيْضًا وَجْهٌ قَوْلُهُ (عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى) أَمَّا يَسَافٌ فَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ فَتْحُ الْيَاءِ وَكَسْرُهَا وَإِسَافٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ يَقُولُهُ الْمُحَدِّثُونَ بِكَسْرِ الْيَاءِ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَلِمَةٌ أَوَّلُهَا يَاءٌ مَكْسُورٌ إِلَّا يِسَارٌ لِلْيَدِ قُلْتُ وَالْأَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ إِسَافٌ بِالْهَمْزَةِ وقد ذكره بن السكيت وبن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُمَا فِيمَا يُغَيِّرهُ النَّاسُ وَيَلْحَنُونَ فِيهِ فقال هو هلال بن إِسَافٍ وَأَمَّا أَبُو يَحْيَى فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ اسْمَهُ مِصْدَعٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَاتِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ اسْمُهُ زِيَادٌ الْأَعْرَجُ الْمُعَرْقَبُ الْأَنْصَارِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قوله (فتوضؤا وَهُمْ عِجَالٌ) هُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ جَمْعُ عَجْلَانَ وَهُوَ الْمُسْتَعْجِلُ كَغَضْبَانَ وَغِضَابٍ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو عوانة عن أبي بشر عن يوسف

(باب وجوب استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة)

بن مَاهَكَ) أَمَّا أَبُو عَوَانَةَ فَتَقَدَّمَ أَنَّ اسْمَهُ الْوَضَّاحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَمَّا أَبُو بِشْرٍ فَهُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ وَأَمَّا مَاهَكُ فبفتح الهاء وهو غيره مَصْرُوفٍ لِأَنَّهُ اسْمٌ عَجَمِيٌّ عَلَمٌ قَوْلُهُ (وَقَدْ حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ) أَيْ جَاءَ وَقْتُ فِعْلِهَا وَيُقَالُ حَضَرَتْ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ الْفَتْحُ أشهر قوله (يتوضؤن مِنَ الْمَطْهَرَةِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمَطْهَرَةُ كُلُّ إِنَاءٍ يُتَطَهَّرُ بِهِ وَهِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مشهورتان وذكرهما بن السّكِّيتِ مَنْ كَسَرَ جَعَلَهَا آلَةً وَمَنْ فَتَحَهَا جَعَلَهَا مَوْضِعًا يُفْعَلُ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنَ النَّارِ) الْعَرَاقِيبُ جَمْعُ عُرْقُوبٍ بِضَمِّ الْعَيْنِ فِي الْمُفْرَدِ وَفَتْحِهَا في الجمع وهوالعصبة الَّتِي فَوْقَ الْعَقِبِ وَمَعْنَى وَيْلٌ لَهُمْ هَلَكَةٌ وَخَيْبَةٌ (بَابُ وُجُوبِ اسْتِيعَابِ جَمِيعِ أَجْزَاءِ مَحِلِ الطَّهَارَةِ) فِيهِ (أَنَّ رَجُلًا تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفْرٍ عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ

(باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء)

ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى) فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ جُزْءًا يَسِيرًا مِمَّا يَجِبُ تَطْهِيرُهُ لَا تَصِحُّ طَهَارَتُهُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُتَيَمِّمِ يَتْرُكُ بَعْضَ وَجْهِهِ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا لَا يَصِحُّ وُضُوءُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إِحْدَاهَا إِذَا تَرَكَ أَقَلَّ مِنَ النِّصْفِ أَجْزَأَهُ وَالثَّانِيَةُ إِذَا تَرَكَ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ أَجْزَأَهُ وَالثَّالِثَةُ إِذَا تَرَكَ الرُّبْعَ فَمَا دُونَهُ أَجْزَأَهُ وَلِلْجُمْهُورِ أَنْ يَحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ أَعْضَاءِ طَهَارَتِهِ جَاهِلًا لمْ تَصِحَّ طَهَارَتُهُ وَفِيهِ تَعْلِيمُ الْجَاهِلِ وَالرِّفْقُ بِهِ وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ جَمَاعَةٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الرِّجْلَيْنِ الْغَسْلُ دُونَ الْمَسْحِ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ الْمُوَالَاةِ فِي الْوُضُوءِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسِنْ وُضُوءَكَ وَلَمْ يَقُلِ اغْسِلِ الْمَوْضِعَ الَّذِي تَرَكْتَهُ وَهَذَا الاستدلال ضعيف أو باطل فَإِنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسِنْ وُضُوءَكَ مُحْتَمِلٌ لِلتَّتْمِيمِ وَالِاسْتِئْنَافِ وَلَيْسَ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الظُّفْرِ لُغَتَانِ أَجْوَدُهُمَا ظُفُرٌ بِضَمِّ الظَّاءِ وَالْفَاءِ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ وَيَجُوزُ إِسْكَانُ الْفَاءِ عَلَى هَذَا وَيُقَالُ ظِفْرٌ بِكَسْرِ الظَّاءِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَظِفِرٌ بِكَسْرِهِمَا وَقُرِئَ بِهِمَا فِي الشَّوَاذِّ وَجَمْعُهُ أَظْفَارٌ وَجَمْعُ الْجَمْعِ أَظَافِيرُ وَيُقَالُ فِي الْوَاحِدِ أَيْضًا أُظْفُورٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ خُرُوجِ الْخَطَايَا مَعَ مَاءِ الْوَضُوءِ) فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوِ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كل

خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنِهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ) أَمَّا قَوْلُهُ الْمُسْلِمُ أَوِ الْمُؤْمِنُ فَهُوَ شَكٌّ من الرواي وَكَذَا قَوْلُهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ هُوَ شَكٌّ أَيْضًا وَالْمُرَادُ بِالْخَطَايَا الصَّغَائِرُ دُونَ الْكَبَائِرِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَكَمَا في الحديث الآخر مالم تُغْشَ الْكَبَائِرِ قَالَ الْقَاضِي وَالْمُرَادُ بِخُرُوجِهَا مَعَ الْمَاءِ الْمَجَازُ وَالِاسْتِعَارَةُ فِي غُفْرَانِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَجْسَامٍ فَتَخْرُجَ حَقِيقَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى الرَّافِضَةِ وَإِبْطَالٌ لِقَوْلِهِمُ الْوَاجِبُ مَسْحُ الرِّجْلَيْنِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطشتها يداه ومشتها رجلاه معناه اكتسبتها قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ رِبْعِيٍّ الْقَيْسِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ الَّتِي بِبِلَادِنَا أَبُو هِشَامٍ وَهُوَ الصَّوَابُ وَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ بَعْضِ رُوَاتِهِمْ قَالَ وَوَقَعَ لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ أَبُو هَاشِمٍ قَالَ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ واسمه المغيرة بن سلمة وكان من الأخبار المتعبدين المتواضعين رضي الله تعالى عنه

(باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء)

(باب اسْتِحْبَابِ إِطَالَةِ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فِي الْوُضُوءِ) اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مُصَرِّحَةٌ بِاسْتِحْبَابِ تَطْوِيلِ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ أَمَّا تَطْوِيلُ الْغُرَّةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا هو غسل شئ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَمَا يُجَاوِزُ الْوَجْهَ زَائِدٌ على الجزء الذي يجب غسله لا ستيقان كَمَالِ الْوَجْهِ وَأَمَّا تَطْوِيلُ التَّحْجِيلِ فَهُوَ غَسْلُ مَا فَوْقَ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ فَوْقَ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ وَالثَّانِي يُسْتَحَبُّ إِلَى نِصْفِ الْعَضُدِ وَالسَّاقِ وَالثَّالِثُ يُسْتَحَبُّ إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَقْتَضِي هَذَا كُلَّهُ وَأَمَّا دَعْوَى الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ بَطَّالٍ الْمَالِكِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ فَوْقَ الْمِرْفَقِ وَالْكَعْبِ فَبَاطِلَةٌ وكيف تصح دعواهما وقد ثبت فُعِلَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ خَالَفَ فِيهِ مُخَالِفٌ كَانَ مَحْجُوجًا بِهَذِهِ السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْ زَادَ فِي عَدَدِ المرات وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ وَيُقَالُ الْمُجَمِّرُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ الْمَكْسُورَةِ وَقِيلَ لَهُ المجمر الأنه كَانَ يُجْمِرُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ يُبَخِّرُهُ وَالْمُجْمِرُ صِفَةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ وَيُطْلَقُ عَلَى ابْنِهِ نُعَيْمٍ مَجَازًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ وَأَشْرَعَ فِي السَّاقِ) مَعْنَاهُ أَدْخَلَ الْغُسْلَ فِيهِمَا

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنْتُمُ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْغُرَّةُ بَيَاضٌ فِي جَبْهَةِ الْفَرَسِ وَالتَّحْجِيلُ بَيَاضٌ فِي يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ سُمِّيَ النُّورُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرَّةً وَتَحْجِيلًا تَشْبِيهًا بِغُرَّةِ الْفَرَسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ مِنَ الْأُمَمِ تَرِدُونَ عَلِيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ) أَمَّا السِّيمَا فَهِيَ الْعَلَامَةُ وَهِيَ مَقْصُورَةٌ وَمَمْدُودَةٌ لُغَتَانِ ويقال السيميا بِيَاءٍ بَعْدَ الْمِيمِ مَعَ الْمَدِّ وَقَدِ اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ زَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى شَرَفًا وَقَالَ آخَرُونَ لَيْسَ الْوُضُوءُ

مختصا وَإِنَّمَا الَّذِي اخْتَصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ هَذَا بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ مَعْرُوفُ الضَّعْفِ وَالثَّانِي لَوْ صَحَّ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْأَنْبِيَاءُ اخْتَصَّتْ بِالْوُضُوءِ دُونَ أُمَمِهِمْ إِلَّا هَذِهِ الْأُمَّةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنِّي لَأَصُدُّ النَّاسَ عَنْهُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (وَأَنَا أَذُودُ النَّاسَ عَنْهُ) هُمَا بِمَعْنَى أَطْرُدُ وَأَمْنَعُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيُجِيبُنِي مَلَكٌ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ فَيُجِيبُنِي بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مِنَ الْجَوَابِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمِيعِ الرواة الا بن أَبِي جَعْفَرٍ مِنْ رُوَاتِهِمْ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ فَيَجِيئُنِي بِالْهَمْزِ مِنَ الْمَجِيءِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَالثَّانِي وَجْهٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَهَلْ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا هَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِهِ عَلَى أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُرْتَدُّونَ فَيَجُوزُ أَنْ يُحْشَرُوا بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فَيُنَادِيهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسِّيمَا الَّتِي عَلَيْهِمْ فَيُقَالُ لَيْسَ هَؤُلَاءِ مِمَّا وُعِدْتَ بِهِمْ إِنَّ هَؤُلَاءِ بَدَّلُوا بَعْدَكَ أَيْ لَمْ يَمُوتُوا عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ إِسْلَامِهِمْ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ارْتَدَّ بَعْدَهُ فَيُنَادِيهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ سِيمَا الْوُضُوءِ لَمَا كَانَ يَعْرِفُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ مِنْ إِسْلَامِهِمْ فَيُقَالُ

ارْتَدُّوا بَعْدَكَ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَصْحَابُ الْمَعَاصِي وَالْكَبَائِرِ الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى التَّوْحِيدِ وَأَصْحَابِ الْبِدَعِ الَّذِينَ لَمْ يَخْرُجُوا بِبِدْعَتِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ وعلى هذا القول لا يقطع لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُذَادُونَ بِالنَّارِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يزادوا عُقُوبَةً لَهُمْ ثُمَّ يَرْحَمُهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَذَابٍ قَالَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ غُرَّةٌ وَتَحْجِيلٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَانُوا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ لَكِنْ عَرَفَهُمْ بِالسِّيمَا وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرِو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كُلُّ مَنْ أَحْدَثَ فِي الدِّينِ فَهُوَ مِنَ الْمَطْرُودِينَ عَنِ الْحَوْضِ كَالْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَسَائِرِ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ قَالَ وَكَذَلِكَ الظَّلَمَةُ الْمُسْرِفُونَ فِي الْجَوْرِ وَطَمْسِ الْحَقِّ وَالْمُعْلِنُونَ بِالْكَبَائِرِ قَالَ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ يُخَافُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ عَنُوا بِهَذَا الْخَبَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) فِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ وَلَا ضَرُورَةَ وَدَلَائِلُهُ كَثِيرَةٌ قَوْلُهُ (سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ) هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْجِيمِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ يُونُسَ بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا مَعَ الْهَمْزِ فِيهِنَّ وَتَرْكِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وانا إن شاء الله بكم لا حقون) أَمَّا الْمَقْبُرَةُ فَبِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْكَسْرُ قَلِيلٌ وَأَمَّا دَارَ قَوْمٍ فَهُوَ بِنَصْبِ دَارَ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَوِ النِّدَاءِ الْمُضَافِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ قَالَ وَيَصِحُّ الْخَفْضُ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْكَافِ والميم

فِي عَلَيْكُمْ وَالْمُرَادُ بِالدَّارِ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ الْجَمَاعَةُ أَوْ أَهْلُ الدَّارِ وَعَلَى الْأَوَّلِ مِثْلُهُ أَوِ الْمَنْزِلُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ فَأَتَى بِالِاسْتِثْنَاءِ مَعَ أَنَّ الْمَوْتَ لَا شَكَّ فِيهِ وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ أَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّكِّ وَلَكِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ لِلتَّبَرُّكِ وَامْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قوله ولا تقولن لشئ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الله وَالثَّانِي حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ عَادَةٌ لِلْمُتَكَلِّمِ يُحَسِّنُ بِهِ كَلَامَهُ وَالثَّالِثُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عَائِدٌ إِلَى اللُّحُوقِ فِي هَذَا الْمَكَانِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ اذ شَاءَ اللَّهُ وَقِيلَ أَقْوَالٌ أُخَرُ ضَعِيفَةٌ جِدًّا تَرَكْتُهَا لِضَعْفِهَا وَعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا مِنْهَا قَوْلُ مَنْ قَالَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ رَاجِعٌ إِلَى اسْتِصْحَابِ الْإِيمَانِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ كَانَ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤْمِنُونَ حَقِيقَةً وَآخَرُونَ يُظَنُّ بِهِمُ النِّفَاقَ فَعَادَ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَيْهِمْ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ وَإِنْ كَانَا مَشْهُورَيْنِ فِيهِمَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَدِدْتُ أنا قد رأينا اخواننا قالوا أو لسنا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ التَّمَنِّي لَا سِيَّمَا فِي الْخَيْرِ وَلِقَاءِ الْفُضَلَاءِ وَأَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا أَيْ رَأَيْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقِيلَ الْمُرَادُ تَمَّنِي لِقَائِهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَ الْإِمَامُ الْبَاجِيُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي لَيْسَ نَفْيًا لِأُخُوَتِّهِمْ وَلَكِنْ ذَكَرَ مَرْتَبَتَهُمُ الزَّائِدَةَ بِالصُّحْبَةِ فَهَؤُلَاءِ إِخْوَةٌ صَحَابَةٌ وَالَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا إِخْوَةً لَيْسُوا بِصَحَابَةٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى انما المؤمنون اخوة قال القاضي عياض ذهب أبو عمرو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي فَضْلِ مَنْ يَأْتِي آخِرَ الزَّمَانِ إِلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيمَنْ يَأْتِي بَعْدَ الصَّحَابَةِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ وَأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُكُمْ قَرْنِي عَلَى الْخُصُوصِ مَعْنَاهُ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي أَيْ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ فَهَؤُلَاءِ أَفْضَلُ الْأُمَّةِ وَهُمُ الْمُرَادُونَ بِالْحَدِيثِ وَأَمَّا مَنْ خَلَّطَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ رَآهُ وَصَحِبَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَابِقَةٌ وَلَا أَثَرٌ فِي الدِّينِ فَقَدْ

يَكُونُ فِي الْقُرُونِ الَّتِي تَأْتِي بَعْدَ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ مَنْ يَفْضُلُهُمْ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآثَارُ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا أَيْضًا غَيْرُهُ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى الْمَعَانِي قَالَ وَذَهَبَ مُعْظَمُ الْعُلَمَاءِ إِلَى خِلَافِ هَذَا وَأَنَّ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَآهُ مَرَّةً مِنْ عُمْرِهِ وَحَصَلَتْ لَهُ مَزِيَّةُ الصحبة أفضل من كل من يأتي بعد فَإِنَّ فَضِيلَةَ الصُّحْبَةِ لَا يَعْدِلُهَا عَمَلٌ قَالُوا وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ) أَمَّا بَيْنَ ظَهْرَيْ فَمَعْنَاهُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ بِفَتْحِ الظَّاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَأَمَّا الدُّهْمُ فَجَمْعُ أَدْهَمَ وَهُوَ الْأَسْوَدُ وَالدُّهْمَةُ السَّوَادُ وَأَمَّا الْبُهْمُ فَقِيلَ السُّودُ أَيْضًا وَقِيلَ الْبُهْمُ الَّذِي لَا يُخَالِطُ لَوْنَهُ لَوْنًا سِوَاهُ سَوَاءٌ كَانَ أَسْوَدَ أَوْ أَبْيَضَ أَوْ أَحْمَرَ بَلْ يَكُونُ لَوْنُهُ خَالِصًا وهذا قول بن السِّكِّيتِ وَأَبِي حَاتِمٍ السِّخْتِيَانِيُّ وَغَيْرِهِمَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ) قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ أَنَا أَتَقَدَّمهُمْ عَلَى الْحَوْضِ يُقَالُ فَرَطَ الْقَوْمُ إِذَا تَقَدَّمَهُمْ لِيَرْتَادَ لهم الماء ويهيء لَهُمُ الدِّلَاءَ وَالرِّشَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بِشَارَةٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ زَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى شَرَفًا فَهَنِيئًا لِمَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَطَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ) مَعْنَاهُ تَعَالَوْا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي هَلُمَّ لُغَتَانِ أَفْصَحُهُمَا هَلُمَّ لِلرَّجُلِ وَالرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنَ الصِّنْفَيْنِ بِصِيغَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِهَذِهِ اللُّغَةِ جَاءَ الْقُرْآنُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى هلم شهداءكم والقائلين لاخوانهم هلم الينا واللغة الثانية هلم يارجل وهلما يارجلان وهلموا يارجال وَلِلْمَرْأَةِ هَلُمِّي وَلَلْمَرْأَتَانِ هَلُمَّتَا وَلِلنِّسْوَةِ هَلُمَّنَّ قَالَ بن السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ الْأُولَى أَفْصَحُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا) هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ سُحْقًا سُحْقًا

مَرَّتَيْنِ وَمَعْنَاهُ بُعْدًا بُعْدًا وَالْمَكَانُ السَّحِيقُ الْبَعِيدُ وَفِي سُحْقًا سُحْقًا لُغَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ إِسْكَانُ الْحَاءِ وَضَمُّهَا قَرَأَ الْكِسَائِيُّ بِالضَّمِّ وَالْبَاقُونَ بِالْإِسْكَانِ وَنُصِبَ عَلَى تَقْدِيرِ أَلْزَمَهُمُ اللَّهُ سُحْقًا أَوْ سَحَقَهُمْ سُحْقًا قَوْلُهُ (فَقُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا هَذَا الْوُضُوءُ فَقَالَ يَا بنى فروخ أنتم ها هنا لو علمت أنكم ها هنا مَا تَوَضَّأْتُ هَذَا الْوُضُوءَ سَمِعْتُ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ) أَمَّا فَرُّوخُ فَبِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ فَرُّوخُ بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَلَدٍ كَانَ بَعْدَ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ كَثُرَ نَسْلُهُ وَنَمَا عَدَدُهُ فَوَلَدَ الْعَجَمَ الَّذِينَ هُمْ فِي وَسَطِ الْبِلَادِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَرَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ هُنَا الْمَوَالِيَ وَكَانَ خِطَابُهُ لِأَبِي حَازِمٍ قَالَ الْقَاضِي وَإِنَّمَا أَرَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ بِكَلَامِهِ هَذَا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ يُقْتَدَى بِهِ إِذَا تَرَخَّصَ فِي أَمْرٍ لِضَرُورَةٍ أَوْ تَشَدَّدَ فِيهِ لِوَسْوَسَةٍ أَوْ لِاعْتِقَادِهِ فِي ذَلِكَ مَذْهَبًا شَذَّ بَهُ عَنِ النَّاسِ أَنْ يَفْعَلَهُ بِحَضْرَةِ الْعَامَّةِ الْجَهَلَةِ لِئَلَّا يَتَرَخَّصُوا بِرُخْصَتِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَوْ يعتقدوا أن

(باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره)

مَا تَشَدَّدَ فِيهِ هُوَ الْفَرْضُ اللَّازِمُ هَذَا كلام القاضي وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب فَضْلِ إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ) فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتُ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَحْوُ الْخَطَايَا كِنَايَةٌ عَنْ غُفْرَانِهَا قَالَ وَيَحْتَمِلُ مَحَوَهَا مِنْ كِتَابِ الْحَفَظَةِ وَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى غُفْرَانِهَا وَرَفْعُ الدَّرَجَاتِ إِعْلَاءُ الْمَنَازِلِ فِي الْجَنَّةِ وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ تَمَامُهُ وَالْمَكَارِهُ تَكُونُ بِشِدَّةِ الْبَرْدِ وَأَلَمِ الْجِسْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكَثْرَةُ الْخُطَا تَكُونُ بِبُعْدِ الدَّارِ وَكَثْرَةِ التَّكْرَارِ وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ هَذَا فِي الْمُشْتَرِكَتَيْنِ مِنَ الصَّلَوَاتِ فِي الْوَقْتِ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَلَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ وَقَوْلُهُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ أَيِ الرِّبَاطُ الْمُرَغَّبُ فِيهِ وَأَصْلُ الرِّبَاطِ الحبس على الشئ كَأَنَّهُ حَبَسَ نَفْسَهُ عَلَى هَذِهِ الطَّاعَةِ قِيلَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَفْضَلُ الرِّبَاطِ كَمَا قِيلَ الْجِهَادُ جِهَادُ النَّفْسِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ الرِّبَاطُ الْمُتَيَسِّرُ الْمُمْكِنُ أَيْ أَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبَاطِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَكُلُّهُ حَسَنٌ إِلَّا قَوْلَ الْبَاجِيِّ فِي انْتِظَارِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ فِيهِ نَظَرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَفِي

(باب السواك)

حَدِيثِ مَالِكٍ ثِنْتَيْنِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ ثِنْتَيْنِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَنَصَبَهُ بِتَقْدِيرِ فِعْلٍ أَيْ ذَكَرَ ثِنْتَيْنِ أَوْ كَرَّرَ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ إِنَّهُ كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ تَكْرَارُهُ مَرَّتَيْنِ وَفِي الْمُوَطَّأِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ وَأَمَّا حِكْمَةُ تَكْرَارِهِ فَقِيلَ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ وَتَعْظِيمِ شَأْنِهِ وَقِيلَ كَرَّرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَادَتِهِ فِي تَكْرَارِ الْكَلَامِ لِيُفْهَمْ عَنْهُ والأول أظهر والله أعلم (بَابُ السِّوَاكِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ السِّوَاكُ بِكَسْرِ السِّينِ وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ وَعَلَى الْعُودِ الَّذِي يُتَسَوَّكُ بِهِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ قَالَ اللَّيْثُ وَتُؤَنِّثُهُ الْعَرَبُ أَيْضًا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هَذَا مِنْ عَدَدِ اللَّيْثِ أَيْ مِنْ أَغَالِيطِهِ الْقَبِيحَةِ وَذَكَرَ صاحب المحكم أنه يؤنث ويذكر والسواك فِعْلُكُ بِالسِّوَاكِ وَيُقَالُ سَاكَ فَمَهَ يَسُوكُهُ سَوْكًا فَإِنْ قُلْتَ اسْتَاكَ لَمْ يُذْكَرِ الْفَمُ وَجَمْعُ السِّوَاكِ سُوُكٌ بِضَمَّتَيْنِ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا سُؤُكٌ بِالْهَمْزِ ثُمَّ قِيلَ إِنَّ السِّوَاكَ مَأْخُوذٌ مِنْ سَاكَ إِذَا دَلَكَ وَقِيلَ مِنْ جَاءَتِ الْإِبِلُ تَسَاوَكُ أَيْ تَتَمَايَلُ هُزَالًا وَهُوَ فِي اصْطِلَاحِ الْعُلَمَاءِ اسْتِعْمَالُ عُودٍ أَوْ نَحْوِهِ فِي الْأَسْنَانِ لِتَذْهَبَ الصُّفْرَةُ وَغَيْرُهَا عَنْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إِنَّ السِّوَاكَ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ وَقَدْ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِنِيُّ إِمَامُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ عَنْ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ أَنَّهُ أَوْجَبَهُ لِلصَّلَاةِ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ دَاوُدَ وَقَالَ هُوَ عِنْدَهُ وَاجِبٌ لَوْ تَرَكَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَحُكِيَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ هُوَ وَاجِبٌ فَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَقَدْ أَنْكَرَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ نَقْلَ الْوُجُوبِ عَنْ دَاوُدَ وَقَالُوا مَذْهَبُهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ كَالْجَمَاعَةِ وَلَوْ صَحَّ إِيجَابُهُ عَنْ دَاوُدَ لَمْ تَضُرَّ مُخَالَفَتُهُ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْمُخْتَارِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ وَأَمَّا إِسْحَاقُ فَلَمْ يَصِحَّ هَذَا الْمَحْكِيُّ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إِنَّ السِّوَاكَ مُسْتَحَبٌّ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَلَكِنْ فِي خَمْسَةِ أَوْقَاتٍ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا أَحَدُهَا عِنْدَ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَ مُتَطَهِّرًا بِمَاءٍ أَوْ بِتُرَابٍ أَوْ غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ كَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا الثَّانِي عِنْدَ الْوُضُوءِ الثَّالِثُ

عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الرَّابِعُ عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ مِنَ النَّوْمِ الْخَامِسُ عِنْدَ تَغَيُّرِ الْفَمِ وَتَغَيُّرُهُ يَكُونُ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا تَرْكُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَمِنْهَا أَكْلُ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ وَمِنْهَا طُولُ السُّكُوتِ وَمِنْهَا كَثْرَةُ الْكَلَامِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ السِّوَاكَ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ لِئَلَّا يُزِيلُ رَائِحَةَ الْخُلُوفِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَاكَ بِعُودٍ من أراك وبأى شئ اسْتَاكَ مِمَّا يُزِيلُ التَّغَيُّرَ حَصَلَ السِّوَاكُ كَالْخِرْقَةِ الْخَشِنَةِ وَالسَّعْدِ وَالْأُشْنَانِ وَأَمَّا الْإِصْبَعُ فَإِنْ كَانَتْ لَيِّنَةً لَمْ يَحْصُلْ بِهَا السِّوَاكُ وَإِنْ كَانَتْ خَشِنَةً فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا الْمَشْهُورُ لَا تُجْزِي وَالثَّانِي تُجْزِي وَالثَّالِثُ تُجْزِي إِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا وَلَا تُجْزِي إِنْ وَجَدَ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَاكَ بِعُودٍ مُتَوَسِّطٍ لَا شَدِيدِ الْيُبْسِ يَجْرَحُ وَلَا رَطْبٍ لَا يُزِيلُ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَاكَ عَرْضًا وَلَا يَسْتَاكَ طُولًا لِئَلَّا يُدْمِي لَحْمَ أَسْنَانِهِ فَإِنْ خَالَفَ وَاسْتَاكَ طُولًا حَصَلَ السِّوَاكُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُمِرَّ السِّوَاكَ أَيْضًا عَلَى طَرَفِ أَسْنَانِهِ وَكَرَاسِيِّ أَضْرَاسِهِ وَسَقْفِ حَلْقِهِ إِمْرَارًا لَطِيفًا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ فِي سِوَاكِهِ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مِنْ فِيهِ وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ سِوَاكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَوَّدَ الصبي السواك ليعتاده قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْلَا أَنَّ أَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَوْ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السِّوَاكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَمَرَهُمْ بِهِ شَقَّ أَوَ لَمْ يَشُقَّ قَالَ جَمَاعَاتٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ الطَّوَائِفِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَجَمَاعَاتٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَأَصْحَابِ الْأُصُولِ قَالُوا وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ مَسْنُونٌ بِالِاتِّفَاقِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَتْرُوكَ إِيجَابُهُ وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ يَحْتَاجُ فِي تَمَامِهِ إِلَى دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ السِّوَاكَ كَانَ مَسْنُونًا حَالَةَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا أَنَّ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ وَقَالَ جَمَاعَةٌ أَيْضًا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَنْدُوبَ

لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ وَهَذَا فِيهِ خِلَافٌ لِأَصْحَابِ الْأُصُولِ وَيُقَالُ فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْوُجُوبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَأَصْحَابِ الْأُصُولِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَفِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرِّفْقِ بِأُمَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضِيلَةِ السِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ وَقْتِ اسْتِحْبَابِهِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ حَدَّثَنَا حماد بن زيد عن غيلان وهو بن جَرِيرٍ الْمَعْوَلِيُّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ إِلَّا أَبَا بُرْدَةَ فَإِنَّهُ كُوفِيٌّ وَأَمَّا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَكُوفِيٌّ بَصْرِيٌّ وَاسْمُ أَبِي بردة عامر وقيل الحارث والمعولي بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ منسوب إلى المعاول بطن من الأزهد وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ ضَبْطِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا الْفَنِّ وَكُلُّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ) فِيهِ بَيَانُ فَضِيلَةِ السِّوَاكِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَشِدَّةِ الِاهْتِمَامِ بِهِ وَتَكْرَارِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِذَا قَامَ لِيَتَهَجَّدَ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ) أَمَّا التَّهَجُّدُ فَهُوَ الصَّلَاةُ فِي اللَّيْلِ وَيُقَالُ هَجَدَ الرَّجُلُ إِذَا نَامَ وَتَهَجَّدَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْهُجُودِ وَهُوَ النَّوْمُ بِالصَّلَاةِ كَمَا يُقَالُ تَحَنَّثَ وَتَأَثَّمَ وَتَحَرَّجَ إِذَا اجْتَنَبَ الْحِنْثَ وَالْإِثْمَ وَالْحَرَجَ وَأَمَّا قَوْلُهُ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ فَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالشَّوْصُ دَلْكُ الْأَسْنَانِ بِالسِّوَاكِ عَرْضًا قَالَهُ

بن الْأَعْرَابِيِّ وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ وَآخَرُونَ وقيل هو الغسل قاله الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ التَّنْقِيَةُ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ والداودي وقيل هو الحك قاله أبو عمرو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ تَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ بِأُصْبُعِهِ فَهَذِهِ أَقْوَالُ الْأَئِمَّةِ فِيهِ وَأَكْثَرُهَا مُتَقَارِبَةٌ وَأَظْهَرُهَا الْأَوَّلُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حدثنا أبو المتوكل أن بن عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ) إِلَى آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فِيهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ أَحْكَامٌ نَفِيسَةٌ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُنَا مُخْتَصَرًا وَقَدْ بَسَطَ طُرُقَهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَهُنَاكَ نَبْسُطُ شَرْحَهُ وَفَوَائِدَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَذْكُرُ هُنَا أَحْرُفًا تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْهُ هُنَا فَاسْمُ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ ويقال بن دَاوُدَ الْبَصْرِيُّ وَقَوْلُهُ (فَخَرَجَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ فِي آلِ عِمْرَانَ إن في خلق السماوات والأرض الْآيَاتِ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قِرَاءَتُهَا عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ فِي اللَّيْلِ مَعَ النَّظَرِ إِلَى السَّمَاءِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ عَظِيمِ التَّدَبُّرِ وَإِذَا

(باب خصال الفطرة)

تَكَرَّرَ نَوْمُهُ وَاسْتِيقَاظُهُ وَخُرُوجُهُ اسْتُحِبَّ تَكْرِيرُهُ قِرَاءَةَ هَذِهِ الْآيَاتِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (بَابُ خِصَالِ الْفِطْرَةِ) فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْفِطْرَةُ خَمْسٌ أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ) هَذَا شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي هَلْ قَالَ الْأَوَّلَ أَوِ الثَّانِيَ وَقَدْ جَزَمَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ الْفِطْرَةُ خَمْسٌ ثُمَّ فَسَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَمْسَ فَقَالَ (الْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَقَصُّ الشَّارِبِ) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ

(عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكُ وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ قَالَ مُصْعَبٌ وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ) أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِطْرَةُ خَمْسٌ فَمَعْنَاهُ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ وَلَيْسَتْ مُنْحَصِرَةً فِي الْعَشْرِ وَقَدْ أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَدَمِ انْحِصَارِهَا فِيهَا بِقَوْلِهِ مِنَ الْفِطْرَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْفِطْرَةُ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهَا هُنَا فَقَالَ أَبُو

سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهَا السُّنَّةُ وَكَذَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ غَيْرَ الْخَطَّابِيِّ قَالُوا وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا مِنْ سُنَنِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ هِيَ الدِّينُ ثُمَّ إِنَّ مُعْظَمَ هَذِهِ الْخِصَالِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَنْدَ الْعُلَمَاءِ وَفِي بَعْضِهَا خِلَافٌ فِي وُجُوبِهِ كَالْخِتَانِ وَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَلَا يَمْتَنِعُ قَرْنُ الْوَاجِبِ بِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده وَالْإِيتَاءُ وَاجِبٌ وَالْأَكْلُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا تَفْصِيلُهَا فَالْخِتَانُ وَاجِبٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَكَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَسُنَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَاجِبٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا ثُمَّ إِنَّ الْوَاجِبَ فِي الرَّجُلِ أَنْ يُقْطَعَ جَمِيعُ الْجِلْدَةِ الَّتِي تُغَطِّي الْحَشَفَةَ حَتَّى يَنْكَشِفَ جَمِيعُ الْحَشَفَةِ وَفِي الْمَرْأَةِ يَجِبُ قَطْعُ أَدْنَى جُزْءٍ مِنَ الْجَلْدَةِ الَّتِي فِي أَعْلَى الْفَرْجِ وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْخِتَانَ جَائِزٌ فِي حَالِ الصِّغَرِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَخْتِنَ الصَّغِيرَ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَوَجْهٌ أَنَّهُ يَحْرُمُ خِتَانُهُ قَبْلَ عَشْرِ سِنِينَ وَإِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ اسْتُحِبَّ أَنْ يُخْتَنْ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ وِلَادَتِهِ وَهَلْ يُحْسَبُ يَوْمُ الْوِلَادَةِ مِنَ السَّبْعِ أَمْ تَكُونُ سَبْعَةً سِوَاهُ فِيهِ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا يُحْسَبُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ فَقِيلَ يَجِبُ خِتَانُهُ فِي فَرْجَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَأَمَّا مَنْ لَهُ ذَكَرَانِ فَإِنْ كَانَا عَامِلَيْنِ وَجَبَ خِتَانُهُمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَامِلًا دُونَ الْآخَرِ خُتِنَ الْعَامِلُ وَفِيمَا يُعْتَبَرُ الْعَمَلُ بِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا بِالْبَوْلِ وَالْآخَرُ بِالْجِمَاعِ وَلَوْ مَاتَ إِنْسَانٌ غَيْرُ مَخْتُونٍ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُخْتَنُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا وَالثَّانِي يُخْتَنُ الْكَبِيرُ دُونَ الصَّغِيرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الِاسْتِحْدَادُ فَهُوَ حَلْقُ الْعَانَةِ سُمِّيَ اسْتِحْدَادًا لِاسْتِعْمَالِ الْحَدِيدَةِ وَهِيَ الْمُوسَى وَهُوَ سُنَّةٌ وَالْمُرَادُ بِهِ نَظَافَةُ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ وَالْأَفْضَلُ فِيهِ الْحَلْقُ وَيَجُوزُ بِالْقَصِّ وَالنَّتْفِ وَالنُّورَةِ وَالْمُرَادُ بِالْعَانَةِ الشَّعْرُ الَّذِي فَوْقَ ذَكَرِ الرَّجُلِ وَحَوَالَيْهِ وَكَذَاكَ الشَّعْرُ الَّذِي حَوَالَيْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَنُقِلَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ الشَّعْرُ النَّابِتُ حَوْلَ حَلْقَةِ الدُّبُرِ فَيَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِ هَذَا اسْتِحْبَابُ حَلْقِ جَمِيعِ مَا عَلَى الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَحَوْلَهُمَا وَأَمَّا وَقْتُ حَلْقِهِ فَالْمُخْتَارُ

أَنَّهُ يُضْبَطُ بِالْحَاجَةِ وَطُولِهِ فَإِذَا طَالَ حُلِقَ وَكَذَلِكَ الضَّبْطُ فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ (وَقَّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الأظفار ونتف الابط وحلق العانة ألا يُتْرَكُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) فَمَعْنَاهُ لَا يُتْرَكُ تَرْكًا يَتَجَاوَزُ بِهِ أَرْبَعِينَ لَا أَنَّهُمْ وَقَّتَ لَهُمُ التَّرْكَ أَرْبَعِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ فَسُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَهُوَ تَفْعِيلٌ مِنَ الْقَلْمِ وَهُوَ الْقَطْعُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْيَدَيْنِ قَبْلَ الرِّجْلَيْنِ فَيَبْدَأُ بِمُسَبِّحَةِ يَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ الْبِنْصَرِ ثُمَّ الْخِنْصَرِ ثُمَّ الْإِبْهَامِ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى الْيُسْرَى فَيَبْدَأُ بِخِنْصَرِهَا ثُمَّ بِبِنْصَرِهَا إِلَى آخِرِهَا ثُمَّ يَعُودُ إِلَى الرِّجْلَيْنِ الْيُمْنَى فَيَبْدَأُ بِخِنْصَرِهَا وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا نَتْفُ الْإِبْطِ فَسُنَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَالْأَفْضَلُ فِيهِ النَّتْفُ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَيَحْصُلُ أَيْضًا بِالْحَلْقِ وَبِالنُّورَةِ وَحُكِيَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ دَخَلْتُ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُ الْمُزَيِّنُ يَحْلِقُ إِبْطَهُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلِمْتُ أَنَّ السُّنَّةَ النَّتْفُ وَلَكِنْ لَا أَقْوَى عَلَى الْوَجَعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْإِبِطِ الْأَيْمَنِ وَأَمَّا قَصُّ الشَّارِبِ فَسُنَّةٌ أَيْضًا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَصِّ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُوَلِّيَ ذَلِكَ غَيْرَهُ لِحُصُولِ المقصود من غير هتك مرؤة وَلَا حُرْمَةٍ بِخِلَافِ الْإِبْطِ وَالْعَانَةِ وَأَمَّا حَدُّ مَا يَقُصُّهُ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَقُصُّ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ وَلَا يَحِفَّهُ مِنْ أَصْلِهِ وَأَمَّا رِوَايَاتِ أَحْفُوا الشَّوَارِبِ فَمَعْنَاهَا أَحْفُوا مَا طَالَ عَلَى الشَّفَتَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا إِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ فَمَعْنَاهُ تَوْفِيرُهَا وَهُوَ مَعْنَى أَوْفُوا اللِّحَى فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَكَانَ مِنْ عَادَةِ الْفُرْسِ قَصُّ اللِّحْيَةِ فَنَهَى الشَّرْعُ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي اللِّحْيَةِ عَشْرَ خِصَالٍ مَكْرُوهَةٍ بَعْضُهَا أَشَدُّ قُبْحًا مِنْ بَعْضٍ إِحْدَاهَا خِضَابُهَا بِالسَّوَادِ إلا لِغَرَضِ الْجِهَادِ الثَّانِيَةُ خِضَابُهَا بِالصُّفْرَةِ تَشْبِيهَا بِالصَّالِحِينَ لا لاتباع السنة الثالثة تبييضها بِالْكِبْرِيتِ أَوْ غَيْرِهِ اسْتِعْجَالًا لِلشَّيْخُوخَةِ لِأَجْلِ الرِّيَاسَةِ وَالتَّعْظِيمِ وَإِيهَامِ أَنَّهُ مِنَ الْمَشَايِخِ الرَّابِعَةُ نَتْفُهَا أَوْ حَلْقُهَا أَوَّلَ طُلُوعِهَا إِيثَارًا لِلْمُرُودَةِ وَحُسْنِ الصُّورَةِ الْخَامِسَةُ نَتْفُ الشَّيْبِ السَّادِسَةُ تَصْفِيفُهَا طَاقَةً فَوْقَ طَاقَةٍ تَصَنُّعًا لِيَسْتَحْسِنَهُ النِّسَاءُ وَغَيْرُهُنَّ السَّابِعَةُ الزِّيَادَةُ فِيهَا وَالنَّقْصُ مِنْهَا بِالزِّيَادَةِ فِي شَعْرِ الْعَذَارِ مِنَ الصُّدْغَيْنِ أَوْ أَخْذُ بَعْضِ الْعِذَارِ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَنَتْفُ جَانِبَيِ الْعَنْفَقَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ الثَّامِنَةُ تَسْرِيحُهَا تَصَنُّعًا لِأَجْلِ النَّاسِ التَّاسِعَةُ تَرْكُهَا شَعِثَةً مُلَبَّدَةً إِظْهَارًا لِلزَّهَادَةِ وَقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِنَفْسِهِ الْعَاشِرَةُ النَّظَرُ إِلَى سَوَادِهَا وَبَيَاضِهَا إِعْجَابًا وَخُيَلَاءَ وَغُرَّةً بِالشَّبَابِ وَفَخْرًا بِالْمَشِيبِ وَتَطَاوُلًا عَلَى الشباب الحادية عشر عقدها وضفرها الثانية عشر حَلْقُهَا إِلَّا إِذَا نَبَتَ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَةٌ فَيُسْتَحَبُّ لها

حَلْقُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الِاسْتِنْشَاقُ فَتَقَدَّمَ بَيَانُ صِفَتِهِ وَاخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِهِ وَاسْتِحْبَابِهِ وَأَمَّا غَسْلُ الْبَرَاجِمِ فَسُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِالْوُضُوءِ والبراجم بِفَتْحِ الْبَاءِ وَبِالْجِيمِ جَمْعُ بُرْجُمَةٍ بِضَمِّ الْبَاءِ وَالْجِيمِ وَهِيَ عُقَدُ الْأَصَابِعِ وَمَفَاصِلُهَا كُلِّهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَيَلْحَقُ بِالْبَرَاجِمِ مَا يَجْتَمِعُ مِنَ الْوَسَخِ فِي مَعَاطِفِ الْأُذُنِ وَهُوَ الصِّمَاخُ فَيُزِيلُهُ بِالْمَسْحِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَضَرَّتْ كَثْرَتُهُ بِالسَّمْعِ وَكَذَلِكَ مَا يَجْتَمِعُ فِي دَاخِلِ الْأَنْفِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْوَسَخِ الْمُجْتَمِعِ عَلَى أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنَ الْبَدَنِ بِالْعَرَقِ وَالْغُبَارِ وَنَحْوِهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا انْتِقَاصُ الْمَاءِ فَهُوَ بِالْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَقَدْ فَسَّرَهُ وَكِيعٌ فِي الْكِتَابِ بِأَنَّهُ الِاسْتِنْجَاءُ وَقَالَ أَبُو عبيدة معناه انتقاص البول بسبب استعمال الْمَاءِ فِي غَسْلِ مَذَاكِيرِهِ وَقِيلَ هُوَ الِانْتِضَاحُ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ الِانْتِضَاحُ بَدَلَ انْتِقَاصِ الْمَاءِ قَالَ الْجُمْهُورُ الِانْتِضَاحُ نَضْحُ الْفَرْجِ بِمَاءٍ قَلِيلٍ بَعْدَ الْوُضُوءِ لِيَنْفِيَ عَنْهُ الْوَسْوَاسَ وَقِيلَ هو الاستنجاء بالماء وذكر بن الأثير أنه روى انتقاص الْمَاءِ بِالْفَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَقَالَ فِي فَصْلِ الْفَاءِ قِيلَ الصَّوَابُ أَنَّهُ بِالْفَاءِ قَالَ وَالْمُرَادُ نَضْحُهُ عَلَى الذَّكَرِ مِنْ قَوْلِهِمْ لِنَضْحِ الدَّمِ الْقَلِيلِ نَفْصُهُ وَجَمْعُهَا نُفَصٌ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ شَاذٌّ وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ فَهَذَا شَكٌّ مِنْهُ فِيهَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَلَعَلَّهَا الْخِتَانُ الْمَذْكُورُ مَعَ الْخَمْسِ وَهُوَ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِطْرَةِ وَقَدْ أَشْبَعْتُ الْقَوْلَ فِيهَا بِدَلَائِلِهَا وَفُرُوعِهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجُونِيِّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَقَّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ لَا نَتْرُكَ تَرْكًا يَتَجَاوَزُ الْأَرْبَعِينَ وَقَوْلُهُ وَقَّتَ لَنَا هُوَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ مِثْلُ قَوْلِهِ أَمَرَنَا بِكَذَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا في الفصول المذكورة في أول هذا الْكِتَابِ وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَقَّتَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي حَدِيثِ جَعْفَرٍ هَذَا نَظَرٌ قَالَ وقال أبو عمر يعنى بن عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَرْوِهِ إِلَّا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ لِسُوءِ حِفْظِهِ وَكَثْرَةِ غَلَطِهِ قُلْتُ وَقَدْ وَثَّقَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ جَعْفَرَ بْنَ سُلَيْمَانَ وَيَكْفِي فِي تَوْثِيقِهِ احْتِجَاجُ مُسْلِمٍ بِهِ وَقَدْ تَابَعَهُ غَيْرُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَأَوْفُوا اللِّحَى هُوَ بِقَطْعِ الهمزة في أحفوا وأعفوا وأوفوا وقال بن دُرَيْدٍ يُقَالُ أَيْضًا حَفَا الرَّجُلُ شَارِبَهُ يَحْفُوهُ حَفْوًا إِذَا اسْتَأْصَلَ أَخَذَ شَعْرَهُ فَعَلَى هَذَا تكون همزة

(باب الاستطابة)

أَحْفُوا هَمْزَةَ وَصْلٍ وَقَالَ غَيْرُهُ عَفَوْتُ الشَّعْرَ وَعَفَيْتُهُ لُغَتَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَعْنَى إِحْفَاءِ الشَّوَارِبِ وَإِعْفَاءِ اللِّحَى وَأَمَّا أَوْفُوا فَهُوَ بِمَعْنَى أَعْفُوا أَيِ اتْرُكُوهَا وَافِيَةً كَامِلَةً لَا تَقُصُّوهَا قال بن السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ يُقَالُ فِي جَمْعِ اللِّحْيَةِ لِحًى وَلُحًى بِكَسْرِ اللَّامِ وَبِضَمِّهَا لُغَتَانِ الْكَسْرُ أَفْصَحُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَأَوْفُوا اللِّحَى هُوَ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ فِي أَحْفُوا وَأَعْفُوا وَأَوْفُوا وقال بن دُرَيْدٍ يُقَالُ أَيْضًا حَفَا الرَّجُلُ شَارِبَهُ يَحْفُوهُ حَفْوًا إِذَا اسْتَأْصَلَ أَخَذَ شَعْرَهُ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ هَمْزَةُ أَحْفُوا هَمْزَةَ وَصْلٍ وَقَالَ غَيْرُهُ عفوت الشعر وأعفيته لُغَتَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَعْنَى إِحْفَاءِ الشَّوَارِبِ وَإِعْفَاءِ اللِّحَى وَأَمَّا أَوْفُوا فَهُوَ بِمَعْنَى أَعْفُوا أَيِ اتْرُكُوهَا وَافِيَةً كَامِلَةً لَا تَقُصُّوهَا قَالَ بن السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ يُقَالُ فِي جَمْعِ اللِّحْيَةِ لِحًى وَلُحًى بِكَسْرِ اللَّامِ وَبِضَمِّهَا لُغَتَانِ الْكَسْرُ أَفْصَحُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْخُوا فَهُوَ أَيْضًا بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُ اتْرُكُوهَا وَلَا تَتَعَرَّضُوا لَهَا بِتَغْيِيرٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ كَمَا ذكرنا وأنه وقع عند بن مَاهَانَ أَرْجُوا بِالْجِيمِ قِيلَ هُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ وَأَصْلُهُ أَرْجِئُوا بِالْهَمْزَةِ فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ تَخْفِيفًا وَمَعْنَاهُ أخروها اتركوها وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَفِّرُوا اللِّحَى فَحَصَلَ خَمْسُ رِوَايَاتٍ أَعْفُوا وَأَوْفُوا وَأَرْخُوا وَأَرْجُوا وَوَفِّرُوا وَمَعْنَاهَا كُلُّهَا تَرْكُهَا عَلَى حَالِهَا هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ أَلْفَاظُهُ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُكْرَهُ حَلْقُهَا وَقَصُّهَا وَتَحْرِيقُهَا وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْ طُولِهَا وَعَرْضِهَا فَحَسَنٌ وَتُكْرَهُ الشُّهْرَةُ فِي تَعْظِيمِهَا كَمَا تُكْرَهُ فِي قَصِّهَا وَجَزِّهَا قَالَ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ هَلْ لِذَلِكَ حَدٌّ فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُحَدِّدْ شَيْئًا فِي ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَتْرُكْهَا لِحَدِّ الشُّهْرَةِ وَيَأْخُذُ مِنْهَا وَكَرِهَ مَالِكٌ طُولَهَا جِدًّا وَمِنْهُمْ مَنْ حَدَّدَ بِمَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ فَيُزَالُ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ الاخذ منها الا في حج أوعمرة قَالَ وَأَمَّا الشَّارِبُ فَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى اسْتِئْصَالِهِ وَحَلْقِهِ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْفُوا وَانْهَكُوا وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى مَنْعِ الْحَلْقِ وَالِاسْتِئْصَالِ وَقَالَهُ مَالِكٌ وَكَانَ يَرَى حَلْقَهُ مُثْلَةً وَيَأْمُرُ بِأَدَبِ فَاعِلِهِ وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ أَعْلَاهُ وَيَذْهَبُ هَؤُلَاءِ إِلَى أَنَّ الْإِحْفَاءَ وَالْجَزَّ وَالْقَصَّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الْأَخْذُ مِنْهُ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَالْمُخْتَارُ تَرْكُ اللِّحْيَةِ عَلَى حَالِهَا وَأَلَّا يَتَعَرَّضَ لها بتقصير شئ أَصْلًا وَالْمُخْتَارُ فِي الشَّارِبِ تَرْكُ الِاسْتِئْصَالِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَا يَبْدُو بِهِ طَرَفُ الشَّفَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ الِاسْتِطَابَةِ) وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّهْيِ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي الصَّحْرَاءِ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ وَعَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ وَعَنْ مَسِّ

الذَّكَرِ بِالْيَمِينِ وَعَنِ التَّخَلِّي فِي الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ وَعَنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَعَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالرَّجِيعِ وَالْعَظْمِ وَعَلَى جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ فِي الْبَابِ حَدِيثُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ (قِيلَ لَهُ قَدْ عَلَّمَكُمْ نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شئ حَتَّى الْخِرَاءَةَ قَالَ فَقَالَ أَجَلْ لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ) وَفِيهِ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ (إِذَا أتيتم الغائط فلا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ

وَلَا غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا) وَفِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ (إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَتِهِ فَلَا يَسْتَقْبِلَنَّ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا) وَفِيهِ حديث بن عُمَرَ (قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا عَلَى لَبِنْتَيْنِ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ (مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ القبلة) وفيه غير ذلك من الاحاديث أَمَّا الْخِرَاءَةَ فَبِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وبالمد وهي

اسْمٌ لِهَيْئَةِ الْحَدَثِ وَأَمَّا نَفْسُ الْحَدَثِ فَبِحَذْفِ التَّاءِ وَبِالْمَدِّ مَعَ فَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا قَوْلُهُ أَجَلْ مَعْنَاهُ نَعَمْ وَهِيَ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ وَمُرَادُ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَّمَنَا كُلَّ مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي دِينِنَا حَتَّى الْخِرَاءَةَ الَّتِي ذَكَرْتَ أَيُّهَا الْقَائِلُ فَإِنَّهُ عَلَّمَنَا آدَابَهَا فَنَهَانَا فِيهَا عَنْ كَذَا وَكَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ كَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي مُسْلِمٍ لِغَائِطٍ بِاللَّامِ وَرُوِيَ فِي غَيْرِهِ بِغَائِطٍ وَرُوِيَ لِلْغَائِطِ بِاللَّامِ وَالْبَاءِ وَهُمَا بِمَعْنًى وَأَصْلُ الْغَائِطِ الْمُطْمَئِنُ مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ صَارَ عِبَارَةً عَنِ الْخَارِجِ الْمَعْرُوفِ مِنْ دُبُرِ الْآدَمِيِّ وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ لِلْقِبْلَةِ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ عَلَى مَذَاهِبَ أَحَدُهَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الصَّحْرَاءِ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ فِي الْبُنْيَانِ وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما والشعبى واسحق بْنِ رَاهَوَيْهِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي إِحْدَى الروايتين رحمهم الله والمذهب الثانى أنه لايجوز ذَلِكَ لَا فِي الْبُنْيَانِ وَلَا فِي الصَّحْرَاءِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ جَوَازُ ذَلِكَ فِي الْبُنْيَانِ وَالصَّحْرَاءِ جَمِيعًا وَهُوَ مَذْهَبُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَرَبِيعَةَ شَيْخِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِقْبَالُ لَا فِي الصَّحْرَاءِ وَلَا فِي الْبُنْيَانِ وَيَجُوزُ الِاسْتِدْبَارُ فِيهِمَا وَهِيَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ مُطْلَقًا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ مُطْلَقًا كَحَدِيثِ سَلْمَانَ الْمَذْكُورِ وَحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمَا قَالُوا وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا مُنِعَ لِحُرْمَةِ الْقِبْلَةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْبُنْيَانِ وَالصَّحْرَاءِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَائِلُ كَافِيًا لَجَازَ فِي الصَّحْرَاءِ لِأَنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ جِبَالًا وَأَوْدِيَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الحائل واحتج من أباح مطلقا بحديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ مُسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةِ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلَغَهُ أَنَّ أُنَاسًا يَكْرَهُونَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِفُرُوجِهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلَغَهُ أَنَّ أُنَاسًا يَكْرَهُونَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِفُرُوجِهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَ قَدْ فَعَلُوهَا حَوِّلُوا بِمَقْعَدِي أَيْ إِلَى الْقِبْلَةِ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وبن مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ الِاسْتِدْبَارَ دُونَ الِاسْتِقْبَالِ بِحَدِيثِ سَلْمَانَ وَاحْتَجَّ مَنْ حَرَّمَ الِاسْتِقْبَالَ وَالِاسْتِدْبَارَ فِي الصَّحْرَاءِ وَأَبَاحَهُمَا فِي الْبُنْيَانِ بحديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وبحديث عائشة

الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَبِحَدِيثِ مَرْوَانَ الْأَصْغَرِ قَالَ رَأَيْتُ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إِلَيْهَا فَقُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا فَقَالَ بَلَى إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ فَإِذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شئ يَسْتُرُكَ فَلَا بَأْسَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ فَهَذِهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ مُصَرِّحَةٌ بِالْجَوَازِ فِي الْبُنْيَانِ وَحَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ وَسَلْمَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ وَرَدَتْ بِالنَّهْيِ فَيُحْمَلُ عَلَى الصَّحْرَاءِ لِيُجْمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ لَا يُصَارُ إِلَى تَرْكِ بَعْضِهَا بَلْ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَالْعَمَلُ بِجَمِيعِهَا وَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الصَّحْرَاءِ وَالْبُنْيَانِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ فِي الْبُنْيَانِ فِي تَكْلِيفِهِ تَرْكَ الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ الصَّحْرَاءِ وَأَمَّا مَنْ أَبَاحَ الِاسْتِدْبَارَ فَيُحْتَجُّ عَلَى رَدِّ مَذْهَبِهِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالنَّهْيِ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ جَمِيعًا كَحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِحْدَاهَا الْمُخْتَارُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إِنَّمَا يَجُوزُ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ فِي الْبُنْيَانِ إِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ سَاتِرٍ مِنْ جُدْرَانٍ وَنَحْوِهَا مِنْ حَيْثُ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَمَا دُونَهَا وَبِشَرْطٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحَائِلُ مُرْتَفِعًا بِحَيْثُ يَسْتُرُ أَسَافِلَ الْإِنْسَانِ وَقَدَّرُوهُ بِآخِرَةِ الرَّحْلِ وَهِيَ نَحْوُ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَإِنْ زَادَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ أَوْ قَصُرَ الْحَائِلُ عَنْ آخِرَةِ الرَّحْلِ فَهُوَ حَرَامٌ كَالصَّحْرَاءِ إِلَّا إِذَا كَانَ فِي بَيْتٍ بُنِيَ لِذَلِكَ فَلَا حَجْرَ فِيهِ كَيْفَ كَانَ قَالُوا ولو كان في الصحراء وتستر بشئ عَلَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ زَالَ التَّحْرِيمُ فَالِاعْتِبَارُ بِوُجُودِ السَّاتِرِ الْمَذْكُورِ وَعَدَمِهِ فَيَحِلُّ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبُنَيَّانِ بِوُجُودِهِ وَيَحْرُمُ فِيهِمَا لِعَدَمِهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنِ اعْتَبَرَ الصَّحْرَاءَ وَالْبُنْيَانَ مُطْلَقًا وَلَمْ يَعْتَبِرِ الْحَائِلَ فَأَبَاحَ فِي الْبُنْيَانِ بِكُلِّ حَالٍ وَحَرَّمَ فِي الصَّحْرَاءِ بِكُلِّ حَالٍ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ السَّاتِرُ دَابَّةً أو جدار أَوْ وَهْدَةً أَوْ كَثِيبَ رَمْلٍ أَوْ جَبَلًا ولو أَرْخَى ذَيْلَهُ فِي قُبَالَةِ الْقِبْلَةِ فَفِي حُصُولِ السِّتْرِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَهُمْ وَأَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ سَاتِرٌ لِحُصُولِ الْحَائِلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ حَيْثُ جَوَّزْنَا الِاسْتِقْبَالَ وَالِاسْتِدْبَارَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا هُوَ مَكْرُوهٌ وَلَمْ يَذْكُرِ الْجُمْهُورُ الْكَرَاهَةَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ فِي تَكَلُّفِ التَّحَرُّفِ عَنِ الْقِبْلَةِ

فَلَا كَرَاهَةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشَقَّةٌ فَالْأَوْلَى تَجَنُّبُهُ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَلَا تُطْلَقُ عَلَيْهِ الْكَرَاهَةُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ يَجُوزُ الْجِمَاعُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبُنْيَانِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَدَاوُدَ الظاهرى واختلف فيه أصحاب مالك فجوزه بن القاسم وكرهه بن حَبِيبٍ وَالصَّوَابُ الْجَوَازُ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِالشَّرْعِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ لَا يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَا اسْتِدْبَارُهُ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ لَكِنْ يُكْرَهُ الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ إِذَا تَجَنَّبَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارَهَا حَالَ خُرُوجِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ثُمَّ أَرَادَ الِاسْتِقْبَالَ أَوْ الِاسْتِدْبَارَ حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ جَازَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وأن لايستنجى بِالْيَمِينِ) هُوَ مِنْ أَدَبِ الِاسْتِنْجَاءِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ ثُمَّ الْجَمَاهِيرُ عَلَى أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَأَدَبٍ لَا نَهْيَ تَحْرِيمٍ وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ إِلَى أَنَّهُ حَرَامٌ وَأَشَارَ إِلَى تَحْرِيمِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَا تَعْوِيلَ عَلَى إِشَارَتِهِمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَعِينَ بِالْيَدِ الْيُمْنَى فى شئ مِنْ أُمُورِ الِاسْتِنْجَاءِ إِلَّا لِعُذْرٍ فَإِذَا اسْتَنْجَى بِمَاءٍ صَبَّهُ بِالْيُمْنَى وَمَسَحَ بِالْيُسْرَى وَإِذَا اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ فَإِنْ كَانَ فِي الدُّبُرِ مَسَحَ بِيَسَارِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْقُبُلِ وَأَمْكَنَهُ وَضْعَ الْحَجَرِ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ بَيْنَ قَدَمَيْهِ بِحَيْثُ يَتَأَتَّى مَسْحَهُ أَمْسَكَ الذَّكَرَ بِيَسَارِهِ وَمَسَحَهُ عَلَى الْحَجَرِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنهُ ذَلِكَ وَاضْطُرَّ إِلَى حَمْلِ الْحَجَرِ حَمَلَهُ بِيَمِينِهِ وَأَمْسَكَ الذَّكَرَ بِيَسَارِهِ وَمَسَحَ بِهَا وَلَا يُحَرِّكِ الْيُمْنَى هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَأْخُذُ الذَّكَرَ بِيَمِينِهِ وَالْحَجَرَ بيساره ويمسح بها وَيُحَرِّكُ الْيُسْرَى وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ يَمَسُّ الذَّكَرَ بِيَمِينِهِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إِنَّ فِي النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ تَنْبِيهًا عَلَى إِكْرَامِهَا وَصِيَانَتِهَا عَنِ الْأَقْذَارِ وَنَحْوِهَا وَسَنُوَضِّحُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ قَرِيبًا فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ صَحِيحٌ فِي أن الاستيفاء ثلاث مسحات واجب لابد مِنْهُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فمذهبنا أنه لابد فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ مِنْ إِزَالَةِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ وَاسْتِيفَاءِ ثَلَاثِ مَسَحَاتٍ فَلَوْ مَسَحَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَزَالَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَجَبَ مَسْحُهُ ثَالِثَةً وبهذا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَدَاوُدُ الْوَاجِبُ الْإِنْقَاءُ فَإِنْ حَصَلَ بِحَجَرٍ أَجْزَأَهُ وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِنَا مَا قَدَّمْنَاهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوِ اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ مَسَحَ بِكُلِّ حَرْفٍ مَسْحَةً أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْمَسَحَاتُ وَالْأَحْجَارُ الثَّلَاثَةُ أَفْضَلُ مِنْ حَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ

وَلَوِ اسْتَنْجَى فِي الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَجَبَ سِتُّ مَسَحَاتٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثُ مَسَحَاتٍ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ بِسِتَّةِ أَحْجَارٍ فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى حَجَرٍ وَاحِدٍ لَهُ سِتَّةُ أَحْرُفٍ أَجْزَأَهُ وَكَذَلِكَ الْخِرْقَةُ الصَّفِيقَةُ الَّتِي إِذَا مَسَحَ بِهَا لَا يَصِلُ الْبَلَلُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ يَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَ بِجَانِبِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَلَا زِيَادَةَ عَلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِثَلَاثَةٍ وَجَبَ رَابِعٌ فَإِنْ حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِهِ لَمْ تَجِبِ الزِّيَادَةُ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْإِيتَارُ بِخَامِسٍ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِالْأَرْبَعَةِ وَجَبَ خَامِسٌ فَإِنْ حَصَلَ بِهِ فَلَا زِيَادَةَ وَهَكَذَا فِيمَا زَادَ مَتَى حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِوِتْرٍ فَلَا زِيَادَةَ وَإِلَّا وَجَبَ الْإِنْقَاءُ وَاسْتُحِبَّ الْإِيتَارُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا نَصُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَحْجَارِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَقَالُوا الْحَجَرُ مُتَعَيِّنٌ لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ وَذَهَبَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً مِنَ الطَّوَائِفِ كُلِّهَا إِلَى أَنَّ الْحَجَرَ لَيْسَ مُتَعَيِّنًا بَلْ تَقُومُ الْخِرَقُ وَالْخَشَبُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مَقَامَهُ وَأَنَّ الْمَعْنِيُّ فِيهِ كَوْنُهُ مُزِيلًا وَهَذَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ الْحَجَرِ وَإِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ لِكَوْنِهَا الْغَالِبَ الْمُتَيَسَّرَ فَلَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ من املاق وَنَظَائِرِهِ وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَعْيِينِ الْحَجَرِ نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعِظَامِ وَالْبَعْرِ والرجيع ولو كان الحجر متعينا لنهى عما سِوَاهُ مُطْلَقًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَالَّذِي يَقُومُ مَقَامَ الْحَجَرِ كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ مُزِيلٍ لِلْعَيْنِ لَيْسَ لَهُ حُرْمَةٌ وَلَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ حَيَوَانٍ قَالُوا وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ جِنْسِهِ فَيَجُوزُ فِي الْقُبُلِ أَحْجَارٌ وَفِي الدُّبُرِ خِرَقٌ وَيَجُوزُ فِي أَحَدِهِمَا حَجَرٌ مَعَ خِرْقَتَيْنِ أَوْ مَعَ خِرْقَةٍ وَخَشَبَةٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالنَّجَاسَةِ وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّجِيعِ عَلَى جِنْسِ النَّجَسِ فَإِنَّ الرَّجِيعَ هُوَ الرَّوْثُ وَأَمَّا الْعَظْمُ فَلِكَوْنِهِ طَعَامًا لِلْجِنِّ فَنَبَّهَ عَلَى جَمِيعِ الْمَطْعُومَاتِ وَتَلْتَحِقُ بِهِ الْمُحْتَرَمَاتُ كَأَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ وَأَوْرَاقِ كُتُبِ الْعِلْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ فِي النَّجَسِ بَيْنَ الْمَائِعِ وَالْجَامِدِ فَإِنِ اسْتَنْجَى بِنَجَسٍ لَمْ يَصِحَّ اسْتِنْجَاؤُهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَلَا يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ صَارَ نَجِسًا بِنَجَاسَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ وَلَوِ اسْتَنْجَى بِمَطْعُومٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْمُحْتَرَمَاتِ الطَّاهِرَاتِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِنْجَاؤُهُ وَلَكِنْ يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَكُنْ نقل النجاسة من موضعها وقيل أن استنجاؤه الْأَوَّلَ يُجْزِئُهُ مَعَ الْمَعْصِيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ لَنَا الْمُشْرِكُونَ إِنِّي أَرَى صَاحِبَكُمْ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَهُوَ صَحِيحٌ تَقْدِيرُهُ قَالَ لَنَا قَائِلُ الْمُشْرِكِينَ أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ وَاحِدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَجَمَعَهُ لِكَوْنِ بَاقِيهِمْ يُوَافِقُونَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَكِنْ

شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا خِطَابٌ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ بِحَيْثُ إِذَا شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ لَا يَسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا قَوْلُهُ (فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ مِرْحَاضٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ الْبَيْتُ الْمُتَّخَذُ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ أَيْ لِلتَّغَوُّطِ قَوْلُهُ (فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا) بِالنُّونَيْنِ مَعْنَاهُ نَحْرِصُ عَلَى اجْتِنَابِهَا بِالْمَيْلِ عَنْهَا بِحَسَبِ قُدْرَتِنَا قوله (قال نعم) هو جواب لقوله أو لا قُلْتُ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَذْكُرهُ عَنْ عَطَاءٍ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حدثنا يزيد يعنى بن زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا رَوْحٌ عَنْ سُهَيْلٍ عَنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ عن سهيل وانما هو حديث بن عجلان حدث به عن رَوْحٌ وَغَيْرُهُ وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ حَفِيدُ أَبِي سَعِيدٍ الْهَرَوِيِّ الْخَطَأُ فِيهِ مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ لِأَنَّهُ حَدِيثٌ يُعْرَفُ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنِ الْقَعْقَاعِ وَلَيْسَ لِسُهَيْلٍ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ ذِكْرٌ رَوَاهُ أُمَيَّةُ بْنُ بَسْطَامَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَلَى الصَّوَابِ عَنْ رَوْحٍ عن بن عَجْلَانَ عَنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطُولِهِ وَحَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ مُخْتَصَرٌ قُلْتُ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَظْهَرُ قَدْحُهُ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ سهيلا وبن عجلان سمعاه جميعا واشتهرت روايته عن بن عَجْلَانَ وَقَلَّتُ عَنْ سُهَيْلٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو داود والنسائى وبن ماجه الا من جهة بن عجلان فرواه ابو داود عن بن المبارك عن بن عَجْلَانَ عَنِ الْقَعْقَاعِ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عجلان وبن مَاجَهْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ الْمَكِّيِّ ثلاثتهم عن بن عَجْلَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ الْمَذْكُورُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ (عَنْ حَبَّانَ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَوْلُهُ (لَقَدْ رَقِيتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا عَلَى لَبِنْتَيْنِ يَسْتَقْبِلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ) أَمَّا رَقِيتُ فَبِكَسْرِ الْقَافِ وَمَعْنَاهُ صَعِدْتُ هَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ لُغَتَيْنِ أُخْرَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا بِفَتْحِ الْقَافِ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ وَالثَّانِيَةُ بِفَتْحِهَا مَعَ الْهَمْزَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَمَّا رُؤْيَتُهُ فَوَقَعَتِ اتِّفَاقًا بِغَيْرِ قَصْدٍ لِذَلِكَ وَأَمَّا اللَّبِنَةُ فَمَعْرُوفَةٌ وَهِيَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُ الْبَاءِ مَعَ فَتْحِ اللَّامِ وَمَعَ كَسْرِهَا وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ عَلَى هَذَا الْوَزْنِ أَعْنِي مَفْتُوحُ الْأَوَّلِ مَكْسُورُ الثَّانِي يَجُوزُ فِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ كَكَتِفٍ فَإِنْ كَانَ ثَانِيهِ أَوْ ثَالِثُهُ حَرْفَ حَلْقٍ جَازَ فِيهِ وَجْهٌ رَابِعٌ وَهُوَ كَسْرُ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي كَفَخِذٍ وَأَمَّا بَيْتُ الْمَقْدِسِ فَتَقَدَّمَ بَيَانُ لُغَاتِهِ وَاشْتِقَاقِهِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْإِسْرَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ يَحْيَى بن أبى كثير عن عبد الله بن أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ) قَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أبي كثير عن بن أبى كثير عن بن أبى قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ الَّتِي رَأَيْنَاهَا فِي الْأَوَّلِ هَمَّامٌ بِالْمِيمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَفِي الثَّانِي هِشَامٌ بِالشِّينِ وَأَظُنُّ الْأَوَّلَ تَصْحِيفًا مِنْ بَعْضِ النَّاقِلِينَ عَنْ مُسْلِمٍ فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيَّ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الأئمة رووه عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِيِّ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِي وَقَدْ أَوْضَحَ مَا قُلْتُهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ خَلَفٌ الْوَاسِطِيُّ فَقَالَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ هِشَامٍ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فَصَرَّحَ الْإِمَامُ خَلَفٌ بِأَنَّ مُسْلِمًا رَوَاهُ فِي الطَّرِيقَيْنِ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِيِّ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ هَمَّامًا بِالْمِيمِ تَصْحِيفٌ وَقَعَ فِي نُسَخِنَا مِمَّنْ بَعْدَ مُسْلِمٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لايمسكن أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ وَلَا يَتَمَسَّحْ مِنَ الْخَلَاءِ بِيَمِينِهِ) أَمَّا إِمْسَاكُ الذَّكَرِ بِالْيَمِينِ فَمَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَقَدْ قَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ لَا يستعين باليمين فى شئ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الِاسْتِنْجَاءِ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَصْلِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَتَمَسَّحُ مِنَ الْخَلَاءِ بِيَمِينِهِ فَلَيْسَ التَّقْيِيدُ بِالْخَلَاءِ لِلِاحْتِرَازِ عَنِ الْبَوْلِ بَلْ هما سواء والخلاء بِالْمَدِّ هُوَ الْغَائِطُ

وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ) مَعْنَاهُ لَا يَتَنَفَّسْ فِي نَفْسِ الْإِنَاءِ وَأَمَّا التَّنَفُّسُ ثَلَاثًا خَارِجَ الْإِنَاءِ فَسُنَّةٌ مَعْرُوفَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالنَّهْيُ عَنِ التَّنَفُّسِ فِي الْإِنَاءِ هُوَ مِنْ طَرِيقِ الْأَدَبِ مخافة من تقذيره ونتنه وسقوط شئ مِنَ الْفَمِ وَالْأَنْفِ فِيهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي طُهُورِهِ إِذَا تَطَهَّرَ وَفِي تَرَجُّلِهِ إِذَا تَرَجَّلَ وَفِي انْتِعَالِهِ إِذَا انْتَعَلَ) هذه قاعدة مستمرة فى الشرع وهى انما كَانَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ وَالتَّشْرِيفِ كَلُبْسِ الثَّوْبِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْخُفِّ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالسِّوَاكِ وَالِاكْتِحَالِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَتَرْجِيلِ الشَّعْرِ وَهُوَ مَشْطُهُ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَالسَّلَامِ مِنَ الصَّلَاةِ وَغَسْلِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْخَلَاءِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمُصَافَحَةِ وَاسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ يُسْتَحَبُّ التَّيَامُنُ فِيهِ وَأَمَّا مَا كَانَ بِضِدِّهِ كَدُخُولِ الْخَلَاءِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ وَالِامْتِخَاطِ وَالِاسْتِنْجَاءِ وَخَلْعِ الثَّوْبِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْخُفِّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيُسْتَحَبُّ التَّيَاسُرُ فِيهِ وَذَلِكَ كُلَّهُ بِكَرَامَةِ الْيَمِينِ وَشَرَفِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ تَقْدِيمَ الْيَمِينِ عَلَى الْيَسَارِ مِنَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ سُنَّةٌ لَوْ خَالَفَهَا فَاتَهُ الْفَضْلُ وَصَحَّ وُضْوءُهُ وَقَالَتِ الشِّيعَةُ هُوَ وَاجِبٌ وَلَا اعْتِدَادَ بِخِلَافِ الشِّيعَةِ واعلم أن الابتداء باليسار وان كَانَ مُجْزِيًا فَهُوَ مَكْرُوهٌ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا بِأَسَانِيدَ حَمِيدَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا لَبِسْتُمْ أو توضأتم فابدؤا بِأَيَامِنِكُمْ فَهَذَا نَصٌّ فِي الْأَمْرِ بِتَقْدِيمِ الْيَمِينِ وَمُخَالَفَتُهُ مَكْرُوهَةٌ أَوْ مُحَرَّمَةٌ وَقَدِ انْعَقَدَ إِجْمَاعٌ العلماء عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مُحَرَّمَةٌ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ مَكْرُوهَةٌ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مَا لَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ التَّيَامُنُ وَهُوَ الْأُذُنَانِ والكفان

وَالْخَدَّانِ بَلْ يُطَهَّرَانِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ كَمَا فِي حَقِّ الْأَقْطَعِ وَنَحْوِهِ قَدَّمَ الْيَمِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي شأنه كله فى نعله وترجله) هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ فِي نَعْلِهِ عَلَى إِفْرَادِ النَّعْلِ وَفِي بَعْضِهَا نَعْلَيْهِ بِزِيَادَةِ يَاءِ التَّثْنِيَةِ وَهُمَا صَحِيحَانِ أَيْ فِي لُبْسِ نَعْلَيْهِ أَوْ فِي لُبْسِ نَعْلِهِ أَيْ جِنْسَ النعل ولم ير فى شئ مِنْ نُسَخِ بِلَادِنَا غَيْرُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَذَكَرَ الْحُمَيْدِيُّ وَالْحَافِظُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي كِتَابِهِمَا الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ فِي تَنَعُّلِهِ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ ثم نون وتشديد الْعَيْنِ وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَخْ وَفِي قَوْلِهِ مَا اسْتَطَاعَ إِشَارَةٌ إِلَى شِدَّةِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى التَّيَمُّنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ قالوا وما اللعانان يارسول اللَّهِ قَالَ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ) أَمَّا اللَّعَّانَانِ فَكَذَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ اتَّقُوا اللَّاعِنَيْنِ وَالرِّوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ بِاللَّاعِنَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْجَالِبَيْنِ لِلَّعْنِ الْحَامِلَيْنِ النَّاسَ عَلَيْهِ وَالدَّاعِيَيْنِ إِلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ فَعَلَهُمَا شُتِمَ وَلُعِنَ يَعْنِي عَادَةُ النَّاسِ لَعْنُهُ فَلَمَّا صَارَا سَبَبًا لِذَلِكَ أُضِيفَ اللَّعْنُ إِلَيْهِمَا قَالَ وَقَدْ يَكُونُ اللَّاعِنُ بِمَعْنَى الْمَلْعُونِ وَالْمَلَاعِنُ مَوَاضِعُ اللَّعْنِ قُلْتُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّقْدِيرُ اتَّقُوا الْأَمْرَيْنِ الْمَلْعُونُ فَاعِلُهُمَا وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَأَمَّا رِوَايَةُ مُسْلِمٍ فَمَعْنَاهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ اتَّقُوا فِعْلَ

اللَّعَّانَيْنِ أَيْ صَاحِبَيِ اللَّعْنِ وَهُمَا اللَّذَانِ يَلْعَنْهُمَا النَّاسُ فِي الْعَادَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُرَادُ بِالظِّلِّ هُنَا مُسْتَظَلُّ النَّاسِ الَّذِي اتَّخَذُوهُ مَقِيلًا وَمُنَاخًا يَنْزِلُونَهُ وَيَقْعُدُونَ فِيهِ وَلَيْسَ كُلُّ ظِلٍّ يَحْرُمُ الْقُعُودُ تَحْتَهُ فَقَدْ قَعَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ حَايِشِ النَّخْلِ لِحَاجَتِهِ وَلَهُ ظِلَّ بِلَا شَكٍّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ فَمَعْنَاهُ يَتَغَوَّطُ فِي مَوْضِعٍ يَمُرُّ بِهِ النَّاسُ وَمَا نَهَى عَنْهُ فِي الظِّلِّ وَالطَّرِيقِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِيذَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِتَنْجِيسِ مَنْ يَمُرَّ به ونتنه واستقذاره والله أعلم قَوْلُهُ (دَخَلَ حَائِطًا وَتَبِعَهُ غُلَامٌ مَعَهُ مِيضَأَةٌ فَوَضَعَهَا عِنْدَ سِدْرَةٍ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتَهُ فَخَرَجَ عَلَيْنَا وَقَدِ استنجى بالماء) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ الْخَلَاءَ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلَامٌ نَحْوِي إِدَاوَةً من ماء وعنزة فيستنجي بالماء) وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتبرز لحاجته

فآتيه بالماء فيتغسل به) الميضأة بكسر الميم وبهمزة بعد الضاد المعجمة وهي الاناء الذي يتوضأ به كالركوة والابريق وشبههما وأما الحائط فهو البستان وأما العنزة فبتح الْعَيْنِ وَالزَّايِ وَهِيَ عَصًا طَوِيلَةٌ فِي أَسْفَلِهَا زُجٌّ وَيُقَالُ رُمْحٌ قَصِيرٌ وَإِنَّمَا كَانَ يَسْتَصْحِبُهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ صَلَّى فَيَحْتَاجُ إِلَى نَصْبِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِتَكُونَ حَائِلًا يُصَلِّي إِلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ يَتَبَرَّزُ فَمَعْنَاهُ يَأْتِي الْبَرَازَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْوَاسِعُ الظَّاهِرُ مِنَ الْأَرْضِ لِيَخْلُوَ لِحَاجَتِهِ وَيَسْتَتِرَ وَيَبْعُدَ عَنْ أَعْيُنِ النَّاظِرِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَيَغْتَسِلُ بِهِ فَمَعْنَاهُ يَسْتَنْجِي بِهِ وَيَغْسِلُ مَحَلَّ الِاسْتِنْجَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا فِقْهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَفِيهَا اسْتِحْبَابُ التَّبَاعُدِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ عَنِ النَّاسِ وَالِاسْتِتَارِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاظِرِينَ وَفِيهَا جَوَازُ اسْتِخْدَامِ الرَّجُلِ الْفَاضِلِ بَعْضَ أَصْحَابِهِ فِي حَاجَتِهِ وَفِيهَا خِدْمَةُ الصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الْفَضْلِ وَالتَّبَرُّكُ بِذَلِكَ وَفِيهَا جَوَازُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ وَاسْتِحْبَابُهُ وَرُجْحَانُهُ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَجَرِ وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَالَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْفَتْوَى مِنْ أَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ فَيَسْتَعْمِلَ الْحَجَرَ أَوَّلًا لِتَخِفَّ النَّجَاسَةُ وَتَقِلَّ مُبَاشَرَتُهَا بِيَدِهِ ثُمَّ يَسْتَعْمِلَ الْمَاءَ فَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ سَوَاءٌ وَجَدَ الْآخَرَ أَوْ لَمْ يَجِدْهُ فَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْحَجَرِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ وَيَجُوزُ عَكْسُهُ فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالْمَاءُ أَفْضَلُ مِنَ الْحَجَرِ لِأَنَّ الْمَاءَ يُطَهِّرُ الْمَحَلَّ طَهَارَةً حقيقية وَأَمَّا الْحَجَرُ فَلَا يُطَهِّرُهُ وَإِنَّمَا يُخَفِّفُ النَّجَاسَةَ وَيُبِيحُ الصَّلَاةَ مَعَ النَّجَاسَةِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا وَبَعْضُ السَّلَفِ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ هُوَ الْحَجَرُ وَرُبَّمَا أَوْهَمَ كَلَامُ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمَاءَ لَا يجزى وقال بن حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ لَا يُجْزِي الْحَجَرُ إِلَّا لِمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَهَذَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَخِلَافُ ظَوَاهِرِ السُّنَنِ الْمُتَظَاهِرَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُتَوَضَّأُ مِنَ الْأَوَانِي دُونَ الْمَشَارِعِ وَالْبِرَكِ وَنَحْوِهَا إِذْ لَمْ ينقل ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَلَمْ يُوَافِقْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فِيمَا نَعْلَمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَهَا فَعَدَلَ عَنْهَا إِلَى الْأَوَانِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب المسح على الخفين)

(بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ) أَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ سَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ لِغَيْرِهَا حَتَّى يَجُوزَ لِلْمَرْأَةِ الْمُلَازِمَةِ بَيْتَهَا وَالزَّمِنِ الَّذِي لَا يَمْشِي وَإِنَّمَا أَنْكَرَتْهُ الشِّيعَةُ وَالْخَوَارِجُ وَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رِوَايَاتٌ فِيهِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ كَمَذْهَبِ الْجَمَاهِيرِ وَقَدْ رَوَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ خَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَقَدْ بَيَّنْتُ أَسْمَاءَ جَمَاعَاتٍ كَثِيرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ رَوَوْهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَدْ ذَكَرْتُ فِيهِ جُمَلًا نَفِيسَةً مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَفْضَلُ أَمْ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ فَذَهَبَ أَصْحَابُنَا إِلَى أَنَّ الْغَسْلَ أَفْضَلُ لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ وَذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاعَاتٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَذَهَبَ جَمَاعَاتٌ مِنَ التَّابِعِينَ إِلَى أن المسح أفضل وذهب إليه الشَّعْبِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا المسح أفضل والثانية هما سواء واختاره بن المنذر والله أعلم قَوْلُهُ (كَانَ يُعْجِبهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ لِأَنَّ إِسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ) مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ فَلَوْ كَانَ إِسْلَامُ جَرِيرٍ مُتَقَدِّمًا عَلَى نُزُولِ الْمَائِدَةِ لَاحْتُمِلَ كَوْنُ حَدِيثِهِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ

مَنْسُوخًا بِآيَةِ الْمَائِدَةِ فَلَمَّا كَانَ إِسْلَامُهُ مُتَأَخِّرًا عَلِمْنَا أَنَّ حَدِيثَهُ يُعْمَلُ بِهِ وَهُوَ مُبَيِّنٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ غَيْرُ صَاحِبِ الْخُفِّ فَتَكُونُ السُّنَّةُ مُخَصِّصَةٌ لِلْآيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَرُوِّينَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ قَالَ مَا سَمِعْتُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَحْسَنَ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْتَهَى إِلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا فَتَنَحَّيْتُ فَقَالَ ادْنُهْ فَدَنَوْتُ حَتَّى قُمْتُ عِنْدَ عَقِبَيْهِ فَتَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ) أَمَّا السُّبَاطَةُ فَبِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ مَلْقَى الْقُمَامَةِ وَالتُّرَابِ وَنَحْوِهِمَا تَكُونُ بِفِنَاءِ الدُّورِ مُرْفَقًا لِأَهْلِهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ سهلا منثا لا يَحُدُّ فِيهِ الْبَوْلُ وَلَا يَرْتَدُّ عَلَى الْبَائِلِ وَأَمَّا سَبَبُ بَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا فَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ أَوْجُهًا حَكَاهَا الْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ أَحَدُهَا قَالَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَسْتَشِفِي لِوَجَعِ الصُّلْبِ بِالْبَوْلِ قَائِمًا قَالَ فَتَرَى أَنَّهُ كَانَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُ الصُّلْبِ إِذْ ذَاكَ وَالثَّانِي أَنَّ سَبَبَهُ مَا رُوِيَ فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ رَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ قَائِمًا لعلة بمأبضه والمأبض بهمزة ساكنة بعد الميم ثم باء مُوَحَّدَةٍ وَهُوَ بَاطِنُ الرُّكْبَةِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا لِلْقُعُودِ فَاضْطُرَّ إِلَى الْقِيَامِ لِكَوْنِ الطَّرَفِ الَّذِي مِنَ السُّبَاطَةِ كَانَ عَالِيًا مُرْتَفِعًا وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ

تَعَالَى وَجْهًا رَابِعًا وَهُوَ أَنَّهُ بَالَ قَائِمًا لِكَوْنِهَا حَالَةً يُؤْمَنُ فِيهَا خُرُوجُ الْحَدَثِ مِنَ السَّبِيلِ الْآخَرِ فِي الْغَالِبِ بِخِلَافِ حَالَةِ الْقُعُودِ وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ الْبَوْلُ قَائِمًا أَحْصَنُ لِلدُّبُرِ وَيَجُوزُ وَجْهٌ خَامِسٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ لِلْجَوَازِ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ وَكَانَتْ عادته المستمرة يبول قاعدا ويدل عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ مَا كَانَ يَبُولُ إِلَّا قَاعِدًا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَآخَرُونَ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ رُوِيَ فِي النَّهْيِ عَنِ الْبَوْلِ قَائِمًا أَحَادِيثُ لَا تَثْبُتُ وَلَكِنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ هَذَا ثَابِتٌ فَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ يُكْرَهُ الْبَوْلُ قَائِمًا إِلَّا لِعُذْرٍ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَا تحريم قال بن الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَاقِ اخْتَلَفُوا فِي الْبَوْلِ قَائِمًا فَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وزيد بن ثابت وبن عُمَرَ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُمْ بَالُوا قِيَامًا قَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَنَسٍ وَعَلِيٍّ وَأَبِي هريرة رضى الله عنهم وفعل ذلك بن سيرين وعروة بن الزبير وكرهه بن مَسْعُودٍ وَالشَّعْبِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ لَا يُجِيزُ شَهَادَةَ مَنْ بَالَ قَائِمًا وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ كَانَ فِي مكان يتطاير إليه من البول شئ فَهُوَ مَكْرُوهٌ فَإِنْ كَانَ لَا يَتَطَايَرُ فَلَا بأس به وهذا قول مالك قال بن الْمُنْذِرِ الْبَوْلُ جَالِسًا أَحَبُّ إِلَيَّ وَقَائِمًا مُبَاحٌ وَكُلُّ ذَلِكَ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا كلام بن الْمُنْذِرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا بَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُبَاطَةِ قَوْمٍ فَيَحْتَمِلُ أَوْجُهًا أَظْهَرُهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤْثِرُونَ ذَلِكَ وَلَا يَكْرَهُونَهُ بَلْ يَفْرَحُونَ بِهِ وَمَنْ كَانَ هَذَا حَالَهُ جَازَ الْبَوْلُ فِي أَرْضِهِ وَالْأَكْلُ مِنْ طَعَامِهِ وَنَظَائِرُ هَذَا فِي السُّنَّةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ احْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُخْتَصَّةً بِهِمْ بَلْ كَانَتْ بِفِنَاءِ دُورِهِمْ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ فَأُضِيفَتْ إِلَيْهِمْ لَقُرْبِهَا مِنْهُمْ وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونُوا أَذِنُوا لِمَنْ أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ إِمَّا بِصَرِيحِ الْإِذْنِ وَإِمَّا بِمَا فِي مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا بَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّبَاطَةِ الَّتِي بِقُرْبِ الدُّورِ مَعَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ عَادَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّبَاعُدُ فِي الْمَذْهَبِ فَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ سَبَبَهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنَ الشُّغْلِ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّظَرِ فِي مَصَالِحِهِمْ بِالْمَحَلِّ الْمَعْرُوفِ فَلَعَلَّهُ طَالَ عَلَيْهِ مَجْلِسٌ حَتَّى حَفَزَهُ الْبَوْلُ فَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّبَاعُدُ وَلَوْ أَبْعَدَ لَتَضَرَّرَ وَارْتَادَ السُّبَاطَةَ لِدَمَثِهَا وَأَقَامَ حُذَيْفَةُ بِقُرْبِهِ لِيَسْتُرَهُ عَنِ النَّاسِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي حَسَنٌ ظَاهِرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَتَنَحَّيْتُ فَقَالَ ادْنُهْ فَدَنَوْتُ حَتَّى قُمْتُ عند عقبيه

قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا اسْتَدْنَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْتَتِرَ بِهِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ من الناظرين لكونها حالة يستخفى بها ويستحي مِنْهَا فِي الْعَادَةِ وَكَانَتِ الْحَاجَةُ الَّتِي يَقْضِيهَا بَوْلًا مِنْ قِيَامٍ يُؤْمَنُ مَعَهَا خُرُوجُ الْحَدَثِ الْآخَرِ وَالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ فَلِهَذَا اسْتَدْنَاهُ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَمَّا أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ قَالَ تَنَحَّ لِكَوْنِهِ كَانَ يَقْضِيهَا قَاعِدًا وَيَحْتَاجُ إِلَى الحديثين جَمِيعًا فَتَحْصُلُ الرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ وَمَا يَتْبَعُهَا وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ السُّنَّةِ الْقُرْبُ مِنَ الْبَائِلِ إِذَا كَانَ قَائِمًا فَإِذَا كَانَ قَاعِدًا فَالسُّنَّةُ الْإِبْعَادُ عَنْهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْفَوَائِدِ تَقَدَّمَ بَسْطُ أَكْثَرِهَا فيما ذكرناه ونشير اليها ها هنا مُخْتَصَرَةً فَفِيهِ إِثْبَاتُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَفِيهِ جَوَازُ الْمَسْحِ فِي الْحَضَرِ وَفِيهِ جَوَازُ الْبَوْلِ قَائِمًا وَجَوَازُ قُرْبِ الْإِنْسَانِ مِنَ الْبَائِلِ وَفِيهِ جَوَازُ طَلَبِ الْبَائِلِ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْبُ مِنْهُ لِيَسْتُرَهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ السِّتْرِ وَفِيهِ جَوَازُ الْبَوْلِ بِقُرْبِ الدِّيَارِ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَالَ حُذَيْفَةُ لَوَدِدْتُ أَنَّ صَاحِبكُمْ لَا يُشَدِّدُ هَذَا التَّشْدِيدَ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَمَاشَى فَأَتَى سُبَاطَةً خَلْفَ حَائِطٍ فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ فَبَالَ) إِلَخْ مَقْصُودُ حُذَيْفَةَ أَنَّ هَذَا التَّشْدِيدَ خِلَافُ السُّنَّةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ قَائِمًا وَلَا شَكَّ فِي كَوْنِ الْقَائِمِ مُعَرَّضًا لِلرَّشِيشِ وَلَمْ يَلْتَفِتِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ وَلَمْ يَتَكَلَّفِ الْبَوْلَ فِي قَارُورَةٍ كَمَا فَعَلَ أَبُو مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ الْمُغِيرَةِ) هَذَا الْإِسْنَادُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمْ يَحْيَى بْنُ

سَعِيدٍ وَهُوَ الْأَنْصَارِيُّ وَسَعْدٌ وَنَافِعٌ وَعُرْوَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِيمَ الْمُغِيرَةِ تُضَمُّ وَتُكْسَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ فَاتَّبَعَهُ الْمُغِيرَةُ بِإِدَاوَةٍ فِيهَا مَاءٌ فَصَبَّ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ) وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى مَكَانَ حِينٍ أَمَّا قَوْلُهُ فَاتَّبَعَهُ الْمُغِيرَةُ فَهُوَ مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَهَذَا كَثِيرٌ يَقَعُ مِثْلُهُ فِي الْحَدِيثِ فَنَقَلَ الرَّاوِي عَنِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ لَفْظَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِلَفْظِ الْغَيْبَةِ وَأَمَّا الْإِدَاوَةُ فَهِيَ وَالرَّكْوَةُ وَالْمِطْهَرَةُ وَالْمِيضَأَةُ بِمَعْنًى مُتَقَارِبٍ وَهُوَ إِنَاءُ الْوُضُوءِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَصَبَّ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ فَمَعْنَاهُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ مَوْضِعِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ وَانْتِقَالِهِ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَصَبَّ عَلَيْهِ فِي وُضُوئِهِ وَأَمَّا رِوَايَةُ حَتَّى فَرَغَ فلعل معناها فَصَبَّ عَلَيْهِ فِي وُضُوئِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْوُضُوءِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْحَاجَةِ الْوُضُوءَ وَقَدْ جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مُبَيَّنًا أَنَّ صَبَّهُ عَلَيْهِ كَانَ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِعَانَةِ فِي الْوُضُوءِ وَقَدْ ثَبَتَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَبَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وُضُوئِهِ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ عَرَفَةَ وَقَدْ جَاءَ فِي أَحَادِيثَ لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ النَّهْيُ عَنْ الِاسْتِعَانَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا الِاسْتِعَانَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ فِي إِحْضَارِ الْمَاءِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ

وَلَا نَقْصَ وَالثَّانِي أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ وَيُبَاشِرَ الْأَجْنَبِيُّ بِنَفْسِهِ غَسْلَ الْأَعْضَاءِ فَهَذَا مَكْرُوهٌ إِلَّا لِحَاجَةٍ وَالثَّالِثُ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ فَهَذَا الْأَوْلَى تَرْكُهُ وَهَلْ يُسَمَّى مَكْرُوهًا فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَإِذَا صَبَّ عَلَيْهِ وَقَفَ الصَّابُّ عَلَى يَسَارِ الْمُتَوَضِّئِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ) فِيهِ جَوَازُ مِثْلِ هَذَا لِلْحَاجَةِ وَفِي الْخَلْوَةِ وَأَمَّا بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْبَغِي أَلَّا يَفْعَلَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ لان فيه اخلالا بالمرؤة قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نمير حدثنا أبى حدثنا زكريا

عَنْ عَامِرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ لَا يَجُوزُ إِلَّا إِذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ بِأَنْ يُفْرِغَ مِنَ الْوُضُوءِ بِكَمَالِهِ ثُمَّ يَلْبَسُهُمَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ إِدْخَالِهِمَا طَاهِرَتَيْنِ أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أُدْخِلَتْ وَهِيَ طَاهِرَةٌ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لُبْسُهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ حَتَّى لَوْ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثُمَّ لَبِسَ خُفَّهَا وَغَسَلَ الْيُسْرَى ثُمَّ لَبِسَ خُفَّهَا لَمْ يَصِحَّ لُبْسُ الْيُمْنَى فَلَا بُدَّ مِنْ نَزْعِهَا وَإِعَادَةِ لُبْسِهَا وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى نَزْعِ الْيُسْرَى لِكَوْنِهَا أُلْبِسَتْ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ وَشَذَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَأَوْجَبَ نَزْعَ الْيُسْرَى أَيْضًا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِي اللُّبْسِ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ وَالْمُزَنِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ يَجُوزُ اللُّبْسُ عَلَى حَدَثٍ ثُمَّ يُكْمِلُ طَهَارَتَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ) قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ هَكَذَا رُوِيَ لَنَا عَنْ مُسْلِمٍ إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّعْبِيِّ أَحَدٌ وَذَكَرَ أَبُو مَسْعُودٍ أَنَّ مُسْلِمَ بْنَ الحجاج خرجه عن بن حَاتِمٍ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَهَكَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْجَوْرَقِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي زَائِدَةَ قَدْ سَمِعَ من الشعبي وأنه كان يبعث بن أَبِي السَّفَرِ وَزَكَرِيَّا إِلَى الشَّعْبِيِّ يَسْأَلَانِهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ أَبِي عَلِيٍّ قُلْتُ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ خَلَفٌ الْوَاسِطِيُّ فِي أَطْرَافِهِ أن مسلما رواه عن بن حَاتِمٍ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ كَمَا

هو في الأصول ولم يذكر بن أَبِي السَّفَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا يزيد يعنى بن زُرَيْعٍ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الدمشقي) هكذا يقول مسلم في حديث بن بَزِيعٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَخَالَفَهُ النَّاسُ فَقَالُوا فِيهِ حَمْزَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بَدَلَ عُرْوَةَ وَأَمَّا أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ فَنَسَبَ الْوَهَمَ فِيهِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ لَا إِلَى مُسْلِمٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْغَسَّانِيِّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ حَمْزَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا عُرْوَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ وَحَمْزَةُ وَعُرْوَةُ ابْنَانِ لِلْمُغِيرَةِ وَالْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ عَنْهُمَا جَمِيعًا لَكِنَّ رِوَايَةَ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُزَنِيِّ إِنَّمَا هِيَ عَنْ حمزة بن المغيرة وعن بن الْمُغِيرَةِ غَيْرُ مُسَمًّى وَلَا يَقُولُ بَكْرٌ عُرْوَةُ وَمَنْ قَالَ عُرْوَةُ عَنْهُ فَقَدْ وَهِمَ وَكَذَلِكَ اخْتُلِفَ عَنْ بَكْرٍ فَرَوَاهُ مُعْتَمِرٌ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ عَنْهُ عَنْ بَكْرٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ بن الْمُغِيرَةِ وَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ التَّيْمِيِّ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا مُسْلِمٌ وَقَالَ غَيْرُهُمْ عَنْ بَكْرٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَهُوَ وَهَمٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَأَتَيْتُهُ بِمِطْهَرَةِ) قَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّ فِيهَا لُغَتَيْنِ فَتْحَ الْمِيمِ وَكَسْرَهَا وَأَنَّهَا الْإِنَاءُ الَّذِي يُتَطَهَّرُ مِنْهُ قَوْلُهُ (ثُمَّ ذَهَبَ يَحْسِرُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ

وَكَسْرِ السِّينِ أَيْ يَكْشِفُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ) هَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ مَسْحَ بَعْضِ الرَّأْسِ يَكْفِي وَلَا يُشْتَرَطُ الْجَمِيعُ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْجَمِيعُ لَمَا اكْتَفَى بِالْعِمَامَةِ عَنِ الْبَاقِي فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ مَسَحَ عَلَى خُفٍّ وَاحِدٍ وَغَسَلَ الرِّجْلَ الْأُخْرَى وَأَمَّا التَّتْمِيمُ بِالْعِمَامَةِ فَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِتَكُونَ الطَّهَارَةُ عَلَى جَمِيعِ الرَّأْسِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لُبْسُ الْعِمَامَةِ عَلَى طُهْرٍ أَوْ عَلَى حَدَثٍ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ قَلَنْسُوَةٌ وَلَمْ يَنْزِعْهَا مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُتِمَّ عَلَى الْقَلَنْسُوَةِ كَالْعِمَامَةِ وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَلَمْ يَمْسَحْ شَيْئًا مِنَ الرَّأْسِ لَمْ يجزه ذلك عندنا بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى جَوَازِ الِاقْتِصَارِ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَاللَّهُ أعلم والناصية هِيَ مُقَدَّمُ الرَّأْسِ قَوْلُهُ (فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَوْمِ وَقَدْ قَامُوا فِي الصَّلَاةِ يُصَلِّي بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَقَدْ رَكَعَ رَكْعَةً بِهِمْ فَلَمَّا أَحَسَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ فَصَلَّى بِهِمْ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُمْتُ فَرَكَعْنَا الرَّكْعَةَ الَّتِي سَبَقَتْنَا) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِيهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا جَوَازُ اقْتِدَاءِ الْفَاضِلِ بِالْمَفْضُولِ وَجَوَازُ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ بَعْضِ أُمَّتِهِ وَمِنْهَا أَنَّ الْأَفْضَلَ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُمْ فَعَلُوهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ وَلَمْ يَنْتَظِرُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهَا أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا تَأَخَّرَ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ اسْتُحِبَّ لِلْجَمَاعَةِ أَنْ يُقَدِّمُوا أَحَدَهُمْ فَيُصَلِّي بِهِمْ إِذَا وَثِقُوا بِحُسْنِ خُلُقِ الْإِمَامِ وَأَنَّهُ لَا يَتَأَذَّى مِنْ ذلك ولا يترتب عليه فتنة فاما إذا لَمْ يَأْمَنُوا أَذَاهُ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فُرَادَى ثُمَّ إِنْ أَدْرَكُوا الْجَمَاعَةَ بَعْدُ ذلك استحب

لَهُمْ إِعَادَتُهَا مَعَهُمْ وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ أَتَى بِمَا أَدْرَكَ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ أَتَى بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْهُ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ عَنِ الْمَسْبُوقِ إِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا وَمِنْهَا اتِّبَاعُ الْمَسْبُوقِ لِلْإِمَامِ فِي فِعْلِهِ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَجُلُوسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَوْضِعَ فِعْلِهِ لِلْمَأْمُومِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمَسْبُوقَ إِنَّمَا يُفَارِقُ الْإِمَامَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا بَقَاءُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي صَلَاتِهِ وَتَأَخُّرُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِيَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي قَضِيَّةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ قَدْ رَكَعَ رَكْعَةً فَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّقَدُّمَ لِئَلَّا يَخْتَلَّ تَرْتِيبُ صَلَاةِ الْقَوْمِ بِخِلَافِ قَضِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَرَكَعْنَا الرَّكْعَةَ الَّتِي سَبَقَتْنَا فَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْبَاءِ وَالْقَافِ وَبَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقُ سَاكِنَةٌ أَيْ وُجِدَتْ قَبْلَ حُضُورِنَا وَاللَّهُ أعلم قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَكْرٍ عن الحسن عن بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ) هَذَا الْإِسْنَادُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمْ أَبُو الْمُعْتَمِرِ سُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ وَبَكْرُ بْنُ عبد الله والحسن البصرى وبن الْمُغِيرَةِ وَاسْمُهُ حَمْزَةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَؤُلَاءِ التَّابِعِيُّونَ الأربعة بصريون الا بن الْمُغِيرَةِ فَإِنَّهُ كُوفِيٌّ قَوْلُهُ (قَالَ بَكْرٌ وَقَدْ سمعت من بن الْمُغِيرَةِ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ بِبِلَادِنَا سَمِعْتُ بِالتَّاءِ فِي آخِرِهِ وَلَيْسَ بَعْدَهَا هَاءٌ وَقَالَ الْقَاضِي هُوَ عِنْدَ جَمِيعِ شُيُوخِنَا سَمِعْتُهُ يَعْنِي بِالْهَاءِ فِي آخِرِهِ بَعْدَ التَّاءِ قال وكذا ذكره بن أَبِي خَيْثَمَةَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ

وَغَيْرُهُمَا قَالَ وَوَقَعَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَلَمْ أَرْوِهِ وقد سمعت من بن الْمُغِيرَةِ يَعْنِي بِحَذْفِ الْهَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ سَمَاعُهُ الْحَدِيثَ مِنْهُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ بِلَالٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ) يَعْنِي بِالْخِمَارِ الْعِمَامَةَ لِأَنَّهَا تُخَمِّرُ الرَّأْسَ أَيْ تُغَطِّيهِ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ بِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ وَفِي حَدِيثِ عِيسَى حَدَّثَنِي الْحَكَمُ حَدَّثَنِي بِلَالٌ) وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي الْأَخِيرِ مِنْ دَقِيقِ عِلْمِ الْإِسْنَادِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَفِي حَدِيثِ إِلَخْ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْأَعْمَشَ يَرْوِي عَنْهُ هُنَا اثْنَانِ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَعِيسَى بْنُ يونس فقال أَبُو مُعَاوِيَةَ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْحَكَمِ وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبِي لَيْلَى فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَكَمُ فَأَتَى بحدثنى بَدَلَ عَنْ وَلَا شَكَّ أَنَّ حَدَّثَنَا أَقْوَى لَا سِيَّمَا مِنَ الْأَعْمَشِ الَّذِي هُوَ مَعْرُوفٌ بِالتَّدْلِيسِ وَقَالَ أَيْضًا أَبُو مُعَاوِيَةَ فِي رِوَايَتِهِ عن الأعمش عن الحكم عن بن أبي ليلى عن بلال عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَقَالَ عِيسَى فِي روايته عن الأعمش حدثنى الحكم عن بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قال حدثنى بلال فأتى بحدثنى بِلَالٌ مَوْضِعَ عَنْ بِلَالٍ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِمَّا تَكَلَّمَ عَلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي طَرِيقِهِ وَالْخِلَافَ عَنِ الأعمش فيه

(باب التوقيت في المسح على الخفين)

وَأَنَّ بِلَالًا سَقَطَ مِنْهُ عِنْدَ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَاقْتَصَرَ عَلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَأَنَّ بَعْضَهُمْ عَكَسَهُ فَأَسْقَطَ كَعْبًا وَاقْتَصَرَ عَلَى بِلَالٍ وَأَنَّ بعضهم زاد البراء بين بلال وبن أَبِي لَيْلَى وَأَكْثَرُ مَنْ رَوَاهُ رَوَوْهُ كَمَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ بِلَالٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ التَّوْقِيتِ فِي المسح على الْخُفَّيْنِ) فِيهِ (عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْمُلَائِيُّ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ أَتَيْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَسْأَلُهَا عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَتْ عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَاسْأَلْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْحَكَمِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ عَنْ شُرَيْحٍ عَنْ عَائِشَةَ) أَمَّا أَسَانِيدُهُ فَالْمُلَائِيُّ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْمَدِّ كَانَ يَبِيعُ الْمُلَاءَ وَهُوَ نَوْعٌ

(باب جواز الصلوات كلها بوضوء واحد)

مِنَ الثِّيَابِ مَعْرُوفٌ الْوَاحِدَةُ مُلَاءَةٌ بِالْمَدِّ وَكَانَ مِنَ الْأَخْيَارِ وَعُتَيْبَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَبَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقُ ثُمَّ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ وَمُخَيْمِرَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَشُرَيْحٌ بالشين المعجمة وبالحاء وهانئ بهمزة آخره والأعمش وَالْحَكَمُ وَالْقَاسِمُ وَشُرَيْحٌ تَابِعِيُّونَ كُوفِيُّونَ وَأَمَّا أَحْكَامُهُ فَفِيهِ الْحُجَّةُ الْبَيِّنَةُ وَالدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ مُوَقَّتٌ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي السَّفَرِ وَبِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي الْحَضَرِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ يَمْسَحُ بِلَا تَوْقِيتٍ وَهُوَ قَوْلٌ قديم ضعيف عن الشافعي واحتجوا بحديث بن أَبِي عِمَارَةَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي تَرْكِ التَّوْقِيتِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَوْجُهُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْحَدِيثِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ ظَاهِرَةٌ وَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يَقُولُ بِهِ يُقَالُ الْأَصْلُ مَنْعُ الْمَسْحِ فِيمَا زَادَ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَكَثِيرِينَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ الْحَدَثِ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ لَا مِنْ حِينِ اللُّبْسِ وَلَا مِنْ حِينِ الْمَسْحِ ثُمَّ إِنَّ الْحَدَثَ عَامٌّ مخصوص بحديث صفوان بن غسال رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كُنَّا مُسَافِرِينَ أَوْ سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أيام وليالهن إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا أَجْنَبَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ فَلَوِ اغْتَسَلَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفِّ ارْتَفَعَتْ جَنَابَتُهُ وَجَازَتْ صَلَاتُهُ فَلَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ خَلْعِهِ وَلُبْسِهِ عَلَى طَهَارَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَنَجَّسَتْ رِجْلُهُ فِي الْخُفِّ فَغَسَلَهَا فِيهِ فَإِنَّ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ بَعْدَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْأَدَبِ مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ إِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُحَدِّثِ وَلِلْمُعَلِّمِ وَالْمُفْتِي إِذَا طُلِبَ مِنْهُ مَا يَعْلَمُهُ عِنْدَ أَجَلَّ مِنْهُ أَنْ يُرْشِدَ إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ قَالَ اسْأَلْ عَنْهُ فُلَانًا قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِي رَفْعِ هَذَا الْحَدِيثِ وَوَقْفِهِ عَلَى عَلِيٍّ قَالَ وَمَنْ رَفَعَهُ أَحْفَظُ وَأَضْبَطُ والله سبحانه وتعالى أعلم (بَابُ جَوَازِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ) فِيهِ (بريدة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الْفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَقَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ قَالَ عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ) فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْعِلْمِ مِنْهَا جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ وَجَوَازُ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَالنَّوَافِلِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ مَا لَمْ يُحْدِثْ وَهَذَا جَائِزٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ وَحَكَى أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ قَالُوا يَجِبُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فاغسلوا وجوهكم الْآيَةَ وَمَا أَظُنُّ هَذَا الْمَذْهَبَ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا اسْتِحْبَابَ تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ وَحَدِيثُ أَنَسٍ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَكَانَ أَحَدُنَا يَكْفِيهِ الْوُضُوءُ مَا لَمْ يُحْدِثْ وَحَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ أَكْلَ سَوِيقًا ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَفِي مَعْنَاهُ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ كَحَدِيثِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَسَائِرِ الْأَسْفَارِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَاتِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَأَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَالْمُرَادُ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِذَا قُمْتُمْ مُحْدِثِينَ وَقِيلَ إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ يَتَطَهَّرَ ثَانِيًا مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ وَفِي شَرْطِ اسْتِحْبَابِ التَّجْدِيدِ أَوْجُهٌ أَحَدُهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ صَلَّى بِهِ صَلَاةً سَوَاءٌ كَانَتْ فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً وَالثَّانِي لَا يُسْتَحَبُّ إِلَّا لِمَنْ صَلَّى فَرِيضَةً وَالثَّالِثُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ فَعَلَ بِهِ مَا لَا يَجُوزُ إِلَّا بِطَهَارَةٍ كَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالرَّابِعُ يُسْتَحَبُّ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا أَصْلًا بِشَرْطِ أَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَ التَّجْدِيدِ وَالْوُضُوءِ زَمَنٌ يَقَعُ بِمِثْلِهِ تَفْرِيقٌ وَلَا يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُ الْغُسْلِ عَلَى الْمَذْهَبِ

(باب كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك في

الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَحَكَى إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَفِي اسْتِحْبَابِ تَجْدِيدِ التَّيَمُّمِ وَجْهَانِ أَشْهَرُهُمَا لَا يُسْتَحَبُّ وَصُورَتُهُ فِي الْجَرِيحِ وَالْمَرِيضِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ يَتَيَمَّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ وَيُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِهِ إِذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ الطَّلَبُ لِمَنْ تَيَمَّمَ ثَانِيًا فِي مَوْضِعِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ فَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَمَلًا بِالْأَفْضَلِ وَصَلَّى الصَّلَوَاتِ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ بَيَانًا لِلْجَوَازِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ سُؤَالِ الْمَفْضُولِ الْفَاضِلَ عَنْ بَعْضِ أَعْمَالِهِ الَّتِي فِي ظَاهِرِهَا مُخَالَفَةٌ لِلْعَادَةِ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ عَنْ نِسْيَانٍ فَيَرْجِعُ عَنْهَا وَقَدْ تَكُونُ تَعَمُّدًا لِمَعْنًى خَفِيَ عَلَى الْمَفْضُولِ فَيَسْتَفِيدُهُ وَاللَّهُ أعلم وأما اسناد الباب ففيه بن نُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ وَفِي الطَّرِيقِ الْآخَرِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ إِنَّمَا فَعَلَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا وَأَعَادَ ذِكْرَ سُفْيَانَ وَعَلْقَمَةَ لِفَوَائِدَ مِنْهَا أَنَّ سُفْيَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْمُدَلِّسِينَ وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْمُدَلِّسُ لَا يُحْتَجُّ بِعَنْعَنَتِهِ بِالِاتِّفَاقِ إِلَّا إِنْ ثَبَتَ سَمَاعُهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ فَذَكَرَ مُسْلِمٌ الطَّرِيقَ الثَّانِيَ الْمُصَرِّحَ بِسَمَاعِ سُفْيَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ فَقَالَ حَدَّثَنِي علقمة والفائدة الأخرى أن بن نُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ عَنْ سُفْيَانَ فَلَمْ يَسْتَجِزْ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الرِّوَايَةَ عَنْ الِاثْنَيْنِ بِصِيغَةِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّ حَدَّثَنَا مُتَّفَقٌ عَلَى حَمْلِهِ عَلَى الِاتِّصَالِ وعن مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمُقَدِّمَةِ (باب كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك فِي نَجَاسَتِهَا فِي الْإِنَاءِ) (قَبْلَ غَسْلِهَا ثَلَاثًا) فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا

فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ كَانُوا يَسْتَنْجَوْنَ بِالْأَحْجَارِ وَبِلَادُهُمْ حَارَّةٌ فَإِذَا نَامَ أَحَدُهُمْ عَرِقَ فَلَا يَأْمَنُ النَّائِمُ أَنْ يُطَوِّفَ يَدَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ النَّجِسِ أَوْ عَلَى بَثْرَةٍ أَوْ قَمْلَةٍ أَوْ قَذَرٍ غَيْرِ ذَلِكَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَسَائِلَ كَثِيرَةٍ فِي مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ مِنْهَا أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ إِذَا وَرَدَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ نَجَّسَتْهُ وَإِنْ قَلَّتْ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ فَإِنَّهَا تُنَجِّسُهُ لِأَنَّ الَّذِي تَعَلَّقَ بِالْيَدِ وَلَا يُرَى قَلِيلٌ جِدًّا وَكَانَتْ عَادَتُهُمُ اسْتِعْمَالَ الْأَوَانِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي تَقْصُرُ عَنْ قُلَّتَيْنِ بَلْ لَا تُقَارِبُهُمَا وَمِنْهَا الْفَرْقُ بَيْنَ وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَوُرُودِهَا عَلَيْهِ وَأَنَّهَا إِذَا وَرَدَتْ عَلَيْهِ نَجَّسَتْهُ وَإِذَا وَرَدَ عَلَيْهَا أَزَالَهَا وَمِنْهَا أَنَّ الْغَسْلَ سَبْعًا لَيْسَ عَامًّا فِي جَمِيعِ النَّجَاسَاتِ وَإِنَّمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ خَاصَّةً وَمِنْهَا أَنَّ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ لَا يَطْهُرُ بِالْأَحْجَارِ بَلْ يَبْقَى نَجِسًا مَعْفُوًّا عَنْهُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ غَسْلِ النَّجَاسَةِ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ إِذَا أَمَرَ بِهِ فِي الْمُتَوَهَّمَةِ فَفِي الْمُحَقَّقَةِ أَوْلَى وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ الْغَسْلِ ثَلَاثًا فِي الْمُتَوَهَّمَةِ وَمِنْهَا أَنَّ النَّجَاسَةَ الْمُتَوَهَّمَةَ يُسْتَحَبُّ فِيهَا الْغَسْلُ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الرَّشُّ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حَتَّى يَغْسِلَهَا وَلَمْ يَقُلْ حَتَّى يَغْسِلَهَا أَوْ يَرُشَّهَا وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ الْأَخْذِ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّ الِاحْتِيَاطِ إِلَى حَدِّ الْوَسْوَسَةِ وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَ الِاحْتِيَاطِ وَالْوَسْوَسَةِ كَلَامٌ طَوِيلٌ أَوْضَحْتُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ

اسْتِعْمَالِ أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ فِيمَا يُتَحَاشَى مِنَ التَّصْرِيحِ بِهِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ وَلَمْ يَقُلْ فَلَعَلَّ يَدَهُ وَقَعَتْ عَلَى دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ أَوْ نَجَاسَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَهَذَا إِذَا عَلِمَ أَنَّ السَّامِعَ يَفْهَمُ بِالْكِنَايَةِ الْمَقْصُودَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّصْرِيحِ لِيَنْفِيَ اللَّبْسَ وَالْوُقُوعَ فِي خلاف المطلوب وعلى هذا يُحْمَلُ مَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَذِهِ فَوَائِدُ مِنَ الْحَدِيثِ غَيْرُ الْفَائِدَةِ الْمَقْصُودَةِ هُنَا وَهِيَ النَّهْيُ عَنْ غَمْسِ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهَا وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنَّ الْجَمَاهِيرَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ فَلَوْ خَالَفَ وَغَمَسَ لَمْ يَفْسُدِ الْمَاءُ وَلَمْ يَأْثَمِ الْغَامِسُ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَنْجُسُ إِنْ كَانَ قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ وَحَكَوْهُ أَيْضًا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَاءِ وَالْيَدِ الطَّهَارَةُ فَلَا يَنْجُسُ بِالشَّكِّ وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى هَذَا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الظَّاهِرُ فِي الْيَدِ النَّجَاسَةُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَمَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ ثُمَّ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِالْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ بَلِ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الشَّكُّ فِي نَجَاسَةِ الْيَدِ فَمَتَى شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا كُرِهَ لَهُ غَمْسُهَا فِي الاناء قبل غسلها سواء قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ أَوِ النَّهَارِ أَوْ شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا مِنْ غَيْرِ نَوْمٍ وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رِوَايَةً أَنَّهُ إِنْ قام

مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ كُرِهَ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ وَإِنْ قَامَ مِنْ نَوْمِ النَّهَارِ كُرِهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ دَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ اعْتِمَادًا عَلَى لَفْظِ الْمَبِيتِ فِي الْحَدِيثِ وَهَذَا مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ جِدًّا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبَّهَ عَلَى الْعِلَّةِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَأْمَنُ النَّجَاسَةَ عَلَى يَدِهِ وَهَذَا عَامٌّ لِوُجُودِ احْتِمَالِ النَّجَاسَةِ فِي نَوْمِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَفِي الْيَقَظَةِ وَذَكَرَ اللَّيْلَ أَوَّلًا لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهِ خَوْفًا مِنْ تَوَهُّمِ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِهِ بَلْ ذَكَرَ الْعِلَّةَ بَعْدَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا كُلُّهُ إِذَا شَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْيَدِ أَمَّا إِذَا تَيَقَّنَ طَهَارَتَهَا وَأَرَادَ غَمْسَهَا قَبْلَ غَسْلِهَا فَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا حُكْمُهُ حُكْمُ الشَّكِّ لِأَنَّ أَسْبَابَ النَّجَاسَةِ قَدْ تَخْفَى فِي حَقِّ مُعْظَمِ النَّاسِ فَسَدَّ الْبَابَ لِئَلَّا يَتَسَاهَلَ فِيهِ مَنْ لَا يَعْرِفُ وَالْأَصَحُّ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ بَلْ هُوَ فِي خِيَارٍ بَيْنَ الْغَمْسِ أَوَّلًا وَالْغَسْلِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ النَّوْمَ وَنَبَّهَ عَلَى الْعِلَّةِ وَهِيَ الشَّكُّ فَإِذَا انْتَفَتِ الْعِلَّةُ انْتَفَتِ الْكَرَاهَةُ وَلَوْ كَانَ النَّهْيُ عَامًّا لَقَالَ إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمُ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ حَتَّى يَغْسِلَهَا وَكَانَ أَعَمَّ وَأَحْسَنَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ فِي اناء كبير أوصخرة بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الصَّبُّ مِنْهُ وَلَيْسَ مَعَهُ إِنَاءٌ صَغِيرٌ يَغْتَرِفُ بِهِ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِفَمِهِ ثُمَّ يَغْسِلَ بِهِ كَفَّيْهِ أَوْ يَأْخُذَ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ النَّظِيفِ أَوْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَسَانِيدُ الْبَابِ فَفِيهِ الْجَهْضَمِيُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ وَفِيهِ حَامِدُ بْنُ

(باب حكم ولوغ الكلب)

عُمَرَ الْبَكْرَاوِيُّ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَهُوَ حَامِدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ نُفَيْعِ بْنِ الْحَارِثِ الصَّحَابِيِّ فَنَسَبُ حَامِدٍ إِلَى جَدِّهِ وَفِيهِ أَبُو رَزِينٍ اسْمُهُ مَسْعُودُ بْنُ مَالِكٍ الْكُوفِيُّ كَانَ عَالِمًا فِيهَا وَهُوَ مَوْلَى أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ وَفِيهِ قَوْلُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي حَدِيثِ وَكِيعٍ يَرْفَعُهُ وَهَذَا الَّذِي فَعَلَهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ احْتِيَاطِهِ وَدَقِيقِ نَظَرِهِ وَغَزِيرِ عِلْمِهِ وَثُبُوتِ فَهْمِهِ فَإِنَّ أَبَا مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعًا اخْتَلَفَتْ رِوَايَتُهُمَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال الآخر عن أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ وَهَذَا بِمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْفُصُولِ وَلَكِنْ أَرَادَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَلَّا يَرْوِيَ بِالْمَعْنَى فَإِنَّ الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى حَرَامٌ عِنْدَ جَمَاعَاتٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَجَائِزَةٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ إِلَّا أَنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ مَعْقِلٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ هُوَ مَعْقِلٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ القاف وأبو الزُّبَيْرِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي مَوَاضِعَ وَفِيهِ الْمُغِيرَةُ الْحِزَامِيُّ بِالزَّايِ وَالْمُغِيرَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيُقَالُ بِكَسْرِهَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا فِي الْمُقَدِّمَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ حُكْمِ وُلُوغِ الْكَلْبِ) فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ) وفى

الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ثُمَّ قَالَ مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَكَلْبِ الْغَنَمِ وَقَالَ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ) وَفِي رِوَايَةٍ (وَرَخَّصَ فِي كَلْبِ الْغَنَمِ وَالصَّيْدِ وَالزَّرْعِ) أَمَّا أَسَانِيدُ الباب ولغاته

فَفِيهِ أَبُو رَزِينٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَفِيهِ وَلَغَ الْكَلْبُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ يَلَغُ بِفَتْحِ اللام فيهما ولوغا إذا شَرِبَ بِطَرَفِ لِسَانِهِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ يُقَالُ وَلَغَ الْكَلْبُ بِشَرَابِنَا وَفِي شَرَابِنَا وَمِنْ شَرَابِنَا وَفِيهِ طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ الْأَشْهَرُ فِيهِ ضَمُّ الطَّاءِ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا لُغَتَانِ تَقَدَّمَتَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوُضُوءِ وَفِيهِ قَوْلُهُ فِي صَحِيفَةِ هَمَّامٍ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهَا بَيَانُ فَائِدَةِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَفِيهِ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ وَلَيْسَ ذَكَرَ الزَّرْعَ فِي الرواية غير يحيى هكذا هو فِي الْأُصُولِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَذَكَرَ بِفَتْحِ الذَّالِ وَالْكَافِ وَالزَّرْعَ مَنْصُوبٌ وَغَيْرُ مَرْفُوعٌ مَعْنَاهُ لَمْ يذكر هذه الرواية الا يحيى وفيه أبوالتياح بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَبَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ تَحْتُ مُشَدَّدَةٌ وَآخِرُهُ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ وَاسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ الضُّبَعِيُّ الْبَصْرِيُّ الْعَبْدُ الصَّالِحُ قَالَ شُعْبَةُ كُنَّا نُكَنِّيهِ بِأَبِي حَمَّادٍ قَالَ وَبَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يكنى بأبى التياح وهو غلام وفيه بن الْمُغَفَّلِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغَفَّلِ الْمُزَنِيُّ وَقَوْلُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ سَمِعَ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْمُغَفَّلِ قَالَ مُسْلِمٌ وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ قال حدثنا خالد يعنى بن الْحَارِثِ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ بِمِثْلِهِ هَذِهِ الْأَسَانِيدُ مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الطُّرُقِ رِجَالُهَا بَصْرِيُّونَ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَرَّاتٍ أَنَّ شُعْبَةَ وَاسِطِيٌّ ثُمَّ بَصْرِيٌّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ هُوَ الْقَطَّانُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا أَحْكَامُ الْبَابِ فَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِمَّنْ يَقُولُ بِنَجَاسَةِ الْكَلْبِ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تَكُونُ عَنْ حَدَثٍ أَوْ نَجَسٍ وَلَيْسَ هُنَا حَدَثٌ فَتَعَيَّنَ النَّجَسُ فَإِنْ قِيلَ الْمُرَادُ الطَّهَارَةُ اللُّغَوِيَّةُ فَالْجَوَابُ أَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ مُقَدَّمٌ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ وَفِيهِ أَيْضًا نَجَاسَةُ مَا وَلَغَ فِيهِ وَأَنَّهُ إِنْ كَانَ طَعَامًا مَائِعًا حَرُمَ أَكْلُهُ لِأَنَّ إِرَاقَتَهُ إِضَاعَةٌ لَهُ فَلَوْ كَانَ طَاهِرًا لَمْ يَأْمُرْنَا بِإِرَاقَتِهِ بَلْ قَدْ نُهِينَا عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ أَنَّهُ يَنْجُسُ مَا وَلَغَ فِيهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَلْبِ الْمَأْذُونِ فِي اقْتِنَائِهِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ كَلْبِ الْبَدَوِيِّ وَالْحَضَرِيِّ لِعُمُومِ اللَّفْظِ وَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ طَهَارَتُهُ وَنَجَاسَتُهُ وَطَهَارَةُ سُؤْرِ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ وَالرَّابِعُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ الْمَالِكِيِّ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْبَدَوِيِّ وَالْحَضَرِيِّ وَفِيهِ الْأَمْرُ بِإِرَاقَتِهِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَلَكِنْ هَلِ الْإِرَاقَةُ وَاجِبَةٌ

لِعَيْنِهَا أَمْ لَا تَجِبُ إِلَّا إِذَا أَرَادَ اسْتِعْمَالَ الْإِنَاءِ أَرَاقَهُ فِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَ أَكْثَرُ أصحابنا الْإِرَاقَةَ لَا تَجِبُ لِعَيْنِهَا بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ فَإِنْ أَرَادَ اسْتِعْمَالَ الْإِنَاءِ أَرَاقَهُ وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ وَلَوْ لَمْ يُرِدِ اسْتِعْمَالَهُ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الْحَاوِي وَيَحْتَجُّ لَهُ بِمُطْلَقِ الْأَمْرِ وَهُوَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَيُحْتَجُّ لِلْأَوَّلِ بِالْقِيَاسِ عَلَى بَاقِي الْمِيَاهِ النَّجِسَةِ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ إِرَاقَتُهَا بِلَا خِلَافٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي مَسْأَلَةِ الْوُلُوغِ الزَّجْرُ وَالتَّغْلِيظُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْفِيرِ عَنِ الْكِلَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ وُجُوبُ غَسْلِ نَجَاسَةِ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجَمَاهِيرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَكْفِي غَسْلُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَفِي رِوَايَةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَاهُنَّ أَوْ أُولَاهُنَّ وَفِي رِوَايَةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ وَفِي رِوَايَةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْأُولَى وَبِغَيْرِهَا لَيْسَ عَلَى الِاشْتِرَاطِ بَلِ الْمُرَادُ إِحْدَاهُنَّ وَأَمَّا رِوَايَةُ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ اغْسِلُوهُ سَبْعًا وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ بِالتُّرَابِ مَعَ الْمَاءِ فَكَأَنَّ التُّرَابَ قَائِمٌ مَقَامَ غَسْلَةٍ فَسُمِّيَتْ ثَامِنَةً لِهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَجْزَائِهِ فَإِذَا أَصَابَ بَوْلُهُ أَوْ رَوْثُهُ أَوْ دَمُهُ أَوْ عَرَقُهُ أَوْ شَعْرُهُ أَوْ لُعَابُهُ أَوْ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهِ شَيْئًا طَاهِرًا فِي حَالِ رُطُوبَةِ أَحَدِهِمَا وَجَبَ غَسْلُهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَلَوْ وَلَغَ كَلْبَانِ أَوْ كَلْبٌ وَاحِدٌ مَرَّاتٍ فِي إِنَاءٍ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفِيهِ لِلْجَمِيعِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَالثَّانِي يَجِبُ لِكُلِّ وَلْغَةٍ سَبْعٌ وَالثَّالِثُ يَكْفِي لِوَلَغَاتِ الْكَلْبِ الْوَاحِدِ سَبْعٌ وَيَجِبُ لِكُلِّ كَلْبٍ سَبْعٌ وَلَوْ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ أُخْرَى فِي الْإِنَاءِ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ كَفَى عَنِ الْجَمِيعِ سَبْعٌ وَلَا تَقُومُ الْغَسْلَةُ الثَّامِنَةُ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ وَلَا غَمْسُ الْإِنَاءِ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ وَمُكْثُهُ فِيهِ قَدْرَ سَبْعِ غَسَلَاتٍ مَقَامَ التُّرَابِ عَلَى الأصح وقيل يقوم ولا يَقُومُ الصَّابُونُ وَالْأُشْنَانُ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مَقَامَ التُّرَابِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وُجُودِ التُّرَابِ وَعَدَمِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَحْصُلُ الْغَسْلُ بِالتُّرَابِ النَّجِسِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ كَانَتْ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ دَمَهُ أَوْ رَوْثَهُ فَلَمْ يَزُلْ عَيْنُهُ إِلَّا بست غسلات مثلا فهل يحسب ذلك ست غَسَلَاتٍ أَمْ غَسْلَةً وَاحِدَةً أَمْ لَا يُحْسَبُ مِنَ السَّبْعِ أَصْلًا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا وَاحِدَةٌ وَأَمَّا الْخِنْزِيرُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْكَلْبِ فِي هَذَا كُلِّهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْخِنْزِيرَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى غَسْلِهِ سَبْعًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ

وَهُوَ قَوِيٌّ فِي الدَّلِيلِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَعْنَى الْغَسْلِ بِالتُّرَابِ أَنْ يُخْلَطَ التُّرَابُ فِي الْمَاءِ حَتَّى يَتَكَدَّرَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُطْرَحَ الْمَاءُ عَلَى التُّرَابِ أَوِ التُّرَابُ عَلَى الْمَاءِ أَوْ يَأْخُذَ الْمَاءَ الْكَدِرَ مِنْ مَوْضِعٍ فَيَغْسِلُ بِهِ فَأَمَّا مَسْحُ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ بِالتُّرَابِ فَلَا يجزى ولا يجب إِدْخَالُ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ بَلْ يَكْفِي أَنْ يُلْقِيهِ فِي الْإِنَاءِ وَيُحَرِّكَهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ التُّرَابُ فِي غَيْرِ الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ لِيَأْتِيَ عَلَيْهِ مَا يُنَظِّفُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأُولَى وَلَوْ وَلَغَ الْكَلْبُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ بِحَيْثُ لَمْ يَنْقُصْ وَلُوغُهُ عَنْ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ وَلَوْ وَلَغَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ طَعَامٍ فَأَصَابَ ذَلِكَ الْمَاءُ أَوِ الطَّعَامُ ثَوْبًا أَوْ بَدَنًا أَوْ إِنَاءً آخَرَ وَجَبَ غَسْلُهُ سَبْعًا إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَلَوْ وَلَغَ فِي إِنَاءٍ فِيهِ طَعَامٌ جَامِدٌ أُلْقِي مَا أَصَابَهُ وَمَا حَوْلَهُ وَانْتُفِعَ بِالْبَاقِي عَلَى طَهَارَتِهِ السَّابِقَةِ كَمَا فِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ الْجَامِدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ثُمَّ قَالَ مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَكَلْبِ الْغَنَمِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَكَلْبِ الزَّرْعِ فَهَذَا نَهْيٌ عَنِ اقْتِنَائِهَا وَقَدِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ مِثْلُ أَنْ يَقْتَنِي كَلْبًا إِعْجَابًا بِصُورَتِهِ أَوْ لِلْمُفَاخَرَةِ بِهِ فَهَذَا حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الْحَاجَةُ الَّتِي يَجُوزُ الِاقْتِنَاءُ لَهَا فَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ بِالتَّرْخِيصِ لِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَهِيَ الزَّرْعُ وَالْمَاشِيَةُ وَالصَّيْدُ وَهَذَا جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اقْتِنَائِهِ لِحِرَاسَةِ الدُّورِ وَالدُّرُوبِ وَفِي اقْتِنَاءِ الْجَرْوِ لِيُعَلَّمَ فَمِنْهُمْ مَنْ حَرَّمَهُ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاحَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهَا وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِيمَنِ اقْتَنَى كَلْبَ صَيْدٍ وَهُوَ رَجُلٌ لَا يَصِيدُ وَاللَّهُ أعلم وأما الأمر بقتل الكلاب فَقَالَ أَصْحَابُنَا إِنْ كَانَ الْكَلْبُ عَقُورًا قُتِلَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَقُورًا لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ مِنَ الْمَنَافِعِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْمَعَالِي إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَمْرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ مَنْسُوخٌ قَالَ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ مَرَّةً ثُمَّ صَحَّ أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَتْلِهَا قَالَ وَاسْتَقَرَّ الشَّرْعُ عَلَيْهِ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَالَ وَأَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ وَكَانَ هَذَا فِي الِابْتِدَاءِ وَهُوَ الْآنَ مَنْسُوخٌ هَذَا كَلَامُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَلَا مَزِيدَ عَلَى تَحْقِيقِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

باب النهي عن البول في الماء الراكد

(باب النهي عن البول في الماء الراكد) فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ) وفي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (لَا يَبُلْ فِي الماء الدائم الذي لايجرى ثم يغتسل منه) وفي الرواية الأخرى (نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ) الرِّوَايَةُ يَغْتَسِلُ مَرْفُوعٌ أَيْ لَا تَبُلْ ثُمَّ أَنْتَ تَغْتَسِلُ مِنْهُ وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا جَزْمُهُ عَطْفًا عَلَى مَوْضِعِ يَبُولَنَّ وَنَصْبُهُ بِإِضْمَارِ أَنْ وَإِعْطَاءِ ثُمَّ حُكْمَ وَاوِ الْجَمْعِ فَأَمَّا الْجَزْمُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا النَّصْبُ فَلَا يَجُوزُ لأنه يقتضى أن المنهى عنه الجمع بيهما دون افراد أحدهنا وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ بَلِ الْبَوْلُ فِيهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ سَوَاءٌ أَرَادَ الِاغْتِسَالَ فِيهِ أَوْ مِنْهُ أَمْ لَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الدَّائِمُ فَهُوَ الرَّاكِدُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَا يَجْرِي تَفْسِيرٌ لِلدَّائِمِ وَإِيضَاحٌ لِمَعْنَاهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ رَاكِدٍ لَا يَجْرِي بَعْضُهُ كَالْبِرَكِ وَنَحْوِهَا وَهَذَا النَّهْيُ فِي بَعْضِ الْمِيَاهِ لِلتَّحْرِيمِ وَفِي بَعْضِهَا لِلْكَرَاهَةِ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا جَارِيًا لَمْ يَحْرُمِ الْبَوْلُ فِيهِ لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا جَارِيًا فَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَحْرُمُ لِأَنَّهُ يُقَذِّرُهُ وَيُنَجِّسُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَيَغُرُّ غَيْرَهُ فَيَسْتَعْمِلُهُ مَعَ أَنَّهُ نَجِسٌ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا رَاكِدًا فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ وَلَوْ قِيلَ يَحْرُمُ

(باب النهي عن الاغتسال في الماء الراكد)

لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا فَإِنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ على المختار عند المحقيقين وَالْأَكْثَرِينَ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ وَفِيهِ مِنَ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُقَذِّرُهُ وَرُبَّمَا أَدَّى إِلَى تَنْجِيسِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِتَغَيُّرِهِ أَوْ إِلَى تَنْجِيسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي أَنَّ الْغَدِيرَ الَّذِي يَتَحَرَّكُ بِتَحَرُّكِ طَرَفِهِ الْآخَرِ يَنْجُسُ بِوُقُوعِ نَجَسٍ فِيهِ وَأَمَّا الرَّاكِدُ الْقَلِيلُ فَقَدْ أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَالصَّوَابُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْبَوْلُ فِيهِ لِأَنَّهُ يُنَجِّسُهُ وَيُتْلِفُ مَالِيَّتَهُ وَيَغُرُّ غَيْرَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالتَّغَوُّطُ فِي الْمَاءِ كَالْبَوْلِ فِيهِ وَأَقْبَحُ وَكَذَلِكَ إِذَا بَالَ فِي إِنَاءٍ ثُمَّ صَبَّهُ فِي الْمَاءِ وَكَذَا إِذَا بَالَ بِقُرْبِ النَّهَرِ بِحَيْثُ يَجْرِي إِلَيْهِ الْبَوْلُ فَكُلُّهُ مَذْمُومٌ قبيح مَنْهِيٌّ عَنْهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيِّ أَنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بِبَوْلِ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ وَأَنَّ الْغَائِطَ لَيْسَ كَالْبَوْلِ وَكَذَا إِذَا بَالَ فِي إِنَاءٍ ثُمَّ صَبَّهُ فِي الْمَاءِ أَوْ بَالَ بِقُرْبِ الْمَاءِ وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ خِلَافَ إِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَقْبَحُ مَا نُقِلَ عَنْهُ فِي الْجُمُودِ عَلَى الظَّاهِرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَيُكْرَهُ الْبَوْلُ وَالتَّغَوُّطُ بِقُرْبِ الْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ لِعُمُومِ نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبَرَازِ فِي الْمَوَارِدِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إِيذَاءِ الْمَارِّينَ بِالْمَاءِ وَلِمَا يُخَافُ مِنْ وُصُولِهِ إِلَى الْمَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا انْغِمَاسُ مَنْ لَمْ يَسْتَنْجِ فِي الْمَاءِ لِيَسْتَنْجِيَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا بِحَيْثُ يَنْجُسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ فَهُوَ حَرَامٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَلَطُّخِهِ بِالنَّجَاسَةِ وَتَنْجِيسِ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يَنْجُسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ جَارِيًا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ رَاكِدًا فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا تَظْهَرُ كَرَاهَتُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْبَوْلِ وَلَا يُقَارِبُهُ وَلَوِ اجْتَنَبَ الْإِنْسَانُ هَذَا كَانَ أَحْسَنَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب النَّهْيِ عَنِ الِاغْتِسَالِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ) فِيهِ (أَبُو السَّائِبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي

الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ فَقَالَ كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا) أَمَّا أَبُو السَّائِبِ فَلَا يُعْرَفُ اسْمُهُ وَأَمَّا أَحْكَامُ المسألة فقال العماء مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا وَكَذَا يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ فِي الْعَيْنِ الْجَارِيَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْبُوَيْطِيِّ أَكْرَهُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْبِئْرِ مَعِينَةٍ كَانَتْ أَوْ دَائِمَةٍ وَفِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ الَّذِي لَا يَجْرِي قَالَ الشَّافِعِيُّ وَسَوَاءٌ قَلِيلُ الرَّاكِدِ وَكَثِيرُهُ أَكْرَهُ الِاغْتِسَالَ فِيهِ هَذَا نَصُّهُ وَكَذَا صَرَّحَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ بِمَعْنَاهُ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ لَا التحريم واذا اغتسل فيه من الْجَنَابَةَ فَهَلْ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا فِيهِ تَفْصِيلٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا وَلَوِ اغْتَسَلَ فِيهِ جَمَاعَاتٌ فِي أَوْقَاتٍ مُتَكَرِّرَاتٍ وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَاءُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ فَإِنِ انْغَمَسَ فِيهِ الْجُنُبُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ ثُمَّ لَمَّا صَارَ تَحْتَ الْمَاءِ نَوَى ارْتَفَعَتْ جَنَابَتُهُ وَصَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَإِنْ نَزَلَ فِيهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ مَثَلًا ثُمَّ نَوَى قَبْلَ انْغِمَاسِ بَاقِيهِ صَارَ الْمَاءُ فِي الْحَالِ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِ وَارْتَفَعَتِ الجنابة عن ذلك القدر الْمُنْغَمِسِ بِلَا خِلَافٍ وَارْتَفَعَتْ أَيْضًا عَنِ الْقَدْرِ الْبَاقِي إِذَا تَمَّمَ انْغِمَاسَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ الْمَنْصُوصِ الْمَشْهُورِ لِأَنَّ الْمَاءَ إِنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُتَطَهِّرِ إِذَا انْفَصَلَ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِضْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ لَا يَرْتَفِعُ عَنْ بَاقِيهِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهَذَا إِذَا تَمَّمَ الِانْغِمَاسَ مِنْ غَيْرِ انْفِصَالِهِ فَلَوِ انْفَصَلَ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ لَمْ يُجْزِئْهُ مَا يَغْسِلهُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ وَلَوِ انْغَمَسَ رَجُلَانِ تَحْتَ الْمَاءِ النَّاقِصِ عَنْ قُلَّتَيْنِ إِنْ تَصَوَّرَا ثُمَّ نَوَيَا دَفْعَةً وَاحِدَةً ارْتَفَعَتْ جَنَابَتُهُمَا وَصَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا فَإِنْ نَوَى أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ ارْتَفَعَتْ جَنَابَةُ النَّاوِي وَصَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى رَفِيقِهِ فَلَا تَرْتَفِعُ جَنَابَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهَا تَرْتَفِعْ وَإِنْ نَزَلَا فِيهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِمَا فَنَوَيَا ارْتَفَعَتْ جَنَابَتُهُمَا عَنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَصَارَ مُسْتَعْمَلًا فَلَا تَرْتَفِعْ عَنْ بَاقِيهِمَا إِلَّا عَلَى الْوَجْهِ الشاذ والله أعلم

(باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في

(باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إِذَا حَصَلَتْ فِي الْمَسْجِدِ) (وَأَنَّ الْأَرْضَ تَطْهُرُ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى حَفْرِهَا) فِيهِ حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُزْرِمُوهُ فَلَمَّا فَرَغَ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهُ فَلَمَّا فَرَغَ أَمَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبٍ فَصُبَّ عَلَى بَوْلِهِ) الْأَعْرَابِيُّ هُوَ الَّذِي يَسْكُنُ الْبَادِيَةَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُزْرِمُوهُ هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ أَيْ لَا تَقْطَعُوا وَالْإِزْرَامُ الْقَطْعُ وَأَمَّا الدَّلْوُ ففيها لغتان التذكير والتأنيث والذنوب بفتح الذَّالِ وَضَمُّ النُّونِ وَهِيَ الدَّلْوُ الْمَمْلُوءَةُ مَاءً أَمَّا أَحْكَامُ الْبَابِ فَفِيهِ إِثْبَاتُ نَجَاسَةِ بَوْلِ الْآدَمِيِّ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ لَكِنَّ بَوْلَ الصَّغِيرِ يَكْفِي فِيهِ النَّضْحُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ احْتِرَامُ الْمَسْجِدِ وَتَنْزِيهِهِ عَنِ الْأَقْذَارِ وَفِيهِ أَنَّ الْأَرْضَ تَطْهُرُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا وَلَا يشترط حفرها

وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَطْهُرُ إِلَّا بِحَفْرِهَا وَفِيهِ أَنَّ غُسَالَةَ النَّجَاسَةِ طَاهِرَةٌ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَلِأَصْحَابِنَا فِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَالثَّانِي نَجِسَةٌ وَالثَّالِثُ إِنِ انْفَصَلَتْ وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ فَهِيَ طَاهِرَةٌ وَإِنِ انْفَصَلَتْ وَلَمْ يَطْهُرِ الْمَحَلُّ فَهِيَ نَجِسَةٌ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الصَّحِيحُ وَهَذَا الْخِلَافُ إِذَا انْفَصَلَتْ غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ أَمَّا إِذَا انْفَصَلَتْ مُتَغَيِّرَةً فَهِيَ نَجِسَةٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ تَغَيَّرَ طَعْمُهَا أَوْ لَوْنُهَا أَوْ رِيحُهَا وَسَوَاءٌ كَانَ التَّغَيُّرُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ الرِّفْقُ بِالْجَاهِلِ وَتَعْلِيمُهُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ غَيْرِ تَعْنِيفٍ وَلَا إِيذَاءٍ إِذَا لَمْ يَأْتِ بِالْمُخَالَفَةِ اسْتِخْفَافًا أَوْ عِنَادًا وَفِيهِ دَفْعُ أَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَخَفِّهِمَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهُ قَالَ الْعَلَمَاءُ كَانَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهُ لِمَصْلَحَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ عَلَيْهِ بَوْلَهُ تَضَرَّرَ وَأَصْلُ التَّنْجِيسِ قَدْ حَصَلَ فَكَانَ احْتِمَالُ زِيَادَتِهِ أَوْلَى مِنْ إِيقَاعِ الضَّرَرِ بِهِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ التَّنْجِيسَ قَدْ حَصَلَ فِي جُزْءٍ يَسِيرٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَلَوْ أَقَامُوهُ فِي أَثْنَاءِ بَوْلِهِ لَتَنَجَّسَتْ ثِيَابُهُ وَبَدَنُهُ وَمَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ من المسجد وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إن هذه المساجد لا تصلح لشئ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فيه صِيَانَةُ الْمَسَاجِدِ وَتَنْزِيهُهَا عَنِ الْأَقْذَارِ وَالْقَذَى وَالْبُصَاقِ ورفع

الْأَصْوَاتِ وَالْخُصُومَاتِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ وَفِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلُ يَنْبَغِي أَنْ أَذْكُرَ أَطْرَافًا مِنْهَا مُخْتَصَرَةً أَحَدُهَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ الْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمُحْدِثِ فَإِنْ كَانَ جُلُوسُهُ لِعِبَادَةٍ مِنَ اعْتِكَافٍ أَوْ قِرَاءَةِ عِلْمٍ أَوْ سَمَاعِ مَوْعِظَةٍ أَوِ انْتِظَارِ صَلَاةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَانَ مُسْتَحَبًّا وان لم يكن لشئ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مُبَاحًا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ النَّوْمُ عِنْدَنَا فِي الْمَسْجِدِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله تعالى في الأم قال بن الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَاقِ رَخَّصَ فِي النَّوْمِ فِي المسجد بن المسيب والحسن وعطاء والشافعي وقال بن عباس لاتتخذوه مَرْقَدًا وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إِنْ كُنْتَ تَنَامُ فِيهِ لِصَلَاةٍ فَلَا بَأْسَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُكْرَهُ النَّوْمُ فِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِلْغُرَبَاءِ وَلَا أَرَى ذَلِكَ لِلْحَاضِرِ وَقَالَ أَحْمَدُ إِنْ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ شِبْهَهُ فَلَا بَأْسَ وَإِنِ اتَّخَذَهُ مَقِيلًا أَوْ مَبِيتًا فَلَا وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ هَذَا مَا حَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ وَاحْتَجَّ مَنْ جَوَّزَهُ بِنَوْمِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وبن عُمَرَ وَأَهْلِ الصُّفَّةِ وَالْمَرْأَةِ صَاحِبَةِ الْوِشَاحِ وَالْغَرِيبِينِ وَثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَغَيْرِهِمْ وَأَحَادِيثُهُمْ فِي الصَّحِيحِ مَشْهُورَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيَجُوزُ أَنْ يُمَكَّنَ الْكَافِرُ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ بِإِذْنِ الْمُسْلِمِينَ وَيُمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ الثَّالِثَةُ قال بن الْمُنْذِرِ أَبَاحَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ الْوُضُوءَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ فِي مَكَانٍ يَبُلُّهُ أَوْ يَتَأَذَّى النَّاسُ بِهِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَنَقَلَ الْإِمَامُ وَالْحَسَنُ بْنُ بَطَّالٍ الْمَالِكِيُّ هذا عن بن عمر وبن عباس وعطاء وطاوس والحنفي وبن القاسم المالكي وأكثر أهل العلم وعن بن سِيرِينَ وَمَالِكٍ وَسَحْنُونَ أَنَّهُمْ كَرِهُوهُ تَنْزِيهًا لِلْمَسْجِدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الرَّابِعَةُ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ إِدْخَالُ الْبَهَائِمِ وَالْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا يُمَيِّزُونَ الْمَسْجِدَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ مَقْصُودَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ تَنْجِيسُهُمُ الْمَسْجِدَ وَلَا يَحْرُمُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ عَلَى الْبَعِيرِ وَلَا يَنْفِي هَذَا الْكَرَاهَةَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ بَيَانًا لِلْجَوَازِ أَوْ لِيَظْهَرَ لِيُقْتَدَى بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْخَامِسَةُ يَحْرُمُ إِدْخَالُ النَّجَاسَةِ إِلَى الْمَسْجِدِ وَأَمَّا مَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَإِنْ خَافَ تَنْجِيسَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الدُّخُولُ فَإِنْ أَمِنَ ذَلِكَ جَازَ وَأَمَّا إِذَا افْتَصَدَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ إِنَاءٍ فَحَرَامٌ وَإِنْ قَطَرَ دَمُهُ فِي إِنَاءٍ فَمَكْرُوهٌ وَإِنْ بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فِي إِنَاءٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ حَرَامٌ وَالثَّانِي مَكْرُوهٌ السَّادِسَةُ يَجُوزُ الِاسْتِلْقَاءُ فِي الْمَسْجِدِ وَهَزُّ الرِّجْلِ وَتَشْبِيكُ الْأَصَابِعِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

(باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله)

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّابِعَةُ يُسْتَحَبُّ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكِّدًا كَنْسُ الْمَسْجِدِ وَتَنْظِيفُهُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْ مَهْ) هِيَ كَلِمَةُ زَجْرٍ وَيُقَالُ بَهْ بَهْ بِالْبَاءِ أَيْضًا قَالَ الْعُلَمَاءُ هُوَ اسْمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ مَعْنَاهُ اسْكُتْ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ هِيَ كَلِمَةُ زَجْرٍ قِيلَ أَصْلُهَا مَا هَذَا ثُمَّ حُذِفَ تَخْفِيفًا قال وتقال مكررة مه مه وتقال فردة مَهْ وَمِثْلُهُ بَهْ بَهْ وَقَالَ يَعْقُوبُ هِيَ لتعظيم الأمر كبخ بَخٍ وَقَدْ تُنَوَّنُ مَعَ الْكَسْرِ وَيُنَوَّنُ الْأَوَّلُ وَيُكْسَرُ الثَّانِي بِغَيْرِ تَنْوِينٍ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ المطالع وذكره أيضا غيره والله أعلم قوله فَجَاءَ بِدَلْوٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ يُرْوَى بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُهْمَلَةِ وَهُوَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ وَالرِّوَايَاتِ بِالْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُ صَبَّهُ وَفَرَّقَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ هُوَ بِالْمُهْمَلَةِ الصَّبُّ فِي سُهُولَةٍ وَبِالْمُعْجَمَةِ التَّفْرِيقُ فِي صَبِّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ حُكْمِ بَوْلِ الطِّفْلِ الرَّضِيعِ وَكَيْفِيَّةِ غَسْلِهِ) فِيهِ (عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُمْ فَأُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ بَوْلَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِيٍّ يَرْضَعُ فَبَالَ فِي حِجْرِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَةِ أُمِّ قَيْسٍ

(أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنٍ لَهَا لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ فَوَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهِ فَبَالَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ نَضَحَ بِالْمَاءِ) وَفِي رِوَايَةٍ (فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّهُ) وَفِي رِوَايَةٍ (فَنَضَحَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَغْسِلْهُ غَسْلًا) الصِّبْيَانُ بكسر الصاد هذه اللغة المشهورة وحكى بن دُرَيْدٍ ضَمَّهَا قَوْلُهُ فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ أَيْ يَدْعُو لَهُمْ وَيَمْسَحُ عَلَيْهِمْ وَأَصْلُ الْبَرَكَةِ ثُبُوتُ الْخَيْرِ وَكَثْرَتُهُ وَقَوْلُهَا فَيُحَنِّكُهُمْ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ التَّحْنِيكُ أَنْ يَمْضُغَ التَّمْرَ أَوْ نَحْوَهُ ثُمَّ يُدَلِّكُ بِهِ حَنَكَ الصَّغِيرِ وَفِيهِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ حَنَّكْتُهُ وَحَنَكْتُهُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَالرِّوَايَةُ هُنَا فَيُحَنِّكُهُمْ بِالتَّشْدِيدِ وَهِيَ أَشْهَرُ اللُّغَتَيْنِ وَقَوْلُهَا فَبَالَ فِي حِجْرِهِ يُقَالُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَقَوْلُهَا بِصَبِيٍّ يَرْضَعُ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ رَضِيعٌ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُفْطَمْ أَمَّا أَحْكَامُ الْبَابِ فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَحْنِيكِ الْمَوْلُودِ وَفِيهِ التَّبَرُّكُ بِأَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْفَضْلِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ حَمْلِ الْأَطْفَالِ إِلَى أَهْلِ الْفَضْلِ لِلتَّبَرُّكِ بِهِمْ وَسَوَاءٌ

فِي هَذَا الِاسْتِحْبَابِ الْمَوْلُودُ فِي حَالِ وِلَادَتِهِ وَبَعْدَهَا وَفِيهِ النَّدْبُ إِلَى حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ وَاللِّينِ وَالتَّوَاضُعِ وَالرِّفْقِ بِالصِّغَارِ وَغَيْرِهِمْ وَفِيهِ مَقْصُودُ الْبَابِ وَهُوَ أَنَّ بَوْلَ الصَّبِيِّ يَكْفِي فِيهِ النَّضْحُ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ طَهَارَةِ بَوْلِ الصَّبِيِّ وَالْجَارِيَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبٍ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَكْفِي النَّضْحُ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ وَلَا يَكْفِي فِي بول الجارية بل لابد مِنْ غَسْلِهِ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَكْفِي النَّضْحُ فِيهِمَا وَالثَّالِثُ لَا يَكْفِي النَّضْحُ فِيهِمَا وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُ وَهُمَا شَاذَّانِ ضَعِيفَانِ وَمِمَّنْ قَالَ بِالْفَرْقِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ وبن وهب من أصحاب مالك رضى الله عنهم وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِ غَسْلِهِمَا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمَا وَأَهْلُ الْكُوفَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ إِنَّمَا هو فى كيفية تطهير الشئ الَّذِي بَالَ عَلَيْهِ الصَّبِيُّ وَلَا خِلَافَ فِي نَجَاسَتِهِ وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى نَجَاسَةِ بَوْلِ الصَّبِيِّ وَأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إِلَّا دَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ تَجْوِيزُ مَنْ جَوَّزَ النَّضْحَ فِي الصَّبِيِّ مِنْ أَجْلِ أَنَّ بَوْلَهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ وَلَكِنَّهُ مِنْ أَجْلِ التَّخْفِيفِ فِي إِزَالَتِهِ فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَأَمَّا مَا حَكَاهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ ثُمَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ قَالُوا بَوْلُ الصَّبِيِّ طَاهِرٌ فَيُنْضَحُ فَحِكَايَةٌ بَاطِلَةٌ قَطْعًا وَأَمَّا حَقِيقَةُ النَّضْحِ هُنَا فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهَا فَذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أن الشئ الَّذِي أَصَابَهُ الْبَوْلُ يُغْمَرُ بِالْمَاءِ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ بِحَيْثُ لَوْ عُصِرَ لَا يُعْصَرُ قَالُوا وَإِنَّمَا يُخَالِفُ هَذَا غَيْرَهُ فِي أَنَّ غَيْرَهُ يَشْتَرِطُ عَصْرَهُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَهَذَا لَا يُشْتَرَطُ بِالِاتِّفَاقِ وَذَهَبَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُحَقِّقُونَ إِلَى أَنَّ النَّضْحَ أَنْ يُغْمَرَ وَيُكَاثَرَ بِالْمَاءِ مُكَاثَرَةً لَا يَبْلُغُ جَرَيَانَ الْمَاءِ وَتَرَدُّدَهُ وَتَقَاطُرَهُ بِخِلَافِ الْمُكَاثَرَةِ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ يَكُونَ بحيث يجرى بعض الماء ويتقاطر مِنَ الْمَحَلِّ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ عَصْرُهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهَا فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ وَقَوْلُهُ فَرَشَّهُ أَيْ نَضَحَهُ وَاللَّهُ أعلم ثم أن النضح انما يُجْزِي مَا دَامَ الصَّبِيُّ يَقْتَصِرُ بِهِ عَلَى الرَّضَاعِ أَمَّا إِذَا أَكَلَ الطَّعَامَ عَلَى جِهَةِ التَّغْذِيَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْغَسْلُ بِلَا خِلَافٍ وَاللَّهُ أعلم

(باب حكم المني)

(بَابُ حُكْمِ الْمَنِيِّ) فِيهِ (أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ بِعَائِشَةَ فَأَصْبَحَ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّمَا كَانَ يُجْزِئُكَ إِنْ رَأَيْتَهُ أَنْ تَغْسِلَ مَكَانَهُ فَإِنْ لَمْ تَرَ نَضَحْتَ حَوْلَهُ لَقَدْ رَأَيْتُنِي أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْكًا فَيُصَلِّي فِيهِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي الرِّوَايَةِ

الْأُخْرَى (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْسِلُ الْمَنِيَّ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِلَّذِي احْتَلَمَ فِي ثَوْبَيْهِ وَغَسَلَهُمَا هَلْ رَأَيْتَ فِيهِمَا شَيْئًا قَالَ لَا قَالَتْ فَلَوْ رَأَيْتَ شَيْئًا غَسَلْتَهُ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لَأَحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَابِسًا بِظُفْرِي) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي طَهَارَةِ مِنِّيِ الْآدَمِيِّ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حنيفة إلى نجاسته الاان أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ

يَكْفِي فِي تَطْهِيرِهِ فَرْكُهُ إِذَا كَانَ يَابِسًا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ مَالِكٌ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ رَطْبًا وَيَابِسًا وَقَالَ اللَّيْثُ هُوَ نَجِسٌ وَلَا تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنْهُ وَقَالَ الْحَسَنُ لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنَ الْمَنِيِّ فِي الثَّوْبِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا وَتُعَادُ مِنْهُ فِي الجسد وان قَلَّ وَذَهَبَ كَثِيرُونَ إِلَى أَنَّ الْمَنِيَّ طَاهِرٌ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وقاص وبن عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَدَاوُدَ وَأَحْمَدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَقَدْ غَلِطَ مَنْ أَوْهَمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُنْفَرِدٌ بِطَهَارَتِهِ وَدَلِيلُ الْقَائِلِينَ بِالنَّجَاسَةِ رِوَايَةُ الْغَسْلِ وَدَلِيلُ الْقَائِلِينَ بِالطَّهَارَةِ رِوَايَةُ الْفَرْكِ فَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمْ يَكْفِ فَرْكُهُ كَالدَّمِ وَغَيْرِهِ قَالُوا ورواية الغسل محمولة على الاستحباب والتنزيه وَاخْتِيَارِ النَّظَافَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا حُكْمُ مَنِيِّ الْآدَمِيِّ وَلَنَا قَوْلٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ نَجِسٌ دُونَ مَنِيِّ الرَّجُلِ وَقَوْلٌ أَشَذَّ مِنْهُ أَنَّ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ نَجِسٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا طَاهِرَانِ وَهَلْ يَحِلُّ أَكْلُ الْمَنِيِّ الطَّاهِرِ فِيهِ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الْخَبَائِثِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْنَا وَأَمَّا مَنِيُّ بَاقِي الْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ الْآدَمَيْ فَمِنْهَا الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَحَيَوَانٍ طَاهِرٍ وَمَنِيُّهَا نَجِسٌ بِلَا خِلَافٍ وَمَا عَدَاهَا مِنَ الْحَيَوَانَاتِ فِي مَنِيِّهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الْأَصَحُّ أَنَّهَا كُلُّهَا طَاهِرَةٌ مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ وَالثَّانِي أَنَّهَا نَجِسَةٌ وَالثَّالِثُ مَنِيُّ مَأْكُولِ اللَّحْمِ طَاهِرٌ وَمَنِيُّ غَيْرِهِ نَجِسٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَلْفَاظُ الْبَابِ فَفِيهِ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ وَاسْمُهُ زِيَادُ بْنُ كُلَيْبٍ التَّمِيمِيُّ الْحَنْظَلِيُّ الْكُوفِيُّ وَأَمَّا خَالِدٌ الْأَوَّلُ فَهُوَ الْوَاسِطِيُّ الطَّحَّانُ وَأَمَّا خَالِدٌ الثَّانِي فَهُوَ الْحَذَّاءُ وَهُوَ خَالِدُ بْنُ مِهْرَانَ أَبُو الْمُنَازِلِ بِضَمِّ الْمِيمِ الْبَصْرِيُّ وَفِيهِ قَوْلُهَا كَانَ يُجْزِئُكَ هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَبِالْهَمْزِ وَفِيهِ أَحْمَدُ بْنُ جَوَّاسٍ هُوَ بِجِيمِ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ وَاوٍ مُشَدَّدَةٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ وَفِيهِ شَبِيبُ بْنُ غَرْقَدَةَ هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَفِيهِ قَوْلُهَا فَلَوْ رَأَيْتَ شَيْئًا غَسْلَتَهُ هُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ حُذِفَتْ مِنْهُ الهمزة تقديره أكنت غاسله معتقدا وجوب غَسْلُهُ وَكَيْفَ تَفْعَلُ هَذَا وَقَدْ كُنْتُ أَحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَابِسًا بِظُفْرِي وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمْ يَتْرُكْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكْتَفِ بِحَكِّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدِ اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى طَهَارَةِ رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَفِيهَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ عِنْدنَا وَعِنْدَ غَيْرِنَا وَالْأَظْهَرُ طَهَارَتُهَا وَتَعَلَّقَ الْمُحْتَجُّونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بِأَنْ قَالُوا الِاحْتِلَامُ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ مِنْ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ بِالنَّائِمِ فَلَا يَكُونُ الْمَنِيُّ الَّذِي عَلَى ثَوْبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنَ الجماع ويلزم

(باب نجاسة الدم وكيفية غسله)

مِنْ ذَلِكَ مُرُورُ الْمَنِيِّ عَلَى مَوْضِعٍ أَصَابَ رُطُوبَةَ الْفَرْجِ فَلَوْ كَانَتِ الرُّطُوبَةُ نَجِسَةٌ لَتَنَجَّسَ بِهَا الْمَنِيُّ وَلَمَا تَرَكَهُ فِي ثَوْبِهِ وَلَمَا اكْتَفَى بِالْفَرْكِ وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِنَجَاسَةِ رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا جَوَابُ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ اسْتِحَالَةُ الِاحْتِلَامِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَوْنُهَا مِنْ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ بَلْ الِاحْتِلَامُ مِنْهُ جَائِزٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ بَلْ هُوَ فَيْضُ زِيَادَةِ الْمَنِيِّ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَنِيُّ حَصَلَ بِمُقَدِّمَاتِ جِمَاعِ فسقط منه شئ عَلَى الثَّوْبِ وَأَمَّا الْمُتَلَطِّخُ بِالرُّطُوبَةِ فَلَمْ يَكُنْ على الثوب وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب نَجَاسَةِ الدَّمِ وَكَيْفِيَّةُ غَسْلِهِ) فِيهِ (أَسْمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبُهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ قَالَ تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرِضُهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ تَنْضَحُهُ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ) الْحَيْضَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ الْحَيْضُ وَمَعْنَى تَحُتُّهُ تَقْشُرُهُ وَتَحُكُّهُ وَتَنْحِتُهُ وَمَعْنَى تَقْرِضُهُ تُقَطِّعُهُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ مَعَ الْمَاءِ لِيَتَحَلَّلَ وَرُوِيَ تَقْرُضُهُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَرُوِيَ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رُوِّينَاهُ بِهِمَا جَمِيعًا وَمَعْنَى تَنْضِحُهُ تَغْسِلهُ وهو

(باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه)

بِكَسْرِ الضَّادِ كَذَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وُجُوبُ غَسْلِ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ غَسَلَ بِالْخَلِّ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْمَائِعَاتِ لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْمَأْمُورَ بِهِ وَفِيهِ أَنَّ الدَّمَ نَجِسٌ وَهُوَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ أَنَّ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَدُ بَلْ يَكْفِي فِيهَا الْإِنْقَاءُ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَائِدِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْإِنْقَاءُ فَإِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ حُكْمِيَّةً وَهِيَ الَّتِي لَا تُشَاهَدُ بِالْعَيْنِ كَالْبَوْلِ وَنَحْوِهِ وَجَبَ غَسْلُهَا مَرَّةً وَلَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْغَسْلُ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ عَيْنِيَّةً كَالدَّمِ وَغَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إِزَالَةِ عَيْنِهَا وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُهَا بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً وَهَلْ يُشْتَرَطُ عَصْرُ الثَّوْبِ إِذَا غَسَلَهُ فِيهِ وَجْهَانِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَإِذَا غَسَلَ النَّجَاسَةَ الْعَيْنِيَّةَ فَبَقِيَ لَوْنُهَا لَمْ يَضُرَّهُ بَلْ قَدْ حَصَلَتِ الطَّهَارَةُ وَإِنْ بَقِيَ طَعْمُهَا فَالثَّوْبُ نَجِسٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إِزَالَةِ الطَّعْمِ وَإِنْ بَقِيَتِ الرَّائِحَةُ فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَفْصَحُهُمَا يَطْهُرُ وَالثَّانِي لَا يَطْهُرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب الدَّلِيلِ عَلَى نَجَاسَةِ الْبَوْلِ وَوُجُوبُ الاستبراء منه) فيه حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ قَالَ فَدَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ ثُمَّ غَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا ثُمَّ قَالَ لَعَلَّهُ أن يخفف

عنهما مالم يَيْبَسَا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (كَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ عَنِ الْبَوْلِ أَوْ مِنَ الْبَوْلِ) أَمَّا الْعَسِيبُ فَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ الْجَرِيدُ وَالْغُصْنُ مِنَ النَّخْلِ وَيُقَالُ لَهُ الْعُثْكَالُ وَقَوْلُهُ بِاثْنَيْنِ هَذِهِ الْبَاءُ زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ وَاثْنَيْنِ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَزِيَادَةُ الْبَاءِ فِي الْحَالِ صَحِيحَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَيَيْبَسَا مَفْتُوحُ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَبْلَ السِّينِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا لُغَتَانِ وَأَمَّا النَّمِيمَةُ فَحَقِيقَتُهَا نَقْلُ كَلَامِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ عَلَى جهة الْإِفْسَادِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ غِلَظِ تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ بَيَانُهَا وَاضِحًا مُسْتَقْصًى وَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ فَرُوِيَ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ يَسْتَتِرُ بِتَائَيْنِ مُثَنَّاتَيْنِ وَيَسْتَنْزِهُ بِالزَّايِ وَالْهَاءِ وَيَسْتَبْرِئُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْهَمْزَةِ وَهَذِهِ الثَّالِثَةُ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ وَمَعْنَاهَا لَا يَتَجَنَّبُهُ وَيَتَحَرَّزُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ فَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ الْحَدِيثَ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ فِي بَابِ النَّمِيمَةِ مِنَ الْكَبَائِرِ وَفِي كِتَابِ الْوُضُوءِ مِنَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ بَلْ إِنَّهُ كَبِيرٌ فَثَبَتَ بِهَاتَيْنِ الزِّيَادَتَيْنِ الصحيحتين أَنَّهُ كَبِيرٌ فَيَجِبُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ تَأْوِيلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي زَعْمِهِمَا وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ بِكَبِيرٍ تَرْكُهُ عَلَيْهِمَا وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَأْوِيلًا ثَالِثًا أَيْ لَيْسَ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قُلْتُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُرَادُ بِهَذَا الزَّجْرَ وَالتَّحْذِيرَ لِغَيْرِهِمَا أَيْ لَا يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ أَنَّ التَّعْذِيبَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ الْمُوبِقَاتِ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي غَيْرِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَسَبَبُ كَوْنِهِمَا كَبِيرَيْنِ أَنَّ عَدَمَ التَّنَزُّهِ مِنَ الْبَوْلِ يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ فَتَرْكُهُ كَبِيرَةٌ بِلَا شَكٍّ وَالْمَشْيُ بِالنَّمِيمَةِ وَالسَّعْيُ بِالْفَسَادِ مِنْ أَقْبَحِ الْقَبَائِحِ لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْشِي بِلَفْظِ كَانَ الَّتِي لِلْحَالَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ غَالِبًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا وَضْعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَرِيدَتَيْنِ عَلَى الْقَبْرِ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(كتاب الحيض)

سَأَلَ الشَّفَاعَةَ لَهُمَا فَأُجِيبَتْ شَفَاعَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمَا إِلَى أَنْ يَيْبَسَا وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي صَاحِبَيِ الْقَبْرَيْنِ فَأُجِيبَتْ شَفَاعَتِي أَنْ يُرْفَعَ ذلك عنهما ما دام القضيبان رطبان وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو لَهُمَا تِلْكَ الْمُدَّةَ وَقِيلَ لِكَوْنِهِمَا يُسَبِّحَانِ مَا دَامَا رَطْبَيْنِ وَلَيْسَ لِلْيَابِسِ تَسْبِيحٌ وَهَذَا مَذْهَبُ كَثِيرِينَ أَوِ الْأَكْثَرِينَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ في قوله تعالى وإن من شئ الا يسبح بحمده قالوا معناه وان من شئ حي ثم قالوا حياة كل شئ بحسبه فحياة الخشب مالم ييبس والحجر مالم يُقْطَعْ وَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ إِلَى أَنَّهُ عَلَى عُمُومِهِ ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ هَلْ يُسَبِّحُ حَقِيقَةً أَمْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الصَّانِعِ فَيَكُونُ مُسَبِّحًا مُنَزِّهًا بِصُورَةِ حَالِهِ وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ يُسَبِّحُ حَقِيقَةً وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى وإن من الحجارة لما يهبط من خشية الله وَإِذَا كَانَ الْعَقْلُ لَا يُحِيلُ جَعْلَ التَّمْيِيزِ فِيهَا وَجَاءَ النَّصُّ بِهِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْقَبْرِ لِهَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ يُرْجَى التَّخْفِيفُ بِتَسْبِيحِ الْجَرِيدِ فَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ بُرَيْدَةَ بْنَ الْحَصِيبِ الْأَسْلَمِيَّ الصَّحَابِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْصَى أَنْ يُجْعَلَ فِي قَبْرِهِ جَرِيدَتَانِ فَفِيهِ أَنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَبَرَّكَ بِفِعْلٍ مِثْلِ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ عَلَى الْقُبُورِ مِنَ الْأَخْوَاصِ وَنَحْوِهَا مُتَعَلِّقِينَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا وَجْهَ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا فِقْهُ الْبَابِ فَفِيهِ إِثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَفِيهِ نَجَاسَةُ الْأَبْوَالِ لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنَ الْبَوْلِ وَفِيهِ غِلَظُ تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ وغير ذلك مما تقدم وَاللَّهُ أَعْلَمُ (كِتَاب الْحَيْضِ) (بَاب مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ فَوْقَ الْإِزَارِ) فِيهِ (عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أَنْ تَأْتَزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرَهَا قَالَتْ وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُ إِرْبَهُ) وَفِيهِ (مَيْمُونَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ فَوْقَ الْإِزَارِ وَهُنَّ حُيَّضٌ) هَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ فِي الرِّوَايَةِ فِي الْكِتَابِ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ إِحْدَانَا مِنْ غَيْرِ تَاءٍ فِي كَانَ وَهُوَ صَحِيحٌ فَقَدْ حَكَى سِيبَوَيْهِ فِي كِتَابِهِ فِي بَابِ مَا جَرَى مِنَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْأَفْعَالِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنَ الصِّفَاتِ مَجْرَى الْفِعْلِ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ قَالَ امْرَأَةٌ فَهَذَا نَقْلُ الْإِمَامِ هَذِهِ الصِّيغَةَ أنه يجوز حذف التاء من فعل ماله فَرْجٌ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَقَدْ نَقَلَهُ أَيْضًا الْإِمَامُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ خَرُوفٍ فِي شَرْحِ الْجُمَلِ وَذَكَرَهُ آخَرُونَ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كَانَ هُنَا الَّتِي لِلشَّأْنِ وَالْقِصَّةِ أَيْ كَانَ الْأَمْرُ أَوِ الْحَالُ ثُمَّ ابْتَدَأَتْ فَقَالَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا أَمَرَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهَا فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ مَعْنَاهُ مُعْظَمُهَا وَوَقْتُ كَثْرَتِهَا وَالْحَيْضَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ الْحَيْضُ وَقَوْلُهَا أَنْ تَأْتَزِرَ مَعْنَاهُ تَشُدُّ ازار تَسْتُرُ سُرَّتَهَا وَمَا تَحْتَهَا إِلَى الرُّكْبَةِ فَمَا

تَحْتَهَا وَقَوْلُهَا وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ فِيهِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَعَ إِسْكَانِ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ عُضْوُهُ الَّذِي يَسْتَمْتِعُ بِهِ أَيْ الْفَرْجُ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَمَعْنَاهُ حَاجَتُهُ وَهِيَ شَهْوَةُ الْجِمَاعِ وَالْمَقْصُودُ أَمَلَكُكُمْ لِنَفْسِهِ فَيَأْمَنُ مَعَ هَذِهِ الْمُبَاشَرَةِ الْوُقُوعَ فِي الْمُحَرَّمِ وَهُوَ مُبَاشَرَةُ فَرْجِ الْحَائِضِ وَاخْتَارَ الْخَطَّابِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَأَنْكَرَ الْأُولَى وَعَابَهَا عَلَى الْمُحَدِّثِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْحَيْضُ فَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ السَّيَلَانُ وَحَاضَ الْوَادِي إِذَا سَالَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ الْحَيْضُ جَرَيَانُ دَمِ الْمَرْأَةِ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ يُرْخِيهِ رَحِمُ الْمَرْأَةِ بَعْدَ بُلُوغِهَا وَالِاسْتِحَاضَةُ جَرَيَانُ الدَّمِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ قَالُوا وَدَمُ الْحَيْضِ يَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ الرَّحِمِ وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ يَسِيلُ مِنَ الْعَاذِلِ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرُ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ عِرْقٌ فَمُهُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْهُ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ دُونَ قَعْرِهِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ حَيْضًا وَمَحِيضًا وَمَحَاضًا فَهِيَ حَائِضٌ بِلَا هَاءٍ هَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ عَنِ الْفَرَّاءِ حَائِضَةٌ بِالْهَاءِ وَيُقَالُ حَاضَتْ وَتَحَيَّضَتْ وَدَرَسَتْ وَطَمَثَتْ وَعَرَكَتْ وَضَحِكَتْ وَنَفِسَتْ كُلُّهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَزَادَ بَعْضُهُمْ أَكْبَرَتْ وَأَعْصَرَتْ بِمَعْنَى حَاضَتْ وَأَمَّا أَحْكَامُ الْبَابِ فَاعْلَمْ أَنَّ مُبَاشَرَةَ الْحَائِضِ أَقْسَامٌ أَحَدُهَا أَنْ يُبَاشِرَهَا بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ فَهَذَا حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوِ اعْتَقَدَ مُسْلِمٌ حِلَّ جِمَاعِ الْحَائِضِ فِي فَرْجِهَا صَارَ كَافِرًا مُرْتَدًّا وَلَوْ فَعَلَهُ إِنْسَانٌ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ حِلَّهُ فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا بِوُجُودِ الْحَيْضِ أَوْ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ أَوْ مُكْرَهًا فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ وَطِئَهَا عَامِدًا عَالِمًا بِالْحَيْضِ وَالتَّحْرِيمِ مُخْتَارًا فَقَدِ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً كَبِيرَةً نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهَا كَبِيرَةٌ وَتَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا وَهُوَ الْجَدِيدُ وَقَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَجَمَاهِيرِ السَّلَفِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَمِمَّنْ ذهب إليه من السلف عطاء وبن أَبِي مُلَيْكَةَ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَأَبُو الزِّنَادِ وَرَبِيعَةُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَجْمَعِينَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيمُ الضَّعِيفُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عن بن عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَأَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْهُ وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي الْكَفَّارَةِ فَقَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدٌ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَقَالَ الْبَاقُونَ دِينَارٌ أَوْ نِصْفُ دِينَارٍ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي الْحَالِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الدِّينَارُ وَنِصْفُ الدِّينَارِ هَلِ الدِّينَارُ فِي أَوَّلِ الدَّمِ وَنِصْفُهُ فِي آخِرِهِ أَوِ الدِّينَارُ فِي زَمَنِ الدَّمِ

ونصفه بعد انقطاعه وتعلقوا بحديث بن عَبَّاسٍ الْمَرْفُوعِ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ وَهُوَ حَدِيثٌ ضعيف باتفاق الحفاظ فالصواب ألا كَفَّارَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْقِسْمُ الثَّانِي الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ بِالذَّكَرِ أَوْ بِالْقُبْلَةِ أَوِ الْمُعَانَقَةِ أَوِ اللَّمْسِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَهُوَ حَلَالٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أبو حامد الاسفراينى وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ لا يباشر شيئا منها بشئ مِنْهُ فَشَاذٌّ مُنْكَرٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَلَا مَقْبُولٍ وَلَوْ صَحَّ عَنْهُ لَكَانَ مَرْدُودًا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي مُبَاشَرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الْإِزَارِ وَإِذْنِهِ فِي ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الْمُخَالِفِ وَبَعْدَهُ ثُمَّ إِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يكون على الموضع الذى يستمتع به شئ مِنَ الدَّمِ أَوْ لَا يَكُونَ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِلْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ وَحَكَى الْمُحَامِلِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجْهًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ مُبَاشَرَةُ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ إِذَا كان عليه شئ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ وَهَذَا الْوَجْهُ بَاطِلٌ لَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْقِسْمُ الثَّالِثُ الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فِي غَيْرِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهَا عند جماهيرهم وأشهرها فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهَا حَرَامٌ وَالثَّانِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَرَامٍ وَلَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَهَذَا الْوَجْهُ أَقْوَى مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ إِنْ كَانَ الْمُبَاشِرُ يَضْبِطُ نَفْسَهُ عَنِ الْفَرْجِ وَيَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ بِاجْتِنَابِهِ إِمَّا لِضَعْفِ شَهْوَتِهِ وَإِمَّا لِشِدَّةِ وَرَعِهِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وهذا الوجه حسن قاله أبوالعباس الْبَصْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَشُرَيْحٌ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَقَتَادَةُ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى الْجَوَازِ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَصْبَغُ وَإِسْحَاقُ بْنُ راهويه وأبو ثور وبن الْمُنْذِرِ وَدَاوُدُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْمَذْهَبَ أَقْوَى دَلِيلًا وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَنَسٍ الْآتِي اصْنَعُوا كل شئ إِلَّا النِّكَاحَ قَالُوا وَأَمَّا اقْتِصَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُبَاشَرَتِهِ عَلَى مَا فَوْقَ الْإِزَارِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ تَحْرِيمَ الْوَطْءِ وَالْمُبَاشَرَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُحَرِّمُهُمَا يَكُونُ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ وَبَعْدَ انْقِطَاعِهِ إِلَى أَنْ تَغْتَسِلَ أَوْ تَتَيَمَّمَ إِنْ عَدِمَتِ الْمَاءَ بِشَرْطِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ السَّلَفِ

(باب الاضطجاع مع الحائض في لحاف واحد)

وَالْخَلَفِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ حَلَّ وَطْؤُهَا فِي الْحَالِ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب الِاضْطِجَاعِ مَعَ الْحَائِضِ فِي لحاف واحد) فيه حَدِيثُ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْطَجِعُ مَعِي وَأَنَا حَائِضٌ وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ ثَوْبٌ) وَفِيهِ أُمُّ سَلَمَةَ قَالَتْ (بَيْنَا أَنَا مُضْطَجِعَةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الْخَمِيلَةِ إِذْ حِضْتُ فَانْسَلَلْتُ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَفِسْتِ قُلْتُ نَعَمْ فَدَعَانِي فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ) الْخَمِيلَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْخَمِيلَةُ وَالْخَمِيلُ بِحَذْفِ الْهَاءِ هِيَ الْقَطِيفَةُ وَكُلُّ ثَوْبٍ لَهُ خَمْلٌ من أى شئ كَانَ وَقِيلَ هِيَ الْأَسْوَدُ مِنَ الثِّيَابِ وَقَوْلُهَا انْسَلَلْتُ أَيْ ذَهَبْتُ فِي خُفْيَةٍ وَيَحْتَمِلُ ذَهَابُهَا أنها خافت وصول شئ

مِنَ الدَّمِ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو تقذرت نفسها ولم ترتربصها لِمُضَاجَعَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ خَافَتْ أَنْ يَطْلُبَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا وَهِيَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ فِيهَا الِاسْتِمْتَاعُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهَا فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي هِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَهِيَ حَالَةُ الْحَيْضِ أَيْ أَخَذْتُ الثِّيَابَ الْمُعَدَّةَ لِزَمَنِ الْحَيْضِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ فِي ضَبْطِ حِيضَتِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَيُحْتَمَلُ فَتْحُ الْحَاءِ هُنَا أَيْضًا أَيِ الثِّيَابُ الَّتِي أَلْبَسُهَا فِي حَالِ حِيضَتِي فَإِنَّ الْحَيْضَةَ بِالْفَتْحِ هِيَ الْحَيْضُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَفِسْتِ) هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ نَفِسْتِ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ مَعْنَاهُ حَاضَتْ وَأَمَّا فِي الْوِلَادَةِ فَيُقَالُ نَفُسَتْ بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ أَيْضًا وَقَالَ الْهَرَوِيُّ فِي الْوِلَادَةِ نَفُسَتْ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَفِي الْحَيْضِ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رِوَايَتُنَا فِيهِ فِي مُسْلِمٍ بِضَمِّ النُّونِ هُنَا قَالَ وَهِيَ رِوَايَةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ وَقَدْ نَقَلَ أَبُو حَاتِمٍ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْحَيْضِ وَالْوِلَادَةِ وَذَكَرَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ خُرُوجُ الدَّمِ وَالدَّمُ يُسَمَّى نَفَسًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَحْكَامُ الْبَابِ فَفِيهِ جَوَازُ النَّوْمِ مَعَ الْحَائِضِ وَالِاضْطِجَاعِ مَعَهَا فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ إِذَا كَانَ هُنَاكَ حَائِلٌ يَمْنَعُ مِنْ مُلَاقَاةِ الْبَشَرَةِ فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ أَوْ يَمْنَعُ الْفَرْجَ وَحْدَهُ عِنْدَ مَنْ لَا يُحَرِّمُ إِلَّا الْفَرْجَ قَالَ الْعُلَمَاءُ لَا تُكْرَهُ مُضَاجَعَةُ الْحَائِضِ وَلَا قُبْلَتُهَا وَلَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فِيمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ وَلَا يُكْرَهُ وَضْعُ يَدِهَا في شئ مِنَ الْمَائِعَاتِ وَلَا يُكْرَهُ غَسْلُهَا رَأْسَ زَوْجِهَا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ مَحَارِمِهَا وَتَرْجِيلُهُ وَلَا يُكْرَهُ طَبْخُهَا وَعَجْنُهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الصَّنَائِعِ وَسُؤْرُهَا وَعَرَقُهَا طَاهِرَانِ وَكُلُّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ فِي كِتَابِهِ فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا كُلِّهِ وَدَلَائِلُهُ مِنَ السُّنَّةِ ظَاهِرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فَالْمُرَادُ اعْتَزِلُوا وَطْأَهُنَّ وَلَا تَقْرَبُوا وَطْأَهُنَّ وَاللَّهُ أعلم

(باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة

(باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وَطَهَارَةِ سُؤْرِهَا وَالِاتِّكَاءِ فِي حِجْرِهَا وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِيهِ) فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ) وَفِي رِوَايَةٍ فَأُغَسِّلُهُ وَفِيهِ حَدِيثُ مُنَاوَلَةِ الْخُمْرَةِ وَغَيْرُهُ قَدْ تَقَدَّمَ مَقْصُودُ فِقْهِ هَذَا الْبَابِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَتَرْجِيلُ الشَّعْرِ تَسْرِيحُهُ وَهُوَ نحو قولها فَاغْسِلْهُ وَأَصْلُ الِاعْتِكَافِ فِي اللُّغَةِ الْحَبْسُ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ حَبْسُ النَّفْسِ فِي الْمَسْجِدِ خَاصَّةً مَعَ النِّيَّةِ وَقَوْلُهَا وَهُوَ مُجَاوِرٌ أَيْ مُعْتَكِفٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِكَافِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّا تَقَدَّمَهُ أَنَّ فِيهِ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ إِذَا خَرَجَ بَعْضُهُ مِنَ الْمَسْجِدِ كَيَدِهِ وَرِجْلِهِ وَرَأْسِهِ لَمْ يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ وَأَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارًا أَوْ لَا يَخْرُجَ مِنْهَا فَأَدْخَلَ أَوْ أَخْرَجَ بَعْضَهُ لَا يَحْنَثُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ جَوَازُ اسْتِخْدَامِ الزَّوْجَةِ فِي الْغَسْلِ وَالطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَغَيْرِهَا بِرِضَاهَا وَعَلَى هَذَا تَظَاهَرَتْ دَلَائِلُ السُّنَّةِ وَعَمَلِ السَّلَفِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَأَمَّا

بِغَيْرِ رِضَاهَا فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا تَمْكِينُ الزَّوْجِ مِنْ نَفْسِهَا وَمُلَازَمَةُ بَيْتِهِ فَقَطْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهَا (قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَقُلْتُ إِنِّي حَائِضٌ فَقَالَ إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ) أَمَّا الْخُمْرَةُ فَبِضَمِّ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ هِيَ هَذِهِ السَّجَّادَةُ وَهِيَ مَا يَضَعُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ جُزْءَ وَجْهِهِ فِي سُجُودِهِ مِنْ حَصِيرٍ أَوْ نَسِيجَةٍ مِنْ خُوصٍ هَكَذَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا هَذَا الْقَدْرَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ السَّجَّادَةُ يَسْجُدُ عَلَيْهَا الْمُصَلِّي وَقَدْ جَاءَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا مِثْلَ مَوْضِعِ دِرْهَمٍ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِإِطْلَاقِ الخمرة على مازاد على قدر الوجه وسمت

خُمْرَةٌ لِأَنَّهَا تُخَمِّرُ الْوَجْهَ أَيْ تُغَطِّيهِ وَأَصْلُ التَّخْمِيرِ التَّغْطِيَةُ وَمِنْهُ خِمَارُ الْمَرْأَةِ وَالْخَمْرُ لِأَنَّهَا تُغَطِّي الْعَقْلَ وَقَوْلُهَا مِنَ الْمَسْجِدِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا ذَلِكَ مِنَ الْمَسْجِدِ أَيْ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ لِتُنَاوِلِهُ إِيَّاهَا مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ لَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تُخْرِجَهَا لَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ مُعْتَكِفًا وَكَانَتْ عَائِشَةُ فِي حُجْرَتِهَا وَهِيَ حَائِضٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ فَإِنَّمَا خَافَتْ مِنْ إِدْخَالِ يَدِهَا الْمَسْجِدَ وَلَوْ كَانَ أَمَرَهَا بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ الْيَدِ مَعْنًى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ فَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ الْمُحَدِّثُونَ يَقُولُونَهَا بِفَتْحِ الْحَاءِ وَهُوَ خَطَأٌ وَصَوَابُهَا بِالْكَسْرِ أَيِ الْحَالَةَ وَالْهَيْئَةَ وَأَنْكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا عَلَى الْخَطَّابِيِّ وَقَالَ الصَّوَابُ هُنَا مَا قَالَهُ الْمُحَدِّثُونَ مِنَ الْفَتْحِ لِأَنَّ الْمُرَادَ الدَّمُ وَهُوَ الْحَيْضُ بِالْفَتْحِ بِلَا شَكٍّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَتْ فِي يَدِكَ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّجَاسَةَ الَّتِي يُصَانُ الْمَسْجِدُ عَنْهَا وَهِيَ دَمُ

الْحَيْضِ لَيْسَتْ فِي يَدِكَ وَهَذَا بِخِلَافِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي فَإِنَّ الصَّوَابَ فِيهِ الْكَسْرُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ مِنَ الْفَتْحِ هُوَ الظَّاهِرُ هُنَا وَلِمَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَجْهٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهَا وتعرق الْعَرْقَ هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي عَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ لَحْمٍ هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ فِي مَعْنَاهُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ الْقَدْرُ مِنَ اللَّحْمِ وَقَالَ الْخَلِيلُ هُوَ الْعَظْمُ بِلَا لَحْمٍ وَجَمْعُهُ عُرَاقٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَيُقَالُ عَرَقْتَ الْعَظْمَ وَتَعَرَّقْتَهُ وَاعْتَرَقْتَهُ إِذَا أَخَذْتُ عَنْهُ اللَّحْمَ بِأَسْنَانِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّكِئُ فِي حِجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ) فِيهِ جَوَازُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مُضْطَجِعًا وَمُتَّكِئًا عَلَى الْحَائِضِ وَبِقُرْبِ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ) أَيْ لَمْ يُخَالِطُوهُنَّ وَلَمْ يُسَاكِنُوهُنَّ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ قَوْلُهُ تَعَالَى وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ في المحيض أما المحيض الْأَوَّلُ فَالْمُرَادُ بِهِ الدَّمُ وَأَمَّا الثَّانِي فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ الْحَيْضُ وَنَفَسُ الدَّمِ

باب المذي

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هُوَ الْفَرْجُ وَقَالَ الْآخَرُونَ هُوَ زَمَنُ الْحَيْضِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَجَاءَ اسيد بن حُضَيْرٍ) هُمَا بِضَمِّ أَوَّلُهُمَا وَحُضَيْرٌ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ (وَجَدَ عَلَيْهِمَا) أَيْ غضب (باب المذي) فيه (محمد بن الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كنت رجلا مذاء فكنت ستحيي أن سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَانِ ابْنَتِهِ فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (مِنْهُ الْوُضُوءُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى

(تَوَضَّأْ وَانْضِحْ فَرْجَكَ) فِي الْمَذْيِ لُغَاتٌ مَذْيٌ بفتح الميم واسكان الذال ومذى بكسر الذال وتشديد الياء ومذى بكسر الذال وتخفيف الياء فالأوليان مشهورتان أولاهما أَفْصَحُهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا وَالثَّالِثَةُ حَكَاهَا أَبُو عَمْرٍو الزَّاهِدُ عن بن الاعرابي ويقال مذي وأمذي ومدي الثالثة بالتشديد والمذي ماء أبيض دقيق لَزِجٌ يَخْرُجُ عِنْدَ شَهْوَةٍ لَا بِشَهْوَةٍ وَلَا دَفْقٍ وَلَا يَعْقُبُهُ فُتُورٌ وَرُبَّمَا لَا يُحَسُّ بِخُرُوجِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَهُوَ فِي النِّسَاءِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الرِّجَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَانْضِحْ فَرْجَكَ) فَمَعْنَاهُ اغْسِلْهُ فَإِنَّ النَّضْحَ يَكُونُ غَسْلًا وَيَكُونُ رَشًّا وَقَدْ جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَغْسِلُ ذَكَرَهُ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ النَّضْحِ عَلَيْهِ وَانْضِحْ بِكَسْرِ الضَّادِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَوْلُهُ كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً أَيْ كَثِيرَ الْمَذْيِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ وَبِالْمَدِّ وَأَمَّا حُكْمُ خُرُوجِ الْمَذْيِ فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجَمَاهِيرُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَنَّهُ لَا يُوجِبَ الْغُسْلَ وَأَنَّهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَأَنَّهُ نَجَسٌ وَلِهَذَا أَوْجَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَسْلَ الذَّكَرِ وَالْمُرَادُ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْجَمَاهِيرِ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ الْمَذْيُ لَا غَسْلُ جَمِيعِ الذَّكَرِ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا إِيجَابُ غَسْلِ جَمِيعِ الذَّكَرِ وَفِيهِ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحَجَرِ إِنَّمَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فِي النَّجَاسَةِ الْمُعْتَادَةِ وَهِيَ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ أَمَّا النَّادِرُ كَالدَّمِ وَالْمَذْيِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ في مذهبنا وللقائل الْآخَرُ بِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ فِيهِ عَلَى الْحَجَرِ قِيَاسًا عَلَى الْمُعْتَادِ أَنْ يُجِيبَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ خُرِّجَ عَلَى الْغَالِبِ فِيمَنْ هُوَ فِي بَلَدٍ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ أَوْ يَحْمِلُهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَفِيهِ جَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِي الِاسْتِفْتَاءِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْخَبَرِ الْمَظْنُونِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَقْطُوعِ بِهِ لِكَوْنِ عَلِيٍّ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِ الْمِقْدَادِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ سُؤَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّ هَذَا قَدْ يُنَازَعُ فِيهِ وَيُقَالُ فَلَعَلَّ عَلِيًّا كَانَ حَاضِرًا مَجْلِسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْتَ السُّؤَالِ وَإِنَّمَا

اسْتَحْيَا أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ مِنْهُ بِنَفْسِهِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ حُسْنِ الْعِشْرَةِ مَعَ الْأَصْهَارِ وَأَنَّ الزَّوْجَ يستحب له أن لا يذكر بِجِمَاعِ النِّسَاءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِهِنَّ بِحَضْرَةِ أَبِيهَا وَأَخِيهَا وَابْنِهَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَقَارِبِهَا وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكُنْتُ أَسْتَحْيِي أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَانِ ابْنَتِهِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَذْيَ يَكُونُ غَالِبًا عِنْدَ مُلَاعَبَةِ الزَّوْجَةِ وَقُبْلَتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ الْأَخِيرِ مِنَ الْبَابِ (وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ وأحمد بن عيسى قالا حدثنا بن وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سليمان بن يسار عن بن عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَرْسَلْنَا الْمِقْدَادُ) هَذَا الْإِسْنَادُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ قَالَ حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ سَأَلْتُ مَخْرَمَةَ هَلْ سَمِعْتَ مِنْ أَبِيكَ فَقَالَ لَا وَقَدْ خَالَفَهُ اللَّيْثُ عَنْ بُكَيْرٍ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ بن عَبَّاسٍ وَتَابَعَهُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَذَا كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَقَدْ قَالَ النَّسَائِيُّ أَيْضًا فِي سُنَنِهِ مَخْرَمَةُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا وَرَوَى النَّسَائِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طُرُقٍ وَبَعْضُهَا طَرِيقُ مُسْلِمٍ هَذِهِ الْمَذْكُورَةُ وَفِي بَعْضِهَا عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ أَرْسَلَ عَلِيٌّ الْمِقْدَادَ هَكَذَا أَتَى بِهِ مُرْسَلًا وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَمَاعِ مَخْرَمَةَ مِنْ أَبِيهِ فَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُلْتُ لِمَخْرَمَةَ مَا حَدَّثْتَ بِهِ عَنْ أَبِيكَ سَمِعْتَهُ مِنْهُ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُهُ قَالَ مَالِكٌ وَكَانَ مَخْرَمَةُ رَجُلًا صَالِحًا وَكَذَا قَالَ مَعْنُ بْنُ عِيسَى إِنَّ مَخْرَمَةَ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ وَذَهَبَ جَمَاعَاتٌ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَمْ يَسْمَعْ مَخْرَمَةُ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا إِنَّمَا يَرْوِي من كتاب أبيه وقال يحيىبن معين وبن أَبِي خَيْثَمَةَ يُقَالُ وَقَعَ إِلَيْهِ كِتَابُ أَبِيهِ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَقَالَ مُوسَى بْنُ سَلَمَةَ قُلْتُ لِمَخْرَمَةَ حَدَّثَكَ أَبُوكَ فَقَالَ لَمْ أُدْرِكْ أَبِي وَلَكِنْ هَذِهِ كُتُبُهُ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَخْرَمَةُ صَالِحُ الْحَدِيثِ إِنْ كَانَ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَلَا أَظُنُّ مَخْرَمَةَ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ كِتَابَ سُلَيْمَانَ بْنِ يسار ولعله سمع الشئ الْيَسِيرَ وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا بِالْمَدِينَةِ يُخْبِرُ عَنْ مخرمة أنه كان يقول في شئ مِنْ حَدِيثِهِ سَمِعْتُ أَبِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَهَذَا كَلَامُ أَئِمَّةِ هَذَا الْفَنِّ وَكَيْفَ كَانَ فَمَتْنُ الْحَدِيثِ صَحِيحٌ مِنَ الطُّرُقِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ قيل هَذِهِ الطَّرِيقِ وَمِنَ الطَّرِيقِ الَّتِي ذَكَرَهَا غَيْرُهُ والله أعلم

(باب غسل الوجه واليدين إذا استيقظ من النوم)

(بَابُ غَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنَ النوم) فيه (بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ نَامَ) الظَّاهِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ الْحَدَثُ وَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالْحِكْمَةُ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ إِذْهَابُ النُّعَاسِ وَآثَارِ النَّوْمِ وَأَمَّا غسل اليد فقال القاضي لعله كان لشئ نَالَهُمَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّوْمَ بَعْدَ الِاسْتِيقَاظِ فِي اللَّيْلِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَقَدْ جَاءَ عَنْ بَعْضِ زُهَّادِ السَّلَفِ كَرَاهَةُ ذَلِكَ وَلَعَلَّهُمْ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا مَنْ لَمْ يَأْمَنِ اسْتِغْرَاقَ النَّوْمِ بِحَيْثُ يُفَوِّتُهُ وَظِيفَتَهُ وَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمَنُ مِنْ فَوَاتِ أَوْرَادِهِ وَوَظِيفَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب جَوَازِ نَوْمِ الْجُنُبِ وَاسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ لَهُ) (وَغَسْلِ الْفَرْجِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَنَامَ أَوْ يُجَامِعَ) فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وهو جنب

توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام) وفى رِوَايَةٍ (إِذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) وَفِي رِوَايَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٍ قَالَ نَعَمْ إِذَا تَوَضَّأَ) وَفِي رِوَايَةٍ (نَعَمْ لِيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لْيَنَمْ حَتَّى يَغْتَسِلَ إِذَا شَاءَ) وَفِي رِوَايَةٍ (تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ) وَفِي رِوَايَةٍ

(إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا كَانَ جُنُبًا رُبَّمَا اغْتَسَلَ فَنَامَ وَرُبَّمَا تَوَضَّأَ فَنَامَ) وَفِي رِوَايَةٍ (إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا) وَفِي رِوَايَةٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ) حَاصِلُ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَنَامَ وَيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيُجَامِعَ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أن بدن الجنب وغرقه طَاهِرَانِ وَفِيهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَغْسِلَ فَرْجَهُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ كُلِّهَا وَلَا سِيَّمَا إِذَا أَرَادَ جِمَاعَ مَنْ لَمْ يُجَامِعْهَا فَإِنَّهُ يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُ غَسْلِ ذَكَرِهِ وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يُكْرَهُ النَّوْمُ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ قَبْلَ الْوُضُوءِ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا أَنَّ هَذَا الْوُضُوءَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَبِهَذَا قَالَ مالك والجمهور وذهب بن حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إِلَى وُجُوبِهِ

وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ وَالْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ وُضُوءُ الصلاة الكامل وأما حديث بن عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْبَابِ قَبْلِهِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي الْجَنَابَةِ بَلْ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسَّ مَاءً رَوَاهُ أَبُو داود والترمذى والنسائى وبن مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَهَمَ أَبُو إِسْحَاقَ فِي هَذَا يَعْنِي فِي قَوْلِهِ لَا يَمَسُّ مَاءً وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ يَرَوْنَ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ طَعَنَ الْحُفَّاظُ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَبَانَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ ضَعْفُ الْحَدِيثِ وَإِذَا ثبت ضعفه لم يبق فيه ما يعترض به على ما قدمناه ولوصح لَمْ يَكُنْ أَيْضًا مُخَالِفًا بَلْ كَانَ لَهُ جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا جَوَابُ الْإِمَامَيْنِ الْجَلِيلَيْنِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ شُرَيْحٍ وَأَبِي بَكْرٍ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَمَسَّ مَاءً لِلْغُسْلِ وَالثَّانِي وَهُوَ عِنْدِي حَسَنٌ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ كَانَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لَا يَمَسَّ مَاءً أَصْلًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ إِذْ لَوْ وَاظَبَ عَلَيْهِ لَتُوُهِّمَ وُجُوبُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا طَوَافُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ بَيْنَهُمَا أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ بَيَانَ جَوَازِ تَرْكِ الْوُضُوءِ وَقَدْ جَاءَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ يَغْتَسِلُ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَجْعَلُهُ غُسْلًا وَاحِدًا فَقَالَ هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ قُلْتُ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ يَكُونُ هَذَا فِي وَقْتٍ وَذَاكَ فِي وَقْتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حِكْمَةِ هَذَا الْوُضُوءِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لِأَنَّهُ يُخَفِّفُ الْحَدَثَ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِهِ فَقِيلَ لِيَبِيتَ عَلَى إِحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ خَشْيَةَ أَنْ يَمُوتَ فِي مَنَامِهِ وَقِيلَ بَلْ لَعَلَّهُ أَنْ يَنْشَطَ إِلَى الْغُسْلِ إِذَا نَالَ الْمَاءُ أَعْضَاءَهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِي وُضُوءِ الْحَائِضِ قَبْلَ أَنْ تَنَامَ فَمَنْ عَلَّلَ بِالْمَبِيتِ عَلَى طَهَارَةٍ اسْتَحَبَّهُ لَهَا هَذَا كَلَامُ الْمَازِرِيِّ وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يُؤَثِّرُ فِي حَدَثِهِمَا فَإِنْ كَانَتِ الْحَائِضُ قَدِ انْقَطَعَتْ حَيْضَتُهَا صَارَتْ كَالْجُنُبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا طَوَافُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِرِضَاهُنَّ أَوْ بِرِضَى صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ إِنْ كَانَتْ نَوْبَةً وَاحِدَةً وَهَذَا التَّأْوِيلُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مَنْ يَقُولُ كَانَ الْقَسْمُ وَاجِبًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدَّوَامِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْنَا وَأَمَّا مَنْ لَا يُوجِبُهُ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ

(باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها)

وَهَذَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ الْقَسْمِ هُوَ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنَّمَا يَتَضَيَّقُ عَلَى الْإِنْسَانِ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدِ اخْتَلَفَ أصحابنا فى الموجب لغسل الجنابة هل هو حُصُولُ الْجَنَابَةِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ أَوْ إِنْزَالُ الْمَنِيِّ أَمْ هُوَ الْقِيَامُ إِلَى الصَّلَاةِ أَمْ هُوَ حُصُولُ الْجَنَابَةِ مَعَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا وَمَنْ قَالَ يَجِبُ بِالْجَنَابَةِ قَالَ هُوَ وُجُوبٌ مُوَسَّعٌ وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي مُوجِبِ الْوُضُوءِ هَلْ هُوَ الْحَدَثُ أَمِ الْقِيَامُ إِلَى الصَّلَاةِ أَمِ الْمَجْمُوعُ وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي الْمُوجِبِ لِغُسْلِ الْحَيْضِ هَلْ هُوَ خُرُوجُ الدَّمِ أَمِ انْقِطَاعِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَسَانِيدِ الْبَابِ فقوله قال بن الْمُثَنَّى فِي حَدِيثِهِ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يحدث معناه قال بن الْمُثَنَّى فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ قَالَ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ أَقْوَى مِنَ الْأُولَى فَإِنَّ الْأُولَى بِعَنْ عَنْ وَالثَّانِيَةَ بِحَدَّثَنَا وَسَمِعْتُ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ حَدَّثَنَا وَسَمِعْتُ أَقْوَى مِنْ عَنْ وَقَدْ قَالَتْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنَّ عَنْ لَا تَقْتَضِي الِاتِّصَالَ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ مُدَلِّسٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَ هَذَا فِي الْفُصُولِ وَفِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ بَعْدَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدِّهِ مُقَدَّمٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَفِيهِ أَبُو الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ هُوَ أَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيُّ وَاسْمُهُ عَلِيُّ بْنُ داود وقيل بن داود بِضَمِّ الدَّالِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي نَاجِيَةَ قَبِيلَةٍ مَعْرُوفَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْهَا) فِيهِ (أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ عَائِشَةُ رَضِيَ الله عنها

يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمَرْأَةُ تَرَى مَا يَرَى الرَّجُلُ فِي الْمَنَامِ فَتَرَى مِنْ نَفْسِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ مِنْ نَفْسِهِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَا أُمَّ سُلَيْمٍ فَضَحْتِ النِّسَاءَ تَرِبَتْ يَمِينُكِ قَوْلُهَا تَرِبَتْ يَمِينُكِ خَيْرٌ فَقَالَ لِعَائِشَةَ بَلْ أَنْتِ فَتَرِبَتْ يَمِينُكِ نَعَمْ فَلْتَغْتَسِلْ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ إِذَا رَأَتْ ذَلِكَ) وَفِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ الرِّوَايَاتُ الْبَاقِيَةُ وَسَتَمُرَّ عَلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى اعْلَمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا خَرَجَ مِنْهَا الْمَنِيُّ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ كَمَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ بِخُرُوجِهِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ أَوْ إِيلَاجِ الذَّكَرِ فِي الْفَرْجِ وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهَا بِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِهِ عَلَى مَنْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَصْلًا وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وُجُوبُ الْغُسْلِ وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا أَلْقَتْ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَمَنْ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إِنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلَ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ سَوَاءٌ كَانَ بِشَهْوَةٍ وَدَفْقٍ أَمْ بِنَظَرٍ أَمْ فِي النَّوْمِ أَوْ فِي الْيَقَظَةِ وَسَوَاءٌ أَحَسَّ بِخُرُوجِهِ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ خَرَجَ مِنَ الْعَاقِلِ أَمْ مِنَ الْمَجْنُونِ ثُمَّ إِنَّ الْمُرَادَ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الظَّاهِرِ أَمَّا مَا لَمْ يَخْرُجْ فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَرَى النَّائِمُ أَنَّهُ يُجَامِعُ وَأَنَّهُ قَدْ أَنْزَلَ ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ فَلَا يَرَى شَيْئًا فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعِ المسلمين وكذا لو اضطرب بدنه لمبادى خُرُوجِ الْمَنِيِّ فَلَمْ يَخْرُجْ وَكَذَا لَوْ نَزَلَ الْمَنِيُّ إِلَى أَصْلِ الذَّكَرِ ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ فَلَا غُسْلَ وَكَذَا لَوْ صَارَ الْمَنِيُّ فِي وَسَطِ الذَّكَرِ وَهُوَ فِي صَلَاةِ فَأَمْسَكَ بِيَدِهِ عَلَى ذَكَرِهِ فَوْقَ حَائِلٍ فَلَمْ يَخْرُجِ الْمَنِيُّ حَتَّى سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ فَإِنَّهُ مازال مُتَطَهِّرًا حَتَّى خَرَجَ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي هَذَا إِلَّا أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ ثَيِّبًا فَنَزَلَ الْمَنِيُّ إِلَى فَرْجِهَا وَوَصَلَ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهَا غَسْلُهُ فِي الْجَنَابَةِ وَالِاسْتِنْجَاءِ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ حَالَ قُعُودِهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ بوصول المنى إلى ذلك موضع لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا لَمْ يَلْزَمْهَا مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ فَرْجِهَا لِأَنَّ دَاخِلَ فَرْجِهَا كَدَاخِلِ إِحْلِيلِ الرَّجُلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَلْفَاظُ الْبَابِ وَمَعَانِيهِ فَفِيهِ أُمُّ سُلَيْمٍ وَهِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْمِهَا فَقِيلَ اسْمُهَا سَهْلَةُ وَقِيلَ مُلَيْكَةُ وقيل رميثة وقيل أنيفة ويقال الرميضا

وَالْغُمَيْصَا وَكَانَتْ مِنْ فَاضِلَاتِ الصَّحَابِيَّاتِ وَمَشْهُورَاتِهِنَّ وَهِيَ أُخْتُ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عنها فضحت النساء فمعناه حَكَيْتِ عَنْهُنَّ أَمْرًا يُسْتَحَيَا مِنْ وَصْفِهِنَّ بِهِ وَيَكْتُمْنَهُ وَذَلِكَ أَنَّ نُزُولَ الْمَنِيِّ مِنْهُنَّ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ شَهْوَتِهِنَّ لِلرِّجَالِ وَأَمَّا قَوْلُهَا تَرِبَتْ يَمِينُكِ فَفِيهِ خِلَافٌ كَثِيرٌ مُنْتَشِرٌ جِدًّا لِلسَّلَفِ والخلف من الطوائف كلها ولأصح الْأَقْوَى الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ فِي مَعْنَاهُ أَنَّهَا كلمة أصلها افتقرت ولكن العرب اعتادت استعماله غَيْرَ قَاصِدَةٍ حَقِيقَةَ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ فَيَذْكُرُونَ تَرِبَتْ يَدَاكَ وَقَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَشْجَعَهُ وَلَا أُمَّ لَهُ وَلَا أَبَ لَكَ وَثَكِلَتْهُ أُمُّهُ وَوَيْلُ أمه وما أشبه هذا من ألفاظهم يقولنها عند انكار الشئ أو الزجر عنه أزجر عَنْهُ أَوِ الذَّمِّ عَلَيْهِ أَوِ اسْتِعْظَامِهِ أَوِ الْحَثُّ عَلَيْهِ أَوِ الْإِعْجَابِ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ بَلْ أَنْتِ فَتَرِبَتْ يَمِينُكِ فَمَعْنَاهُ أَنْتِ أَحَقُّ أَنْ يُقَالَ لَكِ هَذَا فَإِنَّهَا فَعَلَتْ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنَ السُّؤَالِ عَنْ دِينِهَا فَلَمْ تَسْتَحِقَّ الْإِنْكَارَ وَاسْتَحْقَقْتِ أَنْتِ الْإِنْكَارَ لِإِنْكَارِكِ مَا لا انكار فيه وأما قوله قَوْلُهَا تَرِبَتْ يَمِينُكِ خَيْرٌ فَكَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ وَلَمْ يَقَعْ هَذَا التَّفْسِيرُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي إِثْبَاتِهِ وَحَذْفِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُثْبِتُونَ فِي ضَبْطِهِ فَنَقَلَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُ عَنِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ خَيْرٌ بِإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ ضِدَّ الشَّرِّ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ خَبَرٌ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ الْقَاضِي عياض وهذا الثانى ليس بشئ قُلْتُ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَالْأَوَّلُ مَعْنَاهُ لَمْ تُرِدْ بِهَذَا شَتْمًا وَلَكِنَّهَا كَلِمَةٌ تَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ وَمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِدُعَاءٍ بَلْ هُوَ خَبَرٌ لَا يُرَادُ حَقِيقَتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ) هُوَ عَبَّاسٌ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَصَحَّفَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ لِكِتَابِ مُسْلِمٍ فَقَالَ عَيَّاشٌ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ غَلَطٌ صَرِيحٌ فَإِنَّ عَيَّاشًا بِالْمُعْجَمَةِ هُوَ عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ الرَّقَّامُ الْبَصْرِيُّ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ مُسْلِمٌ شَيْئًا وَرَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ

وأما عباس بالمهملة فهو بن الْوَلِيدِ الْبَصْرِيُّ التُّرْسِيُّ وَرَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ جَمِيعًا وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَانَ غَلَطُ هَذَا الْقَائِلِ وَقَعَ لَهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمَا مُشْتَرَكَانِ فِي الْأَبِ وَالنَّسَبِ وَالْعَصْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ وَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ ذَلِكَ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ أَنَّهُ هَكَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَأَنَّهُ غُيِّرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَجُعِلَ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَالْمَحْفُوظُ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى أُمُّ سَلَمَةَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ السَّائِلَةَ هِيَ أُمُّ سُلَيْمٍ وَالرَّادَّةُ عَلَيْهَا أُمُّ سَلَمَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَعَائِشَةُ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ جَمِيعًا أَنْكَرَتَا عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الحديث يقولون الصحيح هنا أم سلمة لعائشة وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَلَدَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَمَاءِ الْمَرْأَةِ فَأَيُّهُمَا غَلَبَ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ وَإِذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ مَنِيٌّ فَإِنْزَالُهُ وَخُرُوجُهُ مِنْهَا مُمْكِنٌ وَيُقَالُ شِبْهٌ وَشَبَهٌ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ إِحْدَاهُمَا بِكَسْرِ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ وَالثَّانِيَةُ بِفَتْحِهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ) هَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْمَنِيِّ وَهَذِهِ صِفَتُهُ فِي حَالِ السَّلَامَةِ وَفِي الْغَالِبِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَنِيُّ الرَّجُلِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ أَبْيَضُ ثَخِينٌ يَتَدَفَّقُ فِي خُرُوجِهِ دَفْقَةً بَعْدَ دَفْقَةٍ وَيَخْرُجُ بشهوة ويتلذذ بِخُرُوجِهِ وَإِذَا خَرَجَ اسْتَعْقَبَ خُرُوجَهُ فُتُورًا وَرَائِحَةً كَرَائِحَةِ طَلْعِ النَّخْلِ وَرَائِحَةُ الطَّلْعِ قَرِيبَةٌ مِنْ رَائِحَةِ الْعَجِينِ وَقِيلَ تُشْبِهُ رَائِحَتُهُ رَائِحَةُ الْفَصِيلِ وقيل إذا يبس كان رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ الْبَوْلِ فَهَذِهِ صِفَاتُهُ وَقَدْ يُفَارِقُهُ بَعْضُهَا مَعَ بَقَاءِ مَا يَسْتَقِلُّ بِكَوْنِهِ مَنِيًّا وَذَلِكَ بِأَنْ يَمْرَضْ فَيَصِيرُ مَنِيُّهُ رَقِيقًا أَصْفَرَ أَوْ يَسْتَرْخِيَ وِعَاءُ الْمَنِيِّ فَيَسِيلُ مِنْ غَيْرِ الْتِذَاذٍ وَشَهْوَةٍ أَوْ يَسْتَكْثِرُ مِنَ الْجِمَاعِ فَيَحْمَرَّ ويصير كماء اللحم وربما خرج دما غبيطا وَإِذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ أَحْمَرَ فَهُوَ طَاهِرٌ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ كَمَا لَوْ كَانَ أَبْيَضَ ثُمَّ إِنَّ خَوَاصَّ الْمَنِيِّ الَّتِي عَلَيْهَا الِاعْتِمَادُ فِي كَوْنِهِ مَنِيًّا ثَلَاثٌ أَحَدُهَا الْخُرُوجُ بِشَهْوَةٍ مَعَ

الفتور عقبه والثانية الرائحة التي شبه الطَّلْعِ كَمَا سَبَقَ الثَّالِثُ الْخُرُوجُ بِزُرَيْقٍ وَدَفْقٍ وَدَفَعَاتٍ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ كَافِيَةٌ فِي إِثْبَاتِ كَوْنِهِ مَنِيًّا وَلَا يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهَا فيه واذا لم يوجد شئ مِنْهَا لَمْ يُحْكَمْ بِكَوْنِهِ مَنِيًّا وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ كَوْنُهُ لَيْسَ مَنِيًّا هَذَا كُلُّهُ فِي مَنِيِّ الرَّجُلِ وَأَمَّا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ فَهُوَ أَصْفَرُ رَقِيقٌ وَقَدْ يَبْيَضُّ لِفَضْلِ قُوَّتِهَا وَلَهُ خَاصِّيَّتَانِ يُعْرَفُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِحْدَاهُمَا أَنَّ رَائِحَتَهُ كَرَائِحَةِ مَنِيِّ الرَّجُلِ وَالثَّانِيَةُ التَّلَذُّذُ بِخُرُوجِهِ وَفُتُورُ شَهْوَتِهَا عَقِبَ خُرُوجِهِ قَالُوا وَيَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ بِأَيِّ صِفَةٍ وَحَالٍ كَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلَا أَوْ سَبَقَ يَكُونُ مِنْهُ الشَّبَهُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (إِذَا عَلَا مَاؤُهَا مَاءَ الرَّجُلِ وَإِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَهَا) قَالَ الْعُلَمَاءُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعُلُوِّ هُنَا السَّبْقُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْكَثْرَةُ وَالْقُوَّةُ بِحَسَبِ كَثْرَةِ الشَّهْوَةِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلَا هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ فَمِنْ أَيِّهِمَا بِكَسْرِ الْمِيمِ وَبَعْدَهَا نُونٌ سَاكِنَةٌ وَهِيَ الْحَرْفُ الْمَعْرُوفُ وَإِنَّمَا ضَبَطْتُهُ لِئَلَّا يُصَحَّفَ بِمَنِيٍّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ) هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا كَانَ مِنْهَا مَا يَكُونُ مِنَ الرَّجُلِ فَلْتَغْتَسِلْ) مَعْنَاهُ إِذَا خَرَجَ مِنْهَا الْمَنِيُّ فَلْتَغْتَسِلْ كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ اغْتَسَلَ وَهَذَا مِنْ حُسْنِ الْعِشْرَةِ وَلُطْفِ الْخِطَابِ وَاسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْجَمِيلِ مَوْضِعَ اللَّفْظِ الَّذِي يُسْتَحَيَا مِنْهُ فِي الْعَادَةِ وَاللَّهُ أعلم قولها (إن الله لا يستحي من الحق

قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ بَيَانِ الْحَقِّ وَضَرْبِ الْمَثَلِ بِالْبَعُوضَةِ وَشِبْهِهَا كَمَا قَالَ سبحانه وتعالى أن الله لا يستحي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَكَذَا أَنَا لَا أَمْتَنِعُ مِنْ سُؤَالِي عَمَّا أَنَا مُحْتَاجَةٌ إِلَيْهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْحَيَاءِ فِي الْحَقِّ وَلَا يُبِيحُهُ وَإِنَّمَا قَالَتْ هَذَا اعْتِذَارًا بَيْنَ يَدَيْ سُؤَالِهَا عما دعت الحاجة إليه مما تستحي النِّسَاءُ فِي الْعَادَةِ مِنَ السُّؤَالِ عَنْهُ وَذِكْرَهُ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ فَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ عَرَضَتْ لَهُ مَسْأَلَةٌ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا وَلَا يَمْتَنِعَ مِنَ السُّؤَالِ حَيَاءً مِنْ ذِكْرِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَيَاءٍ حَقِيقِيٍّ لِأَنَّ الْحَيَاءَ خَيْرٌ كُلُّهُ وَالْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ وَالْإِمْسَاكُ عَنِ السُّؤَالِ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَيْسَ بِخَيْرٍ بَلْ هُوَ شَرٌّ فَكَيْفَ يَكُونُ حَيَاءً وَقَدْ تَقَدَّمَ إِيضَاحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَهْلُ العربية يقال استحيا بياء قبل الألف يستحي بِيَاءَيْنِ وَيُقَالُ أَيْضًا يَسْتَحِي بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ فِي الْمُضَارِعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ لَهَا أُفٍّ لَكِ) مَعْنَاهُ اسْتِحْقَارًا لَهَا وَلِمَا تَكَلَّمَتْ بِهِ وَهِيَ كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ فِي الِاحْتِقَارِ وَالِاسْتِقْذَارِ وَالْإِنْكَارِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَالْمُرَادُ بِهَا

هُنَا الْإِنْكَارُ وَأَصْلُ الْأُفِّ وَسَخُ الْأَظْفَارِ وَفِي أُفٍّ عَشْرُ لُغَاتٍ أُفِّ وَأُفَّ وَأُفُّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَعَ كَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا بِغَيْرِ تَنْوِينٍ وَبِالتَّنْوِينِ فَهَذِهِ السِّتَّةُ وَالسَّابِعَةُ إِفَّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَالثَّامِنَةُ أُفْ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَالتَّاسِعَةُ أُفِّي بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِالْيَاءِ وَأُفِّهْ بِالْهَاءِ وَهَذِهِ اللُّغَاتُ مَشْهُورَاتٌ ذَكَرَهُنَّ كُلَّهُنَّ بن الْأَنْبَارِيِّ وَجَمَاعَاتٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَدَلَائِلُهَا مَشْهُورَةٌ وَمِنْ أخصرها ما ذكره الزجاج وبن الْأَنْبَارِيِّ وَاخْتَصَرَهُ أَبُو الْبَقَاءِ فَقَالَ مَنْ كَسَرَ بَنَاهُ عَلَى الْأَصْلِ وَمَنْ فَتَحَ طَلَبَ التَّخْفِيفَ وَمَنْ ضَمَّ أَتْبَعَ وَمَنْ نَوَّنَ أَرَادَ التَّنْكِيرَ وَمَنْ لَمْ يُنَوِّنْ أَرَادَ التَّعْرِيفَ وَمَنْ خَفَّفَ الْفَاءَ حَذَفَ أَحَدَ الْمِثْلَيْنِ تَخْفِيفًا وَقَالَ الْأَخْفَشُ وبن الْأَنْبَارِيِّ فِي اللُّغَةِ التَّاسِعَةِ بِالْيَاءِ كَأَنَّهُ إِضَافَةٌ إِلَى نَفْسِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ مُسَافِعِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِكَسْرِ الْفَاءِ قَوْلُهَا (تَرِبَتْ يَدَاكَ وَأُلَّتْ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ وَإِسْكَانِ التَّاءِ هَكَذَا الرِّوَايَةُ فِيهِ وَمَعْنَاهُ أَصَابَتْهَا الْأَلَّةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَهِيَ الْحَرْبَةُ وَأَنْكَرَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ هَذَا اللَّفْظَ وَزَعَمَ أَنَّ صَوَابَهُ أَلِلْتِ بِلَامَيْنِ الْأُولَى مَكْسُورَةٌ وَالثَّانِيَةُ سَاكِنَةٌ وَبِكَسْرِ التَّاءِ وَهَذَا الْإِنْكَارُ فَاسِدٌ بَلْ مَا صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَةُ صَحِيحٌ وَأَصْلُهُ أَلِلَتْ بِكَسْرِ اللَّامِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَإِسْكَانِ التَّاءِ كَرَدَّتْ أَصْلُهُ رَدَدِتَ وَلَا يَجُوزُ فَكُّ هَذَا الْإِدْغَامِ إِلَّا مَعَ الْمُخَاطَبِ وَإِنَّمَا وَحَّدَ أَلَّتْ مَعَ تَثْنِيَةِ يَدَاكِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَرَادَ الْجِنْسَ وَالثَّانِي صَاحِبَةُ الْيَدَيْنِ أَيْ وَأَصَابَتْكِ

(باب بيان صفة مني الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من

الْأَلَّةُ فَيَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ دُعَاءَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب بَيَانِ صِفَةِ مَنِيِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَأَنَّ الولد مخلوق من مائها) فِيهِ حَدِيثُ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ الْحَبْرِ الْيَهُودِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ بَيَانُ صِفَةِ الْمَنِيِّ وَأَمَّا الْحَبْرُ فهو بفتح الحاء وكسرها لغتان مشهورتان وهو الْعَالِمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْحَاءِ وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ مَرْثَدٍ الشَّامِيُّ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ بْنُ زَيْدٍ كَانَ أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ مِنْ رَحَبَةِ دِمَشْقٍ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ دِمَشْقٍ مِيلٌ رَأَيْتُهَا عَامِرَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَنَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُودٍ) هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْكَافِ وَبِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَمَعْنَاهُ يَخُطُّ بِالْعُودِ فِي الْأَرْضِ وَيُؤَثِّرُ بِهِ فِيهَا وَهَذَا يَفْعَلُهُ الْمُفَكِّرُ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ فِعْلِ مِثْلِ هَذَا وَأَنَّهُ لَيْسَ مُخِلًّا بِالْمُرُوءَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الصراط قوله صلى الله عليه وسلم (فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً) هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَبِالزَّايِ وَمَعْنَاهُ جَوَازًا وَعُبُورًا قَوْلُهُ (فَمَا تُحْفَتُهُمْ) هِيَ بِإِسْكَانِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ وَهِيَ مَا يُهْدَى إِلَى الرَّجُلِ وَيُخَصُّ بِهِ وَيُلَاطَفُ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ هِيَ طَرَفُ الْفَاكِهَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (زِيَادَةُ كَبِدِ النُّونِ) هُوَ النُّونُ بِنُونَيْنِ الْأُولَى مَضْمُومَةٌ وَهُوَ الْحُوتُ وَجَمْعُهُ نِينَانٌ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (زَائِدَةُ كبد النون) والزيادة والزائدة شئ وَاحِدٌ وَهُوَ طَرَفُ الْكَبِدِ وَهُوَ أَطْيَبُهَا قَوْلُهُ (فَمَا غِذَاؤُهُمْ) رُوِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالثَّانِي بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ قَالَ وَالْأَوَّلُ لَيْسَ بشئ قُلْتُ وَلَهُ وَجْهٌ وَتَقْدِيرُهُ مَا غِذَاؤُهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ وَالسُّؤَالُ عَنْ غِذَائِهِمْ دَائِمًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَلَى إِثْرِهَا) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَعَ إِسْكَانِ الثَّاءِ وَبِفَتْحِهِمَا جَمِيعًا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلَا) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْمُفَسِّرِينَ السَّلْسَبِيلُ اسْمٌ لِلْعَيْنِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ هِيَ شَدِيدَةُ الْجَرْيِ وَقِيلَ هِيَ السلسة اللَّيِّنَةُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ وَآنَثَا بِإِذْنِ اللَّهِ) مَعْنَى الْأَوَّلِ

(باب صفة غسل الجنابة)

كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا وَمَعْنَى الثَّانِي كَانَ أُنْثَى وقوله آنَثَا بِالْمَدِّ فِي أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَقَدْ رُوِيَ بِالْقَصْرِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب صِفَةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ) قَالَ أَصْحَابُنَا كَمَالُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَنْ يَبْدَأَ الْمُغْتَسِلُ فَيَغْسِلُ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ يَغْسِلُ مَا عَلَى فَرْجِهِ وَسَائِرِ بَدَنِهِ مِنَ الْأَذَى ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ بِكَمَالِهِ ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا فِي الْمَاءِ فَيَغْرِفُ غُرْفَةً يُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ مِنْ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ ثُمَّ يَحْثِي عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ وَيَتَعَاهَدَ مَعَاطِفَ بَدَنِهِ كَالْإِبْطَيْنِ وَدَاخِلِ الْأُذُنَيْنِ وَالسُّرَّةِ وَمَا بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ وَأَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ وَعُكَنِ الْبَطْنِ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَيُوَصِّلُ الْمَاءَ إِلَى جَمِيعِ ذَلِكَ ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى سائر جَسَدِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يُدَلِّكُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مَا تَصِلُ إِلَيْهِ يَدَاهُ مِنْ بَدَنِهِ وَإِنْ كَانَ يَغْتَسِلُ فِي نَهَرٍ أَوْ بِرْكَةٍ انْغَمَسَ فِيهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيُوصِلُ الْمَاءَ إِلَى جَمِيعِ بَشَرَتِهِ وَالشُّعُورِ الْكَثِيفَةِ وَالْخَفِيفَةِ وَيَعُمُّ بِالْغُسْلِ ظَاهِرَ الشَّعْرِ وَبَاطِنَهُ وَأُصُولَ مَنَابِتِهِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِمَيَامِنِهِ وَأَعَالِي بَدَنِهِ وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ

إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَيَنْوِيَ الْغُسْلَ مِنْ أَوَّلِ شُرُوعِهِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَيَسْتَصْحِبَ النِّيَّةَ إِلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ غُسْلِهِ فَهَذَا كَمَالُ الْغُسْلِ وَالْوَاجِبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ النِّيَّةُ فِي أَوَّلِ مُلَاقَاةِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنَ الْبَدَنِ لِلْمَاءِ وَتَعْمِيمِ الْبَدَنِ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ بِالْمَاءِ وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الْبَدَنُ طَاهِرًا مِنَ النَّجَاسَةِ وَمَا زَادَ عَلَى هَذَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ سُنَّةٌ وَيَنْبَغِي لِمَنِ اغْتَسَلَ مِنْ إِنَاءٍ كَالْإِبْرِيقِ وَنَحْوِهِ أَنْ يَتَفَطَّنَ لِدَقِيقَةٍ قَدْ يَغْفُلُ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّهُ إِذَا اسْتَنْجَى وَطَهَّرَ مَحَلَّ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَغْسِلَ مَحَلَّ الِاسْتِنْجَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ بِنِيَّةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَغْسِلْهُ الْآنَ رُبَّمَا غَفَلَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ غَسْلُهُ لِتَرْكِ ذَلِكَ وَإِنْ ذَكَرَهُ احْتَاجَ إِلَى مَسِّ فَرْجِهِ فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ أَوْ يَحْتَاجُ إِلَى كُلْفَةٍ فِي لَفِّ خِرْقَةٍ عَلَى يَدِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ كَثِيرِينَ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَلَمْ يُوجِبْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الدَّلْكَ فِي الْغُسْلِ وَلَا فِي الْوُضُوءِ إِلَّا مَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ وَمَنْ سِوَاهُمَا يَقُولُ هُوَ سُنَّةٌ لَوْ تَرَكَهُ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَلَمْ يُوجِبْ أَيْضًا الْوُضُوءَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ إِلَّا دَاوُدَ الظَّاهِرِيَّ وَمَنْ سِوَاهُ يَقُولُونَ هُوَ سُنَّةٌ فَلَوْ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ صَحَّ غُسْلُهُ وَاسْتَبَاحَ بِهِ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ كَمَا ذَكَرْنَا وَتَحْصُلُ الْفَضِيلَةُ بِالْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ أَوْ بَعْدَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ أَوَّلًا لَا يَأْتِي بِهِ ثَانِيًا فَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وُضُوءَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِصِفَةِ الْغُسْلِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى مُعْظَمِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَمَا بَقِيَ فَلَهُ دَلَائِلُ مَشْهُورَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَاتِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ إِفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْمَلَ الْوُضُوءَ بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَقَدْ جَاءَ فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِ مَيْمُونَةَ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِهَا رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ غَيْرَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ ثُمَّ نَحَّى قَدَمَيْهِ فَغَسَلَهُمَا وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِتَأْخِيرِ الْقَدَمَيْنِ وَلِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا وَالْمُخْتَارُ مِنْهُمَا أَنَّهُ يُكْمِلُ وُضُوءَهُ بِغَسْلِ الْقَدَمَيْنِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يُؤَخِّرُ غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ فَعَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ يَتَأَوَّلُ رِوَايَاتِ عَائِشَةَ وَأَكْثَرَ رِوَايَاتِ مَيْمُونَةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِوُضُوءِ الصَّلَاةِ أَكْثَرَهُ وَهُوَ مَا سِوَى الرِّجْلَيْنِ كَمَا بَيَّنَتْهُ مَيْمُونَةُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ وَتِلْكَ الرِّوَايَةُ مُحْتَمِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ الصَّحِيحِ فَيُعْمَلُ بِظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ عَنْ عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ جَمِيعًا فِي تَقْدِيمِ وُضُوءِ

الصَّلَاةِ فَإِنَّ ظَاهَرَهُ كَمَالُ الْوُضُوءِ فَهَذَا كَانَ الْغَالِبَ وَالْعَادَةَ الْمَعْرُوفَةَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُعِيدُ غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ لِإِزَالَةِ الطِّينِ لَا لِأَجْلِ الْجَنَابَةِ فَتَكُونُ الرِّجْلُ مَغْسُولَةً مَرَّتَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْأَكْمَلُ الْأَفْضَلُ فَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَاظِبُ عَلَيْهِ وَأَمَّا رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ عَنْ مَيْمُونَةَ فَجَرَى ذَلِكَ مَرَّةً أَوْ نَحْوَهَا بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَهَذَا كَمَا ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَمَرَّةً مَرَّةً فَكَانَ الثَّلَاثُ فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ لِكَوْنِهِ الْأَفْضَلُ وَالْمَرَّةُ فِي نَادِرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا نِيَّةُ هَذَا الْوُضُوءِ فَيَنْوِي بِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ جُنُبًا غَيْرَ مُحْدِثٍ فَإِنَّهُ يَنْوِي بِهِ سُنَّةَ الْغُسْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيُلَيِّنَ الشَّعْرَ وَيُرَطِّبْهُ فيسهل مُرُورُ الْمَاءِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا رَأَى أنه قد استبرأ حفن على

رأسه ثلاث حَفَنَاتٍ) مَعْنَى اسْتَبْرَأَ أَيْ أَوْصَلَ الْبَلَلَ إِلَى جَمِيعِهِ وَمَعْنَى حَفَنَ أَخَذَ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا قَوْلُهَا (أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ) هُوَ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ قَوْلُهَا (ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَلْمُسْتَنْجِي بِالْمَاءِ إِذَا فَرَغَ أَنْ يَغْسِلُ يَدَهُ بِتُرَابٍ أَوْ أُشْنَانٍ أَوْ يَدْلُكُهَا بِالتُّرَابِ أَوْ بِالْحَائِطِ لِيَذْهَبَ الِاسْتِقْذَارُ مِنْهَا قَوْلُهَا (ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ مِلْءَ كفه) هكذا هو في الأصول الَّتِي بِبِلَادِنَا كَفِّهِ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ كَفَّيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِرِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وَالْحَفْنَةُ مِلْءُ الْكَفَّيْنِ جَمِيعًا قَوْلُهَا (ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَرْكِ تَنْشِيفِ الْأَعْضَاءِ وَقَدِ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ أَصْحَابِنَا فِي تَنْشِيفِ الْأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ أَشْهَرُهَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَرْكُهُ وَلَا يُقَالُ فِعْلُهُ مَكْرُوهٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ مُبَاحٌ يَسْتَوِي فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ فَإِنَّ الْمَنْعَ وَالِاسْتِحْبَابَ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ ظَاهِرٍ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِمَا فِيهِ مِنَ الِاحْتِرَازِ عَنِ الْأَوْسَاخِ وَالْخَامِسُ يُكْرَهُ فِي الصَّيْفِ دُونَ الشِّتَاءِ هَذَا مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَقَدِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَغَيْرُهُمْ فِي التَّنْشِيفِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَهُوَ قَوْلُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالثَّانِي مكروه فيهما وهو قول بن عمر وبن أَبِي لَيْلَى وَالثَّالِثُ يُكْرَهُ فِي الْوُضُوءِ دُونَ الغسل وهو قول بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَدْ جَاءَ فِي تَرْكِ التَّنْشِيفِ هَذَا الْحَدِيثُ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ

(اغتسل وخرج ورأسه يقطر ماء وأما فعل التنشيف فقد

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اغْتَسَلَ وَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً وَأَمَّا فِعْلُ التَّنْشِيفِ فَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ أَوْجُهٍ لَكِنَّ أَسَانِيدَهَا ضَعِيفَةٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم شئ وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى إِبَاحَةِ التَّنْشِيفِ بِقَوْلِ مَيْمُونَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَجَعَلَ يَقُولُ بِالْمَاءِ هَكَذَا يَعْنِي يَنْفُضُهُ قَالَ فَإِذَا كَانَ النَّفْضُ مُبَاحًا كَانَ التَّنْشِيفُ مِثْلُهُ أَوْ أَوْلَى لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إِزَالَةِ الْمَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا المنديل فبكسر الميم وهو معروف وقال بن فَارِسٍ لَعَلَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّدْلِ وَهُوَ النَّقْلُ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّدْلِ وَهُوَ الْوَسَخُ لِأَنَّهُ يُنْدَلُ بِهِ وَيُقَالُ تَنَدَّلْتُ بِالْمِنْدِيلِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيُقَالُ أَيْضًا تَمَنْدَلْتُ بِهِ وَأَنْكَرَهَا الْكِسَائِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (وَجَعَلَ يَقُولُ بِالْمَاءِ هَكَذَا يَعْنِي يَنْفُضُهُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَفْضَ الْيَدِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى أَوْجُهٍ أَشْهَرُهَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَرْكُهُ وَلَا يُقَالُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ مُبَاحٌ يَسْتَوِي فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ الْمُخْتَارُ فَقَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي الْإِبَاحَةِ ولم يثبت في النهي شئ أَصْلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالنُّونِ وَبِالزَّايِ)

قولها (دعا بشئ نَحْوَ الْحِلَابِ) هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَهُوَ إِنَاءٌ يُحْلَبُ فِيهِ وَيُقَالُ لَهُ الْمِحْلَبُ أَيْضًا بِكَسْرِ الْمِيمِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ إِنَاءٌ يَسَعُ قَدْرَ حَلْبَةِ نَاقَةٍ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الْهَرَوِيُّ عَنِ الْأَزْهَرِيِّ أَنَّهُ الْجُلَّابُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَأَرَادَ بِهِ مَاءَ الْوَرْدِ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَأَنْكَرَ الْهَرَوِيُّ هَذَا وَقَالَ أَرَاهُ الْحِلَابَ وَذَكَرَ نَحْوَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة)

(باب القدر المستحب من الماء في غسل الْجَنَابَةِ) (وَغُسْلِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ وَغُسْلِ أَحَدِهِمَا بِفَضْلِ الْآخَرِ) أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يُجْزِئُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بَلْ يَكْفِي فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ إِذَا وُجِدَ شَرْطُ الْغُسْلِ وَهُوَ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ يَرْفُقُ بِالْقَلِيلِ فَيَكْفِي وَيَخْرُقُ بِالْكَثِيرِ فَلَا يكفي قال العلماء والمستحب ان لاينقص في الغسل عن صاع ولافي الْوُضُوءِ عَنْ مُدٍّ وَالصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ عَلَى التقريب لاعلى التَّحْدِيدِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجْهًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الصَّاعَ هُنَا ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَالْمُدُّ رِطْلَانِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ وَلَوْ كان على شاطيء الْبَحْرِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْإِسْرَافُ حَرَامٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا تَطْهِيرُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ فَهُوَ جَائِزٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِي الْبَابِ وَأَمَّا تَطْهِيُرُ الْمَرْأَةِ بِفَضْلِ الرَّجُلِ فَجَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا وَأَمَّا تَطْهِيرُ الرَّجُلِ بِفَضْلِهَا فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ سَوَاءٌ خَلَتْ بِهِ أَوْ لَمْ تَخْلُ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ بِهِ وَذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَدَاوُدُ إِلَى أَنَّهَا إِذَا خَلَتْ بِالْمَاءِ وَاسْتَعْمَلَتْهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ فَضْلِهَا وَرُوِيَ هذاعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَذْهَبِنَا وَرُوِيَ عن الحسن

وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ كَرَاهَةُ فَضْلِهَا مُطْلَقًا وَالْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ الْجَمَاهِيرُ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي تَطْهِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَزْوَاجِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَعْمِلُ فَضْلَ صَاحِبِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْخَلْوَةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ بِفَضْلِ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ بِالنَّهْيِ وَهُوَ حَدِيثُ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو فَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ مِنْهُمُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنْ فَضْلِ أَعْضَائِهَا وَهُوَ الْمُتَسَاقِطُ مِنْهَا وَذَلِكَ مُسْتَعْمَلٌ الثَّالِثُ أَنَّ النَّهْيَ لِلِاسْتِحْبَابِ وَالْأَفْضَلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (الْفَرَقُ) قَالَ سُفْيَانُ هُوَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ أَمَّا كَوْنُهُ ثَلَاثَةَ آصُعٍ فَكَذَا قَالَهُ الْجَمَاهِيرُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا لغتان حكاهما بن دُرَيْدٍ وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَزَعَمَ الْبَاجِيُّ أَنَّهُ الصَّوَابُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ هُمَا لُغَتَانِ وَأَمَّا قَوْلُهُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ فَصَحِيحٌ فَصِيحٌ وَقَدْ جَهِلَ مَنْ أَنْكَرَ هَذَا وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا أَصْوُعٌ وَهَذِهِ مِنْهُ غَفْلَةٌ بَيِّنَةٌ أَوْ جَهَالَةٌ ظَاهِرَةٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَصْوُعٌ وَآصُعٌ فَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصْلُ وَالثَّانِي عَلَى الْقَلْبِ فَتُقَدَّمُ الْوَاوُ عَلَى الصَّادِ وَتُقْلَبُ أَلِفًا وَهَذَا كَمَا قَالُوا آدُرٌ وَشِبَهَهُ وَفِي الصَّاعِ لغتان التذكير والتأنيث ويقال صاع وصوع بفتح الصَّادِ وَالْوَاوِ وَصُوَاعٌ ثَلَاثُ لُغَاتٍ وَأَمَّا قَوْلُهَا كَانَ يَغْتَسِلُ مِنَ الْفَرَقِ فَلَفْظَةُ مِنْ هُنَا الْمُرَادُ بِهَا بَيَانُ الْجِنْسِ وَالْإِنَاءِ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ الْمَاءُ مِنْهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَغْتَسِلُ بِمَاءِ الْفَرَقِ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَدَحٍ يُقَالُ لَهُ الْفَرَقُ وَبِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ قَوْلُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ فِي الْقَدَحِ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ فِي الْقَدَحِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ مِنَ الْقَدَحِ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَا وَأَخُوهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ فَسَأَلَهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجَنَابَةِ فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ قَدْرَ الصَّاعِ فَاغْتَسَلَتْ وَبَيْنَنَا وَبَيْنِهَا سِتْرٌ فَأَفْرَغَتْ عَلَى رَأْسِهَا ثَلَاثًا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ظَاهِرُ الْحَدِيثِ

أَنَّهُمَا رَأَيَا عَمَلَهَا فِي رَأْسِهَا وَأَعَالِي جَسَدِهَا مِمَّا يَحِلُّ لِذِي الْمَحْرَمِ النَّظَرُ إِلَيْهِ مِنْ ذَاتِ الْمَحْرَمِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَخَاهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ كَمَا ذُكِرَ قِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يزيد وكان أبوسلمة بن أُخْتِهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ أَرْضَعَتْهُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ الْقَاضِي وَلَوْلَا أَنَّهُمَا شَاهَدَا ذَلِكَ وَرَأَيَاهُ لَمْ يَكُنْ لِاسْتِدْعَائِهَا الْمَاءَ وَطَهَارَتِهَا بِحَضْرَتِهِمَا مَعْنَى إِذْ لَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي سِتْرٍ عَنْهُمَا لَكَانَ عَبَثًا وَرَجَعَ الْحَالُ إِلَى وَصْفِهَا لَهُ وَإِنَّمَا فَعَلَتِ السِّتْرَ لِيَسْتَتِرَ أَسَافِلُ الْبَدَنِ وَمَا لَا يَحِلُّ لِلْمَحْرَمِ نَظَرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالرَّضَاعَةُ وَالرَّضَاعُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا فِيهِمَا لُغَتَانِ الْفَتْحُ أَفْصَحُ وَفِي هَذَا الَّذِي فَعَلَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّعْلِيمِ بِالْوَصْفِ بِالْفِعْلِ فَإِنَّهُ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ مِنَ الْقَوْلِ وَيَثْبُتُ فِي الْحِفْظِ مَا لايثبت بِالْقَوْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَكَانَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذْنَ مِنْ رؤوسهن حَتَّى تَكُونَ كَالْوَفْرَةِ) الْوَفْرَةُ أَشْبَعُ وَأَكْثَرُ مِنْ اللُّمَّةِ وَاللُّمَّةُ مَا يَلِمُّ بِالْمَنْكِبَيْنِ مِنَ الشَّعْرِ قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَقَالَ غَيْرُهُ الْوَفْرَةُ أَقَلُّ مِنَ اللُّمَّةِ وَهِيَ مَا لَا يُجَاوِزُ الْأُذُنَيْنِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الْوَفْرَةُ

مَا عَلَى الْأُذُنَيْنِ مِنَ الشَّعْرِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْمَعْرُوفُ أَنَّ نِسَاءَ الْعَرَبِ إِنَّمَا كُنَّ يَتَّخِذْنَ الْقُرُونَ وَالذَّوَائِبَ وَلَعَلَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلْنَ هَذَا بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَرْكِهِنَّ التَّزَيُّنَ وَاسْتِغْنَائِهِنَّ عَنْ تَطْوِيلِ الشَّعْرِ وَتَخْفِيفًا لمؤنة رؤوسهن وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ كَوْنِهِنَّ فَعَلْنَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لافي حَيَاتِهِ كَذَا قَالَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ ولايظن بِهِنَّ فِعْلُهُ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَخْفِيفِ الشُّعُورِ لِلنِّسَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (وَنَحْنُ جُنُبَانِ) هَذَا جَارٍ عَلَى إِحْدَى اللُّغَتَيْنِ فِي الْجُنُبِ أَنَّهُ يُثَنَّى وَيُجْمَعُ فَيُقَالُ جُنُبٌ وَجُنُبَانِ وَجَنِبُونَ وَأَجْنَابٌ وَاللُّغَةُ الْأُخْرَى رَجُلٌ جُنُبٌ وَرَجُلَانِ جُنُبٌ وَرِجَالٌ جُنُبٌ وَنِسَاءٌ جُنُبٌ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ قَالَ اللَّهُ تعالى وإن كنتم جنبا وقال تعالى ولا جنبا الْآيَةُ وَهَذِهِ اللُّغَةُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَيُقَالُ فِي الْفِعْلِ أَجْنَبَ الرَّجُلُ وَجُنِبَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ وَالْأُولَى أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَأَصْلُ الْجَنَابَةِ فِي اللُّغَةِ الْبُعْدُ وَتُطْلَقُ عَلَى الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلٌ بِجِمَاعٍ أَوْ خُرُوجِ مَنِيٍّ لِأَنَّهُ يَجْتَنِبُ الصَّلَاةَ وَالْقِرَاءَةَ وَالْمَسْجِدَ وَيَتَبَاعَدُ عَنْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ عِرَاكِ) هُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ قَوْلُهُ (إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ هِيَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى

(مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ) قَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَرِدُ فِي اغْتِسَالِهِ بِثَلَاثَةِ أَمْدَادٍ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمُدِّ هُنَا الصَّاعَ وَيَكُونَ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ الْفَرَقِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَاغْتَسَلَا مِنْ إِنَاءٍ يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ وَزَادَهُ لَمَّا فَرَغَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إِنَّهُ وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (ثَلَاثَةُ أَمْدَادٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ هُوَ الْفَرَقُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ قَدْرَ الصَّاعِ فَاغْتَسَلَتْ بِهِ وَفِي الْأُخْرَى (كَانَ يَغْتَسِلُ بِخَمْسِ مَكَاكِيكَ وَيَتَوَضَّأُ بِمَكُّوكٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (يُغَسِّلُهُ الصَّاعُ وَيُوَضِّئُهُ الْمُدُّ) وَفِي الْأُخْرَى (يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ) قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا كَانَتِ اغْتِسَالَاتٍ فِي أَحْوَالٍ وُجِدَ فِيهَا أكثر ما استعمله وأقله فدل على انه لاحد فِي قَدْرِ مَاءِ الطَّهَارَةِ يَجِبُ اسْتِيفَاؤُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءَ اسْمُهُ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ قَوْلُهُ عِلْمِي وَالَّذِي يَخْطُرُ عَلَى

بَالِي أَنَّ أَبَا الشَّعْثَاءَ أَخْبَرَنِي يُقَالُ يَخْطُرُ بِضَمِّ الطَّاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ الْكَسْرُ أَشْهَرُ مَعْنَاهُ يَمُرُّ وَيَجْرِي وَالْبَالُ الْقَلْبُ وَالذِّهْنُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ يُقَالُ خَطَرَ بِبَالِي وَعَلَى بَالِي كَذَا يَخْطِرُ خُطُورًا إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي بَالِكَ وَهَمِّكَ قَالَ غَيْرُهُ الْخَاطِرُ الْهَاجِسُ وَجَمْعُهُ خَوَاطِرُ وَهَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُتَابَعَةً لاانه قَصَدَ الِاعْتِمَادَ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (عن بن جَبْرٍ) هَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ وَقَدْ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ بعض الائمة وقال صوابه بن جَابِرٍ وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ هَذَا الْمُعْتَرِضِ بَلْ يُقَالُ فِيهِ جَابِرٌ وَجَبْرٌ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ وَأَنَّ مِسْعَرًا وَأَبَا الْعُمَيْسِ وَشُعْبَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِيسَى يَقُولُونَ فِيهِ جَبْرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ بِخَمْسِ مَكَاكِيكَ وَيَتَوَضَّأُ بِمَكُّوكٍ) وَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسِ مُكَاكِيَّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ والمكوك بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الْكَافِ الْأُولَى وَتَشْدِيدِهَا وَجَمْعُهُ مَكَاكِيكَ وَمَكَاكِيَّ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمَكُّوكِ هُنَا الْمُدُّ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ

قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو رَيْحَانَةَ عَنْ سَفِينَةَ) اسْمُ أَبِي رَيْحَانَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَطَرٍ وَيُقَالُ زِيَادُ بْنُ مَطَرٍ وَأَمَّا سَفِينَةُ فَهُوَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَوْلَاهُ يُقَالُ اسْمُهُ مِهْرَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَقِيلَ اسْمُهُ بَحْرَانُ وَقِيلَ رُومَانُ وَقِيلَ قَيْسٌ وَقِيلَ عُمَيْرٌ وَقِيلَ شُنْبَةُ بِإِسْكَانِ النُّونِ بَعْدَ الشِّينِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ كُنْيَتُهُ الْمَشْهُورَةُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ قِيلَ سَبَبُ تَسْمِيَتِهِ سَفِينَةَ أَنَّهُ حَمَلَ مَتَاعًا كَثِيرًا لِرُفْقَةٍ فِي الْغَزْوِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ سَفِينَةُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حدثنا بن عُلَيَّةَ ح وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ عَنْ سَفِينَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ وَيَتَطَهَّرُ بِالْمُدِّ وفي حديث بن حُجْرٍ أَوْ قَالَ وَيُطَهِّرُهُ الْمُدُّ قَالَ وَكَانَ كَبِرَ وَمَا كُنْتُ أَثِقُ بِحَدِيثِهِ) قَوْلُهُ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ بِخَفْضِ صَاحِبٍ صِفَةٌ لِسَفِينَةَ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَائِلُ هو بن أَبِي شَيْبَةَ يَعْنِي مُسْلِمٌ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي شَيْبَةَ وَصَفَهُ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ لَمْ يَصِفْهُ بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ عَنْ سَفِينَةَ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَقَدْ كَانَ كَبِرَ فَهُوَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَمَا كُنْتُ أَثِقُ بِحَدِيثِهِ هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ أَثِقُ بِكَسْرِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ مِنَ الْوُثُوقِ الَّذِي هُوَ الِاعْتِمَادُ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ وَمَا كُنْتُ أَيْنِقُ بِيَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ ثُمَّ نُونٍ أَيْ أُعْجَبُ بِهِ وَأَرْتَضِيهِ وَالْقَائِلُ وَقَدْ كَانَ كَبِرَ هُوَ أَبُو

(باب استحباب افاضة الماء على الرأس وغيره ثلاثا)

رَيْحَانَةَ وَالَّذِي كَبِرَ هُوَ سَفِينَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَدِيثَهَ هَذَا مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ وَحْدَهُ بَلْ ذَكَرَهُ مُتَابَعَةً لِغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب اسْتِحْبَابِ افاضة الماء على الرأس وغيره ثلاثا) فيه (سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ) هُوَ بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَاتِ وَهُوَ مَصْرُوفٌ وَهُوَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ وَقَوْلُهُ (تَمَارَوْا فِي الْغُسْلِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ تَنَازَعُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ صِفَتُهُ كَذَا وَقَالَ آخَرُونَ كَذَا وَفِيهِ جَوَازُ الْمُنَاظَرَةِ وَالْمُبَاحَثَةِ فِي الْعِلْمِ وَفِيهِ جَوَازُ مُنَاظَرَةِ الْمَفْضُولِينَ بِحَضْرَةِ الْفَاضِلِ وَمُنَاظَرَةِ الْأَصْحَابِ بِحَضْرَةِ إِمَامِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُفِيضُ عَلَى رأسي ثلاث أكف) المراد ثلاث حَفَنَاتٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِلْءُ الْكَفَّيْنِ جَمِيعًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ إِفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَى الرَّأْسِ ثَلَاثًا وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَلْحَقَ بِهِ أَصْحَابُنَا سَائِرَ الْبَدَنِ قِيَاسًا عَلَى الرَّأْسِ وَعَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَهُوَ أَوْلَى بِالثَّلَاثِ مِنَ الْوُضُوءِ فَإِنَّ الْوُضُوءَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَيَتَكَرَّرُ فَإِذَا اسْتُحِبَّ فِيهِ الثَّلَاثُ فَفِي الْغُسْلِ أَوْلَى وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا إِلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ الْإِمَامُ أَقْضَى الْقُضَاةِ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُ قَالَ لَا يُسْتَحَبُّ التَّكْرَارُ فِي الْغُسْلِ وَهَذَا شَاذٌّ مَتْرُوكٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْبَابِ قَبْلَهُ بَيَانُ أَقَلِّ الغسل

باب حكم ضفائر المغتسله

وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ قَالَا أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ) ثم قال مسلم بعد هذا قال بن سَالِمٍ فِي رِوَايَتِهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ هَذَا فِيهِ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ دَقَائِقِ هَذَا الْعِلْمِ وَلَطَائِفِهِ وَهِيَ مُصَرِّحَةٌ بِغَزَارَةِ عِلْمِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَدَقِيقِ نَظَرِهِ وَهِيَ أَنَّ هُشَيْمًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُدَلِّسٌ وَقَدْ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْ أَبِي بشر والمدلس اذا قال عن لايحتج به الا اذا أثبت سماعه ذلك الحديث من ذلك الشخص الَّذِي عَنْعَنَ عَنْهُ فَبَيَّنَ مُسْلِمٌ أَنَّهُ ثَبَتَ سماعه من جهة اخرى وهي رواية بن سالم فانه قال فيها اخبرنا ابوبشر وَقَدْ قَدَّمْنَا مَرَّاتٍ بَيَانَ مِثْلِ هَذِهِ الدَّقِيقَةِ وَاسْمُ أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرُ بْنُ إِيَاسٍ وَهُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ وَاسْمُ أَبِي سُفْيَانَ هَذَا طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ والله اعلم (باب حكم ضفائر المغتسله) فِيهِ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي

أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ قَالَ لَا إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأَسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ) وَفِي رِوَايَةٍ فَأَنْقُضُهُ لِلْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ وَفِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ بِنَحْوِ مَعْنَاهُ قَوْلُهَا أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي هُوَ بِفَتْحِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَالْمُسْتَفِيضِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ ومعناه أحكم فتل شعري وقال الامام بن بري فِي الْجُزْءِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي لَحْنِ الْفُقَهَاءِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي يَقُولُونَهُ بِفَتْحِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَصَوَابُهُ ضَمُّ الضَّادِ وَالْفَاءِ جَمْعُ ضَفِيرَةٍ كَسَفِينَةٍ وَسُفُنٌ وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ كَمَا زَعَمَهُ بَلِ الصَّوَابُ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَعْنًى صَحِيحٌ وَلَكِنْ يَتَرَجَّحُ مَا قَدَّمْنَاهُ لِكَوْنِهِ الْمَرْوِيَّ الْمَسْمُوعَ فِي الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَحْثِي عَلَى رَأَسَكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ) هِيَ بِمَعْنَى الْحَفَنَاتِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَالْحَفْنَةُ مِلْءُ الْكَفَّيْنِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ وَيُقَالُ حَثَيْتُ وَحَثَوْتُ بِالْيَاءِ وَالْوَاوِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْمُ أُمِّ سَلَمَةَ هِنْدُ وَقِيلَ رَمَكَةُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ قَوْلُهَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (فَأَنْقُضُهُ لِلْحَيْضَةِ) هِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ

وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا أَحْكَامُ الْبَابِ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ ضَفَائِرَ الْمُغْتَسِلَةِ إِذَا وَصَلَ الْمَاءُ إِلَى جَمِيعِ شَعْرِهَا ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ مِنْ غَيْرِ نَقْضٍ لَمْ يَجِبْ نَقْضُهَا وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَّا بِنَقْضِهَا وَجَبَ نَقْضُهَا وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصِلُ الْمَاءَ إِلَى جَمِيعِ شَعْرِهَا مِنْ غَيْرِ نَقْضٍ لِأَنَّ إِيصَالَ الْمَاءِ وَاجِبٌ وَحُكِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ وُجُوبُ نَقْضِهَا بكل حال عن الْحَسَنِ وَطَاوُسٍ وُجُوبُ النَّقْضِ فِي غُسْلِ الْحَيْضِ دون الجنابه ودليلنا حديث أم سلمه واذا كَانَ لِلرَّجُلِ ضَفِيرَةٌ فَهُوَ كَالْمَرْأَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ غُسْلَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَغْسَالِ الْمَشْرُوعَةِ سَوَاءٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مَا سَيَأْتِي فِي الْمُغْتَسِلَةِ مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَسْتَعْمِلَ فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ صِفَةِ الْغُسْلِ بِكَمَالِهَا فِي الْبَابِ السَّابِقِ فَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ بِكْرًا لَمْ يَجِبْ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى دَاخِلِ فَرْجِهَا وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَجَبَ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى مَا يَظْهَرُ فِي حَالِ قُعُودِهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ أصحابنا وقال بعض أصحابنا لايجب عَلَى الثَّيِّبِ غَسْلُ دَاخِلِ الْفَرْجِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ ذَلِكَ فِي غُسْلِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَلَا يَجِبُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَمْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بنقض النساء رؤوسهن إِذَا اغْتَسَلْنَ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ إِيجَابَ ذلك عليهن ويكون ذلك في شعور لايصل إِلَيْهَا الْمَاءُ أَوْ يَكُونُ مَذْهَبًا لَهُ أَنَّهُ يَجِبُ النَّقْضُ بِكُلِّ حَالٍ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنِ النَّخَعِيِّ وَلَا يَكُونُ

باب استحباب استعمال المغتسله من الحيض فرصة من مسك

بَلَغَهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُهُنَّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ لَا لِلْإِيجَابِ والله تعالى أعلم (باب استحباب استعمال المغتسله من الحيض فرصة من مسك) ( في موضع الدم) قَدْ قَدَّمْنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ صِفَةَ غُسْلِ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ سَوَاءٌ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى وَالْمُرَادُ فِي هَذَا الْبَابِ بَيَانُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي حَقِّ الْمُغْتَسِلَةِ مِنَ الْحَيْضِ أن تأخذ شيأ مِنْ مِسْكٍ فَتَجْعَلَهُ فِي قُطْنَةٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَتُدْخِلَهَا فِي فَرْجِهَا بَعْدَ اغْتِسَالِهَا وَيُسْتَحَبُّ هَذَا لِلنُّفَسَاءِ أَيْضًا لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْحَائِضِ وَذَكَرَ الْمَحَامِلِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابهِ الْمُقْنِعُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُغْتَسِلَةِ مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ أَنْ تُطَيِّبَ جَمِيعَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي أَصَابَهَا الدَّمُ مِنْ بَدَنِهَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ تَعْمِيمِ مَوَاضِعِ الدَّمِ مِنَ الْبَدَنِ غَرِيبٌ لَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِهِ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحِكْمَةِ فِي اسْتِعْمَالِ الْمِسْكِ فَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ الَّذِي قَالَهُ الْجَمَاهِيرُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِاسْتِعْمَالِ الْمِسْكِ تَطْيِيبُ الْمَحَلِّ وَدَفْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَحَكَى أَقْضَى الْقُضَاةِ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ كَوْنُهُ أَسْرَعَ إِلَى عُلُوقِ الْوَلَدِ قَالَ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَفَقَدَتِ الْمِسْكَ اسْتَعْمَلَتْ مَا يَخْلُفُهُ فِي طِيبِ الرَّائِحَةِ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي اسْتَعْمَلَتْ مَا قَامَ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْقُسْطِ وَالْأَظْفَارِ وَشِبْهِهِمَا قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ اسْتِعْمَالِهِ فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ تَسْتَعْمِلُهُ بَعْدَ الْغُسْلِ وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي قَالَ قَبْلَهُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ قَبْلَ الْغُسْلِ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَيَكْفِي فِي إِبْطَالِهِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ فِي الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَّهَّرُ بِهَا وَهَذَا نَصٌّ فِي اسْتِعْمَالِ الْفِرْصَةَ بَعْدَ الْغُسْلِ وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ ان المراد الاسراع في العلوق فضعيف أوباطل فانه

عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُخَصُّ بِهِ ذَاتُ الزَّوْجِ الْحَاضِرِ الَّذِي يُتَوَقَّعُ جِمَاعُهُ فِي الْحَالِ وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يَصِرْ إِلَيْهِ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ وَإِطْلَاقُ الْأَحَادِيثِ يَرُدُّ عَلَى مَنِ الْتَزَمَهُ بَلِ الصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ تَطَيُّبُ الْمَحَلِّ وَإِزَالَةُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ مُغْتَسِلَةٍ من الحيض اوالنفاس سَوَاءٌ ذَاتَ الزَّوْجِ وَغَيْرَهَا وَتَسْتَعْمِلُهُ بَعْدَ الْغُسْلِ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مِسْكًا فَتَسْتَعْمِلُ أَيَّ طِيبٍ وَجَدَتْ فَإِنْ لِمْ تَجِدْ طِيبًا اسْتُحِبَّ لَهَا اسْتِعْمَالُ طِينٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يُزِيلُ الْكَرَاهَةَ نَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ تَجِدْ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَالْمَاءُ كَافٍ لَهَا لَكِنْ إِنْ تَرَكَتِ التَّطَيُّبَ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ كُرِهَ لَهَا وَإِنْ لَمْ تَتَمَكَّنْ فَلَا كَرَاهَةَ فِي حَقِّهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْفِرْصَةُ فَهِيَ بِكَسْرِ الْفَاءِ واسكان الراء وبالصاد المهمله وهي القطعة والمسك بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ الطِّيبُ الْمَعْرُوفُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ الَّذِي رَوَاهُ وَقَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَعَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ أَهْلِ الْعُلُومِ وَقِيلَ مَسْكٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَهُوَ الْجِلْدُ أَيْ قِطْعَةُ جِلْدٍ فِيهِ شَعْرٌ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ فَتْحَ الميم هي رواية الاكثرين وقال أبوعبيد وبن قُتَيْبَةَ إِنَّمَا هُوَ قُرْضَةٌ مِنْ مَسْكٍ بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَمَسْكٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ قِطْعَةٌ مِنْ جِلْدٍ وَهَذَا كُلُّهُ ضَعِيفٌ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ فِرْصَةٌ مُمَسَّكَةٌ وَهِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ قِطْعَةٌ مِنْ قُطْنٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ خِرْقَةٍ مُطَيَّبَةٍ بِالْمِسْكِ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَطَّهَّرِي بِهَا وسبحان اللَّهِ) قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَمْثَالِهِ يُرَادُ بِهَا التَّعَجُّبُ وَكَذَا لااله إِلَّا اللَّهُ وَمَعْنَى التَّعَجُّبِ هُنَا كَيْفَ يَخْفَى مثل هذا الظاهر الذي لايحتاج الْإِنْسَانُ فِي فَهْمِهِ إِلَى فِكْرٍ وَفِي هَذَا جَوَازُ التَّسْبِيحِ عِنْدَ التَّعَجُّبِ مِنَ الشَّيْءِ وَاسْتِعْظَامِهِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ عِنْدَ التَّثَبُّتِ عَلَى الشَّيْءِ وَالتَّذَكُّرِ بِهِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ اسْتِعْمَالِ الْكِنَايَاتِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَوْرَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَرَّاتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(تَتَبَّعِي بِهَا آثَارَ الدَّمِ) قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَعْنِي بِهِ الْفَرْجَ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنِ الْمَحَامِلِيِّ أَنَّهُ قَالَ تُطَيِّبُ كُلَّ مَوْضِعٍ أَصَابَهُ الدَّمُ مِنْ بَدَنِهَا وَفِي ظَاهِرِ الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لَهُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حَبَّانُ حَدَّثَنَا وُهَيْبُ) هُوَ حَبَّانُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ قَوْلُهُ (غُسْلُ الْمَحِيضِ) هُوَ الْحَيْضُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَاضِحًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطُّهُورَ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ) قَالَ الْقَاضِي عياض رحمه الله تعالى التطهر الاول تطهر مِنَ النَّجَاسَةِ وَمَا مَسَّهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضِ هكذا قال القاضي وَالْأَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّطَهُّرِ الْأَوَّلِ الْوُضُوءُ كَمَا جَاءَ فِي صِفَةِ غُسْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوُضُوءِ بَيَانَ مَعْنَى تَحْسِينِ الطُّهْرِ وَهُوَ اتمامه بهيأته فَهَذَا الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (حتى تبلغ شؤن رَأْسِهَا) هُوَ بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ ومعناه أصول شعر رأسها وأصول الشؤن الْخُطُوطُ الَّتِي فِي عَظْمِ الْجُمْجُمَةِ وَهُوَ مُجْتَمَعُ شُعَبِ عِظَامِهَا الْوَاحِدُ مِنْهَا شَأْنٌ قَوْلُهُ قَالَتْ عَائِشَةُ كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ تَتْبَعِينَ أَثَرَ الدَّمِ مَعْنَاهُ قَالَتْ لَهَا كَلَامًا خَفِيًّا

(باب المستحاضة وغسلها وصلاتها)

تسمعه المخاطبة لايسمعه الْحَاضِرُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (دَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ شَكَلٍ) هُوَ شَكَلٌ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْكَافِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ فِيهِ إِسْكَانُ الْكَافِ وَذَكَرَ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَسْمَاءُ الْمُبْهَمَةُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ اسْمَ هَذِهِ السَّائِلَةِ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ الَّتِي كَانَ يُقَالُ لَهَا خَطِيبَةُ النِّسَاءِ وَرَوَى الْخَطِيبُ حَدِيثًا فِيهِ تَسْمِيَتُهَا بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب الْمُسْتَحَاضَةِ وَغُسْلِهَا وَصَلَاتِهَا) فِيهِ (أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ رضي الله عنها قالت يارسول الله إني امرأة أستحاض

فَلَا أَطْهُرَ أَفَأَدْعُ الصَّلَاةَ فَقَالَ لَا إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي) وَفِيهِ غَيْرُهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ جَرَيَانُ الدَّمِ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ عِرْقٍ يُقَالُ لَهُ الْعَاذِلُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بِخِلَافِ دَمِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ الرَّحِمِ وَأَمَّا حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ فَهُوَ مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ أَحْسَنَ بَسْطٍ وَأَنَا أُشِيرُ إِلَى أَطْرَافٍ مِنْ مَسَائِلِهَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ لَهَا حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ فِي مُعْظَمِ الْأَحْكَامِ فَيَجُوزُ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا فِي حَالِ جَرَيَانِ الدَّمِ عِنْدَنَا وعند جمهور العلماء حكاه بن المنذر في الاشراق عن بن عباس وبن الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَإِسْحَاقَ وابي ثور قال بن الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ لَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ وَكَرِهَهُ ابْنُ سيرين وقال أحمد لايأتيها الاأن يَطُولَ ذَلِكَ بِهَا وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ رَحِمَهُ الله تعالى أنه لايجوز وَطْؤُهَا إِلَّا أَنْ يَخَافَ زَوْجُهَا الْعَنَتَ وَالْمُخْتَارُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنِ الْجُمْهُورِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً وَكَانَ زَوْجُهَا يُجَامِعُهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قال بن عَبَّاسٍ الْمُسْتَحَاضَةُ يَأْتِيهَا زَوْجُهَا إِذَا صَلَّتْ الصَّلَاةُ أَعْظَمُ وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ كَالطَّاهِرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا فَكَذَا فِي الْجِمَاعِ وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِالشَّرْعِ وَلَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهِ وَاللَّهُ أعلم وأما الصلاة والصيام والاعتكاف وقرآة الْقُرْآنِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَسُجُودُ الشُّكْرِ وَوُجُوبُ الْعِبَادَاتِ عَلَيْهَا فَهِيَ فِي كُلِّ ذَلِكَ كَالطَّاهِرَةِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِذَا أَرَادَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ الصَّلَاةَ فَإِنَّهَا تُؤْمَرُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَطَهَارَةِ النَّجَسِ فَتَغْسِلُ فَرْجَهَا قَبْلَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ إِنْ كَانَتْ تَتَيَمَّمُ وَتَحْشُو فَرْجَهَا بِقُطْنَةٍ أوخرقة رفعا للنجاسة

أَوْ تَقْلِيلًا لَهَا فَإِنْ كَانَ دَمُهَا قَلِيلًا يَنْدَفِعُ بِذَلِكَ وَحْدَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا غَيْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ شَدَّتْ مَعَ ذَلِكَ عَلَى فَرْجِهَا وَتَلَجَّمَتْ وَهُوَ أَنْ تَشُدَّ عَلَى وَسَطِهَا خِرْقَةً أَوْ خَيْطًا أَوْ نَحْوَهُ عَلَى صُورَةِ التِّكَّةِ وَتَأْخُذَ خِرْقَةً أُخْرَى مَشْقُوقَةَ الطَّرَفَيْنِ فَتُدْخِلَهَا بَيْنَ فَخِذَيْهَا وَأَلْيَتَيْهَا وَتَشُدَّ الطَّرَفَيْنِ بِالْخِرْقَةِ الَّتِي فِي وَسَطِهَا أَحَدَهُمَا قُدَّامَهَا عِنْدَ صُرَّتِهَا وَالْآخَرَ خَلْفَهَا وَتُحْكِمَ ذَلِكَ الشَّدَّ وَتُلْصِقَ هَذِهِ الْخِرْقَةَ الْمَشْدُودَةَ بَيْنِ الْفَخِذَيْنِ بِالْقُطْنَةِ الَّتِي عَلَى الْفَرْجِ إِلْصَاقًا جَيِّدًا وَهَذَا الْفِعْلُ يُسَمَّى تَلَجُّمًا وَاسْتِثْفَارًا وَتَعْصِيبًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الشَّدُّ وَالتَّلَجُّمُ وَاجِبٌ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنْ يُتَأَذَّى بِالشَّدِّ وَيَحْرِقَهَا اجْتِمَاعُ الدَّمِ فَلَا يَلْزَمُهَا لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ صَائِمَةً فَتَتْرُكُ الْحَشْوَ فِي النَّهَارِ وَتَقْتَصِرُ عَلَى الشَّدِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ تَقْدِيمُ الشَّدِّ وَالتَّلَجُّمِ عَلَى الْوُضُوءِ وَتَتَوَضَّأُ عَقِيبَ الشَّدِّ مِنْ غَيْرِ إِمْهَالٍ فَإِنْ شَدَّتْ وَتَلَجَّمَتْ وَأَخَّرَتِ الْوُضُوءَ وَتَطَاوَلَ الزَّمَانُ فَفِي صحة وضوئها وجهان الاصح أنه لايصح واذا استوثقت بالشد علىالصفة الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا دَمٌ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ لَمْ تَبْطُلْ طَهَارَتُهَا وَلَا صَلَاتُهَا ولها أن تصلي بعد فرضها ماشاءت مِنَ النَّوَافِلِ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهَا وَلِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ أَمَّا إِذَا خَرَجَ الدَّمُ لِتَقْصِيرِهَا فِي الشد أوزالت الْعِصَابَةُ عَنْ مَوْضِعِهَا لِضَعْفِ الشَّدِّ فَزَادَ خُرُوجُ الدَّمِ بِسَبَبِهِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ طُهْرُهَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاةٍ بَطَلَتْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ فَرِيضَةٍ لَمْ تَسْتَبِحِ النَّافِلَةَ لِتَقْصِيرِهَا وَأَمَّا تَجْدِيدُ غَسْلِ الْفَرْجِ وَحَشْوِهِ وَشَدِّهِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فَيُنْظَرُ فِيهِ إِنْ زَالَتِ الْعِصَابَةُ عَنْ مَوْضِعهَا زَوَالًا لَهُ تَأْثِيرٌ أَوْ ظَهَرَ الدَّمُ عَلَى جَوَانِبِ الْعِصَابَةِ وَجَبَ التَّجْدِيدُ وَإِنْ لَمْ تَزُلِ الْعِصَابَةُ عَنْ مَوْضِعِهَا وَلَا ظَهَرَ الدَّمُ فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا وُجُوبُ التَّجْدِيدِ كَمَا يَجِبُ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ لَا تُصَلِّي بِطَهَارَةٍ وَاحِدَةٍ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ مُؤَدَّاةٍ كَانَتْ أَوْ مَقْضِيَّةٍ وَتَسْتَبِيحُ مَعَهَا مَا شَاءَتْ مِنَ النَّوَافِلِ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ وَبَعْدَهَا وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّهَا لَا تَسْتَبِيحُ أَصْلًا لِعَدَمِ ضَرُورَتِهَا إِلَيْهَا النَّافِلَةِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَحُكِيَ مِثْلُ مَذْهَبِنَا عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسُفْيَانِ الثوري وأحمد وابي ثور وقال أبوحنيفه طَهَارَتُهَا مُقَدَّرَةٌ بِالْوَقْتِ فَتُصَلِّي فِي الْوَقْتِ بِطَهَارَتِهَا الْوَاحِدَةِ مَا شَاءَتْ مِنَ الْفَرَائِضِ الْفَائِتَةِ وَقَالَ ربيعة ومالك وداود دم الاستحاضة لاينقض الْوُضُوءَ فَإِذَا تَطَهَّرَتْ فَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِطَهَارَتِهَا ماشاءت مِنَ الْفَرَائِضِ إِلَى أَنْ تُحْدِثَ بِغَيْرِ الِاسْتِحَاضَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَصِحُّ وُضُوءُ المستحاضة لفريضة قبل دخول وقتها وقال ابوحنيفه يَجُوزُ وَدَلِيلُنَا أَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَلَا تَجُوزُ قَبْلَ وَقْتِ الْحَاجَةِ

قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا تَوَضَّأَتْ بَادَرَتْ إِلَى الصَّلَاةِ عَقِبَ طَهَارَتِهَا فَإِنْ أَخَّرَتْ بِأَنْ تَوَضَّأَتْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَصَلَّتْ فِي وَسَطِهِ نُظِرَ إِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ لِلِاشْتِغَالِ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الصَّلَاةِ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالِاجْتِهَادُ فِي الْقِبْلَةِ وَالذَّهَابِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ وَالْمَوَاضِعِ الشَّرِيفَةِ وَالسَّعْي فِي تَحْصِيلِ سُتْرَةٍ تُصَلِّي إِلَيْهَا وَانْتِظَارِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ جَازَ عَلَى الْمَذْهَبِ الصحيح المشهور ولنا وجه أنه لايجوز وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَأَمَّا إِذَا أَخَّرَتْ بِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا فَفِيهِ ثلاثة أوجه أصحها لايجوز وتبطل طهارتها والثاني يجوز ولاتبطل طَهَارَتُهَا وَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِهَا وَلَوْ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَالثَّالِثُ لَهَا التَّأْخِيرُ مَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ فَإِذَا قُلْنَا بالاصح وانها إذا أخرت لاتستبيح الْفَرِيضَةَ فَبَادَرَتْ فَصَلَّتِ الْفَرِيضَةَ فَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ النَّوَافِلَ مَا دَامَ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ بَاقِيًا فَإِذَا خَرَجَ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ النَّوَافِلَ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَيْفِيَّةُ نِيَّةِ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي وُضُوئِهَا أَنْ تَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ وَلَا تَقْتَصِرُ عَلَى نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّهُ يُجْزِئُهَا الِاقْتِصَارُ عَلَى نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْجَمْعُ بَيْنَ نِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَرَفْعِ الْحَدَثِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ فَإِذَا تَوَضَّأَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ اسْتَبَاحَتِ الصَّلَاةَ وَهَلْ يُقَالُ ارْتَفَعَ حَدَثُهَا فِيهِ أَوْجُهٌ لِأَصْحَابِنَا الْأَصَحُّ أنه لايرتفع شَيْءٌ مِنْ حَدَثِهَا بَلْ تَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ مَعَ وُجُودِ الْحَدَثِ كَالْمُتَيَمِّمِ فَإِنَّهُ مُحْدِثٌ عِنْدَنَا وَالثَّانِي يَرْتَفِعُ حَدَثُهَا السَّابِقُ وَالْمُقَارِنُ لِلطَّهَارَةِ دُونَ الْمُسْتَقْبَلِ وَالثَّالِثُ يَرْتَفِعُ الْمَاضِي وَحْدَهُ وَاعْلَمْ أنه لايجب عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ الْغُسْلُ لِشَيْءٍ مِنَ الصَّلَاةِ وَلَا فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي وَقْتِ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ علي وبن مسعود وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَرُوِيَ عَنِ بن عمر وبن الزُّبَيْرِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُمْ قَالُوا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَرُوِيَ هذا أيضا عن علي وبن عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ غُسْلًا وَاحِدًا وَعَنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ قَالَا تَغْتَسِلُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ دَائِمًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الاصل عدم الوجوب فلايجب إِلَّا مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِيجَابِهِ وَلَمْ يَصِحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِالْغُسْلِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا وَهُوَ قَوْلُهُ

(إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَقْتَضِي تَكْرَارُ الْغُسْلِ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا بِالْغُسْلِ فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ ثَابِتٌ وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَمَنْ قَبْلَهُ ضَعْفَهَا وَإِنَّمَا صَحَّ فِي هَذَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِمَا أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا اسْتُحِيضَتْ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ صَلِّي فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّي وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ قَالَ وَلَا شَكَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ غُسْلَهَا كَانَ تَطَوُّعًا غَيْرَ مَا أُمِرَتْ بِهِ وَذَلِكَ وَاسِعٌ لَهَا هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ بِلَفْظِهِ وَكَذَا قَالَ شَيْخُهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُمَا وَعِبَارَاتُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ تَرَى دَمًا لَيْسَ بِحَيْضٍ وَلَا يُخْلَطُ بِالْحَيْضِ كَمَا إِذَا رَأَتْ دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ تَرَى دَمًا بَعْضُهُ حَيْضٌ وَبَعْضُهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ بأن كانت ترى دما متصلا دائما أومجاوزا لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ وَهَذِهِ لَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ مُبْتَدِأَةً وَهِيَ الَّتِي لَمْ تَرَ الدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ وَفِي هَذَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا تُرَدُّ إِلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالثَّانِي إِلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَالْحَالُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ مُعْتَادَةً فَتُرَدُّ إِلَى قَدْرِ عَادَتِهَا فِي الشَّهْرِ الَّذِي قَبْلَ شَهْرِ اسْتِحَاضَتِهَا وَالثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ مُمَيِّزَةً تَرَى بَعْضَ الْأَيَّامِ دَمًا قَوِيًّا وَبَعْضَهَا دَمًا ضَعِيفًا كَالدَّمِ الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ فَيَكُونُ حَيْضُهَا أيام ألاسود بشرط أن لاينقص الْأَسْوَدُ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَزِيدَ عَلَى خمسة عشر يوما ولاينقص الْأَحْمَرُ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلِهَذَا كُلِّهِ تَفَاصِيلٌ معروفة لانرى الْإِطْنَابَ فِيهَا هُنَا لِكَوْنِ هَذَا الْكِتَابِ لَيْسَ مَوْضُوعًا لِهَذَا فَهَذِهِ أَحْرُفٌ مِنْ أُصُولِ مَسَائِلِ الْمُسْتَحَاضَةِ أَشَرْتُ إِلَيْهَا وَقَدْ بَسَطْتُهَا بِشَوَاهِدِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنَ الْفُرُوعِ الْكَثِيرَةِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ) هُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثم)

شِينٍ مُعْجَمَةٍ وَاسْمُ أَبِي حُبَيْشٍ قَيْسُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قصي واما قوله في الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى (فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ) فَكَذَا وَقَعَ فِي الاصول بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ وَهْمٌ وَالصَّوَابُ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بِحَذْفِ لَفْظَةِ عَبْدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (امْرَأَةٌ مِنَّا) فَمَعْنَاهُ مِنْ بَنِي أَسَدٍ وَالْقَائِلُ هُوَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَوْ أَبُوهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ فَقَالَ لَا فِيهِ ان المستحاضة تصلى أبدا الافي الزَّمَنِ الْمَحْكُومِ بِأَنَّهُ حَيْضٌ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِيهِ جَوَازُ اسْتِفْتَاءِ مَنْ وَقَعَتْ لَهُ مَسْأَلَةٌ وَجَوَازُ اسْتِفْتَاءِ الْمَرْأَةِ بِنَفْسِهَا وَمُشَافَهَتِهَا الرِّجَالَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّهَارَةِ وَأَحْدَاثِ النِّسَاءِ وَجَوَازُ اسْتِمَاعِ صَوْتِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ أَمَّا عِرْقٌ فَهُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الْعِرْقَ يُقَالُ لَهُ الْعَاذِلُ بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَأَمَّا الْحَيْضَةُ فَيَجُوزُ فِيهَا الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا مَرَّاتٍ أَحَدُهُمَا مَذْهَبُ الْخَطَّابِيِّ كَسْرُ الْحَاءِ أَيِ الْحَالَةَ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَتْحُ الْحَاءِ أَيِ الْحَيْضَ وَهَذَا الْوَجْهُ قَدْ نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ أَوْ كُلِّهِمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مُتَعَيِّنٌ أَوْ قَرِيبٌ مِنَ الْمُتَعَيِّنِ فَإِنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِيهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ إِثْبَاتَ الِاسْتِحَاضَةِ وَنَفْيَ الْحَيْضِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا يَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ انْقَطَعَ وَانْفَجَرَ فهي زيادة لاتعرف فِي الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ لَهَا مَعْنًى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ يَجُوزُ فِي الْحَيْضَةِ هُنَا الْوَجْهَانِ فَتْحُ الْحَاءِ وَكَسْرُهَا جَوَازًا حَسَنًا وَفِي هَذَا نَهْيٌ لَهَا عَنِ الصَّلَاةِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَهُوَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ وَيَقْتَضِي فَسَادَ الصَّلَاةِ هُنَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَسَوَاءٌ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالنَّافِلَةِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الطَّوَافُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَسُجُودُ الشُّكْرِ وَكُلُّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مُكَلَّفَةً بِالصَّلَاةِ وَعَلَى

أنه لاقضاء عَلَيْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي الْمُرَادُ بِالْإِدْبَارِ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَنَى بِهِ مَعْرِفَةُ عَلَامَةِ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَقَلَّ مَنْ أَوْضَحَهُ وَقَدِ اعْتَنَى بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَحَاصِلُهُ أَنَّ عَلَامَةَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَالْحُصُولِ فِي الطُّهْرِ أَنْ يَنْقَطِعَ خُرُوجُ الدَّمِ وَالصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ وَسَوَاءٌ خَرَجَتْ رُطُوبَةٌ بَيْضَاءُ أَمْ لَمْ يخرج شيء أصلا قال البيهقي وبن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا التَّرِيَّةُ رُطُوبَةٌ خَفِيفَةٌ لاصفرة فيها ولاكدره تكون على القطنه أثر لالون قَالُوا وَهَذَا يَكُونُ بَعْدَ انْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضِ قُلْتُ هِيَ التَّرِيَّةُ بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ مُشَدَّدَةٌ وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عنها أنها قالت للنساء لاتعجلن حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ والقصة بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الْجَصُّ شُبِّهَتِ الرُّطُوبَةُ النَّقِيَّةُ الصَّافِيَةُ بِالْجَصِّ قَالَ أَصْحَابُنَا إِذَا مَضَى زَمَنُ حَيْضَتِهَا وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تغتسل في الحال لاول صلاة تدركها ولايجوز لَهَا أَنْ تَتْرُكَ بَعْدَ ذَلِكَ صَلَاةً وَلَا صوما ولا يمتنع زوجها من وطئها ولاتمتنع مِنْ شَيْءٍ يَفْعَلُهُ الطَّاهِرُ وَلَا تَسْتَظْهِرُ بِشَيْءٍ أَصْلًا وَعَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهَا تَسْتَظْهِرُ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ عَادَتِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَأَنَّ الدَّمَ نَجِسٌ وَأَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ لِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَفِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ زِيَادَةُ حَرْفٍ تَرَكْنَا ذِكْرَهُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَرْفُ الَّذِي تَرَكَهُ هُوَ قَوْلُهُ اغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَتَوَضَّئِي ذَكَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَسْقَطَهَا مُسْلِمٌ لِأَنَّهَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ حَمَّادُ قَالَ النَّسَائِيُّ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ وَتَوَضَّئِي فِي الْحَدِيثِ غَيْرُ حَمَّادٍ يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ فِي حَدِيثِ هِشَامٍ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ ذِكْرَ الْوُضُوءِ مِنْ رِوَايَةِ عَدِيِّ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَحَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَأَيُّوبَ بْنِ أَبِي مَكِينٍ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (اسْتَفْتَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ (بِنْتُ جحش) ولم

يَذْكُرْ أُمَّ حَبِيبَةَ وَفِي رِوَايَةٍ (أُمُّ حَبِيبَةَ بنت جحش ختنة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ (قَالَتْ عَائِشَةُ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ فِي مِرْكَنٍ فِي حُجْرَةِ أُخْتِهَا زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (أَنَّ ابْنَةَ جَحْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ) هَذِهِ الْأَلْفَاظُ هَكَذَا هِيَ ثَابِتَةٌ فِي الْأُصُولِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ أَبِي الْعَبَّاسِ الرَّازِيِّ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ قَالَ الْقَاضِي اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الْمُوَطَّأِ فِي هَذَا عَنْ مَالِكٍ وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُونَ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَكَثِيرٌ مِنَ الرُّوَاةِ يَقُولُونَ عَنِ ابْنَةِ جَحْشٍ وَهَذَا هوالصواب وَبَيَّنَ الْوَهْمَ فِيهِ قَوْلُهُ وَكَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَزَيْنَبُ هِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ ولم يَتَزَوَّجْهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَطُّ إِنَّمَا تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ هِيَ أُمُّ حَبِيبَةَ أُخْتُهَا وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا عَلَى الصَّوَابِ فِي قَوْلِهِ خَتَنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَفِي قَوْلِهِ كَانَتْ تَغْتَسِلُ فِي بَيْتِ أُخْتِهَا زَيْنَبَ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قِيلَ إِنَّ بَنَاتَ جَحْشٍ الثَّلَاثَ زَيْنَبَ وَأُمَّ حَبِيبَةَ وَحَمْنَةَ زَوْجَ طَلْحَةِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ كُنَّ يَسْتَحِضْنَ كُلُّهُنَّ وَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَسْتَحِضْ مِنْهُنَّ إِلَّا أُمُّ حَبِيبَةَ وَذَكَرَ الْقَاضِي يُونُسُ بْنُ مُغِيثٍ فِي كتابه الموعب فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ مِثْلَ هَذَا وَذَكَرَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ اسْمُهَا

زَيْنَبُ وَلُقِّبَتْ إِحْدَاهُنَّ حَمْنَةُ وَكُنِّيَتِ الْأُخْرَى أُمُّ حَبِيبَةَ وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَقَدْ سَلِمَ مَالِكٌ مِنَ الْخَطَأِ فِي تَسْمِيَةِ أُمِّ حَبِيبَةَ زَيْنَبَ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَزْوَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ بَعْضَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَفِي أُخْرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ مَعَ بَعْضِ نِسَائِهِ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَأَمَّا قَوْلُهُ أُمُّ حَبِيبَةَ فَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهَا أُمُّ حَبِيبٍ بِلَا هَاءٍ وَاسْمُهَا حَبِيبَةُ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ قَوْلُ الْحَرْبِيِّ صَحِيحٌ وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِهَذَا الشَّأْنِ قَالَ غَيْرُهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبٍ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ اسْمَهَا حَبِيبَةُ قَالَ وكذلك قاله الحميدي عن سفيان وقال بن الْأَثِيرِ يُقَالُ لَهَا أُمُّ حَبِيبَةَ وَقِيلَ أُمُّ حَبِيبٍ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ وَكَانَتْ مُسْتَحَاضَةً قَالَ وَأَهْلُ السِّيَرِ يَقُولُونَ الْمُسْتَحَاضَةُ أُخْتُهَا حَمْنَةُ بِنْتُ جحش قال بن عَبْدِ الْبَرِّ الصَّحِيحُ أَنَّهُمَا كَانَتَا تُسْتَحَاضَانِ قَوْلُهُ إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ خَتَنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ اسْتُحِيضَتْ أَمَّا قَوْلُهُ خَتَنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَمَعْنَاهُ قَرِيبَةُ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْأَخْتَانُ جَمْعُ خَتَنٍ وَهُمْ أَقَارِبُ زَوْجَةِ الرَّجُلِ وَالْأَحْمَاءُ أَقَارِبُ زَوْجِ الْمَرْأَةِ وَالْأَصْهَارُ يَعُمُّ الْجَمِيعَ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَتَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَعَرَّفَهَا بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا كَوْنُهَا أُخْتَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثَّانِي كَوْنُهَا زَوْجَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَمَّا وَالِدُهَا جَحْشٌ فَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بن سلمة المرادي (عن بن وهب عن عمرو بن الحرث عن بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ) هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَمْرَةَ وهو الصواب وكذلك رواه بن أَبِي ذِئْبٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ كَمَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ وَخَالَفَهُمَا الْأَوْزَاعِيُّ فَرَوَاهُ عن الزهري عن عروة عن عمرة بعن جعل عروة راويا عن عمر وَأَمَّا قَوْلُ مُسْلِمٍ بَعْدَ هَذَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمِيعِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ إِلَّا السَّمَرْقَنْدِيَّ

فَإِنَّهُ جَعَلَ عُرْوَةَ مَكَانَ عَمْرَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قوله ص (وَلَكِنَّ هَذَا عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي) وَفِي الرِّوَايَةِ الاخرى (امكثي قدرما كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي) فِي هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ إِذَا انْقَضَى زَمَنُ الْحَيْضِ وَإِنْ كَانَ الدَّمُ جَارِيًا وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا بيناه قَوْلُهُ (فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ فِي مِرْكَنٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَهُوَ الْإِجَانَةُ الَّتِي تُغْسَلُ فيها الثياب قوله (حتى تعلوا حُمْرَةُ الدَّمِ الْمَاءَ) مَعْنَاهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ فِي الْمِرْكَنِ فَتَجْلِسُ فِيهِ وَتَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ فَيَخْتَلِطُ الْمَاءُ الْمُتَسَاقِطُ عَنْهَا بِالدَّمِ فَيَحْمَرُّ الْمَاءُ ثم انه لابد انها كانت تنظف بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ تِلْكَ الْغُسَالَةِ الْمُتَغَيِّرَةِ

باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة

قَوْلُهُ (رَأَيْتَ مِرْكَنَهَا مَلْآنَ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ بِبِلَادِنَا وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ رُوِيَ أَيْضًا مَلْأَى وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ الْأَوَّلُ عَلَى لَفْظِ الْمِرْكَنِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ وَالثَّانِي عَلَى مَعْنَاهُ وَهُوَ الاجانة والله أعلم (باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة) قَوْلُهَا (فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ) هَذَا الْحُكْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ على أن الحائض والنفساء لاتجب عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَلَا الصَّوْمُ فِي الْحَالِ وَأَجْمَعُوا على أنه لايجب عَلَيْهِمَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا قَضَاءُ الصَّوْمِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الصَّلَاةَ كَثِيرَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ فَيَشُقُّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَرُبَّمَا كَانَ الْحَيْضُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا كُلُّ صَلَاةٍ تَفُوتُ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ لاتقضي إِلَّا رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهمْ وَلَيْسَتِ الْحَائِضُ مُخَاطَبَةً بِالصِّيَامِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَجْهًا أَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ بِالصِّيَامِ فِي حَالِ الْحَيْضِ وَتُؤْمَرُ بِتَأْخِيرِهِ كَمَا يُخَاطَبُ المحدث بالصلاة وان كانت لاتصح مِنْهُ فِي زَمَنِ الْحَدَثِ وَهَذَا الْوَجْهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَكَيْفَ يَكُونُ

الصِّيَامُ وَاجِبًا عَلَيْهَا وَمُحَرَّمًا عَلَيْهَا بِسَبَبٍ لَا قُدْرَةَ لَهَا عَلَى إِزَالَتِهِ بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِزَالَةِ الْحَدَثِ قَوْلُهُ (عَنِ أبِي قِلَابَةَ) هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ) هُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ الضُّبَعِيُّ مَوْلَاهُمِ الْبَصْرِيُّ أَبُو الْأَزْهَرِيِّ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَبَبِ تَلْقِيبِهِ بِالرِّشْكِ فَقِيلَ مَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ الْقَاسِمُ وَقِيلَ الْغَيُورُ وَقِيلَ كَثِيرُ اللِّحْيَةِ وَقِيلَ الرِّشْكُ بِالْفَارِسِيَّةِ اسْمٌ لِلْعَقْرَبِ فَقِيلَ لِيَزِيدَ الرِّشْكُ لِأَنَّ الْعَقْرَبَ دَخَلَتْ فِي لحيته فمكثت فيها ثلاثة ايام وهو لايدري بِهَا لِأَنَّ لِحْيَتَهُ كَانَتْ طَوِيلَةً عَظِيمَةً جِدًّا حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُ وَحَكَاهَا أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَذَكَرَ هَذَا الْقَوْلَ الْأَخِيرَ بِإِسْنَادِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (حَرُورِيَّةٌ أَنْتِ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ الْأُولَى وَهِيَ نِسْبَةٌ إِلَى حَرُورَاءَ وَهِيَ قَرْيَةٌ بِقُرْبِ الْكُوفَةِ قَالَ السَّمْعَانِيُّ هُوَ مَوْضِعٌ عَلَى مِيلَيْنِ مِنَ الْكُوفَةِ كَانَ أَوَّلُ اجْتِمَاعِ الْخَوَارِجِ بِهِ قَالَ الْهَرَوِيُّ تَعَاقَدُوا فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ فَنَسَبُوا إِلَيْهَا فَمَعْنَى قَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِنَّ طَائِفَةً مِنَ الْخَوَارِجِ يُوجِبُونَ عَلَى الْحَائِضِ قَضَاءَ الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَهُوَ خِلَافُ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا الِاسْتِفْهَامُ الَّذِي اسْتَفْهَمَتْهُ عَائِشَةُ هُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ أَيْ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْحَرُورِيَّةِ وَبِئْسَتِ الطَّرِيقَةُ قَوْلُهَا (كَانَتْ إِحْدَانَا تَحِيْضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم لاتؤمر بقضاء) معناه لايأمرها النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَضَاءِ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَيْضِ وَتَرْكِهَا الصَّلَاةَ فِي زَمَنِهِ وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ وَاجِبًا لَأَمَرَهَا بِهِ قَوْلُهَا أَفَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَجْزِينَ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ

باب تستر المغتسل بثوب ونحوه

غَيْرَ مَهْمُوزٍ وَقَدْ فَسَّرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ فِي الْكِتَابِ أَنَّ مَعْنَاهُ يَقْضِينَ وَهُوَ تَفْسِيرٌ صحيح يقال جزى يجزئ أَيْ قَضَى وَبِهِ فَسَّرُوا قَوْلَهُ تَعَالَى لَا تجزى نفس عن نفس شيئا وَيُقَالُ هَذَا الشَّيْءُ يَجْزِي عَنْ كَذَا أَيْ يَقُومُ مَقَامَهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَدْ حَكَى بعضهم فيه الهمز والله أعلم (باب تستر المغتسل بثوب ونحوه) قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي النَّضْرِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (أَنَّ أبا مرة مولى عقيل) أما ابوالنضر فَاسْمُهُ سَالِمُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيَّ وَأَمَّا أَبُو مُرَّةَ فَاسْمُهُ يَزِيدُ وَهُوَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ وَكَانَ يَلْزَمُ أَخَاهَا عَقِيلًا فَلِهَذَا نَسَبَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِلَى وَلَائِهِ وَأَمَّا أُمُّ هَانِئٍ فَاسْمُهَا فَاخِتَةُ وَقِيلَ فَاطِمَةُ وَقِيلَ هِنْدُ كُنِّيَتْ بِابْنِهَا هَانِئِ بْنِ هُبَيْرَةَ بْنِ عَمْرٍو وَهَانِئٌ بِهَمْزِ آخِرِهِ أَسْلَمَتْ أمُّ هَانِئٍ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَوْلُهَا (ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تَسْتُرهُ بِثَوْبٍ) هَذَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اغتسال

الْإِنْسَانِ بِحَضْرَةِ امْرَأَةٍ مِنْ مَحَارِمِهِ إِذَا كَانَ يحول بَيْنَهُ وَبَيْنهَا سَاتِرٌ مِنْ ثَوْبٍ وَغَيْرِهِ قَوْلُهَا (ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى) هَذَا اللَّفْظُ فِيهِ فَائِدَةٌ لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّ صَلَاةَ الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ كَوْنُهَا قَالَتْ سُبْحَةُ الضُّحَى وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ هَذَا سُنَّةٌ مُقَرَّرَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَصَلَّاهَا بِنِيَّةِ الضُّحَى بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَذَلِكَ ضُحًى فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَوَهَّمُ مِنْهُ خِلَافَ الصَّوَابِ فَيَقُولُ لَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَيَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي هَذَا الْوَقْتِ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ بِسَبَبِ فَتْحِ مَكَّةَ لَا لِكَوْنِهَا الضُّحَى فَهَذَا الْخَيَالُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ هَذَا القائل في هذا اللفظ لايتأتى لَهُ فِي قَوْلِهَا سُبْحَةَ الضُّحَى وَلَمْ تَزَلِ النَّاسُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَحْتَجُّونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أثبات الضحى ثمان ركعات والله أعلم والسبحة بِضَمِّ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ هِيَ النَّافِلَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِلتَّسْبِيحِ الَّذِي فِيهَا قَوْلُهُ (فَصَلَّى ثَمَانِ سَجَدَاتٍ) الْمُرَادُ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَسُمِّيَتِ الرَّكْعَةُ سَجْدَةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهَا وَهَذَا مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِجُزْئِهِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُوسَى الْقَارِئُ) هُوَ بِهَمْزِ آخِرِهِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقِرَاءَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب تحريم النظر إلى العورات)

(باب تَحْرِيمِ النَّظَرِ إِلَى الْعَوْرَاتِ) فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثوب واحد ولاتفضي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (عُرْيَةُ الرَّجُلِ وَعُرْيَةُ الْمَرْأَةِ) ضَبَطْنَا هَذِهِ اللَّفْظَةَ الْأَخِيرَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ عِرْيَةٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَعُرْيَةٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَعُرَيَّةٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ عُرْيَةُ الرَّجُلِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا هِيَ مُتَجَرَّدَةٌ وَالثَّالِثَةُ عَلَى التَّصْغِيرِ وَفِي الْبَابِ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ وَهُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُكَرَّرَةِ الْمُخَفَّفَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَحْكَامُ الْبَابِ فَفِيهِ تَحْرِيمُ نَظَرِ الرَّجُلِ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ والمرأة إلى عورة المرأة وهذا لاخلاف فِيهِ وَكَذَلِكَ نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةِ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَظَرِ الرَّجُلِ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ عَلَى نَظَرِهِ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ وَذَلِكَ بِالتَّحْرِيمِ أَوْلَى وَهَذَا التَّحْرِيمُ فِي حَقِّ غيرألازواج وَالسَّادَةِ أَمَّا الزَّوْجَانِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النَّظَرُ إِلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ جَمِيعِهَا إِلَّا الْفَرْجَ نَفْسَهُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النَّظَرُ إِلَى فَرْجِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِمَا وَالثَّالِثُ أَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى الرَّجُلِ مَكْرُوهٌ لِلْمَرْأَةِ وَالنَّظَرُ إِلَى بَاطِنِ فَرْجِهَا أَشَدُّ كَرَاهَةً وَتَحْرِيمًا وَأَمَّا السَّيِّدُ مَعَ أَمَتِهِ فَإِنْ كان يملك

وَطْأَهَا فَهُمَا كَالزَّوْجَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بِنَسَبٍ كَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ أَوْ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ كَأُمِّ الزَّوْجَةِ وَبِنْتِهَا وَزَوْجَةِ ابْنِهِ فَهِيَ كَمَا إِذَا كَانَتْ حُرَّةً وَإِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ مَجُوسِيَّةً أَوْ مُرْتَدَّةً أَوْ وَثَنِيَّةً أَوْ مُعْتَدَّةً أَوْ مُكَاتَبَةً فَهِيَ كَالْأَمَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَأَمَّا نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى مَحَارِمِهِ وَنَظَرُهُنَّ إِلَيْهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُبَاحُ فِيمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ وَقِيلَ لا يحل الا مايظهر فِي حَالِ الْخِدْمَةِ وَالتَّصَرُّفِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا ضَبْطُ الْعَوْرَةِ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ فَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ وَفِي السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهَا لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ وَالثَّانِي هُمَا عَوْرَةٌ وَالثَّالِثُ السُّرَّةُ عَوْرَةٌ دُونَ الرُّكْبَةِ وَأَمَّا نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى الْمَرْأَةِ فَحَرَامٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا فَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا النَّظَرُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ سَوَاءٌ كَانَ نَظَرُهُ وَنَظَرُهَا بِشَهْوَةٍ أَمْ بِغَيْرِهَا وَقَالَ بَعْضُ اصحابنا لايحرم نَظَرُهَا إِلَى وَجْهِ الرَّجُلِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ بِشَيْءٍ وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ إِذَا كَانَتَا أَجْنَبِيَّتَيْنِ وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الْأَمْرَدِ إِذَا كَانَ حَسَنَ الصُّورَةِ سَوَاءٌ كَانَ نَظَرُهُ بِشَهْوَةٍ أَمْ لَا سَوَاءٌ أَمِنَ الْفِتْنَةَ أَمْ خَافَهَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَحُذَّاقُ أَصْحَابِهِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ يُشْتَهَى كَمَا تُشْتَهَى وَصُورَتُهُ فِي الْجَمَالِ كَصُورَةِ الْمَرْأَةِ بَلْ رُبَّمَا كَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أحْسَنَ صُورَةً مِنْ كَثِيرٍ مِنَ النِّسَاءِ بَلْ هُمْ فِي التَّحْرِيمِ أَوْلَى لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ فِي حَقِّهِمْ مِنْ طُرُقِ الشَّرِّ مالا يَتَمَكَّنُ مِنْ مِثْلِهِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ تَحْرِيمِ النَّظَرِ هُوَ فِيمَا إِذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ أَمَّا إِذَا كَانَتْ حَاجَةٌ شرعية فيجوز النظر كما فِي حَالَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّطَبُّبِ وَالشَّهَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَكِنْ يَحْرُمُ النَّظَرُ فِي هَذِهِ الْحَالِ بِشَهْوَةٍ فَإِنَّ الْحَاجَةَ تُبِيحُ النَّظَرَ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَأَمَّا الشَّهْوَةُ فَلَا حَاجَةَ إِلَيْهَا قَالَ أَصْحَابُنَا النَّظَرُ بِالشَّهْوَةِ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ غَيْرَ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ حَتَّى يَحْرُمَ عَلَى الْإِنْسَانِ النَّظَرُ إِلَى أُمِّهِ وَبِنْتِهِ بِالشَّهْوَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ولايفضي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ فِي الْمَرْأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ فَهُوَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ لَمْسِ عَوْرَةِ غَيْرِهِ بِأَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ كَانَ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَيَتَسَاهَلُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِي الْحَمَّامِ فَيَجِبُ عَلَى الْحَاضِرِ فِيهِ أَنْ يَصُونَ بَصَرَهُ وَيَدَهُ وَغَيْرَهَا عَنْ عَوْرَةِ غَيْرِهِ وَأَنْ يَصُونَ عَوْرَتَهُ عَنْ بَصَرِ غَيْرِهِ وَيَدِ غَيْرِهِ مِنْ قَيِّمٍ وَغَيْرِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إِذَا رَأَى مَنْ يُخِلُّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْإِنْكَارُ

(باب جواز الاغتسال عريانا في الخلوة)

بِكَوْنِهِ يَظُنُّ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ إِلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ فِتْنَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا كَشْفُ الرَّجُلِ عَوْرَتَهُ فِي حَالِ الْخَلْوَةِ بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ آدَمِيٌّ فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ جَازَ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَفِيهِ خِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي كَرَاهَتِهِ وَتَحْرِيمِهِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ حَرَامٌ وَلِهَذِهِ الْمَسَائِلِ فُرُوعٌ وَتَتِمَّاتٌ وَتَقْيِيدَاتٌ مَعْرُوفَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَأَشَرْنَا هُنَا إِلَى هَذِهِ الْأَحْرُفِ لِئَلَّا يَخْلُوَ هَذَا الْكِتَابُ مِنَ أَصْلِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب جَوَازِ الِاغْتِسَالِ عُرْيَانًا فِي الْخَلْوَةِ) فِيهِ قِصَّةُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْبَابِ السَّابِقِ أَنَّهُ يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ فِي الْخَلْوَةِ وَذَلِكَ كَحَالَةِ الِاغْتِسَالِ وَحَالِ الْبَوْلِ وَمُعَاشَرَةِ الزَّوْجَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا كُلُّهُ جَائِزٌ فِيهِ التَّكَشُّفُ فِي الْخَلْوَةِ وَأَمَّا بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَيَحْرُمُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالتَّسَتُّرُ بِمِئْزَرٍ وَنَحْوِهِ فِي حَالِ الِاغْتِسَالِ فِي الْخَلْوَةِ أَفْضَلُ مِنَ التَّكَشُّفِ وَالتَّكَشُّفُ جَائِزٌ مُدَّةَ الْحَاجَةِ فِي الْغُسْلِ وَنَحْوِهِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ حَرَامٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا قَدَّمْنَا فِي الْبَابِ السَّابِقِ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ فِي الْخَلْوَةِ وَاجِبٌ عَلَى الْأَصَحِّ إِلَّا فِي قَدْرِ الْحَاجَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ الصلاة والسلام اغْتَسَلَ فِي الْخَلْوَةِ عُرْيَانًا وَهَذَا يَتِمُّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنَ أَهْلِ الْأُصُولِ إِنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كانت بنواسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوءة بَعْضٍ) يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعِهِمْ وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَتْرُكُهُ تَنَزُّهًا وَاسْتِحْبَابًا وَحَيَاءً وَمُرُوءَةً وَيَحْتَمِلُ

(باب الاعتناء بحفظ العورة)

أَنَّهُ كَانَ حَرَامًا فِي شَرْعِهِمْ كَمَا هُوَ حَرَامٌ فِي شَرْعِنَا وَكَانُوا يَتَسَاهَلُونَ فِيهِ كَمَا يتساهل فيه كثيرون من أهل شرعنا والسوءة هِيَ الْعَوْرَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَسُوءُ صَاحِبَهَا كَشْفُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنَّهُ آدَرُ) هُوَ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مُخَفَّفَتَيْنِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ عَظِيمُ الْخُصْيَتَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَمَحَ موسى عليه السلام باثره) جمع مُخَفَّفُ الْمِيمِ مَعْنَاهُ جَرَى أَشَدَّ الْجَرْيِ وَيُقَالُ بِإِثْرِهِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَعَ إِسْكَانِ الثَّاءِ وَيُقَالُ أَثَرُهُ بِفَتْحِهِمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ تَقَدَّمَتَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى نُظِرَ إِلَيْهِ) هُوَ بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الظَّاءِ مَبْنِيٌّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا) هُوَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَعْنَاهُ جَعَلَ وَأَقْبَلَ وَصَارَ مُلْتَزِمًا لِذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أرَادَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَرْبِ الْحَجَرِ إِظْهَارَ مُعْجِزَةٍ لِقَوْمِهِ بِأَثَرِ الضَّرْبِ فِي الْحَجَرِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنْ يَضْرِبَهُ لِإِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قوله (انه بالحجر ندب) هوبفتح النُّونِ وَالدَّالِ وَهُوَ الْأَثَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب الِاعْتِنَاءِ بِحِفْظِ الْعَوْرَةِ) قَوْلُهُ (عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا بُنِيَتِ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِلَى آخِرِهِ

هَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ مِنَ الطَّوَائِفِ مُتَّفِقُونَ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِمُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ إِلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الاسفرايني مِنْ أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُ الْجُمْهُورِ فِي الْفُصُولِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَسُمِّيَتِ الْكَعْبَةُ كَعْبَةً لِعُلُوِّهَا وَارْتِفَاعِهَا وَقِيلَ لِاسْتِدَارَتِهَا وَعُلُوِّهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى عَاتِقِكَ مِنَ الْحِجَارَةِ) مَعْنَاهُ لِيَقِيَكَ الْحِجَارَةَ أَوْ مِنْ أَجْلِ الْحِجَارَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ أَنَّ الْعَاتِقَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالْعُنُقِ وَجَمْعُهُ عَوَاتِقُ وَعُتُقٌ وَعُتْقٌ وَهُوَ مُذَكَّرٌ وَقَدْ يُؤَنَّثُ قَوْلُهُ (فَخَرَّ إِلَى الْأَرْضِ وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ) مَعْنَى خَرَّ سَقَطَ وَطَمَحَتْ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْمِيمِ أَيِ ارْتَفَعَتْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ بَعْضِ مَا أَكْرَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى

(باب التستر عند البول قوله)

بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَصُونًا مَحْمِيًّا فِي صِغَرِهِ عَنِ الْقَبَائِحِ وَأَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ فِي غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ الْمَلَكَ نَزَلَ فَشَدَّ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِزَارَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَمْشُوا عُرَاةً) هُوَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الباب السابق والله أعلم (باب التستر عند البول قَوْلُهُ) (شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ) هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَضْمُومَةِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ غَيْرُ مَصْرُوفٍ لِكَوْنِهِ أَعْجَمِيًّا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ قَوْلُهُ (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ) هُوَ بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَوْلُهُ (وَكَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ) يَعْنِي حَائِطَ نَخْلٍ أَمَّا الْهَدَفُ فَبِفَتْحِ الْهَاءِ وَالدَّالِ وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ وَأَمَّا حَائِشُ النَّخْلِ فَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْكِتَابِ بِحَائِطِ النَّخْلِ وَهُوَ الْبُسْتَانُ وَهُوَ تَفْسِيرٌ صَحِيحٌ وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا حَشٌّ وَحُشٌّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِتَارِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ بِحَائِطٍ أَوْ هَدَفٍ أَوْ وَهْدَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَغِيبُ جَمِيعُ شَخْصِ الْإِنْسَانِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاظِرِينَ وَهَذِهِ سُنَّةٌ متأكده والله أعلم

باب بيان أن الجماع كان في أول الاسلام لا يوجب

(باب بيان أن الجماع كان في أول الاسلام لا يوجب الغسل إلا أن ينزل المني) (وبيان نسخه وأن الغسل يجب بالجماع) اعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْتَمِعَةٌ الْآنَ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْجِمَاعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِنْزَالٌ وَعَلَى وُجُوبِهِ بِالْإِنْزَالِ وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ على أنه لايجب الا بالأنزال ثم رجع بعضهم وانتقد الاجماع بعد الاخرين وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ مع حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّجُلِ يَأْتِي أهله ثم لاينزل قَالَ يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ وَفِيهِ الْحَدِيثُ الْآخَرُ إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ فَالْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهمْ قَالُوا إِنَّهُ مَنْسُوخٌ وَيَعْنُونَ بِالنَّسْخِ أَنَّ الْغُسْلَ مِنَ الْجِمَاعِ بِغَيْرِ إِنْزَالٍ كان ساقطا ثم صار واجبا وذهب بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَنْسُوخًا بَلِ الْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالرُّؤْيَةِ فِي النَّوْمِ إِذَا لَمْ يُنْزِلْ وَهَذَا الْحُكْمُ بَاقٍ بِلَا شَكٍّ وَأَمَّا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَفِيهِ جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا بَاشَرَهَا فِيمَا سِوَى الْفَرْجِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قُبَاءَ) هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ مَمْدُودٌ مُذَكَّرٌ مَصْرُوفٌ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ مُؤَنَّثٌ غَيْرُ مَصْرُوفٍ وَأُخْرَى أَنَّهُ مَقْصُورٌ قَوْلُهُ (عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى

الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بِضَمِّهَا وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو الْعَلَاءِ بْنُ الشِّخِّيرِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْسَخُ حَدِيثَهُ بَعْضُهُ بَعْضًا كَمَا يَنْسَخُ الْقُرْآنَ بَعْضُهُ بَعْضًا) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ إِلَّا أَبَا الْعَلَاءِ فَإِنَّهُ كوفي وأبو الْعَلَاءِ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ بِكَسْرِ الشِّينِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَالْخَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وأبوالعلاء تَابِعِيٌّ وَمُرَادُ مُسْلِمٍ بِرِوَايَتِهِ هَذَا الْكَلَامَ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ أَنَّ حَدِيثَ الْمَاءِ مِنَ الْمَاءِ مَنْسُوخٌ وَقَوْلُ أَبِي الْعَلَاءِ أَنَّ السُّنَّةَ تَنْسَخُ السُّنَّةَ هَذَا صَحِيحٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ يَقَعُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا نَسْخُ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِالْمُتَوَاتِرَةِ وَالثَّانِي نَسْخُ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِمِثْلِهِ وَالثَّالِثُ نَسْخُ الْآحَادِ بِالْمُتَوَاتِرَةِ وَالرَّابِعُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ فَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ فَهِيَ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ يَجُوزُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا أُعْجِلْتَ أَوْ أُقْحِطْتَ فَلَا غُسْلَ عَلَيْكَ) وَفِي رواية بن بَشَّارٍ (أُعْجِلْتَ أَوْ أُقْحِطْتَ) أَمَّا أُعْجِلْتَ فَهُوَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْجِيمِ أَمَّا أَقَحَطْتَ فَهُوَ فِي الْأُولَى بِفَتْحِ الهمزة والحاء وفي رواية بن بَشَّارٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ مِثْلُ أُعْجِلْتَ وَالرِّوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ وَمَعْنَى الْإِقْحَاطِ هُنَا عَدَمُ إِنْزَالِ الْمَنِيِّ وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ مِنْ قُحُوطِ الْمَطَرِ وَهُوَ انحباسه وقحوط

الْأَرْضِ وَهُوَ عَدَمُ إِخْرَاجِهَا النَّبَاتَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ثُمَّ يُكْسِلُ) ضَبَطْنَاهُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا يُقَالُ أَكْسَلَ الرَّجُلُ فِي جِمَاعِهِ إِذَا ضَعُفَ عَنِ الْإِنْزَالِ وَكَسِلَ أَيْضًا بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ السِّينِ وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (يغسل ماأصابه مِنَ الْمَرْأَةِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى نَجَاسَةِ رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَفِيهَا خِلَافٌ مَعْرُوفٌ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا نَجَاسَتُهَا وَمَنْ قَالَ بِالطَّهَارَةِ يَحْمِلُ الْحَدِيثَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي أَبِي عن الملى عن الملى يعني بقوله الملى عَنِ الْمَلِيِّ أَبُو أَيُّوبَ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ أَبُو أَيُّوبَ

بِالْوَاوِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَالْمَلِيُّ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ الْمَرْكُونُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِذَا جَامَعَ وَلَمْ يمن) هوبضم الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ وَبِهَا جَاءَتِ الرِّوَايَةُ وَفِيهِ لُغَةٌ ثَانِيَةٌ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالثَّالِثَةُ بِضَمِّ الْيَاءِ مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ يُقَالُ أَمْنَى وَمَنَى وَمَنَّى ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهَا أَبُو عَمْرٍو الزَّاهِدُ وَالْأُولَى أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَفَرَأَيْتُمْ ما تمنون قَوْلُهُ (أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ صَرْفُهُ وَتَرْكُ صَرْفِهِ وَالْمِسْمَعِيُّ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ لَكِنِّي أُنَبِّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى مِثْلِهِ لِطُولِ الْعَهْدِ بِهِ كَمَا شَرَطْتُهُ فِي الْخُطْبَةِ قوله (أبورافع عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) اسْمُ أَبِي رَافِعٍ نُفَيْعٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا) وَفِي رِوَايَةِ (أَشْعُبِهَا

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالشُّعَبِ الْأَرْبَعِ فَقِيلَ هِيَ الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَقِيلَ الرِّجْلَانِ وَالْفَخِذَانِ وَقِيلَ الرِّجْلَانِ وَالشَّفْرَانِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ الْمُرَادَ شُعَبُ الْفَرْجِ الْأَرْبَعُ وَالشُّعَبُ النَّوَاحِي وَاحِدَتُهَا شُعْبَةٌ وَأَمَّا مَنْ قَالَ أَشْعُبِهَا فَهُوَ جَمْعُ شُعَبٍ وَمَعْنَى جَهَدَهَا حَفَرَهَا كَذَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ غَيْرُهُ بَلَغَ مَشَقَّتَهَا يُقَالُ جَهِدْتُهُ وَأَجْهَدْتُهُ بَلَغْتُ مَشَقَّتَهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ جَهَدَهَا بِمَعْنَى بَلَغَ جَهْدَهُ فِي الْعَمَلِ فِيهَا وَالْجَهْدُ الطَّاقَةُ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْحَرَكَةِ وَتَمَكُّنِ صُورَةِ الْعَمَلِ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ مَنْ قَالَ حَفَرَهَا أَيْ كَدَّهَا بِحَرَكَتِهِ والافأي مَشَقَّةٍ بَلَغَ بِهَا فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ إِيجَابَ الْغُسْلِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نُزُولِ الْمَنِيِّ بَلْ مَتَى غَابَتِ الْحَشَفَةُ فِي الْفَرْجِ وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ الْيَوْمَ وَقَدْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ

ومن بعدهم ثم انعقد الاجماع على ماذكرناه وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ غَيَّبَ الْحَشَفَةَ فِي دُبُرِ امْرَأَةٍ أَوْ دُبُرِ رَجُلٍ أَوْ فَرْجِ بَهِيمَةٍ أَوْ دُبُرِهَا وَجَبَ الْغُسْلُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْلَجُ فِيهِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عَنْ قَصْدٍ أَمْ عَنْ نِسْيَانٍ وَسَوَاءٌ كَانَ مُخْتَارًا أَوْ مُكْرَهًا أَوِ اسْتَدْخَلَتِ الْمَرْأَةُ ذَكَرَهُ وَهُوَ نَائِمٌ وَسَوَاءٌ انْتَشَرَ الذَّكَرُ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ مَخْتُونًا أَمْ أَغْلَفَ فَيَجِبُ الْغُسْلُ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ إِلَّا إِذَا كَانَ الْفَاعِلُ أَوِ الْمَفْعُولُ به صبيا أو صبية فإنه لايقال وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا وَلَكِنْ يُقَالُ صَارَ جُنُبًا فَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا وَجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْغُسْلِ كَمَا يَأْمُرَهُ بِالْوُضُوءِ فَإِنْ صَلَّى مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ حَتَّى بَلَغَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَإِنْ اغْتَسَلَ فِي الصِّبَى ثُمَّ بَلَغَ لَمْ يَلْزَمْهُ إِعَادَةُ الْغُسْلِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالِاعْتِبَارُ فِي الْجِمَاعِ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ مِنْ صَحِيحِ الذَّكَرِ بِالِاتِّفَاقِ فَإِذَا غَيَّبَهَا بِكَمَالِهَا تَعَلَّقَتْ بِهِ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَغْيِيبُ جَمِيعِ الذَّكَرِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ غَيَّبَ بَعْضَ الْحَشَفَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَحْكَامِ بِالِاتِّفَاقِ إِلَّا وَجْهًا شَاذًّا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ جَمِيعِهَا وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ مُنْكَرٌ مَتْرُوكٌ وَأَمَّا إِذَا كَانَ الذَّكَرُ مَقْطُوعًا فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ دُونَ الْحَشَفَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَحْكَامِ وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي قَدْرَ الْحَشَفَةِ فَحَسْبُ تَعَلَّقَتِ الْأَحْكَامُ بِتَغْيِيبِهِ بِكَمَالِهِ وَإِنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى قَدْرِ الْحَشَفَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْأَحْكَامَ تَتَعَلَّقُ بِقَدْرِ الْحَشَفَةِ مِنْهُ والثاني لايتعلق شيء من الاحكام الابتغييب جَمِيعِ الْبَاقِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ لَفَّ عَلَى ذَكَرِهِ خِرْقَةً وَأَوْلَجَهُ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ فَفِيهِ ثلاثه اوجه لاصحابنا الصحيح مِنْهَا وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْغُسْلُ وَالثَّانِي لايجب لِأَنَّهُ أَوْلَجَ فِي خِرْقَةٍ وَالثَّالِثُ إِنْ كَانَتِ الْخِرْقَةُ غَلِيظَةً تَمْنَعُ وُصُولَ اللَّذَّةِ وَالرُّطُوبَةِ لَمْ يجب الغسل والاوجب وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوِ اسْتَدْخَلَتِ الْمَرْأَةُ ذَكَرَ بَهِيمَةٍ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَلَوِ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرًا مَقْطُوعًا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ قَوْلُهَا (عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ) مَعْنَاهُ صَادَفْتَ خَبِيرًا بِحَقِيقَةِ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ عَارِفًا بِخَفِيِّهِ وَجَلِيِّهِ حَاذِقًا فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَسَّ

باب الوضوء مما مست النار

الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ غَيَّبْتَ ذَكَرَكَ فِي فَرْجِهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْمَسِّ وَذَلِكَ أَنَّ خِتَانَ الْمَرْأَةِ فِي أعلى الفرج ولايمسه الذَّكَرُ فِي الْجِمَاعِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ ذَكَرَهُ عَلَى خِتَانِهَا وَلَمْ يُولِجْهُ لَمْ يَجِبِ الْغُسْلُ لَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَالْمُرَادُ بِالْمُمَاسَّةِ الْمُحَاذَاةُ وَكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ أَيْ تَحَاذَيَا قَوْلُهُ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ عَنْ عَائِشَةَ) أُمُّ كُلْثُومٍ هَذِهِ تَابِعِيَّةٌ وَهِيَ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا مِنْ رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ عَنِ الْأَصَاغِرِ فَإِنَّ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَحَابِيٌّ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أُمِّ كُلْثُومٍ سِنًّا وَمَرْتَبَةً وَفَضْلًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَفْعَلُ ذَلِكَ أَنَا وَهَذِهِ ثُمَّ نَغْتَسِلُ) فِيهِ جَوَازُ ذِكْرِ مِثْلِ هَذَا بِحَضْرَةِ الزَّوْجَةِ إِذَا تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ مَصْلَحَةٌ وَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ أَذًى وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي نَفْسِهِ وَفِيهِ أَنَّ فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْوُجُوبِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ جَوَابُ السَّائِلِ (باب الوضوء مما مست النار) ذَكَرَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْبَابِ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ بِالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ ثُمَّ عَقَّبَهَا بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِتَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ فَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْوُضُوءَ مَنْسُوخٌ وَهَذِهِ عَادَةُ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ

أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ يَذْكُرُونَ الْأَحَادِيثَ الَّتِي يَرَوْنَهَا مَنْسُوخَةً ثُمَّ يُعَقِّبُونَهَا بِالنَّاسِخِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قوله صلى الله عليه وسلم توضؤوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ فَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السلف والخلف إلى انه لاينتقض الْوُضُوءُ بِأَكْلِ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعَلِيُّ بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبو الدرداء وبن عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو مُوسَى وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو طَلْحَةَ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأَبُو أُمَامَةَ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ صَحَابَةٌ وَذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاهِيرُ التَّابِعِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي خَيْثَمَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ الشَّرْعِيِّ وُضُوءِ الصَّلَاةِ بِأَكْلِ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي قِلَابَةَ 2وَأَبِي مجلر واحتج هؤلاء بحديث توضؤوا مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِتَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ هُنَا مِنْهَا جُمْلَةً وَبَاقِيهَا فِي كُتُبِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ السُّنَنِ بِأَسَانِيدِهِمُ الصَّحِيحَةِ وَالْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُضُوءِ غَسْلُ الْفَمِ وَالْكَفَّيْنِ ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْخِلَافَ الَّذِي حَكَيْنَاهُ كَانَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ ذلك على أنه لايجب الْوُضُوءُ بِأَكْلِ مَا مَسَّتْهُ

النَّارُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ (قال قال بن شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ) كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَكَذَا نَقَلَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ رُوَاةِ الْكِتَابِ قَالَ أبو علي وفي نسخه بن الحذاء مما أصلح بيده فافسده قال بن شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ جَعَلَ عَبْدَ اللَّهِ مَوْضِعَ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَالصَّوَابُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَكَذَا رَوَاهُ الْجَلُودِيُّ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي نُسْخَةِ أَبِي زَكَرِيَّا عن بن مَاهَانَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الزُّبَيْدِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَارِظٍ) هَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ هُنَا وَفِي بَابِ الْجُمُعَةِ وَالْبُيُوعِ وَوَقَعَ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ من كتاب مسلم من رواية بن جُرَيْجٍ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَارِظٍ وكلاهما قَدْ قِيلَ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْحُفَّاظُ فِيهِ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَصَارَ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ وَقَارِظٌ بِالْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ (إِنَّهُ وَجَدَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ عَلَى الْمَسْجِدِ فَقَالَ إِنَّمَا أَتَوَضَّأُ مِنَ أَثْوَارِ أَقِطٍ أَكَلْتُهَا) قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَثْوَارُ جَمْعُ ثَوْرٍ وَهُوَ الْقِطْعَةُ مِنَ الْأَقِطِ وَهُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْأَقِطُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ قَوْلُهُ (يَتَوَضَّأُ عَلَى الْمَسْجِدِ) دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الوضوء في المسجد وقد نقل بن المنذر اجماع العلماء على جوازه مالم يؤذ به

أَحَدًا قَوْلُهُ (أَكَلَ عَرْقًا) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ الْعَظْمُ عَلَيْهِ قَلِيلٌ مِنَ اللَّحْمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْإِيمَانِ مَبْسُوطًا قَوْلُهُ (يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ) فِيهِ جَوَازُ قَطْعِ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ وَذَلِكَ تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ لِصَلَابَةِ اللَّحْمِ أَوْ كِبَرِ الْقِطْعَةِ قَالُوا وَيُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ قَوْلُهُ (فَدُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ فَقَامَ فَطَرَحَ السِّكِّينَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ بَلِ اسْتِحْبَابِ اسْتِدْعَاءِ الْأَئِمَّةِ إِلَى الصَّلَاةِ إِذَا حَضَرَ وَقْتُهَا وَفِيهِ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ تُقْبَلُ إِذَا كَانَ الْمَنْفِيُّ مَحْصُورًا مِثْلَ هَذَا وَفِيهِ أَنَّ الْوُضُوءَ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَفِي السِّكِّينِ لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ

يُقَالُ سِكِّينٌ جَيِّدٌ وَجَيِّدَةٌ سُمِّيَتْ سِكِّينًا لِتَسْكِينِهَا حَرَكَةَ الْمَذْبُوحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي غَطَفَانَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَشْهَدُ لَكُنْتُ أَشْوِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَطْنَ الشَّاةِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) أَمَّا أَبُو غَطَفَانَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ المعجمة والطاء المهملة فهو بن طَرِيفٍ الْمُرِّيُّ الْمَدَنِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ لايعرف اسْمُهُ قَالَ وَيُقَالُ فِي كُنْيَتِهِ أَيْضًا أَبُو مَالِكٍ وَأَمَّا أَبُو رَافِعٍ فَهُوَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْمُهُ أَسْلَمُ وَقِيلَ إِبْرَاهِيمُ وَقِيلَ هُرْمُزُ وَقِيلَ ثَابِتٌ وَقَوْلُهُ بَطْنَ الشَّاةِ يَعْنِي الْكَبِدَ وَمَا مَعَهُ مِنْ حَشْوِهَا وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ أَشْوِي بَطْنَ الشاه فيأكل منه ثم يصلي ولايتوضأ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ لَبَنًا ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَمَضْمَضَ وَقَالَ إِنَّ لَهُ دَسَمًا) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْمَضْمَضَةِ مِنْ شُرْبِ اللَّبَنِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ تُسْتَحَبُّ لَهُ الْمَضْمَضَةُ وَلِئَلَّا تَبْقَى مِنْهُ بَقَايَا يَبْتَلِعُهَا فِي حَالِ الصَّلَاةِ وَلِتَنْقَطِعَ لُزُوجَتُهُ وَدَسَمُهُ وَيَتَطَهَّرَ فَمُهُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اسْتِحْبَابِ غَسْلِ الْيَدِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ وَالْأَظْهَرُ اسْتِحْبَابُهُ أَوَّلًا إِلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ من نَظَافَةَ الْيَدِ مِنَ النَّجَاسَةِ وَالْوَسَخِ وَاسْتِحْبَابِهِ بَعْدَ الفراغ الا أن لايبقى عَلَى الْيَدِ أَثَرُ الطَّعَامِ بِأَنْ كَانَ يَابِسًا وَلَمْ يَمَسُّهُ بِهَا وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى لا يستحب غسل اليدللطعام إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْيَدِ أَوَّلًا قَذَرٌ وَيَبْقَى عَلَيْهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ رَائِحَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى قَالَ

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي عَمْرٌو) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَأَخْبَرَنِي عَمْرٌو بِالْوَاوِ فِي وَأَخْبَرَنِي وَهِيَ وَاوُ الْعَطْفِ وَالْقَائِلُ وَأَخْبَرَنِي عَمْرٌو هو بن وَهْبٍ وَإِنَّمَا أَتَى بِالْوَاوِ أَوَّلًا لِأَنَّهُ سَمِعَ مِنْ عَمْرٍو أَحَادِيثَ فَرَوَاهَا وَعَطَفَ بَعْضَهَا عَلَى بعض فقال إبن وهب أخبرني عمروبكذا وَأَخْبَرَنِي عَمْرٌو بِكَذَا وَعَدَّدَ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ فَسَمِعَ احمد بن عيسى لفظ بن وَهْبٍ هَكَذَا بِالْوَاوِ فَأَدَّاهُ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى كما سمعه فقال حدثنا بن وَهْبٍ قَالَ يَعْنِي ابْنَ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي عَمْرٌو وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بن حلحله هو بالحائين الْمُهْمَلَتَيْنِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا اللَّامُ السَّاكِنَةُ قَوْلُهُ (وَفِيهِ أن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا شَهِدَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَذَا فِيهِ فَائِدَةٌ لَطِيفَةٌ وَذَلِكَ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى فِيهَا عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ ثِيَابَهُ وَلَيْسَ فِيهَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَأَى هَذِهِ الْقَضِيَّةَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَآهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهَا مِنْ غَيْرِهِ يَكُونُ مُرْسَلَ صَحَابِيٍّ وَقَدْ مَنَعَ الِاحْتِجَاجَ بِهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ ألاسفرايني وَالصَّوَابُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُحْتَمِلَةً هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ نَبَّهَ

(باب الوضوء من لحوم الإبل)

مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَا يُزِيلُ هذا كله فقال شهد بن عَبَّاسٍ ذَلِكَ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (باب الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ) فِي إِسْنَادِهِ (مَوْهَبُ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْمِيمِ وَفِيهِ أَشْعَثُ بْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ هُمَا بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَاسْمُ أَبِي الشَّعْثَاءِ سُلَيْمُ بْنُ أَسْوَدَ أَمَّا أَحْكَامُ الْبَابِ فاختلف العلماء في أكل لحوم الجزور وذهب الاكثرون إلى أنه لاينقض الْوُضُوءَ مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ الرَّاشِدُونَ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وبن مسعود وابي بن كعب وبن عَبَّاسٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو طَلْحَةَ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأَبُو أُمَامَةَ وَجَمَاهِيرُ التَّابِعِينَ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ وَذَهَبَ إِلَى انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ وبن خُزَيْمَةَ وَاخْتَارَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَحُكِيَ عَنِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مُطْلَقًا وَحُكِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ فَتَوَضَّأَ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ

(باب الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث)

وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ فَأَمَرَ بِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا حَدِيثَانِ حَدِيثُ جَابِرٍ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ أَقْوَى دَلِيلًا وَإِنْ كَانَ الْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ وَقَدْ أجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ كَانَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ وَلَكِنْ هَذَا الْحَدِيثُ عَامٌّ وَحَدِيثُ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ خَاصٌّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا إِبَاحَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ دُونَ مَبَارِكِ الْإِبِلِ فَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالنَّهْيُ عَنْ مَبَارِكِ الْإِبِلِ وَهِيَ أَعْطَانُهَا نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَسَبَبُ الْكَرَاهَةِ مَا يُخَافُ مِنْ نِفَارِهَا وَتَهْوِيشِهَا عَلَى الْمُصَلِّي وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ ثُمَّ شك في الحدث) (فله يصلي بطهارته تلك) فيه قَوْلُهُ (شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ في الصلاة قال لاينصرف حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا (قَوْلُهُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ الشَّيْءُ يَعْنِي خُرُوجَ الْحَدَثِ مِنْهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا مَعْنَاهُ يَعْلَمُ وُجُودَ أَحَدِهِمَا وَلَا يُشْتَرَطُ السَّمَاعُ وَالشَّمُّ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ مِنْ أصُولِ الْإِسْلَامِ وَقَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْفِقْهِ وَهِيَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ يُحْكَمُ بِبَقَائِهَا عَلَى أُصُولِهَا حَتَّى يُتَيَقَّنَ خِلَافُ ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّ الشَّكُّ الطَّارِئُ عَلَيْهَا فَمِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْبَابِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا الْحَدِيثُ وَهِيَ أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ حُكِمَ بِبَقَائِهِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حُصُولِ هَذَا الشَّكِّ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَحُصُولِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ

رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ إِنْ كَانَ شَكُّهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُهُ إِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ وَالثَّانِيَةُ يَلْزَمُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَحُكِيَتِ الرِّوَايَةُ الْأُولَى عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَهُوَ وَجْهٌ شَاذٌّ مَحْكِيٌّ عَنْ بَعْضِ اصحابنا وليس بشيء قال اصحابنا ولافرق فِي الشَّكِّ بَيْنَ أَنْ يَسْتَوِيَ الِاحْتِمَالَانِ فِي وُقُوعِ الْحَدَثِ وَعَدَمِهِ أَوْ يَتَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ احتياطا فلوتوضأ احْتِيَاطًا وَدَامَ شَكُّهُ فَذِمَّتُهُ بَرِيئَةٌ وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا فَهَلْ تُجْزِيهِ تِلْكَ الطَّهَارَةُ الْوَاقِعَةُ فِي حَالِ الشَّكِّ فِيهِ وجهان لاصحابنا اصحهما عندهم أنه لاتجزيه لِأَنَّهُ كَانَ مُتَرَدِّدًا فِي نِيَّتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا إِذَا تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا إِذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مَثَلًا حَدَثٌ وَطَهَارَةٌ وَلَا يَعْرِفُ السَّابِقُ مِنْهُمَا فإن كان لايعرف حَالَهُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ وَإِنْ عَرَفَ حَالَهُ فَفِيهِ أَوْجُهٌ لِأَصْحَابِنَا أَشْهَرُهُمَا عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يَكُونُ بِضِدِّ مَا كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنْ كَانَ قَبْلهَا مُحْدِثًا فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا مُتَطَهِّرًا فَهُوَ الْآنَ مُحْدِثٌ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ جَمَاعَاتٍ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ بِكُلِّ حَالٍ وَالثَّالِثُ يَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ وَالرَّابِعُ يَكُونُ كَمَا كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْأَمْرَيْنِ الْوَاقِعَيْنِ بَعْدَ طُلُوعِهَا هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَبُطْلَانُهُ أَظْهَرُ مِنْ أنْ يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِأُنَبِّهَ عَلَى بُطْلَانِهِ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ وَكَيْفَ يَحْكُمُ بِأَنَّهُ عَلَى حَالِهِ مَعَ تَيَقُّنِ بُطْلَانِهَا بِمَا وَقَعَ بَعْدَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْ مَسَائِلِ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ مَنْ شَكَّ فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ أَوْ عِتْقِ عَبْدِهِ أَوْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ الطَّاهِرِ أَوْ طَهَارَةِ النَّجَسِ أَوْ نَجَاسَةِ الثَّوْبِ أَوِ الطَّعَامِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ أنَّهُ صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ أَوْ أرْبَعًا أَوْ أنَّهُ ركع وسجد أم لا أوأنه نَوَى الصَّوْمَ أَوِ الصَّلَاةَ أَوِ الْوُضُوءَ أَوِ الاعتكاف وهوفي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْأَمْثِلَةَ فَكُلُّ هَذِهِ الشُّكُوكِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا وَالْأَصْلُ عَدَمُ هَذَا الْحَادِثِ وَقَدِ اسْتَثْنَى الْعُلَمَاءُ مَسَائِلَ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ فِي كُتُبِ الفقه لايتسع هَذَا الْكِتَابُ لِبَسْطِهَا فَإِنَّهَا مُنْتَشِرَةٌ وَعَلَيْهَا اعْتِرَاضَاتٌ وَلَهَا أَجْوِبَةٌ وَمِنْهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلِهَذَا حَذَفْتُهَا هُنَا وَقَدْ أوْضَحْتُهَا بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ وَبَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ مِنَ الْمَجْمُوعِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَجَمَعْتُ فِيهَا مُتَفَرِّقَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَمَا تَمَسُّ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مِنْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ سَعِيدٍ وَعَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ شُكِيَ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إِلَيْهِ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ) ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ

(باب طهارة جلود الميتة بالدباغ)

قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ فِي رِوَايَتِهِمَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ) مَعْنَى هَذَا أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ وَزُهَيْرٍ سَمَّيَا عَمَّ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ فَإِنَّهُ رَوَاهُ أولا عن سعيد هو بن الْمُسَيِّبِ وَعَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ وَلَمْ يُسَمِّهِ فَسَمَّاهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَالَ هَذَا الْعَمُّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وهو بن زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ وَهُوَ رَاوِي حَدِيثِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَحَدِيثِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَغَيْرِهِمَا وَلَيْسَ هُوَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الذي أري الأذان وقوله شكى هوبضم الشين وكسر الكاف والرجل مَرْفُوعٌ وَلَمْ يُسَمِّ هُنَا الشَّاكِيَ وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ السَّائِلَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بن زيد الراوي وينبغي أن لايتوهم بِهَذَا أَنَّهُ شَكَى مَفْتُوحَةُ الشِّينِ وَالْكَافِ وَيَجْعَلَ الشَّاكِيَ هُوَ عَمَّهُ الْمَذْكُورَ فَإِنَّ هَذَا الْوَهْمَ غَلَطٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ طَهَارَةِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغِ) فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّاةِ الْمَيِّتَةِ (هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ فَقَالُوا إِنَّهَا مَيْتَةٌ

فَقَالَ إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا قَالُوا إِنَّهَا مَيْتَةٌ فَقَالَ إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (أَلَا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (ألا انتفعتم

بِإِهَابِهَا) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ (إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فقد طهر) وفي الرواية الاخرى (عن بن وعلة قال سألت بن عَبَّاسٍ قُلْتُ إِنَّا نَكُونُ بِالْمَغْرِبِ فَيَأْتِينَا الْمَجُوسُ بِالْأَسْقِيَةِ فِيهَا الْمَاءُ وَالْوَدَكُ فَقَالَ اشْرَبْ فَقُلْتُ

أرأي تراه فقال بن عَبَّاسٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ دِبَاغُهُ طَهُورُهُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي دِبَاغِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ وَطَهَارَتِهَا بِالدِّبَاغِ عَلَى سَبْعَةِ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ جَمِيعُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ إِلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْمُتَوَلِّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَغَيْرِهِ وَيَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ ظَاهِرُ الْجِلْدِ وَبَاطِنِهِ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَائِعَةِ وَالْيَابِسَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ وَرُوِيَ هَذَا الْمَذْهَبُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا والمذهب الثاني لايطهر شَيْءٌ مِنَ الْجُلُودِ بِالدِّبَاغِ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ جِلْدُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَلَا يَطْهُرُ غيره وهومذهب الاوزاعي وبن الْمُبَارَكِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ يَطْهُرُ جُلُودُ جَمِيعِ الْمَيْتَاتِ إِلَّا الْخِنْزِيرَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَذْهَبُ الْخَامِسُ يَطْهُرُ الْجَمِيعُ إِلَّا أَنَّهُ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْيَابِسَاتِ دُونَ الْمَائِعَاتِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لافيه وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ الْمَشْهُورُ فِي حِكَايَةِ أَصْحَابِهِ عَنْهُ وَالْمَذْهَبُ السَّادِسُ يَطْهُرُ الْجَمِيعُ وَالْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُدَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْمَذْهَبُ السَّابِعُ أَنَّهُ ينتفع بجلود الميتة وان لم تدبغ ويجوزاستعمالها فِي الْمَائِعَاتِ وَالْيَابِسَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ وَجْهٌ شَاذٌّ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا لَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ وَلَا الْتِفَاتَ إِلَيْهِ وَاحْتَجَّتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنَ أَصْحَابِ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ بِأَحَادِيثَ وَغَيْرِهَا وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ دَلِيلِ بَعْضٍ وَقَدْ أوْضَحْتُ دَلَائِلَهُمْ فِي أَوْرَاقٍ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالْغَرَضُ هُنَا بَيَانُ الاحكام والاستنباط من الحديث وفي حديث بن وعلة عن بن عَبَّاسٍ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَائِعَاتِ فَإِنَّ جُلُودَ مَا ذَكَّاهُ الْمَجُوسُ نَجِسَةٌ وَقَدْ نُصَّ عَلَى طَهَارَتِهَا بِالدِّبَاغِ وَاسْتِعْمَالِهَا فِي الْمَاءِ وَالْوَدَكِ وَقَدْ يَحْتَجُّ الزُّهْرِيُّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ دِبَاغَهَا وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مُطْلَقٌ وَجَاءَتِ الرِّوَايَاتُ الْبَاقِيَةُ بِبَيَانِ الدِّبَاغِ وَأَنَّ دِبَاغَهُ طَهُورُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي الْإِهَابِ فَقِيلَ هُوَ الْجِلْدُ مُطْلَقًا وَقِيلَ هُوَ الْجِلْدُ قَبْلَ الدِّبَاغِ فَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يُسَمَّى إِهَابًا وَجَمْعُهُ أَهَبٌ بِفَتْحِ الهمزة والهاء وبضمهما لغتان ويقال طَهَرَ الشَّيْءُ وَطَهُرَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ والفتح أفصح والله أعلم

فصل

( فصل) يَجُوزُ الدِّبَاغُ بِكُلِّ شَيْءٍ يُنَشِّفُ فَضَلَاتِ الْجِلْدِ وَيُطَيِّبُهُ وَيَمْنَعُ مِنْ وُرُودِ الْفَسَادِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ كَالشَّتِّ وَالشَّبِّ وَالْقَرْظِ وَقُشُورِ الرُّمَّانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَدْوِيَةِ الطَّاهِرَةِ وَلَا يَحْصُلُ بِالتَّشْمِيسِ عِنْدَنَا وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ يَحْصُلُ وَلَا يَحْصُلُ عِنْدَنَا بِالتُّرَابِ وَالرَّمَادِ وَالْمِلْحِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْجَمِيعِ وَهَلْ يَحْصُلُ بِالْأَدْوِيَةِ النَّجِسَةِ كَذَرْقِ الْحَمَامِ وَالشَّبِّ الْمُتَنَجِّسِ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ حُصُولُهُ وَيَجِبُ غَسْلُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الدِّبَاغِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ كَانَ دَبْغُهُ بِطَاهِرٍ فَهَلْ يَحْتَاجُ إِلَى غَسْلِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَلْ يُحْتَاجُ إِلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي أَوَّلِ الدِّبَاغِ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَفْتَقِرُ الدِّبَاغُ إِلَى فِعْلِ فَاعِلٍ فَلَوْ أطَارَتِ الرِّيحُ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَوَقَعَ فِي مَدْبَغِهِ طَهُرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا طَهُرَ بِالدِّبَاغِ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ فِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا يَجُوزُ وَهَلْ يَجُوزُ أَكْلُهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَوْ أقْوَالٍ أَصَحُّهَا لَا يَجُوزُ بِحَالٍ وَالثَّانِي يَجُوزُ وَالثَّالِثُ يَجُوزُ أَكْلُ جِلْدِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا طَهُرَ الْجِلْدُ بِالدِّبَاغِ فَهَلْ يَطْهُرُ الشَّعْرُ الَّذِي عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْجِلْدِ إِذَا قُلْنَا بِالْمُخْتَارِ فِي مَذْهَبِنَا إِنَّ شَعْرَ الْمَيْتَةِ نَجِسٌ فيه قولان للشافعي أصحهما واشهرهما لايطهر لأن الدباغ لايؤثر فِيهِ بِخِلَافِ الْجِلْدِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ فِي الْأَشْيَاءِ الرَّطْبَةِ وَيَجُوزُ فِي الْيَابِسَاتِ مَعَ كَرَاهَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا) رُوِّينَاهُ عَلَى وَجْهَيْنِ حَرُمَ بِفَتْحِ الحاء وضم الراء وحرم بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ فِي هَذَا اللَّفْظِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا قَدَّمْتُهُ وَلِلْقَائِلِ الْآخَرِ أَنْ يَقُولَ الْمُرَادُ تَحْرِيمُ لَحْمِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قال ابو بكر وبن أَبِي عُمَرَ فِي حَدِيثِهِمَا عَنْ مَيْمُونَةَ) يَعْنِي انهما ذكرا في روايتهما ان بن عَبَّاسٍ رَوَاهُ عَنْ مَيْمُونَةَ قَوْلُهُ (إِنَّ دَاجِنَةَ كَانَتْ) هِيَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ وَالنُّونِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَدَاجِنُ الْبُيُوتِ مَا أَلِفَهَا مِنَ الطَّيْرِ وَالشَّاةِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ دَجَنَ فِي بَيْتِهِ إِذَا أَلْزَمَهُ وَالْمُرَادُ بِالدَّاجِنَةِ هُنَا الشَّاةُ قَوْلُهُ (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ وَعْلَةَ السَّبَئِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالسَّبَئِيُّ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا الْبَاءُ الْمُوَحَّدَةُ ثُمَّ الْهَمْزَةُ ثُمَّ يَاءُ النَّسَبِ قَوْلُهُ بِمِثْلِهِ يَعْنِي حَدِيثَ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ يَعْنِي بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتِ وَلَعَلَّهُ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي عَنْ مُسْلِمٍ وَلَوْ رُوِيَ بِالنُّونِ فِي أَوَّلِهِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ مُسْلِمٍ لَكَانَ حَسَنًا وَلَكِنْ لَمْ يُرْوَ قَوْلُهُ (إِنَّ أَبَا الْخَيْرِ) هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاسْمُهُ مَرْثَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيُّ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالزَّايِ وَقَوْلُهُ

(باب التيمم)

(يَأْتُونَا بِالسِّقَاءِ يَجْعَلُونَ فِيهِ الْوَدَكَ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ بِبِلَادِنَا يَجْعَلُونَ بِالْعَيْنِ بَعْدَ الْجِيمِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أكْثَرِ الرُّوَاةِ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ يَجْمُلُونَ بِالْمِيمِ وَمَعْنَاهُ يُذِيبُونَ يُقَالُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ يُقَالُ جَمَلْتَ الشَّحْمَ وَأَجْمَلْتَهُ أَذَبْتَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (رَأَيْتُ على بن وَعْلَةَ السَّبَئِيَّ فَرْوًا) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ فروا وهوالصحيح الْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ وَجَمْعُ الْفَرْوِ فِرَاءٌ كَكَعْبٍ وَكِعَابٍ وَفِيهِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ أَنَّهُ يُقَالُ فَرْوَةٌ بالهاء كما يقولها العامة حكاها بن فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ وَالزُّبَيْدِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ قَوْلُهُ (فَمَسِسْتُهُ) هُوَ بِكَسْرِ السِّينِ الْأُولَى عَلَى الْأَخِيرَةِ الْمَشْهُورَةِ وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ بِفَتْحِهَا فَعَلَى الْأَوَّلِ الْمُضَارِعِ يَمَسُّهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ بِضَمِّهَا وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (بَابُ التَّيَمُّمِ) التَّيَمُّمُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَصْدُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْأَزْهَرِيُّ التَّيَمُّمُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْقَصْدُ يُقَالُ تَيَمَّمْتُ فُلَانًا وَيَمَّمْتُهُ وَتَأَمَّمْتُهُ وَأَمَمْتُهُ أَيْ قَصَدْتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ التَّيَمُّمَ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَهُوَ خِصِّيصَةٌ خَصَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ زَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى شَرَفًا وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْوَجْهِ واليدين سواء كان عن حدث أصغر أوأكبر وَسَوَاءٌ تَيَمَّمَ عَنِ الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ التَّيَمُّمِ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ضَرْبَتَيْنِ ضَرْبَةٍ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٍ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفِقَيْنِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَآخَرُونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَمَكْحُولٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ واسحاق وبن الْمُنْذِرِ وَعَامَّةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَحُكِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ مَسْحُ الْيَدَيْنِ إِلَى الْإِبْطَيْنِ هَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ لَمْ يَخْتَلِفْ أحد من العلماء في انه لايلزم مسح ماوراء المرفقين وحكى أصحابنا ايضا عن بن سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ لَا يُجْزِيهِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ ضَرَبَاتٍ ضَرْبَةٍ

لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٍ ثَانِيَةٍ لِكَفَّيْهِ وَثَالِثَةٍ لِذِرَاعَيْهِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ عَنِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَكَذَلِكَ أَجْمَعَ أَهْلُ هَذِهِ الْأَعْصَارِ وَمَنْ قَبْلَهُمْ عَلَى جَوَازِهِ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْخَلَفِ وَلَا أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَّا مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَحُكِيَ مِثْلُهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ الْإِمَامِ التَّابِعِيِّ وَقِيلَ إِنَّ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ رَجَعَا عَنْهُ وَقَدْ جَاءَتْ بِجَوَازِهِ لِلْجُنُبِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا صَلَّى الْجُنُبُ بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاغْتِسَالُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْإِمَامِ التَّابِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ مَذْهَبٌ مَتْرُوكٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَمَنْ بَعْدَهُ وَبِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجُنُبِ بِغَسْلِ بَدَنِهِ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ وَالْمُعْزِبِ فِي الْإِبِلِ وَغَيْرِهِمَا أَنْ يُجَامِعَ زَوْجَتَهُ وَإِنْ كَانَا عَادِمَيْنِ لِلْمَاءِ وَيَغْسِلَانِ فَرْجَيْهِمَا وَيَتَيَمَّمَانِ وَيُصَلِّيَانِ وَيَجْزِيهِمَا التَّيَمُّمُ وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِمَا إِذَا غَسَلَا فَرْجَيْهِمَا فَإِنْ لَمْ يَغْسِلِ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنَ الْمَرْأَةِ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ عَلَى حَالِهِ فَإِنْ قُلْنَا إِنَّ رُطُوبَةَ فَرْجِ الْمَرْأَةِ نَجِسَةٌ لَزِمَهُ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا إِذَا كَانَ عَلَى بَعْضِ أَعْضَاءِ الْمُحْدِثِ نَجَاسَةٌ فَأَرَادَ التَّيَمُّمَ بَدَلًا عَنْهَا فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ إِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ عَلَى بَدَنِهِ وَلَمْ يَجُزِ إِذَا كَانَتْ عَلَى ثَوْبِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي وُجُوبِ إِعَادَةِ هذه الصلاة وقال بن الْمُنْذِرِ كَانَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ يَقُولُونَ يَمْسَحُ مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ بِتُرَابٍ وَيُصَلِّي وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا إِعَادَةُ الصَّلَاةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا بِالتَّيَمُّمِ فَمَذْهَبُنَا أنه لايعيد إِذَا تَيَمَّمَ لِلْمَرَضِ أَوِ الْجِرَاحَةِ وَنَحْوهِمَا وَأَمَّا إِذَا تَيَمَّمَ لِلْعَجْزِ عَنِ الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يُعْدَمُ فِيهِ الْمَاءُ غَالِبًا كَالسَّفَرِ لَمْ تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَعْدَمُ فِيهِ الْمَاءَ إِلَّا نَادِرًا وَجَبَتِ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا جِنْسُ مَا يُتَيَمَّمُ بِهِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فذهب الشافعي وأحمد وبن الْمُنْذِرِ وَدَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لايجوز التَّيَمُّمُ إِلَّا بِتُرَابٍ طَاهِرٍ لَهُ غُبَارٌ يَعْلَقُ بِالْعُضْوِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْأَرْضِ حَتَّى بِالصَّخْرَةِ الْمَغْسُولَةِ وَزَادَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ فَجَوَّزَهُ بِكُلِّ مَا اتَّصَلَ بِالْأَرْضِ مِنَ الْخَشَبِ وَغَيْرِهِ وَعَنْ مَالِكٍ فِي الثَّلْجِ رِوَايَتَانِ وَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِالثَّلْجِ وَكُلِّ مَا عَلَى الْأَرْضِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا حُكْمُ التَّيَمُّمِ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الاكثرين أنه لايرفع الْحَدَثَ بَلْ يُبِيحُ الصَّلَاةَ

فيستبيح به فريضة وماشاء من النوافل ولايجمع بَيْنَ فَرِيضَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ وَإِنْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ الْفَرْضَ اسْتَبَاحَ الْفَرِيضَةَ وَالنَّافِلَةَ وَإِنْ نَوَى النَّفْلَ اسْتَبَاحَ النَّفْلَ وَلَمْ يَسْتَبِحْ بِهِ الْفَرْضَ وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جَنَائِزَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِدِ فَرِيضَةً وَجَنَائِزَ وَلَا يَتَيَمَّمُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَإِذَا رَأَى الْمُتَيَمِّمُ لِفَقْدِ الْمَاءِ مَاءً وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بَلْ لَهُ أَنْ يُتِمَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بَعْضِ أَسْفَارِهِ) فِيهِ جَوَازُ مُسَافَرَةِ الزَّوْجِ بِزَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ قَوْلُهَا (حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى

(عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ) أَمَّا الْبَيْدَاءُ فَبِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فِي أَوَّلِهَا وَبِالْمَدِّ وَأَمَّا ذَاتُ الْجَيْشِ فَبِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَيْدَاءُ وَذَاتُ الْجَيْشِ مَوْضِعَانِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ وَأَمَّا الْعِقْدُ فَهُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَهُوَ كُلُّ مَا يُعْقَدُ وَيُعَلَّقُ في العنق فيسمى عقدا أو قلاده وَأَمَّا قَوْلُهَا عِقْدٌ لِي وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى اسْتَعَارَتْ مِنَ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مِلْكٌ لِأَسْمَاءَ وَأَضَافَتْهُ فِي الرِّوَايَةِ إِلَى نَفْسِهَا لِكَوْنِهِ فِي يَدِهَا وَقَوْلُهَا فَهَلَكَتْ مَعْنَاهُ ضَاعَتْ وَفِي هَذَا الْفَصْلِ مِنَ الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا جَوَازُ الْعَارِيَةِ وَجَوَازُ عَارِيَةِ الْحُلِيِّ وَجَوَازُ الْمُسَافَرَةِ بِالْعَارِيَةِ إِذَا كَانَ بِإِذْنِ الْمُعِيرِ وَجَوَازُ اتِّخَاذِ النِّسَاءِ الْقَلَائِدَ وَفِيهِ الِاعْتِنَاءُ بِحِفْظِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ وَإِنْ قَلَّتْ وَلِهَذَا أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْتِمَاسِهِ وَجَوَازِ الْإِقَامَةِ فِي مَوْضِعٍ لَا مَاءَ فِيهِ وَإِنْ احْتَاجَ إِلَى التَّيَمُّمِ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ وَجَعَلَ يَطْعُنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي) فيه تَأْدِيبِ الرَّجُلِ وَلَدَهُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالضَّرْبِ وَنَحْوِهِ وَفِيهِ تَأْدِيبُ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً مُزَوَّجَةً خَارِجَةً عَنْ بَيْتِهِ وَقَوْلُهَا يَطْعُنُ هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَحُكِيَ فَتْحِهَا وَفِي الطَّعْنِ فِي الْمَعَانِي عَكْسُهُ قَوْلُهُ (فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ السِّينِ وَحُضَيْرٌ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَلَا يَضُرُّ بَيَانُهُ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ قَوْلُهَا (فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهَ) كَذَا وَقَعَ هُنَا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَوَجَدَهَا وَفِي رِوَايَةٍ رَجُلَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ نَاسًا وَهِيَ قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمَبْعُوثُ هُوَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَأَتْبَاعٌ لَهُ فَذَهَبُوا فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا ثُمَّ وَجَدَهَا أُسَيْدُ بَعْدَ رُجُوعِهِ تَحْتَ الْبَعِيرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قوله (فصلوابغير وُضُوءٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ يُصَلِّي عَلَى حَالِهِ وَهَذِهِ

الْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ أَمَّا الصَّلَاةُ فَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَأَمَّا الْإِعَادَةُ فَلِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ نَسِيَ عُضْوًا مِنَ أَعْضَاءِ طَهَارَتِهِ وَصَلَّى فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ سَوَاءٌ صَلَّى أَمْ لَمْ يُصَلِّ وَالثَّالِثُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ لِكَوْنِهِ مُحْدِثًا وَيَجِبُ الْإِعَادَةُ وَالرَّابِعُ يَجِبُ الصَّلَاةُ وَلَا يَجِبُ الْإِعَادَةُ وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ أَقْوَى الْأَقْوَالِ دَلِيلًا وَيُعَضِّدهُ هَذَا الْحَدِيثُ وَأَشْبَاهُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيجَابَ إِعَادَةِ مِثْلِ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْقَضَاءَ إِنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ وَلَمْ يَثْبُتِ الْأَمْرُ فَلَا يَجِبُ وَهَكَذَا يَقُولُ الْمُزَنِيُّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَجَبَتْ فِي الْوَقْتِ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْخَلَلِ لَا تَجِبُ إِعَادَتُهَا وَلِلْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ أَنْ يُجِيبُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ لَيْسَتْ عَلَى الْفَوْرِ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ تَعَالَى فتيمموا صعيدا طيبا اخْتُلِفَ فِي الصَّعِيدِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ هُنَا التُّرَابُ وَقَالَ الْآخَرُونَ هُوَ جَمِيعُ مَا صَعِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَأَمَّا الطَّيِّبُ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ الطَّاهِرُ وَقِيلَ الْحَلَالُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ إِلَى الصَّعِيدِ وَاجِبٌ قَالُوا فَلَوْ أَلْقَتِ الرِّيحُ عَلَيْهِ تُرَابًا فمسح به وجهه لم يجزئه بل لابد مِنْ نَقْلِهِ مِنَ الْأَرْضِ أَوْ غَيْرِهَا

وَفِي الْمَسْأَلَةِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (لَأَوْشَكَ إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ الْمَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا) مَعْنَى أَوْشَكَ قَرُبَ وَأَسْرَعَ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ أَوْشَكَ وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ مُضَارِعًا فَيُقَالُ يُوشِكُ كَذَا وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ هَذَا الْقَائِلُ بَلْ يُقَالُ أَوْشَكَ أَيْضًا وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ فِي الصَّحِيحِ مِثْلِهِ وَقَوْلُهُ بَرَدَ هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالرَّاءِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ بَرُدَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْمَشْهُورُ الْفَتْحُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ كَذَا) وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى الْأَرْضِ فَنَفَضَ يَدَيْهِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ يَكْفِي ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ جَمِيعًا وَلِلْآخَرِينَ أَنْ يُجِيبُوا عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا صُورَةُ الضَّرْبِ لِلتَّعْلِيمِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بَيَانَ جَمِيعِ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّيَمُّمُ وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى غَسْلَ الْيَدَيْنِ إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ فِي الْوُضُوءِ ثُمَّ قَالَ تعالى في التيمم فامسحوا بوجوهكم وأيديكم وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْيَدَ الْمُطْلَقَةَ هُنَا هِيَ الْمُقَيَّدَةُ فِي الْوُضُوءِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ فَلَا يُتْرَكُ هَذَا الظَّاهِرُ إِلَّا بِصَرِيحٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

وَقَوْلُهُ فَنَفَضَ يَدَهُ قَدِ احْتَجَّ بِهِ مَنْ جوز التيمم بالحجارة وما لاغبار عليه قالوا اذا لَوْ كَانَ الْغُبَارُ مُعْتَبَرًا لَمْ يَنْفُضِ الْيَدَ وَأَجَابَ الْآخَرُونَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْضِ هُنَا تَخْفِيفُ الْغُبَارِ الْكَثِيرِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ إِذَا حَصَلَ عَلَى الْيَدِ غُبَارٌ كَثِيرٌ أَنْ يُخَفَّفَ بِحَيْثُ يَبْقَى مَا يَعُمُّ الْعُضْوَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الباء الموحدة وبعدها زاي ثم باء وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ صَحَابِيٌّ قَوْلُهُ (فَقَالَ عُمَرُ اتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى يَا عَمَّارُ قَالَ إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ) مَعْنَاهُ قَالَ عُمَرُ لِعَمَّارٍ اتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى فِيمَا تَرْوِيهِ وَتَثَبَّتْ فَلَعَلَّكَ نَسِيتَ أَوِ اشْتَبَهَ عَلَيْكَ الْأَمْرُ وَأَمَّا قَوْلُ عَمَّارٍ إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ فَمَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِنْ رَأَيْتَ الْمَصْلَحَةَ فِي إِمْسَاكِي عَنِ التَّحْدِيثِ بِهِ رَاجِحَةً عَلَى مَصْلَحَةِ تَحْدِيثِي بِهِ أَمْسَكْتُ فَإِنَّ طَاعَتَكَ وَاجِبَةٌ عَلَيَّ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ وَأَصْلُ تَبْلِيغِ هَذِهِ السُّنَّةِ وَأَدَاءِ الْعِلْمِ قَدْ حَصَلَ فَإِذَا

أمسك بعد هذا لايكون دَاخِلًا فِيمَنْ كَتَمَ الْعِلْمَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ تَحْدِيثًا شَائِعًا بِحَيْثُ يَشْتَهِرُ فِي النَّاسِ بَلْ لَا أُحَدِّثُ بِهِ إِلَّا نَادِرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي قِصَّةِ عَمَّارٍ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ عَمَّارًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اجْتَهَدَ فِي صِفَةِ التَّيَمُّمِ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَضْرَتِهِ وفي غير حضرته والثاني لايجوز بحال والثالث لايجوز بِحَضْرَتِهِ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِ حَضْرَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَرَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ) هَكَذَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ مُنْقَطِعًا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَاللَّيْثِ وَهَذَا النَّوْعُ يُسَمَّى مُعَلَّقًا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَإِيضَاحُ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَذَكَرْنَا أن في صحيح مسلم أربعة عشر أواثني عَشَرَ حَدِيثًا مُنْقَطِعَةً هَكَذَا وَبَيَّنَّاهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ اللَّيْثِ هَذَا (أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي أُصُولِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَجَمِيعُ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَسَانِيدِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَصَوَابُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَلَى الصَّوَابِ فَقَالُوا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا صَحِيحَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ السَّمَرْقَنْدِيِّ عَنِ الْفَارِسِيِّ عَنِ الْجُلُودِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ عَلَى الصَّوَابِ وَهُمْ أَرْبَعَةُ إِخْوَةٍ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَعَطَاءٌ مَوْلَى مَيْمُونَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (دَخَلْنَا عَلَى أَبِي الْجَهْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ) أَمَّا الصِّمَّةُ فَبِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَأَمَّا أَبُو الْجَهْمِ فَبِفَتْحِ الْجِيمِ وَبَعْدَهَا هَاءٌ سَاكِنَةٌ هَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ وَهُوَ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ مَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ

أَبُو الْجُهَيْمِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَزِيَادَةِ يَاءٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْأَسْمَاءِ وَكَذَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِهِ فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَكُلُّ مَنْ ذَكَرَهُ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ فِي الْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى وَغَيْرُهُمَا وَاسْمُ أَبِي الْجُهَيْمِ عَبْدُ اللَّهِ كَذَا سَمَّاهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْكُنَى وكذا سماه أيضا غيره والله أعلم وأعلم أَنَّ أَبَا الْجُهَيْمِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَيْضًا فِي حَدِيثِ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي وَاسْمُهُ عبد الله بن الحارث بن الصمة الأنصاري الْبُخَارِيُّ وَهُوَ غَيْرُ أَبِي الْجَهْمِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ الْخَمِيصَةِ وَالْأَنْبِجَانِيَّةِ ذَلِكَ بِفَتْحِ الْجِيمِ بِغَيْرِ يَاءٍ وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ (أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمِيمِ وَرِوَايَةِ النَّسَائِيِّ بِئْرُ الْجَمَلِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ) فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَادِمًا لِلْمَاءِ حَالَ التَّيَمُّمِ فَإِنَّ التَّيَمُّمَ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لَا يَجُوزُ لِلْقَادِرِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَضِيقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ أَنْ يَتَّسِعَ وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ وَغَيْرِهِمَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ إِذَا خَافَ فَوْتَهُمَا وَحَكَى الْبَغَوِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إِذَا خَافَ فَوْتَ الْفَرِيضَةِ لِضِيقِ الْوَقْتِ صَلَّاهَا بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَقَضَاهَا وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ التيمم بالجدارإذا كَانَ عَلَيْهِ غُبَارٌ وَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ جَوَّزَ التَّيَمُّمَ بِغَيْرِ التُّرَابِ وَأَجَابَ الْآخَرُونَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى جِدَارٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ لِلنَّوَافِلِ وَالْفَضَائِلِ كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِهَا كَمَا يَجُوزُ لِلْفَرَائِضِ وَهَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا وَجْهًا شَاذًّا منكرا لبعض

(يبول فسلم فلم يرد عليه) فيه أن المسلم في هذا الحال

أصحابنا أنه لايجوز التَّيَمُّمُ إِلَّا لِلْفَرِيضَةِ وَلَيْسَ هَذَا الْوَجْهُ بِشَيْءٍ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَيَمَّمَ بِالْجِدَارِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الجدار كان مباحا أومملوكا لِإِنْسَانٍ يَعْرِفُهُ فَأَدَلَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَيَمَّمَ بِهِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَكْرَهُ مَالِكُهُ ذَلِكَ وَيَجُوزُ مِثْلَ هَذَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِآحَادِ النَّاسِ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنَّ رَجُلًا مَرَّ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَبُولُ فَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ) فِيهِ أَنَّ المسلم في هذا الحال لايستحق جَوَابًا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الْمُشْتَغِلِ بِقَضَاءِ حَاجَةِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ كُرِهَ لَهُ رَدُّ السَّلَامِ قَالُوا وَيُكْرَهُ لِلْقَاعِدِ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى بِشَيْءٍ مِنَ الْأَذْكَارِ قَالُوا فَلَا يُسَبِّحُ وَلَا يُهَلِّلُ وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ وَلَا يُشَمِّتُ الْعَاطِسَ وَلَا يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا عَطَسَ وَلَا يَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ قَالُوا وَكَذَلِكَ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَذْكَارِ فِي حَالِ الْجِمَاعِ وَإِذَا عَطَسَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى فِي نَفْسِهِ وَلَا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ الذِّكْرِ فِي حَالِ الْبَوْلِ وَالْجِمَاعِ هُوَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ فَلَا إِثْمَ عَلَى فَاعِلِهِ وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ الْكَلَامُ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ بِأَيِّ نَوْعٍ كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا كُلِّهِ مَوْضِعُ الضَّرُورَةِ كَمَا إِذَا رَأَى ضَرِيرًا يَكَادُ أَنْ يَقَعَ فِي بِئْرٍ أَوْ رَأَى حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ يَقْصِدُ إِنْسَانًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْكَرَاهَةِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ هُوَ مذهبنا ومذهب الاكثرين وحكاه بن المنذر عن بن عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدٍ الْجُهَنِيِّ وَعِكْرِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهم وحكى عن ابراهيم النخعي وبن سِيرِينَ أَنَّهُمَا قَالَا لَا بَأْسَ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ) (باب الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ) فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سبحان الله أن المؤمن لاينجس) وفي الرواية الاخرى (إن المسلم لاينجس

هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي طَهَارَةِ الْمُسْلِمِ حَيًّا وَمَيِّتًا فَأَمَّا الْحَيُّ فَطَاهِرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى الْجَنِينُ إِذَا أَلْقَتْهُ أُمُّهُ وَعَلَيْهِ رُطُوبَةُ فَرْجِهَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هُوَ طَاهِرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَلَا يَجِيءُ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ فِي نَجَاسَةِ رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَلَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا فِي نَجَاسَةِ ظَاهِرِ بَيْضِ الدَّجَاجِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى رُطُوبَةِ الْفَرْجِ هَذَا حُكْمُ الْمُسْلِمِ الْحَيِّ وَأَمَّا الْمَيِّتُ فَفِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ طَاهِرٌ وَلِهَذَا غُسِّلَ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ بن عَبَّاسٍ تَعْلِيقًا الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا هَذَا حُكْمُ الْمُسْلِمِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَحُكْمُهُ فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ حُكْمُ الْمُسْلِمِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَأَمَّا قَوْلُ الله عز وجل انما المشركون نجس فَالْمُرَادُ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ وَالِاسْتِقْذَارِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ أَعْضَاءَهُمْ نَجِسَةٌ كَنَجَاسَةِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَنَحْوِهِمَا فَإِذَا ثَبَتَتْ طَهَارَةُ الْآدَمِيِّ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا فَعِرْقُهُ وَلُعَابُهُ وَدَمْعُهُ طَاهِرَاتٌ سَوَاءٌ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ وَهَذَا كُلُّهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَدَّمْتُهُ فِي بَابِ الْحَيْضِ وَكَذَلِكَ الصِّبْيَانُ أَبْدَانُهُمْ وَثِيَابُهُمْ وَلُعَابُهُمْ مَحْمُولَةٌ على الطهارة حتى تتيقن النجاسة فتجوزالصلاة فِي ثِيَابِهِمْ وَالْأَكْلُ مَعَهُمْ مِنَ الْمَائِعِ إِذَا غمسوا أَيْدِيَهُمْ فِيهِ وَدَلَائِلُ هَذَا كُلِّهِ مِنَ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ مَشْهُورَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ احْتِرَامِ أَهْلِ الْفَضْلِ وَأَنْ يُوَقِّرَهُمْ جَلِيسُهُمْ وَمُصَاحِبُهُمْ فَيَكُونَ عَلَى أَكْمَلِ الْهَيْئَاتِ وَأَحْسَنِ الصِّفَاتِ وَقَدِ اسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يُحَسِّنَ حَالَهُ فِي حَالِ مُجَالَسَةِ شَيْخِهُ فَيَكُونَ مُتَطَهِّرًا مُتَنَظِّفًا بِإِزَالَةِ الشُّعُورِ الْمَأْمُورِ بِإِزَالَتِهَا وَقَصِّ الْأَظْفَارِ وَإِزَالَةِ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ وَالْمَلَابِسِ الْمَكْرُوهَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ إجْلَالِ الْعِلْمِ وَالْعُلَمَاءِ وَاللَّهُ أعلم وفي هذا الحديث أيضا من

مِنَ الْآدَابِ أَنَّ الْعَالِمَ إِذَا رَأَى مِنْ تَابِعِهِ أَمْرًا يَخَافُ عَلَيْهِ فِيهِ خِلَافَ الصَّوَابِ سَأَلَهُ عَنْهُ وَقَالَ لَهُ صَوَابَهُ وَبَيَّنَ لَهُ حُكْمَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَلْفَاظُ الْبَابِ فَفِيهِ قوله صلى الله عليه وسلم (المؤمن لاينجس) يُقَالُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ وَفِي مَاضِيهِ لُغَتَانِ نَجِسَ وَنَجُسَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَضَمِّهَا فَمَنْ كَسَرَهَا فِي الْمَاضِي فَتَحَهَا فِي الْمُضَارِعِ وَمَنْ ضَمَّهَا فِي الْمَاضِي ضَمَّهَا فِي الْمُضَارِعِ أَيْضًا وَهَذَا قِيَاسٌ مُطَّرِدٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ إِلَّا أَحْرُفًا مُسْتَثْنَاةً مِنَ الْمَكْسُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ قَوْلُهُ فَانْسَلَّ أَيْ ذَهَبَ فِي خُفْيَةٍ) وَفِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ) وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي مَوَاضِعَ أَنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَشِبْهِهِ يُرَادُ بِهَا التَّعَجُّبُ وَبَسَطْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فِي بَابِ وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا أَنْزَلَتِ الْمَنِيَّ وَفِيهِ قَوْلُهُ (فَحَادَ عَنْهُ) أَيْ مَالَ وَعَدَلَ وَفِيهِ أَبُو رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاسْمُ أَبِي رَافِعٍ نُفَيْعٌ وَفِيهِ أَبُو وَائِلٍ وَاسْمُهُ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَسَانِيدِ الْبَابِ فَفِيهِ قَوْلُ مُسْلِمٍ فِي الْإِسْنَادِ الثَّانِي (وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ إِلَّا أَنَّ حُذَيْفَةَ كَانَ مُعْظَمُ مُقَامِهِ بِالْمَدَائِنِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ (حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ واللفظ له قال حدثنا إسماعيل بن عُلَيَّةَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) فَقَدْ يَلْتَبِسُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ قَوْلُهُ قَالَ حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُوجِبُ اللَّبْسُ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى اشْتِغَالٍ بِهَذَا الْفَنِّ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ قَدَّمَ حُمَيْدًا عَلَى حَدَّثَنَا وَالْغَالِبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ فَقَالَ هُوَ حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَقْدِيمِهِ وَتَأْخِيرِهِ فِي الْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ فَهَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ هَذَا الْإِسْنَادُ مُنْقَطِعٌ إِنَّمَا يَرْوِيهِ حُمَيْدٌ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ هَكَذَا أخرجه البخاري وأبوبكر بْنُ أَبِي شَيْبَةَ

باب ذكر الله تعالى في حال الجنابة وغيرها

فِي مُسْنَدِهِ وَهَذَا كَلَامُ الْقَاضِي عَنِ الْمَازِرِيِّ وَكَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَلَا يَقْدَحُ هَذَا فِي أَصْلِ مَتْنِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْمَتْنَ ثَابِتٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ ومن رواية حذيفة والله أعلم (باب ذكر الله تعالى في حال الجنابة وغيرها) قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ) هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي جَوَازِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ وَشَبَهِهَا مِنَ الْأَذْكَارِ وَهَذَا جَائِزٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى تَحْرِيمِ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ آيَةٍ وَبَعْضِ آيَةٍ فَإِنَّ الْجَمِيعَ يَحْرُمُ وَلَوْ قَالَ الجنب بسم الله أو الحمدلله وَنَحْوَ ذَلِكَ إِنْ قَصَدَ بِهِ الْقُرْآنَ حَرُمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الذِّكْرَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا لَمْ يَحْرُمْ وَيَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ أَنْ يُجْرِيَا الْقُرْآنَ عَلَى قُلُوبِهِمَا وَأَنْ يَنْظُرَا في المصحف ويستحب لهما اذاأرادا الِاغْتِسَالَ أَنْ يَقُولَا بِسْمِ اللَّهِ عَلَى قَصْدِ الذِّكْرِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ الذِّكْرُ فِي حَالَةِ الْجُلُوسِ عَلَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَفِي حَالَةِ الْجِمَاعِ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ هَذَا قَرِيبًا فِي آخِرِ بَابِ التَّيَمُّمِ وَبَيَّنَّا الْحَالَةَ الَّتِي تُسْتَثْنَى مِنْهُ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي كَرَاهَتِهِ فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ يَكُونُ الْحَدِيثُ مَخْصُوصًا بِمَا سِوَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَيَكُونُ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى مُتَطَهِّرًا وَمُحْدِثًا وَجُنُبًا وَقَائِمًا وَقَاعِدًا وَمُضْطَجِعًا وَمَاشِيًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ الْبَابِ (حَدَّثَنَا الْبَهِيُّ عَنْ عُرْوَةَ) هُوَ بفتح الباء الموحده وكسرالهاء وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهُوَ لَقَبٌ لَهُ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَا وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَكُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ مَوْلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَاللَّهُ أعلم

(باب جواز أكل المحدث الطعام وأنه لا كراهة في ذلك)

(باب جَوَازِ أَكْلِ الْمُحْدِثِ الطَّعَامَ وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ) (وَأَنَّ الْوُضُوءَ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ) اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ لِلْمُحْدِثِ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَذْكُرَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَيَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَيُجَامِعَ وَلَا كَرَاهَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ عَلَى هَذَا كُلِّهِ دَلَائِلُ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ مَعَ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ أَصْحَابَنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ هَلْ هُوَ بِخُرُوجِ الْحَدَثِ وَيَكُونُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا أَمْ لَا يَجِبُ إِلَّا بِالْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ أَمْ يَجِبُ بِالْخُرُوجِ وَالْقِيَامِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا عِنْدَهُمُ الثَّالِثُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَأُتِيَ بِطَعَامٍ فقيل له ألا توضأ فقال لم أصلي فَأَتَوَضَّأَ) أَمَّا لِمَ فَبِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وأصلي بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي آخِرِهِ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَمَعْنَاهُ الْوُضُوءُ يَكُونُ لِمَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ وَأَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ الْآنَ وَالْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ الوضوء

باب ما يقال اذا أراد دخول الخلاء

الشَّرْعِيُّ وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَلَى الْوُضُوءِ اللُّغَوِيِّ وَجَعَلَ الْمُرَادَ غَسْلَ الْكَفَّيْنِ وَحَكَى اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي كَرَاهَتِهِ غَسْلَ الْكَفَّيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَاسْتِحْبَابِهِ وَحَكَى الْكَرَاهَةَ عَنْ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَالظَّاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ الْوُضُوءُ الشرعي والله سبحانه وتعالى اعلم (باب ما يقال اذا أراد دخول الخلاء) قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ) وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ وَفِي رِوَايَةٍ (أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ

(باب الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء)

أَمَّا الْخَلَاءُ فَبِفَتْحِ الْخَاءِ وَالْمَدِّ وَالْكَنِيفُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ النُّونِ وَالْخَلَاءُ وَالْكَنِيفُ وَالْمِرْحَاضُ كُلُّهَا مَوْضِعُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَقَوْلُهُ إِذَا دَخَلَ مَعْنَاهُ إِذَا أَرَادَ الدُّخُولَ وَكَذَا جَاءَ مُصَرِّحًا بِهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَالَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ وَأَمَّا الْخُبُثُ فَبِضَمِّ الْبَاءِ وَإِسْكَانِهَا وَهُمَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ أَكْثَرَ رِوَايَاتِ الشُّيُوخِ الْإِسْكَانُ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْخُبُثُ بِضَمِّ الْبَاءِ جَمَاعَةُ الْخَبِيثِ وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ الْخَبِيثَةِ قَالَ يُرِيدُ ذُكْرَانَ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثَهُمْ قَالَ وَعَامَّةُ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُونَ الْخُبْثُ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ الضَّمُّ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَهَذَا الَّذِي غَلَّطَهُمْ فِيهِ لَيْسَ بِغَلَطٍ وَلَا يَصِحُّ إِنْكَارُهُ جَوَازَ الْإِسْكَانِ فَإِنَّ الْإِسْكَانَ جَائِزٌ عَلَى سَبِيلِ التَّخْفِيفِ كَمَا يُقَالُ كُتُبٌ وَرُسُلٌ وَعُنُقٌ وَأُذُنٌ وَنَظَائِرَهُ فَكُلُّ هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ جَائِزٌ تَسْكِينُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ بَابٌ معروف من أبواب التصريف لايمكن إِنْكَارُهُ وَلَعَلَّ الْخَطَّابِيُّ أَرَادَ الْإِنْكَارَ عَلَى مَنْ يَقُولُ أَصْلُهُ الْإِسْكَانُ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ هَذَا فَعِبَارَتُهُ مُوهِمَةٌ وَقَدْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِأَنَّ الْبَاءَ هُنَا سَاكِنَةٌ مِنْهُمُ الْإِمَامُ أبوعبيد إِمَامُ هَذَا الْفَنِّ وَالْعُمْدَةُ فِيهِ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ هُوَ الشَّرُّ وَقِيلَ الْكُفْرُ وَقِيلَ الخبث الشياطين والخبائث المعاصي قال بن الْأَعْرَابِيِّ الْخُبْثُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمَكْرُوهُ فَإِنْ كَانَ مِنَ الْكَلَامِ فَهُوَ الشَّتْمُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمِلَلِ فَهُوَ الْكُفْرُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الطَّعَامِ فَهُوَ الْحَرَامُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الشَّرَابِ فَهُوَ الضَّارُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا الْأَدَبُ مُجْمَعٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْبُنْيَانِ وَالصَّحْرَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ نَوْمَ الْجَالِسِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ) فِيهِ قَوْلُ مُسْلِمٍ (وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِي الرَّجُلَ) وَفِي رِوَايَةٍ (نَجِيٌّ لِرَجُلٍ فَمَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ

حتى نام القوم) قال مسلم (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِي رَجُلًا فَلَمْ يَزَلْ يُنَاجِيهِ حَتَّى نَامَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ) قَالَ مُسْلِمٌ (وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ وَهُوَ بن الْحَارِثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يتوضؤون قَالَ قُلْتُ سَمِعْتُهُ مِنْ أَنَسٍ قَالَ إِي وَاللَّهِ) هَذِهِ الْأَسَانِيدُ الثَّلَاثَةُ رِجَالُهَا بَصْرِيُّونَ كُلُّهُمْ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَرَّاتٍ أَنَّ شُعْبَةَ وَاسِطِيٌّ بَصْرِيٌّ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ كَوْنِ فَرُّوخَ وَالِدِ شَيْبَانَ لَا يَنْصَرِفُ لِلْعُجْمَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ الْفَائِدَةِ في قوله وهو بن الْحَارِثِ وَأَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي الْفُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَفِي مَوَاضِعَ بَعْدَهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ قُلْتُ سَمِعْتُهُ مِنْ أَنَسٍ قَالَ إِي وَاللَّهِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا سَمِعْتُ أَنَسًا فَأَرَادَ بِهِ الِاسْتِثْبَاتَ فَإِنَّ قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مِنَ الْمُدَلِّسِينَ وَكَانَ شُعْبَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَشَدِّ الناس ذما للتدليس وكان يقول الزنى أَهْوَنُ مِنَ التَّدْلِيسِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُدَلِّسَ إِذَا قَالَ عَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَإِذَا قَالَ سَمِعْتُ احْتُجَّ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ فَأَرَادَ شُعْبَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الِاسْتِثْبَاتَ مِنْ قَتَادَةَ فِي لَفْظِ السَّمَاعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَتَادَةَ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ حَالِ شُعْبَةَ وَلِهَذَا حَلَفَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ نَجِيٌّ لِرَجُلٍ فَمَعْنَاهُ مُسَارٌّ لَهُ وَالْمُنَاجَاةُ التَّحْدِيثُ سرا ويقال رجل نجى رجلان ونجى وَرِجَالٌ نَجِيٌّ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى

وقربناه نجيا وقال تعالى خلصوا نجيا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا فِقْهُ الْحَدِيثِ فَفِيهِ جَوَازُ مُنَاجَاةِ الرَّجُلِ بِحَضْرَةِ الْجَمَاعَةِ وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْوَاحِدِ وَفِيهِ جَوَازُ الْكَلَامِ بَعْدَ اقامة الصلاة لاسيما فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي غَيْرِ الْمُهِمِّ وَفِيهِ تَقْدِيمُ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مِنَ الْأُمُورِ عِنْدَ ازْدِحَامِهَا فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا نَاجَاهُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ فِي أَمْرٍ مُهِمٍّ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ مَصْلَحَتُهُ رَاجِحَةٌ عَلَى تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ وَفِيهِ أَنَّ نَوْمَ الْجَالِسِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمَقْصُودَةُ بِهَذَا الْبَابِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا عَلَى مَذَاهِبَ أَحَدُهَا أَنَّ النَّوْمَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ وَهَذَا مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي مِجْلَزٍ وَحُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ وَشُعْبَةَ وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي أَنَّ النَّوْمَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِكُلِّ حَالٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْمُزَنِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ لِلشَّافِعِيِّ قَالَ بن الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ أَنَّ كَثِيرَ النَّوْمِ يَنْقُضُ بِكُلِّ حَالٍ وَقَلِيلُهُ لَا يَنْقُضُ بِحَالٍ وَهَذَا مَذْهَبُ الزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ أَنَّهُ إِذَا نَامَ عَلَى هَيْئَةٍ مِنْ هَيْئَاتِ الْمُصَلِّينَ كَالرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ والقائم والقاعد لاينتقض وضوؤه سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَإِنْ نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ انْتَقَضَ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُدَ وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ غَرِيبٌ وَالْمَذْهَبُ الْخَامِسُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ إِلَّا نَوْمُ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ رُوِيَ هَذَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى والمذهب السادس أنه لا ينقض الانوم السَّاجِدِ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عنه والمذهب السابع أنه لاينقض النَّوْمَ فِي الصَّلَاةِ بِكُلِّ حَالٍ وَيَنْقُضُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَذْهَبُ الثَّامِنُ أَنَّهُ إِذَا نَامَ جَالِسًا مُمَكِّنًا مَقْعَدَتَهُ مِنَ الْأَرْضِ لَمْ يُنْتَقَضْ وَإِلَّا انْتُقِضَ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجِهَا وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَهُ أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ حَدَثًا فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى خُرُوجِ الرِّيحِ فَإِذَا نَامَ غَيْرَ مُمَكِّنٍ الْمَقْعَدَةَ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ خُرُوجُ الرِّيحِ فَجَعَلَ

الشَّرْعُ هَذَا الْغَالِبَ كَالْمُحَقَّقِ وَأَمَّا إِذَا كَانَ مُمَكِّنًا فَلَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ الْخُرُوجُ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الطَّهَارَةِ وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُسْتَدَلُّ بِهَا لِهَذِهِ الْمَذَاهِبِ وَقَدْ قَرَّرْتُ الْجَمْعَ بَيْنَهَا وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَيْسَ مَقْصُودِي هُنَا الْإِطْنَابُ بَلِ الْإِشَارَةُ إِلَى الْمَقَاصِدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ بِالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ بِالْخَمْرِ أَوِ النَّبِيذِ أَوِ الْبَنْجِ أَوِ الدَّوَاءِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ سَوَاءٌ كَانَ ممكن المقعدة أوغير مُمَكِّنِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَانَ مِنْ خَصَائِصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لاينتقض وضوؤه بالنوم مضطجعا للحديث الصحيح عن بن عَبَّاسٍ قَالَ نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ والأصحاب لاينقض الوضوء بالنعاس وهوالسنة قَالُوا وَعَلَامَةُ النَّوْمِ أَنَّ فِيهِ غَلَبَةً عَلَى الْعَقْلِ وَسُقُوطَ حَاسَّةِ الْبَصَرِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْحَوَاسِّ وَأَمَّا النُّعَاسُ فَلَا يَغْلِبُ عَلَى الْعَقْلِ وَإِنَّمَا تَفْتُرُ فِيهِ الْحَوَاسُّ مِنْ غَيْرِ سُقُوطِهَا وَلَوْ شَكَّ هَلْ نَامَ أَمْ نَعَسَ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَلَوْ تَيَقَّنَ النَّوْمَ وَشَكَّ هَلْ نَامَ مُمَكِّنَ الْمَقْعَدَةِ مِنَ الْأَرْضِ أم لا لم ينقض وضوؤه وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَلَوْ نَامَ جَالِسًا ثُمَّ زَالَتْ أَلْيَتَاهُ أَوْ إحْدَاهُمَا عَنِ الْأَرْضِ فَإِنْ زالت قبل الانتباه انتقض وضوؤه لِأَنَّهُ مَضَى عَلَيْهِ لَحْظَةٌ وَهُوَ نَائِمٌ غَيْرُ مُمَكِّنِ الْمَقْعَدَةِ وَإِنْ زَالَتْ بَعْدَ الِانْتِبَاهِ أَوْ مَعَهُ أَوْ شَكَّ فِي وَقْتِ زَوَالِهَا لَمْ ينتقض وضوؤه وَلَوْ نَامَ مُمَكِّنًا مَقْعَدَتَهُ مِنَ الْأَرْضِ مُسْتَنِدًا إلى حائط أوغيره لم ينتقض وضوؤه سَوَاءٌ كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ رَفَعَ الْحَائِطَ لَسَقَطَ أو لم يكن ولونام محتبيا ففيه ثلاثة أوجه لاصحابنا أحدها لاينتقض كَالْمُتَرَبِّعِ وَالثَّانِي يُنْتَقَضُ كَالْمُضْطَجِعِ وَالثَّالِثُ إِنْ كَانَ نحيف البدن بحيث لاتنطبق أَلْيَتَاهُ عَلَى الْأَرْضِ انْتَقَضَ وَإِنْ كَانَ أَلْحَمَ الْبَدَنِ بِحَيْثُ يَنْطَبِقَانِ لَمْ يُنْتَقَضْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ

كتاب الصلاة

( كتاب الصلاة) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ فَقِيلَ هِيَ الدُّعَاءُ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ جَمَاهِيرِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ لِأَنَّهَا ثَانِيَةٌ لِشَهَادَةِ التَّوْحِيدِ كَالْمُصَلِّي مِنَ السَّابِقِ فِي خَيْلِ الْحَلَبَةِ وَقِيلَ هِيَ مِنْ الصَّلَوَيْنِ وَهُمَا عِرْقَانِ مَعَ الرِّدْفِ وَقِيلَ هُمَا عَظْمَانِ يَنْحَنِيَانِ فِي الرُّكُوعِ والسجود قالوا ولهذا كتبت الصلوة بِالْوَاوِ فِي الْمُصْحَفِ وَقِيلَ هِيَ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقِيلَ أَصْلُهَا الْإِقْبَالُ عَلَى الشَّيْءِ وَقِيلَ غَيْرُ ذلك والله تعالى أعلم (باب بدء الاذان) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْأَذَانُ الْإِعْلَامُ قَالَ اللَّهُ تعالى وأذان من الله ورسوله وقال تعالى فأذن مؤذن وَيُقَالُ الْأَذَانُ وَالتَّأْذِينُ وَالْأُذَيْنُ قَوْلُهُ (كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَاةَ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَعْنَى يَتَحَيَّنُونَ يُقَدِّرُونَ حِينَهَا لِيَأْتُوا إِلَيْهَا فِيهِ وَالْحِينُ الْوَقْتُ مِنَ الزَّمَانِ قَوْلُهُ (فَقَالَ بَعْضُهُمْ اتَّخِذُوا نَاقُوسًا) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ الَّذِي يَضْرِبُ بِهِ النَّصَارَى لِأَوْقَاتِ

صَلَوَاتِهِمْ وَجَمْعُهُ نَوَاقِيسُ وَالنَّقْسُ ضَرْبُ النَّاقُوسِ قَوْلُهُ (كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَاةَ وَلَيْسَ يُنَادِي بِهَا أَحَدٌ فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اتَّخِذُوا نَاقُوسًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَرْنًا فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوَلَا تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُمْ يَا بِلَالُ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ) فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي إِصَابَتِهِ الصَّوَابَ وَفِيهِ التشاور في الامور لاسيما الْمُهِمَّةُ وَذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ كَانَتِ الْمُشَاوَرَةُ وَاجِبَةً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ كَانَتْ سُنَّةً فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي حَقِّنَا وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ وُجُوبُهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَشَاوِرْهُمْ في الامر وَالْمُخْتَارُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَمُحَقِّقُو أَهْلِ الْأُصُولِ أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ وَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُتَشَاوِرِينَ أَنْ يَقُولَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَا عِنْدَهُ ثُمَّ صَاحِبُ الْأَمْرِ يَفْعَلُ مَا ظَهَرَتْ لَهُ مَصْلَحَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (أَوَلَا تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ) فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِعْلَامٌ لَيْسَ عَلَى صِفَةِ الْأَذَانِ الشَّرْعِيِّ بَلْ إِخْبَارٌ بِحُضُورِ وَقْتِهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحْتَمَلٌ أَوْ مُتَعَيَّنٌ فَقَدْ صَحَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ رَأَى الْأَذَانَ فِي الْمَنَامِ فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُ بِهِ فَجَاءَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَهَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَيَكُونُ الْوَاقِعُ الْإِعْلَامَ أَوَّلًا ثُمَّ رَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْأَذَانَ فَشَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِمَّا بِوَحْيٍ وَإِمَّا بِاجْتِهَادِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ هُوَ عَمَلًا بِمُجَرَّدِ المنام هذا ما لايشك فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ ولايصح لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ غَيْرُ حَدِيثِ الْأَذَانِ وَهُوَ غَيْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيِّ ذَاكَ لَهُ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ عَمُّ عباد

باب الأمر بشقع الأذن وايتار الاقامة الا كلمة

بْنِ تَمِيمٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (يابلال قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ) فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ حُجَّةٌ لِشَرْعِ الْأَذَانِ مِنْ قِيَامٍ وأنه لايجوز الْأَذَانُ قَاعِدًا قَالَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا أَبَا ثَوْرٍ فَإِنَّهُ جَوَّزَهُ وَوَافَقَهُ أَبُو الْفَرَجِ الْمَالِكِيُّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ضَعِيفٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّا قَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا النِّدَاءِ الْإِعْلَامُ بِالصَّلَاةِ لَا الْأَذَانُ الْمَعْرُوفُ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ قُمْ فَاذْهَبْ إِلَى مَوْضِعٍ بَارِزٍ فَنَادِ فِيهِ بِالصَّلَاةِ لِيَسْمَعَكَ النَّاسُ مِنَ الْبُعْدِ وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلْقِيَامِ فِي حَالِ الْأَذَانِ لَكِنْ يُحْتَجُّ لِلْقِيَامِ فِي الْأَذَانِ بِأَحَادِيثَ مَعْرُوفَةٍ غَيْرِ هَذَا وَأَمَّا قَوْلُهُ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّ الْقِيَامَ وَاجِبٌ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ مَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّهُ سُنَّةٌ فَلَوْ أَذَّنَ قَاعِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ صَحَّ أَذَانُهُ لَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ وَكَذَا لَوْ أَذَّنَ مُضْطَجِعًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ صَحَّ أَذَانُهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِعْلَامُ وَقَدْ حَصَلَ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي اشْتِرَاطِ الْقِيَامِ شَيْءٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا السَّبَبُ فِي تَخْصِيصِ بِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالنِّدَاءِ وَالْإِعْلَامِ فَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ قِيلَ مَعْنَاهُ أَرْفَعُ صَوْتًا وَقِيلَ أَطْيَبُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ اسْتِحْبَابُ كَوْنِ الْمُؤَذِّنِ رَفِيعَ الصَّوْتِ وَحَسَنَهُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ وَجَدْنَا مُؤَذِّنًا حَسَنَ الصَّوْتِ يَطْلُبُ عَلَى أَذَانِهِ رِزْقًا وَآخَرَ يَتَبَرَّعُ بِالْأَذَانِ لَكِنَّهُ غَيْرُ حَسَنِ الصَّوْتِ فَأَيُّهُمَا يُؤْخَذُ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يُرْزَقُ حَسَنُ الصَّوْتِ وَهُوَ قول بن شُرَيْحٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي حِكْمَةِ الْأَذَانِ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءٍ إِظْهَارُ شِعَارِ الْإِسْلَامِ وَكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ وَالْإِعْلَامُ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَبِمَكَانِهَا وَالدُّعَاءُ إلى الجماعة والله أعلم (باب الأمر بشقع الأذن وايتار الاقامة الا كلمة الاقامة فانها مثنى) فِيهِ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَمَرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ

الْإِقَامَةَ إِلَّا الْإِقَامَةَ) أَمَّا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ فَهُوَ خَالِدُ بْنُ مِهْرَانَ أَبُو الْمُنَازِلِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالنُّونِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَلَمْ يَكُنْ حَذَّاءً وَإِنَّمَا كَانَ يَجْلِسُ فِي الْحَذَّائِينَ وَقِيلَ فِي سَبَبِهِ غَيْرَ هَذَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَأَمَّا أَبُو قِلَابَةَ فَبِكَسْرِ الْقَافِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْجُرْمِيُّ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَيْضًا وَقَوْلُهُ يَشْفَعُ الْأَذَانَ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْفَاءِ وَقَوْلُهُ أُمِرَ بِلَالٌ هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَصْحَابِ الْأُصُولِ وَجَمِيعِ الْمُحَدِّثِينَ وَشَذَّ بَعْضُهُمْ فَقَالَ هَذَا اللَّفْظُ وَشَبَهُهُ مَوْقُوفٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ لِأَنَّ إِطْلَاقَ ذَلِكَ إِنَّمَا يَنْصَرِفُ إِلَى صَاحِبِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ أُمِرْنَا بِكَذَا وَنُهِينَا عَنْ كذا أوأمر النَّاسُ بِكَذَا وَنَحْوُهُ فَكُلُّهُ مَرْفُوعٌ سَوَاءٌ قَالَ الصَّحَابِيُّ ذَلِكَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ فَمَعْنَاهُ يَأْتِي بِهِ مَثْنَى وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَحُكِيَ فِي إِفْرَادِهِ خِلَافٌ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إِثْبَاتِ التَّرْجِيعِ كَمَا سَأَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا قَوْلُهُ وَيُوتِرُ الْإِقَامَةَ فَمَعْنَاهُ يَأْتِي بِهَا وِتْرًا وَلَا يُثَنِّيهَا بِخِلَافِ الْأَذَانِ وَقَوْلُهُ إِلَّا الْإِقَامَةَ مَعْنَاهُ إِلَّا لَفْظَ الْإِقَامَةِ وهي قوله قد قامت الصلاة فانه لايوترها بَلْ يُثَنِّيهَا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي لَفْظِ الْإِقَامَةِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْإِقَامَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَالَ مَالِكٌ رحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ هِيَ عَشْرُ كَلِمَاتٍ فَلَمْ يُثَنِّ لَفْظَ الْإِقَامَةِ وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ وَلَنَا قَوْلٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يَقُولُ فِي الْأَوَّلِ اللَّهُ أَكْبَرُ مَرَّةً وَفِي الْآخَرِ اللَّهُ أَكْبَرُ وَيَقُولُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ مَرَّةً فَتَكُونُ ثَمَانِ كَلِمَاتٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْإِقَامَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً فَيُثَنِّيهَا كُلَّهَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ شَاذٌّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَالَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ فِي الْحَرَمَيْنِ وَالْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْيَمَنِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ

إِلَى أَقْصَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْإِقَامَةَ فُرَادَى قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَذْهَبُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُكَرِّرُ قَوْلَهُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُكَرِّرُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالْحِكْمَةُ فِي إِفْرَادِ الْإِقَامَةِ وَتَثْنِيَةِ الْأَذَانِ أَنَّ الْأَذَانَ لِإِعْلَامِ الْغَائِبِينَ فَيُكَرِّرُ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي إِعْلَامِهِمْ وَالْإِقَامَةُ لِلْحَاضِرِينَ فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَكْرَارِهَا وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ يَكُونُ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْإِقَامَةِ دُونَهُ فِي الْأَذَانِ وَإِنَّمَا كَرَّرَ لَفْظَ الْإِقَامَةِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الْإِقَامَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ قِيلَ قَدْ قُلْتُمْ أَنَّ الْمُخْتَارَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْإِقَامَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً مِنْهَا اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَوَّلًا وَآخِرًا وَهَذَا تَثْنِيَةٌ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ صُورَةَ تَثْنِيَةٍ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَذَانِ إِفْرَادٌ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَقُولَ كُلَّ تَكْبِيرَتَيْنِ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ فَيَقُولُ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ بِنَفَسٍ آخَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ذَكَرُوا أَنْ يُعْلِمُوا وَقْتَ الصَّلَاةِ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ أَيْ يَجْعَلُوا لَهُ عَلَامَةً يُعْرَفُ بِهَا قَوْلُهُ (فَذَكَرُوا أَنْ يُنَوِّرُوا نَارًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يُورُوا نَارًا بِضَمِّ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَمَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبٌ فمعنى ينوروا أي يظهروا نورها ومعنى أَيْ يُوقِدُوا وَيُشْعِلُوا يُقَالُ أَوْرَيْتَ النَّارَ أَيْ أَشْعَلْتَهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تورون والله أعلم

باب صفة الاذان

(باب صفة الاذان) قَوْلُهُ (أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ) قَدْ قَدَّمْنَا مَرَّاتٍ أَنَّ غَسَّانَ مُخْتَلَفٌ فِي صَرْفِهِ وَالْمِسْمَعِيُّ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى مِسْمَعٍ جَدِّ قَبِيلَةٍ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ صَاحِبِ الدَّسْتُوَائِيِّ) قَوْلُهُ صَاحِبِ هُوَ مَجْرُورٌ صِفَةً لهشام ولايقال إِنَّهُ مَرْفُوعٌ صِفَةً لِمُعَاذٍ وَقَدْ صَرَّحَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ صِفَةٌ لِهِشَامٍ ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ وَقَدْ بَيَّنْتُهُ هُنَاكَ وَأَوْضَحْتُ الْقَوْلَ فِيهِ وَذَكَرْتُ أَنَّهُ يقال فيه الدستواني بالنون وأنه منسوب إلى دستوا كورةمن كُوَرِ الْأَهْوَازِ قَوْلُهُ (عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ) هَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ تَابِعِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَعَامِرٌ هَذَا هُوَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْبَصْرِيُّ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ) اسْمُهُ سَمُرَةُ وَقِيلَ أَوْسٌ وقيل جابر وقال بن قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ سَمُرَةَ وهو غريب وأبو مَحْذُورَةَ قُرَشِيٌّ جُمَحِيٌّ أَسْلَمَ بَعْدَ حُنَيْنٍ وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتًا تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَلَمْ يَزَلْ مُقِيمًا بِمَكَّةَ وَتَوَارَثَتْ ذُرِّيَّتُهُ الْأَذَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ هَذَا الْأَذَانَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَرَّتَيْنِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مرتين

حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) هَكَذَا وَقَعَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ فِي أَوَّلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ وَوَقَعَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْفَارِسِيِّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَكَذَلِكَ اخْتُلِفَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي التَّثْنِيَةِ وَالتَّرْبِيعِ وَالْمَشْهُورُ فِيهِ التَّرْبِيعُ وَبِالتَّرْبِيعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَبِالتَّثْنِيَةِ قَالَ مَالِكٌ وَاحْتُجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِأَنَّهُ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُمْ أَعْرَفُ بِالسُّنَنِ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَبِالتَّرْبِيعِ عَمَلُ أَهْلِ مَكَّةَ وَهِيَ مَجْمَعُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَوَاسِمِ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ وَدَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّرْجِيعَ فِي الْأَذَانِ ثَابِتٌ مَشْرُوعٌ وَهُوَ الْعَوْدُ إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ بَعْدَ قَوْلِهِمَا مَرَّتَيْنِ بِخَفْضِ الصَّوْتِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ لَا يَشْرَعُ التَّرْجِيعُ عَمَلًا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَرْجِيعٌ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ وَالزِّيَادَةُ مُقَدَّمَةٌ مَعَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ هَذَا مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَإِنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ من الهجرة بعد حنين وحديث بن زَيْدٍ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَانْضَمَّ إِلَى هَذَا كُلِّهِ عَمَلُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَسَائِرِ الْأَمْصَارِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي التَّرْجِيعِ هَلْ هو ركن لايصح الْأَذَانُ إِلَّا بِهِ أَمْ هُوَ سُنَّةٌ لَيْسَ رُكْنًا حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ صَحَّ الْأَذَانُ مَعَ فَوَاتِ كَمَالِ الْفَضِيلَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ إِلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ فِعْلِ التَّرْجِيعِ وَتَرْكِهِ وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَعْنَاهُ تَعَالَوْا إِلَى الصَّلَاةِ وَأَقْبِلُوا إِلَيْهَا قَالُوا وَفُتِحَتِ الْيَاءُ لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الْيَاءِ السَّابِقَةِ الْمُدْغَمَةِ وَمَعْنَى حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ هَلُمَّ إِلَى الْفَوْزِ وَالنَّجَاةِ وَقِيلَ إِلَى الْبَقَاءِ أَيْ أقْبِلُوا عَلَى سَبَبِ الْبَقَاءِ فِي الْجَنَّةِ وَالْفَلَحُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَاللَّامِ لُغَةٌ فِي الْفَلَاحِ حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُقَالُ لِحَيَّ عَلَى كَذَا الْحَيْعَلَةُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْأَزْهَرِيُّ قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى

(باب استحباب اتخاذ مؤذنين للمسجد الواحد)

الْحَاءُ وَالْعَيْنُ لَا يَأْتَلِفَانِ فِي كَلِمَةٍ أَصْلِيَّةِ الْحُرُوفِ لِقُرْبِ مَخْرَجَيْهِمَا إِلَّا أَنْ يُؤَلَّفَ فِعْلٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ مِثْلَ حَيَّ عَلَى فَيُقَالُ مِنْهُ حَيْعَلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب اسْتِحْبَابِ اتِّخَاذِ مُؤَذِّنَيْنِ للمسجد الواحد) فيه حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤذنان بلال وبن أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا جَوَازُ وَصْفِ الْإِنْسَانِ بِعَيْبٍ فِيهِ لِلتَّعْرِيفِ أَوْ مَصْلَحَةٍ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ لَا عَلَى قَصْدِ التَّنْقِيصِ وَهَذَا أَحَدُ وُجُوهِ الْغِيبَةِ الْمُبَاحَةِ وَهِيَ سِتَّةُ مَوَاضِعَ يُبَاحُ فِيهَا ذِكْرُ الْإِنْسَانِ بِعَيْبِهِ وَنَقْصِهِ وَمَا يَكْرَهُهُ وَقَدْ بَيَّنْتُهَا بِدَلَائِلِهَا وَاضِحَةً فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَذْكَارِ الَّذِي لَا يَسْتَغْنِي مُتَدَيِّنٌ عَنْ مِثْلِهِ وَسَأَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ النِّكَاحِ عِنْدَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ وَفِي حَدِيثِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَفِي حَدِيثِ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ وَأُنَبِّهُ عَلَى نَظَائِرِهَا فِي مَوَاضِعِهَا إِنْ شاء الله تعالى وبالله التوفيق واسم بن أُمِّ مَكْتُومٍ عَمْرُو بْنُ قَيْسِ بْنِ زَائِدَةَ بْنِ الْأَصَمِّ بْنِ هَرَمِ بْنِ رَوَاحَةَ هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَقِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زائدة واسم أم مكتوم عاتكه توفي بن أُمِّ مَكْتُومٍ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ شَهِيدًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَذِّنَانِ يَعْنِي بِالْمَدِينَةِ وَفِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَقَدْ كَانَ أَبُو مَحْذُورَةَ مُؤَذِّنًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَسَعْدُ الْقَرَظُ أَذَّنَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبَاءَ مَرَّاتٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ اتِّخَاذِ مُؤَذِّنِينَ لِلْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ يُؤَذِّنُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْآخَرُ عِنْدَ طُلُوعِهِ كَمَا كَانَ بِلَالٌ وبن أُمِّ مَكْتُومٍ يَفْعَلَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا احْتَاجَ إِلَى أَكْثَرِ مِنْ مُؤَذِّنَيْنِ اتَّخَذَ ثَلَاثَةً وَأَرْبَعَةً فَأَكْثَرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَقَدِ اتَّخَذَ عُثْمَانُ رَضِيَ الله عنه أربعة للحاجة عند كثرةالناس قال اصحابنا ويستحب أن لايزاد على اربعة

(باب جواز أذان الأعمى إذا كان معه بصير)

إِلَّا لِحَاجَةٍ ظَاهِرَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا تَرَتَّبَ للاذان اثنان فصاعدا فالمستحب ان يُؤَذِّنُوا دَفْعَةً وَاحِدَةً بَلْ إِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ تَرَتَّبُوا فِيهِ فَإِنْ تَنَازَعُوا فِي الِابْتِدَاءِ بِهِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ فَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ كَبِيرًا أَذَّنُوا مُتَفَرِّقِينَ فِي أَقْطَارِهِ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا وَقَفُوا مَعًا وَأَذَّنُوا وَهَذَا إِذَا لَمْ يُؤَدِّ اخْتِلَافُ الْأَصْوَاتِ إِلَى تَهْوِيشٍ فَإِنْ أَدَّى إِلَى ذَلِكَ لَمْ يُؤَذِّنْ إِلَّا وَاحِدٌ فَإِنْ تَنَازَعُوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ وَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَإِنْ أَذَّنُوا عَلَى التَّرْتِيبِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهَا إِنْ كَانَ هُوَ الْمُؤَذِّنُ الرَّاتِبُ أَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُؤَذِّنٌ رَاتِبٌ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ غَيْرَ الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى بِالْإِقَامَةِ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا أَنَّ الرَّاتِبَ أَوْلَى لِأَنَّهُ مَنْصِبُهُ وَلَوْ أَقَامَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ غَيْرُ مَنْ لَهُ وِلَايَةِ الْإِقَامَةِ اعْتَدَّ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ كَمَا لَوْ خَطَبَ بِهِمْ وَاحِدٌ وَأَمَّ بِهِمْ غَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلٍ وَأَمَّا إِذَا أَذَّنُوا مَعًا فَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى إِقَامَةِ وَاحِدٍ وَإِلَّا فَيَقْرَعُ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَلَا يُقِيمُ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ إِلَّا وَاحِدٌ إِلَّا إِذَا لَمْ تَحْصُلِ الْكِفَايَةُ بِوَاحِدٍ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمُوا مَعًا إِذَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى التَّهْوِيشِ (باب جَوَازِ أَذَانِ الْأَعْمَى إِذَا كَانَ مَعَهُ بَصِيرٌ) فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عنها (كان بن أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَعْمَى) وَقَدْ تَقَدَّمَ مُعْظَمُ فِقْهِ الْحَدِيثِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَمَقْصُودُ الْبَابِ أَنَّ أَذَانَ الْأَعْمَى صَحِيحٌ وَهُوَ جَائِزٌ بِلَا كَرَاهَةَ إِذَا كَانَ مَعَهُ بَصِيرٌ كَمَا كَانَ بلال وبن أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْأَعْمَى مُؤَذِّنًا وَحْدَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب الإمساك عن الإغارة على قوم في دار الكفر إذا

(باب الْإِمْسَاكِ عَنْ الْإِغَارَةِ عَلَى قَوْمٍ فِي دَارِ الْكُفْرِ إِذَا سُمِعَ فِيهِمْ الْأَذَانُ) فِيهِ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَكَانَ يَسْتَمِعُ الْأَذَانَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِلَّا أَغَارَ فَسَمِعَ رجلا يقول الله أكبر الله أكبرفقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الْفِطْرَةِ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ الاالله فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ فَنَظَرُوا فَإِذَا رَاعِي مِعْزَى) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْفِطْرَةِ أَيْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ أَيْ بِالتَّوْحِيدِ وَقَوْلُهُ فَإِذَا هُوَ رَاعِي مِعْزَى احْتُجَّ بِهِ فِي أَنَّ الْأَذَانَ مَشْرُوعٌ لِلْمُنْفَرِدِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ غَيْرِنَا وَفِي الْحَدِيثِ دليل على أن الاذان يمنع الاغارة عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى إِسْلَامِهِمْ وَفِيهِ أَنَّ النُّطْقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ يَكُونُ إِسْلَامًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِاسْتِدْعَاءِ ذَلِكَ مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ (باب اسْتِحْبَابِ الْقَوْلِ مِثْلِ قَوْلِ المؤذن لمن سمعه) (ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل له الوسيلة) فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا سَمِعْتُمِ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ

صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ (إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله ثم قال حي علىالصلاة قال لاحول وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ على الفلاح قال لاحول وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ

ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ) أَمَّا أَسْمَاءُ الرِّجَالِ فَفِيهِ خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسَافٍ فَخُبَيْبُ بِضَمِّ الخاء المعجمة واساف بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفِيهِ الْحُكَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْفُصُولِ الَّتِي فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ أَنَّ كُلَّ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ هَذِهِ الصُّورَةِ فَهُوَ حَكِيمٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ إِلَّا اثْنَيْنِ بِالضَّمِّ حُكَيْمٌ هَذَا وَزُرَيْقُ بْنُ حُكَيْمٍ وَأَمَّا قَوْلُ مُسْلِمٍ (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عِمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ) إِلَى آخِرِهِ فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الِاسْتِدْرَاكِ هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مُرْسَلًا وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْعِلَلِ هُوَ حَدِيثٌ مُتَّصِلٌ وَصَلَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ وَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ وَزِيَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ هُوَ الصَّوَابُ فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَقَدْ سَبَقَ مِثَالُ هَذَا فِي الشَّرْحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا لُغَاتُهُ فَفِيهِ والوسيلة وَقَدْ فَسَّرَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْوَسِيلَةُ الْمَنْزِلَةُ عِنْدَ الْمَلِكِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ

أي وجبت وقيل نالته قوله ص إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ إِلَى آخِرِهِ مَعْنَاهُ قَالَ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ هَذَا مَثْنًى كَمَا هُوَ الْمَشْرُوعُ فَاخْتَصَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ شَطْرَهُ تَنْبِيهًا عَلَى بَاقِيَةٍ وَمَعْنَى حَيَّ عَلَى كَذَا أَيْ تَعَالَوْا إِلَيْهِ وَالْفَلَاحُ الْفَوْزُ وَالنَّجَاةُ وَإِصَابَةُ الْخَيْرِ قَالُوا وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَلِمَةٌ أَجْمَعُ لِلْخَيْرِ مِنْ لَفْظَةِ الْفَلَاحِ وَيَقْرُبُ مِنْهَا النَّصِيحَةُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي حَدِيثِ الدِّينُ النَّصِيحَةُ فَمَعْنَى حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ أَيْ تَعَالَوْا إِلَى سَبَبِ الْفَوْزِ وَالْبَقَاءِ فِي الْجَنَّةِ وَالْخُلُودِ فِي النَّعِيمِ وَالْفَلَاحُ وَالْفَلَحُ تُطْلِقُهُمَا الْعَرَبُ أَيْضًا على البقاء وقوله لاحول وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ يَجُوزُ فِيهِ خَمْسَةُ اوجه لاهل العربية مشهورة احدهما لاحول وَلَا قُوَّةَ بِفَتْحِهِمَا بِلَا تَنْوِينٍ وَالثَّانِي فَتْحُ الْأَوَّلِ وَنَصْبُ الثَّانِي مُنَوَّنًا وَالثَّالِثُ رَفْعُهُمَا مُنَوَّنَيْنِ وَالرَّابِعُ فَتْحُ الْأَوَّلِ وَرَفْعُ الثَّانِي مُنَوَّنًا وَالْخَامِسُ عَكْسُهُ قَالَ الْهَرَوِيُّ قَالَ أَبُو الْهَيْثَمِ الْحَوْلُ الْحَرَكَةُ أَيْ لَا حَرَكَةَ وَلَا اسْتِطَاعَةَ إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَكَذَا قَالَ ثَعْلَبٌ وَآخَرُونَ وَقِيلَ لَا حَوْلَ فِي دَفْعِ شَرٍّ وَلَا قُوَّةَ فِي تَحْصِيلِ خَيْرٍ إِلَّا بِاللَّهِ وَقِيلَ لَا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِلَّا بِعِصْمَتِهِ وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَتِهِ إِلَّا بِمَعُونَتِهِ وَحُكِيَ هَذَا عن بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ لُغَةً غريبة ضعيفة أنه يقال لاحيل وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ بِالْيَاءِ قَالَ وَالْحَيْلُ وَالْحَوْلُ بِمَعْنًى وَيُقَالُ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ قَوْلِهِمْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْحَوْقَلَةُ هَكَذَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْحَوْلَقَةُ فَعَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْحَاءُ وَالْوَاوُ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقَافُ مِنَ الْقُوَّةِ وَاللَّامُ مِنَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى الثَّانِي الْحَاءُ وَاللَّامُ مِنَ الحول والقاف من الْقُوَّةُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِئَلَّا يُفْصَلَ بَيْنَ الْحُرُوفِ ومثل الحولقة الْحَيْعَلَةُ فِي حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى كَذَا وَالْبَسْمَلَةُ فِي بِسْمِ الله والحمد له فِي الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالْهَيْلَلَةُ فِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالسَّبْحَلَةُ فِي سُبْحَانَ اللَّهِ أَمَّا أَحْكَامُ الْبَابِ فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ قَوْلِ سَامِعِ الْمُؤَذِّنِ مِثْلَ مَا يَقُولُ إِلَّا فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ لِحَدِيثِ عُمَرَ أنه يقول في الحيعلتين لاحول وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ مُتَابَعَةِ الْمُؤَذِّنِ وَاسْتِحْبَابُ سُؤَالِ الْوَسِيلَةِ لَهُ وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ السَّامِعُ كُلَّ كَلِمَةٍ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنْهَا وَلَا يَنْتَظِرُ فَرَاغَهُ مِنْ كُلِّ الْأَذَانِ وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَأَنَا أشهد أن

مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ رَغَّبَ غَيْرَهُ فِي خَيْرٍ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ شيئا من دلائله لِيُنَشِّطَهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ من صلى علي مرة صلىالله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا وَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ وَفِيهِ أَنَّ الْأَعْمَالَ يُشْتَرَطُ لَهَا الْقَصْدُ وَالْإِخْلَاصُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَلْبِهِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إِجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ بِالْقَوْلِ مِثْلَ قَوْلِهِ لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ مُتَطَهِّرٍ وَمُحْدِثٍ وَجُنُبٍ وَحَائِضٍ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا مَانِعَ لَهُ مِنَ الْإِجَابَةِ فَمِنْ أَسْبَابِ الْمَنْعِ أَنْ يَكُونَ فِي الْخَلَاءِ أَوْ جِمَاعِ أَهْلِهِ أَوْ نَحْوِهِمَا وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ فِي صَلَاةٍ فَمَنْ كَانَ فِي صَلَاةِ فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ فَسَمِعَ الْمُؤَذِّنَ لَمْ يُوَافِقْهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَإِذَا سَلَّمَ أَتَى بِمِثْلِهِ فَلَوْ فَعَلَهُ فِي الصَّلَاةِ فَهَلْ يُكْرَهُ فِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ اعراض عن الصلاة لكن لاتبطل صلاته ان قال ماذكرناه لِأَنَّهَا أَذْكَارٌ فَلَوْ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ أَوِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ لِأَنَّهُ كَلَامُ آدَمِيٍّ وَلَوْ سَمِعَ الْأَذَانَ وَهُوَ فِي قِرَاءَةٍ أَوْ تَسْبِيحٍ أَوْ نَحْوِهِمَا قَطَعَ مَا هُوَ فِيهِ وَأَتَى بِمُتَابَعَةِ الْمُؤَذِّنِ وَيُتَابِعُهُ فِي الْإِقَامَةِ كَالْأَذَانِ إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ فِي لَفْظِ الْإِقَامَةِ أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا وَإِذَا ثَوَّبَ الْمُؤَذِّنُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَالَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ قَالَ سَامِعُهُ صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَحْكِي الْمُصَلِّي لَفْظَ الْمُؤَذِّنِ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ أَمْ لَا يَحْكِيهِ فِيهِمَا أَمْ يَحْكِيهِ فِي النَّافِلَةِ دُونَ الْفَرِيضَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهِمَا وَهَلْ هَذَا الْقَوْلُ مِثْلُ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَمْ مَنْدُوبٌ فِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ قَالَ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَقُولُهُ عِنْدَ سَمَاعِ كُلِّ مُؤَذِّنٍ أَمْ لِأَوَّلِ مُؤَذِّنٍ فَقَطْ قَالَ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ هَلْ يُتَابَعُ الْمُؤَذِّنُ فِي كُلِّ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ أَمْ إِلَى آخِرِ الشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَمَا بَعْدَهُ بَعْضُهُ لَيْسَ بِذِكْرٍ وَبَعْضُهُ تَكْرَارٌ لِمَا سَبَقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (فَصْلٌ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر اللَّهُ أَكْبَرُ إِلَى آخِرِهِ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ تَوْحِيدٌ وَثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَانْقِيَادٌ لِطَاعَتِهِ وَتَفْوِيضٌ إِلَيْهِ لِقَوْلِهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَمَنْ حَصَلَ هَذَا فَقَدْ حَازَ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ وَكَمَالَ الْإِسْلَامِ وَاسْتَحَقَّ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وبمحمد رسولا

(باب فضل الاذان وهروب الشيطان عند سماعه)

وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَذَانَ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِعَقِيدَةِ الْإِيمَانِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى نَوْعَيْهِ مِنَ الْعَقْلِيَّاتِ وَالسَّمْعِيَّاتِ فَأَوَّلُهُ إِثْبَاتُ الذَّاتِ وَمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْكَمَالِ وَالتَّنْزِيهِ عَنْ أَضْدَادِهَا وَذَلِكَ بِقَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ مَعَ اخْتِصَارِ لَفْظِهَا دَالَّةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ صَرَّحَ بِإِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَنَفْيِ ضِدِّهَا مِنَ الشَّرِكَةِ الْمُسْتَحِيلَةِ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهَذِهِ عُمْدَةُ الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ الْمُقَدَّمَةُ عَلَى كُلِّ وَظَائِفِ الدِّينِ ثُمَّ صَرَّحَ بِإِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ وَالشَّهَادَةِ بِالرِّسَالَةِ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ بَعْدَ الشَّهَادَةِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَمَوْضِعُهَا بَعْدَ التَّوْحِيدِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ الْجَائِزَةِ الْوُقُوعِ وَتِلْكَ الْمُقَدِّمَاتُ مِنْ بَابِ الْوَاجِبَاتِ وَبَعْدَ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ كَمُلَتِ الْعَقَائِدُ الْعَقْلِيَّاتُ فِيمَا يَجِبُ وَيَسْتَحِيلُ وَيَجُوزُ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ثُمَّ دَعَا إِلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الصَّلَاةِ وَعَقَّبَهَا بَعْدَ إِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ وُجُوبِهَا مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا مِنْ جهة العقل ثم دعا إلى الفلاح وهوالفوز وَالْبَقَاءُ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ مِنَ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ وَهِيَ آخِرُ تَرَاجِمِ عَقَائِدِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ كَرَّرَ ذَلِكَ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ للاعلام بالشروع فيها وهومتضمن لِتَأْكِيدِ الْإِيمَانِ وَتَكْرَارِ ذِكْرِهِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعِبَادَةِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَلِيَدْخُلَ الْمُصَلِّي فِيهَا عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ أَمْرِهِ وَبَصِيرَةٍ مِنْ إِيمَانِهِ وَيَسْتَشْعِرُ عَظِيمَ مَا دَخَلَ فِيهِ وَعَظَمَةَ حَقِّ مَنْ يَعْبُدُهُ وَجَزِيلَ ثَوَابِهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَهُوَ مِنَ النَّفَائِسِ الْجَلِيلَةِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ (بَابُ فضل الاذان وهروب الشَّيْطَانِ عِنْدَ سَمَاعِهِ) فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ ذَهَبَ حَتَّى يَكُونَ مَكَانَ الرَّوْحَاءِ قَالَ الرَّاوِي هِيَ مِنَ الْمَدِينَةِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ مِيلًا) وَفِي رِوَايَةٍ (إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ أَحَالَ له ضراط حتى لايسمع صَوْتُهُ فَإِذَا سَكَتَ رَجَعَ فَوَسْوَسَ فَإِذَا سَمِعَ الْإِقَامَةَ ذَهَبَ حَتَّى لَا يَسْمَعَ صَوْتَهُ فَإِذَا سَكَتَ رَجَعَ فَوَسْوَسَ) وَفِي رِوَايَةٍ (إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ حُصَاصٌ) وَفِي رِوَايَةٍ

(إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قُضِيَ التَّأْذِينُ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا ثَوَّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرُ بَيْنَ المرء ونفسه يقول له اذْكُرْ كَذَا وَاذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يُذْكَرُ مِنْ قَبْلُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ مَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى) أَمَّا أَسْمَاءُ الرِّجَالِ فَفِيهِ طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عَمِّهِ هَذَا الْعَمُّ هُوَ عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقَوْلُهُ (الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ) اسْمُ أَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَقَوْلُهُ (قَالَ سُلَيْمَانُ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الرَّوْحَاءِ) سُلَيْمَانُ هُوَ الْأَعْمَشُ سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ وَالْمَسْئُولُ أَبُو سُفْيَانَ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ وَفِيهِ أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا مَصْرُوفٌ وَغَيْرُ مَصْرُوفٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ مَرَّاتٍ قَوْلُهُ (أَرْسَلَنِي أَبِي إِلَى بَنِي حَارِثَةَ) هُوَ بِالْحَاءِ قَوْلُهُ (الْحَزَامِيُّ) هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ وَأَمَّا لُغَاتُهُ وَأَلْفَاظُهُ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا هُوَ بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَعْنَاقًا جَمْعُ عُنُقٍ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ مَعْنَاهُ أَكْثَرُ النَّاسِ تَشَوُّفًا إِلَى

رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْمُتَشَوِّفَ يُطِيلُ عُنُقَهُ إِلَى مَا يَتَطَلَّعُ إِلَيْهِ فَمَعْنَاهُ كَثْرَةُ مَا يَرَوْنَهُ مِنَ الثَّوَابِ وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ إِذَا أَلْجَمَ النَّاسَ الْعَرَقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ طَالَتْ أَعْنَاقُهُمْ لِئَلَّا يَنَالَهُمْ ذَلِكَ الْكَرْبُ وَالْعَرَقُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ سَادَةٌ وَرُؤَسَاءٌ وَالْعَرَبُ تَصِفُ السَّادَةَ بِطُولِ الْعُنُقِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَكْثَرُ أَتْبَاعًا وَقَالَ بن الْأَعْرَابِيِّ مَعْنَاهُ أَكْثَرُ النَّاسِ أَعْمَالًا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ إِعْنَاقًا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ إسْرَاعًا إِلَى الْجَنَّةِ وَهُوَ مِنْ سَيْرِ الْعُنُقِ قَوْلُهُ مَكَانُ الرَّوْحَاءِ هِيَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمَدِّ قَوْلُهُ إِذَا سَمِعَ الشَّيْطَانُ الْأَذَانَ أَحَالَ هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ ذَهَبَ هَارِبًا قَوْلُهُ وَلَهُ حُصَاصٌ هُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ وَصَادَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ أَيْ ضُرَاطٌ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقِيلَ الْحُصَاصُ شِدَّةُ الْعَدْوِ قَالَهُمَا أَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْأَذَانِ لِئَلَّا يَسْمَعَهُ فَيُضْطَرُّ إِلَى أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لايسمع صَوْتَ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقِيلَ إِنَّمَا يَشْهَدُ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا شَهَادَةَ لَهُ قَالَ وَلَا يُقْبَلُ هَذَا مِنْ قَائِلِهِ لِمَا جَاءَ فِي الْآثَارِ مِنْ خِلَافِهِ قَالَ وَقِيلَ أَنَّ هَذَا فِيمَنْ يَصِحُّ مِنْهُ الشَّهَادَةُ مِمَّنْ يَسْمَعُ وَقِيلَ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي الْحَيَوَانِ وَالْجَمَادِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ لَهَا وَلِمَا لَا يَعْقِلُ مِنَ الْحَيَوَانِ إِدْرَاكًا لِلْأَذَانِ وَعَقْلًا وَمَعْرِفَةً وَقِيلَ إِنَّمَا يُدْبِرُ الشَّيْطَانُ لِعِظَمِ أَمْرِ الْأَذَانِ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ قَوَاعِدَ التَّوْحِيدِ وَإِظْهَارِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَإِعْلَانِهِ وَقِيلَ لِيَأْسِهِ مِنْ وَسْوَسَةِ الْإِنْسَانِ عِنْدَ الْإِعْلَانِ بِالتَّوْحِيدِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا ثَوَّبَ بِالصَّلَاةِ الْمُرَادُ بِالتَّثْوِيبِ الْإِقَامَةُ وَأَصْلُهُ مِنْ ثَابَ إِذَا رَجَعَ وَمُقِيمُ الصَّلَاةِ رَاجِعٌ إِلَى الدُّعَاءِ إِلَيْهَا فَإِنَّ الْأَذَانَ دُعَاءٌ إِلَى الصَّلَاةِ وَالْإِقَامَةُ دُعَاءٌ إِلَيْهَا قَوْلُهُ حَتَّى يَخْطُرُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ هُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ وَكَسْرِهَا حَكَاهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ قَالَ ضَبَطْنَاهُ عَنِ الْمُتْقِنِينَ بِالْكَسْرِ وَسَمِعْنَاهُ مِنْ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ بِالضَّمِّ قَالَ وَالْكَسْرُ هُوَ الْوَجْهُ وَمَعْنَاهُ يُوَسْوِسُ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ خَطَرَ الْفَحْلُ بِذَنَبِهِ إِذَا حَرَّكَهُ فَضَرَبَ بِهِ فخذيه وأما بالضم فمن السلوك والمرور أي يَدْنُو مِنْهُ فَيَمُرُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ فَيُشْغِلُهُ عَمَّا هُوَ فِيهِ وَبِهَذَا فَسَّرَهُ الشَّارِحُونَ لِلْمُوَطَّأِ وَبِالْأَوَّلِ فَسَّرَهُ الْخَلِيلُ قَوْلُهُ (حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَيْفَ صَلَّى) إِنْ بِمَعْنَى مَا كما في الرواية

(باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة

الاولى هذا هوالمشهور فِي قَوْلِهِ إِنْ يَدْرِي إِنَّهُ بِكَسْرِ هَمْزَةِ إِنْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَرُوِيَ بِفَتْحِهَا قَالَ وهي رواية بن عَبْدِ الْبَرِّ وَادَّعَى أَنَّهَا رِوَايَةُ أَكْثَرِهِمْ وَكَذَا ضَبَطَهُ الْأَصِيلِيُّ فِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ وَالصَّحِيحُ الْكَسْرُ أما فقه الباب ففيه فَضِيلَةُ الْأَذَانِ وَالْمُؤَذِّنِ وَقَدْ جَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مُصَرِّحَةً بِعِظَمِ فَضْلِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلِ الْأَفْضَلُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَرْصُدَ نَفْسَهُ لِلْأَذَانِ أَمْ لِلْإِمَامَةِ عَلَى أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا الْأَذَانُ أَفْضَلُ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَقَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَالثَّانِي الْإِمَامَةُ افضل وهونص الشَّافِعِيِّ أَيْضًا وَالثَّالِثُ هُمَا سَوَاءٌ وَالرَّابِعُ إِنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْقِيَامَ بِحُقُوقِ الْإِمَامَةِ وَجَمِيعِ خِصَالِهَا فَهِيَ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالْأَذَانُ قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنِ كَجٍّ وَالْمَسْعُودِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَمَّا جَمْعُ الرَّجُلِ بَيْنَ الْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ فَإِنَّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يستحب ان لا يَفْعَلَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ وَقَالَ مُحَقِّقُوهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ انه لابأس بِهِ بَلْ يُسْتَحَبُّ وَهَذَا أَصَحُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ حَذْوَ الْمِنْكَبَيْنِ مَعَ تَكْبِيرِةِ الْإِحْرَامِ) (وَالرُّكُوعِ وَفِي الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ وأنه لايفعله اذا رفع من السجود) فيه 0 بن عمر رضي الله عنه قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي مَنْكِبَيْهِ وَقَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ وَإِذَا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ وَلَا يَرْفَعُهُمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ) وَفِي رواية

(وَلَا يَفْعَلُهُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ) وَفِي رِوَايَةٍ (إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ كَبَّرَ) وَفِي رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ (إِذَا صَلَّى كَبَّرَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بهما اذنيه) وفي رواية (يحاذي بهما

فُرُوعَ أُذُنَيْهِ) أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى اسْتِحْبَابِ رَفْعِ اليدين عند تكبيرة الْإِحْرَامِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَاهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وجمهور العلماء من الصحابة رضي الله عنهم فمن بَعْدَهمْ يُسْتَحَبُّ رَفْعُهُمَا أَيْضًا عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ رَفْعُهُمَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ رَابِعٍ وَهُوَ إِذَا قَامَ مِنَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ فَقَدْ صَحَّ فِيهِ حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَصَحَّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَبَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يُسْتَحَبُّ أَيْضًا فِي السُّجُودِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ أَهْلِ الْكُوفَةِ لَا يُسْتَحَبُّ فِي غَيْرِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ مالك واجمعوا على انه لايجب شَيْءٌ مِنَ الرَّفْعِ وَحُكِيَ عَنْ دَاوُدَ إِيجَابُهُ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَبِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ السَّيَّارِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَقَدْ حَكَيْتُهُ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَفِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ وَأَمَّا صِفَةُ الرَّفْعِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ الْجَمَاهِيرِ أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ بِحَيْثُ تُحَاذِي أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ فُرُوعَ أُذُنَيْهِ أَيْ أَعْلَى أُذُنَيْهِ وَإِبْهَامَاهُ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ وَرَاحَتَاهُ مَنْكِبَيْهِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَبِهَذَا جَمَعَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَ رِوَايَاتِ الْأَحَادِيثِ فَاسْتَحْسَنَ النَّاسُ ذَلِكَ مِنْهُ وَأَمَّا وَقْتُ الرَّفْعِ فَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى رَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ كَبَّرَ وَفِي الثَّانِيَةِ كَبَّرَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ وَفِي الثَّالِثَةِ إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَلِأَصْحَابِنَا فِيهِ أَوْجُهٌ أَحَدُهَا يَرْفَعُ غَيْرَ مُكَبِّرٍ ثُمَّ يَبْتَدِئُ التَّكْبِيرَ مَعَ إِرْسَالِ الْيَدَيْنِ وَيُنْهِيهُ مَعَ انْتِهَائِهِ وَالثَّانِي يَرْفَعُ غَيْرَ مُكَبِّرٍ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَدَاهُ قَارَّتَانِ ثُمَّ يُرْسِلُهُمَا وَالثَّالِثُ يَبْتَدِئُ الرَّفْعَ مِنِ ابْتِدَائِهِ التَّكْبِيرَ وَيُنْهِيهُمَا مَعًا وَالرَّابِعُ يَبْتَدِئُ بِهِمَا مَعًا وَيُنْهِي التَّكْبِيرَ مَعَ انْتِهَاءِ الْإِرْسَالِ وَالْخَامِسُ وَهُوَ الْأَصَحُّ يَبْتَدِئُ الرَّفْعَ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ وَلَا اسْتِحْبَابَ فِي الِانْتِهَاءِ فَإِنْ فَرَغَ مِنَ التَّكْبِيرِ قَبْلَ تَمَامِ الرَّفْعِ أَوْ بِالْعَكْسِ تَمَّمَ الْبَاقِي وَإِنْ فَرَغَ مِنْهُمَا حَطَّ يَدَيْهِ وَلَمْ يَسْتَدِمِ الرَّفْعَ وَلَوْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدَيْنِ مِنَ الْمِعْصَمِ أَوْ إِحْدَاهُمَا رَفَعَ السَّاعِدَ وَإِنْ قُطِعَ مِنَ السَّاعِدِ رَفَعَ الْعَضُدَ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ لَا يَرْفَعُهُ لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرَّفْعِ إِلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى الْمَشْرُوعِ اونقص مِنْهُ فَعَلَ الْمُمْكِنَ فَإِنْ أَمْكَنَ فَعَلَ الزَّائِدَ ويستحب

أَنْ يَكُونَ كَفَّاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ عِنْدَ الرَّفْعِ وَأَنْ يَكْشِفَهُمَا وَأَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ أَصَابِعِهِمَا تَفْرِيقًا وَسَطًا وَلَوْ تَرَكَ الرَّفْعَ حَتَّى أَتَى بِبَعْضِ التَّكْبِيرِ رَفَعَهُمَا فِي الْبَاقِي فَلَوْ تَرَكَهُ حَتَّى أَتَمَّهُ لَمْ يَرْفَعْهُمَا بَعْدَهُ وَلَا يُقَصِّرُ التَّكْبِيرَ بِحَيْثُ لَا يَفْهَمُ وَلَا يُبَالِغُ فِي مَدِّهِ بِالتَّمْطِيطِ بَلْ يَأْتِي بِهِ مُبَيَّنًا وَهَلْ يَمُدُّهُ أَوْ يُخَفِّفُهُ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يُخَفِّفُهُ وَإِذَا وَضَعَ يَدَيْهِ حَطَّهُمَا تَحْتَ صَدْرِهِ فَوْقَ سُرَّتِهِ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ تَحْتَ سُرَّتِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إِذَا أَرْسَلَهُمَا أَرْسَلَهُمَا إِرْسَالًا خَفِيفًا إِلَى تَحْتِ صَدْرِهِ فَقَطْ ثُمَّ يَضَعُ الْيَمِينَ عَلَى الْيَسَارِ وقيل يرسلهما إرسالا بليغا ثم يستأنف رفعهماالى تَحْتِ صَدْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْعُلَمَاءِ فِي الْحِكْمَةِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَلْتُهُ إِعْظَامًا لِلَّهِ تَعَالَى وَاتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ اسْتِكَانَةٌ وَاسْتِسْلَامٌ وَانْقِيَادٌ وَكَانَ الْأَسِيرُ إِذَا غُلِبَ مَدَّ يَدَيْهِ عَلَامَةٌ لِلِاسْتِسْلَامِ وَقِيلَ هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى اسْتِعْظَامِ مَا دَخَلَ فِيهِ وَقِيلَ إِشَارَةٌ إِلَى طَرْحِ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْإِقْبَالِ بِكُلِّيَّتِهِ عَلَى الصَّلَاةِ وَمُنَاجَاةِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَمَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ قَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَيُطَابِقُ فِعْلُهُ قَوْلَهُ وَقِيلَ إِشَارَةٌ إِلَى دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا الْأَخِيرُ مُخْتَصٌّ بِالرَّفْعِ لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَفِي أَكْثَرِهَا نَظَرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ كَبَّرَ فِيهِ إِثْبَاتُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي عَلَّمَهُ الصَّلَاةَ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَاجِبَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ رحمه الله وجماعة عن بن الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالْحَكَمِ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ سُنَّةً لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَأَنَّ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ يَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ وَلَا أَظُنُّ هَذَا يَصِحُّ عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَعْلَامِ مَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مَعَ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ ولفظة التكبير الله اكبر فهذا يجزئ بالاجماع قال الشافعي ويجزي الله الاكبر لايجزي غيرهما وقال مالك لا يجزئ إِلَّا اللَّهُ أَكْبَرُ وَهُوَ الَّذِي ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهُ وَهَذَا قَوْلٌ مَنْقُولٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَأَجَازَ أَبُو يُوسُفَ اللَّهُ الْكَبِيرُ وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ الِاقْتِصَارَ فِيهِ عَلَى كُلِّ لَفْظٍ فِيهِ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ أَوِ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ أعْظَمُ وَخَالَفَهُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ

(باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة)

مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَالْحِكْمَةُ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ بِالتَّكْبِيرِ افْتِتَاحُهَا بِالتَّنْزِيهِ وَالتَّعْظِيمِ لِلَّهِ تَعَالَى وَنَعْتُهُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ إِثْبَاتِ التَّكْبِيرِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ فِي الصَّلَاةِ) (إِلَّا رَفْعَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فَيَقُولُ فِيهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَه) فِيهِ (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يركع ثم يقول سمع الله لمن حمد حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرُّكُوعِ ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حين يهوى ساجدا ثم يكبر حين يرفع رَأْسَهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومَ من المثنى

بَعْدَ الْجُلُوسِ) فِيهِ إِثْبَاتُ التَّكْبِيرِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ إِلَّا فِي رَفْعِهِ مِنَ الرُّكُوعِ فانه يقول سمع الله لمن حمد وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَمِنَ الْأَعْصَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَقَدْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ فِي زَمَنِ أَبِي هريرة وكان بعضهم لايرى التَّكْبِيرَ إِلَّا لِلْإِحْرَامِ وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ عَلَيْهِ بَعْضَ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَانَ هؤلاء لم يبلغهم فعل الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِهَذَا كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَقَرَّ الْعَمَلُ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا فَفِي كُلِّ صَلَاةٍ ثُنَائِيَّةٍ إِحْدَى عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً وَهِيَ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَخَمْسٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَفِي الثلاثية سبع عشرة وهي تكبيرةالإحرام وتكبيرة القيام من التشهد الاول وخمس ركعة وفي الرباعية اثنتان وَعِشْرُونَ فَفِي الْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ أَرْبَعٌ وَتِسْعُونَ تَكْبِيرَةً واعلم ان تكبيرة الاحرام واجبة وما عدا سُنَّةٌ لَوْ تَرَكَهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ وَمُوَافَقَةُ السُّنَّةِ هَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلا واحمد بن حنبل رضي الله عنه في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَنَّ جَمِيعَ التَّكْبِيرَاتِ وَاجِبَةٌ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ الصَّلَاةَ فَعَلَّمَهُ وَاجِبَاتِهَا فَذَكَرَ منها

تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا زَادَ وَهَذَا مَوْضِعُ الْبَيَانِ وَوَقْتُهُ وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ وقوله يكبرحين يَهْوِي سَاجِدًا ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الْمَثْنَى هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مُقَارَنَةِ التَّكْبِيرِ لِهَذِهِ الْحَرَكَاتِ وَبَسْطِهِ عَلَيْهَا فَيَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَشْرَعُ فِي الِانْتِقَالِ إِلَى الرُّكُوعِ وَيَمُدُّهُ حَتَّى يَصِلَ حَدَّ الرَّاكِعِينَ ثُمَّ يَشْرَعُ فِي تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَيَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَشْرَعُ فِي الْهُوِيِّ إِلَى السُّجُودِ وَيَمُدُّهُ حَتَّى يَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَشْرَعُ فِي تَسْبِيحِ السُّجُودِ وَيَبْدَأُ فِي قَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَشْرَعُ فِي الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ وَيَمُدُّهُ حَتَّى يَنْتَصِبَ قَائِمًا ثُمَّ يَشْرَعُ فِي ذكر الاعتدال وهو ربنا لك الحمدالى آخِرِهِ وَيَشْرَعُ فِي التَّكْبِيرِ لِلْقِيَامِ مِنَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ حِينَ يَشْرَعُ فِي الِانْتِقَالِ وَيَمُدُّهُ حَتَّى يَنْتَصِبَ قَائِمًا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ انه لايكبر لِلْقِيَامِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَطَائِفَةٍ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ مِنَ إِمَامٍ وَمَأْمُومٍ وَمُنْفَرِدٍ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ فَيَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حمده

(باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وانه اذا لم يحسن)

فِي حَالِ ارْتِفَاعِهِ وَرَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ فِي حَالِ اسْتِوَائِهِ وَانْتِصَابِهِ فِي الِاعْتِدَالِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُمَا جَمِيعًا وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفُرُوعِهَا وَشَرْحُ أَلْفَاظِهَا وَمَعَانِيهَا حَيْثُ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ لَقَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلَاةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ هَجَرَ اسْتِعْمَالَ التَّكْبِيرِ فِي الِانْتِقَالَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ ركعة وانه اذا لم يحسن) (الفاتحه ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها) فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) وَفِي رواية

(مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ثَلَاثًا غَيْرُ تَمَامٍ فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَقَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَى آخِرِهِ) وَفِيهِ حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ أَمَّا أَلْفَاظُ الْبَابِ فَالْخِدَاجُ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَالْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ وَالْهَرَوِيُّ وَآخَرُونَ الْخِدَاجُ النُّقْصَانُ يُقَالُ خَدَجَتِ النَّاقَةُ إِذَا أَلْقَتْ وَلَدَهَا قَبْلَ أَوَانِ النِّتَاجِ وَإِنْ كَانَ تَامَّ الْخَلْقِ وَأَخْدَجَتْهُ إِذَا وَلَدَتْهُ نَاقِصًا وَإِنْ كَانَ لِتَمَامِ الولادة ومنه قيل لذي اليدية مُخْدَجُ الْيَدِ أَيْ نَاقِصُهَا قَالُوا فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِدَاجٌ أَيْ ذَاتُ خِدَاجٍ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ خَدَجَتْ وَأُخْدِجَتْ إِذَا وَلَدَتْ لِغَيْرِ تَمَامٍ وَأُمُّ الْقُرْآنِ اسْمُ الْفَاتِحَةِ وَسُمِّيَتْ أُمَّ الْقُرْآنِ لِأَنَّهَا فَاتِحَتُهُ كَمَا سُمِّيَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَى لِأَنَّهَا أَصْلُهَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (مَجَّدَنِي عَبْدِي) أَيْ عَظَّمَنِي

قَوْلُهُ (إِنَّ أَبَا السَّائِبِ أَخْبَرَهُ) أَبُو السَّائِبِ هَذَا لَا يَعْرِفُونَ لَهُ اسْمًا وَهُوَ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَعْقِرِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْقَافِ مَنْسُوبٌ إِلَى مَعْقِرَ وَهِيَ نَاحِيَةٌ مِنَ الْيَمَنِ وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهِ وُجُوبُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَأَنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ لَا يُجْزِي غَيْرُهَا إِلَّا لِعَاجِزٍ عَنْهَا وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ لَا تَجِبُ الْفَاتِحَةُ بَلِ الْوَاجِبُ آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ وَدَلِيلُ الجمهور قوله لَا صَلَاةَ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَإِنْ قَالُوا الْمُرَادُ لَا صَلَاةَ كَامِلَةً قُلْنَا هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُجْزِي صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ وَأَمَّا حَدِيثُ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهَا مُتَيَسِّرَةٌ أَوْ عَلَى مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ بَعْدَهَا أَوْ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنِ الْفَاتِحَةِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَلَاةَ لم لمن يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ وُجُوبَهَا عَلَى الْمَأْمُومِ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ فَمَعْنَاهُ اقْرَأْهَا سِرًّا بِحَيْثُ تُسْمِعُ نَفْسَكَ وَأَمَّا مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ تَدَبُّرُ ذَلِكَ وَتَذَكُّرُهُ فَلَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تُطْلَقُ إلا على حركةاللسان بحيث يسمع نفسه ولهنا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ لَوْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ بِقَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ حَرَكَةِ لِسَانِهِ لَا يَكُونُ قَارِئًا مُرْتَكِبًا لِقِرَاءَةِ الْجُنُبِ الْمُحَرَّمَةِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَبِيعَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قِرَاءَةٌ أَصْلًا وَهِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ الثوري والأوزعاني وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَا يَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بَلْ هُوَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ قَرَأَ وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وُجُوبُ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ ثم افعل ذلك في يصلاتك كُلِّهَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ) الْحَدِيثُ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ هُنَا الْفَاتِحَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا بِهَا كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجُّ عَرَفَةُ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهَا بِعَيْنِهَا فِي الصَّلَاةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْمُرَادُ قِسْمَتُهَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لِأَنَّ نِصْفَهَا الْأَوَّلَ تَحْمِيدٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَمْجِيدٌ وَثَنَاءٌ عَلَيْهِ وَتَفْوِيضٌ إِلَيْهِ وَالنِّصْفُ الثَّانِي سُؤَالٌ وَطَلَبٌ وَتَضَرُّعٌ وَافْتِقَارٌ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ مِنْ أَوْضَحِ مَا احْتَجُّوا بِهِ قَالُوا لِأَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ بِالْإِجْمَاعِ فَثَلَاثٌ فِي أَوَّلِهَا ثَنَاءٌ أَوَّلُهَا الْحَمْدُ لِلَّهِ وَثَلَاثٌ دُعَاءٌ أولها اهدنا الصراط المستقيم وَالسَّابِعَةُ مُتَوَسِّطَةٌ وَهِيَ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قَالُوا وَلِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَلَمْ يَذْكُرِ الْبَسْمَلَةَ وَلَوْ كَانَتْ مِنْهَا لَذَكَرَهَا وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَقُولُ إِنَّ الْبَسْمَلَةَ آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدِهَا أَنَّ التَّنْصِيفَ عَائِدٌ إِلَى جُمْلَةِ الصَّلَاةِ لَا إِلَى الْفَاتِحَةِ هَذَا حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَالثَّانِي أَنَّ التَّنْصِيفَ عَائِدٌ إِلَى مَا يَخْتَصُّ بِالْفَاتِحَةِ مِنَ الْآيَاتِ الْكَامِلَةِ وَالثَّالِثِ مَعْنَاهُ فَإِذَا انْتَهَى الْعَبْدُ فِي قِرَاءَتِهِ إِلَى الْحَمْدُ لِلَّهِ رب العالمين

قَالَ الْعُلَمَاءُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي وَأَثْنَى عَلَيَّ وَمَجَّدَنِي إِنَّمَا قَالَهُ لِأَنَّ التَّحْمِيدَ الثَّنَاءُ بِجَمِيلِ الْفِعَالِ وَالتَّمْجِيدُ الثَّنَاءُ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَيُقَالُ أَثْنَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَلِهَذَا جَاءَ جَوَابًا لِلرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِاشْتِمَالِ اللَّفْظَيْنِ عَلَى الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ وَقَوْلُهُ وَرُبَّمَا قَالَ فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي وَجْهُ مُطَابَقَةِ هَذَا لِقَوْلِهِ مَالِكِ يَوْمِ الدين أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْمُلْكِ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَبِجَزَاءِ الْعِبَادِ وَحِسَابِهِمْ وَالدِّينُ الْحِسَابُ وَقِيلَ الْجَزَاءُ وَلَا دَعْوَى لِأَحَدٍ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَا مَجَازَ وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَلِبَعْضِ الْعِبَادِ مُلْكٌ مَجَازِيٌّ وَيَدَّعِي بَعْضُهُمْ دَعْوَى بَاطِلَةً وَهَذَا كُلُّهُ يَنْقَطِعُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ هَذَا مَعْنَاهُ وَإِلَّا فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمَالِكُ وَالْمُلْكُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِلدَّارَيْنِ وَمَا فِيهِمَا وَمَنْ فِيهِمَا وَكُلُّ مَنْ سِوَاهُ مَرْبُوبٌ لَهُ عَبْدٌ مُسَخَّرٌ ثُمَّ فِي هَذَا الِاعْتِرَافُ مِنَ التَّعْظِيمِ وَالتَّمْجِيدِ وَتَفْوِيضِ الأمر ما لايخفى وَقَوْلُهُ تَعَالَى فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ المستقيم إِلَى آخِرِ السُّورَةِ فَهَذَا لِعَبْدِي هَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَفِي غَيْرِهِ فَهَؤُلَاءِ لِعَبْدِي وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اهْدِنَا وَمَا بَعْدَهُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ ثَلَاثُ آيَاتٍ لَا آيَتَانِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ مِنَ الْفَاتِحَةِ أَمْ لَا فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهَا مِنَ الْفَاتِحَةِ وَأَنَّهَا آيَةٌ وَاهْدِنَا وَمَا بَعْدَهُ آيَتَانِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَقُولُ إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ يَقُولُ اهْدِنَا وَمَا بَعْدَهُ ثَلَاثُ آيَاتٍ وَلِلْأَكْثَرِينَ أَنْ يَقُولُوا قَوْلُهُ هَؤُلَاءِ الْمُرَادُ بِهِ الْكَلِمَاتُ لَا الْآيَاتُ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَهَذَا لِعَبْدِي وَهَذَا أَحْسَنُ مِنَ الْجَوَابِ بِأَنَّ الْجَمْعَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاثْنَيْنِ لِأَنَّ هَذَا مَجَازٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ فَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ عَلَى صَرْفِهِ عَنِ الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَجَازِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةٍ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَمَا أَعْلَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَنَّاهُ لَكُمْ وَمَا أَخْفَاهُ أَخْفَيْنَاهُ لَكُمْ) مَعْنَاهُ مَا جَهَرَ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ جَهَرْنَا بِهِ وَمَا أَسَرَّ أَسْرَرْنَا بِهِ وَقَدِ اجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَتَيِ الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ وَالْأُولَيَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَعَلَى الْإِسْرَارِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَثَالِثَةِ الْمَغْرِبِ وَالْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الْعِشَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَمَذْهَبُنَا الْجَهْرُ فِيهِمَا وَفِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ قِيلَ يَجْهَرُ فِيهَا وَقِيلَ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ وَنَوَافِلُ النَّهَارِ يُسِرُّ بِهَا وَالْكُسُوفُ يُسِرُّ بِهَا نَهَارًا وَيَجْهَرُ لَيْلًا وَالْجِنَازَةُ يُسِرُّ بِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا وَقِيلَ يَجْهَرُ لَيْلًا وَلَوْ فَاتَهُ صَلَاةُ لَيْلَةٍ كَالْعِشَاءِ فَقَضَاهَا فِي لَيْلَةٍ أُخْرَى جَهَرَ وَإِنْ قَضَاهَا نَهَارًا فَوَجْهَانِ الْأَصَحُّ يُسِرُّ وَالثَّانِي يَجْهَرُ وَإِنْ فَاتَهُ نهارية كالظهر فقضاها نهارا أسر وإن قَضَاهَا لَيْلًا فَوَجْهَانِ الْأَصَحُّ يَجْهَرُ وَالثَّانِي يُسِرُّ وَحَيْثُ قُلْنَا يَجْهَرُ أَوْ يُسِرُّ فَهُوَ سُنَّةٌ فَلَوْ تَرَكَهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ عِنْدَنَا قَوْلُهُ (وَمَنْ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ أَجْزَأَتْ عَنْهُ وَمَنْ زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ) فِيهِ دَلِيلٌ لِوُجُوبِ الْفَاتِحَةِ وَأَنَّهُ لَا يُجْزِي غَيْرُهَا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ السُّورَةِ بَعْدَهَا وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الصبح والجمعة والأولين مِنْ كُلِّ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وُجُوبَ السُّورَةِ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَأَمَّا السُّورَةُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ تُسْتَحَبُّ أَمْ لَا وَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

وَاسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ دُونَ الْقَدِيمِ وَالْقَدِيمُ هُنَا أَصَحُّ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ مُخَيَّرٌ إِنْ شَاءَ قَرَأَ وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَتُسْتَحَبُّ السُّورَةُ فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ وَلَا تُسْتَحَبُّ فِي الْجِنَازَةِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ وَلَا يُزَادُ عَلَى الْفَاتِحَةِ إِلَّا التَّأْمِينُ عَقِبَهَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ السُّورَةُ فِي الصُّبْحِ وَالْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ مِنَ اوْسَاطِهِ وَفِي الْمَغْرِبِ مِنْ قِصَارِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ وَالْأَشْهَرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا والأصح أنه يُطَوِّلَ الْأُولَى لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الأولى ما لايطول فِي الثَّانِيَةِ وَمَنْ قَالَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الرُّبَاعِيَّةِ يَقُولُ هِيَ أَخَفُّ مِنَ الْأُولَيَيْنِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْصِيرِ الرَّابِعَةِ عَلَى الثَّالِثَةِ وَاللَّهُ أعلم وحيث شرعت السورة فتركها فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَقِرَاءَةُ سُورَةٍ قَصِيرَةٍ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ قَدْرِهَا مِنْ طَوِيلَةٍ وَيَقْرَأُ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ وَيُكْرَهُ عَكْسُهُ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَيَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ وَلَا يَجُوزُ بِالشَّوَاذِّ وَإِذَا لَحَنَ فِي الْفَاتِحَةِ لَحْنًا يُخِلُّ الْمَعْنَى كَضَمِّ تَاءِ أَنْعَمْتَ أَوْ كَسْرِهَا أَوْ كَسْرِ كَافِ إِيَّاكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يُخِلَّ الْمَعْنَى كَفَتْحِ الْبَاءِ مِنَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَنَحْوِهِ كُرِهَ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَيَجِبُ تَرْتِيبُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَمُوَالَاتُهَا وَيَجِبُ قِرَاءَتُهَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَيَحْرُمُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهَا سَوَاءً عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ أَمْ لَا وَيُشْتَرَطُ فِي الْقِرَاءَةِ وَفِي كُلِّ الْأَذْكَارِ إِسْمَاعُ نَفْسِهِ وَالْأَخْرَسُ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ يُحَرِّكُ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ بِحَسَبِ الإمكان ويجزئه والله أعلم حديث أبي هريرة قَوْلُهُ (دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمَ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَامَ فَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَصَلَّى كَمَا كَانَ صَلَّى ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ

(وعليك السلام ثم قال ارجع فصل فإنك لم تصل حتى فعل

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَعَلَيْكَ السَّلَامُ ثُمَّ قَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ الرَّجُلُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا عَلِّمْنِي قَالَ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكِ كُلِّهَا) وَفِي رِوَايَةٍ (إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ) هَذَا الْحَدِيثُ مُشْتَمِلٌ عَلَى فَوَائِدَ كَثِيرَةٍ وَلْيُعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْوَاجِبَاتِ دُونَ السُّنَنَ فَإِنْ قِيلَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ كُلَّ الْوَاجِبَاتِ فَقَدْ بَقِيَ وَاجِبَاتٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَمُخْتَلَفٌ فِيهَا فَمِنَ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ النِّيَّةُ وَالْقُعُودُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَتَرْتِيبُ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَمِنَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ التَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَالسَّلَامُ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَاجِبَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ بِوُجُوبِ السَّلَامِ الْجُمْهُورُ وَأَوْجَبَ التَّشَهُّدَ كَثِيرُونَ وَأَوْجَبَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الشَّافِعِيِّ الشَّعْبِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابُهُمَا وَأَوْجَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ نِيَّةَ الْخُرُوجِ مِنَ الصَّلَاةِ وَأَوْجَبَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى التَّشَهُّدَ)

الْأَوَّلَ وَكَذَلِكَ التَّسْبِيحَ وَتَكْبِيرَاتَ الِانْتِقَالَاتِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَاجِبَاتِ الثَّلَاثَةِ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا كَانَتْ مَعْلُومَةً عِنْدَ السَّائِلِ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى بَيَانِهَا وَكَذَا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ عِنْدَ مَنْ يُوجِبُهُ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِقَامَةَ الصَّلَاةِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً وَفِيهِ وُجُوبُ الطَّهَارَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَفِيهِ أَنَّ التَّعَوُّذَ وَدُعَاءَ الِافْتِتَاحِ وَرَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَوَضْعَ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ وَتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهَيْئَاتِ الْجُلُوسِ وَوَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْفَخِذِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الِاعْتِدَالِ عَنِ الرُّكُوعِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَوُجُوبِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَلَمْ يُوجِبُهَا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَطَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ عَنْهُ جَوَابٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا الِاعْتِدَالُ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ يَجِبُ الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ كَمَا يَجِبُ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَتَوَقَّفَ فِي إِيجَابِهَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَاحْتَجَّ هَذَا الْقَائِلُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا فَاكْتَفَى بِالِاعْتِدَالِ وَلَمْ يَذْكُرِ الطُّمَأْنِينَةَ كَمَا ذَكَرَهَا فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَفِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَفِيهِ وُجُوبُ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ كَمَا سَبَقَ وَفِيهِ أَنَّ الْمُفْتِيَ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ وَكَانَ هُنَاكَ شَيْءٌ آخَرَ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ السَّائِلُ وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَذْكُرَهُ لَهُ وَيَكُونُ هَذَا مِنَ النَّصِيحَةِ لَا مِنَ الْكَلَامِ فِيمَا لَا يَعْنِي وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ قَالَ عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْ عَلِّمْنِي الصَّلَاةَ فَعَلَّمَهُ الصَّلَاةَ وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَالْوُضُوءَ وَلَيْسَا مِنَ الصَّلَاةِ لَكِنَّهُمَا شَرْطَانِ لَهَا وَفِيهِ الرِّفْقُ بِالْمُتَعَلِّمِ وَالْجَاهِلِ وَمُلَاطَفَتُهُ وَإِيضَاحُ الْمَسْأَلَةِ وَتَلْخِيصُ الْمَقَاصِدِ وَالِاقْتِصَارُ فِي حَقِّهِ عَلَى الْمُهِمِّ دُونَ الْمُكَمِّلَاتِ الَّتِي لَا يَحْتَمِلُ حَالُهُ حِفْظَهَا وَالْقِيَامَ بِهَا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ السَّلَامِ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَوُجُوبُ رَدِّهِ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهُ إِذَا تَكَرَّرَ اللِّقَاءُ وَإِنْ قَرُبَ الْعَهْدُ وَأَنَّهُ يَجِبُ رَدُّهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَأَنَّ صِيغَةَ الْجَوَابِ وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ أَوْ وَعَلَيْكَ بِالْوَاوِ وَهَذِهِ الْوَاوُ مُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَأَوْجَبَهَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ بَلِ الصَّوَابُ أَنَّهَا سُنَّةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ أَخَلَّ بِبَعْضِ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَلَا يُسَمَّى مُصَلِّيًا بَلْ يُقَالُ لَمْ تُصَلِّ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَرَكَهُ مِرَارًا يُصَلِّي صَلَاةً فَاسِدَةً فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يُؤْذِنْ لَهُ فِي صَلَاةٍ فَاسِدَةٍ وَلَا عَلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةِ فَاسِدَةً بَلْ هُوَ مُحْتَمَلٌ أَنْ

(باب نهي المأموم عن جهره بالقراءة خلف إمامه)

يَأْتِيَ بِهَا صَحِيحَةً وَإِنَّمَا لَمْ يُعَلِّمْهُ أَوَّلًا لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَعْرِيفِهِ وَتَعْرِيفِ غَيْرِهِ بِصِفَةِ الصَّلَاةِ الْمُجْزِئَةِ كَمَا أَمَرَهُمْ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ ثُمَّ بِفَسْخِهِ إِلَى الْعُمْرَةِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي اسْتِدْرَاكَاتِهِ خَالَفَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِي هَذَا جَمِيعَ أَصْحَابِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَكُلُّهُمْ رَوَوْهُ عَنْ عُبَيْدِ الله عن سعيد عن أبي هريرة لم يَذْكُرُوا أَبَاهُ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَيَحْيَى حَافِظٌ فَيَعْتَمِدُ مَا رَوَاهُ فَحَصَلَ أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ لَا عِلَّةَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ الصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ لَمْ يَضُرَّ فِي صِحَّةِ الْمَتْنِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مِثْلَ هَذَا مَرَّاتٍ فِي أَوَّلِ الكتاب ومقصودي بذكر هذا أن لا يَغْتَرَّ بِذِكْرِ الدَّارَقُطْنِيِّ أَوْ غَيْرِهِ لَهُ فِي الِاسْتِدْرَاكَاتِ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ (باب نَهْيِ المأموم عن جهره بالقراءة خلف إمامه) يه قول (صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ فَقَالَ أَيُّكُمْ قَرَأَ خَلْفِي سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا وَلَمْ أَرِدْ بِهَا إِلَّا الْخَيْرَ قَالَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا) وَفِي الرِّوَايَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ أَنَّهُ كَانَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ بِلَا شَكٍّ خَالَجَنِيهَا أَيْ نَازَعَنِيهَا وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ وَالْإِنْكَارُ فِي جَهْرِهِ أَوْ رَفْعِ صَوْتِهِ بِحَيْثُ أَسْمَعَ غَيْرَهُ لَا عَنْ أصل القراءة بل فيه أنهم كانوا يقرؤن بِالسُّورَةِ فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الظُّهْرِ لِلْإِمَامِ وَلِلْمَأْمُومِ وَهَذَا الْحُكْمُ عِنْدَنَا وَلَنَا وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ السُّورَةَ فِي السِّرِّيَّةِ كَمَا لَا يَقْرَؤُهَا فِي الْجَهْرِيَّةِ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّهُ فِي الْجَهْرِيَّةِ يُؤْمَرُ بِالْإِنْصَاتِ وَهُنَا لَا يَسْمَعُ فَلَا مَعْنَى لِسُكُوتِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِمَاعٍ وَلَوْ

(باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة)

كَانَ فِي الْجَهْرِيَّةِ بَعِيدًا عَنِ الْإِمَامِ لَا يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْرَأُ السُّورَةَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ زُرَارَةَ) فِيهِ فَائِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ قَتَادَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُدَلِّسٌ وَقَدْ قَالَ فِي الرواية الأولى عن والمدلس لَا يُحْتَجُّ بِعَنْعَنَتِهِ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ سَمَاعُهُ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ مِمَّنْ عَنْعَنَ عَنْهُ فِي طَرِيقٍ آخَرَ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ حُجَّةِ مَنْ قال لا يجهر بالبسملة) وفيه قَوْلُ أَنَسٍ (صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَلَمْ

أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَفِي رِوَايَةٍ (وَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا) فِي إِسْنَادِهِ قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ وَفِي الطَّرِيقِ الثَّانِي قِيلَ لِقَتَادَةَ أَسَمِعْتَهُ مِنْ أَنَسٍ قَالَ نَعَمْ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِسَمَاعِهِ فَيَنْتَفِي مَا يَخَافُ مِنْ إِرْسَالِهِ لِتَدْلِيسِهِ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ يَسْتَفْتِحُونَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ هُوَ بِرَفْعِ الدَّالِ عَلَى الْحِكَايَةِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ لَا يَرَى الْبَسْمَلَةَ مِنَ الْفَاتِحَةِ وَمَنْ يَرَاهَا مِنْهَا وَيَقُولُ لَا يَجْهَرُ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَطَوَائِفَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ وَأَنَّهُ يَجْهَرُ بِهَا حَيْثُ يَجْهَرُ بِالْفَاتِحَةِ وَاعْتَمَدَ أَصْحَابُنَا وَمَنْ قَالَ بِأَنَّهَا آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ أَنَّهَا كُتِبَتْ فِي الْمُصْحَفِ بِخَطِّ الْمُصْحَفِ وَكَانَ هَذَا باتفاق الصحابة وإجماعهم على أن لا يَثْبُتُوا فِيهِ بِخَطِّ الْقُرْآنِ غَيْرَ الْقُرْآنِ وَأَجْمَعَ بَعْدَهُمُ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ فِي كُلِّ الْأَعْصَارِ إِلَى يَوْمِنَا وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي أَوَّلِ بَرَاءَةٍ وَأَنَّهَا لَا تُكْتَبُ فِيهَا وَهَذَا يُؤَكِّدُ مَا قُلْنَاهُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَبْدَةَ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَجْهَرُ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ وَعَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَتَبَ يُخْبِرُهُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ هَكَذَا وَقَعَ عَنْ عَبْدَةَ أَنَّ عُمَرَ وَهُوَ مرسل

(باب حجة من قال البسملة آية من أول كل سورة سوى

يعني أن عبدة وهو بن أَبِي لُبَابَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ قَالَ وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ عَنْ قَتَادَةَ يَعْنِي الْأَوْزَاعِيَّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْبَابِ وَهُوَ حَدِيثٌ مُتَّصِلٌ هَذَا كَلَامُ الْغَسَّانِيِّ والمقصود أنه عَطْفَ قَوْلِهِ وَعَنْ قَتَادَةَ عَلَى قَوْلِهِ عَنْ عَبْدَةَ وَإِنَّمَا فَعَلَ مُسْلِمٌ هَذَا لِأَنَّهُ سَمِعَهُ هَكَذَا فَأَدَّاهُ كَمَا سَمِعَهُ وَمَقْصُودُهُ الثَّانِي الْمُتَّصِلُ دُونَ الْأَوَّلِ الْمُرْسَلِ وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَلَا إِنْكَارَ فِي هَذَا كُلِّهِ وَقَوْلُهُ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ أخبرني بن خَلَّادٍ قَالَ سَأَلْتُ الزَّجَّاجَ عَنِ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ وَبِحَمْدِكَ فَقَالَ مَعْنَاهُ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ سَبَّحْتُكَ قَالَ وَالْجَدُّ هُنَا الْعَظَمَةُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (باب حُجَّةِ مَنْ قَالَ الْبَسْمَلَةُ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ سِوَى بَرَاءَةٌ) فِيهِ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِذِ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا فَقُلْنَا مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانحر إن شانئك هو الأبتر ثُمَّ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ فَقُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ هُوَ حَوْضٌ يرد عليه

أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ فَيَخْتَلِجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ فَأَقُولُ رَبِّ إِنَّهُ مِنْ أَمَّتِي فَيُقَالُ مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ) وَفِي رِوَايَةٍ مَا أَحْدَثَ وَفِيهَا بَيْنَ أَظْهُرِنَا فِي الْمَسْجِدِ قَوْلُهُ بَيْنَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ بَيْنَا فِعْلٌ أُشْبِعَتِ الْفَتْحَةُ فَصَارَتِ أَلِفًا وَاصِلَةً وَمَنْ قَالَ وبينما بمعناه زيدت فيه ما بقول بَيْنَا نَحْنُ نَرْقُبُهُ أَتَانَا أَيْ أَتَانَا بَيْنَ أَوْقَاتِ رَقَبَتِنَا إِيَّاهُ ثُمَّ حَذَفَ الْمُضَافَ الَّذِي هُوَ أَوْقَاتٌ قَالَ وَكَانَ الْأَصْمَعِيُّ يَخْفِضُ مَا بَعْدَ بَيْنَا إِذَا صَلَحَ فِي مَوْضِعِهِ بَيْنَ وغيره يرفع مَا بَعْدَ بَيْنَا وَبَيْنَمَا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ قوله بين أَظُهْرِنَا أَيْ بَيْنَنَا قَوْلُهُ أَغْفَى إِغْفَاءَةً أَيْ نَامَ وَقَوْلُهُ آنِفًا أَيْ قَرِيبًا وَهُوَ بِالْمَدِّ وَيَجُوزُ الْقَصْرُ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ وَقَدْ قُرِئَ به في السبع والشانئ المبغض والأبتر هُوَ الْمُنْقَطِعُ الْعَقِبِ وَقِيلَ الْمُنْقَطِعُ عَنْ كُلِّ خير قالوا أنزلت في العاص بن وائل والكوثر هُنَا نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ كَمَا فَسَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عِبَارَةٌ عَنِ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ وَقَوْلُهُ يَخْتَلِجُ أَيْ يَنْتَزِعُ وَيَقْتَطِعُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّ الْبَسْمَلَةَ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مِنَ الْقُرْآنِ وَهُوَ مَقْصُودُ مُسْلِمٍ بِإِدْخَالِ الْحَدِيثِ هُنَا وَفِيهِ جَوَازُ النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ وَجَوَازُ نَوْمِ الْإِنْسَانِ بِحَضْرَةِ أَصْحَابِهِ وَأَنَّهُ إِذَا رَأَى التَّابِعُ مِنْ مَتْبُوعِهِ تَبَسُّمًا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا يَقْتَضِي حُدُوثَ أَمْرٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ سَبَبِهِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْحَوْضِ وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ وَسَيَأْتِي بَسْطُهُ حَيْثُ ذَكَرَ مُسْلِمٌ أَحَادِيثَهُ فِي آخِرِ الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام

(باب وضع يده الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ تَحْتَ صدره) فوق سرته وَوَضْعِهِمَا فِي السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ فِيهِ (وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ حِيَالَ أُذُنَيْهِ ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنَ الثَّوْبِ ثُمَّ رَفَعَهُمَا ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ فَلَمَّا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ فَلَمَّا سَجَدَ سَجَدَ بَيْنَ كَفَّيْهِ) فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ بِجِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ مُخَفَّفَةٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ هَاءٍ قَوْلُهُ حِيَالَ أُذُنَيْهِ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ قُبَالَتُهُمَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ رَفْعِهِمَا فَفِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ فِي الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا لِقَوْلِهِ كَبَّرَ ثُمَّ الْتَحَفَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ رَفْعِ يَدَيْهِ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَعِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ كَشْفِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرَّفْعِ وَوَضْعِهِمَا فِي السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَاسْتِحْبَابُ وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَيَجْعَلُهُمَا تَحْتَ صَدْرِهِ فَوْقَ سُرَّتِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجْعَلُهُمَا تَحْتَ سُرَّتِهِ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَرِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا وَلَا ترجيح وبهذا قال الأوزاعي وبن الْمُنْذِرِ وَعَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا يَضَعُهُمَا تَحْتَ صَدْرِهِ وَالثَّانِيَةُ يُرْسِلُهُمَا وَلَا يَضَعُ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَهَذِهِ رِوَايَةُ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَهِيَ الْأَشْهَرُ عِنْدَهُمْ

(باب التشهد في الصلاة)

وَهِيَ مَذْهَبُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَعَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا اسْتِحْبَابُ الْوَضْعِ فِي النَّفْلِ وَالْإِرْسَالِ فِي الْفَرْضِ وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الْبَصْرِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ فِي اسْتِحْبَابِ وَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ حَدِيثُ وَائِلٍ الْمَذْكُورُ هُنَا وَحَدِيثُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعَيْهِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ أَبُو حَازِمٍ وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا يَنْمِي ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَرْفُوعٌ كَمَا سَبَقَ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَعَنْ هُلْبٍ الطَّائِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّنَا فَيَأْخُذُ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَدَلِيلُ وَضْعِهِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى على صدره رواه بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مِنَ السُّنَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَضْعُ الْأَكُفِّ عَلَى الْأَكُفِّ تَحْتَ السُّرَّةِ ضَعِيفٌ مُتَّفَقٌ عَلَى تَضْعِيفِهِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي شَيْبَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ الْوَاسِطِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي وَضْعِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى أَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْخُشُوعِ وَمَنَعَهُمَا مِنَ الْعَبَثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ) فِيهِ تَشَهُّدُ بن مسعود وتشهد بن عَبَّاسٍ وَتَشَهُّدُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِهَا كُلِّهَا وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ مِنْهَا فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وبعض أصحاب مالك أن تشهد بن عَبَّاسٍ أَفْضَلُ لِزِيَادَةِ لَفْظَةِ الْمُبَارَكَاتِ فِيهِ وَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَحِيَّةً مِنْ عند الله مباركة طيبة وَلِأَنَّهُ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ

تشهد بن مَسْعُودٍ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ أَشَدُّ صِحَّةً وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ صَحِيحًا وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَشَهُّدُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ عَلَّمَهُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَمْ يُنَازِعْهُ أَحَدٌ فَدَلَّ عَلَى تَفْضِيلِهِ وَهُوَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ إِلَى آخِرِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّشَهُّدِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ سُنَّةٌ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَطَائِفَةٌ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ سُنَّةٌ وَالْأَخِيرُ وَاجِبٌ وَقَالَ جُمْهُورُ الْمُحَدِّثِينَ هُمَا وَاجِبَانِ وَقَالَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْأَوَّلُ وَاجِبٌ وَالثَّانِي فَرْضٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ هُمَا سُنَّتَانِ وَعَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ رِوَايَةٌ بِوُجُوبِ الْأَخِيرِ وَقَدْ وَافَقَ مَنْ لَمْ يُوجِبِ التَّشَهُّدَ عَلَى وُجُوبِ الْقُعُودِ بِقَدْرِهِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا أَلْفَاظُ الْبَابِ فَفِيهِ لَفْظَةُ التَّشَهُّدِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِلنُّطْقِ بِالشَّهَادَةِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ) فَمَعْنَاهُ أَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَاهُ السَّالِمُ من النقائص وَسِمَاتِ الْحُدُوثِ وَمِنَ الشَّرِيكِ وَالنِّدِّ وَقِيلَ الْمُسَلِّمُ أَوْلِيَاءَهُ وَقِيلَ الْمُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَأَمَّا التَّحِيَّاتُ فَجَمْعُ تَحِيَّةٍ وَهِيَ الْمِلْكُ وَقِيلَ الْبَقَاءُ وَقِيلَ الْعَظَمَةُ وَقِيلَ الْحَيَاةُ وَإِنَّمَا قِيلَ التَّحِيَّاتُ بِالْجَمْعِ لِأَنَّ مُلُوكَ الْعَرَبِ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تُحَيِّيهِ أَصْحَابُهُ بِتَحِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ فَقِيلَ جَمِيعُ تَحِيَّاتِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِذَلِكَ حَقِيقَةً وَالْمُبَارَكَاتُ وَالزَّاكِيَاتُ فِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالْبَرَكَةُ كَثْرَةُ الْخَيْرِ وَقِيلَ النَّمَاءُ وَكَذَا الزَّكَاةُ أَصْلُهَا النَّمَاءُ وَالصَّلَوَاتُ هِيَ الصَّلَوَاتُ الْمَعْرُوفَةُ وَقِيلَ الدَّعَوَاتُ وَالتَّضَرُّعُ وَقِيلَ الرَّحْمَةُ أَيِ اللَّهُ الْمُتَفَضِّلُ بِهَا وَالطَّيِّبَاتُ أَيِ الكلمات الطيبات وقوله في حديث بن عَبَّاسٍ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ تَقْدِيرُهُ وَالْمُبَارَكَاتُ والصلوات والطيبات كما في حديث بن مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ وَلَكِنْ حُذِفَتِ الْوَاوُ اخْتِصَارًا وَهُوَ جَائِزٌ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ التَّحِيَّاتِ وَمَا بَعْدَهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا تَصْلُحُ حَقِيقَتُهَا لِغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ (السَّلَامُ عَلَيْكَ

أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) فَقِيلَ مَعْنَاهُ التَّعْوِيذُ بِاللَّهِ وَالتَّحْصِينُ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَإِنَّ السَّلَامَ اسْمٌ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَقْدِيرُهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ حَفِيظٌ وَكَفِيلٌ كَمَا يُقَالُ اللَّهُ مَعَكَ أَيْ بِالْحِفْظِ وَالْمَعُونَةِ وَاللُّطْفِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ السَّلَامَةُ وَالنَّجَاةُ لَكُمْ وَيَكُونُ مَصْدَرًا كَاللَّذَاذَةِ وَاللَّذَاذِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى فسلام لك من أصحاب اليمين وَاعْلَمْ أَنَّ السَّلَامَ الَّذِي فِي قَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ يَجُوزُ فِيهِ حَذْفُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فَيُقَالُ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَسَلَامٌ عَلَيْنَا وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ هُنَا وَلَكِنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ أَفْضَلُ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي رِوَايَاتِ صَحِيحَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَأَمَّا الَّذِي فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَهُوَ سَلَامُ التَّحْلِيلِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ هَكَذَا وَيَقُولُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ أَفْضَلُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ إِلَّا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَلِأَنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي التَّشَهُّدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لِيَعُودَ التَّعْرِيفُ إِلَى سَابِقِ كَلَامِهِ كَمَا يَقُولُ جَاءَنِي رَجُلٌ فَأَكْرَمْتُ الرَّجُلَ قَوْلُهُ وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ قَالَ الزَّجَّاجُ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُمَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ هُوَ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا قَالَهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ دَاخِلَتَيْنِ عَلَى الْجِنْسِ تَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ وَالْعُمُومَ قَوْلُهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ رَجُلٌ مُحَمَّدٌ وَمَحْمُودٌ إِذَا كَثُرَتْ خِصَالُهُ الْمَحْمُودَةُ قَالَ بن فَارِسٍ وَبِذَلِكَ سُمِّيَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا يَعْنِي لِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِكَثْرَةِ خِصَالِهِ الْمَحْمُودَةِ أَلْهَمَ أَهْلَهُ التَّسْمِيَةَ بِذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ قَبْلَ السَّلَامِ وَفِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِمَا شَاءَ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ إِلَّا بِالدَّعَوَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الصلاة عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التشهد

الْأَخِيرِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وُجُوبُهَا فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَمَنْ تَرَكَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ زِيَادَةٌ فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ وَلَكِنْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَيْسَتْ صَحِيحَةً عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ هُوَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ

سَاكِنَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ قَوْلُهُ (أُقِرَّتِ الصَّلَاةُ بِالْبِرِّ وَالزَّكَاةِ) قَالُوا مَعْنَاهُ قُرِنَتْ بِهِمَا وَأُقِرَّتْ مَعَهُمَا وَصَارَ الْجَمِيعُ مَأْمُورًا بِهِ قَوْلُهُ (فَأَرَمَّ الْقَوْمُ) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ سَكَتُوا قَوْلُهُ (لَقَدْ رَهِبْتُ أَنْ تَبْكَعَنِي) هُوَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فِي أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا أَيْ تُبَكِّتَنِي بِهَا وَتُوَبِّخَنِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ) أَمْرٌ بِإِقَامَةِ الصُّفُوفِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَهُوَ أَمْرُ نَدْبٍ وَالْمُرَادُ تَسْوِيَتُهَا وَالِاعْتِدَالُ فِيهَا وَتَتْمِيمُ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ مِنْهَا وَالتَّرَاصُّ فِيهَا وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْكَلَامِ فِيهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثم ليؤمكم

أَحَدُكُمْ) فِيهِ الْأَمْرُ بِالْجَمَاعَةِ فِي الْمَكْتُوبَاتِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ أَمْ إِيجَابٍ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ فَالرَّاجِحُ فِي مَذْهَبِنَا وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ إِذَا فَعَلَهُ مَنْ يَحْصُلُ بِهِ إِظْهَارُ هَذَا الشِّعَارِ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنِ الْبَاقِينَ وَإِنْ تَرَكُوهُ كُلُّهُمْ أَثِمُوا كُلُّهُمْ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أصحابنا هي سنة وقال بن خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا هِيَ فَرْضُ عَيْنٍ لَكِنْ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَمَنْ تَرَكَهَا وَصَلَّى مُنْفَرِدًا بِلَا عُذْرٍ أَثِمَ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ هِيَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَقَالَ بِكُلِّ قَوْلٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ طَوَائِفُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا) فِيهِ أَمْرُ الْمَأْمُومِ بِأَنْ يَكُونَ تكبيره عقب تكبير الإمام ويتضمن مسئلتين إحداهما أنه لَا يُكَبِّرَ قَبْلَهُ وَلَا مَعَهُ بَلْ بَعْدَهُ فَلَوْ شَرَعَ الْمَأْمُومُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ نَاوِيًا الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ وَقَدْ بَقِيَ لِلْإِمَامِ مِنْهَا حَرْفٌ لم يصح إحرام المأموم بلاخلاف لأنه نوى الإقتداء بالإمام بِمَنْ لَمْ يَصِرْ إِمَامًا بَلْ بِمَنْ سَيَصِيرُ إِمَامًا إِذَا فَرَغَ مِنَ التَّكْبِيرِ وَالثَّانِيَةَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَوْنُ تَكْبِيرَةِ الْمَأْمُومِ عَقِبَ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ وَلَا يَتَأَخَّرُ فَلَوْ تَأَخَّرَ جَازَ وَفَاتَهُ كَمَالُ فَضِيلَةِ تَعْجِيلِ التَّكْبِيرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا قَالَ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ) فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ أَنَّ تَأْمِينَ الْمَأْمُومِ يَكُونُ مَعَ تَأْمِينِ الْإِمَامِ لَا بَعْدَهُ فَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ مَعًا آمِينَ وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا قَالُوا مَعْنَاهُ إِذَا أَرَادَ التَّأْمِينَ لِيَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ يُرِيدُ التَّأْمِينَ فِي آخِرِ قَوْلِهِ وَلَا الضَّالِّينَ فَيَعْقُبُ إِرَادَتَهُ تَأْمِينَهُ وَتَأْمِينَكُمْ مَعًا وَفِي آمِينَ لُغَتَانِ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ وَالْمَدُّ أَفْصَحُ وَالْمِيمُ خَفِيفَةٌ فِيهِمَا وَمَعْنَاهُ اسْتَجِبْ وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَمَامُ الْكَلَامِ فِي التَّأْمِينِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي بَابِهِ حَيْثُ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقُولُوا آمِينَ يُجِبْكُمُ اللَّهُ) هُوَ بِالْجِيمِ أَيْ يَسْتَجِبْ دُعَاكُمْ وَهَذَا حَثٌّ عَظِيمٌ عَلَى التَّأْمِينِ فَيَتَأَكَّدُ الِاهْتِمَامُ بِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا كَبَّرَ وَرَكَعَ فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا فَإِنَّ الْإِمَامَ يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ فَقَالَ رَسُولُ

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتِلْكَ بِتِلْكَ) مَعْنَاهُ اجْعَلُوا تَكْبِيرَكُمْ لِلرُّكُوعِ وَرُكُوعَكُمْ بَعْدَ تَكْبِيرِهِ وَرُكُوعِهِ وَكَذَلِكَ رَفْعَكُمْ مِنَ الرُّكُوعِ يَكُونُ بَعْدَ رَفْعِهِ وَمَعْنَى تِلْكَ بِتِلْكَ أَنَّ اللَّحْظَةَ الَّتِي سَبَقَكُمُ الْإِمَامُ بِهَا فِي تَقَدُّمِهِ إِلَى الرُّكُوعِ تَنْجَبِرُ لَكُمْ بِتَأْخِيرِكُمْ فِي الرُّكُوعِ بَعْدَ رَفْعِهِ لَحْظَةً فَتِلْكَ اللَّحْظَةُ بِتِلْكَ اللَّحْظَةِ وَصَارَ قَدْرَ رُكُوعِكُمْ كَقَدْرِ رُكُوعِهِ وَقَالَ مِثْلَهُ فِي السُّجُودِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ يَسْمَعُ اللَّهُ لَكُمْ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ الْجَهْرُ بِقَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَحِينَئِذٍ يسمعونه فيقولون وفيه دَلَالَةٍ لِمَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ لَا يَزِيدُ الْمَأْمُومُ عَلَى قَوْلِهِ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَلَا يَقُولُ مَعَهُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْكَلَامِ فيه في بابه إنشاء اللَّهُ تَعَالَى وَمَعْنَى سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ أَيْ أَجَابَ دُعَاءَ مَنْ حَمِدَهُ وَمَعْنَى يَسْمَعُ اللَّهُ لَكُمْ يَسْتَجِبْ دُعَاءَكُمْ قَوْلُهُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ هَكَذَا هُوَ هُنَا بِلَا وَاوٍ وَفِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ وَبِحَذْفِهَا وَكِلَاهُمَا جَاءَتْ بِهِ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ وَأَنَّ الْأَمْرَيْنِ جَائِزَانِ وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اخْتِلَافًا عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرِهِ فِي الْأَرْجَحِ مِنْهُمَا وَعَلَى إِثْبَاتِ الواو يكون قوله ربنا متعلقابما قَبْلَهُ تَقْدِيرُهُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ يَا رَبَّنَا فَاسْتَجِبْ حَمْدَنَا وَدُعَاءَنَا وَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى هدايتنا لذلك قوله (وإذا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِ أَحَدِكُمُ التَّحِيَّاتُ) اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ بِهَذَا عَلَى أَنَّهُ يَقُولُ فِي أَوَّلِ جُلُوسِهِ التَّحِيَّاتُ وَلَا يَقُولُ

بِسْمِ اللَّهِ وَلَيْسَ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِوَاضِحٍ لِأَنَّهُ قَالَ فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلَ وَلَمْ يَقُلْ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ قَتَادَةَ مِنَ الزِّيَادَةِ وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا) هَكَذَا (قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ قال أبو بكر بن أُخْتِ أَبِي النَّضْرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ مُسْلِمٌ تُرِيدُ أَحْفَظَ مِنْ سُلَيْمَانَ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ يَعْنِي وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا فَقَالَ هُوَ عندي صحيح فقال لم لم تضعه ها هنا قَالَ لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدِي صَحِيحٌ وَضَعْتُهُ ها هنا إنما وضعت ها هنا مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ) فَقَوْلُهُ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ صَاحِبُ مُسْلِمٍ رَاوِي الْكِتَابِ عَنْهُ وَقَوْلُهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي طَعَنَ فِيهِ وَقَدَحَ فِي صِحَّتِهِ فَقَالَ لَهُ مُسْلِمٌ أَتُرِيدُ أَحْفَظَ مِنْ سُلَيْمَانَ يَعْنِيَ أَنَّ سُلَيْمَانَ كَامِلُ الْحِفْظِ وَالضَّبْطِ فَلَا تَضُرُّ مُخَالَفَةُ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ فقال

(باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد)

أَبُو بَكْرٍ فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ هُوَ صَحِيحٌ يَعْنِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِمَ لَمْ تضعه ها هنا فِي صَحِيحِكَ فَقَالَ مُسْلِمٌ لَيْسَ هَذَا مُجْمَعًا عَلَى صِحَّتِهِ وَلَكِنْ هُوَ صَحِيحٌ عِنْدِي وَلَيْسَ كُلُّ صَحِيحٍ عِنْدِي وَضَعْتُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ إِنَّمَا وَضَعْتُ فِيهِ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ ثُمَّ قَدْ يُنْكِرُ هَذَا الْكَلَامَ وَيُقَالُ قَدْ وَضَعَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً غَيْرَ مُجْمَعٍ عَلَيْهَا وَجَوَابُهُ أَنَّهَا عِنْدَ مُسْلِمٍ بِصِفَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ هَذَا السُّؤَالَ وَجَوَابَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا مِمَّا اخْتَلَفَ الْحَافِظُ فِي صِحَّتِهِ فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَالْحَافِظِ أَبِي عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيِّ شَيْخِ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ قَدْ خَالَفَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ فِيهَا جَمِيعَ أَصْحَابِ قَتَادَةَ وَاجْتِمَاعُ هَؤُلَاءِ الْحُفَّاظِ عَلَى تَضْعِيفِهَا مُقَدَّمٌ عَلَى تَصْحِيحِ مُسْلِمٍ لَا سِيَّمَا وَلَمْ يَرْوِهَا مُسْنَدَةً فِي صَحِيحِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ) اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عَقِبَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فِي الصَّلَاةِ فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَالْجَمَاهِيرُ إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ لَوْ تُرِكَتْ صَحَّتِ الصَّلَاةُ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لَوْ تُرِكَتْ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ عَبْدِ الله رضي الله عنهما وهو قول الشَّعْبِيُّ وَقَدْ نَسَبَ جَمَاعَةٌ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا إِلَى مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُمْ فَإِنَّهُ مَذْهَبُ الشَّعْبِيِّ كَمَا ذَكَرْنَا وَقَدْ رَوَاهُ عَنِ الْبَيْهَقِيِّ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ لِوُجُوبِهَا خَفَاءٌ وَأَصْحَابُنَا يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَذْكُورِ هُنَا أَنَّهُمْ قَالُوا كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ قولوا اللهم صلي عَلَى مُحَمَّدٍ إِلَى

آخِرِهِ قَالُوا وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يَظْهَرُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ إِلَّا إِذَا ضُمَّ إِلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ إِذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْكَ فِي صَلَاتِنَا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ إِلَى آخِرِهِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ صَحِيحَةٌ رَوَاهَا الْإِمَامَانِ الْحَافِظَانِ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْبُسْتِيُّ وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي صَحِيحَيْهِمَا قَالَ الْحَاكِمُ هِيَ زِيَادَةٌ صَحِيحَةٌ وَاحْتَجَّ لَهَا أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَيْضًا فِي صَحِيحَيْهِمَا بِمَا رَوَيَاهُ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ وَلَمْ يُمَجِّدْهُ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجَّلَ هَذَا ثُمَّ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِحَمْدِ رَبِّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلْيَدْعُ مَا شَاءَ قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ وَإِنْ اشْتَمَلَا عَلَى مَا لَا يَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ كَالصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ وَالذُّرِّيَّةِ وَالدُّعَاءِ فَلَا يَمْتَنِعُ الِاحْتِجَاجُ بِهِمَا فَإِنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ فَإِذَا خَرَجَ بَعْضُ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْأَمْرُ عَنِ الْوُجُوبِ بِدَلِيلٍ بَقِيَ الْبَاقِي عَلَى الْوُجُوبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالْوَاجِبُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ سُنَّةٌ وَلَنَا وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي آلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَقْوَالٍ أَظْهَرُهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَزْهَرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُمْ جَمِيعُ الْأُمَّةِ وَالثَّانِي بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ وَالثَّالِثُ أَهْلُ بَيْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذُرِّيَّتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَسَبَبُ تَسْمِيَتِهِ الْمُجْمِرَ وَأَنَّهُ صِفَةٌ لِنُعَيْمٍ أَوْ لِأَبِيهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوُضُوءِ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ) هُوَ الْبَدْرِيُّ وَاسْمُهُ عُقْبَةُ بْنُ عُمَرَ وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْمُقَدِّمَةِ وَفِي غَيْرِهِ قَوْلُهُ (أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ) مَعْنَاهُ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى صلوا عليه وسلموا تسليما فَكَيْفَ نَلْفِظُ بِالصَّلَاةِ وَفِي هَذَا أَنَّ مَنْ أَمَرَ بِشَيْءٍ لَا يُفْهَمُ مُرَادُهُ يُسْأَلُ عَنْهُ لِيَعْلَمَ مَا يَأْتِي بِهِ قَالَ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُمْ عَنْ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ

فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ قُلْتُ وَهَذَا ظَاهِرُ اخْتِيَارِ مُسْلِمٍ وَلِهَذَا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَوْلُهُ (فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ) مَعْنَاهُ كَرِهْنَا سُؤَالَهُ مَخَافَةً مِنْ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ سُؤَالَهُ وَشَقَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ) مَعْنَاهُ قَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيَّ فَأَمَّا الصَّلَاةُ فَهَذِهِ صِفَتُهَا وَأَمَّا السَّلَامُ فَكَمَا عَلِمْتُمْ فِي التَّشَهُّدِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهُ وَبَرَكَاتُهُ وَقَوْلُهُ عَلِمْتُمْ هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْمُخَفَّفَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ رواه بضم العين وتشديد اللام أي علمتكموه وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى الْبَرَكَةِ هُنَا الزِّيَادَةُ مِنَ الْخَيْرِ وَالْكَرَامَةِ وَقِيلَ هُوَ بِمَعْنَى التَّطْهِيرِ وَالتَّزْكِيَةِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحِكْمَةِ فِي قَوْلِهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ مَعَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ أَنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَلِأَهْلِ بَيْتِهِ لِيُتِمَّ النِّعْمَةَ عَلَيْهِمْ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِهِ وَقِيلَ بَلْ سَأَلَ ذَلِكَ لِأُمَّتِهِ وَقِيلَ بَلْ لِيَبْقَى ذَلِكَ لَهُ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيَجْعَلَ لَهُ بِهِ لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ كَإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ سَأَلَ صَلَاةً يَتَّخِذُهُ بِهَا خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالْمُخْتَارُ فِي ذَلِكَ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدِهَا حَكَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَعْنَاهُ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَتَمَّ الْكَلَامُ هُنَا ثُمَّ اسْتَأْنَفَ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ أَيْ وَصَلِّ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ

عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ فَالْمَسْئُولُ لَهُ مِثْلُ إِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ هُمْ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَفْسُهُ الْقَوْلُ الثَّانِي مَعْنَاهُ اجْعَلْ لِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلَاةً مِنْكَ كَمَا جَعَلَتْهَا لِإِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ فَالْمَسْئُولُ الْمُشَارَكَةُ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ لَا قَدْرِهَا الْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرهِ وَالْمُرَادُ اجْعَلْ لِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلَاةً بِمِقْدَارِ الصَّلَاةِ الَّتِي لِإِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ وَالْمَسْئُولُ مُقَابَلَةُ الْجُمْلَةِ فَإِنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْآلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُمْ جَمِيعُ الْأَتْبَاعِ وَيَدْخُلُ فِي آلِ إِبْرَاهِيمَ خَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا يَدْخُلُ فِي آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيٌّ فَطَلَبَ إِلْحَاقَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الَّتِي فِيهَا نَبِيٌّ وَاحِدٌ بِتِلْكَ الْجُمْلَةِ الَّتِي فِيهَا خَلَائِقُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَلَمْ يَجِئْ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ذِكْرُ الرَّحْمَةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْغَرِيبَةِ قَالَ وَاخْتَلَفَ شُيُوخُنَا فِي جَوَازِ الدُّعَاءِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّحْمَةِ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى أَنَّهُ يُقَالُ وَأَجَازَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ وَحُجَّةُ الْأَكْثَرِينَ تَعْلِيمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الرَّحْمَةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ الرَّحْمَةَ وَقَوْلُهُ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ قِيلَ البركة هنا الزيادة من الخير والكرامة وقيل الثَّبَاتُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ بَرَكَتِ الْإِبِلُ أَيْ ثَبَتَتْ عَلَى الْأَرْضِ وَمِنْهُ بَرَكَةُ الْمَاءِ وَقِيلَ التَّزْكِيَةُ وَالتَّطْهِيرُ مِنَ الْعُيُوبِ كُلِّهَا وَقَوْلُهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ

وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ احْتَجَّ بِهِ مَنْ أَجَازَ الصَّلَاةَ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَكْثَرُونَ لَا يُصَلِّي عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ اسْتِقْلَالًا فَلَا يُقَالُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ أَوْ عَلِيٍّ أَوْ غَيْرِهِمْ وَلَكِنْ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ تَبَعًا فَيُقَالُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ وَقَالَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ يُصَلَّى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مُسْتَقِلًّا وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى وَكَانَ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ صَلَّى عَلَيْهِمْ قَالُوا وَهُوَ مُوَافِقُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الذي يصلي عليكم وملائكته وَاحْتَجَّ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مَأْخُوذٌ مِنَ التَّوْقِيفِ وَاسْتِعْمَالِ السَّلَفِ وَلَمْ يُنْقَلِ اسْتِعْمَالُهُمْ ذَلِكَ بَلْ خَصُّوا بِهِ الْأَنْبِيَاءَ كَمَا خَصُّوا اللَّهَ تَعَالَى بِالتَّقْدِيسِ وَالتَّسْبِيحِ فَيُقَالُ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ وَتَبَارَكَ وَتَعَالَى وَنَحْوُ ذَلِكَ وَلَا يُقَالُ قَالَ النَّبِيُّ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ كَانَ عَزِيزًا جَلِيلًا وَلَا نَحْوُ ذَلِكَ وَأَجَابُوا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عزَّ وَجَلَّ هو الذي يصلي عليكم وملائكته وَعَنِ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ مَا كَانَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ فَهُوَ دُعَاءٌ وَتَرَحُّمٌ وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى التَّعْظِيمِ وَالتَّوْقِيرِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ غَيْرِهِمَا وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ وَالْأَزْوَاجِ وَالذُّرِّيَّةِ فَإِنَّمَا جَاءَ عَلَى التَّبَعِ لَا عَلَى الِاسْتِقْلَالِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يُقَالُ تَبَعًا لِأَنَّ التَّابِعَ

(باب التسميع والتحميد والتأمين)

يُحْتَمَلُ فِيهِ مَا لَا يُحْتَمَلُ اسْتِقْلَالًا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ هَلْ يُقَالُ هُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ هُوَ مُجَرَّدُ تَرْكِ أَدَبٍ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالسَّلَامُ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَرَنَ بَيْنَهُمَا فَلَا يُفْرَدُ بِهِ غَائِبٌ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءَ فَلَا يُقَالُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ خِطَابًا لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ فَيُقَالُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا) قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ رَحْمَتُهُ وَتَضْعِيفُ أَجْرِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ جاء بالحسنة فله عشرة امثالها قَالَ وَقَدْ يَكُونُ الصَّلَاةُ عَلَى وَجْهِهَا وَظَاهِرِهَا تَشْرِيفًا لَهُ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ (باب التَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّأْمِينِ) فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قول الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ (إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ من

وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ (إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ وَالْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ آمِينَ فَوَافَقَتِ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ (إِذَا قَالَ الْقَارِئُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَقَالَ مَنْ خَلْفَهُ آمِينَ فَوَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) وَسَبَقَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى فِي بَابِ التَّشَهُّدِ إِذَا قَالَ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ فِي هَذِهِ

باب ائتمام المأموم بالإمام

الْأَحَادِيثِ اسْتِحْبَابُ التَّأْمِينِ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَأْمِينُ الْمَأْمُومِ مَعَ تَأْمِينِ الْإِمَامِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ لقوله صلى الله عليه وسلم وإذا قال وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ وَأَمَّا رِوَايَةُ إِذَا أَمَّنَ فَأَمِّنُوا فَمَعْنَاهَا إِذَا أَرَادَ التَّأْمِينَ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ هَذَا قَرِيبًا فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى فِي بَابِ التَّشَهُّدِ وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ الْجَهْرُ بِالتَّأْمِينِ وَكَذَا لِلْمَأْمُومِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَقَدِ اجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يُؤَمِّنُ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْجُمْهُورُ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي رِوَايَةٍ لَا يُؤَمِّنُ الْإِمَامُ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْكُوفِيُّونَ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ لَا يَجْهَرُ بِالتَّأْمِينِ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ يَجْهَرُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ وَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ مَعْنَاهُ وَافَقَهُمْ فِي وَقْتِ التَّأْمِينِ فَأَمَّنَ مَعَ تَأْمِينِهِمْ فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالصَّوَابُ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ قَوْلًا أَنَّ مَعْنَاهُ وَافَقَهُمْ فِي الصِّفَةِ وَالْخُشُوعِ وَالْإِخْلَاصِ وَاخْتَلَفُوا فِي هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةِ فَقِيلَ هُمُ الْحَفَظَةُ وَقِيلَ غَيْرُهُمْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إِذَا قَالَهَا الْحَاضِرُونَ مِنَ الْحَفَظَةِ قَالَهَا مَنْ فَوْقَهُمْ حَتَّى ينتهي إلى أهل السماء وقول بن شِهَابٍ (وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ آمِينَ) مَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ صِيغَةُ تَأْمِينِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا وَرَدَ لِقَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَاهُ إِذَا دَعَا الْإِمَامُ بِقَوْلِهِ اهْدِنَا الصِّرَاطَ إِلَى آخِرِهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّ التَّأْمِينَ لَا يَكُونُ إلا عقبها والله أعلم (باب ائتمام المأموم بالإمام) فِيهِ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (سَقَطَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ فَدَخَلْنَا

عَلَيْهِ نَعُودُهُ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ) وَفِي رِوَايَةٍ (فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا) وَفِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها

(صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا بِصَلَاتِهِ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا فَجَلَسُوا) وَذَكَرَ أَحَادِيثَ أُخَرَ بِمَعْنَاهُ قَوْلُهُ جُحِشَ هُوَ بِجِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ أَيْ خُدِشَ وَقَوْلُهُ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بهم صلاة مكتوبة وفيه جَوَازِ الْإِشَارَةِ وَالْعَمَلِ الْقَلِيلِ فِي الصَّلَاةِ لِلْحَاجَةِ وفيه مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فِي الْأَفْعَالِ وَالتَّكْبِيرِ وَقَوْلُهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ كَذَا وَقَعَ هُنَا وَلَكَ الْحَمْدُ بِالْوَاوِ وَفِي رِوَايَاتٍ بِحَذْفِهَا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْأَمْرَانِ وَفِيهِ وُجُوبُ مُتَابَعَةِ الْمَأْمُومِ لِإِمَامِهِ فِي التَّكْبِيرِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَنَّهُ يَفْعَلُهَا بَعْدَ الْمَأْمُومِ فَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْهَا فَإِنْ شَرَعَ فِيهَا قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْهَا لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ وَيَرْكَعُ بَعْدَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ وَقَبْلَ رَفْعِهِ مِنْهُ فَإِنْ قَارَنَهُ أَوْ سَبَقَهُ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَكِنْ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَكَذَا السُّجُودُ وَيُسَلِّمُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنَ السَّلَامِ فَإِنْ سَلَّمَ قَبْلَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُفَارَقَةَ فَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَإِنْ سَلَّمَ مَعَهُ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ تَبْطُلُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِظَاهِرِهِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي رِوَايَةٍ لَا يَجُوزُ صَلَاةُ الْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ خَلْفَ الْقَاعِدِ لَا قَائِمًا وَلَا قَاعِدًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ لِلْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ الْقَاعِدِ إِلَّا قَائِمًا وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِ وَفَاتِهِ بَعْدَ هَذَا قَاعِدًا وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ زَعَمَ أَنَّ أبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ هُوَ الْإِمَامُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْتَدٍ بِهِ لَكِنِ الصَّوَابُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ هُوَ الْإِمَامُ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا الْبَابِ صَرِيحًا أَوْ كَالصَّرِيحِ فَقَالَ فِي رِوَايَتهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ

فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي بِالنَّاسِ جَالِسًا وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَمَعْنَاهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ خلف النفل وعكسه والظهر خلف العصر وعكسه وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَآخَرُونَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَقَالُوا مَعْنَى الْحَدِيثِ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فِي الْأَفْعَالِ وَالنِّيَّاتِ وَدَلِيلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ بِبَطْنِ نَخْلٍ صَلَاةَ الْخَوْفِ مَرَّتَيْنِ بِكُلِّ فِرْقَةٍ مَرَّةً فَصَلَاتُهُ الثَّانِيَةُ وَقَعَتْ لَهُ نَفْلًا وَلِلْمُقْتَدِينَ فَرْضًا وَأَيْضًا حَدِيثُ مُعَاذٍ كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّيهَا بِهِمْ هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ ولهم مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِائْتِمَامَ إِنَّمَا يَجِبُ فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (ائْتَمُّوا بَأَئِمَّتِكُمْ إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا) واللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ) أَيْ سَاتِرٌ

(باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر

لِمَنْ خَلْفَهُ وَمَانِعٌ مِنْ خَلَلٍ يَعْرِضُ لِصَلَاتِهِمْ بِسَهْوٍ أَوْ مُرُورٍ أَيْ كَالْجُنَّةِ وَهِيَ التُّرْسُ الَّذِي يَسْتُرُ مَنْ وَرَاءَهُ وَيَمْنَعُ وُصُولَ مَكْرُوهٍ إِلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنْ كِدْتُمْ تَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسٍ وَالرُّومِ يَقُومُونَ عَلَى ملوكهم وهو قُعُودٌ فَلَا تَفْعَلُوا) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ قِيَامِ الْغِلْمَانِ وَالتُّبَّاعِ عَلَى رَأْسِ مَتْبُوعِهِمِ الْجَالِسِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَأَمَّا الْقِيَامُ لِلدَّاخِلِ إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْخَيْرِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا بَلْ هُوَ جَائِزٌ قَدْ جَاءَتْ بِهِ أَحَادِيثُ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ وَقَدْ جُمِعَتْ دَلَائِلُهُ وَمَا يَرُدُّ عَلَيْهِ فِي جُزْءٍ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ (بَابُ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ إِذَا عَرَضَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ وَسَفَرٍ وَغَيْرِهِمَا) مَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَأَنَّ مَنْ صَلَّى خَلْفَ إِمَامٍ جَالِسٍ لِعَجْزِهِ عَنِ الْقِيَامِ لَزِمَهُ الْقِيَامُ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَنَسَخِ الْقُعُودِ خَلْفَ الْقَاعِدِ فِي حَقِّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فِيهِ حَدِيثُ اسْتِخْلَافِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي آخِرِ الْبَابِ

السَّابِقِ دَلِيلَ مَا ذَكَرْتُهُ فِي التَّرْجَمَةِ قَوْلُهَا (الْمِخْضَبُ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَبِخَاءٍ وَضَادٍ مُعْجَمَتَيْنِ وَهُوَ إِنَاءٌ نَحْوَ الْمِرْكَنِ الَّذِي يُغْسَلُ فِيهِ قَوْلُهُ (ذَهَبَ لِيَنُوءَ) أَيْ يَقُومُ وَيَنْهَضُ وَقَوْلُهُ (فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ) دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْإِغْمَاءِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ فَإِنَّهُ مَرَضٌ وَالْمَرَضُ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْجُنُونِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ نَقْصٌ وَالْحِكْمَةُ فِي جَوَازِ الْمَرَضِ عَلَيْهِمْ وَمَصَائِبِ الدُّنْيَا تَكْثِيرُ أَجْرِهِمْ وَتَسْلِيَةُ النَّاسِ بِهِمْ وَلِئَلَّا يَفْتَتِنَ النَّاسُ بِهِمْ وَيَعْبُدُوهُمْ لِمَا يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَالَ أَصَلَّى النَّاسُ فَقِيلَ لَا وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَأَخَّرَ الْإِمَامُ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَرُجِيَ مَجِيئُهُ عَلَى قُرْبٍ يَنْتَظِرُ وَلَا يَتَقَدَّمُ غَيْرُهُ وَسَنَبْسُطُ الْمَسْأَلَةَ فِي الْبَابِ بَعْدَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهَا (قَالَ ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ) دَلِيلُ الِاسْتِحْبَابِ بِالْغُسْلِ مِنَ الْإِغْمَاءِ وَإِذَا تَكَرَّرَ الْإِغْمَاءُ اسْتُحِبَّ تَكَرُّرُ الْغَسْلِ لِكُلِّ مَرَّةٍ فَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ إِلَّا بَعْدَ الْإِغْمَاءِ مَرَّاتٍ كَفَى غَسْلٌ وَاحِدٌ وَقَدْ حَمَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْغَسْلَ هُنَا عَلَى الْوُضُوءِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْإِغْمَاءَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَكِنَّ الصَّوَابَ أَنَّ الْمُرَادَ غَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ فَإِنَّهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُ مِنْهُ فَإِنَّ الْغَسْلَ مُسْتَحَبٌّ مِنَ الْإِغْمَاءِ بَلْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِنَّهُ وَاجِبٌ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (وَالنَّاسُ عُكُوفٌ) أَيْ مُجْتَمِعُونَ مُنْتَظِرُونَ لِخُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْلُ الِاعْتِكَافِ اللُّزُومُ وَالْحَبْسُ

قَوْلُهَا (لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ) دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ الْإِنْسَانِ الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ وَقَدْ أَنْكَرَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَالصَّوَابُ جَوَازُهُ فَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَائِشَةَ وَأَنَسٍ وَالْبَرَاءِ وَجَمَاعَةٍ آخَرِينَ إِطْلَاقُ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَقَدْ بَسَطْتُ الْقَوْلَ فِيهِ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ قَوْلُهَا (فَأَرْسَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ) فِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا فَضِيلَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَرْجِيحُهُ عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ رضوانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَتَفْضِيلُهُ وَتَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِخِلَافَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِهِ وَمِنْهَا أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا عَرَضَ لَهُ عُذْرٌ عَنْ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ اسْتَخْلَفَ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَخْلِفُ إِلَّا أَفْضَلَهُمْ وَمِنْهَا فَضِيلَةُ عُمَرَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَعْدِلْ إِلَى غَيْرِهِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمَفْضُولَ إِذَا عَرَضَ عَلَيْهِ الْفَاضِلُ مَرْتَبَةً لَا يَقْبَلُهَا بَلْ يَدَعُهَا لِلْفَاضِلِ إِذَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ وَمِنْهَا جَوَازُ الثَّنَاءِ فِي الْوَجْهِ لِمَنْ أَمِنَ عَلَيْهِ الْإِعْجَابُ وَالْفِتْنَةُ لِقَوْلِهِ أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَلِّ بِالنَّاسِ فَقَالَهُ لِلْعُذْرِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَنَّهُ رَجُلٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ كَثِيرُ الْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ وَقَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ تَوَاضُعًا وَالْمُخْتَارُ مَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُهَا (فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أحدهما العباس) وفسر بن عباس

الْآخَرَ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَفِي الطَّرِيقِ الْآخَرِ (فَخَرَجَ وَيَدٌ لَهُ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ عباس ويدله عَلَى رَجُلٍ آخَرَ) وَجَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَنَاوَبُونَ الْأَخْذَ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تارة هذا وتارة ذاك وذاك وَيَتَنَافَسُونَ فِي ذَلِكَ وَهَؤُلَاءِ هُمْ خَوَاصُّ أَهْلِ بَيْتِهِ الرِّجَالُ الْكِبَارُ وَكَانَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرَهُمْ مُلَازَمَةً لِلْأَخْذِ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ الْمُبَارَكَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أنَّهُ أَدَامَ الْأَخْذَ بِيَدِهِ وَإِنَّمَا يَتَنَاوَبُ الْبَاقُونَ فِي الْيَدِ الْأُخْرَى وَأَكْرَمُوا الْعَبَّاسَ بِاخْتِصَاصِهِ بِيَدٍ وَاسْتِمْرَارِهَا لَهُ لِمَا لَهُ مِنَ السِّنِّ وَالْعُمُومَةِ وَغَيْرِهِمَا وَلِهَذَا ذَكَرَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مُسَمًّى وَأَبْهَمَتِ الرَّجُلَ الْآخَرَ إِذْ لَمْ يَكُنْ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ مُلَازِمًا فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ وَلَا مُعْظَمِهِ بِخِلَافِ الْعَبَّاسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَجْلَسَانِي إِلَى جَنْبِهِ فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِهِ) فِيهِ جَوَازُ وُقُوفِ مَأْمُومٍ وَاحِدٍ بِجَنْبِ الإمام لحاجة أو مصلحة كإسماع المأموضنين وَضِيقِ الْمَكَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَوْلُهُ (هَاتِ) هُوَ بِكَسْرِ التَّاءِ قَوْلُهُ (اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِهَا) يَعْنِي بَيْتَ عَائِشَةَ وَهَذَا يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ كَانَ الْقَسْمُ

وَاجِبًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ فِي الدَّوَامِ كَمَا يَجِبُ فِي حَقِّنَا وَلِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي سُنَّةٌ وَيَحْمِلُونَ هَذَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَجَمِيلِ الْعِشْرَةِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَرُجْحَانُهَا عَلَى جَمِيعِ أَزْوَاجِهِ الْمَوْجُودَاتِ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَكُنَّ تِسْعًا إِحْدَاهُنَّ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي عَائِشَةَ وَخَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَوْلُهُ يَخُطُّ بِرِجْلَيْهِ فِي الأرض أي

لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرْفَعَهُمَا وَيَضَعَهُمَا وَيَعْتَمِدَ عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ) أَيْ فِي التَّظَاهُرِ عَلَى مَا تُرِدْنَ وَكَثْرَةِ إِلْحَاحِكُنَّ فِي طَلَبِ مَا تُرِدْنَهُ وَتَمِلْنَ إِلَيْهِ وَفِي مُرَاجَعَةِ عَائِشَةَ جَوَازِ مُرَاجَعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ عَلَى سَبِيلِ الْعَرْضِ وَالْمُشَاوَرَةِ وَالْإِشَارَةِ بِمَا يَظْهَرُ أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ وَتَكُونُ تِلْكَ الْمُرَاجَعَةُ بِعِبَارَةٍ لَطِيفَةٍ وَمِثْلُ هَذِهِ الْمُرَاجَعَةِ مُرَاجَعَةُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا وَأَشْبَاهُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ قَوْلُهَا (لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاسْتِدْعَاءِ الْأَئِمَّةِ لِلصَّلَاةِ قَوْلُهَا (رَجُلٌ أَسِيفٌ

أَيْ حَزِينٌ وَقِيلَ سَرِيعُ الْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا الْأَسْوَفُ قَوْلُهَا (يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ

أَيْ يَمْشِي بَيْنَهُمَا مُتَّكِئًا عَلَيْهِمَا يَتَمَايَلُ إِلَيْهِمَا قَوْلُهُ (كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةَ مُصْحَفٍ) عِبَارَةٌ عَنِ الْجَمَالِ الْبَارِعِ وَحُسْنِ الْبَشَرَةِ وَصَفَاءِ الْوَجْهِ وَاسْتِنَارَتِهِ وَفِي الْمُصْحَفِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ ضَمُّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا قَوْلُهُ (ثُمَّ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا) سَبَبُ تَبَسُّمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَحُهُ بِمَا رَأَى مِنِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الصَّلَاةِ وَاتِّبَاعِهِمْ لِإِمَامِهِمْ وَإِقَامَتِهِمْ شَرِيعَتَهُ وَاتِّفَاقِ كَلِمَتِهِمْ وَاجْتِمَاعِ قُلُوبِهِمْ وَلِهَذَا اسْتَنَارَ وَجْهُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَادَتِهِ إِذَا رَأَى أَوْ سَمِعَ مَا يَسُرُّهُ يَسْتَنِيرُ وَجْهُهُ وَفِيهِ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ تَأْنِيسُهُمْ وَإِعْلَامُهُمْ بِتَمَاثُلِ حَالِهِ فِي مَرَضِهِ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لِيُصَلِّيَ بِهِمْ فَرَأَى مِنْ نَفْسِهِ ضَعْفًا فَرَجَعَ قَوْلُهُ

(وَنَكَصَ) أَيْ رَجَعَ إِلَى وَرَائِهِ قَهْقَرَى قَوْلُهُ (حدثنا محمد بن المثنى وهرون قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ قَوْلُهُ (وَضَحَ لَنَا وَجْهُهُ) أَيْ بَانَ وَظَهَرَ

(باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام)

قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عن أبي موسى) هذا الإسناد كله كوقيون قَوْلُهَا (وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ التَّكْبِيرَ) فِيهِ جَوَازُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ لِيَسْمَعَهُ النَّاسُ وَيَتَّبِعُوهُ وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُقْتَدِي اتِّبَاعُ صَوْتِ الْمُكَبِّرِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَنَقَلُوا فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَمَا أَرَاهُ يَصِحُّ الْإِجْمَاعُ فِيهِ فَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَذْهَبِهِمْ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَبْطَلَ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُبْطِلْهَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي الْإِسْمَاعِ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْطَلَ صَلَاةَ الْمِسْمَعِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَهَا وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ إِذْنَ الْإِمَامِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنْ تَكَلَّفَ صَوْتًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنِ ارْتَبَطَ بِصَلَاتِهِ وَكُلُّ هَذَا ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ جَوَازُ كُلِّ ذَلِكَ وَصِحَّةُ صَلَاةِ الْمُسْمِعِ وَالسَّامِعِ وَلَا يُعْتَبَرُ إِذْنُ الْإِمَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب تَقْدِيمِ الْجَمَاعَةِ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ إِذَا تَأَخَّرَ الْإِمَامُ) وَلَمْ يَخَافُوا مَفْسَدَةً بِالتَّقْدِيمِ فِيهِ حَدِيثُ تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَدِيثُ تَقَدُّمِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ فَضْلُ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ وَمَشْيِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الْإِمَامَ إِذَا تَأَخَّرَ عَنِ الصَّلَاةِ تَقَدَّمَ

غيره إذا لم يخف فتنة وإنكار مِنَ الْإِمَامِ وَفِيهِ أَنَّ الْمُقَدَّمَ نِيَابَةً عَنِ الْإِمَامِ يَكُونُ أَفْضَلَ الْقَوْمِ وَأَصْلَحَهُمْ لِذَلِكَ الْأَمْرِ وَأَقْوَمَهُمْ بِهِ وَفِيهِ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ وَغَيْرَهُ يَعْرِضُ التقدم على الفاضل وأن الفاضل يوافقه وفيه أَنَّ الْفِعْلَ الْقَلِيلَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ لِقَوْلِهِ صَفَّقَ النَّاسُ وَفِيهِ جَوَازُ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ لِلْحَاجَةِ وَاسْتِحْبَابُ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى لِمَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ بِالدُّعَاءِ وَفِعْلُ ذَلِكَ الْحَمْدِ وَالدُّعَاءُ عَقِبَ النِّعْمَةِ وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ وَفِيهِ جَوَازُ مَشْيِ الْخُطْوَةِ وَالْخُطْوَتَيْنِ فِي الصلاة وفيه أن هذا الْقَدْرَ لَا يُكْرَهُ إِذَا كَانَ لِحَاجَةٍ وَفِيهِ جَوَازُ اسْتِخْلَافِ الْمُصَلِّي بِالْقَوْمِ مَنْ يُتِمُّ الصَّلَاةَ لَهُمْ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا وَفِيهِ أَنَّ التَّابِعَ إِذَا أَمَرَهُ الْمَتْبُوعُ بِشَيْءٍ وَفَهِمَ مِنْهُ إِكْرَامَهُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ لَا تَحَتُّمُ الْفِعْلُ فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ وَلَا يَكُونُ هَذَا مُخَالَفَةً لِلْأَمْرِ بَلْ يَكُونُ أَدَبًا وَتَوَاضُعًا وَتَحَذُّقًا فِي فَهْمِ الْمَقَاصِدِ وَفِيهِ مُلَازَمَةُ الْأَدَبِ مَعَ الْكِبَارِ وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ لِمَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ كَإِعْلَامِ مَنْ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ وَتَنْبِيهِ الْإِمَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَنْ يُسَبِّحَ إِنْ كَانَ رَجُلًا فَيَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَأَنْ تُصَفِّقَ وَهُوَ التَّصْفِيحُ إِنْ كَانَ امْرَأَةً فَتَضْرِبُ بَطْنَ كَفِّهَا الْأَيْمَنِ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهَا الْأَيْسَرِ

وَلَا تَضْرِبُ بَطْنَ كَفٍّ عَلَى بَطْنِ كَفٍّ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ فَإِنْ فَعَلَتْ هَكَذَا عَلَى جِهَةِ اللَّعِبِ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا لِمُنَافَاتِهِ الصَّلَاةَ وَفِيهِ فَضَائِلُ كَثِيرَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَقْدِيمُ الْجَمَاعَةِ لَهُ وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى فَضْلِهِ عَلَيْهِمْ وَرُجْحَانِهِ وَفِيهِ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَفِيهِ أَنَّ الْإِقَامَةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا عِنْدَ إِرَادَةِ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ أَتُصَلِّي فَأُقِيمُ وَفِيهِ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ هُوَ الَّذِي يُقِيمُ الصَّلَاةَ فَهَذَا هُوَ السُّنَّةُ وَلَوْ أَقَامَ غَيْرُهُ كَانَ خِلَافَ السُّنَّةِ وَلَكِنْ يُعْتَدُّ بِإِقَامَتِهِ عِنْدَنَا وعند جمهور العلماء وفيه جَوَازِ خَرْقِ الْإِمَامِ الصُّفُوفَ لِيَصِلَ إِلَى مَوْضِعِهِ إِذَا احْتَاجَ إِلَى خَرْقِهَا لِخُرُوجِهِ لِطَهَارَةٍ أَوْ رُعَافٍ أَوْ نَحْوِهِمَا وَرُجُوعِهِ وَكَذَا مَنِ احْتَاجَ إِلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْمَأْمُومِينَ لِعُذْرٍ وَكَذَا لَهُ خَرْقُهَا فِي الدُّخُولِ إِذَا رَأَى قُدَّامَهُمْ فُرْجَةً فَإِنَّهُمْ مُقَصِّرُونَ بِتَرْكِهَا وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُصَلِّي بِمَنْ يَحْرُمُ بِالصَّلَاةِ بَعْدَهُ فَإِنَّ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ أَوَّلًا ثُمَّ اقْتَدَى بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَحْرَمَ بَعْدَهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا وَقَوْلُهُ (وَرَجَعَ الْقَهْقَرَى) فِيهِ أَنَّ مَنْ رَجَعَ فِي صَلَاتِهِ

لِشَيْءٍ يَكُونُ رُجُوعُهُ إِلَى وَرَاءُ وَلَا يَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَتَحَرَّفُهَا وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَمِمَّا فِيهِ حَمْلُ الْإِدَاوَةِ مَعَ الرَّجُلِ الْجَلِيلِ وَجَوَازُ الِاسْتِعَانَةِ بِصَبِّ الْمَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَغَسْلِ الْكَفَّيْنِ فِي أَوَّلِهِ ثَلَاثًا وَجَوَازُ لُبْسِ الْجِبَابِ وَجَوَازُ إِخْرَاجِ الْيَدِ مِنْ أَسْفَلِ الثَّوْبِ إِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ مِنَ الْعَوْرَةِ وَجَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

(باب تسبيح الرجل وتصفيق المرأة إذا نابهما شيء في

وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعهِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (بَابُ تَسْبِيحِ الرَّجُلِ وَتَصْفِيقِ الْمَرْأَةِ إِذَا نَابَهُمَا شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ للنساء) تقدم شرحه في الباب قبله

باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها

(باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا فُلَانُ أَلَا تُحْسِنُ صَلَاتَكَ أَلَا يَنْظُرُ الْمُصَلِّي إِذَا صلى كيف يصلي فإنما يُصَلِّي لِنَفْسِهِ إِنِّي وَاللَّهِ لَأُبْصِرُ مِنْ وَرَائِي كَمَا أُبْصِرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ) وفِي رِوَايَةٍ (هل ترون قبلتي ها هنا فَوَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ رُكُوعُكُمْ وَلَا سُجُودُكُمِ إِنِّي لَأَرَاكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِي) وَفِي رِوَايَةٍ (أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي إِذَا رَكَعْتُمْ وَسَجَدْتُمْ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِدْرَاكًا فِي قَفَاهُ يُبْصِرُ بِهِ مِنْ وَرَائِهِ وَقَدِ انْخَرَقَتِ الْعَادَةُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا وَلَيْسَ يَمْنَعُ مِنْ هَذَا عَقْلٌ وَلَا شَرْعٌ بَلْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِظَاهِرِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ قَالَ الْقَاضِي قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ هَذِهِ

(باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما)

الرُّؤْيَةُ رُؤْيَةٌ بِالْعَيْنِ حَقِيقَةً وَفِيهِ الْأَمْرُ بِإِحْسَانِ الصَّلَاةِ وَالْخُشُوعِ وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَجَوَازُ الْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لَكِنِ الْمُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ إِلَّا لِحَاجَةٍ كَتَأْكِيدِ أَمْرٍ وَتَفْخِيمِهِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي تَحْقِيقِهِ وَتَمْكِينِهِ مِنَ النُّفُوسِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنَ الْحَلِفِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي أَيْ مِنْ وَرَائِي كَمَا فِي الرِّوَايَاتِ الْبَاقِيَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْدِ الْوَفَاةِ وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ حَدَّثَنَا مُعَاذٌ حَدَّثَنَا أَبِي وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُثَنَّى حَدَّثَنَا بن أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ هَذَانِ الطَّرِيقَانِ مِنْ أَبِي غَسَّانَ إِلَى أَنَسٍ كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ (باب تَحْرِيمِ سَبْقِ الْإِمَامِ بِرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ وَنَحْوَهُمَا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالْقِيَامِ وَلَا بِالِانْصِرَافِ) فِيهِ تَحْرِيمُ هَذِهِ الْأُمُورِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَالْمُرَادُ بِالِانْصِرَافِ السَّلَامُ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ) فِيهِ أَنَّهُمَا مَخْلُوقَتَانِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (أما يخشى الذي يرفع رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ) وَفِي رِوَايَةٍ صُورَتَهُ فِي صُورَةِ حِمَارٍ وَفِي رِوَايَةٍ وَجْهَهُ وَجْهَ حِمَارٍ هَذَا كُلُّهُ بَيَانٌ لِغِلَظِ تَحْرِيمِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة)

(باب النهي عن رفع البصر إلى السماء فِي الصَّلَاةِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ) أَوْ لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ وَفِي رِوَايَةٍ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ فِيهِ النَّهْيُ الْأَكِيدُ وَالْوَعِيدُ الشَّدِيدُ فِي ذَلِكَ وَقَدْ نُقِلَ الْإِجْمَاعُ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَةِ رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ فِي الدُّعَاءِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَكَرِهَهُ شُرَيْحٌ وَآخَرُونَ وَجَوَّزَهُ الْأَكْثَرُونَ وَقَالُوا لِأَنَّ السَّمَاءَ قِبْلَةَ الدُّعَاءِ كَمَا أَنَّ الْكَعْبَةَ قِبْلَةَ الصَّلَاةِ وَلَا يُنْكَرُ رَفْعُ الْأَبْصَارِ إِلَيْهَا كَمَا لَا يُكْرَهُ رَفْعُ الْيَدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وما توعدون (باب الأمر بالسكون في الصلاة والنهي عن الإشارة باليد) (ورفعها عند السلام وإتمام الصفوف الأول والتراص فيها والأمر بالاجتماع) قوله صلى الله عليه وسلم (مالي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمُسٍ) هُوَ بِإِسْكَانِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا

وَهِيَ الَّتِي لَا تَسْتَقِرُّ بَلْ تَضْطَرِبُ وَتَتَحَرَّكُ بِأَذْنَابِهَا وَأَرْجُلِهَا وَالْمُرَادُ بِالرَّفْعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ هُنَا رَفْعُهُمْ أَيْدِيَهُمْ عِنْدَ السَّلَامِ مُشِيرِينَ إِلَى السَّلَامِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ (فَرَآنَا حِلَقًا) هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ جَمْعُ حَلْقَةٍ بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ فَتَحَهَا فِي لُغَةٍ ضَعِيفَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا لِي أَرَاكُمْ عِزِينَ) أَيْ مُتَفَرِّقِينَ جَمَاعَةً جَمَاعَةً وَهُوَ بِتَخْفِيفِ الزَّايِ الْوَاحِدَةِ عِزَةٌ مَعْنَاهُ النَّهْيُ عَنِ التَّفَرُّقِ وَالْأَمْرُ بِالِاجْتِمَاعِ وَفِيهِ الْأَمْرُ بِإِتْمَامِ الصُّفُوفِ الْأُوَّلِ والتراص في الصفوف وَمَعْنَى إِتْمَامِ الصُّفُوفِ الْأَوَّلِ أَنْ يَتِمَّ الْأَوَّلَ وَلَا يَشْرَعُ فِي الثَّانِي حَتَّى يَتِمَّ الْأَوَّلُ وَلَا فِي الثَّالِثِ حَتَّى يَتِمَّ الثَّانِي وَلَا فِي الرَّابِعِ حَتَّى يَتِمَّ الثَّالِثُ وَهَكَذَا إِلَى آخِرِهَا وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي السَّلَامِ مِنَ الصَّلَاةِ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ عن يمينه السلام عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ عَنْ شِمَالِهِ وَلَا يُسَنُّ زِيَادَةُ وَبَرَكَاتُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ جَاءَ فِيهَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَأَشَارَ إِلَيْهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَلَكِنَّهَا بِدْعَةٌ إِذْ لَمْ يَصِحَّ فِيهَا حَدِيثٌ بَلْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ وَغَيْرُهُ فِي تَرْكِهَا وَالْوَاجِبُ مِنْهُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ بِغَيْرِ مِيمٍ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَسْلِيمَتَيْنِ

باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها

وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ الْمُرَادُ بِالْأَخِ الْجِنْسُ أَيْ إِخْوَانِهِ الْحَاضِرِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ وَفِيهِ الْأَمْرُ بِالسُّكُونِ فِي الصَّلَاةِ وَالْخُشُوعِ فِيهَا وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُصَلُّونَ وَأَنَّ صُفُوفَهُمْ عَلَى هَذِهِ الصفة والله أعلم (باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها) (والازدحام على الصف الأول والمسابقة إليها وتقديم أولي الفضل وتقريبهم من الإمام) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) لِيَلِنِي هُوَ بِكَسْرِ اللَّامَيْنِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ قَبْلَ النُّونِ وَيَجُوزُ إِثْبَاتُ الْيَاءِ مَعَ تَشْدِيدِ النُّونِ عَلَى

التَّوْكِيدِ وَأُولُو الْأَحْلَامِ هُمُ الْعُقَلَاءُ وَقِيلَ الْبَالِغُونَ والنهي بِضَمِّ النُّونِ الْعُقُولُ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ أُولُو الْأَحْلَامِ الْعُقَلَاءُ يَكُونُ اللَّفْظَانِ بِمَعْنًى فَلَمَّا اخْتَلَفَ اللَّفْظُ عُطِفَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ تَأْكِيدًا وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ الْبَالِغُونَ الْعُقَلَاءُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَاحِدَةُ النُّهَى نُهْيَةٌ بِضَمِّ النُّونِ وَهِيَ العقل ورجل نه ونهي مِنْ قَوْمِ نَهِينَ وَسُمِّيَ الْعَقْلُ نُهْيَةٌ لِأَنَّهُ يَنْتَهِي إِلَى مَا أُمِرَ بِهِ وَلَا يَتَجَاوَزُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ يَنْهَى عَنِ الْقَبَائِحِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ مَصْدَرًا كَالْهُدَى وَأَنْ يَكُونَ جَمْعًا كَالظُّلَمِ قَالَ وَالنَّهْيُّ فِي اللُّغَةِ مَعْنَاهُ الثَّبَاتُ وَالْحَبْسُ وَمِنْهُ النِّهَى وَالنَّهَى بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَالنُّهْيَةُ لِلْمَكَانِ الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ الْمَاءُ فَيَسْتَنْقِعُ قَالَ الْوَاحِدِيُّ فَرَجَعَ الْقَوْلَانِ فِي اشْتِقَاقِ النُّهْيَةِ إِلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْحَبْسُ فَالنُّهْيَةُ هِيَ الَّتِي تَنْهَى وَتَحْبِسُ عَنِ الْقَبَائِحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثم الذين يلونهم) معناه الذين يَقْرَبُونَ مِنْهُمْ فِي هَذَا الْوَصْفِ قَوْلُهُ (يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا) أَيْ يُسَوِّي مَنَاكِبَنَا فِي الصُّفُوفِ وَيَعْدِلُنَا فِيهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَقْدِيمُ الْأَفْضَلِ فَالْأَفْضَلِ إِلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْإِكْرَامِ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا احْتَاجَ الْإِمَامُ إِلَى اسْتِخْلَافٍ فَيَكُونُ هُوَ أَوْلَى وَلِأَنَّهُ يَتَفَطَّنُ لِتَنْبِيهِ الْإِمَامِ عَلَى السَّهْوِ لِمَا لَا يَتَفَطَّنُ لَهُ غَيْرُهُ وَلِيَضْبِطُوا صِفَةَ الصَّلَاةِ ويحفظوها وينقلوها ويعلموها الناس وليقتدي بأفعالهم مَنْ وَرَاءَهُمْ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا التَّقْدِيمُ بِالصَّلَاةِ بَلِ السُّنَّةُ أَنْ يُقَدَّمَ أَهْلُ الْفَضْلِ فِي كُلِّ مَجْمَعٍ إِلَى الْإِمَامِ وَكَبِيرِ الْمَجْلِسِ كَمَجَالِسِ الْعِلْمِ وَالْقَضَاءِ وَالذِّكْرِ وَالْمُشَاوَرَةِ وَمَوَاقِفِ الْقِتَالِ وَإِمَامَةِ الصَّلَاةِ وَالتَّدْرِيسِ وَالْإِفْتَاءِ وَإِسْمَاعِ الْحَدِيثِ وَنَحْوَهَا وَيَكُونُ النَّاسُ فِيهَا عَلَى مَرَاتِبِهِمْ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْعَقْلِ وَالشَّرَفِ وَالسِّنِّ وَالْكَفَاءَةِ فِي ذَلِكَ الْبَابِ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مُتَعَاضِدَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَفِيهِ تَسْوِيَةُ الصفوف

وَاعْتِنَاءُ الْإِمَامِ بِهَا وَالْحَثُّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ) هِيَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيِ اخْتِلَاطُهَا وَالْمُنَازَعَةُ وَالْخُصُومَاتُ وَارْتِفَاعُ الْأَصْوَاتِ وَاللَّغَطُ وَالْفِتَنُ الَّتِي فِيهَا قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ) اسْمُ أَبِي مَعْشَرٍ زِيَادُ بْنُ كُلَيْبٍ التَّمِيمِيُّ الْحَنْظَلِيُّ الْكُوفِيُّ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن مثنى وبن بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) هذان الإسنادان بصريون وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ سَوُّوهُ وَعَدِّلُوهُ وَتَرَاصُّوا فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَتُسَوُّنَّ

صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ) قِيلَ مَعْنَاهُ يَمْسَخُهَا وَيُحَوِّلُهَا عَنْ صُوَرِهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ وَقِيلَ يُغَيِّرُ صِفَاتَهَا وَالْأَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَعْنَاهُ يُوقِعُ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَاخْتِلَافَ الْقُلُوبِ كَمَا يُقَالُ تَغَيَّرَ وَجْهُ فُلَانٍ عَلَيَّ أَيْ ظَهَرَ لِي مِنْ وَجْهِهِ كَرَاهَةٌ لِي وَتَغَيَّرَ قَلْبُهُ عَلَيَّ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُمْ فِي الصُّفُوفِ مُخَالَفَةٌ فِي ظَوَاهِرِهِمْ وَاخْتِلَافُ الظَّوَاهِرِ سَبَبٌ لِاخْتِلَافِ الْبَوَاطِنِ قَوْلُهُ (يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ) الْقِدَاحُ بِكَسْرِ الْقَافِ هِيَ خَشَبُ السِّهَامِ حِينَ تُنْحَتُ وَتُبْرَى وَاحِدُهَا قِدْحٌ بِكَسْرِ الْقَافِ مَعْنَاهُ يُبَالِغُ فِي تَسْوِيَتِهَا حَتَّى تَصِيرَ كَأَنَّمَا يَقُومُ بِهَا السِّهَامُ لِشِدَّةِ اسْتِوَائِهَا وَاعْتِدَالِهَا قَوْلُهُ فَقَامَ حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ فَرَأَى رَجُلًا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنَ الصَّفِّ فَقَالَ لَتُسَوُّنَّ عِبَادَ اللَّهِ صُفُوفَكُمْ فِيهِ الْحَثُّ عَلَى تَسْوِيَتِهَا وَفِيهِ جَوَازُ الْكَلَامِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَمَنَعَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَالصَّوَابُ الْجَوَازُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْكَلَامُ لمصلحة الصلاة أو لغيرها أولا لِمَصْلَحَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا) النِّدَاءُ هُوَ الْأَذَانُ وَالِاسْتِهَامُ

الِاقْتِرَاعُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا فَضِيلَةَ الْأَذَانِ وَقَدْرَهَا وَعَظِيمَ جَزَائِهِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا طَرِيقًا يُحَصِّلُونَهُ بِهِ لِضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ أَذَانٍ بَعْدَ أَذَانٍ أَوْ لِكَوْنِهِ لَا يُؤَذِّنُ لِلْمَسْجِدِ إِلَّا وَاحِدٌ لَاقْتَرَعُوا فِي تَحْصِيلِهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ مِنَ الْفَضِيلَةِ نَحْوَ مَا سَبَقَ وَجَاءُوا إِلَيْهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَضَاقَ عَنْهُمْ ثُمَّ لَمْ يَسْمَحْ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بِهِ لَاقْتَرَعُوا عَلَيْهِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْقُرْعَةِ فِي الْحُقُوقِ الَّتِي يُزْدَحَمُ عَلَيْهَا وَيُتَنَازَعُ فِيهَا قَوْلُهُ (وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ) التَّهْجِيرُ التَّبْكِيرُ إِلَى الصَّلَاةِ أَيِّ صَلَاةٍ كَانَتْ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَخَصَّهُ الْخَلِيلُ بِالْجُمُعَةِ وَالصَّوَابُ الْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا) فِيهِ الْحَثُّ الْعَظِيمُ عَلَى حُضُورِ جَمَاعَةِ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ وَالْفَضْلُ الْكَثِيرُ فِي ذَلِكَ لِمَا فِيهِمَا مِنَ الْمَشَقَّةِ عَلَى النَّفْسِ مِنْ تَنْغِيصِ أَوَّلِ نَوْمِهَا وَآخِرِهِ وَلِهَذَا كَانَتَا أَثْقَلَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَسْمِيَةُ الْعِشَاءِ عَتَمَةً وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهُ وَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ بَيَانٌ لِلْجَوَازِ وَأَنَّ ذَلِكَ النَّهْيُ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْعَتَمَةِ هُنَا لِمَصْلَحَةٍ وَنَفْيِ مَفْسَدَةٍ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَسْتَعْمِلُ لَفْظَةَ الْعِشَاءِ فِي الْمَغْرِبِ فَلَوْ قَالَ لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ لَحَمَلُوهَا عَلَى الْمَغْرِبِ فَفَسَدَ الْمَعْنَى وَفَاتَ الْمَطْلُوبُ فَاسْتَعْمَلَ الْعَتَمَةَ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا وَلَا يَشُكُّونَ فِيهَا وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى احْتِمَالِ أَخَفِّ الْمَفْسَدَتَيْنِ لِدَفْعِ أَعْظَمِهِمَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ حَبْوًا هُوَ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَإِنَّمَا ضَبَطْتُهُ لِأَنِّي رَأَيْتُ مِنَ الْكِبَارِ مَنْ صَحَّفَهُ قَوْلُهُ (تَقَدَّمُوا فَائْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ) مَعْنَى وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ أَيْ يَقْتَدُوا بِي مُسْتَدِلِّينَ عَلَى أَفْعَالِي بِأَفْعَالِكُمْ

فَفِيهِ جَوَازُ اعْتِمَادِ الْمَأْمُومِ فِي مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ الَّذِي لَا يَرَاهُ وَلَا يَسْمَعُهُ عَلَى مُبَلِّغٍ عنه أوصف قُدَّامَهُ يَرَاهُ مُتَابِعًا لِلْإِمَامِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ أَيْ عَنِ الصُّفُوفِ الْأُوَلِ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَحْمَتِهِ أَوْ عَظِيمِ فَضْلِهِ وَرَفْعِ الْمَنْزِلَةِ وَعَنِ الْعِلْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَوْلُهُ (قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا) أَمَّا صُفُوفُ الرِّجَالِ فَهِيَ عَلَى عُمُومِهَا فَخَيْرُهَا أَوَّلُهَا أَبَدًا وَشَرُّهَا آخِرُهَا أَبَدًا أَمَّا صُفُوفُ النِّسَاءِ فَالْمُرَادُ بالحديث أما صُفُوفُ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي يُصَلِّينَ مَعَ الرِّجَالِ وَأَمَّا إِذَا صَلَّيْنَ مُتَمَيِّزَاتٍ لَا مَعَ الرِّجَالِ فَهُنَّ كَالرِّجَالِ خَيْرُ صُفُوفِهِنَّ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَالْمُرَادُ بِشَرِّ الصُّفُوفِ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَقَلُّهَا ثَوَابًا وَفَضْلًا وَأَبْعَدُهَا مِنْ مَطْلُوبِ الشَّرْعِ وَخَيْرُهَا بِعَكْسِهِ وَإِنَّمَا فَضَّلَ آخِرَ صُفُوفِ النِّسَاءِ الْحَاضِرَاتِ مَعَ الرِّجَالِ لِبُعْدِهِنَّ مِنْ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ وَرُؤْيَتِهِمْ وَتَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِهِمْ عِنْدَ رُؤْيَةِ حَرَكَاتِهِمْ وَسَمَاعِ

(باب أمر النساء المصليات وراء الرجال)

كَلَامِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَذَمَّ أَوَّلَ صُفُوفِهِنَّ لِعَكْسِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ الْمَمْدُوحَ الَّذِي قَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِفَضْلِهِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ هُوَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ سَوَاءٌ جَاءَ صَاحِبُهُ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا وَسَوَاءٌ تَخَلَّلَهُ مَقْصُورَةٌ وَنَحْوُهَا أَمْ لَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الصَّفُّ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُتَّصِلُ مِنْ طَرَفِ الْمَسْجِدِ إِلَى طَرَفِهِ لَا يَتَخَلَّلهُ مَقْصُورَةٌ وَنَحْوُهَا فَإِنْ تَخَلَّلَ الَّذِي يَلِي الإمام شيء فليس بأول بل الأول مالا يَتَخَلَّلُهُ شَيْءٌ وَإِنْ تَأَخَّرَ وَقِيلَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ عِبَارَةٌ عَنْ مَجِيءِ الْإِنْسَانِ إِلَى الْمَسْجِدِ أَوَّلًا وَإِنْ صَلَّى فِي صَفٍّ مُتَأَخِّرٍ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَإِنَّمَا أَذْكُرُهُ وَمِثْلَهُ لِأُنَبِّهَ عَلَى بُطْلَانِهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب أَمْرِ النِّسَاءِ الْمُصَلِّيَاتِ وَرَاءَ الرِّجَالِ) (أَنْ لَا يرفعن رؤوسهن مِنْ السُّجُودِ حَتَّى يَرْفَعَ الرِّجَالُ) قَوْلُهُ (رَأَيْتُ الرِّجَالَ عَاقِدِي أُزُرِهِمْ) مَعْنَاهُ عَقَدُوهَا لِضِيقِهَا لِئَلَّا يُكْشَفَ شَيْءٌ مِنَ الْعَوْرَةِ فَفِيهِ الِاحْتِيَاطُ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالتَّوَثُّقُ بِحِفْظِ السُّتْرَةِ وَقَوْلُهُ (يَا معشر النساء لا ترفعن رؤوسكن حَتَّى يَرْفَعَ الرِّجَالُ) مَعْنَاهُ لِئَلَّا يَقَعَ بَصَرُ امْرَأَةٍ عَلَى عَوْرَةِ رَجُلٍ انْكَشَفَ وَشَبَهَ ذَلِكَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ

(باب خروج النساء إلى المساجد)

(باب خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ) (إِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ وَأَنَّهَا لَا تَخْرُجْ مُطَيَّبَةً) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ) هَذَا وَشَبَهُهُ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا لَا تُمْنَعُ الْمَسْجِدَ لَكِنْ بِشُرُوطٍ ذَكَرَهَا الْعُلَمَاءُ مَأْخُوذَةً مِنَ الأحاديث وهو أن لا تَكُونَ مُتَطَيِّبَةً وَلَا مُتَزَيِّنَةً وَلَا ذَاتَ خَلَاخِلَ يُسْمَعُ صَوْتُهَا وَلَا ثِيَابٍ فَاخِرَةٍ وَلَا مُخْتَلِطَةً بِالرِّجَالِ وَلَا شَابَّةً

وَنَحْوَهَا مِمَّنْ يُفْتَتَنُ بِهَا وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي الطَّرِيقِ مَا يَخَافُ بِهِ مَفْسَدَةً وَنَحْوَهَا وَهَذَا النَّهْيُ عَنْ مَنْعِهِنِّ مِنَ الْخُرُوجِ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ وَوُجِدَتِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ حَرُمَ الْمَنْعُ إِذَا وُجِدَتِ الشُّرُوطُ قَوْلُهُ (فَيَتَّخِذْنَهُ دَغَلًا) هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْفَسَادُ وَالْخِدَاعُ وَالرِّيبَةُ قَوْلُهُ (فَزَبَرَهُ) أَيْ نَهَرَهُ قَوْلُهُ (فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا) وَفِي رِوَايَةٍ فَزَبَرَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَضَرَبَ فِي صدره فيه تعزير الْمُعْتَرِضِ عَلَى السُّنَّةِ وَالْمُعَارِضِ لَهَا بِرَأْيِهِ وَفِيهِ تعزير الْوَالِدِ وَلَدَهُ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ حُظُوظَهُنَّ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِذَا اسْتَأْذَنُوكُمْ) هَكَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ اسْتَأْذَنُوكُمْ وَفِي بَعْضِهَا اسْتَأْذَنَكُمْ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ أَيْضًا وَعُومِلْنَ مُعَامَلَةَ

الذُّكُورِ لِطَلَبِهِنَّ الْخُرُوجَ إِلَى مَجْلِسِ الذُّكُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْعِشَاءَ فَلَا تَطَيَّبْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ) معناه إذا أرادت شهودها أما من شهدها ثُمَّ عَادَتِ إِلَى بَيْتِهَا فَلَا تُمْنَعُ مِنَ التَّطَيُّبِ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا) مَعْنَاهُ إِذَا أَرَادَتْ شُهُودَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَوْلِ الْإِنْسَانِ الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ مِنَ الْمُحَالِ قَوْلُ الْعَامَّةِ الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا إِلَّا عِشَاءٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تُوصَفُ بِالْآخِرَةِ فَهَذَا الْقَوْلُ غَلَطٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَصْفُهَا بِالْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَأَلْفَاظُهُمْ بِهَذَا مَشْهُورَةٌ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ الَّتِي بَعْدَ

(باب التوسط في القراءة في الصلاة الجهرية)

هَذَا وَالْبَخُورِ بِتَخْفِيفِ الْخَاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ) يَعْنِي مِنَ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ وَحُسْنِ الثِّيَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب التَّوَسُّطِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ) (بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ إِذَا خَافَ مِنْ الْجَهْرِ مَفْسَدَةً) ذَكَرَ فِي الْبَابِ حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمْنَا لَهُ وَهُوَ مُرَادُ مُسْلِمٍ بِإِدْخَالِ هَذَا الْحَدِيثِ هُنَا وَذَكَرَ تَفْسِيرُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ وَاخْتَارَهُ

(باب الاستماع للقراءة)

الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنِ الْمُخْتَارُ الْأَظْهَرُ مَا قَالَهُ بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ الاستماع للقراءة) فيه حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ) إِلَى آخِرِهَا قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ كَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ) إِنَّمَا كَرَّرَ لَفْظَةَ كَانَ لِطُولِ الْكَلَامِ وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِذَا طَالَ الْكَلَامُ جَازَتِ إِعَادَةُ اللَّفْظِ وَنَحْوُهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وعظاما أنكم مخرجون فَأَعَادَ أَنَّكُمْ لِطُولِ الْكَلَامِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى

ولما جاءهم كتاب من عند الله إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطًا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَقَوْلُهُ كَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ به لسانه وشفتيه معناه كان كثيرا ما يفعل ذَلِكَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ هَذَا شَأْنُهُ وَدَأْبُهُ قَوْلُهُ عز وجل فإذا قرأناه أَيْ قَرَأَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَفِيهِ إِضَافَةُ مَا يَكُونُ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْهِ قَوْلُهُ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً سَبَبُ الشِّدَّةِ هَيْبَةُ الْمَلَكِ وَمَا جَاءَ بِهِ وَثِقَلُ الْوَحْيِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثقيلا وَالْمُعَالَجَةُ الْمُحَاوَلَةُ لِلشَّيْءِ وَالْمَشَقَّةُ فِي تَحْصِيلِهِ قَوْلُهُ فَكَانَ ذَلِكَ يُعْرَفُ مِنْهُ يَعْنِي يَعْرِفُهُ مَنْ رَآهُ لِمَا يَظْهَرُ عَلَى وَجْهِهِ وَبَدَنِهِ مِنَ أَثَرِهِ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا قَوْلُهُ فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ الِاسْتِمَاعُ

(باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن)

الْإِصْغَاءُ لَهُ وَالْإِنْصَاتُ السُّكُوتُ فَقَدْ يَسْتَمِعُ وَلَا يُنْصِتُ فَلِهَذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى فاستمعوا له وأنصتوا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ يُقَالُ أَنْصَتَ وَنَصَتَ وَانْتَصَتَ ثَلَاثُ لُغَاتٍ أَفْصَحُهُنَّ أَنْصَتَ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ (باب الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَالْقِرَاءَةِ عَلَى الْجِنِّ) قَوْلُهُ سُوقُ عُكَاظٍ هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَبِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ يُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ وَالسُّوقُ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ لُغَتَانِ قِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِقِيَامِ النَّاسِ فِيهَا عَلَى سُوقِهِمْ قوله عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مَا قَرَأَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن وما رآهم وذكر بعده حديث بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمِ الْقُرْآنَ قَالَ الْعُلَمَاءُ هما قضيتان فحديث بن عَبَّاسٍ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَأَوَّلُ النُّبُوَّةِ حِينَ أتوا فسمعوا قراءة قل أوحى وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ هَلْ عَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِمَاعَهُمْ حَالَ اسْتِمَاعِهِمْ بِوَحْيٍ أُوحِيَ إِلَيْهِ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِمْ إِلَّا بَعْدَ ذلك واما حديث بن مَسْعُودٍ فَقَضِيَّةٌ أُخْرَى جَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ اللَّهُ أَعْلَمُ بِقَدْرِهِ وَكَانَ بَعْدَ اشْتِهَارِ الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتِ الشُّهُبُ عَلَيْهِمْ ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ هَذَا حَدَثَ بَعْدَ نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا وَلِهَذَا أَنْكَرَتْهُ الشَّيَاطِينُ وَارْتَاعَتْ لَهُ وَضَرَبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا لِيَعْرِفُوا خَبَرَهُ وَلِهَذَا كَانَتِ الْكِهَانَةُ فَاشِيَةً فِي الْعَرَبِ حَتَّى قُطِعَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ صُعُودِ السَّمَاءِ وَاسْتِرَاقِ السَّمْعِ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا وَأَنَّا

لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا وَقَدْ جَاءَتْ أَشْعَارُ الْعَرَبِ بِاسْتِغْرَابِهِمْ رَمْيَهَا لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَعْهَدُوهُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَكَانَ رَمْيُهَا مِنْ دَلَائِلِ النبوة وقال جماعة من العلماء مازالت الشهب منذ كانت الدنيا وهو قول بن عَبَّاسٍ وَالزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي أشعار العرب وروى فيه بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَدِيثًا قِيلَ لِلزُّهْرِيِّ فقد قال الله تعالى فمن يستمع الآن يجدله شهابا رصدا فَقَالَ كَانَتِ الشُّهُبُ قَلِيلَةً فَغَلُظَ أَمْرُهَا وَكَثُرَتْ حِينَ بُعِثَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ نَحْوَ هَذَا وَذَكَرُوا أَنَّ الرَّمْيَ بِهَا وَحِرَاسَةَ السَّمَاءِ كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَمَعْلُومَةً وَلَكِنْ إِنَّمَا كَانَتْ تَقَعُ عِنْدَ حُدُوثِ أَمْرٍ عَظِيمٍ مِنْ عَذَابٍ يَنْزِلُ بِأَهْلِ الْأَرْضِ أَوْ إِرْسَالِ رَسُولٍ إِلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ تَأَوَّلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا وَقِيلَ كَانَتِ الشُّهُبُ قَبْلُ مَرْئِيَّةً وَمَعْلُومَةً لَكِنْ رجم الشياطين واحراقهم لم يكن الابعد نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتَلَفُوا فِي إِعْرَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى رُجُومًا وَفِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ هُوَ مَصْدَرٌ فَتَكُونُ الْكَوَاكِبُ هِيَ الرَّاجِمَةُ الْمُحْرِقَةُ بِشُهُبِهَا لَا بِأَنْفُسِهَا وَقِيلَ هُوَ اسْمٌ فَتَكُونُ هِيَ بِأَنْفُسِهَا الَّتِي يُرْجَمُ بِهَا وَيَكُونُ رُجُومُ جَمْعَ رَجْمٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا مَعْنَاهُ سِيرُوا فِيهَا كُلِّهَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَاتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ اللَّهَ

تعالى يمقت على ذلك قوله فمر النَّفَرُ الَّذِينَ أَخَذُوا نَحْوَ تِهَامَةَ وَهُوَ بِنَخْلٍ هَكَذَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ بِنَخْلٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَصَوَابُهُ بِنَخْلَةٍ بِالْهَاءِ وَهُوَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ هُنَاكَ كَذَا جَاءَ صَوَابُهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُقَالُ فِيهِ نَخْلٌ وَنَخْلَةٌ وَأَمَّا تِهَامَةُ فَبِكَسْرِ التَّاءِ وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا نَزَلَ عَنْ نَجْدٍ مِنْ بِلَادِ الْحِجَازِ وَمَكَّةَ مِنْ تهامة قال بن فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ سُمِّيَتْ تِهَامَةُ مِنَ التَّهَمِ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْهَاءِ وَهُوَ شِدَّةُ الْحَرِّ وَرُكُودُ الرِّيحِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَغَيُّرِ هَوَائِهَا يُقَالُ تَهِمَ الدُّهْنُ إِذَا تَغَيَّرَ وَذَكَرَ الْحَازِمِيُّ أَنَّهُ يُقَالُ فِي أَرْضِ تِهَامَةَ تَهَائِمُ قَوْلُهُ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ قَالُوا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ السَّمَاءِ فِيهِ الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ فِي السَّفَرِ وَأَنَّهَا كَانَتْ مَشْرُوعَةً مِنَ أَوَّلِ النُّبُوَّةِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ آمَنُوا عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَلَا بُدَّ لِمَنْ آمَنَ عِنْدَ سَمَاعِهِ أَنْ يَعْلَمَ حَقِيقَةَ الْإِعْجَازِ وَشُرُوطَ الْمُعْجِزَةِ وَبَعْدَ ذَلِكَ يَقَعُ لَهُ الْعِلْمُ بِصِدْقِ الرَّسُولِ فَيَكُونُ الْجِنُّ عَلِمُوا ذَلِكَ مِنْ كُتُبِ الرُّسُلِ الْمُتَقَدِّمِينَ قَبْلَهُمْ عَلَى أَنَّهُ هُوَ النَّبِيُّ الصَّادِقُ الْمُبَشَّرُ بِهِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْجِنَّ يُعَذَّبُونَ فِي الْآخِرَةِ عَلَى الْمَعَاصِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ من الجنة والناس أجمعين وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ مُؤْمِنَهُمْ وَمُطِيعُهُمْ هَلْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيُنَعَّمُ بِهَا ثَوَابًا وَمُجَازَاةً لَهُ عَلَى طَاعَتِهِ أَمْ لَا يَدْخُلُونَ بَلْ يَكُونُ ثَوَابُهُمْ أَنْ يَنْجُوا مِنَ النَّارِ ثُمَّ يُقَالُ كُونُوا ترابا كالبهائم وهذا مذهب بن أَبِي سُلَيْمٍ وَجَمَاعَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَهَا وَيُنَعَّمُونَ فِيهَا بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَغَيْرِهِمَا وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ البصري والضحاك ومالك بن أنس وبن أبي ليلى وغيرهم وقوله (سألت بن مَسْعُودٍ هَلْ شَهِدَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ قَالَ لَا) هَذَا صَرِيحٌ فِي إِبْطَالِ الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ الْمَذْكُورِ فيه الوضوء بالنبيذ وحضور بن مَسْعُودٍ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ وَحَدِيثُ النَّبِيذِ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَمَدَارُهُ عَلَى زَيْدٍ

مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ قَوْلُهُ (اسْتُطِيرَ أَوِ اغْتِيلَ) مَعْنَى اسْتُطِيرَ طَارَتْ بِهِ الْجِنُّ وَمَعْنَى اغْتِيلَ قُتِلَ سِرًّا وَالْغِيلَةُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ هِيَ الْقَتْلُ فِي خُفْيَةٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ انتهى حديث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ قَوْلِهِ فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ كَذَا رَوَاهُ أصحاب داود الراوي عن الشعبي وبن علية وبن زريع وبن أبي زائدة وبن إِدْرِيسَ وَغَيْرِهِمْ هَكَذَا قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ إِنَّهُ مِنْ كَلَامِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ مرويا عن بن مَسْعُودٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَإِلَّا فَالشَّعْبِيُّ لَا يَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (لَكُمْ كُلَّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهُ عَلَيْهِ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا لِمُؤْمِنِيهِمْ وَأَمَّا غَيْرِهِمْ فَجَاءَ في حديث آخر أن طعامهم مالم يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ

(باب القراءة في الظهر والعصر)

عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَهُ) فِيهِ الْحِرْصُ عَلَى مُصَاحَبَةِ أَهْلِ الْفَضْلِ فِي أَسْفَارِهِمْ وَمُهِمَّاتِهِمْ وَمَشَاهِدِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ مُطْلَقًا وَالتَّأَسُّفُ عَلَى فَوَاتِ ذَلِكَ قَوْلُهُ (آذَنَتْ بِهِمْ شَجَرَةٌ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْعَلُ فِيمَا يَشَاءُ مِنَ الْجَمَادِ تَمْيِيزًا وَنَظِيرُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وقوله تعالى وان من شئ الايسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمَ عَلَيَّ وَحَدِيثُ الشَّجَرَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَتَتَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْكِتَابِ وَحَدِيثُ حَنِينِ الْجِذْعِ وَتَسْبِيحِ الطَّعَامِ وَفِرَارِ حَجَرِ مُوسَى بِثَوْبِهِ وَرُجْعَانُ حِرَاءَ وَأُحُدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ) قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ

الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ويسمعنا الآية أحياناويقرأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (كَانَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنَ الْأُولَيَيْنِ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةٍ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً أَوْ قَالَ نِصْفُ ذَلِكَ وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي

كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ) وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ (أَرْكُدُ فِي الْأُولَيَيْنِ وَأَحْذِفُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ) وَفِي حديث أبي سَعِيدٍ الْآخَرِ قَالَ (لَقَدْ كَانَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ تُقَامُ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْبَقِيعِ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَأْتِي وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَةِ

الْأُولَى مِمَّا يُطَوِّلهَا) وَفِي أَحَادِيثَ أُخَرَ فِي غَيْرِ الْبَابِ وَهِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَخَفَّ النَّاسِ صَلَاةً فِي تَمَامٍ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي مَخَافَةَ أَنْ تَفْتَتِنَ أُمُّهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَانَتْ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم تَخْتَلِفُ فِي الْإِطَالَةِ وَالتَّخْفِيفِ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فَإِذَا كَانَ الْمَأْمُومُونَ يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ وَلَا شُغْلَ هُنَاكَ لَهُ وَلَا لَهُمْ طُولُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ خَفَّفَ وَقَدْ يُرِيدُ الْإِطَالَةَ ثُمَّ يَعْرِضُ مَا يَقْتَضِي التَّخْفِيفَ كَبُكَاءِ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ وَيَنْضَمُّ إِلَى هَذَا أَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ فَيُخَفِّفُ وَقِيلَ إِنَّمَا طَوَّلَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ الْأَقَلُّ وَخَفَّفَ فِي مُعْظَمِهَا فَالْإِطَالَةُ لِبَيَانِ جَوَازِهَا وَالتَّخْفِيفِ لِأَنَّهُ الْأَفْضَلُ وَقَدْ أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّخْفِيفِ وَقَالَ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَأَيُّكُمْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمُ السَّقِيمَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ وَقِيلَ طَوَّلَ فِي وَقْتٍ وَخَفَّفَ فِي وَقْتٍ لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ لَا تَقْدِيرَ فِيهَا مِنْ حَيْثُ الِاشْتِرَاطِ بَلْ يَجُوزُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا وَإِنَّمَا الْمُشْتَرَطُ الْفَاتِحَةُ وَلِهَذَا اتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَيْهَا وَاخْتُلِفَ فِيمَا زَادَ وَعَلَى الْجُمْلَةِ السُّنَّةُ التَّخْفِيفُ كَمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعِلَّةِ الَّتِي بَيَّنَهَا وَإِنَّمَا طَوَّلَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِتَحَقُّقِهِ انْتِفَاءَ الْعِلَّةِ فَإِنْ تَحَقَّقَ أَحَدٌ انْتِفَاءَ الْعِلَّةِ طَوَّلَ قَوْلُهُ وَكَانَ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ أَنَّ قِرَاءَةَ سُورَةٍ قَصِيرَةٍ بِكَمَالِهَا أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ قَدْرِهَا من طويلة لان المستحب للقارئ ان يبتدىء مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ الْمُرْتَبِطِ وَيَقِفُ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْمُرْتَبِطِ وَقَدْ يَخْفَى الِارْتِبَاطُ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ أَوْ كَثِيرٍ فَنُدِبَ مِنْهُمْ إِلَى إِكْمَالِ السُّورَةِ لِيُحْتَرَزَ عَنِ الْوُقُوفِ دُونَ الِارْتِبَاطِ وَأَمَّا اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي السُّورَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَلَعَلَّ سَبَبُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنِ اخْتِلَافِ إِطَالَةِ الصَّلَاةِ وَتَخْفِيفِهَا بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الرُّبَاعِيَّةِ وَالثَّالِثَةِ مِنَ الْمَغْرِبِ فَقِيلَ بِالِاسْتِحْبَابِ وَبِعَدَمِهِ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ الْأُخْرَيَيْنِ أَتَى بِالسُّورَةِ فِي الْبَاقِيَتَيْنِ عَلَيْهِ لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ مِنْ سُورَةٍ وَأَمَّا اخْتِلَافُ قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ فَهُوَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهِ قَالُوا فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَتَكُونُ الصُّبْحُ أَطْوَلَ وَفِي الْعِشَاءِ وَالْعَصْرِ بِأَوْسَاطِهِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِهِ قَالُوا وَالْحِكْمَةُ فِي إِطَالَةِ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ أَنَّهُمَا فِي وَقْتِ غَفْلَةٍ بِالنَّوْمِ آخِرَ اللَّيْلِ وَفِي الْقَائِلَةِ فَيُطَوِّلهُمَا لِيُدْرِكَهُمَا الْمُتَأَخِّرُ بِغَفْلَةٍ وَنَحْوِهَا وَالْعَصْرُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ تَفْعَلُ فِي وَقْتِ تَعَبِ أَهْلِ الْأَعْمَالِ فَخُفِّفَتْ عَنْ ذَلِكِ وَالْمَغْرِبُ ضيقة الوقت

فَاحْتِيجَ إِلَى زِيَادَةِ تَخْفِيفِهَا لِذَلِكَ وَلِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَى عَشَاءِ صَائِمِهِمْ وَضَيْفِهِمْ وَالْعِشَاءُ فِي وَقْتِ غَلَبَةِ النَّوْمِ وَالنُّعَاسِ وَلَكِنَّ وَقْتَهَا وَاسِعٌ فَأَشْبَهَتِ الْعَصْرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ وَكَانَ يُطَوِّلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى وَيَقْصُرُ الثَّانِيَةَ هَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْعَمَلِ بِظَاهِرِهِ وَهُمَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَشْهَرُهُمَا عِنْدَهُمْ لَا يُطَوِّلُ وَالْحَدِيثُ مُتَأَوَّلٌ عَلَى أَنَّهُ طَوَّلَ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ أَوْ لِسَمَاعِ دُخُولِ داخل في الصلاة ونحوه لافي الْقِرَاءَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ فِي الأولى قصدا وهذا هو الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ الْمُوَافِقُ لِظَاهِرِ السُّنَّةِ وَمَنْ قَالَ بِقِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا أَخَفُّ مِنْهَا فِي الْأُولَيَيْنِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَطْوِيلِ الثَّالِثَةِ عَلَى الرَّابِعَةِ إِذَا قُلْنَا بِتَطْوِيلِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي جَمِيعِ الرَّكَعَاتِ وَلَمْ يُوجِبْ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ الْقِرَاءَةَ بَلْ خَيَّرَهُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَالسُّكُوتِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِلسُّنَنِ الصَّحِيحَةِ وَقَوْلُهُ (وَكَانَ يُسْمِعُنَا الْآيَةَ) أَحْيَانًا هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ بَيَانَ جَوَازِ الْجَهْرِ فِي الْقِرَاءَةِ السِّرِّيَّةِ وَأَنَّ الْإِسْرَارَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْجَهْرَ بِالْآيَةِ كَانَ يَحْصُلُ بِسَبْقِ اللِّسَانِ لِلِاسْتِغْرَاقِ فِي التَّدَبُّرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) أَمَّا منصور فهو بن الْمُعْتَمِرِ وَأَمَّا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ فَلَيْسَ هُوَ الْوَلِيدَ بْنَ مُسْلِمٍ الدِّمَشْقِيَّ أَبَا الْعَبَّاسِ الْأُمَوِيَّ مَوْلَاهُمُ الْإِمَامَ الْجَلِيلَ الْمَشْهُورَ الْمُتَأَخِّرَ صَاحِبَ الْأَوْزَاعِيِّ بَلْ هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَنْبَرِيُّ الْبَصْرِيُّ أَبُو بِشْرٍ التَّابِعِيُّ وَأَنَّ اسْمَ أَبِي الصِّدِّيقِ بكر بن عمرو وقيل بن قَيْسٍ النَّاجِيُّ مَنْسُوبٌ إِلَى نَاجِيَةَ قَبِيلَةٍ قَوْلُهُ (كُنَّا نَحْزُرُ قِيَامَهُ) هُوَ بِضَمِّ الزَّايِ وَكَسْرِهَا لغتان قوله (والآوليين والآخريين) هو بيائين مُثَنَّاتَيْنِ تَحْتُ قَوْلُهُ (فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ قَدْرَ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ) يَجُوزُ جَرُّ السَّجْدَةِ عَلَى الْبَدَلِ وَنَصْبُهَا بِأَعْنِي وَرَفْعُهَا خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ قَوْلُهُ (عَلَى قَدْرِ قِيَامِهِ مِنَ الْأُخْرَيَيْنِ) كَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ مِنَ الْأُخْرَيَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَهُوَ مَعْنَى رِوَايَةِ مِنْ قَوْلُهُ (إِنَّ أَهْلَ الْكُوفَةَ شَكَوْا سَعْدًا) هُوَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْكُوفَةُ هِيَ الْبَلْدَةُ الْمَعْرُوفَةُ وَدَارُ الْفَضْلِ وَمَحِلُّ الْفُضَلَاءِ بَنَاهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَعْنِي أَمَرَ نُوَّابَهُ بِبِنَائِهَا هِيَ وَالْبَصْرَةِ قِيلَ سُمِّيَتْ كُوفَةَ لِاسْتِدَارَتِهَا تَقُولُ الْعَرَبُ رَأَيْتُ كُوفًا وَكُوفَانًا لِلرَّمْلِ الْمُسْتَدِيرِ وَقِيلَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا تَقُولُ الْعَرَبُ تَكَوَّفَ الرَّمْلُ إِذَا اسْتَدَارَ وَرَكِبَ بَعْضُهُ بَعْضًا وَقِيلَ لِأَنَّ تُرَابَهَا خَالَطَهُ

حَصًى وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ سُمِّيَ كُوفَةَ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُقَالُ لِلْكُوفَةِ أَيْضًا كُوفَانُ بِضَمِّ الْكَافِ قَوْلُهُ (فَذَكَرُوا مِنْ صَلَاتِهِ) أَيْ أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ الصَّلَاةَ قَوْلُهُ (فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) فِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا شُكِيَ إِلَيْهِ نَائِبُهُ بَعَثَ إِلَيْهِ وَاسْتَفْسَرَهُ عَنْ ذَلِكِ وَأَنَّهُ إِذَا خَافَ مَفْسَدَةً بِاسْتِمْرَارِهِ فِي وِلَايَتِهِ وَوُقُوعَ فِتْنَةٍ عَزْلَهُ فَلِهَذَا عَزَلَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَلَلٌ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا يَقْدَحُ فِي وِلَايَتِهِ وَأَهْلِيَّتِهِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ مَقْتَلِ عُمَرَ وَالشُّورَى أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنْ أَصَابَتِ الْإِمَارَةُ سَعْدًا فَذَاكَ وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِرَ فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ مِنْ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ قَوْلُهُ (لَا أَخْرِمُ عَنْهَا) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ لَا أَنْقُصُ قَوْلُهُ (إِنِّي لَأَرْكُدُ بِهِمْ فِي الْأُولَيَيْنِ) يَعْنِي أُطَوِّلُهُمَا وَأُدِيمُهُمَا وَأُمِدُّهُمَا كَمَا قَالَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ قَوْلِهِمْ رَكَدَتِ السُّفُنُ وَالرِّيحُ وَالْمَاءُ إِذَا سَكَنَ وَمَكَثَ وَقَوْلُهُ وَأَحْذِفُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ يَعْنِي أُقْصِّرُهُمَا عَنِ الْأُولَيَيْنِ لَا أَنَّهُ يُخِلُّهُ بِالْقِرَاءَةِ وَيَحْذِفُهَا كُلَّهَا قَوْلُهُ (ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ أَبَا إِسْحَاقَ) فِيهِ مَدْحُ الرَّجُلِ الْجَلِيلِ فِي وَجْهِهِ إِذَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ فِتْنَةً بِإِعْجَابٍ وَنَحْوِهِ وَالنَّهْيُ عَنْ ذَلِكِ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ بِالْأَمْرَيْنِ وَجَمَعَ الْعُلَمَاءُ بَيْنَهُمَا بِمَا ذَكَرْتُهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُمَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَفِيهِ خِطَابُ الرَّجُلِ الْجَلِيلِ بِكُنْيَتِهِ دون اسمه قوله (وما آلوا مَا اقْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) آلُو بِالْمَدِّ فِي أَوَّلِهِ وَضَمِّ اللَّامِ أَيْ لَا أُقْصِرُ فِي ذَلِكَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا أَيْ لَا يُقَصِّرُونَ فِي إِفْسَادِكُمْ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الوليد) يعنى بن مُسْلِمٍ هُوَ صَاحِبُ الْأَوْزَاعِيِّ قَوْلُهُ (عَنْ قَزَعَةَ) هُوَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَإِسْكَانِهَا قَوْلُهُ (وَهُوَ مَكْثُورٌ عَلَيْهِ) أَيْ عِنْدَهُ نَاسٌ كَثِيرُونَ لِلِاسْتِفَادَةِ مِنْهُ قَوْلُهُ (أَسْأَلُكَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مالك فِي ذَلِكَ مِنْ خَيْرٍ) مَعْنَاهُ إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ الْإِتْيَانَ بِمِثْلِهَا لِطُولِهَا وَكَمَالِ خُشُوعِهَا وَإِنْ تَكَلَّفْتَ ذَلِكَ شُقَّ عَلَيْكَ وَلَمْ تُحَصِّلْهُ فَتَكُونُ قَدْ عَلِمْتَ السُّنَّةَ وَتَرَكْتَهَا

(باب القراءة في الصبح)

(باب الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ سُفْيَانَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُسَيِّبِ الْعَابِدِيُّ) قال الحفاظ قوله بن الْعَاصِ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ حَذْفُهُ وَلَيْسَ هَذَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الصَّحَابِيَّ بَلْ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْحِجَازِيُّ كَذَا ذكره البخارى في تاريخه وبن أَبِي حَاتِمٍ وَخَلَائِقُ مِنَ الْحُفَّاظِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَأَمَّا أَبُو سَلَمَةَ هَذَا فَهُوَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ الْمَخْزُومِيِّ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ فِيمَنْ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ وَأَمَّا الْعَابِدِيُّ فَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَوْلُهُ (أَخَذَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْلَةٌ) هِيَ بِفَتْحِ السِّينِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ قَطْعِ الْقِرَاءَةِ وَالْقِرَاءَةِ بِبَعْضِ السُّورَةِ وَهَذَا جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ إِنْ كَانَ الْقَطْعُ لِعُذْرٍ وان

لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ أَيْضًا وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ كَرَاهَتُهُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ سَرِيعٍ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ قَوْلُهُ (سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ أَيْ يَقْرَأُ بِالسُّورَةِ الَّتِي فِيهَا وَاللَّيْلِ اذا عسعس قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ مَعْنَى عَسْعَسَ اللَّيْلُ أَدْبَرَ كَذَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ عَنِ الْأَكْثَرِينَ ونقل الفراء اجماع المفسرين عليه قال وقال آخَرُونَ مَعْنَاهُ أَقْبَلَ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ يُقَالُ إِذَا أَقْبَلَ وَإِذَا أَدْبَرَ قَوْلُهُ زياد بن علاقة هو بكسر العين وقطبة بْنُ مَالِكٍ بِضَمِّ الْقَافِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ عم زياد وقوله عزوجل والنخل باسقات أَيْ طَوِيلَاتٍ قَوْلُهُ تَعَالَى لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْمُفَسِّرُونَ

مَعْنَاهُ مَنْضُودٌ مُتَرَاكِبٌ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ قَالَ بن قُتَيْبَةَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَنْشَقَّ فَإِذَا انْشَقَّ كِمَامُهُ وَتَفَرَّقَ فَلَيْسَ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَضِيدٍ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ) اسْمُ أَبِي الْمِنْهَالِ سَيَّارُ بْنُ سَلَامَةَ الرِّيَاحِيُّ وأبو برزة نضله عن عبيدة الاسلمى

(باب القراءة في العشاء)

(بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الْعِشَاءِ) فِيهِ حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ (أَنَّ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ثم

يَأْتِي فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ فَصَلَّى لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ فَأَمَّهُمْ فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ فَقَالُوا أَنَافَقْتَ إِلَى آخِرِهِ) فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ صَلَاةِ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ لِأَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْقُطُ فَرْضُهُ ثُمَّ يُصَلِّي مَرَّةً ثَانِيَةً بقومه هي له تطوع ولهم فَرِيضَةٌ وَقَدْ جَاءَ هَكَذَا مُصَرَّحًا بِهِ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ وَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَآخَرِينَ وَلَمْ يُجُزْهُ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْكُوفِيُّونَ وَتَأَوَّلُوا حَدِيثَ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَفُّلًا وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ حَدِيثُ مُعَاذٍ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ وَكُلُّ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ دَعَاوَى لَا أَصْلَ لَهَا فَلَا يُتْرَكُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ بِهَا

وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْطَعَ الْقُدْوَةَ وَيُتِمَّ صَلَاتَهُ مُنْفَرِدًا وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِعُذْرٍ وَلِغَيْرِ عُذْرٍ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَالثَّالِثُ يَجُوزُ لِعُذْرٍ وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا الْعُذْرُ هُوَ مَا يَسْقُطُ بِهِ عَنْهُ الْجَمَاعَةُ ابْتِدَاءً وَيُعْذَرُ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهَا بِسَبَبِهِ وَتَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ عُذْرٌ عَلَى الْأَصَحِّ لِقِصَّةِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ فَارَقَهُ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ بَلْ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ سَلَّمَ وَقَطَعَ الصَّلَاةَ مِنْ أَصْلِهَا ثُمَّ اسْتَأْنَفَهَا وَهَذَا لَا دَلِيلَ فِيهِ لِلْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَطْعِ الصَّلَاةِ وَإِبْطَالِهَا لِعُذْرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ) فِيهِ جَوَازُ قَوْلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَسُورَةِ النِّسَاءِ وَسُورَةِ الْمَائِدَةِ وَنَحْوِهَا وَمَنَعَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يُقَالُ إِلَّا السُّورَةُ الَّتِي يَذْكُرُ فِيهَا الْبَقَرَةَ وَنَحْوُ هَذَا وَهَذَا خَطَأٌ صَرِيحٌ وَالصَّوَابُ جَوَازُهُ فَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلَامِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ وَيُقَالُ سورة بلا همز وبالهمز لغتان ذكرهما بن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ وَتَرْكُ الْهَمْزَةِ هُنَا هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ وَيُقَالُ قَرَأْتُ السُّورَةَ وَقَرَأْتُ بِالسُّورَةِ وَافْتَتَحْتُهَا وَافْتَتَحْتُ بِهَا قَوْلُهُ (إِنَّا أَصْحَابُ نَوَاضِحَ) هِيَ الْإِبِلُ الَّتِي يُسْتَقى عَلَيْهَا جَمْعُ نَاضِحٍ وَأَرَادَ إِنَّا أَصْحَابُ عَمَلٍ وَتَعَبٍ فَلَا نَسْتَطِيعُ تَطْوِيلَ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ) أَيْ مُنَفِّرٌ عَنِ الدِّينِ وَصَادٌّ عَنْهُ فَفِيهِ

(باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام)

الْإِنْكَارُ عَلَى مَنِ ارْتَكَبَ مَا يُنْهَى عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا غَيْرَ مُحَرَّمٍ وَفِيهِ جَوَازُ الِاكْتِفَاءِ فِي التَّعْزِيرِ بِالْكَلَامِ وَفِيهِ الْأَمْرُ بِتَخْفِيفِ الصَّلَاةِ وَالتَّعْزِيرِ عَلَى إِطَالَتِهَا إِذَا لَمْ يَرْضَ الْمَأْمُومُونَ قَوْلُهُ (عَنْ جَابِرٍ أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشَاءَ الْآخِرَةِ) فِيهِ جَوَازُ قَوْلِ عِشَاءِ الْآخِرَةِ وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا بَيَانُهُ وَقَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ بِإِنْكَارِهِ وَإِبْطَالِ قَوْلِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ قَالَ أَبُو الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ قُتَيْبَةُ يَقُولُ فِي حَدِيثِهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَمْرٍو وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَيُّوبَ وَكَانَ يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يُبَيِّنَهُ وَكَأَنَّهُ أَهْمَلَهُ لِكَوْنِهِ جَعَلَ الرِّوَايَةَ مَسُوقَةً عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ وَحْدَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب أَمْرِ الْأَئِمَّةِ بِتَخْفِيفِ الصَّلَاةِ فِي تَمَامٍ) فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمُ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمُ الصَّغِيرَ والكبير والضعيف

وَالْمَرِيضَ وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ) وَفِي رِوَايَةٍ وَذَا الْحَاجَةِ مَعْنَى أَحَادِيثِ الْبَابِ ظَاهِرٌ وَهُوَ الْأَمْرُ لِلْإِمَامِ بِتَخْفِيفِ الصَّلَاةِ بِحَيْثُ لَا يُخِلُّ بِسُنَّتِهَا وَمَقَاصِدِهَا وَأَنَّهُ إِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ طَوَّلَ مَا شَاءَ فِي الْأَرْكَانِ الَّتِي تَحْتَمِلُ التَّطْوِيلَ وَهِيَ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالتَّشَهُّدُ دُونَ الِاعْتِدَالِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا) فِيهِ جَوَازُ التَّأَخُّرِ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ إِذَا عُلِمَ مِنْ عَادَةِ الْإِمَامِ التَّطْوِيلُ الْكَثِيرُ وَفِيهِ جَوَازُ ذِكْرِ الْإِنْسَانِ بِهَذَا وَنَحْوِهِ فِي مَعْرِضِ الشَّكْوَى وَالِاسْتِفْتَاءِ قَوْلُهُ (فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَطُّ أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ يَوْمَئِذٍ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ) الْحَدِيثُ

فِيهِ الْغَضَبُ لِمَا يُنْكَرُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَالْغَضَبُ فِي الْمَوْعِظَةِ قَوْلُهُ (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ أُمَّ قَوْمَكَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي شَيْئًا فَقَالَ ادْنُهْ فَجَلَّسَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ فِي صَدْرِي بَيْنَ ثَدْيَيَّ ثُمَّ قَالَ تَحَوَّلْ فَوَضَعَهَا فِي ظَهْرِي بَيْنَ كَتِفَيَّ ثُمَّ قَالَ أُمَّ قَوْمَكَ) قَوْلُهُ ثَدْيَيَّ وَكَتِفَيَّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى التَّثْنِيَةِ وَفِيهِ إِطْلَاقُ اسْمِ الثَّدْيِ عَلَى حَلَمَةِ الرَّجُلِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَقَوْلُهُ جَلَّسَنِي هُوَ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَقَوْلُهُ أَجِدُ فِي نَفْسِي شَيْئًا قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْخَوْفَ مِنْ حُصُولِ شَيْءٍ مِنَ الْكِبْرِ وَالْإِعْجَابِ لَهُ بِتَقَدُّمِهِ عَلَى النَّاسِ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِبَرَكَةِ كَفِّ رسول

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُعَائِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْوَسْوَسَةَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ كَانَ مُوَسْوِسًا وَلَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ الْمُوَسْوِسُ فَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ بَعْدَ هَذَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ هَذَا قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يُلَبِّسُهَا عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزَبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ وَاتْفُلْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلَاثًا فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِّي

(باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام)

قَوْلُهُ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ مَعَ أُمِّهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَقْرَأُ بِالسُّورَةِ الْخَفِيفَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأُخَفِّفُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ بِهِ) الْوَجْدُ يُطْلَقُ عَلَى الْحُزْنِ وَعَلَى الْحُبِّ أَيْضًا وَكِلَاهُمَا سَائِغٌ هُنَا وَالْحُزْنُ أَظْهَرُ أَيْ مِنْ حُزْنِهَا وَاشْتِغَالِ قَلْبِهَا بِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الرفق بالمأمومين وسائر الاتباع ومراعاة مصلحتهم وأن لا يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَفِيهِ جَوَازُ صَلَاةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَّ الصَّبِيَّ يَجُوزُ إِدْخَالُهُ الْمَسْجِدَ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ عَمَّنْ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ حَدَثٌ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قتادة عَنْ أَنَسٍ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب اعْتِدَالِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَتَخْفِيفِهَا فِي تَمَامٍ) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدِّهِ الْأَعْلَى أَبِي بَكْرَةَ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ مِرَارًا قَوْلُهُ (رَمَقْتُ الصَّلَاةَ مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُ

قِيَامَهُ فَرَكْعَتَهُ فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ فَسَجْدَتَهُ فَجَلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَجَلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالِانْصِرَافِ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ وَالتَّشَهُّدِ وَإِطَالَةِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَفِي الِاعْتِدَالِ عَنِ الرُّكُوعِ وَعَنِ السُّجُودِ وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ أَنَسٍ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي بَعْدَهُ مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ أَحَدٍ أَوْجَزَ صَلَاةً مِنْ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي تَمَامٍ وَقَوْلُهُ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَهَا كَانَ فِيهِ طُولٌ يَسِيرٌ عَلَى بَعْضٍ وَذَلِكَ فِي الْقِيَامِ وَلَعَلَّهُ أَيْضًا فِي التَّشَهُّدِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَإِلَّا فَقَدْ ثَبَتَتِ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ بِتَطْوِيلِ الْقِيَامِ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِالسِّتِّينَ إِلَى المائة وفي الظهر بالم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ وَأَنَّهُ كَانَ تُقَامُ الصَّلَاةُ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْبَقِيعِ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ فَيُدْرِكُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى وَأَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى بَلَغَ ذِكْرَ مُوسَى وَهَارُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ وَبِالْمُرْسَلَاتِ وَفِي الْبُخَارِيِّ بِالْأَعْرَافِ وَأَشْبَاهِ هَذَا وَكُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لَهُ فِي إِطَالَةِ الْقِيَامِ أَحْوَالٌ بِحَسَبِ الْأَوْقَاتِ وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ جَرَى فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْقِيَامَ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مَا خَلَا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ وَهَذَا تَفْسِيرُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقَوْلُهُ (فَجَلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالِانْصِرَافِ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْلِسَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ شَيْئًا يَسِيرًا فِي مُصَلَّاهُ قَوْلُهُ (غَلَبَ عَلَى الْكُوفَةِ رَجُلٌ فَأَمَرَ أَبَا عُبَيْدَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ) وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ مَطَرُ بْنُ نَاجِيَةَ كَمَا سَمَّاهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

باب متابعة الإمام والعمل بعده

(باب متابعة الإمام والعمل بعده) قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ أَرَ أَحَدًا يَحْنِي ظَهْرَهُ حَتَّى يَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَبْهَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَخِرُّ مَنْ وَرَاءَهُ سُجَّدًا) قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ الْقَائِلُ وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ وَمُرَادُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ غَيْرُ كَذُوبٍ وليس المراد أن الْبَرَاءُ غَيْرُ كَذُوبٍ لِأَنَّ الْبَرَاءَ صَحَابِيٌّ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَزْكِيَةٍ وَلَا يَحْسُنُ فِيهِ هَذَا القول وهذا الذي قاله بن مَعِينٍ خَطَأٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بَلِ الصَّوَابُ أَنَّ الْقَائِلَ وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ وَمُرَادُهُ أَنَّ الْبَرَاءَ غَيْرُ كَذُوبٍ وَمَعْنَاهُ تَقْوِيَةُ الْحَدِيثِ وَتَفْخِيمُهُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي تَمْكِينِهِ مِنَ النَّفْسِ لَا التَّزْكِيَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي مشكوك فيه ونظيره قول بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ حَدَّثَنِي الْحَبِيبُ الْأَمِينُ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ وَنَظَائِرُهُ

كَثِيرَةٌ فَمَعْنَى الْكَلَامِ حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ كَمَا عَلِمْتُمْ فَثِقُوا بِمَا أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ قالوا وقول بن مَعِينٍ أَنَّ الْبَرَاءَ صَحَابِيٌّ فَيُنَزَّهُ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ لَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ صَحَابِيٌّ أَيْضًا مَعْدُودٌ فِي الصَّحَابَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ هَذَا الْأَدَبُ مِنْ آدَابِ الصلاة وهو أن السنة أن لا يَنْحَنِيَ الْمَأْمُومُ لِلسُّجُودِ حَتَّى يَضَعَ الْإِمَامُ جَبْهَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ مَنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ إِلَى هَذَا الْحَدِّ لَرَفَعَ الْإِمَامُ مِنَ السُّجُودِ قَبْلَ سُجُودِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مَا يَقْتَضِي مَجْمُوعُهُ أَنَّ السُّنَّةَ لِلْمَأْمُومِ التَّأَخُّرُ عَنِ الْإِمَامِ قَلِيلًا بِحَيْثُ يَشْرَعُ فِي الرُّكْنِ بَعْدَ شُرُوعِهِ وَقَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبَانُ وَغَيْرُهُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْبَرَاءِ) هَذَا مِمَّا تَكَلَّمَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ الْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الْبَرَاءِ ولم يقل أحد عن بن أَبِي لَيْلَى غَيْرُ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ عَنِ الحكم وقد خالفه بن عَرْعَرَةَ فَقَالَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن يزيد عن البراء وغيرابان أَحْفَظُ مِنْهُ هَذَا كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ لَا يُقْبَلُ بَلْ أَبَانُ ثِقَةٌ نَقَلَ شَيْئًا فَوَجَبَ قَبُولُهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ كَذِبُهُ وَغَلَطُهُ وَلَا امْتِنَاعَ فِي أَنْ يَكُونَ مَرْوِيًّا عَنِ ابْنِ يزيد وبن أبي ليلى والله أعلم قوله (لايحنو أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَرَاهُ قَدْ سَجَدَ) هَكَذَا هُوَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ رِوَايَاتِ الْبَرَاءِ يَحْنُو بِالْوَاوِ وَبَاقِي رِوَايَاتِهِ وَرِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ بَعْدَهَا كُلُّهَا بِالْيَاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَهُمَا لُغَتَانِ حَكَاهُمَا

(باب ما يقول إذا رفع رأسه من اركوع)

الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ حَنَيْتُ وَحَنَوْتُ لَكِنِ الْيَاءُ أَكْثَرُ وَمَعْنَاهُ عَطَفْتُهُ وَمِثْلُهُ حَنَيْتُ الْعُودَ وَحَنَوْتُهُ عَطَفْتُهُ قَوْلُهُ (عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ سَرِيعٍ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى (فَلَا أقسم بالخنس) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَأَهْلُ اللُّغَةِ هِيَ النُّجُومُ الْخَمْسَةُ وَهِيَ الْمُشْتَرَى وَعُطَارِدُ وَالزُّهْرَةُ وَالْمِرِّيخُ وَزُحَلُ هَكَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي رواية عنه أن هَذِهِ الْخَمْسَةُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَعَنِ الْحَسَنِ هِيَ كُلُّ النُّجُومِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَالْخُنَّسُ الَّتِي تَخْنِسُ أَيْ تَرْجِعُ فِي مَجْرَاهَا وَالْكُنَّسُ الَّتِي تكنس أي تدخل في كُنَاسَهَا أَيْ تَغِيبُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَغِيبُ فِيهَا وَالْكُنَّسُ جَمْعُ كَانِسٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (باب مَا يَقُولُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ من اركوع) قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عن عبيد بن الحسن عن بن أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رَفَعَ ظَهْرَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ

وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ) هَذَا الإسناد كله كوفيون وملء هو بنصب الهمز ورفعها والنصب أشهر وهو الذي اختاره بن خَالَوَيْهِ وَرَجَّحَهُ وَأَطْنَبَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ وَجَوَازُ الرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مَرْجُوحٌ وَحُكِيَ عَنِ الزَّجَّاجِ أنه يَتَعَيَّنَ الرَّفْعُ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَبَالَغَ فِي إِنْكَارِ النَّصْبِ وَقَدْ ذَكَرْتُ كُلَّ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ مُخْتَصَرًا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ حَمْدًا لَوْ كَانَ أَجْسَامًا لَمَلَأَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا اسْتِحْبَابُ هذا الذكر ومنها وجوب الاعتدال ووجوب الطُّمَأْنِينَةِ فِيهِ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ مِنَ إِمَامٍ وَمَأْمُومٍ وَمُنْفَرِدٍ أَنْ يَقُولَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فِي حَالِ ارْتِفَاعِهِ وَقَوْلُهُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ فِي حال اعْتِدَالِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا كما رأيتموني أصلي رواه البخاري قوله (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى سَمِعَ هُنَا أَجَابَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى مُتَعَرِّضًا لِثَوَابِهِ استجاب الله تعالى له وَأَعْطَاهُ مَا تَعَرَّضَ لَهُ فَإِنَّا نَقُولُ رَبَّنَا لك الحمد لتحصيل ذلك قوله (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَجْزَأَةَ بْنِ زَاهِرٍ) هُوَ بِمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ جِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ زَايٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ تُكْتَبُ أَلِفًا ثُمَّ هَاءٍ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ فِيهِ كَسْرَ الْمِيمِ أَيْضًا وَرَجَّحَ الْفَتْحَ وَحُكِيَ أَيْضًا تَرْكُ الْهَمْزِ فِيهِ قَالَ وَقَالَهُ الْحَيَّانِيُّ بِالْهَمْزِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (اللهم طهرني بالثلج والبرد وماء البارد) اسْتِعَارَةٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الطَّهَارَةِ مِنَ الذُّنُوبِ وَغَيْرِهَا وقوله ماء البارد هو من إِضَافَةُ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى بِجَانِبِ الغربي وَقَوْلُهُمْ مَسْجِدُ الْجَامِعِ وَفِيهِ الْمَذْهَبَانِ السَّابِقَانِ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ جَائِزٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَمَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ تَقْدِيرَهُ مَاءُ الطَّهُورِ الْبَارِدِ وَجَانِبُ الْمَكَانِ الغربي ومسجد

الْمَوْضِعِ الْجَامِعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إثما قَالَ الْخَطِيئَةُ الْمَعْصِيَةُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِثْمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآدَمِيِّ قَوْلُهُ (كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْوَسَخِ) وَفِي رِوَايَةٍ مِنَ الدَّرَنِ وَفِي رِوَايَةٍ مِنَ الدَّنَسِ كُلُّهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَمَعْنَاهُ اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي طَهَارَةً كَامِلَةً مُعْتَنًى بِهَا كَمَا يُعْتَنَى بِتَنْقِيَةِ الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ مِنَ الْوَسَخِ قَوْلُهُ (أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ) أَمَّا قَوْلُهُ أَهْلَ فَمَنْصُوبٌ عَلَى النِّدَاءِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ رَفْعَهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْتَ أهل الثناء والمختار النصب والثناء والوصف الْجَمِيلُ وَالْمَدْحُ وَالْمَجْدُ الْعَظَمَةُ وَنِهَايَةُ الشَّرَفِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ قال القاضي عياض ووقع في رواية بن مَاهَانَ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْحَمْدِ وَلَهُ وَجْهٌ وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ هَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَحَقُّ بِالْأَلِفِ وَكُلُّنَا بِالْوَاوِ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ حَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ كُلُّنَا بِحَذْفِ

الْأَلِفِ وَالْوَاوِ فَغَيْرُ مَعْرُوفٍ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةِ وَإِنْ كَانَ كَلَامًا صَحِيحًا وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْمَعْرُوفَةِ تَقْدِيرُهُ أَحَقُّ قَوْلِ الْعَبْدِ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ إِلَى آخِرِهِ وَاعْتَرَضَ بَيْنَهُمَا وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ وَمِثْلُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون اعْتَرَضَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ والأرض وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا انثى والله أعلم بما وضعت عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ وَضَعَتْ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ التَّاءِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ ... أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالْأَنْبَاءُ تَنْمِي ... بِمَا لَاقَتْ لَبُونُ بني زياد ... وقول الآخر ... ألاهل أَتَاهَا وَالْحَوَادِثُ جَمَّةٌ ... بِأَنَّ امْرَأَ الْقَيْسِ بْنَ يَمْلِكَ يُبْقَرَا ... وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَإِنَّمَا يُعْتَرَضُ مَا يُعْتَرَضُ مِنْ هَذَا الْبَابِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ وَارْتِبَاطِهِ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ وَتَقْدِيرُهُ هُنَا أَحَقُّ قَوْلِ الْعَبْدِ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَقُولَهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِشَوَاهِدِهَا فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى فَضِيلَةِ هَذَا اللَّفْظِ فَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى أَنَّ هَذَا أَحَقُّ مَا قَالَهُ الْعَبْدُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَافِظَ عَلَيْهِ لِأَنَّ كُلَّنَا عبدولا نُهْمِلُهُ وَإِنَّمَا كَانَ أَحَقَّ مَا قَالَهُ الْعَبْدُ

(باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود)

لِمَا فِيهِ مِنَ التَّفْوِيضِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِذْعَانِ لَهُ وَالِاعْتِرَافِ بِوَحْدَانِيِّتِهِ وَالتَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِهِ وَأَنَّ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ مِنْهُ وَالْحَثَّ عَلَى الزَّهَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْإِقْبَالِ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَقَوْلُهُ ذَا الْجَدِّ المشهور فيه بفتح الْجِيمِ هَكَذَا ضَبَطَهُ الْعُلَمَاءُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ بِالْكَسْرِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ هُوَ بِالْفَتْحِ قَالَ وَقَالَهُ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكَسْرِ قَالَ وَهَذَا خِلَافُ مَا عَرَفَهُ أَهْلُ النَّقْلِ قَالَ وَلَا يعلم من قاله غَيْرَهُ وَضَعَّفَ الطَّبَرِيُّ وَمَنْ بَعْدَهُ الْكَسْرَ 2قَالُوا وَمَعْنَاهُ عَلَى ضَعْفِهِ الِاجْتِهَادُ أَيْ لَا يَنْفَعُ ذَا الِاجْتِهَادِ مِنْكَ اجْتِهَادَهُ إِنَّمَا يَنْفَعُهُ وَيُنْجِيهُ رَحْمَتَكَ وَقِيلَ الْمُرَادُ ذَا الْجَدِّ وَالسَّعْي التَّامِّ فِي الْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْإِسْرَاعُ فِي الْهَرَبِ أَيْ لَا يَنْفَعُ ذَا الْإِسْرَاعِ فِي الْهَرَبِ مِنْكَ هَرَبُهُ فَإِنَّهُ فِي قَبْضَتِكَ وَسُلْطَانِكَ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْجَدُّ بِالْفَتْحِ وَهُوَ الْحَظُّ وَالْغِنَى وَالْعَظَمَةُ وَالسُّلْطَانُ أَيْ لَا يَنْفَعُ ذَا الْحَظِّ فِي الدُّنْيَا بِالْمَالِ وَالْوَلَدِ وَالْعَظَمَةِ وَالسُّلْطَانِ مِنْكَ حَظُّهُ أَيْ لَا يُنْجِيهُ حَظُّهُ مِنْكَ وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُ وَيُنْجِيهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خير عند ربك والله تعالى أعلم (باب النَّهْيُ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ) هَذَا مِنْ وَرَعِ مُسْلِمٍ وَبَاهِرِ عِلْمِهِ لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ

اثْنَيْنِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ وَسُفْيَانُ مَعْرُوفٌ بِالتَّدْلِيسِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ فَنَبَّهَ مُسْلِمٌ عَلَى اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ فِي عِبَارَةِ سُفْيَانَ قَوْلُهُ (كَشَفَ السِّتَارَةَ) هِيَ بِكَسْرِ السِّينِ وَهِيَ السِّتْرُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ وَالدَّارِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (نَهَانِي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أَقْرَأَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَإِنَّمَا وَظِيفَةُ الرُّكُوعِ التَّسْبِيحُ وَوَظِيفَةُ السُّجُودِ التَّسْبِيحُ وَالدُّعَاءُ فَلَوْ قَرَأَ فِي رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ كُرِهَ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَإِنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ كَغَيْرِ الْفَاتِحَةِ فَيُكْرَهُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَالثَّانِي يَحْرُمُ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ هَذَا إِذَا كَانَ عَمْدًا فَإِنْ قَرَأَ سهوا لم يكره وسواء قرأ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ) أَيْ سَبِّحُوهُ وَنَزِّهُوهُ وَمَجِّدُوهُ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا الْأَذْكَارَ الَّتِي تُقَالُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَفِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى وَيُكَرِّرُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَضُمُّ إِلَيْهِ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ إِلَى آخِرِهِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِغَيْرِ الْإِمَامِ وَلِلْإِمَامِ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّ الْمَأْمُومِينَ يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ فَإِنْ شَكَّ لَمْ يَزِدْ عَلَى التَّسْبِيحِ وَلَوِ اقْتَصَرَ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ عَلَى تَسْبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ حَصَّلَ أَصْلَ سُنَّةِ التَّسْبِيحِ لَكِنْ تَرَكَ كَمَالَهَا وَأَفْضَلَهَا وَاعْلَمْ أَنَّ التَّسْبِيحَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ سُنَّةٌ غَيْرُ وَاجِبٍ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْجُمْهُورُ وَأَوْجَبَهُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَطَائِفَةٌ مِنَ أَئِمَةِ الحدي لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فِي الْأَمْرِ بِهِ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يأمره به ولو وجب لأمره به فَإِنْ قِيلَ فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالنِّيَّةِ وَالتَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ فقد سبق جوابه عند شرحه وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَمِنٌ هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فَمَنْ فَتَحَ فَهُوَ عِنْدَهُ مَصْدَرٌ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ وَمَنْ كَسَرَ فَهُوَ وَصْفٌ يُثَنَّى وَيُجْمَعُ وَفِيهِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ قَمِينٌ بِزِيَادَةِ يَاءٍ وَفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَمَعْنَاهُ حَقِيقٌ

وَجَدِيرٌ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْمَعَ فِي سُجُودِهِ بَيْنَ الدُّعَاءِ وَالتَّسْبِيحِ وَسَتَأْتِي الْأَحَادِيثُ فِيهِ قَوْلُهُ (وَرَأْسُهُ مَعْصُوبٌ) فِيهِ عَصْبُ الرَّأْسِ عِنْدَ وَجَعِهِ قَوْلُهُ (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ قَوْلُهُ (نَهَانِي وَلَا أَقُولُ نَهَاكُمْ) لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بِهِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي سَمِعْتَهُ بِصِيغَةِ الْخِطَابِ لِي فَأَنَا أَنْقُلُهُ كَمَا سَمِعْتُهُ وَإِنْ 8كَانَ الْحُكْمُ يتناول الناس

كلهم ذكر مسلم الِاخْتِلَافَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ حُنَيْنٍ فِي ذِكْرِ بن عَبَّاسٍ بَيْنَ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ

باب ما يقال في الركوع والسجود

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَنْ أَسْقَطَ بن عَبَّاسٍ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ قُلْتُ وَهَذَا اخْتِلَافٌ لَا يُؤْثِّرُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ فَقَدْ يَكُونُ عَبْدُ الله بن حنين سمعه من بن عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ ثُمَّ سَمِعَهُ مِنْ عَلِيٍّ نَفْسِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَائِلِ هَذَا الشَّرْحِ مَبْسُوطَةً قَوْلُهُ (نَهَانِي حِبِّي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَالْبَاءِ أي محبوبي (باب ما يقال في الركوع والسجود) قوله صلى الله عليه وسلم (أقرب ما يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ) مَعْنَاهُ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ وَفَضْلِهِ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ إِنَّ السُّجُودَ أَفْضَلُ مِنَ الْقِيَامِ وَسَائِرِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا أَنَّ تَطْوِيلَ السُّجُودِ وَتَكْثِيرَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَغَوِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ وَمِمَّنْ قَالَ بِتَفْضِيلِ تَطْوِيلِ السجود بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَمَاعَةٍ أَنَّ تَطْوِيلَ الْقِيَامِ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ وَالْمُرَادُ بِالْقُنُوتِ الْقِيَامُ وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْقِيَامِ الْقِرَاءَةُ وَذِكْرَ السُّجُودِ التَّسْبِيحُ وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُطَوِّلَ الْقِيَامَ أَكْثَرَ مِنْ تَطْوِيلِ السُّجُودِ وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَقْضِ فِيهَا بِشَيْءٍ وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ أَمَّا فِي النَّهَارِ فَتَكْثِيرُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ وَأَمَّا فِي اللَّيْلِ فَتَطْوِيلُ الْقِيَامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ جُزْءٌ بِاللَّيْلِ يَأْتِي عَلَيْهِ فَتَكْثِيرُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

أَفْضَلُ لِأَنَّهُ يَقْرَأُ جُزْأَهُ وَيَرْبَحُ كَثْرَةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ إِنَّمَا قَالَ إِسْحَاقُ هَذَا لِأَنَّهُمْ وَصَفُوا صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بالليل بطول القيام ولم يُوصَفُ مِنْ تَطْوِيلِهِ بِالنَّهَارِ مَا وُصِفَ بِاللَّيْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ وَجِلَّهُ) هُوَ بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا أَيْ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَفِيهِ تَوْكِيدُ الدُّعَاءِ وَتَكْثِيرُ أَلْفَاظِهِ وَإِنْ أَغْنَى بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ قَوْلُهَا (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ) مَعْنَى يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ يَعْمَلُ مَا أُمِرَ بِهِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ توابا وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ الْبَدِيعَ فِي الْجَزَالَةِ الْمُسْتَوْفِي مَا أُمِرَ بِهِ فِي الْآيَةِ وَكَانَ يَأْتِي بِهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا فَكَانَ يَخْتَارُهَا لِأَدَاءِ هَذَا الْوَاجِبِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ لِيَكُونَ أَكْمَلَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ التَّسْبِيحُ التَّنْزِيهُ وَقَوْلُهُمْ سُبْحَانَ

اللَّهِ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ يُقَالُ سَبَّحْتُ اللَّهَ تسبيحا وسبحانا فسبحان الله معناه براءة وتنزيها لَهُ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ وَصِفَةٍ لِلْمُحَدِّثِ قَالُوا وَقَوْلُهُ وَبِحَمْدِكَ أَيْ وَبِحَمْدِكَ سَبَّحْتُكَ وَمَعْنَاهُ بِتَوْفِيقِكَ لِي وَهِدَايَتِكَ وَفَضْلِكَ عَلَيَّ سَبَّحْتُكَ لَا بِحَوْلِي وَقُوَّتِي فَفِيهِ شُكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ وَالِاعْتِرَافُ بِهَا وَالتَّفْوِيضُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ كُلَّ الْأَفْعَالِ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ حُجَّةٌ أَنَّهُ يَجُوزُ بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ كَرَاهَتُهُ لِئَلَّا يَكُونَ كَاذِبًا قَالَ بَلْ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ حَسَنٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَأَمَّا كَرَاهَةُ قَوْلِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فَلَا يُوَافِقُ عَلَيْهَا وَقَدْ ذَكَرْتُ الْمَسْأَلَةَ بِدَلَائِلِهَا فِي بَابِ الِاسْتِغْفَارِ مِنْ كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا اسْتِغْفَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ مَعَ أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْعُبُودِيَّةِ وَالْإِذْعَانِ وَالِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صبيح) هو بضم

الصَّادِ وَهُوَ أَبُو الضُّحَى الْمَذْكُورُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى قَوْلُهَا (فَتَحَسَّسَتْ) هُوَ بِالْحَاءِ وَقَوْلُهَا (افْتَقَدْتُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقَدْتُ هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى قَوْلُهُ (مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَوْلُهَا (فَوَقَعَتْ يَدَيَّ عَلَى بَطْنِ قَدَمِهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ يَقُولُ لَمْسُ الْمَرْأَةِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَآخَرِينَ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَكْثَرُونَ يَنْقُضُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمَلْمُوسَ لَا يُنْتَقَضُ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرِهِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ يُنْتَقَضُ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا يُحْمَلُ هَذَا اللَّمْسُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فَوْقَ حَائِلٍ فَلَا يَضُرُّ وَقَوْلُهَا (وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ) فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ نَصْبَهُمَا فِي السُّجُودِ وَقَوْلُهَا (وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إني

أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ) قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا مَعْنًى لَطِيفٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَسَأَلَهُ أَنْ يُجِيرَهُ بِرِضَاهُ مِنْ سَخَطِهِ وَبِمُعَافَاتِهِ مِنْ عُقُوبَتِهِ وَالرِّضَاءُ وَالسَّخَطُ ضِدَّانِ مُتَقَابِلَانِ وَكَذَلِكَ الْمُعَافَاةُ وَالْعُقُوبَةُ فَلَمَّا صَارَ إِلَى ذِكْرِ مَا لَا ضِدَّ لَهُ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اسْتَعَاذَ بِهِ مِنْهُ لَا غَيْرُ وَمَعْنَاهُ الِاسْتِغْفَارُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي بُلُوغِ الْوَاجِبِ مِنْ حَقِّ عِبَادَتِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَيْ لَا أُطِيقُهُ وَلَا آتِي عَلَيْهِ وَقِيلَ لَا أُحِيطُ بِهِ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَعْنَاهُ لَا أُحْصِي نِعْمَتَكَ وَإِحْسَانَكَ وَالثَّنَاءَ بِهَا عَلَيْكَ وَإِنْ اجْتَهَدْتُ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْكَ وَقَوْلُهُ (أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ) اعْتِرَافٌ بِالْعَجْزِ عَنْ تَفْصِيلِ الثَّنَاءِ وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى بُلُوغِ حَقِيقَتِهِ وَرَدٌّ لِلثَّنَاءِ إِلَى الْجُمْلَةِ دُونَ التَّفْصِيلِ وَالْإِحْصَارِ وَالتَّعْيِينِ فَوَكَّلَ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُحِيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا وَكَمَا أَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِصِفَاتِهِ لَا نِهَايَةَ لِلثَّنَاءِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الثَّنَاءَ تَابِعٌ لِلْمُثْنَى عَلَيْهِ وَكُلُّ ثَنَاءٍ أَثْنَى بِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَثُرَ وَطَالَ وَبُولِغَ فِيهِ فَقَدْرُ اللَّهِ أَعْظَمُ وَسُلْطَانُهُ أَعَزُّ وَصِفَاتُهُ أَكْبَرُ وَأَكْثَرُ وَفَضْلُهُ وَإِحْسَانُهُ أَوْسَعُ وَأَسْبَغُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي جَوَازِ إِضَافَةِ الشَّرِّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يُضَافُ إِلَيْهِ الْخَيْرُ لِقَوْلِهِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ سَخَطِكَ وَمِنْ عُقُوبَتِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ) هُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ قَوْلُهُ (سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ) هُمَا بِضَمِّ السِّينِ وَالْقَافِ وَبِفَتْحِهِمَا وَالضَّمُّ أَفْصَحُ وَأَكْثَرُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي فَصْلِ ذَرَحَ كَانَ سِيبَوَيْهِ يَقُولُهُمَا بِالْفَتْحِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي فَصْلِ سَبَحَ سُبُّوحٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ ثَعْلَبٌ كُلُّ اسْمٍ عَلَى فَعُولٍ فَهُوَ مَفْتُوحُ الْأَوَّلِ إِلَّا السُّبُّوحَ وَالْقُدُّوسَ فَإِنَّ الضَّمَّ فِيهِمَا أَكْثَرُ وَكَذَلِكَ الذَّرُّوحُ وَهِيَ دُوَيْبَةٌ حَمْرَاءُ مُنَقَّطَةٌ بِسَوَادٍ تَطِيرُ وَهِيَ من ذوات السموم وقال بن فارس والزبيدي وغيرهما سبوح هوالله عَزَّ وَجَلَّ فَالْمُرَادُ بِالسُّبُّوحِ الْقُدُّوسُ الْمُسَبَّحُ

(باب فضل السجود والحث عليه)

الْمُقَدَّسُ فَكَأَنَّهُ قَالَ مُسَبَّحٌ مُقَدَّسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ والروح ومعنى سبوح المبرأ من النقائص وَالشَّرِيكِ وَكُلُّ مَا لَا يَلِيقُ بِالْإِلَهِيَّةِ وَقُدُّوسٌ الْمُطَهَّرُ مِنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِالْخَالِقِ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ قِيلَ الْقُدُّوسُ الْمُبَارَكُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقِيلَ فِيهِ سُبُّوحًا قُدُّوسًا عَلَى تَقْدِيرِ أُسَبِّحُ سُبُّوحًا أَوْ أَذْكُرُ أَوْ أُعَظِّمُ أَوْ أَعْبُدُ وَقَوْلُهُ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ قِيلَ الرُّوحُ مَلَكٌ عَظِيمٌ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقِيلَ خَلْقٌ لَا تَرَاهُمُ الْمَلَائِكَةُ كَمَا لَا نَرَى نَحْنُ الْمَلَائِكَةَ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (باب فَضْلِ السُّجُودِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ) فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا

(باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب)

دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً وَفِي الْحَدِيثِ الآخر أسألك مرافقتك في الجنة قال أو غير ذَلِكَ قَالَ هُوَ ذَلِكَ قَالَ فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ فِيهِ الْحَثُّ عَلَى كَثْرَةِ السُّجُودِ وَالتَّرْغِيبُ وَالْمُرَادُ بِهِ السُّجُودُ فِي الصَّلَاةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ تَكْثِيرُ السُّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ إِطَالَةِ الْقِيَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْمَسْأَلَةُ وَالْخِلَافُ فِيهَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَسَبَبُ الْحَثِّ عَلَيْهِ مَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْجُدْ واقترب وَلِأَنَّ السُّجُودَ غَايَةُ التَّوَاضُعِ وَالْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ تَمْكِينُ أَعَزِّ أَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ وَأَعْلَاهَا وَهُوَ وَجْهُهُ مِنَ التُّرَابِ الَّذِي يُدَاسُ وَيُمْتَهَنُ وَاللَّهُ أعلم وقوله أو غير ذَلِكَ هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ (باب أَعْضَاءِ السُّجُودِ وَالنَّهْيِ عَنْ كَفِّ الشَّعْرِ وَالثَّوْبِ) وَعَقْصِ الرَّأْسِ فِي الصَّلَاةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَنْفِهِ

وَالرِّجْلَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ وَلَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَلَا الشَّعْرَ) وَفِي رِوَايَةٍ (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعٍ وَلَا أَكْفِتَ الشَّعْرَ وَلَا الثِّيَابَ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ) وَفِي رِوَايَةٍ عن بن عَبَّاسٍ (أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةٍ وَنُهِيَ أَنْ يَكِفَّ شعره أو

ثيابه) وفي رواية عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ فَقَامَ فَجَعَلَ يَحِلُّهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ إلى بن عباس فقال مالك وَلِرَأْسِي فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّمَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ) هَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِيهَا فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّ أَعْضَاءَ السُّجُودِ سَبْعَةٌ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلسَّاجِدِ أَنْ يَسْجُدَ عَلَيْهَا كُلِّهَا وَأَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ جَمِيعًا فَأَمَّا الْجَبْهَةُ فَيَجِبُ وَضْعُهَا مَكْشُوفَةً عَلَى الْأَرْضِ وَيَكْفِي بَعْضُهَا وَالْأَنْفُ مُسْتَحَبٌّ فَلَوْ تَرَكَهُ جَازَ وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَتَرَكَ الْجَبْهَةَ لَمْ يَجُزْ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَكْثَرِينَ وقال أبو حنيفة رضي الله عنه وبن الْقَاسِمِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَقَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وبن حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَجِبُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ جَمِيعًا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ بَلْ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُمَا فِي حُكْمِ عُضْوٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ سَبْعَةٍ فَإِنْ جُعِلَا عُضْوَيْنِ صَارَتْ ثَمَانِيَةً وَذَكَرَ الْأَنْفَ اسْتِحْبَابًا وَأَمَّا الْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ فَهَلْ يَجِبُ السُّجُودُ عَلَيْهِمَا فِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَحَدُهُمَا لَا يَجِبُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكِّدًا وَالثَّانِي يَجِبُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَو أَخَلَّ بِعُضْوٍ مِنْهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِذَا أَوْجَبْنَاهُ لَمْ يَجِبْ كَشْفُ الْقَدَمَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَفِي الْكَفَّيْنِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَحَدُهُمَا يَجِبُ كَشْفُهُمَا كَالْجَبْهَةِ وَأَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَةُ أَعْظُمٍ أَيْ أَعْضَاءٍ فَسَمَّى كُلَّ عُضْوٍ عَظْمًا وَإِنْ كَانَ فِيهِ عِظَامٌ كَثِيرَةٌ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا نَكْفِتُ الثِّيَابَ وَلَا الشَّعْرَ) هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ لَا نَضُمُّهَا وَلَا نَجْمَعُهَا وَالْكَفْتُ الْجَمْعُ وَالضَّمُّ

(باب الاعتدال في السجود ووضع الكفين على الأرض)

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَيْ نَجْمَعُ النَّاسَ فِي حَيَاتِهِمْ وَمَوْتِهِمْ وَهُوَ بمعنى الكف في الرواية الأخرى كلاهما بِمَعْنًى وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ وَثَوْبُهُ مُشَمَّرٌ أَوْ كُمُّهُ أَوْ نَحْوُهُ أَوْ رَأْسُهُ مَعْقُوصٌ أَوْ مَرْدُودٌ شَعْرُهُ تَحْتَ عِمَامَتِهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ فَلَوْ صَلَّى كَذَلِكَ فَقَدْ أَسَاءَ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ بِإِجْمَاعِ العلماء وحكى بن الْمُنْذِرِ الْإِعَادَةَ فِيهِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ثُمَّ مذهب الجمهور أن النهي مطلقا لِمَنْ صَلَّى كَذَلِكَ سَوَاءٌ تَعَمَّدَهُ لِلصَّلَاةِ أَمْ كَانَ قَبْلَهَا كَذَلِكَ لَا لَهَا بَلْ لِمَعْنًى آخَرَ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ يَخْتَصُّ النَّهْيُ بِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِلصَّلَاةِ وَالْمُخْتَارُ الصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَنْقُولِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ فعل بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ هُنَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنْهُ أَنَّ الشَّعْرَ يَسْجُدُ مَعَهُ وَلِهَذَا مَثَّلَهُ بِالَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ قَوْلُهُ (عَنِ بن عباس أنه رأى بن الْحَارِثِ يُصَلِّي وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ فَقَامَ فَجَعَلَ يَحِلُّهُ) فِيهِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأَنَّ ذلك لا يؤخر إذا لم يؤخره بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الصَّلَاةِ وَأَنَّ الْمَكْرُوهَ يُنْكَرُ كَمَا يُنْكَرُ الْمُحَرَّمُ وَأَنَّ مَنْ رَأَى مُنْكَرًا وَأَمْكَنَهُ تَغْيِيرُهُ بِيَدِهِ غَيَّرَهُ بِهَا لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب الِاعْتِدَالِ فِي السُّجُودِ وَوَضْعِ الْكَفَّيْنِ عَلَى الْأَرْضِ) وَرَفْعِ المرفقين عن الجنبين ورفع البطن عن الفخذين في السجود مَقْصُودُ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلسَّاجِدِ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيَرْفَعَ مِرْفَقَيْهِ عَنِ الْأَرْضِ وَعَنْ جَنْبَيْهِ رَفْعًا بَلِيغًا بِحَيْثُ يَظْهَرُ بَاطِنُ إِبْطَيْهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَسْتُورًا وَهَذَا أَدَبٌ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ فَلَوْ تَرَكَهُ كَانَ مُسِيئًا مُرْتَكِبًا وَالنَّهْي لِلتَّنْزِيهِ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي هَذَا أَنَّهُ أَشْبَهُ بِالتَّوَاضُعِ وَأَبْلَغُ فِي تَمْكِينِ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ مِنَ الْأَرْضِ وَأَبْعَدُ مِنْ هَيْئَاتِ الْكَسَالَى فَإِنَّ الْمُتَبَسِّطَ كَشَبَهِ الْكَلْبِ وَيُشْعِرُ حَالُهُ بِالتَّهَاوُنِ بِالصَّلَاةِ وَقِلَّةِ الِاعْتِنَاءِ بِهَا وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

وَأَمَّا أَلْفَاظُ الْبَابِ فَفِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَلَا يَتَبَسَّطْ بِزِيَادَةِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ هَذَانِ اللَّفْظَانِ صَحِيحَانِ وَتَقْدِيرُهُ وَلَا يَبْسُطْ ذِرَاعَيْهِ فَيَنْبَسِطَ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ وَكَذَا اللَّفْظُ الْآخَرُ وَلَا يَتَبَسَّطْ ذِرَاعَيْهِ فَيَنْبَسِطَ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ وَمِثْلُهُ قَوْلُ اللَّهِ تعالى والله أنبتكم من الأرض نباتا وَقَوْلُهُ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ شَاهِدَانِ وَمَعْنَى يَتَبَسَّطْ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ أَيْ يَتَّخِذُهُمَا بِسَاطًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنِ إِيَادٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وبالياء المثناة من تحت قوله (عن عبد الله بن مالك بن بُحَيْنَةَ) الصَّوَابُ فِيهِ أَنْ يُنَوِّنَ مَالِكٍ وَيَكْتُبَ بن بالألف لأن بن بُحَيْنَةَ لَيْسَ صِفَةً لِمَالِكٍ بَلْ صِفَةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ اسْمُ أَبِيهِ مَالِكٍ وَاسْمُ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بُحَيْنَةُ فَبُحَيْنَةُ امْرَأَةُ مَالِكٍ وَأُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ قَوْلُهُ (فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ) يَعْنِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَجَنْبَيْهِ قوله

(يُجَنِّحُ فِي سُجُودِهِ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ وَهُوَ مَعْنَى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى خَوَّى بِيَدَيْهِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَفَرَّجَ وَجَنَّحَ وَخَوَّى بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَمَعْنَاهُ كُلُّهُ بَاعَدَ مِرْفَقَيْهِ وَعَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ قَوْلُهُ (يُجَنِّحُ فِي سُجُودِهِ حَتَّى نَرَى بَيَاضَ إِبْطَيْهِ) هُوَ بِالنُّونِ فِي نَرَى وَرُوِيَ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ الْمَضْمُومَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَيُؤَيِّدُ الْيَاءَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ مَيْمُونَةَ إِذَا سَجَدَ خَوَّى بِيَدَيْهِ حَتَّى يُرَى وَضَحُ إِبْطَيْهِ ضَبَطْنَاهُ وَضَبَطُوهُ هُنَا بِضَمِّ الْيَاءِ وَيُؤَيِّدُ النُّونَ رِوَايَةُ اللَّيْثِ فِي هَذَا الطَّرِيقِ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى بَيَاضَ إِبْطَيْهِ قَوْلُهُ (لَوْ شَاءَتْ بُهْمَةٌ أَنْ تَمُرَّ) قَالَ أبو عبيد وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْبُهْمَةُ وَاحِدَةُ الْبُهْمِ وَهِيَ أَوْلَادُ الْغَنَمِ مِنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَجَمْعُ الْبُهْمِ بِهَامٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْبُهْمَةُ مِنْ أَوْلَادِ الضَّأْنِ خَاصَّةً وَيُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَالَ وَالسِّخَالُ أَوْلَادُ الْمِعْزَى قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا بن عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ) هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِتَصْغِيرِ

الْأَوَّلِ فِي الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا عَبْدُ اللَّهِ مُكَبَّرًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَفِي أَكْثَرِهَا بِالتَّكْبِيرِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَالتَّصْغِيرِ فِي الثَّانِيَةِ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ فَعَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ أَخَوَانِ وَهُمَا ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَصَمِّ وَعَبْدُ اللَّهِ بِالتَّكْبِيرِ أَكْبَرُ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ وَكِلَاهُمَا رَوَيَا عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ وَهَذَا مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ وَالَّذِي ذَكَرَهُ خَلَفُ الْوَاسِطِيُّ فِي كِتَابِهِ أَطْرَافِ الصَّحِيحَيْنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَبْدُ اللَّهِ بِالتَّكْبِيرِ فِي الرِّوَايَتَيْنِ وَكَذَا ذَكَرَهُ أبو داود وبن ماجة في سننيهما من رواية بن عُيَيْنَةَ بِالتَّكْبِيرِ وَلَمْ يَذْكُرُوا رِوَايَةَ الْفَزَارِيِّ وَوَقَعَ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ اخْتِلَافٌ فِي الرِّوَايَةِ عَنِ النَّسَائِيِّ بَعْضُهُمْ رَوَاهُ بِالتَّكْبِيرِ وَبَعْضُهُمْ بِالتَّصْغِيرِ وَرَوَاهُ البيهقي في السنن الكبير من رواية بن عُيَيْنَةَ بِالتَّصْغِيرِ وَمِنْ رِوَايَةِ الْفَزَارِيِّ بِالتَّكْبِيرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَتَّى يُرَى وَضَحُ إِبْطَيْهِ) هُوَ بِفَتْحِ الضَّادِ أَيْ بَيَاضُهُمَا قَوْلُهُ (وَإِذَا قَعَدَ اطْمَأَنَّ عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى) يَعْنِي إِذَا قَعَدَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَوْ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الْقُعُودُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَالسُّنَّةُ فِيهِ التَّوَرُّكُ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ) بِضَمِّ الباء الموحدة والله أعلم

(باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به)

(باب مَا يَجْمَعُ صِفَةَ الصَّلَاةِ وَمَا يُفْتَتَحُ به ويختم به) وصفة الركوع والاعتدال منه والسجود والاعتدال منه والتشهد بعد كل ركعتين من الرباعية وصفة الجلوس بين السجدتين وفي التشهد الأول فِيهِ أَبُو الْجَوْزَاءَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَكَانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشَخِّصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِي قَائِمًا وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ بِالتَّسْلِيمِ) وَفِي رِوَايَةٍ يَنْهَى عَنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ أَبُو الْجَوْزَاءِ بِالْجِيمِ وَالزَّايِ وَاسْمُهُ أَوْسُ بن عبد الله بصرى قَوْلُهَا وَالْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ هُوَ بِرَفْعِ الدَّالِ عَلَى الْحِكَايَةِ قَوْلُهَا (وَلَمْ يُصَوِّبْهُ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ لَمْ يَخْفِضْهُ خَفْضًا بَلِيغًا بَلْ يَعْدِلُ فِيهِ بَيْنَ الْإِشْخَاصِ وَالتَّصْوِيبِ قَوْلُهَا (وَكَانَ يَفْرُشُ) هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَالضَّمُّ أَشْهَرُ قَوْلُهَا (عقبة الشيطان

بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَقِبُ الشَّيْطَانِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْقَافِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِيهِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَضَعَّفَهُ وَفَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ بِالْإِقْعَاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَهُوَ أَنْ يُلْصِقَ أَلْيَيْهِ بِالْأَرْضِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا يَفْرِشُ الْكَلْبُ وَغَيْرُهُ مِنَ السِّبَاعِ أَمَّا أحكام الباب فَقَوْلُهَا كَانَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ فِيهِ إِثْبَاتُ التَّكْبِيرِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ لَفْظُ التَّكْبِيرِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَعْيِينِ التَّكْبِيرِ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُومُ غَيْرُهُ مِنْ أَلْفَاظِ التَّعْظِيمِ مَقَامَهُ وَقَوْلُهَا (وَالْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَقُولُ إِنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ وَجَوَابُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَكْثَرِينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا مِنَ الْفَاتِحَةِ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ الْقُرْآنَ بِسُورَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا بِسُورَةٍ أُخْرَى فَالْمُرَادُ بَيَانُ السُّورَةِ الَّتِي يُبْتَدَأُ بِهَا وَقَدْ قَامَتِ الْأَدِلَّةُ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ مِنْهَا وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ لِلرَّاكِعِ أَنْ يُسَوِّيَ ظَهْرَهُ بِحَيْثُ يَسْتَوِي رَأْسُهُ وَمُؤَخَّرُهُ وَفِيهِ وُجُوبُ الإعتدال إذا رفع من الركوع وأنه يَجِبُ أَنْ يَسْتَوِيَ قَائِمًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَفِيهِ وُجُوبُ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَوْلُهَا (وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ) فِيهِ حُجَّةٌ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ فُقَهَاءِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ أَنَّ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَالْأَخِيرَ وَاجِبَانِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالْأَكْثَرُونَ هُمَا سُنَّتَانِ لَيْسَا وَاجِبَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْأَوَّلُ سُنَّةٌ وَالثَّانِي وَاجِبٌ وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا الْحَدِيثِ مَعَ قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَبِقَوْلِهِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّاتِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَاحْتَجَّ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَجَبَرَهُ بِسُجُودِ السَّهْوِ وَلَوْ وَجَبَ لَمْ يَصِحَّ جَبْرُهُ كَالرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَرْكَانِ قَالُوا وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْأَوَّلِ فَالْأَخِيرُ بِمَعْنَاهُ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَلِّمْهُ الْأَعْرَابِيَّ حِينَ عَلَّمَهُ فروض الصلاة والله أعلم قولها وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى مَعْنَاهُ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا فِيهِ حُجَّةٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ الْجُلُوسَ فِي الصَّلَاةِ يَكُونُ مُفْتَرِشًا سَوَاءٌ فِيهِ جَمِيعُ الْجِلْسَاتِ وَعِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُسَنُّ مُتَوَرِّكًا بِأَنْ يُخْرِجُ

رِجْلَهُ الْيُسْرَى مِنْ تَحْتِهِ وَيُفْضِي بِوَرِكِهِ إِلَى الْأَرْضِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى السُّنَّةُ أَنْ يَجْلِسَ كُلَّ الْجِلْسَاتِ مُفْتَرِشًا إِلَّا الَّتِي يَعْقُبُهَا السَّلَامُ وَالْجِلْسَاتُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى أَرْبَعٌ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَجِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ عَقِبَ كُلِّ رَكْعَةٍ يَعْقُبُهَا قِيَامٌ وَالْجِلْسَةُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالْجِلْسَةُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَالْجَمِيعُ يُسَنُّ مُفْتَرِشًا إِلَّا الْأَخِيرَةَ فَلَوْ كَانَ مَسْبُوقًا وَجَلَسَ إِمَامُهُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ مُتَوَرِّكًا جَلَسَ الْمَسْبُوقُ مُفْتَرِشًا لِأَنَّ جُلُوسَهُ لَا يَعْقُبُهُ سَلَامٌ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمُصَلِّي سُجُودُ سَهْوٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا فِي التَّشَهُّدِ فَإِذَا سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ تَوَرَّكَ ثُمَّ سَلَّمَ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِطْلَاقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا هَذَا وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِالِافْتِرَاشِ فِي الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ وَالتَّوَرُّكِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَحُمِلَ حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا عَلَى الْجُلُوسِ فِي غَيْرِ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَجُلُوسُ الْمَرْأَةِ كَجُلُوسِ الرَّجُلِ وَصَلَاةُ النَّفْلِ كَصَلَاةِ الْفَرْضِ فِي الْجُلُوسِ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّ سُنَّةَ الْمَرْأَةِ التَّرَبُّعُ وَعَنْ بَعْضِهِمُ التَّرَبُّعُ فِي النَّافِلَةِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ ثُمَّ هَذِهِ الْهَيْئَةُ مُسْتَوِيَةٌ فَلَوْ جَلَسَ فِي الْجَمِيعِ مُفْتَرِشًا أَوْ مُتَوَرِّكًا أَوْ مُتَرَبِّعًا أَوْ مُقْعِيًا أَوْ مَادًّا رِجْلَيْهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا قَوْلُهَا (وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ) هُوَ الْإِقْعَاءُ الَّذِي فَسَّرْنَاهُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا الْإِقْعَاءُ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا في حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ فَهُوَ غَيْرُ هَذَا كَمَا سَنُفَسِّرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهَا (وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ قَوْلُهَا (وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ بِالتَّسْلِيمِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ التَّسْلِيمِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ هَذَا مَعَ قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَقَالَ مَالِكٌ والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى وجمهور العلماء مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ السَّلَامُ فَرْضٌ وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إِلَّا بِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هُوَ سُنَّةٌ لَوْ تَرَكَهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَوْ فَعَلَ مُنَافِيًا لِلصَّلَاةِ مِنْ حَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي آخِرِهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَلِّمْهُ الْأَعْرَابِيَّ فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ حِينَ عَلَّمَهُ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَبِالْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ

باب سترة المصلى والندب إلى الصلاة إلى سترة والنهي

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْجُمْهُورِ أَنَّ الْمَشْرُوعَ تَسْلِيمَتَانِ ومذهب مالك رحمه الله تعالى في طَائِفَةُ الْمَشْرُوعِ تَسْلِيمَةٌ وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ قَالَ بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ فَهِيَ عِنْدَهُ سُنَّةٌ وَشَذَّ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فَأَوْجَبَهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ مَنْ قبله والله أعلم (باب سترة المصلى والندب إلى الصلاة إلى سترة والنهي عن المرور) (بين يدي المصلي وحكم المرور ودفع المار وجواز الاعتراض بين يدي المصلي) (والصلاة إلى الراحلة والأمر بالدنو من السترة وبيان قدر السترة وما يتعلق بِذَلِكَ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ فَلْيُصَلِّ وَلَا يُبَالِ مَنْ مَرَّ وَرَاءِ ذَلِكَ) الْمُؤْخِرَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَيُقَالُ بِفَتْحِ الْخَاءِ مَعَ فَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْخَاءِ وَمَعَ إِسْكَانِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الْخَاءِ وَيُقَالُ آخِرَةُ الرَّحْلِ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٌ وَكَسْرِ الْخَاءِ فَهَذِهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ وَهِيَ الْعُودُ الَّذِي فِي آخِرِ الرَّحْلِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّدْبُ إِلَى السُّتْرَةِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي وَبَيَانُ أَنَّ أَقَلَّ السُّتْرَةِ مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ وَهِيَ قَدْرُ عَظْمِ الذِّرَاعِ هُوَ نَحْوُ ثلثي ذراع ويحصل بأى شئ أَقَامَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ هَكَذَا وَشَرَطَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ فِي غِلَظِ الرُّمْحِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي السُّتْرَةِ كَفُّ الْبَصَرِ عَمَّا وَرَاءَهُ وَمَنْعُ مَنْ يُجْتَازُ بِقُرْبِهِ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْخَطَّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي لَا يَكْفِي قَالَ وَإِنْ كَانَ قَدْ جَاءَ بِهِ حَدِيثٌ وَأَخَذَ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ ضَعِيفٌ وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ يَكُونُ مُقَوَّسًا كَهَيْئَةِ الْمِحْرَابِ وَقِيلَ قَائِمًا بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي إِلَى الْقِبْلَةِ وَقِيلَ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ إِلَى شِمَالِهِ قَالَ وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ

رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ الْخَطَّ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَحَدِيثُ الْخَطِّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِيهِ ضَعْفٌ وَاضْطِرَابٌ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ فَاسْتَحَبَّهُ فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ وَفِي الْقَدِيمِ وَنَفَاهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ بِاسْتِحْبَابِهِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِ الْخَطِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَدْنُوَ مِنَ السُّتْرَةِ وَلَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِ أَذْرُعٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ عَصًا وَنَحْوَهَا جَمَعَ أَحْجَارًا أَوْ تُرَابًا أَوْ مَتَاعَهُ وَإِلَّا فَلْيَبْسُطْ مُصَلًّى وَإِلَّا فَلْيَخُطَّ الْخَطَّ وَإِذَا صَلَّى إِلَى سُتْرَةٍ مَنَعَ غَيْرَهُ مِنَ الْمُرُورِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَكَذَا يَمْنَعُ مِنَ الْمُرُورِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَطِّ وَيَحْرُمُ الْمُرُورُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ سُتْرَةٌ أَوْ تَبَاعَدَ عَنْهَا فَقِيلَ لَهُ مَنَعُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ لِتَقْصِيرِهِ وَلَا يَحْرُمُ حِينَئِذٍ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ لَكِنْ يُكْرَهُ وَلَوْ وَجَدَ الدَّاخِلُ فُرْجَةً فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَلَهُ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيِ الصَّفِّ الثَّانِي وَيَقِفَ فِيهَا لِتَقْصِيرِ أَهْلِ الصَّفِّ الثَّانِي بِتَرْكِهَا وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ السُّتْرَةَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ وَلَا يَضُمَّ لَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الطَّنَافِسِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الطَّاءِ

وَكَسْرِ الْفَاءِ قَوْلُهُ (يَرْكُزُ الْعَنَزَةَ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْكَافِ وَهُوَ بِمَعْنَى يَغْرِزُ الْمَذْكُورُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَوْلُهُ (كَانَ يَعْرِضُ رَاحِلَتَهُ ويصلى اليها) هو بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَرُوِيَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ يَجْعَلُهَا مُعْتَرِضَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ إِلَى الْحَيَوَانِ وَجَوَازِ الصَّلَاةِ بِقُرْبِ الْبَعِيرِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي عِطَانِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُخَافُ هُنَاكَ نُفُورُهَا فَيَذْهَبُ الْخُشُوعُ بِخِلَافِ هَذَا قَوْلُهُ (وَهُوَ بِالْأَبْطُحِ) هُوَ الْمَوْضِعُ الْمَعْرُوفُ عَلَى بَابِ مَكَّةَ وَيُقَالُ لَهَا الْبَطْحَاءُ أَيْضًا قَوْلُهُ (فَمِنْ نَائِلٍ وَنَاضِحٍ) مَعْنَاهُ فَمِنْهُمْ مَنْ يَنَالُ مِنْهُ

شَيْئًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْضَحُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ شَيْئًا مِمَّا نَالَهُ وَيَرُشُّ عَلَيْهِ بَلَلًا مِمَّا حَصَلَ لَهُ وَهُوَ مَعْنَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَمَنْ لَمْ يُصِبْ أَخَذَ مِنْ يَدِ صَاحِبِ قَوْلُهُ (فَخَرَجَ بِلَالٌ بِوُضُوءٍ فَمِنْ نَائِلٍ وَنَاضِحٍ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ) فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهُ فَتَوَضَّأَ فَمِنْ نَائِلٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَنَاضِحٍ تَبَرُّكًا بِآثَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَرَأَيْتُ النَّاسَ يَأْخُذُونَ مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ فَفِيهِ التَّبَرُّكُ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ وَاسْتِعْمَالِ فَضْلِ طَهُورِهِمْ وَطَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ وَلِبَاسِهِمْ قَوْلُهُ (عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْحُلَّةُ ثَوْبَانِ لَا يَكُونُ وَاحِدًا وَهُمَا إِزَارٌ وَرِدَاءٌ وَنَحْوُهُمَا وَفِيهِ جَوَازُ لِبَاسِ الْأَحْمَرِ قَوْلُهُ (كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ) فِيهِ أَنَّ السَّاقَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (فَأَذَّنَ بِلَالٌ) فِيهِ الْأَذَانُ فِي السَّفَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا أَكْرَهُ مِنْ تَرْكِهِ فِي السَّفَرِ مَا أَكْرَهُ مِنْ تَرْكِهِ فِي الْحَضَرِ لِأَنَّ أَمْرَ الْمُسَافِرِ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ قَوْلُهُ (فَأَذَّنَ بلال فجعلت أتتبع فاه ها هنا وههنا يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فِيهِ أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمُؤَذِّنِ الِالْتِفَاتُ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ يَمِينًا وَشِمَالًا بِرَأْسِهِ وَعُنُقِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُحَوِّلُ قَدَمَيْهِ وَصَدْرَهُ عَنِ الْقِبْلَةِ وَإِنَّمَا يَلْوِي رَأْسَهُ وَعُنُقَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْتِفَاتِهِ عَلَى مَذَاهِبِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهَا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَقُولُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ عَنْ يَسَارِهِ مَرَّتَيْنِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ وَالثَّانِي يَقُولُ عَنْ يَمِينِهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّةً ثُمَّ مَرَّةً عَنْ يَسَارِهِ ثُمَّ يَقُولُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّةً عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ مَرَّةً عَنْ يَسَارِهِ وَالثَّالِثُ يَقُولُ عَنْ يَمِينِهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى الِالْتِفَاتِ عَنْ يَمِينِهِ فَيَقُولُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ يَلْتَفِتُ عَنْ يَسَارِهِ فَيَقُولُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى الْقِبْلَةِ وَيَلْتَفِتُ عَنْ يَسَارِهِ فَيَقُولُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَوْلُهُ (ثُمَّ رُكِزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ) هِيَ عَصَا فِي أَسْفَلِهَا حَدِيدَةٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِعَانَةِ الْإِمَامِ بِمَنْ يُرَكِّزُ لَهُ عَنَزَةً وَنَحْوِ ذلك قوله (فَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ أَنَّ الْأَفْضَلَ قَصْرَ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ وَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ بَلَدٍ مَا لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا

قَوْلُهُ (يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْحِمَارُ وَالْكَلْبُ لَا يُمْنَعُ) مَعْنَاهُ يَمُرُّ الْحِمَارُ وَالْكَلْبُ وَرَاءَ السُّتْرَةِ وَقُدَّامَهَا إِلَى الْقِبْلَةِ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيِ الْعَنَزَةِ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَيَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَفِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَلَا يَضُرُّهُ مَنْ مَرَّ وَرَاءَ ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مُشَمِّرًا) يَعْنِي رَافِعَهَا إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ كأني

أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ وَفِيهِ رَفْعُ الثَّوْبِ عَنِ الْكَعْبَيْنِ قَوْلُهُ (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَاجِرَةِ إِلَى الْبَطْحَاءِ فَتَوَضَّأَ فَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْقَصْرِ وَالْجَمْعِ فِي السَّفَرِ وَفِيهِ أَنَّ الْأَفْضَلَ لِمَنْ أَرَادَ الْجَمْعَ وَهُوَ نَازِلٌ فِي وَقْتِ الْأُولَى أَنْ يُقَدِّمَ الثَّانِيَةَ إِلَى الْأُولَى وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي وَقْتِ الْأُولَى سَائِرًا فَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ الْأُولَى إِلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ كَذَا جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ قَوْلُهُ (أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَلَى حِمَارٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْأَتَانُ هِيَ الْأُنْثَى مِنْ جِنْسِ الْحَمِيرِ وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى حِمَارٍ مَحْمُولَةٌ عَلَى إِرَادَةِ الْجِنْسِ وَرِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ مُبَيِّنَةٌ لِلْجَمِيعِ قَوْلُهُ (وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلَامَ) مَعْنَاهُ قَارَبْتُهُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عِنْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ عَشْرُ سِنِينَ وَقِيلَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَقِيلَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَهُوَ رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ الصَّوَابُ قَوْلُهُ (فَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ) أَيْ تَرْعَى

قَوْلُهُ (يُصَلِّي بِمِنًى) فِيهَا لُغَتَانِ الصَّرْفُ وَعَدَمُهُ وَلِهَذَا يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَالْيَاءِ وَالْأَجْوَدُ صَرْفُهَا وَكِتَابَتُهَا بِالْأَلِفِ سُمِّيَتْ مِنًى لِمَا يُمْنَى بِهَا مِنَ الدِّمَاءِ أَيْ يُرَاقُ وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ صَلَاةَ الصَّبِيِّ صَحِيحَةٌ وَأَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاخْتَلَفُوا هَلْ سُتْرَةُ الْأَمَامِ بِنَفْسِهَا سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ أَمْ هِيَ سُتْرَةٌ لَهُ خَاصَّةً وَهُوَ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُمْ مُصَلُّونَ إِلَى سُتْرَةٍ قَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ السُّتْرَةَ مَشْرُوعَةٌ إِذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَأْمَنُ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاخْتَلَفُوا إِذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَأْمَنُ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُمَا قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ مُطْلَقًا لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّهَا تَصُونُ بَصَرَهُ وَتَمْنَعُ الشَّيْطَانَ الْمُرُورَ وَالتَّعَرُّضَ لِإِفْسَادِ صَلَاتِهِ كَمَا جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ قَوْلُهُ وَهُوَ يُصَلِّيُ بِمِنًى وَفِي رواية بعرفة وهو مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ قَوْلُهُ (فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) وَفِي رِوَايَةٍ حَجَّةُ الْوَدَاعِ أَوْ يَوْمُ الْفَتْحِ الصَّوَابُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهَذَا الشَّكُّ محمول عليه قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا كَانَ

أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلْيَدْرَأْ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ) مَعْنَى يَدْرَأْ يَدْفَعْ وَهَذَا الْأَمْرُ بِالدَّفْعِ أَمْرُ نَدْبٍ وَهُوَ نَدْبٌ مُتَأَكِّدٌ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ أَوْجَبَهُ بَلْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ غَيْرُ وَاجِبٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مُقَاتَلَتُهُ بِالسِّلَاحِ وَلَا مَا يُؤَدِّي إِلَى هلاكه فإن دفعه بما يجوز فَهَلَكَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَهَلْ يَجِبُ دِيَتُهُ أَمْ يَكُونُ هَدَرًا فِيهِ مَذْهَبَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَهُمَا قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذَا كُلُّهُ لِمَنْ لَمْ يُفَرِّطْ فِي صَلَاتِهِ بَلِ احْتَاطَ وَصَلَّى إِلَى سُتْرَةٍ أَوْ فِي مَكَانٍ يَأْمَنُ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْ فِي نَحْرِهِ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ قَالَ وَكَذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَشْيُ إِلَيْهِ مِنْ مَوْضِعِهِ لِيَرُدَّهُ وَإِنَّمَا يَدْفَعُهُ وَيَرُدُّهُ مِنْ مَوْقِفِهِ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ الْمَشْيِ فِي صَلَاتِهِ أَعْظَمُ مِنْ مُرُورِهِ مِنْ بَعِيدٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ قَدْرَ مَا تَنَالُهُ يَدُهُ مِنْ مَوْقِفِهِ وَلِهَذَا أُمِرَ بِالْقُرْبِ مِنْ سُتْرَتِهِ وَإِنَّمَا يَرُدُّهُ إِذَا كَانَ بَعِيدًا مِنْهُ بِالْإِشَارَةِ وَالتَّسْبِيحِ قَالَ وَكَذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا مَرَّ لَا يَرُدُّهُ لِئَلَّا يَصِيرَ مُرُورًا ثَانِيًا إِلَّا شَيْئًا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ يَرُدُّهُ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ كَلَامٌ نَفِيسٌ وَالَّذِي قَالَهُ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يَرُدُّهُ إِذَا أَرَادَ الْمُرُورَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ بِأَسْهَلِ الْوُجُوهِ فَإِنْ أَبَى فَبِأَشَدِّهَا وَإِنْ أَدَّى إِلَى قَتْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَالصَّائِلِ عَلَيْهِ لِأَخْذِ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ وَقَدْ أَبَاحَ لَهُ الشَّرْعُ مُقَاتَلَتَهُ وَالْمُقَاتَلَةُ الْمُبَاحَةُ لَا ضَمَانَ فِيهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ قَالَ الْقَاضِي قِيلَ مَعْنَاهُ إِنَّمَا حَمَلَهُ

عَلَى مُرُورِهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنَ الرُّجُوعِ الشَّيْطَانُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ يَفْعَلُ فِعْلَ الشَّيْطَانِ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ بَعِيدٌ مِنَ الْخَيْرِ وَقَبُولِ السُّنَّةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالشَّيْطَانِ الْقَرِينُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَمَثَلُ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِفَتْحِ الثَّاءِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُ الْفَتْحُ أَشْهَرُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ غَيْرَهُ وَمَعْنَاهُ انْتَصَبَ وَالْمُضَارِعُ يُمَثِّلُ بضم الثاء لا غير منه الْحَدِيثُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثُلَ النَّاسُ لَهُ قِيَامًا قَوْلُهُ (أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ) هُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ

الْهَاءِ مُصَغَّرٌ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الْأَنْصَارِيِّ النَّجَّارِيِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي التَّيَمُّمِ وَهُوَ غَيْرُ أَبِي جَهْمٍ الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْهَبُوا بِهَذِهِ الْخَمِيصَةِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ فَإِنَّ صَاحِبَ الْخَمِيصَةِ أَبُو جَهْمٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَبِغَيْرِ يَاءٍ وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ) مَعْنَاهُ لَوْ يَعْلَمُ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ لَاخْتَارَ الْوُقُوفَ أَرْبَعِينَ عَلَى ارْتِكَابِ ذَلِكَ الْإِثْمِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ النَّهْيُ الْأَكِيدُ وَالْوَعِيدُ الشَّدِيدُ فِي ذلك قَوْلُهُ (كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ) يَعْنِي بِالْمُصَلَّى مَوْضِعُ السُّجُودِ وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ قُرْبُ الْمُصَلَّى مِنْ سُتْرَتِهِ قَوْلُهُ (كَانَ يَتَحَرَّى مَوْضِعَ مَكَانِ الْمُصْحَفِ يُسَبِّحُ) الْمُرَادُ بِالتَّسْبِيحِ صَلَاةُ النَّافِلَةِ وَالسُّجُودُ صَلَاةُ النَّافِلَةِ فِي

الْمُصْحَفِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ ضَمُّ الْمِيمِ وَفَتْحُهَا وَكَسْرُهَا وَفِي هَذَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِدَامَةِ الصَّلَاةِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ إِذَا كَانَ فِيهِ فَضْلٌ وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ إِيطَانِ الرَّجُلِ مَوْضِعًا مِنَ الْمَسْجِدِ يُلَازِمُهُ فَهُوَ فِيمَا لَا فَضْلَ فِيهِ وَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ فَأَمَّا مَا فِيهِ فَضْلٌ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا مَنْ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِتَدْرِيسِ عِلْمٍ أَوْ لِلْإِفْتَاءِ أَوْ سَمَاعِ الْحَدِيثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّهُ مِنْ تَسْهِيلِ طُرُقِ الْخَيْرِ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خِلَافَ السَّلَفِ فِي كَرَاهَةِ الْإِيطَانِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَالِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ لِحَاجَةٍ نَحْوَ مَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُهُ (كَانَ بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقِبْلَةِ قَدْرُ مَمَرِّ الشَّاةِ) الْمُرَادُ بِالْقِبْلَةِ الْجِدَارُ وَإِنَّمَا أَخَّرَ الْمِنْبَرَ عَنِ الْجِدَارِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ نَظَرُ أَهْلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ قَوْلُهُ (كَانَ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ) فِيهِ مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِدَامَةِ الصَّلَاةِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ إِذَا كَانَ فِيهِ فَضْلٌ وَفِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ بِحَضْرَةِ الْأَسَاطِينِ فَأَمَّا الصَّلَاةُ إِلَيْهَا فَمُسْتَحَبَّةٌ لَكِنِ الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَصْمُدَ إِلَيْهَا بَلْ يَجْعَلُهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ كَمَا سَبَقَ وَأَمَّا الصَّلَاةُ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا عِنْدَنَا وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كَرَاهَتِهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ وَسَبَبُ الْكَرَاهَةِ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَقْطَعُ الصَّفَّ وَلِأَنَّهُ يُصَلِّي إِلَى غير جدار قريب قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَقْطَعُ هَؤُلَاءِ الصَّلَاةَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْطَعُهَا الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَفِي قَلْبِي مِنَ الْحِمَارِ وَالْمَرْأَةِ شَيْءٌ وَوَجْهُ قَوْلِهِ إِنَّ الكلب لم يجيء فِي التَّرْخِيصِ فِيهِ شَيْءٌ يُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَفِيهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الْمَذْكُورُ بَعْدَ هَذَا وَفِي الْحِمَارِ حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ السَّابِقُ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِمُرُورِ شَيْءٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَطْعِ نَقْصُ الصَّلَاةِ لِشُغْلِ الْقَلْبِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ إِبْطَالُهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي نَسْخَهُ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الْمَرْءِ شَيْءٌ وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ وَهَذَا غَيْرُ مَرْضِيٍّ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا إِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَتَأْوِيلِهَا وَعِلْمِنَا التَّارِيخَ وَلَيْسَ هُنَا تَارِيخٌ وَلَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَالتَّأْوِيلُ بَلْ يُتَأَوَّلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ أَنَّ حَدِيثَ لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الْمَرْءِ شَيْءٌ ضَعِيفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (سَمِعْتُ سَلْمَ بْنَ أَبِي الذَّيَّالِ) سَلْمٌ بِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَالذَّيَّالُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَوْلُهُ (يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِيُّ

هُوَ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى مَعْنٍ قَوْلُهُ (عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ) اسْتَدَلَّتْ بِهِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَالْعُلَمَاءُ بَعْدَهَا عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَقْطَعُ صَلَاةَ الرَّجُلِ وَفِيهِ جَوَازُ صَلَاتِهِ إِلَيْهَا وَكَرِهَ الْعُلَمَاءُ أَوْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمِ الصَّلَاةَ إِلَيْهَا لِغَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ بِهَا وَتَذَكُّرِهَا وَإِشْغَالِ الْقَلْبِ بِهَا بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا وَأَمَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمُنَزَّهٌ عَنْ هَذَا كُلِّهِ وَصَلَاتُهُ مَعَ أَنَّهُ كَانَ فِي اللَّيْلِ وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ قَوْلُهَا (فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَأْخِيرِ الْوِتْرِ إِلَى آخِرِ اللَّيْلِ وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَثِقَ بِاسْتِيقَاظِهِ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِمَّا بِنَفْسِهِ وَإِمَّا بِإِيقَاظِ غَيْرِهِ أَنْ يُؤَخِّرَ الْوِتْرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَهَجُّدٌ فَإِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَأَمَّا مَنْ لَا يَثِقُ بِاسْتِيقَاظِهِ وَلَا لَهُ مَنْ يُوقِظُهُ فَيُوتِرُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ إِيقَاظِ النَّائِمِ لِلصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا وَقَدْ جاءت فيه أحاديث أيضا غير هذا قولها (إن المرأة

لَدَابَّةُ سُوءٍ) تُرِيدُ بِهِ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ الْمَرْأَةَ تَقْطَعُ الصَّلَاةَ قَوْلُهَا (فَأَكْرَهُ أَنْ أَسْنَحَهُ) هُوَ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ النُّونِ أَيْ أَظْهَرُ لَهُ وَأَعْتَرِضُ يُقَالُ سَنَحَ لِي كَذَا أَيْ عَرَضَ وَمِنْهُ السَّانِحُ مِنَ الطَّيْرِ قَوْلُهَا (فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلِي) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ يَقُولُ لَمْسُ النِّسَاءِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أنه ينقض

(باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه)

وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ غَمَزَهَا فَوْقَ حَائِلٍ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ النَّائِمِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى عَدَمِ النَّقْضِ قَوْلُهَا (وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ) أَرَادَتْ بِهِ الِاعْتِذَارَ تَقُولُ لَوْ كَانَ فِيهَا مَصَابِيحُ لَقَبَضْتُ رِجْلِي عِنْدَ إِرَادَتِهِ السُّجُودَ وَلَمَا أَحْوَجْتُهُ إِلَى غَمْزِي قَوْلُهَا (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ وَأَنَا حَائِضٌ وَعَلَيَّ مِرْطٌ وَعَلَيْهِ بَعْضُهُ إِلَى جَنْبِهِ) الْمِرْطُ كِسَاءٌ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وُقُوفَ الْمَرْأَةِ بِجَنْبِ الْمُصَلِّي لَا يُبْطِلُ صَلَاتَهُ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَأَبْطَلَهَا أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ أَنَّ ثِيَابَ الْحَائِضِ طَاهِرَةٌ إِلَّا مَوْضِعًا تَرَى عَلَيْهِ دَمًا أَوْ نَجَاسَةً أُخْرَى وَفِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ بِحَضْرَةِ الْحَائِضِ وَجَوَازُ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ بَعْضُهُ عَلَى الْمُصَلِّي وَبَعْضُهُ عَلَى حَائِضٍ أَوْ غَيْرِهَا وَأَمَّا اسْتِقْبَالُ الْمُصَلِّي وَجْهَ غَيْرِهِ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ كَرَاهَتُهُ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى (باب الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَصِفَةِ لِبْسِهِ) قَوْلُهُ (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَقَالَ أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ) فِيهِ

جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا إِلَّا مَا حُكِيَ عن بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ وَلَا أَعْلَمُ صِحَّتَهُ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي ثَوْبَيْنِ أَفْضَلُ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الثَّوْبَيْنِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمَا كُلُّ أَحَدٍ فَلَوْ وَجَبَا لَعَجَزَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمَا عَنِ الصَّلَاةِ وَفِي ذَلِكَ حَرَجٌ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدين من حرج وَأَمَّا صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَفِي وَقْتٍ كَانَ لِعَدَمِ ثَوْبٍ آخَرَ وَفِي وَقْتٍ كَانَ مَعَ وُجُودِهِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ كَمَا قَالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِيَرَانِي الْجُهَّالُ وَإِلَّا فَالثَّوْبَانِ أَفْضَلُ كَمَا سَبَقَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ) قَالَ الْعُلَمَاءُ حِكْمَتُهُ أَنَّهُ إِذَا ائْتَزَرَ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يُؤْمِنْ أَنْ تَنْكَشِفَ عَوْرَتُهُ بِخِلَافِ مَا إِذَا جَعَلَ بَعْضَهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إِلَى إِمْسَاكِهِ بِيَدِهِ أَوْ يَدَيْهِ فَيَشْغَلُ بِذَلِكَ وَتَفُوتُهُ سُنَّةُ وَضْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى

تَحْتَ صَدْرِهِ وَرَفْعِهِمَا حَيْثُ شُرِعَ الرَّفْعُ وَغَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سَتْرِ أَعْلَى الْبَدَنِ وَمَوْضِعِ الزِّينَةِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (خُذُوا زِينَتَكُمْ) ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْجُمْهُورُ هَذَا النَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ فَلَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ سَاتِرٍ لِعَوْرَتِهِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى شَيْءٍ يَجْعَلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ أَمْ لَا وَقَالَ أحمد وبعض السلف رحمهم الله تعالى لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ إِذَا قَدَرَ عَلَى وَضْعِ شَيْءٍ عَلَى عَاتِقِهِ إِلَّا بِوَضْعِهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رِوَايَةٌ أَنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَلَكِنْ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَأْتَزِرْ بِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ قَوْلُهُ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يصلي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلًا بِهِ وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (مُخَالِفًا بَيْنَ طرفيه

وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ (مُتَوَشِّحًا بِهِ) الْمُشْتَمِلُ وَالْمُتَوَشِّحُ وَالْمُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ هُنَا قَالَ بن السِّكِّيتِ التَّوَشُّحُ أَنْ يَأْخُذَ طَرَفَ الثَّوْبِ الَّذِي ألقاه على مَنْكِبَهُ الْأَيْمَنِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ الْيُسْرَى وَيَأْخُذُ طَرَفَهُ الَّذِي أَلْقَاهُ عَلَى الْأَيْسَرِ مِنْ تَحْتِ يده اليمنى ثم يعقدهما عَلَى صَدْرِهِ وَفِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَوْلُهُ (فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حَصِيرٍ يَسْجُدُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى شَيْءٍ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ مِنْ ثَوْبٍ وَحَصِيرٍ وَصُوفٍ وَشَعْرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ نَبَتَ مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَا وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ

الْجُمْهُورِ وَقَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا مَا نَبَتَ مِنَ الْأَرْضِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَأَمَّا الْبُسُطُ وَاللُّبُودُ وَغَيْرُهَا مِمَّا لَيْسَ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنِ الْأَرْضُ أَفْضَلُ مِنْهُ إِلَّا لِحَاجَةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ نَحْوِهِمَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ سِرُّهَا التَّوَاضُعُ وَالْخُضُوعُ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ

(كتاب المساجد ومواضع الصلاة [520] قوله صلى الله عليه

(كتاب المساجد ومواضع الصلاة [520] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ فِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَقَابِرِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي فِيهَا النَّجَاسَةُ كَالْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَكَذَا مَا نُهِيَ عَنْهُ لِمَعْنًى آخَرَ فَمِنْ ذَلِكَ أَعْطَانُ الْإِبِلِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ)

تَعَالَى وَمِنْهُ قَارِعَةُ الطَّرِيقِ وَالْحَمَّامُ وَغَيْرُهَا لِحَدِيثٍ ورد فيها قوله كنت أقرأ القرآن على أبي فِي السُّدَّةِ فَإِذَا قَرَأْتُ السَّجْدَةَ سَجَدَ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَتِ أَتَسْجُدُ فِي الطَّرِيقِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ السُّدَّةُ هِيَ بِضَمِّ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ هَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَوَقَعَ فِي كِتَابِ النَّسَائِيِّ فِي السِّكَّةِ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ فِي بَعْضِ السِّكَكِ وَهَذَا مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ يَا أَبَتِ أَتَسْجُدُ فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ مُقَارِبٌ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ لِأَنَّ السُّدَّةَ وَاحِدَةُ السُّدَدِ وَهِيَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي تَطُلُّ حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَلَيْسَتْ مِنْهُ ومنه قيل لاسمعيل السُّدِّيُّ لِأَنَّهُ كَانَ يَبِيعُ فِي سُدَّةِ الْجَامِعِ وَلَيْسَ لِلسُّدَّةِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ إِذَا كَانَتْ خَارِجَةً عَنْهُ وَأَمَّا سُجُودُهُ فِي السُّدَّةِ وَقَوْلُهُ أَتَسْجُدُ فِي الطَّرِيقِ فَمَحْمُولٌ عَلَى سُجُودِهِ عَلَى طَاهرٍ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِ إِذَا قَرَآ السَّجْدَةَ فَقِيلَ عَلَيْهِمَا السُّجُودُ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ وَقِيلَ لَا سُجُودَ [521] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تِحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي قَالَ الْعُلَمَاءُ كَانَتْ غَنَائِمُ مَنْ قَبْلَنَا يَجْمَعُونَهَا ثُمَّ تَأْتِي نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتَأْكُلُهَا كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي غَزَا وَحَبَسَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الشَّمْسَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا

لَنَا طَهُورًا احْتَجَّ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى مَالِكٌ وَأَبُو حنيفة رحمهما الله تعالى وغيرهما ممن يجوز التَّيَمُّمَ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَاحْتَجَّ بِالثَّانِيَةِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِالتُّرِابِ خَاصَّةً وَحَمَلُوا ذَلِكَ الْمُطْلَقَ عَلَى هَذَا الْمُقَيَّدِ وقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدًا مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا إِنَّمَا أُبِيحَ لَهُمُ الصَّلَوَاتُ فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ كَالْبَيْعِ وَالْكَنَائِسِ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيلَ إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا كَانُوا لَا يُصَلُّونَ إِلَّا فِيمَا تَيَقَّنُوا طَهَارَتَهُ مِنَ الْأَرْضِ وَخَصَصْنَا نَحْنُ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ إِلَّا مَا تَيَقَّنَّا نَجَاسَتُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ هِيَ الشَّفَاعَةُ الْعَامَّةُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمَحْشَرِ بِفَزَعِ الْخَلَائِقِ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الشَّفَاعَةَ فِي الْخَاصَّةِ جُعِلَتْ لِغَيْرِهِ أَيْضًا قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ الْمُرَادُ شَفَاعَةٌ لَا تُرَدُّ قَالَ وَقَدْ تَكُونُ شَفَاعَتُهُ لِخُرُوجِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ من ايمان من النار لان الشفاعة التي جَاءَتْ لِغَيْرِهِ إِنَّمَا جَاءَتْ قَبْلَ هَذَا وَهَذِهِ مُخْتَصَّةٌ بِهِ كَشَفَاعَةِ الْمَحْشَرِ وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بَيَانُ أَنْوَاعِ شَفَاعَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [522] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا وَذَكَرَ خَصْلَةً أُخْرَى قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمَذْكُورُ هُنَا خَصْلَتَانِ لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْأَرْضِ فِي كَوْنِهَا مَسْجِدًا وَطَهُورًا خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَمَحْذُوفَةٌ هُنَا ذَكَرَهَا النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَالِكٍ الرَّاوِي هُنَا فِي مُسْلِمِ قَالَ وأوتيت هَذِهِ الْآيَاتُ مِنْ خَوَاتِمِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ

تَحْتَ الْعَرْشِ وَلَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي وَلَا يُعْطَاهُنَّ أَحَدٌ بَعْدِي [523] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ قَالَ الْهَرَوِيُّ يَعْنِي بِهِ الْقُرْآنَ جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَلْفَاظِ الْيَسِيرَةِ مِنْهُ الْمَعَانِيَ الْكَثِيرَةَ وَكَلَامُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِالْجَوَامِعِ قَلِيلُ اللَّفْظِ كَثِيرُ الْمَعَانِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِلَى النَّاسِ كَافَّةً قِيلَ الْمُرَادُ بِالْأَحْمَرِ الْبِيضُ مِنَ الْعُجْمِ وَغَيْرِهِمْ وَبِالْأَسْوَدِ الْعَرَبُ لِغَلَبَةِ السُّمْرَةِ فِيهِمْ وَغَيْرِهِمْ مِنَ السُّودَانِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْأَسْوَدِ السُّودَانُ وَبِالْأَحْمَرِ مَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرُهُمْ وَقِيلَ الْأَحْمَرُ الْإِنْسُ وَالْأَسْوَدُ الْجِنُّ وَالْجَمِيعُ صَحِيحٌ فَقَدْ بُعِثَ إِلَى جَمِيعِهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ هَذَا مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ إِخْبَارٌ بِفَتْحِ هَذِهِ الْبِلَادِ لِأُمَّتِهِ وَوَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ولله الحمد والمنة قوله وأنتم تنتثلونها يَعْنِي تَسْتَخْرِجُونَ مَا فِيهَا يَعْنِي خَزَائِنَ الْأَرْضِ وَمَا فُتِحَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدُّنْيَا

قَوْلُهُ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ هُوَ بِضَمِّ الزَّايِ نِسْبَةً إِلَى بَنِي زُبَيْدٍ [524] قَوْلُهُ فَنَزَلَ فِي عُلْوِ المدينة

هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَوْلُهُ ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ بِالْمَسْجِدِ ضَبَطْنَاهُ أَمَرَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَأُمِرَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ أَرْسَلَ إِلَى مَلَأِ بَنِي النَّجَّارِ يَعْنِي أَشْرَافَهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ أَيْ بَايِعُونِي قَوْلُهُ قَالُوا لَا وَاللَّهِ مَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ هَذَا الْحَدِيثُ كَذَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ دَفَعَهَا عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ كَانَ فِيهِ نَخْلٌ وَقُبُورُ الْمُشْرِكِينَ وَخَرِبٌ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ قَالَ الْقَاضِي رُوِّينَاهُ هَكَذَا وَرُوِّينَاهُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَهُوَ مَا تَخَرَّبَ مِنَ الْبِنَاءِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَعَلَّ صَوَابُهُ خُرَبٌ بِضَمِّ الْخَاءِ جَمْعُ خُرْبَةٍ بِالضَّمِّ وَهِيَ الْخُرُوقُ فِي الْأَرْضِ أَوْ لَعَلَّهُ حَرْفٌ قَالَ الْقَاضِي لَا أَدْرِي مَا اضْطَرَّهُ إِلَى هَذَا يَعْنِي أَنَّ هَذَا تَكَلُّفٌ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ فَإِنَّ الَّذِي ثَبَتَ فِي الرِّوَايَةِ صَحِيحُ الْمَعَانِي لَا حَاجَةَ إِلَى تَغْيِيرِهِ لِأَنَّهُ كَمَا أَمَرَ بِقَطْعِ النَّخْلِ لِتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ أَمَرَ بِالْخُرَبِ فَرُفِعَتْ رُسُومُهَا وَسُوِّيَتْ مَوَاضِعُهَا لِتَصِيرَ جَمِيعُ الأرض مبسوطة مستوية لِلْمُصَلِّينَ وَكَذَلِكَ فَعَلَ بِالْقُبُورِ قَوْلُهُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّخْلِ فَقُطِعَ فِيهِ جَوَازُ قَطْعِ الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ لِاسْتِعْمَالِ خَشَبِهَا أَوْ لِيَغْرِسَ مَوْضِعَهَا غَيْرَهَا أَوْ لِخَوْفِ سُقُوطِهَا عَلَى شَيْءٍ تُتْلِفُهُ أَوْ لِاتِّخَاذِ مَوْضِعِهَا مَسْجِدًا أَوْ قَطْعِهَا فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ إِذَا لَمْ يُرْجَ فَتْحُهَا لِأَنَّ فِيهِ نِكَايَةً وَغَيْظًا لَهُمْ وَإِضْعَافًا وَإِرْغَامًا قَوْلُهُ وَبِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ فِيهِ جَوَازُ نَبْشِ الْقُبُورِ الدَّارِسَةِ وَأَنَّهُ إِذَا أُزِيلَ تُرَابُهَا الْمُخْتَلَطُ

بِصَدِيدِهِمْ وَدِمَائِهِمْ جَازَتِ الصَّلَاةُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ وَجَوَازُ اتِّخَاذِ مَوْضِعِهَا مَسْجِدًا إِذَا طُيِّبَتِ أَرْضُهُ وَفِيهِ أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي دُفِنَ فِيهَا الْمَوْتَى وَدُرِسَتْ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ إِذَا لَمْ تُوقَفْ قَوْلُهُ وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً الْعِضَادَةُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ هِيَ جَانِبُ الْبَابِ قَوْلُهُ وَكَانُوا يَرْتَجِزُونَ فِيهِ جَوَازُ الِارْتِجَازِ وَقَوْلُ الْأَشْعَارِ فِي حَالِ الْأَعْمَالِ وَالْأَسْفَارِ وَنَحْوِهَا لِتَنْشِيطِ النُّفُوسِ وَتَسْهِيلِ الْأَعْمَالِ وَالْمَشْيِ عَلَيْهَا وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرُوضِ وَالْأَدَبِ فِي الرَّجَزِ هَلْ هُوَ شِعْرٌ أَمْ لَا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الشِّعْرَ لَا يَكُونُ شِعْرًا إِلَّا بِالْقَصْدِ أَمَّا إِذَا جَرَى كَلَامٌ مَوْزُونٌ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَلَا يَكُونُ شِعْرًا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الشِّعْرَ حَرَامٌ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هِيَ مَبَارِكُهَا وَمَوَاضِعُ مَبِيتِهَا ووضعها أجسادها على الأرض للاستراحة قال بن دُرَيْدٍ وَيُقَالُ ذَلِكَ أَيْضًا لِكُلِّ دَابَّةٍ مِنْ ذَوَاتِ الْحَوَافِرِ وَالسِّبَاعِ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ يَقُولُ بِطَهَارَةِ بَوْلِ الْمَأْكُولِ وَرَوْثِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي الصَّلَاةِ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ بِخِلَافِ أَعْطَانِ الْإِبِلِ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ هُنَاكَ أَيْضًا قَوْلُهُ وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ يعني بن الْحَارِثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَفِي بَعْضِهَا يَحْيَى فَقَطْ غَيْرُ مَنْسُوبٍ وَالَّذِي فِي الْأَطْرَافِ لِخَلَفٍ أَنَّهُ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ قِيلَ وَهُوَ الصَّوَابُ

(باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة)

(باب تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ مِنْ الْقُدْسِ إِلَى الْكَعْبَةِ) [525] فِيهِ حَدِيثُ الْبَرَاءِ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ وَوُقُوعِهِ وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَفِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ إِلَى جِهَتَيْنِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مَنْ صَلَّى إِلَى جِهَةٍ بالاجتهاد ثم تغير اجتهاده في أثنائها فيستدير إِلَى الْجِهَةِ الْأُخْرَى حَتَّى لَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فَصَلَّى كُلَّ رَكْعَةٍ مِنْهَا إِلَى جِهَةٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ أَهْلَ هَذَا الْمَسْجِدِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ اسْتَدَارُوا فِي صَلَاتِهِمْ وَاسْتَقْبَلُوا الْكَعْبَةَ وَلَمْ يَسْتَأْنِفُوهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ حَتَّى يَبْلُغُهُ فَإِنْ قِيلَ هَذَا نَسْخٌ لِلْمَقْطُوعِ بِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ احْتَفَتْ بِهِ قَرَائِنُ وَمُقَدِّمَاتٌ أَفَادَتِ الْعِلْمَ وَخَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ مُجَرَّدًا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَنَّ اسْتِقْبَالَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ هَلْ كَانَ ثَابِتًا بِالْقُرْآنِ أَمْ بِاجْتِهَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَجْهَيْنِ فِي ذَلِكَ لِأَصْحَابِنَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى الذي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ كَانَ بِسُنَّةٍ لَا بِقُرْآنٍ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْقُرْآنَ يَنْسَخُ السُّنَّةَ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَهُ وَبِهِ قَالَ طَائِفَةٌ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ السُّنَّةَ مُبَيِّنَةٌ لِلْكِتَابِ فَكَيْفَ يَنْسَخُهَا وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ لَمْ يَكُنِ اسْتِقْبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِسُنَّةٍ بَلْ كَانَ بِوَحْيٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا جَعَلْنَا القبلة التي كنت عليها الْآيَةَ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي عَكْسِهِ وَهُوَ نَسْخُ السنة للقرآن فجوزه الاكثرون ومنعه الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَطَائِفَةٌ قَوْلُهُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ فِيهِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ إِحْدَاهُمَا فَتْحُ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَالثَّانِيَةُ ضَمُّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا إِيلِيَاءُ وَالْيَاءُ وَأَصْلُ الْمَقْدِسِ وَالتَّقْدِيسِ مِنَ التَّطْهِيرِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ مَعَ بَيَانِ لُغَاتِهِ وَتَصْرِيفِهِ وَاشْتِقَاقِهِ فِي

تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ [526] قَوْلُهُ بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءَ هُوَ بِالْمَدِّ وَمَصْرُوفٌ وَمُذَكَّرٌ وَقِيلَ مَقْصُورٌ وَغَيْرُ مَصْرُوفٍ وَقِيلَ مُؤَنَّثٌ وَهُوَ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ مَعْرُوفٌ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا بَيَانُ مَعْنَى قَوْلِهِمْ بَيْنَمَا وَبَيْنَا وَأَنَّ تَقْدِيرَهُ بَيْنَ أَوْقَاتِ كَذَا قَوْلُهُ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا رُوِيَ فَاسْتَقْبِلُوهَا بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ تَمَامُ الْكَلَامِ بَعْدَهُ قَوْلُهَا بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ فِيهِ جَوَازُ تَسْمِيَةِ الصُّبْحِ غَدَاةً وَهَذَا لَا خلاف فيه لكن قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ

باب النهي عن بناء المسجد على القبور واتخاذ الصور

اللَّهُ تَعَالَى سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى الْفَجْرَ وَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ فَلَا أُحِبُّ أَنْ تُسَمَّى بِغَيْرِ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ (باب النهي عن بناء المسجد على القبور واتخاذ الصور فيها) والنهي عن اتخاذ القبور مساجد أَحَادِيثُ الْبَابِ ظَاهِرَةُ الدَّلَالَةِ فِيمَا تَرْجَمْنَا لَهُ قَوْلُهَا ذَكَرْنَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كنيسة

هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ ذَكَرْنَ بِالنُّونِ وَفِي بَعْضِ الْأُصُولِ ذَكَرَتْ بِالتَّاءِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى تِلْكَ اللُّغَةِ الْقَلِيلَةِ لُغَةِ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ وَمِنْهَا يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ [529] قَوْلُهَا غَيْرُ أَنَّهُ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا ضَبَطْنَاهُ خُشِيَ بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِهَا وَهُمَا صَحِيحَانِ [530] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَمَعْنَاهُ لَعَنَهُمْ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقِيلَ مَعْنَاهُ قَتَلَهُمْ وَأَهْلَكَهُمْ [531] قَوْلُهُ لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ نُزِلَ بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَفِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ نُزِلَتْ

بِفَتْحِ الْحُرُوفِ الثَّلَاثَةِ وَبِتَاءِ التَّأْنِيثِ السَّاكِنَةِ أَيْ لَمَّا حَضَرَتِ الْمَنِيَّةُ وَالْوَفَاةُ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَمَعْنَاهُ نَزَلَ مَلَكُ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ الْكِرَامُ قَوْلُهُ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ يُقَالُ طَفِقَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ جَعَلَ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَمِمَّنْ حَكَى الْفَتْحَ الْأَخْفَشُ وَالْجَوْهَرِيُّ وَالْخَمِيصَةُ كِسَاءٌ لَهُ أَعْلَامٌ [532] قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ النَّجْرَانِيِّ هُوَ بِالنُّونِ وَالْجِيمِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ إِلَى آخِرِهِ مَعْنَى أَبْرَأُ أَيْ أَمْتَنِعُ مِنْ هذا وأنكره والخليل هُوَ الْمُنْقَطِعُ إِلَيْهِ وَقِيلَ الْمُخْتَصُّ بِشَيْءٍ دُونَ غَيْرِهِ قِيلَ هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْخَلَّةِ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَهِيَ الْحَاجَةُ وَقِيلَ مِنَ الْخُلَّةِ بِضَمِّ الْخَاءِ وَهِيَ تُخَلِّلُ الْمَوَدَّةَ فِي الْقَلْبِ فَنَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَكُونَ حَاجَتُهُ وَانْقِطَاعُهُ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ الْخَلِيلُ من لا يتسمع الْقَلْبُ لِغَيْرِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اتِّخَاذِ قَبْرِهِ وَقَبْرِ غَيْرِهِ مَسْجِدًا خَوْفًا مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِهِ وَالِافْتِتَانِ بِهِ فَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إِلَى الْكُفْرِ كَمَا جَرَى لِكَثِيرٍ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ ولما احتاجت

(باب فضل بناء المساجد والحث عليها)

الصَّحَابَةُ رِضْوانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَالتَّابِعُونَ إِلَى الزِّيَادَةِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ وَامْتَدَّتِ الزِّيَادَةُ إِلَى أَنْ دَخَلَتْ بُيُوتُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِيهِ وَمِنْهَا حُجْرَةُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَدْفِنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَنَوْا عَلَى الْقَبْرِ حِيطَانًا مُرْتَفِعَةً مُسْتَدِيرَةً حَوْلَهُ لِئَلَّا يَظْهَرَ فِي الْمَسْجِدِ فَيُصَلِّيَ إِلَيْهِ الْعَوَامُّ وَيُؤَدِّي الْمَحْذُورَ ثُمَّ بَنَوْا جِدَارَيْنِ مِنْ رُكْنَيِ الْقَبْرِ الشَّمَالِيَّيْنِ وَحَرَّفُوهُمَا حَتَّى الْتَقَيَا حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ أَحَدٌ مِنِ اسْتِقْبَالِ الْقَبْرِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الحديث ولولا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (باب فَضْلِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْحَثِّ عَلَيْهَا) [533] قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم من بنى مسجدا لله بَنَى اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ بَنَى اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِثْلَهُ فِي مُسَمَّى الْبَيْتِ وأما

باب الندب إلى وضع الايدي على الركب في الركوع

صِفَتُهُ فِي السَّعَةِ وَغَيْرِهَا فَمَعْلُومٌ فَضْلُهَا أَنَّهَا مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ الثَّانِي أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ فَضْلَهُ عَلَى بُيُوتِ الْجَنَّةِ كَفَضْلِ المسجد على بيوت الدنيا (باب الندب إلى وضع الايدي على الركب في الركوع) ونسخ التطبيق [534] مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّ السُّنَّةَ وَضْعُ اليدين على الركبتين وكراهة التطبيق الا بن مَسْعُودٍ وَصَاحِبَيْهِ عَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ السُّنَّةَ التَّطْبِيقُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمُ النَّاسِخُ وَهُوَ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالصَّوَابُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ لِثُبُوتِ النَّاسِخِ الصَّرِيحِ قَوْلُهُ أَصَلَّى هَؤُلَاءِ يَعْنِي الْأَمِيرَ وَالتَّابِعِينَ لَهُ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى إِنْكَارِ تَأْخِيرِهِمُ الصَّلَاةَ قَوْلُهُ قُومُوا فَصَلُّوا فِيهِ جَوَازُ إِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْبُيُوتِ لَكِنْ لَا يَسْقُطُ بِهَا فَرْضُ الْكِفَايَةِ إِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إِظْهَارِهَا وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى فِعْلِهَا فِي الْبَيْتِ لِأَنَّ الْفَرْضَ كَانَ يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْأَمِيرِ وَعَامَّةِ النَّاسِ وَإِنْ أَخَّرُوهَا إِلَى أَوَاخِرِ الْوَقْتِ قَوْلُهُ فَلَمْ يَأْمُرْنَا بأذان ولا اقامة هذا مذهب بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبَعْضِ السَّلَفِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ الْأَذَانُ وَلَا الْإِقَامَةُ لِمَنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ وَيُقَامُ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ الْعُظْمَى بَلْ يَكْفِي أَذَانُهُمْ وَإِقَامَتُهُمْ وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى أَنَّ الْإِقَامَةَ سُنَّةٌ فِي حَقِّهِ وَلَا يَكْفِيهِ إِقَامَةُ الْجَمَاعَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَذَانِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُشْرَعُ لَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُشْرَعُ وَمَذْهَبُنَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُشْرَعُ لَهُ الْأَذَانُ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَ أَذَانُ الْجَمَاعَةِ وَإِلَّا فَلَا يُشْرَعُ قَوْلُهُ ذَهَبْنَا لِنَقُومَ خَلْفَهُ فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا فَجَعَلَ أَحَدَنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عن شماله وهذا

مذهب بن مَسْعُودٍ وَصَاحِبَيْهِ وَخَالَفَهُمْ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى الْآنَ فَقَالُوا إِذَا كَانَ مَعَ الْإِمَامِ رَجُلَانِ وَقَفَا وَرَاءَهُ صَفًّا لِحَدِيثِ جابر وجبار بْنِ صَخْرٍ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ عَنْ جَابِرٍ وَأَجْمَعُوا إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً أَنَّهُمْ يَقِفُونَ وَرَاءَهُ وَأَمَّا الْوَاحِدُ فَيَقِفُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ يَقِفُ عَنْ يَسَارِهِ وَلَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْهُ وَإِنْ صَحَّ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حديث بن عَبَّاسٍ وَكَيْفِ كَانَ فَهُمُ الْيَوْمَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ يَقِفُ عَنْ يَمِينِهِ قَوْلُهُ إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مِيقَاتِهَا وَيَخْنُقُونَهَا إِلَى شَرَقِ الْمَوْتَى مَعْنَاهُ يُؤَخِّرُونَهَا عَنْ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِهَا لَا عَنْ جَمِيعِ وَقْتِهَا وَقَوْلُهُ يَخْنُقُونَهَا بِضَمِّ النُّونِ مَعْنَاهُ يُضَيِّقُونَ وَقْتَهَا وَيُؤَخِّرُونَ أَدَاءَهَا يُقَالُ هُمْ فِي خِنَاقٍ مِنْ كَذَا أَيْ فِي ضِيقٍ وَالْمُخْتَنِقُ الْمَضِيقُ وشرق الموتى بفتح الشين والراء قال بن الْأَعْرَابِيِّ فِيهِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّمْسَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ آخِرُ النَّهَارِ إِنَّمَا تَبْقَى سَاعَةً ثُمَّ تَغِيبُ وَالثَّانِي أَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ شَرَقُ الْمَيِّتِ بِرِيقِهِ إِذَا لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ إِلَّا يَسِيرًا ثُمَّ يَمُوتُ قَوْلُهُ فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِمِيقَاتِهَا وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً السُّبْحَةُ بِضَمِّ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ هِيَ النَّافِلَةُ وَمَعْنَاهُ صَلُّوا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ يَسْقُطُ عَنْكُمُ الْفَرْضُ ثُمَّ صَلُّوا مَعَهُمْ مَتَى صَلَّوْا لِتُحْرِزُوا فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَفَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ وَلِئَلَّا تَقَعَ فِتْنَةٌ بِسَبَبِ التَّخَلُّفِ عَنِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ وَتَخْتَلِفُ كَلِمَةُ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى فريضة مرتين تكون الثانية سنة وَالْفَرْضُ سَقْطٌ بِالْأَوْلَى وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَقِيلَ الْفَرْضُ أَكْمَلُهُمَا وَقِيلَ كِلَاهُمَا وَقِيلَ إِحْدَاهُمَا مُبْهَمَةٌ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلَ مَعْرُوفَةٍ قَوْلُهُ وَلْيَجْنَأْ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ

الجم آخِرُهُ مَهْمُوزٌ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا هُوَ فِي أُصُولِ بِلَادِنَا وَمَعْنَاهُ يَنْعَطِفُ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رُوِيَ وَلْيَجْنَأْ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَرُوِيَ وَلْيَحْنِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ وَهَذَا رِوَايَةُ أَكْثَرِ شُيُوخِنَا وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ الِانْحِنَاءُ وَالِانْعِطَافُ فِي الرُّكُوعِ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِضَمِّ النُّونِ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْمَعْنَى أَيْضًا يُقَالُ حَنَيْتَ الْعُودَ وَحَنَوْتَهُ إِذَا عَطَفْتَهُ وَأَصْلُ الرُّكُوعِ فِي اللُّغَةِ الْخُضُوعُ وَالذِّلَّةُ وَسُمِّيَ الرُّكُوعُ الشَّرْعِيُّ رُكُوعًا لِمَا فِيهِ مِنْ صُورَةِ الذِّلَّةِ وَالْخُضُوعِ وَالِاسْتِسْلَامِ [535] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي يَعْفُورَ هُوَ بِالرَّاءِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ نِسْطَاسَ بِكَسْرِ النُّونِ وَهُوَ أَبُو يَعْفُورَ الْأَصْغَرُ وَأَمَّا أَبُو يَعْفُورَ الْأَكْبَرُ فَاسْمُهُ وَاقِدُ وَقِيلَ وَقْدَانُ

باب جواز الاقعاء على العقبين

وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حديث أي الأعمال أفضل (باب جواز الاقعاء على العقبين) [536] فِيهِ طَاوُسٌ قَالَ قُلْنَا لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ قَالَ هِيَ السُّنَّةُ فَقُلْنَا لَهُ إِنَّا

لنراه جفاء بالرجل فقال بن عَبَّاسٍ بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْلَمْ أَنَّ الْإِقْعَاءَ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثَانِ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ النَّهْيُ عَنْهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ من رواية علي وبن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ رِوَايَةِ سَمُرَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ رِوَايَةِ سَمُرَةَ وَأَنَسٍ وَأَسَانِيدُهَا كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ الْإِقْعَاءِ وَفِي تَفْسِيرِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَالصَّوَابُ الَّذِي لَا مَعْدِلَ عَنْهُ أَنَّ الْإِقْعَاءَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُلْصِقَ أَلْيَتَيْهِ بِالْأَرْضِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ هَكَذَا فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى وَصَاحِبُهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ وَآخَرُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الْمَكْرُوهُ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النَّهْيُ وَالنَّوْعُ الثَّانِي أَنْ يَجْعَلَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَهَذَا هو مراد بن عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ فِي الْجُلُوسِ بين السجدتين وحمل حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَيْهِ جَمَاعَاتٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَآخَرُونَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ قال وكذا جاء مفسرا عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تَمَسَّ عَقِبَيْكَ أَلْيَيْكَ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي تفسير حديث بن عَبَّاسٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَلَهُ نَصٌّ آخَرُ وَهُوَ الْأَشْهَرُ أَنَّ السُّنَّةَ فِيهِ الِافْتِرَاشُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ وَأَيُّهمَا أَفْضَلُ فِيهِ قَوْلَانِ وَأَمَّا جِلْسَةُ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَجِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ فَسُنَّتُهُمَا الِافْتِرَاشُ وَجِلْسَةُ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ السُّنَّةُ فِيهِ التَّوَرُّكُ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ مَعَ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ إِنَّا لَنَرَاهُ جُفَاءً بِالرَّجُلِ ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْجِيمِ أَيْ بِالْإِنْسَانِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ قَالَ وَضَبَطَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ قَالَ أَبُو عُمَرَ وَمَنْ ضَمَّ الْجِيمَ فَقَدْ غَلِطَ وَرَدَّ الجمهور علي بن عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالُوا الصَّوَابُ الضَّمُّ وَهُوَ الَّذِي يَلِيقُ بِهِ إِضَافَةُ الْجَفَاءِ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته)

(باب تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَنَسْخِ مَا كَانَ مِنْ إِبَاحَتِهِ) [537] قَوْلُهُ وَاثُكْلَ أُمِّيَاهُ الثُّكْلُ بِضَمِّ الثَّاءِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَبِفَتْحِهِمَا جَمِيعًا لُغَتَانِ كَالْبُخْلِ وَالْبَخَلِ حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ فِقْدَانُ الْمَرْأَةِ وَلَدَهَا وَامْرَأَةٌ ثَكْلَى وَثَاكِلٌ وَثَكِلَتْهُ أُمُّهُ بِكَسْرِ الْكَافِ وَأَثْكَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى أُمَّهُ وَقَوْلُهُ أُمِّيَاهُ هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ قَوْلُهُ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ يَعْنِي فَعَلُوا هَذَا لِيُسْكِتُوهُ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُشْرَعَ التَّسْبِيحُ لِمَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْفِعْلِ الْقَلِيلِ فِي الصلاة وأنه لا تبطل به الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ إِذَا كَانَ لِحَاجَةٍ قَوْلُهُ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَظِيمِ الْخُلُقِ الَّذِي شَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِهِ وَرِفْقِهِ بِالْجَاهِلِ وَرَأْفَتِهِ بِأُمَّتِهِ وَشَفَقَتِهِ عَلَيْهِمْ وَفِيهِ التَّخَلُّقُ بِخُلُقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّفْقِ بِالْجَاهِلِ وَحُسْنِ تَعْلِيمِهِ وَاللُّطْفِ بِهِ وَتَقْرِيبِ الصَّوَابِ إِلَى فَهْمِهِ قَوْلُهُ فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي أَيْ مَا انْتَهَرَنِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ

وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِيهِ تَحْرِيمُ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى تَنْبِيهٍ أَوْ إِذْنٍ لِدَاخِلٍ وَنَحْوِهِ سَبَّحَ إِنْ كَانَ رَجُلًا وَصَفَّقَتْ إِنْ كَانَتِ امْرَأَةً هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الْأَوْزَاعِيُّ يَجُوزُ الْكَلَامُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ لحديث ذي اليدين وسنوضحه في موضعه انشاء اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا فِي كَلَامِ الْعَامِدِ الْعَالِمِ أَمَّا النَّاسِي فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْكَلَامِ الْقَلِيلِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْكُوفِيُّونَ تَبْطُلُ دَلِيلُنَا حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ فَإِنْ كَثُرَ كَلَامُ الناس فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ نَادِرٌ وَأَمَّا كَلَامُ الْجَاهِلِ إِذَا كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ كَكَلَامِ النَّاسِي فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِقَلِيلِهِ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ لَكِنْ عَلَّمَهُ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَمَعْنَاهُ هَذَا وَنَحْوُهُ فَإِنَّ التَّشَهُّدَ وَالدُّعَاءَ وَالتَّسْلِيمَ مِنَ الصَّلَاةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَذْكَارِ مَشْرُوعٌ فِيهَا فَمَعْنَاهُ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَمُخَاطَبَاتِهِمْ وَإِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَأَشْبَاهِهِمَا مِمَّا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَسَبَّحَ أَوْ كَبَّرَ أَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لَا يَحْنَثُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْجُمْهُورِ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ وَجُزْءٌ مِنْهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَتْ مِنْهَا بَلْ هِيَ شَرْطٌ خَارِجٌ عَنْهَا مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ الَّذِي يَحْرُمُ فِي الصَّلَاةِ وَتَفْسُدُ بِهِ إِذَا أَتَى بِهِ عَالِمًا عَامِدًا قَالَ أَصْحَابُنَا إِنْ قَالَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ بِكَافِ الْخِطَابِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ قَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ أَوِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ أَوْ رَحِمَ اللَّهُ فُلَانًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخِطَابٍ وَأَمَّا الْعَاطِسُ فِي الصَّلَاةِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى سِرًّا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قال مالك وغيره وعن بن عُمَرَ وَالنَّخَعِيِّ وَأَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَالسُّنَّةُ فِي الْأَذْكَارِ فِي الصَّلَاةِ الْإِسْرَارُ إِلَّا مَا اسْتَثْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي بَعْضِهَا وَنَحْوِهَا قَوْلُهُ إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ

قَالَ الْعُلَمَاءُ الْجَاهِلِيَّةُ مَا قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ سموا جاهلية لكثرة جهالاتهم وفحشهم قوله إِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ قَالَ فَلَا تَأْتِهِمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا نُهِيَ عَنِ إِتْيَانِ الكهان لِأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ فِي مُغَيَّبَاتٍ قَدْ يُصَادِفُ بَعْضُهَا الْإِصَابَةَ فَيُخَافُ الْفِتْنَةُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِسَبَبِ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يُلَبِّسُونَ عَلَى النَّاسِ كَثِيرًا مِنَ أَمْرِ الشَّرَائِعِ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالنَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِ الْكُهَّانِ وَتَصْدِيقِهِمْ فِيمَا يَقُولُونَ وَتَحْرِيمِ مَا يُعْطُونَ مِنَ الْحُلْوَانِ وَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِي تَحْرِيمِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْبَغَوِيُّ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ حُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَهُوَ مَا أَخَذَهُ الْمُتَكَهِّنُ عَلَى كِهَانَتِهِ لِأَنَّ فِعْلَ الْكِهَانَةِ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَيَمْنَعُ الْمُحْتَسِبُ النَّاسَ مِنَ التَّكَسُّبِ بِالْكِهَانَةِ وَاللَّهْوِ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ الْآخِذَ وَالْمُعْطِيَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حُلْوَانُ الْكَاهِنِ مَا يَأْخُذُهُ الْمُتَكَهِّنُ عَلَى كِهَانَتِهِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ وَفِعْلُهُ بَاطِلٌ قَالَ وَحُلْوَانُ الْعَرَّافِ حَرَامٌ أَيْضًا قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَرَّافِ وَالْكَاهِنِ أَنَّ الْكَاهِنَ إِنَّمَا يَتَعَاطَى الْأَخْبَارَ عَنِ الْكَوَائِنِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَدَّعِي مَعْرِفَةَ الْأَسْرَارِ وَالْعَرَّافُ يَتَعَاطَى مَعْرِفَةَ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ وَمَكَانَ الضَّالَّةِ وَنَحْوِهِمَا وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا فِي حَدِيثِ مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ فِي الْعَرَبِ كَهَنَةٌ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ رِئْيًا مِنَ الْجِنِّ يُلْقِي إِلَيْهِ الْأَخْبَارَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي اسْتِدْرَاكَ ذَلِكَ بِفَهْمٍ أُعْطِيَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمَّى عَرَّافًا وَهُوَ الَّذِي يَزْعُمُ مَعْرِفَةَ الْأُمُورِ بِمُقَدِّمَاتِ أَسْبَابٍ اسْتَدَلَّ بِهَا كَمَعْرِفَةِ مَنْ سَرَقَ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ وَمَعْرِفَةِ مَنْ يُتَّهَمُ بِهِ الْمَرْأَةُ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي الْمُنَجِّمَ كَاهِنًا قَالَ وَالْحَدِيثُ يَشْتَمِلُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ وَالرُّجُوعِ إِلَى قَوْلِهِمْ وَتَصْدِيقِهِمْ فِيمَا يَدَّعُونَهُ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَهُوَ نَفِيسٌ قَوْلُهُ وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ قَالَ ذَلِكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلَا يَصُدَّنَّهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ فَلَا يَصُدَّنَّكُمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ الطِّيَرَةَ شَيْءٌ تَجِدُونَهُ فِي نفوسكم ضرورة

وَلَا عَتَبَ عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُكْتَسَبٍ لَكُمْ فَلَا تَكْلِيفَ بِهِ وَلَكِنْ لَا تَمْتَنِعُوا بِسَبَبِهِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي أُمُورِكُمْ فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَقْدِرُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُكْتَسَبٌ لَكُمْ فَيَقَعُ بِهِ التَّكْلِيفُ فَنَهَاهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعَمَلِ بِالطِّيَرَةِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ بِسَبَبِهَا وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّطَيُّرِ وَالطِّيَرَةُ هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا لَا عَلَى مَا يُوجَدُ فِي النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ عَلَى مُقْتَضَاهُ عِنْدَهُمْ وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْكَلَامِ فِيهَا فِي مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ قَالَ كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ فالصحيح أن معناه من وافق خَطُّهُ فَهُوَ مُبَاحٌ لَهُ وَلَكِنْ لَا طَرِيقَ لَنَا إِلَى الْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ بِالْمُوَافَقَةِ فَلَا يُبَاحُ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ حَرَامٌ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ إِلَّا بِيَقِينِ الْمُوَافَقَةِ وَلَيْسَ لَنَا يَقِينٌ بِهَا وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ وَلَمْ يَقُلْ هُوَ حَرَامٌ بِغَيْرِ تَعْلِيقٍ عَلَى الْمُوَافَقَةِ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ هَذَا النَّهْيَ يَدْخُلُ فِيهِ ذَاكَ النَّبِيُّ الَّذِي كَانَ يَخُطُّ فَحَافَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حُرْمَةِ ذَاكَ النَّبِيِّ مَعَ بيان الحكم في حقنا فالمعنى أن ذلك النَّبِيَّ لَا مَنْعَ فِي حَقِّهِ وَكَذَا لَوْ عَلِمْتُمْ مُوَافَقَتَهُ وَلَكِنْ لَا عِلْمَ لَكُمْ بِهَا وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ النَّهْيَ عَنْ هَذَا الْخَطِّ إِذَا كَانَ عَلَمًا لِنُبُوَّةِ ذَاكَ النَّبِيِّ وَقَدِ انْقَطَعَتْ فَنُهِينَا عَنْ تَعَاطِي ذَلِكَ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمُخْتَارُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ الَّذِي يَجِدُونَ إِصَابَتَهُ فِيمَا يَقُولُ لَا أَنَّهُ أَبَاحَ ذَلِكَ لِفَاعِلِهِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا نُسِخَ فِي شَرْعِنَا فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ الِاتِّفَاقُ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ الْآنَ قَوْلُهُ وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَل أُحُد وَالْجَوَّانِيَّة هِيَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ نُونٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ يَاءٌ مُشَدَّدَةٌ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ تَخْفِيفَ الْيَاءِ وَالْمُخْتَارُ التَّشْدِيدُ وَالْجَوَّانِيَّةُ بِقُرْبِ أُحُدٍ مَوْضِعٌ فِي شَمَالِيِّ الْمَدِينَةِ وَأَمَّا قَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ إِنَّهَا مِنْ عَمَلِ الْفَرْعِ فَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ لِأَنَّ الْفَرْعَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ بَعِيدٌ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٌ فِي شام المدينة وقد

قَالَ فِي الْحَدِيثِ قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ فَكَيْفَ يَكُونُ عِنْدَ الْفَرْعِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِخْدَامِ السَّيِّدِ جَارِيَتَهُ فِي الرَّعْيِ وَإِنْ كَانَتْ تَنْفَرِدُ فِي الْمَرْعَى وَإِنَّمَا حَرَّمَ الشَّرْعُ مُسَافَرَةَ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الطَّمَعِ فِيهَا وَانْقِطَاعِ نَاصِرِهَا وَالذَّابِّ عَنْهَا وَبُعْدِهَا مِنْهُ بِخِلَافِ الرَّاعِيَةِ وَمَعَ هَذَا فَإِنْ خِيفَ مَفْسَدَةٌ مِنْ رَعْيِهَا لِرِيبَةٍ فِيهَا أَوْ لِفَسَادِ مَنْ يَكُونُ فِي النَّاحِيَةِ الَّتِي تَرْعَى فِيهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَرْعِهَا وَلَمْ تُمَكَّنِ الْحُرَّةُ وَلَا الْأَمَةُ مِنَ الرَّعْيِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ فِي مَعْنَى السَّفَرِ الَّذِي حَرَّمَ الشَّرْعُ عَلَى الْمَرْأَةِ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ أَوْ نَحْوُهُ مِمَّنْ تَأْمَنُ مَعَهُ عَلَى نَفْسِهَا فَلَا مَنْعَ حِينَئِذٍ كَمَا لَا يَمْنَعُ مِنَ الْمُسَافَرَةِ فِي هَذَا الْحَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ آسَفُ أَيْ أَغْضَبُ وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ قَوْلُهُ صَكَكْتُهَا أَيْ لَطَمْتُهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَفِيهَا مَذْهَبَانِ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا مَرَّاتٍ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ أَحَدُهُمَا الْإِيمَانُ بِهِ مِنْ غَيْرِ خَوْضٍ فِي مَعْنَاهُ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَتَنْزِيهِهِ عَنْ سِمَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ وَالثَّانِي تَأْوِيلُهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ فَمَنْ قَالَ بِهَذَا قَالَ كَانَ الْمُرَادُ امْتِحَانَهَا هَلْ هِيَ مُوَحِّدَةٌ تُقِرُّ بِأَنَّ الْخَالِقَ الْمُدَبِّرَ الْفَعَّالَ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ وَهُوَ الَّذِي إِذَا دَعَاهُ الدَّاعِي اسْتَقْبَلَ السَّمَاءَ كَمَا إِذَا صَلَّى الْمُصَلِّي اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُنْحَصِرٌ فِي السَّمَاءِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مُنْحَصِرًا فِي جِهَةِ الْكَعْبَةِ بَلْ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّمَاءَ قِبْلَةُ الدَّاعِينَ كَمَا أَنَّ الْكَعْبَةَ قِبْلَةُ الْمُصَلِّينَ أَوْ هِيَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ الْعَابِدِينَ لِلْأَوْثَانِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَلَمَّا قَالَتْ فِي السَّمَاءِ عَلِمَ أَنَّهَا مُوَحِّدَةٌ وَلَيْسَتْ عَابِدَةً لِلْأَوْثَانِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قَاطِبَةً فَقِيهُهُمْ وَمُحَدِّثُهُمْ وَمُتَكَلِّمُهُمْ وَنُظَّارُهُمْ وَمُقَلِّدُهُمْ أَنَّ الظَّوَاهِرَ الْوَارِدَةَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السماء أن يخسف بكم الأرض وَنَحْوِهِ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا بَلْ مُتَأَوَّلَةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ فَمَنْ قَالَ بِإِثْبَاتِ جِهَةِ فَوْقُ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَلَا تَكْيِيفٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ تَأَوَّلَ فِي السَّمَاءِ

أَيْ عَلَى السَّمَاءِ وَمَنْ قَالَ مِنْ دَهْمَاءِ النُّظَّارِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَأَصْحَابِ التَّنْزِيهِ بِنَفْيِ الْحَدِّ وَاسْتِحَالَةِ الْجِهَةِ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَأَوَّلُوهَا تَأْوِيلَاتٍ بِحَسَبِ مُقْتَضَاهَا وَذَكَرَ نَحْوَ مَا سَبَقَ قَالَ وَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي جَمَعَ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْحَقِّ كُلَّهُمْ عَلَى وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ عَنِ الْفِكْرِ فِي الذَّاتِ كَمَا أُمِرُوا وَسَكَتُوا لِحِيرَةِ الْعَقْلِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ التَّكْيِيفِ وَالتَّشْكِيلِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ وُقُوفِهِمْ وَإِمْسَاكِهِمْ غَيْرُ شَاكٍّ فِي الوجود والموجود وَغَيْرُ قَادِحٍ فِي التَّوْحِيدِ بَلْ هُوَ حَقِيقَتُهُ ثُمَّ تَسَامَحَ بَعْضُهُمْ بِإِثْبَاتِ الْجِهَةِ خَاشِيًا مِنْ مِثْلِ هَذَا التَّسَامُحِ وَهَلْ بَيْنَ التَّكْيِيفِ وَإِثْبَاتِ الْجِهَاتِ فَرْقٌ لَكِنْ إِطْلَاقُ مَا أَطْلَقَهُ الشَّرْعُ مِنْ أَنَّهُ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَأَنَّهُ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَعَ التَّمَسُّكِ بِالْآيَةِ الْجَامِعَةِ لِلتَّنْزِيهِ الْكُلِّيِّ الَّذِي لَا يَصِحُّ فِي الْمَعْقُولِ غَيْرُهُ وهو قوله تعالى ليس كمثله شيء عِصْمَةٌ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا كَلَامُ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ إِعْتَاقَ الْمُؤْمِنِ أَفْضَلُ مِنْ إِعْتَاقِ الْكَافِرِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ عِتْقِ الْكَافِرِ فِي غَيْرِ الْكَفَّارَاتِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْكَافِرُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا مُؤْمِنَةٌ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْكُوفِيُّونَ يُجْزِئُهُ الْكَافِرُ لِلْإِطْلَاقِ فَإِنَّهَا تُسَمَّى رَقَبَةً قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَصِيرُ مُؤْمِنًا إِلَّا بِالْإِقْرَارِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِرِسَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ جَزْمًا كَفَاهُ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ إِيمَانِهِ وَكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَالْجَنَّةِ وَلَا يُكَلَّفُ مَعَ هَذَا إِقَامَةَ الدَّلِيلِ وَالْبُرْهَانِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ مَعْرِفَةُ الدَّلِيلِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَّلِ

كِتَابِ الْإِيمَانِ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَبِاللَّهِ التوفيق [538] قوله في حديث بن مَسْعُودٍ كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فِي الصَّلَاةِ فَتَرُدُّ عَلَيْنَا فَقَالَ إِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا [539] وَفِي حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ وَهُوَ إِلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ وقوموا لله قانتين فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ [540] وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنِي لِحَاجَةٍ ثُمَّ أَدْرَكْتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَأَشَارَ

إِلَيَّ فَلَمَّا فَرَغَ دَعَانِي فَقَالَ إِنَّكَ سَلَّمْتَ آنِفًا وَأَنَا أُصَلِّي هَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِيهَا فَوَائِدُ مِنْهَا تَحْرِيمُ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَ لِمَصْلَحَتِهَا أَمْ لَا وَتَحْرِيمُ رَدِّ السَّلَامِ فِيهَا بِاللَّفْظِ وَأَنَّهُ لَا تَضُرُّ الْإِشَارَةُ بَلْ يُسْتَحَبُّ رَدُّ السَّلَامِ بِالْإِشَارَةِ وَبِهَذِهِ الْجُمْلَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ العلماء برد السَّلَامَ فِي الصَّلَاةِ نُطْقًا مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ وَجَابِرٌ وَالْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَقَتَادَةُ وَإِسْحَاقُ وَقِيلَ يَرُدُّ فِي نَفْسِهِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ يَرُدُّ بَعْدَ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَرُدُّ بِلَفْظٍ وَلَا إِشَارَةٍ بِكُلِّ حَالٍ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَجَمَاعَةٌ يَرُدُّ إِشَارَةً وَلَا يَرُدُّ نُطْقًا وَمَنْ قَالَ يَرُدُّ نُطْقًا كَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْأَحَادِيثُ وَأَمَّا ابْتِدَاءُ السَّلَامِ عَلَى الْمُصَلِّي فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَإِنْ سَلَّمَ لَمْ يَسْتَحِقَّ جَوَابًا وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا كَرَاهَةُ السَّلَامِ وَالثَّانِيَةُ جَوَازُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ وَظِيفَتُهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِصَلَاتِهِ فَيَتَدَبَّرَ مَا يَقُولُهُ وَلَا يُعَرِّجُ عَلَى غَيْرِهَا فَلَا يَرُدُّ سَلَامًا وَلَا غَيْرَهُ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا هُرَيْمٌ هُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ قَوْلُهُ تعالى وقوموا لله قانتين قِيلَ مَعْنَاهُ مُطِيعِينَ وَقِيلَ سَاكِتِينَ قَوْلُهُ أُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا عَامِدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بِغَيْرِ مَصْلَحَتِهَا وَبِغَيْرِ إِنْقَاذِهَا وَشِبْهَهُ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ وَأَمَّا الْكَلَامُ لِمَصْلَحَتِهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْجُمْهُورُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَجَوَّزَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ وَكَلَامُ النَّاسِي لَا يُبْطِلُهَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ مَا لَمْ يُطِلْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْكُوفِيُّونَ يُبْطِلُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَدُّ السَّلَامِ بِالْإِشَارَةِ وَأَنَّهُ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالْإِشَارَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْحَرَكَاتِ الْيَسِيرَةِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَمَنَعَهُ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ مَانِعٌ أَنْ يَعْتَذِرَ إِلَى الْمُسْلِمِ وَيَذْكُرَ لَهُ ذَلِكَ الْمَانِعَ قَوْلُهُ وَهُوَ مُوَجِّهٌ قِبَلَ الْمَشْرِقِ هو بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ مُوَجِّهٌ وَجْهَهُ وَرَاحِلَتَهُ وَفِيهِ دليل لجواز

(باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة والتعوذ منه)

النَّافِلَةِ فِي السَّفَرِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ شِنْظِيرٍ هُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ وَالظَّاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ (باب جَوَازِ لَعْنِ الشَّيْطَانِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَالتَّعَوُّذِ مِنْهُ) وَجَوَازِ الْعَمَلِ الْقَلِيلِ فِي الصَّلَاةِ [541] قَوْلُهُ إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ جَعَلَ يَفْتِكُ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلَاتِي هَكَذَا هُوَ فِي مسلم

يفتك وفي رواية البخاري يفلت وَهُمَا صَحِيحَانِ وَالْفَتْكُ الْأَخْذُ فِي غَفْلَةٍ وَخَدِيعَةٍ وَالْعِفْرِيتُ الْعَاتِي الْمَارِدُ مِنَ الْجِنِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَعَتُّهُ هُوَ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَتَخْفِيفِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ خَنَقْتُهُ قَالَ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ فَدَعَتُّهُ يَعْنِي بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا ومعناه دفعته دفعا شَدِيدًا وَالدَّعْتُ وَالدَّعُّ الدَّفْعُ الشَّدِيدُ وَأَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ الْمُهْمَلَةَ وَقَالَ لَا تَصِحُّ وَصَحَّحَهَا غَيْرُهُ وَصَوَّبُوهَا وَإِنْ كَانَتِ الْمُعْجَمَةُ أَوْضَحَ وَأَشْهَرَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ الْقَلِيلِ فِي الصَّلَاةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ حَتَّى تُصْبِحُوا تَنْظُرُونَ إِلَيْهِ أَجْمَعُونَ أَوْ كُلُّكُمْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِنَّ مَوْجُودُونَ وَأَنَّهُمْ قَدْ يَرَاهُمْ بَعْضُ الْآدَمِيِّينَ وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حيث لا ترونهم فَمَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ فَلَوْ كَانَتْ رُؤْيَتُهُمْ مُحَالًا لَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ مِنْ رُؤْيَتِهِ إِيَّاهُ وَمِنْ أَنَّهُ كَانَ يَرْبِطُهُ لِيَنْظُرُوا كُلُّهُمْ إِلَيْهِ وَيَلْعَبَ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ إِنَّ رُؤْيَتَهُمْ عَلَى خَلْقِهِمْ وَصُوَرِهِمُ الْأَصْلِيَّةِ مُمْتَنِعَةٌ لِظَاهِرِ الْآيَةِ إِلَّا لِلْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَمَنْ خُرِقَتْ لَهُ الْعَادَةُ وَإِنَّمَا يَرَاهُمْ بَنُو آدَمَ فِي صُوَرٍ غَيْرِ صُوَرِهِمْ كَمَا جَاءَ فِي الْآثَارِ قُلْتُ هَذِهِ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ لَهَا مُسْتَنَدٌ فَهِيَ مَرْدُودَةٌ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ الْجِنُّ أَجْسَامٌ لَطِيفَةٌ رُوحَانِيَّةٌ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَصَوَّرَ بِصُورَةٍ يُمْكِنُ رَبْطُهُ مَعَهَا ثُمَّ يَمْتَنِعُ مِنْ أَنْ يَعُودَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَأَتَّى اللَّعِبُ بِهِ وَإِنْ خُرِقَتِ الْعَادَةُ أَمْكَنَ غَيْرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ صَلَاةُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهَذَا فَامْتَنَعَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَبْطِهِ إِمَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لِذَلِكَ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ لَمَّا تَذَكَّرَ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَاطَ ذَلِكَ لِظَنِّهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ أَوْ تَوَاضُعًا وَتَأَدُّبًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّهُ اللَّهُ خَاسِئًا أَيْ ذَلِيلًا صَاغِرًا مَطْرُودًا مبعدا قوله وقال بن مَنْصُورٍ شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ يَعْنِي قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي رِوَايَتِهِ حَدَّثَنَا النَّضْرُ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زياد

فَخَالَفَ رِوَايَةَ رَفِيقِهِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السَّابِقَةَ فِي شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ شُعْبَةُ عَنْ محمد بن زياد وقال بن ابرهيم شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ محمد بن زياد وفي رواية بن ابراهيم محمد وهو بن زِيَادٍ [542] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ تَسْمِيَتُهَا تَامَّةً أَيْ لَا نَقْصَ فِيهَا وَيَحْتَمِلُ الْوَاجِبَةُ لَهُ الْمُسْتَحَقَّةُ عَلَيْهِ أَوِ الْمُوجِبَةُ عَلَيْهِ الْعَذَابَ سَرْمَدًا وَقَالَ الْقَاضِي وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ دَلِيلُ جَوَازِ الدُّعَاءِ لِغَيْرِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ بِصِيغَةِ الْمُخَاطَبَةِ خِلَافًا لِابْنِ شَعْبَانَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ إِنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِذَاكَ قُلْتُ وَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالدُّعَاءِ لِغَيْرِهِ بِصِيغَةِ الْمُخَاطَبَةِ كَقَوْلِهِ لِلْعَاطِسِ رَحِمَكَ اللَّهُ أَوْ يَرْحَمُكَ وَلِمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَأَشْبَاهُهُ وَالْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ فِي السَّلَامِ عَلَى الْمُصَلِّي تُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فَيُتَأَوَّلُ هَذَا الْحَدِيثُ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ لَأَصْبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ

(باب جواز حمل الصبيان في الصلاة)

أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ لِتَفْخِيمِ مَا يُخْبِرُ بِهِ الْإِنْسَانُ وَتَعْظِيمِهِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي صِحَّتِهِ وَصِدْقِهِ وَقَدْ كَثُرَتِ الْأَحَادِيثُ بِمِثْلِ هَذَا وَالْوِلْدَانُ الصِّبْيَانُ (باب جَوَازِ حَمْلِ الصبيان في الصلاة) وان ثيابهم محمولة على الطهارة حتى يتحقق نَجَاسَتُهَا وَأَنَّ الْفِعْلَ الْقَلِيلَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وكذا اذا فرق الافعال فِيهِ حَدِيثُ حَمْلِ أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَفِيهِ دَلِيلٌ لِصِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ حَمَلَ آدَمِيًّا أَوْ حَيَوَانًا طَاهِرًا مِنْ طَيْرٍ وَشَاةٍ وَغَيْرِهِمَا وَأَنَّ ثِيَابَ الصِّبْيَانِ وَأَجْسَادَهُمْ طَاهِرَةٌ حَتَّى تَتَحَقَّقَ نَجَاسَتُهَا وَأَنَّ الْفِعْلَ الْقَلِيلَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَأَنَّ الْأَفْعَالَ إِذَا تَعَدَّدَتْ وَلَمْ تَتَوَالَ بَلْ تَفَرَّقَتْ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَفِيهِ تَوَاضُعٌ مَعَ الصِّبْيَانِ وَسَائِرِ الضَّعَفَةِ وَرَحْمَتُهُمْ وَمُلَاطَفَتُهُمْ وَقَوْلُهُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

يَؤُمُّ النَّاسَ وَأُمَامَةُ عَلَى عَاتِقِهِ هَذَا يَدُلُّ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ حَمْلُ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ وَصَلَاةِ النَّفْلِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ وَحَمَلَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى النَّافِلَةِ وَمَنَعُوا جَوَازَ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ فَاسِدٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَؤُمُّ النَّاسَ صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ كَانَ فِي الْفَرِيضَةِ وَادَّعَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَبَعْضُهُمْ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ لِضَرُورَةٍ وَكُلُّ هَذِهِ الدَّعَاوِي بَاطِلَةٌ وَمَرْدُودَةٌ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَلَا ضَرُورَةَ إِلَيْهَا بَلِ الْحَدِيثُ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُخَالِفُ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ طَاهِرٌ وَمَا فِي جَوْفِهِ مِنَ النَّجَاسَةِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لِكَوْنِهِ فِي مَعِدَتِهِ وَثِيَابُ الْأَطْفَالِ وَأَجْسَادُهُمْ عَلَى الطَّهَارَةِ وَدَلَائِلُ الشَّرْعِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى هَذَا وَالْأَفْعَالُ فِي الصَّلَاةِ لَا تُبْطِلُهَا إِذَا قَلَّتْ أَوْ تَفَرَّقَتْ وَفَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَتَنْبِيهًا بِهِ عَلَى هَذِهِ الْقَوَاعِدِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا وَهَذَا يَرُدُّ مَا ادَّعَاهُ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ هَذَا الفعل يشبه ان يكون كان بغير تَعَمُّدٍ فَحَمَلَهَا فِي الصَّلَاةِ لِكَوْنِهَا كَانَتْ تَتَعَلَّقُ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَدْفَعْهَا فَإِذَا قَامَ بَقِيَتْ مَعَهُ قَالَ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ حَمَلَهَا وَوَضَعَهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى عَمْدًا لأنه عمل كثير ويشغل القلب واذ كان الخميصة شغله فَكَيْفَ لَا يَشْغَلُهُ هَذَا هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ بَاطِلٌ وَدَعْوَى مُجَرَّدَةٌ وَمِمَّا يَرُدُّهَا قَوْلُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَإِذَا أقام حَمَلَهَا وَقَوْلُهُ فَإِذَا رَفَعَ مِنَ السُّجُودِ أَعَادَهَا وقوله في رواية غير مُسْلِمٍ خَرَجَ عَلَيْنَا حَامِلًا أُمَامَةَ فَصَلَّى فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَأَمَّا قَضِيَّةُ الْخَمِيصَةِ فَلِأَنَّهَا تَشْغَلُ الْقَلْبَ بِلَا فَائِدَةٍ وَحَمْلُ أُمَامَةَ

(باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة)

لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَشْغَلُ الْقَلْبَ وَإِنْ شَغَلَهُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَوَائِدُ وَبَيَانُ قَوَاعِدَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَغَيْرِهِ فَأُحِلَّ ذَلِكَ الشَّغْلُ لِهَذِهِ الْفَوَائِدِ بِخِلَافِ الْخَمِيصَةِ فَالصَّوَابُ الَّذِي لَا مَعْدِلَ عَنْهُ أَنَّ الْحَدِيثَ كَانَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى هَذِهِ الْفَوَائِدِ فَهُوَ جَائِزٌ لَنَا وَشَرْعٌ مُسْتَمِرٌّ لِلْمُسْلِمِينَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [543] قَوْلُهُ وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ يَعْنِي بِنْتَ زَيْنَبَ مِنْ زَوْجِهَا أَبِي العاص بن الربيع وقوله بن الرَّبِيعِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ وَكُتُبِ الْأَنْسَابِ وَغَيْرِهَا وَرَوَاهُ أَكْثَرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالُوا بن رَبِيعَةَ وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ الاصيلي هو بن الرَّبِيعِ بْنِ رَبِيعَةَ فَنَسَبَهُ مَالِكٌ إِلَى جَدِّهِ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَنَسَبُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْأَخْبَارِ وَالْأَنْسَابِ بِاتِّفَاقِهِمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَاسْمُ أَبِي الْعَاصِ لَقِيطٌ وَقِيلَ مُهَشَّمٌ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (بَابُ جَوَازِ الْخُطْوَةِ وَالْخُطْوَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ) وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَ لِحَاجَةٍ وَجَوَازِ صَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَى مَوْضِعٍ أَرْفَعَ مِنَ الْمَأْمُومِينَ لِلْحَاجَةِ كَتَعْلِيمِهِمُ الصَّلَاةَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ [544] فِيهِ صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَنُزُولُهُ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَانَ الْمِنْبَرُ الْكَرِيمُ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُطْوَتَيْنِ إِلَى أَصْلِ الْمِنْبَرِ ثُمَّ سجد في

جَنْبِهِ فَفِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا اسْتِحْبَابُ اتِّخَاذِ الْمِنْبَرِ وَاسْتِحْبَابُ كَوْنِ الْخَطِيبِ وَنَحْوِهِ عَلَى مُرْتَفِعٍ كَمِنْبَرٍ أوغيره وَجَوَازُ الْفِعْلِ الْيَسِيرِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْخُطْوَتَيْنِ لَا تَبْطُلُ بِهِمَا الصَّلَاةُ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ إِلَّا لِحَاجَةٍ فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ أَنَّ الْفِعْلَ الْكَثِيرَ كَالْخُطُوَاتِ وَغَيْرِهَا إِذَا تَفَرَّقَتْ لَا تُبْطِلُ لِأَنَّ النُّزُولَ عَنِ الْمِنْبَرِ وَالصُّعُودَ تَكَرَّرَ وَجُمْلَتُهُ كَثِيرَةٌ وَلَكِنَّ أَفْرَادُهُ الْمُتَفَرِّقَةُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا قَلِيلٌ وَفِيهِ جَوَازُ صَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَى مَوْضِعٍ أَعْلَى مِنْ مَوْضِعِ الْمَأْمُومِينَ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ ارْتِفَاعُ الْإِمَامِ عَلَى الْمَأْمُومِ وَارْتِفَاعُ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ بِأَنْ أَرَادَ تَعْلِيمَهُمْ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ لَمْ يُكْرَهْ بَلْ يُسْتَحَبُّ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَكَذَا إِنْ أَرَادَ الْمَأْمُومُ إِعْلَامَ الْمَأْمُومِينَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَاحْتَاجَ إِلَى الِارْتِفَاعِ وَفِيهِ تَعْلِيمُ الْإِمَامِ الْمَأْمُومِينَ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّشْرِيكِ فِي الْعِبَادَةِ بَلْ هُوَ كَرَفْعِ صَوْتِهِ بِالتَّكْبِيرِ لِيُسْمِعَهُمْ قَوْلُهُ تَمَارَوْا فِي الْمِنْبَرِ أَيِ اخْتَلَفُوا وَتَنَازَعُوا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمِنْبَرُ مُشْتَقٌّ مِنَ النَّبْرِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ قَوْلُهُ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى امْرَأَةٍ انْظُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ يَعْمَلُ لِي أَعْوَادًا هَكَذَا رَوَاهُ سُهَيْلُ بْنُ سَعْدٍ وَفِي رِوَايَةِ جَابِرٍ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا قَالَ إِنْ شِئْتِ فَعَمِلَتِ الْمِنْبَرَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي ظَاهِرِهَا مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَةِ سُهَيْلٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ عَرَضَتْ هَذَا أَوَّلًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطْلُبُ تَنْجِيزَ ذَلِكَ قَوْلُهُ فَعَمِلَ هَذِهِ الثَّلَاثَ دَرَجَاتٍ هَذَا مِمَّا يُنْكِرُهُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ وَالْمَعْرُوفُ

عِنْدَهُمْ أَنْ يَقُولَ ثَلَاثُ الدَّرَجَاتِ أَوِ الدَّرَجَاتُ الثَّلَاثُ وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِكَوْنِهِ لُغَةً قَلِيلَةً وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ قَوْلُهُ فَهِيَ مِنْ طُرَفَاءِ الْغَابَةِ الطُّرَفَاءُ مَمْدُودَةٌ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَثْلِ الْغَابَةِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْأَثْلُ الطُّرَفَاءُ وَالْغَابَةُ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ قَوْلُهُ ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ هَكَذَا هُوَ رَفَعَ بِالْفَاءِ أَيْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَالْقَهْقَرَى هُوَ الْمَشْيُ إِلَى خَلْفُ وَإِنَّمَا رَجَعَ الْقَهْقَرَى لِئَلَّا يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ تَتَعَلَّمُوا فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ صُعُودَهُ الْمِنْبَرَ وَصَلَاتُهُ عَلَيْهِ إِنَّمَا كَانَ لِلتَّعْلِيمِ لِيَرَى جَمِيعُهُمْ أَفْعَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَا يَرَاهُ إِلَّا بَعْضُهُمْ مِمَّنْ قَرُبَ مِنْهُ قوله يعقوب بن عبد الرحمن القارىء هُوَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَارَّةِ الْقَبِيلَةِ الْمَعْرُوفَةِ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الباب وساقوا الحديث نحو حديث بن أَبِي حَازِمٍ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَسَاقُوا بِضَمِيرِ الْجَمْعِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَسَاقَا لِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ رِوَايَةِ

(باب كراهة الاختصار في الصلاة)

يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عن أبي حازم فهما شريكا بن أَبِي حَازِمٍ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ وَلَعَلَّهُ أَتَى بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَمُرَادُهُ الِاثْنَانِ وَإِطْلَاقُ الْجَمْعِ عَلَى الِاثْنَيْنِ جَائِزٌ بِلَا شَكٍّ لَكِنْ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَمْ مَجَازٌ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ مَجَازٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مُسْلِمًا أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَسَاقُوا الرُّوَاةُ عَنْ يَعْقُوبَ وَعَنْ سُفْيَانَ وَهُمْ كَثِيرُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب كَرَاهَةِ الْاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ) [545] قَوْلُهُ الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى الْقَنْطَرِيُّ بِفَتْحِ الْقَافِ مَنْسُوبٌ إِلَى مَحَلَّةٍ مِنْ مَحَالِّ بَغْدَادَ تُعْرَفُ بِقَنْطَرَةِ الْبَرِّ وَأَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهَا جَمَاعَاتٌ كَثِيرُونَ مِنْهُمُ الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى هَذَا وَلَهُمْ جَمَاعَاتٌ يُقَالُ فِيهِمُ الْقَنْطَرِيُّ يُنْسَبُونَ إِلَى مَحَلَّةٍ مِنْ مَحَالِّ نَيْسَابُورَ تُعْرَفُ بِرَأْسِ الْقَنْطَرَةِ وَقَدْ أَوْضَحَ الْقِسْمَيْنِ الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ قَوْلُهُ نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ نَهَى عَنِ الْخَصْرِ فِي الصَّلَاةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ فَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُخْتَصِرَ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي وَيَدُهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ قِيلَ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ بِيَدِهِ عَصَا يَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَقِيلَ أَنْ يَخْتَصِرَ السُّورَةَ فَيَقْرَأُ مِنْ آخِرهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَحْذِفَ فَلَا يُؤَدِّي قِيَامَهَا وَرُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا وَحُدُودَهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قِيلَ نَهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْيَهُودِ وَقِيلَ فِعْلُ الشَّيْطَانِ وَقِيلَ لِأَنَّ إِبْلِيسَ هَبَطَ مِنَ الْجَنَّةِ كَذَلِكَ وَقِيلَ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْمُتَكَبِّرِينَ

(باب كراهة مسح الحصى)

(باب كَرَاهَةِ مَسْحِ الْحَصَى) وَتَسْوِيَةِ التُّرَابِ فِي الصلاة [546] قوله صلى الله عليه وسلم إن كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً مَعْنَاهُ لَا تَفْعَلْ وَإِنْ فَعَلْتَ فَافْعَلْ وَاحِدَةً لَا تُزِدْ وَهَذَا نَهْيُ كَرَاهَةِ تَنْزِيهٍ فِيهِ كَرَاهَتُهُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ الْمَسْحِ لِأَنَّهُ يُنَافِي التَّوَاضُعَ وَلِأَنَّهُ يَشْغَلُ الْمُصَلِّي قَالَ الْقَاضِي وَكَرِهَ السَّلَفُ مَسْحَ الْجَبْهَةِ فِي الصَّلَاةِ وَقَبْلَ الِانْصِرَافِ يَعْنِي مِنَ الْمَسْجِدِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ تُرَابٍ ونحوه

(باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها)

(بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْبُصَاقِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا) وَالنَّهْيِ عَنْ بُصَاقِ الْمُصَلِّي بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ [547] يُقَالُ بُصَاقٌ وَبُزَاقٌ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَلُغَةٌ قَلِيلَةٌ بُسَاقٌ بِالسِّينِ وَعَدَّهَا جَمَاعَةٌ غَلَطًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ أَيِ الْجِهَةِ الَّتِي عَظَّمَهَا وَقِيلَ فَإِنَّ قِبْلَةَ اللَّهِ وَقِيلَ ثَوَابُهُ وَنَحْوُ هَذَا فَلَا يُقَابِلُ هَذِهِ الْجِهَةَ بِالْبُصَاقِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِخْفَافُ بِمَنْ يَبْزُقُ إِلَيْهِ وَإِهَانَتُهُ وَتَحْقِيرُهُ قَوْلُهُ رَأَى بُصَاقًا وفي رواية نخامة وَفِي رِوَايَةٍ مُخَاطًا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمُخَاطُ مِنَ الْأَنْفِ وَالْبُصَاقُ وَالْبُزَاقُ مِنَ الْفَمِ وَالنُّخَامَةُ وهي

النُّخَاعَةُ مِنَ الرَّأْسِ أَيْضًا وَمِنَ الصَّدْرِ وَيُقَالُ تَنَخَّمَ وَتَنَخَّعَ [548] قَوْلُهُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَبْزُقَ الرَّجُلُ عَنْ يَمِينِهِ وَأَمَامَهُ وَلَكِنْ يَبْزُقُ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلَا يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَكِنْ عَنْ شِمَالِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ فِيهِ نَهْيُ الْمُصَلِّي عَنِ الْبُصَاقِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَهَذَا عَامٌّ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلْيَبْزُقْ تَحْتَ قَدَمِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَمَّا الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَبْزُقْ إِلَّا فِي ثَوْبِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ فَكَيْفَ يَأْذَنُ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا نَهَى عَنِ الْبُصَاقِ عَنِ الْيَمِينِ تَشْرِيفًا لَهَا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَلَا يَبْصُقْ أَمَامَهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا قَالَ الْقَاضِي وَالنَّهْيُ عَنِ الْبُزَاقِ عن يمينه هو مع امكان غير اليمين فَإِنْ تَعَذَّرَ غَيْرُ الْيَمِينِ بِأَنْ يَكُونَ عَنْ يَسَارِهِ مُصَلٍّ فَلَهُ الْبُصَاقُ عَنْ يَمِينِهِ لَكِنِ الْأَوْلَى تَنْزِيهُ الْيَمِينِ عَنْ ذَلِكِ مَا أَمْكَنَ قَوْلُهُ رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَحَكَّهَا فِيهِ إِزَالَةُ الْبُزَاقِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَقْذَارِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْمَسْجِدِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[550] فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ وَتَحْتَ قَدَمِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا وَوَصَفَ الْقَاسِمُ فَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ هَذَا فِيهِ جَوَازُ الْفِعْلِ فِي الصَّلَاةِ وَفِيهِ أَنَّ الْبُزَاقَ وَالْمُخَاطَ وَالنُّخَاعَةَ طَاهِرَاتٌ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا مَا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ الْبُزَاقُ نَجَسٌ وَلَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْهُ وَفِيهِ أَنَّ الْبُصَاقَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَكَذَا التَّنَخُّعُ إِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ مِنْهُ حَرْفَانِ أَوْ كَانَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ [551] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى إِخْلَاصِ

الْقَلْبِ وَحُضُورِهِ وَتَفْرِيغِهِ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَمْجِيدِهِ وَتِلَاوَةِ كِتَابِهِ وَتَدَبُّرِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّفْلُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَهُوَ الْبُصَاقُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَاعْلَمْ أَنَّ الْبُزَاقَ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ احْتَاجَ إِلَى الْبُزَاقِ أَوْ لَمْ يَحْتَجْ بَلْ يَبْزُقُ فِي ثَوْبِهِ فَإِنْ بَزَقَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَدِ ارْتَكَبَ الْخَطِيئَةَ وَعَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ هَذِهِ الْخَطِيئَةَ بِدَفْنِ الْبُزَاقِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ أَنَّ الْبُزَاقَ خَطِيئَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ كَلَامٌ بَاطِلٌ حَاصِلُهُ أَنَّ الْبُزَاقَ لَيْسَ بِخَطِيئَةٍ إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَدْفِنْهُ وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ دَفْنَهُ فَلَيْسَ بِخَطِيئَةٍ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَشْيَاءَ بَاطِلَةٍ فَقَوْلُهُ هَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْحَدِيثِ وَلِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا فَمَعْنَاهُ إِنْ ارْتَكَبَ هَذِهِ الْخَطِيئَةَ فِعْلَيْهِ تكفيرها كما أن الزنى وَالْخَمْرَ وَقَتْلَ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ مُحَرَّمَاتٌ وَخَطَايَا وَإِذَا ارْتَكَبَهَا فِعْلَيْهِ عُقُوبَتُهَا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِدَفْنِهَا فَالْجُمْهُورُ قَالُوا الْمُرَادُ دَفْنُهَا فِي تُرَابِ الْمَسْجِدِ وَرَمْلِهِ وَحَصَاتِهِ إِنْ كَانَ فِيهِ تُرَابٌ أَوْ رَمْلٌ أَوْ حَصَاةٌ وَنَحْوُهَا وَإِلَّا فَيُخْرِجُهَا وَحَكَى الرُّويَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا قَوْلًا أَنَّ الْمُرَادَ إِخْرَاجُهَا مُطْلَقًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى سَأَلْتُ قَتَادَةَ فَقَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ قَتَادَةَ سَمِعَهُ مِنْ أَنَسٍ لِأَنَّ قَتَادَةَ مُدَلِّسٌ فَإِذَا قَالَ عَنْ لَمْ يَتَحَقَّقِ اتِّصَالُهُ فَإِذَا جَاءَ في

باب جواز الصلاة في النعلين

طَرِيقٍ آخَرَ سَمَاعُهُ تَحَقَّقْنَا بِهِ اتِّصَالَ الْأَوَّلِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ ثُمَّ فِي مَوَاضِعَ بَعْدَهَا [553] قَوْلُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدَّيْلِيِّ أَمَّا يَعْمُرُ فَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَسَبَقَ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ بَيَانُ الْخِلَافِ فِي الدَّيْلِيِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةُ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا الْقُبْحَ وَالذَّمَّ لَا يَخْتَصُّ بِصَاحِبِ النُّخَاعَةِ بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ هُوَ وَكُلُّ مَنْ رَآهَا وَلَا يُزِيلُهَا بِدَفْنٍ أوحك ونحوه (باب جواز الصلاة في النعلين) [555] قَوْلُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فِي النَّعْلَيْنِ فِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي النِّعَالِ

(باب كراهة الصلاة في ثوب له أعلام)

وَالْخِفَافِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَلَيْهَا نَجَاسَةٌ وَلَوْ أَصَابَ أَسْفَلَ الْخُفِّ نَجَاسَةٌ وَمَسَحَهُ عَلَى الْأَرْضِ فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْأَصَحُّ لَا تَصِحُّ (باب كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ لَهُ أَعْلَامٌ) [556] قَوْلُهُ فِي خَمِيصَةٍ هِيَ كِسَاءٌ مُرَبَّعٌ مِنْ صُوفٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأتوني بِأَنْبِجَانِيَّة قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَوَيْنَاهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَبِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا أَيْضًا فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ وَبِالْوَجْهَيْنِ ذَكَرَهَا ثَعْلَبٌ قَالَ وَرَوَيْنَاهُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ فِي آخِرِهِ وَبِتَخْفِيفِهَا مَعًا فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ إِذْ هُوَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بِأَنْبِجَانِيَّةٍ مُشَدَّدٌ مَكْسُورٌ عَلَى الْإِضَافَةِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَعَلَى التَّذْكِيرِ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كِسَاءً لَهُ أَنْبِجَانِيًّا قَالَ ثَعْلَبٌ هُوَ كُلُّ مَا كَثُفَ قَالَ غَيْرُهُ هُوَ كِسَاءٌ غَلِيظٌ لَا عَلَمَ لَهُ فَإِذَا كَانَ لِلْكِسَاءِ عَلَمٌ فَهُوَ خَمِيصَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ أَنْبِجَانِيَّةٌ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ هُوَ كِسَاءٌ غَلِيظٌ بَيْنَ الْكِسَاءِ وَالْعَبَاءَةِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ كِسَاءٌ سَدَاهُ قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ وَلُحْمَتُهُ صُوفٌ وقال بن قُتَيْبَةَ إِنَّمَا هُوَ مَنْبَجَانِيٌّ وَلَا يُقَالُ أَنْبِجَانِيٌّ مَنْسُوبٌ إِلَى مَنْبِجٍ وَفَتْحِ الْبَاءِ فِي النَّسَبِ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الشُّذُوذِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ الْبَاجِيُّ مَا قَالَهُ ثَعْلَبٌ أَظْهَرُ وَالنَّسَبُ إِلَى مَنْبِجٍ مَنْبَجِيُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَغَلَتْنِي أَعْلَامُ هَذِهِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَلْهَتْنِي وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَأَخَافُ أَنْ تَفْتِنِّي مَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مُتَقَارِبٌ وَهُوَ اشْتِغَالُ الْقَلْبِ بِهَا عَنْ كَمَالِ الْحُضُورِ فِي الصَّلَاةِ وَتَدَبُّرِ أَذْكَارِهَا وَتِلَاوَتِهَا وَمَقَاصِدِهَا

مِنَ الِانْقِيَادِ وَالْخُضُوعِ فَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى حُضُورِ الْقَلْبِ فِي الصَّلَاةِ وَتَدَبُّرِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَمَنْعِ النَّظَرِ مِنَ الِامْتِدَادِ إِلَى مَا يَشْغَلُ وَإِزَالَةِ مَا يَخَافُ اشْتِغَالَ الْقَلْبِ بِهِ وَكَرَاهِيَةِ تَزْوِيقِ مِحْرَابِ الْمَسْجِدِ وَحَائِطِهِ وَنَقْشِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الشَّاغِلَاتِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي إِزَالَةِ الْخَمِيصَةِ هَذَا الْمَعْنَى وَفِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ وَإِنْ حَصَلَ فِيهَا فِكْرٌ فِي شَاغِلٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِالصَّلَاةِ وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ وَالزُّهَّادِ مَا لَا يَصِحُّ عَمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ لَهُ النَّظَرُ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَلَا يَتَجَاوَزُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ وَعِنْدِي لَا يُكْرَهُ إِلَّا أَنْ يَخَافَ ضَرَرًا وَفِيهِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ لَهُ أَعْلَامٌ وَأَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى وَأَمَّا بَعْثُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَمِيصَةِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَطَلَبِ أَنْبِجَانِيَّةٍ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْإِدْلَالِ عَلَيْهِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ يُؤْثِرُ هَذَا وَيَفْرَحُ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْمُ أَبِي جَهْمٍ هَذَا عَامِرُ بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ الْمَدَنِيُّ الصَّحَابِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ وَيُقَالُ اسْمُهُ عُبَيْدُ بْنُ حُذَيْفَةَ وَهُوَ غَيْرُ أَبِي جُهَيْمٍ بِضَمِّ الْجِيمِ وَزِيَادَةُ يَاءٍ عَلَى التَّصْغِيرِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَفِي مُرُورِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ في موضعه

(باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في

(باب كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ الَّذِي يُرِيدُ أَكْلَهُ في الحال) وكراهة اصلاة مع مدافعة الحدث ونحوه [557] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَضَرَ العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤا بِالْعَشَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا قُرِّبَ الْعَشَاءُ وَحَضَرَتِ الصلاة فابدؤا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ [559] وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا وُضِعَ عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤا بِالْعَشَاءِ وَلَا يَعْجَلَنَّ

حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةٍ لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ الَّذِي يُرِيدُ أَكْلَهُ لِمَا فِيهِ مِنِ اشْتِغَالِ الْقَلْبِ بِهِ وَذَهَابِ كَمَالِ الْخُشُوعِ وَكَرَاهَتِهَا مَعَ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثِينَ وَهُمَا الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَيَلْحَقُ بِهَذَا مَا كان في معناه مما يَشْغَلُ الْقَلْبَ وَيُذْهِبُ كَمَالَ الْخُشُوعِ وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمِ إِذَا صَلَّى كَذَلِكَ وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ فَإِذَا ضَاقَ بِحَيْثُ لَوْ أَكَلَ أَوْ تَطَهَّرَ خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ صَلَّى عَلَى حَالِهِ مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَةِ الْوَقْتِ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا وَحَكَى أَبُو سَعْدٍ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَصْحَابِنَا وَجْهًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِحَالِهِ بَلْ يَأْكُلُ وَيَتَوَضَّأُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ لِأَنَّ مَقْصُودَ الصَّلَاةِ الْخُشُوعُ فَلَا يَفُوتُهُ وَإِذَا صَلَّى عَلَى حَالِهِ وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ فَقَدِ ارْتَكَبَ الْمَكْرُوهَ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ إِعَادَتُهَا وَلَا يَجِبُ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ دَلِيلٌ عَلَى امْتِدَادِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَفِي مَذْهَبِنَا سَنُوَضِّحُهُ فِي أَبْوَابِ الْأَوْقَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى [559] وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَعْجَلَنَّ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَأْكُلُ حَاجَتَهُ مِنَ الْأَكْلِ بِكَمَالِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَأَمَّا مَا تَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّهُ يَأْكُلُ لُقَمًا يَكْسِرُ بِهَا شِدَّةَ الْجُوعِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي إِبْطَالِهِ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ مُوسَى سُفْيَانُ هَذَا بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ مَعْرُوفٌ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هُوَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ هُوَ ثِقَةٌ وَأَنْكَرُوا عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَجْهُولٌ قَوْلُهُ وَكَانَ لَحَّانَةً هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ أَيْ كَثِيرَ اللَّحْنِ فِي كَلَامِهِ قَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ لُحْنَةً بِضَمِّ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ وَهُوَ بِمَعْنَى لَحَّانَةٍ [560] قوله بن أَبِي عَتِيقٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ

(باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها)

مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْقَاسِمُ هُوَ الْقَاسِمُ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ فَغَضِبَ وَأَضَبَّ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ حَقَدَ قَوْلُهَا اجْلِسْ غُدَرُ هُوَ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ أَيْ يَا غَادِرُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْغَدْرُ تَرْكُ الْوَفَاءِ وَيُقَالُ لِمَنْ غَدَرَ غَادِرٌ وَغُدَرٌ وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي النِّدَاءِ بِالشَّتْمِ وَإِنَّمَا قَالَتْ لَهُ غُدَرُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِاحْتِرَامِهَا لِأَنَّهَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَعَمَّتُهُ وَأَكْبَرُ مِنْهُ وَنَاصِحَةٌ لَهُ وَمُؤَدِّبَةٌ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَحْتَمِلَهَا وَلَا يَغْضَبَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ أَخْبَرَنِي أَبُو حَزْرَةَ هُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ زَايٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ رَاءٍ وَاسْمُهُ يَعْقُوبُ بْنُ مُجَاهِدٍ وَهُوَ يَعْقُوبُ بْنُ مُجَاهِدٍ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ وَيُقَالُ كُنْيَتُهُ أَبُو يُوسُفَ وَأَمَّا أَبُو حَزْرَةَ فَلَقَبٌ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب نَهْيِ مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ كُرَّاثًا أَوْ نَحْوَهَا) مِمَّا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ عَنْ حُضُورِ الْمَسْجِدِ حتى تذهب تلك الريح وإخراجه مِنَ الْمَسْجِدِ [561] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ يَعْنِي الثَّوْمَ فَلَا يَقْرَبَنَّ الْمَسَاجِدَ هَذَا تَصْرِيحٌ

يَنْهَى مَنْ أَكَلَ الثَّوْمَ وَنَحْوَهُ عَنْ دُخُولِ كُلِّ مَسْجِدٍ وَهَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ النَّهْيَ خَاصٌّ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ فَلَا يَقْرَبَنَّ الْمَسَاجِدَ ثُمَّ إِنَّ هَذَا النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ عَنْ حُضُورِ الْمَسْجِدِ لَا عَنْ أَكْلِ الثَّوْمِ وَالْبَصَلِ وَنَحْوِهِمَا فَهَذِهِ الْبُقُولُ حَلَالٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ تَحْرِيمَهَا لِأَنَّهَا تَمْنَعُ عَنْ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ وَهِيَ عِنْدَهُمْ فَرْضُ عَيْنٍ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَيْسَ لِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لِي قَالَ الْعُلَمَاءُ ويلحق بالثوم والبصل والكراث كل ماله رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ مِنَ الْمَأْكُولَاتِ وَغَيْرِهَا قَالَ الْقَاضِي وَيَلْحَقُ بِهِ مَنْ أَكَلَ فُجْلًا وَكَانَ يَتَجَشَّى قال وقال بن الْمُرَابِطِ وَيَلْحَقُ بِهِ مَنْ بِهِ بَخَرٌ فِي فِيهِ أَوْ بِهِ جُرْحٌ لَهُ رَائِحَةٌ قَالَ الْقَاضِي وَقَاسَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذَا مَجَامِعَ الصَّلَاةِ غَيْرَ الْمَسْجِدِ كَمُصَلَّى الْعِيدِ وَالْجَنَائِزِ وَنَحْوِهَا مِنْ مَجَامِعِ الْعِبَادَاتِ وَكَذَا مَجَامِعُ الْعِلْمِ وَالذِّكْرِ وَالْوَلَائِمِ وَنَحْوِهَا وَلَا يَلْتَحِقُ بِهَا الْأَسْوَاقُ وَنَحْوُهَا [562] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ فِيهِ تَسْمِيَةُ الثَّوْمِ شَجَرًا وَبَقْلًا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْبَقْلُ كُلُّ نَبَاتٍ اخْضَرَّتْ بِهِ الارض

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّا وَلَا يُصَلِّ مَعَنَا هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَلَا يُصَلِّ عَلَى النَّهْيِ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ وَلَا يُصَلِّي بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ النَّهْيُ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فِيهِ نَهْيُ مَنْ أَكَلَ الثَّوْمَ وَنَحْوَهُ عَنْ حُضُورِ مَجْمَعِ الْمُصَلِّينَ وَإِنْ كَانُوا فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ سَائِرِ مَجَامِعِ الْعِبَادَاتِ وَنَحْوِهَا كَمَا سَبَقَ [563] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا وَلَا يُؤْذِيَنَّا هُوَ بِتَشْدِيدِ نُونِ يُؤْذِيَنَّا وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِأَنِّي رَأَيْتُ مَنْ خَفَّفَهُ ثُمَّ اسْتَشْكَلَ عَلَيْهِ إِثْبَاتُ الْيَاءِ مَعَ أَنَّ إِثْبَاتَ الْيَاءِ الْمُخَفَّفَةِ جَائِزٌ عَلَى إِرَادَةِ الْخَبَرِ كَمَا سَبَقَ [564] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْإِنْسُ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِتَشْدِيدِ الذَّالِ فِيهِمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ تَأَذَّى مِمَّا يَأْذَى مِنْهُ الْإِنْسُ بِتَخْفِيفِ الذَّالِ فِيهِمَا وَهِيَ لُغَةٌ يُقَالُ أَذِيَ يَأْذَى مِثْلُ عَمِيَ يَعْمَى وَمَعْنَاهُ تَأَذَّى قَالَ الْعُلَمَاءُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ آكِلِ الثَّوْمِ وَنَحْوِهِ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ خَالِيًا لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْمَلَائِكَةِ وَلِعُمُومِ الاحاديث

قَوْلُهُ أُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ كُلِّهَا بِقِدْرٍ وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِمَا من الكتب المعتمدة أتى ببدر ببائين مُوَحَّدَتَيْنِ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَفَسَّرَ الرُّوَاةُ وَأَهْلُ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ الْبَدْرَ بِالطَّبَقِ قَالُوا سُمِّيَ بَدْرًا لِاسْتِدَارَتِهِ كَاسْتِدَارَةِ الْبَدْرِ [565] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ سَمَّاهَا خَبِيثَةً لِقُبْحِ رَائِحَتِهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْخَبِيثُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمَكْرُوهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ شَخْصٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَيْسَ لِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لِي وَلَكِنَّهَا شَجَرَةٌ أَكْرَهُ رِيحَهَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّوْمَ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَهُوَ إِجْمَاعُ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ كَمَا سَبَقَ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الثَّوْمِ هَلْ كَانَ حَرَامًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ كَانَ يَتْرُكُهُ تَنَزُّهًا وَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ قَالَ بِالتَّحْرِيمِ يَقُولُ الْمُرَادُ لَيْسَ لِي أَنْ أُحَرِّمَ عَلَى أُمَّتِي مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهَا [566] قَوْلُهُ مَرَّ عَلَى زَرَّاعَةِ بَصَلٍ هِيَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَهِيَ الْأَرْضُ الْمَزْرُوعَةُ [567] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ وَقَالَ خَالَفَ قَتَادَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثَةَ حُفَّاظٍ وَهُمْ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ وَحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُمَرُ بْنُ مُرَّةَ فَرَوَوْهُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعًا لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ مَعْدَانَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَتَادَةُ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ مُدَلِّسٌ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ سَمَاعَهُ مِنْ سَالِمٍ فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ بَلَغَهُ عَنْ سَالِمٍ فَرَوَاهُ عَنْهُ قُلْتُ هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ مَرْدُودٌ لِأَنَّ قَتَادَةَ وَإِنْ كَانَ مُدَلِّسًا فَقَدْ قَدَّمْنَا فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الشرح

أَنَّ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنِ الْمُدَلِّسِينَ وَعَنْعَنُوهُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ سَمَاعُ ذَلِكَ الْمُدَلِّسِ هَذَا الْحَدِيثَ مِمَّنْ عَنْعَنَهُ عَنْهُ وَأَكْثَرُ هَذَا أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُ يَذْكُرُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ سَمَاعَهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ مُتَّصِلًا بِهِ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُدَلِّسَ لَا يُحْتَجُّ بِعَنْعَنَتِهِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْفُصُولِ الْمَذْكُورَةِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ وَلَا شَكَّ عِنْدَنَا فِي أَنَّ مُسْلِمًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ وَيَعْلَمُ تَدْلِيسَ قَتَادَةَ فَلَوْلَا ثُبُوتُ سَمَاعِهِ عِنْدَهُ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ فَتَدْلِيسُهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَذْكُرَ مَعْدَانًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ ذِكْرٌ وَالَّذِي يَخَافُ مِنَ الْمُدَلِّسِ أَنْ يَحْذِفَ بَعْضَ الرُّوَاةِ أَمَّا زِيَادَةُ مَنْ لَمْ يَكُنْ فَهَذَا لَا يَفْعَلُهُ الْمُدَلِّسُ وَإِنَّمَا هَذَا فِعْلُ الْكَاذِبِ الْمُجَاهِرِ بِكَذِبِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَعْدَانُ زِيَادَةَ ثِقَةٍ فَيَجِبُ قَبُولُهَا وَالْعَجَبُ مِنَ الدَّارَقُطْنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَوْنِهِ جَعَلَ التَّدْلِيسِ مُوجِبًا لِاخْتِرَاعِ ذِكْرِ رَجُلٍ لَا ذِكْرَ لَهُ وَنَسَبَهُ إِلَى مِثْلِ قَتَادَةَ الَّذِي مَحَلُّهُ مِنَ الْعَدَالَةِ وَالْحِفْظِ وَالْعِلْمِ بِالْغَايَةِ الْعَالِيَةِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ قَوْلُهُ وَإِنَّ أَقْوَامًا يَأْمُرُونَنِي أَنْ أَسْتَخْلِفَ وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيُضَيِّعَ دِينَهُ وَلَا خِلَافَتَهُ مَعْنَاهُ إِنْ أَسْتَخْلِفُ فَحَسَنٌ وَإِنْ تَرَكْتُ الِاسْتِخْلَافَ فَحَسَنٌ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يضيع دينه بل يُقِيمُ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِهِ قَوْلُهُ فَإِنْ عَجِلَ بِي أَمْرٌ فَالْخِلَافَةُ شُورَى بَيْنَ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ مَعْنَى شُورَى يَتَشَاوَرُونَ فِيهِ وَيَتَّفِقُونَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَزُبَيْرٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَلَمْ يُدْخِلْ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ مَعَهُمْ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعَشَرَةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَقَارِبِهِ فَتَوَرَّعَ عَنْ إِدْخَالِهِ كَمَا تَوَرَّعَ عَنْ إِدْخَالِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أقْوَامًا يَطْعَنُونَ فِي هَذَا الْأَمْرِ إِلَى قَوْلِهِ فَإِنْ

فَعَلُوا ذَلِكَ فَأُولَئِكَ أَعْدَاءُ اللَّهِ الْكَفَرَةُ الضُّلَّالُ مَعْنَاهُ إِنْ اسْتَحَلُّوا ذَلِكَ فَهُمْ كَفَرَةٌ ضُلَّالٌ وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِلُّوا ذَلِكَ فَفِعْلُهُمْ فِعْلُ الْكَفَرَةِ وَقَوْلُهُ يَطْعُنُونَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ هُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا تَكْفِيكِ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ مَعْنَاهُ الْآيَةُ الَّتِي نَزَلَتْ فِي الصَّيْفِ وَهِيَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يفتيكم في الكلالة إِلَى آخِرِهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَوْلِ سُورَةِ النِّسَاءِ وَسُورَةِ الْبَقَرَةِ وَسُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ وَنَحْوِهَا وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْإِجْمَاعُ الْيَوْمَ مُنْعَقِدٌ عَلَيْهِ وَكَانَ فِيهِ نِزَاعٌ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ لَا يقال سورة كذا وإنما يُقَالُ السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَهَذَا بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَاسْتِعْمَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا مَفْسَدَةَ فِيهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى مَفْهُومٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ هَذَا فِيهِ إِخْرَاجُ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رِيحُ الثَّوْمِ وَالْبَصَلِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الْمَسْجِدِ وَإِزَالَةِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ لِمَنْ أَمْكَنَهُ قَوْلُهُ فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا

(باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله من

مَعْنَاهُ مَنْ أَرَادَ أَكْلَهُمَا فَلْيُمِتْ رَائِحَتَهُمَا بِالطَّبْخِ وَإِمَاتَةِ كُلِّ شَيْءٍ كَسْرُ قُوَّتِهِ وَحِدَّتِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ قَتَلْتُ الْخَمْرَ إِذَا مَزَجَهَا بِالْمَاءِ وَكَسَرَ حِدَّتَهَا (باب النَّهْيِ عَنْ نَشْدِ الضَّالَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَمَا يَقُولُهُ مَنْ سَمِعَ النَّاشِدَ) [568] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ نَشَدْتُ الدَّابَّةَ إِذَا طَلَبْتَهَا وَأَنْشَدْتُهَا إِذَا عَرَّفْتُهَا وَرِوَايَةُ هَذَا الْحَدِيثِ يَنْشُدُ ضَالَّةً بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الشِّينِ مِنْ نَشَدْتَ إِذَا طَلَبْتَ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ [569] فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

لَا وَجَدْتَ إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ قَوْلُهُ إِلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَوَائِدُ مِنْهَا النَّهْيُ عَنْ نَشْدِ الضَّالَّةِ فِي الْمَسْجِدِ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْعُقُودِ وَكَرَاهَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ الْقَاضِي قَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ بِالْعِلْمِ وَغَيْرِهِ وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَفْعَ الصَّوْتِ فِيهِ بِالْعِلْمِ وَالْخُصُومَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ لِأَنَّهُ مَجْمَعُهُمْ وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ مَعْنَاهُ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْمُذَاكَرَةِ فِي الْخَيْرِ وَنَحْوِهَا قَالَ الْقَاضِي فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ عَمَلِ الصَّانِعِ فِي الْمَسْجِدِ كَالْخِيَاطَةِ وَشَبَهِهَا قَالَ وَقَدْ مَنَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا إِنَّمَا يُمْنَعُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ عَمَلِ الصَّنَائِعِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِنَفْعِهَا آحَادُ النَّاسِ وَيَكْتَسِبُ بِهِ فَلَا يُتَّخُذُ الْمَسْجِدُ مَتْجَرًا فَأَمَّا الصَّنَائِعُ الَّتِي يَشْمَلُ نَفْعُهَا الْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ كَالْمُثَاقَفَةِ وَإِصْلَاحِ آلَاتِ الْجِهَادِ مِمَّا لَا امْتِهَانَ لِلْمَسْجِدِ فِي عَمَلِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ وَحَكَى بَعْضُهُمْ خِلَافًا فِي تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ فِيهَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا وَجَدْتَ وَأَمَرَ أَنْ يُقَالَ مِثْلَ هَذَا فَهُوَ عُقُوبَةٌ لَهُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ وَعِصْيَانِهِ وَيَنْبَغِي لِسَامِعِهِ أَنْ يَقُولَ لَا وَجَدْتَ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا أَوْ يَقُولَ لَا وَجَدْتَ إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بنيت له

باب السهو في الصلاة والسجود له

كَمَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (باب السهو في الصلاة والسجود له) [389] قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ خَمْسَةٌ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَنْ شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صلى وفيه أنه يسجد سجدتين ولم يَذْكُرُ مَوْضِعَهُمَا وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه فيمن شك فيه أن يسجد سجدتين قبل أن يسلم وحديث بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ الْقِيَامُ إِلَى خَامِسَةٍ وَأَنَّهُ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَحَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ وَفِيهِ السَّلَامُ مِنِ اثْنَتَيْنِ وَالْمَشْيُ وَالْكَلَامُ وأنه سجد بعد السلام وحديث بن بُحَيْنَةَ وَفِيهِ الْقِيَامُ مِنِ اثْنَتَيْنِ وَالسُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ بِهَذِهِ الأحاديث فقال داود لا يقاس عَلَيْهَا بَلْ تُسْتَعْمَلُ فِي مَوَاضِعِهَا عَلَى مَا جَاءَتْ قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِ دَاوُدَ فِي هَذِهِ الصَّلَوَاتِ خَاصَّةً وَخَالَفَهُ فِي غَيْرِهَا وَقَالَ يَسْجُدُ فِيمَا سِوَاهَا قَبْلَ السَّلَامِ لِكُلِّ سَهْوٍ وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا بِالْقِيَاسِ فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي كُلِّ سَهْوٍ إِنْ شَاءَ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَإِنْ شَاءَ قَبْلَهُ فِي الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْأَصْلُ هُوَ السُّجُودُ بَعْدَ السَّلَامِ وَتَأَوَّلَ بَعْضَ الْأَحَادِيثِ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَصْلُ هُوَ السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ وَرَدَّ بَقِيَّةَ الْأَحَادِيثِ إِلَيْهِ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِنْ كَانَ السَّهْوُ زِيَادَةً سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَإِنْ كَانَ نَقْصًا فَقَبْلَهُ فَأَمَّا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيَقُولُ قَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَإِنْ كَانَتْ خَامِسَةً شَفَعَهَا وَنَصَّ عَلَى السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ مَعَ تجويز الزيادة والمجوز كالموجود ويتأول حديث بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقِيَامِ إِلَى خَامِسَةٍ وَالسُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَهُ مَا عَلِمَ السَّهْوَ الا بعد السلام ولو علمه قبله لَسَجَدَ قَبْلَهُ وَيَتَأَوَّلُ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ عَلَى أَنَّهَا صَلَاةٌ جَرَى فِيهَا سَهْوٌ فَسَهَا عَنِ السجود وقبل السَّلَامِ فَتَدَارَكَهُ بَعْدَهُ هَذَا كَلَامُ الْمَازِرِيِّ وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ نَفِيسٌ وَأَقْوَى الْمَذَاهِبِ هُنَا مَذْهَبُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَلِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلٌ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَفْعَلُ بِالتَّخْيِيرِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَوِ اجْتَمَعَ فِي صَلَاةٍ سَهْوَانِ سَهْوٌ بِزِيَادَةٍ وَسَهْوٌ بِنَقْصٍ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَا خِلَافَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُخْتَلِفِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ

لَوْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ لِلزِّيَادَةِ أَوِ النَّقْصِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنَّمَا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْأَفْضَلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْجُمْهُورُ لَوْ سَهَا سَهْوَيْنِ فَأَكْثَرَ كَفَاهُ سَجْدَتَانِ لِلْجَمِيعِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ وَعَنِ بن أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ وَفِيهِ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَلَبَسَ هُوَ بِتَخْفِيفِ الْبَاءِ أَيْ خَلَّطَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَهَوَّشَهَا عَلَيْهِ وَشَكَّكَهُ فِيهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نُودِيَ بِالْأَذَانِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ إِلَى آخِرِهِ هَذَا الْحَدِيثُ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ الْأَذَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِهِ فَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ بِظَاهِرِ

الْحَدِيثِ وَقَالُوا إِذَا شَكَّ الْمُصَلِّي فَلَمْ يَدْرِ زَادَ أَوْ نَقَصَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا سَجْدَتَانِ وَهُوَ جَالِسٌ عَمَلًا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِذَا لَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى لَزِمَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى أَبَدًا حَتَّى يَسْتَيْقِنَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُعِيدُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِذَا شَكَّ فِي الرَّابِعَةِ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْجُمْهُورُ مَتَى شَكَّ فِي صَلَاتِهِ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا مَثَلًا لَزِمَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ فَيَجِبُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَابِعَةٍ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ عَمَلًا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ قَالُوا فَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ وَهُوَ مُفَسِّرٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَيُحْمَلُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَيْهِ وَهَذَا مُتَعَيِّنٌ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ مَعَ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنَ الْمُوَافَقَةِ لِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ فِي الشَّكِّ فِي الْأَحْدَاثِ وَالْمِيرَاثِ مِنَ الْمَفْقُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ نَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ أي انتظرناه [570] قوله في حديث بن بُحَيْنَةَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْلِهِ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ثُمَّ سَلَّمَ فِيهِ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّ عِنْدَهُ السُّجُودَ لِلنَّقْصِ وَالزِّيَادَةِ بَعْدَ السَّلَامِ

قوله عن عبد الله بن بُحَيْنَةَ الْأَسْدِيِّ حَلِيفِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَمَّا الْأَسْدِيُّ فَبِإِسْكَانِ السِّينِ وَيُقَالُ فِيهِ الْأَزْدِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَالْأَزْدُ وَالْأَسْدُ بِإِسْكَانِ السِّينِ قَبِيلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُمَا اسْمَانِ مُتَرَادِفَانِ لَهَا وَهُمْ أَزْدِ شَنُوءَةَ وَأَمَّا قَوْلُهُ حَلِيفِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ صَحِيحِ البخاري ومسلم والذي ذكره بن سَعْدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ أَنَّهُ حَلِيفُ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَكَانَ جَدُّهُ حَالَفَ الْمُطَّلِبَ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مالك بن بُحَيْنَةَ وَالصَّوَابُ فِي هَذَا أَنْ يُنَوَّنَ مَالِكٌ ويكتب بن بحينة بالالف لأن عبد الله هو بن مالك وبن بُحَيْنَةَ فَمَالِكٌ أَبُوهُ وَبُحَيْنَةُ أُمُّهُ وَهِيَ زَوْجَةُ مَالِكٍ فَمَالِكٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَبُحَيْنَةُ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ فَإِذَا قُرِئَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ انْتَظَمَ عَلَى الصَّوَابِ وَلَوْ قُرِئَ بِإِضَافَةِ مَالِكٍ إِلَى بن فَسَدَ الْمَعْنَى وَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ ابْنًا لِبُحَيْنَةَ وَهَذَا غَلَطٌ وَإِنَّمَا هُوَ زَوْجُهَا وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَسَائِلَ كَثِيرَةٍ إِحْدَاهَا أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ إِمَّا مُطْلَقًا كَمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ وَإِمَّا فِي النَّقْصِ كَمَا يَقُولُهُ مَالِكٌ الثَّانِيَةُ أَنَّ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَالْجُلُوسَ لَهُ لَيْسَا بِرُكْنَيْنِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا وَاجِبَيْنِ إِذْ لَوْ كَانَا وَاجِبَيْنِ لَمَا جَبَرَهُمَا السُّجُودُ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرُهُمَا وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ أَحْمَدُ فِي طَائِفَةٍ قَلِيلَةٍ هُمَا وَاجِبَانِ وَإِذَا سَهَا جَبَرَهُمَا السُّجُودُ عَلَى مُقْتَضَى الْحَدِيثِ الثَّالِثَةُ فِيهِ أَنَّهُ يُشْرَعُ التَّكْبِيرُ لِسُجُودِ السَّهْوِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا فَعَلَهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ هَلْ يَتَحَرَّمُ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يُسَلِّمُ وَلَا يَتَشَهَّدُ وَهَكَذَا الصَّحِيحُ عِنْدَنَا فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ أَنَّهُ يُسَلِّمُ وَلَا يَتَشَهَّدُ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَقَالَ مَالِكٌ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ

فِي سُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ هل يجهر بسلامهما كسائر الصلوات أم لَا وَهَلْ يَحْرُمُ لَهُمَا أَمْ لَا وَقَدْ ثَبَتَ السَّلَامُ لَهُمَا إِذَا فُعِلَتَا بَعْدَ السَّلَامِ في حديث بن مَسْعُودٍ وَحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي التَّشَهُّدِ حَدِيثٌ وَاعْلَمْ أَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ كَالْفَرْضِ وقال بن سِيرِينَ وَقَتَادَةُ لَا سُجُودَ لِلتَّطَوُّعِ وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى [571] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ظَاهِرُ الدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا سَبَقَ فِي أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ قَبْلَ السَّلَامِ وَسَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي كَلَامِ الْمَازِرِيِّ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ بِأَنَّ مَالِكًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَوَاهُ مُرْسَلًا وَهَذَا اعْتِرَاضٌ بَاطِلٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظَ الْأَكْثَرِينَ رَوَوْهُ مُتَّصِلًا فَلَا يَضُرُّ مُخَالَفَةُ وَاحِدٍ لَهُمْ فِي إِرْسَالِهِ لِأَنَّهُمْ حَفِظُوا مَا لَمْ يَحْفَظْهُ وَهُمْ ثِقَاتٌ ضَابِطُونَ حُفَّاظٌ مُتْقِنُونَ الثَّانِي أَنَّ الْمُرْسَلَ عِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حُجَّةٌ فَهُوَ وَارِدٌ عَلَيْهِمْ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ أَيْ إِغَاظَةً لَهُ وَإِذْلَالًا مَأْخُوذٌ مِنَ الرَّغَامِ وَهُوَ التُّرَابُ وَمِنْهُ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّيْطَانَ لَبَسَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَتَعَرَّضَ لِإِفْسَادِهَا وَنَقْصِهَا فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُصَلِّي طَرِيقًا إِلَى جَبْرِ صَلَاتِهِ وَتَدَارُكِ مَا لَبَسَهُ عَلَيْهِ وَإِرْغَامِ الشَّيْطَانِ وَرَدِّهِ خَاسِئًا مُبْعَدًا

عن مراده وكملت صلاة بن آدَمَ وَامْتَثَلَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي عَصَى بِهِ إِبْلِيسَ مِنِ امْتِنَاعِهِ مِنَ السُّجُودِ وَاللَّهُ أعلم قوله في اسناد [572] حديث بن مَسْعُودٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُثْمَانُ ابْنَا أَبِي شَيْبَةَ إِلَى آخِرِهِ هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ إِلَّا إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ رَفِيقَ ابْنَيْ أَبِي شَيْبَةَ قَوْلُهُ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ يُسَلِّمُ إِذَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ الْبَيَانَ وَقْتَ الْحَاجَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ النِّسْيَانِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ بَلْ يُعْلِمُهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ ثُمَّ قَالَ الْأَكْثَرُونَ شَرْطُهُ تَنَبُّهُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْفَوْرِ مُتَّصِلًا بِالْحَادِثَةِ وَلَا يَقَعُ فِيهِ تَأْخِيرٌ وَجَوَّزَتْ طَائِفَةٌ تَأْخِيرُهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتَارَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَنَعَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ السَّهْوَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَفْعَالِ الْبَلَاغِيَّةِ وَالْعِبَادَاتِ كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِهِ وَاسْتِحَالَتِهِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَقْوَالِ الْبَلَاغِيَّةِ وَأَجَابُوا عَنِ الظَّوَاهِرِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَإِلَيْهِ مَالَ الاستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ فَإِنَّ السَّهْوَ لَا يُنَاقِضُ النُّبُوَّةَ وَإِذَا لَمْ يُقَرَّ عَلَيْهِ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مَفْسَدَةٌ بَلْ تَحْصُلُ فِيهِ فَائِدَةٌ وَهُوَ بَيَانُ

أَحْكَامِ النَّاسِي وَتَقْرِيرُ الْأَحْكَامِ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ السَّهْوِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَتَعَلَّقُ بِالْبَلَاغِ وَبَيَانِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ مِنْ أَفْعَالِهِ وَعَادَاتِهِ وَأَذْكَارِ قَلْبِهِ فَجَوَّزَهُ الْجُمْهُورُ وَأَمَّا السَّهْوُ فِي الْأَقْوَالِ الْبَلَاغِيَّةِ فَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِهِ كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى امْتِنَاعِ تَعَمُّدِهِ وَأَمَّا السَّهْوُ فِي الْأَقْوَالِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَفِيمَا لَيْسَ سَبِيلُهُ الْبَلَاغُ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ وَلَا أَخْبَارِ الْقِيَامَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَلَا يُضَافُ إِلَى وَحْيٍ فَجَوَّزَهُ قَوْمٌ إِذْ لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ تَرْجِيحُ قَوْلِ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فِي كُلِّ خَبَرٍ مِنَ الْأَخْبَارِ كَمَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ خُلْفٌ فِي خَبَرٍ لَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا لَا فِي صِحَّةٍ وَلَا في مرض ولارضاء وَلَا غَضَبٍ وَحَسْبُكَ فِي ذَلِكَ أَنَّ سِيرَةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلَامَهُ وَأَفْعَالَهُ مَجْمُوعَةٌ مُعْتَنًى بِهَا عَلَى مَرِّ الزَّمَانِ يَتَدَاوَلُهَا الْمُوَافِقُ وَالْمُخَالِفُ وَالْمُؤْمِنُ وَالْمُرْتَابُ فَلَمْ يَأْتِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا اسْتِدْرَاكُ غَلَطٍ فِي قَوْلٍ وَلَا اعْتِرَافٌ بِوَهْمٍ فِي كَلِمَةٍ وَلَوْ كَانَ لَنُقِلَ كَمَا نُقِلَ سَهْوُهُ فِي الصَّلَاةِ وَنَوْمُهُ عَنْهَا وَاسْتِدْرَاكُهُ رَأْيَهُ فِي تَلْقِيحِ النَّخْلِ وَفِي نُزُولِهِ بِأَدْنَى مِيَاهِ بَدْرٍ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا فَعَلْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَغَيْرُ ذَلِكَ وَأَمَّا جَوَازُ السَّهْوِ فِي الِاعْتِقَادَاتِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا فَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي فِيهِ أَمْرُ التَّابِعِ بِتَذْكِيرِ الْمَتْبُوعِ بِمَا يَنْسَاهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ فَلْيَنْظُرْ أَحْرَى ذَلِكَ لِلصَّوَابِ وَفِي رِوَايَةٍ فَلْيَتَحَرَّ أَقْرَبَ ذَلِكَ إِلَى الصَّوَابِ وَفِي رِوَايَةٍ فَلْيَتَحَرَّ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ الصَّوَابُ فِيهِ دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمُوَافِقِيهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الرَّأْي عَلَى أَنَّ مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فِي عَدَدِ رَكَعَاتٍ تَحَرَّى وَبَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَقَلِّ وَالْإِتْيَانُ بِالزِّيَادَةِ وَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لَهُمْ ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي طَائِفَةٍ هَذَا لِمَنِ اعْتَرَاهُ الشَّكُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَبْنِي على اليقين

وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ عَلَى عُمُومِهِ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا مَثَلًا لَزِمَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ وَهُوَ الْأَقَلُّ فَيَأْتِي بِمَا بَقِيَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ وَحَمَلُوا التحري في حديث بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْأَخْذِ بِالْيَقِينِ قَالُوا وَالتَّحَرِّي هُوَ الْقَصْدُ وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تعالى تحروا رشدا فَمَعْنَى الْحَدِيثِ فَلْيَقْصِدِ الصَّوَابَ فَلْيَعْمَلْ بِهِ وَقَصْدُ الصَّوَابِ هُوَ مَا بَيَّنَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ فَإِنْ قَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ لَا يُخَالِفُ مَا قُلْنَاهُ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الشَّكِّ وَهُوَ مَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ وَمَنْ شَكَّ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ لَهُ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا مَثَلًا فَالْجَوَابُ أَنَّ تَفْسِيرَ الشَّكِّ بِمُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ إِنَّمَا هُوَ اصْطِلَاحٌ طَارِئٌ لِلْأُصُولِيِّينَ وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَالتَّرَدُّدُ بَيْنَ وُجُودِ الشَّيْءِ وَعَدَمِهِ كُلُّهُ يُسَمَّى شَكًّا سَوَاءٌ الْمُسْتَوِي وَالرَّاجِحُ وَالْمَرْجُوحُ وَالْحَدِيثُ يُحْمَلُ عَلَى اللُّغَةِ ما لم

يَكُنْ هُنَاكَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ أَوْ عُرْفِيَّةٌ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى مَا يَطْرَأُ لِلْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الِاصْطِلَاحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا صَلَّيْتَ خَمْسًا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ هَذَا فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ مَنْ زَادَ فِي صَلَاتِهِ رَكْعَةً نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بَلْ إِنْ عَلِمَ بَعْدَ السَّلَامِ فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُهُ صَحِيحَةً وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إِنْ ذَكَرَ بَعْدَ السَّلَامِ بِقَرِيبٍ وَإِنْ طَالَ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ وَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ السَّلَامِ عَادَ إِلَى الْقَوْمِ سَوَاءٌ كَانَ فِي قِيَامٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ غَيْرِهَا وَيَتَشَهَّدُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمُ وَهَلْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ أَمْ بَعْدَهُ فِيهِ خِلَافُ الْعُلَمَاءِ السَّابِقُ هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِذَا زَادَ رَكْعَةً سَاهِيًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَزِمَهُ إِعَادَتُهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنْ كَانَ تَشَهَّدَ فِي الرَّابِعَةِ ثُمَّ زَادَ خَامِسَةً أَضَافَ إِلَيْهَا سَادِسَةً تَشْفَعُهَا وَكَانَتْ نَفْلًا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ السَّلَامَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَيَخْرُجُ مِنَ الصَّلَاةِ بِكُلِّ ما ينافيها وأن الركعة الفردة لا تكون صَلَاةٍ قَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَشَهَّدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْجُلُوسَ بِقَدْرِ التَّشَهُّدِ وَاجِبٌ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ حَتَّى أَتَى بِالْخَامِسَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ كُلَّ مَا قَالُوهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْجِعْ مِنَ الْخَامِسَةِ وَلَمْ يَشْفَعْهَا وَإِنَّمَا تَذَكَّرَ بَعْدَ السَّلَامِ فَفِيهِ رد عليهم وحجة الجمهور ثُمَّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ سَوَاءٌ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ إِذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ فَسَوَاءٌ زَادَ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا أَوْ رَكْعَةً أَوْ رَكَعَاتٍ كَثِيرَةً سَاهِيًا فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ اسْتِحْبَابًا لَا إِيجَابًا وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ إِنْ زَادَ دُونَ نِصْفِ الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بَلْ هِيَ صَحِيحَةٌ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ زَادَ النِّصْفُ فَأَكْثَرُ فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أبطلها وهو قول مطرف وبن الْقَاسِمِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنْ زَادَ رَكْعَتَيْنِ بَطَلَتْ وَإِنْ زَادَ رَكْعَةً فَلَا وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَغَيْرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ

لَا تَبْطُلُ مُطْلَقًا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا بن نمير قال حدثنا بن إِدْرِيسَ إِلَى آخِرِهِ وَقَالَ فِي الْإِسْنَادِ الْآخَرِ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ إِلَى آخِرِهِ هَذَانِ الْإِسْنَادَانِ كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ قَوْلُهُ وَأَنْتَ يَا أَعْوَرُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَوْلِ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ لِقَرَابَتِهِ وَتِلْمِيذِهِ وَتَابِعِهِ إِذَا لَمْ يَتَأَذَّ بِهِ قَالَ الْقَاضِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ النَّخَعِيُّ الْأَعْوَرُ آخر وَزَعَمَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ التَّيْمِيُّ وَهُوَ وَهْمٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَعْوَرَ وَثَلَاثَتُهُمْ كُوفِيُّونَ فضلاء قال البخاري بن يَزِيدَ النَّخَعِيُّ الْأَعْوَرُ الْكُوفِيُّ سَمِعَ عَلْقَمَةَ وَذَكَرَ الْبَاجِيُّ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ الْفَقِيهُ وَقَالَ فِيهِ الْأَعْوَرُ وَلَمْ يَصِفْهُ الْبُخَارِيُّ بِالْأَعْوَرِ ولا رأيت من وصفه به وذكر بن قُتَيْبَةَ فِي الْعُورِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بن سُوَيْدٍ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِبْرَاهِيمَ هُنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ الْأَعْوَرُ النَّخَعِيُّ وَلَيْسَ بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ الْفَقِيهِ الْمَشْهُورِ قَوْلُهُ تَوَشْوَشَ الْقَوْمُ ضَبَطْنَاهُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَقَالَ الْقَاضِي رُوِيَ بِالْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُهْمَلَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ تَحَرَّكُوا وَمِنْهُ

وَسْوَاسُ الْحُلِيِّ بِالْمُهْمَلَةِ وَهُوَ تَحَرُّكُهُ وَوَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْوَشْوَشَةُ بِالْمُعْجَمَةِ صَوْتٌ فِي اخْتِلَاطٍ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَيُقَالُ رَجُلٌ وَشْوَاشٌ أَيْ خَفِيفٌ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ إِلَى آخِرِهِ هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَادَ أَوْ نَقَصَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ فَقَالَ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ تَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يُسْتَشْكَلُ ظَاهِرُهُ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ هَذَا الْكَلَامَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ زَادَ أَوْ نَقَصَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ قَالَهُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَمَتَى ذَكَرَ ذَلِكَ فَالْحُكْمُ أَنَّهُ يَسْجُدُ وَلَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَأْتِي بِمُنَافٍ للصلاة ويجاب عن هذا الاشكال بثلاثة أجوبة أَحَدُهَا أَنَّ ثُمَّ هُنَا لَيْسَتْ لِحَقِيقَةِ التَّرْتِيبِ وَإِنَّمَا هِيَ لِعَطْفِ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ التَّحَوُّلَ وَالسُّجُودَ كَانَا بَعْدَ الْكَلَامِ بَلْ إِنَّمَا كَانَا قَبْلَهُ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ فِي هَذَا الْبَابِ في أول طرق

حديث بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَادَ أَوْ نَقَصَ فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ قَالَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ التَّحَوُّلَ وَالسُّجُودَ قَبْلَ الْكَلَامِ فَتُحْمَلُ الثَّانِيَةُ عَلَيْهَا جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَحَمْلُ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ لِأَنَّ الْأُولَى عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ الْجَوَابُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ هَذَا قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ الثَّالِثُ أَنَّهُ وَإِنْ تَكَلَّمَ عَامِدًا بَعْدَ السَّلَامِ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ وَيَسْجُدُ بَعْدَهُ لِلسَّهْوِ وَهَذَا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا أَنَّهُ إِذَا سَجَدَ لَا يَكُونُ بِالسُّجُودِ عَائِدًا إِلَى الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ أَحْدَثَ فِيهِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بَلْ قَدْ مَضَتْ عَلَى الصِّحَّةِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ

يَكُونُ عَائِدًا وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْحَدَثِ وَالْكَلَامِ وَسَائِرِ الْمُنَافِيَاتِ لِلصَّلَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [573] قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ إِمَّا الظُّهْرُ وَإِمَّا الْعَصْرُ هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْعَشِيُّ عِنْدَ الْعَرَبِ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا قَوْلُهُ ثُمَّ أَتَى جِذْعًا فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَاسْتَنَدَ إِلَيْهَا هَكَذَا هُوَ فِي كُلِّ الْأُصُولِ فَاسْتَنَدَ إِلَيْهَا وَالْجِذْعُ مُذَكَّرٌ وَلَكِنِ أَنَّثَهُ عَلَى إِرَادَةِ الْخَشَبَةِ وَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ خَشَبَةٌ قَوْلُهُ فَاسْتَنَدَ إِلَيْهَا مُغْضَبًا هُوَ بِفَتْحِ الضَّادِ قَوْلُهُ وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ قُصِرَتِ الصَّلَاةُ يَعْنِي يَقُولُونَ قُصِرَتِ الصَّلَاةُ وَالسَّرَعَانُ بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَاللُّغَةِ وَهَكَذَا ضَبَطَهُ الْمُتْقِنُونَ وَالسَّرَعَانُ الْمُسْرِعُونَ إِلَى الْخُرُوجِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ إسْكَانُ الرَّاءِ قَالَ وَضَبَطَهُ الْأَصِيلِيُّ فِي الْبُخَارِيِّ بِضَمِّ السِّينِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَيَكُونُ جَمْعُ سَرِيعٍ كَقَفِيزٍ وَقُفْزَانٍ وَكَثِيبٍ وَكُثْبَانٍ وَقَوْلُهُ قُصِرَتِ الصَّلَاةُ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الصَّادِ وَرُوِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّ الصَّادِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ قَوْلُهُ فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِيمٍ وَفِي رِوَايَةٍ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ وَكَانَ فِي يَدِهِ طُولٌ وَفِي رِوَايَةٍ رَجُلٌ بَسِيطُ الْيَدَيْنِ هَذَا كُلُّهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ اسْمُهُ الْخِرْبَاقُ بْنُ عَمْرٍو بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ والباء الموحدة

وَآخِرُهُ قَافٌ وَلَقَبُهُ ذُو الْيَدَيْنِ لِطُولٍ كَانَ فِي يَدَيْهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ بَسِيطُ الْيَدَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ صَلَاةَ الظُّهْرِ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ هُمَا قَضِيَّتَانِ وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ مِنَ الْعَصْرِ ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ وَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ سَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ مِنَ الْعَصْرِ ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ الْحُجْرَةَ فَقَامَ رَجُلٌ بَسِيطُ الْيَدَيْنِ فَقَالَ أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ وَحَدِيثُ عِمْرَانَ هَذَا قَضِيَّةٌ ثَالِثَةٌ فِي يَوْمٍ آخَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَأُخْبِرْتُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ وَسَلَّمَ الْقَائِلُ وَأُخْبِرْتُ هُوَ مُحَمَّدُ بن سيرين قوله أقصرت الصلاة أم نَسِيتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ يَكُنِ الْمَجْمُوعَ فَلَا يَنْفِي وُجُودَ أَحَدِهِمَا وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّوَابُ مَعْنَاهُ لَمْ يَكُنْ لَا ذَاكَ وَلَا ذَا فِي ظَنِّي بَلْ ظَنِّي أَنِّي أَكْمَلْتُ الصَّلَاةَ أَرْبَعًا وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمْ تُقْصَرْ وَلَمْ أَنْسَ فَنَفَى الْأَمْرَيْنِ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْخَزَّازُ هُوَ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَزَايٍ مُكَرَّرَةٍ

[574] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ وَقِيلَ مُعِاوِيَةُ بْنُ عُمَرَ وَقِيلَ عَمْرُو بْنُ مُعَاوِيَةَ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَاْلَ الثَّلَاثَةَ فِي اسْمِهِ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَآخَرُونَ وَقِيلَ اسْمُهُ النَّضْرُ بْنُ عُمَرَ الْجَرْمِيُّ الْأَزْدِيُّ الْبَصْرِيُّ التَّابِعِيُّ الْكَبِيرُ رَوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَهُوَ عَمُّ أَبِي قِلَابَةَ الرَّاوِي عَنْهُ هُنَا قَوْلُهُ وَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ يَعْنِي لِكَثْرَةِ اشْتِغَالِهِ بِشَأْنِ الصَّلَاةِ خَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَلَمْ يَتَمَهَّلْ لِيَلْبَسَهُ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ فِي حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِيمٍ وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمُوَافِقُ لِبَاقِي الرِّوَايَاتِ وَفِي بَعْضِهَا

بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا وَيَكُونُ الْمُرَادُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ هَذَا فِيهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ وَقَوَاعِدُ مُهِمَّةٌ مِنْهَا جَوَازُ النِّسْيَانِ فِي الْأَفْعَالِ وَالْعِبَادَاتِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَأَنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي هَذَا الْبَابِ وَمِنْهَا أَنَّ الْوَاحِدَ إِذَا ادَّعَى شَيْئًا جَرَى بِحَضْرَةِ جَمْعٍ كَثِيرٍ لا يخفى عَلَيْهِمْ سَئَلُوا عَنْهُ وَلَا يُعْمَلُ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَمِنْهَا إِثْبَاتُ سُجُودِ السَّهْوِ وَأَنَّهُ سَجْدَتَانِ وَأَنَّهُ يُكَبِّرُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَأَنَّهُمَا عَلَى هَيْئَةِ سُجُودِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ السُّجُودَ فَلَوْ خَالَفَ الْمُعْتَادَ لَبَيَّنَهُ وَأَنَّهُ يُسَلِّمُ مِنْ سُجُودِ السَّهْوِ وَأَنَّهُ لَا تَشَهُّدَ لَهُ وَأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ فِي الزِّيَادَةِ يَكُونُ بَعْدَ السَّلَامِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَحْمِلُهُ عَلَى أَنَّ تَأْخِيرَ سُجُودِ السَّهْوِ كَانَ نِسْيَانًا لَا عَمْدًا وَمِنْهَا أَنَّ كَلَامَ النَّاسِي لِلصَّلَاةِ وَالَّذِي يُظَنُّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا لَا يُبْطِلُهَا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ والخلف وهو قول بن عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَخِيهِ عُرْوَةَ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجَمِيعِ الْمُحَدِّثِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْكَلَامِ نَاسِيًا أو جاهلا لحديث بن مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَزَعَمُوا أَنَّ حَدِيثَ قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ مَنْسُوخٌ بحديث بن مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالُوا لِأَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَنَقَلُوا عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَأَنَّ قَضَيَّتَهُ فِي الصَّلَاةِ كَانَتْ قَبْلَ بَدْرٍ قَالُوا وَلَا يَمْنَعُ مِنْ هَذَا كَوْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ عَنْ بَدْرٍ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ قَدْ يَرْوِي مَا لَا يَحْضُرُهُ بِأَنْ يَسْمَعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ صَحَابِيٍّ آخَرَ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَنْ هَذَا بِأَجْوِبَةٍ صَحِيحَةٍ حَسَنَةٍ مَشْهُورَةٍ أَحْسَنُهَا وَأَتْقَنُهَا مَا ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ قَالَ أَمَّا ادِّعَاؤُهُمْ أن حديث أبي هريرة منسوخ بحديث بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ أَنَّ حديث بن مَسْعُودٍ كَانَ بِمَكَّةَ حِينَ رَجَعَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَأَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا أَسْلَمَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَامَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ أَنَّهُ قَبْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ بَعْدَهُ وَالنَّظَرُ يَشْهَدُ أَنَّهُ قَبْلَ حَدِيثِ أَبِي هريرة وأما قولهم إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَشْهَدْ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ شُهُودُهُ لَهَا مَحْفُوظٌ مِنْ رِوَايَاتِ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظِ ثُمَّ ذَكَرَ

بِإِسْنَادِهِ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ فِي صَحِيحَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صلاتي العشي فسلم من اثنتين وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ وَفِي رِوَايَاتٍ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وفي رواية في مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وفي رواية في غير مُسْلِمٍ بَيْنَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَقَدْ رَوَى قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَعِمْرَانُ بن حصين وبن مَسْعَدَةَ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَكُلُّهُمْ لَمْ يَحْفَظْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا صَحِبَهُ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ مُتَأَخِّرًا ثم ذكر أحاديثهم بطرقها قال وبن مَسْعَدَةَ هَذَا رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يُقَالُ لَهُ صَاحِبُ الْجُيُوشِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ مَعْرُوفٌ فِي الصَّحَابَةِ لَهُ رِوَايَةٌ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ فَغَلَطٌ وَإِنَّمَا الْمَقْتُولُ يَوْمَ بَدْرٍ ذُو الشِّمَالَيْنِ وَلَسْنَا نُدَافِعُهُمْ أَنَّ ذَا الشِّمَالَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ لِأَنَّ بن إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ ذَكَرَهُ فِيمَنْ قتل يوم بدر قال بن إِسْحَاقَ ذُو الشِّمَالَيْنِ هُوَ عُمَيْرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَيْشَانَ مِنْ خُزَاعَةَ حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ قَالَ أَبُو عُمَرَ فَذُو الْيَدَيْنِ غَيْرُ ذِي الشِّمَالَيْنِ الْمَقْتُولِ بِبَدْرٍ بِدَلِيلِ حُضُورِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنْ ذَكَرْنَا قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ وَأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِيمٍ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَفِي رِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْمُهُ الْخِرْبَاقُ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فَذُو الْيَدَيْنِ الَّذِي شَهِدَ السَّهْوَ فِي الصَّلَاةِ سُلَمِيٌّ وَذُو الشِّمَالَيْنِ الْمَقْتُولُ بِبَدْرٍ خُزَاعِيٌّ يُخَالِفُهُ فِي الِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ رَجُلَانِ وَثَلَاثَةٌ يُقَالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذُو الْيَدَيْنِ وَذُو الشِّمَالَيْنِ لَكِنَّ الْمَقْتُولَ بِبَدْرٍ غَيْرَ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ السَّهْوِ هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْحِذْقِ وَالْفَهْمِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ ثُمَّ رُوِيَ هَذَا بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُسَدَّدٍ وَأَمَّا قَوْلُ الزهري في حديث السهوان الْمُتَكَلِّمَ ذُو الشِّمَالَيْنِ فَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ وَقَدِ اضْطَرَبَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ اضْطِرَابًا أَوْجَبَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ تَرْكَهُ مِنْ روايته خاصة ثُمَّ ذَكَرَ طُرُقَهُ وَبَيَّنَ اضْطِرَابَهَا فِي الْمَتْنِ وَالْإِسْنَادِ وَذَكَرَ أَنَّ مُسْلِمَ بْنَ الْحَجَّاجِ غَلَّطَ الزُّهْرِيَّ فِي حَدِيثِهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ الْمُصَنَّفِينَ فِيهِ عَوَّلَ عَلَى حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَكُلُّهمْ تَرَكُوهُ لِاضْطِرَابِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ لَهُ إِسْنَادًا وَلَا مَتْنًا وَإِنْ كَانَ إِمَامًا عَظِيمًا فِي هَذَا الشَّأْنِ فَالْغَلَطُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ بَشَرٌ وَالْكَمَالُ لِلَّهِ تَعَالَى وَكُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إِلَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَوْلُ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ مَتْرُوكٌ لِتَحَقُّقِ غَلَطِهِ فِيهِ هَذَا كَلَامُ أَبِي

عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مُخْتَصَرًا وَقَدْ بَسَطَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى شَرْحَ هَذَا الْحَدِيثِ بَسْطًا لَمْ يَبْسُطْهُ غَيْرُهُ مُشْتَمِلًا عَلَى التَّحْقِيقِ وَالْإِتْقَانِ وَالْفَوَائِدِ الْجَمَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَكَلَّمَ ذُو الْيَدَيْنِ وَالْقَوْمُ وَهُمْ بَعْدُ فِي الصَّلَاةِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ مِنَ الْبَقَاءِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجَوِّزِينَ نَسْخَ الصَّلَاةِ مِنْ أَرْبَعٍ إِلَى رَكْعَتَيْنِ وَلِهَذَا قَالَ أَقُصِرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا كَانَ خِطَابًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَوَابًا وَذَلِكَ لا يبطل عندنا وعند غيرنا والمسئلة مَشْهُورَةٌ بِذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صحيح أن الجماعة أومأوا أَيْ نَعَمْ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَمْ يَتَكَلَّمُوا فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ وَعِنْدكُمْ لَا يَجُوزُ لِلْمُصَلِّي الرُّجُوعُ فِي قَدْرِ صَلَاتِهِ إِلَى قَوْلِ غَيْرِهِ إِمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا وَلَا يَعْمَلُ إِلَّا عَلَى يَقِينِ نَفْسِهِ فَجَوَابُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُمْ لِيَتَذَكَّرَ فَلَمَّا ذَكَّرُوهُ تَذَكَّرَ فَعَلِمَ السَّهْوَ فَبَنَى عَلَيْهِ لا أنه رجع إلى مجرد قولهم وَلَوْ جَازَ تَرْكُ يَقِينِ نَفْسِهِ وَالرُّجُوعِ إِلَى قَوْلِ غَيْرِهِ لَرَجَعَ ذُو الْيَدَيْنِ حِينَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تُقْصَرْ وَلَمْ أَنْسَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ الْكَثِيرَ وَالْخُطُوَاتِ إِذَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ سَهْوًا لَا تُبْطِلُهَا كَمَا لَا يُبْطِلُهَا الْكَلَامُ سَهْوًا وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُتَوَلِّي لَا يُبْطِلُهَا لِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشَى إِلَى الْجِذْعِ وَخَرَجَ السَّرَعَانُ وَفِي رِوَايَةٍ دَخَلَ الْحُجْرَةَ ثُمَّ خَرَجَ وَرَجَعَ النَّاسُ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِذَلِكَ وَهَذَا مُشْكِلٌ وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ صَعْبٌ عَلَى من أبطلها والله أعلم

باب سجود التلاوة

(باب سجود التلاوة) [575] قَوْلُهُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَقْرَأُ سُورَةً فِيهَا سَجْدَةٌ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ حَتَّى مَا يَجِدُ بَعْضُنَا مَوْضِعًا لِمَكَانِ جَبْهَتِهِ وَفِي رِوَايَةٍ فَيَمُرُّ بِالسَّجْدَةِ فَيَسْجُدُ بِنَا فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فِيهِ إِثْبَاتُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ وَهُوَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاجِبٌ لَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَى اصْطِلَاحِهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ وَهُوَ سُنَّةٌ لِلْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ لَهُ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا لِلسَّامِعِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ لَكِنْ لَا يَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِ تَأَكُّدَهُ فِي حَقِّ الْمُسْتَمِعِ الْمُصْغِي وَقَوْلُهُ فَيَسْجُدُ بِنَا مَعْنَاهُ يَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى قَالَ الْعُلَمَاءُ إِذَا سَجَدَ الْمُسْتَمِعُ لِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ وَهُمَا فِي غَيْرِ صَلَاةٍ لَمْ تَرْتَبِطْ بِهِ بَلْ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ قَبْلَهُ وَلَهُ أَنْ يُطَوِّلَ السُّجُودَ بَعْدَهُ وَلَهُ أَنْ يَسْجُدَ إِنْ لَمْ يَسْجُدِ الْقَارِئُ سَوَاءٌ كَانَ الْقَارِئُ مُتَطَهِّرًا أَوْ مُحْدِثًا أَوِ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا أَوْ غَيْرَهُمْ وَلِأَصْحَابِنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِقِرَاءَةِ الصَّبِيِّ وَالْمُحْدِثِ وَالْكَافِرِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ [576] قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ الله يعني بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أَنَّهُ قَرَأَ وَالنَّجْمِ فَسَجَدَ فِيهَا وَسَجَدَ مَنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرَ أَنَّ شَيْخًا أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ وَقَالَ يَكْفِينِي هَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا هَذَا الشَّيْخُ هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَقَدْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا وَلَمْ يَكُنْ أسْلَمَ قَطُّ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَسَجَدَ مَنْ كَانَ مَعَهُ فَمَعْنَاهُ مَنْ كَانَ حَاضِرًا قِرَاءَتَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ قاله بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرُهُ حَتَّى شَاعَ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ أَسْلَمُوا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَ سَبَبُ سُجُودِهِمْ فِيمَا قال بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا أَوَّلُ سَجْدَةٍ نَزَلَتْ قَالَ الْقَاضِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا مَا يَرْوِيهِ الْإِخْبَارِيُّونَ وَالْمُفَسِّرُونَ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ مَا جَرَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى آلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي سُورَةِ النَّجْمِ فَبَاطِلٌ لَا يَصِحُّ فِيهِ شَيْءٌ لَا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ لِأَنَّ مَدْحَ إِلَهٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كُفْرٌ وَلَا يَصِحُّ نِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَنْ يَقُولَهُ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ وَلَا يَصِحُّ تَسْلِيطُ الشَّيْطَانِ عَلَى ذَلِكَ وَاللَّهُ أعلم [577] قوله عن بن قُسَيْطٍ هُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ سَأَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْإِمَامِ فَقَالَ لَا قِرَاءَةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ وَزَعَمَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والنجم اذا هوى فَلَمْ يَسْجُدْ أَمَّا قَوْلُهُ لَا قِرَاءَةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ فَيَسْتَدِلُّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَقُولُ لَا قِرَاءَةَ عَلَى الْمَأْمُومِ فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَتْ

سِرِّيَّةً أَوْ جَهْرِيَّةً وَمَذْهَبُنَا أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَأْمُومِ فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ وَكَذَا فِي الْجَهْرِيَّةِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ زَيْدٍ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كُنْتُمْ خَلْفِي فَلَا تَقْرَءُوا إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى قَوْلِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِ وَالثَّانِي أَنَّ قَوْلَ زَيْدٍ مَحْمُولٌ عَلَى قِرَاءَةِ السُّورَةِ الَّتِي بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ فَإِنَّ الْمَأْمُومَ لَا يُشْرَعُ لَهُ قِرَاءَتُهَا وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيِّنٌ لِيُحْمَلَ قَوْلُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جَمَاعَةٍ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْكُتَ فِي الْجَهْرِيَّةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ فِي تِلْكَ السَّكْتَةِ يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ فَلَا يَحْصُلُ قِرَاءَتُهُ مَعَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ بَلْ فِي سَكْتَتِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَزَعَمَ أَنَّهُ قَرَأَ فَالْمُرَادُ بِالزَّعْمِ هُنَا الْقَوْلُ الْمُحَقَّقُ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَائِلِ هَذَا الشَّرْحِ وَأَنَّ الزَّعْمَ يُطْلَقُ على القول المحقق والكذب وعلى الْمَشْكُوكِ فِيهِ وَيَنْزِلُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ دَلَائِلَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَزَعَمَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فَاحْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ وَافَقَهُ فِي أَنَّهُ لَا سُجُودَ فِي الْمُفَصَّلِ وَأَنَّ سَجْدَةَ النَّجْمِ وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ مَنْسُوخَاتٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَوْ بِحَدِيثِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْجُدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ مُنْذُ تحول إلى

الْمَدِينَةِ وَهَذَا مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ فَقَدْ ثَبَتَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ فِي مُسْلِمٍ قَالَ سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِذَا السَّمَاءُ انشقت واقرأ باسم ربك وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ إِسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فَدَلَّ عَلَى السُّجُودِ فِي الْمُفَصَّلِ بعد الهجرة وأما حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَضَعِيفُ الْإِسْنَادِ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي زَيْدٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ جَوَازِ تَرْكِ السُّجُودِ وَأَنَّهُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَيَحْتَاجُ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي عَدَدِ سَجَدَاتِ التِّلَاوَةِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَطَائِفَةٍ أَنَّهُنَّ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً مِنْهَا سَجْدَتَانِ فِي الْحَجِّ وَثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ وَلَيْسَتْ سَجْدَةُ صَادْ مِنْهُنَّ وَإِنَّمَا هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَطَائِفَةٌ هِيَ إِحْدَى عَشْرَةَ أَسْقَطَ سَجَدَاتِ الْمُفَصَّلِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُنَّ أَرْبَعَ عَشْرَةَ أَثْبَتَ سَجَدَاتِ الْمُفَصَّلِ وَسَجْدَةَ صَادْ وَأَسْقَطَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ مِنَ الحج وقال أحمد وبن سُرَيْجٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَطَائِفَةٌ هُنَّ خَمْسَةَ عَشْرَةَ أَثْبَتُوا الْجَمِيعَ وَمَوَاضِعُ السَّجَدَاتِ مَعْرُوفَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي سَجْدَةِ حم فَقَالَ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا هِيَ عَقِبَ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنْ كنتم اياه تعبدون وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى والجمهور عقب وهم لا يسئمون وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَيُمَدُّ وَيُقْصَرُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَوْلُهُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِثْلُهُ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَعْرَجُ الْأَوَّلُ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ الْمُقْعَدُ كُنْيَتُهُ أَبُو أَحْمَدَ وَهُوَ قَلِيلُ الْحَدِيثِ وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأعرج الآخر فهو بن هُرْمُزَ كُنْيَتُهُ أَبُو دَاوُدَ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَهُوَ كَثِيرُ الْحَدِيثِ وَرَوَى عَنْهُ

جَمَاعَاتٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ قَالَ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْهُمَا جَمِيعًا فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ قَالَ فَرُبَّمَا أَشْكَلَ ذَلِكَ قَالَ فَمَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ يَرْوِي ذلك عنه صفوان بن سليم وأما بن هُرْمُزَ فَيَرْوِي ذَلِكَ عَنْهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ هَذَا كَلَامُ الْحُمَيْدِيِّ وَهُوَ مَلِيحٌ نَفِيسٌ وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ الْأَعْرَجَ اثْنَانِ يَرْوِيَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ وَالثَّانِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن سعد

باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على

مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ هُمَا وَاحِدٌ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ الْجَيَّانِيُّ الصَّوَابُ قَوْلُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَصِحَّتِهِ شُرُوطَ صَلَاةِ النَّفْلِ مِنَ الطَّهَارَةِ عَنِ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَلَا يَجُوزُ السُّجُودُ حَتَّى يَتِمَّ قِرَاءَةُ السَّجْدَةِ وَيَجُوزُ عِنْدَنَا سُجُودُ التِّلَاوَةِ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا لِأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ وَلَا يُكْرَهُ عِنْدَنَا ذَوَاتُ الْأَسْبَابِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَفِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ مَسَائِلُ وَتَفْرِيعَاتٌ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ (باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين) [579] قوله عن بن الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَعَدَ فِي الصَّلَاةِ جَعَلَ قَدَمَهُ الْيُسْرَى بَيْنَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ وَفِي رِوَايَةٍ أَشَارَ بِإِصْبَعِهِ السبابة ووضع

إِبْهَامَهُ عَلَى إِصْبَعِهِ الْوُسْطَى وَيُلْقِمُ كَفَّهُ الْيُسْرَى ركبته [580] وفي رواية بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصلاة وضع يديه على ركبتيه وَوَضَعَ إِصْبَعِهِ الْيُمْنَى الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ فَدَعَا بِهَا وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ بَاسِطَهَا عَلَيْهَا وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى وَعَقَدَ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ صِفَةِ الْقُعُودِ هُوَ التَّوَرُّكِ لَكِنَّ قَوْلَهُ وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى مُشْكِلٌ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْقَدَمِ الْيُمْنَى أَنْ تَكُونَ مَنْصُوبَةً بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى ذَلِكَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْخُشَنِيُّ صَوَابُهُ وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُسْرَى ثُمَّ أَنْكَرَ الْقَاضِي قَوْلَهُ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا يَفْعَلُ بِالْيُسْرَى وَأَنَّهُ جَعَلَهَا بَيْنَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ قَالَ وَلَعَلَّ صَوَابَهُ وَنَصَبَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى قَالَ وَقَدْ تَكُونُ الرِّوَايَةُ صَحِيحَةٌ فِي الْيُمْنَى وَيَكُونُ مَعْنَى فَرَشَهَا أَنَّهُ لَمْ يَنْصِبْهَا عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ وَلَا فَتَحَ أَصَابِعَهَا كَمَا كَانَ يَفْعَلُ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهَذَا التَّأْوِيلُ الْأَخِيرُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَيَكُونُ فَعَلَ هَذَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَأَنَّ وَضْعَ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَحَبًّا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَهَذَا التَّأْوِيلُ لَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ لَا سِيَّمَا فِي بَابِ الصَّلَاةِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَغْلِيطِ رِوَايَةٍ ثَابِتَةٍ فِي الصَّحِيحِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهَا جَمِيعُ نُسَخِ مُسْلِمٍ وَقَدْ سَبَقَ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ

فِي أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدَيْنِ التَّوَرُّكُ أَمِ الِافْتِرَاشُ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَطَائِفَةٍ تَفْضِيلُ التَّوَرُّكِ فِيهِمَا لِهَذَا الْحَدِيثِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٍ تَفْضِيلُ الِافْتِرَاشِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَطَائِفَةٍ يَفْتَرِشُ فِي الْأَوَّلِ وَيَتَوَرَّكُ فِي الْأَخِيرِ لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ وَرُفْقَتِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِتَوَرُّكٍ أَوِ افْتِرَاشٍ مُطْلَقَةٌ لَمْ يُبَيِّنْ فِيهَا أَنَّهُ فِي التَّشَهُّدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَقَدْ بَيَّنَهُ أَبُو حُمَيْدٍ وَرُفْقَتُهُ وَوَصَفُوا الِافْتِرَاشَ فِي الْأَوَّلِ وَالتَّوَرُّكِ فِي الْأَخِيرِ وَهَذَا مُبَيَّنٌ فَوَجَبَ حَمْلُ ذَلِكَ الْمُجْمَلِ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ وَفِي رِوَايَةٍ وَيُلْقِمُ كَفَّهُ الْيُسْرَى رُكْبَتَهُ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ وَضْعِهَا عِنْدَ الرُّكْبَةِ أَوْ عَلَى الرُّكْبَةِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ بِعَطْفِ أَصَابِعِهَا عَلَى الرُّكْبَةِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَيُلْقِمُ كَفَّهُ الْيُسْرَى رُكْبَتَهُ وَالْحِكْمَةُ فِي وَضْعِهَا عِنْدَ الرُّكْبَةِ مَنْعُهَا مِنَ الْعَبَثِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ اليمنى فمجمع عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَقَوْلُهُ أَشَارَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ وَوَضَعَ إِبْهَامَهُ عَلَى إِصْبَعِهِ الْوُسْطَى وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَعَقَدَ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ مَحْمُولَتَانِ عَلَى حَالَيْنِ فَفَعَلَ فِي وَقْتِ هَذَا وَفِي وَقْتِ هَذَا وَقَدْ رَامَ بَعْضُهُمُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَلَى إِصْبَعِهِ الْوُسْطَى أَيْ وَضَعَهَا قَرِيبًا مِنْ أَسْفَلِ الْوُسْطَى وَحِينَئِذٍ يَكُونُ بِمَعْنَى الْعَقْدِ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ وَأَمَّا الْإِشَارَةُ بِالْمُسَبِّحَةِ فَمُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَنَا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُشِيرُ عِنْدَ قَوْلِهِ إِلَّا اللَّهُ مِنَ الشَّهَادَةِ وَيُشِيرُ بِمُسَبِّحَةِ الْيُمْنَى لَا غَيْرُ فَلَوْ كَانَتْ مَقْطُوعَةً أَوْ عَلِيلَةً لَمْ يُشِرْ بِغَيْرِهَا لَا مِنَ الْأَصْلِ بِالْيُمْنَى وَلَا الْيُسْرَى وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يُجَاوِزَ بَصَرُهُ إِشَارَتَهُ وَفِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَيُشِيرُ بِهَا

باب السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها وكيفيته

مُوَجَّهَةٌ إِلَى الْقِبْلَةِ وَيَنْوِي بِالْإِشَارَةِ التَّوْحِيدَ وَالْإِخْلَاصَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ عَقَدَ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ شَرْطُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ أَنْ يَضَعَ طَرَفَ الْخِنْصَرِ عَلَى الْبِنْصِرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا ها هنا بَلِ الْمُرَادُ أَنْ يَضَعَ الْخِنْصَرَ عَلَى الرَّاحَةِ وَيَكُونَ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي يُسَمِّيهَا أَهْلُ الْحِسَابِ تسعة وخمسين والله أعلم (باب السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها وكيفيته) [581] قَوْلُهُ إِنَّ أَمِيرًا كَانَ بِمَكَّةَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّى عَلِقَهَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ [582] وَعَنْ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْتُ أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى أَرَى بَيَاضَ خَدِّهِ فَقَوْلُهُ أَنَّى عَلِقَهَا هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ مِنْ أَيْنَ حَصَّلَ

باب الذكر بعد الصلاة

هَذِهِ السُّنَّةَ وَظَفِرَ بِهَا فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهُ يُسَنُّ تَسْلِيمَتَانِ وَقَالَ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ إِنَّمَا يُسَنُّ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَتَعَلَّقُوا بِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ لَا تُقَاوِمُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ وَلَوْ ثَبَتَ شَيْءٌ مِنْهَا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ إِلَّا تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنْ سَلَّمَ وَاحِدَةً اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَإِنْ سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ جَعَلَ الْأُولَى عَنْ يَمِينِهِ وَالثَّانِيَةَ عَنْ يَسَارِهِ وَيَلْتَفِتُ فِي كُلِّ تَسْلِيمَةٍ حَتَّى يَرَى مَنْ عَنْ جَانِبِهِ خَدَّهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا حَتَّى يَرَى خَدَّيْهِ مَنْ عَنْ جَانِبِهِ وَلَوْ سَلَّمَ التَّسْلِيمَتَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ أَوِ الْأُولَى عَنْ يَسَارِهِ وَالثَّانِيَةَ عَنْ يَمِينِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَحَصَلَتْ تَسْلِيمَتَانِ وَلَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ فِي كَيْفِيَّتِهِمَا وَاعْلَمْ أَنَّ السَّلَامَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَفَرْضٌ مِنْ فُرُوضِهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا بِهِ هَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ سُنَّةٌ وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ مِنَ الصَّلَاةِ بِكُلِّ شَيْءٍ يُنَافِيهَا مِنْ سَلَامٍ أَوْ كَلَامٍ أَوْ حَدَثٍ أَوْ قِيَامٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ وَثَبَتَ فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَبِالْحَدِيثِ الْآخَرِ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ (باب الذكر بعد الصلاة) [583] فيه حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم

بِالتَّكْبِيرِ وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ قال بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ هَذَا دَلِيلٌ لِمَا قَالَهُ بَعْضُ السَّلَفِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ وَالذِّكْرِ عَقِبَ الْمَكْتُوبَةِ وَمِمَّنِ اسْتَحَبَّهُ مِنَ المتأخرين بن حزم الظاهري ونقل بن بَطَّالٍ وَآخَرُونَ أَنَّ أَصْحَابَ الْمَذَاهِبِ الْمَتْبُوعَةِ وَغَيْرَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَالتَّكْبِيرِ وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ جَهَرَ وَقْتًا يَسِيرًا حَتَّى يُعْلِمَهُمْ صِفَةَ الذِّكْرِ لَا أَنَّهُمْ جَهَرُوا دَائِمًا قال فاختار للإمام والمأموم أن يذكر اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ وَيُخْفِيَانِ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِمَامًا يُرِيدُ أَنْ يُتَعَلَّمَ مِنْهُ فَيَجْهَرُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ تُعُلِّمَ مِنْهُ ثُمَّ يُسِرُّ وَحُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَى هَذَا وَقَوْلُهُ كُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَحْضُرُ الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِصِغَرِهِ قَوْلُهُ أَخْبَرَنِي هَذَا أَبُو مَعْبِدٍ ثُمَّ أَنْكَرَهُ فِي احْتِجَاجِ مُسْلِمٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى ذَهَابِهِ إِلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُرْوَى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَعَ إِنْكَارِ الْمُحَدِّثِ لَهُ إِذَا حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ ثِقَةٌ وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ قَالُوا يُحْتَجُّ بِهِ إِذَا كَانَ إِنْكَارُ الشَّيْخِ لَهُ لِتَشْكِيكِهِ فِيهِ أَوْ لِنِسْيَانِهِ أَوْ قَالَ لَا أَحْفَظُهُ أَوْ لَا أَذْكُرُ أَنِّي حَدَّثْتُكَ بِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَخَالَفَهُمُ الْكَرْخِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ فَأَمَّا إِذَا أَنْكَرَهُ إِنْكَارًا جَازِمًا قَاطِعًا بِتَكْذِيبِ الرَّاوِي عَنْهُ وَأَنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ بِهِ قَطُّ فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ به عند جميعهم لان حزم كُلِّ وَاحِدٍ يُعَارِضُ جَزْمَ الْآخَرِ وَالشَّيْخُ هُوَ الْأَصْلُ فَوَجَبَ إِسْقَاطُ

باب استحباب التعوذ من عذاب القبر وعذاب جهنم

هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي بَاقِي أَحَادِيثِ الرَّاوِي لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ كَذِبَهُ (باب استحباب التعوذ من عذاب القبر وعذاب جهنم) وفتنة المحيا والممات وَفَتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَمِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ حَاصِلُ أَحَادِيثِ الْبَابِ اسْتِحْبَابُ التَّعَوُّذِ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ وَفِيهِ إثبات عذاب القبر وفتنته وهو مذهب أهل الْحَقِّ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَمَعْنَى فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ الْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِفِتْنَةِ الْمَوْتِ فقيل فتنة القبر وقيل يحتمل أن يُرَادُ بِهَا الْفِتْنَةُ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَفِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ فَهُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ [584] قَوْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ يَهُودِيَّةً قَالَتْ هَلْ شَعَرْتِ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ فَارْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ إِنَّمَا تُفْتَنُ يَهُودُ فَلَبِثْنَا لَيَالِيَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَسَلَّمَ هَلْ شَعَرْتِ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى دَخَلَتْ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ وَذَكَرَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَّقَهُمَا هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ فَجَرَتِ الْقَضِيَّةُ الْأُولَى ثُمَّ أُعْلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ ثُمَّ جَاءَتِ الْعَجُوزَانِ بَعْدَ لَيَالٍ فَكَذَّبَتْهُمَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَلَمْ تَكُنْ عَلِمَتْ نُزُولَ الْوَحْيِ بِإِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ بِقَوْلِ الْعَجُوزَيْنِ فَقَالَ صَدَقَتَا وَأَعْلَمَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِأَنَّهُ كَانَ قَدْ نَزَلَ الْوَحْيُ بِإِثْبَاتِهِ وَقَوْلُهَا لَمْ أَنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا أَيْ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أُصَدِّقَهُمَا وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي التصديق نعم وَهُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ [589] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ وَمَعْنَاهُ مِنَ الْإِثْمِ وَالْغُرْمِ وَهُوَ الدَّيْنُ [588] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الْآخِرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِاسْتِحْبَابِهِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَالْإِشَارَةُ إلى أنه لا يستحب في الأول وهكذا الْحُكْمُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَبْنِيٌّ عَلَى

التَّخْفِيفِ [590] قَوْلُهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يعلمهم السورة

(باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته)

مِنَ الْقُرْآنِ وَإِنَّ طَاوُسًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ ابْنَهُ حِينَ لَمْ يَدْعُ بِهَذَا الدُّعَاءِ فِيهَا بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ هَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِ هَذَا الدُّعَاءِ وَالتَّعَوُّذِ وَالْحَثِّ الشَّدِيدِ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ طَاوُسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ حَمَلَ الْأَمْرَ بِهِ عَلَى الْوُجُوبِ فَأَوْجَبَ إِعَادَةَ الصَّلَاةِ لِفَوَاتِهِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَعَلَّ طَاوُسًا أَرَادَ تَأْدِيبَ ابْنَهُ وَتَأْكِيدَ هَذَا الدُّعَاءِ عِنْدَهُ لَا أَنَّهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَدُعَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتِعَاذَتُهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي قَدْ عُوفِيَ مِنْهَا وَعُصِمَ إِنَّمَا فَعَلَهُ لِيَلْتَزِمَ خَوْفَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِعْظَامَهُ وَالِافْتِقَارَ إِلَيْهِ وَلِتَقْتَدِيَ بِهِ أُمَّتُهُ وَلِيُبَيِّنَ لَهُمْ صِفَةَ الدُّعَاءِ وَالْمُهِمَّ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب اسْتِحْبَابِ الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَبَيَانِ صِفَتِهِ) [591] قَوْلُهُ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا الْمُرَادُ بِالِانْصِرَافِ السَّلَامُ قَوْلُهُ

(ولا ينفع ذا الجد منك الجد المشهور الذي عليه

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [593] (وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَمَعْنَاهُ لَا يَنْفَعُ ذَا الْغِنَى وَالْحَظِّ مِنْكَ غِنَاهُ وَضَبَطَهُ جَمَاعَةٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ مَبْسُوطًا فِي بَابِ ما يقول)

إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَوْلُهُ عَنِ بن عَوْنٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ وَرَّادٍ اخْتَلَفُوا فِي أَبِي سَعِيدٍ هَذَا فَالصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ عبد ربه بن سعيد وقال بن السكن هو بن أَخِي عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنَ الرَّضَاعَةِ وغلطوه في ذلك وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ

الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَلَّطُوهُ أَيْضًا [595] قَوْلُهُ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَاحِدُهَا دَثَرٌ وَهُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَنْ فَضَّلَ الْغَنِيَّ الشَّاكِرَ عَلَى الْفَقِيرِ الصَّابِرِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الطَّوَائِفِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَوْلُهُ فِي كَيْفِيَّةِ عَدَدِ التَّسْبِيحَاتِ وَالتَّحْمِيدَاتِ وَالتَّكْبِيرَاتِ أَنَّ أَبَا صَالِحٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً وَذَكَرَ بَعْدَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ طُرُقٍ غَيْرِ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ يُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مُسْتَقِلَّةً وَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مُسْتَقِلَّةً وَيَحْمَدُ كَذَلِكَ وَهَذَا ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ

تَأْوِيلِ أَبِي صَالِحٍ وَأَمَّا قَوْلُ سُهَيْلٍ إِحْدَى عشرة إِحْدَى عَشْرَةَ فَلَا يُنَافِي رِوَايَةَ الْأَكْثَرِينَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ بَلْ مَعَهُمْ زِيَادَةٌ يَجِبُ قَبُولُهَا وَفِي رِوَايَةٍ تَمَامُ الْمِائَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ التَّكْبِيرَاتِ أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ وَكُلُّهَا زِيَادَاتٌ مِنَ الثِّقَاتِ يَجِبُ قَبُولُهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْتَاطَ الْإِنْسَانُ فَيَأْتِيَ بِثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ تَسْبِيحَةً وَمِثْلُهَا تَحْمِيدَاتٌ وَأَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً وَيَقُولُ مَعَهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إِلَى آخِرِهَا لِيَجْمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ [596] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ أَوْ فَاعِلُهُنَّ قَالَ الْهَرَوِيُّ قَالَ

سَمُرَةُ مَعْنَاهُ تَسْبِيحَاتٌ تُفْعَلُ أَعْقَابَ الصَّلَاةِ وَقَالَ أَبُو الْهُشَيْمِ سُمِّيَتْ مُعَقِّبَاتٍ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ مَرَّةً بعد أخرى وقوله تعالى له معقبات أَيْ مَلَائِكَةٌ يَعْقُبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ هَذَا ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي اسْتِدْرَاكَاتِهِ عَلَى مُسْلِمٍ وَقَالَ الصَّوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى كَعْبٍ لِأَنَّ مَنْ رَفَعَهُ لَا يُقَاوِمُونَ مَنْ وَقَفَهُ فِي الْحِفْظِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَرْدُودٌ لِأَنَّ مُسْلِمًا رَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ كُلِّهَا مَرْفُوعَةٍ وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى مَرْفُوعَةٍ وَإِنَّمَا رُوِيَ مَوْقُوفًا مِنْ جِهَةِ مَنْصُورٍ وَشُعْبَةَ وَقَدِ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِمَا أَيْضًا فِي رَفْعهِ وَوَقْفِهِ وَبَيَّنَ الدَّارَقُطْنِيُّ ذَلِكَ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي أَوَّلِ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي رُوِيَ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا يُحْكَمُ بِأَنَّهُ مَرْفُوعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ وَالْفُقَهَاءُ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ مِنْهُمُ الْبُخَارِيُّ وَآخَرُونَ حَتَّى لَوْ كَانَ الْوَاقِفُونَ أَكْثَرُ مِنَ الرَّافِعِينَ حُكِمَ بِالرَّفْعِ كَيْفَ وَالْأَمْرُ هُنَا بِالْعَكْسِ وَدَلِيلُهُ مَا سَبَقَ أَنَّ هَذِهِ زِيَادَةُ ثِقَةٍ فَوَجَبَ قَبُولُهَا وَلَا تُرَدُّ لِنِسْيَانٍ أَوْ تَقْصِيرٍ حَصَلَ بِمَنْ وَقَفَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [597] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْمَذْحِجِيِّ هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مَنْسُوبٌ إِلَى مَذْحِجٍ قَبِيلَةٍ مَعْرُوفَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ هُوَ بِضَمِّ الدَّالِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ وَالْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَاتِ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ الْمُطَرِّزِيُّ فِي كِتَابِهِ

(باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة)

الْيَوَاقِيتُ دَبْرُ كُلِّ شَيْءٍ بِفَتْحِ الدَّالِ آخِرُ أَوْقَاتِهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ وَأَمَّا الْخَارِجَةُ فَبِالضَّمِّ وَقَالَ الداودي عن بن الْأَعْرَابِيِّ دُبُرُ الشَّيْءِ وَدَبُرُهُ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ آخِرُ أَوْقَاتِهِ وَالصَّحِيحُ الضَّمُّ وَلَمْ يَذْكُرِ الْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ غَيْرَهُ (باب مَا يُقَالُ بَيْنَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةِ) [598] قَوْلُهُ سَكَتَ هُنَيَّةً هِيَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ وَهِيَ تَصْغِيرُ هَنَةٍ أَصْلُهَا هَنْوَةُ فَلَمَّا صُغِّرَتْ صَارَتْ هُنَيْوَةً فَاجْتَمَعَتْ وَاوٌ وَيَاءٌ وَسُبِقَتْ إِحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَوَجَبَ قَلْبُ الْوَاوِ يَاءً فَاجْتَمَعَتْ يَاءَانِ فَأُدْغِمَتِ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى فَصَارَتْ هُنَيَّةً وَمَنْ هَمَزَهَا فَقَدْ أَخْطَأَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ هُنَيْهَةً وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَلْفَاظٌ تَقَدَّمَ شَرْحُهَا فِي بَابِ مَا يَقُولُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ وَجَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ إِلَى آخِرِهِ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا فِي أَبْوَابِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَقَدْ جَمَعْتُهَا مُوَضَّحَةً فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ

دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ [599] قَوْلُهُ وَحُدِّثْتُ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ إِلَى آخِرِهِ هَذَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُعَلَّقَةِ الْتِي سَقَطَ أَوَّلُ إِسْنَادِهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ [600] قَوْلُهُ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ هُوَ بِفَتْحِ حُرُوفِهِ وَتَخْفِيفِهَا أَيْ ضَغَطَهُ لِسُرْعَتِهِ قَوْلُهُ فَأَرَمَّ الْقَوْمُ هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ سَكَتُوا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ فِي غَيْرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَأَزَّمَ بِالزَّايِ الْمَفْتُوحَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ مِنَ الْأَزْمِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ وَهُوَ صَحِيحُ الْمَعْنَى [601] قَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا أَيْ كَبَّرْتُ كَبِيرًا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الطَّاعَاتِ قَدْ يَكْتُبُهَا غَيْرُ الْحَفَظَةِ أَيْضًا

(باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة والنهي عن

(باب اسْتِحْبَابِ إِتْيَانِ الصَّلَاةِ بِوَقَارٍ وَسَكِينَةٍ وَالنَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِهَا سَعْيًا) [602] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعُونَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمُ

السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ فهو في صلاة فِيهِ النَّدْبُ الْأَكِيدُ إِلَى إِتْيَانِ الصَّلَاةِ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَالنَّهْيُ عَنْ إِتْيَانِهَا سَعْيًا سَوَاءٌ فِيهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ خَافَ فَوْتَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَمْ لَا وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فاسعوا إلى ذكر الله الذَّهَابُ يُقَالُ سَعَيْتُ فِي كَذَا أَوْ إِلَى كَذَا إِذَا ذَهَبْتُ إِلَيْهِ وَعَمِلْتُ فِيهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي إِتْيَانِهَا بِسَكِينَةٍ وَالنَّهْيُ عن السعي أن الذاهب إلى صلاة عامد في تحصيلها ومتوصل إِلَيْهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَأَدِّبًا بِآدَابِهَا وَعَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ وَهَذَا مَعْنَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ إِنَّمَا ذَكَرَ الْإِقَامَةَ لِلتَّنْبِيهِ بِهَا عَلَى مَا سِوَاهَا لِأَنَّهُ إِذَا نَهَى عَنْ إِتْيَانِهَا سَعْيًا فِي حَالِ الْإِقَامَةِ مَعَ خوفه فوت بعضها فقيل الْإِقَامَةِ أَوْلَى وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِبَيَانِ الْعِلَّةِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ وَهَذَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَوْقَاتِ الْإِتْيَانِ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَكَّدَ ذَلِكَ تَأْكِيدًا آخَرَ قَالَ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا فَحَصَلَ فِيهِ تَنْبِيهٌ وَتَأْكِيدٌ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ بَعْضِ الصَّلَاةِ فَصَرَّحَ بِالنَّهْيِ وَإِنْ فَاتَ مِنَ الصَّلَاةِ مَا فَاتَ وَبَيَّنَ مَا يُفْعَلُ فِيمَا فَاتَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فَاتَكُمْ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَوْلِ فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَكَرِهَهُ بن سِيرِينَ وَقَالَ إِنَّمَا يُقَالُ لَمْ نُدْرِكْهَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا هَكَذَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِهِ وَفِي رواية واقض

مَا سَبَقَكَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَمَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَ سَلَامِهِ آخِرُهَا وَعَكَسَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَطَائِفَةٌ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَحُجَّةُ هَؤُلَاءِ وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا وَأَجَابُوا عَنْ رِوَايَةِ وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ الْفِعْلُ لَا الْقَضَاءُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُ الْقَضَاءِ بِمَعْنَى الْفِعْلِ فَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فَقَضَاهُنَّ سبع سماوات وقوله تعالى فإذا قضيتم مناسككم وقوله تعالى فإذا قضيت الصلاة وَيُقَالُ قَضَيْتُ حَقَّ فُلَانٍ وَمَعْنَى الْجَمِيعِ الْفِعْلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ مَعْنَاهُ إِذَا أُقِيمَتْ سُمِّيَتِ الْإِقَامَةُ تَثْوِيبًا لِأَنَّهَا دُعَاءٌ إِلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ الدُّعَاءِ بِالْأَذَانِ مِنْ قَوْلِهِمْ ثَابَ إِذَا رَجَعَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ قِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَأَنَّ السَّكِينَةَ التَّأَنِّي فِي الْحَرَكَاتِ وَاجْتِنَابُ الْعَبَثِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَالْوَقَارُ فِي الْهَيْئَةِ وَغَضِّ الْبَصَرِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى طَرِيقِهِ بِغَيْرِ الْتِفَاتٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [603] قَوْلُهُ فسمع

(باب متى يقوم الناس للصلاة)

جَلَبَةً أَيْ أَصْوَاتًا لِحَرَكَتِهِمْ وَكَلَامِهِمْ وَاسْتِعْجَالِهِمْ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ يَعْنِي حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِإِسْنَادِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَكَانَ يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يَقُولَ عَنْ يَحْيَى لِأَنَّ شَيْبَانَ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ وَعَادَةُ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَذْكُرُوا فِي الطَّرِيقِ الثَّانِي رَجُلًا مِمَّنْ سَبَقَ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَيَقُولُوا بِهَذَا الْإِسْنَادِ حَتَّى يُعْرَفَ وَكَأَنَّ مُسْلِمًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اقْتَصَرَ عَلَى شَيْبَانَ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ فِي دَرَجَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ سَلَّامٍ السَّابِقِ وَأَنَّهُ يَرْوِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ مَتَى يَقُومُ الناس للصلاة) [604] فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَقُمْنَا فَعَدَلْنَا الصُّفُوفَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ تُقَامُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْخُذُ النَّاسُ مَصَافَّهُمْ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامَهُ وَفِي رِوَايَةِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ بِلَالٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُؤَذِّنُ إِذَا دَحَضَتْ وَلَا يُقِيمُ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا خَرَجَ أَقَامَ

الصَّلَاةَ حِينَ يَرَاهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُجْمَعُ بَيْنَ مُخْتَلَفِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ بِلَالًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُرَاقِبُ خُرُوجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَيْثُ لَا يَرَاهُ غَيْرُهُ أَوْ إِلَّا الْقَلِيلُ فَعِنْدَ أَوَّلِ خُرُوجِهِ يُقِيمُ وَلَا يَقُومُ النَّاسُ حَتَّى يَرَوْهُ ثُمَّ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ حَتَّى يَعْدِلُوا الصُّفُوفَ وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَيَأْخُذُ النَّاسُ مَصَافَّهُمْ قَبْلَ خُرُوجِهِ لَعَلَّهُ كَانَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ لِعُذْرٍ وَلَعَلَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالنَّهْيُ عَنِ الْقِيَامِ قَبْلَ أَنْ يَرَوْهُ لِئَلَّا يَطُولَ عَلَيْهِمُ الْقِيَامُ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ عَارِضٌ فَيَتَأَخَّرُ بِسَبَبِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مِنَ السَّلَفِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مَتَى يَقُومُ النَّاسُ لِلصَّلَاةِ وَمَتَى يُكَبِّرُ الْإِمَامُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَطَائِفَةٍ أَنَّهُ يستحب أن لا يَقُومَ أَحَدٌ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ مِنَ الْإِقَامَةِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُومُوا إِذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَكَانَ أَنَسٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُومُ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْكُوفِيُّونَ يَقُومُونَ فِي الصَّفِّ إِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ فَإِذَا قَالَ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ كَبَّرَ الْإِمَامُ وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لَا يُكَبِّرُ الْإِمَامُ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ مِنَ الْإِقَامَةِ قَوْلُهُ قُمْنَا فَعَدَلْنَا الصُّفُوفَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ مَعْهُودَةٌ عِنْدَهُمْ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَعْدِيلِ الصُّفُوفِ وَالتَّرَاصِّ فِيهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِهِ قَوْلُهُ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ ذَكَرَ فَانْصَرَفَ وَقَالَ لَنَا مَكَانَكُمْ فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا نَنْتَظِرُهُ حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا وَقَدِ اغْتَسَلَ فَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَبَّرَ وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَانْتَظَرْنَا تَكْبِيرَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ كَانَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَتُحْمَلُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ قَامَ فِي مَقَامِهِ لِلصَّلَاةِ وَتَهَيَّأَ لِلْإِحْرَامِ بِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَظَاهِرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ لَمَّا اغْتَسَلَ وَخَرَجَ لَمْ يُجَدِّدُوا إِقَامَةَ الصَّلَاةِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى قُرْبِ الزَّمَانِ فان طال فلابد مِنْ إِعَادَةِ الْإِقَامَةِ وَيَدُلُّ عَلَى قُرْبِ الزَّمَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَانَكُمْ وَقَوْلُهُ خَرَجَ إِلَيْنَا وَرَأْسُهُ يَنْطِفُ وَفِيهِ جَوَازُ النِّسْيَانِ فِي الْعِبَادَاتِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَرِيبًا قَوْلُهُ يَنْطِفُ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ أَيْ يَقْطُرُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ قَوْلُهُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ هُوَ مَهْمُوزٌ [606] قَوْلُهُ كَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ

(باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة)

إِذَا دَحَضَتْ هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَالْحَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ زَالَتِ الشَّمْسُ (بَاب مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ تِلْكَ الصَّلَاةَ) [607] قوله ص من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصَّلَاةَ [608] وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً

مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ بِالرَّكْعَةِ مُدْرِكًا لِكُلِّ الصَّلَاةِ وَتَكْفِيهِ وَتَحْصُلُ بَرَاءَتُهُ مِنَ الصَّلَاةِ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ بَلْ هُوَ مُتَأَوَّلٌ وَفِيهِ إِضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ فَقَدْ أَدْرَكَ حُكْمَ الصَّلَاةِ أَوْ وُجُوبَهَا أَوْ فَضْلَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا يَدْخُلُ فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ إِحْدَاهَا إِذَا أَدْرَكَ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ رَكْعَةً مِنْ وَقْتِهَا لَزِمَتْهُ تِلْكَ الصَّلَاةُ وَذَلِكَ فِي الصَّبِيِّ يَبْلُغُ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يُفِيقَانِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ تَطْهُرَانِ وَالْكَافِرِ يُسْلِمُ فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ هَؤُلَاءِ رَكْعَةً قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَزِمَتْهُ تِلْكَ الصَّلَاةُ وَإِنْ أَدْرَكَ دُونَ رَكْعَةٍ كَتَكْبِيرَةٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَحَدُهُمَا لَا تَلْزَمُهُ لِمَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا تَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْهُ فَاسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَلِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ قَدْرَ الصلاة بكمالها بالاتفاق فينبغي أن لا يُفَرَّقَ بَيْنَ تَكْبِيرَةٍ وَرَكْعَةٍ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِرَكْعَةٍ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ فَإِنَّ غَالِبَ مَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ إِدْرَاكِهِ رَكْعَةً وَنَحْوَهَا وَأَمَّا التَّكْبِيرَةُ فَلَا يَكَادُ يُحَسُّ بِهَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ التَّكْبِيرَةِ أَوِ الرَّكْعَةِ إِمْكَانَ الطَّهَارَةِ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فِي آخِرِ وَقْتِهَا فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ كَانَ مُدْرِكًا لِأَدَائِهَا وَيَكُونُ كُلُّهَا أَدَاءً وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَقَالَ بَعْضُ

أَصْحَابِنَا يَكُونُ كُلُّهَا قَضَاءً وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا وَقَعَ فِي الْوَقْتِ أَدَاءٌ وَمَا بَعْدَهُ قَضَاءٌ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي مُسَافِرٍ نَوَى الْقَصْرَ وَصَلَّى رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ وَبَاقِيهَا بَعْدَهُ فَإِنْ قُلْنَا الْجَمِيعُ أَدَاءٌ فَلَهُ قَصْرُهَا وَإِنْ قُلْنَا كُلُّهَا قَضَاءٌ أَوْ بَعْضُهَا وَجَبَ إِتْمَامُهَا أَرْبَعًا إِنْ قُلْنَا إِنَّ فَائِتَةَ السَّفَرِ إِذَا قَضَاهَا فِي السَّفَرِ يَجِبُ إِتْمَامُهَا هَذَا كُلُّهُ إِذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ فَإِنْ كَانَ دُونَ رَكْعَةٍ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هُوَ كَالرَّكْعَةِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ يَكُونُ كُلُّهَا قَضَاءً وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعَمُّدُ التَّأْخِيرِ إِلَى هَذَا الْوَقْتِ وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهَا أَدَاءٌ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِأَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ عَلَى قَوْلِنَا أَدَاءٌ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إِذَا أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً كَانَ مُدْرِكًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً بَلْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ السَّلَامِ بِحَيْثُ لَا يُحْسَبُ لَهُ رَكْعَةٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَحَدُهُمَا لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجَمَاعَةِ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْهُ وَيُجَابُ عَنْ مَفْهُومِ الْحَدِيثِ بِمَا سَبَقَ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ هَذَا دَلِيلٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ أَوِ الْعَصْرِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ سَلَامِهِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بَلْ يُتِمُّهَا وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْعَصْرِ وَأَمَّا فِي الصُّبْحِ فَقَالَ بِهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ تَبْطُلُ صَلَاةُ الصُّبْحِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ فِيهَا لِأَنَّهُ دَخَلَ وَقْتُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ غروب الشمس والحديث حجة عليه

باب أوقات الصلوات الخمس

(باب أوقات الصلوات الخمس) [610] قَوْلُهُ إِنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى إِمَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ إِمَامَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَيُوَضِّحهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ نَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَمَّنِي فَصَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ يُقَالُ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُخَاطَبِ فَأَبْهَمَهُ فِي هَذِهِ الرواية وبينه في رواية جابر وبن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ قَوْلُهُ إِنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَرَّرَهُ هَكَذَا خَمْسَ

مرات معناه أنه كلما فعل جزأ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ حَتَّى تَكَامَلَتْ صَلَاتُهُ قَوْلُهُ بِهَذَا أُمِرْتُ رُوِيَ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِهَا وَهُمَا ظاهران قوله أو إن جِبْرِيلَ هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ قَوْلُهُ أَخَّرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَصْرَ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ وَأَخَّرَهَا الْمُغِيرَةُ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ أَبُو مسعود الانصاري واحتجابا بِإِمَامَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَّا تَأْخِيرُهُمَا فَلِكَوْنِهِمَا لَمْ يَبْلُغْهُمَا الْحَدِيثُ أَوْ أنَّهُمَا كَانَا يَرَيَانِ جَوَازَ التَّأْخِيرِ مَا لَمْ يَخْرُجِ الْوَقْتُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَأَمَّا احْتِجَاجُ أَبِي مَسْعُودٍ وَعُرْوَةَ بِالْحَدِيثِ فَقَدْ يُقَالُ قَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا من رواية بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ فِي إِمَامَةِ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ فِي يَوْمَيْنِ فَصَلَّى الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي آخِرِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يَتَوَجَّهُ الِاسْتِدْلَالُ بِالْحَدِيثِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا أَخَّرَا الْعَصْرَ عَنِ الْوَقْتِ الثَّانِي وَهُوَ مَصِيرُ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [611] قَوْلُهُ كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ وَفِي رِوَايَةٍ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ طالعة في

حجرتي لم يفيء الْفَيْءُ بَعْدُ وَفِي رِوَايَةٍ وَالشَّمْسُ وَاقِعَةٌ فِي حجرتي معناه كله التكبير بِالْعَصْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَهُوَ حِينَ يَصِيرُ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَكَانَتِ الْحُجْرَةُ ضَيِّقَةَ الْعَرْصَةِ قَصِيرَةَ الْجِدَارِ بِحَيْثُ يَكُونُ طُولُ جِدَارِهَا أَقَلَّ مِنْ مِسَاحَةِ الْعَرْصَةِ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ فَإِذَا صَارَ ظِلُّ الْجِدَارِ مِثْلَهُ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَتَكُونُ الشَّمْسُ بَعْدُ فِي أَوَاخِرِ الْعَرْصَةِ لَمْ يَقَعِ الْفَيْءُ فِي الْجِدَارِ الشَّرْقِيِّ وَكُلُّ الرِّوَايَاتِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ [612] قَوْلُهُ ص إِذَا صَلَّيْتُمُ الصُّبْحَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ قَرْنُ الشَّمْسِ الْأَوَّلُ مَعْنَاهُ وَقْتٌ لِأَدَاءِ الصُّبْحِ فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَالَ خَرَجَ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَصَارَتْ قَضَاءً وَيَجُوزُ قَضَاؤُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ يَمْتَدُّ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا إِذَا أَسْفَرَ الْفَجْرُ صَارَتْ قَضَاءً بَعْدَهُ لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ أَسْفَرَ وَقَالَ الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ هَذَا الْحَدِيثُ قَالُوا وَحَدِيثُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِبَيَانِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لَا لِاسْتِيعَابِ وَقْتَ الْجَوَازِ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي امْتِدَادِ الْوَقْتِ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى إِلَّا الصُّبْحَ وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ نَاسِخَةٌ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا إِذَا عَجَزْنَا عَنِ التَّأْوِيلِ وَلَمْ نَعْجِزْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّيْتُمُ الظُّهْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَحْضُرَ الْعَصْرُ مَعْنَاهُ وَقْتٌ لِأَدَاءِ الظُّهْرِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلِلْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا اشْتِرَاكَ بَيْنَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَوَقْتِ الْعَصْرِ بَلْ مَتَى خرج وقت الظهر بمصير ظل الشي مِثْلَهُ غَيْرَ الظِّلِّ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ الزَّوَالِ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ وَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَلَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الظُّهْرِ بَلْ يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ قَدْرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ صَالِحٌ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَدَاءٌ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى بِي الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَصَلَّى بِي الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلُّ شَيْءٍ مِثْلَهُ فَظَاهِرُهُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي قَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ فَرَغَ مِنَ الظُّهْرِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَشَرَعَ فِي الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ فَلَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا فَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيِّنٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَأَنَّهُ إِذَا حُمِلَ عَلَى الِاشْتِرَاكِ يَكُونُ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ مَجْهُولًا لِأَنَّهُ إِذَا ابْتَدَأَ بِهَا حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لَمْ يَعْلَمْ مَتَى فَرَغَ مِنْهَا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ مَجْهُولًا وَلَا يَحْصُلُ بَيَانُ حُدُودِ الْأَوْقَاتِ وَإِذَا حُمِلَ عَلَى مَا تَأَوَّلْنَاهُ حَصَلَ مَعْرِفَةُ آخِرِ الْوَقْتِ وَانْتَظَمَتِ الْأَحَادِيثُ عَلَى اتِّفَاقٍ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ مَعْنَاهُ فَإِنَّهُ وَقْتٌ لِأَدَائِهَا بِلَا كَرَاهَةٍ فَإِذَا اصْفَرَّتْ صَارَ وَقْتُ كَرَاهَةٍ وَتَكُونُ أَيْضًا أَدَاءً حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ إِذَا صَارَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ صَارَتِ الْعَصْرُ قَضَاءً وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا الِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْعَصْرِ خَمْسَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَاخْتِيَارٍ وَجَوَازٍ بِلَا كَرَاهَةٍ وَجَوَازٍ مَعَ كَرَاهَةٍ وَوَقْتِ عُذْرٍ فَأَمَّا وَقْتُ الْفَضِيلَةِ فَأَوَّلُ وَقْتِهَا وَوَقْتُ الِاخْتِيَارِ يَمْتَدُّ إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ وَوَقْتُ الْجَوَازِ إِلَى الِاصْفِرَارِ وَوَقْتُ الْجَوَازِ مَعَ الْكَرَاهَةِ حَالَةُ الِاصْفِرَارِ إِلَى الْغُرُوبِ وَوَقْتُ الْعُذْرِ وَهُوَ وَقْتُ الظُّهْرِ فِي حَقِّ مَنْ يجمع

بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِسَفَرٍ أَوْ مَطَرٍ وَيَكُونُ الْعَصْرُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ أَدَاءً فَإِذَا فَاتَتْ كُلُّهَا بِغُرُوبِ الشَّمْسِ صَارَتْ قَضَاءً وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْمَغْرِبَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَسْقُطَ الشَّفَقُ وَفِي رِوَايَةٍ وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ وَفِي رِوَايَةٍ مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ وَفِي رِوَايَةٍ مَا لَمْ يَسْقُطِ الشَّفَقُ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ صَرَائِحُ فِي أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ يَمْتَدُّ إِلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِنَا وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ جُمْهُورِ نَقَلَةِ مَذْهَبِنَا وَقَالُوا الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إِلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ وهو عقب غروب الشمس بقدر مَا يَتَطَهَّرُ وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَيُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ فَإِنْ أَخَّرَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ عَنْ هَذَا الْوَقْتِ أَثِمَ وَصَارَتْ قَضَاءً وَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إِلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَأْخِيرِهَا مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ وَأَنَّهُ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ أَوِ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى بَيَانِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ وَقْتَ الْجَوَازِ وَهَذَا جَارٍ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ سِوَى الظُّهْرِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بِمَكَّةَ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِامْتِدَادِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إِلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ مُتَأَخِّرَةٌ فِي أَوَاخِرِ الْأَمْرِ بِالْمَدِينَةِ فَوَجَبَ اعْتِمَادُهَا وَالثَّالِثُ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَصَحُّ إِسْنَادًا مِنْ حَدِيثِ بَيَانِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْتِ الْمَغْرِبِ وَقَدْ بَسَطْتُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ دَلَائِلَهُ وَالْجَوَابُ عَنْ مَا يُوهِمُ خِلَافَ الصَّحِيحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعِشَاءَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ مَعْنَاهُ وقت لأدائها اختيارا أما وَقْتُ الْجَوَازِ فَيَمْتَدُّ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي لحديث أبي قتادة الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا فِي بَابِ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تفريط إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى وَسَنُوَضِّحُ شَرْحَهُ فِي مَوْضِعهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ إِذَا ذَهَبَ نِصْفُ

اللَّيْلِ صَارَتْ قَضَاءً وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ الْمَرَاغُ حَيٌّ مِنَ الْأَزْدِ هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ ص ما لم يسقط ثور الشفق هو بالثاء الْمُثَلَّثَةُ أَيْ ثَوَرَانُهُ وَانْتِشَارُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَوْرُ الشَّفَقِ بِالْفَاءِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَالْمُرَادُ بِالشَّفَقِ الْأَحْمَرِ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ اللُّغَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَطَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ اللُّغَةِ الْمُرَادُ الْأَبْيَضُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ وَقَدْ بَسَطْتُ دَلَائِلَهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيِ

الشَّيْطَانِ قِيلَ الْمُرَادُ بِقَرْنِهِ أُمَّتُهُ وَشِيعَتُهُ وَقِيلَ قَرْنُهُ جَانِبُ رَأْسِهِ وَهَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ فَهُوَ أَوْلَى وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُدْنِي رَأْسَهُ إِلَى الشَّمْسِ فِي هَذَا الْوَقْتِ لِيَكُونَ السَّاجِدُونَ لِلشَّمْسِ مِنَ الْكُفَّارِ فِي هَذَا الْوَقْتِ كَالسَّاجِدِينَ لَهُ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ وَلِشِيعَتِهِ تَسَلُّطٌ وَتَمَكُّنٌ مِنْ أَنْ يُلَبِّسُوا عَلَى الْمُصَلِّي صَلَاتَهُ فَكُرِهَتِ الصَّلَاةُ فِي هَذَا الْوَقْتِ لِهَذَا الْمَعْنَى كَمَا كُرِهَتْ فِي مَأْوَى الشَّيْطَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَيَسْقُطُ قَرْنُهَا الْأَوَّلُ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ يَمْتَدُّ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْمُرَادُ بِقَرْنِهَا جَانِبِهَا فِيهِ أَنَّ الْعَصْرَ يَكُونُ أَدَاءً مَا لَمْ تَغِبِ الشَّمْسُ وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا هَذَا كُلُّهُ قَوْلُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ لَا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجِسْمِ جَرَتْ عَادَةُ الْفُضَلَاءِ بِالسُّؤَالِ عَنْ إِدْخَالِ مُسْلِمٍ هَذِهِ الْحِكَايَةَ عَنْ يَحْيَى مَعَ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ فِي كِتَابِهِ إِلَّا أَحَادِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْضَةً مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْحِكَايَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِأَحَادِيثِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فَكَيْفَ أَدْخَلَهَا بَيْنَهَا وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ قَالَ سَبَبُهُ أَنَّ مُسْلِمًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَعْجَبَهُ حُسْنُ سِيَاقِ هَذِهِ الطُّرُقِ الَّتِي

ذكرها لحديث عبد الله بن عمر وَكَثْرَةِ فَوَائِدِهَا وَتَلْخِيصُ مَقَاصِدِهَا وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْفَوَائِدِ فِي الْأَحْكَامِ وَغَيْرِهَا وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا شَارَكَهُ فِيهَا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَ مَنْ رَغِبَ فِي تَحْصِيلِ الرُّتْبَةِ الَّتِي يَنَالُ بِهَا مَعْرِفَةَ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ طَرِيقهُ أَنْ يُكْثِرَ اشْتِغَالَهُ وَإِتْعَابَهُ جِسْمَهُ فِي الِاعْتِنَاءِ بِتَحْصِيلِ الْعِلْمِ هَذَا شَرْحُ مَا حَكَاهُ الْقَاضِي [613] قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ لَهُ صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ يَعْنِي الْيَوْمَيْنِ وَذَكَرَ الصَّلَوَاتِ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي الْوَقْتَيْنِ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ لِلصَّلَاةِ وَقْتَ فَضِيلَةٍ وَوَقْتَ اخْتِيَارٍ وَفِيهِ أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ مُمْتَدٌّ وَفِيهِ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِيضَاحِ وَالْفِعْلُ تَعُمُّ فَائِدَتُهُ السَّائِلَ وَغَيْرَهُ وَفِيهِ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ وَفِيهِ احْتِمَالُ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا وَتَرْكِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ لِمَصْلَحَةٍ راجحة قول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْتُ صَلَاتِكُمْ بَيْنَ مَا رَأَيْتُمْ هَذَا خِطَابٌ لِلسَّائِلِ وَغَيْرِهِ وَتَقْدِيرُهُ وَقْتُ صَلَاتِكُمْ فِي الطَّرَفَيْنِ اللَّذَيْنِ صَلَّيْتُ

فِيهِمَا وَفِيمَا بَيْنَهُمَا وَتَرَكَ ذِكْرَ الطَّرَفَيْنِ بِحُصُولِ عِلْمِهِمَا بِالْفِعْلِ أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ مَا بَيْنَ الْإِحْرَامِ بِالْأُولَى وَالسَّلَامِ مِنَ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ السَّامِيُّ عَرْعَرَةُ بفتح العينين المهملتين واسكان الراء بينهما والسامي بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى سَامَةَ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ وَهُوَ مِنْ نَسْلِهِ قُرَشِيٌّ سَامِيٌّ قَوْلُهُ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ أَيْ غَابَتْ وَقَوْلُهُ وَقَعَ الشَّفَقُ أَيْ غَابَ قَوْلُهُ فَنَوَّرَ بِالصُّبْحِ أَيْ أَسْفَرَ مِنَ النُّورِ وَهُوَ الْإِضَاءَةُ [614] قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَتَاهُ سَائِلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا أَيْ لَمْ يَرُدَّ جَوَابًا بِبَيَانِ الْأَوْقَاتِ بِاللَّفْظِ بَلْ قَالَ لَهُ صَلِّ مَعَنَا لِتَعْرِفَ ذَلِكَ وَيَحْصُلَ لَكَ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ وَإِنَّمَا تَأَوَّلْنَاهُ

لِنَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَلِأَنَّ الْمَعْلُومَ مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُجِيبُ إِذَا سُئِلَ عَمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَحَدِيثِ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَ ثُلُثِ اللَّيْلِ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لِبَيَانِ آخِرِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الرَّاجِحِ مِنْهُمَا وَلِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ يَمْتَدُّ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَالثَّانِي إِلَى نِصْفِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ شُرَيْحٍ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَلَا عَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَلِ الْمُرَادُ بِثُلُثِ اللَّيْلِ أَنَّهُ أَوَّلُ ابْتِدَائِهَا وَبِنِصْفِهِ آخِرُ انْتِهَائِهَا وَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِهَذَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ يُوَافِقُ ظَاهِرَ أَلْفَاظِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لِأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ آخِرُ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ وَأَمَّا

(باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي

حَدِيثُ بُرَيْدَةَ وَأَبِي مُوسَى فَفِيهِمَا أَنَّهُ شَرَعَ بَعْدَ ثُلُثِ اللَّيْلِ وَحِينَئِذٍ يَمْتَدُّ إِلَى قَرِيبٍ مِنَ النِّصْفِ فَتَتَّفِقُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ قَوْلًا وَفِعْلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب اسْتِحْبَابِ الْإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ لِمَنْ يَمْضِي إِلَى جَمَاعَةٍ) وَيَنَالُهُ الْحَرُّ فِي طَرِيقِهِ [615] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا حَدِيثَ خَبَّابٍ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّ الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يَشْكُنَا قَالَ زُهَيْرٌ قُلْتُ لِأَبِي إِسْحَاقَ أَفِي الظُّهْرِ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَفِي تَعْجِيلِهَا قَالَ نَعَمْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْإِبْرَادُ رُخْصَةٌ وَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ وَاعْتَمَدُوا حَدِيثَ خَبَّابٍ وَحَمَلُوا حَدِيثَ الْإِبْرَادِ عَلَى التَّرْخِيصِ وَالتَّخْفِيفِ فِي التَّأْخِيرِ وَبِهَذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ جَمَاعَةٌ حَدِيثُ خَبَّابٍ مَنْسُوخٌ بِأَحَادِيثِ الْإِبْرَادِ وَقَالَ آخَرُونَ الْمُخْتَارُ اسْتِحْبَابُ الْإِبْرَادِ لِأَحَادِيثِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ خَبَّابٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ طلبوا تأخيرا زائدا على قدر الابراد لأن الْإِبْرَادِ يُؤَخِّرُ بِحَيْثُ يَحْصُلُ لِلْحِيطَانِ فَيْءٌ يَمْشُونَ فِيهِ وَيَتَنَاقَصُ الْحَرُّ وَالصَّحِيحُ اسْتِحْبَابُ الْإِبْرَادِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى فِعْلِهِ

وَالْأَمْرِ بِهِ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَمِنْ جِهَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ ص فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ هُوَ بِفَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ سُطُوعِ حَرِّهَا وَانْتِشَارِهِ وَغَلَيَانِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ هما بمعنى وعن تُطْلَقُ بِمَعْنَى الْبَاءِ كَمَا يُقَالُ رَمَيْتُ عَنِ الْقَوْسِ أَيْ بِهَا قَوْلُهُ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ هُوَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ

[616] قَوْلُهُ حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ هِيَ جَمْعُ تَلٍّ وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَالْفَيْءُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَأَمَّا الظِّلُّ فَيُطْلَقُ عَلَى مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ هَذَا قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ ومعنى قوله رأينا فيء التلول أنه أخر تَأْخِيرًا كَثِيرًا حَتَّى صَارَ لِلتُّلُولِ فَيْءٌ وَالتُّلُولُ مُنْبَطِحَةٌ غَيْرُ مُنْتَصِبَةٍ وَلَا يَصِيرُ لَهَا فَيْءٌ فِي الْعَادَةِ إِلَّا بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ بِكَثِيرٍ قوله ص أَبْرِدُوا عَنِ الْحَرِّ فِي الصَّلَاةِ أَيْ أَخِّرُوهَا

باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة

إِلَى الْبَرْدِ وَاطْلُبُوا الْبَرْدَ لَهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ بَرْدٍ أَوْ زَمْهَرِيرَ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ وَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ حَرٍّ أَوْ حَرُورٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ قَالَ الْعُلَمَاءُ الزَّمْهَرِيرُ شِدَّةُ الْبَرْدِ وَالْحَرُورُ شِدَّةُ الْحَرِّ قَالُوا وَقَوْلُهُ أَوْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شَكًّا مِنَ الرَّاوِي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّقْسِيمِ [617] قوله ص اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ قَالَ الْقَاضِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَاشْتَكَتْ حَقِيقَةً وَشِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ وَهَجِهَا وَفَيْحِهَا وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا إِدْرَاكًا وَتَمْيِيزًا بِحَيْثُ تَكَلَّمَتْ بِهَذَا وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ النَّارَ مَخْلُوقَةٌ قَالَ وَقِيلَ لَيْسَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ هُوَ عَلَى وَجْهِ التَّشْبِيهِ وَالِاسْتِعَارَةِ وَالتَّقْرِيبِ وَتَقْدِيرُهُ أَنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ يُشْبِهُ نَارَ جَهَنَّمَ فَاحْذَرُوهُ وَاجْتَنِبُوا حَرُورَهُ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ قُلْتُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِبْرَادَ إِنَّمَا يُشْرَعُ فِي الظُّهْرِ وَلَا يُشْرَعُ فِي الْعَصْرِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَّا أَشْهَبَ الْمَالِكِيَّ وَلَا يُشْرَعُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُشْرَعُ فيها والله أعلم (باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر) [618] قَوْلُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا دَحَضَتِ الشَّمْسُ هُوَ بفتح الدال

(باب استحباب التبكير بالعصر)

وَالْحَاءِ أَيْ إِذَا زَالَتْ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِهَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ قَوْلُهُ حَرُّ الرَّمْضَاءِ أَيِ الرَّمَلُ الَّذِي اشْتَدَّتْ حَرَارَتُهُ قَوْلُهُ فَلَمْ يُشْكِنَا أَيْ لَمْ يُزِلْ شَكْوَانَا وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي حَدِيثِ خَبَّابٍ فِي الْبَابِ السَّابِقِ [620] قَوْلُهُ فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنَ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ أَجَازَ السُّجُودَ عَلَى طَرَفِ ثَوْبِهِ الْمُتَّصِلِ بِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ الشَّافِعِيُّ وَتَأَوَّلَ هَذَا الْحَدِيثَ وَشَبَهَهُ عَلَى السُّجُودِ عَلَى ثَوْبٍ مُنْفَصِلٍ (باب اسْتِحْبَابِ التَّبْكِيرِ بِالْعَصْرِ) [621] قَوْلُهُ كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْعَوَالِي فَيَأْتِي الْعَوَالِيَ وَالشَّمْسُ

مُرْتَفِعَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى قُبَاءَ فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَيَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ الْعَصْرَ أَمَّا الْعَوَالِي فَهِيَ الْقُرَى الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ أَبْعَدُهَا عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَقْرَبُهَا مِيلَانِ وَبَعْضُهَا ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَبِهِ فَسَّرَهَا مَالِكٌ وَأَمَّا قُبَاءُ فَتُمَدُّ وَتُقْصَرُ وَتُصْرَفُ وَلَا تُصْرَفُ وَتُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ وَالْأَفْصَحُ فِيهِ الصَّرْفُ وَالتَّذْكِيرُ وَالْمَدُّ وَهُوَ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ قَوْلُهُ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ حَيَاتُهَا صَفَاءُ لَوْنِهَا قَبْلَ أَنْ تَصْفَرَّ أَوْ تَتَغَيَّرَ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ وَقَالَ هُوَ أَيْضًا وَغَيْرُهُ حَيَاتُهَا وُجُودُ حَرِّهَا وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَمَا بَعْدَهَا الْمُبَادَرَةُ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ أَوَّلَ وَقْتِهَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَذْهَبَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِيلَيْنِ وَثَلَاثَةً وَالشَّمْسُ بَعْدُ لَمْ تَتَغَيَّرْ بِصُفْرَةٍ وَنَحْوِهَا إِلَّا إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ وَلَا يَكَادُ يَحْصُلُ هَذَا إِلَّا فِي الْأَيَّامِ الطَّوِيلَةِ وَقَوْلُهُ كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَيَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ الْعَصْرَ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَنَازِلُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَلَى مِيلَيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْجِيلِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ صَلَاةُ بَنِي عَمْرٍو فِي وَسَطِ الْوَقْتِ وَلَوْلَا هَذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ وَلَعَلَّ تَأْخِيرَ بَنِي عَمْرٍو لِكَوْنِهِمْ كَانُوا أَهْلَ أَعْمَالٍ فِي حُرُوثِهِمْ وزروعهم وحوايطهم فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ أَعْمَالِهِمْ تَأَهَّبُوا لِلصَّلَاةِ بِالطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا ثُمَّ اجْتَمَعُوا لَهَا فَتَتَأَخَّرُ صَلَاتُهُمْ إِلَى وَسَطِ الْوَقْتِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَمَا بَعْدَهَا دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ

وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ يَدْخُلُ إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَدْخُلُ حَتَّى يَصِيرُ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ حُجَّةٌ لِلْجَمَاعَةِ عليه مع حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بَيَانِ الْمَوَاقِيتِ وَحَدِيثِ جَابِرٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ [622] قَوْلُهُ عَنِ الْعَلَاءِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي دَارِهِ حِينَ انْصَرَفَ مِنَ الظُّهْرِ وَدَارُهُ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ قَالَ أَصَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ فَقُلْنَا لَهُ إِنَّمَا انْصَرَفْنَا السَّاعَةَ مِنَ الظُّهْرِ قَالَ فَصَلُّوا الْعَصْرَ فَقُمْنَا فَصَلَّيْنَا الْعَصْرَ فَلَمَّا انْصَرَفْنَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا [623] وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّيْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الظُّهْرَ ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَى أَنَسٍ فَوَجَدْنَاهُ

يُصَلِّي الْعَصْرَ فَقُلْتُ يَا عَمُّ مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّيْتَ قَالَ الْعَصْرُ وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كُنَّا نُصَلِّي مَعَهُ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ صَرِيحَانِ فِي التَّبْكِيرِ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَأَنَّ وَقْتَهَا يَدْخُلُ بِمَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ وَلِهَذَا كَانَ الْآخَرُونَ يُؤَخِّرُونَ الظُّهْرَ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى عَادَةِ الْأُمَرَاءِ قَبْلَهُ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَهُ السُّنَّةُ فِي تَقْدِيمِهَا فَلَمَّا بَلَغَتْهُ صَارَ إِلَى التَّقْدِيمِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَخَّرَهَا لِشُغْلٍ وَعُذْرٍ عَرَضَ لَهُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ وَهَذَا كَانَ حِينَ وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَدِينَةَ نِيَابَةً لَا فِي خِلَافَتِهِ لِأَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تُوُفِّيَ قَبْلَ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِنَحْوِ تِسْعِ سِنِينَ [622] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِذَمِّ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ بِلَا عُذْرٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَظَاهِرِ لَفْظِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُحَاذِيهَا بِقَرْنَيْهِ عِنْدَ غُرُوبِهَا وَكَذَا عِنْدَ طُلُوعِهَا لِأَنَّ الْكُفَّارَ يَسْجُدُونَ لَهَا حِينَئِذٍ فَيُقَارِنُهَا لِيَكُونَ السَّاجِدُونَ لَهَا فِي صُورَةِ السَّاجِدِينَ لَهُ وَيُخَيِّلُ لِنَفْسِهِ وَلِأَعْوَانِهِ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَسْجُدُونَ لَهُ وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْمَجَازِ وَالْمُرَادُ بِقَرْنِهِ وَقَرْنَيْهِ عُلُوُّهُ وَارْتِفَاعُهُ وَسُلْطَانُهُ وَتَسَلُّطُهُ وَغَلَبَتُهُ وَأَعْوَانُهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ تَمْثِيلٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّ تَأْخِيرَهَا بِتَزْيِينِ الشَّيْطَانِ وَمُدَافَعَتِهِ لَهُمْ عَنْ تَعْجِيلِهَا كَمُدَافَعَةِ ذَوَاتِ الْقُرُونِ لِمَا تَدْفَعُهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا تَصْرِيحٌ بِذَمِّ مَنْ صَلَّى مُسْرِعًا بِحَيْثُ لَا يُكْمِلُ الْخُشُوعَ وَالطُّمَأْنِينَةَ وَالْأَذْكَارَ وَالْمُرَادُ بِالنَّقْرِ سُرْعَةُ الْحَرَكَاتِ كَنَقْرِ الطَّائِرِ [624] قَوْلُهُ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ

(باب التغليظ في تفويت صلاة العصر)

فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَنْحَرَ جَزُورًا لَنَا وَنَحْنُ نُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَهَا قَالَ نَعَمْ فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْنَا مَعَهُ فَوَجَدْنَا الْجَزُورَ لَمْ تُنْحَرْ فَنُحِرَتْ ثُمَّ قُطِعَتْ ثُمَّ طُبِخَ مِنْهَا ثُمَّ أَكَلْنَا مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ هَذَا تَصْرِيحٌ بِالْمُبَالَغَةِ فِي التَّبْكِيرِ بِالْعَصْرِ وَفِيهِ إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَأَنَّ الدَّعْوَةَ لِلطَّعَامِ مُسْتَحَبَّةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ سَوَاءٌ أَوَّلُ النَّهَارِ وَآخِرُهُ وَالْجَزُورُ بِفَتْحِ الْجِيمِ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْإِبِلِ وَبَنُو سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي النَّجَاشِيِّ هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَاسْمُهُ عَطَاءُ بْنُ صُهَيْبٍ مَوْلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (باب التَّغْلِيظِ فِي تَفْوِيتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ) [626] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ رُوِيَ بِنَصْبِ اللَّامَيْنِ

وَرَفْعِهِمَا وَالنَّصْبُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَمَنْ رَفَعَ فَعَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَمَعْنَاهُ انْتُزِعَ مِنْهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَهَذَا تَفْسِيرُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ النَّصْبِ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ نُقِصَ هُوَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَسُلِبَهُ فَبَقِيَ بِلَا أَهْلٍ وَلَا مَالٍ فَلْيَحْذَرْ مِنْ تَفْوِيتِهَا كَحَذَرِهِ مِنْ ذَهَابِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفِقْهِ أَنَّهُ كَالَّذِي يُصَابُ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ إِصَابَةً يَطْلُبُ بِهَا وَتْرًا وَالْوَتْرُ الْجِنَايَةُ الَّتِي يَطْلُبُ ثَأْرَهَا فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ غَمَّانِ غَمُّ الْمُصِيبَةِ وَغَمُّ مُقَاسَاةِ طَلَبِ الثَّأْرِ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ مَعْنَاهُ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الِاسْتِرْجَاعِ مَا يَتَوَجَّهُ عَلَى مَنْ فَقَدَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ النَّدَمُ وَالْأَسَفُ لِتَفْوِيتِهِ الصَّلَاةَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ فَاتَهُ مِنَ الثَّوَابِ مَا يَلْحَقهُ مِنَ الْأَسَفِ عَلَيْهِ كَمَا يَلْحَقُ مَنْ ذَهَبَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِفَوَاتِ الْعَصْرِ فِي هَذَا الحديث فقال بن وَهْبٍ وَغَيْرُهُ هُوَ فِيمَنْ لَمْ يُصَلِّهَا فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ وَقَالَ سَحْنُونُ وَالْأَصِيلِيُّ هُوَ أَنْ تَفُوتَهُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَقِيلَ هُوَ تَفْوِيتُهَا إِلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَقَدْ وَرَدَ مُفَسَّرًا مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فِيهِ وَفَوَاتُهَا أَنْ يَدْخُلَ الشَّمْسَ صُفْرَةٌ وَرُوِيَ عَنْ سَالِمٍ أَنَّهُ قَالَ هَذَا فِيمَنْ فَاتَتْهُ نَاسِيًا وَعَلَى قَوْلِ الدَّاوُدِيِّ هُوَ فِي الْعَامِدِ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ حَبَطَ عَمَلُهُ وَهَذَا إنما يكون في العامد قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْحَقَ بِالْعَصْرِ بَاقِي الصَّلَوَاتِ وَيَكُونُ نَبَّهَ بِالْعَصْرِ عَلَى غَيْرِهَا وَإِنَّمَا خَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا تَأْتِي وَقْتَ تَعَبِ النَّاسِ مِنْ مُقَاسَاةِ أَعْمَالِهِمْ وَحِرْصِهِمْ عَلَى قَضَاءِ أَشْغَالِهِمْ وَتَسْوِيفِهِمْ بِهَا إِلَى انْقِضَاءِ وَظَائِفِهِمْ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ فِي الْعَصْرِ وَلَمْ تَتَحَقَّقِ الْعِلَّةُ فِي هَذَا الْحُكْمِ فَلَا يُلْحَقُ بِهَا غَيْرُهَا بِالشَّكِّ وَالتَّوَهُّمِ وَإِنَّمَا يُلْحَقُ غَيْرُ الْمَنْصُوصِ بِالْمَنْصُوصِ إِذَا عَرَفْنَا الْعِلَّةَ وَاشْتَرَكَا فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ قَالَ عَمْرٌو يَبْلُغُ بِهِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَفَعَهُ هُمَا بِمَعْنًى لَكِنَّ عَادَةَ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى اللَّفْظِ وَإِنْ اتَّفَقَ مَعْنَاهُ وَهِيَ عَادَةٌ جَمِيلَةٌ وَاللَّهُ أعلم

(باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر)

(باب الدَّلِيلِ لِمَنْ قَالَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةِ الْعَصْرِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ [628] وَفِي رِوَايَةٍ شَغَلُونَا

عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ وَفِي رِوَايَةِ بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ هِيَ الْعَصْرُ مِمَّنْ نُقِلَ هَذَا عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ أبي طالب وبن مسعود وأبو أيوب وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ والكلبي ومقاتل وأبو حنيفة وأحمد وداود وبن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ فِيهِ قَالَ وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى أَنَّهَا الصُّبْحُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي الْعَصْرِ وَمَذْهَبُهُ اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ هِيَ الصُّبْحُ مِمَّنْ نُقِلَ هَذَا عَنْهُ عُمَرُ بْنُ الخطاب ومعاذ بن جبل وبن عباس وبن عُمَرَ وَجَابِرٌ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَغَيْرُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ طَائِفَةٌ هِيَ الظُّهْرُ نَقَلُوهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي سَعِيدٍ

الْخُدْرِيِّ وَعَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ وَرِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ هِيَ الْمَغْرِبُ وَقَالَ غَيْرُهُ هِيَ الْعِشَاءُ وَقِيلَ إِحْدَى الْخَمْسِ مُبْهَمَةٌ وَقِيلَ الْوُسْطَى جَمِيعُ الْخَمْسِ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقِيلَ هِيَ الْجُمُعَةُ وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ قَوْلَانِ الْعَصْرُ وَالصُّبْحُ وَأَصَحُّهُمَا الْعَصْرُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَمَنْ قَالَ هِيَ الصُّبْحُ يَتَأَوَّلُ الْأَحَادِيثَ عَلَى أَنَّ الْعَصْرَ تُسَمَّى وَسَطًا وَيَقُولُ إِنَّهَا غَيْرُ الْوُسْطَى الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ وَمَنْ قَالَ إِنَّهَا الصُّبْحُ يَحْتَجُّ بِأَنَّهَا تَأْتِي فِي وَقْتِ مَشَقَّةٍ بِسَبَبِ بَرْدِ الشِّتَاءِ وَطِيبِ النَّوْمِ فِي الصَّيْفِ وَالنُّعَاسِ وَفُتُورِ الْأَعْضَاءِ وَغَفْلَةِ النَّاسِ فَخُصَّتْ بِالْمُحَافَظَةِ لِكَوْنِهَا مُعَرَّضَةً لِلضَّيَاعِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَمَنْ قَالَ هِيَ الْعَصْرُ يَقُولُ إِنَّهَا تَأْتِي في وَقْتَ اشْتِغَالِ النَّاسِ بِمَعَايِشِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَأَمَّا مَنْ قَالَ هِيَ الْجُمُعَةُ فَمَذْهَبٌ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنَ الْإِيصَاءِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلضَّيَاعِ وَهَذَا لَا يَلِيقُ بِالْجُمُعَةِ فَإِنَّ النَّاسَ يُحَافِظُونَ عَلَيْهَا فِي الْعَادَةِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّهَا تَأْتِي فِي الْأُسْبُوعِ مَرَّةً بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَمَنْ قَالَ هِيَ جَمِيعُ الْخَمْسِ فَضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ لِأَنَّ الْعَرَبُ لَا تَذْكُرُ الشَّيْءَ مُفَصَّلًا ثُمَّ تُجْمِلُهُ وَإِنَّمَا تَذْكُرُهُ مُجْمَلًا ثُمَّ تُفَصِّلُهُ أَوْ تُفَصِّلُ بَعْضَهُ تَنْبِيهًا عَلَى فضيلته والله أعلم قَوْلُهُ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَلِيٍّ هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَهُوَ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ يَوْمُ الْأَحْزَابِ هِيَ الْغَزْوَةُ الْمَشْهُورَةُ يُقَالُ لَهَا الْأَحْزَابُ وَالْخَنْدَقُ وَكَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى آبَتِ الشَّمْسُ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَأُصُولِ السَّمَاعِ صَلَاةُ الْوُسْطَى وَهُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ وَفِيهِ الْمَذْهَبَانِ الْمَعْرُوفَانِ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ جَوَازُ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ وَمَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ مَنَعَهُ وَيُقَدِّرُونَ فِيهِ مَحْذُوفًا وَتَقْدِيرُهُ هُنَا عَنْ صَلَاةِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى أَيْ عَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى آبَتِ الشَّمْسُ قَالَ الْحَرْبِيُّ مَعْنَاهُ رَجَعَتِ إِلَى مَكَانِهَا بِاللَّيْلِ أَيْ غَرَبَتْ مِنْ قَوْلِهِمْ آبَ إِذَا رَجَعَ وَقَالَ غَيْرُهُ مَعْنَاهُ سَارَتْ لِلْغُرُوبِ وَالتَّأْوِيبُ سَيْرُ النَّهَارِ قَوْلُهُ يَحْيَى بْنُ الْجَزَّارِ هُوَ بِالْجِيمِ والزاي

وَآخِرُهُ رَاءٌ وَفِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ يَحْيَى بْنُ الْجَزَّارِ عَنْ عَلِيٍّ وَفِي الثَّانِي عَنْ يَحْيَى سَمِعَ عَلِيًّا أَعَادَهُ مُسْلِمٌ لِلِاخْتِلَافِ فِي عَنْ وسمع قَوْلُهُ فُرْضَةٌ مِنْ فُرَضِ الْخَنْدَقِ الْفُرْضَةُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الْمَدْخَلُ مِنْ مَدَاخِلِهِ وَالْمَنْفَذُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ بِضَمِّ الصَّادِ وَهُوَ أَبُو الضُّحَى قَوْلُهُ عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ شُتَيْرٌ بِضَمِّ الشِّينِ وَشَكَلٌ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْكَافِ وَيُقَالُ بِإِسْكَانِ الْكَافِ أَيْضًا قَوْلُهُ ثُمَّ صَلَّاهَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِيهِ بَيَانُ صِحَّةِ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْعِشَاءَيْنِ عَلَى الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَقَدْ أَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ الْمَغْرِبَ لَا يُسَمَّى عِشَاءً وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ التَّثْنِيَةَ هُنَا لِلتَّغْلِيبِ كَالْأَبَوَيْنِ وَالْقَمَرَيْنِ والعمرين ونظائرها وَأَمَّا تَأْخِيرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعَصْرِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَكَانَ قَبْلَ نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ الْعُلَمَاءُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَخَّرَهَا نِسْيَانًا لَا عَمْدًا وَكَانَ السَّبَبُ فِي النِّسْيَانِ الِاشْتِغَالُ بِأَمْرِ الْعَدُوِّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَخَّرَهَا عَمْدًا لِلِاشْتِغَالِ بِالْعَدُوِّ وَكَانَ هَذَا عُذْرًا فِي تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ قَبْلَ نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا بِسَبَبِ الْعَدُوِّ وَالْقِتَالِ بَلْ يُصَلِّي صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى حَسَبِ الْحَالِ وَلَهَا أَنْوَاعٌ مَعْرُوفَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَسَنُشِيرُ إِلَى مَقَاصِدِهَا فِي بَابِهَا مِنْ هَذَا الشَّرْحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُنَا وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ الصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ كَانَتْ صَلَاةَ الْعَصْرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَفُتْ غَيْرُهَا وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهَا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَفِي غَيْرِهِ أَنَّهُ أَخَّرَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ حَتَّى ذَهَبَ هَوِيٌ مِنَ اللَّيْلِ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ وَقْعَةَ الْخَنْدَقِ بَقِيَتْ أَيَّامًا فَكَانَ هَذَا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَهَذَا فِي بَعْضِهَا [629] قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فَأَمْلَتْ عَلَيَّ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ وَصَلَاةُ الْعَصْرِ بِالْوَاوِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الْوُسْطَى لَيْسَتِ الْعَصْرَ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ لَكِنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْقِرَاءَةَ

الشَّاذَّةَ لَا يُحْتَجُّ بِهَا وَلَا يَكُونُ لَهَا حُكْمُ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ نَاقِلَهَا لَمْ يَنْقُلْهَا إِلَّا عَلَى أَنَّهَا قُرْآنٌ وَالْقُرْآنُ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالتَّوَاتُرِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ قُرْآنًا لَا يثبت خبرا والمسئلة مُقَرَّرَةٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفِيهَا خِلَافٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى [631] قَوْلُهُ إِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أَنْ أَصَلِّيَ الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتْ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَاللَّهِ إِنْ صَلَّيْتُهَا مَعْنَاهُ مَا صَلَّيْتُهَا وَإِنَّمَا حَلَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطْيِيبًا لِقَلْبِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ شَقَّ عَلَيْهِ تَأْخِيرُ الْعَصْرِ إِلَى قَرِيبٍ مِنَ الْمَغْرِبِ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا بَعْدُ لِيَكُونَ لِعُمَرَ بِهِ أُسْوَةٌ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ مَا جَرَى وَتَطِيبُ نَفْسُهُ وَأَكَّدَ ذَلِكَ الْخَبَرَ بِالْيَمِينِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ

إِذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ مِنْ تَوْكِيدِ الْأَمْرِ أَوْ زِيَادَةِ طُمَأْنِينَةٍ أَوْ نَفْيِ تَوَهُّمِ نِسْيَانٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ السَّائِغَةِ وَقَدْ كثرت في الْأَحَادِيثُ وَهَكَذَا الْقَسَمُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ تعالى والذاريات والطور والمرسلات والسماء والطارق والشمس وضحاها والليل اذا يغشى وَالضُّحَى وَالتِّينِ وَالْعَادِيَاتِ وَالْعَصْرِ وَنَظَائِرِهَا كُلُّ ذَلِكَ لِتَفْخِيمِ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ وَتَوْكِيدِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَنَزَلْنَا إِلَى بُطْحَانَ هُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ هَكَذَا هُوَ عِنْدَ جَمِيعِ الْمُحَدِّثِينَ فِي رِوَايَاتِهِمْ وَفِي ضَبْطِهِمْ وَتَقْيِيدِهِمْ وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الطَّاءِ وَلَمْ يُجِيزُوا غَيْرَ هَذَا وَكَذَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَارِعِ وَأَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ وَهُوَ وَادٍ بِالْمَدِينَةِ قَوْلُهُ فَنَزَلْنَا إِلَى بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَضَّأْنَا فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا فِي جَمَاعَةٍ فَيَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ الْفَائِتَةِ جَمَاعَةً وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ مَنَعَ ذَلِكَ وَهَذَا إِنْ صَحَّ عَنِ اللَّيْثِ مَرْدُودٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى الصُّبْحَ بِأَصْحَابِهِ جَمَاعَةً حِينَ نَامُوا عَنْهَا كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا بِقَلِيلٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ وَذَكَرَهَا فِي وَقْتِ أُخْرَى يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِقَضَاءِ الْفَائِتَةِ ثُمَّ يُصَلِّي الْحَاضِرَةَ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَلَوْ صَلَّى الْحَاضِرَةَ ثُمَّ الْفَائِتَةَ جَازَ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَآخَرِينَ عَلَى الْإِيجَابِ فَلَوْ قَدَّمَ الْحَاضِرَةَ لَمْ يَصِحَّ وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ مُتَّسِعٌ إِلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ لِأَنَّهُ قَدَّمَ الْعَصْرَ عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَ ضَيِّقًا لَبَدَأَ بِالْمَغْرِبِ لِئَلَّا يَفُوتَ وَقْتُهَا أَيْضًا وَلَكِنْ لَا دَلَالَةَ فِيهِ لهذا

(باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما)

الْقَائِلِ لِأَنَّ هَذَا كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِزَمَنٍ بِحَيْثُ خَرَجَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ ضَيِّقٌ فَلَا يَكُونُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِهَذَا وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَارُ أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ يَمْتَدُّ إِلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ كَمَا سَبَقَ إِيضَاحُهُ بِدَلَائِلِهِ وَالْجَوَابُ عَنْ مُعَارِضِهَا (باب فَضْلِ صَلَاتَيْ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِمَا) [632] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ مِنَ النَّحْوِيِّينَ يَجُوزُ إِظْهَارُ ضَمِيرِ الْجَمْعِ وَالتَّثْنِيَةِ فِي الْفِعْلِ إِذَا تَقَدَّمَ وَهُوَ لُغَةُ بَنِي الْحَارِثِ وَحَكَوْا فِيهِ قَوْلَهُمْ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْأَخْفَشُ وَمَنْ وَافَقَهُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسَرُّوا النجوى الذين ظلموا وَقَالَ سِيبَوَيْهِ وَأَكْثَرُ النَّحْوِيِّينَ لَا يَجُوزُ إِظْهَارُ الضَّمِيرِ مَعَ تَقَدُّمِ الْفِعْلِ وَيَتَأَوَّلُونَ كُلَّ هَذَا وَيَجْعَلُونَ الِاسْمَ بَعْدَهُ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ وَلَا يَرْفَعُونَهُ بِالْفِعْلِ كَأَنَّهُ لَمَّا قِيلَ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى قيل من هم قيل الذين ظلموا وَكَذَا يَتَعَاقَبُونَ وَنَظَائِرُهُ وَمَعْنَى يَتَعَاقَبُونَ تَأْتِي طَائِفَةٌ بَعْدَ طَائِفَةٍ وَمِنْهُ تَعَقُّبُ الْجُيُوشِ وَهُوَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى ثَغْرِ قَوْمٍ وَيَجِيءَ آخَرُونَ وَأَمَّا اجْتِمَاعُهُمْ فِي الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ فَهُوَ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَكْرِمَةٌ لَهُمْ أَنْ جَعَلَ اجْتِمَاعَ الْمَلَائِكَةِ عِنْدَهُمْ وَمُفَارَقَتُهُمْ لَهُمْ فِي أَوْقَاتِ عِبَادَاتِهِمْ وَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِمْ فَيَكُونُ شَهَادَتُهُمْ لَهُمْ بِمَا شَاهَدُوهُ مِنَ الْخَيْرِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَهَذَا السُّؤَالُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ تَعَبُّدٌ مِنْهُ لِمَلَائِكَتِهِ كَمَا أَمَرَهُمْ بِكَتْبِ الْأَعْمَالِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْجَمِيعِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَظْهَرُ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةَ هُمُ الْحَفَظَةُ الْكُتَّابُ قال

وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا مِنْ جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ بِجُمْلَةِ النَّاسِ غَيْرِ الْحَفَظَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ وَضَبْطُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَمَعْنَاهُ لَا يَلْحَقُكُمْ ضَيْمٌ فِي الرُّؤْيَةِ [633] وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا إِنَّكُمْ سَتُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّكُمْ فَتَرَوْنَهُ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ أَيْ تَرَوْنَهُ رُؤْيَةً مُحَقَّقَةً لَا شَكَّ فِيهَا وَلَا مَشَقَّةَ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ رُؤْيَةً مُحَقَّقَةً بِلَا مَشَقَّةٍ فَهُوَ تَشْبِيهٌ لِلرُّؤْيَةِ بِالرُّؤْيَةِ لَا الْمَرْئِيِّ بِالْمَرْئِيِّ وَالرُّؤْيَةُ مُخْتَصَّةٌ بِالْمُؤْمِنِينَ وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَلَا يرونه سبحانه وتعالى وقيل يراه منافقوا هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَرَوْنَهُ كَمَا لَا يَرَاهُ بَاقِي الْكُفَّارِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الايمان قوله

(باب بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس)

[635] حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ هُوَ بِالْجِيمِ (باب بَيَانِ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ) [636] قوله كان نصلي الْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ اللَّفْظَانِ بِمَعْنًى وَأَحَدُهُمَا تَفْسِيرٌ

(باب وقت العشاء وتأخيرها)

لِلْآخَرِ [637] قَوْلُهُ كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُبَكِّرُ بِهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بِمُجَرَّدِ غُرُوبِ الشَّمْسِ حَتَّى نَنْصَرِفَ وَيَرْمِي أَحَدُنَا النَّبْلَ عَنْ قَوْسِهِ ويبصر موقعه لِبَقَاءِ الضَّوْءِ وَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ الْمَغْرِبَ تُعَجَّلُ عَقِبَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الشِّيعَةِ فِيهِ شَيْءٌ لَا الْتِفَاتَ إِلَيْهِ وَلَا أَصْلَ لَهُ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ فِي تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ إِلَى قَرِيبِ سُقُوطِ الشَّفَقِ فَكَانَتْ لِبَيَانِ جَوَازِ التَّأْخِيرِ كَمَا سَبَقَ إِيضَاحُهُ فَإِنَّهَا كَانَتْ جَوَابَ سَائِلٍ عَنِ الْوَقْتِ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ إِخْبَارٌ عَنْ عَادَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَكَرِّرَةِ الَّتِي وَاظَبَ عَلَيْهَا إِلَّا لِعُذْرٍ فَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب وَقْتِ الْعِشَاءِ وَتَأْخِيرِهَا) ذَكَرَ فِي الْبَابِ تَأْخِيرَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلِ الْأَفْضَلُ تَقْدِيمُهَا أَمْ تَأْخِيرُهَا وَهُمَا مَذْهَبَانِ مَشْهُورَانِ لِلسَّلَفِ وَقَوْلَانِ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فَمَنْ فَضَّلَ التَّأْخِيرَ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَمَنْ فَضَّلَ التَّقْدِيمَ احْتَجَّ بِأَنَّ الْعَادَةَ الْغَالِبَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقْدِيمُهَا وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا فِي أَوْقَاتٍ يَسِيرَةٍ لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ لِشُغْلٍ أَوْ لِعُذْرٍ وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْإِشَارَةُ إِلَى هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ [638] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَمْرُو

بْنُ سَوَّادٍ هُوَ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَقَوْلُهُ أَعْتَمَ بِالصَّلَاةِ أَيْ أَخَّرَهَا حَتَّى اشْتَدَّتْ عَتَمَةُ اللَّيْلِ وَهِيَ ظُلْمَتُهُ قَوْلُهُ نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ أَيْ مَنْ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ مِنْهُمْ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا تَأَخَّرَ عَنِ الصَّلَاةِ نَاسِيًا لَهَا أَوْ لِوَقْتِهَا قَوْلُهُ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تَنْزُرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّلَاةِ هُوَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فوق مفتوحة ثم نون ساكنة ثم زاء مَضْمُومَةٍ ثُمَّ رَاءٍ أَيْ تُلِحُّوا عَلَيْهِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَنَّهُ ضَبَطَهُ تُبْرِزُوا بِضَمِّ التَّاءِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ رَاءٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ زَايٌ مِنَ الْإِبْرَازِ وَهُوَ الْإِخْرَاجُ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى هِيَ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ الَّتِي عَلَيْهَا الْجُمْهُورُ وَاعْلَمْ أَنَّ التَّأْخِيرَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا بَعْدَهُ كُلُّهُ تَأْخِيرٌ لَمْ يَخْرُجْ بِهِ عَنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ

وَهُوَ نِصْفُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثُ اللَّيْلِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ الَّذِي قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِي أَوَّلِ الْمَوَاقِيتِ وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ أَيْ كَثِيرٌ مِنْهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَكْثَرُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَوَقْتِهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْقَوْلِ مَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ تَأْخِيرَهَا إِلَى مَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَعْنَاهُ إِنَّهُ لَوَقْتُهَا الْمُخْتَارُ أَوِ الْأَفْضَلُ فَفِيهِ تَفْضِيلُ تَأْخِيرِهَا وَأَنَّ الْغَالِبَ كَانَ تَقْدِيمُهَا وَإِنَّمَا قَدَّمَهَا لِلْمَشَقَّةِ فِي تَأْخِيرِهَا وَمَنْ قَالَ بِتَفْضِيلِ التَّقْدِيمِ قَالَ لَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ أَفْضَلَ لَوَاظَبَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَمَنْ قَالَ بِالتَّأْخِيرِ قَالَ قَدْ نَبَّهَ عَلَى تَفْضِيلِ التَّأْخِيرِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَصَرَّحَ بِأَنَّ تَرْكَ التَّأْخِيرِ إِنَّمَا هُوَ لِلْمَشَقَّةِ وَمَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُوَاظِبُوا عَلَيْهِ فَيُفْرَضُ عَلَيْهِمْ وَيَتَوَهَّمُوا إِيجَابَهُ فَلِهَذَا تَرَكَهُ كَمَا تَرَكَ صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ وَعَلَّلَ تَرْكَهَا بِخَشْيَةِ افْتِرَاضِهَا وَالْعَجْزِ عَنْهَا وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا لِزَوَالِ الْعِلَّةِ الَّتِي خِيفَ مِنْهَا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْعِشَاءِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ إِنَّمَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا لِتَطُولَ مُدَّةُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ وَمُنْتَظِرُ الصَّلَاةِ فِي صَلَاةٍ [639] قَوْلُهُ الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ وَصْفِهَا بِالْآخِرَةِ وَأَنَّهُ لا كراهة

فِيهِ خِلَافًا لِمَا حُكِيَ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ مِنْ كَرَاهَةِ هَذَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ فَقَالَ حِينَ خَرَجَ إِنَّكُمْ لَتَنْتَظِرُونَ صَلَاةً مَا يَنْتَظِرُهَا أَهْلُ دِينٍ غَيْرُكُمْ فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ وَالْعَالِمِ إِذَا تَأَخَّرَ عَنِ أَصْحَابِهِ أَوْ جَرَى مِنْهُ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْتَذِرَ إِلَيْهِمْ وَيَقُولُ لَكُمْ فِي هَذَا مَصْلَحَةٌ مِنْ جِهَةِ كَذَا أَوْ كَانَ لِي عُذْرٌ أَوْ نَحْوُ هَذَا قَوْلُهُ رَقَدْنَا فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ثُمَّ رَقَدْنَا ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا وفي رواية عائشة نام أهل المسجد محل هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى نَوْمٍ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَهُوَ نَوْمُ الْجَالِسِ مُمَكِّنًا مَقْعَدَهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَوْمَ مِثْلِ هَذَا لَا يَنْقُضُ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا وَقَدْ سَبَقَ إِيضَاحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ [640] قَوْلُهُ وَبِيصُ خَاتَمِهِ أَيْ بَرِيقُهُ وَلَمَعَانُهُ وَالْخَاتَمُ بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا وَيُقَالُ خَاتَامُ وَخَيْتَامُ أَرْبَعُ لُغَاتٍ وَفِيهِ جَوَازُ لُبْسِ خَاتَمِ الفضة وهو

إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ قَالَ أَنَسٌ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ مِنْ فِضَّةٍ وَرَفَعَ إِصْبَعَهُ الْيُسْرَى بِالْخِنْصَرِ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ بِالْخِنْصَرِ وَفِيهِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مُشِيرًا بِالْخِنْصَرِ أَيْ أَنَّ الْخَاتَمَ كَانَ فِي خِنْصَرِ الْيَدِ الْيُسْرَى وَهَذَا الَّذِي رَفَعَ إِصْبَعَهُ هُوَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي الْإِصْبَعِ عَشْرُ لُغَاتٍ كَسْرُ الْهَمْزَةِ وَفَتْحُهَا وَضَمُّهَا مَعَ كَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا وَالْعَاشِرَةُ أُصْبُوعٌ وَأَفْصَحُهُنَّ كَسْرُ الْهَمْزَةِ مَعَ فَتْحِ الْبَاءِ قَوْلُهُ نَظَرْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً حَتَّى كَانَ قَرِيبٌ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ قَرِيبٌ وَفِي بَعْضِهَا قَرِيبًا وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَتَقْدِيرُ الْمَنْصُوبِ حَتَّى كَانَ الزَّمَانُ قَرِيبًا وَقَوْلُهُ نَظَرْنَا أَيِ انْتَظَرْنَا يُقَالُ نَظَرْتُهُ وَانْتَظَرْتُهُ بِمَعْنًى [641] قَوْلُهُ بَقِيعُ بُطْحَانَ تَقَدَّمَ الِاخْتِلَافُ فِي ضَبْطِ بُطْحَانَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْوُسْطَى وَبَقِيعٌ بِالْبَاءِ قَوْلُهُ ابهار الليل

هُوَ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيِ انْتَصَفَ قَوْلُهُ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ لِمَنْ حَضَرَهُ عَلَى رِسْلِكُمْ أُعْلِمُكُمْ وَأَبْشِرُوا أَنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَنَّهُ لَيْسَ إِلَى آخِرِهِ فَقَوْلُهُ رِسْلِكُمْ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ الْكَسْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ أَيْ تَأَنُّوا وَقَوْلُهُ إِنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ أُعْلِمُكُمْ وَقَوْلُهُ إِنَّهُ لَيْسَ بِفَتْحِهَا أَيْضًا وَفِيهِ جَوَازُ الْحَدِيثِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِذَا كَانَ فِي خَيْرٍ وَإِنَّمَا نَهَى عَنِ الْكَلَامِ فِي غير الخير [642] قَوْلُهُ إِمَامًا وَخِلْوًا بِكَسْرِ الْخَاءِ أَيْ مُنْفَرِدًا قَوْلُهُ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً مَعْنَاهُ أَنَّهُ اغْتَسَلَ حينئذ قَوْلُهُ ثُمَّ وَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ عَلَى قَرْنِ الرَّأْسِ ثُمَّ صَبَّهَا هَكَذَا هُوَ فِي أُصُولِ رِوَايَاتِنَا قَالَ الْقَاضِي وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ قَلَبَهَا وَفِي الْبُخَارِيِّ ضَمَّهَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ وَقَوْلُهُ

وَلَا يُقَصِّرُ وَلَا يَبْطِشُ هَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ وَفِي بعضها ولا يعصر العين وَكُلُّهُ صَحِيحٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمُ الْعِشَاءِ

باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها

إِنَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ الْعِشَاءُ وَإِنَّهَا تُعْتِمُ بِحِلَابِ الْإِبِلِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَعْرَابَ يُسَمُّونَهَا الْعَتَمَةَ لِكَوْنِهِمْ يُعْتِمُونَ بِحِلَابِ الْإِبِلِ أَيْ يُؤَخِّرُونَهُ إِلَى شِدَّةِ الظَّلَامِ وَإِنَّمَا اسْمُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ الْعِشَاءُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ بَعْدِ صلاة العشاء فَيَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تُسَمُّوهَا الْعِشَاءَ وَقَدْ جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ تَسْمِيَتُهَا بِالْعَتَمَةِ كَحَدِيثِ لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصُّبْحِ وَالْعَتَمَةِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَغَيْرُ ذَلِكَ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اسْتُعْمِلَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْعَتَمَةِ لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ وَالثَّانِي يَحْتَمِلُ أَنَّهُ خُوطِبَ بِالْعَتَمَةِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْعِشَاءَ فَخُوطِبَ بِمَا يَعْرِفُهُ وَاسْتَعْمَلَ لَفْظَ الْعَتَمَةِ لِأَنَّهُ أَشْهَرُ عِنْدَ الْعَرَبِ وَإِنَّمَا كَانُوا يُطْلِقُونَ الْعِشَاءَ عَلَى الْمَغْرِبِ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ لَا يَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمُ الْمَغْرِبِ قَالَ وَتَقُولُ الْأَعْرَابُ الْعِشَاءُ فَلَوْ قَالَ لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصُّبْحِ وَالْعِشَاءِ لَتَوَهَّمُوا أَنَّ الْمُرَادَ الْمَغْرِبُ والله أعلم (باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها) وهو التغليس وبيان قدر القراءة فيها [645] قَوْلُهُ إِنَّ نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ صُورَتُهُ صُورَةُ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهِ وَتَقْدِيرِهِ فَقِيلَ تَقْدِيرُهُ نِسَاءُ الْأَنْفُسِ الْمُؤْمِنَاتِ وَقِيلَ نِسَاءُ الْجَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ وَقِيلَ إِنَّ نِسَاءَ هُنَا بِمَعْنَى الْفَاضِلَاتِ أَيْ فَاضِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ كَمَا يُقَالُ رِجَالُ القوم أي فضلاؤهم ومقدموهم قوله قَوْلُهُ مُتَلَفِّعَاتٌ هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَ الْفَاءِ أَيْ مُتَجَلِّلَاتٌ وَمُتَلَفِّفَاتٌ قَوْلُهُ بِمُرُوطِهِنَّ أَيْ بِأَكْسِيَتِهِنَّ واحدها

مِرْطٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ اسْتِحْبَابُ التَّبْكِيرِ بِالصُّبْحِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْإِسْفَارُ أَفْضَلُ وَفِيهَا جَوَازُ حُضُورِ النِّسَاءِ الْجَمَاعَةَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ إِذَا لَمْ يُخْشَ فِتْنَةٌ عَلَيْهِنَّ أَوْ بِهِنَّ قَوْلُهُ مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ هُوَ بَقَايَا ظَلَامِ اللَّيْلِ قَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَاهُ مَا يُعْرَفْنَ أنساءهن أَمْ رِجَالٌ وَقِيلَ مَا يُعْرَفُ أَعْيَانُهُنَّ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْمُتَلَفِّعَةَ

فِي النَّهَارِ أَيْضًا لَا يُعْرَفُ عَيْنُهَا فَلَا يَبْقَى فِي الْكَلَامِ فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَكَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ فَيَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ جَلِيسِهِ الَّذِي يَعْرِفُهُ فَيَعْرِفُهُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَكَانَ يَنْصَرِفُ حِينَ يَعْرِفُ بَعْضُنَا وَجْهَ بَعْضٍ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ أَيْ يُسَلِّمُ فِي أَوَّلِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْرِفَ بَعْضُنَا وَجْهَ مَنْ يَعْرِفُهُ مَعَ أَنَّهُ يَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ قِرَاءَةً مُرَتَّلَةً وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي شِدَّةِ التَّبْكِيرِ وَلَيْسَ فِي هَذَا مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ فِي النِّسَاءِ مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ لِأَنَّ هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ رُؤْيَةِ جَلِيسِهِ وَذَاكَ إِخْبَارٌ عَنْ رؤية النساء من بعد [646] قوله كان يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ هِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ نِصْفُ النَّهَارِ عَقِبَ الزَّوَالِ قِيلَ سُمِّيَتْ هَاجِرَةً مِنَ الْهَجْرِ وَهُوَ التَّرْكُ لِأَنَّ النَّاسَ يَتْرُكُونَ التَّصَرُّفَ حِينَئِذٍ بِشِدَّةِ الْحَرِّ وَيَقِيلُونَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْمُبَادَرَةِ بِالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ قَوْلُهُ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ أَيْ صَافِيةٌ خَالِصَةٌ لَمْ يَدْخُلْهَا بَعْدُ صُفْرَةٌ قَوْلُهُ وَالْمَغْرِبُ إِذَا وَجَبَتْ أَيْ غَابَتِ الشَّمْسُ وَالْوُجُوبُ السُّقُوطُ كَمَا سَبَقَ وَحَذَفَ ذِكْرَ الشَّمْسِ لِلْعِلْمِ بِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى حَتَّى تَوَارَتْ

بالحجاب قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَيَّارِ بْنِ سَلَامَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بَرْزَةَ هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ قَوْلُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَيَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَسَبَبُ كَرَاهَةِ النَّوْمِ قَبْلَهَا أَنَّهُ يُعَرِّضُهَا لِفَوَاتِ وَقْتِهَا بِاسْتِغْرَاقِ النَّوْمِ أَوْ لِفَوَاتِ وَقْتِهَا الْمُخْتَارُ وَالْأَفْضَلُ وَلِئَلَّا يَتَسَاهَلَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَيَنَامُوا عَنْ صَلَاتِهَا جَمَاعَةً وَسَبَبُ كَرَاهَةِ الْحَدِيثِ بَعْدَهَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى السَّهَرِ وَيُخَافُ مِنْهُ غَلَبَةُ النَّوْمِ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ أَوِ الذِّكْرِ فِيهِ أَوْ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي وَقْتِهَا الْجَائِزِ أَوْ فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ أَوِ الْأَفْضَلِ وَلِأَنَّ السَّهَرَ فِي اللَّيْلِ سَبَبٌ لِلْكَسَلِ فِي النَّهَارِ عَمَّا يَتَوَجَّهُ مِنْ حُقُوقِ الدِّينِ وَالطَّاعَاتِ وَمَصَالِحِ الدُّنْيَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْمَكْرُوهُ مِنَ الْحَدِيثِ بَعْدَ الْعِشَاءِ هُوَ مَا كَانَ فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَصْلَحَةَ فِيهَا أَمَّا مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَخَيْرٌ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَذَلِكَ كَمُدَارَسَةِ الْعِلْمِ وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ وَمُحَادَثَةِ الضَّيْفِ وَالْعَرُوسِ لِلتَّأْنِيسِ وَمُحَادَثَةِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ وَأَوْلَادَهُ لِلْمُلَاطَفَةِ وَالْحَاجَةِ وَمُحَادَثَةِ الْمُسَافِرِينَ بِحِفْظِ مَتَاعِهِمْ أَوْ أَنْفُسِهِمْ وَالْحَدِيثُ فِي الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ وَالشَّفَاعَةِ إِلَيْهِمْ فِي خَيْرٍ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْإِرْشَادِ إِلَى مَصْلَحَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَقَدْ جَاءَتْ أحَادِيثُ صَحِيحَةٌ بِبَعْضِهِ وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ وَالْبَاقِي مَشْهُورٌ ثُمَّ كَرَاهَةُ الْحَدِيثِ بَعْدَ العشاء المراد

(باب كراهة تأخير الصلاة عن وقتها المختار وما يفعله

بِهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ لَا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ الْحَدِيثِ بَعْدَهَا إِلَّا مَا كَانَ فِي خَيْرٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وأما النوم قبلها فكرهه عمر وابنه وبن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمْ مِنَ السَّلَفِ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُنَا رَضِيَ الله عنهم أجمعين ورخص فيه علي وبن مَسْعُودٍ وَالْكُوفِيُّونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يُرَخَّصُ فِيهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ من يوقظه وروى عن بن عمر مثله والله أعلم (باب كراهة تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ وَمَا يَفْعَلُهُ الْمَأْمُومُ) إِذَا أَخَّرَهَا الْإِمَامُ [648] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا قَالَ قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ صَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُ نَافِلَةً مَعْنَى يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ يُؤَخِّرُونَهَا فَيَجْعَلُونَهَا كَالْمَيِّتِ الَّذِي خَرَجَتْ رُوحُهُ وَالْمُرَادُ بِتَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا أَيْ عَنْ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ لَا عَنْ جَمِيعِ وَقْتِهَا فَإِنَّ الْمَنْقُولَ عَنِ الْأُمَرَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ إِنَّمَا هُوَ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ وَلَمْ يُؤَخِّرْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ جَمِيعِ وَقْتِهَا فَوَجَبَ حَمْلُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَلَى مَا هُوَ الْوَاقِعُ وَفِي هَذَا الحديث

الْحَثُّ عَلَى الصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَفِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا أَخَّرَهَا عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُنْفَرِدًا ثُمَّ يُصَلِّيهَا مَعَ الْإِمَامِ فَيَجْمَعُ فَضِيلَتَيْ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالْجَمَاعَةِ فَلَوْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَهَلِ الْأَفْضَلُ الِاقْتِصَارُ عَلَى فِعْلِهَا مُنْفَرِدًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَمِ الِاقْتِصَارُ عَلَى فِعْلِهَا جَمَاعَةً فِي آخِرِ الْوَقْتِ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ لِأَصْحَابِنَا واختلفوا في الراجح وقد أوضحته فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالْمُخْتَارُ اسْتِحْبَابُ الِانْتِظَارِ إِنْ لَمْ يَفْحُشِ التَّأْخِيرُ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى مُوَافَقَةِ الْأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ لِئَلَّا تَتَفَرَّقَ الْكَلِمَةُ وَتَقَعَ الْفِتْنَةُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِنَّ خَلِيلِي أَوْصَانِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ وَفِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي يُصَلِّيهَا مَرَّتَيْنِ تَكُونُ الْأُولَى فَرِيضَةً وَالثَّانِيَةُ نَفْلًا وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي مَذْهَبِنَا فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ الصَّحِيحُ أَنَّ الْفَرْضَ هِيَ الْأُولَى لِلْحَدِيثِ وَلِأَنَّ الْخِطَابَ سَقَطَ بِهَا وَالثَّانِي أَنَّ الْفَرْضَ أَكْمَلَهُمَا وَالثَّالِثُ كِلَاهُمَا فَرْضٌ وَالرَّابِعُ الْفَرْضُ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْإِبْهَامِ يَحْتَسِبُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَيَّتِهِمَا شَاءَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِعَادَةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ كَبَاقِي الصَّلَوَاتِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْلَقَ الْأَمْرَ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ صَلَاةٍ وَصَلَاةٍ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ الصُّبْحَ وَالْعَصْرَ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ نَفْلٌ وَلَا تَنَفُّلَ بَعْدَهُمَا وَوَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ الْمَغْرِبَ لِئَلَّا تَصِيرَ شَفْعًا وَهُوَ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ فِيهِ دَلِيلٌ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَقَدْ وَقَعَ هَذَا فِي زَمَنِ بَنِي أُمَيَّةَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ صَلَّيْتَ لِوَقْتِهَا كَانَتْ لَكَ نَافِلَةً وَإِلَّا كُنْتَ قَدْ أَحْرَزْتَ صَلَاتَكَ مَعْنَاهُ إِذَا عَلِمْتَ مِنْ حَالِهِمْ تَأْخِيرَهَا عَنْ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ فَصَلِّهَا لِأَوَّلِ وَقْتِهَا ثُمَّ إِنْ صَلُّوهَا لِوَقْتِهَا الْمُخْتَارِ فَصَلِّهَا أَيْضًا مَعَهُمْ وَتَكُونُ صَلَاتُكَ مَعَهُمْ نَافِلَةً وَإِلَّا كُنْتَ قَدْ أَحْرَزْتَ صَلَاتَكَ بِفِعْلِكَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَيْ حَصَّلْتَهَا وَصُنْتَهَا وَاحْتَطْتَ لها قوله

أَوْصَانِي خَلِيلِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ أَيْ مُقَطَّعَ الْأَطْرَافِ وَالْجَدْعُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْقَطْعُ وَالْمُجَدَّعُ أَرْدَأُ الْعَبِيدِ لِخِسَّتِهِ وَقِلَّةِ قِيمَتِهِ وَمَنْفَعَتِهِ وَنُفْرَةِ النَّاسِ مِنْهُ وَفِي هَذَا الْحَثُّ عَلَى طَاعَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةً فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ الْعَبْدُ إِمَامًا وَشَرْطُ الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا قُرَشِيًّا سَلِيمَ الْأَطْرَافِ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ وَغَيْرَهَا إِنَّمَا تُشْتَرَطُ فِيمَنْ تُعْقَدُ لَهُ الْإِمَامَةُ بِاخْتِيَارِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَأَمَّا مَنْ قَهَرَ النَّاسَ لِشَوْكَتِهِ وَقُوَّةِ بَأْسِهِ وَأَعْوَانِهِ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِمْ وَانْتَصَبَ إِمَامًا فَإِنَّ أَحْكَامَهُ تَنْفُذُ وَتَجِبُ طَاعَتُهُ وَتَحْرُمُ مُخَالَفَتُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا أَوْ فَاسِقًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا الْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَكُونُ إِمَامًا بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يُفَوِّضُ إِلَيْهِ الْإِمَامُ أَمْرًا مِنَ الْأُمُورِ أَوِ اسْتِيفَاءَ حَقٍّ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ أَدْرَكْتَ الْقَوْمَ وَقَدْ صَلَّوْا كُنْتَ قَدْ أَحْرَزْتَ صَلَاتَكَ وَإِلَّا كَانَتْ لَكَ نَافِلَةً وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا ثُمَّ اذْهَبْ لِحَاجَتِكَ فَإِنْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَأَنْتَ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلِّ مَعْنَاهُ صَلِّ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَتَصَرَّفْ فِي شُغْلِكَ فَإِنْ صَادَفْتَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ صَلَّوْا أَجْزَأَتْكَ صَلَاتُكَ وَإِنْ ادْرَكْتَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ فَصَلِّ مَعَهُمْ وَتَكُونُ هَذِهِ الثَّانِيَةُ لَكَ نَافِلَةً قَوْلُهُ وَضَرَبَ فَخِذِي أَيْ لِلتَّنْبِيهِ وَجَمْعِ الذِّهْنِ عَلَى مَا يَقُولهُ لَهُ

قَوْلُهُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَّاءِ هُوَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَبِالْمَدِّ كَانَ يَبْرِي النَّبْلَ وَاسْمُهُ زِيَادُ بْنُ فَيْرُوزَ الْبَصْرِيُّ وَقِيلَ اسْمُهُ كُلْثُومٌ تُوُفِّيَ يوم الاثنين في شوال سنة تسعين

باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها

(باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها) وأنها فرض كفاية [649] فِي رِوَايَةٍ إِنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا وَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً [650] وَفِي رِوَايَةٍ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهَا فَذِكْرُ الْقَلِيلِ لَا يَنْفِي الْكَثِيرَ وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ بَاطِلٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِالْقَلِيلِ ثُمَّ أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِزِيَادَةِ الْفَضْلِ فَأَخْبَرَ بِهَا الثَّالِثُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُصَلِّينَ وَالصَّلَاةُ فَيَكُونُ لِبَعْضِهِمْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ وَلِبَعْضِهِمْ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ بحسب كمال الصلاة ومحافظته على هيآتها وَخُشُوعِهَا وَكَثْرَةِ جَمَاعَتِهَا وَفَضْلِهِمْ وَشَرَفِ الْبُقْعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذِهِ هِيَ الْأَجْوِبَةُ الْمُعْتَمَدَةُ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الدَّرَجَةَ غَيْرُ الْجُزْءِ وَهَذَا غَفْلَةٌ مِنْ قَائِلِهِ فَإِنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً فَاخْتَلَفَ الْقَدْرُ مَعَ اتِّحَادِ لَفْظِ الدَّرَجَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِدَاوُدَ وَلَا فَرْضًا عَلَى الْأَعْيَانِ خِلَافًا لِجَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَقِيلَ سُنَّةٌ وَبَسَطْتُ دَلَائِلَ كُلِّ هَذَا وَاضِحَةً فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَوْلُهُ تَفْضُلُ صَلَاةً فِي الْجَمِيعِ عَلَى صَلَاةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ جُزْءًا هَذَا

هُوَ الْجَارِي عَلَى اللُّغَةِ وَالْأَوَّلُ مُؤَوَّلٌ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ أَرَادَ بِالدَّرَجَةِ الْجُزْءَ وَبِالْجُزْءِ الدَّرَجَةَ قَوْلُهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي الْخُوَارِ هُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَقَوْلُهُ خَتَنُ زَيْدِ بْنِ زَبَّانَ هُوَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْخَتَنُ زَوْجُ بِنْتِ الرَّجُلِ أَوْ أخْتِهِ وَنَحْوِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[651] لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْهَا فَآمُرَ بِهِمْ فَيُحَرِّقُوا عَلَيْهِمْ بِحُزَمِ الْحَطَبِ بُيُوتَهُمْ وَلَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا لَشَهِدَهَا هَذَا مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ الْجَمَاعَةُ فَرْضُ عَيْنٍ وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وأبي ثور وبن خُزَيْمَةَ وَدَاوُدَ وَقَالَ الْجُمْهُورُ لَيْسَتْ فَرْضَ عَيْنٍ وَاخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ سُنَّةٌ أَمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُتَخَلِّفِينَ كَانُوا مُنَافِقِينَ وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِيهِ فَإِنَّهُ لَا يُظَنُّ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ يُؤْثِرُونَ الْعَظْمَ السَّمِينَ عَلَى حُضُورِ الْجَمَاعَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي مَسْجِدِهِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُحَرِّقْ بَلْ هَمَّ بِهِ ثُمَّ تَرَكَهُ وَلَوْ كَانَتْ فَرْضَ عَيْنٍ لَمَا تَرَكَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعُقُوبَةَ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بِالْمَالِ لِأَنَّ تَحْرِيقَ الْبُيُوتِ عُقُوبَةٌ مَالِيَّةٌ وَقَالَ غَيْرُهُ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَنْعِ الْعُقُوبَةِ بِالتَّحْرِيقِ فِي غَيْرِ الْمُتَخَلِّفِ عَنِ الصَّلَاةِ وَالْغَالِّ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيهِمَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى مَنْعِ تَحْرِيقِ مَتَاعِهِمَا وَمَعْنَى أُخَالِفُ إِلَى رِجَالٍ أَيْ أَذْهَبُ إِلَيْهِمْ ثُمَّ إِنَّهُ جَاءَ فِي

رِوَايَةٍ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ الَّتِي هَمَّ بِتَحْرِيقِهِمْ لِلتَّخَلُّفِ عَنْهَا هِيَ الْعِشَاءُ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا الْجُمُعَةُ وَفِي رِوَايَةٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَكُلُّهُ صَحِيحٌ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا الْحَبْوُ حَبْوُ الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ عَلَى يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ مَعْنَاهُ لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا مِنَ الْفَضْلِ وَالْخَيْرِ ثُمَّ لَمْ يَسْتَطِيعُوا الْإِتْيَانَ إِلَيْهِمَا إِلَّا حَبْوًا لَحَبَوْا إِلَيْهِمَا وَلَمْ يُفَوِّتُوا جَمَاعَتَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ فَفِيهِ الْحَثُّ الْبَلِيغُ عَلَى حُضُورِهِمَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامُ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا عَرَضَ لَهُ شُغْلٌ يَسْتَخْلِفُ مَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَإِنَّمَا هَمَّ بِإِتْيَانِهِمْ بَعْدَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ بِذَلِكَ الْوَقْتِ يَتَحَقَّقُ مُخَالَفَتُهُمْ وَتَخَلُّفُهُمْ فَيَتَوَجَّهُ اللَّوْمُ عَلَيْهِمْ وَفِيهِ جَوَازُ الِانْصِرَافِ بَعْدَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ لِعُذْرٍ قَوْلُهُ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ هُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ

وَإِسْكَانِ الرَّاءِ [653] قَوْلُهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَجِبْ هذا الأعمى هو بن أُمِّ مَكْتُومٍ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَنْ قَالَ الْجَمَاعَةُ فَرْضُ عَيْنٍ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْهُ بِأَنَّهُ سَأَلَ هَلْ لَهُ رُخْصَةٌ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ وَتَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ بِسَبَبِ عُذْرِهِ فَقِيلَ لَا وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ حُضُورَ الْجَمَاعَةِ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَدَلِيلُهُ مِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا تَرْخِيصُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم له ثُمَّ رَدُّهُ وَقَوْلُهُ فَأَجِبْ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بِوَحْيٍ نَزَلَ فِي الْحَالِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ إِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَخَّصَ لَهُ أَوَّلًا وَأَرَادَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْكَ الْحُضُورُ إِمَّا لِعُذْرٍ وَإِمَّا لِأَنَّ فرض الكفاية حاصل بحضور غيره واما للأمرين ثُمَّ نَدَبَهُ إِلَى الْأَفْضَلِ فَقَالَ الْأَفْضَلُ لَكَ وَالْأَعْظَمُ لِأَجْرِكَ أَنْ تُجِيبَ وَتَحْضُرَ فَأَجِبْ وَاللَّهُ أعلم

[654] قَوْلُهُ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَّا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ أَوْ مَرِيضٌ هَذَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ لِصِحَّةِ مَا سَبَقَ تَأْوِيلُهُ فِي الَّذِينَ هَمَّ بِتَحْرِيقِ بُيُوتِهِمِ أَنَّهُمْ كَانُوا مُنَافِقِينَ قَوْلُهُ عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَى رُوِيَ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِهَا وَهُمَا بِمَعْنًى مُتَقَارِبٍ أَيْ طَرَائِقِ الْهُدَى وَالصَّوَابِ قَوْلُهُ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ مَعْنَى يُهَادَى أَيْ يُمْسِكُهُ رَجُلَانِ مِنْ جَانِبَيْهِ بِعَضُدَيْهِ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِمَا وَهُوَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ فِي الرواية

الْأُولَى إِنْ كَانَ الْمَرِيضُ لَيَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَفِي هَذَا كُلِّهِ تَأْكِيدُ أَمْرِ الْجَمَاعَةِ وَتَحَمُّلُ الْمَشَقَّةِ فِي حُضُورِهَا وَأَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ الْمَرِيضُ ونحوه التوصل إليها استحب له حضورها [655] قوله في الذي خرج من الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ كَرَاهَةُ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ حَتَّى يصلي المكتوبة الا لعذر

(باب الرخصة في التخلف عن الجماعة لعذر)

والله أعلم [657] قَوْلُهُ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ وَهُوَ جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ يُنْسَبُ تَارَةً إِلَى أَبِيهِ وَتَارَةً إِلَى جَدِّهِ قَوْلُهُ سَمِعْتُ جُنْدُبًا الْقَسْرِيَّ هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَقَدْ تَوَقَّفَ بَعْضُهُمْ فِي صِحَّةِ قَوْلِهِمِ الْقَسْرِيِّ لِأَنَّ جُنْدُبًا لَيْسَ مِنْ بَنِي قَسْرٍ إِنَّمَا هُوَ بَجَلِيٌّ عَلَقِيٌّ وَعَلَقَةُ بَطْنٌ مِنْ بَجِيلَةَ هَكَذَا ذَكَرَهُ أَهْلُ التَّوَارِيخِ وَالْأَنْسَابِ وَالْأَسْمَاءِ وَقَسْرٌ هُوَ أَخُو عَلَقَةَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَعَلَّ لِجُنْدُبٍ حِلْفًا فِي بَنِي قَسْرٍ أَوْ سَكَنًا أَوْ جِوَارًا فَنُسِبَ إِلَيْهِمْ لِذَلِكَ أَوْ لَعَلَّ بَنِي عَلَقَةَ يُنْسَبُونَ إِلَى عَمِّهِمْ قَسْرٍ كَغَيْرِ وَاحِدَةٍ مِنَ الْقَبَائِلِ يُنْسَبُونَ بِنِسْبَةِ بَنِي عَمِّهِمْ لِكَثْرَتِهِمْ أَوْ شُهْرَتِهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ قِيلَ الذِّمَّةُ هُنَا الضَّمَانُ وَقِيلَ الْأَمَانُ (باب الرُّخْصَةِ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجَمَاعَةِ لعذر) [33] عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عِتْبَانَ فَلَمْ

يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ فَأَشَرْتُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ صَوَابَهُ حِينَ قَالَ الْقَاضِي هَذَا غَلَطٌ بَلِ الصَّوَابُ حَتَّى كَمَا ثَبَتَتِ الرِّوَايَاتُ وَمَعْنَاهُ لَمْ يَجْلِسْ فِي الدَّارِ وَلَا فِي غَيْرِهَا حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ مُبَادِرًا إِلَى قَضَاءِ حَاجَتِي الَّتِي طَلَبْتُهَا وَجَاءَ بِسَبَبِهَا وَهِيَ الصلاة في بيتي وهذا الذي قاله الْقَاضِي وَاضِحٌ مُتَعَيِّنٌ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ حِينَ وَفِي بَعْضِهَا حَتَّى وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرٍ هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالزَّايِ وَآخِرُهُ رَاءٌ وَيُقَالُ خَزِيرَةٌ بِالْهَاءِ قَالَ بن قُتَيْبَةَ الْخَزِيرَةُ لَحْمٌ يُقَطَّعُ صِغَارًا ثُمَّ يُصَبُّ عليه ماء كثير فإذا نضج در عَلَيْهِ دَقِيقٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا لَحْمٌ فَهِيَ عَصِيدَةٌ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ قَالَ النَّضْرُ الْخَزِيرَةُ مِنَ النُّخَالَةِ وَالْحَرِيرَةُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ الْمُكَرَّرَةِ مِنَ اللَّبَنِ وَكَذَا قَالَ أَبُو الْهَيْثَمِ إِذَا كَانَتْ مِنْ نُخَالَةٍ فَهِيَ خَزِيرَةٌ وَإِذَا كَانَتْ مِنْ دَقِيقٍ فَهِيَ حَرِيرَةٌ وَالْمُرَادُ نُخَالَةٌ فِيهَا غَلِيظُ الدَّقِيقِ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الأخرى

حشيشة قَالَ شَمِرٌ هِيَ أَنْ تُطْحَنَ الْحِنْطَةُ طَحْنًا جَلِيلًا ثُمَّ يُلْقَى فِيهَا لَحْمٌ أَوْ تَمْرٌ فَتُطْبَخُ بِهِ قَوْلُهُ فَثَابَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ أَيِ اجْتَمَعُوا وَالْمُرَادُ بِالدَّارِ هُنَا الْمَحَلَّةُ قَوْلُهُ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ هَذَا تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَشَرْحُ حديثه في كتاب الايمان قوله ص لَا تَقُلْ لَهُ ذَلِكَ أَيْ لَا تَقُلْ فِي حَقِّهِ ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَتِ اللَّامُ بِمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ نَحْوَ هَذَا وَقَدْ بَسَطْتُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ قَوْلُهُ وَهُوَ مِنْ سَرَاتِهِمْ هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ أي ساداتهم

قَوْلُهُ نَرَى أَنَّ الْأَمْرَ انْتَهَى إِلَيْنَا ضَبَطْنَاهُ نَرَى بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّهَا وَفِي حَدِيثِ عِتْبَانَ هَذَا فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ تَقَدَّمَتْ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَالَ سَأَفْعَلُ كَذَا أَنْ يَقُولَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لِلْآيَةِ وَالْحَدِيثِ وَمِنْهَا التَّبَرُّكُ بِالصَّالِحِينَ وَآثَارِهِمْ وَالصَّلَاةُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي صَلَّوْا بِهَا وَطَلَبُ التَّبْرِيكِ مِنْهُمْ وَمِنْهَا أَنَّ فِيهِ زِيَارَةَ الْفَاضِلِ الْمَفْضُولَ وَحُضُورَ ضِيَافَتِهِ وَفِيهِ سُقُوطُ الْجَمَاعَةِ لِلْعُذْرِ وَفِيهِ اسْتِصْحَابُ الْإِمَامِ والعالم ونحوهما بعض أصحابه في ذهابه وَفِيهِ الِاسْتِئْذَانُ عَلَى الرَّجُلِ فِي مَنْزِلهِ وَإِنْ كَانَ صَاحِبَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ اسْتِدْعَاءٌ وَفِيهِ الابتداء في الأمور بأهمها لأنه ص جَاءَ لِلصَّلَاةِ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى صَلَّى وَفِيهِ جَوَازُ صَلَاةِ النَّفْلِ جَمَاعَةً وَفِيهِ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ أَنْ تَكُونَ مَثْنَى كَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَجِيرَانِهِمِ إِذَا وَرَدَ رَجُلٌ صَالِحٌ إِلَى مَنْزِلِ بَعْضِهِمْ أَنْ يَجْتَمِعُوا إِلَيْهِ وَيَحْضُرُوا مَجْلِسَهُ لِزِيَارَتِهِ وَإِكْرَامِهِ وَالِاسْتِفَادَةِ مِنْهُ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِمُلَازَمَةِ الصَّلَاةِ فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْبَيْتِ وَإِنَّمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ إِيطَانِ مَوْضِعٍ مِنَ الْمَسْجِدِ لِلْخَوْفِ مِنَ الرِّيَاءِ وَنَحْوِهِ وَفِيهِ الذَّبُّ عَمَّنْ ذُكِرَ بِسُوءٍ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْهُ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ مَنْ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ إِنِّي لَأَعْقِلُ مَجَّةً مَجَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وزاد فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ

(باب جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير

مَجَّهَا فِي وَجْهِي قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمَجُّ طَرْحُ الْمَاءِ مِنَ الْفَمِ بِالتَّزْرِيقِ وَفِي هَذَا مُلَاطَفَةُ الصِّبْيَانِ وَتَأْنِيسُهُمْ وَإِكْرَامُ آبَائِهِمْ بِذَلِكَ وَجَوَازُ الْمِزَاحِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَحْفَظَهُ مَحْمُودٌ فَيَنْقُلُهُ كَمَا وَقَعَ فَتَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةُ نَقْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَصِحَّةِ صُحْبَتِهِ وَإِنْ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُمَيِّزًا وَكَانَ عُمُرُهُ حِينَئِذٍ خَمْسَ سِنِينَ وَقِيلَ أَرْبَعًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب جَوَازِ الْجَمَاعَةِ فِي النَّافِلَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى حَصِيرٍ وَخُمْرَةٍ وَثَوْبٍ) وَغَيْرِهَا مِنْ الطَّاهِرَاتِ [658] قَوْلُهُ إِنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ الصَّحِيحُ أَنَّهَا جَدَّةُ إسحاق فتكون أم أنس لأن إسحاق بن أَخِي أَنَسٍ لِأُمِّهِ وَقِيلَ إِنَّهَا جَدَّةُ أَنَسٍ وَهِيَ مُلَيْكَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ مِنَ الطَّوَائِفِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ الْأَصِيلِيِّ أَنَّهَا بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَلِيمَةَ عُرْسٍ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ إِجَابَتَهَا مَشْرُوعَةٌ لَكِنْ هَلْ إِجَابَتُهَا وَاجِبَةٌ أَمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَمْ سُنَّةٌ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ لِأَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الْإِيجَابُ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوموا فلأصلي لَكُمْ فِيهِ جَوَازُ النَّافِلَةِ جَمَاعَةً وَتَبْرِيكُ الرَّجُلِ الصَّالِحِ وَالْعَالِمِ أَهْلَ الْمَنْزِلِ بِصَلَاتِهِ فِي مَنْزِلِهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ وَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ تَعْلِيمَهُمْ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ مُشَاهَدَةً مَعَ تَبْرِيكِهِمْ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ قَلَّمَا تُشَاهِدُ أَفْعَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَرَادَ أَنْ تُشَاهِدَهَا وَتَتَعَلَّمَهَا وَتُعَلِّمَهَا غَيْرَهَا قَوْلُهُ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ

وَرَائِنَا فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ فِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَصِيرِ وَسَائِرِ مَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ خِلَافِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّوَاضُعِ بِمُبَاشَرَةِ نَفْسِ الْأَرْضِ وَفِيهِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الثِّيَابِ وَالْبُسُطِ وَالْحُصْرِ وَنَحْوِهَا الطَّهَارَةُ وَأَنَّ حُكْمَ الطَّهَارَةِ مُسْتَمِرٌّ حَتَّى تَتَحَقَّقَ نَجَاسَتُهُ وَفِيهِ جَوَازُ النَّافِلَةِ جَمَاعَةً وَفِيهِ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي نَوَافِلِ النَّهَارِ أَنْ تَكُونَ رَكْعَتَيْنِ كَنَوَافِلِ اللَّيْلِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَفِيهِ صِحَّةُ صَلَاةِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ لِقَوْلِهِ صَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَفِيهِ أَنَّ لِلصَّبِيِّ مَوْقِفًا مِنَ الصَّفِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَفِيهِ أَنَّ الِاثْنَيْنِ يُكَوِّنَانِ صَفًّا وَرَاءَ الْإِمَامِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا ومذهب العلماء كافة الا بن مَسْعُودٍ وَصَاحِبَيْهِ فَقَالُوا يُكَوِّنَانِ هُمَا وَالْإِمَامُ صَفًّا وَاحِدًا فَيَقِفُ بَيْنَهُمَا وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَقِفُ خَلْفَ الرِّجَالِ وَأَنَّهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا امْرَأَةٌ أُخْرَى تَقِفُ وَحْدَهَا مُتَأَخِّرَةً وَاحْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَشْهُورَةِ بِالْخِلَافِ وَهِيَ إِذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا فَافْتَرَشَهُ فَعِنْدَهُمْ يَحْنَثُ وَعِنْدَنَا لَا يَحْنَثُ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا

بِأَنَّ لُبْسَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ فَحَمَلْنَا اللُّبْسَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الِافْتِرَاشِ لِلْقَرِينَةِ وَلِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْهُ بِخِلَافِ مَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا فَإِنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَفْهَمُونَ مِنْ لُبْسِهِ الِافْتِرَاشَ وَأَمَّا قَوْلُهُ حَصِيرٌ قَدِ اسْوَدَّ فَقَالُوا اسْوِدَادُهُ لِطُولِ زَمَنِهِ وَكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ وَإِنَّمَا نَضَحَهُ لِيَلِينَ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَيَذْهَبُ عَنْهُ الْغُبَارُ وَنَحْوُهُ هَكَذَا فَسَّرَهُ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ الْمَالِكِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ لِلشَّكِّ فِي نَجَاسَتِهِ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِهِ فِي أَنَّ النَّجَاسَةَ الْمَشْكُوكَ فِيهَا تَطْهُرُ بِنَضْحِهَا مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالْغَسْلِ فَالْمُخْتَارُ التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ أَنَا وَالْيَتِيمُ هَذَا الْيَتِيمُ اسْمُهُ ضُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ الْحِمْيَرِيُّ وَالْعَجُوزُ هِيَ أُمُّ أَنَسٍ أُمُّ سُلَيْمٍ [660] قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ ثُمَّ دَعَا لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ بِكُلِّ خَيْرٍ إِلَى آخِرِهِ فِيهِ مَا أَكْرَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِ اسْتِجَابَةِ دُعَائِهِ لِأَنَسٍ فِي تَكْثِيرِ مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَفِيهِ طَلَبُ الدُّعَاءِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَجَوَازُ الدُّعَاءِ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ مَعَ الْبَرَكَةِ فِيهِمَا قَوْلُهُ وَأُمُّ حَرَامٍ هِيَ

باب فضل الصلاة المكتوبة في جماعة

بِالرَّاءِ قَوْلُهُ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ يَعْنِي فِي غَيْرِ وَقْتِ فَرِيضَةٍ قَوْلُهُ فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ هَذِهِ قَضِيَّةٌ أُخْرَى فِي يَوْمٍ آخَرَ [513] قَوْلُهُ وَكَانَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَةٍ هَذَا الْحَدِيثُ تقدم شرحه في أواخر كتاب الطهارة (باب فضل الصلاة المكتوبة في جماعة) وفضل انتظار الصلاة وكثرة الخطأ إلى المساجد وفضل المشي إليها [649] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً الْمُرَادُ صَلَاتُهُ فِي بَيْتِهِ وَسُوقِهِ مُنْفَرِدًا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَقِيلَ فِيهِ غَيْرُ هَذَا وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَالْبِضْعُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ مِنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَفِيهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ وَسَبْعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الرِّوَايَاتِ السَّابِقَاتِ

قَوْلُهُ لَا تَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ هُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَبِالزَّايِ أَيْ لَا تُنْهِضُهُ وَتُقِيمُهُ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ بَعْدَهُ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَبْثَرٌ هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ الْمُثَلَّثَةِ الْمَفْتُوحَةِ قَوْلُهُ مُحَمَّدُ بْنُ بكر بْنِ الرَّيَّانِ هُوَ بِالرَّاءِ وَالْمُثَنَّاةِ تَحْتُ الْمُشَدَّدَةِ قَوْلُهُ يَضْرِطُ هُوَ بِكَسْرِ

الرَّاءِ [663] قَوْلُهُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أهلي فقال

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِيهِ إِثْبَاتُ الثَّوَابِ فِي الْخُطَا فِي الرُّجُوعِ مِنَ الصَّلَاةِ كَمَا يَثْبُتُ فِي الذَّهَابِ قَوْلُهُ مَا أُحِبُّ أَنَّ بَيْتِي مُطَنَّبٌ بِبَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ مَا أُحِبُّ أَنَّهُ مَشْدُودٌ بِالْأَطْنَابِ وَهِيَ الْحِبَالُ إِلَى بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا مِنْهُ لِتَكْثِيرِ ثَوَابِي وَخُطَايَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ مُطَنَّبٌ بِفَتْحِ النُّونِ قَوْلُهُ فَحَمَلْتُ بِهِ حِمْلًا حَتَّى أَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ عَظُمَ عَلَيَّ وَثَقُلَ وَاسْتَعْظَمْتُهُ لِبَشَاعَةِ لَفْظِهِ وَهَمَّنِي ذَلِكَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْحَمْلُ عَلَى الظَّهْرِ قَوْلُهُ يَرْجُو فِي

أثره الأجر أي في ممشاه [665] قوله ص بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ مَعْنَاهُ الْزَمُوا دِيَارَكُمْ فَإِنَّكُمْ إِذَا لَزِمْتُمُوهَا كُتِبَتْ آثَارُكُمْ وَخُطَاكُمُ الْكَثِيرَةُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَبَنُو سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ

(باب فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح وفضل المساجد)

[667] قَوْلُهُ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ الدَّرَنُ الْوَسَخُ [668] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَمَثَلِ نَهْرٍ جَارٍ غَمْرٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ الْغَمْرُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَهُوَ الْكَثِيرُ قَوْلُهُ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ إِشَارَةٌ إِلَى سُهُولَتِهِ وَقُرْبِ تَنَاوُلِهِ [669] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا النُّزُلُ مَا يُهَيَّأُ لِلضَّيْفِ عِنْدَ قُدُومِهِ (باب فَضْلِ الْجُلُوسِ فِي مُصَلَّاهُ بَعْدَ الصُّبْحِ وَفَضْلِ الْمَسَاجِدِ) فِيهِ حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي التَّرْجَمَةِ قَوْلُهُ تَطْلُعُ الشَّمْسُ حَسَنًا هُوَ بِفَتْحِ

السِّينِ وَبِالتَّنْوِينِ أَيْ طُلُوعًا حَسَنًا أَيْ مُرْتَفِعَةً وَفِيهِ جَوَازُ الضَّحِكِ وَالتَّبَسُّمِ [671] قَوْلُهُ أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا لِأَنَّهَا بُيُوتُ الطَّاعَاتِ وَأَسَاسُهَا عَلَى التَّقْوَى قَوْلُهُ وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْغِشِّ وَالْخِدَاعِ وَالرِّبَا وَالْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ وَإِخْلَافِ الْوَعْدِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ وَالْحُبُّ وَالْبُغْضُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِرَادَتُهُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ أَوْ فِعْلُهُ ذَلِكَ بِمَنْ أَسْعَدَهُ أَوْ أشْقَاهُ وَالْمَسَاجِدُ مَحَلُّ نُزُولِ الرَّحْمَةِ وَالْأَسْوَاقُ ضِدُّهَا

(باب من أحق بالإمامة)

(باب مَنْ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ) [672] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحَقُّهمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ [673] وَفِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ بِتَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ عَلَى الْأَفْقَهِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا الْأَفْقَهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَقْرَأِ لِأَنَّ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْقِرَاءَةِ مَضْبُوطٌ وَالَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْفِقْهِ غَيْرُ مَضْبُوطٍ وَقَدْ يَعْرِضُ فِي الصَّلَاةِ أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُرَاعَاةِ الصَّوَابِ فِيهِ إِلَّا كَامِلُ الْفِقْهِ قَالُوا وَلِهَذَا قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْبَاقِينَ مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

نَصَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَقْرَأُ مِنْهُ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْأَقْرَأَ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَ هُوَ الْأَفْقَهُ لَكِنَّ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ دَلِيلٌ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ مُطْلَقًا وَلَنَا وَجْهٌ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْأَوْرَعَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَفْقَهِ وَالْأَقْرَأِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْإِمَامَةِ يَحْصُلُ مِنَ الْأَوْرَعِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً قَالَ أَصْحَابُنَا يَدْخُلُ فِيهِ طَائِفَتَانِ إِحْدَاهُمَا الَّذِينَ يُهَاجِرُونَ الْيَوْمَ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ الْهِجْرَةَ بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ أَيْ لَا هِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ لِأَنَّهَا صَارَتْ دار اسلام أَوْ لَا هِجْرَةَ فَضْلُهَا كَفَضْلِ الْهِجْرَةِ قَبْلَ الفتح وسيأتي شرحه مَبْسُوطًا فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ أَوْلَادُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا اسْتَوَى اثْنَانِ فِي الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ وَأَحَدُهُمَا مِنْ أَوْلَادِ مَنْ تَقَدَّمَتْ هِجْرَتُهُ وَالْآخَرُ مِنْ أَوْلَادِ مَنْ تَأَخَّرَتْ هِجْرَتُهُ قُدِّمَ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى سِنًّا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا مَعْنَاهُ إِذَا اسْتَوَيَا فِي الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْهِجْرَةِ وَرَجَحَ أَحَدُهُمَا بِتَقَدُّمِ إِسْلَامِهِ أَوْ بِكِبَرِ سِنِّهِ قُدِّمَ لِأَنَّهَا فَضِيلَةٌ يُرَجَّحُ بِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ أَنَّ صَاحِبَ الْبَيْتِ وَالْمَجْلِسِ وَإِمَامَ الْمَسْجِدِ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ أَفْقَهَ وَأَقْرَأَ وَأَوْرَعَ وَأَفْضَلَ مِنْهُ وَصَاحِبُ الْمَكَانِ أَحَقُّ فَإِنْ شَاءَ تَقَدَّمَ وَإِنْ شَاءَ قَدَّمَ مَنْ يُرِيدُهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الَّذِي يُقَدِّمُهُ مَفْضُولًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي الْحَاضِرِينَ لأنه سلطانه فيتصرف فيه كيف شاء قال أَصْحَابُنَا فَإِنْ حَضَرَ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ قُدِّمَ عَلَى صَاحِبِ الْبَيْتِ وَإِمَامِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ وِلَايَتَهُ وَسَلْطَنَتَهُ عَامَّةٌ قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ أَنْ يَأْذَنَ لِمَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَفِي الرِّوَايَةِ

الْأُخْرَى وَلَا تَجْلِسْ عَلَى تَكْرِمَتِهِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ التَّكْرِمَةُ الْفِرَاشُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يُبْسَطُ لِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ وَيُخَصُّ بِهِ وَهِيَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ قَوْلُهُ عَنْ أَوْسِ بْنِ ضَمْعَجٍ هُوَ بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ [674] قَوْلُهُ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ جَمْعُ شَابٍّ وَمَعْنَاهُ مُتَقَارِبُونَ فِي السِّنِّ قَوْلُهُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا رَقِيقًا هُوَ بِالْقَافَيْنِ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي مُسْلِمٍ وَضَبَطْنَاهُ فِي الْبُخَارِيِّ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي رَفِيقًا بِالْفَاءِ وَالْقَافِ وَكِلَاهُمَا ظَاهِرٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ

أَكْبَرُكُمْ فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْأَذَانِ وَالْجَمَاعَةِ وَتَقْدِيمِ الْأَكْبَرِ فِي الْإِمَامَةِ إِذَا اسْتَوَوْا فِي بَاقِي الْخِصَالِ وَهَؤُلَاءِ كَانُوا مُسْتَوِينَ فِي بَاقِي الْخِصَالِ لِأَنَّهُمْ هَاجَرُوا جَمِيعًا وَأَسْلَمُوا جَمِيعًا وَصَحِبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَازَمُوهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً فَاسْتَوَوْا فِي الْأَخْذِ عَنْهُ وَلَمْ يَبْقَ مَا يُقَدَّمُ بِهِ إِلَّا السِّنُّ وَاسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ بِهَذَا عَلَى تَفْضِيلِ الْإِمَامَةِ عَلَى الْأَذَانِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُؤَذِّنُ أَحَدُكُمْ وَخَصَّ الْإِمَامَةَ بِالْأَكْبَرِ وَمَنْ قَالَ بِتَفْضِيلِ الْأَذَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ قَالَ إِنَّمَا قَالَ يُؤَذِّنُ أَحَدُكُمْ وَخَصَّ الْإِمَامَةَ بِالْأَكْبَرِ لِأَنَّ الْأَذَانَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى كَبِيرِ عِلْمٍ وَإِنَّمَا أَعْظَمُ مَقْصُودِهِ الْإِعْلَامُ بِالْوَقْتِ وَالْإِسْمَاعُ بِخِلَافِ الْإِمَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَلَمَّا أَرَدْنَا الْإِقْفَالَ هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ يُقَالُ فِيهِ قَفَلَ الْجَيْشُ إِذَا رَجَعُوا وَأَقْفَلَهُمُ الْأَمِيرُ إِذَا أَذِنَ لَهُمْ فِي الرُّجُوعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ يُؤْذَنَ لَنَا فِي الرُّجُوعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا فِيهِ أَنَّ الْأَذَانَ وَالْجَمَاعَةَ مَشْرُوعَانِ لِلْمُسَافِرِينَ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْأَذَانِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَفِيهِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ تَصِحُّ بِإِمَامٍ وَمَأْمُومٍ وَهُوَ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ

(باب استحباب القنوت في جميع الصلاة)

فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ (باب اسْتِحْبَابِ الْقُنُوتِ فِي جميع الصلاة) إذا نزلت بالمسلمين نازلة والعياذ بالله واستحبابه في الصبح دائما وبيان أن محله بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الأخيرة واستحباب الجهر به مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْقُنُوتَ مَسْنُونٌ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ دَائِمًا وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ إِنْ نَزَلَتْ نَازِلَةٌ كَعَدُوٍّ وَقَحْطٍ وَوَبَاءٍ وَعَطَشٍ وَضَرَرٍ ظَاهِرٍ فِي الْمُسْلِمِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَنَتُوا فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ وَإِلَّا فَلَا وَالثَّانِي يَقْنُتُونَ فِي الْحَالَيْنِ وَالثَّالِثُ لَا يَقْنُتُونَ فِي الْحَالَيْنِ وَمَحَلُّ الْقُنُوتِ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ وَفِي اسْتِحْبَابِ الْجَهْرِ بِالْقُنُوتِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَجْهَرُ وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِيهِ وَلَا يَمْسَحُ الْوَجْهَ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ مَسْحُهُ وَقِيلَ لَا يَرْفَعُ الْيَدَ وَاتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهَةِ مَسْحِ الصَّدْرِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ دُعَاءٌ مَخْصُوصٌ بَلْ يَحْصُلُ بِكُلِّ دُعَاءٍ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالدُّعَاءِ الْمَشْهُورِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ إِلَى آخِرِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا مُسْتَحَبٌّ لَا شَرْطٌ وَلَوْ تَرَكَ الْقُنُوتَ فِي الصُّبْحِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَآخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا قُنُوتَ فِي الصُّبْحِ وَقَالَ مَالِكٌ يَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَدَلَائِلُ الْجَمْعِ مَعْرُوفَةٌ وَقَدْ أَوْضَحْتُهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [675] قَوْلُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول حِينَ يَفْرُغُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَيُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْجِ

الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى آخِرِهِ فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْقُنُوتِ وَالْجَهْرِ بِهِ وَأَنَّهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَأَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَفِيهِ جَوَازُ الدُّعَاءِ لِإِنْسَانٍ معين وعلى مُعَيَّنٍ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَرَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ وَحَذْفِهَا وَقَدْ ثَبَتَ الْأَمْرَانِ فِي الصَّحِيحِ وَسَبَقَ بَيَانُ حِكْمَةِ الْوَاوِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ الْوَطْأَةُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَهِيَ الْبَأْسُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ كَسِنِي يُوسُفَ هُوَ بِكَسْرِ السِّينِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ أَيِ اجْعَلْهَا سِنِينَ شِدَادًا ذَوَاتِ قَحْطٍ وَغَلَاءٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ الْعَنْ لِحْيَانَ إِلَى آخِرِهِ فِيهِ جَوَازُ لَعْنِ الْكُفَّارِ وَطَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْهُمْ قَوْلُهُ ثُمَّ بلغنا أنه

تَرَكَ ذَلِكَ يَعْنِي الدُّعَاءَ عَلَى هَذِهِ الْقَبَائِلِ وَأَمَّا أَصْلُ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ فَلَمْ يَتْرُكْهُ حتى فارق الدنيا كذا صَحَّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ بَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَصْلُ بَيْنَمَا وَبَيْنَا بَيْنَ

وَتَقْدِيرُهُ بَيْنَ أَوْقَاتِ صَلَاتِهِ قَالَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ سَبَقَ إِيضَاحُهُ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ هو

بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ [679] قَوْلُهُ عَنْ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءٍ الْغِفَارِيِّ خُفَافٌ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِيمَاءٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ مَصْرُوفٌ

باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها

(باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها) حَاصِلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إِذَا فَاتَتْهُ فَرِيضَةٌ وَجَبَ قَضَاؤُهَا وَإِنْ فَاتَتْ بِعُذْرٍ اسْتُحِبَّ قَضَاؤُهَا عَلَى الْفَوْرِ وَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ عَلَى الصَّحِيحِ وَحَكَى الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ فَاتَتْهُ بِلَا عُذْرٍ وَجَبَ قَضَاؤُهَا عَلَى الْفَوْرِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ لَا يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ لَهُ التَّأْخِيرُ وَإِذَا قَضَى صَلَوَاتٍ اسْتُحِبَّ قَضَاؤُهُنَّ مُرَتَّبًا فَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ سَوَاءٌ كَانَتِ الصَّلَاةُ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً وَإِنْ فَاتَتْهُ سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ فَفِيهَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا وَلِأَحَادِيثَ أُخَرَ كَثِيرَةٍ فِي الصَّحِيحِ كَقَضَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةَ الظُّهْرِ بَعْدَ الْعَصْرِ حِينَ شَغَلَهُ عَنْهَا الْوَفْدُ وَقَضَائِهِ سُنَّةَ الصُّبْحِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يُسْتَحَبُّ وَأَمَّا السُّنَنُ الَّتِي شُرِعَتْ لِعَارِضٍ كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يُشْرَعُ قَضَاؤُهَا بِلَا خِلَافٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [680] قَوْلُهُ قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ أَيْ رَجَعَ وَالْقُفُولُ الرُّجُوعُ وَيُقَالُ غَزْوَةٌ وَغَزَاةٌ وَخَيْبَرُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا هُوَ فِي أصول بِلَادِنَا مِنْ نُسَخِ مُسْلِمٍ قَالَ الْبَاجِيُّ وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا قَوْلُ أَهْلِ السِّيَرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ وَقَالَ الْأَصِيلِيُّ إِنَّمَا هُوَ حُنَيْنٌ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَاخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ هَذَا النَّوْمُ

مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ مَرَّتَانِ قَوْلُهُ إِذَا أَدْرَكَهُ الْكَرَى عَرَّسَ الْكَرَى بِفَتْحِ الْكَافِ النُّعَاسُ وَقِيلَ النَّوْمُ يُقَالُ مِنْهُ كَرِيَ الرَّجُلُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ يَكْرِي كَرًى فَهُوَ كَرٍ وَامْرَأَةٌ كَرِيَةٌ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَالتَّعْرِيسُ نُزُولُ الْمُسَافِرِينَ آخِرَ اللَّيْلِ لِلنَّوْمِ وَالِاسْتِرَاحَةِ هَكَذَا قَالَهُ الْخَلِيلُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ هُوَ النُّزُولُ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَفِي الْحَدِيثِ مُعَرِّسُونَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَوْلُهُ وَقَالَ لِبِلَالٍ اكْلَأْ لَنَا الْفَجْرَ هُوَ بِهَمْزِ آخره أي ارقبه واحفظه واحرسه ومصدره الكلأ بِكَسْرِ الْكَافِ وَالْمَدِّ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَقَوْلُهُ مُوَاجِهُ الْفَجْرِ أَيْ مُسْتَقْبِلُهُ بِوَجْهِهِ قَوْلُهُ فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيِ انْتَبَهَ وَقَامَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ بِلَالُ هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَاتِنَا وَنُسَخِ بِلَادِنَا وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ ضَبَطُوهُ أَيْنَ بِلَالٌ بِزِيَادَةِ نُونٍ قَوْلُهُ فَاقْتَادُوا رَوَاحِلَهُمْ شَيْئًا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَضَاءَ الْفَائِتَةِ بِعُذْرٍ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنَّمَا اقْتَادُوهَا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ قَوْلُهُ وَأَمَرَ بِلَالًا بِالْإِقَامَةِ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ فِيهِ إِثْبَاتُ الْإِقَامَةِ لِلْفَائِتَةِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَرْكِ الْأَذَانِ لِلْفَائِتَةِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ بَعْدَ إِثْبَاتِ الْأَذَانِ لِلْفَائِتَةِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا إِثْبَاتُ الْأَذَانِ بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَأَمَّا تَرْكُ ذِكْرِ الْأَذَانِ فِي حَدِيثِ

أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ ذِكْرِهِ أَنَّهُ لَمْ يُؤَذِّنْ فَلَعَلَّهُ أَذَّنَ وَأَهْمَلَهُ الرَّاوِي أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَالثَّانِي لَعَلَّهُ تَرَكَ الْأَذَانَ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ لِبَيَانِ جَوَازِ تَرْكِهِ وَإِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ مُتَحَتِّمٍ لَا سِيَّمَا فِي السَّفَرِ قَوْلُهُ فَصَلَّى بِهِمُ الصُّبْحَ فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْجَمَاعَةِ فِي الْفَائِتَةِ وَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا قَوْلُهُ ص مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فِيهِ وُجُوبُ قَضَاءِ الْفَرِيضَةِ الْفَائِتَةِ سَوَاءٌ تَرَكَهَا بِعُذْرٍ كنوم ونسيان أم بِغَيْرِ عُذْرٍ وَإِنَّمَا قَيَّدَ فِي الْحَدِيثِ بِالنِّسْيَانِ لِخُرُوجِهِ عَلَى سَبَبٍ لِأَنَّهُ إِذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَعْذُورِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ بِعُذْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَدَلِيلُهُ وَشَذَّ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَقَالَ لَا يَجِبُ قَضَاءُ الْفَائِتَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَزَعَمَ أَنَّهَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ وَبَالِ مَعْصِيَتِهَا بِالْقَضَاءِ وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ قَائِلِهِ وَجَهَالَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِقَضَاءِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ إِذَا فَاتَتْ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ اجْتِنَابِ مَوَاضِعِ الشَّيْطَانِ وَهُوَ أَظْهَرُ الْمَعْنَيَيْنِ فِي النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْغَدَاةَ فِيهِ اسْتِحْبَابُ قَضَاءِ النَّافِلَةِ الرَّاتِبَةِ وَجَوَازُ تَسْمِيَةِ

صَلَاةِ الصُّبْحِ الْغَدَاةَ وَأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ نَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْقَلْبَ إِنَّمَا يُدْرِكُ الْحِسِّيَّاتِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهِ كَالْحَدَثِ وَالْأَلَمِ وَنَحْوِهُمَا وَلَا يُدْرِكُ طُلُوعَ الْفَجْرِ وَغَيْرَهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَإِنَّمَا يُدْرِكُ ذَلِكَ بِالْعَيْنِ وَالْعَيْنُ نَائِمَةٌ وَإِنْ كَانَ الْقَلْبُ يَقْظَانُ وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ لَهُ حَالَانِ أَحَدُهُمَا يَنَامُ فِيهِ الْقَلْبُ وَصَادَفَ هَذَا الْمَوْضِعَ وَالثَّانِي لَا يَنَامُ وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِهِ وَهَذَا التَّأْوِيلٌ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ [681] قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَبَاحٌ هَذَا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ وَأَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ قَوْلُهُ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّكُمْ تَسِيرُونَ فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ إِذَا رَأَى مَصْلَحَةً لِقَوْمِهِ فِي إِعْلَامِهِمْ بِأَمْرٍ أَنْ يَجْمَعَهُمْ كُلَّهُمْ وَيُشِيعَ ذَلِكَ فِيهِمْ لِيُبَلِّغَهُمْ كُلَّهُمْ وَيَتَأَهَّبُوا لَهُ وَلَا يَخُصُّ بِهِ بَعْضَهُمْ وَكِبَارَهُمْ لِأَنَّهُ رُبَّمَا خَفِيَ عَلَى بَعْضِهِمْ فَيَلْحَقُهُ الضَّرَرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَأْتُونَ الْمَاءَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَدًا فِيهِ اسْتِحْبَابُ قَوْلِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْأُمُورِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْأَمْرِ بِهِ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ لَا يَلْوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ أَيْ لَا يَعْطِفُ قَوْلُهُ ابْهَارَّ اللَّيْلُ هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيِ انْتَصَفَ قَوْلُهُ فَنَعَسَ هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالنُّعَاسُ مُقَدِّمَةُ النَّوْمِ وَهُوَ رِيحٌ لَطِيفَةٌ تَأْتِي مِنْ قِبَلِ الدِّمَاغِ تُغَطِّي عَلَى الْعَيْنِ وَلَا تَصِلُ إِلَى الْقَلْبِ فَإِذَا وَصَلَتْ إِلَى الْقَلْبِ كَانَ نَوْمًا وَلَا يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِالنُّعَاسِ مِنَ الْمُضْطَجِعِ وَيُنْتَقَضُ بِنَوْمِهِ وَقَدْ بَسَطْتُ الْفَرْقَ بَيْنَ حَقِيقَتِهِمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَوْلُهُ فَدَعَمْتُهُ أَيْ أَقَمْتُ مَيْلَهُ

مِنَ النَّوْمِ وَصِرْتُ تَحْتَهُ كَالدِّعَامَةِ لِلْبِنَاءِ فَوْقَهَا قَوْلُهُ تَهَوَّرَ اللَّيْلُ أَيْ ذَهَبَ أَكْثَرُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَهَوَّرَ الْبِنَاءُ وَهُوَ انْهِدَامُهُ يُقَالُ تَهَوَّرَ اللَّيْلُ وَتَوَهَّرَ قَوْلُهُ يَنْجَفِلُ أَيْ يَسْقُطُ قَوْلُهُ قَالَ مَنْ هَذَا قُلْتُ أَبُو قَتَادَةَ فِيهِ أَنَّهُ إِذَا قِيلَ لِلْمُسْتَأْذِنِ وَنَحْوِهِ مَنْ هَذَا يَقُولُ فُلَانٌ بِاسْمِهِ وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ أَبُو فُلَانٍ إِذَا كَانَ مَشْهُورًا بِكُنْيَتِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفِظَكَ اللَّهُ بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ أَيْ بِسَبَبِ حِفْظِكَ نَبِيَّهُ وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ أَنْ يَدْعُوَ لِفَاعِلِهِ وَفِيهِ حَدِيثٌ آخَرُ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ قَوْلُهُ سَبْعَةُ رَكْبٍ هُوَ جَمْعُ رَاكِبٍ كَصَاحِبٍ وَصَحْبٍ وَنَظَائِرِهِ قَوْلُهُ ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ هِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَبِهَمْزَةٍ بَعْدَ الضَّادِ وَهِيَ الْإِنَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ كَالرَّكْوَةِ قَوْلُهُ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا وُضُوءًا دُونَ وُضُوءٍ مَعْنَاهُ وُضُوءًا خَفِيفًا مَعَ أَنَّهُ أَسْبَغَ الْأَعْضَاءَ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّ الْمُرَادَ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَسْتَنْجِ بِمَاءٍ بَلِ اسْتَجْمَرَ بِالْأَحْجَارِ وَهَذَا الَّذِي زَعَمَهُ هَذَا

الْقَائِلُ غَلَطٌ ظَاهِرٌ وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ قَوْلُهُ ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْأَذَانِ لِلصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ وَفِيهِ قَضَاءُ السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ هُمَا سُنَّةُ الصُّبْحِ وَقَوْلُهُ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ صِفَةَ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ كَصِفَةِ أَدَائِهَا فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ فَائِتَةَ الصُّبْحِ يُقْنَتُ فِيهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ يَجْهَرُ فِي الصُّبْحِ الَّتِي يَقْضِيهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يُسِرُّ بِهَا وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ أَيْ فِي الْأَفْعَالِ وَفِيهِ إِبَاحَةُ تَسْمِيَةِ الصُّبْحِ غَدَاةً وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْأَحَادِيثِ قَوْلُهُ فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَهْمِسُ إِلَى بَعْضٍ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ الْكَلَامُ الْخَفِيُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ النَّائِمَ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا بِأَمْرٍ جَدِيدٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ أَصْحَابِ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجِبُ الْقَضَاءُ بِالْخِطَابِ السَّابِقِ وَهَذَا الْقَائِلُ يُوَافِقُ عَلَى أَنَّهُ فِي حَالِ النَّوْمِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَأَمَّا إِذَا أَتْلَفَ النَّائِمُ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أَعْضَائِهِ شَيْئًا فِي حَالِ نَوْمِهِ فَيَجِبُ ضَمَانَهُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَيْسَ ذَلِكَ تَكْلِيفًا لِلنَّائِمِ لِأَنَّ غَرَامَةَ الْمُتْلَفَاتِ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا التَّكْلِيفُ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ لَوْ أَتْلَفَ الصَّبِيُّ أَوِ الْمَجْنُونُ أَوِ الْغَافِلُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِ شَيْئًا وَجَبَ ضَمَانُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَدَلِيلُهُ مِنَ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلى أهله فَرَتَّبَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى

عَلَى الْقَتْلِ خَطَأً الدِّيَةَ وَالْكَفَّارَةَ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ بِالْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا فَإِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى امْتِدَادِ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ مِنَ الْخَمْسِ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْأُخْرَى وَهَذَا مُسْتَمِرٌّ عَلَى عُمُومِهِ فِي الصَّلَوَاتِ إِلَّا الصُّبْحَ فَإِنَّهَا لَا تَمْتَدُّ إِلَى الظُّهْرِ بَلْ يَخْرُجُ وَقْتُهَا بِطُلُوعِ الشَّمْسِ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَفِيهَا خِلَافٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِهِ وَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ امْتِدَادُ وَقْتِهَا إِلَى دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْجَوَابَ عَنْ حَدِيثِ إِمَامَةِ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي الْمَغْرِبِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا تَفُوتُ الْعَصْرُ بِمَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ وَتَفُوتُ الْعِشَاءُ بِذَهَابِ ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ وَتَفُوتُ الصُّبْحُ بِالْإِسْفَارِ وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الِامْتِدَادِ إِلَى دُخُولِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فَقَضَاهَا لَا يَتَغَيَّرُ وَقْتُهَا وَيَتَحَوَّلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَلْ يَبْقَى كَمَا كَانَ فَإِذَا كَانَ الْغَدُ صَلَّى صَلَاةَ الْغَدِ فِي وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ وَيَتَحَوَّلُ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْضِي الْفَائِتَةَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي الْحَالِ وَمَرَّةً فِي الْغَدِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا قَدَّمْنَاهُ فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدِ اضْطَرَبَتْ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُونَ مَا ذَكَرْتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ مَا تَرَوْنَ النَّاسَ صَنَعُوا قَالَ ثُمَّ قَالَ أَصْبَحَ النَّاسُ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَكُمْ لَمْ يَكُنْ لِيُخَلِّفَكُمْ وَقَالَ النَّاسُ إِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم

بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَإِنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَلَّى بِهِمْ الصُّبْحَ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ وَقَدْ سَبَقَهُمُ النَّاسُ وَانْقَطَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَؤُلَاءِ الطَّائِفَةُ الْيَسِيرَةُ عَنْهُمْ قَالَ مَا تَظُنُّونَ النَّاسَ يَقُولُونَ فِينَا فَسَكَتَ الْقَوْمُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَيَقُولَانِ لِلنَّاسِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَكُمْ وَلَا تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يُخَلِّفَكُمْ وَرَاءَهُ وَيَتَقَدَّمَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَيَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَنْتَظِرُوهُ حَتَّى يَلْحَقَكُمْ وَقَالَ بَاقِي النَّاسِ إِنَّهُ سَبَقَكُمْ فَالْحَقُوهُ فَإِنْ أَطَاعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَشَدُوا فَإِنَّهُمَا عَلَى الصَّوَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا هُلْكَ عَلَيْكُمْ هُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَهُوَ مِنَ الْهَلَاكِ وَهَذَا مِنَ الْمُعْجِزَاتِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْلِقُوا لِي غُمَرِي هُوَ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وبالراء هو القدح الصغير قوه فَلَمْ يَعُدْ أَنْ رَأَى النَّاسُ مَا فِي الْمِيضَأَةِ تَكَابُّوا عَلَيْهَا ضَبَطْنَا قَوْلَهُ مَا هُنَا بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسِنُوا الْمَلَأَ كُلُّكُمْ سَيَرْوَى الْمَلَأُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ وَآخِرُهُ هَمْزَةٌ وَهُوَ مَنْصُوبٌ مَفْعُولُ أَحْسِنُوا وَالْمَلَأُ الْخُلُقُ وَالْعِشْرَةُ يُقَالُ مَا أَحْسَنَ مَلَأَ فُلَانٍ أَيْ خُلُقَهُ وَعِشْرَتَهُ وَمَا أَحْسَنَ مَلَأَ بَنِي فُلَانٍ أَيْ عِشْرَتَهُمْ وَأَخْلَاقَهُمْ ذكره الجوهري وغيره وأنشد الجوهري ... تنادوا بال بهتة إِذْ رَأَوْنَا ... فَقُلْنَا أَحْسَنِي مَلَأً جُهَيْنَا

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ سَاقِي القوم آخرهم فيه هذا الْأَدَبِ مِنْ آدَابِ شَارِبِي الْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَنَحْوِهِمَا وَفِي مَعْنَاهُ مَا يُفَرَّقُ عَلَى الْجَمَاعَةِ مِنَ الْمَأْكُولِ كَلَحْمٍ وَفَاكِهَةٍ وَمَشْمُومٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَأَتَى النَّاسُ الْمَاءَ جَامِّينَ رِوَاءً أَيْ نِشَاطًا مُسْتَرِيحِينَ قَوْلُهُ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ هُوَ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ فعند الكوفين يَجُوزُ ذَلِكَ بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِتَقْدِيرٍ وَيَتَأَوَّلُونَ مَا جَاءَ فِي هَذَا بِحَسَبِ مَوَاطِنِهِ وَالتَّقْدِيرُ هُنَا مَسْجِدُ الْمَكَانِ الْجَامِعِ وَفِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا كُنْتَ بجانب الغربي صلى الله عليه وسلم أَيِ الْمَكَانِ الْغَرْبِيِّ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَدَارُ الْآخِرَةِ صلى الله عليه وسلم أَيِ الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي مَوَاضِعَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا شَعَرْتُ أَنَّ أَحَدًا حَفِظَهُ كَمَا حَفِظْتُهُ ضَبَطْنَاهُ حَفِظْتُهُ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِهَا وَكِلَاهُمَا حسن وفي حديث أبي قتادة هذا مُعْجِزَاتٌ ظَاهِرَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَاهَا إِخْبَارُهُ بِأَنَّ الْمِيضَأَةَ سَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ وَكَانَ كَذَلِكَ الثَّانِيَةُ تَكْثِيرُ الْمَاءِ الْقَلِيلِ الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّكُمْ سَيَرْوَى وَكَانَ كَذَلِكَ الرَّابِعَةُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ كَذَا وَقَالَ النَّاسُ كَذَا الْخَامِسَةُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ وَلَيْلَتَكُمْ وَتَأْتُونَ الْمَاءَ وَكَانَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ فَانْطَلَقَ النَّاسُ لَا يَلْوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ إِذْ لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَعْلَمُ ذَلِكَ لَفَعَلُوا ذَلِكَ قَبْلَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [682] قَوْلُهُ حدثنا سلم

بْنُ زَرِيرٍ هُوَ بِزَايٍ فِي أَوَّلِهِ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مُكَرَّرَةٍ قَوْلُهُ فَأَدْلَجْنَا لَيْلَتَنَا هُوَ بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَهُوَ سَيْرُ اللَّيْلِ كُلِّهُ وَأَمَّا أَدَّلَجْنَا بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ فَمَعْنَاهُ سِرْنَا آخِرَ اللَّيْلِ هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ فِي اللُّغَةِ وَقِيلَ هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَمَصْدَرُ الْأَوَّلِ إِدْلَاجٌ بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَالثَّانِي إِدْلَاجٌ بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ قَوْلُهُ بَزَغَتِ الشَّمْسُ هُوَ أَوَّلُ طُلُوعِهَا وَقَوْلُهُ وَكُنَّا لَا نُوقِظُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَنَامِهِ إِذَا نَامَ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَانُوا يَمْتَنِعُونَ مِنْ إِيقَاظِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا كَانُوا يَتَوَقَّعُونَ مِنَ الْإِيحَاءِ إِلَيْهِ فِي الْمَنَامِ وَمَعَ هَذَا فَكَانَتِ الصَّلَاةُ قَدْ فَاتَ وَقْتُهَا فَلَوْ نَامَ آحَادُ النَّاسِ الْيَوْمَ وَحَضَرَتْ صَلَاةٌ وَخِيفَ فَوْتُهَا نَبَّهَهُ مَنْ حَضَرَهُ لِئَلَّا تَفُوتَ الصَّلَاةُ قَوْلُهُ فِي الْجُنُبِ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ فَصَلَّى فِيهِ جَوَازُ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ إِذَا عَجَزَ عَنِ الْمَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِهِ قَوْلُهُ إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ رِجْلَيْهَا بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ السَّادِلَةُ الْمُرْسِلَةُ الْمُدْنِيَةُ وَالْمَزَادَةُ مَعْرُوفَةٌ وَهِيَ أكبر من القربة والمزادتان

حمل البعير سُمِّيَتْ مَزَادَةٌ لِأَنَّهُ يُزَادُ فِيهَا مِنْ جِلْدٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِهَا قَوْلُهُ فَقُلْنَا لَهَا أَيْنَ الْمَاءُ قَالَتْ أَيْهَاهْ أَيْهَاهْ لَا مَاءَ لَكُمْ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَهُوَ بِمَعْنَى هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ وَمَعْنَاهُ الْبُعْدُ مِنَ الْمَطْلُوبِ وَالْيَأْسُ مِنْهُ كَمَا قَالَتْ بَعْدَهُ لَا مَاءَ لَكُمْ أَيْ لَيْسَ لَكُمْ مَاءٌ حَاضِرٌ وَلَا قَرِيبٌ وَفِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ بِضْعُ عَشْرَةَ لُغَةً ذَكَرْتُهَا كُلَّهَا مُفَصَّلَةً وَاضِحَةً مُتْقَنَةً مَعَ شَرْحِ مَعْنَاهَا وَتَصْرِيفِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا ذَلِكَ قَوْلُهُ وَأَخْبَرْتُهُ أَنَّهَا مُؤْتِمَةٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ التَّاءِ أَيْ ذَاتِ أيتام قوله فأمر براويتها فأنيخت والراوية عِنْدَ الْعَرَبِ هِيَ الْجَمَلُ الَّذِي يَحْمِلُ الْمَاءَ وَأَهْلُ الْعُرْفِ قَدْ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي الْمَزَادَةِ اسْتِعَارَةً وَالْأَصْلُ الْبَعِيرُ قَوْلُهُ فَمَجَّ فِي الْعَزْلَاوَيْنِ الْعُلْيَاوَيْنِ الْمَجُّ زَرْقُ الْمَاءِ بِالْفَمِ وَالْعَزْلَاءُ بِالْمَدِّ هُوَ الْمُشَعَّبُ الْأَسْفَلُ لِلْمَزَادَةِ الَّذِي يُفْرَغُ مِنْهُ الْمَاءُ ويطلق أَيْضًا عَلَى فَمِهَا الْأَعْلَى كَمَا قَالَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْعَزْلَاوَيْنِ الْعُلْيَاوَيْنِ وَتَثْنِيَتُهَا عَزْلَاوَانِ وَالْجَمْعُ الْعَزَالِي بِكَسْرِ اللَّامِ قَوْلُهُ وَغَسَّلْنَا صَاحِبَنَا يَعْنِي الْجُنُبَ هُوَ بِتَشْدِيدِ السِّينِ أَيْ أَعْطَيْنَاهُ مَا يَغْتَسِلُ بِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ عَنِ الْجَنَابَةِ إِذَا أَمْكَنَهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ اغْتَسَلَ قَوْلُهُ وَهِيَ تَكَادُ تَنْضَرِجُ مِنَ الْمَاءِ

أَيْ تَنْشَقُّ وَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْجِيمِ وَرُوِيَ بِتَاءٍ أُخْرَى بَدَلَ النُّونِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ نَرْزَأْ مِنْ مَائِكَ هُوَ بِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ رَاءٍ ساكنة ثم زاء ثُمَّ هَمْزَةٍ أَيْ لَمْ نُنْقِصْ مِنْ مَائِكَ شَيْئًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ قَوْلُهَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ ذَيْتَ وَذَيْتَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ بِمَعْنَى كَيْتَ وَكَيْتَ وَكَذَا وَكَذَا قَوْلُهُ فَهَدَى اللَّهُ ذَلِكَ الصِّرْمَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمُوا الصِّرْمُ بِكَسْرِ الصَّادِ أَبْيَاتٌ مُجْتَمَعَةٌ قَوْلُهُ قُبَيْلُ الصُّبْحِ بِضَمِّ الْقَافِ هُوَ أَخَصُّ مِنْ قَبْلُ وَأَصْرَحُ فِي الْقُرْبِ قَوْلُهُ وَكَانَ أَجْوَفَ جَلِيدًا أَيْ رَفِيعَ الصَّوْتِ يُخْرِجُ صَوْتَهُ مِنْ جَوْفِهِ وَالْجَلِيدُ الْقَوِيُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا ضَيْرَ أَيْ لَا ضَرَرَ عَلَيْكُمْ فِي هَذَا النَّوْمِ وَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ بِهِ

وَالضَّيْرُ وَالضُّرُّ وَالضَّرَرُ بِمَعْنًى [684] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ مَعْنَاهُ لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ مِثْلُهَا وَلَا يَلْزَمُهُ مَعَ ذَلِكَ شَيْءٌ آخَرَ [684] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا هَدَّابٌ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ جَرَتْ فِي سَفَرَيْنِ أَوْ أسْفَارٍ لَا فِي سُفْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَظَاهِرُ أَلْفَاظِهَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أعلم

(كتاب صلاة المسافرين وقصرها [685] قولها فرضت الصلاة

(كتاب صلاة المسافرين وقصرها [685] قَوْلُهَا فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَجُوزُ الْقَصْرُ وَالْإِتْمَامُ وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ وَلَنَا قَوْلٌ أَنَّ الْإِتْمَامُ أَفْضَلُ وَوَجْهُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْقَصْرَ أَفْضَلُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَكَثِيرُونَ الْقَصْرُ وَاجِبٌ وَلَا يَجُوزُ الْإِتْمَامُ وَيَحْتَجُّونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِأَنَّ أَكْثَرَ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ كَانَ الْقَصْرُ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يُسَافِرُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْهُمُ الْقَاصِرُ وَمِنْهُمُ الْمُتِمُّ وَمِنْهُمُ الصَّائِمُ وَمِنْهُمُ الْمُفْطِرُ لَا يَعِيبُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُتِمُّ وَكَذَلِكَ عَائِشَةُ وَغَيْرُهَا وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ وَهَذَا يَقْتَضِي رَفْعُ الْجُنَاحِ وَالْإِبَاحَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ فرضت)

الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فَمَعْنَاهُ فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِمَا فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ رَكْعَتَانِ عَلَى سَبِيلِ التَّحْتِيمِ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِصَارِ وَثَبَتَتْ دَلَائِلُ جَوَازِ الْإِتْمَامِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا وَالْجَمْعُ بَيْنَ دَلَائِلِ الشَّرْعِ قَوْلُهُ فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ فَقَالَ إِنَّهَا تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهِمَا فَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُمَا رَأَيَا الْقَصْرَ جَائِزًا وَالْإِتْمَامَ جَائِزًا فَأَخَذَا بِأَحَدِ الْجَائِزَيْنِ وَهُوَ الْإِتْمَامُ وَقِيلَ لِأَنَّ عُثْمَانَ إِمَامُ الْمُؤْمِنِينَ وَعَائِشَةُ أُمُّهُمْ فَكَأَنَّهُمَا فِي مَنَازِلِهِمَا وَأَبْطَلَهُ الْمُحَقِّقُونَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُمَا وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقِيلَ لِأَنَّ عُثْمَانَ تَأَهَّلَ بِمَكَّةَ وَأَبْطَلُوهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَافَرَ بِأَزْوَاجِهِ وَقَصَرَ وَقِيلَ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ حَضَرُوا مَعَهُ لِئَلَّا يَظُنُّوا أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ رَكْعَتَانِ أَبَدًا حَضَرًا وَسَفَرًا وَأَبْطَلُوهُ بِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى كَانَ مَوْجُودًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلِ اشْتَهَرَ أَمْرُ الصَّلَاةِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ وَقِيلَ لِأَنَّ عُثْمَانَ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْحَجِّ وَأَبْطَلُوهُ بِأَنَّ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ حَرَامٌ عَلَى الْمُهَاجِرِ فَوْقَ ثَلَاثٍ وَقِيلَ كَانَ لِعُثْمَانَ أَرْضٌ بِمِنًى وَأَبْطَلُوهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْإِتْمَامَ وَالْإِقَامَةَ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ ثُمَّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حنيفة وأحمد والجمهور أنه يَجُوزُ الْقَصْرُ فِي كُلِّ سَفَرٍ مُبَاحٍ وَشَرَطَ بَعْضُ السَّلَفِ كَوْنَهُ سَفَرَ خَوْفٍ وَبَعْضُهُمْ كَوْنَهُ سَفَرَ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَزْوٍ وَبَعْضُهُمْ كَوْنَهُ سَفَرَ طَاعَةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْأَكْثَرُونَ وَلَا يَجُوزُ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُمَا وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَفُقَهَاءُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ لا يَجُوزُ الْقَصْرُ إِلَّا فِي مَسِيرَةِ مَرْحَلَتَيْنِ قَاصِدَتَيْنِ وهي ثمانية وأربعون ميلا هاشمية وَالْمِيلُ سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَالذِّرَاعُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ إِصْبَعًا مُعْتَرِضَةٌ مُعْتَدِلَةٌ وَالْإِصْبَعُ سِتُّ شُعَيْرَاتٍ مُعْتَرِضَاتٍ مُعْتَدِلَاتٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ لَا يُقْصِرُ فِي أَقَلَّ من ثلاث مراحل وروى عن عثمان وبن مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَقَالَ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ يَجُوزُ

فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ حَتَّى لَوْ كَانَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ قَصَرَ [686] قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَيْهِ هُوَ بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ أُخْرَى مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ ويقال فيه بن باباه وبن بابي بكسر الباء الثانية قوله عجبت ما عَجِبْتَ مِنْهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ مَا عَجِبْتُ وَفِي بَعْضِهَا عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ وَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ تَصَدَّقَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَاللَّهُمَّ تَصَدَّقْ عَلَيْنَا وَقَدْ كَرِهَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَهُوَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَفِيهِ جَوَازُ الْقَصْرِ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ وَفِيهِ أَنَّ الْمَفْضُولَ إِذَا رَأَى الْفَاضِلَ يَعْمَلُ شَيْئًا يُشْكِلُ عَلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [687] قَوْلُهُ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحضر

أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ عَمِلَ بِظَاهِرِهِ طَائِفَةٌ مِنَ السلف منهم الحسن والضحاك واسحق بْنُ رَاهَوَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ إِنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ كَصَلَاةِ الْأَمْنِ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَضَرِ وَجَبَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَإِنْ كَانَتْ فِي السَّفَرِ وَجَبَ رَكْعَتَانِ وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَالٍ من الأحوال وتأولوا حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ وَرَكْعَةٌ أُخْرَى يَأْتِي بِهَا مُنْفَرِدًا كَمَا جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْفِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عَائِذٍ هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ [689] قَوْلُهُ حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ أَيْ مَنْزِلَهُ قَوْلُهُ فَحَانَتْ مِنْهُ

الْتِفَاتَةٌ أَيْ حَضَرَتْ وَحَصَلَتْ قَوْلُهُ لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا أَتْمَمْتُ صَلَاتِي الْمُسَبِّحُ هُنَا الْمُتَنَفِّلُ بِالصَّلَاةِ والسبحة هنا صلاة النفل وقوله لو كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ مَعْنَاهُ لَوِ اخْتَرْتُ التَّنَفُّلَ لَكَانَ إِتْمَامُ فَرِيضَتِي أَرْبَعًا أَحَبُّ إِلَيَّ وَلَكِنِّي لَا أَرَى وَاحِدًا مِنْهُمَا بَلِ السُّنَّةُ الْقَصْرُ وَتَرْكُ التَّنَفُّلِ وَمُرَادُهُ النَّافِلَةُ الرَّاتِبَةُ مَعَ الْفَرَائِضِ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَكْتُوبَاتِ وَأَمَّا النوافل المطلقة فقد كان بن عُمَرَ يَفْعَلُهَا فِي السَّفَرِ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهَا كَمَا ثَبَتَ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الصَّحِيحِ عَنْهُ وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ فِي السَّفَرِ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِحْبَابِ النَّوَافِلِ الرَّاتِبَةِ فكرهها بن عُمَرَ وَآخَرُونَ وَاسْتَحَبَّهَا الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَالْجُمْهُورُ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الْمُطْلَقَةُ فِي نَدْبِ الرَّوَاتِبِ وَحَدِيثُ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضُّحَى يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ وَرَكْعَتَيِ الصُّبْحِ حِينَ نَامُوا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَأَحَادِيثُ أُخَرَ صَحِيحَةٌ ذَكَرَهَا أَصْحَابُ السُّنَنِ وَالْقِيَاسِ عَلَى النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ وَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الرواتب في رحله ولا يراه بن عُمَرَ فَإِنَّ النَّافِلَةَ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ أَوْ لَعَلَّهُ تَرَكَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ تَنْبِيهًا عَلَى جَوَازِ تَرْكِهَا وَأَمَّا مَا يَحْتَجُّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِتَرْكِهَا مِنْ أَنَّهَا لَوْ شُرِعَتْ لَكَانَ إِتْمَامُ الْفَرِيضَةِ أَوْلَى فَجَوَابُهُ أَنَّ الْفَرِيضَةَ مُتَحَتِّمَةٌ فَلَوْ شُرِعَتْ تَامَّةً لَتَحَتَّمَ إِتْمَامُهَا وَأَمَّا النَّافِلَةُ فَهِيَ إِلَى خِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ فَالرِّفْقُ أَنْ تَكُونَ مَشْرُوعَةً وَيَتَخَيَّرُ إِنْ شَاءَ فَعَلَهَا وَحَصَلَ ثَوَابُهَا وَإِنْ شاء تركها ولا شيء عليه قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنِ بن عُمَرَ ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ بَعْدَ هذا في حديث بن عُمَرَ قَالَ وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ ثُمَّ أَتَمَّهَا وَفِي رِوَايَةٍ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ سِتَّ سِنِينَ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ عُثْمَانَ

أَتَمَّ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ مِنْ خِلَافَتِهِ وَتَأَوَّلَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ فِي غَيْرِ مِنًى وَالرِّوَايَاتُ الْمَشْهُورَةُ بِإِتْمَامِ عُثْمَانَ بَعْدَ صَدْرٍ مِنْ خِلَافَتِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْإِتْمَامِ بِمِنًى خَاصَّةً وَقَدْ فَسَّرَ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ إِتْمَامَ عُثْمَانَ إِنَّمَا كَانَ بِمِنًى وَكَذَا ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَصْرَ مَشْرُوعٌ بِعَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى لِلْحَاجِّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَا قَرُبَ مِنْهَا وَلَا يَجُوزُ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَكْثَرِينَ وَقَالَ مَالِكٌ يُقْصِرُ أَهْلُ مَكَّةَ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَعَرَفَاتٍ فَعِلَّةُ الْقَصْرِ عِنْدَهُ فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ النُّسُكُ وَعِنْدَ الجمهور علته السفر والله أعلم قَوْلُهُ [690] صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ وَذِي الْحُلَيْفَةِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ وَيُقَالُ سَبْعَةٌ هَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ أَهْلُ الظَّاهِرِ فِي جَوَازِ الْقَصْرِ فِي طَوِيلِ السَّفَرِ وَقَصِيرِهِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إِلَّا فِي سَفَرٍ يَبْلُغُ مَرْحَلَتَيْنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ شَرْطُهُ ثَلَاثُ مَرَاحِلٍ وَاعْتَمَدُوا فِي ذَلِكَ آثَارًا عَنِ الصَّحَابَةِ وَأَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَهْلِ الظَّاهِرِ لِأَنَّ الْمُرَادَ

أَنَّهُ حِينَ سَافَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا ثُمَّ سَافَرَ فَأَدْرَكَتْهُ الْعَصْرُ وَهُوَ مُسَافِرٌ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَصَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَا الْحُلَيْفَةِ كَانَ غَايَةَ سَفَرِهِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ قَطْعًا وَأَمَّا ابْتِدَاءُ الْقَصْرِ فَيَجُوزُ مِنْ حِينِ يُفَارِقُ بُنْيَانَ بَلَدِهِ أَوْ خِيَامَ قَوْمِهِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخِيَامِ هَذَا جُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ وَتَفْصِيلُهُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا رِوَايَةً ضَعِيفَةً عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ وجماعة من أصحاب بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ السَّفَرَ قَصَرَ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ فِي يَوْمِ خُرُوجِهِ حَتَّى يَدْخُلَ اللَّيْلُ وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا مُنَابِذَةٌ لِلسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ [691] قَوْلُهُ يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ الْهُنَائِيُّ هُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَبَعْدَهَا نُونٌ مُخَفَّفَةٌ وَبِالْمَدِّ الْمَنْسُوبِ إِلَى هَنَاءَ بْنِ مَالِكِ بْنِ فَهْمٍ قَالَهُ السَّمْعَانِيُّ قَوْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ هَذَا لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاطِ وَإِنَّمَا وَقَعَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ أَسْفَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَا كَانَ يُسَافِرُ سَفَرًا طَوِيلًا فَيَخْرُجُ عِنْدَ حُضُورِ فَرِيضَةٍ مَقْصُورَةٍ وَيَتْرُكُ قَصْرَهَا بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ وَيُتِمُّهَا وَإِنَّمَا كَانَ يُسَافِرُ بَعِيدًا مِنْ وَقْتِ الْمَقْصُورَةِ فَتُدْرِكُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ أكْثَرَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَيُصَلِّيهَا حِينَئِذٍ وَالْأَحَادِيثُ الْمُطْلَقَةُ مَعَ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ مُتَعَاضِدَاتٍ عَلَى جَوَازِ الْقَصْرِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنَ الْبَلَدِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُسَمَّى مسافرا

وَاللَّهُ أَعْلَمُ [692] قَوْلُهُ وَحَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدِ بْنِ خُمَيْرٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ إِلَى قَرْيَةٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ رَأَيْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ إِنَّمَا أَفْعَلُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ يَزِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ فَمَنْ بَعْدَهُ وَتَقَدَّمَتْ لِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُ بَاقِيهَا فِي مَوَاضِعِهَا ان شاء الله تعالى ويزيد بن خمير بضم الخاء المعجمة ونفير بضم النون وفتح الفاء والسمط بِكَسْرِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَيُقَالُ السَّمِطُ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ دَلِيلٌ لِأَهْلِ الظَّاهِرِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ بِحَالٍ لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّمَا هُوَ الْقَصْرُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا غَايَةَ السَّفَرِ وَأَمَّا قَوْلُهُ قَصَرَ شُرَحْبِيلُ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ مِيلًا أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ تَابِعِيٌّ فَعَلَ شَيْئًا يُخَالِفُ الْجُمْهُورَ أَوْ يُتَأَوَّلُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ لَا أَنَّهَا غَايَتُهُ وَهَذَا التَّأْوِيلُ ظَاهِرٌ وَبِهِ يَصِحُّ احْتِجَاجُهُ بِفِعْلِ عُمَرَ وَنَقْلُهُ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ أَتَى أَرْضًا يُقَالُ لَهَا دُومَيْنِ مِنْ حِمْصَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا هِيَ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَالْوَاوُ سَاكِنَةٌ

وَالْمِيمُ مَكْسُورَةٌ وَحِمْصُ لَا يَنْصَرِفُ وَإِنْ كَانَتِ اسْمًا ثُلَاثِيًّا سَاكِنَ الْأَوْسَطِ لِأَنَّهَا عَجَمِيَّةٌ اجْتَمَعَ فِيهَا الْعُجْمَةُ وَالْعَلَمِيَّةُ وَالتَّأْنِيثُ كَمَاهَ وَجَوْرَ وَنَظَائِرِهِمَا [693] قَوْلُهُ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ قُلْتُ كَمْ أَقَامَ بِمَكَّةَ قَالَ عَشْرًا هَذَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَقَامَ فِي مَكَّةَ وَمَا حَوَالَيْهَا لَا فِي نَفْسِ مَكَّةَ فَقَطْ وَالْمُرَادُ فِي سَفَرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَدِمَ مَكَّةَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَأَقَامَ بِهَا الْخَامِسَ وَالسَّادِسَ وَالسَّابِعَ وَخَرَجَ مِنْهَا فِي الثَّامِنِ إِلَى مِنًى وَذَهَبَ إِلَى عَرَفَاتٍ فِي التَّاسِعِ وَعَادَ إِلَى مِنًى فِي الْعَاشِرِ فَأَقَامَ بِهَا الْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ وَنَفَرَ فِي الثَّالِثَ عَشَرَ إِلَى مَكَّةَ وَخَرَجَ مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَةِ فِي الرَّابِعَ عَشَرَ فَمُدَّةُ إِقَامَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَّةَ وَحَوَالَيْهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِيهَا كُلِّهَا فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا نَوَى إِقَامَةً دُونَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سِوَى يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ يَقْصُرُ وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ لَيْسَتْ إِقَامَةً لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ هُوَ وَالْمُهَاجِرُونَ ثَلَاثًا بِمَكَّةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَةَ لَيْسَتْ إِقَامَةً شَرْعِيَّةً

وَأَنَّ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ لَا يُحْسَبَانِ مِنْهَا وَبِهَذِهِ الْجُمْلَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَفِيهَا خلاف منتشر للسلف [694] قَوْلُهُ بِمِنًى وَغَيْرِهِ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ مِنًى تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ بِحَسَبِ الْقَصْدِ إِنْ قَصَدَ الْمَوْضِعَ فَمُذَكَّرٌ أَوِ الْبُقْعَةَ فَمُؤَنَّثَةٌ وَإِذَا ذُكِّرَ صُرِفَ وَكُتِبَ بِالْأَلِفِ وَإِنْ أُنِّثَ لَمْ يُصْرَفْ وَكُتِبَ بِالْيَاءِ وَالْمُخْتَارُ تَذْكِيرُهُ وَتَنْوِينُهُ وَسُمِّيَ مِنًى لِمَا يُمْنَى بِهِ مِنَ الدِّمَاءِ أَيْ يُرَاقُ قَوْلُهُ خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَضْمُومَةِ وَسَبَقَ بيانه في

أَوَّلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ [695] قَوْلُهُ فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ مَعْنَاهُ لَيْتَ عُثْمَانَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَدَلَ الْأَرْبَعِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ فِي صَدْرِ خلافته يفعلون وَمَقْصُودُهُ كَرَاهَةُ مُخَالَفَةِ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ وَمَعَ هَذَا فَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُوَافِقٌ عَلَى جَوَازِ الْإِتْمَامِ وَلِهَذَا كَانَ يُصَلِّي وَرَاءَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُتِمًّا وَلَوْ كَانَ الْقَصْرُ عِنْدَهُ وَاجِبًا لَمَا اسْتَجَازَ تَرْكَهُ وَرَاءَ أَحَدٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَذُكِرَ

(باب الصلاة في الرحال في المطر)

ذَلِكَ لِابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَاسْتَرْجَعَ فَمَعْنَاهُ كَرَاهَةُ الْمُخَالَفَةِ فِي الْأَفْضَلِ كَمَا سَبَقَ قَوْلُهُ قَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَارِثَةُ بْنُ وَهْبٍ الْخُزَاعِيُّ هُوَ أَخُو عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِأُمِّهِ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ أَخُو عُبَيْدِ اللَّهِ بِضَمِّ الْعَيْنِ مُصَغَّرٌ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ مُكَبَّرٌ وَهُوَ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَكْثَرِ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تاريخه وبن أبي حاتم وبن عَبْدِ الْبَرِّ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ بِأَنَّهُ أَخُو عُبَيْدِ اللَّهِ مُصَغَّرٌ وَأُمُّهُ مُلَيْكَةُ بِنْتُ جَرْوَلٍ الْخُزَاعِيُّ تَزَوَّجَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَوْلَدَهَا ابْنَهُ عُبَيْدَ اللَّهِ وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأُخْتُهُ حَفْصَةُ فَأُمُّهُمَا زَيْنَبُ بِنْتُ مَظْعُونٍ (باب الصَّلَاةِ فِي الرِّحَالِ فِي الْمَطَرِ) [697] قَوْلُهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةً بَارِدَةً أَوْ ذَاتِ مَطَرٍ في

السَّفَرِ أَنْ يَقُولَ أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ [698] وَفِي رِوَايَةٍ لِيُصَلِّ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فِي رحله وفي حديث بن عباس رضي الله عنهما أنه قال لمؤذن فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ إِذَا قُلْتَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَلَا تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قُلْ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ قَالَ فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ فَقَالَ أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا فَقَدْ فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَحْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ

وَالدَّحْضِ وَفِي رِوَايَةٍ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَخْفِيفِ أَمْرِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأَعْذَارِ وَأَنَّهَا مُتَأَكِّدَةٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ وَأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ لِمَنْ تَكَلَّفَ الْإِتْيَانَ إِلَيْهَا وَتَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لِيُصَلِّ مَنْ شَاءَ فِي رَحْلِهِ وَأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ فِي السَّفَرِ وَأَنَّ الْأَذَانَ مشروع في السفر وفي حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَقُولَ أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ فِي نَفْسِ الْأَذَانِ وَفِي حديث بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ نِدَائِهِ وَالْأَمْرَانِ جَائِزَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ وَتَابَعَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ فَيَجُوزُ بَعْدَ الْأَذَانِ وَفِي أَثْنَائِهِ لِثُبُوتِ السُّنَّةِ فِيهِمَا لَكِنَّ قَوْلَهُ بَعْدَهُ أَحْسَنُ لِيَبْقَى نَظْمُ الْأَذَانِ عَلَى وَضْعِهِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يَقُولُهُ إِلَّا بَعْدَ الفراغ وهذا ضعيف مخالف لصريح حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وبين الحديث الأول حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِأَنَّ هَذَا جَرَى فِي وَقْتٍ وَذَلِكَ فِي وَقْتٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الرِّحَالُ الْمَنَازِلُ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ حَجَرٍ وَمَدَرٍ وَخَشَبٍ أَوْ شَعْرٍ وَصُوفٍ وَوَبَرٍ وَغَيْرِهَا وَاحِدُهَا رَحْلٌ قَوْلُهُ نَادَى بِالصَّلَاةِ بِضَجْنَانَ هُوَ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ جِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ نُونٍ وَهُوَ جَبَلٌ عَلَى بَرِيدٍ مِنْ مَكَّةَ [699] قَوْلُهُ إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ بِإِسْكَانِ الزَّايِ أَيْ وَاجِبَةٌ مُتَحَتِّمَةٌ فَلَوْ قَالَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ لَكُلِّفْتُمُ الْمَجِيءَ إِلَيْهَا وَلَحِقَتْكُمُ الْمَشَقَّةَ قَوْلُهُ كَرِهْتُ أَنْ أَحْرِجَكُمْ هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْحَرَجِ وَهُوَ الْمَشَقَّةُ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وكذا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ رِوَايَاتِهِمْ قَوْلُهُ فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ بِإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا ضَادٌ مُعْجَمَةٌ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ الدَّحْضُ وَالزَّلَلُ هَكَذَا هُوَ بِاللَّامَيْنِ وَالدَّحْضُ وَالزَّلَلُ وَالزَّلَقُ وَالرَّدْغُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ كُلُّهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَرَوَاهُ بَعْضُ رُوَاةِ مُسْلِمٍ رَزَغٌ بِالزَّايِ بَدَلَ الدَّالِ بِفَتْحِهَا وَإِسْكَانِهَا

وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ بِمَعْنَى الرَّدْغِ وَقِيلَ هُوَ الْمَطَرُ الَّذِي يَبُلُّ وَجْهَ الْأَرْضِ قَوْلُهُ وَحَدَّثَنِيهِ أبو الربيع الْعَتَكِيُّ هُوَ الزَّهْرَانِيُّ قَالَ الْقَاضِي كَذَا وَقَعَ هُنَا جَمْعٌ بَيْنَ الْعَتَكِيِّ وَالزَّهْرَانِيِّ وَتَارَةً يَقُولُ الْعَتَكِيُّ فَقَطْ وَتَارَةً الزَّهْرَانِيُّ قَالَ وَلَا يَجْتَمِعُ الْعَتَكُ وَزَهْرَانُ إِلَّا فِي جَدِّهِمَا لِأَنَّهُمَا ابْنَا عَمٍّ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا مِنْ بَطْنِ الْآخَرِ لِأَنَّ زَهْرَانَ بْنَ الْحَجْرِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ عُمَرَ والعتك بن أحد بْنِ عَمْرٍو وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ الْجُمُعَةِ بِعُذْرِ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ آخَرِينَ وَعَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى خِلَافُهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

(باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث

(باب جَوَازِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ فِي السفر حيث توجهت) [700] قوله عن بن عُمَرَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي سُبْحَتَهُ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ نَاقَتُهُ وَفِي رِوَايَةٍ يُصَلِّي وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ وَفِيهِ نَزَلَتْ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةٍ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُوَجَّهٌ إِلَى خَيْبَرَ وَفِي رِوَايَةٍ

كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ وَفِي رِوَايَةٍ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ جَوَازُ التَّنَفُّلِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ وَهَذَا جَائِزٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ وَلَا يَجُوزُ التَّرَخُّصُ بِشَيْءٍ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ لِعَاصٍ بِسَفَرِهِ وَهُوَ مَنْ سَافَرَ لِقَطْعِ طَرِيقٍ أَوْ لِقِتَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ عَاقًّا وَالِدَهُ أَوْ أبِقًا مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ نَاشِزَةً عَلَى زَوْجِهَا وَيُسْتَثْنَى الْمُتَيَمِّمُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ وَتَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ عَلَى الصَّحِيحِ سَوَاءٌ قَصِيرُ السَّفَرِ وَطَوِيلُهُ فَيَجُوزُ التَّنَفُّلُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي الْجَمِيعِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْبَلَدِ وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ قَوْلٌ

غَرِيبٌ مَحْكِيٌّ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ التَّنَفُّلُ عَلَى الدَّابَّةِ فِي الْبَلَدِ وَهُوَ مَحْكِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَكْتُوبَةَ لَا تَجُوزُ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَلَا عَلَى الدَّابَّةِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إِلَّا فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ فَلَوِ أَمْكَنَهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَالْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ عَلَى الدَّابَّةِ وَاقِفَةً عَلَيْهَا هَوْدَجٌ أَوْ نَحْوُهُ جَازَتِ الْفَرِيضَةُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي مَذْهَبِنَا فَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً لَمْ تَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ لِلشَّافِعِيِّ وَقِيلَ تَصِحُّ كَالسَّفِينَةِ فَإِنَّهَا يَصِحُّ فِيهَا الْفَرِيضَةُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ كَانَ فِي رَكْبٍ وَخَافَ لَوْ نَزَلَ لِلْفَرِيضَةِ انْقَطَعَ عَنْهُمْ وَلَحِقَهُ الضَّرَرُ قَالَ أَصْحَابُنَا يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ عَلَى الدَّابَّةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَتَلْزَمُهُ إِعَادَتُهَا لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ قَوْلُهُ وَيُوتِرُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْوِتْرُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ حَيْثُ تَوَجَّهَ وَأَنَّهُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ وَاجِبٌ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الرَّاحِلَةِ دَلِيلُنَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ فَإِنْ قِيلَ فَمَذْهَبُكُمْ أَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فقد صح فعله لَهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْعُمُومِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الرَّاحِلَةِ كَالظُّهْرِ فَإِنْ قِيلَ الظُّهْرُ فَرْضٌ وَالْوِتْرُ وَاجِبٌ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ قُلْنَا هَذَا الْفَرْقُ اصْطِلَاحٌ لَكُمْ لَا يُسَلِّمُهُ لَكُمُ الْجُمْهُورُ وَلَا يَقْتَضِيهِ شَرْعٌ وَلَا لُغَةٌ وَلَوْ سُلِّمَ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ مُعَارَضَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا تَنَفُّلُ رَاكِبِ السَّفِينَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا إِلَى الْقِبْلَةِ إِلَّا مَلَّاحَ السَّفِينَةِ فَيَجُوزُ لَهُ إِلَى غَيْرِهَا لِحَاجَةٍ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ كَمَذْهَبِنَا وَرِوَايَةٌ بِجَوَازِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ لِكُلِّ أَحَدٍ قَوْلُهُ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَيُصَلِّي سُبْحَتَهُ أَيْ يَتَنَفَّلُ وَالسُّبْحَةُ بِضَمِّ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ النافلة قوله حيثما توجهت به راجلته يَعْنِي فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ تَوَجَّهَ إِلَى غَيْرِ الْمَقْصِدِ فَإِنْ كَانَ إِلَى القبلة جاز وإلا فلا قَوْلُهُ وَهُوَ مُوَجِّهٌ إِلَى خَيْبَرَ هُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ مُتَوَجِّهٌ وَيُقَالُ قَاصِدٌ وَيُقَالُ مُقَابِلٌ قَوْلُهُ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا غَلَطٌ مِنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ قَالُوا وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَوْ عَلَى الْبَعِيرِ وَالصَّوَابُ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْحِمَارِ مِنْ فِعْلِ أَنَسٍ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرِ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ عَمْرٍو هَذَا كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَمُتَابِعِيهِ وَفِي الْحُكْمِ بِتَغْلِيطِ رِوَايَةِ عَمْرٍو نَظَرٌ لِأَنَّهُ ثِقَةٌ نَقَلَ شَيْئًا مُحْتَمَلًا فلعله كان لحمار مَرَّةً وَالْبَعِيرُ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إِنَّهُ شَاذٌّ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الْجُمْهُورِ في البعيد والراحلة

(باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر)

وَالشَّاذُّ مَرْدُودٌ وَهُوَ الْمُخَالِفُ لِلْجَمَاعَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [702] قَوْلُهُ تَلَقَّيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ قَدِمَ الشَّامَ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ لِصَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ وَقِيلَ إِنَّهُ وَهْمٌ وَصَوَابُهُ قَدِمَ مِنَ الشَّامِ كَمَا جَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنَ الْبَصْرَةِ لِلِقَائِهِ حِينَ قَدِمَ مِنَ الشَّامِ قُلْتُ وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ صَحِيحَةٌ وَمَعْنَاهَا تَلَقَّيْنَاهُ فِي رُجُوعِهِ حِينَ قَدِمَ الشَّامَ وَإِنَّمَا حَذَفَ ذِكْرَ رُجُوعِهِ لِلْعِلْمِ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ) [703] قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ أَيَّتهِمَا شَاءَ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَفِي جَوَازِهِ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا لَا يَجُوزُ فِيهِ الْقَصْرُ وَالطَّوِيلُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةً وَهُوَ مَرْحَلَتَانِ مُعْتَدِلَتَانِ كَمَا سَبَقَ وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ هُوَ فِي الْمَنْزِلِ فِي وَقْتِ الْأُولَى أَنْ يُقَدِّمَ الثَّانِيَةَ إِلَيْهَا وَلِمَنْ هُوَ سَائِرٌ فِي وَقْتِ الْأُولَى وَيَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْزِلُ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ أَنْ يُؤَخِّرَ الْأُولَى إِلَى الثَّانِيَةِ وَلَوْ خَالَفَ فِيهِمَا جَازَ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ وَشَرْطُ

الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى أَنْ يُقَدِّمَهَا وَيَنْوِيَ الجمع قبل فراغه من الأولى وأن لا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ أَرَادَ الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَجَبَ أَنْ يَنْوِيَهُ فِي وَقْتِ الْأُولَى وَيَكُونَ قَبْلَ ضِيقِ وَقْتِهَا بِحَيْثُ يَبْقَى مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ فَأَكْثَرَ فَإِنْ أَخَّرَهَا بِلَا نِيَّةٍ عَصَى وَصَارَتْ قَضَاءً وَإِذَا أَخَّرَهَا بِالنِّيَّةِ اسْتُحِبَّ أَنْ يُصَلِّيَ الْأُولَى أَوَّلًا وَأَنْ يَنْوِيَ الْجَمْعَ وَأَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ هَذَا مُخْتَصَرُ أَحْكَامِ الْجَمْعِ وَبَاقِي فُرُوعِهِ مَعْرُوفَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بِالْمَطَرِ فِي وَقْتِ الْأُولَى وَلَا يَجُوزُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِاسْتِمْرَارِهِ إِلَى الثَّانِيَةِ وَشَرْطُ وُجُودِهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالْأُولَى وَالْفَرَاغِ مِنْهَا وَافْتِتَاحِ الثَّانِيَةِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِمَنْ يَمْشِي إِلَى الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ كِنٍّ بِحَيْثُ يَلْحَقُهُ بَلَلُ الْمَطَرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا فِي الْجَمْعِ بِالْمَطَرِ وَقَالَ بِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَفِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَخَصَّهُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ وَجَوَّزَهُ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوِيٌّ فِي الدَّلِيلِ كَمَا سَنُنَبِّهُ عليه في شرح حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِسَبَبِ السَّفَرِ وَلَا الْمَطَرِ وَلَا الْمَرَضِ وَلَا غَيْرِهَا إِلَّا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَاتٍ بِسَبَبِ النُّسُكِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ بِسَبَبِ النُّسُكِ أَيْضًا وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ في حديث بن عُمَرَ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ صَرِيحٌ فِي الْجَمْعِ فِي وَقْتِ إِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ وَفِيهِ إِبْطَالُ تَأْوِيلِ الْحَنَفِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ تَأْخِيرُ الْأُولَى إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَتَقْدِيمُ الثَّانِيَةِ إِلَى أَوَّلِ وَقْتِهَا وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ

الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى أَوْضَحُ دَلَالَةً وَهِيَ قَوْلُهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ بن عُمَرَ عَلَى ذِكْرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ جَوَابًا لِقَضِيَّةٍ جَرَتْ لَهُ فَإِنَّهُ اسْتَصْرَخَ عَلَى زَوْجَتِهِ فَذَهَبَ مُسْرِعًا وَجَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَذَكَرَ ذَلِكَ بَيَانًا لِأَنَّهُ فَعَلَهُ عَلَى وَفْقِ السُّنَّةِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِعَدَمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَقَدْ رَوَاهُ أَنَسٌ وبن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ قَوْلُهُ وَحَدَّثَنِي

أَبُو الطَّاهِرِ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ قَالَا أَخْبَرَنَا بن وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عقيل هكذا ضبطناه ووقع في رواياتنا وروايات أَهْلَ بِلَادِنَا جَابِرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بِالْجِيمِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ بِلَادِنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَكَذَا وَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاةِ الْمَغَارِبَةِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ بِاتِّفَاقِهِمْ جَابِرٌ بِالْجِيمِ وَهُوَ جابر بن إسماعيل الحضرمي الْمِصْرِيُّ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِذَا عَجَّلَ عَلَيْهِ السَّفَرُ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ عَجَّلَ عَلَيْهِ وَهُوَ بِمَعْنَى عَجَّلَ بِهِ فِي الرِّوَايَاتِ الباقية [705] قوله في حديث بن عَبَّاسٍ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خوف ولا سفر وقال بن عَبَّاسٍ حِينَ سُئِلَ لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ

وفي الرواية الأخرى عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ فِي سُفْرَةٍ سَافَرَهَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ وَفِي رِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مِثْلُهُ سَوَاءٌ وَأَنَّهُ فِي غزوة تبوك وقال مثل كلام بن عباس وفي الرواية الأخرى عن بن عَبَّاسٍ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ

بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَمْرِو بن دينار عن أبي الشعثاء جابر بن زيد عن بن عَبَّاسٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيًّا جَمِيعًا وَسَبْعًا جَمِيعًا قُلْتُ يَا أَبَا الشَّعْثَاءِ أَظُنُّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ وَعَجَّلَ الْعَصْرَ وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ قَالَ وَأَنَا أَظُنُّ ذَاكَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن شقيق قال خطبنا بن عَبَّاسٍ يَوْمًا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَبَدَتِ النُّجُومُ وَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمٍ فَجَعَلَ لَا يفتر ولا ينثني الصلاة الصلاة فقال بن عباس أتعلمني

بِالسُّنَّةِ لَا أُمَّ لَكَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ فَحَاكَ فِي صَدْرِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَأَتَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ فَسَأَلْتُهُ فَصَدَّقَ مَقَالَتَهُ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ الثَّابِتَةُ فِي مُسْلِمٍ كَمَا تَرَاهَا وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهَا تَأْوِيلَاتٌ وَمَذَاهِبُ وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِهِ لَيْسَ فِي كِتَابِي حَدِيثٌ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ إِلَّا حَدِيثَ بن عَبَّاسٍ فِي الْجَمْعِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ وَحَدِيثَ قَتْلِ شَارِبِ الْخَمْرِ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي حديث شارب الخمر هو كما قاله فَهُوَ حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ دَلَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى نَسْخِهِ وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ بَلْ لَهُمْ أَقْوَالٌ مِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ جَمَعَ بِعُذْرِ الْمَطَرِ وَهَذَا مَشْهُورٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْكِبَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي غَيْمٍ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ انْكَشَفَ الْغَيْمُ وَبَانَ أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ دَخَلَ فَصَلَّاهَا وَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَدْنَى احْتِمَالٍ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لَا احْتِمَالَ فِيهِ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى تَأْخِيرِ الْأُولَى إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا فَصَلَّاهَا فِيهِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا دَخَلَتِ الثَّانِيَةُ فَصَلَّاهَا فَصَارَتْ صَلَاتُهُ صُورَةَ جَمْعٍ وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل وفعل بن عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ حِينَ خَطَبَ وَاسْتِدْلَالُهُ بِالْحَدِيثِ لِتَصْوِيبِ فِعْلِهِ وَتَصْدِيقُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَهُ وَعَدَمُ إِنْكَارِهِ صَرِيحٌ فِي رَدِّ هَذَا التَّأْوِيلِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَمْعِ بِعُذْرِ الْمَرَضِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْأَعْذَارِ وَهَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ فِي تَأْوِيلِهِ لظاهر الحديث ولفعل بن عَبَّاسٍ وَمُوَافَقَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهِ

(باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال)

أَشَدُّ مِنَ الْمَطَرِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى جَوَازِ الْجَمْعِ فِي الْحَضَرِ لِلْحَاجَةِ لِمَنْ لا يتخذه عادة وهو قول بن سِيرِينَ وَأَشْهَبَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنِ الْقَفَّالِ وَالشَّاشِيُّ الْكَبِيرُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أصحاب الحديث واختاره بن المنذر ويؤيده ظاهر قول بن عباس أراد أن لا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ فَلَمْ يُعَلِّلْهُ بِمَرَضٍ وَلَا غَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاذٌ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ وَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ نسخ بلادنا وكذا نقله القاض عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَوَقَعَ لِبَعْضِهِمْ عَمْرُو بْنُ وَاثِلَةَ وَكَذَا وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ أُصُولِ بِلَادِنَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُولَى لِمُسْلِمٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرٍ فَهُوَ عَامِرٌ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ هُنَا وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَالْمَشْهُورُ فِي أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرٍ وَقِيلَ عَمْرٌو وَمِمَّنْ حَكَى الْخِلَافَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَالْمُعْتَمَدُ الْمَعْرُوفُ عَامِرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ هُوَ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ مَكْسُورَتَيْنِ وَالرَّاءُ مُشَدَّدَةٌ ثُمَّ مُثَنَّاةٌ تَحْتُ وَمِنْ فَوْقُ قَوْلُهُ فَحَاكَ فِي صَدْرِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ هُوَ بِالْحَاءِ وَالْكَافِ أَيْ وَقَعَ فِي نَفْسِي نَوْعُ شَكٍّ وَتَعَجُّبٍ وَاسْتِبْعَادٍ يُقَالُ حَاكَ يَحِيكُ وَحَكَّ يَحِكُّ واحتك وحكى الخليل أيضا احاك وأنكرها بن دُرَيْدٍ قَوْلُهُ لَا أُمَّ لَكَ هُوَ كَقَوْلِهِمْ لَا أَبَ لَهُ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ فِي الْفِتْنَةِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ (باب جَوَازِ الِانْصِرَافِ مِنْ الصَّلَاةِ عَنْ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ) [707] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ وَوَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ وَفِيهِ ثَلَاثَةٌ تَابِعِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ الْأَعْمَشُ وعمارة والأسود قوله في حديث بن مَسْعُودٍ لَا يَجْعَلَنَّ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ مِنْ نَفْسِهِ جُزْءًا لَا يَرَى

إلا أن حقا عليه أن لا يَنْصَرِفَ إِلَّا عَنْ يَمِينِهِ أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصَرِفُ عَنْ شِمَالِهِ [708] وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ تَارَةً هَذَا وَتَارَةً هَذَا فَأَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ الْأَكْثَرُ فِيمَا يَعْلَمُهُ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِمَا وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَمَّا الكراهة التي اقتضاها كلام بن مسعود فليست بسبب أصل للإنصراف عَنِ الْيَمِينِ أَوِ الشِّمَالِ وَإِنَّمَا هِيَ فِي حَقِّ مَنْ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْهُ فَإِنَّ مَنِ اعْتَقَدَ وُجُوبَ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ مُخْطِئٌ وَلِهَذَا قَالَ يَرَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ فَإِنَّمَا ذَمَّ مَنْ رَآهُ حَقًّا عَلَيْهِ ومذهبنا أنه لا كراهة في واحد مِنَ الْأَمْرَيْنِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْصَرِفَ فِي جِهَةِ حَاجَتِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ فَإِنْ اسْتَوَى الْجِهَتَانِ فِي الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا فَالْيَمِينُ أَفْضَلُ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِفَضْلِ الْيَمِينِ فِي بَابِ الْمَكَارِمِ وَنَحْوِهَا هَذَا صَوَابُ الْكَلَامِ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَقَدْ يُقَالُ فِيهِمَا خِلَافُ الصَّوَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب استحباب يمين الإمام)

(بَابُ اسْتِحْبَابِ يَمِينِ الْإِمَامِ) [709] فِيهِ حَدِيثُ الْبَرَاءِ كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ رَبِّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ أَوْ تَجْمَعُ عِبَادَكَ قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّيَامُنُ عِنْدَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ عَادَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْصَرَفَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ جَمِيعَهُمْ بِوَجْهِهِ قَالَ وَإِقْبَالُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ قِيَامِهِ مِنَ الصَّلَاةِ أو يكون حين ينفتل (باب كراهة المشوع في نافلة بعد شروع المؤذن) في إقامة الصلاة سوى السنة الراتبة كسنة الصبح والظهر وغيرها سواء علم أنه يدرك الركعة مع الإمام أم ل [710] اقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِرَجُلٍ يُصَلِّي وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَقَالَ يُوشِكُ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ أَرْبَعًا فِيهَا النَّهْيُ الصَّرِيحُ عَنِ افْتِتَاحِ نَافِلَةٍ بَعْدَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَتْ رَاتِبَةً كَسُنَّةِ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَوْ غَيْرِهَا وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ سُنَّةِ الصُّبْحِ صَلَّاهُمَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَقَالَ

الثَّوْرِيُّ مَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُصَلِّيهِمَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَلَا يُصَلِّيهِمَا بعد الإقامة في المسجد قوله ص أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا هُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ لِلصُّبْحِ إِلَّا الْفَرِيضَةُ فَإِذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ نَافِلَةً بَعْدَ الْإِقَامَةِ ثُمَّ صَلَّى مَعَهُمُ الْفَرِيضَةَ صَارَ فِي مَعْنَى مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ أَرْبَعًا لِأَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ الْإِقَامَةِ أَرْبَعًا قَالَ الْقَاضِي وَالْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ أَنْ لَا يَتَطَاوَلَ عَلَيْهَا الزَّمَانُ فَيُظَنُّ وُجُوبُهَا وَهَذَا ضَعِيفٌ بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ أَنْ يَتَفَرَّغَ لِلْفَرِيضَةِ مِنْ أَوَّلِهَا فَيَشْرَعُ فِيهَا عَقِبَ شُرُوعِ الْإِمَامِ وَإِذَا اشْتَغَلَ بِنَافِلَةٍ فَاتَهُ الْإِحْرَامُ مَعَ الْإِمَامِ وَفَاتَهُ بَعْضَ مُكَمِّلَاتِ الْفَرِيضَةِ فَالْفَرِيضَةُ أَوْلَى بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى إِكْمَالِهَا قَالَ الْقَاضِي وَفِيهِ حِكْمَةٌ أخرى وهو النهي عن الاختلاف على الأئمة قَوْلُهُ قَالَ حَمَّادٌ ثُمَّ لَقِيتُ عَمْرًا فَحَدَّثَنِي بِهِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ هَذَا الْكَلَامُ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَرَفْعِهِ لِأَنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ رَفَعُوهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَرِوَايَةُ الرَّفْعِ أَصَحُّ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ أَنَّ الرَّفْعَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَقْفِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَإِنْ كَانَ عَدَدُ الرَّفْعِ أَقَلَّ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ أَكْثَرَ [711] قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مالك بن بحينة ثم قال مسلم قال القعني عبد الله بن مالك بن بُحَيْنَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ قَوْلُهُ عن أبيه فِي هَذَا الْحَدِيثِ خَطَأٌ أَبُو الْحُسَيْنِ هُوَ مُسْلِمٌ صَاحِبُ الْكِتَابِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُسْلِمٌ هُوَ الصَّوَابُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَوْلُهُ عَنِ أَبِيهِ خَطَأٌ وَإِنَّمَا هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْقِشْبِ بكسر القاف وبالشين المعجمة الساكنة بحينة أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ وَالصَّوَابُ فِي كِتَابَتِهِ وَقِرَاءَتِهِ عبد الله بن مالك بن بحينة بتنوين مالك وكتابة بن بِالْأَلِفِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ

(باب ما يقول إذا دخل المسجد)

وَغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَحَطْنَا يَقُولُ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ أَحَطْنَا يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَفِيهِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَحَطْنَا بِهِ [712] قَوْلُهُ دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يَا فُلَانُ بِأَيِّ الصَّلَاتَيْنِ اعْتَدَدْتَ أَبِصَلَاتِكَ وَحْدَكَ أَمْ بِصَلَاتِكِ مَعَنَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْإِقَامَةِ نَافِلَةً وَإِنْ كَانَ يُدْرِكُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ وَرَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةَ يُصَلِّي النَّافِلَةَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إباحة تسمية الصبح غداة وقد سبقت نَظَائِرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب مَا يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ) [713] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أبواب رحمتك وإذا خَرَجَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ فِيهِ اسْتِحْبَابُ هَذَا الذِّكْرِ وَقَدْ جَاءَتْ فِيهِ أَذْكَارٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ هَذَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ وَقَدْ جَمَعْتُهَا مُفَصَّلَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَمُخْتَصَرُ مَجْمُوعِهَا أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَسَلِّمِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَفِي الخروج

(باب استحباب تحية المسجد بركعتين وكراهة الجلوس قبل

يَقُولُهُ لَكِنْ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ السِّينِ قَوْلُهُ الْحِمَّانِيُّ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ قَالَ السَّمْعَانِيُّ هِيَ نِسْبَةٌ إِلَى بَنِي حِمَّانَ قَبِيلَةٍ نَزَلَتِ الْكُوفَةَ (باب اسْتِحْبَابِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ بِرَكْعَتَيْنِ وَكَرَاهَةِ الْجُلُوسِ قَبْلَ صَلَاتِهِمَا) وَأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ [714] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ وَفِي الرواية

الْأُخْرَى فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ بِرَكْعَتَيْنِ وَهِيَ سُنَّةٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ دَاوُدَ وَأَصْحَابِهِ وُجُوبَهُمَا وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِكَرَاهَةِ الْجُلُوسِ بِلَا صَلَاةٍ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّحِيَّةِ فِي أَيِّ وَقْتٍ دَخَلَ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ وَكَرِهَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ فِي وَقْتِ النَّهْيِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ عَمَّا لَا سَبَبَ لَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ قَضَاءَ سُنَّةِ الظُّهْرِ فَخَصَّ وَقْتَ النَّهْيِ وَصَلَّى بِهِ ذَاتَ السَّبَبِ وَلَمْ يَتْرُكِ التَّحِيَّةَ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ بَلْ أَمَرَ الَّذِي دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَخْطُبُ فَجَلَسَ أَنْ يَقُومَ فَيَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ مَمْنُوعٌ مِنْهَا إِلَّا التَّحِيَّةَ فَلَوْ كَانَتِ التَّحِيَّةُ تُتْرَكُ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ لَتُرِكَتِ الْآنَ لِأَنَّهُ قَعَدَ وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ قَبْلَ الْقُعُودِ وَلِأَنَّهُ كَانَ يَجْهَلُ حُكْمَهَا وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ خُطْبَتَهُ وَكَلَّمَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ فَلَوْلَا شِدَّةُ الِاهْتِمَامِ بِالتَّحِيَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ لَمَا اهْتَمَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذَا الِاهْتِمَامَ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ التَّحِيَّةَ بَلْ تَكْفِيهِ رَكْعَتَانِ مِنْ فَرْضٍ أو سنة راتبة أو غيرهما ولو نَوَى بِصَلَاتِهِ التَّحِيَّةَ وَالْمَكْتُوبَةَ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ وَحَصَلَتَا لَهُ وَلَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ أَوْ سَجَدَ شُكْرًا أَوْ لِلتِّلَاوَةِ أَوْ صَلَّى رَكْعَةً بِنِيَّةِ التَّحِيَّةِ لَمْ تَحْصُلْ التَّحِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِنَا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَحْصُلُ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَدَلِيلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ إِكْرَامُ الْمَسْجِدِ وَيَحْصُلُ بِذَلِكَ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ وَأَمَّا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَأَوَّلُ مَا يَدْخُلُهُ الْحَاجُّ يَبْدَأُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ فَهُوَ تَحِيَّتُهُ وَيُصَلِّي بَعْدَهُ رَكْعَتَيِ الطواف

باب استحباب ركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول

(باب استحباب ركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه) فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ اشْتَرَى مِنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ فَأُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ جَابِرٌ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلِي وَقَدِمْتُ فَوَجَدْتُهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ قَالَ الْآنَ جِئْتَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَدَعْ جَمَلَكَ ثُمَّ ادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَفِيهِ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَقْدُمُ مِنْ سَفَرٍ إِلَّا نَهَارًا فِي الضُّحَى فإذا قدم بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ

(باب استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان)

رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْنِ لِلْقَادِمِ مِنْ سَفَرِهِ فِي الْمَسْجِدِ أَوَّلَ قُدُومِهِ وَهَذِهِ الصَّلَاةُ مَقْصُودَةٌ لِلْقُدُومِ مِنَ السَّفَرِ لَا أَنَّهَا تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ صَرِيحَةٌ فِيمَا ذَكَرْتُهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْقُدُومِ أَوَائِلَ النَّهَارِ وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ الْكَبِيرِ فِي الْمَرْتَبَةِ وَمَنْ يَقْصِدُهُ النَّاسُ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ أَنْ يَقْعُدَ أَوَّلَ قُدُومِهِ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِ فِي مَوْضِعٍ بَارِزٍ سَهْلٍ عَلَى زَائِرِيهِ إِمَّا الْمَسْجِدُ وَإِمَّا غَيْرُهُ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَوَّاسٍ هُوَ بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ وَوَاوٍ مُشَدَّدَةٍ مُهْمَلَةٍ وَسِينٍ قَوْلُهُ مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ بِكَسْرِ الدَّالِ وَبِالثَّاءِ المُثَلَّثَةِ قَوْلُهُ كَانَ لِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَيْنٌ فَقَضَانِي وَزَادَنِي فِيهِ اسْتِحْبَابُ أَدَاءِ الدَّيْنِ زَائِدًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ الضُّحَى وَأَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ) وَأَكْمَلَهَا ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَأَوْسَطَهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتٌّ وَالْحَثِّ عَلَى المحافظة عليها [717] [718] في الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُصَلِّي الضُّحَى إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ وَأَنَّهَا

مَا رَأَتْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ قَالَتْ وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضُ عَلَيْهِمْ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَيَزِيدُ مَا شَاءَ وَفِي رِوَايَةٍ مَا شَاءَ اللَّهُ وَفِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءَ رَكْعَتَانِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهَا عِنْدَ أَهْلِ التَّحْقِيقِ

وَحَاصِلُهَا أَنَّ الضُّحَى سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَأَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ وَأَكْمَلُهَا ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَبَيْنَهُمَا أَرْبَعٌ أَوْ سِتٌّ كِلَاهُمَا أَكْمَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَدُونَ ثَمَانٍ وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثَيْ عَائِشَةَ فِي نَفْيِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضُّحَى وَإِثْبَاتِهَا فَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّيهَا بَعْضَ الْأَوْقَاتِ لِفَضْلِهَا وَيَتْرُكُهَا فِي بَعْضِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ كَمَا ذَكَرَتْهُ عَائِشَةُ وَيُتَأَوَّلُ قَوْلُهَا مَا كَانَ يُصَلِّيهَا إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ مَا رَأَيْتُهُ كَمَا قَالَتْ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى وَسَبَبُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَكُونُ عِنْدَ عَائِشَةَ فِي وَقْتِ الضُّحَى إِلَّا فِي نَادِرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُسَافِرًا وَقَدْ يَكُونُ حَاضِرًا وَلَكِنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَإِذَا كَانَ عِنْدَ نِسَائِهِ فَإِنَّمَا كَانَ لَهَا يَوْمٌ مِنْ تِسْعَةٍ فَيَصِحُّ قَوْلُهَا مَا رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهَا وَتَكُونُ قَدْ عَلِمَتْ بِخَبَرِهِ أَوْ خَبَرِ غَيْرِهِ أَنَّهُ صَلَّاهَا أَوْ يُقَالُ قَوْلُهَا مَا كَانَ يُصَلِّيهَا أَيْ مَا يُدَاوِمُ عَلَيْهَا فَيَكُونُ نَفْيًا لِلْمُدَاوَمَةِ لَا لِأَصْلِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا صَحَّ عَنِ بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الضُّحَى هِيَ بِدْعَةٌ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهَا فِي الْمَسْجِدِ وَالتَّظَاهُرَ بِهَا كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ بِدْعَةٌ لَا أَنَّ أَصْلَهَا فِي الْبُيُوتِ وَنَحْوِهَا مَذْمُومٌ أَوْ يُقَالُ قَوْلُهُ بِدْعَةٌ أَيِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهَا خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ وَهَذَا فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَبَتَ اسْتِحْبَابُ الْمُحَافَظَةِ فِي حَقِّنَا بِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي ذَرٍّ أو يقال أن بن عُمَرَ لَمْ يَبْلُغْهُ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضُّحَى وَأَمْرُهُ بِهَا وَكَيْفَ كَانَ فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الضُّحَى وَإِنَّمَا نُقِلَ التوقف فيها عن بن مسعود وبن عُمَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [718] قَوْلُهُ سُبْحَةُ الضُّحَى بِضَمِّ السِّينِ أَيْ نَافِلَةُ الضُّحَى قَوْلُهَا لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ يَعْمَلَهُ وَفِيهِ بَيَانُ كَمَالِ شَفَقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْفَتِهِ بِأُمَّتِهِ وَفِيهِ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتْ مَصَالِحُ قُدِّمَ أَهَمُّهَا قَوْلُهُ يَزِيدُ الرِّشْكِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ قَوْلُهُ أُمِّ هَانِئٍ هُوَ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ النُّونِ

كُنِّيَتْ بِابْنِهَا هَانِئٍ وَاسْمُهَا فَاخِتَةُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ هِنْدُ قَوْلُهُ سَأَلْتُ وَحَرَصْتُ هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَفِي لُغَةٍ بِكَسْرِهَا قَوْلُهُ إِنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ وَفِي رِوَايَةٍ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ هُوَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ حَقِيقَةً وَيُضَافُ إِلَى عَقِيلٍ مَجَازًا لِلُزُومِهِ إِيَّاهُ وَانْتِمَائِهِ إِلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَوْلَى أُخْتِهِ قَوْلُهَا سَلَّمْتُ فِيهِ سَلَامُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَحْرَمٍ عَلَى الرَّجُلِ بِحَضْرَةِ مَحَارِمِهِ قَوْلُهَا فَقَالَ مَنْ هَذِهِ قُلْتُ أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَكُنِّيَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْرِيفِ إِذَا اشْتَهَرَ بِالْكُنْيَةِ وفيه أنه إذا استأذن أن يَقُولُ الْمُسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ مَنْ هَذَا فَيَقُولُ الْمُسْتَأْذِنُ فُلَانٌ بِاسْمِهِ الَّذِي يَعْرِفُهُ بِهِ الْمُخَاطَبُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ فِيهِ اسْتِحْبَابُ قَوْلُ الْإِنْسَانِ لِزَائِرِهِ وَالْوَارِدِ عَلَيْهِ مَرْحَبًا وَنَحْوَهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْإِكْرَامِ وَالْمُلَاطَفَةِ وَمَعْنَى مَرْحَبًا صَادَفْتَ رَحْبًا أَيْ سَعَةً وَسَبَقَ بَسْطُ الْكَلَامِ فِيهِ فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ فِي حَالِ الِاغْتِسَالِ وَالْوُضُوءِ وَلَا بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ

الْبَائِلِ وَفِيهِ جَوَازُ الِاغْتِسَالِ بِحَضْرَةِ امْرَأَةٍ مِنْ مَحَارِمِهِ إِذَا كَانَ مَسْتُورَ الْعَوْرَةِ عَنْهَا وَجَوَازُ تَسْتِيرِهَا إِيَّاهُ بِثَوْبٍ وَنَحْوِهِ قَوْلُهُ فَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَالِالْتِحَافِ بِهِ مُخَالِفًا بَيْنَ طَرَفَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلُهَا فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زعم بن أُمِّي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا أَجَرْتُهُ فُلَانُ بْنُ هُبَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّ مَنْ قَصَدَ إِنْسَانًا لِحَاجَةٍ وَمَطْلُوبٍ فَوَجَدَهُ مُشْتَغِلًا بِطَهَارَةٍ وَنَحْوِهَا لَمْ يَقْطَعْهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَفْرُغَ ثُمَّ يَسْأَلَ حَاجَتَهُ إِلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَهَا وَقَوْلُهَا زَعَمَ مَعْنَاهُ هُنَا ذَكَرَ أَمْرًا لَا أَعْتَقِدُ مُوَافَقَتَهُ فِيهِ وإنما قالت بن أمي مع أنه بن أُمِّهَا وَأَبِيهَا لِتَأْكِيدِ الْحُرْمَةِ وَالْقَرَابَةِ وَالْمُشَارَكَةِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ وَكَثْرَةِ مُلَازَمَةِ الْأُمِّ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ هَارُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بن أم لا تأخذ بلحيتي وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّةِ أَمَانِ الْمَرْأَةِ قَالُوا وَتَقْدِيرُ الْحَدِيثِ حُكْمُ الشَّرْعِ صِحَّةُ جَوَازِ مَنْ أَجَرْتِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِهَذَا وَمُحْتَمِلٌ لِابْتِدَاءِ الْأَمَانِ وَمِثْلُ هَذَا الْخِلَافِ اخْتِلَافُهُمْ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ هَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا حُكْمُ الشَّرْعِ فِي جَمِيعِ الْحُرُوبِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَمْ هُوَ إِبَاحَةٌ رَآهَا الْإِمَامُ فِي تِلْكَ الْمَرَّةِ بِعَيْنِهَا فَإِذَا رَآهَا الْإِمَامُ الْيَوْمَ عَمِلَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَبِالثَّانِي أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَيُحْتَجُّ لِلْأَكْثَرِينَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا الْأَمَانَ وَلَا بَيَّنَ فَسَادَهُ وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَبَيَّنَهُ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَقَوْلُهَا فُلَانُ بْنُ هُبَيْرَةَ وَجَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ فَرَّ إِلَيَّ رَجُلَانِ مِنْ أَحْمَايَ وَرُوِّينَا فِي كِتَابِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ أَنَّ فُلَانَ بْنَ هُبَيْرَةَ هُوَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَفِي تَارِيخِ مَكَّةَ لِلْأَزْرَقِيِّ أَنَّهَا أَجَارَتْ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَالثَّانِي الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَهُمَا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَزْرَقِيُّ يُوَضِّحُ الِاسْمَيْنِ وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْأَقْوَالِ في ذلك

قَوْلُهَا وَذَلِكَ ضُحًى اسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابُنَا وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ جَعْلِ الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَمَنَعُوا دَلَالَتَهُ قَالُوا لِأَنَّهَا إِنَّمَا أَخْبَرَتْ عَنْ وَقْتِ صَلَاتِهِ لَا عَنْ نِيَّتِهَا فَلَعَلَّهَا كَانَتْ صَلَاةَ شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْفَتْحِ وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ فَاسِدٌ بَلِ الصَّوَابُ صِحَّةُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أمِّ هَانِئٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ [720] قَوْلُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ بِضَمِّ الْعَيْنِ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ فِي ضَبْطِهِ خِلَافٌ وَكَلَامٌ طَوِيلٌ سَبَقَ مَبْسُوطًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ هُوَ بِضَمِّ السِّينِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَأَصْلُهُ عِظَامُ الْأَصَابِعِ وَسَائِرِ الْكَفِّ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي جَمِيعِ عِظَامِ الْبَدَنِ وَمَفَاصِلِهِ وَسَيَأْتِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خُلِقَ الْإِنْسَانُ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةِ مَفْصِلٍ عَلَى كُلِّ مَفْصِلٍ صَدَقَةٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَجْزِي مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى ضَبَطْنَاهُ وَيَجْزِي

بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ فَالضَّمُّ مِنَ الْإِجْزَاءِ وَالْفَتْحُ من جزى يجزئ أَيْ كَفَى وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى لَا تَجْزِي نَفْسٌ وَفِي الْحَدِيثِ لَا يَجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ فَضْلِ الضُّحَى وَكَبِيرِ مَوْقِعِهَا وَأَنَّهَا تَصِحُّ رَكْعَتَيْنِ [721] قَوْلُهُ أَوْصَانِي خَلِيلِي لَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لِأَنَّ الْمُمْتَنَعَ أَنْ يَتَّخِذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَهُ خَلِيلًا وَلَا يَمْتَنِعُ اتِّخَاذُ الصَّحَابِيِّ وَغَيْرِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلِيلًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ الْحَثُّ عَلَى الضُّحَى وَصِحَّتِهَا رَكْعَتَيْنِ وَالْحَثُّ عَلَى صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَعَلَى الْوِتْرِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى النَّوْمِ لِمَنْ خَافَ أَنْ لَا يَسْتَيْقِظَ آخِرَ اللَّيْلِ وَعَلَى هَذَا يُتَأَوَّلُ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ لِمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ عَنْ أَبِي شَمِرٍ بِفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَيُقَالُ بِكَسْرِ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَهُوَ مَعْدُودٌ فِيمَنْ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِكُنْيَتِهِ قَوْلُهُ عَبْدُ اللَّهِ الدَّانَاجُ هُوَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ والجيم وهو العالم وسبق بيانه

قَوْلُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ هُوَ بِالنُّونِ بعد الحاء

(باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما)

(باب اسْتِحْبَابِ رَكْعَتَيْ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِمَا وَتَخْفِيفِهِمَا) وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِمَا وَبَيَانِ مَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ فِيهِمَا [723] قَوْلُهُ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ فِيهِ أَنَّهُ يُسَنُّ تَخْفِيفُ سُنَّةِ الصُّبْحِ وَأَنَّهُمَا رَكْعَتَانِ قَوْلُهُ كَانَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَدْ يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَّا سُنَّةُ الصُّبْحِ وَمَا لَهُ سَبَبٌ وَلِأَصْحَابِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا هَذَا وَنَقَلَهُ

الْقَاضِي عَنْ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ وَالثَّانِي لَا تَدْخُلُ الْكَرَاهَةُ حَتَّى يُصَلِّيَ سُنَّةَ الصُّبْحِ وَالثَّالِثُ لَا تَدْخُلُ الْكَرَاهَةُ حَتَّى يُصَلِّيَ فَرِيضَةَ الصُّبْحِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ إِنَّمَا فِيهِ الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يصلي غير ركعتي السنة ولم ينه عن غيرها [724] قَوْلُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ إِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ وَيُخَفِّفُهُمَا وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فِيهِ أَنَّ سُنَّةَ الصُّبْحِ لَا يَدْخُلُ وَقْتُهَا إِلَّا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَاسْتِحْبَابُ تَقْدِيمِهَا فِي أَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَتَخْفِيفِهَا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ لَا بَأْسَ بِإِطَالَتِهِمَا وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً وَلَمْ يُخَالِفْ فِي اسْتِحْبَابِ التَّخْفِيفِ وَقَدْ بَالَغَ قَوْمٌ فَقَالُوا لَا قِرَاءَةَ فِيهِمَا أَصْلًا حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْقَاضِي وَهُوَ غَلَطٌ بَيِّنٌ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فيهما بعد الفاتحة بقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد وفي رواية قولوا آمنا بالله وقل يا أهل الكتاب تعالوا وَثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ

لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةٍ وَلَا صَلَاةَ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَلَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِالْقُرْآنِ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ لِلصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فكلوا واشربوا حتى يؤذن بن أُمِّ مَكْتُومٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي فِي الْبَابِ الْمُرَادُ بِهِ الْأَذَانُ الثَّانِي قَوْلُهَا يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَيُخَفِّفُ حَتَّى إِنِّي أَقُولُ هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي التَّخْفِيفِ وَالْمُرَادُ الْمُبَالَغَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَادَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِطَالَةِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَغَيْرِهَا مِنْ نَوَافِلِهِ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَنْ قَالَ لَا تُقْرَأُ فِيهِمَا أَصْلًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الدَّلَائِلِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ قَوْلُهَا لَمْ يَكُنْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مُعَاهَدَةً مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ فَضْلِهِمَا وَأَنَّهُمَا سُنَّةٌ لَيْسَتَا وَاجِبَتَيْنِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى الْقَاضِي

عِيَاضٌ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وُجُوبَهُمَا وَالصَّوَابُ عَدَمُ الْوُجُوبِ لِقَوْلِهَا عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا فِي تَرْجِيحِ سُنَّةِ الصُّبْحِ عَلَى الْوِتْرِ لَكِنْ لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّ الْوِتْرَ كَانَ وَاجِبًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ هَذَا الْحَدِيثُ [725] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا أَيْ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا [726] قَوْلُهُ قَرَأَ فِي رَكْعَتَيِ الفجر قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى [727] قَرَأَ الْآيَتَيْنِ قُولُوا

(باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن وبيان

آمنا بالله وما أنزل إلينا وقل يا أهل الكتاب تعالوا هَذَا دَلِيلٌ لِمَذْهَبِنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَةً وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ هَاتَانِ السُّورَتَانِ أَوِ الْآيَتَانِ كِلَاهُمَا سُنَّةً وَقَالَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ لَا يَقْرَأُ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ لَا يَقْرَأُ شَيْئًا كَمَا سَبَقَ وَكِلَاهُمَا خِلَافُ هَذِهِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا مُعَارِضَ لَهَا (بَابٌ فَضْلُ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ قَبْلَ الْفَرَائِضِ وَبَعْدَهُنَّ وَبَيَانُ عَدَدِهِنَّ) [728] فِيهِ حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ وَفِي

رِوَايَةٍ مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ تعالى في كل يوم ثنتي عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَفِي حَدِيثِ بن عُمَرَ قَبْلَ الظُّهْرِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَكَذَا بَعْدَهَا وبعد المغرب

وَالْعِشَاءِ وَالْجُمُعَةِ وَزَادَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَبْلَ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ وَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هُنَا أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ وَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ أَيْضًا وَلَيْسَ لِلْعَصْرِ ذِكْرٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَجَاءَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ وَعَنِ بن عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَجَاءَ فِي أَرْبَعٍ بَعْدَ الظُّهْرِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَنِ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي صَحِيحِ البخاري عن بن مُغَفَّلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لمن شاء وفي الصحيحين عن بن مُغَفَّلٍ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ كُلِّ

أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ الْمُرَادُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَهَذِهِ جُمْلَةٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ مَعَ الْفَرَائِضِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا وَاسْتَحَبُّوا جَمِيعَ هَذِهِ النَّوَافِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَلَا خِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا إِلَّا فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَفِيهِمَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَشْهَرُهُمَا لَا يُسْتَحَبُّ والصحيح عند المحققين استحبابهما بحديثي بن مُغَفَّلٍ وَبِحَدِيثِ ابْتِدَارِهِمُ السَّوَارِيَ بِهَا وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَاخْتِلَافُ الْأَحَادِيثِ فِي أَعْدَادِهَا مَحْمُولٌ عَلَى تَوْسِعَةِ الْأَمْرِ فِيهَا وَأَنَّ لَهَا أَقَلَّ وَأَكْمَلَ فَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِالْأَقَلِّ وَلَكِنَّ الِاخْتِيَارَ فِعْلُ الْأَكْثَرِ الْأَكْمَلِ وَهَذَا كَمَا سَبَقَ فِي اخْتِلَافِ أَحَادِيثِ الضُّحَى وَكَمَا فِي أَحَادِيثِ الْوِتْرِ فَجَاءَتْ فِيهَا كُلِّهَا أَعْدَادُهَا بِالْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَمَا بَيْنَهُمَا لِيَدُلَّ عَلَى أَقَلِّ الْمُجْزِئِ فِي تَحْصِيلِ أَصْلِ السُّنَّةِ وَعَلَى الْأَكْمَلِ وَالْأَوْسَطِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ هِنْدَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أمِّ حَبِيبَةَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمْ دَاوُدُ وَالنُّعْمَانُ وَعَمْرٌو وَعَنْبَسَةُ وَقَدْ سَبَقَتْ لِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ قَوْلُهُ بِحَدِيثٍ يَتَسَارَّ إِلَيْهِ هُوَ بِمُثَنَّاةٍ تَحْتُ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَرْفُوعَةِ أَيْ يُسَرُّ بِهِ مِنَ السُّرُورِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْبِشَارَةِ مَعَ سُهُولَتِهِ وَكَانَ عَنْبَسَةُ مُحَافِظًا عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا قَوْلُهُ ص تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ هُوَ مِنْ بَابِ التَّوْكِيدِ وَرَفْعِ احْتِمَالِ إِرَادَةِ الِاسْتِعَاذَةِ فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ اسْتِعْمَالِ التَّوْكِيدِ إِذَا احْتِيجَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ فَمَا تَرَكْتُهُنَّ وَكَذَا قَالَ عَنْبَسَةُ وَكَذَا قَالَ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ وَالنُّعْمَانُ بْنُ سَالِمٍ فيه أن يحسن من العالم ومن يقتدى بِهِ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ هَذَا وَلَا يَقْصِدُ بِهِ تَزْكِيَةَ نَفْسِهِ بَلْ يُرِيدُ حَثَّ السَّامِعِينَ عَلَى التَّخَلُّقِ بِخُلُقِهِ فِي ذَلِكَ وَتَحْرِيضِهِمْ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ وَتَنْشِيطِهِمْ لِفِعْلِهِ [729] قَوْلُهُ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الظهر سجدتين أي ركعتين قَوْلُهَا كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَذَكَرَتْ مِثْلَهُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ونحوه في حديث بن عُمَرَ فِيهِ اسْتِحْبَابُ النَّوَافِلِ الرَّاتِبَةِ فِي الْبَيْتِ كَمَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ غَيْرُهَا وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَسَوَاءٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ رَاتِبَةُ فَرَائِضِ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ الِاخْتِيَارُ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ كُلِّهَا وَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ الْأَفْضَلُ فِعْلُ نَوَافِلِ النَّهَارِ الرَّاتِبَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَرَاتِبَةِ اللَّيْلِ فِي الْبَيْتِ وَدَلِيلُنَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَفِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(باب جواز النافلة قائما وقاعدا وفعل بعض الركعة

يُصَلِّي سُنَّةَ الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ فِي بَيْتِهِ وَهُمَا صَلَاتَا نَهَارٍ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ وَهَذَا عَامٌّ صَحِيحٌ صَرِيحٌ لَا مُعَارِضَ لَهُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ الْعُدُولُ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي شَرْعِيَّةِ النَّوَافِلِ تَكْمِيلُ الْفَرَائِضِ بِهَا إِنْ عَرَضَ فِيهَا نَقْصٌ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ وَلِتَرْتَاضَ نَفْسُهُ بِتَقْدِيمِ النَّافِلَةِ وَيَتَنَشَّطَ بِهَا وَيَتَفَرَّغَ قَلْبُهُ أَكْمَلَ فَرَاغٍ لِلْفَرِيضَةِ وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ أَنْ تُفْتَحَ صَلَاةُ اللَّيْلِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ كما ذكره مسلم بعد هذا قريبا (باب جَوَازِ النَّافِلَةِ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَفِعْلِ بَعْضِ الركعة قائما وبعضها قاعدا) قَوْلُهَا وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا رَكَعَ قَاعِدًا فِيهِ جَوَازُ النَّفْلِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَهُوَ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ قَوْلُهُ كُنْتُ شَاكِيًا بِفَارِسَ وَكُنْتُ أُصَلِّي قَاعِدًا فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا هَكَذَا ضَبَطَهُ جَمِيعُ الرُّوَاةِ الْمَشَارِقَةِ وَالْمَغَارِبَةِ بِفَارِسَ بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْجَارَّةِ وَبَعْدَهَا فَاءٌ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ الرُّوَاةِ قَالَ وَغَلِطَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ صَوَابُهُ نَقَارِسَ بِالنُّونِ وَالْقَافِ وَهُوَ وَجَعٌ

مَعْرُوفٌ لِأَنَّ عَائِشَةَ لَمْ تَدْخُلْ بِلَادَ فَارِسَ قَطُّ فَكَيْفَ يَسْأَلُهَا فِيهَا وَغَلَّطَهُ الْقَاضِي فِي هَذَا وَقَالَ لَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يَكُونَ سَأَلَهَا فِي بِلَادِ فَارِسَ بَلْ سَأَلَهَا بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ فَارِسَ وَهَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ إِنَّمَا سَأَلَهَا عَنِ أَمْرٍ انْقَضَى هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَمْ لَا لِقَوْلِهِ وَكُنْتُ أُصَلِّي قَاعِدًا [731] قَوْلُهَا قَرَأَ جَالِسًا حَتَّى إِذَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ السُّورَةِ ثَلَاثُونَ أَوْ أرْبَعُونَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَهُنَّ ثُمَّ رَكَعَ فِيهِ جَوَازُ الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ بَعْضِهَا مِنْ قِيَامٍ وَبَعْضِهَا مِنْ قُعُودٍ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَسَوَاءٌ قَامَ ثُمَّ قَعَدَ أَوْ قَعَدَ ثُمَّ قَامَ وَمَنَعَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَهُوَ غَلَطٌ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ صَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي آخَرِينَ كَرَاهَةَ الْقُعُودِ بَعْدَ الْقِيَامِ وَلَوْ نَوَى الْقِيَامَ ثُمَّ أَرَادَ

أَنْ يَجْلِسَ جَازَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَجَوَّزَهُ من المالكية بن الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ أَشْهَبُ قَوْلُهَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ وَهُوَ قَاعِدٌ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ الْإِنْسَانُ أَرْبَعِينَ آيَةً هَذَا دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَطْوِيلِ الْقِيَامِ فِي النَّافِلَةِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ تَكْثِيرِ الرَّكَعَاتِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِيهِمَا وَأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ تَفْضِيلُ

الْقِيَامِ [732] قَوْلُهَا قَعَدَ بَعْدَ مَا حَطَمَهُ النَّاسُ قَالَ الرَّاوِي فِي تَفْسِيرِهِ يُقَالُ حَطَمَ فُلَانًا أَهْلَهُ إِذَا كَبُرَ فِيهِمْ كَأَنَّهُ لَمَّا حَمَلَهُ مِنْ أُمُورِهِمْ وَأَثْقَالِهِمْ وَالِاعْتِنَاءِ بِمَصَالِحِهِمْ صَيَّرُوهُ شَيْخًا مَحْطُومًا وَالْحَطْمُ الشَّيْءُ الْيَابِسُ قَوْلُهَا لَمَّا بَدَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَقُلَ كَانَ أَكْثَرُ صَلَاتِهِ جَالِسًا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ بَدَّنَ الرَّجُلُ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ تَبْدِينًا إِذَا أَسَنَّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَمَنْ رَوَاهُ بَدُنَ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُخَفَّفَةِ فَلَيْسَ لَهُ مَعْنًى هُنَا لِأَنَّ مَعْنَاهُ كَثُرَ لَحْمُهُ وَهُوَ خِلَافُ صِفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ بَدَنَ يَبْدُنُ بَدَانَةً وَأَنْكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ الضَّمَّ قَالَ الْقَاضِي رِوَايَتُنَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ جُمْهُورِهِمْ بَدُنَ بِالضَّمِّ وَعَنِ الْعُذْرِيِّ بِالتَّشْدِيدِ وَأَرَاهُ إِصْلَاحًا قَالَ وَلَا يُنْكَرُ اللَّفْظَانِ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ هَذَا بِقَرِيبٍ فَلَمَّا أَسَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ وَلَحُمَ وفي آخر أسن وكثر لحمه وقول بن أَبِي هَالَةَ فِي وَصْفِهِ بَادِنٌ مُتَمَاسِكٌ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالَّذِي ضَبَطْنَاهُ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ أُصُولِ بِلَادِنَا بِالتَّشْدِيدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [733] قَوْلُهُ عَنِ بن شِهَابٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنِ

الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ عَنْ حَفْصَةَ هَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ صَحَابِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ السَّائِبُ وَالْمُطَّلِبُ وَحَفْصَةُ [735] قَوْلُهُ هِلَالُ بْنُ يَسَافَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِهَا وَيُقَالُ فِيهِ إِسَافٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ قولُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ وَجَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي جَالِسًا قَالَ فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ مَالِكٌ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قُلْتُ حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ قُلْتَ صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلَاةِ وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا قَالَ أَجَلْ وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ مَعْنَاهُ أَنَّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ فِيهَا نِصْفُ ثَوَابِ الْقَائِمِ فَيَتَضَمَّنُ صِحَّتَهَا وَنُقْصَانَ أَجْرِهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاةِ النَّفْلِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ فَهَذَا لَهُ نِصْفُ ثَوَابِ الْقَائِمِ وَأَمَّا إِذَا صَلَّى النَّفْلَ قَاعِدًا لِعَجْزِهِ عَنِ الْقِيَامِ فَلَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ بَلْ يَكُونُ كَثَوَابِهِ قَائِمًا وَأَمَّا الْفَرْضُ فَإِنَّ الصَّلَاةَ قَاعِدًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ لَمْ يَصِحَّ فَلَا يَكُونُ فِيهِ ثَوَابٌ بَلْ يَأْثَمُ بِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ اسْتَحَلَّهُ كَفَرَ وَجَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ كما لو استحل الزنى والربا أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الشَّائِعَةِ التَّحْرِيمِ وَإِنْ صلى

الْفَرْضَ قَاعِدًا لِعَجْزِهِ عَنِ الْقِيَامِ أَوْ مُضْطَجِعًا لِعَجْزِهِ عَنِ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَثَوَابُهُ كَثَوَابِهِ قَائِمًا لَمْ يَنْقُصْ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا فَيَتَعَيَّنُ حَمْلَ الْحَدِيثِ فِي تَنْصِيفِ الثَّوَابِ عَلَى مَنْ صَلَّى النَّفْلَ قَاعِدًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمُ الثوري وبن الْمَاجِشُونِ وَحُكِيَ عَنِ الْبَاجِيِّ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْمُصَلِّي فَرِيضَةً لِعُذْرٍ أَوْ نَافِلَةٍ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ قَالَ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَنْ لَهُ عُذْرٌ يُرَخِّصُ فِي الْقُعُودِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ وَيُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِمَشَقَّةٍ وأما قوله ص لَسْتُ كَأَحَدٍ مَنْكُمْ فَهُوَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجُعِلَتْ نَافِلَتُهُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ كَنَافِلَتِهِ قائما تَشْرِيفًا لَهُ كَمَا خُصَّ بَأَشْيَاءَ مَعْرُوفَةٍ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَقَدِ اسْتَقْصَيْتُهَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَالْلُّغَاتِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ مِنَ الْقِيَامِ لِحَطْمِ النَّاسِ وَلِلسِّنِّ فَكَانَ أَجْرُهُ تَامًّا بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَا عُذْرَ لَهُ هَذَا كَلَامُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ باطل لأن غيره ص إِنْ كَانَ مَعْذُورًا فَثَوَابُهُ أَيْضًا كَامِلٌ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ فَلَيْسَ هُوَ كَالْمَعْذُورِ فَلَا يَبْقَى فِيهِ تَخْصِيصٌ فَلَا يَحْسُنُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ وَإِطْلَاقُ هَذَا الْقَوْلِ فَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا أَنَّ نَافِلَتَهُ ص قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ ثَوَابُهَا كَثَوَابِهِ قَائِمًا وَهُوَ مِنَ الْخَصَائِصِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ مَوْضِعَ الْقِيَامِ فِي النَّافِلَةِ وَكَذَا فِي الْفَرِيضةِ إِذَا عَجَزَ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا يَقْعُدُ مُفْتَرِشًا وَالثَّانِي مُتَرِبِّعًا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مُتَوَرِّكًا وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا نَاصِبًا رُكْبَتَهُ وَكَيْفَ قَعَدَ جَازَ لَكِنِ الْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا جَوَازُ التَّنَفُّلِ مُضْطَجِعًا لِلْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي الْبُخَارِيِّ وَمَنْ صَلَّى قَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ وَإِذَا صَلَّى مُضْطَجِعًا فَعَلَى يَمِينِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى يَسَارِهِ جَازَ وَهُوَ خِلَافُ الْأَفْضَلِ فَإِنْ اسْتَلْقَى مَعَ إِمْكَانِ الِاضْطِجَاعِ لَمْ يَصِحَّ قِيلَ الْأَفْضَلُ مُسْتَلْقِيًا وَأَنَّهُ إِذَا اضْطَجَعَ لَا يَصِحُّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه

(بَابُ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَعَدَدِ رَكَعَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيْلِ) وَأَنَّ الْوِتْرَ رَكْعَةٌ وَأَنَّ الرَّكْعَةَ صَلَاةٌ صَحِيحَةٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قِيَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ وَحَدِيثُ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِإِحْدَى عَشْرَةَ مِنْهُنَّ الْوِتْرُ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ يَرْكَعُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ إِذَا جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ وَمِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا

ثَلَاثَ عَشْرَةَ بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَعَنْهَا كَانَ لَا يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَثَلَاثًا وَعَنْهَا كَانَ يُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ ثَمَانِيًا ثُمَّ يُوتِرُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ

يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَقَدْ فَسَّرَتْهَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مِنْهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَعَنْهَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ صَلَاتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ سَبْعٌ وَتِسْعٌ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا من حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ صَلَاتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ سُنَّةُ الصُّبْحِ وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ طَوِيلَتَيْنِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَتِلْكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إِخْبَارُ كُلِّ واحد من بن عباس وزيد وعائشة بما شاهد وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فَقِيلَ هُوَ مِنْهَا وَقِيلَ مِنَ الرُّوَاةِ عَنْهَا فَيَحْتَمِلُ أَنَّ إِخْبَارَهَا بِأَحَدَ عَشْرَةَ هُوَ الْأَغْلَبُ وَبَاقِي رِوَايَاتِهَا إِخْبَارٌ مِنْهَا بِمَا كَانَ يَقَعُ نَادِرًا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَأَكْثَرُهُ خَمْسَ عَشْرَةَ بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وأقله

سَبْعٌ وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا كَانَ يَحْصُلُ مِنِ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ أَوْ ضِيقِهِ بِطُولِ قِرَاءَةٍ كَمَا جاء في حديث حذيفة وبن مَسْعُودٍ أَوْ لِنَوْمٍ أَوْ عُذْرِ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَ كِبَرِ السِّنِّ كَمَا قَالَتْ فَلَمَّا أَسَنَّ صَلَّى سَبْعَ رَكَعَاتٍ أَوْ تَارَةً تَعُدُّ الرَّكْعَتَيْنِ الْخَفِيفَتَيْنِ فِي أَوَّلِ قِيَامِ اللَّيْلِ كَمَا رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ وَرَوَتْهَا عَائِشَةُ بَعْدَهَا هَذَا فِي مُسْلِمٍ وَتَعُدُّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ تَارَةً وَتَحْذِفُهُمَا تَارَةً أَوْ تَعُدُّ إِحْدَاهُمَا وَقَدْ تَكُونُ عَدَّتْ رَاتِبَةَ الْعِشَاءِ مَعَ ذَلِكَ تَارَةً وَحَذَفَتْهَا تَارَةً قَالَ الْقَاضِي وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ وَأَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ مِنَ الطَّاعَاتِ الَّتِي كُلَّمَا زَادَ فِيهَا زَادَ الْأَجْرُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَيُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْوِتْرِ رَكْعَةٌ وَأَنَّ الرَّكْعَةَ الْفَرْدَةَ صَلَاةٌ صَحِيحَةٌ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ الْإِيتَارُ بِوَاحِدَةٍ وَلَا تَكُونُ الرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ صَلَاةً قَطُّ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَرُدُّ عَلَيْهِ [736] قَوْلُهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيهِ الْمُؤَذِّنُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقَبْلَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَضْطَجِعُ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وفي حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ كَانَ بَعْدَ صَلَاةِ اللَّيْلِ قَبْلَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قَالَ وَهَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ فِي قَوْلِهِمْ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ سُنَّةٌ قَالَ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَى أَنَّهُ بِدْعَةٌ وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ رِوَايَةَ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ مَرْجُوحَةٌ قَالَ فَتُقَدَّمُ رِوَايَةُ الِاضْطِجَاعِ قَبْلَهُمَا قَالَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِي الِاضْطِجَاعِ قبلهما أنه سنة فكذا بعدهما قَالَ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَأَنَّهُ تَارَةً كَانَ يَضْطَجِعُ قَبْلُ وَتَارَةً بَعْدُ وَتَارَةً لَا يَضْطَجِعُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالصَّحِيحُ أَوِ الصَّوَابُ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ بِالِاضْطِجَاعِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ بالاضطجاع بعدها وقبلها وحديث بن عَبَّاسٍ قَبْلَهَا فَلَا يُخَالِفُ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يلزم من الاضطجاع قبلها أن لا يضطجع بعد ولعله صل ى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

تَرَكَ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ لَوْ ثَبَتَ التَّرْكُ وَلَمْ يَثْبُتْ فَلَعَلَّهُ كَانَ يَضْطَجِعُ قَبْلُ وَبَعْدُ وَإِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فِي الْأَمْرِ بِالِاضْطِجَاعِ بَعْدَهَا مَعَ رِوَايَاتِ الْفِعْلِ الْمُوَافِقَةِ لِلْأَمْرِ بِهِ تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَإِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ لَمْ يَجُزْ رَدُّ بَعْضِهَا وَقَدْ أَمْكَنَ بِطَرِيقَيْنِ أَشَرْنَا إِلَيْهِمَا أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اضْطَجَعَ قَبْلُ وَبَعْدُ وَالثَّانِي أَنَّهُ تَرَكَهُ بَعْدُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاضْطِجَاعِ وَالنَّوْمِ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَغْرِقُ فِي النَّوْمِ لِأَنَّ الْقَلْبَ فِي جَنْبِهِ الْيَسَارِ فَيَعْلَقُ حِينَئِذٍ فَلَا يَسْتَغْرِقُ وَإِذَا نَامَ عَلَى الْيَسَارِ كَانَ فِي دَعَةٍ وَاسْتِرَاحَةٍ فَيَسْتَغْرِقُ قَوْلُهَا حَتَّى يَأْتِيهِ الْمُؤَذِّنُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ اتِّخَاذِ مُؤَذِّنٍ رَاتِبٍ لِلْمَسْجِدِ وَفِيهِ جَوَازُ إِعْلَامِ الْمُؤَذِّنِ الْإِمَامَ بِحُضُورِ الصَّلَاةِ وَإِقَامَتِهَا وَاسْتِدْعَائِهِ لَهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ قَوْلُهَا فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ هُمَا سُنَّةُ الصُّبْحِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَخْفِيفِهِمَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِهِ قَوْلُهَا لَيُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ السَّلَامِ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَالَّذِي جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ لَا يُسَلِّمُ إِلَّا فِي الْآخِرَةِ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ قَوْلُهَا وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ وَأَنَّ أَقَلَّ الْوِتْرِ رَكْعَةٌ وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا [737] قَوْلُهَا يُصَلِّي مَنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إِلَّا فِي آخِرِهَا وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ يُصَلِّي أَرْبَعًا ثُمَّ أَرْبَعًا ثُمَّ ثَلَاثًا وَفِي رِوَايَةٍ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَشْرَ رَكَعَاتٍ وَيُوتِرُ بسجدة وفي حديث بن عَبَّاسٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ إِلَى آخِرِهِ وَفِي حَدِيثِ بن عُمَرَ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى هَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِرَكْعَةٍ وَلَا بِإِحْدَى عَشْرَةَ وَلَا بِثَلَاثَ عَشْرَةَ بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ وَمَا بَيْنَهُ وَأَنَّهُ يَجُوزُ جَمْعُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ التَّسْلِيمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرِهِ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى [738] قَوْلُهَا كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنِّ وَطُولِهِنَّ مَعْنَاهُ هُنَّ فِي نِهَايَةٍ مِنْ كَمَالِ الْحُسْنِ وَالطُّولِ مُسْتَغْنِيَاتٍ بِظُهُورِ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ عَنِ السُّؤَالِ عَنْهُ وَالْوَصْفِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَهُ فِي تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَالْقِيَامِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ قَالَ تَطْوِيلُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ مِنْ تَكْثِيرِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَالَ طَائِفَةٌ تَكْثِيرُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ وَقَالَ طَائِفَةٌ تَطْوِيلُ الْقِيَامِ فِي اللَّيْلِ أَفْضَلُ وَتَكْثِيرُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي النَّهَارِ أَفْضَلُ وَقَدْ سَبَقَتِ

الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً بِدَلَائِلِهَا فِي أَبْوَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ قوله صلى الله عليه وسلم إن عيني تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي هَذَا مِنْ خَصَائِصِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَسَبَقَ فِي حَدِيثِ نَوْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَادِي فَلَمْ يَعْلَمْ بِفَوَاتِ وَقْتِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَأَنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ لَا بِالْقَلْبِ وَأَمَّا أَمْرُ الْحَدَثِ وَنَحْوِهِ فَمُتَعَلِّقٌ بِالْقَلْبِ وَأَنَّهُ قِيلَ إِنَّهُ فِي وَقْتٍ يَنَامُ قَلْبُهُ وَفِي وَقْتٍ لَا يَنَامُ فَصَادَفَ الْوَادِي نَوْمَهُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَوْلُهَا كَانَ يُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ يُوتِرُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَرَكَعَ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالْإِقَامَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ هَذَا الْحَدِيثُ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ فِيمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْهُمَا فَأَبَاحَا رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ جَالِسًا وَقَالَ أَحْمَدُ لَا أَفْعَلُهُ وَلَا أَمْنَعُ مَنْ فَعَلَهُ قَالَ وَأَنْكَرَهُ مَالِكٌ قُلْتُ الصَّوَابُ أَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فَعَلَهُمَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْوِتْرِ جَالِسًا لِبَيَانِ جَوَازِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوِتْرِ وَبَيَانِ جَوَازِ النَّفْلِ جَالِسًا وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَى ذَلِكَ بَلْ فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّاتٍ قَلِيلَةٍ وَلَا تَغْتَرَّ بِقَوْلِهَا كَانَ يُصَلِّي فَإِنَّ الْمُخْتَارَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ لَفْظَةَ كَانَ لَا يَلْزَمُ مِنْهَا الدَّوَامُ وَلَا التَّكْرَارُ وَإِنَّمَا هِيَ فِعْلٌ مَاضٍ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ مَرَّةً فَإِنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّكْرَارِ عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا تَقْتَضِيهِ بِوَضْعِهَا وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كُنْتُ أُطَيِّبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ أَنْ صَحِبَتْهُ عَائِشَةُ إِلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ فَاسْتَعْمَلَتْ كَانَ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يُقَالُ لَعَلَّهَا طَيَّبَتْهُ فِي إِحْرَامِهِ بِعُمْرَةٍ لِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ لَا يَحِلُّ لَهُ الطِّيبُ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْإِجْمَاعِ فَثَبَتَ أَنَّهَا اسْتَعْمَلَتْ كَانَ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا قَالَهُ الْأُصُولِيُّونَ وَإِنَّمَا تَأَوَّلْنَا حَدِيثَ الرَّكْعَتَيْنِ جَالِسًا لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عَائِشَةَ مَعَ رِوَايَاتِ خَلَائِقَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ آخِرَ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيْلِ كَانَ وِتْرًا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ بِالْأَمْرِ بِجَعْلِ آخِرِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وِتْرًا مِنْهَا اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا وصلاة اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَشْبَاهِهَا أَنَّهُ يُدَاوِمُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ وَيَجْعَلُهُمَا آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ بَيَانِ الْجَوَازِ وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الصَّوَابُ وَأَمَّا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ تَرْجِيحِ الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَرَدِّ رِوَايَةِ

الرَّكْعَتَيْنِ جَالِسًا فَلَيْسَ بِصَوَابٍ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ إِذَا صَحَّتْ وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهَا تَعَيَّنَ وَقَدْ جَمَعْنَا بَيْنَهَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ الْحَرِيرِيُّ هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِهِمَا تِسْعَ رَكَعَاتٍ يُوتِرُ مِنْهُنَّ كَذَا فِي بَعْضِ الْأُصُولِ مِنْهُنَّ وَفِي بَعْضِهَا فِيهِنَّ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ مِنْهَا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ وَفِي بَعْضِهَا رَكْعَتَا وَهُوَ الْوَجْهُ وَيُتَأَوَّلُ الْأَوَّلُ عَلَى تَقْدِيرٍ يُصَلِّي مِنْهَا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قَوْلُهَا وَيُوتِرُ بِسَجْدَةٍ أَيْ بِرَكْعَةٍ [739] قَوْلُهُ وَثَبَ أَيْ قَامَ بِسُرْعَةٍ فَفِيهِ الِاهْتِمَامُ بِالْعِبَادَةِ وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهَا بِنَشَاطٍ وَهُوَ بَعْضُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ قَوْلُهَا ثُمَّ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ أَيْ سُنَّةَ الصُّبْحِ [740] قَوْلُهُ عَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ بِرَاءٍ ثُمَّ زَايٍ قَوْلُهَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ صَلَاتِهِ الْوِتْرُ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ جَعْلُ آخِرِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وِتْرًا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً

وَسَبَقَ تَأْوِيلُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَهُ جَالِسًا [741] قَوْلُهَا كَانَ يُحِبُّ الْعَمَلَ الدَّائِمَ فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْقَصْدِ في العبادة وأنه ينبغي للإنسان أن لا يَحْتَمِلَ مِنَ الْعِبَادَةِ إِلَّا مَا يُطِيقُ الدَّوَامُ عَلَيْهِ ثُمَّ يُحَافِظُ عَلَيْهِ قَوْلُهَا كَانَ إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ قَامَ فَصَلَّى الصَّارِخُ هُنَا هُوَ الدِّيكُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ قَالُوا وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ صِيَاحِهِ [743] قَوْلُهَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ الْكَلَامِ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ الْقَاضِي وَكَرِهَهُ الكوفيون وروى عن بن مَسْعُودٍ وَبَعْضِ السَّلَفِ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِغْفَارٍ وَالصَّوَابُ الْإِبَاحَةُ لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَوْنُهُ وَقْتَ اسْتِحْبَابِ الِاسْتِغْفَارِ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْكَلَامِ [744] قَوْلُهَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم

يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَإِذَا أَوْتَرَ قَالَ قُوْمِي فَأَوْتِرِي يَا عَائِشَةُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِذَا بَقِيَ الْوِتْرُ أَيْقَظَهَا فَأَوْتَرَتْ فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ جَعْلُ الْوِتْرِ آخِرَ اللَّيْلِ سَوَاءٌ كَانَ لِلْإِنْسَانِ تهجد أم لَا إِذَا وَثِقَ بِالِاسْتِيقَاظِ آخِرَ اللَّيْلِ إِمَّا بِنَفْسِهِ وَإِمَّا بِإِيقَاظِ غَيْرِهِ وَأَنَّ الْأَمْرَ بِالنَّوْمِ عَلَى وِتْرٍ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَثِقْ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي حَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ قَوْلُهُ فِي أَبِي يَعْفُورَ وَاسْمُهُ وَاقِدٌ وَيُقَالُ وَقْدَانُ هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ وَقِيلَ عَكْسُهُ وَكِلَاهُمَا بِاتِّفَاقٍ وَهَذَا أَبُو يَعْفُورَ بِالْفَاءِ وَالرَّاءِ أَبُو يَعْفُورَ الْأَصْغَرُ السامري الكوني التَّابِعِيُّ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ بِسْطَاسٍ وَاتَّفَقَا فِي كُنْيَتِهِمَا وَبَلَدِهِمَا وَتَبَعِيَّتِهِمَا وَيَتَمَيَّزَانِ بِالِاسْمِ وَالْقَبِيلَةِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ يُقَالُ فِيهِ أَبُو يَعْفُورَ الْأَكْبَرُ وَالثَّانِي الْأَصْغَرُ وَقَدْ سَبَقَ إِيضَاحُهُمَا أَيْضًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ [745] قَوْلُهَا مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْتَهَى وِتْرُهُ إلى السحروفي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِلَى آخِرِ اللَّيْلِ فِيهِ جَوَازُ الْإِيتَارِ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ فَالصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا وَالْمَشْهُورُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِالْفِرَاغِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَيَمْتَدُّ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي وَفِي وَجْهٍ يَدْخُلُ بِدُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَفِي وَجْهٍ لَا يَصِحُّ الْإِيتَارُ بِرَكْعَةٍ إِلَّا بَعْدَ نَفْلٍ

بَعْدَ الْعِشَاءِ وَفِي قَوْلٍ يَمْتَدُّ إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ وَقِيلَ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَوْلُهَا وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ مَعْنَاهُ كَانَ آخِرَ أَمْرِهِ الْإِيتَارُ فِي السَّحَرِ وَالْمُرَادُ بِهِ آخِرُ اللَّيْلِ كَمَا قَالَتْ فِي الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْإِيتَارِ آخِرَ اللَّيْلِ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قَاضِي كَرْمَانَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا [746] قَوْلُهُ فَيَجْعَلُهُ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ الْكُرَاعُ اسْمٌ لِلْخَيْلِ قَوْلُهُ رَاجَعَ امْرَأَتَهُ وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا هِيَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْكَسْرُ أَفْصَحُ قَوْلُهُ فَأَتَى بن عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ فَقَالَ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ وَيَعْرِفُ أَنَّ غَيْرَهُ أَعْلَمُ مِنْهُ بِهِ أَنْ يُرْشِدَ

السَّائِلَ إِلَيْهِ فَإِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ وَيَتَضَمَّنُ مَعَ ذلك الإنصاف والاعتراف بالفضل لأهله والتواضع قوله نُهِينَا أَنْ نَقُولَ فِي هَاتَيْنِ الشِّيعَتَيْنِ شَيْئًا فَأَبَتْ فِيهِمَا إِلَّا مُضِيًّا الشِّيعَتَانِ الْفِرْقَتَانِ وَالْمُرَادُ تِلْكَ الْحُرُوبُ الَّتِي جَرَتْ قَوْلُهَا فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ مَعْنَاهُ الْعَمَلُ بِهِ وَالْوُقُوفُ عِنْدَ حُدُودِهِ وَالتَّأَدُّبُ بِآدَابِهِ وَالِاعْتِبَارُ بِأَمْثَالِهِ وَقَصَصِهِ وَتَدَبُّرُهُ وَحُسْنُ تِلَاوَتِهِ قَوْلُهَا فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ صَارَ تَطَوُّعًا فِي حَقِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَالْأُمَّةِ فَأَمَّا الْأُمَّةُ فَهُوَ تَطَوُّعٌ فِي حَقِّهِمْ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَلَفُوا فِي نَسْخِهِ فِي حَقِّهِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا نَسْخُهُ وَأَمَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْأُمَّةِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَلَوْ قَدْرَ حَلْبِ شَاةٍ فَغَلَطٌ وَمَرْدُودٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ مَعَ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ لَا وَاجِبَ إِلَّا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ قَوْلُهَا كُنَّا نَعُدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ فِيهِ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ وَالتَّأَهُّبُ بِأَسْبَابِ الْعِبَادَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا وَالِاعْتِنَاءُ بِهَا قَوْلُهَا فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ فِيهِ اسْتِحْبَابُ السِّوَاكِ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ قَوْلُهَا وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهَا إِلَى قَوْلِهَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ هَذَا قَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ قَرِيبًا قَوْلُهَا فَلَمَّا سَنَّ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ سَنَّ وَفِي بَعْضِهَا أَسَنَّ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ قَوْلُهَا وَكَانَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ الليل صلى من النهار ثنتي عَشْرَةَ رَكْعَةً هَذَا دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْأَوْرَادِ وَأَنَّهَا إِذَا فَاتَتْ تُقْضَى

قوله [747] عن يونس عن بن شهاب عن السائب بن يزيد وعبيد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَاهُ عَنْ عَبْدِ الرحمن بن عبد القارىء قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ هَذَا الْإِسْنَادُ وَالْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ وَزَعَمَ أَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِأَنَّ جَمَاعَةً رَوَوْهُ هَكَذَا مَرْفُوعًا وَجَمَاعَةً رَوَوْهُ مَوْقُوفًا وَهَذَا التَّعْلِيلُ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ أَيْضًا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ ثُمَّ فِي مَوَاضِعَ بَعْدَ ذَلِكَ وَبَيَّنَّا أَنَّ الصَّحِيحَ بَلِ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ ومحققوا الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ إِذَا رُوِيَ الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا أَوْ مَوْصُولًا وَمُرْسَلًا حُكِمَ بِالرَّفْعِ وَالْوَصْلِ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّافِعُ وَالْوَاصِلُ أَكْثَرَ أَوْ أقَلَّ فِي الْحِفْظِ وَالْعَدَدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ فَائِدَةٌ لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّ فِيهِ رِوَايَةَ صَحَابِيٍّ عَنْ تَابِعِيٍّ وَهُوَ السَّائِبُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَيَدْخُلُ فِي رِوَايَةِ الْكِبَارِ عن الصغار وقوله القارىء بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَارَةِ الْقَبِيلَةِ الْمَعْرُوفَةِ سبق بيانه مرات

[748] صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْمِيمِ يُقَالُ رَمِضَ يَرْمَضُ كَعَلِمَ يَعْلَمُ وَالرَّمْضَاءُ الرَّمَلُ الَّذِي اشْتَدَّتْ حَرَارَتُهُ بِالشَّمْسِ أَيْ حِينَ يَحْتَرِقُ أَخْفَافُ الْفِصَالِ وَهِيَ الصِّغَارُ مِنْ أَوْلَادِ الْإِبِلِ جَمْعُ فَصِيلٍ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الرَّمْلِ وَالْأَوَّابُ الْمُطِيعُ وَقِيلَ الرَّاجِعُ إِلَى الطَّاعَةِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ الصَّلَاةِ هَذَا الْوَقْتَ قَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ أَفْضَلُ وَقْتِ صَلَاةِ الضُّحَى وَإِنْ كَانَتْ تَجُوزُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى الزَّوَالِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [749] صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى هَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْأَفْضَلِ وَهُوَ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَسَوَاءٌ نَوَافِلُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَلَوْ جَمَعَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ تَطَوُّعَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ جَازَ عِنْدَنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَوْتِرُوا قَبْلَ الصُّبْحِ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ

السُّنَّةَ جَعْلُ الْوِتْرِ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَعَلَى أَنَّ وَقْتَهُ يَخْرُجُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ من مذهبنا

وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقِيلَ يَمْتَدُّ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى يُصَلِّيَ الْفَرْضَ [752] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْإِيتَارِ بِرَكْعَةٍ وَعَلَى اسْتِحْبَابِهِ آخر الليل

قَوْلُهُ إِنَّكَ لَضَخْمٌ إِشَارَةٌ إِلَى الْغَبَاوَةِ وَالْبَلَادَةِ وَقِلَّةِ الْأَدَبِ قَالُوا لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ يَكُونُ لِلضَّخْمِ غَالِبًا وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَطَعَ عليه الكلام أجله قَبْلَ تَمَامِ حَدِيثِهِ قَوْلُهُ أَسْتَقْرِئُ لَكَ الْحَدِيثَ هو بالهمزة من القرأة ومعناه اذكره وأت بِهِ عَلَى وَجْهِهِ بِكَمَالِهِ قَوْلُهُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ كَانَ الْأَذَانُ بِأُذُنَيْهِ قَالَ الْقَاضِي المراد بالأذان هنا

الإقامة وهو اشارة إلى شدة تخفيفها بالسنة إِلَى بَاقِي صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ بَهْ بَهْ هُوَ بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَهَاءٍ سَاكِنَةٍ مُكَرَّرَةٍ وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَهْ مَهْ زَجْرٌ وكف وقال بن السِّكِّيتِ هِيَ لِتَفْخِيمِ الْأَمْرِ بِمَعْنَى بَخٍ بَخٍ قَوْلُهُ أَبُو نَضْرَةَ الْعَوَقِيُّ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَوَاوٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَقَافٍ مَنْسُوبٌ إِلَى الْعَوَقَةِ بَطْنٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ فَتْحَ الْوَاوِ واسكانها والصواب المشهور المعروف الفتح لاغير قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [755] فِي حَدِيثِ جابر مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ

مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ فِيهِ دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّ تَأْخِيرَ الْوِتْرِ إِلَى آخِرِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ لِمَنْ وَثِقَ بِالِاسْتِيقَاظِ آخِرَ اللَّيْلِ وَأَنَّ مَنْ لَا يَثِقُ بِذَلِكَ فَالتَّقْدِيمُ لَهُ أَفْضَلُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَيُحْمَلُ بَاقِي الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ فمن ذلك حديث أوصاني خليلي أن لا أَنَامَ إِلَّا عَلَى وِتْرٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَا يَثِقُ بِالِاسْتِيقَاظِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرَ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ أَنْ يَشْهَدَهَا مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَفِيهِ دَلِيلَانِ صَرِيحَانِ عَلَى تَفْضِيلِ صَلَاةِ الْوِتْرِ وَغَيْرِهَا آخر الليل [756] قوله صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة طُولُ الْقُنُوتِ الْمُرَادُ بِالْقُنُوتِ هُنَا الْقِيَامُ بِاتِّفَاقِ العلماء فيما

عَلِمْتُ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمَنْ يَقُولُ كَقَوْلِهِ إِنَّ تَطْوِيلَ الْقِيَامِ أَفْضَلُ مِنْ كَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا وَأَيْضًا فِي أَبْوَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ [757] قَوْلُهُ إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِيهِ إِثْبَاتُ سَاعَةِ الْإِجَابَةِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ وَيَتَضَمَّنُ الْحَثَّ عَلَى الدُّعَاءِ فِي جَمِيعِ سَاعَاتِ اللَّيْلِ رَجَاءَ مُصَادَفَتِهَا [758] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَفِيهِ مَذْهَبَانِ مَشْهُورَانِ لِلْعُلَمَاءِ سَبَقَ إِيضَاحُهُمَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَمُخْتَصَرُهُمَا أَنَّ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَبَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ يُؤْمِنُ بِأَنَّهَا حَقٌّ عَلَى مَا يَلِيقُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ ظَاهِرَهَا الْمُتَعَارَفُ فِي حَقِّنَا غَيْرُ مُرَادٍ وَلَا يَتَكَلَّمُ فِي تَأْوِيلِهَا مَعَ اعْتِقَادِ تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ وَعَنِ الِانْتِقَالِ والحركات وسائر سمات الخلق والثاني مذهب أكثرالمتكلمين وَجَمَاعَاتٍ مِنَ السَّلَفِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ هُنَا عَنْ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهَا تُتَأَوَّلُ عَلَى مَا يَلِيقُ بها

بِحَسَبِ مَوَاطِنِهَا فَعَلَى هَذَا تَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ تَأْوِيلَيْنِ أَحَدُهُمَا تَأْوِيلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ تَنْزِلُ رَحْمَتُهُ وَأَمْرُهُ وَمَلَائِكَتُهُ كَمَا يُقَالُ فَعَلَ السُّلْطَانُ كَذَا إِذَا فَعَلَهُ أَتْبَاعُهُ بِأَمْرِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ وَمَعْنَاهُ الْإِقْبَالُ عَلَى الداعين بالإجابة واللطف والله أعلم قوله ص يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الصَّحِيحُ رِوَايَةُ حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ كَذَا قَالَهُ شُيُوخُ الْحَدِيثِ وَهُوَ الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ بلفظه ومعناه قال ويحتمل أَنْ يَكُونَ النُّزُولُ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ بَعْدَ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ مَنْ يَدْعُونِي بَعْدَ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعلم بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فِي وَقْتٍ فَأَخْبَرَ بِهِ ثُمَّ أُعْلِمَ بِالْآخَرِ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَأَعْلَمَ بِهِ وَسَمِعَ أَبُو هُرَيْرَةَ الْخَبَرَيْنِ فَنَقَلَهُمَا جَمِيعًا وَسَمِعَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ خَبَرَ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ فَقَطْ فَأَخْبَرَ بِهِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَفِيهِ رَدٌّ لِمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْقَاضِي مِنْ تَضْعِيفِ رِوَايَةِ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ وَكَيْفَ يُضَعِّفُهَا وَقَدْ رَوَاهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادٍ لَا مَطْعَنَ فِيهِ عَنِ الصَّحَابِيَّيْنِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَالرِّوَايَاتِ مُكَرَّرٌ للتوكيد والتعظيم قوله ص فلما يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى امْتِدَادِ وَقْتِ الرَّحْمَةِ وَاللُّطْفِ التَّامِّ إِلَى إِضَاءَةِ الْفَجْرِ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ إِلَى إِضَاءَةِ الْفَجْرِ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ آخِرَ

اللَّيْلِ لِلصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَغَيْرِهَا مِنَ الطَّاعَاتِ أفضل من أوله وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُحَاضِرٌ أَبُو الْمُوَرِّعِ هُوَ مُحَاضِرٌ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَرِّعُ بِكَسْرِ الرَّاءِ هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ أَبُو الْمُوَرِّعِ وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي كتب الحديث بن المورع وكلاهما صحيح وهو بن الْمُوَرِّعِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْمُوَرِّعِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ عَنْ مُحَاضِرٍ يَنْزِلُ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ صَحِيحٌ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ وَلَا ظَلُومٍ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى غَيْرَ عَدُومٍ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَدِيمٍ وَالثَّانِيَةِ عَدُومٍ وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ أَعْدَمَ الرَّجُلُ إِذَا افْتَقَرَ فَهُوَ مُعْدِمٌ وَعَدِيمٌ وَعَدُومٌ وَالْمُرَادُ بِالْقَرْضِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ عَمَلُ الطَّاعَةِ سَوَاءٌ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالذِّكْرُ وَغَيْرُهَا مِنَ الطَّاعَاتِ وَسَمَّاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَرْضًا مُلَاطَفَةً لِلْعِبَادِ وَتَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَى الطَّاعَةِ فَإِنَّ الْقَرْضَ إِنَّمَا يَكُونُ مِمَّنْ يَعْرِفُهُ الْمُقْتَرِضُ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُؤَانَسَةٌ وَمَحَبَّةٌ فَحِينَ يَتَعَرَّضُ لِلْقَرْضِ يُبَادِرُ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ بِإِجَابَتِهِ لِفَرَحِهِ بِتَأْهِيلِهِ لِلِاقْتِرَاضِ مِنْهُ وَإِدْلَالِهِ عَلَيْهِ وَذِكْرِهِ لَهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ قَوْلُهُ ثُمَّ يَبْسُطُ يديه سبحانه

(باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح)

وَتَعَالَى هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى نَشْرِ رَحْمَتِهِ وَكَثْرَةِ عَطَائِهِ وَإِجَابَتِهِ وَإِسْبَاغِ نِعْمَتِهِ قَوْلُهُ عَنِ الْأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ الْأَغَرُّ لَقَبٌ وَاسْمُهُ سَلْمَانُ (باب التَّرْغِيبِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ وَهُوَ التَّرَاوِيحُ) [759] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا مَعْنَى إِيمَانًا تَصْدِيقًا بِأَنَّهُ حَقٌّ مُقْتَصِدٌ فَضِيلَتَهُ وَمَعْنَى احْتِسَابًا أَنْ يُرِيدَ اللَّهَ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا يَقْصِدُ رُؤْيَةَ النَّاسِ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُخَالِفُ الْإِخْلَاصَ وَالْمُرَادُ بِقِيَامِ رَمَضَانَ صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْأَفْضَلَ صَلَاتُهَا مُنْفَرِدًا فِي بَيْتِهِ أَمْ فِي جَمَاعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ الْأَفْضَلُ صَلَاتُهَا جَمَاعَةً كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاسْتَمَرَّ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنَ الشَّعَائِرِ الظَّاهِرَةِ فَأَشْبَهَ صَلَاةَ الْعِيدِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ الْأَفْضَلُ فُرَادَى فِي الْبَيْتِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ

الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة [760] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ هَذَا مُخْتَصٌّ بِغُفْرَانِ الصَّغَائِرِ دُونَ الْكَبَائِرِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَيَجُوزُ أَنْ يُخَفِّفَ مِنَ الْكَبَائِرِ مَا لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً قَوْلُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ فَيَقُولُ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِعَزِيمَةٍ مَعْنَاهُ لَا يَأْمُرُهُمْ أَمْرَ إِيجَابٍ وَتَحْتِيمٍ بَلْ أَمْرَ نَدْبٍ وَتَرْغِيبٍ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ فَيَقُولُ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ تَقْتَضِي التَّرْغِيبَ وَالنَّدْبَ دُونَ الْإِيجَابِ وَاجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ قَوْلُهُ فَتُوُفِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ مَعْنَاهُ اسْتَمَرَّ الْأَمْرُ هَذِهِ الْمُدَّةَ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَقُومُ رَمَضَانَ فِي بَيْتِهِ منفردا حتى انقضى صدرا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ ثُمَّ جَمَعَهُمْ عُمَرُ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَصَلَّى بِهِمْ جَمَاعَةً وَاسْتَمَرَّ الْعَمَلُ عَلَى فِعْلِهَا جَمَاعَةً وَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ

هَذَا مَعَ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ قَدْ يُقَالُ إِنَّ أَحَدَهُمَا يُغْنِي عَنِ الْآخَرِ وَجَوَابُهُ أَنْ يُقَالُ قِيَامُ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ مُوَافَقَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَعْرِفَتِهَا سَبَبٌ لِغُفْرَانِ الذُّنُوبِ وَقِيَامُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ لِمَنْ وَافَقَهَا وَعَرَفَهَا سَبَبٌ لِلْغُفْرَانِ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ غَيْرَهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَيُوَافِقُهَا مَعْنَاهُ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ [761] قَوْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَفِيهِ جَوَازُ النَّافِلَةِ جَمَاعَةً وَلَكِنَّ الِاخْتِيَارَ فِيهَا الِانْفِرَادُ إِلَّا فِي نَوَافِلَ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ الْعِيدُ وَالْكُسُوفُ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَكَذَا التَّرَاوِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا سَبَقَ وَفِيهِ جَوَازُ النَّافِلَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ أَفْضَلَ وَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا فَعَلَهَا فِي الْمَسْجِدِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَأَنَّهُ كَانَ مُعْتَكِفًا وَفِيهِ جَوَازُ الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ لَمْ يَنْوِ إِمَامَتَهُ وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ وَلَكِنْ إِنْ نَوَى الْإِمَامُ إِمَامَتَهُمْ بَعْدَ اقْتِدَائِهِمْ حَصَلَتْ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ لَهُ وَلَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا حَصَلَتْ لَهُمْ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ وَلَا يَحْصُلُ لِلْإِمَامِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَأَمَّا الْمَأْمُومُونَ فَقَدْ نَوَوْهَا وَفِيهِ إِذَا تَعَارَضَتْ مَصْلَحَةٌ وَخَوْفُ مَفْسَدَةٍ أَوْ مَصْلَحَتَانِ اعْتُبِرَ أَهَمُّهُمَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ رَأَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ مَصْلَحَةً لِمَا ذَكَرْنَاهُ فَلَمَّا عَارَضَهُ خَوْفُ الِافْتِرَاضِ عَلَيْهِمْ تَرَكَهُ لِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي تُخَافُ مِنْ عَجْزِهِمْ وتركهم

لِلْفَرْضِ وَفِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ وَكَبِيرَ الْقَوْمِ إِذَا فَعَلَ شَيْئًا خِلَافَ مَا يَتَوَقَّعُهُ أَتْبَاعُهُ وَكَانَ لَهُ فِيهِ عُذْرٌ يَذْكُرُهُ لَهُمْ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ وَإِصْلَاحًا لِذَاتِ الْبَيْنِ لِئَلَّا يَظُنُّوا خِلَافَ هَذَا وَرُبَّمَا ظَنُّوا ظَنَّ السُّوءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَلَمَّا قَضَى صَلَاةَ الْفَجْرِ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ تَشَهَّدَ فَقَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ شَأْنُكُمُ اللَّيْلَةَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَوَائِدُ مِنْهَا اسْتِحْبَابُ التَّشَهُّدِ فِي صَدْرِ الْخُطْبَةِ وَالْمَوْعِظَةِ وَفِي حَدِيثٍ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ الْخُطْبَةُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ قَوْلِ أَمَّا بَعْدُ فِي الْخُطَبِ وقد جاءت به أحاديث كثيرة في الصحيح مَشْهُورَةٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابًا في البداءة في الخطبة بأما بَعْدُ وَذَكَرَ فِيهِ جُمْلَةً مِنَ الْأَحَادِيثِ وَمِنْهَا أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْخُطْبَةِ وَالْمَوْعِظَةِ اسْتِقْبَالُ الْجَمَاعَةِ وَمِنْهَا أَنَّهُ يُقَالُ

باب الندب الأكيد إلى قيام ليلة القدر

جَرَى اللَّيْلَةَ كَذَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الصُّبْحِ وَهَكَذَا يُقَالُ اللَّيْلَةَ إِلَى زَوَالِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ الزَّوَالِ يُقَالُ الْبَارِحَةُ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ في أول الكتاب (باب الندب الأكيد إلى قيام ليلة القدر) وبيان دليل من قال إنها ليلة سبع وعشرين [762] فِيهِ حَدِيثُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ كَانَ يَحْلِفُ أَنَّهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَهَذَا أَحَدُ الْمَذَاهِبِ فِيهَا وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا لَيْلَةً مُبْهَمَةً مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَأَرْجَاهَا أَوْتَارُهَا وَأَرْجَاهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ وَأَكْثَرُهُمْ أَنَّهَا لَيْلَةٌ مُعَيَّنَةٌ لَا تَنْتَقِلُ وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ إِنَّهَا تَنْتَقِلُ فَتَكُونُ فِي سَنَةٍ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَفِي سَنَةٍ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَسَنَةٍ لَيْلَةَ إِحْدَى وَلَيْلَةً أُخْرَى وَهَذَا أَظْهَرُ وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ فِيهَا وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ بَسْطٍ فِيهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ كِتَابِ الصِّيَامِ حَيْثُ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ قَوْلُهُ وَأَكْثَرُ عِلْمِي ضَبَطْنَاهُ بِالْمُثَلَّثَةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ والمثلثة أكثر

(باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالليل)

(بَابُ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعائه بالليل) فيه حديث بن عَبَّاسٍ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى جُمَلٍ مِنَ الْفَوَائِدِ وَغَيْرِهِ [763] قَوْلُهُ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَأَتَى حَاجَتَهُ يَعْنِي الْحَدَثَ قَوْلُهُ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ قَامَ هَذَا الْغَسْلُ لِلتَّنْظِيفِ وَالتَّنْشِيطِ لِلذِّكْرِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ فَأَتَى الْقِرْبَةَ فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا بِكَسْرِ الشِّينِ أَيِ الْخَيْطَ الَّذِي تُرْبَطُ بِهِ فِي الْوَتَدِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُمَا وَقِيلَ الْوِكَاءُ قَوْلُهُ فَقُمْتُ فَتَمَطَّيْتُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَرَى أَنِّي كُنْتُ أَنْتَبِهُ لَهُ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَهَكَذَا هُوَ فِي أُصُولِ بِلَادِنَا أَنْتَبِهُ بِنُونٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ أُبْقِيهُ بِمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ قَافٍ وَمَعْنَاهُ أَرْقُبُهُ وَهُوَ مَعْنَى أَنْتَبِهُ لَهُ قَوْلُهُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِيَدَيَّ فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ فِيهِ أَنَّ مَوْقِفَ الْمَأْمُومِ الْوَاحِدِ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ وَأَنَّهُ إِذَا وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ يَتَحَوَّلُ إِلَى يَمِينِهِ وَأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَحَوَّلْ حَوَّلَهُ الْإِمَامُ وَأَنَّ الْفِعْلَ الْقَلِيلَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَأَنَّ صلاة الصبي صحيحة وأن له موثقا مِنَ الْإِمَامِ كَالْبَالِغِ وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي غَيْرِ الْمَكْتُوبَاتِ صَحِيحَةٌ قَوْلُهُ ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ فَقَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ هَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ نَوْمَهُ

مُضْطَجِعًا لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِأَنَّ عَيْنَيْهِ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ فَلَوْ خَرَجَ حَدَثٌ لَأَحَسَّ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا إِلَى آخِرِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ سَأَلَ النُّورَ فِي أَعْضَائِهِ وَجِهَاتِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ الْحَقِّ وَضِيَاؤُهُ وَالْهِدَايَةُ إِلَيْهِ فَسَأَلَ النُّورَ فِي جَمِيعِ أَعْضَائِهِ وَجِسْمِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ وَتَقَلُّبَاتِهِ وَحَالَاتِهِ وَجُمْلَتِهِ فِي جِهَاتِهِ السِّتِّ حَتَّى لَا يَزِيغَ شَيْءٌ مِنْهَا عَنْهُ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كهيل عن كريب عن بن عَبَّاسٍ وَذَكَرَ الدُّعَاءَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا إِلَى آخِرِهِ قَالَ كُرَيْبٌ وَسَبْعًا فِي التَّابُوتِ فَلَقِيتُ بَعْضَ وَلَدِ الْعَبَّاسِ فَحَدَّثَنِي بِهِنَّ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ وَذَكَرَ فِي الدُّعَاءِ سَبْعًا أَيْ سَبْعَ كَلِمَاتٍ نَسِيتُهَا قَالُوا وَالْمُرَادُ بِالتَّابُوتِ الْأَضْلَاعُ وَمَا يَحْوِيهُ مِنَ الْقَلْبِ وَغَيْرِهِ تَشْبِيهًا بِالتَّابُوتِ الَّذِي كَالصُّنْدُوقِ يُحْرَزُ فِيهِ الْمَتَاعُ أَيْ وَسَبْعًا فِي قَلْبِي وَلَكِنْ نَسِيتُهَا وَقَوْلُهُ فَلَقِيتُ بَعْضَ وَلَدِ الْعَبَّاسِ الْقَائِلُ لَقِيتُ هُوَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ قَوْلُهُ فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ عَرْضِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَهَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ قَالَ وَرَوَاهُ الدَّاوُدِيُّ بِالضَّمِّ وَهُوَ الْجَانِبُ وَالصَّحِيحُ الْفَتْحُ وَالْمُرَادُ بِالْوِسَادَةِ الوسادة المعروفة التي تكون تحت الرؤس وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنِ الْبَاجِيِّ وَالْأَصِيلِيِّ

وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْوِسَادَةَ هُنَا الْفِرَاشُ لِقَوْلِهِ اضْطَجَعَ فِي طُولِهَا وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ نَوْمِ الرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ مِنْ غَيْرِ مُوَاقَعَةٍ بِحَضْرَةِ بَعْضِ مَحَارِمِهَا وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ جَاءَ فِي بعض روايات هذا الحديث قال بن عباس بت عند خالتي في ليلة كانت فِيهَا حَائِضًا قَالَ وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ وَإِنْ لَمْ تصح طريقا فهي حسنة المعنى جدا إذ لم يكن بن عَبَّاسٍ يَطْلُبُ الْمَبِيتَ فِي لَيْلَةٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا حَاجَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَلَا يُرْسِلُهُ أَبُوهُ إِلَّا إِذَا عَلِمَ عَدَمَ حَاجَتِهِ إِلَى أَهْلِهِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يفعل حاجته مع حضرة بن عَبَّاسٍ مَعَهُمَا فِي الْوِسَادَةِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ مُرَاقِبًا لِأَفْعَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَنَمْ أَوْ نَامَ قَلِيلًا جِدًّا قَوْلُهُ فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ مَعْنَاهُ أَثَرَ النَّوْمِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ هَذَا وَاسْتِعْمَالُ الْمَجَازِ قَوْلُهُ ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الْآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ فِيهِ جَوَازُ الْقِرَاءَةِ لِلْمُحْدِثِ وَهَذَا إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا تَحْرُمُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ قِرَاءَةِ هَذِهِ الْآيَاتِ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ وَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَسُورَةِ الْبَقَرَةِ وَسُورَةِ النِّسَاءِ وَنَحْوِهَا وَكَرِهَهُ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَالَ إِنَّمَا يُقَالُ السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ وَالَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَلَا لَبْسَ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ إِنَّمَا أَنَّثَهَا عَلَى إِرَادَةِ الْقِرْبَةِ وَفِي رِوَايَةٍ بَعْدَ هَذِهِ شَنٍّ مُعَلَّقٍ عَلَى إِرَادَةِ السِّقَاءِ وَالْوِعَاءِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الشَّنُّ الْقِرْبَةُ الْخَلَقُ وَجَمْعُهُ شِنَانٌ قَوْلُهُ وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا قِيلَ إِنَّمَا فَتَلَهَا تَنْبِيهًا لَهُ مِنَ النُّعَاسِ وَقِيلَ لِيَتَنَبَّهَ لِهَيْئَةِ الصَّلَاةِ وَمَوْقِفِ الْمَأْمُومِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ

لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَجَعَلْتُ إِذَا أَغْفَيْتُ يَأْخُذُ بِشَحْمَةِ أُذُنِي قَوْلُهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَوْتَرَ ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ حَتَّى خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ فِيهِ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي الْوِتْرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّلَوَاتِ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ أَوْتَرَ يَكُونُ آخِرُهُ رَكْعَةٌ مَفْصُولَةٌ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَكْعَةٌ مَوْصُولَةٌ بِرَكْعَتَيْنِ كَالْمَغْرِبِ وَفِيهِ جَوَازُ إِتْيَانِ الْمُؤَذِّنِ إِلَى الْإِمَامِ لِيَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَتَخْفِيفِ سُنَّةِ الصُّبْحِ وَأَنَّ الْإِيتَارَ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً أَكْمَلُ وَفِيهِ خِلَافٌ لِأَصْحَابِنَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَكْثَرُ الْوِتْرِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ أَكْثَرُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ وَتَأَوَّلُوا حَدِيثَ بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى مِنْهَا رَكْعَتَيْ سُنَّةِ الْعِشَاءِ وَهُوَ تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ مُبَاعِدٌ لِلْحَدِيثِ قَوْلُهُ ثُمَّ عَمَدَ إِلَى شَجْبٍ مِنْ مَاءٍ هُوَ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ قَالُوا وَهُوَ السِّقَاءُ الْخَلَقُ وَهُوَ بِمَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى شَنٌّ مُعَلَّقَةٌ وَقِيلَ الْأَشْجَابُ الْأَعْوَادُ التي تعلق

عَلَيْهَا الْقِرْبَةَ قَوْلُهُ ثُمَّ احْتَبَى حَتَّى إِنِّي لَأَسْمَعُ نَفَسَهُ رَاقِدًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ احْتَبَى أَوَّلًا ثُمَّ اضْطَجَعَ كَمَا سَبَقَ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَاضِيَةِ فَاحْتَبَى ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى سَمِعَ نَفْخَهُ وَنَفَسَهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ قَوْلُهُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخْلَفَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ مَعْنَى أَخْلَفَنِي أَدَارَنِي مِنْ خلفه

قَوْلُهُ فَبَقِيتُ كَيْفَ يُصَلِّي هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْقَافِ أَيْ رَقَبْتُ وَنَظَرْتُ يُقَالُ بَقِيتُ وَبَقَوْتُ بِمَعْنَى رَقَبْتُ وَرَمَقْتُ قَوْلُهُ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَضُوءًا حَسَنًا بَيْنَ الْوُضُوءَيْنِ يَعْنِي لَمْ يُسْرِفْ وَلَمْ يَقْتُرْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا قَوْلُهُ عن أبي رشدين مولى بن عَبَّاسٍ هُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَهُوَ كُرَيْبٌ وَمَوْلَى

بن عَبَّاسٍ كُنِّيَ بِابْنِهِ رِشْدِينَ قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلْمَانَ الْحَجْرِيِّ هُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ جِيمٍ سَاكِنَةٍ مَنْسُوبٌ إِلَى حَجْرِ رُعَيْنٍ وَهِيَ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ قَوْلُهُ فَتَحَدَّثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً ثُمَّ نَامَ فِيهِ جَوَازُ الْحَدِيثِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَالَّذِي ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا هُوَ فِي حَدِيثٍ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ وَلَا مَصْلَحَةَ فِيهِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِهِ قَوْلُهُ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِيهَا مُخَالَفَةٌ لِبَاقِي الرِّوَايَاتِ فِي تَخْلِيلِ النَّوْمِ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ وَفِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ تَخَلُّلَ النَّوْمِ وَذَكَرَ الرَّكَعَاتِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهِيَ رِوَايَةُ حُصَيْنٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ لِاضْطِرَابِهَا وَاخْتِلَافِ الرُّوَاةِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَرُوِيَ عَنْهُ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ وَخَالَفَ فِيهِ الْجُمْهُورَ قُلْتُ وَلَا يَقْدَحُ هَذَا فِي مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُتَأَصِّلَةً مُسْتَقِلَّةً إِنَّمَا ذَكَرَهَا مُتَابَعَةً وَالْمُتَابَعَاتُ يَحْتَمِلُ فِيهَا مَا لَا يَحْتَمِلُ فِي الْأُصُولِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَوَاضِعَ قَالَ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَعُدَّ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ الْخَفِيفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ صَلَاةَ اللَّيْلِ بِهِمَا كَمَا صَرَّحَتِ الْأَحَادِيثُ بِهَا فِي مُسْلِمٍ

وَغَيْرِهِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَطَالَ فِيهِمَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا بَعْدَ الْخَفِيفَتَيْنِ فَتَكُونُ الْخَفِيفَتَانِ ثُمَّ الطَّوِيلَتَانِ ثُمَّ السِّتُّ الْمَذْكُورَاتُ ثُمَّ ثَلَاثٌ بَعْدَهَا كَمَا ذَكَرَ فَصَارَتِ الْجُمْلَةُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ كَمَا فِي بَاقِي

الرِّوَايَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [765] قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ هَكَذَا هُوَ مُكَرَّرٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ [766] قَوْلُهُ فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَشْرَعَةٍ فَقَالَ أَلَا تُشْرِعُ يَا جَابِرُ الْمَشْرَعَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالشَّرِيعَةُ هِيَ الطَّرِيقُ إِلَى عُبُورِ الْمَاءِ مِنْ حَافَّةِ نَهَرٍ أَوْ بحر وغيره وقوله أَلَا تُشْرِعُ بِضَمِّ التَّاءِ وَرُوِيَ بِفَتْحِهَا وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ الضَّمُّ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَهُ وَشَرَعْتُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ شَرَعْتُ فِي النَّهَرِ وَأَشْرَعَتْ نَاقَتِي فِيهِ وَقَوْلُهُ أَلَا تُشْرِعُ مَعْنَاهُ أَلَا تُشْرِعُ نَاقَتَكَ أَوْ نَفْسَكَ قَوْلُهُ فَصَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ فِيهِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهُ تُسَنُّ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي مَوْضِعِهَا قَوْلُهُ فَقُمْتُ خَلْفَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِي فَجَعَلَنِي عن يمينه هو

كحديث بن عَبَّاسٍ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ [767] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو حُرَّةَ عَنِ الْحَسَنِ هُوَ أَبُو حُرَّةَ بِضَمِّ الْحَاءِ اسْمُهُ وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ لَيْلَتَيْنِ قَوْلُهُمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِيُصَلِّيَ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ لِيَنْشَطَ بِهِمَا لِمَا بَعْدَهُمَا [769] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ مُنَوِّرُهُمَا وَخَالِقُ نُورِهِمَا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ بِنُورِكَ يَهْتَدِي أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي تَفْسِيرِ اسْمِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى النُّورِ وَمَعْنَاهُ الَّذِي بِنُورِهِ يُبْصِرُ ذُو الْعِمَايَةِ وَبِهِدَايَتِهِ يَرْشُدُ ذُو الغواية قال ومنه الله نور السماوات أَيْ مِنْهُ نُورُهُمَا قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ ذُو النُّورِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ النُّورُ صِفَةَ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا هُوَ صِفَةُ فِعْلٍ أَيْ هُوَ خَالِقُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ مَعْنَى نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مُدَبِّرُ شَمْسِهَا وَقَمَرِهَا وَنُجُومِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قَيِّمُ قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ صِفَاتِهِ الْقَيَّامُ وَالْقَيِّمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ هَذَا الْحَدِيثُ وَالْقَيُّومُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَقَائِمٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كل نفس قال الهروي ويقال قوام قال بن عباس القيوم الذي لايزول وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَمَعْنَاهُ مُدَبِّرُ أَمْرِ خَلْقِهِ وَهُمَا سَائِغَانِ فِي

تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ قَالَ الْعُلَمَاءُ لِلرَّبِّ ثَلَاثُ مَعَانٍ فِي اللُّغَةِ السَّيِّدُ الْمُطَاعُ فَشَرْطُ الْمَرْبُوبِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَعْقِلُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْخَطَّابِيُّ بِقَوْلِهِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ سَيِّدُ الْجِبَالِ وَالشَّجَرِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الشَّرْطُ فَاسِدٌ بَلِ الْجَمِيعُ مُطِيعٌ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَتَيْنَا طائعين قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ الْحَقُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحَقُّ فِي أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَعْنَاهُ الْمُتَحَقِّقُ وُجُودُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ صَحَّ وُجُودُهُ وَتَحَقَّقَ فَهُوَ حَقٌّ وَمِنْهُ الْحَاقَّةُ أَيِ الْكَائِنَةُ حَقًّا بِغَيْرِ شَكٍّ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ أَيْ كُلُّهُ مُتَحَقِّقٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ خَبَرُكَ حَقٌّ وَصِدْقٌ وَقِيلَ أَنْتَ صَاحِبُ الْحَقِّ وَقِيلَ مُحِقُّ الْحَقِّ وَقِيلَ الْإِلَهُ الْحَقُّ دُونَ مَا يَقُولُهُ الْمُلْحِدُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وقيل في قوله ووعدك الحق أي ومعنى صدق لِقَاؤُكَ حَقٌّ أَيِ الْبَعْثُ وَقِيلَ الْمَوْتُ وَهَذَا الْقَوْلُ بَاطِلٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَالصَّوَابُ الْبَعْثُ فَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ وَمَا بَعْدَهُ وَهُوَ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ عَلَى الْمُلْحِدِ لَا بِالْمَوْتِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وبك خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ فَاغْفِرْ لِي إِلَى آخِرِهِ مَعْنَى أَسْلَمْتُ اسْتَسْلَمْتُ وَانْقَدْتُ لِأَمْرِكَ وَنَهْيِكَ وَبِكَ آمَنْتُ أَيْ صَدَّقْتُ بِكَ وَبِكُلِّ مَا أَخْبَرْتَ وَأَمَرْتَ وَنَهَيْتَ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ أَيْ أَطَعْتُ وَرَجَعْتُ إِلَى عِبَادَتِكَ أَيْ أَقْبَلْتُ عَلَيْهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ رَجَعْتُ إِلَيْكَ فِي تَدْبِيرِي أَيْ فَوَّضْتُ إِلَيْكَ وَبِكَ خَاصَمْتُ أَيْ بِمَا أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْبَرَاهِينِ وَالْقُوَّةِ خَاصَمْتُ مَنْ عَانَدَ فِيكَ وَكَفَرَ بِكَ وَقَمَعْتُهُ بِالْحُجَّةِ وَبِالسَّيْفِ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ أَيْ كُلَّ

مَنْ جَحَدَ الْحَقَّ حَاكَمْتُهُ إِلَيْكَ وَجَعَلْتُكَ الْحَاكِمَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَا غَيْرُكَ مِمَّا كَانَتْ تَحَاكَمُ إِلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ صَنَمٍ وَكَاهِنٍ وَنَارٍ وشيطان وغيرها فلا أرضى الا بحكمك وَلَا أَعْتَمِدُ غَيْرَهُ وَمَعْنَى سُؤَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْفِرَةَ مَعَ أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ أَنَّهُ يَسْأَلُ ذَلِكَ تَوَاضُعًا وَخُضُوعًا وَإِشْفَاقًا وَإِجْلَالًا وَلِيُقْتَدَى بِهِ فِي أَصْلِ الدُّعَاءِ وَالْخُضُوعِ وَحُسْنِ التَّضَرُّعِ فِي هَذَا الدُّعَاءِ الْمُعَيَّنِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مُوَاظَبَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيْلِ عَلَى الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالِاعْتِرَافِ لِلَّهِ تَعَالَى بِحُقُوقِهِ وَالْإِقْرَارِ بِصِدْقِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ وَالْبَعْثِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ [770] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَالَ

الْعُلَمَاءُ خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى رَبَّ كُلِّ الْمَخْلُوقَاتِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مِنْ نَظَائِرِهِ مِنَ الْإِضَافَةِ إِلَى كُلِّ عَظِيمِ الْمَرْتَبَةِ وَكَبِيرِ الشَّأْنِ دُونَ مَا يُسْتَحْقَرُ وَيُسْتَصْغَرُ فَيُقَالُ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ وَرَبَّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ رَبَّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبَّ الْمَغْرِبَيْنِ رَبَّ النَّاسِ مَالِكَ النَّاسِ إِلَهَ النَّاسِ رَبَّ الْعَالَمِينَ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ رَبَّ النَّبِيِّينَ خَالِقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا فَكُلُّ ذَلِكَ وَشَبَهُهُ وَصْفٌ لَهُ سُبْحَانَهُ بِدَلَائِلِ الْعَظَمَةِ وَعَظِيمِ الْقُدْرَةِ وَالْمُلْكِ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ ذَلِكَ فِيمَا يُحْتَقَرُ وَيُسْتَصْغَرُ فَلَا يُقَالُ رَبَّ الْحَشَرَاتِ وَخَالِقَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ وَشِبْهَ ذَلِكَ عَلَى الْإِفْرَادِ وَإِنَّمَا يُقَالُ خَالِقَ الْمَخْلُوقَاتِ وَخَالِقَ كُلِّ شَيْءٍ وَحِينَئِذٍ تَدْخُلُ هَذِهِ فِي الْعُمُومِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ مَعْنَاهُ ثَبِّتْنِي عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى اهدنا الصراط المستقيم [771] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا يُوسُفُ الْمَاجِشُونُ هُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ أَبْيَضُ الْوَجْهِ مُوَرَّدُهُ لَفْظٌ أَعْجَمِيٌّ قَوْلُهُ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ أَيْ قَصَدْتُ بِعِبَادَتِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَيِ ابْتَدَأَ خلقها قَوْلُهُ حَنِيفًا قَالَ الْأَكْثَرُونَ مَعْنَاهُ مَائِلًا إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَأَصْلُ الْحَنَفِ الْمَيْلُ وَيَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَيَتَصَرَّفُ إِلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْقَرِينَةُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْحَنِيفِ هُنَا الْمُسْتَقِيمُ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْحَنِيفُ عِنْدَ الْعَرَبِ مَنْ كَانَ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتَصَبَ حَنِيفًا عَلَى الْحَالِ أَيْ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ فِي حَالِ حَنِيفِيَّتِي وَقَوْلُهُ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَيَانٌ لِلْحَنِيفِ وَإِيضَاحٌ لِمَعْنَاهُ وَالْمُشْرِكُ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ

كَافِرٍ مِنْ عَابِدِ وَثَنٍ وَصَنَمٍ وَيَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَمُرْتَدٍّ وَزِنْدِيقٍ وَغَيْرِهِمْ قَوْلُهُ 8 إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي 8 قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ النُّسُكُ الْعِبَادَةُ وَأَصْلُهُ مِنَ النَّسِيكَةِ وَهِيَ الْفِضَّةُ الْمُذَابَةُ الْمُصَفَّاةُ مِنْ كُلِّ خَلْطٍ وَالنَّسِيكَةُ أَيْضًا كُلُّ مَا يُتَقَرَّبُ به إلى الله تعالى قوله حياي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي أَيْ حَيَاتِي وَمَوْتِي وَيَجُوزُ فَتْحُ الْيَاءِ فِيهِمَا وَإِسْكَانُهَا وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى فَتْحِ يَاءِ مَحْيَايَ وَإِسْكَانِ مَمَاتِي قَوْلُهُ 8لِلَّهِ8 قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ لَامُ الْإِضَافَةِ وَلَهَا مَعْنَيَانِ الْمِلْكُ وَالِاخْتِصَاصُ وَكِلَاهُمَا مُرَادٌ قَوْلُهُ 8 رَبِّ الْعَالَمِينَ8 فِي مَعْنَى رَبِّ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الْمَالِكُ وَالسَّيِّدُ وَالْمُدَبِّرُ وَالْمُرَبِّي فَإِنْ وُصِفَ اللَّهُ تَعَالَى بِرَبٍّ لِأَنَّهُ مَالِكٌ أَوْ سَيِّدٌ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَإِنْ وُصِفَ لِأَنَّهُ مُدَبِّرُ خَلْقِهِ وَمُرَبِّيهِمْ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ وَمَتَى دَخَلَتْهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فَقِيلَ الرَّبُّ اخْتُصَّ بِاللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا حُذِفَتَا جَازَ إِطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِهِ فَيُقَالُ رَبُّ الْمَالِ وَرَبُّ الدَّارِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَالْعَالَمُونَ جَمْعُ عَالَمٍ وَلَيْسَ لِلْعَالَمِ وَاحِدٍ مِنْ لَفْظِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حَقِيقَتِهِ فَقَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ الْعَالَمُ كُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ هُمُ الْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَزَادَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْفَرَّاءُ الشَّيَاطِينُ وَقِيلَ بَنُو آدَمَ خَاصَّةً قَالَهُ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ وَأَبُو مُعَاذٍ النَّحْوِيُّ وَقَالَ الْآخَرُونَ هُوَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ثُمَّ قِيلَ هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَلَامَةِ لِأَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ عَلَامَةٌ عَلَى وُجُودِ صَانِعِهِ وَقِيلَ مِنَ الْعِلْمِ فَعَلَى هَذَا يَخْتَصُّ بِالْعُقَلَاءِ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ أَيِ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ الْمَالِكُ الْحَقِيقِيُّ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ قَوْلُهُ وَأَنَا عَبْدُكَ أَيْ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّكَ مَالِكِي وَمُدَبِّرِي وَحُكْمُكَ نَافِذٌ فِيَّ قَوْلُهُ ظَلَمْتُ نَفْسِي أَيِ اعْتَرَفْتُ بِالتَّقْصِيرِ قَدَّمَهُ عَلَى سُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ أَدَبًا كَمَا قَالَ آدَمُ وَحَوَّاءُ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ من الخاسرين قَوْلُهُ اهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ أَيْ أَرْشِدْنِي لِصَوَابِهَا وَوَفِّقْنِي لِلتَّخَلُّقِ بِهِ قَوْلُهُ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا أَيْ قَبِيحَهَا قَوْلُهُ لَبَّيْكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكِ

إِقَامَةً بَعْدَ إِقَامَةٍ يُقَالُ لَبَّ بِالْمَكَانِ لَبًّا وَأَلَبَّ إِلْبَابًا أَيْ أَقَامَ بِهِ وَأَصْلُ لَبَّيْكَ لَبَّيْنَ فَحُذِفَتِ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ قَوْلُهُ وَسَعْدَيْكَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ مُسَاعَدَةً لِأَمْرِكَ بَعْدَ مُسَاعَدَةٍ وَمُتَابَعَةً لِدِينِكَ بَعْدَ مُتَابَعَةٍ قَوْلُهُ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ الْإِرْشَادُ إِلَى الْأَدَبِ فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمَدْحِهِ بِأَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ مَحَاسِنُ الْأُمُورِ دُونَ مَسَاوِيهَا عَلَى جِهَةِ الْأَدَبِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ فَمِمَّا يَجِبُ تَأْوِيلُهُ لِأَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ كُلَّ الْمُحْدَثَاتِ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَخَلْقُهُ سَوَاءٌ خَيْرُهَا وَشَرُّهَا وَحِينَئِذٍ يَجِبُ تَأْوِيلُهُ وَفِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا مَعْنَاهُ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْكَ قَالَهُ الخليل بن أحمد والنضر بن شميل واسحق بْنُ رَاهَوَيْهِ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ وَالْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَالثَّانِي حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنِ الْمُزَنِيِّ وَقَالَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا مَعْنَاهُ لَا يُضَافُ إِلَيْكَ عَلَى انْفِرَادِهِ لَا يُقَالُ يَا خَالِقَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ وَيَا رَبَّ الشَّرِّ وَنَحْوُ هَذَا وَإِنْ كَانَ خَالِقَ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَحِينَئِذٍ يَدْخُلُ الشَّرُّ فِي الْعُمُومِ وَالثَّالِثُ مَعْنَاهُ وَالشَّرُّ لَا يَصْعَدُ إِلَيْكَ إِنَّمَا يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ وَالرَّابِعُ مَعْنَاهُ وَالشَّرُّ لَيْسَ شَرًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْكَ فَإِنَّكَ خَلَقْتَهُ بِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ شَرٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ وَالْخَامِسُ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ كقولك فلان إلى بني قلان إِذَا كَانَ عِدَادُهُ فِيهِمْ أَوْ صَفُّوهُ إِلَيْهِمْ قَوْلُهُ أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ أَيِ الْتِجَائِي وَانْتِمَائِي إِلَيْكَ وَتَوْفِيقِي بِكَ قَوْلُهُ تَبَارَكْتَ أَيِ اسْتَحْقَقْتَ الثناء وقيل ثبت الخير عندك وقال بن الْأَنْبَارِيِّ تَبَارَكَ الْعِبَادُ بِتَوْحِيدِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَبِنَصْبِ الْهَمْزَةِ بَعْدَ اللَّامِ وَرَفْعِهَا وَاخْتُلِفَ فِي الرَّاجِحِ مِنْهُمَا وَالْأَشْهَرُ النَّصْبُ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ بِدَلَائِلِهِ مُضَافًا إِلَى قَائِلِيهِ وَمَعْنَاهُ حَمْدًا لَوْ كَانَ

أَجْسَامًا لَمَلَأَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لِعِظَمِهِ قَوْلُهُ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنَ الْوَجْهِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ هُمَا مِنَ الرَّأْسِ وَآخَرُونَ أَعْلَاهُمَا مِنَ الرَّأْسِ وَأَسْفَلُهُمَا مِنَ الْوَجْهِ وَقَالَ آخَرُونَ مَا أَقْبَلَ عَلَى الْوَجْهِ فَمِنَ الْوَجْهِ وَمَا أَدْبَرَ فَمِنَ الرَّأْسِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ هُمَا عُضْوَانِ مُسْتَقِلَّانِ لَا مِنَ الرَّأْسِ وَلَا مِنَ الْوَجْهِ بَلْ يَطْهُرَانِ بِمَاءٍ مُسْتَقِلٍّ وَمَسْحُهُمَا سُنَّةٌ خِلَافًا لِلشِّيعَةِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنِ احْتِجَاجِ الزُّهْرِيِّ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَجْهِ جُمْلَةُ الذَّاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ الا وجهه وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ السُّجُودَ يَقَعُ بِأَعْضَاءٍ أُخَرَ مَعَ الْوَجْهِ وَالثَّانِي أَنَّ الشَّيْءَ يُضَافُ إِلَى مَا يُجَاوِرُهُ كَمَا يُقَالُ بَسَاتِينُ الْبَلَدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ أَيِ الْمُقَدِّرِينَ وَالْمُصَوِّرِينَ قَوْلُهُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ مَعْنَاهُ تُقَدِّمُ مَنْ شِئْتَ بِطَاعَتِكَ وَغَيْرِهَا وَتُؤَخِّرُ مَنْ شِئْتَ عَنْ ذَلِكِ كَمَا تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُكَ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ بِمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِمَامًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الذِّكْرِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاعْتِدَالِ وَالدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلَامِ قَوْلُهُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ أَيْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ

(باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل)

(باب اسْتِحْبَابِ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ) [772] فيه حديث حذيفة وحديث بن مسعود وقوله حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ الْأَحْنَفِ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ هَذَا الْإِسْنَادُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمُ الْأَعْمَشُ وَالثَّلَاثَةُ بَعْدَهُ قَوْلُهُ صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ فَمَضَى فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ إِلَى آخِرِهِ قَوْلُهُ فَقُلْتُ يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ مَعْنَاهُ ظَنَنْتُ أَنَّهُ يُسَلِّمُ بِهَا فَيَقْسِمُهَا عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَأَرَادَ بِالرَّكْعَةِ الصَّلَاةَ بِكَمَالِهَا وَهِيَ رَكْعَتَانِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ فَيَنْتَظِمُ الْكَلَامُ بَعْدَهُ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ ثُمَّ مَضَى مَعْنَاهُ قَرَأَ مُعْظَمَهَا بِحَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّي أَنَّهُ لَا يَرْكَعُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى إلا في آخر الْبَقَرَةِ فَحِينَئِذٍ قُلْتُ يَرْكَعُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِهَا فَجَاوَزَ وَافْتَتَحَ النِّسَاءَ وَقَوْلُهُ ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ إِنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ اجْتِهَادٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حِينَ كَتَبُوا الْمُصْحَفَ وأنه

لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ تَرْتِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ وَكَّلَهُ إِلَى أُمَّتِهِ بَعْدَهُ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ واختاره القاضي أبو بكر الباقلاني قال بن الْبَاقِلَّانِيِّ هُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ مَعَ احْتِمَالِهِمَا قَالَ وَالَّذِي نَقُولُهُ إِنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْكِتَابَةِ وَلَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي الدَّرْسِ وَلَا فِي التَّلْقِينِ وَالتَّعْلِيمِ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ نَصٌّ وَلَا حَدٌّ تَحْرُمُ مُخَالَفَتُهُ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ تَرْتِيبُ الْمَصَاحِفِ قَبْلَ مُصْحَفِ عُثْمَانَ قَالَ وَاسْتَجَازَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأُمَّةُ بَعْدَهُ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ تَرْكَ تَرْتِيبِ السُّوَرِ فِي الصَّلَاةِ وَالدَّرْسِ وَالتَّلْقِينِ قَالَ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّ ذَلِكَ بِتَوْقِيفٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّدَهُ لَهُمْ كَمَا اسْتَقَرَّ فِي مصحف عثمان وإنما اختلف الْمَصَاحِفِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُمُ التَّوْقِيفُ وَالْعَرْضُ الْأَخِيرُ فيتأول قرأته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّسَاءَ أَوَّلًا ثُمَّ آلَ عِمْرَانَ هُنَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ التَّوْقِيفِ وَالتَّرْتِيبِ وَكَانَتْ هَاتَانِ السُّورَتَانِ هَكَذَا فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ قَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ سُورَةً قَبْلَ الَّتِي قَرَأَهَا فِي الْأُولَى وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذلك ي رَكْعَةٍ وَلِمَنْ يَتْلُو فِي غَيْرِ صَلَاةٍ قَالَ وقد أباحه بعضهم وتأول نَهْيِ السَّلَفِ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَنْكُوسًا عَلَى مَنْ يَقْرَأُ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ إِلَى أَوَّلِهَا قَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ تَرْتِيبَ آيَاتِ كُلِّ سُورَةٍ بِتَوْقِيفٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ الْآنَ فِي الْمُصْحَفِ وَهَكَذَا نَقَلَتْهُ الْأُمَّةُ عَنْ نَبِيِّهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ فِيهِ اسْتِحْبَابُ هَذِهِ الْأُمُورِ لِكُلِّ قَارِئٍ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُهُ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ قَوْلُهُ ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَقَالَ فِي السُّجُودِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَكْرِيرِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ فِي الرُّكُوعِ وَسُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى فِي السُّجُودِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيِّينَ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَتَعَيَّنُ ذِكْرُ الِاسْتِحْبَابِ قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ هَذَا فِيهِ دَلِيلٌ

باب الحث على صلاة الوقت وان قلت

لِجَوَازِ تَطْوِيلِ الِاعْتِدَالِ عَنِ الرُّكُوعِ وَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ لا يَجُوزُ وَيُبْطِلُونَ بِهِ الصَّلَاةَ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بن أبي شيبة واسحق بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عن عبد الله يعني بن مَسْعُودٍ هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ إِلَّا إِسْحَاقَ قَوْلُهُ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطَالَ حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سُوءٍ ثُمَّ قَالَ هَمَمْتُ بِأَنْ أَجْلِسَ وَأَدَعَهُ فِيهِ أنه ينبغي الأدب مع الأئمة والكبار وأن لا يُخَالَفُوا بِفِعْلٍ وَلَا قَوْلٍ مَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا شَقَّ عَلَى الْمُقْتَدِي فِي فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ الْقِيَامُ وَعَجَزَ عَنْهُ جَازَ لَهُ الْقُعُودُ وَإِنَّمَا لَمْ يقعد بن مَسْعُودٍ لِلتَّأَدُّبِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ جَوَازُ الِاقْتِدَاءِ فِي غَيْرِ الْمَكْتُوبَاتِ وفيه استحباب تطويل صلاة الليل (باب الحث على صلاة الوقت وان قلت) [774] قوله حدثنا عثمان بن أبي شيبة واسحق عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عن عبد الله يعني بن مَسْعُودٍ هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ إِلَّا إِسْحَاقَ قَوْلُهُ ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم رجل

نَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ قَالَ ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ أَوْ قَالَ فِي أذنيه اختلفوا في معناه فقال بن قُتَيْبَةَ مَعْنَاهُ أَفْسَدَهُ يُقَالُ بَالَ فِي كَذَا إِذَا أَفْسَدَهُ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ وَالطَّحَاوِيُّ وَآخَرُونَ هُوَ اسْتِعَارَةٌ وَإِشَارَةٌ إِلَى انْقِيَادِهِ لِلشَّيْطَانِ وَتَحَكُّمِهِ فِيهِ وَعَقْدِهِ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِهِ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ وإذلاله له وَقِيلَ مَعْنَاهُ اسْتَخَفَّ بِهِ وَاحْتَقَرَهُ وَاسْتَعْلَى عَلَيْهِ يُقَالُ لِمَنِ اسْتَخَفَّ بِإِنْسَانٍ وَخَدَعَهُ بَالَ فِي أُذُنِهِ وَأَصْلُ ذَلِكَ فِي دَابَّةٍ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِالْأَسَدِ إِذْلَالًا لَهُ وَقَالَ الْحَرْبِيُّ مَعْنَاهُ ظَهَرَ عَلَيْهِ وَسَخِرَ مِنْهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ قَالَ وَخَصَّ الْأُذُنَ لِأَنَّهَا حَاسَّةُ الِانْتِبَاهِ [775] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ حَدَّثَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ بِضَمِّ الْحَاءِ عَلَى التَّصْغِيرِ وَكَذَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا الَّتِي رَأَيْتُهَا مَعَ كَثْرَتِهَا وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الِاسْتِدْرَاكَاتِ وَقَالَ إِنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْحَسَنَ بِفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى التَّكْبِيرِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ كَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَصْرٍ النَّهَاوَنْدِيُّ وَالْجُعْفِيُّ وَخَالَفَهُمُ النَّسَائِيُّ وَالسَّرَّاجُ وَمُوسَى بْنُ هَارُونَ فَرَوَوْهُ عَنْ قُتَيْبَةَ أَنَّ الْحُسَيْنَ يَعْنِي بِالتَّصْغِيرِ قَالَ وَرَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ وَحَمْزَةُ بْنُ زِيَادٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ لَيْثٍ فَقَالُوا فِيهِ الْحَسَنُ وَقَالَ يُونُسُ الْمُؤَدِّبُ وَأَبُو النَّضْرِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ لَيْثٍ الْحُسَيْنُ يَعْنِي بِالتَّصْغِيرِ قَالَ وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ مِنْهُمْ صَالِحُ بن كيسان وبن أبي عقيق وبن جُرَيْجٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ وَزَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ وَشُعَيْبٌ وَحَكِيمُ بْنُ حَكَمٍ وَيَحْيَى بْنُ أبي أنيسة وعقيل من رواية بن لَهِيعَةَ عَنْهُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَغَيْرُهُمْ وَأَمَّا مَعْمَرٌ فَأَرْسَلَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ عَنْ لَيْثٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَهْمٌ يَعْنِي مَنْ قَالَهُ بِالتَّكْبِيرِ فَقَدْ غَلِطَ هَذَا كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَقُولُ ان الصواب من رواية ليث الحسين بالتصغير وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ الْمَوْجُودُ فِي رِوَايَاتِ بِلَادِنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ أَيْ أَتَاهُمَا

فِي اللَّيْلِ قَوْلُهُ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا الْمُخْتَارُ فِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَعَجَّبَ مَنْ سُرْعَةِ جَوَابِهِ وَعَدَمِ مُوَافَقَتِهِ لَهُ عَلَى الِاعْتِذَارِ بِهَذَا وَلِهَذَا ضَرَبَ فَخِذَهُ وَقِيلَ قَالَهُ تَسْلِيمًا لِعُذْرِهِمَا وَأَنَّهُ لَا عَتْبَ عَلَيْهِمَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ وَأَمْرُ الْإِنْسَانِ صَاحِبَهُ بِهَا وَتَعَهُّدُ الْإِمَامِ وَالْكَبِيرِ رَعِيَّتَهُ بِالنَّظَرِ فِي مَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلنَّاصِحِ إِذَا لَمْ يَقْبَلْ نَصِيحَتَهُ أَوِ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ بِمَا لَا يَرْتَضِيهِ أَنْ يَنْكَفَّ وَلَا يُعَنِّفَ إِلَّا لمصلحة قوله طرقه وفاطمة فقالوا أَلَا تُصَلُّونَ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ تُصَلُّونَ وَجَمْعُ الِاثْنَيْنِ صَحِيحٌ لَكِنْ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ وَقَالَ آخَرُونَ حَقِيقَةٌ [776] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلَاثَ عُقَدٍ الْقَافِيةُ آخِرُ الرَّأْسِ وَقَافِيةُ كُلِّ شَيْءٍ آخِرُهُ وَمِنْهُ قَافِيةُ الشِّعْرِ قَوْلُهُ عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ نُسَخِ بِلَادِنَا بِصَحِيحِ مُسْلِمٍ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ بِالرَّفْعِ أَيْ بَقِيَ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْعُقَدِ فَقِيلَ هُوَ عَقْدٌ حَقِيقِيٌّ بِمَعْنَى عَقْدِ السِّحْرِ لِلْإِنْسَانِ وَمَنْعُهُ مِنَ الْقِيَامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ شَرِّ النفاثات في العقد فَعَلَى هَذَا هُوَ قَوْلٌ يَقُولُهُ يُؤَثِّرُ فِي تَثْبِيطِ النَّائِمِ كَتَأْثِيرِ السِّحْرِ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا يَفْعَلُهُ كَفِعْلِ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَقِيلَ هُوَ مِنْ عَقْدِ الْقَلْبِ وَتَصْمِيمِهِ فَكَأَنَّهُ يُوَسْوِسُ فِي نَفْسِهِ وَيُحَدِّثُهُ بِأَنَّ عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا فَتَأَخَّرْ عَنِ الْقِيَامِ وَقِيلَ هُوَ مَجَازٌ كنى به عَنْ تَثْبِيطِ الشَّيْطَانِ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا

اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عَنْهُ عُقْدَتَانِ فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتِ الْعُقَدُ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ فِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا الْحَثُّ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ وَجَاءَتْ فِيهِ أَذْكَارٌ مَخْصُوصَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحِ وقد جمعتها وما يتعلق بها في بَابٍ مِنْ كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَلَا يَتَعَيَّنُ لِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ ذِكْرٌ لَكِنَّ الْأَذْكَارَ الْمَأْثُورَةَ فِيهِ أَفْضَلُ وَمِنْهَا التَّحْرِيضُ عَلَى الْوُضُوءِ حِينَئِذٍ وَعَلَى الصَّلَاةِ وَإِنْ قَلَّتْ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَتَانِ مَعْنَاهُ تَمَامُ عُقْدَتَيْنِ أَيِ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ثَانِيَةٌ وَتَمَّ بِهَا عُقْدَتَانِ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى قُلْ أَئِنَّكُمْ لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين إلى قوله في أربعة أيام أَيْ فِي تَمَامِ أَرْبَعَةٍ وَمَعْنَاهُ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ تَمَّتِ الْجُمْلَةُ بِهِمَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَمِثْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ وَمَنْ تَبِعَهَا حَتَّى تُوضَعَ فِي الْقَبْرِ فَقِيرَاطَانِ هَذَا لَفْظُ إِحْدَى رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ بِمَعْنَاهُ وَالْمُرَادُ قِيرَاطَانِ بِالْأَوَّلِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ بِالصَّلَاةِ يَحْصُلُ قِيرَاطٌ وَبِالِاتِّبَاعِ قِيرَاطٌ آخَرُ يَتِمُّ بِهِ الْجُمْلَةُ قِيرَاطَانِ وَدَلِيلُ أَنَّ الْجُمْلَةَ قِيرَاطَانِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ مَنْ خَرَجَ مَعَ جِنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنَ الْأَجْرِ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَ أُحُدٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي أَوَّلِ صَحِيحِهِ مَنِ اتَّبَعَ جِنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِثْلُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةً فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ مَعْنَاهُ لِسُرُورِهِ بِمَا وَفَّقَهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ لَهُ مِنَ الطَّاعَةِ وَوَعَدَهُ بِهِ مِنْ ثَوَابِهِ مَعَ مَا يُبَارِكُ لَهُ فِي نَفْسِهِ وَتَصَرُّفِهِ فِي كُلِّ أُمُورِهِ مَعَ مَا زَالَ عَنْهُ مِنْ عُقَدِ الشَّيْطَانِ وتثبيطه

(باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد)

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ مَعْنَاهُ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ عُقَدِ الشَّيْطَانِ وَآثَارِ تَثْبِيطِهِ وَاسْتِيلَائِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ ذَلِكَ عَنْهُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الذِّكْرُ وَالْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَنْ يُصْبِحُ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي فَإِنَّ ذَلِكَ نَهْيٌ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَقُولَ هَذَا اللَّفْظَ عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ صِفَةِ غَيْرِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْبُخَارِيَّ بَوَّبَ لِهَذَا الْحَدِيثِ بَابَ عَقْدِ الشَّيْطَانِ عَلَى رَأْسِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الْمَازِرِيُّ وَقَالَ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَعْقِدُ قَافِيَةَ رَأْسِهِ وَإِنْ صَلَّى بَعْدَهُ وَإِنَّمَا يَنْحَلُّ عُقَدُهُ بِالذِّكْرِ وَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ قَالَ وَيُتَأَوَّلُ كَلَامُ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ اسْتِدَامَةَ الْعُقَدِ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَجَعَلَ مَنْ صَلَّى وَانْحَلَّتْ عُقَدَهُ كَمَنْ لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهِ لِزَوَالِ أَثَرِهِ (باب اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي بَيْتِهِ وَجَوَازِهَا فِي الْمَسْجِدِ) وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الرَّاتِبَةُ وَغَيْرُهَا إِلَّا الشَّعَائِرَ الظَّاهِرَةَ وَهِيَ الْعِيدُ وَالْكُسُوفُ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَالتَّرَاوِيحُ وَكَذَا مَا لَا يَتَأَتَّى فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَيُنْدَبُ كَوْنُهُ فِي الْمَسْجِدِ هِيَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ [777] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا مَعْنَاهُ صَلُّوا فِيهَا وَلَا تَجْعَلُوهَا كَالْقُبُورِ مَهْجُورَةً مِنَ الصَّلَاةِ وَالْمُرَادُ به صَلَاةُ النَّافِلَةِ أَيْ صَلُّوا النَّوَافِلَ فِي بُيُوتِكُمْ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قِيلَ هَذَا فِي الْفَرِيضَةِ وَمَعْنَاهُ اجْعَلُوا بَعْضَ فَرَائِضِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لِيَقْتَدِيَ بِكُمْ مَنْ لَا يَخْرُجُ إِلَى الْمَسْجِدِ مِنْ نِسْوَةٍ وَعَبِيدٍ وَمَرِيضٍ وَنَحْوِهِمْ قَالَ وَقَالَ الْجُمْهُورُ بَلْ هُوَ فِي النَّافِلَةِ لِإِخْفَائِهَا وَلِلْحَدِيثِ الْآخَرِ أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا الْمَكْتُوبَةَ قُلْتُ الصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ النَّافِلَةُ وَجَمِيعُ أَحَادِيثِ الْبَابِ تَقْتَضِيهِ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْفَرِيضَةِ وَإِنَّمَا حَثَّ عَلَى النَّافِلَةِ

فِي الْبَيْتِ لِكَوْنِهِ أَخْفَى وَأَبْعَدَ مِنَ الرِّيَاءِ وَأَصْوَنَ مِنَ الْمُحْبِطَاتِ وَلِيَتَبَرَّكَ الْبَيْتُ بِذَلِكَ وَتَنْزِلَ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَالْمَلَائِكَةُ وَيَنْفِرُ مِنْهُ الشَّيْطَانُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا [779] قَوْلُهُ بُرَيْدٌ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَدْ سَبَقَ مَرَّاتٍ أَنَّ بُرَيْدًا بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْتُ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ فِيهِ النَّدْبُ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْبَيْتِ وَأَنَّهُ لَا يُخْلَى مِنَ الذِّكْرِ وَفِيهِ جَوَازُ التَّمْثِيلِ وَفِيهِ أَنَّ طُولَ الْعُمْرِ فِي الطَّاعَةِ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ يَنْتَقِلُ إِلَى خَيْرٍ لِأَنَّ الحي يستلحق بِهِ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ بِمَا يَفْعَلُهُ مِنَ الطَّاعَاتِ [780] قوله ص سُورَةُ الْبَقَرَةِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ بِلَا كَرَاهَةَ وَأَمَّا مَنْ كَرِهَ قَوْلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَنَحْوِهَا فغالط وسبقت

الْمَسْأَلَةُ وَسَنُعِيدُهَا قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى في أبواب فضائل القرآن قوله ص إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ هَكَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ يَنْفِرُ وَرَوَاهُ بَعْضُ رُوَاةِ مُسْلِمٍ يَفِرُّ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ [781] قَوْلُهُ احْتَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَيْرَةً بِخَصَفَةٍ أَوْ حَصِيرٍ فَصَلَّى فِيهَا فَالْحُجَيْرَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ تَصْغِيرُ حُجْرَةٍ وَالْخَصَفَةُ وَالْحَصِيرُ بِمَعْنًى شَكَّ الرَّاوِي فِي الْمَذْكُورَةِ مِنْهُمَا وَمَعْنَى احْتَجَرَ حُجْرَةً أَيْ حَوَّطَ مَوْضِعًا مِنَ الْمَسْجِدِ بِحَصِيرٍ لِيَسْتُرَهُ لِيُصَلِّيَ فِيهِ وَلَا يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَارٌّ وَلَا يَتَهَوَّشَ بِغَيْرِهِ وَيَتَوَفَّرَ خُشُوعُهُ وَفَرَاغُ قَلْبِهِ وَفِيهِ جَوَازُ مِثْلِ هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَضْيِيقٌ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَنَحْوِهِمْ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ دَائِمًا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْتَجِرُهَا بِاللَّيْلِ يصلي فيها وينحتها بِالنَّهَارِ وَيَبْسُطُهَا كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ ثُمَّ تَرَكَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَعَادَ إِلَى الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ وَفِيهِ جَوَازُ النَّافِلَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَفِيهِ جَوَازُ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ الْمَكْتُوبَةِ وَجَوَازُ الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ وَفِيهِ تَرْكُ بَعْضِ الْمَصَالِحِ لِخَوْفِ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ وَفِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَى أُمَّتِهِ وَمُرَاعَاةِ مَصَالِحِهِمْ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِوُلَاةِ الْأُمُورِ وَكِبَارِ النَّاسِ وَالْمَتْبُوعِينَ فِي عِلْمٍ وَغَيْرِهِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ فَتَتَبَّعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَأَصْلُ التَّتَبُّعِ الطَّلَبُ وَمَعْنَاهُ هُنَا طَلَبُوا مَوْضِعَهُ وَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ قَوْلُهُ وَحَصَبُوا الْبَابَ أَيْ رَمَوْهُ بِالْحَصْبَاءِ وَهِيَ الْحَصَى الصِّغَارُ تَنْبِيهًا لَهُ وَظَنُّوا

(باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره)

أَنَّهُ نَسِيَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ هَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ النَّوَافِلِ الْمُرَتَّبَةِ مَعَ الْفَرَائِضِ وَالْمُطْلَقَةِ إِلَّا فِي النَّوَافِلِ الَّتِي هِيَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ الْعِيدُ وَالْكُسُوفُ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَكَذَا التَّرَاوِيحُ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنَّهَا مَشْرُوعَةٌ فِي جَمَاعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ وَالِاسْتِسْقَاءُ فِي الصَّحْرَاءِ وَكَذَا الْعِيدُ إِذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ وَاللَّهُ أعلم قَوْلُهُ وَكَانَ يُحَجِّرُهُ مِنَ اللَّيْلِ وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ وَهَكَذَا ضَبَطْنَاهُ يُحَجِّرُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ يَتَّخِذُهُ حُجْرَةً كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الزَّهَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْإِعْرَاضِ عَنْهَا وَالْإِثْرَاءِ مِنْ مَتَاعِهَا بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ قَوْلُهُ فَثَابُوا ذَاتَ لَيْلَةٍ أَيِ اجْتَمَعُوا وَقِيلَ رجعوا للصلاة (باب فَضِيلَةِ الْعَمَلِ الدَّائِمِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وغيره) والأمر بالاقتصاد في العبادة وهو أن يأخذ منها ما يطيق الدوام عليه وأمر من كان في صلاة فتركها ولحقه ملل ونحوه بأن يتركها حتى يزول ذلك [782] قوله ص عَلَيْكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ أَيْ تُطِيقُونَ الدوام عليه

بِلَا ضَرَرٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْحَثِّ عَلَى الِاقْتِصَادِ فِي الْعِبَادَةِ وَاجْتِنَابِ التَّعَمُّقِ وَلَيْسَ الْحَدِيثُ مُخْتَصًّا بِالصَّلَاةِ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَعْمَالِ الْبِرِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ فِيهِمَا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَسْأَمُ حَتَّى تَسْأَمُوا وَهُمَا بِمَعْنًى قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمَلَلُ وَالسَّآمَةُ بِالْمَعْنَى الْمُتَعَارَفِ فِي حَقِّنَا مُحَالٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَجِبُ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مَعْنَاهُ لَا يُعَامِلُكُمْ مُعَامَلَةَ الْمَالِّ فَيَقْطَعُ عَنْكُمْ ثَوَابَهُ وَجَزَاءَهُ وَبَسْطَ فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ حَتَّى تَقْطَعُوا عَمَلَكُمْ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَمَلُّ إذا مللتم وقاله بن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَنْشَدُوا فِيهِ شِعْرًا قَالُوا وَمِثَالُهُ قَوْلُهُمْ فِي الْبَلِيغِ فُلَانٌ لَا يَنْقَطِعُ حَتَّى يَقْطَعَ خُصُومَهُ مَعْنَاهُ لَا يَنْقَطِعُ إِذَا انْقَطَعَ خُصُومُهُ وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ يَنْقَطِعُ إِذَا انْقَطَعَ خُصُومُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضْلٌ عَلَى غَيْرِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ كَمَالُ شَفَقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْفَتِهِ بِأُمَّتِهِ لِأَنَّهُ أَرْشَدَهُمْ إِلَى مَا يُصْلِحُهُمْ وَهُوَ مَا يُمْكِنُهُمُ الدَّوَامُ عَلَيْهِ بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَا ضَرَرٍ فَتَكُونُ النَّفْسُ أَنْشَطَ وَالْقَلْبُ مُنْشَرِحًا فَتَتِمُّ الْعِبَادَةُ بِخِلَافِ مَنْ تَعَاطَى مِنَ الْأَعْمَالِ مَا يَشُقُّ فَإِنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يَتْرُكَهُ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ يَفْعَلَهُ بِكُلْفَةٍ وَبِغَيْرِ انْشِرَاحِ الْقَلْبِ فَيَفُوتُهُ خَيْرٌ عَظِيمٌ وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَنِ اعْتَادَ عِبَادَةً ثُمَّ أَفْرَطَ فَقَالَ تَعَالَى وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رعايتها وَقَدْ نَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى تَرْكِهِ قَبُولَ رُخْصَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَخْفِيفِ الْعِبَادَةِ وَمُجَانَبَةِ التَّشْدِيدِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ دُووِمَ عَلَيْهِ وَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ دُووِمَ بِوَاوَيْنِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا دُوِمَ بِوَاوٍ وَاحِدَةٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْعَمَلِ وَأَنَّ قَلِيلَهُ الدَّائِمَ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ يَنْقَطِعُ وَإِنَّمَا كَانَ الْقَلِيلُ الدَّائِمُ خَيْرًا مِنْ الْكَثِيرِ الْمُنْقَطِعِ لِأَنَّ بِدَوَامِ الْقَلِيلِ تَدُومُ الطَّاعَةُ وَالذِّكْرُ وَالْمُرَاقَبَةُ وَالنِّيَّةُ وَالْإِخْلَاصُ وَالْإِقْبَالُ عَلَى الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَيُثْمِرُ الْقَلِيلُ الدَّائِمُ بِحَيْثُ يَزِيدُ عَلَى الْكَثِيرِ الْمُنْقَطِعِ أَضْعَافًا كَثِيرَةً

قَوْلُهُ وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلُوا عَمَلًا أَثْبَتُوهُ أَيْ لَازَمُوهُ وَدَاوَمُوا عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآلِ هُنَا أَهْلُ بَيْتِهِ وَخَوَاصُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَزْوَاجِهِ وَقَرَابَتِهِ وَنَحْوِهِمْ [783] قَوْلُهَا كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً هُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ أَيْ يَدُومُ عَلَيْهِ وَلَا يَقْطَعُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَبْلِ الْمَمْدُودِ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ

لِزَيْنَبَ تُصَلِّي [784] فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ به فقال حلوه يصلي أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ كَسِلَتْ بِكَسْرِ السِّينِ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الِاقْتِصَادِ فِي الْعِبَادَةِ وَالنَّهْيُ عَنِ التَّعَمُّقِ وَالْأَمْرُ بِالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا بِنَشَاطٍ وَأَنَّهُ إِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ حَتَّى يَذْهَبَ الْفُتُورُ وَفِيهِ إِزَالَةُ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ لِمَنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ وَفِيهِ جَوَازُ التَّنَفُّلِ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي النَّافِلَةَ فِيهِ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا [785] قَوْلُهُ الْحَوْلَاءُ بِنْتُ تُوَيْتٍ هُوَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ قَوْلُهُ وَزَعَمُوا أَنَّهَا لَا تَنَامُ اللَّيْلَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَنَامُ اللَّيْلَ خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ أَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ لَا تَنَامُ اللَّيْلَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهَا وَكَرَاهَةَ فِعْلِهَا وَتَشْدِيدِهَا عَلَى نَفْسِهَا وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ فِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَكَرِهَ ذَلِكَ حَتَّى عُرِفَتِ الْكَرَاهَةُ فِي وَجْهِهِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِمَذْهَبِنَا وَمَذْهَبُ جَمَاعَةٍ أَوِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ صَلَاةَ جَمِيعِ اللَّيْلِ مَكْرُوهَةٌ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مالك إذا لم ينم عن الصبح

باب أمر من نعس في صلاته أو استعجم عليه القرآن أو

(باب أمر من نعس في صلاته أو استعجم عليه القرآن أو الذكر) بأن يرقد أو يقعد حتى يذهب عنه ذلك [786] قوله ص إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ إِلَى آخِرِهِ نَعَسَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْإِقْبَالِ عَلَى الصَّلَاةِ بِخُشُوعٍ وَفَرَاغِ قَلْبٍ وَنَشَاطٍ وَفِيهِ أَمْرُ النَّاعِسِ بِالنَّوْمِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَذْهَبُ عَنْهُ النُّعَاسُ وَهَذَا عَامٌّ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ فِي الليل والنهار وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور لَكِنْ لَا يُخْرِجُ فَرِيضَةً عَنْ وَقْتِهَا قَالَ الْقَاضِي وَحَمَلَهُ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ عَلَى نَفْلِ اللَّيْلِ لِأَنَّهُ مَحِلُّ النَّوْمِ غَالِبًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ قَالَ الْقَاضِي مَعْنَى يَسْتَغْفِرُ هُنَا يَدْعُو [787] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَعْجَمَ

باب فضائل القرآن وما يتعلق به

عَلَيْهِ الْقُرْآنُ أَيِ اسْتَغْلَقَ وَلَمْ يَنْطَلِقْ بِهِ لسانه لغلبة النعاس (باب فضائل القرآن وما يتعلق به) (باب الْأَمْرِ بِتَعَهُّدِ الْقُرْآنِ وَكَرَاهَةِ قَوْلِ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا وَجَوَازِ قَوْلِ أُنْسِيتُهَا) [788] قَوْلُهُ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً كُنْتُ أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا

[790] بِئْسَمَا لِأَحَدِهِمْ يَقُولُ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نُسِّيَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَوَائِدُ مِنْهَا جَوَازُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ فِي اللَّيْلِ وَفِي الْمَسْجِدِ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ إِذَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا وَلَا تَعَرَّضَ لِلرِّيَاءِ وَالْإِعْجَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَفِيهِ الدُّعَاءُ لِمَنْ أَصَابَ الْإِنْسَانُ مِنْ جِهَتِهِ خَيْرًا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ وَفِيهِ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ لِلْقِرَاءَةِ سُنَّةٌ وَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ سُورَةِ كَذَا كَسُورَةِ الْبَقَرَةِ وَنَحْوِهَا وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَفِيهِ كَرَاهَةُ قَوْلِ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ قَوْلُ أُنْسِيتُهَا وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ نَسِيتُهَا لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ التَّسَاهُلَ فِيهَا وَالتَّغَافُلَ عنها وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَوْلَى مَا يُتَأَوَّلُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ أَنَّ مَعْنَاهُ ذَمُّ الْحَالِ لَا ذَمُّ الْقَوْلِ أَيْ نَسِيتُ الْحَالَةَ حَالَةَ مَنْ حَفِظَ القرآن فغفل عنه حتى نسيه وقوله ص بَلْ هُوَ نُسِّيَ ضَبَطْنَاهُ بِتَشْدِيدِ السِّينِ وَقَالَ القاضي ضبطناه بالتشديد والتخفيف قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ أُنْسِيتُهَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ النِّسْيَانِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَدْ بَلَّغَهُ إِلَى الْأُمَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ الْكَلَامُ فِيمَا يَجُوزُ مِنَ السَّهْوِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا لَا يَجُوزُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ جُمْهُورُ الْمُحَقِّقِينَ جَوَازُ النِّسْيَانِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتِدَاءٌ فِيمَا لَيْسَ

طَرِيقُهُ الْبَلَاغُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا طَرِيقُهُ الْبَلَاغُ وَالتَّعْلِيمُ وَلَكِنْ مَنْ جَوَّزَ قَالَ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ بل لابد أَنْ يَتَذَكَّرَهُ أَوْ يَذْكُرَهُ وَاخْتَلَفُوا هَلْ مِنْ شروط ذلك الفور أم يصح على التَّرَاخِي قَبْلَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَأَمَّا نِسْيَانُ مَا بَلَغَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَيَجُوزُ قَالَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ سَهْوِهِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ وَمُتَابِعِيهِمْ لَا يَجُوزُ السَّهْوُ عَلَيْهِ أَصْلًا فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا يَقَعُ مِنْهُ صُورَتُهُ لَيْسَ إِلَّا وَهَذَا تَنَاقُضٌ مَرْدُودٌ وَلَمْ يَقُلْ بِهَذَا أَحَدٌ مِمَّنْ يقتدى به إلا الأستاذ أبو الظفر الاسفرايني مِنْ شُيُوخِنَا فَإِنَّهُ مَالَ إِلَيْهِ وَرَجَّحَهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ مُتَنَاقِضٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [789] إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إِلَى آخِرِهِ فِيهِ الْحَثُّ عَلَى تَعَاهُدِ الْقُرْآنِ وَتِلَاوَتِهِ وَالْحَذَرِ مِنْ تَعْرِيضِهِ لِلنِّسْيَانِ قَالَ الْقَاضِي وَمَعْنَى صَاحِبِ الْقُرْآنِ أَيِ الَّذِي أَلِفَهُ وَالْمُصَاحَبَةُ الْمُؤَالَفَةُ وَمِنْهُ فُلَانٌ صَاحِبُ فُلَانٍ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ وَأَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَأَصْحَابُ الصُّفَّةِ وَأَصْحَابُ إِبِلٍ وَغَنَمٍ وَصَاحِبُ كَنْزٍ وَصَاحِبُ عِبَادَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ أَيْ آيَةَ كَذَا وَكَذَا وَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ فَتْحَهَا وَكَسْرَهَا عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَوْلُهُ اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ بِعُقُلِهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ التَّفَصِّي الِانْفِصَالُ وَهُوَ بِمَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَشَدُّ تَفَلُّتًا النَّعَمُ أَصْلُهَا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَالْمُرَادُ هُنَا الْإِبِلُ خَاصَّةً لِأَنَّهَا الَّتِي تُعْقَلُ وَالْعُقُلُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالْقَافِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُ الْقَافِ وَهُوَ كَنَظَائِرِهِ وَهُوَ جمع عقال ككتاب وكتب وَالنَّعَمُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ وَوَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بِعُقُلِهَا وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ عُقُلِهِ وَفِي الثَّالِثَةِ فِي عُقُلِهَا وَكُلُّهُ صَحِيحٌ وَالْمُرَادُ بِرِوَايَةِ الْبَاءِ مِنْ كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى عينا يشرب بها عباد الله عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَعْنَاهَا قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عُقُلِهِ بِتَذْكِيرِ النَّعَمِ وَهُوَ صَحِيحٌ كما ذكرناه

باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن

(باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن) [792] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ هُوَ بِكَسْرِ الذَّالِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى أَذِنَ فِي اللُّغَةِ الِاسْتِمَاعُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا قَالُوا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُحْمَلَ هُنَا عَلَى الِاسْتِمَاعِ بِمَعْنَى الْإِصْغَاءِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بَلْ هُوَ مَجَازٌ وَمَعْنَاهُ الْكِنَايَةُ عَنْ تَقْرِيبِهِ الْقَارِئَ وَإِجْزَالِ ثَوَابِهِ لِأَنَّ سَمَاعَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَخْتَلِفُ فَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ وَقَوْلُهُ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ مَعْنَاهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الطَّوَائِفِ وَأَصْحَابِ الْفُنُونِ يُحَسِّنُ صَوْتَهُ بِهِ وَعِنْدَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ يَسْتَغْنِي بِهِ قِيلَ يَسْتَغْنِي بِهِ عَنِ النَّاسِ وَقِيلَ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْكُتُبِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ القولان منقولان عن بن عُيَيْنَةَ قَالَ يُقَالُ تَغَنَّيْتُ وَتَغَانَيْتُ بِمَعْنَى

اسْتَغْنَيْتُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ مَعْنَاهُ تَحْزِينُ الْقِرَاءَةِ وترقيقها وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ قَالَ الْهَرَوِيُّ مَعْنَى يَتَغَنَّى بِهِ يَجْهَرُ بِهِ وَأَنْكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ تَفْسِيرَ مَنْ قَالَ يَسْتَغْنِي بِهِ وَخَطَّأَهُ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ وَالْمَعْنَى وَالْخِلَافُ جَارٍ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ تَحْسِينِ الصَّوْتِ وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ كَمَا يَأْذَنُ لِنَبِيٍّ هُوَ بِفَتْحِ الذَّالِ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا هِقْلٌ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ قَوْلُهُ كَأَذَنِهِ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالذَّالِ وَهُوَ مَصْدَرُ أَذِنَ يَأْذَنُ أَذَنًا كَفَرِحَ يَفْرَحُ فَرَحًا قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ بن أَيُّوبَ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ كَإِذْنِهِ هَكَذَا هُوَ في رواية بن أيوب بكسر

الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الذَّالِ قَالَ الْقَاضِي هُوَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِمَعْنَى الْحَثِّ عَلَى ذَلِكَ وَالْأَمْرِ به [793] قوله ص فِي أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أُعْطِيَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِالْمِزْمَارِ هُنَا الصَّوْتُ الْحَسَنُ وَأَصْلُ الزَّمْرِ الْغِنَاءُ وَآلُ دَاوُدَ هُوَ دَاوُدُ نَفْسُهُ وَآلُ فُلَانٍ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ دَاوُدُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَنَ الصَّوْتِ جِدًّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي مُوسَى لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْمَعُ قِرَاءَتَكَ الْبَارِحَةَ لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ وَرَجَّعَ فِي قِرَاءَتِهِ قَالَ الْقَاضِي أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَحْسِينِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ وَتَرْتِيلِهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّحْزِينِ وَالتَّشْوِيقِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِرَاءَةِ بِالْأَلْحَانِ فَكَرِهَهَا مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ لِخُرُوجِهَا عَمَّا جاء القرآن له من الخشوع والتفهم وأبحاهما أَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ لِلْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِلرِّقَّةِ وَإِثَارَةِ الْخَشْيَةِ وَإِقْبَالِ النُّفُوسِ عَلَى اسْتِمَاعِهِ قُلْتُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ أَكْرَهُ الْقِرَاءَةَ بِالْأَلْحَانِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ لَا أَكْرَهُهَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا خِلَافٌ وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِلَافُ حَالَيْنِ فَحَيْثُ كَرِهَهَا أَرَادَ إِذَا مَطَّطَ وَأَخْرَجَ الْكَلَامَ عَنْ مَوْضِعِهِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ مَدٍّ غَيْرِ مَمْدُودٍ وَإِدْغَامِ ما لا يجوز إدغامه وَنَحْوُ ذَلِكَ وَحَيْثُ أَبَاحَهَا أَرَادَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَغَيُّرٌ لِمَوْضُوعِ الْكَلَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

باب نزول السكينة لقراءة القرآن

(باب نزول السكينة لقراءة القرآن) [795] قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ هُوَ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ وَهُمَا تَثْنِيَةُ شَطَنٍ وَهُوَ الْحَبْلُ الطَّوِيلُ الْمُضْطَرِبُ قَوْلُهُ وَجَعَلَ فَرَسَهُ يَنْفِرُ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ وَفِي الثَّالِثَةِ غَيْرَ أَنَّهُمَا قَالَا يَنْقُزُ أَمَّا الْأُولَيَانِ فَبِالْفَاءِ وَالرَّاءِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَبِالْقَافِ الْمَضْمُومَةِ وبالزاي

هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ بِلَادِنَا فِي الثَّالِثَةِ يَنْفِزُ بِالْفَاءِ وَالزَّايِ وَحَكَاهُ القاضي عياض عن بعضهم وغلطه ومعنى ينقز بِالْقَافِ وَالزَّايِ يَثِبُ قَوْلُهُ فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ فَجَعَلَتْ تَدُورُ وَتَدْنُو فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ السَّكِينَةُ نَزَلَتْ لِلْقُرْآنِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَرَاهَا النَّاسُ مَا تَسْتَتِرُ مِنْهُمْ قَدْ قِيلَ فِي مَعْنَى السَّكِينَةِ هُنَا أَشْيَاءُ الْمُخْتَارُ مِنْهَا أَنَّهَا شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تعالى فيه طُمَأْنِينَةٌ وَرَحْمَةٌ وَمَعَهُ الْمَلَائِكَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ رُؤْيَةِ آحَادِ الْأُمَّةِ الْمَلَائِكَةَ وَفِيهِ فَضِيلَةُ الْقِرَاءَةِ وَأَنَّهَا سَبَبُ نُزُولِ الرَّحْمَةِ وَحُضُورِ الْمَلَائِكَةِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَأْ فُلَانٌ وَفِي الرواية الأخرى اقرأ ثلاث مرات معناه كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَمِرَّ عَلَى الْقُرْآنِ وَتَغْتَنِمَ مَا حَصَلَ لَكَ مِنْ نُزُولِ السَّكِينَةِ وَالْمَلَائِكَةِ وَتَسْتَكْثِرَ مِنَ الْقِرَاءَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ بَقَائِهَا [796] قَوْلُهُ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبَّابٍ حَدَّثَهُ هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ

(باب فضيلة حافظ القرآن)

قَوْلُهُ بَيْنَمَا هُوَ قَدْ سَبَقَ أَنَّ مَعْنَاهُ بَيْنَ أَوْقَاتِهِ قَوْلُهُ فِي مِرْبَدِهِ هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَيْبَسُ فِيهِ التَّمْرُ كَالْبَيْدَرِ لِلْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا قَوْلُهُ جَالَتْ فَرَسُهُ أَيْ وَثَبَتَ وَقَالَ هُنَا جَالَتْ فَأَنَّثَ الْفَرَسَ وَفِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطٌ فَذَكَرَهُ وَهُمَا صَحِيحَانِ وَالْفَرَسُ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (باب فَضِيلَةِ حَافِظِ الْقُرْآنِ) [797] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ إِلَى آخِرِهِ فِيهِ فَضِيلَةُ حَافِظِ الْقُرْآنِ

واستحباب ضرب الأمثال لايضاح المقاصد [798] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهُوَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ لَهُ أَجْرَانِ السَّفَرَةُ جَمِيعُ سَافِرٍ كَكَاتِبٍ وَكَتَبَةٍ وَالسَّافِرُ الرَّسُولُ وَالسَّفَرَةُ الرُّسُلُ لِأَنَّهُمْ يُسْفِرُونَ إِلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِ اللَّهِ وَقِيلَ السَّفَرَةُ الْكَتَبَةُ وَالْبَرَرَةُ الْمُطِيعُونَ مِنَ الْبِرِّ وَهُوَ الطَّاعَةُ وَالْمَاهِرُ الْحَاذِقُ الْكَامِلُ الْحِفْظِ الَّذِي لَا يَتَوَقَّفُ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ بِجَوْدَةِ حِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى كَوْنِهِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ أَنَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مَنَازِلَ يَكُونُ فِيهَا رَفِيقًا لِلْمَلَائِكَةِ السَّفَرَةِ لِاتِّصَافِهِ بِصِفَتِهِمْ مِنْ حَمْلِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ عامل بعملهم

(باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل والحذاق فيه)

وَسَالِكٌ مَسْلَكَهُمْ وَأَمَّا الَّذِي يَتَتَعْتَعُ فِيهِ فَهُوَ الَّذِي يَتَرَدَّدُ فِي تِلَاوَتِهِ لِضَعْفِ حِفْظِهِ فَلَهُ أَجْرَانِ أَجْرٌ بِالْقِرَاءَةِ وَأَجْرٌ بِتَتَعْتُعِهِ فِي تِلَاوَتِهِ وَمَشَقَّتِهِ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الَّذِي يَتَتَعْتَعُ عَلَيْهِ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ أَكْثَرُ مِنَ الْمَاهِرِ بِهِ بَلِ الْمَاهِرُ أَفْضَلُ وَأَكْثَرُ أَجْرًا لِأَنَّهُ مَعَ السَّفَرَةِ وَلَهُ أُجُورٌ كَثِيرَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ لِغَيْرِهِ وَكَيْفَ يَلْحَقُ بِهِ مَنْ لَمْ يَعْتَنِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ وَكَثْرَةِ تِلَاوَتِهِ وَرِوَايَتِهِ كَاعْتِنَائِهِ حَتَّى مَهَرَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْحُذَّاقِ فِيهِ) وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه [799] قَالَ مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأُبَيٍّ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ قَالَ اللَّهُ سَمَّانِي لَكَ قَالَ اللَّهُ سَمَّاكَ لِي فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكِي قَالَ مُسْلِمٌ حدثنا محمد بن المثني وبن بَشَّارٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا قَالَ وَسَمَّانِي لَكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَبَكَى قَالَ مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ حَدَّثَنَا خالد يعني

باب فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظه

بن الْحَارِثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَيٍّ بِمِثْلِهِ هَذِهِ الْأَسَانِيدُ الثَّلَاثَةُ رُوَاتُهَا كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ وَهَذَا مِنَ الْمُسْتَطْرَفَاتِ أَنْ يَجْتَمِعَ ثَلَاثَةُ أَسَانِيدَ مُتَّصِلَةٍ مُسَلْسَلُونَ بِغَيْرِ قَصْدٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مِثْلِهِ وَشُعْبَةُ وَاسِطِيٌّ بَصْرِيٌّ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَفِي الطَّرِيقِ الثَّالِثِ فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ وَهِيَ أَنَّ قَتَادَةَ صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ مِنْ أَنَسٍ بِخِلَافِ الْأُولَيَيْنِ وَقَتَادَةُ مُدَلِّسٌ فَيَنْتَفِي أَنْ يُخَافَ مِنْ تَدْلِيسِهِ بِتَصْرِيحِهِ بِالسَّمَاعِ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا مَرَّاتٍ وَفِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا اسْتِحْبَابُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْحُذَّاقِ فِيهِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ وَالْفَضْلِ وَإِنْ كَانَ الْقَارِئُ أَفْضَلَ مِنَ الْمَقْرُوءِ عَلَيْهِ وَمِنْهَا الْمَنْقَبَةُ الشَّرِيفَةُ لِأُبَيٍّ بِقِرَاءَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَلَا يُعْلَمُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ شَارَكَهُ فِي هَذَا وَمِنْهَا مَنْقَبَةٌ أُخْرَى لَهُ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ وَنَصِّهِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ وَمِنْهَا الْبُكَاءُ لِلسُّرُورِ وَالْفَرَحِ مِمَّا يُبَشَّرُ الْإِنْسَانُ بِهِ وَيُعْطَاهُ مِنْ مَعَالِي الْأُمُورِ وَأَمَّا قَوْلُهُ آللَّهُ سَمَّانِي لَكَ فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى أمر النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِهِ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى أُبَيٍّ فَأَرَادَ أُبَيٌّ أَنْ يَتَحَقَّقَ هَلْ نَصَّ عَلَيْهِ أَوْ قَالَ عَلَى رَجُلٍ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الِاسْتِثْبَاتُ فِي الْمُحْتَمَلَاتِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحِكْمَةِ فِي قِرَاءَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُبَيٍّ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ سَبَبَهَا أَنْ تَسْتَنَّ الْأُمَّةُ بِذَلِكَ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى أَهْلِ الْإِتْقَانِ وَالْفَضْلِ وَيَتَعَلَّمُوا آدَابَ الْقِرَاءَةِ وَلَا يَأْنَفَ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ وَقِيلَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى جَلَالَةِ أُبَيٍّ وَأَهْلِيَّتِهِ لِأَخْذِ الْقُرْآنِ عنه وكان بعده ص رَأْسًا وَإِمَامًا فِي إِقْرَاءِ الْقُرْآنِ وَهُوَ أَجَلُّ نَاشِرَتِهِ أَوْ مِنْ أَجَلِّهِمْ وَيَتَضَمَّنُ مُعْجِزَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا تَخْصِيصُ هَذِهِ السُّورَةِ فَلِأَنَّهَا وَجِيزَةٌ جَامِعَةٌ لِقَوَاعِدَ كَثِيرَةٍ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ وَمُهِمَّاتِهِ وَالْإِخْلَاصِ وَتَطْهِيرِ الْقُلُوبِ وَكَانَ الْوَقْتُ يَقْتَضِي الِاخْتِصَارَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظه) للاستماع والبكاء عن القراءة والتدبر [800] قَالَ مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ جَمِيعًا عَنْ حَفْصٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ

غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ إِلَى آخِرِهِ قَالَ مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ وَمِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا قَالَ مُسْلِمٌ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَ أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنِي مِسْعَرٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ

إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ هَذِهِ الْأَسَانِيدُ الْأَرْبَعَةُ كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ وَهُوَ مِنَ الطُّرُقِ الْمُسْتَحْسَنَةِ وَجَرِيرٌ رَازِيٌّ كُوفِيٌ وَفِيهِ ثَلَاثَةٌ تَابِعِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ الْأَعْمَشُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَأَيْضًا الْأَعْمَشُ وَإِبْرَاهِيمُ وَعَلْقَمَةُ وَفِي حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ هَذَا فَوَائِدُ مِنْهَا اسْتِحْبَابُ اسْتِمَاعِ الْقِرَاءَةِ وَالْإِصْغَاءِ لَهَا وَالْبُكَاءِ عِنْدَهَا وَتَدَبُّرِهَا وَاسْتِحْبَابُ طَلَبِ الْقِرَاءَةِ مِنْ غَيْرِهِ لِيَسْتَمِعَ لَهُ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي التَّفَهُّمِ وَالتَّدَبُّرِ مِنْ قِرَاءَتِهِ بِنَفْسِهِ وَفِيهِ تَوَاضُعُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَلَوْ مَعَ أَتْبَاعِهِمْ [801] قوله ان بن مَسْعُودٍ وَجَدَ مِنَ الرَّجُلِ رِيحَ الْخَمْرِ فَحَدَّهُ هذا محمول على أن بن مَسْعُودٍ كَانَ لَهُ وِلَايَةُ إِقَامَةِ الْحُدُودِ لِكَوْنِهِ نَائِبًا لِلْإِمَامِ عُمُومًا أَوْ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ أَوْ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ أَوْ أسْتَأْذَنَ مَنْ لَهُ إِقَامَةُ الْحَدِّ هُنَاكَ فِي ذَلِكَ فَفَوَّضَهُ إِلَيْهِ وَيُحْمَلُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ اعْتَرَفَ بِشُرْبِ خَمْرٍ بِلَا عُذْرٍ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ رِيحِهَا لِاحْتِمَالِ النِّسْيَانِ وَالِاشْتِبَاهِ وَالْإِكْرَاهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ آخَرِينَ [801] قَوْلُهُ وَتُكَذِّبُ بِالْكِتَابِ مَعْنَاهُ تُنْكِرُ بَعْضَهُ جَاهِلًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ التَّكْذِيبُ الْحَقِيقِيُّ فَإِنَّهُ لَوْ كَذَّبَ حَقِيقَةً لَكَفَرَ وَصَارَ مُرْتَدًّا يَجِبُ قَتْلُهُ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ جَحَدَ حَرْفًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ كَافِرٌ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب فضل قراءة القرآن في الصلاة وتعلمه)

(باب فَضْلِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ وَتَعَلُّمِهِ) [802] الْخَلِفَاتُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْحَوَامِلُ مِنَ الْإِبِلِ إِلَى أَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا نِصْفُ أَمَدِهَا ثُمَّ هِيَ عِشَارٌ وَالْوَاحِدَةُ خَلِفَةٌ وَعُشَرَاءُ [803] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْدُو كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ هُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ وَالْكَوْمَا مِنَ الْإِبِلِ بفتح الكاف العظيمة السنامم (باب فَضْلِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَسُورَةِ الْبَقَرَةِ) [804] قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم اقرؤوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ قَالُوا سُمِّيَتَا الزهراوين

لِنُورِهِمَا وَهِدَايَتِهِمَا وَعَظِيمِ أَجْرِهِمَا وَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَسُورَةِ النِّسَاءِ وَسُورَةِ الْمَائِدَةِ وَشَبَهِهَا وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ وَكَرِهَهُ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَالَ إِنَّمَا يُقَالُ السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ لِأَنَّ الْمَعْنَى مَعْلُومٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ قَالَ أهَلُ اللُّغَةِ الْغَمَامَةُ وَالْغَيَايَةُ كُلُّ شَيْءٍ أَظَلَّ الْإِنْسَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ سَحَابَةٍ وَغَبَرَةٍ وَغَيْرِهِمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ أَنَّ ثَوَابَهُمَا يَأْتِي كَغَمَامَتَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ كَأَنَّمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافٍّ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ من طير صاف الْفِرْقَانِ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَالْحِزْقَانِ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُمَا

(باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة)

قَطِيعَانِ وَجَمَاعَتَانِ يُقَالُ فِي الْوَاحِدِ فِرْقٌ وَحِزْقٌ وَحَزِيقَةٌ أَيْ جَمَاعَةٌ [805] قَوْلُهُ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُرَشِيِّ هُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالنَّوَّاسُ بْنُ سِمْعَانَ يُقَالُ سِمْعَانَ بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا قَوْلُهُ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا أَيْ ضِيَاءٌ وَنُورٌ وَمِمَّنْ حَكَى فَتْحَ الرَّاءِ وَإِسْكَانَهَا الْقَاضِي وَآخَرُونَ وَالْأَشْهَرُ فِي الرِّوَايَةِ وَاللُّغَةِ الْإِسْكَانُ (باب فَضْلِ الْفَاتِحَةِ وَخَوَاتِيمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ) وَالْحَثِّ عَلَى قِرَاءَةِ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ الْبَقَرَةِ [806] قَوْلُهُ أَحْمَدُ بْنُ جَوَّاسٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ قَوْلُهُ عَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ بِرَاءٍ ثُمَّ زَايٍ قَوْلُهُ سَمِعَ نَقِيضًا هُوَ بِالْقَافِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ أَيْ صَوْتًا كَصَوْتِ الْبَابِ إِذَا فُتِحَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ قِيلَ مَعْنَاهُ كَفَتَاهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَقِيلَ

باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي

مِنَ الشَّيْطَانِ وَقِيلَ مِنَ الْآفَاتِ وَيَحْتَمِلُ مِنَ الجميع (باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي) [809] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ من الدجال

وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ قِيلَ سَبَبُ ذَلِكَ مَا فِي أَوَّلِهَا مِنَ الْعَجَائِبِ وَالْآيَاتِ فَمَنْ تَدَبَّرَهَا لَمْ يُفْتَتَنْ بِالدَّجَّالِ وَكَذَا فِي آخِرِهَا قَوْلُهُ تَعَالَى أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يتخذوا [810] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي السَّلِيلِ هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَاسْمُهُ ضُرَيْبُ بْنُ نُقَيْرٍ بِالتَّصْغِيرِ فِيهِمَا وَنُقَيْرٌ بِالْقَافِ وَقِيلَ بِالْفَاءِ وَقِيلَ نُفَيْلٌ بِالْفَاءِ وَاللَّامِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ فِيهِ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لِأُبَيٍّ وَدَلِيلٌ عَلَى كَثْرَةِ عِلْمِهِ وَفِيهِ تَبْجِيلُ الْعَالِمِ فُضَلَاءَ أَصْحَابِهِ وَتَكْنِيَتُهُمْ وَجَوَازُ مَدْحِ الْإِنْسَانِ فِي وَجْهِهِ إِذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَلَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ إِعْجَابٌ وَنَحْوُهُ لِكَمَالِ نَفْسِهِ وَرُسُوخِهِ فِي التَّقْوَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ قُلْتُ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ حُجَّةٌ لِلْقَوْلِ بِجَوَازِ تَفْضِيلِ بَعْضِ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضٍ وَتَفْضِيلِهِ عَلَى سَائِرِ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَفِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ فَمَنَعَ مِنْهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْعُلَمَاءِ لِأَنَّ تَفْضِيلَ بَعْضِهِ يَقْتَضِي نَقْصَ الْمَفْضُولِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ اللَّهِ نَقْصٌ بِهِ وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ مَا وَرَدَ مِنْ إِطْلَاقِ أَعْظَمِ وَأَفْضَلِ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ وَالسُّوَرِ بِمَعْنًى عَظِيمٍ وفاضل

(باب فضل قراءة قل هو الله أحد)

وَأَجَازَ ذَلِكَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ قَالُوا وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى عِظَمِ أَجْرِ قَارِئِ ذَلِكَ وَجَزِيلِ ثَوَابِهِ وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ قَوْلِ هَذِهِ الْآيَةِ أَوِ السُّورَةِ أَعْظَمُ أَوْ أفْضَلُ بِمَعْنَى أَنَّ الثَّوَابَ الْمُتَعَلِّقَ بِهَا أَكْثَرُ وَهُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا تَمَيَّزَتْ آيَةُ الْكُرْسِيِّ بِكَوْنِهَا أَعْظَمَ لِمَا جَمَعَتْ مِنْ أُصُولِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مِنَ الْإِلَهِيَّةِ والوحدانية وَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْمُلْكِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَهَذِهِ السَّبْعَةُ أُصُولُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب فَضْلِ قراءة قل هو الله أحد) [811] قوله ص قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِنَّ اللَّهَ جَزَّأَ الْقُرْآنَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَجَعَلَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْمَازِرِيُّ قِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْقُرْآنَ عَلَى ثَلَاثَةِ أنحاء قصص وأحكام وصفات لله تعالى وقل هو الله أحد

متمحضة لِلصِّفَاتِ فَهِيَ ثُلُثٌ وَجُزْءٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ ثَوَابَ قِرَاءَتِهَا يُضَاعَفُ بِقَدْرِ ثَوَابِ قِرَاءَةِ ثُلُثِ الْقُرْآنِ بِغَيْرِ تَضْعِيفٍ [812] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْشُدُوا أَيِ اجْتَمِعُوا [813] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي قَالَ فِي قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ مَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ إِرَادَةُ ثَوَابِهِمْ وَتَنْعِيمِهِمْ وَقِيلَ

(باب فضل قراءة المعوذتين)

مَحَبَّتُهُ لَهُمْ نَفْسُ الْإِثَابَةِ وَالتَّنْعِيمِ لَا الْإِرَادَةُ قَالَ الْقَاضِي وَأَمَّا مَحَبَّتُهُمْ لَهُ سُبْحَانَهُ فَلَا يَبْعُدُ فِيهَا الْمَيْلُ مِنْهُمْ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَهُوَ مُتَقَدِّسٌ عَلَى الْمَيْلِ قَالَ وَقِيلَ مَحَبَّتُهُمْ لَهُ اسْتِقَامَتُهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ وَقِيلَ الِاسْتِقَامَةُ ثَمَرَةُ الْمَحَبَّةِ وَحَقِيقَةُ الْمَحَبَّةِ لَهُ مَيْلُهُمْ إِلَيْهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمَحَبَّةَ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهَا (باب فَضْلِ قِرَاءَةِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ) [814] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةُ لَمْ يُرَ مثلهن قط قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فِيهِ بَيَانُ عِظَمِ فَضْلِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا الْخِلَافُ فِي إِطْلَاقِ تَفْضِيلِ بَعْضِ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى كَوْنِهِمَا مِنَ الْقُرْآنِ وَرُدَّ عَلَى مَنْ نسب إلى بن مَسْعُودٍ خِلَافَ هَذَا وَفِيهِ أَنَّ لَفْظَةَ قُلْ مِنَ الْقُرْآنِ ثَابِتَةٌ مِنْ أَوَّلِ السُّورَتَيْنِ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى هَذَا كُلِّهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخَرَى أُنْزِلَ أَوْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَاتٌ لَمْ يُرَ مِثْلَهُنَّ قَطُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ ضَبَطْنَا نَرَ بِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ وَبِالْيَاءِ الْمَضْمُومَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ

(باب فضل من يقول بالقرآن ويعلمه وفضل من تعلم حكمة)

مَحْذُوفٍ أَيْ أَعْنِي الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْوَاوِ (باب فضل من يقول بِالْقُرْآنِ وَيُعَلِّمُهُ وَفَضْلِ مَنْ تَعَلَّمَ حِكْمَةً) مِنْ فِقْهٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعَمِلَ بِهَا وَعَلَّمَهَا [815] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحَسَدُ قِسْمَانِ حَقِيقِيٌّ وَمَجَازِيٌّ فَالْحَقِيقِيُّ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ صَاحِبِهَا وَهَذَا حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ مَعَ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ وَأَمَّا الْمَجَازِيُّ فَهُوَ الْغِبْطَةُ وَهُوَ أَنْ يَتَمَنَّى مِثْلَ النِّعْمَةِ الَّتِي عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ زَوَالِهَا عَنْ صَاحِبِهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا كَانَتْ مُبَاحَةً وَإِنْ كَانَتْ طَاعَةً فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ لَا غِبْطَةَ مَحْبُوبَةٌ إِلَّا فِي هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَيْ سَاعَاتُهُ وَوَاحِدُهُ

باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه

الْآنَ وَإِنًا وَإِنْيٌ وَإِنْوٌ أَرْبَعُ لُغَاتٍ [816] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ أَيْ إِنْفَاقِهِ فِي الطَّاعَاتِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ حكمة فهو يقضي بها يعلمها مَعْنَاهُ يَعْمَلُ بِهَا وَيُعَلِّمُهَا احْتِسَابًا وَالْحِكْمَةُ كُلُّ مَا مَنَعَ مِنَ الْجَهْلِ وَزَجَرَ عَنِ الْقَبِيحِ (باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه) قوله ثم لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ هُوَ بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْأُولَى مَعْنَاهُ [818] أَخَذْتُ بِمَجَامِعِ رِدَائِهِ فِي عُنُقِهِ وَجَرَرْتُهُ بِهِ

مَأْخُوذٌ مِنَ اللَّبَّةِ بِفَتْحِ اللَّامِ لِأَنَّهُ يَقْبِضُ عَلَيْهَا وَفِي هَذَا بَيَانُ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الِاعْتِنَاءِ بِالْقُرْآنِ وَالذَّبِّ عَنْهُ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى لَفْظِهِ كَمَا سَمِعُوهُ مِنْ غَيْرِ عُدُولٍ إِلَى ما يجوزه الْعَرَبِيَّةُ وَأَمَّا أَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ بِإِرْسَالِهِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ مَا يَقْتَضِي تَعْزِيرَهُ وَلِأَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا نَسَبَهُ إِلَى مُخَالَفَتِهِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ مِنْ جَوَازِ الْقِرَاءَةِ وَوُجُوهِهَا مَا لَا يَعْلَمُهُ عُمَرُ وَلِأَنَّهُ إِذَا قَرَأَ وَهُوَ يَلْبَثُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ حُضُورِ الْبَالِ وَتَحْقِيقِ الْقِرَاءَةِ تَمَكُّنَ الْمُطْلَقِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُ إِنْزَالِهِ عَلَى سَبْعَةٍ التَّخْفِيفُ وَالتَّسْهِيلُ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِسَبْعَةِ أَحْرُفٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قِيلَ هُوَ تَوْسِعَةٌ وَتَسْهِيلٌ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْحَصْرَ قَالَ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ هُوَ حَصْرٌ لِلْعَدَدِ فِي سَبْعَةٍ ثُمَّ قِيلَ هِيَ سَبْعَةٌ فِي الْمَعَانِي كَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْقَصَصِ وَالْأَمْثَالِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي تَعْيِينِ السَّبْعَةِ وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ فِي أَدَاءِ التِّلَاوَةِ وَكَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِكَلِمَاتِهَا مِنْ إِدْغَامٍ وَإِظْهَارٍ وَتَفْخِيمٍ وَتَرْقِيقٍ وَإِمَالَةٍ وَمَدٍّ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ اللُّغَاتِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ فَيَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ لِيَقْرَأَ كُلُّ إِنْسَانٍ بِمَا يُوَافِقُ لُغَتَهُ وَيَسْهُلُ عَلَى لِسَانِهِ وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ الْأَلْفَاظُ وَالْحُرُوفُ وإليه أشار بن شِهَابٍ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ فِي الْكِتَابِ ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَقِيلَ سَبْعُ قِرَاءَاتٍ وَأَوْجُهٍ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ سَبْعٌ لُغَاتُ الْعَرَبِ يَمَنُهَا وَمَعَدُّهَا وَهِيَ أَفْصَحُ اللُّغَاتِ وَأَعْلَاهَا وَقِيلَ بَلِ السَّبْعَةُ كُلُّهَا لِمُضَرَ وَحْدَهَا وَهِيَ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْقُرْآنِ غَيْرُ مُجْتَمِعَةٍ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقِيلَ بَلْ هِيَ مُجْتَمِعَةٌ فِي بَعْضِ

الْكَلِمَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَعَبَدَ الطَّاغُوتِ وَنَرْتَعْ وَنَلْعَبْ وباعد بين أسفارنا وَبِعَذَابٍ بَئِيسٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ الصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْرُفَ السَّبْعَةَ ظَهَرَتْ وَاسْتَفَاضَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَبَطَهَا عَنْهُ الْأُمَّةُ وَأَثْبَتَهَا عُثْمَانُ وَالْجَمَاعَةُ فِي الْمُصْحَفِ وَأَخْبَرُوا بِصِحَّتِهَا وَإِنَّمَا حَذَفُوا مِنْهَا مَا لَمْ يَثْبُتْ مُتَوَاتِرًا وَأَنَّ هَذِهِ الْأَحْرُفَ تَخْتَلِفُ مَعَانِيهَا تَارَةً وَأَلْفَاظُهَا أُخْرَى وَلَيْسَتْ مُتَضَارِبَةً وَلَا مُتَنَافِيةً وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ القراءة بِالْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ خَاصَّةً لِلضَّرُورَةِ لِاخْتِلَافِ لُغَةِ الْعَرَبِ وَمَشَقَّةِ أَخْذِ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ بِلُغَةٍ فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ وَالْكِتَابُ وَارْتَفَعَتِ الضَّرُورَةُ كَانَتْ قِرَاءَةً وَاحِدَةً قَالَ الدَّاوُدِيُّ وَهَذِهِ الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ الَّتِي يَقْرَأُ النَّاسُ الْيَوْمَ بِهَا لَيْسَ كُلُّ حَرْفٍ مِنْهَا هُوَ أَحَدُ تِلْكَ السَّبْعَةِ بَلْ تَكُونُ مُفَرَّقَةً فِيهَا وَقَالَ أَبُو عبيد الله بن أبي صفرة هذه الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ إِنَّمَا شُرِعَتْ مِنْ حَرْفٍ وَاحِدٍ مِنَ السَّبْعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ الَّذِي جَمَعَ عُثْمَانُ عَلَيْهِ الْمُصْحَفَ وَهَذَا ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ وَغَيْرُهُ قَالَ غَيْرُهُ وَلَا تَكُنِ الْقِرَاءَةُ بِالسَّبْعِ المذكورة في الحديث في ختمة واحدة ولايدري أَيُّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ كَانَ آخِرَ الْعَرْضِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلُّهَا مُسْتَفِيضَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَبَطَهَا عَنْهُ الْأُمَّةُ وَأَضَافَتْ كُلَّ حَرْفٍ مِنْهَا إِلَى مَنْ أُضِيفَ إِلَيْهِ مِنَ الصَّحَابَةِ أَيْ أَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَ قِرَاءَةً بِهِ كَمَا أُضِيفَ كُلُّ قِرَاءَةٍ مِنْهَا إِلَى مَنِ اخْتَارَ الْقِرَاءَةَ بِهَا مِنَ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ سَبْعَةُ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ كَالْأَحْكَامِ وَالْأَمْثَالِ وَالْقَصَصِ فَخَطَأٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ إِلَى جَوَازِ الْقِرَاءَةِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْحُرُوفِ وَإِبْدَالِ حَرْفٍ بِحَرْفٍ وَقَدْ تَقَرَّرَ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يَحْرُمُ إِبْدَالُ آيَةِ أَمْثَالٍ بِآيَةِ أَحْكَامٍ قَالَ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ خَوَاتِيمُ الْآيِ فَيَجْعَلُ مَكَانَ غَفُورٌ رَحِيمٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ فَاسِدٌ أَيْضًا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ تغيير القرآن للناس هذا مختصرها نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَسْأَلَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ أُعَاجِلُهُ

وَأُوَاثِبُهُ [819] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُهُ فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ فَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ مَعْنَاهُ لَمْ أَزَلْ أَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنَ اللَّهِ الزِّيَادَةَ فِي الْحَرْفِ لِلتَّوْسِعَةِ وَالتَّخْفِيفِ وَيَسْأَلَ جِبْرِيلُ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَيَزِيدُهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى السَّبْعَةِ [820] قَوْلُهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَحَسَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَأْنَ المختلفين

فِي الْقِرَاءَةِ قَالَ فَسُقِطَ فِي نَفْسِي مِنَ التَّكْذِيبِ وَلَا إِذْ كُنْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَعْنَاهُ وَسْوَسَ لِيَ الشَّيْطَانُ تَكْذِيبًا لِلنُّبُوَّةِ أَشَدَّ مِمَّا كُنْتُ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِأَنَّهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ غَافِلًا أَوْ مُتَشَكِّكًا فَوَسْوَسَ لَهُ الشَّيْطَانُ الْجَزْمَ بِالتَّكْذِيبِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَعْنَى قَوْلِهِ سُقِطَ فِي نَفْسِي أَنَّهُ اعْتَرَتْهُ حِيرَةٌ وَدَهْشَةٌ قَالَ وَقَوْلُهُ وَلَا إِذْ كُنْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّيْطَانَ نَزَغَ فِي نَفْسِهِ تَكْذِيبًا لَمْ يَعْتَقِدْهُ قَالَ وَهَذِهِ الْخَوَاطِرُ إِذَا لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَيْهَا لَا يُؤَاخَذُ بِهَا قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْمَازِرِيُّ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ وَقَعَ فِي نَفْسِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ نَزْعَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ ثُمَّ زَالَتْ فِي الْحَالِ حِينَ ضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِهِ فَفَاضَ عَرَقًا قَوْلُهُ فَلَمَّا رَأَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَدْ غَشِيَنِي ضَرَبَ فِي صَدْرِيِ فَفِضْتُ عَرَقًا وَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَرَقًا قَالَ الْقَاضِي ضَرَبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِهِ تَثَبُّتًا لَهُ حِينَ رَآهُ قَدْ غَشِيَهُ ذَلِكَ الْخَاطِرُ الْمَذْمُومُ قَالَ وَيُقَالُ فِضْتُ عَرَقًا وَفِصْتُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ وَرِوَايَتُنَا هُنَا بِالْمُعْجَمَةِ قُلْتُ وَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ أُصُولِ بِلَادِنَا وَفِي بَعْضِهَا بِالْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ إِلَيَّ أَنِ اقْرَأْ عَلَى حَرْفٍ فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّانِيَةَ أَنِ اقْرَأْ عَلَى حَرْفٍ فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّالِثَةَ اقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ هَكَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الْأُولَى فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا زِيَادَةٌ قَالَ أرسل إلى أن اقرأالقرآن عَلَى حَرْفٍ فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّانِيَةَ اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفٍ فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّالِثَةَ اقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ وَوَقَعَ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ بن أَبِي شَيْبَةَ أَنْ قَالَ اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفٍ وَفِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَلَى حَرْفَيْنِ وَفِي الثَّالِثَةِ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَفِي الرَّابِعَةِ عَلَى سَبْعَةٍ هَذَا مِمَّا يُشْكِلُ مَعْنَاهُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَقْرَبُ مَا يُقَالُ فِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّالِثَةِ الْمُرَادُ بِالثَّالِثَةِ الْأَخِيرَةُ وَهِيَ الرَّابِعَةُ فَسَمَّاهَا ثَالِثَةً مَجَازًا وَحَمَلْنَا عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ تَصْرِيحَهُ

فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْأَحْرُفَ السَّبْعَةَ إِنَّمَا كَانَتْ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ وَهِيَ الْأَخِيرَةُ وَيَكُونُ قَدْ حَذَفَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَيْضًا بَعْضَ الْمَرَّاتِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَكَ بِكُلِّ رَدَّةٍ رَدَدْتَهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ رَدَدْتُكَهَا هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَقَطَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى ذِكْرُ بَعْضِ الرَّدَّاتِ الثَّلَاثِ وَقَدْ جَاءَتْ مُبَيَّنَةً فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَكَ بِكُلِّ رَدَّةٍ رَدَدْتُكَهَا مَسْأَلَةٌ تَسْأَلْنِيهَا مَعْنَاهُ مَسْأَلَةٌ مُجَابَةٌ قَطْعًا وَأَمَّا بَاقِي الدَّعَوَاتِ فَمَرْجُوَّةٌ لَيْسَتْ قَطْعِيَّةَ الْإِجَابَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الشَّرْحِ فِي كِتَابِ الإيمان

(باب ترتيل القراءة واجتناب الهذ وهو الإفراط)

[821] قَوْلُهُ عِنْدَ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ هِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِضَادٍ مُعْجَمَةٍ مَقْصُورَةٍ وَهِيَ الْمَاءُ الْمُسْتَنْقَعُ كَالْغَدِيرِ وَجَمْعُهَا أَضًا كَحَصَاةٍ وَحَصًا وَإِضَاءٌ بِكَسْرِ الهمزة والمدكأكمة وَإِكَامٍ قَوْلُهُ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أمتك على سبعة أحرف فأيما حرف قرؤا عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَابُوا مَعْنَاهُ لَا يَتَجَاوَزُ أُمَّتُكَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ وَلَهُمُ الْخِيَارُ فِي السَّبْعَةِ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ نَقْلُ السَّبْعَةِ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ بِالتَّخَيُّرِ فِيهَا وَإِنَّهَا لَا تُتَجَاوَزُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب تَرْتِيلِ الْقِرَاءَةِ وَاجْتِنَابِ الْهَذِّ وَهُوَ الْإِفْرَاطُ) فِي السُّرْعَةِ وَإِبَاحَةِ سُورَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي رَكْعَةٍ [822] ذَكَرَ في الاسناد الأول بن أبي شيبة وبن نُمَيْرٍ عَنْ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ بن مَسْعُودٍ وَفِي الثَّانِي أَبَا كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ هَذَانِ الْإِسْنَادَانِ كُوفِيُّونَ قَوْلُهُ للذي سأل بن مَسْعُودٍ عَنْ آسِنٍ كُلُّ الْقُرْآنِ قَدْ أَحْصَيْتُ غَيْرَ هَذَا الْحَرْفِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَرْشِدٍ فِي سُؤَالِهِ إِذْ لَوْ كَانَ مُسْتَرْشِدًا لَوَجَبَ جَوَابُهُ وَهَذَا لَيْسَ بِجَوَابٍ قَوْلُهُ إِنِّي لَأَقْرَأُ الْمُفَصَّلَ فِي ركعة فقال بن مسعود هذا كهذا الشِّعْرِ مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّجُلَ أَخْبَرَ بِكَثْرَةِ

حفظه واتقانه فقال بن مَسْعُودٍ تَهُذُّهُ هَذًّا وَهُوَ بِتَشْدِيدِ الذَّالِ وَهُوَ شِدَّةُ الْإِسْرَاعِ وَالْإِفْرَاطِ فِي الْعَجَلَةِ فَفِيهِ النَّهْيُ عَنِ الْهَذِّ وَالْحَثُّ عَلَى التَّرْتِيلِ وَالتَّدَبُّرِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْقَاضِي وَأَبَاحَتْ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ الْهَذَّ قَوْلُهُ كَهَذِّ الشِّعْرِ مَعْنَاهُ فِي تَحَفُّظِهِ وَرِوَايَتِهِ لَا فِي إِسْنَادِهِ وَتَرَنُّمِهِ لِأَنَّهُ يُرَتَّلُ فِي الْإِنْشَادِ وَالتَّرَنُّمِ فِي الْعَادَةِ قَوْلُهُ ان أقواما يقرأون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ وَلَكِنْ إِذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ فَرَسَخَ فِيهِ نَفَعَ مَعْنَاهُ أَنَّ قَوْمًا لَيْسَ حَظُّهُمْ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا مُرُورُهُ عَلَى اللِّسَانِ فَلَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ لِيَصِلَ قُلُوبَهُمْ وليس ذلك هو المطلوب بل المطلوب تعقله وَتَدَبُّرُهُ بِوُقُوعِهِ فِي الْقَلْبِ قَوْلُهُ إِنَّ أَفْضَلَ الصلاة الركوع والسجود هذا مذهب بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ سَبَقَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ بَيَانُ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ لَأَعْلَمُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَفَسَّرَهَا فَقَالَ عِشْرُونَ سُورَةً فِي عَشْرِ رَكَعَاتٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ فِي تَأْلِيفِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا صَحِيحٌ موافق لرواية عائشة وبن عَبَّاسٍ أَنَّ قِيَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً بِالْوِتْرِ وَأَنَّ هذا كَانَ قَدْرَ قِرَاءَتِهِ غَالِبًا وَأَنَّ تَطْوِيلَهُ الْوَارِدَ إِنَّمَا كَانَ فِي التَّدَبُّرِ وَالتَّرْتِيلِ وَمَا وَرَدَ من

غَيْرِ ذَلِكَ فِي قِرَاءَتِهِ الْبَقَرَةَ وَالنِّسَاءَ وَآلَ عِمْرَانَ كَانَ فِي نَادِرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَقَدْ جاء بيان هذه السور الْعِشْرِينَ فِي رِوَايَةٍ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ الرَّحْمَنُ وَالنَّجْمِ فِي رَكْعَةٍ وَاقْتَرَبَتْ وَالْحَاقَّةُ فِي رَكْعَةٍ وَالطُّورُ وَالذَّارِيَاتِ فِي رَكْعَةٍ وَالْوَاقِعَةُ وَنُونْ فِي رَكْعَةٍ وَسَأَلَ سَائِلٌ وَالنَّازِعَاتِ فِي رَكْعَةٍ وَوَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وَعَبَسَ فِي رَكْعَةٍ وَالْمُدَّثِّرُ وَالْمُزَّمِّلُ فِي رَكْعَةٍ وَهَلْ أَتَى وَلَا أُقْسِمُ فِي رَكْعَةٍ وَعَمَّ وَالْمُرْسَلَاتِ فِي رَكْعَةٍ وَالدُّخَانُ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ فِي رَكْعَةٍ وَسُمِّيَ مُفَصَّلًا لِقِصَرِ سوره

وَقُرْبِ انْفِصَالِ بَعْضِهِنَّ مِنْ بَعْضٍ قَوْلُهُ فِي الرواية الأخرى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِنَ الْمُفَصَّلِ وَسُورَتَيْنِ مِنْ آلِ حم دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُفَصَّلَ مَا بَعْدَ آلِ حم وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى عِشْرُونَ مِنَ الْمُفَصَّلِ وَقَوْلُهُ هُنَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِنَ الْمُفَصَّلِ وَسُورَتَيْنِ مِنْ آلِ حم لَا تَعَارُضَ فِيهِ لِأَنَّ مُرَادَهُ فِي الْأُولَى مُعْظَمُ الْعِشْرِينَ مِنَ الْمُفَصَّلِ قَالَ الْعُلَمَاءُ أَوَّلُ الْقُرْآنِ السَّبْعُ الطِّوَالُ ثُمَّ ذَوَاتُ الْمَئِينَ وَهُوَ مَا كَانَ فِي السُّورَةِ مِنْهَا مِائَةُ آيَةٍ وَنَحْوِهَا ثُمَّ الْمَثَانِي ثُمَّ الْمُفَصَّلُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِي أَوَّلِ الْمُفَصَّلِ فَقِيلَ مِنَ الْقِتَالِ وَقِيلَ مِنَ الْحُجُرَاتِ وَقِيلَ مِنْ ق قَوْلُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفِيهِ جَوَازُ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ قَوْلُهُ فَمَكَثْنَا بِالْبَابِ هُنَيَّةً هُوَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ غَيْرُ مَهْمُوزٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي بَابِ مَا يُقَالُ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا وَقَدْ أَذِنَ لَكُمْ فَقُلْنَا لَا إِلَّا أَنَّا ظَنَنَّا أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْبَيْتِ نَائِمٌ فَقَالَ ظَنَنْتُمْ بآل بن أُمِّ عَبْدٍ غَفْلَةً مَعْنَاهُ لَا مَانِعَ لَنَا إلا أن تَوَهُّمُنَا أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْبَيْتِ نَائِمٌ فَنُزْعِجُهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ ظَنَنَّا تَوَهَّمْنَا وَجَوَّزْنَا لَا أَنَّهُمْ أَرَادُوا الظَّنَّ الْمَعْرُوفَ لِلْأُصُولِيِّينَ وَهُوَ رُجْحَانُ الِاعْتِقَادِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُرَاعَاةُ الرَّجُلِ لِأَهْلِ بَيْتِهِ وَرَعِيَّتِهِ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ قَوْلُهُ انْظُرِي هَلْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ فِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَخَبَرِ الْمَرْأَةِ وَالْعَمَلُ بِالظَّنِّ مَعَ إِمْكَانِ الْيَقِينِ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِقَوْلِهَا وَهُوَ مُفِيدٌ لِلظَّنِّ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى رُؤْيَةِ الشَّمْسِ قَوْلُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِنَ الْمُفَصَّلِ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ الْمَشْهُورَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَفِي نَادِرٍ مِنْهَا ثَمَانِ عَشْرَةَ وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ أَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ نَظِيرًا قَوْلُهُ وَسُورَتَيْنِ مِنَ آلِ حم يَعْنِي مِنَ السُّوَرِ الَّتِي أَوَّلُهَا حم كَقَوْلِكَ فُلَانٌ مِنَ آلِ فُلَانٍ قَالَ الْقَاضِي وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ حم نَفْسُهَا كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ أَيْ دَاوُدَ نَفْسِهِ

(باب ما يتعلق بالقراءات)

(باب مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَاتِ) [823] قَوْلُهُ يَقُولُ مُدَّكِرٍ أَدَالًا يَعْنِي بِالْمُهْمَلَةِ وَأَصْلُهُ مُذْتَكِرٌ فَأُبْدِلَتِ التَّاءُ دَالًا مُهْمَلَةً ثُمَّ أُدْغِمَتِ الْمُعْجَمَةُ فِي الْمُهْمَلَةِ فَصَارَ النُّطْقُ بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ [824] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَاللَّفْظُ لِأَبِي بَكْرٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ هَذَا إِسْنَادٌ كوفي

كُلُّهُ وَفِيهِ ثَلَاثَةٌ تَابِعِيُّونَ الْأَعْمَشُ وَإِبْرَاهِيمُ وَعَلْقَمَةُ قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُمَا قَرَآ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْمَازِرِيُّ يَجِبُ أَنْ يُعْتَقَدَ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قُرْآنًا ثُمَّ نُسِخَ وَلَمْ يُعْلَمْ مَنْ خَالَفَ النَّسْخَ فَبَقِيَ عَلَى النَّسْخِ قَالَ وَلَعَلَّ هَذَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُمْ مُصْحَفُ عُثْمَانَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ الْمَحْذُوفُ مِنْهُ كُلُّ مَنْسُوخٍ وَأَمَّا بَعْدَ ظُهُورِ مُصْحَفِ عُثْمَانَ فَلَا يُظَنُّ بأحد منهم أنه خالف فيه وأما بن مَسْعُودٍ فَرُوِيَتْ عَنْهُ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَمَا ثَبَتَ مِنْهَا مُخَالِفًا لِمَا قُلْنَاهُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ فِي مُصْحَفِهِ بَعْضَ الْأَحْكَامِ وَالتَّفَاسِيرِ مِمَّا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ وَكَانَ لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ ذَلِكَ وَكَانَ يَرَاهُ كَصَحِيفَةٍ يُثْبِتُ فِيهَا مَا يَشَاءُ وَكَانَ رَأْيُ عُثْمَانَ وَالْجَمَاعَةِ مَنْعَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَطَاوَلَ الزَّمَانُ وَيَظُنَّ ذَلِكَ قُرْآنًا قَالَ الْمَازِرِيُّ فَعَادَ الْخِلَافُ إِلَى مَسْأَلَةٍ فِقْهِيَّةٍ وَهِيَ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ إِلْحَاقُ بَعْضِ التَّفَاسِيرِ فِي أَثْنَاءِ الْمُصْحَفِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ مَا رُوِيَ مِنْ إِسْقَاطِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ مُصْحَفِ بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ كَتْبُ كل القرآن وكتب ما سواهما وتركهما لِشُهْرَتِهِمَا عِنْدَهُ وَعِنْدَ النَّاسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَقَامَ إِلَى حَلْقَةٍ هِيَ بِإِسْكَانِ اللَّامِ فِي اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُقَالُ فِي لغة رديئة بفتحها وله فَعَرَفْتُ فِيهِ تَحَوُّشَ الْقَوْمِ هُوَ بِمُثَنَّاةٍ فِي أوله

(باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها)

مَفْتُوحَةٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَوَاوٍ مُشَدَّدَةٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ أَيِ انْقِبَاضَهُمْ قَالَ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الْفِطْنَةَ وَالذَّكَاءَ يُقَالُ رَجُلٌ حُوشِيُّ الْفُؤَادِ أَيْ حَدِيدُهُ (باب الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا) فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ طُلُوعِهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ وَعِنْدَ اسْتِوَائِهَا حَتَّى تَزُولَ وَعِنْدَ اصْفِرَارِهَا حَتَّى تَغْرُبَ وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى كَرَاهَةِ صَلَاةٍ لَا سَبَبَ لَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْفَرَائِضِ الْمُؤَدَّاةِ فِيهَا وَاخْتَلَفُوا فِي النَّوَافِلِ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ كَصَلَاةِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَصَلَاةِ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَقَضَاءِ الْفَوَائِتِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ جَوَازُ ذَلِكَ كُلِّهِ بِلَا كَرَاهَةٍ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَآخَرِينَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي النَّهْيِ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ

وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ بِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى سُنَّةَ الظُّهْرِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي قَضَاءِ السُّنَّةِ الْفَائِتَةِ فَالْحَاضِرَةُ أَوْلَى وَالْفَرِيضَةُ الْمَقْضِيَّةُ أَوْلَى وَكَذَا الْجِنَازَةُ هَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِجُمْلَةِ أَحْكَامِ الْبَابِ وَفِيهِ فُرُوعٌ وَدَقَائِقُ سَنُنَبِّهُ عَلَى بَعْضِهَا فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ أحَادِيثِ الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى [825] قَوْلُهُ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ ضَبَطْنَاهُ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَهَكَذَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَضَبَطْنَاهُ أَيْضًا بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَهُوَ الَّذِي ضَبَطَهُ أَكْثَرُ رُوَاةِ بِلَادِنَا وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ شَرَقَتِ الشَّمْسُ تَشْرُقُ أَيْ طَلَعَتْ عَلَى وَزْنِ طلعت تطلع وغربت تغرب ويقال شرقت تَشْرُقُ أَيِ ارْتَفَعَتْ وَأَضَاءَتْ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وأشرقت الأرض بنور ربها أَيْ أَضَاءَتْ فَمَنْ فَتَحَ التَّاءَ هُنَا احْتَجَّ بِأَنَّ بَاقِي الرِّوَايَاتِ قَبْلَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَبَعْدَهَا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَوَجَبَ حَمْلُ هَذِهِ عَلَى مُوَافَقَتِهَا وَمَنْ قَالَ بِضَمِّ التَّاءِ احْتَجَّ لَهُ الْقَاضِي بِالْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ فِي النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالنَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ إِذَا بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ حَتَّى تَبْرُزَ وَحَدِيثِ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطُّلُوعِ فِي الرِّوَايَاتِ الْأُخَرِ ارْتِفَاعُهَا وَإِشْرَاقُهَا وَإِضَاءَتُهَا لَا مُجَرَّدَ ظُهُورِ قُرْصِهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي صَحِيحٌ مُتَعَيَّنٌ لَا عُدُولَ عِنْدَهُ

لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بِقَرْنَيْ شَيْطَانٍ هَكَذَا هُوَ في الأصول بقرني شيطان في حديث بن عُمَرَ وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبْسَةَ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ قِيلَ الْمُرَادُ بِقَرْنَيِ الشَّيْطَانِ حِزْبُهُ وَأَتْبَاعُهُ وَقِيلَ قُوَّتُهُ وَغَلَبَتُهُ وَانْتِشَارُ فَسَادِهِ وَقِيلَ الْقَرْنَانِ نَاحِيَتَا الرَّأْسِ وَأَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهَذَا هُوَ الْأَقْوَى قَالُوا وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُدْنِي رَأْسَهُ إِلَى الشَّمْسِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِيَكُونَ السَّاجِدُونَ لَهَا مِنَ الْكُفَّارِ كَالسَّاجِدِينَ لَهُ فِي الصُّورَةِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ وَلِبَنِيهِ تَسَلُّطٌ ظَاهِرٌ وَتَمَكُّنٌ مِنْ أَنْ يُلَبِّسُوا عَلَى الْمُصَلِّينَ صَلَاتَهُمْ فَكُرِهَتِ الصَّلَاةُ حِينَئِذٍ صِيَانَةً لَهَا كَمَا كُرِهَتْ فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي هِيَ مَأْوَى الشَّيْطَانِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبْسَةَ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ فَيُصَلِّي لَهَا الْكُفَّارُ وَفِي بَعْضِ أُصُولِ مُسْلِمٍ فِي حديث بن عُمَرَ هُنَا بِقَرْنَيِ الشَّيْطَانِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَسُمِّيَ شَيْطَانًا لِتَمَرُّدِهِ وَعُتُوِّهِ وَكُلُّ مَارِدٍ عَاتٍ شَيْطَانٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ شَطَنَ إِذَا بَعُدَ لِبُعْدِهِ مِنَ الْخَيْرِ

وَالرَّحْمَةِ وَقِيلَ مُشْتَقٌّ مِنْ شَاطَ إِذَا هَلَكَ وَاحْتَرَقَ [829] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَبْرُزَ لَفْظَةُ بَدَا هُنَا غَيْرُ مَهْمُوزَةٍ مَعْنَاهُ ظَهَرَ وحاجبها طرفها وتبرز بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ أَيْ حَتَّى تَصِيرَ الشَّمْسُ بَارِزَةً ظَاهِرَةً وَالْمُرَادُ تَرْتَفِعُ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ [830] قَوْلُهُ عَنْ خَيْرِ بْنِ نُعَيْمٍ هُوَ بِالْخَاءِ المعجمة قوله عن بن هُبَيْرَةَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هُبَيْرَةَ الْحَضْرَمِيُّ الْمِصْرِيُّ وَقَدْ سَمَّاهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ عَنْ أَبِي بَصْرَةَ أَمَّا بَصْرَةُ فَبِالْمُوَحَّدَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجَيْشَانِيُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى جَيْشَانَ قَبِيلَةٍ مَعْرُوفَةٍ مِنَ الْيَمَنِ وَاسْمُ أَبِي تَمِيمٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ قَوْلُهُ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ بِالْمُخْمَصِ هُوَ بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ وَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ بِمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ وَهُوَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ فِيهِ فَضِيلَةُ الْعَصْرِ وَشِدَّةُ الْحَثِّ عَلَيْهَا

[831] قَوْلُهُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَيٍّ هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا وَهُوَ مُوسَى بْنُ عُلَيِّ بْنِ رَبَاحٍ اللَّخْمِيُّ قَوْلُهُ أَوْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا هُوَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ قَوْلُهُ تَضَيَّفَ لِلْغُرُوبِ هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ تَمِيلُ قَوْلُهُ حِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ الظَّهِيرَةُ حَالُ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ وَمَعْنَاهُ حِينَ لَا يَبْقَى لِلْقَائِمِ فِي الظَّهِيرَةِ ظِلٌّ فِي الْمَشْرِقِ وَلَا فِي الْمَغْرِبِ قَوْلُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْقَبْرِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا تُكْرَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْحَدِيثِ بِمَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ بَلِ الصَّوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِ الدَّفْنِ إِلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ كَمَا يُكْرَهُ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ إِلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ بِلَا عُذْرٍ وَهِيَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا فَأَمَّا إِذَا وَقَعَ الدَّفْنُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِلَا تَعَمُّدٍ فَلَا يُكْرَهُ [832] قَوْلُهُ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَعْقِرِيُّ هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ

مَنْسُوبٌ إِلَى مَعْقِرَ وَهِيَ نَاحِيَةٌ بِالْيَمَنِ قَوْلُهُ جُرَآءٌ عَلَيْهِ قَوْمُهُ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ جُرَآءٌ بِالْجِيمِ الْمَضْمُومَةِ جَمْعُ جَرِيءٍ بِالْهَمْزِ مِنَ الْجُرْأَةِ وَهِيَ الْإِقْدَامُ وَالتَّسَلُّطُ وَذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ حِرَاءٌ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ المكسورة ومعناه غضاب ذو وغم قَدْ عِيلَ صَبْرُهُمْ بِهِ حَتَّى أَثَّرَ فِي أَجْسَامِهِمْ مِنْ قَوْلِهِمْ حَرَى جِسْمُهُ يَحْرِي كَضَرَبَ يَضْرِبُ إِذَا نَقَصَ مِنَ أَلَمٍ وَغَيْرِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بِالْجِيمِ قَوْلُهُ فَقُلْتُ لَهُ مَا أَنْتَ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ مَا أَنْتَ وَإِنَّمَا قَالَ مَا أَنْتَ وَلَمْ يَقُلْ مَنْ أَنْتَ لِأَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ صِفَتِهِ لَا عَنْ ذَاتِهِ وَالصِّفَاتُ مِمَّا لَا يُعْقَلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ هَذَا فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى الْحَثِّ عَلَى صِلَةِ الْأَرْحَامِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَنَهَا بِالتَّوْحِيدِ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ حَزَبَاتِ الْأُمُورِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مُهِمَّهَا وَبَدَأَ بِالصِّلَةِ وَقَوْلُهُ وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِهِمَا وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّهُمَا أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ قَوْلُهُ فَقُلْتُ إِنِّي مُتَّبِعُكَ قَالَ إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا أَلَا تَرَى حَالِي وَحَالَ النَّاسِ وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فائتني معناه

قُلْتُ لَهُ إِنِّي مُتَّبِعُكَ عَلَى إِظْهَارِ الْإِسْلَامِ هُنَا وَإِقَامَتِي مَعَكَ فَقَالَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ لِضَعْفِ شَوْكَةِ الْمُسْلِمِينَ وَنَخَافُ عَلَيْكَ مِنْ أَذَى كُفَّارِ قُرَيْشٍ وَلَكِنْ قَدْ حَصَلَ أَجْرُكَ فَابْقَ عَلَى إِسْلَامِكَ وَارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ وَاسْتَمِرَّ عَلَى الْإِسْلَامِ فِي مَوْضِعِكَ حَتَّى تَعْلَمَنِي ظَهَرْتُ فَأْتِنِي وَفِيهِ مُعْجِزَةٌ لِلنُّبُوَّةِ وَهِيَ إِعْلَامُهُ بِأَنَّهُ سَيَظْهَرُ قَوْلُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَعْرِفُنِي قَالَ نَعَمْ أَنْتَ الَّذِي لَقِيتَنِي بِمَكَّةَ فَقُلْتُ بَلَى فِيهِ صِحَّةُ الْجَوَابِ بِبَلَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا نَفْيٌ وَصِحَّةُ الْإِقْرَارِ بِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا وَشَرْطُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنْ يَتَقَدَّمَهَا نَفْيٌ قَوْلُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ هَكَذَا هُوَ عَمَّا عَلَّمَكَ وَهُوَ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ أَخْبِرْنِي عَنْ حُكْمِهِ وَصِفَتِهِ وَبَيِّنْهُ لِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ فِيهِ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ لَا يَزُولُ بِنَفْسِ الطُّلُوعِ بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الِارْتِفَاعِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ أَيْ تَحْضُرُهَا الْمَلَائِكَةُ فَهِيَ أَقْرَبُ إِلَى الْقَبُولِ وَحُصُولِ الرَّحْمَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ مَعْنَى يَسْتَقِلُّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ أَيْ يَقُومُ مُقَابِلَهُ فِي جِهَةِ الشَّمَالِ ليس مَائِلًا إِلَى الْمَغْرِبِ وَلَا إِلَى الْمَشْرِقِ وَهَذِهِ حَالَةُ الِاسْتِوَاءِ وَفِي

الْحَدِيثِ التَّصْرِيحُ بِالنَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ حَالَةَ الِاسْتِوَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَلَامٌ عَجِيبٌ فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ وَمَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ نَبَّهَتْ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَمَعْنَى تُسْجَرُ جَهَنَّمُ تُوقَدُ عَلَيْهَا إِيقَادًا بَلِيغًا وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ هَلْ جَهَنَّمُ اسْمٌ عَرَبِيٌّ أَمْ عَجَمِيٌّ فَقِيلَ عَرَبِيٌّ مُشْتَقٌّ مِنَ الْجُهُومَةِ وَهِيَ كَرَاهَةُ الْمَنْظَرِ وَقِيلَ مِنْ قَوْلِهِمْ بِئْرٌ جَهَامُ أَيْ عَمِيقَةٌ فَعَلَى هَذَا لَمْ تُصْرَفْ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ هِيَ عَجَمِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ وَامْتَنَعَ صَرْفُهَا لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ مَعْنَى أَقْبَلَ الْفَيْءُ ظَهَرَ إِلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَالْفَيْءُ مُخْتَصٌّ بِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَأَمَّا الظِّلُّ فَيَقَعُ عَلَى مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ وَفِيهِ كَلَامٌ نَفِيسٌ بَسَطْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لَا يَدْخُلُ بِدُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَلَا بِصَلَاةِ غَيْرِ الْإِنْسَانِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى لَوْ أَخَّرَ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ لَمْ يُكْرَهِ التَّنَفُّلُ قَبْلَهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ يُدْنِيهِ وَالْوَضُوءُ هُنَا بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ أَيْ يُخْرِجُ الَّذِي فِي أَنْفِهِ يُقَالُ نَثَرَ وَانْتَثَرَ وَاسْتَنْثَرَ مُشْتَقٌّ مِنَ النَّثْرَةِ وَهِيَ الْأَنْفُ وَقِيلَ طَرَفُهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الطَّهَارَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ خَرَّتْ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ الرُّوَاةِ إِلَّا بن أَبِي جَعْفَرٍ فَرَوَاهُ جَرَتْ بِالْجِيمِ وَمَعْنَى خَرَّتْ بِالْخَاءِ أَيْ سَقَطَتْ وَمَعْنَى جَرَتْ ظَاهِرٌ وَالْمُرَادُ بِالْخَطَايَا الصَّغَائِرُ كَمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ وَالْخَيَاشِيمُ جَمْعُ خَيْشُومٍ وَهُوَ أَقْصَى الْأَنْفِ وَقِيلَ الْخَيَاشِيمُ عِظَامٌ رِقَاقٌ فِي أَصْلِ الْأَنْفِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّمَاغِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّ الْوَاجِبَ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَقَالَ الشِّيعَةُ الواجب مسحهما وقال بن جَرِيرٍ هُوَ مُخَيَّرٌ وَقَالَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ يَجِبُ الْغَسْلُ وَالْمَسْحُ قَوْلُهُ لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ مَا حَدَّثْتُ بِهِ أَبَدًا وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ هَذَا الْكَلَامُ قَدْ يُسْتَشْكَلُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَا يَرَى التَّحْدِيثَ إِلَّا بِمَا سَمِعَهُ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِ مَرَّاتٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ سَمِعَ مَرَّةً وَاحِدَةً جَازَ لَهُ الرِّوَايَةُ بَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ إِذَا تَعَيَّنَ لَهَا وَجَوَابُهُ أَنَّ مَعْنَاهُ لَوْ لَمْ أَتَحَقَّقْهُ وَأَجْزِمْ بِهِ لَمَا حَدَّثْتُ بِهِ وَذَكَرَ الْمَرَّاتِ بَيَانًا لِصُورَةِ حَالِهِ وَلَمْ يُرِدْ أن ذلك شرط والله أعلم

[833] قَوْلُهَا وَهِمَ عُمَرُ تَعْنِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رِوَايَتِهِ النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا نَهَى عَنِ التَّحَرِّي قَالَ الْقَاضِي إِنَّمَا قَالَتْ عَائِشَةُ هَذَا لِمَا رَوَتْهُ مِنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ قَالَ وَمَا رَوَاهُ عُمَرُ قَدْ رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ وَأَبُو هريرة وقد قال بن عَبَّاسٍ فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ قُلْتُ وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَرِوَايَةُ التَّحَرِّي مَحْمُولَةٌ عَلَى تَأْخِيرِ الْفَرِيضَةِ إِلَى هَذَا الْوَقْتِ وَرِوَايَةُ النَّهْيِ مُطْلَقًا مَحْمُولَةٌ عَلَى غَيْرِ ذَوَاتِ الأسباب [834] قوله قال بن عَبَّاسٍ وَكُنْتُ أَضْرِبُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ النَّاسَ عَلَيْهَا هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ أَضْرِبُ النَّاسَ عَلَيْهَا وَفِي بَعْضٍ أَصْرِفُ النَّاسَ عَنْهَا وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ يَضْرِبُهُمْ عَلَيْهَا فِي وَقْتٍ وَيَصْرِفُهُمْ عَنْهَا فِي وَقْتٍ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ أَوْ يَصْرِفُهُمْ مَعَ الضَّرْبِ وَلَعَلَّهُ كَانَ يَضْرِبُ مَنْ بَلَغَهُ النَّهْيُ ويصرف

مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ عَلَيْهَا بِالدِّرَّةِ وَفِيهِ احْتِيَاطُ الْإِمَامِ لِرَعِيَّتِهِ وَمَنْعُهُمْ من البدع والمنهيات الشرعية وتعزيرهم عليها قَوْلُهُ قَالَ كُرَيْبٌ فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا وَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي بِهِ فَقَالَتْ سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرْتُهُمْ بِقَوْلِهَا فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ إِذَا طُلِبَ مِنْهُ تَحْقِيقُ أَمْرٍ مُهِمٍّ وَيَعْلَمُ أَنَّ غَيْرَهُ أَعْلَمُ بِهِ أَوْ أعْرَفُ بِأَصْلِهِ أَنْ يُرْشِدَ إِلَيْهِ إِذَا أَمْكَنَهُ وَفِيهِ الِاعْتِرَافُ لِأَهْلِ الْفَضْلِ بِمَزِيَّتِهِمْ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَدَبِ الرَّسُولِ فِي حَاجَتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ فِيهَا بِتَصَرُّفٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَقِلَّ كُرَيْبٌ بِالذَّهَابِ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ فَلَمَّا أَرْشَدَتْهُ عَائِشَةُ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَكَانَ رَسُولًا لِلْجَمَاعَةِ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِالذَّهَابِ حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ فَأَرْسَلُوهُ إِلَيْهَا قَوْلُهَا وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ سَبَقَ مَرَّاتٍ أَنَّ بَنِي حَرَامٍ بِالرَّاءِ وَأَنَّ حَرَامًا فِي الْأَنْصَارِ وَحِزَامًا بِالزَّايِ فِي قُرَيْشٍ قَوْلُهَا فَأَرْسَلَتُ إِلَيْهِ الْجَارِيَةَ فِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْمَرْأَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ بِالسَّمَاعِ مِنْ لَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهَا فَقُولِي لَهُ تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ إِنَّمَا قَالَتْ عَنْ نَفْسِهَا تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَنَّتْ نَفْسَهَا وَلَمْ تَقُلْ هِنْدُ بِاسْمِهَا لِأَنَّهَا مَعْرُوفَةٌ بِكُنْيَتِهَا وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِالْكُنْيَةِ إِذَا لَمْ يُعْرَفْ إِلَّا بِهَا أَوِ اشْتَهَرَ بِهَا بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ غَالِبًا إِلَّا بِهَا وَكُنِّيَتْ بِأَبِيهَا سَلَمَةَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَكَانَ صَحَابِيًّا وَقَدْ ذَكَرْتُ أَحْوَالَهُ فِي تَرْجَمَتِهَا مِنْ تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ قَوْلُهَا إِنِّي أَسْمَعُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا مَعْنَى أَسْمَعُكَ سَمِعْتُكَ فِي الْمَاضِي وَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْمُضَارِعِ لِإِرَادَةِ الْمَاضِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى قَدْ نرى تقلب وجهك وَفِي هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلتَّابِعِ إِذَا رَأَى مِنَ الْمَتْبُوعِ شَيْئًا

يُخَالِفُ الْمَعْرُوفَ مِنْ طَرِيقَتِهِ وَالْمُعْتَادَ مِنْ حَالِهِ أَنْ يَسْأَلَهُ بِلُطْفٍ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا رَجَعَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ عَامِدًا وَلَهُ مَعْنًى مُخَصَّصٌ عَرَفَهُ التَّابِعُ وَاسْتَفَادَهُ وَإِنْ كَانَ مَخْصُوصًا بِحَالٍ يَعْلَمُهَا وَلَمْ يَتَجَاوَزْهَا وَفِيهِ مَعَ هَذِهِ الْفَوَائِدِ فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُ بِالسُّؤَالِ يَسْلَمُ مِنْ إِرْسَالِ الظَّنِّ السَّيِّئِ بِتَعَارُضِ الْأَفْعَالِ أَوِ الْأَقْوَالِ وَعَدَمِ الِارْتِبَاطِ بِطَرِيقٍ وَاحِدٍ قَوْلُهَا فَأَشَارَ بِيَدِهِ فِيهِ أَنَّ إِشَارَةَ الْمُصَلِّي بِيَدِهِ وَنَحْوَهَا مِنَ الْأَفْعَالِ الْخَفِيفَةِ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالْإِسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ فِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا إِثْبَاتُ سُنَّةِ الظُّهْرِ بَعْدَهَا وَمِنْهَا أَنَّ السُّنَنَ الرَّاتِبَةَ إِذَا فَاتَتْ يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا وَمِنْهَا أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ لَا تُكْرَهُ فِي وَقْتِ النَّهْيِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مَا لَا سَبَبَ لَهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ عُمْدَةُ أَصْحَابِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ لَنَا أَصَحُّ دَلَالَةً مِنْهُ وَدَلَالَتُهُ ظَاهِرَةٌ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ دَاوَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا وَلَا يَقُولُونَ بِهَذَا قُلْنَا لِأَصْحَابِنَا فِي هَذَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا الْقَوْلُ بِهِ فَمَنْ دَأْبُهُ سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ فَقَضَاهَا فِي وَقْتِ النَّهْيِ كَانَ لَهُ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَى صَلَاةٍ مِثْلِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ الْأَشْهَرُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْصُلُ الدَّلَالَةُ بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا الْأَصْلُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدَمُ التَّخْصِيصِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ بِهِ بَلْ هُنَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى عَدَمِ التَّخْصِيصِ وَهِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ أَنَّهَا سُنَّةُ الظُّهْرِ وَلَمْ يَقُلْ هَذَا الْفِعْلُ مُخْتَصٌّ بِي وَسُكُوتُهُ ظَاهِرٌ فِي جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ وَمِنْ فَوَائِدِهِ أَنَّ صَلَاةَ النَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى كَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ وَمِنْهَا أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتِ الْمَصَالِحُ وَالْمُهِمَّاتُ بُدِئَ بِأَهَمِّهَا وَلِهَذَا

بَدَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثِ الْقَوْمِ فِي الْإِسْلَامِ وَتَرَكَ سُنَّةَ الظُّهْرِ حَتَّى فَاتَ وَقْتُهَا لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِإِرْشَادِهِمْ وَهِدَايَتِهِمْ وَقَوْمَهُمْ إلى الإسلام أهم قَوْلُهَا مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي قَطُّ يعني بعد يوم وفد عبد القيس [835] قَوْلُهُ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَتْ كَانَ يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الْعَصْرِ ثُمَّ إِنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا أَوْ نَسِيَهُمَا فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ هَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّجْدَتَيْنِ رَكْعَتَانِ هُمَا سُنَّةُ الْعَصْرِ قَبْلَهَا وَقَالَ الْقَاضِي يَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ عَلَى سُنَّةِ الظُّهْرِ كَمَا فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ لِيَتَّفِقَ الْحَدِيثَانِ وَسُنَّةُ الظُّهْرِ تَصِحُّ تَسْمِيَتُهَا أَنَّهَا قَبْلَ العصر

(باب استحباب ركعتين قبل صلاة المغرب)

(بَابُ اسْتِحْبَابِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ) [836] فِيهِ حَدِيثُ صَلَاتِهِمْ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَهَا بَعْدَ الْأَذَانِ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صلاة المراد بالأذانين الأذان وَالْإِقَامَةِ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَشْهَرُهُمَا لَا يُسْتَحَبُّ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ يُسْتَحَبُّ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبَانِ لِلسَّلَفِ وَاسْتَحَبَّهُمَا جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَحْمَدُ واسحق وَلَمْ يَسْتَحِبَّهُمَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَآخَرُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَالِكٌ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ هِيَ بِدْعَةٌ وَحُجَّةُ هَؤُلَاءِ أَنَّ اسْتِحْبَابَهُمَا يُؤَدِّي إِلَى تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا قَلِيلًا وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ فِي جَوَابِ هَذِهِ

(باب صلاة الخوف)

الْأَحَادِيثِ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَالْمُخْتَارُ اسْتِحْبَابُهَا لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ يُؤَدِّي إِلَى تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ فَهَذَا خَيَالٌ مُنَابِذٌ لِلسُّنَّةِ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَمَعَ هَذَا فَهُوَ زَمَنٌ يَسِيرٌ لَا تَتَأَخَّرُ بِهِ الصَّلَاةُ عَنِ أَوَّلِ وَقْتِهَا وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ النَّسْخَ فَهُوَ مُجَازِفٌ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا إِذَا عَجَزْنَا عَنِ التَّأْوِيلِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَعَلِمْنَا التَّارِيخَ وَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ) [839] ذَكَرَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثٍ أَحَدُهَا حديث بن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً وَالْأُخْرَى مُوَاجِهَةٌ لِلْعَدُوِّ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَقَامُوا مَقَامَ أَصْحَابِهِمْ وَجَاءَ

أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ فَقَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَخَذَ الأوزاعي وأشهب مالكي وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ قِيلَ إِنَّ الطَّائِفَتَيْنِ قَضَوْا رَكْعَتَهُمُ الْبَاقِيَةَ مَعًا وَقِيلَ مُتَفَرِّقِينَ وهو الصحيح الثاني حديث بن أَبِي حَثْمَةَ بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَثَبَتَ قَائِمًا فَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا حَتَّى أَتَمُّوا رَكْعَتَهُمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ وَبِهَذَا أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ وَذَكَرَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ صِفَةً أُخْرَى أَنَّهُ صَفَّهُمْ صَفَّيْنِ فَصَلَّى بِمَنْ يَلِيهِ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَةً ثُمَّ تَقَدَّمُوا وَتَأَخَّرَ الَّذِينَ كَانُوا قُدَّامَهُمْ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ قَعَدَ حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ تَخَلَّفُوا رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ سَلَّمَ بِهِمْ جَمِيعًا الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ

النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفَّهُمْ صَفَّيْنِ خَلْفَهُ وَالْعَدُوُّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وَرَكَعَ بِالْجَمِيعِ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ وَقَامُوا ثُمَّ تَقَدَّمُوا وَتَأَخَّرَ الَّذِي يَلِيهِ وَقَامَ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ فَلَمَّا قَضَى السُّجُودَ سَجَدَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ وذكر في الركعة الثانية نحوه وحديث بن عَبَّاسٍ نَحْوَ حَدِيثِ جَابِرٍ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ تَقَدُّمُ الصَّفِّ وَتَأَخُّرُ الْآخَرِ وَبِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الشافعي وبن أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَيَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَقَدُّمُ الصَّفِّ الثَّانِي وَتَأَخُّرُ الْأَوَّلِ كَمَا فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ وَيَجُوزُ بَقَاؤُهُمَا عَلَى حَالِهِمَا كَمَا هُوَ ظاهر حديث بن عَبَّاسٍ [840] الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ فَكَانَتِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ مُفْتَرِضِينَ خَلْفَ مُتَنَفِّلٍ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَحَكَوْهُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ إِذْ لَا دَلِيلَ لِنَسْخِهِ فَهَذِهِ سِتَّةُ أوجه في صلاة الخوف وروى بن مَسْعُودٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَجْهًا سَابِعًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً وَانْصَرَفُوا وَلَمْ يُسَلِّمُوا وَوَقَفُوا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ فَقَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَتَهُمْ ثُمَّ سَلَّمُوا وَذَهَبُوا فَقَامُوا مَقَامَ أُولَئِكَ وَرَجَعَ أُولَئِكَ فَصَلُّوا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ وَبِهَذَا أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ وُجُوهًا أُخَرَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ بِحَيْثُ يَبْلُغُ مَجْمُوعُهَا سِتَّةَ عَشَرَ وَجْهًا وذكر بن الْقَصَّارِ الْمَالِكِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا فِي عَشَرَةِ مَوَاطِنَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ هَذِهِ الْأَوْجُهَ كُلَّهَا جَائِزَةٌ بِحَسَبِ مَوَاطِنِهَا وَفِيهَا تَفْصِيلٌ وَتَفْرِيعٌ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ صَلَاةُ الْخَوْفِ أَنْوَاعٌ صَلَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَيَّامٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَشْكَالٍ مُتَبَايِنَةٍ يَتَحَرَّى فِي كُلِّهَا مَا هُوَ أَحْوَطُ لِلصَّلَاةِ وَأَبْلَغُ فِي الْحِرَاسَةِ فَهِيَ عَلَى اخْتِلَافِ صُوَرِهَا مُتَّفِقَةُ الْمَعْنَى ثُمَّ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ مَشْرُوعَةٌ الْيَوْمَ كَمَا كَانَتْ إِلَّا أَبَا يُوسُفَ وَالْمُزَنِيَّ فَقَالَا لَا تُشْرَعُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَزَالُوا عَلَى فِعْلِهَا بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ تَخْصِيصَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَبَتَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا كَمَا

رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي قَوْلُهُ وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ أَيْ فِي مُقَابَلَتِهِ وَنَحْرُ كُلِّ شي أَوَّلُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ

النُّسَخِ الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَقَعْ فِي أَكْثَرِهَا ذِكْرُ الْأَوَّلِ وَالْمُرَادُ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ الْآنَ [841] قَوْلُهُ صَالِحُ بْنُ خَوَّاتٍ هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ قَوْلُهُ ذَاتُ الرِّقَاعِ هِيَ غَزْوَةٌ مَعْرُوفَةٌ كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ بِأَرْضِ غَطَفَانَ مِنْ نَجْدٍ سُمِّيَتْ ذَاتَ الرِّقَاعِ لِأَنَّ أَقْدَامَ الْمُسْلِمِينَ نُقِّبَتْ مِنَ الْحَفَاءِ فَلَفُّوا عَلَيْهَا الْخِرَقَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهَا وَقَدْ ثَبَتَ هَذَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقِيلَ سُمِّيَتْ لِجَبَلٍ هُنَاكَ يُقَالُ لَهُ الرِّقَاعُ لِأَنَّ فِيهِ بَيَاضًا وَحُمْرَةً وَسَوَادًا وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِشَجَرَةٍ هُنَاكَ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ الرِّقَاعِ وَقِيلَ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ رَقَعُوا رَايَاتِهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ كُلَّهَا وجدت فيها وَشُرِعَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ فِي غَزْوَةٍ خِلَافَ الرِّقَاعِ وَقِيلَ فِي غَزْوَةِ بَنِي النَّضْرِ [842] قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ هَكَذَا هُوَ

فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا صَلَّتْ مَعَهُ وَهُمَا صَحِيحَانِ قَوْلُهُ وَطَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ هُوَ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَضَمِّهَا يُقَالُ وِجَاهَهُ وَتُجَاهَهُ أَيْ قُبَالَتَهُ وَالطَّائِفَةُ الْفِرْقَةُ وَالْقِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ تَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ الطَّائِفَةُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الطَّائِفَةُ الَّتِي مَعَ الْإِمَامِ ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ وَالَّذِينَ فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ كَذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلْيَأْخُذُوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فَأَعَادَ عَلَى كُلِّ طَائِفَةٍ ضَمِيرَ الْجَمْعِ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ [843] قَوْلُهُ شَجَرَةٌ ظَلِيلَةٌ أَيْ ذَاتُ ظِلٍّ قَوْلُهُ فَأَخَذَ السَّيْفَ فَاخْتَرَطَهُ أَيْ سَلَّهُ قَوْلُهُ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ مَعْنَاهُ صَلَّى بالطائفة

(كتاب الجمعة يقال بضم الميم وإسكانها وفتحها حكاهن

الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمُوا وَبِالثَّانِيَةِ كَذَلِكَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَنَفِّلًا فِي الثانية وهم متفرضون وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ المفترض خلف المتنفل والله أعلم (كتاب الجمعة يُقَالُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا حَكَاهُنَّ الْفَرَّاءُ وَالْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَوَجَّهُوا الْفَتْحَ بِأَنَّهَا تَجْمَعُ النَّاسَ وَيَكْثُرُونَ فِيهَا كَمَا يُقَالُ هُمَزَةٌ وَلُمَزَةٌ لِكَثْرَةِ الْهَمْزِ وَاللَّمْزِ وَنَحْوَ ذَلِكَ سُمِّيَتْ جُمُعَةً لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا وَكَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُسَمَّى الْعَرُوبَةَ [844] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد)

أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ وَهَذِهِ الثَّانِيَةُ محمولة

عَلَى الْأَوَّلِ مَعْنَاهَا مَنْ أَرَادَ الْمَجِيءَ فَلْيَغْتَسِلْ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ بَعْدَهُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ

عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَالْمُرَادُ بِالْمُحْتَلِمِ الْبَالِغُ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ حَقٌّ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا وَفِي رِوَايَةٍ لَوِ اغْتَسَلْتُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ فَحُكِيَ وُجُوبُهُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ حَكَوْهُ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وحكاه بن الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَالِكٍ وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُ بِظَوَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ مِنْهَا حَدِيثُ الرَّجُلِ الَّذِي دَخَلَ وَعُمَرُ يَخْطُبُ وَقَدْ تَرَكَ الْغُسْلَ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ عُثْمَانَ فَعَلَهُ وأقره عمر وحاضروا الْجُمُعَةِ وَهُمْ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا تَرَكَهُ وَلَأَلْزَمُوهُ وَمِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ حَدِيثٌ حَسَنٌ فِي السُّنَنِ مَشْهُورٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَمِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوِ اغْتَسَلْتُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لَكَانَ أَفْضَلَ وَأَكْمَلَ وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْعِبَادَاتِ وَأَجَابُوا عَنِ الأحاديث

الْوَارِدَةِ فِي الْأَمْرِ بِهِ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ [846] وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ أَيْ مُتَأَكِّدٌ فِي حَقِّهِ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ حَقُّكَ وَاجِبٌ عَلَيَّ أَيْ مُتَأَكِّدٌ لَا أَنَّ الْمُرَادَ الْوَاجِبُ الْمُحَتَّمُ الْمُعَاقَبُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْمِنْبَرِ لِلْخُطْبَةِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَلْيَكُنْ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ لِيَبْلُغَ صَوْتُهُ جَمِيعَهُمْ وَلْيَنْفَرِدَ فَيَكُونَ أَوْقَعَ فِي النُّفُوسِ وَفِيهِ أَنَّ الْخَطِيبَ يَكُونُ قَائِمًا وَسُمِّيَ مِنْبَرًا لِارْتِفَاعِهِ مِنَ النَّبْرِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ [845] قَوْلُهُ أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ قَالَهُ تَوْبِيخًا لَهُ وَإِنْكَارًا لِتَأَخُّرِهِ إِلَى هَذَا الْوَقْتِ فِيهِ تَفَقُّدُ الْإِمَامِ رَعِيَّتَهُ وَأَمْرُهُمْ بِمَصَالِحِ دِينِهِمْ وَالْإِنْكَارُ عَلَى مُخَالِفِ السُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ كَبِيرَ الْقَدْرِ وَفِيهِ جَوَازُ الْإِنْكَارِ عَلَى الْكِبَارِ فِي مَجْمَعٍ مِنَ النَّاسِ وَفِيهِ جَوَازُ الْكَلَامِ فِي الْخُطْبَةِ قَوْلُهُ شُغِلْتُ الْيَوْمَ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ النِّدَاءَ فَلَمْ أَزِدْ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ فِيهِ الِاعْتِذَارُ إِلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ وَغَيْرِهِمْ وَفِيهِ إِبَاحَةُ الشُّغْلِ وَالتَّصَرُّفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ النِّدَاءِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ إِنَّمَا تَرَكَ الْغُسْلَ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فَرَأَى اشْتِغَالَهُ بِقَصْدِ الْجُمُعَةِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَجْلِسَ لِلْغُسْلِ بَعْدَ النِّدَاءِ وَلِهَذَا لَمْ يَأْمُرْهُ عُمَرُ بِالرُّجُوعِ لِلْغُسْلِ قَوْلُهُ سَمِعْتُ النِّدَاءَ هُوَ بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا وَالْكَسْرُ أَشْهَرُ قَوْلُهُ وَالْوُضُوءَ أَيْضًا هُوَ مَنْصُوبٌ أَيْ وَتَوَضَّأْتُ الْوُضُوءَ فَقَطْ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ [847] قَوْلُهُ يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ أَيْ يَأْتُونَهَا قَوْلُهُ مِنَ الْعَوَالِي هِيَ الْقُرَى الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ قَوْلُهُ فَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ هُوَ بِالْمَدِّ جَمْعُ عَبَاءَةٍ بِالْمَدِّ وَعَبَايَةٍ بِزِيَادَةِ يَاءٍ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ كُفَاةٌ هُوَ بِضَمِّ الْكَافِ جَمْعُ كَافٍ كَقَاضٍ وَقُضَاةٍ وَهُمُ الْخَدَمُ الَّذِينَ يَكْفُونَهُمُ الْعَمَلَ قَوْلُهُ لَهُمْ تَفَلٌ هُوَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ ثُمَّ فَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ أَيْ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم للذين جاؤا وَلَهُمُ الرِّيحُ الْكَرِيهَةُ لَوِ اغْتَسَلْتُمْ فِيهِ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِمَنْ أَرَادَ الْمَسْجِدَ أَوْ مُجَالَسَةَ النَّاسِ أَنْ يَجْتَنِبَ الرِّيحَ الْكَرِيهَةَ فِي بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ [844] [846] قوله ص إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ وغسل الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ فَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْغُسْلَ مَشْرُوعٌ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ الْجُمُعَةَ مِنَ الرِّجَالِ سَوَاءٌ الْبَالِغُ وَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ وَالثَّانِي صَرِيحٌ فِي الْبَالِغِ وَفِي أَحَادِيثَ أُخَرَ أَلْفَاظٌ تَقْتَضِي دُخُولَ النِّسَاءِ كَحَدِيثِ وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ فَيُقَالُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ إِنَّ الْغُسْلَ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُرِيدِ الْجُمُعَةِ وَمُتَأَكِّدٌ فِي حَقِّ الذُّكُورِ أَكْثَرَ مِنَ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِنَّ قَرِيبٌ مِنَ الطِّيبِ وَمُتَأَكِّدٌ فِي حَقِّ الْبَالِغِينَ أَكْثَرَ مِنَ الصِّبْيَانِ وَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُرِيدٍ لَهَا وَفِي وَجْهٍ لِأَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ لِلذُّكُورِ خَاصَّةً وَفِي وَجْهٍ يستحب لمن

يَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ دُونَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ وَالْمُسَافِرِينَ وَوَجْهٌ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَوَاءٌ أَرَادَ حُضُورَ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا كَغُسْلِ يَوْمِ الْعِيدِ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَاللَّهُ أعلم قوله ص [846] فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَوَادٍ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَسِوَاكٌ وَيَمَسُّ مِنَ الطِّيبِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ وَاجِبٍ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسِوَاكٌ وَيَمَسُّ مِنَ الطِّيبِ مَعْنَاهُ وَيُسَنُّ السِّوَاكُ وَمَسُّ الطِّيبِ وَيَجُوزُ يَمَسُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي مُحْتَمِلٌ لِتَكْثِيرِهِ وَمُحْتَمِلٌ لِتَأْكِيدِهِ حَتَّى يَفْعَلَهُ بِمَا أَمْكَنَهُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ الْمَكْرُوهُ لِلرِّجَالِ وَهُوَ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَخَفِيَ رِيحُهُ فَأَبَاحَهُ لِلرَّجُلِ هُنَا لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ غَيْرِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [850] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ مَعْنَاهُ غُسْلًا كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ فِي الصِّفَاتِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي تَفْسِيرِهِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ الْمُرَادُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ حَقِيقَةً قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ مُوَاقَعَةُ زَوْجَتِهِ لِيَكُونَ أَغَضَّ لِلْبَصَرِ وَأَسْكَنَ لِنَفْسِهِ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً الْمُرَادُ بِالرَّوَاحِ الذَّهَابُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَاتِ هُنَا لَحَظَاتٌ لَطِيفَةٌ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَالرَّوَاحُ عِنْدَهُمْ بَعْدَ الزَّوَالِ وَادَّعَوْا أَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ ومذهب الشافعي وجماهير أصحابه وبن حَبِيبٍ الْمَالِكِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ اسْتِحْبَابُ التَّبْكِيرِ إِلَيْهَا أَوَّلَ النَّهَارِ وَالسَّاعَاتُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَالرَّوَاحُ يَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ لُغَةُ الْعَرَبِ الرَّوَاحُ الذَّهَابُ سَوَاءٌ كَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْ آخِرَهُ أَوْ فِي اللَّيْلِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْحَدِيثُ وَالْمَعْنَى لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَكْتُبُ مَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى وهو كالمهدي

بَدَنَةً وَمَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ الثَّالِثَةِ ثُمَّ الرَّابِعَةِ ثُمَّ الْخَامِسَةِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ السَّادِسَةِ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوْا الصُّحُفَ وَلَمْ يَكْتُبُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَحَدًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الْجُمُعَةِ مُتَّصِلًا بِالزَّوَالِ وَهُوَ بَعْدَ انْفِصَالِ السَّادِسَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ مِنَ الْهَدْيِ وَالْفَضِيلَةِ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلِأَنَّ ذِكْرَ السَّاعَاتِ إِنَّمَا كَانَ لِلْحَثِّ فِي التَّبْكِيرِ إِلَيْهَا وَالتَّرْغِيبِ فِي فَضِيلَةِ السَّبْقِ وَتَحْصِيلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَانْتِظَارِهَا وَالِاشْتِغَالِ بِالتَّنَفُّلِ وَالذِّكْرِ وَنَحْوِهِ وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَحْصُلُ بِالذَّهَابِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَا فَضِيلَةَ لِمَنْ أَتَى بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّ النِّدَاءَ يَكُونُ حِينَئِذٍ وَيَحْرُمُ التَّخَلُّفُ بَعْدَ النِّدَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ تَعْيِينُ السَّاعَاتِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَمْ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ إِنَّ مَنْ جَاءَ فِي أَوَّلِ سَاعَةٍ مِنْ هَذِهِ السَّاعَاتِ وَمَنْ جَاءَ فِي آخِرِهَا مُشْتَرَكَانِ فِي تَحْصِيلِ أَصْلِ الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالْكَبْشِ وَلَكِنْ بَدَنَةُ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ مِنْ بَدَنَةِ مَنْ جَاءَ فِي آخِرِ السَّاعَةِ وَبَدَنَةُ الْمُتَوَسِّطِ مُتَوَسِّطَةٌ وَهَذَا كَمَا أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تَزِيدُ عَلَى صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَمَاعَةَ تُطْلَقُ عَلَى اثْنَيْنِ وَعَلَى أُلُوفٍ فَمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ هُمْ عَشَرَةُ آلَافٍ لَهُ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَمَنْ صَلَّى مَعَ اثْنَيْنِ لَهُ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ لكن درجات الأول أكمل وأشباه هذا كثيرة مَعْرُوفَةٌ وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ جَوَابٌ عَنِ اعْتِرَاضٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ أَمَّا لُغَاتُ هَذَا الْفَصْلِ فَمَعْنَى قَرَّبَ تَصَدَّقَ وَأَمَّا الْبَدَنَةُ فَقَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدَةِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِعِظَمِ بَدَنِهَا وَخَصَّهَا جَمَاعَةٌ بِالْإِبِلِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْإِبِلُ بِالِاتِّفَاقِ لِتَصْرِيحِ الْأَحَادِيثِ بِذَلِكَ وَالْبَدَنَةُ

وَالْبَقَرَةُ يَقَعَانِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِاتِّفَاقِهِمْ وَالْهَاءُ فِيهَا لِلْوَاحِدَةِ كَقَمْحَةٍ وَشَعِيرَةٍ وَنَحْوِهُمَا مِنْ أَفْرَادِ الْجِنْسِ وَسُمِّيَتْ بَقَرَةٌ لِأَنَّهَا تَبْقُرُ الْأَرْضَ أَيْ تَشُقُّهَا بِالْحِرَاثَةِ وَالْبَقْرُ الشَّقُّ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ بَقَرَ بَطْنَهُ وَمِنْهُ سُمِّيَ مُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ بَقَرَ الْعِلْمَ وَدَخَلَ فِيهِ مَدْخَلًا بَلِيغًا وَوَصَلَ مِنْهُ غَايَةً مَرْضِيَّةً وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَصَفَهُ بِالْأَقْرَنِ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ وَأَحْسَنُ صُورَةً وَلِأَنَّ قَرْنَهُ يُنْتَفَعُ بِهِ وَالدَّجَاجَةُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَيُقَالُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ وَغَيْرُهُمْ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تعالى وإذا حضر القسمة وَأَمَّا فِقْهُ الْفَصْلِ فَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى التَّبْكِيرِ إِلَى الْجُمُعَةِ وَأَنَّ مَرَاتِبَ النَّاسِ فِي الْفَضِيلَةِ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ وَهُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ وَفِيهِ أَنَّ الْقُرْبَانَ وَالصَّدَقَةَ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ بَعْدَ الْكَبْشِ بَطَّةٌ ثُمَّ دَجَاجَةٌ ثُمَّ بَيْضَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ بَعْدَ الْكَبْشِ دَجَاجَةٌ ثُمَّ عُصْفُورٌ ثُمَّ بَيْضَةٌ وَإِسْنَادَا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحَانِ وَفِيهِ أَنَّ التَّضْحِيَةَ بِالْإِبِلِ أَفْضَلُ مِنَ الْبَقَرَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَّمَ الْإِبِلَ وَجَعَلَ الْبَقَرَةَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِبِلَ أَفْضَلُ مِنَ الْبَقَرِ فِي الْهَدَايَا وَاخْتَلَفُوا فِي الْأُضْحِيَّةِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّ الْإِبِلَ أَفْضَلُ ثُمَّ الْبَقَرَ ثُمَّ الْغَنَمَ كَمَا فِي الْهَدَايَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ أَفْضَلَ الْأُضْحِيَّةِ الْغَنَمُ ثُمَّ الْبَقَرُ ثُمَّ الْإِبِلُ قَالُوا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْهَدَايَا وَأَمَّا تَضْحِيَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا تَرْجِيحُ الْغَنَمِ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتَمَكَّنْ ذَلِكَ الْوَقْتَ إِلَّا مِنَ الْغَنَمِ أَوْ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم حضرت الملائكة يستمعون قالوا هولاء الْمَلَائِكَةُ غَيْرُ الْحَفَظَةِ وَظِيفَتُهُمْ كِتَابَةُ حَاضِرِي الْجُمُعَةِ [851] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قُلْتَ

لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقَدْ لَغَيْتَ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ هِيَ لُغَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا هُوَ فَقَدْ لَغَوْتَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ لَغَا يَلْغُو كَغَزَا يَغْزُو وَيُقَالُ لَغِيَ يَلْغَى كَعَمِيَ يَعْمَى لُغَتَانِ الْأُولَى أَفْصَحُ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَقْتَضِي هَذِهِ الثَّانِيَةَ الَّتِي هِيَ لُغَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه وَهَذَا مِنْ لَغِيَ يَلْغَى وَلَوْ كَانَ مِنَ الأول لقال والغوا بضم الغين قال بن السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ مَصْدَرُ الْأَوَّلِ اللَّغْوُ وَمَصْدَرُ الثَّانِي اللَّغْيُ وَمَعْنَى فَقَدْ لَغَوْتَ أَيْ قُلْتَ اللَّغْوَ وَهُوَ الْكَلَامُ الْمَلْغِيُّ السَّاقِطُ الْبَاطِلُ الْمَرْدُودُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ قُلْتَ غَيْرَ الصَّوَابِ وَقِيلَ تَكَلَّمْتَ بِمَا لَا يَنْبَغِي فَفِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ حَالَ الْخُطْبَةِ وَنَبَّهَ بِهَذَا عَلَى مَا سِوَاهُ لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ أَنْصِتْ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَسَمَّاهُ لَغْوًا فَيَسِيرُهُ مِنَ الْكَلَامِ أَوْلَى وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ إِذَا أَرَادَ نَهْيَ غَيْرِهِ عَنِ الْكَلَامِ أَنْ يُشِيرَ إِلَيْهِ بِالسُّكُوتِ إِنْ فَهِمَهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَهْمُهُ فَلْيَنْهَهُ بِكَلَامٍ مُخْتَصَرٍ وَلَا يَزِيدُ عَلَى أَقَلِّ مُمْكِنٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْكَلَامِ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعَيِّ قَالَ الْقَاضِي قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ يَجِبُ الْإِنْصَاتُ لِلْخُطْبَةِ وَحُكِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَبَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلا إذا تلى فِيهَا الْقُرْآنَ قَالَ وَاخْتَلَفُوا إِذَا لَمْ يَسْمَعِ الْإِمَامُ هَلْ يَلْزَمُهُ الْإِنْصَاتُ كَمَا لَوْ سَمِعَهُ فَقَالَ الْجُمْهُورُ يَلْزَمُهُ وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَحَدُ قولي الشافعي

لَا يَلْزَمُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْإِنْصَاتِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْكَلَامِ إِنَّمَا هُوَ فِي حَالِ لخطبة وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حنيفة يجب الانصات بخروج الإمام [852] قوله ص فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَفِي رِوَايَةٍ قَائِمٌ يُصَلِّي وَفِي رِوَايَةٍ وَهِيَ

سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ قَوْلُهُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ هُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ الْمَضْمُومَةِ قَالَ الْقَاضِي اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي وَقْتِ هَذِهِ السَّاعَةِ وَفِي مَعْنَى قَائِمٌ يُصَلِّي فَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ مِنْ بَعْدِ الْعَصْرِ إِلَى الْغُرُوبِ قَالُوا وَمَعْنَى يُصَلِّي يَدْعُو وَمَعْنَى قَائِمٌ مُلَازِمٌ وَمُوَاظِبٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ مِنْ حِينِ خُرُوجِ الْإِمَامِ إِلَى فَرَاغِ الصَّلَاةِ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ حَتَّى يَفْرُغَ وَالصَّلَاةُ عِنْدَهُمْ عَلَى ظَاهِرِهَا وَقِيلَ مِنْ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الصَّلَاةِ وَقِيلَ آخِرَ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ رُوِيَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ هَذَا آثَارٌ مُفَسِّرَةٌ لِهَذِهِ الْأَقْوَالِ قَالَ وَقِيلَ عِنْدَ الزَّوَالِ وَقِيلَ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ نَحْوَ ذِرَاعٍ وَقِيلَ هِيَ مَخْفِيَّةٌ فِي الْيَوْمِ كُلِّهِ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَقِيلَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ قَالَ الْقَاضِي وَلَيْسَ مَعْنَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ وَقْتٌ لَهَا بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالصَّحِيحُ بَلِ

الصَّوَابُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ [853] قَوْلُهُ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ وَقَالَ لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ مِنْ قَوْلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ بَلَغَ بِهِ أبا مُوسَى وَلَمْ يَرْفَعْهُ قَالَ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي بُرْدَةَ كَذَلِكَ رَوَاهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بردة وتابعه واصل الا حدب ومخالد رَوَيَاهُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ مِنْ قَوْلِهِ وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفٌ وَلَا يَثْبُتُ قَوْلُهُ عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ خَالِدٍ قُلْتُ لِمَخْرَمَةَ سَمِعْتُ مِنْ أَبِيكَ شَيْئًا قَالَ لَا هَذَا كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَهَذَا الَّذِي اسْتَدْرَكَهُ بَنَاهُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ لَهُ وَلِأَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَقْفٌ وَرَفْعٌ أَوْ إِرْسَالٌ وَاتِّصَالٌ حَكَمُوا بِالْوَقْفِ وَالْإِرْسَالِ وَهِيَ قَاعِدَةٌ ضَعِيفَةٌ مَمْنُوعَةٌ وَالصَّحِيحُ طَرِيقَةُ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَمُحَقِّقِي الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِالرَّفْعِ وَالِاتِّصَالِ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاضِحًا فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَسَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ بَعْدَهَا وَقَدْ رُوِّيْنَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ ذَاكَرْتُ مُسْلِمَ بْنَ الْحَجَّاجِ حَدِيثَ مَخْرَمَةَ هَذَا فَقَالَ مُسْلِمٌ هُوَ أَجْوَدُ حَدِيثٍ وَأَصَحُّهُ في بيان ساعة الْجُمُعَةِ [854] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ

وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْفَضَائِلَ الْمَعْدُودَةَ لَيْسَتْ لِذِكْرِ فَضِيلَتِهِ لِأَنَّ إِخْرَاجَ آدَمَ وَقِيَامَ السَّاعَةِ لَا يُعَدُّ فَضِيلَةً وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الْعِظَامِ وَمَا سَيَقَعُ لِيَتَأَهَّبَ الْعَبْدُ فِيهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لِنَيْلِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَدَفْعِ نِقْمَتِهِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بن العزى فِي كِتَابِهِ الْأَحْوَذِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ الْجَمِيعُ مِنَ الْفَضَائِلِ وَخُرُوجُ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ هُوَ سَبَبُ وُجُودِ الذُّرِّيَّةِ وَهَذَا النَّسْلِ الْعَظِيمِ وَوُجُودِ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالْأَوْلِيَاءِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا طَرْدًا بَلْ لِقَضَاءِ أَوْطَارٍ ثُمَّ يَعُودُ إِلَيْهَا وَأَمَّا قِيَامُ السَّاعَةِ فَسَبَبٌ لِتَعْجِيلِ جَزَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالْأَوْلِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَإِظْهَارِ كَرَامَتِهِمْ وَشَرَفِهِمْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَمَزِيَّتُهُ عَلَى سائر الأيام وفيه دليل لمسئلة غَرِيبَةٍ حَسَنَةٍ وَهِيَ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتَ طَالِقٌ فِي أَفْضَلِ الْأَيَّامِ وَفِيهَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا تَطْلُقُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَالثَّانِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَأَمَّا إِنْ أَرَادَ أَفْضَلَ أَيَّامِ السَّنَةِ فَيَتَعَيَّنُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَإِنْ أَرَادَ أَفْضَلَ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ فَيَتَعَيَّنُ الْجُمُعَةُ وَلَوْ قَالَ أَفْضَلُ لَيْلَةٍ تَعَيَّنَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَهِيَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْجُمْهُورِ مُنْحَصِرَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ قَبْلَ مُضِيِّ أَوَّلِ ليلة من العشر طلقت فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنَ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنَ الشَّهْرِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ لَيْلَةٍ مِنَ الْعَشْرِ أَوْ أكْثَرَ لَمْ تَطْلُقْ إِلَّا فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ مِثْلِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ هِيَ مُنْتَقِلَةٌ لَا تَطْلُقُ إِلَّا فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنَ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنَ الشَّهْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [855] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْنُ الْآخِرُونَ وَنَحْنُ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ الْآخِرُونَ فِي الزَّمَانِ وَالْوُجُودِ السَّابِقُونَ بِالْفَضْلِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ فَتَدْخُلُ هَذِهِ الْأُمَّةُ الْجَنَّةَ قَبْلَ سَائِرِ الأمم

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْدَ أَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ أُوتِيَتِ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدَهِمْ هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ لَفْظَةُ بَيْدَ تَكُونُ بِمَعْنَى غَيْرَ وَبِمَعْنَى عَلَى وَبِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ هُنَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَيُقَالُ مَيْدَ بِمَعْنَى بَيْدَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا هَدَانَا اللَّهُ لَهُ فِيهِ دَلِيلٌ لِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودُ غَدًا أَيْ عِيدُ الْيَهُودِ غَدًا لِأَنَّ ظُرُوفَ الزَّمَانِ لَا تَكُونُ أَخْبَارًا عَنِ الْجُثَثِ فَيُقَدَّرُ فِيهِ مَعْنًى يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ خَبَرًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذَا يَوْمُهُمْ أَيِ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ قَالَ الْقَاضِي الظَّاهِرُ أَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْهِمْ تَعْظِيمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ تَعْيِينٍ وَوُكِّلَ إِلَى اجْتِهَادِهِمْ لِإِقَامَةِ شَرَائِعِهِمْ فِيهِ فَاخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُمْ فِي تَعْيِينِهِ وَلَمْ يَهْدِهِمُ اللَّهُ لَهُ وَفَرَضَهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مُبَيَّنًا وَلَمْ يَكِلْهُ إِلَى اجْتِهَادِهِمْ فَفَازُوا بِتَفْضِيلِهِ قَالَ وَقَدْ جَاءَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَهُمْ بِالْجُمُعَةِ وَأَعْلَمَهُمْ بِفَضْلِهَا فَنَاظَرُوهُ أَنَّ السَّبْتَ أَفْضَلُ فَقِيلَ لَهُ دَعْهُمْ قَالَ الْقَاضِي وَلَوْ كَانَ مَنْصُوصًا لَمْ يَصِحَّ اخْتِلَافُهُمْ فِيهِ بَلْ كَانَ يَقُولُ خَالِفُوا فِيهِ قلت ويمكن

أَنْ يَكُونَ أُمِرُوا بِهِ صَرِيحًا وَنُصَّ عَلَى عَيْنِهِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ يَلْزَمُ تَعْيِينُهُ أَمْ لَهُمْ إِبْدَالُهُ وَأَبْدَلُوهُ وَغَلِطُوا فِي إِبْدَالِهِ [856] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَضَلَّ اللَّهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْهُدَى وَالْإِضْلَالَ وَالْخَيْرَ وَالشَّرَّ كُلَّهُ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ فِعْلُهُ خِلَافًا للمعتزلة

[850] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ التَّهْجِيرُ التَّبْكِيرُ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ أَيِ التَّبْكِيرِ إِلَى كُلِّ صلاة هكذا فَسَّرُوهُ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ الْحَرْبِيُّ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنِ الْفَرَّاءِ وَغَيْرِهِ التَّهْجِيرُ السَّيْرُ فِي الْهَاجِرَةِ وَالصَّحِيحُ هُنَا أَنَّ التَّهْجِيرَ التَّبْكِيرُ وَسَبَقَ شرح تمام الحديث قريبا قوله مَثَّلَ الْجَزُورَ ثُمَّ نَزَّلَهُمْ حَتَّى صَغَّرَ إِلَى مَثَلِ الْبَيْضَةِ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ الْأَوَّلُ مَثَّلَ بِتَشْدِيدِ الثاء وفتح الميم ونزلهم أَيْ ذَكَرَ مَنَازِلَهُمْ فِي السَّبْقِ وَالْفَضِيلَةِ وَقَوْلُهُ صَغَّرَ بِتَشْدِيدِ الْغَيْنِ وَقَوْلُهُ مَثَلِ الْبَيْضَةِ هُوَ بفتح الميم والثاء المخففة [850] قوله ص فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طَوَوْا الصُّحُفَ وَسَبَقَ فِي الحديث

الْآخَرِ مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا بَلْ ظَاهِرُ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ يَحْضُرُونَ وَلَا يَطْوُونَ الصُّحُفَ فَإِذَا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ طَوَوْهَا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْجُلُوسِ لِلْخُطْبَةِ أَوَّلَ صُعُودِهِ حَتَّى يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ فِي الصَّحِيحِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْخُطْبَةِ [857] قوله ص مَنِ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِيهِ فَضِيلَةُ الْغُسْلِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ وَتَحْسِينُ الْوُضُوءِ وَمَعْنَى إِحْسَانِهِ الْإِتْيَانُ بِهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَدَلْكُ الْأَعْضَاءِ وَإِطَالَةُ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ وَتَقْدِيمُ الْمَيَامِنِ وَالْإِتْيَانُ بِسُنَنِهِ الْمَشْهُورَةِ وَفِيهِ أَنَّ التَّنَفُّلَ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَفِيهِ أَنَّ النَّوَافِلَ الْمُطْلَقَةَ لَا حَدَّ لَهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ وَفِيهِ الْإِنْصَاتُ لِلْخُطْبَةِ وَفِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ لَا بَأْسَ بِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى ثُمَّ أَنْصَتَ هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ الْمُحَقَّقَةِ الْمُعْتَمَدَةِ بِبِلَادِنَا

وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ الْجُمْهُورِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ بِبِلَادِنَا انْتَصَتَ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنِ الْبَاجِيِّ وَآخَرُونَ انْتَصَتَ بِزِيَادَةِ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ قَالَ وَهُوَ وَهْمٌ قُلْتُ لَيْسَ هُوَ وَهْمًا بَلْ هِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي شَرْحِ أَلْفَاظِ الْمُخْتَصَرِ يُقَالُ أنصت ونصت وانتصت ثلاث لغات وقوله ص فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ هُمَا شَيْئَانِ مُتَمَايِزَانِ وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فَالِاسْتِمَاعُ الْإِصْغَاءُ وَالْإِنْصَاتُ السُّكُوتُ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا وَقَوْلُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْإِمَامِ وَعَادَ الضمير إليه للعلم به وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَضْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَزِيَادَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ هُوَ بِنَصْبِ فَضْلَ وَزِيَادَةَ عَلَى الظَّرْفِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى الْمَغْفِرَةِ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَصَارَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ الَّذِي فَعَلَ فِيهِ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الْجَمِيلَةَ فِي مَعْنَى الْحَسَنَةِ الَّتِي تُجْعَلُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالْمُرَادُ بِمَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَخُطْبَتِهَا إِلَى مِثْلِ الْوَقْتِ مِنَ الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى تَكُونَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَيُضَمُّ إِلَيْهَا ثَلَاثَةٌ فَتَصِيرُ عَشَرَةً قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ومن مس الحصا لغا فيه النهى عن مس الحصا وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَبَثِ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى إِقْبَالِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ عَلَى الْخُطْبَةِ وَالْمُرَادُ بِاللَّغْوِ هُنَا الْبَاطِلُ الْمَذْمُومُ الْمَرْدُودُ وقد سبق بيانه قريبا [858] قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم نَرْجِعُ فَنُرِيحُ نَوَاضِحَنَا وَفُسِّرَ الْوَقْتُ بِزَوَالِ الشَّمْسِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ وَفِي حديث سهل

[859] مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ [860] وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا زَالَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ وَفِي رِوَايَةٍ مَا نَجِدُ لِلْحِيطَانِ فَيْئًا نَسْتَظِلُّ بِهِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ ظَاهِرَةٌ فِي تَعْجِيلِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ إِلَّا بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا إِلَّا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ فجوازها قَبْلَ الزَّوَالِ قَالَ الْقَاضِي وَرُوِيَ فِي هَذَا أَشْيَاءُ عَنِ الصَّحَابَةِ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ إِلَّا مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْجِيلِهَا وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَخِّرُونَ الْغَدَاءَ وَالْقَيْلُولَةَ فِي هَذَا الْيَوْمِ إِلَى مَا بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُمْ نُدِبُوا

إِلَى التَّبْكِيرِ إِلَيْهَا فَلَوِ اشْتَغَلُوا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَهَا خَافُوا فَوْتَهَا أَوْ فَوْتَ التَّبْكِيرِ إِلَيْهَا وَقَوْلُهُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِشِدَّةِ التَّبْكِيرِ وَقِصَرِ حِيطَانِهِ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ كان قد صار فيء يسير وقوله وما نجد فَيْئًا نَسْتَظِلُّ بِهِ مُوَافِقٌ لِهَذَا فَإِنَّهُ لَمْ يَنْفِ الْفَيْءَ مِنْ أَصْلِهِ وَإِنَّمَا نَفَى مَا يُسْتَظَلُّ بِهِ وَهَذَا مَعَ قِصَرِ الْحِيطَانِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ مُتَّصِلَةً بِهِ قَوْلُهُ نُرِيحُ نَوَاضِحَنَا هُوَ جَمْعُ نَاضِحٍ وَهُوَ الْبَعِيرُ الَّذِي يُسْتَقَى بِهِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَنْضَحُ الْمَاءَ أَيْ يَصُبُّهُ وَمَعْنَى نُرِيحُ أَيْ نُرِيحُهَا مِنَ الْعَمَلِ وَتَعَبِ السَّقْيِ فَنُخَلِّيهَا مِنْهُ وَأَشَارَ الْقَاضِي إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الرَّوَاحَ لِلرَّعْيِ قَوْلُهُ كُنَّا نُجَمِّعُ هُوَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ نُصَلِّي الْجُمُعَةَ [861] قَوْلُهُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَائِمًا ثُمَّ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ وَفِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَذْكُرُ النَّاسَ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا ثُمَّ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ قَائِمًا فَمَنْ نَبَّأَكَ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ جَالِسًا فَقَدْ كَذَبَ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ أَنَّ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ لَا تَصِحُّ مِنَ الْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ إِلَّا قَائِمًا في الخطبتين

وَلَا يَصِحُّ حَتَّى يَجْلِسَ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِخُطْبَتَيْنِ قَالَ الْقَاضِي ذَهَبَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ إِلَى اشْتِرَاطِ الْخُطْبَتَيْنِ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ وعن الحسن البصري وأهل الظاهر ورواية بن الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَصِحُّ بِلَا خُطْبَةٍ وحكى بن عَبْدِ الْبَرِّ إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا قَائِمًا لِمَنْ أَطَاقَهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ قَاعِدًا وَلَيْسَ الْقِيَامُ بِوَاجِبٍ وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ وَاجِبٌ لَوْ تَرَكَهُ أَسَاءَ وَصَحَّتِ الْجُمُعَةُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ الْجُلُوسُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا شَرْطٍ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ فَرْضٌ وَشَرْطٌ لِصِحَّةِ الْخُطْبَةِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَمْ يَقُلْ هَذَا غَيْرُ الشَّافِعِيِّ وَدَلِيلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ ثَبَتَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قوله ص صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي [862] وَقَوْلُهُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ فِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْخُطْبَةِ الْوَعْظُ وَالْقُرْآنُ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ الْخُطْبَتَانِ إِلَّا بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمَا وَالْوَعْظِ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَاجِبَاتٌ فِي الْخُطْبَتَيْنِ وَتَجِبُ قِرَاءَةُ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ فِي إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ وَيَجِبُ الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ يَكْفِي مِنَ الْخُطْبَةِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يَكْفِي تَحْمِيدَةٌ أَوْ تَسْبِيحَةٌ أَوْ تَهْلِيلَةٌ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُطْبَةً وَلَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُهَا مَعَ مُخَالَفَتِهِ مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فَقَدْ وَاللَّهِ صَلَّيْتُ مَعَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ صَلَاةٍ الْمُرَادُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ لا الجمعة [863] قَوْلُهُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَجَاءَتْ عِيرٌ مِنَ الشَّامِ فَانْفَتَلَ النَّاسُ إِلَيْهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فَأُنْزِلَتْ هذه

الْآيَةُ الَّتِي فِي الْجُمُعَةِ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَفِي الْأُخْرَى أَنَا فِيهِمْ فِيهِ مَنْقَبَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَجَابِرٍ وَفِيهِ أَنَّ الْخُطْبَةَ تَكُونُ مِنْ قِيَامٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ قَالَ تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا وَأَجَابَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَشْتَرِطُ أَرْبَعِينَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ رَجَعُوا أَوْ رَجَعَ مِنْهُمْ تَمَامُ أَرْبَعِينَ فَأَتَمَّ بِهِمُ الْجُمُعَةَ وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ الْحَدِيثَ وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ انْتِظَارُهَا فِي حَالِ الْخُطْبَةِ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَاتِ مسلم هذه قوله اذ أَقْبَلَتْ سُوَيْقَةٌ هُوَ تَصْغِيرُ سُوقٍ وَالْمُرَادُ الْعِيرُ الْمَذْكُورَةُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْإِبِلُ الَّتِي تَحْمِلُ الطَّعَامَ أَوِ التِّجَارَةَ لَا تُسَمَّى عِيرًا إِلَّا هَكَذَا وَسُمِّيَتْ سُوقًا لِأَنَّ الْبَضَائِعَ تُسَاقُ إِلَيْهَا وَقِيلَ لِقِيَامِ النَّاسِ فِيهَا عَلَى سُوقِهِمْ قَالَ الْقَاضِي وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ فِي مَرَاسِيلِهِ أَنَّ خُطْبَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الَّتِي انْفَضُّوا عَنْهَا إِنَّمَا كَانَتْ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَظَنُّوا أَنَّهُ لَا شَيْءَ

عَلَيْهِمْ فِي الِانْفِضَاضِ عَنِ الْخُطْبَةِ وَأَنَّهُ قَبْلَ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ إِنَّمَا كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْخُطْبَةِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا أَشْبَهُ بِحَالِ الصَّحَابَةِ وَالْمَظْنُونِ بِهِمْ أَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَدَعُونَ الصَّلَاةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهُمْ ظَنُّوا جَوَازَ الِانْصِرَافِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ قَالَ وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَوْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا خَطَبَ قَطُّ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لَهَا [864] قَوْلُهُ انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْخَبِيثِ يَخْطُبُ قَاعِدًا وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا رَأَوْا تجارة أولهوا انفضوا إليها وتركوك قائما هَذَا الْكَلَامُ يَتَضَمَّنُ إِنْكَارَ الْمُنْكَرِ وَالْإِنْكَارَ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ إِذَا خَالَفُوا السُّنَّةَ وَوَجْهُ اسْتِدْلَالِهِ بِالْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حسنة مع قوله تعالى فَاتَّبِعُوهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا كما رأيتموني أصلي [865] قَوْلُهُ سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فِيهِ اسْتِحْبَابُ اتِّخَاذِ الْمِنْبَرِ وَهُوَ سُنَّةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ وَدْعِهِمْ أَيْ تَرْكِهِمْ وَفِيهِ أَنَّ الْجُمُعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ وَمَعْنَى الْخَتْمِ الطَّبْعُ والتغطية

قَالُوا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى خَتَمَ اللَّهُ على قلوبهم أي طبع وَمِثْلُهُ الرَّيْنُ فَقِيلَ الرَّيْنُ الْيَسِيرُ مِنَ الطَّبْعِ وَالطَّبْعُ الْيَسِيرُ مِنَ الْأَقْفَالِ وَالْأَقْفَالُ أَشَدُّهَا قَالَ الْقَاضِي اخْتَلَفَ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي هَذَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَقِيلَ هُوَ إِعْدَامُ اللُّطْفِ وَأَسْبَابُ الْخَيْرِ وَقِيلَ هُوَ خَلْقُ الْكُفْرِ فِي صُدُورِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ مُتَكَلِّمِي أَهْلِ السُّنَّةِ قَالَ غَيْرُهُمْ هُوَ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ هُوَ عَلَامَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي قُلُوبِهِمْ لِتَعْرِفَ بِهَا الْمَلَائِكَةُ مَنْ يمدح ومن يذم [866] قَوْلُهُ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا أَيْ بَيْنَ الطُّولِ الظَّاهِرِ وَالتَّخْفِيفِ الْمَاحِقِ [867] قَوْلُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم مساكم وَيَقُولُ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَيَقُولُ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خير الحديث

كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهَدْيَ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جُمَلٌ مِنَ الْفَوَائِدِ وَمُهِمَّاتٌ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَالضَّمِيرُ فِي قوله يقول صبحكم مساكم عَائِدٌ عَلَى مُنْذِرِ جَيْشٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثْتُ أَنَا والساعة روى بنصبها ورفعها والمشهور نصبها على المفعول معه وَقَوْلُهُ يَقْرُنُ هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ الفصيح وَحُكِيَ كَسْرُهَا وَقَوْلُهُ السَّبَّابَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُشِيرُونَ بِهَا عِنْدَ السَّبِّ وَقَوْلُهُ خَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ هُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ فِيهِمَا وَبِفَتْحِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ أَيْضًا ضَبَطْنَاهُ بِالْوَجْهَيْنِ وَكَذَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ بِالْوَجْهَيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَوَيْنَاهُ فِي مُسْلِمٍ بِالضَّمِّ وَفِي غَيْرِهِ بِالْفَتْحِ وَبِالْفَتْحِ ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ وَفَسَّرَهُ الْهَرَوِيُّ عَلَى رِوَايَةِ الْفَتْحِ بِالطَّرِيقِ أَيْ أَحْسَنُ الطُّرُقِ طَرِيقُ مُحَمَّدٍ يُقَالُ فُلَانٌ حَسَنُ الْهَدْيِ أَيِ الطَّرِيقَةِ وَالْمَذْهَبِ اهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الضَّمِّ فَمَعْنَاهُ الدَّلَالَةُ وَالْإِرْشَادُ قَالَ الْعُلَمَاءُ لَفْظُ الْهَدْيِ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا بِمَعْنَى الدَّلَالَةِ وَالْإِرْشَادِ وَهُوَ الَّذِي يُضَافُ إِلَى الرُّسُلِ وَالْقُرْآنِ وَالْعِبَادِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هي أقوم يبشر المؤمنين وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ أَيْ بَيَّنَّا لَهُمُ الطَّرِيقَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ وَالثَّانِي بِمَعْنَى اللُّطْفِ وَالتَّوْفِيقِ وَالْعِصْمَةِ وَالتَّأْيِيدِ وَهُوَ الَّذِي تَفَرَّدَ اللَّهُ بِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَقَالَتِ الْقَدَرِيَّةُ حَيْثُ جَاءَ الْهُدَى فَهُوَ لِلْبَيَانِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمُ الْفَاسِدِ فِي إِنْكَارِ الْقَدَرِ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ مُثْبِتِي الْقَدَرِ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلى صراط مستقيم فَفَرَّقَ بَيْنَ الدُّعَاءِ وَالْهِدَايَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ هَذَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ وَالْمُرَادُ غَالِبُ الْبِدَعِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هِيَ كُلُّ شَيْءٍ عُمِلَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْبِدْعَةُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ وَاجِبَةٌ وَمَنْدُوبَةٌ وَمُحَرَّمَةٌ وَمَكْرُوهَةٌ وَمُبَاحَةٌ فَمِنَ الْوَاجِبَةِ نَظْمُ أدلة المتكلمين

لِلرَّدِّ عَلَى الْمَلَاحِدَةِ وَالْمُبْتَدِعِينَ وَشِبْهُ ذَلِكَ وَمِنَ الْمَنْدُوبَةِ تَصْنِيفُ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبِنَاءُ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَمِنَ الْمُبَاحِ التَّبَسُّطُ فِي أَلْوَانِ الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَالْحَرَامُ وَالْمَكْرُوهُ ظَاهِرَانِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْمَسْأَلَةَ بِأَدِلَّتِهَا الْمَبْسُوطَةِ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ فَإِذَا عُرِفَ مَا ذَكَرْتُهُ عُلِمَ أَنَّ الْحَدِيثَ مِنَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ وَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ قَوْلُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التَّرَاوِيحِ نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِ الْحَدِيثِ عَامًّا مَخْصُوصًا قَوْلُهُ كُلُّ بِدْعَةٍ مُؤَكَّدًا بِكُلِّ بَلْ يَدْخُلُهُ التَّخْصِيصُ مَعَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ هُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى النَّبِيُّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم أَيْ أَحَقُّ قَالَ أَصْحَابُنَا فَكَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اضْطُرَّ إِلَى طَعَامِ غَيْرِهِ وَهُوَ مُضْطَرٌّ إِلَيْهِ لِنَفْسِهِ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْذُهُ مِنْ مَالِكِهِ الْمُضْطَرِّ وَوَجَبَ عَلَى مَالِكِهِ بَذْلُهُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا وَلَكِنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَمَا وَقَعَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ هَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الضَّيَاعُ بِفَتْحِ الضَّادِ العيال قال بن قُتَيْبَةَ أَصْلُهُ مَصْدَرُ ضَاعَ يَضِيعُ ضَيَاعًا الْمُرَادُ مَنْ تَرَكَ أَطْفَالًا وَعِيَالًا ذَوِي ضَيَاعٍ فَأَوْقَعَ الْمَصْدَرَ مَوْضِعَ الِاسْمِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّي عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يُخَلِّفْ بِهِ وَفَاءً لِئَلَّا يَتَسَاهَلَ النَّاسُ فِي الِاسْتِدَانَةِ وَيُهْمِلُوا الوفاء فزجرهم عن ذَلِكَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَبَادِي الْفُتُوحِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ أَيْ قَضَاؤُهُ فَكَانَ يَقْضِيهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الدَّيْنِ أَمْ كَانَ يَقْضِيهِ تَكَرُّمًا وَالْأَصَحُّ عِنْدهُمْ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ هَذِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ أَمْ لَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يَقْضِيَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ دَيْنَ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ إِذَا لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً وَكَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ سَعَةٌ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَهَمَّ مِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَمْثِيلٌ لِمُقَارَبَتِهَا وَأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا إِصْبَعٌ أُخْرَى كَمَا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاعَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِتَقْرِيبِ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُدَّةِ وَأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا كَنِسْبَةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْإِصْبَعَيْنِ تَقْرِيبًا لَا تَحْدِيدًا قَوْلُهُ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ

يُسْتَحَبُّ لِلْخَطِيبِ أَنْ يُفَخِّمَ أَمْرَ الْخُطْبَةِ وَيَرْفَعَ صَوْتَهُ وَيُجْزِلَ كَلَامَهُ وَيَكُونَ مُطَابِقًا لِلْفَصْلِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيهِ مِنْ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ وَلَعَلَّ اشْتِدَادَ غَضَبِهِ كَانَ عِنْدَ إِنْذَارِهِ أَمْرًا عَظِيمًا وَتَحْدِيدِهِ خَطْبًا جَسِيمًا قَوْلُهُ وَيَقُولُ أَمَّا بَعْدُ فِيهِ اسْتِحْبَابُ قَوْلِ أَمَّا بَعْدُ فِي خُطَبِ الْوَعْظِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا فِي خُطَبِ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ وَقَدْ عَقَدَ الْبُخَارِيُّ بَابًا فِي اسْتِحْبَابِهِ وَذَكَرَ فِيهِ جُمْلَةً مِنَ الْأَحَادِيثِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَوَّلِ مَنْ تَكَلَّمَ بِهِ فَقِيلَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقِيلَ يَعْرُبُ بْنُ قَحْطَانَ وَقِيلَ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِنَّهُ فَصْلُ الْخِطَابِ الَّذِي أُوتِيَهُ دَاوُدُ وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ فَصْلُ الْخِطَابِ الْفَصْلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ قَوْلُهُ كَانَتْ خُطْبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ إِلَى آخِرِهِ فِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْخُطْبَةِ وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُهُ وَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ [868] قَوْلُهُ إِنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ وكان يرقى من هذه الريح أما ضمادا فَبِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَشَنُوءَةُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَضَمِّ النون

وَبَعْدَهَا مَدَّةٌ وَيَرْقِي بِكَسْرِ الْقَافِ وَالْمُرَادُ بِالرِّيحِ هُنَا الْجُنُونُ وَمَسُّ الْجِنِّ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يَرْقِي مِنَ الْأَرْوَاحِ أَيِ الْجِنِّ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَا يُبْصِرُهُمُ النَّاسُ فَهُمْ كَالرُّوحِ وَالرِّيحِ قَوْلُهُ فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ ضَبَطْنَاهُ بِوَجْهَيْنِ أَشْهَرُهُمَا نَاعُوسُ بِالنُّونِ وَالْعَيْنِ هَذَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَالثَّانِي قَامُوسُ بِالْقَافِ وَالْمِيمِ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ فِي غَيْرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَكْثَرُ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَقَعَ فِيهَا قَاعُوسُ بِالْقَافِ وَالْعَيْنِ قَالَ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ تَاعُوسُ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ نَاعُوسُ بِالنُّونِ وَالْعَيْنِ قَالَ وَذَكَرَهُ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ فِي أَطْرَافِ الصَّحِيحَيْنِ وَالْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ قَامُوسُ بِالْقَافِ وَالْمِيمِ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الصَّوَابُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قاموس البحر وسطه وقال بن دُرَيْدٍ لُجَّتُهُ وَقَالَ صَاحِبُ كِتَابِ الْعَيْنِ قَعْرُهُ الْأَقْصَى وَقَالَ الْحَرْبِيُّ قَامُوسُ الْبَحْرِ قَعْرُهُ وَقَالَ أَبُو مَرْوَانَ بْنُ سَرَّاجٍ قَامُوسٌ فَاعُولٌ مِنْ قَمَسْتُهُ إِذَا غَمَسْتُهُ فَقَامُوسُ الْبَحْرِ لُجَّتُهُ الَّتِي تَضْطَرِبُ أَمْوَاجُهَا وَلَا تَسْتَقِرُّ مِيَاهُهَا وَهِيَ لَفْظَةٌ عَرَبِيَّةٌ صَحِيحَةٌ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ لَمْ أَجِدْ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ ثَلْجًا وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحُسَيْنِ قَاعُوسُ الْبَحْرِ بِالْقَافِ وَالْعَيْنِ صَحِيحٌ بِمَعْنَى قَامُوسٍ كَأَنَّهُ مِنَ الْقَعْسِ وَهُوَ تَطَامُنُ الظَّهْرِ وَتَعَمُّقُهُ فَيَرْجِعُ إِلَى عُمْقِ الْبَحْرِ وَلُجَّتِهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَصْفَهَانِيُّ وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ نَاعُوسُ الْبَحْرِ بِالنُّونِ وَالْعَيْنِ قَالَ

وَفِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ قَامُوسُ وَهُوَ وَسَطُهُ وَلُجَّتُهُ قَالَ وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مَوْجُودَةً فِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ الَّذِي رَوَى مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ لَكِنَّهُ قَرَنَهُ بِأَبِي مُوسَى فَلَعَلَّهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى قَالَ وَإِنَّمَا أَوْرَدَ مِثْلَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَطْلُبُهَا فَلَا يَجِدُهَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ فَيَتَحَيَّرُ فَإِذَا نَظَرَ فِي كِتَابِي عَرَفَ أَصْلَهَا وَمَعْنَاهَا قَوْلُهُ هَاتِ هُوَ بِكَسْرِ التَّاءِ قَوْلُهُ أَصَبْتُ مطهرة هي بكسر الميم وفتحها حكاها بن السكيت وغيره الكسر أَشْهَرُ [869] قَوْلُهُ عَبْدُ الْمَلَكِ بْنُ أَبْجَرَ بِالْجِيمِ قَوْلُهُ وَاصِلُ بْنُ حَيَّانَ بِالْمُثَنَّاةِ قَوْلُهُ لَوْ كُنْتُ تَنَفَّسْتُ أَيْ أَطَلْتُ قَلِيلًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ بِفَتْحِ الْمِيمِ ثُمَّ هَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ نُونٍ مُشَدَّدَةٍ أَيْ عَلَامَةٌ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ الْمِيمُ فِيهَا زَائِدَةٌ وَهِيَ مَفْعَلَةٌ قَالَ الْهَرَوِيُّ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ غَلِطَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي جَعْلِهِ الْمِيمَ أَصْلِيَّةً قال القاضي عياض قال شيخنا بن سَرَّاجٍ هِيَ أَصْلِيَّةٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ الْهَمْزَةُ فِي وَاقْصُرُوا هَمْزَةُ وَصْلٍ وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخَالِفًا لِلْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْأَمْرِ بِتَخْفِيفِ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا لِأَنَّ المراد

بِالْحَدِيثِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَكُونُ طَوِيلَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخُطْبَةِ لَا تَطْوِيلًا يَشُقُّ عَلَى الْمَأْمُومِينَ وَهِيَ حِينَئِذٍ قَصْدٌ أَيْ مُعْتَدِلَةٌ وَالْخُطْبَةُ قَصْدٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وَضْعِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ مِنَ الْفَهْمِ وَذَكَاءِ الْقَلْبِ قَالَ الْقَاضِي فِيهِ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ذَمٌّ لِأَنَّهُ إِمَالَةُ الْقُلُوبِ وَصَرْفُهَا بِمَقَاطِعِ الْكَلَامِ إِلَيْهِ حَتَّى يَكْسِبَ مِنَ الْإِثْمِ بِهِ كَمَا يَكْسِبُ بِالسِّحْرِ وَأَدْخَلَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْكَلَامِ وَهُوَ مَذْهَبُهُ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مَدْحٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِتَعْلِيمِهِمُ الْبَيَانَ وَشَبَّهَهُ بِالسِّحْرِ لِمَيْلِ الْقُلُوبِ إِلَيْهِ وَأَصْلُ السِّحْرِ الصَّرْفُ فَالْبَيَانُ يَصْرِفُ الْقُلُوبَ وَيَمِيلُهَا إِلَى مَا تَدْعُو إِلَيْهِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهَذَا التَّأْوِيلُ الثاني هو الصحيح المختار قوله عن بن أَبْجَرَ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ خَطَبَنَا عَمَّارٌ هَذَا الْإِسْنَادُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وقال تفرد به بن أَبْجَرَ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ وَخَالَفَهُ الْأَعْمَشُ وَهُوَ أَحْفَظُ بِحَدِيثِ أَبِي وَائِلٍ فَحَدَّثَ به عن أبي وائل عن بن مَسْعُودٍ هَذَا كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مثل هذا الاستدراك مردود لأن بن أبجر ثقة يوجب قَبُولُ رِوَايَتِهِ [870] قَوْلُهُ فَقَدْ رَشَدَ بِكَسْرِ الشِّينِ وَفَتْحِهَا قَوْلُهُ إِنَّ رَجُلًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ قُلْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوَى قَالَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ لِتَشْرِيكِهِ فِي الضَّمِيرِ الْمُقْتَضِي لِلتَّسْوِيَةِ وَأَمَرَهُ بِالْعَطْفِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى بِتَقْدِيمِ اسْمِهِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فُلَانٌ وَلَكِنْ لِيَقُلْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ سَبَبَ النَّهْيِ أَنَّ الْخُطَبَ شَأْنُهَا الْبَسْطُ وَالْإِيضَاحُ وَاجْتِنَابُ الْإِشَارَاتِ وَالرُّمُوزِ وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا لِيُفْهَمَ وَأَمَّا قَوْلُ الْأُولَيَيْنِ فَيُضَعَّفُ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا أَنَّ مِثْلَ هَذَا الضَّمِيرِ قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَإِنَّمَا ثَنَّى الضَّمِيرَ ها هنا لِأَنَّهُ لَيْسَ خُطْبَةَ وَعْظٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيمُ حُكْمٍ فَكُلَّمَا قَلَّ لَفْظُهُ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى حِفْظِهِ بِخِلَافِ خُطْبَةِ الْوَعْظِ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ حِفْظُهُ وَإِنَّمَا يُرَادُ الِاتِّعَاظُ بِهَا وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا مَا ثَبَتَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ باسناد صحيح عن بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةَ الْحَاجَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا وَاللَّهُ أعلم قوله قال بن نُمَيْرٍ فَقَدْ غَوِي هَكَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ غَوِيَ بِكَسْرِ الْوَاوِ قَالَ الْقَاضِي وَقَعَ فِي رِوَايَتَيْ مُسْلِمٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ وَهُوَ مِنَ الْغَيِّ وَهُوَ الِانْهِمَاكُ فِي الشَّرِّ [871] قوله سمع النبي صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ فِي الْخُطْبَةِ وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِهَا وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا وُجُوبُهَا وَأَقَلُّهَا آية

[873] قَوْلُهُ مَا حَفِظْتُ ق إِلَّا مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ بِهَا كُلَّ جُمُعَةٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُ اخْتِيَارِ ق أَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْبَعْثِ وَالْمَوْتِ وَالْمَوَاعِظِ الشَّدِيدَةِ وَالزَّوَاجِرِ الْأَكِيدَةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْقِرَاءَةِ فِي الْخُطْبَةِ كَمَا سَبَقَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ قِرَاءَةِ ق أَوْ بَعْضِهَا فِي كُلِّ خُطْبَةٍ قَوْلُهُ عَنْ أُخْتٍ لِعَمْرَةَ هَذَا صَحِيحٌ يُحْتَجُّ بِهِ وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ تَسْمِيَتِهَا لِأَنَّهَا صَحَابِيَّةٌ وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ قَوْلُهُ حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ سَعِيدٌ عَنْ خُبَيْبٍ هُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن خبيب يَسَافٍ الْأَنْصَارِيُّ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ قَوْلُهَا وَكَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا إِشَارَةً إِلَى حِفْظِهَا وَمَعْرِفَتِهَا بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُرْبِهَا مِنْ مَنْزِلِهِ قَوْلُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ سَعْدُ بْنُ زُرَارَةَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ النُّسَخِ وَرِوَايَاتِ جَمِيعِ شُيُوخِهِمْ قَالَ وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ صَوَابَهُ أَسْعَدُ وَغَلِطَ فِي زَعْمِهِ وَإِنَّمَا أَوْقَعَهُ فِي الْغَلَطِ اغْتِرَارُهُ بِمَا فِي كِتَابِ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ البَيِّعِ فَإِنَّهُ قَالَ صَوَابُهُ أَسْعَدُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ سَعْدٌ وَحَكَى مَا ذَكَرَهُ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَالَّذِي فِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ ضِدُّ مَا قَالَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَارِيخِهِ سَعْدٌ وَقِيلَ أَسْعَدُ وَهُوَ وَهْمٌ فَانْقَلَبَ الْكَلَامُ عَلَى الحكم وَأَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ سَيِّدُ الْخَزْرجِ وَأَخُوهُ هَذَا سَعْدُ بْنُ زُرَارَةَ جَدُّ يَحْيَى وَعَمْرَةَ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ كَثِيرُونَ فِي الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ ذُكِرَ فِي الْمُنَافِقِينَ قَوْلُهُ

[874] عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ رَفَعَ بِشْرُ بْنُ مَرْوَانَ يَدَيْهِ فِي الْخُطْبَةِ قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ هَذَا فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَرْفَعَ الْيَدَ فِي الْخُطْبَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ إِبَاحَتَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ حِينَ اسْتَسْقَى وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ هَذَا الرفع كان لعارض [875] قَوْلُهُ بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَلَّيْتَ يَا فُلَانُ قَالَ لَا قَالَ قُمْ فَارْكَعْ وَفِي رِوَايَةٍ قُمْ فَصَلِّ

الرَّكْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ أَرَكَعْتَ رَكْعَتَيْنِ قَالَ لَا قَالَ ارْكَعْ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فَقَالَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ خَرَجَ الْإِمَامُ لِيُصَلِّ

رَكْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَجَلَسَ فَقَالَ يَا سُلَيْكُ قُمْ وَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا ثُمَّ قَالَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا صَرِيحَةٌ فِي الدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ إِذَا دَخَلَ الْجَامِعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَجَوَّزَ فِيهِمَا لِيَسْمَعَ بَعْدَهُمَا الْخُطْبَةَ وَحُكِيَ هَذَا الْمَذْهَبُ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَا يُصَلِّيهِمَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَحُجَّتُهُمُ الْأَمْرُ بِالْإِنْصَاتِ لِلْإِمَامِ وَتَأَوَّلُوا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَنَّهُ كَانَ عُرْيَانًا فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِيَامِ لِيَرَاهُ النَّاسُ وَيَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ يَرُدُّهُ صَرِيحُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا وَهَذَا نَصٌّ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ تَأْوِيلٌ وَلَا أَظُنُّ عَالِمًا يَبْلُغُهُ هَذَا اللَّفْظُ صَحِيحًا فَيُخَالِفُهُ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَيْضًا جَوَازُ الْكَلَامِ فِي الْخُطْبَةِ لِحَاجَةٍ وَفِيهَا جَوَازُهُ لِلْخَطِيبِ وَغَيْرِهِ وَفِيهَا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالْإِرْشَادُ إِلَى الْمَصَالِحِ فِي كُلِّ حَالٍ وَمَوْطِنٍ وَفِيهَا أَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ رَكْعَتَانِ وَأَنَّ نَوَافِلَ النَّهَارِ رَكْعَتَانِ وَأَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ لَا تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ فِي حَقِّ جَاهِلِ حُكْمِهَا وَقَدْ أَطْلَقَ أَصْحَابُنَا فَوَاتَهَا بِالْجُلُوسِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَالِمِ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ أَمَّا الْجَاهِلُ فَيَتَدَارَكُهَا عَلَى قُرْبٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَالْمُسْتَنْبَطُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ لَا تُتْرَكُ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ وَأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ تُبَاحُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَيَلْحَقُ بِهَا كُلُّ ذَوَاتِ الْأَسْبَابِ كَقَضَاءِ الفائتة

وَنَحْوِهَا لِأَنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ فِي حَالٍ لَكَانَ هَذَا الْحَالُ أَوْلَى بِهَا فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ فَلَمَّا تُرِكَ لَهَا اسْتِمَاعُ الْخُطْبَةِ وَقَطَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا الْخُطْبَةَ وَأَمَرَهُ بِهَا بَعْدَ أَنْ قَعَدَ وَكَانَ هَذَا الْجَالِسُ جَاهِلًا حُكْمَهَا دَلَّ عَلَى تَأَكُّدِهَا وَأَنَّهَا لَا تُتْرَكُ بِحَالٍ وَلَا فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [876] قَوْلُهُ انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ غَرِيبٌ جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ لَا يَدْرِي مَا دِينُهُ قَالَ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ فَأُتِيَ بِكُرْسِيٍّ حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا قَالَ فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأَتَمَّ آخِرَهَا هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النسخ حسبت ورواه بن أَبِي خَيْثَمَةَ فِي غَيْرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ خِلْتُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ بِمَعْنَى حَسِبْتُ قال القاضي ووقع في نسخة بن الْحَذَّاءِ خَشَبٍ بِالْخَاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَفِي كِتَابِ بن قتيبة خلب بضم لخاء وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَفَسَّرَهُ بِاللِّيفِ وَكِلَاهُمَا تَصْحِيفٌ وَالصَّوَابُ حَسِبْتُ بِمَعْنَى ظَنَنْتُ كَمَا هُوَ فِي نُسَخِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ وَقَوْلُهُ رَجُلٌ غَرِيبٌ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ لَا يَدْرِي مَا دِينُهُ فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَلَطُّفِ السَّائِلِ فِي عِبَارَتِهِ وَسُؤَالِهِ الْعَالِمَ وَفِيهِ تَوَاضُعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِفْقُهُ بِالْمُسْلِمِينَ وَشَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ وَخَفْضُ جَنَاحِهِ لَهُمْ وَفِيهِ الْمُبَادَرَةُ إِلَى جَوَابِ الْمُسْتَفْتِي وَتَقْدِيمُ أَهَمِّ الْأُمُورِ فَأَهَمِّهَا وَلَعَلَّهُ كَانَ سَأَلَ عَنِ الْإِيمَانِ وَقَوَاعِدِهِ الْمُهِمَّةِ وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ جَاءَ يَسْأَلُ عَنِ الْإِيمَانِ وَكَيْفِيَّةِ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ وَجَبَ إِجَابَتُهُ وَتَعْلِيمُهُ عَلَى الْفَوْرِ وَقُعُودُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكُرْسِيِّ لِيَسْمَعَ الْبَاقُونَ كَلَامَهُ وَيَرَوْا شخصه الكريم

وَيُقَالُ كُرْسِيٌّ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَالضَّمُّ أَشْهَرُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذِهِ الْخُطْبَةَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا خُطْبَةُ أَمْرٍ غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَلِهَذَا قَطَعَهَا بِهَذَا الْفَصْلِ الطَّوِيلِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا كَانَتِ الْجُمُعَةَ وَاسْتَأْنَفَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فَصْلٌ طَوِيلٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ كَلَامَهُ لِهَذَا الْغَرِيبِ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْخُطْبَةِ فَيَكُونُ مِنْهَا ولا يضر المشي في أثنائها قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الجمعة سورة الجمعة وفي الثانية المنافقين فيه اسْتِحْبَابُ قِرَاءَتِهِمَا بِكَمَالِهِمَا فِيهِمَا وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ آخَرِينَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي قِرَاءَةِ الْجُمُعَةِ اشْتِمَالُهَا عَلَى وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهَا مِنَ الْقَوَاعِدِ وَالْحَثِّ عَلَى التَّوَكُّلِ وَالذِّكْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقِرَاءَةُ سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ لِتَوْبِيخِ حَاضِرِيهَا مِنْهُمْ وَتَنْبِيهِهِمْ عَلَى التَّوْبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا

فِيهَا مِنَ الْقَوَاعِدِ لِأَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَجْتَمِعُونَ فِي مَجْلِسٍ أَكْثَرَ مِنِ اجْتِمَاعِهِمْ فِيهَا [877] قَوْلُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ بِ سَبِّحِ اسم ربك الأعلى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا بِهِمَا وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْقِرَاءَةُ في العيد بقاف وَاقْتَرَبَتْ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَقْتٍ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ الْجُمُعَةَ وَالْمُنَافِقِينَ وَفِي وَقْتٍ سَبِّحْ وَهَلْ أَتَاكَ وَفِي وَقْتٍ يَقْرَأُ فِي الْعِيدِ قَافْ وَاقْتَرَبَتْ وَفِي وَقْتٍ سَبِّحْ وَهَلْ أَتَاكَ [879] قَوْلُهُ عَنْ مُخَوِّلٍ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ أَمَّا مُخَوِّلٌ فَبِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْأَصْوَبُ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ هَذَا عَنِ الْجُمْهُورِ قَالَ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ وَأَمَّا الْبَطِينُ فَبِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الطَّاءِ قَوْلُهُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ

يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْأُولَى الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ وَفِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ من الدهر فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ مُوَافِقِينَا فِي اسْتِحْبَابِهِمَا فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ وَأَنَّهُ لَا تُكْرَهُ قِرَاءَةُ آيَةِ السَّجْدَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا السُّجُودِ ذَكَرَ مَالِكٌ وَآخَرُونَ ذَلِكَ وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الْمَرْوِيَّةِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هريرة وبن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ [881] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ

فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا صَلَّيْتُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَصَلُّوا أَرْبَعًا وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ اسْتِحْبَابُ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ بَعْدَهَا وَالْحَثُّ عَلَيْهَا وَأَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ وَأَكْمَلَهَا أَرْبَعٌ فَنَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا عَلَى الْحَثِّ عَلَيْهَا فَأَتَى بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ لَيْسَتْ وَاجِبَةً وَذَكَرَ الْأَرْبَعَ لِفَضِيلَتِهَا وَفَعَلَ الرَّكْعَتَيْنِ فِي أَوْقَاتٍ بَيَانًا لِأَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ أَرْبَعًا لِأَنَّهُ أَمَرَنَا بِهِنَّ وَحَثَّنَا عَلَيْهِنَّ

وَهُوَ أَرْغَبُ فِي الْخَيْرِ وَأَحْرَصُ عَلَيْهِ وَأَوْلَى بِهِ قَوْلُهُ قَالَ يَحْيَى أَظُنَّنِي قَرَأْتُ فَيُصَلِّي أَوْ أَلْبَتَّةَ مَعْنَاهُ أَظُنُّ أَنِّي قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ فِي رِوَايَتِي عَنْهُ فَيُصَلِّي أَوْ أَجْزِمُ بِذَلِكَ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَالَ أَظُنُّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ أو أجزم بها [883] قوله بْنُ أَبِي الْخُوَارِ هُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ صَلَّيْتُ مَعَهُ الْجُمُعَةَ فِي الْمَقْصُورَةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِهَا فِي الْمَسْجِدِ إِذَا رَآهَا وَلِيُّ الْأَمْرِ مَصْلَحَةً قَالُوا وَأَوَّلُ مَنْ عَمِلَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ ضَرَبَهُ الْخَارِجِيُّ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَقْصُورَةِ فَأَجَازَهَا كَثِيرُونَ مِنَ السَّلَفِ وَصَلُّوا فِيهَا مِنْهُمُ الْحَسَنُ والقاسم بن محمد وسالم وغيرهم وكرهها بن عمر والشعبي وأحمد واسحاق وكان بن عُمَرَ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي الْمَقْصُورَةِ خَرَجَ مِنْهَا إِلَى الْمَسْجِدِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ إِنَّمَا يَصِحُّ فِيهَا الْجُمُعَةُ إِذَا كَانَتْ مُبَاحَةً لِكُلِّ أَحَدٍ فَإِنْ كَانَتْ مَخْصُوصَةً بِبَعْضِ النَّاسِ مَمْنُوعَةً مِنْ غَيْرِهِمْ لَمْ تَصِحَّ فِيهَا الْجُمُعَةُ لِخُرُوجِهَا عَنْ حُكْمِ الْجَامِعِ قَوْلُهُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ أن لا نوصل صلاة حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا أَنَّ النَّافِلَةَ الرَّاتِبَةَ وَغَيْرَهَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَحَوَّلَ لَهَا عَنْ مَوْضِعِ الْفَرِيضَةِ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ وَأَفْضَلُهُ التَّحَوُّلُ إِلَى بَيْتِهِ وَإِلَّا فموضع آخر

(كتاب صلاة العيدين هي عند الشافعي وجمهور أصحابه

مِنَ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ لِيُكْثِرَ مَوَاضِعَ سُجُودِهِ وَلِتَنْفَصِلَ صُورَةُ النَّافِلَةِ عَنْ صُورَةِ الْفَرِيضَةِ وَقَوْلُهُ حَتَّى نَتَكَلَّمَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا يَحْصُلُ بِالْكَلَامِ أَيْضًا وَلَكِنْ بِالِانْتِقَالِ أَفْضَلُ لِمَا ذكرناه والله أعلم (كتاب صلاة العيدين هِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ هِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ وَاجِبَةٌ فَإِذَا قُلْنَا فَرْضُ كِفَايَةٍ فَامْتَنَعَ أَهْلُ مَوْضِعٍ مِنْ إِقَامَتِهَا قُوتِلُوا عَلَيْهَا كَسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَإِذَا قُلْنَا إِنَّهَا سُنَّةٌ لَمْ يُقَاتَلُوا بِتَرْكِهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَغَيْرِهَا وَقِيلَ يُقَاتَلُونَ لِأَنَّهَا شِعَارٌ ظَاهِرٌ قَالُوا وَسُمِّيَ عِيدًا لِعَوْدِهِ وَتَكَرُّرِهِ وَقِيلَ لِعَوْدِ السُّرُورِ فِيهِ وَقِيلَ تَفَاؤُلًا بِعَوْدِهِ عَلَى مَنْ أَدْرَكَهُ كَمَا سُمِّيَتِ الْقَافِلَةُ حِينَ خُرُوجِهَا تَفَاؤُلًا لِقُفُولِهَا سَالِمَةً وَهُوَ رُجُوعُهَا وَحَقِيقَتُهَا الرَّاجِعَةُ [884] قَوْلُهُ شَهِدْتُ صَلَاةَ الْفِطْرِ مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَكُلُّهُمْ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ يَخْطُبُ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّ خُطْبَةَ الْعِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا هُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنْ مَذَاهِبِ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ وَأَئِمَّةِ)

الْفَتْوَى وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَئِمَّتِهِمْ فِيهِ وَهُوَ فعل النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ إِلَّا مَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ فِي شَطْرِ خِلَافَتِهِ الْأَخِيرِ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ لِأَنَّهُ رَأَى مِنَ النَّاسِ مَنْ تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقِيلَ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ قَدَّمَهَا مُعَاوِيَةُ وَقِيلَ مَرْوَانُ بِالْمَدِينَةِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَقِيلَ زِيَادُ بِالْبَصْرَةِ فِي خلافة معاوية وقيل فعله بن الزُّهْرِيِّ فِي آخِرِ أَيَّامِهِ قَوْلُهُ يُجَلِّسُ الرِّجَالَ بِيَدِهِ هُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ يَأْمُرُهُمْ بِالْجُلُوسِ قَوْلُهُ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يُجِبْهُ غَيْرُهَا مِنْهُنَّ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَا يَدْرِي حِينَئِذٍ مَنْ هِيَ هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ حِينَئِذٍ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ النُّسَخِ قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَصَوَابُهُ لَا يَدْرِي حَسَنٌ مَنْ هِيَ وَهُوَ حَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ رِوَايَةً عَنْ طَاوُسٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ عَلَى الصَّوَابِ مِنْ رواية إسحاق نَصْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ لَا يَدْرِي حَسَنٌ قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ تَصْحِيحُ حِينَئِذٍ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ لِكَثْرَةِ النِّسَاءِ وَاشْتِمَالِهِنَّ ثِيَابِهِنَّ لَا يَدْرِي مَنْ هِيَ قَوْلُهُ فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَ النِّسَاءُ وَمَعَهُ بِلَالٌ قَالَ الْقَاضِي هَذَا النُّزُولُ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ وَلَيْسَ كما قال إنما نزل إِلَيْهِنَّ بَعْدَ فَرَاغِ خُطْبَةِ الْعِيدِ وَبَعْدَ انْقِضَاءِ وَعْظِ الرِّجَالِ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ أَتَاهُنَّ بَعْدَ فَرَاغِ خُطْبَةِ الرِّجَالِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ اسْتِحْبَابُ وَعْظِ النِّسَاءِ وَتَذْكِيرِهِنَّ الْآخِرَةَ وَأَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَحَثِّهِنَّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَهَذَا إِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ وَخَوْفٌ عَلَى الْوَاعِظِ أَوِ الْمَوْعُوظِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَفِيهِ أَنَّ النِّسَاءَ إِذَا حَضَرْنَ صَلَاةَ الرِّجَالِ وَمَجَامِعَهُمْ يَكُنَّ بِمَعْزِلٍ عَنْهُمْ خَوْفًا مِنْ فِتْنَةٍ أَوْ نَظْرَةٍ أَوْ فِكْرٍ وَنَحْوِهِ وَفِيهِ أَنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى

إِيجَابٍ وَقَبُولٍ بَلْ تَكْفِي فِيهَا الْمُعَاطَاةُ لِأَنَّهُنَّ أَلْقَيْنَ الصَّدَقَةَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ مِنْ غَيْرِ كَلَامٍ مِنْهُنَّ وَلَا مِنْ بِلَالٍ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ تَفْتَقِرُ إِلَى إِيجَابٍ وَقَبُولٍ بِاللَّفْظِ كَالْهِبَةِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَبِهِ جَزَمَ الْمُحَقِّقُونَ قَوْلُهُ فِدًى لَكُنَّ أَبِي وَأُمِّي هُوَ مَقْصُورٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ بِلَالٍ قَوْلُهُ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِيمَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاحِدُهَا فَتَخَةٌ كَقَصَبَةٍ وَقَصَبٍ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرهَا فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ هِيَ الْخَوَاتِيمُ الْعِظَامُ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ هِيَ خَوَاتِيمُ لَا فُصُوصَ لَهَا وَقَالَ بن السِّكِّيتِ خَوَاتِيمُ تُلْبَسُ فِي أَصَابِعِ الْيَدِ وَقَالَ ثَعْلَبٌ وَقَدْ يَكُونُ فِي أَصَابِعِ الْوَاحِدِ مِنَ الرجال وقال بن دُرَيْدٍ وَقَدْ يَكُونُ لَهَا فُصُوصٌ وَتُجْمَعُ أَيْضًا فَتَخَاتٌ وَأَفْتَاخٌ وَالْخَوَاتِيمُ جَمْعُ خَاتَمٍ وَفِيهِ أَرْبَعُ لغات فتح التاء وكسرها وخانام وَخَيْتَامٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ صَدَقَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ مَالِهَا بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى ثُلُثِ مَالِهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى ثُلُثِ مَالِهَا إِلَّا بِرِضَاءِ زَوْجِهَا وَدَلِيلُنَا مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَلُهُنَّ أَسْتَأْذَنَّ أَزْوَاجَهُنَّ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا وَهَلْ هُوَ خَارِجٌ مِنَ الثُّلُثِ أَمْ لَا وَلَوِ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بِذَلِكَ لَسَأَلَ وَأَشَارَ الْقَاضِي إِلَى الْجَوَابِ عَنْ مَذْهَبِهِمْ بِأَنَّ الْغَالِبَ حُضُورُ أَزْوَاجِهِنَّ فَتَرْكُهُمُ الْإِنْكَارَ يَكُونُ رِضَاءً بِفِعْلِهِنَّ وَهَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّهُنَّ كُنَّ مُعْتَزِلَاتٍ لَا يَعْلَمُ الرِّجَالُ مَنِ الْمُتَصَدِّقَةُ مِنْهُنَّ مِنْ غَيْرِهَا وَلَا قَدْرَ مَا يُتَصَدَّقُ بِهِ وَلَوْ عَلِمُوا فَسُكُوتُهُمْ لَيْسَ إِذْنًا قَوْلُهُ وَبِلَالٌ قائل بثوبه هو بهمزة قبل اللام

يكتب بِالْيَاءِ أَيْ فَاتِحًا ثَوْبَهُ لِلْأَخْذِ فِيهِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَبِلَالٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ بَسَطَهُ لِيَجْمَعَ الصَّدَقَةَ فِيهِ ثُمَّ يُفَرِّقُهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ كَمَا كَانَتْ عَادَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَاتِ الْمُتَطَوَّعِ بِهَا وَالزَّكَوَاتِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَاتِ الْعَامَّةَ إِنَّمَا يَصْرِفُهَا فِي مَصَارِفِهَا الْإِمَامُ [885] قَوْلُهُ يُلْقِينَ النِّسَاءُ صَدَقَةً هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ يُلْقِينَ وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى تِلْكَ اللُّغَةِ الْقَلِيلَةِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْهَا يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ وَقَوْلُهُ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ قَوْلُهُ تُلْقِي الْمَرْأَةُ فَتَخَهَا وَيُلْقِينَ وَيَلْقِينَ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ مُكَرَّرٌ وَهُوَ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ وَيُلْقِينَ كَذَا وَيَلْقِينَ كَذَا كما ذكره فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ قَوْلُهُ لِعَطَاءٍ أَحَقًّا عَلَى الْإِمَامِ الْآنَ أَنْ يَأْتِيَ النِّسَاءَ حِينَ يَفْرُغُ فَيُذَكِّرُهُنَّ قَالَ أَيْ لَعَمْرِي إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ وَمَا لَهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي هَذَا الَّذِي قَالَهُ عَطَاءٌ غَيْرُ مُوَافَقٍ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي بَلْ يُسْتَحَبُّ إِذَا لَمْ يَسْمَعْهُنَّ أَنْ يَأْتِيَهُنَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ وَيَعِظُهُنَّ ويذكرهن إذا لم يترتب الْآنَ وَفِي كُلِّ الْأَزْمَانِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَأَيُّ دَافِعٍ يَدْفَعُنَا عَنْ هَذِهِ

السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا أَذَانَ وَلَا إِقَامَةَ لِلْعِيدِ وَهُوَ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ الْيَوْمَ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ فِيهِ شَيْءٌ خِلَافَ إِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ فِيهَا الصَّلَاةَ جَامِعَةً بِنَصْبِهَا الْأَوَّلَ عَلَى الْإِغْرَاءِ وَالثَّانِيَ عَلَى الْحَالِ قَوْلُهُ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ سِطَةٌ بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَاسِطَةِ النِّسَاءِ قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ مِنْ خِيَارِهِنَّ وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ وَالْخِيَارُ قَالَ وَزَعَمَ حُذَّاقُ شُيُوخِنَا أَنَّ هَذَا الْحَرْفَ مُغَيَّرٌ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ وَأَنَّ صَوَابَهُ مِنْ سَفَلَةِ النساء وكذا رواه بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ امْرَأَةٌ لَيْسَتْ مِنْ عِلْيَةِ النِّسَاءِ وَهَذَا ضِدُّ التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ سَفْعَاءَ الْخَدَّيْنِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهَذَا الَّذِي ادَّعَوْهُ مِنْ تَغْيِيرِ الْكَلِمَةِ غَيْرُ مَقْبُولٍ بَلْ هِيَ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا مِنْ خِيَارِ النِّسَاءِ كَمَا فَسَّرَهُ هُوَ بَلِ الْمُرَادُ امْرَأَةٌ مِنْ وَسَطِ النِّسَاءِ جَالِسَةٌ فِي وَسَطِهِنَّ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ يُقَالُ وَسَطْتُ الْقَوْمَ أَسِطُهُمْ وَسْطًا وَسِطَةً أَيْ تَوَسَّطْتُهُمْ قَوْلُهُ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ فِيهَا تَغَيُّرٌ وَسَوَادٌ قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم تكثرن الشكاء هُوَ بِفَتْحِ الشِّينِ أَيِ الشَّكْوَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ هُوَ الْعَشِيرُ الْمُعَاشِرُ وَالْمُخَالِطُ وَحَمَلَهُ الْأَكْثَرُونَ هُنَا عَلَى الزَّوْجِ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ كُلُّ مُخَالِطٍ قَالَ الْخَلِيلُ يُقَالُ هُوَ الْعَشِيرُ وَالشَّعِيرُ عَلَى الْقَلْبِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُنَّ يَجْحَدْنَ الْإِحْسَانَ لِضَعْفِ عَقْلِهِنَّ وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِنَّ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ذَمِّ مَنْ يَجْحَدُ إِحْسَانَ ذِي إِحْسَانٍ

قَوْلُهُ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ هُوَ جَمْعُ قُرْطٍ قَالَ بن دُرَيْدٍ كُلُّ مَا عُلِّقَ مِنْ شَحْمَةِ الْأُذُنِ فَهُوَ قُرْطٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ خَرَزٍ وَأَمَّا الْخُرْصُ فَهُوَ الْحَلْقَةُ الصَّغِيرَةُ مِنَ الْحُلِيِّ قَالَ الْقَاضِي قِيلَ الصَّوَابُ قُرْطَتُهُنَّ بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي جَمْعِ قُرْطٍ كَخُرْجٍ وَخُرْجَةٍ وَيُقَالُ فِي جَمْعِهِ قِرَاطٌ كَرُمْحٍ وَرِمَاحٍ قَالَ الْقَاضِي لَا يَبْعُدُ صِحَّةُ أَقْرِطَةٍ وَيَكُونُ جَمْعَ جَمْعٍ أَيْ جَمْعَ قِرَاطٍ لَا سِيَّمَا وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ [886] قَوْلُهُ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا أَذَانَ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلَا إِقَامَةَ وَلَا نِدَاءَ أَوْ لَا شَيْءَ هَذَا ظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِمَا

يَقُولُهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ كَمَا قَدَّمْنَا فَيُتَأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَا أَذَانَ وَلَا إِقَامَةَ وَلَا نِدَاءَ فِي مَعْنَاهُمَا وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ [889] قَوْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ فَيَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ هَذَا دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ إِلَى الْمُصَلَّى وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مَنْ فَعَلَهَا فِي الْمَسْجِدِ وَعَلَى هَذَا عَمِلَ النَّاسُ فِي مُعْظَمِ الْأَمْصَارِ وَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَلَا يُصَلُّونَهَا إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ مِنَ الزَّمَنِ الْأَوَّلِ وَلِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الصَّحْرَاءُ أَفْضَلُ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَكْثَرِهِمُ الْمَسْجِدُ أَفْضَلُ إِلَّا أَنْ يَضِيقَ قَالُوا وَإِنَّمَا صَلَّى أَهْلُ مَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ لِسَعَتِهِ وَإِنَّمَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُصَلَّى لِضِيقِ الْمَسْجِدِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ أَفْضَلُ إِذَا اتَّسَعَ قَوْلُهُ فَخَرَجْتُ مُخَاصِرًا مَرْوَانَ أَيْ مُمَاشِيًا لَهُ يَدُهُ فِي يَدَيَّ هَكَذَا فَسَّرُوهُ قَوْلُهُ فَإِذَا مَرْوَانُ يُنَازِعُنِي يَدَهُ كَأَنَّهُ يَجُرُّنِي نَحْوَ الْمِنْبَرِ وَأَنَا أَجُرُّهُ نَحْوَ الصَّلَاةِ فِيهِ أَنَّ الْخُطْبَةَ لِلْعِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ

وَفِيهِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِنْ كَانَ الْمُنْكَرُ عَلَيْهِ وَالِيًا وَفِيهِ أَنَّ الْإِنْكَارَ عليه يكون باليد لمن أمكنه ولا يجزئ عَنِ الْيَدِ اللِّسَانُ مَعَ إِمْكَانِ الْيَدِ قَوْلُهُ أَيْنَ الِابْتِدَاءُ بِالصَّلَاةِ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ عَلَى الْأَكْثَرِ وَفِي بَعْضِ الْأُصُولِ أَلَا ابْتِدَاءٌ بِأَلَا الَّتِي هِيَ لِلِاسْتِفْتَاحِ وَبَعْدَهَا نُونٌ ثُمَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ لِأَنَّهُ سَاقَهُ لِلْإِنْكَارِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لَا تَأْتُونَ بِخَيْرٍ مِمَّا أَعْلَمُ هُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّ الَّذِي يَعْلَمُ هُوَ طَرِيقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَيْفَ يَكُونُ غَيْرُهُ خَيْرًا مِنْهُ قَوْلُهُ ثُمَّ انْصَرَفَ قَالَ الْقَاضِي عَنْ جِهَةِ الْمِنْبَرِ إِلَى جِهَةِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ انْصَرَفَ مِنَ الْمُصَلَّى وَتَرَكَ الصَّلَاةَ مَعَهُ بَلْ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ صَلَّى مَعَهُ وَكَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَلَوْلَا صِحَّتُهَا كَذَلِكَ لَمَا صَلَّاهَا مَعَهُ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَهَا عَلَى الصَّلَاةِ صَحَّتْ وَلَكِنَّهُ يَكُونُ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ مُفَوِّتًا لِلْفَضِيلَةِ بِخِلَافِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ تَقَدُّمُ خُطْبَتِهَا عَلَيْهَا لِأَنَّ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ وَاجِبَةٌ وَخُطْبَةُ الْعِيدِ مندوبة [890] قَوْلُهَا أَمَرَنَا أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْعَوَاتِقُ جَمْعُ عاتق وهي الجارية البالغة وقال بن دريد هي التي قاربت البلوغ قال بن السِّكِّيتِ هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ تَبْلُغَ إِلَى أَنْ تَعْنُسَ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَالتَّعْنِيسُ طُولُ الْمَقَامِ فِي بَيْتِ أَبِيهَا بِلَا زَوْجٍ حَتَّى تَطْعَنَ فِي السِّنِّ قَالُوا سُمِّيَتْ عَاتِقًا لِأَنَّهَا عَتَقَتْ مِنِ امْتِهَانِهَا فِي الْخِدْمَةِ وَالْخُرُوجِ فِي الْحَوَائِجِ وَقِيلَ قَارَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ فَتُعْتَقُ مِنْ قَهْرِ أَبَوَيْهَا وَأَهْلِهَا وَتَسْتَقِلُّ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَالْخُدُورُ الْبُيُوتُ وَقِيلَ الْخِدْرُ سِتْرٌ يَكُونُ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ وقَوْلُهَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَالْمُخَبَّأَةُ هِيَ بِمَعْنَى ذَاتِ الْخِدْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ إِخْرَاجُ النِّسَاءِ غَيْرِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ وَالْمُسْتَحْسَنَاتِ فِي العيدين دون غيرهن وأجابوا عن إِخْرَاجِ ذَوَاتِ الْخُدُورِ وَالْمُخَبَّأَةِ بِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ كَانَتْ مَأْمُونَةً بِخِلَافِ الْيَوْمَ وَلِهَذَا صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَوْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ الْقَاضِي

عِيَاضٌ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي خُرُوجِهِنَّ لِلْعِيدَيْنِ فَرَأَى جَمَاعَةٌ ذَلِكَ حَقًّا عَلَيْهِنَّ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وعلي وبن عُمَرَ وَغَيْرُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ عُرْوَةُ وَالْقَاسِمُ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مَرَّةً وَمَنَعَهُ مَرَّةً قَوْلُهَا وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ فِي أَمَرَ فِيهِ مَنْعُ الْحُيَّضِ مِنَ الْمُصَلَّى وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الْمَنْعِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ هُوَ مَنْعُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ وَسَبَبُهُ الصِّيَانَةُ وَالِاحْتِرَازُ مِنْ مُقَارَنَةِ النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا صَلَاةٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَسْجِدًا وَحَكَى أَبُو الْفَرَجِ الدَّارِمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ قَالَ يَحْرُمُ الْمُكْثُ فِي الْمُصَلَّى عَلَى الْحَائِضِ كَمَا يَحْرُمُ مُكْثُهَا فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لِلصَّلَاةِ فَأَشْبَهَ الْمَسْجِدَ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَوْلُهَا فِي الْحَيْضِ يُكَبِّرْنَ مَعَ النِّسَاءِ فِيهِ جَوَازُ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ وَقَوْلُهَا يُكَبِّرْنَ مَعَ النَّاسِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّكْبِيرِ لِكُلِّ أَحَدٍ فِي الْعِيدَيْنِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ التَّكْبِيرُ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ وَحَالَ الْخُرُوجِ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ الْقَاضِي التَّكْبِيرُ فِي الْعِيدَيْنِ أَرْبَعَةُ مَوَاطِنَ فِي السَّعْيِ إِلَى الصَّلَاةِ إِلَى حِينَ يَخْرُجُ الْإِمَامُ وَالتَّكْبِيرُ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْخُطْبَةِ وَبَعْدَ الصَّلَاةِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَاسْتَحَبَّهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ فَكَانُوا يُكَبِّرُونَ إِذَا خَرَجُوا حَتَّى يَبْلُغُوا الْمُصَلَّى يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَزَادَ اسْتِحْبَابُهُ لَيْلَةَ الْعِيدَيْنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكَبِّرُ فِي الْخُرُوجِ لِلْأَضْحَى دُونَ الْفِطْرِ وَخَالَفَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَأَمَّا التَّكْبِيرُ بِتَكْبِيرِ الْإِمَامِ فِي الْخُطْبَةِ فمالك يراه وغيره يأباه وأما التكبير المشروع فِي أَوَّلِ صَلَاةِ الْعِيدِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ سَبْعٌ فِي الْأُولَى غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ وَقَالَ مَالِكٌ وأحمد

وَأَبُو ثَوْرٍ كَذَلِكَ لَكِنْ سَبْعٌ فِي الْأُولَى إِحْدَاهُنَّ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ خَمْسٌ فِي الْأُولَى وَأَرْبَعٌ فِي الثَّانِيَةِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالْقِيَامِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَرَى هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ مُتَوَالِيَةً مُتَّصِلَةً وَقَالَ عَطَاءٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يُسْتَحَبُّ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَرُوِيَ هذا أيضا عن بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا التَّكْبِيرُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي عِيدِ الْأَضْحَى فَاخْتَلَفَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِيهِ عَلَى نَحْوِ عَشَرَةَ مَذَاهِبٍ هَلِ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ أَوْ ظُهْرِهِ أَوْ صُبْحِ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ ظُهْرِهِ وَهَلِ انْتِهَاؤُهُ فِي ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ ظُهْرِ أَوَّلِ أَيَّامِ النَّفْرِ أَوْ فِي صُبْحِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ ظُهْرِهِ أَوْ عَصْرِهِ وَاخْتَارَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ ابْتِدَاءَهُ مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَانْتِهَاءَهُ صُبْحَ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلِلشَّافِعِيِّ قوله إلى الْعَصْرُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَقَوْلٌ إِنَّهُ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الْأَمْصَارِ قَوْلُهَا وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ اسْتِحْبَابُ حُضُورِ مَجَامِعِ الْخَيْرِ وَدُعَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَحِلَقِ الذِّكْرِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوِ ذلك قوله لَا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ هُوَ ثَوْبٌ أَقْصَرُ وَأَعْرَضُ مِنَ الْخِمَارِ وَهِيَ الْمِقْنَعَةُ تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا وَقِيلَ هُوَ ثَوْبٌ وَاسِعٌ دُونَ الرِّدَاءِ تُغَطِّي بِهِ صَدْرَهَا وَظَهْرَهَا وَقِيلَ هُوَ كَالْمَلَاءَةِ وَالْمِلْحَفَةِ وَقِيلَ هُوَ الْإِزَارُ وَقِيلَ الْخِمَارُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا الصَّحِيحُ أن معناه لتلبسها جلبابا لا يحتاج إلى عَارِيَةً وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى حُضُورِ الْعِيدِ لِكُلِّ أَحَدٍ وَعَلَى الْمُوَاسَاةِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [884] قوله فصلى

رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا فِيهِ أَنَّهُ لَا سُنَّةَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ فِي أَنَّهُ يُكْرَهُ الصلاة قبل صلاة الْعِيدِ وَبَعْدَهَا وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ لَا كَرَاهَةَ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ لَا يُكْرَهُ بَعْدَهَا وَتُكْرَهُ قَبْلَهَا وَلَا حُجَّةَ فِي الْحَدِيثِ لِمَنْ كَرِهَهَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ كراهتها والأصل أن لا مَنْعَ حَتَّى يَثْبُتَ قَوْلُهُ وَتُلْقِي سِخَابَهَا هُوَ بِكَسْرِ السِّينِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ قِلَادَةٌ مِنْ طِيبٍ مَعْجُونٍ عَلَى هَيْئَةِ الْخَرَزِ يَكُونُ مِنْ مِسْكٍ أَوْ قُرُنْفُلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنَ الطِّيبِ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْجَوْهَرِ وَجَمْعُهُ سُخُبٌ ككتاب وكتب [891] قَوْلُهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ قَالَ سَأَلَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فَالرِّوَايَةُ الْأُولَى لِأُمِّ سَلَمَةَ لِأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ بِلَا شَكٍّ مُتَّصِلٌ مِنَ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ أَدْرَكَ أَبَا وَاقِدٍ بِلَا شَكٍّ وَسَمِعَهُ بِلَا خِلَافٍ فَلَا عَتْبَ عَلَى مُسْلِمٍ حِينَئِذٍ فِي رِوَايَتِهِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ سَأَلَنِي عُمَرُ قَالُوا يَحْتَمِلُ أَنَّ

عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَاسْتَثْبَتَهُ أَوْ أرَادَ إِعْلَامَ النَّاسِ بِذَلِكَ أَوْ نَحْوِ هَذَا مِنَ الْمَقَاصِدِ قَالُوا وَيَبْعُدُ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ مَعَ شُهُودِهِ صَلَاةَ الْعِيدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّاتٍ وَقُرْبِهِ مِنْهُ فَفِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّهُ تُسَنُّ الْقِرَاءَةُ بِهِمَا فِي الْعِيدَيْنِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي قِرَاءَتِهِمَا لِمَا اشْتَمَلَتَا عَلَيْهِ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْبَعْثِ وَالْإِخْبَارِ عَنِ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ وَإِهْلَاكِ الْمُكَذِّبِينَ وَتَشْبِيهِ بُرُوزِ النَّاسِ لِلْعِيدِ بِبُرُوزِهِمْ لِلْبَعْثِ وَخُرُوجِهِمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جراد منتشر والله أعلم [892] قَوْلُهَا وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ قَالَتْ وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ أَمَّا بُعَاثُ فَبِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ صَرْفُهُ وَتَرْكُ صَرْفِهِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَهُوَ يَوْمٌ جَرَتْ فِيهِ بَيْنَ قَبِيلَتَيِ الْأَنْصَارِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَرْبٌ وَكَانَ الظُّهُورُ فِيهِ لِلْأَوْسِ قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَشْهُورُ الْمُهْمَلَةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَوْلُهَا وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ مَعْنَاهُ لَيْسَ الْغِنَاءُ عَادَةً لَهُمَا وَلَا هُمَا مَعْرُوفَتَانِ بِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْغِنَاءِ فَأَبَاحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَحَرَّمَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَرَاهَتُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَاحْتَجَّ الْمُجَوِّزُونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَجَابَ الْآخَرُونَ بِأَنَّ هَذَا الْغِنَاءَ إِنَّمَا كَانَ فِي الشَّجَاعَةِ وَالْقَتْلِ وَالْحِذْقِ فِي الْقِتَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ بِخِلَافِ الْغِنَاءِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَا يَهِيجُ النُّفُوسَ عَلَى الشَّرِّ وَيَحْمِلُهَا عَلَى الْبَطَالَةِ وَالْقَبِيحِ قَالَ الْقَاضِي إِنَّمَا كَانَ غِنَاؤُهُمَا بِمَا هُوَ مِنْ أَشْعَارِ الْحَرْبِ وَالْمُفَاخَرَةِ بِالشَّجَاعَةِ وَالظُّهُورِ وَالْغَلَبَةِ وَهَذَا لَا يُهَيِّجُ الْجَوَارِيَ عَلَى شَرٍّ وَلَا إِنْشَادُهُمَا لِذَلِكَ مِنَ الْغِنَاءِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْإِنْشَادِ وَلِهَذَا قَالَتْ وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ أَيْ لَيْسَتَا مِمَّنْ يتغنى

بِعَادَةِ الْمُغَنِّيَاتِ مِنَ التَّشْوِيقِ وَالْهَوَى وَالتَّعْرِيضِ بِالْفَوَاحِشِ وَالتَّشْبِيبِ بِأَهْلِ الْجَمَالِ وَمَا يُحَرِّكُ النُّفُوسَ وَيَبْعَثُ الهوى والغزل كما قيل الغنا فيه الزنى وَلَيْسَتَا أَيْضًا مِمَّنِ اشْتُهِرَ وَعُرِفَ بِإِحْسَانِ الْغِنَاءِ الَّذِي فِيهِ تَمْطِيطٌ وَتَكْسِيرٌ وَعَمَلٌ يُحَرِّكُ السَّاكِنَ وَيَبْعَثُ الْكَامِنَ وَلَا مِمَّنِ اتَّخَذَ ذَلِكَ صَنْعَةً وَكَسْبًا وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْإِنْشَادَ غِنَاءً وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْغِنَاءِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ وَقَدِ اسْتَجَازَتِ الصَّحَابَةُ غِنَاءَ الْعَرَبِ الَّذِي هُوَ مُجَرَّدُ الْإِنْشَادِ وَالتَّرَنُّمِ وَأَجَازُوا الْحُدَاءَ وَفَعَلُوهُ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي هَذَا كُلِّهُ إِبَاحَةُ مِثْلَ هَذَا وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَهَذَا وَمِثْلُهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا يَخْرُجُ الشَّاهِدُ قَوْلُهُ أَبِمُزْمُورِ الشَّيْطَانِ هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِهَا وَالضَّمُّ أَشْهَرُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي غَيْرَهُ وَيُقَالُ أَيْضًا مِزْمَارٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَأَصْلُهُ صَوْتٌ بِصَفِيرٍ وَالزِّمِّيرُ الصَّوْتُ الْحَسَنُ وَيُطْلَقُ عَلَى الْغِنَاءِ أَيْضًا قَوْلُهُ أَبِمُزْمُورِ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ أَنَّ مَوَاضِعَ الصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الْفَضْلِ تُنَزَّهُ عَنِ الْهَوَى وَاللَّغْوِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِثْمٌ وَفِيهِ أَنَّ التَّابِعَ لِلْكَبِيرِ إِذَا رَأَى بِحَضْرَتِهِ مَا يَسْتَنْكِرُ أَوْ لَا يَلِيقُ بِمَجْلِسِ الْكَبِيرِ يُنْكِرُهُ وَلَا يَكُونُ بِهَذَا افْتِيَاتًا عَلَى الْكَبِيرِ بَلْ هُوَ أَدَبٌ وَرِعَايَةُ حُرْمَةٍ وَإِجْلَالٌ لِلْكَبِيرِ مِنْ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَصِيَانَةٌ لِمَجْلِسِهِ وَإِنَّمَا سَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُنَّ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُنَّ وَتَسَجَّى بِثَوْبِهِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِعْرَاضًا عَنِ اللَّهْوِ وَلِئَلَّا يَسْتَحْيَيْنَ فَيَقْطَعْنَ مَا هُوَ مُبَاحٌ لَهُنَّ وَكَانَ هَذَا مِنْ رَأْفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِلْمِهِ وَحُسْنِ خُلُقِهِ قَوْلُهُ جَارِيَتَانِ تَلْعَبَانِ بِدُفٍّ هُوَ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا وَالضَّمُّ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ فَفِيهِ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا عِيدُنَا أَنَّ ضَرْبَ دُفِّ الْعَرَبِ مُبَاحٌ فِي يَوْمِ السُّرُورِ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْعِيدُ وَالْعُرْسُ

وَالْخِتَانُ قَوْلُهُ فِي أَيَّامِ مِنًى يَعْنِي الثَّلَاثَةَ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَفِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ دَاخِلَةٌ فِي أَيَّامِ الْعِيدِ وَحُكْمُهُ جَارٍ عَلَيْهِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ لِجَوَازِ التَّضْحِيَةِ وَتَحْرِيمِ الصَّوْمِ وَاسْتِحْبَابِ التَّكْبِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَوْلُهَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ وَأَنَا جَارِيَةٌ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ جَوَازُ اللَّعِبِ بِالسِّلَاحِ وَنَحْوِهِ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ فِي الْمَسْجِدِ ويلتحق به ما في مَعْنَاهُ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُعِينَةِ عَلَى الْجِهَادِ وَأَنْوَاعِ الْبِرِّ وَفِيهِ جَوَازُ نَظَرِ النِّسَاءِ إِلَى لَعِبِ الرِّجَالِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى نَفْسِ الْبَدَنِ وَأَمَّا نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى وَجْهِ الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ كَانَ بِشَهْوَةٍ فَحَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَا مَخَافَةَ فِتْنَةٍ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا تَحْرِيمُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَقُلْ للمؤمنات يغضضن من أبصارهن وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ سَلَمَةَ وأم حبيبة احتجبا عنه أي عن بن أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَتَا إِنَّهُ أَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا فقال صلى الله عليه وسلم العمياوان أَنْتُمَا أَلَيْسَ تُبْصِرَانِهِ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَلَى هَذَا أَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِجَوَابَيْنِ وَأَقْوَاهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا نَظَرَتْ إِلَى وُجُوهِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَإِنَّمَا نَظَرَتْ لَعِبَهُمْ وَحِرَابَهُمْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَعَمُّدُ النَّظَرِ إِلَى الْبَدَنِ وَإِنْ وَقَعَ النَّظَرُ بِلَا قَصْدٍ صَرَفَتْهُ فِي الْحَالِ وَالثَّانِي لَعَلَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ فِي تَحْرِيمِ النَّظَرِ وَأَنَّهَا كَانَتْ صَغِيرَةً قَبْلَ بُلُوغِهَا فَلَمْ تَكُنْ مُكَلَّفَةً عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ لِلصَّغِيرِ الْمُرَاهِقِ النَّظَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ وَالْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ مَعَ الْأَهْلِ وَالْأَزْوَاجِ وَغَيْرِهِمْ

قولها وأنا جارية فاقدروا قدر الجارية العربة حديثة السِّنِّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تُحِبُّ اللَّهْوَ وَالتَّفَرُّجَ وَالنَّظَرَ إِلَى اللَّعِبِ حُبًّا بَلِيغًا وَتَحْرِصُ عَلَى إِدَامَتِهِ مَا أَمْكَنَهَا وَلَا تَمَلُّ ذَلِكَ إِلَّا بِعُذْرٍ من تطويل وقولها فاقدروا هوا بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مِنَ التَّقْدِيرِ أَيْ قَدِّرُوا رَغْبَتَنَا فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ تَنْتَهِيَ وَقَوْلُهَا الْعَرِبَةُ هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الرَّاءِ والْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَمَعْنَاهَا الْمُشْتَهِيَةُ لِلَّعِبِ الْمُحِبَّةُ لَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَيُقَالُ

بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَالْكَسْرُ أَشْهَرُ وَهُوَ لَقَبٌ لِلْحَبَشَةِ وَلَفْظَةُ دُونَكُمْ مِنْ أَلْفَاظِ الْإِغْرَاءِ وَحَذَفَ الْمُغْرَى بِهِ تَقْدِيرُهُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا اللَّعِبِ الَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَشَأْنُهَا أَنْ يَتَقَدَّمَ الِاسْمُ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ جَاءَ تَأْخِيرُهَا شَاذًّا كَقَوْلِهِ يَا أَيُّهَا الْمَائِحُ دَلْوِي دُونَكَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسْبُكِ هُوَ اسْتِفْهَامٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهَا قُلْتُ نَعَمْ تَقْدِيرُهُ حَسْبُكِ أَيْ هَلْ يَكْفِيكِ هَذَا الْقَدْرُ قَوْلُهَا جَاءَ حَبَشٌ يَزْفِنُونَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي الْمَسْجِدِ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَمَعْنَاهُ يَرْقُصُونَ وَحَمَلَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَى التَّوَثُّبِ بِسِلَاحِهِمْ وَلَعِبِهِمْ بِحِرَابِهِمْ عَلَى قَرِيبٍ مِنْ هَيْئَةِ الرَّاقِصِ لِأَنَّ مُعْظَمَ الرِّوَايَاتِ إِنَّمَا فِيهَا لَعِبهِمْ بِحِرَابِهِمْ فَيُتَأَوَّلُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَلَى مُوَافَقَةِ سَائِرِ الرِّوَايَاتِ قَوْلُهُ عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ قَوْلُهُ قَالَ عَطَاءٌ فُرْسٌ أَوْ حَبَشٌ قَالَ وَقَالَ بن عَتِيقٍ بَلْ حَبَشٌ هَكَذَا هُوَ فِي كُلِّ النُّسَخِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ عَطَاءً شَكَّ هَلْ قَالَ هم فرس

(كتاب صلاة الاستسقاء أجمع العلماء على أن الاستسقاء

أَوْ حَبَشٌ بِمَعْنَى هَلْ هُمْ مِنَ الْفُرْسِ أو من الحبشة وأما بن عَتِيقٍ فَجَزَمَ بِأَنَّهُمْ حَبَشٌ وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ القاضي عياض وقوله قال بن عَتِيقٍ هَكَذَا هُوَ عِنْدَ شُيُوخِنَا وَعِنْدَ الْبَاجِيِّ وقال لي بن عُمَيْرٍ قَالَ وَفِي نُسْخَةٍ أُخْرَى قَالَ لِي بن أَبِي عَتِيقٍ [893] قَالَ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ وَالْمَطَالِعِ الصَّحِيحُ بن عُمَيْرٍ وَهُوَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ الْمَذْكُورُ فِي السَّنَدِ وَالصَّوَابِ قَوْلُهُ دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى الْحَصْبَاءِ يَحْصِبُهُمْ الْحَصْبَاءُ مَمْدُودٌ هِيَ الْحَصَى الصِّغَارُ وَيَحْصِبُهُمْ بِكَسْرِ الصَّادِ أَيْ يَرْمِيهِمْ بِهَا وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يَلِيقُ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمْ به والله أعلم (كتاب صلاة الاستسقاء أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ سُنَّةٌ وَاخْتَلَفُوا هَلْ تُسَنُّ لَهُ صَلَاةٌ أَمْ لَا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تُسَنُّ لَهُ صَلَاةٌ بَلْ يُسْتَسْقَى بِالدُّعَاءِ بِلَا صَلَاةٍ وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ تُسَنُّ الصَّلَاةُ وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إِلَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَتَعَلَّقَ بِأَحَادِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا صَلَاةٌ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى لِلِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الصَّلَاةِ فَبَعْضُهَا مَحْمُولٌ عَلَى نِسْيَانِ الرَّاوِي وَبَعْضُهَا كَانَ فِي الْخُطْبَةِ لِلْجُمُعَةِ وَيَتَعَقَّبُهُ الصَّلَاةُ لِلْجُمُعَةِ فَاكْتَفَى بِهَا وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ أَصْلًا كَانَ بَيَانًا لِجَوَازِ الِاسْتِسْقَاءِ بِالدُّعَاءِ بِلَا صَلَاةٍ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَتَكُونُ الْأَحَادِيثُ الْمُثْبِتَةُ لِلصَّلَاةِ مُقَدَّمَةً)

لِأَنَّهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمَا قَالَ أَصْحَابُنَا الِاسْتِسْقَاءُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا الِاسْتِسْقَاءُ بِالدُّعَاءِ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ الثَّانِي الِاسْتِسْقَاءُ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ أَوْ فِي أَثَرِ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ النَّوْعِ الَّذِي قَبْلَهُ وَالثَّالِثُ وَهُوَ أَكْمَلُهَا أَنْ يَكُونَ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ وَيَتَأَهَّبُ قَبْلَهُ بِصَدَقَةٍ وَصِيَامٍ وَتَوْبَةٍ وَإِقْبَالٍ عَلَى الْخَيْرِ وَمُجَانَبَةِ الشَّرِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى [894] قَوْلُهُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْخُرُوجِ لِلِاسْتِسْقَاءِ إِلَى الصَّحْرَاءِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الِافْتِقَارِ وَالتَّوَاضُعِ وَلِأَنَّهَا أَوْسَعُ لِلنَّاسِ لِأَنَّهُ يَحْضُرُ النَّاسُ كُلُّهُمْ فَلَا يَسَعُهُمُ الجامع وفيه اسْتِحْبَابِ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ فِي أَثْنَائِهَا لِلِاسْتِسْقَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُحَوِّلُهُ فِي نَحْوِ ثُلُثِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَذَلِكَ حِينَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ قَالُوا وَالتَّحْوِيلُ شُرِعَ تَفَاؤُلًا بِتَغَيُّرِ الْحَالِ مِنَ الْقَحْطِ إِلَى نُزُولِ الْغَيْثِ وَالْخِصْبِ وَمِنْ ضِيقِ الْحَالِ إِلَى سَعَتِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ فِي اسْتِحْبَابِ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ وَلَمْ يَسْتَحِبَّهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا أَيْضًا لِلْمَأْمُومِينَ كَمَا يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ وَخَالَفَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَرَدٌّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَهَا وَقَوْلُهُ اسْتَسْقَى أَيْ طَلَبَ السَّقْيَ وَفِيهِ أَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَانِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْمُثْبِتِينَ لَهَا وَاخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ أَوْ بَعْدَهَا فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْجَمَاهِيرُ إِلَى أَنَّهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَقَالَ اللَّيْثُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ بِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ صَحَّتَا وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ وَخُطْبَتِهَا وَجَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يَقْتَضِي جَوَازَ الْعِيدِ وَالتَّأْخِيرِ وَاخْتَلَفَتِ الرواية في

ذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَاتٍ زَائِدَةً فِي أَوَّلِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ كَمَا يُكَبِّرُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فقال به الشافعي وبن جرير وروي عن بن الْمُسَيَّبِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَكْحُولٍ وَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا يُكَبِّرُ وَاحْتَجُّوا لِلشَّافِعِيِّ بِأَنَّهُ جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدِ وَتَأَوَّلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ كَصَلَاةِ الْعِيدِ فِي الْعَدَدِ وَالْجَهْرِ وَالْقِرَاءَةِ وَفِي كَوْنِهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ وَخَيَّرَهُ دَاوُدُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَتَرْكِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْجَهْرَ بِالْقِرَاءَةِ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ لَهَا وَلَا يُقَامُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ الصَّلَاةَ جَامِعَةً قَوْلُهُ أَخْبَرَنِي عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ الْمَازِنِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَمَّهُ الْمُرَادُ بِعَمِّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمُتَكَرِّرُ فِي الرِّوَايَاتِ السَّابِقَةِ قَوْلُهُ وَأَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فِيهِ اسْتِحْبَابُ اسْتِقْبَالِهَا لِلدُّعَاءِ وَيَلْحَقُ بِهِ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ وَالْقِرَاءَةُ وَالْأَذْكَارُ وَالْأَذَانُ وَسَائِرُ الطَّاعَاتِ إِلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ كَالْخُطْبَةِ وَنَحْوِهَا قَوْلُهُ فَجَعَلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ يَدْعُو اللَّهَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ بِتَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ عَلَى صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَأَصْحَابُنَا

يحملونه على الجواز كما سبق بيانه [896] قَوْلُهُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ السُّنَّةُ فِي كُلِّ دُعَاءٍ لِرَفْعِ بَلَاءٍ كَالْقَحْطِ وَنَحْوِهِ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ وَيَجْعَلَ ظَهْرَ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَإِذَا دَعَا لِسُؤَالِ شَيْءٍ وَتَحْصِيلِهِ جَعَلَ بَطْنَ كَفَّيْهِ إلى السماء احتجوا بِهَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ يُوهِمُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يرفع ص إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ قد ثبت رفع يديه ص فِي الدُّعَاءِ فِي مَوَاطِنَ غَيْرِ الِاسْتِسْقَاءِ وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَقَدْ جَمَعْتُ مِنْهَا نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ حَدِيثًا مِنَ الصَّحِيحَيْنِ أَوْ أحدهما وذكرتها فِي أَوَاخِرِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَيُتَأَوَّلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرْفَعِ الرَّفْعَ الْبَلِيغَ بِحَيْثُ يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ لَمْ أَرَهُ رَفَعَ وَقَدْ رَآهُ غَيْرُهُ رَفَعَ فَيُقَدَّمُ الْمُثْبِتُونَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَهُمْ جَمَاعَاتٌ عَلَى وَاحِدٍ لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ وَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَفِي الطَّرِيقِ الثَّانِي عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ قَتَادَةَ قَدْ سَمِعَهُ مِنْ أَنَسٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ قَتَادَةَ مُدَلِّسٌ وَأَنَّ الْمُدَلِّسَ لَا يُحْتَجُّ بِعَنْعَنَتِهِ حَتَّى يَثْبُتَ سَمَاعُهُ ذَلِكَ الحديث

فَبَيَّنَ مُسْلِمٌ ثُبُوتَهُ بِالطَّرِيقِ الثَّانِي [897] قَوْلُهُ دَارِ الْقَضَاءِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ سُمِّيَتْ دَارَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهَا بِيعَتْ فِي قَضَاءِ دَيْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي كَتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَوْصَى ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ أَنْ يُبَاعَ فيه ما له فان عجز ما له اسْتَعَانَ بِبَنِي عَدِيٍّ ثُمَّ بِقُرَيْشٍ فَبَاعَ ابْنُهُ دَارَهُ هَذِهِ لِمُعَاوِيَةَ وَمَالَهُ بِالْغَابَةِ قَضَى دَيْنَهُ وَكَانَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا وَكَانَ يُقَالُ لَهَا دَارُ قَضَاءِ دَيْنِ عُمَرَ ثُمَّ اقْتَصَرُوا فَقَالُوا دَارُ الْقَضَاءِ وَهِيَ دَارُ مَرْوَانَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ دَارُ الْإِمَارَةِ وَغَلِطَ لِأَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهَا دَارُ مَرْوَانَ فَظَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ الْإِمَارَةُ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي قَوْلُهُ إِنَّ دَيْنَهُ كَانَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا غَرِيبٌ بَلْ غَلَطٌ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَانَ سِتَّةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا أَوْ نَحْوَهُ هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ وَغَيْرِهِمْ قَوْلُهُ ادْعُ اللَّهَ يُغِثْنَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ أَغِثْنَا هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ أَغِثْنَا بِالْأَلِفِ وَيُغِثْنَا بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ أَغَاثَ يُغِيثُ رُبَاعِيٌّ وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ أَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ فِي الْمَطَرِ غَاثَ اللَّهُ النَّاسَ وَالْأَرْضَ يَغِيثُهُمْ بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ أَنْزَلَ الْمَطَرَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ مِنَ الْإِغَاثَةِ بِمَعْنَى الْمَعُونَةِ وَلَيْسَ من طلب الغيث إنما يُقَالُ فِي طَلَبِ الْغَيْثِ اللَّهُمَّ غِثْنَا قَالَ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ طَلَبِ الْغَيْثِ أَيْ هَبْ لَنَا غَيْثًا أَوِ ارْزُقْنَا غَيْثًا كَمَا يُقَالُ سَقَاهُ اللَّهُ وَأَسْقَاهُ أَيْ جَعَلَ لَهُ سُقْيًا عَلَى لُغَةِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَغِثْنَا فِيهِ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِسْقَاءِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَفِيهِ جَوَازُ الِاسْتِسْقَاءِ مُنْفَرِدًا عَنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ الْمَخْصُوصَةِ

وَاغْتَرَّتْ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَقَالُوا هَذَا هُوَ الِاسْتِسْقَاءُ الْمَشْرُوعُ لَا غَيْرَ وَجَعَلُوا الِاسْتِسْقَاءَ بِالْبُرُوزِ إِلَى الصَّحْرَاءِ وَالصَّلَاةِ بِدْعَةً وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا بَلْ هُوَ سُنَّةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ أَنْوَاعٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ نَوْعٍ إِبْطَالُ نَوْعٍ ثَابِتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا هَكَذَا هُوَ مُكَرَّرٌ ثَلَاثًا فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَكَرُّرِ الدُّعَاءِ ثَلَاثًا قَوْلُهُ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالزَّايِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ السَّحَابِ وَجَمَاعَتُهَا قَزَعٌ كَقَصَبَةٍ وَقَصَبٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْخَرِيفِ قَوْلُهُ وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ دَارٍ هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ جَبَلٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ وَمُرَادُهُ بِهَذَا الْإِخْبَارُ عَنْ مُعْجِزَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَظِيمِ كَرَامَتِهِ عَلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِإِنْزَالِ الْمَطَرِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ متصلا بسؤاله من غير تقديم سَحَابٍ وَلَا قَزَعٍ وَلَا سَبَبٍ آخَرَ لَا ظَاهِرٍ وَلَا بَاطِنٍ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ أَيْ نَحْنُ مُشَاهِدُونَ لَهُ وَلِلسَّمَاءِ وَلَيْسَ هُنَاكَ سَبَبٌ لِلْمَطَرِ أَصْلًا قَوْلُهُ ثُمَّ أَمْطَرَتْ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَكَذَا جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ يُقَالُ مَطَرَتْ وَأَمْطَرَتْ لُغَتَانِ فِي الْمَطَرِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يُقَالُ أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ إِلَّا فِي الْعَذَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وأمطرنا عليهم حجارة وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَلَفْظَةُ أَمْطَرَتْ تُطْلَقُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَتُعْرَفُ بِالْقَرِينَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا وَهَذَا مِنْ أَمْطَرَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَطَرُ فِي الْخَيْرِ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوهُ خَيْرًا فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ به قَوْلُهُ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا هُوَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ أَيْ قِطْعَةً مِنَ الزَّمَانِ وَأَصْلُ

السَّبْتِ الْقَطْعُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ شُكِيَ إِلَيْهِ كَثْرَةُ الْمَطَرِ وَانْقِطَاعُ السُّبُلِ وَهَلَاكُ الْأَمْوَالِ مِنْ كَثْرَةِ الْأَمْطَارِ اللَّهُمَّ حَوْلَنَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَوَالَيْنَا وَهُمَا صَحِيحَانِ وَلَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ قَالَ فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي هَذَا الْفَصْلِ فَوَائِدُ مِنْهَا الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِجَابَةِ دُعَائِهِ مُتَّصِلًا بِهِ حَتَّى خَرَجُوا فِي الشَّمْسِ وَفِيهِ أَدَبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ رَفْعَ الْمَطَرِ مِنْ أَصْلِهِ بَلْ سَأَلَ رَفْعَ ضَرَرِهِ وَكَشْفَهُ عَنِ الْبُيُوتِ وَالْمَرَافِقِ وَالطُّرُقِ بِحَيْثُ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ ساكن ولا بن سَبِيلٍ وَسَأَلَ بَقَاءَهُ فِي مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ بِحَيْثُ يَبْقَى نَفْعُهُ وَخِصْبُهُ وَهِيَ بُطُونُ الْأَوْدِيَةِ وَغَيْرُهَا مِنَ الْمَذْكُورِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْإِكَامُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ أَكَمَةٍ وَيُقَالُ فِي جَمْعِهَا آكَامٌ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ وَيُقَالُ أَكَمٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْكَافِ وَأُكُمٌ بِضَمِّهِمَا وَهِيَ دُونَ الْجَبَلِ وَأَعْلَى مِنَ الرَّابِيَةِ وَقِيلَ دُونَ الرَّابِيَةِ وَأَمَّا الظِّرَابُ فَبِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاحِدُهَا ظَرِبٌ بِفَتْحِ الظَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَهِيَ الرَّوَابِي الصِّغَارُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ طَلَبِ انْقِطَاعِ الْمَطَرِ عَلَى الْمَنَازِلِ وَالْمَرَافِقِ إِذَا كَثُرَ وَتَضَرَّرُوا بِهِ وَلَكِنْ لَا تُشْرَعُ لَهُ صَلَاةٌ وَلَا اجْتِمَاعٌ فِي الصَّحْرَاءِ قَوْلُهُ فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ وَفِي أَكْثَرِهَا فَانْقَلَعَتْ وَهُمَا بِمَعْنًى قَوْلُهُ فَسَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَهُوَ الرَّجُلُ الْأَوَّلُ قَالَ لَا أَدْرِي قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ أَيْ قَحْطٌ

قَوْلُهُ فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ إِلَّا تَفَجَّرَتْ أَيْ تَقَطَّعَ السَّحَابُ وَزَالَ عَنْهَا قَوْلُهُ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ فِي مِثْلِ الْجَوْبَةِ هِيَ بفتح الجيم واسكان الواو وبالباء الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ الْفَجْوَةُ وَمَعْنَاهُ تَقَطَّعَ السَّحَابُ عَنِ الْمَدِينَةِ وَصَارَ مُسْتَدِيرًا حَوْلَهَا وَهِيَ خَالِيَةٌ مِنْهُ قَوْلُهُ وَسَالَ وَادِي قَنَاةَ شَهْرًا قَنَاةُ بِفَتْحِ الْقَافِ اسْمٌ لِوَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ الْمَدِينَةِ وَعَلَيْهِ زُرُوعٌ لَهُمْ فَأَضَافَهُ هُنَا إِلَى نَفْسِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْبَدَلِ وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ وَهُوَ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ يُقَدَّرُ فِيهِ مَحْذُوفٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَسَالَ الْوَادِي وَادِي قَنَاةَ قَوْلُهُ أَخْبَرَ بِجَوْدٍ هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَهُوَ الْمَطَرُ الْكَثِيرُ قَوْلُهُ قَحَطَ الْمَطَرُ هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا أَيْ أَمْسَكَ قَوْلُهُ وَاحْمَرَّ الشَّجَرُ كِنَايَةٌ عَنْ يُبْسِ وَرَقِهَا وَظُهُورِ عُودِهَا قَوْلُهُ فَتَقَشَّعَتْ أَيْ زَالَتْ قَوْلُهُ وَمَا تُمْطِرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةً هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ تُمْطِرُ وَبِنَصْبِ قَطْرَةٍ قَوْلُهُ مِثْلِ الْإِكْلِيلِ هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هِيَ الْعِصَابَةُ وَتُطْلَقُ عَلَى

كُلِّ مُحِيطٍ بِالشَّيْءِ قَوْلُهُ فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ السَّحَابِ وَمَكَثْنَا حَتَّى رَأَيْتُ الرَّجُلَ الشَّدِيدَ تُهِمُّهُ نَفْسُهُ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَمَكَثْنَا وَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا وَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهِ أَنَّهُ رُوِيَ فِي نُسَخِ بِلَادِهِمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ لَيْسَ مِنْهَا هَذَا فَفِي رِوَايَةٍ لَهُمْ وَبَلَّتْنَا وَمَعْنَاهُ أَمْطَرَتْنَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ يُقَالُ بَلَّ السَّحَابُ بِالْمَطَرِ بَلًّا وَالْبَلَلُ الْمَطَرُ وَيُقَالُ انْهَلَّتْ أَيْضًا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمْ وَمَلَتْنَا بِالْمِيمِ مُخَفَّفَةِ اللَّامِ قَالَ الْقَاضِي وَلَعَلَّ مَعْنَاهُ أَوْسَعَتْنَا مَطَرًا وَفِي رِوَايَةٍ مَلَأَتْنَا بِالْهَمْزِ وَقَوْلُهُ تُهِمُّهُ نَفْسُهُ ضَبَطْنَاهُ بِوَجْهَيْنِ فَتْحِ التَّاءِ مَعَ ضَمِّ الْهَاءِ وَضَمِّ التَّاءِ مَعَ كَسْرِ الْهَاءِ يُقَالُ هَمَّهُ الشَّيْءُ وَأَهَمَّهُ أَيِ اهْتَمَّ لَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هَمَّهُ أَذَابَهُ وَأَهَمَّهُ غمه قَوْلُهُ فَرَأَيْتُ السَّحَابَ يَتَمَزَّقُ كَأَنَّهُ الْمُلَاءُ حِينَ تُطْوَى هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْمَدِّ وَالْوَاحِدَةُ مُلَاءَةٌ بالضم والمد وهي الريطة كَالْمِلْحَفَةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مَمْدُودٌ فِي الْجَمْعِ وَالْمُفْرَدِ وَرَأَيْتُ فِي كِتَابِ الْقَاضِي قَالَ هُوَ مَقْصُورٌ وَهُوَ غَلَطٌ مِنَ النَّاسِخِ فَإِنْ كَانَ مِنَ الْأَصْلِ كَذَلِكَ فَهُوَ خَطَأٌ بِلَا شَكٍّ وَمَعْنَاهُ تَشْبِيهُ انْقِطَاعِ السَّحَابِ وَتَجْلِيلِهِ بِالْمُلَاءَةِ الْمَنْشُورَةِ إِذَا طُوِيَتْ [898] قَوْلُهُ حَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ الْمَطَرُ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا قَالَ لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ مَعْنَى حَسَرَ كَشَفَ أَيْ كَشَفَ بَعْضَ بَدَنِهِ وَمَعْنَى حَدِيثُ عهد بربه أي بتكوين ربه اياه ومعناه أَنَّ الْمَطَرَ رَحْمَةٌ وَهِيَ قَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا فَيُتَبَرَّكُ بِهَا وَفِي

هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِقَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ أَوَّلِ الْمَطَرِ أَنْ يَكْشِفَ غَيْرَ عَوْرَتِهِ لِيَنَالَهُ الْمَطَرُ وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا وَفِيهِ أَنَّ الْمَفْضُولَ إِذَا رَأَى مِنَ الْفَاضِلِ شَيْئًا لَا يَعْرِفُهُ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهُ لِيُعَلِّمَهُ فَيَعْمَلَ بِهِ وَيُعَلِّمَهُ غيره [899] قَوْلُهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ فَإِذَا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي فِيهِ الِاسْتِعْدَادُ بِالْمُرَاقَبَةِ لِلَّهِ وَالِالْتِجَاءِ إِلَيْهِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَحُدُوثِ مَا يخاف بسببه وَكَانَ خَوْفُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَاقَبُوا بِعِصْيَانِ الْعُصَاةِ وَسُرُورُهُ لِزَوَالِ سَبَبِ الْخَوْفِ قَوْلُهُ وَيَقُولُ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ رَحْمَةٌ أَيْ هَذَا رَحْمَةٌ قَوْلُهُ وَإِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ

تَخَيَّلَتْ مِنَ الْمَخِيلَةِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَهِيَ سَحَابَةٌ فِيهَا رَعْدٌ وَبَرْقٌ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَاطِرَةٌ وَيُقَالُ أَخَالَتْ إِذَا تَغَيَّمَتْ قَوْلُهَا مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ إِنَّمَا كَانَ يتبسم وَالْمُسْتَجْمِعُ الْمُجِدُّ فِي الشَّيْءِ الْقَاصِدُ لَهُ وَاللَّهَوَاتُ جَمْعُ لَهَاةٍ وَهِيَ اللَّحْمَةُ الْحَمْرَاءُ الْمُعَلَّقَةُ عَلَى الحنك قاله الأصمعي [900] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُصِرْتُ بِالصَّبَا هِيَ بِفَتْحِ الصَّادِ وَمَقْصُورَةٌ

(كتاب الكسوف يقال كسفت الشمس والقمر بفتح الكاف

وَهِيَ الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ وَهِيَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَهِيَ الرِّيحُ الْغَرْبِيَّةُ (كِتَاب الْكُسُوفِ يُقَالُ كَسَفَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكُسِفَا بِضَمِّهَا وَانْكَسَفَا وَخَسَفَا وَخُسِفَا وَانْخَسَفَا بِمَعْنًى وَقِيلَ كَسْفُ الشَّمْسِ بِالْكَافِ وَخَسْفُ الْقَمَرِ بِالْخَاءِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَكْسَهُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْمُتَقَدِّمِينَ وَهُوَ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَسَفَ الْقَمَرُ ثُمَّ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّ الْخُسُوفَ وَالْكُسُوفَ يَكُونُ لِذَهَابِ ضَوْئِهِمَا كُلِّهُ وَيَكُونُ لِذَهَابِ بَعْضِهِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْإِمَامُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ الْخُسُوفُ فِي الْجَمِيعِ وَالْكُسُوفُ فِي بَعْضٍ وَقِيلَ الْخُسُوفُ ذَهَابُ لَوْنِهِمَا وَالْكُسُوفُ تَغَيُّرُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ رُوِيَتْ عَلَى أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ ذَكَرَ مُسْلِمٌ مِنْهَا جُمْلَةً وَأَبُو دَاوُدَ أُخْرَى وَغَيْرُهُمَا أُخْرَى وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُسَنُّ فِعْلُهَا جَمَاعَةً وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ فُرَادَى وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَتِهَا فَالْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وَقِرَاءَتَانِ وَرُكُوعَانِ وَأَمَّا السُّجُودُ فَسَجْدَتَانِ كَغَيْرِهِمَا وَسَوَاءٌ تَمَادَى الْكُسُوفُ أَمْ لَا وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ هُمَا رَكْعَتَانِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ عَمَلًا بِظَاهِرِ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ عَائِشَةَ من رواية عروة وعمرة وحديث جابر وبن عباس وبن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ ركعة ركوعان وسجدتان قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا أَصَحُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ وَبَاقِي الرِّوَايَاتِ الْمُخَالِفَةِ مُعَلَّلَةٌ ضَعِيفَةٌ وحملوا حديث بن سَمُرَةَ بِأَنَّهُ مُطْلَقٌ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُبَيِّنُ الْمُرَادَ بِهِ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْ عَائِشَةَ وعن بن عَبَّاسٍ وَعَنْ جَابِرٍ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثلاث ركعات ومن رواية بن عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعُ)

رَكَعَاتٍ قَالَ الْحُفَّاظُ الرِّوَايَاتُ الْأُوَّلُ أَصَحُّ وَرُوَاتُهَا أَحْفَظُ وَأَضْبَطُ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسُ رَكَعَاتٍ وَقَدْ قَالَ بِكُلِّ نَوْعٍ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الرِّوَايَاتِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ حَالِ الْكُسُوفِ فَفِي بَعْضِ الأوقات تأخر انجلاء الكسوف فزاد عدد الركوع وَفِي بَعْضِهَا أَسْرَعَ الِانْجِلَاءُ فَاقْتَصَرَ وَفِي بَعْضِهَا تَوَسَّطَ بَيْنَ الْإِسْرَاعِ وَالتَّأَخُّرِ فَتَوَسَّطَ فِي عَدَدِهِ وَاعْتَرَضَ الْأَوَّلُونَ عَلَى هَذَا بِأَنَّ تَأَخُّرَ الِانْجِلَاءِ لَا يُعْلَمُ فِي أَوَّلِ الْحَالِ وَلَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَدِ اتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّ عَدَدَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ سَوَاءٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ مَنْوِيٌّ مِنْ أَوَّلِ الْحَالِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ إسحاق بن راهويه وبن جرير وبن الْمُنْذِرِ جَرَتْ صَلَاةُ الْكُسُوفِ فِي أَوْقَاتٍ وَاخْتِلَافُ صِفَاتِهَا مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ جَوَازِ جَمِيعِ ذَلِكَ فَتَجُوزُ صَلَاتُهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَنْوَاعِ الثَّابِتَةِ وَهَذَا قَوِيٌّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِيَامِ الثَّانِي فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إِلَّا بِقِرَاءَتِهَا فِيهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقِيَامَ الثَّانِي وَالرُّكُوعَ الثَّانِي مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَقْصَرُ مِنَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ وَالرُّكُوعِ وَكَذَا الْقِيَامُ الثَّانِي وَالرُّكُوعُ الثَّانِي مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَقْصَرُ مِنَ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا مِنَ الثَّانِيَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ وَالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ مِنَ الثَّانِيَةِ هَلْ هُمَا أَقْصَرُ مِنَ الْقِيَامِ الثَّانِي وَالرُّكُوعِ الثَّانِي مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَيَكُونُ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ وَدُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ أَمْ يَكُونَانِ سَوَاءً وَيَكُونُ قَوْلُهُ دُونَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ أَيْ أَوَّلُ قِيَامٍ وَأَوَّلُ رُكُوعٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ إِطَالَةِ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ فِيهِمَا كَمَا جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ قِيَامٍ وَأَدَّى طُمَأْنِينَتَهُ فِي كُلِّ رُكُوعٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَفَاتَهُ الْفَضِيلَةُ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِحْبَابِ إِطَالَةِ السُّجُودِ فَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا يُطَوِّلُهُ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى قَدْرِهِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ يُسْتَحَبُّ إِطَالَتُهُ نَحْوَ الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهُ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ وَيَقُولُ فِي كُلِّ رَفْعٍ مِنْ رُكُوعٍ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ يَقُولُ عَقِبَهُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ إِلَى آخِرِهِ

وَالْأَصَحُّ اسْتِحْبَابُ التَّعَوُّذِ فِي ابْتِدَاءِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ قِيَامٍ وَقِيلَ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْخُطْبَةِ لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ فقال الشافعي واسحاق وبن جَرِيرٍ وَفُقَهَاءُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يُسْتَحَبُّ بَعْدَهَا خُطْبَتَانِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَدَلِيلُ الشَّافِعِيِّ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ بَعْدَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ [901] قَوْلُهُ فَأَطَالَ الْقِيَامَ جِدًّا وَأَطَالَ الرُّكُوعَ جِدًّا ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ لَا يُطَوِّلُ السُّجُودَ وَحُجَّةُ الْآخَرِينَ الْأَحَادِيثُ الْمُصَرِّحَةُ بِتَطْوِيلِهِ وَيُحْمَلُ هَذَا الْمُطْلَقُ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ جِدًّا بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ أي جد جِدًّا قَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ وَصَفَ الصَّلَاةَ ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي اسْتِحْبَابِ الْخُطْبَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَفِيهِ أَنَّ الْخُطْبَةَ لَا تَفُوتُ بِالِانْجِلَاءِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ يَكُونُ أَوَّلُهَا الْحَمْدَ لِلَّهِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَفْظَةَ الْحَمْدُ لِلَّهِ مُتَعَيَّنَةٌ فَلَوْ قَالَ مَعْنَاهَا لَمْ تَصِحَّ خُطْبَتُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يخسفان لموت

أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُمْ قَالُوا كَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْكَلَامَ رَدًّا عَلَيْهِمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ بَعْضَ الْجَاهِلِيَّةِ الضُّلَّالَ كَانُوا يُعَظِّمُونَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ فَبَيَّنَ أَنَّهُمَا آيَتَانِ مَخْلُوقَتَانِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا صُنْعَ لَهُمَا بَلْ هُمَا كَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ يَطْرَأُ عَلَيْهِمَا النَّقْصُ وَالتَّغَيُّرُ كَغَيْرِهِمَا وَكَانَ بَعْضُ الضُّلَّالِ مِنَ الْمُنَجِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُ لَا يَنْكَسِفَانِ إِلَّا لِمَوْتِ عَظِيمٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ لَا يُغْتَرُّ بِأَقْوَالِهِمْ لَا سِيَّمَا وَقَدْ صَادَفَ مَوْتَ إِبْرَاهِيمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَكَبِّرُوا وَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا فِيهِ الْحَثُّ عَلَى هَذِهِ الطَّاعَاتِ وَهُوَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ إِنْ مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ بِكَسْرِ هَمْزَةِ إِنْ وَإِسْكَانِ النُّونِ أَيْ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ قَالُوا مَعْنَاهُ ليس أحدا مَنَعَ مِنَ الْمَعَاصِي مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا أَشَدَّ كَرَاهَةً لَهَا مِنْهُ سُبْحَانَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا مَعْنَاهُ لَوْ تَعْلَمُونَ مِنْ عِظَمِ انْتِقَامِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الْجَرَائِمِ وَشِدَّةِ عِقَابِهِ وَأَهْوَالِ الْقِيَامَةِ وَمَا بَعْدَهَا كَمَا عَلِمْتُ وَتَرَوْنَ النار كما رأيت في مقامي هذا وفي غيره لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَقَلَّ ضَحِكُكُمْ لِفِكْرِكُمْ فِيمَا عَلِمْتُمُوهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ مَعْنَاهُ مَا أَمَرْتُ بِهِ مِنَ التَّحْذِيرِ وَالْإِنْذَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أُرْسِلَ بِهِ

وَالْمُرَادُ تَحْرِيضُهُمْ عَلَى تَحَفُّظِهِ وَاعْتِنَائِهِمْ بِهِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِنْذَارِهِمْ قَوْلُهُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَقَامَ فَكَبَّرَ وَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ فِيهِ إِثْبَاتُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ فِعْلِهَا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي تُصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا لَمْ يَخْرُجْ إِلَى الْمُصَلَّى لِخَوْفِ فَوَاتِهَا بِالِانْجِلَاءِ فَالسُّنَّةُ الْمُبَادَرَةُ بِهَا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُهَا جَمَاعَةً وَتَجُوزُ فُرَادَى وَتُشْرَعُ لِلْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ وَسَائِرِ مَنْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ قَوْلُهَا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَقَالَ فِي الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ الثَّانِي مِثْلَهُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي صِفَةِ سَائِرِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي كُلِّ رَفْعٍ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الْكُسُوفِ سَوَاءٌ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَافْزَعُوا لِلصَّلَاةِ وَفِي رِوَايَةٍ فَصَلُّوا حَتَّى يُفَرِّجُ اللَّهُ عَنْكُمْ مَعْنَاهُ بَادِرُوا بِالصَّلَاةِ

وَأَسْرِعُوا إِلَيْهَا حَتَّى يَزُولَ عَنْكُمْ هَذَا الْعَارِضُ الَّذِي يُخَافُ كَوْنُهُ مُقَدِّمَةَ عَذَابٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أُقَدِّمُ ضَبَطْنَاهُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ وَمَعْنَاهُ أُقَدِّمُ نَفْسِي أَوْ رِجْلِي وَكَذَا صَرَّحَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِضَبْطِهِ وَضَبَطَهُ جَمَاعَةٌ أَقْدُمُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَضَمِّ الدَّالِ وَهُوَ مِنَ الْإِقْدَامِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ فِيهِ أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مَوْجُودَةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَمَعْنَى يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا لِشِدَّةِ تَلْهِيبِهَا وَاضْطِرَابِهَا كَأَمْوَاجِ الْبَحْرِ الَّتِي يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ هُوَ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ مُعَذَّبٌ فِي نَفْسِ جَهَنَّمَ الْيَوْمَ عَافَانَا اللَّهُ وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ فِيهِ التَّأَخُّرُ عَنْ مَوَاضِعِ الْعَذَابِ وَالْهَلَاكِ قَوْلُهُ فَبَعَثَ مُنَادِيًا بِالصَّلَاةِ جَامِعَةً لَفْظَةُ جَامِعَةً مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْحَالِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهُ

يُسْتَحَبُّ أَنْ يُنَادَى لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ لَهَا وَلَا يُقَامُ قَوْلُهُ جَهَرَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ هَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْجُمْهُورِ مَحْمُولٌ عَلَى كُسُوفِ الْقَمَرِ لِأَنَّ مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يُسِرُّ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَيَجْهَرُ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ وَقَالَ أَبُو يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد واسحق وَغَيْرُهُمْ يَجْهَرُ فِيهِمَا وَتَمَسَّكُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ حَزَرُوا الْقِرَاءَةَ بِقَدْرِ الْبَقَرَةِ وغيرها ولو كان جهرا لعلم قدرها بلا حزر وقال بن جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ الْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ سَوَاءٌ قَوْلُهُ حَدَّثَنِي مَنْ أُصَدِّقُ حَسِبْتُهُ يُرِيدُ عَائِشَةَ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنِ الْجُمْهُورِ وَعَنْ بَعْضِ رُوَاتِهِمْ مَنْ أُصَدِّقُ حَدِيثَهُ يُرِيدُ عَائِشَةَ وَمَعْنَى اللَّفْظَيْنِ مُتَغَايِرٌ فَعَلَى

رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ لَهُ حُكْمُ الْمُرْسَلِ إِنْ قُلْنَا بِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَنَّ قَوْلَهُ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ قَوْلُهُ رَكْعَتَيْنِ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ أَيْ في كل ركعة يركع ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَوْلُهُ سِتُّ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعُ سَجَدَاتٍ أَيْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ رُكُوعٌ ثلاث مرات وسجدتان [903] قَوْلُهُ بَيْنَ ظَهْرَيِ الْحُجَرِ أَيْ بَيْنَهَا قَوْلُهَا حَتَّى انْتَهَى إِلَى مُصَلَّاهُ تَعْنِي مَوْقِفَهُ فِي الْمَسْجِدِ فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ أَنْ تَكُونَ فِي الْجَامِعِ وَفِي جَمَاعَةٍ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ وَفِي آخِرِهِ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فِيهِ إِثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَتُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ وَمَعْنَى تُفْتَنُونَ تُمْتَحَنُونَ فَيُقَالُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ وَيَقُولُ الْمُنَافِقُ سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ هَكَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ أَيْ فِتْنَةً شَدِيدَةً جِدًّا وَامْتِحَانًا هَائِلًا وَلَكِنْ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت [904] قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ طَوَّلَ الِاعْتِدَالَ الَّذِي يَلِي السُّجُودَ وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ وَلَا فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ أَبِي الزُّبَيْرِ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُطَوِّلُ الِاعْتِدَالَ الَّذِي يَلِي السُّجُودَ وَحِينَئِذٍ يُجَابُ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بجوابين

أَحَدُهُمَا أَنَّهَا شَاذَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ فَلَا يُعْمَلُ بِهَا وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطَالَةِ تَنْفِيسُ الِاعْتِدَالِ وَمَدُّهُ قَلِيلًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ إِطَالَتُهُ نَحْوَ الرُّكُوعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَ عَلَيَّ كُلُّ شَيْءٍ تُولَجُونَهُ أَيْ تَدْخُلُونَهُ مِنْ جَنَّةٍ وَنَارٍ وَقَبْرٍ وَمَحْشَرٍ وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ تَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَآهُمَا رُؤْيَةَ عَيْنٍ كَشَفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَأَزَالَ الْحُجُبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا كَمَا فَرَّجَ لَهُ عَنِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى حِينَ وَصَفَهُ وَيَكُونُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ أَيْ فِي جِهَتِهِ وَنَاحِيَتِهِ أَوْ فِي التَّمْثِيلِ لِقُرْبِ الْمُشَاهَدَةِ قَالُوا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رُؤْيَةَ عِلْمٍ وَعَرْضَ وَحْيٍ بِإِطْلَاعِهِ وَتَعْرِيفِهِ مِنْ أُمُورِهَا تَفْصِيلًا مَا لَمْ يَعْرِفْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَمِنْ عَظِيمِ شَأْنِهِمَا مَا زَادَهُ عِلْمًا بِأَمْرِهِمَا وَخَشْيَةً وَتَحْذِيرًا وَدَوَامَ ذِكْرٍ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا قَالَ الْقَاضِي وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى وَأَشْبَهُ بِأَلْفَاظِ الْحَدِيثِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الدَّالَّةِ عَلَى رُؤْيَةِ الْعَيْنِ كَتَنَاوُلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعُنْقُودَ وَتَأَخُّرِهِ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَهُ لَفْحُ النَّارِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ حَتَّى لَوْ تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا أَخَذْتُهُ مَعْنَى تَنَاوَلْتُ مَدَدْتُ يَدَيَّ لِآخُذَهُ وَالْقِطْفُ بِكَسْرِ الْقَافِ الْعُنْقُودُ وَهُوَ فِعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالذِّبْحِ بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ وَفِيهِ أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ مَوْجُودَتَانِ الْيَوْمَ وَأَنَّ فِي الْجَنَّةِ ثِمَارًا وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُ فِيهَا امْرَأَةً تُعَذَّبُ فِي هِرَّةٍ لَهَا رَبَطَتْهَا أَيْ بِسَبَبِ هِرَّةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ هَوَامُّهَا وَحَشَرَاتُهَا وَقِيلَ صِغَارُ الطَّيْرِ وَحَكَى الْقَاضِي فَتْحَ الْخَاءِ وَكَسْرَهَا وَضَمَّهَا وَالْفَتْحُ هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ الْقَاضِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمُؤَاخَذَةُ بِالصَّغَائِرِ قَالَ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا عُذِّبَتْ عَلَيْهَا بِالنَّارِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا كَانَتْ كَافِرَةً فَزِيدَ فِي عَذَابِهَا بِذَلِكَ هَذَا كَلَامُهُ وَلَيْسَ بِصَوَابٍ بَلِ الصَّوَابُ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا عُذِّبَتْ بِسَبَبِ الْهِرَّةِ

وَهُوَ كَبِيرَةٌ لِأَنَّهَا رَبَطَتْهَا وَأَصَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَتْ وَالْإِصْرَارُ عَلَى الصَّغِيرَةِ يَجْعَلُهَا كَبِيرَةً كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهَا وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَقْتَضِي كُفْرَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ وَهِيَ الْأَمْعَاءُ قَوْلُهُ ثُمَّ تَأَخَّرَ وَتَأَخَّرَتِ الصُّفُوفُ خَلْفَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى النِّسَاءِ ثُمَّ تَقَدَّمَ وَتَقَدَّمَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى قَامَ

فِي مَقَامِهِ فِيهِ أَنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَضَبَطَ أَصْحَابُنَا الْقَلِيلَ بِمَا دُونَ ثَلَاثِ خُطُوَاتٍ مُتَتَابِعَاتٍ وَقَالُوا الثَّلَاثُ مُتَتَابِعَاتٍ تُبْطِلُهَا وَيَتَأَوَّلُونَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْخُطُوَاتِ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً لَا مُتَوَالِيَةً وَلَا يَصِحُّ تَأْوِيلُهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ خُطْوَتَيْنِ لِأَنَّ قَوْلَهُ انْتَهَيْنَا إِلَى النِّسَاءِ يُخَالِفُهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ لِلنِّسَاءِ وَفِيهِ حُضُورُهُنَّ وَرَاءَ الرِّجَالِ قَوْلُهُ آضَتِ الشَّمْسُ هُوَ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ هَكَذَا ضَبَطَهُ جَمِيعُ الرُّوَاةِ بِبِلَادِنَا وَكَذَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْقَاضِي قَالُوا وَمَعْنَاهُ رَجَعَتْ إِلَى حَالِهَا الْأَوَّلِ قَبْلَ الْكُسُوفِ وَهُوَ مِنْ آضَ يَئِيضُ إِذَا رَجَعَ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ أَيْضًا وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا أَيْ مِنْ ضَرْبِ لَهَبِهَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى تلفح وجوههم النار أَيْ يَضْرِبُهَا لَهَبُهَا قَالُوا وَالنَّفْحُ دُونَ اللَّفْحِ قال الله ... ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك أَيْ أَدْنَى شَيْءٍ مِنْهُ قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَيْتُ فِيهَا

صَاحِبَ الْمِحْجَنِ هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ عَصَا مُغَفَّفَةُ الطَّرْفِ [905] قَوْلُهَا فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ فِيهِ امْتِنَاعُ الْكَلَامِ بِالصَّلَاةِ وَجَوَازُ الْإِشَارَةِ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا إِذَا كَانَتْ لِحَاجَةٍ قَوْلُهَا تَجَلَّانِي الْغَشْيُ هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ وَرُوِيَ أَيْضًا بِكَسْرِ الشِّينِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهُمَا بِمَعْنَى الْغِشَاوَةِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ يَحْصُلُ بِطُولِ الْقِيَامِ فِي الْحَرِّ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْوَالِ وَلِهَذَا جَعَلَتْ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ وَفِيهِ أَنَّ الْغَشْيَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَا دَامَ الْعَقْلُ ثَابِتًا قَوْلُهَا فَأَخَذْتُ قِرْبَةً مِنْ مَاءٍ إِلَى جَنْبِي فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَى رَأْسِي أَوْ عَلَى وَجْهِي مِنَ الْمَاءِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَكْثُرْ أَفْعَالُهَا مُتَوَالِيَةً لِأَنَّ الْأَفْعَالَ إِذَا كَثُرَتْ مُتَوَالِيَةً أَبْطَلَتِ الصَّلَاةَ قَوْلُهُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ إِنَّمَا يَقُولُ لَهُ الْمَلَكَانِ السَّائِلَانِ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ وَلَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ امْتِحَانًا لَهُ وَإِغْرَابًا عَلَيْهِ لِئَلَّا يَتَلَقَّنَ مِنْهُمَا إِكْرَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَفْعَ مَرْتَبَتِهِ فَيُعَظِّمُهُ هُوَ تَقْلِيدًا لَهُمَا لَا اعْتِقَادًا وَلِهَذَا يَقُولُ الْمُؤْمِنُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ وَيَقُولُ المنافق لا أدري فيثبت اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ

الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة قَوْلُهُ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ لَا تَقُلْ كَسَفَتِ الشَّمْسُ وَلَكِنْ قُلْ خَسَفَتِ الشَّمْسُ هَذَا قَوْلٌ لَهُ انْفَرَدَ بِهِ وَالْمَشْهُورُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي أول الباب

قَوْلُهُ فَفَزِعَ قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْفَزَعُ الَّذِي هُوَ الْخَوْفُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْفَزَعُ الَّذِي هُوَ الْمُبَادَرَةُ إِلَى الشَّيْءِ فَأَخْطَأَ بِدِرْعٍ حَتَّى أُدْرِكَ بِرِدَائِهِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لِشِدَّةِ سُرْعَتِهِ وَاهْتِمَامِهِ بِذَلِكَ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ رِدَاءَهُ فَأَخَذَ دِرْعَ بَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ سَهْوًا وَلَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ لِاشْتِغَالِ قَلْبِهِ بِأَمْرِ الْكُسُوفِ فَلَمَّا عَلِمَ أَهْلُ الْبَيْتِ أَنَّهُ تَرَكَ رِدَاءَهُ لَحِقَهُ بِهِ إِنْسَانٌ [907] قَوْلُهُ فِي الرواية الأولى من حديث بن عَبَّاسٍ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا قَدْرَ نَحْوَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ

قَدْرَ نَحْوَ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ لَكَانَ صَحِيحًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ بِكُفْرِ الْعَشِيرِ وَبِكُفْرِ الْإِحْسَانِ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِكُفْرِ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْجَارَّةِ وَضَمِّ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَفِيهِ جَوَازُ إِطْلَاقِ الْكُفْرِ عَلَى كُفْرَانِ الْحُقُوقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الشَّخْصُ كَافِرًا بِاللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ هَذَا اللَّفْظِ مَرَّاتٍ وَالْعَشِيرُ الْمُعَاشِرُ كَالزَّوْجِ وَغَيْرِهِ فِيهِ ذَمُّ كُفْرَانِ الْحُقُوقِ لِأَصْحَابِهَا قَوْلُهُ تَكَعْكَعْتَ أَيْ تَوَقَّفْتَ وَأَحْجَمْتَ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ يُقَالُ تَكَعْكَعَ الرَّجُلُ وَتَكَاعَى وكع وكوعا إذا أحجم وجبن [908] قوله ثمان ركعات في أربع

سجدات أي ركع ثمان مَرَّاتٍ كُلُّ أَرْبَعٍ فِي رَكْعَةٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا فِي الْكِتَابِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ [910] قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ بن عَمْرٍو فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ أَيْ رُكُوعَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَالْمُرَادُ بِالسَّجْدَةِ رَكْعَةٌ وَقَدْ سَبَقَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِإِطْلَاقِ السَّجْدَةِ عَلَى رَكْعَةٍ قَوْلُهَا مَا رَكَعْتُ رُكُوعًا قَطُّ وَلَا سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَقَامَ يُصَلِّي بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَمَا رَأَيْتُهُ يَفْعَلُهُ فِي صَلَاةٍ قَطُّ فِيهِمَا دَلِيلٌ لِلْمُخْتَارِ وَهُوَ اسْتِحْبَابُ تَطْوِيلِ السُّجُودِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ فِيهِمَا تَطْوِيلُ السُّجُودِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ مَعَ أَنَّ تَطْوِيلَ السُّجُودِ ثَابِتٌ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَذَكَرَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَتَيْ عَائِشَةَ وَأَبِي مُوسَى وَرَوَاهُ الْبُخَاريُّ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ وَأَبُو داود من طريق غيرهم فتكاثرت طُرُقُهُ وَتَعَاضَدَتْ فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ

بِهِ [912] قَوْلُهُ فَقَامَ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ هَذَا قَدْ يُسْتَشْكَلُ مِنْ حَيْثُ أَنَّ السَّاعَةَ لَهَا مُقَدِّمَاتٌ كَثِيرَةٌ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهَا وَلَمْ تَكُنْ وَقَعَتْ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَخُرُوجِ الدَّابَّةِ وَالنَّارِ وَالدَّجَّالِ وَقِتَالِ التُّرْكِ وَأَشْيَاءَ أُخَرَ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهَا قَبْلَ الساعة كفتوح الشام والعراق ومصر وغيرهما وَإِنْفَاقِ كُنُوزِ كِسْرَى فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِتَالِ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدِهَا لعل هذا الكسوف

قَبْلَ إِعْلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّانِي لَعَلَّهُ خَشِيَ أَنْ تَكُونَ بَعْضَ مُقَدِّمَاتِهَا الثَّالِثِ أَنَّ الرَّاوِيَ ظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ ظَنِّهِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَشِيَ ذَلِكَ حَقِيقَةً بَلْ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَعْجِلًا مُهْتَمًّا بِالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَمْرِ الْكُسُوفِ مُبَادِرًا إِلَى ذَلِكَ وَرُبَّمَا خَافَ أَنْ يَكُونَ نَوْعَ عُقُوبَةٍ كَمَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ هُبُوبِ الرِّيحِ تُعْرَفُ الْكَرَاهَةُ فِي وَجْهِهِ وَيَخَافُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا كَمَا سَبَقَ فِي آخِرِ كِتَابِ الِاسْتِسْقَاءِ فَظَنَّ الرَّاوِي خِلَافَ ذَلِكَ وَلَا اعْتِبَارَ بِظَنِّهِ [913] قَوْلُهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ يَدْعُو وَيُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ حَتَّى جُلِّيَ عَنِ الشَّمْسِ فَقَرَأَ سُورَتَيْنِ وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي الصَّلَاةِ رَافِعٌ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يسبح ويهلل

وَيُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ وَيَدْعُو حَتَّى حَسِرَ قَالَ فَلَمَّا حَسِرَ عَنْهَا قَرَأَ سُورَتَيْنِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ هَذَا مِمَّا يُسْتَشْكَلُ وَيُظَنُّ أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ ابْتَدَأَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ بَعْدَ انْجِلَاءِ الشَّمْسِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ صَلَاتِهَا بَعْدَ الِانْجِلَاءِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ وَجَدَهُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ جَمَعَ الرَّاوِي جَمِيعَ مَا جَرَى فِي الصَّلَاةِ مِنْ دُعَاءٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَحْمِيدٍ وَقِرَاءَةِ سُورَتَيْنِ فِي الْقِيَامَيْنِ الْآخَرَيْنِ لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَكَانَتِ السُّورَتَانِ بَعْدَ الِانْجِلَاءِ تَتْمِيمًا لِلصَّلَاةِ فَتَمَّتْ جُمْلَةُ الصَّلَاةِ رَكْعَتَيْنِ أَوَّلُهَا فِي حَالِ الْكُسُوفِ وَآخِرُهَا بَعْدَ الِانْجِلَاءِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ تقديره لابد مِنْهُ لِأَنَّهُ مُطَابِقٌ لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَلِقَوَاعِدِ الْفِقْهِ وَلِرِوَايَاتِ بَاقِي الصَّحَابَةِ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مَحْمُولَةٌ عَلَيْهِ أَيْضًا لِيَتَّفِقَ الرِّوَايَتَانِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنِ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ تَأَوَّلَهُ عَلَى صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا مُسْتَقِلًّا بَعْدَ انْجِلَاءِ الْكُسُوفِ لِأَنَّهَا صَلَاةَ كُسُوفٍ وَهَذَا ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي الصَّلَاةِ رَافِعٌ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يُسَبِّحُ إِلَى قَوْلِهِ وَيَدْعُو فِيهِ دَلِيلٌ لِأَصْحَابِنَا فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوتِ وَرَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي دَعَوَاتِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ حَسِرَ عَنْهَا أَيْ كَشَفَ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى جُلِّيَ عَنْهَا قَوْلُهُ كُنْتُ أَرْتَمِي بَأَسْهُمٍ أَيْ أَرْمِي كَمَا قَالَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى يُقَالُ أَرْمِي وَأَرْتَمِي وَتَرَامَى وَتَرَمَّى كَمَا قَالَهُ فِي الرِّوَايَةِ الأخيرة قوله

[915] زِيَادُ بْنُ عِلَاقَةَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ إِنَّ الشمس والقمر آيتان لا يكسفان لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا فِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَجَمِيعِ فُقَهَاءِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فِي اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ لِكُسُوفِ الْقَمَرِ عَلَى هَيْئَةِ صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا تُسَنُّ لِكُسُوفِ الْقَمَرِ هَكَذَا وَإِنَّمَا تُسَنُّ رَكْعَتَانِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ فُرَادَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(كتاب الجنائز) [916] الجنازة مشتقة من جنز إذا ستر ذكره بن

(كتاب الجنائز) [916] الْجِنَازَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ جَنَزَ إِذَا سَتَرَ ذَكَرَهُ بن فَارِسٍ وَغَيْرُهُ وَالْمُضَارِعُ يَجْنِزُ بِكَسْرِ النُّونِ وَالْجِنَازَةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَيُقَالُ بِالْفَتْحِ لِلْمَيِّتِ وَبِالْكَسْرِ لِلنَّعْشِ عَلَيْهِ مَيِّتٌ وَيُقَالُ عَكْسُهُ حَكَاهُ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَالْجَمْعُ جَنَائِزُ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَعْنَاهُ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَالْمُرَادُ ذَكِّرُوهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لِتَكُونَ آخِرَ كَلَامِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَالْأَمْرُ بِهَذَا التَّلْقِينِ أَمْرُ نَدْبٍ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذَا التَّلْقِينِ وَكَرِهُوا الْإِكْثَارَ عَلَيْهِ وَالْمُوَالَاةَ لِئَلَّا يَضْجَرَ بِضِيقِ حَالِهِ وَشِدَّةِ كَرْبِهِ فَيَكْرَهُ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ وَيَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَلِيقُ قَالُوا وَإِذَا قَالَهُ مَرَّةً لَا يُكَرِّرُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بَعْدَهُ بِكَلَامٍ آخَرَ فَيُعَادُ التَّعْرِيضُ بِهِ لِيَكُونَ آخِرَ كَلَامِهِ وَيَتَضَمَّنُ الْحَدِيثُ الْحُضُورَ عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ لِتَذْكِيرِهِ وَتَأْنِيسِهِ وَإِغْمَاضِ عَيْنَيْهِ وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ وَرَوْحٌ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ جَمِيعًا بِهَذَا الْإِسْنَادِ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَهُوَ صَحِيحٌ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ الَّذِي سَبَقَ فِيهِ الْإِسْنَادُ الْأَوَّلُ وَمَعْنَاهُ رَوَى عَنْهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَهُوَ كَمَا قاله)

أَبُو عَلِيٍّ وَلَوْ قَالَ مُسْلِمٌ جَمِيعًا عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَوْضَحَ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ عَادَتِهِ فِي الْكِتَابِ لَكِنَّهُ حَذَفَهُ هُنَا لِوُضُوحِهِ عِنْدَ أَهْلِ هَذِهِ الصَّنْعَةِ [918] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ فِيهِ فَضِيلَةُ هَذَا الْقَوْلِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْمَنْدُوبَ مَأْمُورٌ بِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْمُورٌ بِهِ مَعَ أَنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ تَقْتَضِي نَدْبَهُ وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ مُنْعَقِدٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا قَالَ الْقَاضِي أَجِرْنِي بِالْقَصْرِ وَالْمَدِّ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْأَفْعَالِ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ هُوَ مَقْصُورٌ لَا يُمَدُّ وَمَعْنَى أَجَرَهُ اللَّهُ أَعْطَاهُ أَجْرَهُ وَجَزَاءُ صَبْرِهِ وَهَمِّهِ فِي مُصِيبَتِهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْلِفْ لِي هُوَ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ لِمَنْ ذَهَبَ لَهُ مَالٌ أو ولد أو قَرِيبٌ أَوْ شَيْءٌ يُتَوَقَّعُ حُصُولُ مِثْلِهِ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْكَ أَيْ رَدَّ عَلَيْكَ مِثْلَهُ فَإِنْ ذَهَبَ مَا لَا يُتَوَقَّعُ مِثْلُهُ بِأَنْ ذَهَبَ وَالِدٌ أَوْ عَمٌّ أَوْ أخٌ لِمَنْ لَا جَدَّ لَهُ وَلَا وَالِدَ لَهُ قِيلَ خَلَّفَ اللَّهُ عَلَيْكَ بِغَيْرِ أَلِفٍ أَيْ كَانَ اللَّهُ

خَلِيفَةً مِنْهُ عَلَيْكَ وَقَوْلُهَا وَأَنَا غَيُورٌ يُقَالُ امْرَأَةٌ غَيْرَى وَغَيُورٌ وَرَجُلٌ غَيُورٌ وَغَيْرَانُ قَدْ جاء فعول في صفات المؤنث كثيرا كقولهم امْرَأَةٌ عَرُوسٌ وَعَرُوبٌ وَضَحُوكٌ لِكَثِيرَةِ الضَّحِكِ وَعَقَبَةٌ كؤد وَأَرْضٌ صَعُودٌ وَهَبُوطٌ وَحَدُودٌ وَأَشْبَاهُهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ هِيَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَيُقَالُ أَذْهَبَ اللَّهُ الشَّيْءَ وَذَهَبَ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ هُوَ بِقَصْرِ الْهَمْزَةِ وَمَدِّهَا وَالْقَصْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ كَمَا سَبَقَ قَوْلُهَا ثُمَّ عَزَمَ اللَّهُ لِي فَقُلْتُهَا

أَيْ خَلَقَ فِيَّ عَزْمًا وَقَدْ سَبَقَ فِي شَرْحِ أَوَّلِ خُطْبَةِ مُسْلِمٍ أَنَّ فِعْلَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُسَمَّى عَزْمًا مِنْ حَيْثُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْعَزْمِ حُدُوثُ رَأْيٍ لَمْ يَكُنْ وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ هَذَا فَتَأَوَّلُوا قَوْلَ أُمِّ سَلَمَةَ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ خَلَقَ لِي أَوْ فِيَّ عزما [919] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَضَرْتُمُ الْمَرِيضَ أَوِ الْمَيِّتَ فَقُولُوا خَيْرًا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ فِيهِ النَّدْبُ إِلَى قَوْلِ الْخَيْرِ حِينَئِذٍ مِنَ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُ وَطَلَبِ اللُّطْفِ بِهِ وَالتَّخْفِيفِ عَنْهُ وَنَحْوِهِ وَفِيهِ حضور الملائكة حينئذ وتأمينهم [920] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ هُوَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَرَفْعِ بَصَرِهِ وَهُوَ فَاعِلُ شَقَّ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بَصَرَهُ بِالنَّصْبِ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا وَالشِّينُ مَفْتُوحَةٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْقَاضِي قَالَ صَاحِبُ الأفعال يقال شق بصر الْمَيِّتُ بَصَرَهُ وَمَعْنَاهُ شَخَصَ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الأخرى وقال بن

السكيت في الاصلاح والجوهري حكاية عن بن السِّكِّيتِ يُقَالُ شَقَّ بَصَرُ الْمَيِّتِ وَلَا تَقُلْ شَقَّ الْمَيِّتُ بَصَرَهُ وَهُوَ الَّذِي حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَصَارَ يَنْظُرُ إِلَى الشَّيْءِ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِ طَرَفُهُ قَوْلُهَا فَأَغْمَضَهُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ إِغْمَاضِ الْمَيِّتِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ قَالُوا وَالْحِكْمَةُ فيه أن لا يَقْبُحُ بِمَنْظَرِهِ لَوْ تُرِكَ إِغْمَاضُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ مَعْنَاهُ إِذَا خَرَجَ الرُّوحُ مِنَ الْجَسَدِ يَتْبَعهُ الْبَصَرُ نَاظِرًا أَيْنَ يَذْهَبُ وَفِي الروح لغتان التذكير وَالتَّأْنِيثُ وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِلتَّذْكِيرِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا الْمُتَكَلِّمِينَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ أَنَّ الرُّوحَ أَجْسَامٌ لَطِيفَةٌ مُتَخَلِّلَةٌ فِي الْبَدَنِ وَتَذْهَبُ الْحَيَاةُ مِنَ الْجَسَدِ بِذَهَابِهَا وَلَيْسَ عَرْضًا كَمَا قَالَهُ آخَرُونَ وَلَا دَمًا كَمَا قَالَهُ آخَرُونَ وَفِيهَا كَلَامٌ مُتَشَعِّبٌ لِلْمُتَكَلِّمِينَ قَوْلُهَا ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ إِلَى آخِرِهِ فِيهِ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلِأَهْلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ أَيِ الْبَاقِينَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ

[921] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَخَصَ بَصَرُهُ بِفَتْحِ الْخَاءِ أَيِ ارْتَفَعَ وَلَمْ يَرْتَدَّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْبَعُ بَصَرُهُ نَفْسَهُ الْمُرَادُ بِالنَّفْسِ هُنَا الرُّوحُ قَالَ الْقَاضِي وَفِيهِ أَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ بِإِفْنَاءٍ وَإِعْدَامٍ وَإِنَّمَا هُوَ انْتِقَالٌ وَتَغَيُّرُ حَالٍ وَإِعْدَامُ الْجَسَدِ دُونَ الرُّوحِ إِلَّا مَا اسْتَثْنَى مِنْ عَجْبِ الذَّنَبِ قَالَ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ يَقُولُ الرُّوحُ وَالنَّفْسُ بِمَعْنًى [922] قَوْلُهَا غَرِيبٌ وَفِي أَرْضِ غُرْبَةٍ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ قَوْلُهَا أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الصَّعِيدِ الْمُرَادُ بِالصَّعِيدِ هُنَا عَوَالِي الْمَدِينَةِ وَأَصْلُ الصَّعِيدِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ قَوْلُهَا تُسْعِدُنِي أَيْ تُسَاعِدُنِي فِي الْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ [923] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلُّ شيء

عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمَّى مَعْنَاهُ الْحَثُّ عَلَى الصَّبْرِ والتسليم لقضاء الله تعالى وَتَقْدِيرُهُ أَنَّ هَذَا الَّذِي أَخَذَ مِنْكُمْ كَانَ لَهُ لَا لَكُمْ فَلَمْ يَأْخُذْ إِلَّا مَا هو له فينبغي أن لا تَجْزَعُوا كَمَا لَا يَجْزَعُ مَنِ اسْتُرِدَّتْ مِنْهُ وَدِيعَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وله ما أعطى معناه أَنَّ مَا وَهَبَهُ لَكُمْ لَيْسَ خَارِجًا عَنْ مِلْكِهِ بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَفْعَلُ فِيهِ مَا يَشَاءُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمَّى مَعْنَاهُ اصْبِرُوا وَلَا تَجْزَعُوا فَإِنَّ كُلَّ مَنْ يَأْتِ قَدِ انْقَضَى أَجَلُهُ الْمُسَمَّى فَمُحَالٌ تَقَدُّمُهُ أَوْ تَأَخُّرُهُ عَنْهُ فَإِذَا عَلِمْتُمْ هَذَا كُلَّهُ فَاصْبِرُوا وَاحْتَسِبُوا مَا نَزَلَ بِكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى جُمَلٍ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ وَالْآدَابِ قَوْلُهُ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا فِي شَنَّةٍ هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْقَافَيْنِ وَالشَّنَّةُ الْقِرْبَةُ الْبَالِيَةُ وَمَعْنَاهُ لَهَا صَوْتٌ وَحَشْرَجَةٌ كَصَوْتِ الْمَاءِ إِذَا أُلْقِيَ فِي الْقِرْبَةِ الْبَالِيَةِ قَوْلُهُ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ مَعْنَاهُ أَنَّ سَعْدًا ظَنَّ أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْبُكَاءِ حَرَامٌ وَأَنَّ دَمْعَ الْعَيْنِ حَرَامٌ وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسِيَ فَذَكَّرَهُ فَأَعْلَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْبُكَاءِ وَدَمْعٍ بِعَيْنٍ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا مَكْرُوهٍ بَلْ هُوَ رَحْمَةٌ وَفَضِيلَةٌ وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ النَّوْحُ وَالنَّدْبُ وَالْبُكَاءُ الْمَقْرُونُ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا كَمَا

سَيَأْتِي [924] فِي الْأَحَادِيثِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ وَلَكِنْ يُعَذَّبُ بِهَذَا أَوْ يَرْحَمُ وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْعَيْنُ تَدْمَعُ وَالْقَلْبُ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ اللَّهَ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مَا لَمْ يَكُنْ لَقْعٌ أَوْ لَقْلَقَةٌ [924] قَوْلُهُ وَجَدَهُ فِي غَشْيَةٍ هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَ الْقَاضِي هَكَذَا رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ قَالَ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِإِسْكَانِ الشِّينِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي غَاشِيَةٍ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ وَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا مَنْ يَغْشَاهُ مِنْ أَهْلِهِ وَالثَّانِي مَا يَغْشَاهُ مِنْ كَرْبِ الْمَوْتِ [924] قَوْلُهُ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِيهِ اسْتِحْبَابُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَعِيَادَةُ الْفَاضِلِ

المفضول وعيادة الإمام والقاضي والعالم أتباعه [925] قَوْلُهُ مَا عَلَيْنَا نِعَالٌ وَلَا خِفَافٌ وَلَا قَلَانِسُ وَلَا قُمُصٌ فِيهِ مَا كَانَتِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالتَّقَلُّلِ مِنْهَا وَإِطْرَاحِ فُضُولِهَا وَعَدَمِ الِاهْتِمَامِ بِفَاخِرِ اللِّبَاسِ وَنَحْوِهِ وَفِيهِ جَوَازُ الْمَشْيِ حَافِيًا وَعِيَادَةِ الإمام والعالم المريض مع أصحابه [926] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِنَّمَا الصَّبْرُ مَعْنَاهُ الصَّبْرُ الْكَامِلُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ الْجَزِيلُ لِكَثْرَةِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ وَأَصْلُ الصَّدْمِ الضَّرْبُ فِي شَيْءٍ صُلْبٍ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ مَجَازًا فِي كُلِّ مَكْرُوهٍ حَصَلَ بَغْتَةً قَوْلُهُ أَتَى عَلَى امْرَأَةٍ تَبْكِي عَلَى صَبِيٍّ لَهَا فَقَالَ لَهَا اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي فِيهِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ مَعَ كُلِّ أَحَدٍ قَوْلُهَا وَمَا تُبَالِي بِمُصِيبَتِي ثُمَّ قَالَتْ فِي آخِرِهِ لَمْ أَعْرِفْكَ فِيهِ الِاعْتِذَارُ إِلَى أَهْلِ الْفَضْلِ إِذَا أَسَاءَ الْإِنْسَانُ أَدَبَهُ مَعَهُمْ وَفِيهِ صِحَّةُ قَوْلِ الْإِنْسَانِ مَا أُبَالِي بِكَذَا وَالرَّدُّ عَلَى مَنْ زعم أنه لا يجوز اثبات الباء إنما يقال ما باليت كذا وهذا غَلَطٌ بَلِ الصَّوَابُ جَوَازُ إِثْبَاتِ الْبَاءِ وَحَذْفِهَا وَقَدْ كَثُرَ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ قَوْلُهُ فَلَمْ نجد عَلَى بَابِهِ بَوَّابِينَ فِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّوَاضُعِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ وَالْقَاضِي إِذَا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى بَوَّابٍ أَنْ لَا يَتَّخِذَهُ وَهَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا [927] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ بِبُكَاءِ الْحَيِّ وَفِي رِوَايَةٍ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ يَبْكِ عَلَيْهِ يُعَذَّبْ وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَنْكَرَتْ عَائِشَةُ وَنَسَبَتْهَا إِلَى النِّسْيَانِ وَالِاشْتِبَاهِ عَلَيْهِمَا وَأَنْكَرَتْ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ وَاحْتَجَّتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَزِرُ وازرة وزر أخرى قَالَتْ وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَهُودِيَّةٍ أَنَّهَا تُعَذَّبُ وَهُمْ يَبْكُونَ عَلَيْهَا يَعْنِي تُعَذَّبُ بِكُفْرِهَا فِي حَالِ بُكَاءِ أَهْلِهَا لَا بِسَبَبِ الْبُكَاءِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَتَأَوَّلَهَا الْجُمْهُورُ عَلَى مَنْ وَصَّى بِأَنْ يُبْكَى عَلَيْهِ وَيُنَاحَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَنُفِّذَتْ وَصِيَّتُهُ فَهَذَا يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَنَوْحِهِمْ لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ وَمَنْسُوبٌ إِلَيْهِ قَالُوا فَأَمَّا مَنْ بَكَى عَلَيْهِ أَهْلُهُ وَنَاحُوا مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ مِنْهُ فَلَا يُعَذَّبُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تزر وازرة وزر أخرى

(قالوا فخرج الحديث مطلقا حملا على ما كان معتادا

قَالُوا وَكَانَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ الْوَصِيَّةُ بِذَلِكَ وَمِنْهُ قَوْلُ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ ... إِذَا مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ ... وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ ... (قَالُوا فَخَرَجَ الْحَدِيثُ مُطْلَقًا حَمْلًا عَلَى مَا كَانَ مُعْتَادًا لَهُمْ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَوْصَى بِالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ أَوْ لَمْ يُوصِ بِتَرْكِهِمَا فَمَنْ أَوْصَى بِهِمَا أَوْ أهْمَلَ الْوَصِيَّةَ بِتَرْكِهِمَا يُعَذَّبُ بِهِمَا لِتَفْرِيطِهِ بِإِهْمَالِ الْوَصِيَّةِ بِتَرْكِهِمَا فَأَمَّا مَنْ وَصَّى بِتَرْكِهِمَا فَلَا يُعَذَّبُ بِهِمَا إِذْ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِمَا وَلَا تَفْرِيطَ مِنْهُ وَحَاصِلُ هَذَا الْقَوْلِ إِيجَابُ الْوَصِيَّةِ بِتَرْكِهِمَا وَمَنْ أَهْمَلَهُمَا عُذِّبَ بِهِمَا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مَعْنَى الْأَحَادِيثِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنُوحُونَ عَلَى الْمَيِّتِ وَيَنْدُبُونَهُ بِتَعْدِيدِ شَمَائِلِهِ وَمَحَاسِنِهِ فِي زَعْمِهِمْ وَتِلْكَ الشَّمَائِلُ قَبَائِحُ فِي الشَّرْعِ يعذب بها كما كانوا يقولون يا مؤيد النِّسْوَانِ وَمُؤَتِّمَ الْوِلْدَانِ وَمُخَرِّبَ الْعُمْرَانِ وَمُفَرِّقَ الْأَخْدَانِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَرَوْنَهُ شَجَاعَةً وَفَخْرًا وَهُوَ حَرَامٌ شَرْعًا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُعَذَّبُ بِسَمَاعِهِ بُكَاءَ أَهْلِهِ وَيَرِقُّ لَهُمْ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهُوَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَجَرَ امْرَأَةً عَنِ الْبُكَاءِ عَلَى أَبِيهَا وَقَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا بَكَى اسْتَعْبَرَ لَهُ صُوَيْحِبُهُ فَيَا عِبَادَ اللَّهِ لَا تُعَذِّبُوا إِخْوَانَكُمْ وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْكَافِرَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِ الذُّنُوبِ يُعَذَّبُ فِي حَالِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ لَا بِبُكَائِهِمْ وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنِ الْجُمْهُورِ وَأَجْمَعُوا كُلُّهمْ عَلَى اخْتِلَافِ مَذَاهِبِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبُكَاءِ هُنَا الْبُكَاءُ بِصَوْتٍ ونياحة لا مجرد دمع العين قوله ص فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ يُعَذَّبُ فِي قبره بما نيح عليه وما نيح عليه)

(قوله فذكرت ذلك لموسى بن طلحة القائل فذكرت ذلك هو

بِإِثْبَاتِ الْبَاءِ وَحَذْفِهَا وَهُمَا صَحِيحَانِ وَفِي رِوَايَةٍ بِإِثْبَاتِ فِي قَبْرِهِ وَفِي رِوَايَةٍ بِحَذْفِهِ قَوْلُهُ فَقَامَ بِحِيَالِهِ يَبْكِي أَيْ حِذَاءَهُ وَعِنْدَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يُبْكَى عَلَيْهِ يُعَذَّبُ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ يُبْكَى بِالْيَاءِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَيَكُونُ مَنْ بِمَعْنَى الَّذِي وَيَجُوزُ عَلَى لُغَةٍ أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً وَتَثْبِيتَ الْيَاءِ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ ... أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالْأَنْبَاءُ تَنْمِي ... (قَوْلُهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُوسَى بْنِ طَلْحَةَ الْقَائِلُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ قَوْلُهُ عَوَّلَتْ عَلَيْهِ حَفْصَةُ فَقَالَ يَا حَفْصَةُ أَمَا سَمِعْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ قَالَ مُحَقِّقُو أهل اللغة)

يُقَالُ عَوَّلَ عَلَيْهِ وَأَعْوَلَ لُغَتَانِ وَهُوَ الْبُكَاءُ بِصَوْتٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُقَالُ إِلَّا أَعْوَلَ وهذا الحديث يرد عليه [928] قوله عن بن أبي مليكة كنت جالسا إلى جنب بن عُمَرَ وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ جِنَازَةَ أَمِّ أَبَانَ ابْنَةِ عثمان وعنده عمرو بن عثمان فجاء بن عباس يقوده قائد فأراه أخبره بمكان بن عُمَرَ فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِي فَكُنْتُ بَيْنَهُمَا فِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ الْجُلُوسِ وَالِاجْتِمَاعِ لِانْتِظَارِ الجنازة واستحبابه وأما جلوسه بين بن عمر وبن عَبَّاسٍ وَهُمَا أَفْضَلُ بِالصُّحْبَةِ وَالْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ وَالنَّسَبِ وَالسِّنِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْأَدَبَ أَنَّ الْمَفْضُولَ لَا يَجْلِسُ بَيْنَ الْفَاضِلِينَ إِلَّا لِعُذْرٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى عُذْرٍ إِمَّا لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ أَرْفَقُ بِابْنِ عَبَّاسٍ وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ قوله عن بن عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ فَأَرْسَلَهَا عَبْدُ اللَّهِ مُرْسَلَةً مَعْنَاهُ أَنَّ بن عُمَرَ أَطْلَقَ فِي رِوَايَتِهِ تَعْذِيبَ الْمَيِّتِ بِبُكَاءِ الْحَيِّ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِيَهُودِيٍّ كَمَا قَيَّدَتْهُ عَائِشَةُ وَلَا بِوَصِيَّةٍ كَمَا قَيَّدَهُ

آخَرُونَ وَلَا قَالَ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ كَمَا رواه أبوه عُمَرَ [929] قَوْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ فَقَالَتْ لَا وَاللَّهِ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَحَدٍ فِي هَذِهِ جَوَازُ الْحَلِفِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ بِقَرَائِنَ وَإِنْ لَمْ يَقْطَعِ الْإِنْسَانُ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمِنْ هَذَا قَالُوا لَهُ الْحَلِفُ بِدَيْنٍ رَآهُ بِخَطِّ أَبِيهِ الْمَيِّتِ عَلَى فُلَانٍ إِذَا ظَنَّهُ فَإِنْ قِيلَ فَلَعَلَّ عَائِشَةَ لَمْ تَحْلِفْ عَلَى ظَنٍّ بَلْ عَلَى عِلْمٍ وَتَكُونُ سَمِعَتْهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ قُلْنَا هَذَا بَعِيدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أن عمر وبن عُمَرَ سَمِعَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ وَالثَّانِي لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاحْتَجَّتْ بِهِ عَائِشَةُ وَقَالَتْ سَمِعْتُهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ تَحْتَجَّ به إنما

احْتَجَّتْ بِالْآيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [932] قَوْلُهَا وَهِلَ هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ غَلِطَ وَنَسِيَ وَأَمَّا قَوْلُهَا فِي إِنْكَارِهَا سَمَاعَ الْمَوْتَى فَسَيَأْتِي بَسْطُ الْكَلَامِ فِيهِ فِي آخِرِ الْكِتَابِ حَيْثُ ذَكَرَ مُسْلِمٌ

أَحَادِيثَهُ [934] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ قَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا إِلَى آخِرِهِ

فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ النِّيَاحَةِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَفِيهِ صِحَّةُ التَّوْبَةِ مَا لَمْ يَمُتِ الْمُكَلَّفُ وَلَمْ يَصِلْ إِلَى الْغَرْغَرَةِ [935] قَوْلُهَا أَنْظُرُ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ شَقِّ الْبَابِ هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ صَائِرِ الْبَابِ شَقِّ الْبَابِ وَشَقُّ الْبَابِ تَفْسِيرٌ لِلصَّائِرِ وَهُوَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُقَالُ صَائِرُ وَإِنَّمَا يُقَالُ صِيرُ بِكَسْرِ الصَّادِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْهَبْ فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ مِنَ التُّرَابِ هُوَ بِضَمِّ الثَّاءِ وَكَسْرِهَا يُقَالُ حَثَا يَحْثُو وَحَثَى يَحْثِي لُغَتَانِ وَأَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي انكار البكاء عليهم وَمَنْعِهِنَّ مِنْهُ ثُمَّ تَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بُكَاءً بِنَوْحٍ وَصِيَاحٍ وَلِهَذَا تَأَكَّدَ النَّهْيُ وَلَوْ كَانَ مُجَرَّدَ دَمْعِ الْعَيْنِ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَأَنَّهُ رَحْمَةٌ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بُكَاءً مِنْ غَيْرِ نِيَاحَةٍ وَلَا صَوْتٍ قَالَ وَيَبْعُدُ أَنَّ الصَّحَابِيَّاتِ يَتَمَادَيْنَ بَعْدَ تَكْرَارِ نَهْيِهِنَّ عَلَى مُحَرَّمٍ وَإِنَّمَا كَانَ بُكَاءً مُجَرَّدًا وَالنَّهْيُ عَنْهُ تَنْزِيهٌ وَأَدَبٌ لَا لِلتَّحْرِيمِ فَلِهَذَا أَصْرَرْنَ عَلَيْهِ مُتَأَوِّلَاتٍ قَوْلُهُ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفكَ وَاللَّهِ مَا تَفْعَلُ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَنَاءِ مَعْنَاهُ أَنَّكَ قَاصِرٌ لَا تَقُومُ بِمَا أُمِرْتَ بِهِ مِنَ الْإِنْكَارِ لِنَقْصِكَ وَتَقْصِيرِكَ وَلَا تُخْبِرِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُصُورِكَ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يُرْسِلَ غَيْرَكَ وَيَسْتَرِيحَ مِنَ الْعَنَاءِ وَالْعَنَاءُ بِالْمَدِّ الْمَشَقَّةُ وَالتَّعَبُ وَقَوْلُهُمْ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَهُ أَيْ أَلْصَقَهُ بِالرَّغَامِ وَهُوَ التُّرَابُ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى إِذْلَالِهِ وَإِهَانَتِهِ قَوْلُهُ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَا تَرَكْتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من العي هكذا هو مُعْظَمِ نُسَخِ بِلَادِنَا هُنَا الْعِيُّ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيِ التَّعَبُ وَهُوَ بِمَعْنَى الْعَنَاءِ السَّابِقِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى قَالَ الْقَاضِي وَوَقَعَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ الْغَيُّ بِالْمُعْجَمَةِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ قَالَ وَوَقَعَ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ الْعَنَاءُ بِالْمَدِّ وَهُوَ الَّذِي نَسَبَهُ إِلَى الْأَكْثَرِينَ خِلَافَ سِيَاقِ مُسْلِمٍ لِأَنَّ مُسْلِمًا رَوَى الْأَوَّلَ الْعَنَاءَ ثُمَّ رَوَى الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ وَقَالَ إِنَّهَا بِنَحْوِ الْأُولَى إِلَّا فِي هَذَا اللَّفْظِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ خِلَافَهُ [936] قَوْلُهَا أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْبَيْعَةِ أَنْ لَا نَنُوحَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي الْبَيْعَةِ فِيهِ تَحْرِيمُ النَّوْحِ وَعَظِيمُ قبحه والاهتمام

بِإِنْكَارِهِ وَالزَّجْرِ عَنْهُ لِأَنَّهُ مُهَيِّجٌ لِلْحُزْنِ وَرَافِعٌ لِلصَّبْرِ وَفِيهِ مُخَالَفَةُ التَّسْلِيمِ لِلْقَضَاءِ وَالْإِذْعَانِ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهَا فَمَا وَفَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ إِلَّا خَمْسٌ قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ لَمْ يَفِ مِمَّنْ بَايَعَ مَعَ أُمِّ عَطِيَّةَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي بَايَعَتْ فِيهِ مِنَ النِّسْوَةِ إِلَّا خَمْسٌ لَا أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكِ النِّيَاحَةَ مِنَ الْمُسْلِمَاتِ غَيْرُ خَمْسٍ قَوْلُهُ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ حِينَ نُهِينَ عَنِ النِّيَاحَةِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا آلَ فُلَانٍ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّرْخِيصِ لِأُمِّ عَطِيَّةَ فِي آلِ فُلَانٍ خَاصَّةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا تَحِلُّ النِّيَاحَةُ لِغَيْرِهَا وَلَا لَهَا فِي غَيْرِ آلِ فُلَانٍ كَمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْحَدِيثِ وَلِلشَّارِعِ أَنْ يَخُصَّ مِنَ الْعُمُومِ مَا شَاءَ فَهَذَا صَوَابُ الْحُكْمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَاسْتَشْكَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالُوا فِيهِ أَقْوَالًا عَجِيبَةً وَمَقْصُودِي التَّحْذِيرُ مِنَ الِاغْتِرَارِ بِهَا حَتَّى إِنَّ بَعْضَ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ النِّيَاحَةُ لَيْسَتْ بِحَرَامٍ بِهَذَا الْحَدِيِثِ وَقِصَّةُ نِسَاءِ جَعْفَرٍ قَالَ وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ مَا كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ كَشَقِّ الْجُيُوبِ وَخَمْشِ الْخُدُودِ وَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَأَنَّ النِّيَاحَةَ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَهُوَ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَلَيْسَ فِيمَا قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ دليل صحيح لما ذكره والله أعلم

[938] قَوْلُهُ (عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الجنائز ولا يُعْزَمْ عَلَيْنَا) مَعْنَاهُ نَهَانَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ نَهْيَ كَرَاهَةِ تَنْزِيهٍ لَا نَهْيَ عَزِيمَةِ تَحْرِيمٍ وَمَذْهَبُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لَيْسَ بِحَرَامٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْقَاضِي قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِمَنْعِهِنَّ مِنَ اتِّبَاعِهَا وَأَجَازَهُ عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَكَرِهَهُ لِلشَّابَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [939] (اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ) وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ اغْسِلْنَهَا وِتْرًا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا وَفِي رِوَايَةٍ اغْسِلْنَهَا وِتْرًا خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ مُتَّفِقَةٌ فِي الْمَعْنَى وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهَا وَالْمُرَادُ اغْسِلْنَهَا وِتْرًا وَلْيَكُنْ ثَلَاثًا فَإِنِ احْتَجْتُنَّ إِلَى زِيَادَةٍ عَلَيْهَا لِلْإِنْقَاءِ فَلْيَكُنْ خَمْسًا فَإِنِ احْتَجْتُنَّ إِلَى زِيَادَةِ الْإِنْقَاءِ فَلْيَكُنْ سَبْعًا وَهَكَذَا أَبَدًا وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِيتَارَ مَأْمُورٌ بِهِ وَالثَّلَاثَ مَأْمُورٌ بِهَا نَدْبًا فَإِنْ حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِثَلَاثٍ لَمْ تُشْرَعِ الرَّابِعَةُ وَإِلَّا زِيدَ حَتَّى يَحْصُلَ

الْإِنْقَاءُ وَيُنْدَبُ كَوْنُهَا وِتْرًا وَأَصْلُ غُسْلِ الْمَيِّتِ فرض كفاية وكذلك حَمْلُهُ وَكَفَنُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ كُلُّهَا فُرُوضُ كِفَايَةٍ وَالْوَاجِبُ فِي الْغُسْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً عَامَّةً لِلْبَدَنِ هَذَا مُخْتَصَرُ الْكَلَامِ فِيهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ خِطَابٌ لِأُمِّ عَطِيَّةَ وَمَعْنَاهُ إِنِ احْتَجْتُنَّ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ التَّخْيِيرُ وَتَفْوِيضُ ذَلِكَ إِلَى شَهْوَتِهِنَّ وَكَانَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ غَاسِلَةً لِلْمَيِّتَاتِ وَكَانَتْ مِنْ فاضلات الصحابيات الضارية وَاسْمُهَا نُسَيْبَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا وَأَمَّا بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الَّتِي غَسَّلَتْهَا فَهِيَ زَيْنَبُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ السِّيَرِ إِنَّهَا أُمُّ كُلْثُومٍ وَالصَّوَابُ زَيْنَبُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ السِّدْرِ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَيَكُونُ فِي الْمَرَّةِ الْوَاجِبَةِ وَقِيلَ يَجُوزُ فِيهِمَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ شَيْءٍ مِنَ الْكَافُورِ فِي الْأَخِيرَةِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحَبُّ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ هَذَا الْحَدِيثُ وَلِأَنَّهُ يُطَيِّبُ الْمَيِّتَ وَيُصَلِّبُ بَدَنَهُ وَيُبَرِّدُهُ وَيَمْنَعُ إِسْرَاعَ فَسَادِهِ أَوْ يَتَضَمَّنُ إِكْرَامَهُ قَوْلُهَا (فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ فَقَالَ أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ) هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ يَعْنِي إِزَارَهُ وَأَصْلُ الْحِقْوِ مَعْقِدُ الْإِزَارِ وَجَمْعُهُ أَحْقٍ وَحِقِيٌّ وَسُمِّيَ بِهِ الْإِزَارُ مَجَازًا لِأَنَّهُ يُشَدُّ فِيهِ وَمَعْنَى أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ اجْعَلْنَهُ شِعَارًا لَهَا وَهُوَ الثَّوْبُ الَّذِي يَلِي الْجَسَدَ سُمِّيَ شِعَارًا لِأَنَّهُ يَلِي شَعْرَ الْجَسَدِ وَالْحِكْمَةُ فِي إِشْعَارِهَا بِهِ تَبْرِيكُهَا بِهِ فَفِيهِ التَّبَرُّكُ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ وَلِبَاسِهِمْ وَفِيهِ جَوَازُ تَكْفِينِ الْمَرْأَةِ فِي ثَوْبِ الرَّجُلِ قَوْلُهَا (فَمَشَطْنَاهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ) أَيْ ثَلَاثَ ضَفَائِرَ جَعَلْنَا قَرْنَيْهَا ضَفِيرَتَيْنِ

وَنَاصِيَتَهَا ضَفِيرَةً كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَمَشَطْنَاهَا بِتَخْفِيفِ الشِّينِ فِيهِ اسْتِحْبَابُ مَشْطِ رَأْسِ الْمَيِّتِ وَضَفْرِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ لَا يُسْتَحَبُّ الْمَشْطُ وَلَا الضَّفْرُ بَلْ يُرْسَلُ الشَّعْرُ عَلَى جَانِبَيْهَا مُفَرَّقًا وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِ الْحَدِيثُ وَالظَّاهِرُ اطِّلَاعُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ واستئذانه فيه كما في باقي صفة غلسها قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ اغْسِلْنَهَا وِتْرًا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا وَفِي رِوَايَةٍ اغْسِلْنَهَا وِتْرًا خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ مُتَّفِقَةٌ فِي الْمَعْنَى وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهَا وَالْمُرَادُ اغْسِلْنَهَا وِتْرًا وَلْيَكُنْ ثَلَاثًا فَإِنِ احْتَجْتُنَّ إِلَى زِيَادَةٍ عَلَيْهَا لِلْإِنْقَاءِ فَلْيَكُنْ خَمْسًا فَإِنِ احْتَجْتُنَّ إِلَى زِيَادَةِ الْإِنْقَاءِ فَلْيَكُنْ سَبْعًا وَهَكَذَا أَبَدًا وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِيتَارَ مَأْمُورٌ بِهِ وَالثَّلَاثَ مَأْمُورٌ بِهَا نَدْبًا فَإِنْ حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِثَلَاثٍ لَمْ تُشْرَعِ الرَّابِعَةُ وَإِلَّا زِيدَ حَتَّى يَحْصُلَ الْإِنْقَاءُ وَيُنْدَبُ كَوْنُهَا وِتْرًا وَأَصْلُ غُسْلِ الْمَيِّتِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَكَذَا حَمْلُهُ وَكَفَنُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ كُلُّهَا فُرُوضُ كِفَايَةٍ وَالْوَاجِبُ فِي الْغُسْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً عَامَّةً لِلْبَدَنِ هذا مختصر الكلام فيه قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا) فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَقْدِيمِ الْمَيَامِنِ فِي غَسْلِ الْمَيِّتِ وَسَائِرِ الطِّهَارَاتِ وَيَلْحَقُ بِهَا أَنْوَاعُ الْفَضَائِلِ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ مَشْهُورَةٌ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ وُضُوءِ الْمَيِّتِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحَبُّ وَيَكُونُ الْوُضُوءُ عِنْدَنَا فِي أَوَّلِ الْغُسْلِ كَمَا فِي وُضُوءِ الْجُنُبِ وَفِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ هَذَا دَلِيلٌ لِأَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَنَا أَنَّ النِّسَاءَ أَحَقُّ بِغُسْلِ الْمَيِّتَةِ مِنْ زَوْجِهَا وَقَدْ تُمْنَعُ دَلَالَتُهُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّ زَوْجَ زَيْنَبَ كَانَ حَاضِرًا فِي وَقْتِ وَفَاتِهَا لَا مَانِعَ لَهُ مِنْ غُسْلِهَا وَأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّضِ الْأَمْرَ إِلَى النِّسْوَةِ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ لَهُ غُسْلَ زَوْجَتِهِ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ لَهُ غُسْلُهَا وَأَجْمَعُوا أَنَّ لَهَا غُسْلَ زَوْجِهَا وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ

الْغُسْلُ عَلَى مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ مَوْضِعُ تَعْليمٍ فَلَوْ وَجَبَ لَعَلِمَهُ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِوُجُوبِهِ وَأَوْجَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ الْوُضُوءَ مِنْهُ وَالْجُمْهُورُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَلَنَا وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَالْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ فِيهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ مَسَّهُ فَلْيَتَوَضَّأْ ضَعِيفٌ بالِاتِّفَاقِ قَوْلُهُ [940] (فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ) مَعْنَاهُ وُجُوبُ إِنْجَازِ وَعْدٍ بِالشَّرْعِ لَا وُجُوبٌ بِالْعَقْلِ كَمَا تَزْعُمُهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَهُوَ نَحْوُ مَا فِي الْحَدِيثِ حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا مَعْنَاهُ لَمْ يُوَسَّعْ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يُعَجَّلْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ جَزَاءِ عَمَلِهِ قَوْلُهُ (فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ يُكَفَّنْ فِيهِ إِلَّا نَمِرَةً) هِيَ كِسَاءٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَفَنَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الدُّيُونِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِتَكْفِينِهِ فِي نَمِرَتِهِ وَلَمْ يَسْأَلْ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَمْ لَا وَلَا يَبْعُدُ مِنْ حَالِ مَنْ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ إِلَّا نَمِرَةٌ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَاسْتَثْنَى أَصْحَابُنَا مِنَ الدُّيُونِ الدَّيْنَ الْمُتَعَلِّقَ بِعَيْنِ الْمَالِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْكَفَنِ وَذَلِكَ كَالْعَبْدِ الْجَانِي وَالْمَرْهُونِ وَالْمَالِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ زَكَاةٌ أَوْ حَقُّ بَائِعِهِ بِالرُّجُوعِ بِإِفْلَاسٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضَعُوهَا مِمَّا يَلِي رَأْسَهُ وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الْإِذْخِرِ) هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ وَهُوَ حشيش

مَعْرُوفٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا ضَاقَ الْكَفَنُ عَنْ سَتْرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ جُعِلَ مِمَّا يَلِيَ الرَّأْسَ وَجُعِلَ النَّقْصُ مِمَّا يَلِي الرِّجْلَيْنِ وَيَسْتُرُ الرَّأْسَ فَإِنْ ضَاقَ عَنْ ذَلِكَ سُتِرَتِ الْعَوْرَةُ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ جُعِلَ فَوْقَهَا فَإِنْ ضَاقَ عَنِ الْعَوْرَةِ سُتِرَتِ السَّوْأَتَانِ لِأَنَّهُمَا أَهَمُّ وَهُمَا الْأَصْلُ فِي الْعَوْرَةِ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْكَفَنِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ وَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْبَدَنِ عِنْدَ التَّمَكُّنِ فَإِنْ قِيلَ لَمْ يَكُونُوا مُتَمَكِّنِينَ مِنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ لِقَوْلِهِ لَمْ يُوجَدْ لَهُ غَيْرُهَا فَجَوَابُهُ أَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ يُوجَدْ مِمَّا يَمْلِكُ الْمَيِّتُ إِلَّا نَمِرَةٌ وَلَوْ كَانَ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَاجِبًا لَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْحَاضِرِينَ تَتْمِيمُهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرِيبٌ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَإِنْ كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ كَانُوا عَاجِزِينَ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ جَرَتْ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدْ كَثُرَتِ الْقَتْلَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَاشْتَغَلُوا بِهِمْ وَبِالْخَوْفِ مِنَ الْعَدُوِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَبْعُدُ مِنْ حَالِ الْحَاضِرِينَ الْمُتَوَلِّينَ دَفْنَهُ أنْ لَا يَكُونَ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِطْعَةٌ مِنْ ثَوْبٍ وَنَحْوِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (مِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ) أَيْ أَدْرَكَتْ وَنَضِجَتْ قَوْلُهُ (فَهُوَ يَهْدُبُهَا) هُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَبِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِهَا أَيْ يَجْتَنِيهَا يُقَالُ يَنَعَ الثَّمَرُ وَأَيْنَعَ يُنْعًا وَيُنُوعًا فَهُوَ يَانِعٌ وَهَدَبَهَا يَهْدِبُهَا إِذَا جَنَاهَا وهذا اسْتِعَارَةٌ لِمَا فُتِحَ عَلَيْهِمْ مِنَ الدُّنْيَا [941] قَوْلُهَا (كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثلاث أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ) السَّحُولِيَّةُ بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ وهو رواية الأكثرين قال بن الأعرابي وغيره

هِيَ ثِيَابٌ بِيضٌ نَقِيَّةٌ لَا تَكُونُ إِلَّا من القطن وقال بن قُتَيْبَةَ ثِيَابٌ بِيضٌ وَلَمْ يَخُصَّهَا بِالْقُطْنِ وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ مَنْسُوبَةٌ إِلَى سَحُولَ قَرْيَةٍ بِالْيَمَنِ تُعْمَلُ فِيهَا وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ السَّحُولِيَّةُ بِالْفَتْحِ مَنْسُوبَةٌ إِلَى سَحُولَ مَدِينَةٌ بِالْيَمَنِ يُحْمَلُ مِنْهَا هَذِهِ الثِّيَابُ وَبِالضَّمِّ ثِيَابٌ بِيضٌ وَقِيلَ إِنَّ الْقَرْيَةَ ايضا بالضم حكاه بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ السَّابِقِ وَغَيْرِهِمَا وُجُوبُ تَكْفِينِ الْمَيِّتِ وَهُوَ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَيَجِبُ فِي مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يُوَزِّعُهُ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِ الْيَسَارِ وَعَلَى مَا يَرَاهُ وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْكَفَنِ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ لِلرَّجُلِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ وَالْوَاجِبُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ كَمَا سَبَقَ وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْمَرْأَةِ خَمْسَةٌ أَثْوَابٌ وَيَجُوزُ أَنْ يُكَفَّنَ الرَّجُلُ فِي خَمْسَةٍ لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ الثَّلَاثَةَ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى خَمْسَةٍ فَإِسْرَافٌ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ قَوْلُهَا (بِيضٌ) دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ التَّكْفِينِ فِي الْأَبْيَضِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي الثِّيَابِ الْبِيضِ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ وَيُكْرَهُ الْمُصْبَغَاتُ وَنَحْوُهَا مِنْ ثِيَابِ الزِّينَةِ وَأَمَّا الْحَرِيرُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يَحْرُمُ تَكْفِينُ الرَّجُلِ فِيهِ وَيَجُوزُ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ فِيهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَكَرِهَ مَالِكٌ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ التَّكْفِينَ فِي الْحَرِيرِ مُطْلَقًا قال بن الْمُنْذِرِ وَلَا أَحْفَظُ خِلَافَهُ وَقَوْلُهَا لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ مَعْنَاهُ لَمْ يُكَفَّنْ فِي قميص ولاعمامة وَإِنَّمَا كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ غَيْرِهِمَا وَلَمْ يَكُنْ مَعَ الثَّلَاثَةِ شَيْءٌ آخَرُ هَكَذَا فَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْكَفَنِ قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُسْتَحَبُّ قَمِيصٌ وَعِمَامَةٌ وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ الْقَمِيصُ وَالْعِمَامَةُ مِنْ جُمْلَةِ الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا هُمَا زَائِدَانِ عَلَيْهِمَا وَهَذَا ضَعِيفٌ فَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي قَمِيصٍ وَعِمَامَةٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَتَضَمَّنُ أَنَّ الْقَمِيصَ الَّذِي غُسِّلَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُزِعَ عَنْهُ عِنْدَ تَكْفِينِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يُتَّجَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ مَعَ رُطُوبَتِهِ لَأَفْسَدَ الْأَكْفَانَ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي فِي سُنَنِ أَبِي داود عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ الْحُلَّةُ ثَوْبَانِ وَقَمِيصُهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَحَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِأَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي زِيَادٍ أَحَدُ رُوَاتِهِ مُجْمَعٌ عَلَى ضعفه لا سيما وقد خالف بروايته الثقاة قَوْلُهُ (مِنْ كُرْسُفٍ) هُوَ الْقُطْنُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ كَفَنِ الْقُطْنِ

قولها (اما الحلة فانما شبة علىالناس فِيهَا) هُوَ بِضَمِّ الشِّينِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَمَعْنَاهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَلَا تَكُونُ الْحُلَّةُ إِلَّا ثَوْبَيْنِ إِزَارًا وَرِدَاءً قَوْلُهَا (حُلَّةٍ يَمَنِيَّةٍ كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ) ضُبِطَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي مُسْلِمٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْقَاضِي وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي النُّسَخِ أَحَدُهَا يَمَنِيَّةٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مَنْسُوبَةٌ إِلَى الْيَمَنِ وَالثَّانِي يَمَانِيَّةٍ مَنْسُوبَةٌ إِلَى الْيَمَنِ أَيْضًا وَالثَّالِثُ يُمْنَةٍ بِضَمِّ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَهُوَ أَشْهَرُ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَهِيَ عَلَى هَذَا مُضَافَةٌ حُلَّةُ يُمْنَةٍ قَالَ الْخَلِيلُ هِيَ ضَرْبٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ قَوْلُهَا (وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سُحُولٍ يَمَانِيَّةٍ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ سُحُولٍ أَمَّا يَمَانِيَةٍ فَبِتَخْفِيفِ الْيَاءِ عَلَى اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ وَحَكَى سِيبَوَيْهِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا لُغَةً فِي تَشْدِيدِهَا وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَلِفَ بَدَلُ يَاءِ النَّسَبِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ

بَلْ يُقَالُ يَمَنِيَّةٍ أَوْ يَمَانِيَةٍ بِالتَّخْفِيفِ وَأَمَّا قَوْلُهُ سُحُولٍ فَبِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِهَا وَالضَّمُّ أَشْهَرُ وَالسُّحُولُ بِضَمِّ السِّينِ جَمْعُ سَحْلٍ وَهُوَ ثَوْبُ الْقُطْنِ [942] قَوْلُهَا (سُجِّيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَاتَ بِثَوْبِ حِبَرَةٍ) مَعْنَاهُ غُطِّيَ جَمِيعُ بَدَنِهِ وَالْحِبَرَةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ ضَرْبٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَسْجِيَةِ الْمَيِّتِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَحِكْمَتُهُ صِيَانَتُهُ مِنْ الِانْكِشَافِ وَسَتْرُ عَوْرَتِهِ الْمُتَغَيِّرَةِ عَنِ الْأَعْيُنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَلُفُّ طَرَفُ الثَّوْبِ الْمُسَجَّى بِهِ تَحْتَ رَأْسِهِ وَطَرَفُهُ الْآخَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ لِئَلَّا يَنْكَشِفَ عَنْهُ قَالُوا تَكُونُ التَّسْجِيَةُ بَعْدَ نَزْعِ ثِيَابِهِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا لِئَلَّا يتغير بدنه بسببها [943] قَوْلُهُ (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمًا فَذَكَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِضَ فكفن

فِي كَفَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ وَقُبِرَ لَيْلًا فَزَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إِنْسَانٌ إِلَى ذَلِكَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ) قَوْلُهُ غَيْرِ طَائِلٍ أَيْ حَقِيرٍ غَيْرِ كَامِلِ السَّتْرِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَأَمَّا النَّهْيُ عَنِ الْقَبْرِ لَيْلًا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ فَقِيلَ سَبَبُهُ أَنَّ الدَّفْنَ نَهَارًا يَحْضُرهُ كَثِيرُونَ مِنَ النَّاسِ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَلَا يَحْضُرُهُ فِي اللَّيْلِ إِلَّا أَفْرَادٌ وَقِيلَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِاللَّيْلِ لِرَدَاءَةِ الْكَفَنِ فَلَا يَبِينُ فِي اللَّيْلِ وَيُؤَيِّدُهُ أَوَّلُ الْحَدِيثِ وَآخِرُهُ قَالَ الْقَاضِي الْعِلَّتَانِ صَحِيحَتَانِ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَدَهُمَا مَعًا قَالَ وَقَدْ قِيلَ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إِنْسَانٌ إِلَى ذَلِكَ) دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الدَّفْنِ فِي اللَّيْلِ فَكَرِهَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إِلَّا لِضَرُورَةٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يُسْتَدَلُّ لَهُ بِهِ وَقَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لَا يُكْرَهُ وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَمَاعَةً مِنَ السَّلَفِ دُفِنُوا لَيْلًا مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ وَبِحَدِيثِ الْمَرْأَةِ السَّوْدَاءِ وَالرَّجُلِ الَّذِي كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَتُوُفِّيَ بِاللَّيْلِ فَدَفَنُوهُ لَيْلًا وَسَأَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالُوا تُوُفِّيَ لَيْلًا فَدَفَنَّاهُ فِي اللَّيْلِ فَقَالَ أَلَا آذَنْتُمُونِي قَالُوا كَانَتْ ظُلْمَةٌ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّهْيَ كَانَ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ مُجَرَّدِ الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ وَإِنَّمَا نَهَى لِتَرْكِ الصَّلَاةِ أَوْ لِقِلَّةِ الْمُصَلِّينَ أَوْ عَنْ إِسَاءَةِ الْكَفَنِ أَوْ عَنِ الْمَجْمُوعِ كَمَا سَبَقَ وَأَمَّا الدَّفْنُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا وَالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فِيهَا فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ لَا يُكْرَهَانِ إِلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ التَّأْخِيرُ إِلَى ذلك الوقت لغير سبب به قال بن عَبْدِ الْحَكَمِ الْمَالِكِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُصَلَّى عَلَيْهَا بَعْدَ الْإِسْفَارِ وَالِاصْفِرَارِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَوْ تَغِيبَ إِلَّا أَنْ يُخْشَى عَلَيْهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عِنْدَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ وَنِصْفِ النَّهَارِ وَكَرِهَ اللَّيْثُ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ النَّهْيِ وَفِي الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِإِحْسَانِ الْكَفَنِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِإِحْسَانِهِ السَّرَفُ فِيهِ وَالْمُغَالَاةُ وَنَفَاسَتُهُ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ نَظَافَتُهُ وَنَقَاؤُهُ وَكَثَافَتُهُ وَسَتْرُهُ وَتَوَسُّطُهُ وَكَوْنُهُ مِنْ جِنْسِ لِبَاسِهِ فِي الْحَيَاةِ غَالِبًا لَا أَفْخَرَ مِنْهُ وَلَا أَحْقَرَ

وقوله (فليحسن كفنه) ضبطوه بوجهين فتح الفاء وَإِسْكَانِهَا وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَالَ الْقَاضِي وَالْفَتْحُ أَصْوَبُ وأظهر وأقرب إلى لفظ الحديث [944] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ) فِيهِ الْأَمْرُ بِالْإِسْرَاعِ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ يُسْتَحَبُّ الْإِسْرَاعُ بِالْمَشْيِ بِهَا مَا لَمْ يَنْتَهِ إِلَى حَدٍّ يَخَافُ انْفِجَارَهَا وَنَحْوَهُ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخَافَ مِنْ شِدَّتِهِ انْفِجَارَهَا أَوْ نَحْوَهُ وَحَمْلُ الْجِنَازَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا

وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُزْرِيَةِ وَلَا هَيْئَةٍ يُخَافُ مَعَهَا سُقُوطُهَا قَالُوا وَلَا يَحْمِلُهَا إِلَّا الرِّجَالُ وَإِنْ كَانَتِ الْمَيِّتَةُ امْرَأَةً لِأَنَّهُمْ أَقْوَى لِذَلِكَ وَالنِّسَاءُ ضَعِيفَاتٌ وَرُبَّمَا انْكَشَفَ مِنَ الْحَامِلِ بَعْضُ بَدَنِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ اسْتِحْبَابِ الْإِسْرَاعِ بِالْمَشْيِ بِهَا وَأَنَّهُ مُرَادُ الْحَدِيثِ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ الْإِسْرَاعُ بِتَجْهِيزِهَا إِذَا اسْتَحَقَّ مَوْتُهَا وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ وَجَاءَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ كَرَاهَةُ الْإِسْرَاعِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِسْرَاعِ الْمُفْرِطِ الَّذِي يَخَافُ مَعَهُ انْفِجَارَهَا أَوْ خُرُوجَ شَيْءٍ مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ) مَعْنَاهُ أَنَّهَا بَعِيدَةٌ مِنَ الرَّحْمَةِ فَلَا مَصْلَحَةَ لَكُمْ فِي مُصَاحَبَتِهَا وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَرْكُ صُحْبَةِ أَهْلِ الْبَطَالَةِ غَيْرِ الصَّالِحِينَ [945] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ) فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَاتِّبَاعِهَا وَمُصَاحَبَتِهَا حَتَّى تُدْفَنَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ) مَعْنَاهُ بِالْأَوَّلِ فَيَحْصُلُ بِالصَّلَاةِ قِيرَاطٌ وَبِالِاتِّبَاعِ مَعَ حُضُورِ الدَّفْنِ قِيرَاطٌ آخَرُ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ قِيرَاطَيْنِ تُبَيِّنُهُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ فِي أَوَّلِ صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مَنْ شَهِدَ جِنَازَةً وَكَانَ مَعَهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا رَجَعَ مِنَ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَجْمُوعَ بِالصَّلَاةِ وَالِاتِّبَاعِ وَحُضُورِ الدَّفْنِ قِيرَاطَانِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَظَائِرِهَا وَالدَّلَائِلِ عَلَيْهَا فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فِي حَدِيثِ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةً فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ هَذِهِ مَعَ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الَّتِي ذَكَرَهَا بَعْدَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْأَعْلَى حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقِيرَاطَ الثَّانِي لَا يَحْصُلُ إِلَّا لِمَنْ دَامَ مَعَهَا مِنْ حِينِ صَلَّى إِلَى أَنْ فَرَغَ وَقْتُهَا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ

عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَحْصُلُ الْقِيرَاطُ الثَّانِي إِذَا سُتِرَ الْمَيِّتُ فِي الْقَبْرِ بِاللَّبِنِ وَإِنْ لَمْ يُلْقَ عَلَيْهِ التُّرَابُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِلَفْظِ الِاتِّبَاعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مَنْ يَقُولُ الْمَشْيُ وَرَاءَ الْجِنَازَةِ أَفْضَلُ مِنْ أَمَامِهَا وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ الْمَشْيُ قُدَّامَهَا أَفْضَلُ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَطَائِفَةٌ هُمَا سَوَاءٌ قَالَ الْقَاضِي وَفِي إِطْلَاقِ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ الْمُنْصَرِفُ عَنِ اتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ بَعْدَ دَفْنِهَا إِلَى اسْتِئْذَانٍ وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وهو المشهور عن مالك وحكى بن عبد الحكم عنه أنه لاينصرف إِلَّا بِإِذْنٍ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ قَوْلُهُ (قِيلَ وَمَا الْقِيرَاطَانِ قَالَ مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ) الْقِيرَاطُ مِقْدَارٌ مِنَ الثَّوَابِ مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ مِقْدَارِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْقِيرَاطُ الْمَذْكُورُ فِيمَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ وَفِي رِوَايَاتٍ قِيرَاطَانِ بَلْ ذَلِكَ قَدْرٌ مَعْلُومٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ هَذَا

وأقل وأكثر قوله (عن بن عُمَرَ لَقَدْ ضَيَّعْنَا قَرَارِيطَ كَثِيرَةً) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ أَوْ أَكْثَرِهَا ضَيَّعْنَا فِي قَرَارِيطَ بِزِيَادَةِ فِي وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَالثَّانِي صَحِيحٌ عَلَى أَنَّ ضَيَّعْنَا بِمَعْنَى فَرَّطْنَا كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَفِيهِ مَا كَانَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ مِنَ الرَّغْبَةِ فِي الطَّاعَاتِ حِينَ يَبْلُغُهُمْ وَالتَّأَسُّفِ عَلَى مَا يَفُوتُهُمْ مِنْهَا وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْلَمُونَ عِظَمَ مَوْقِعِهِ قَوْلُهُ (وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْأَعْلَى حَتَّى يُفْرَغَ مِنْهَا) ضَبَطْنَاهُ بضم الياء وفتح الراء عكسه وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَأَعَمُّ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ الْقِيرَاطُ الثَّانِي لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِفَرَاغِ الدَّفْنِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ) وَفِي رِوَايَةٍ بَعْدَهُ حَتَّى تُوضَعَ فِي الْقَبْرِ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ يَحْصُلُ الْقِيرَاطُ الثَّانِي بِمُجَرَّدِ الْوَضْعِ فِي اللَّحْدِ وَإِنْ لَمْ يُلْقَ عَلَيْهِ التُّرَابُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالْفَرَاغِ مِنْ إِهَالَةِ التُّرَابِ لِظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا تُتَأَوَّلُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ يُوضَعُ فِي اللَّحْدِ وَيُفْرَغُ منه وَيَكُونُ الْمُرَادُ الْإِشَارَةَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ قبل وصولها القبر قوله (فقال بن عُمَرَ أَكْثَرَ عَلَيْنَا أَبُو هُرَيْرَةَ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ خَافَ لِكَثْرَةِ رِوَايَاتِهِ أَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَاخْتَلَطَ عَلَيْهِ حَدِيثٌ بِحَدِيثٍ لَا أَنَّهُ نَسَبَهُ إِلَى رِوَايَةِ مَا لَمْ يَسْمَعْ لان مرتبة بن عمر

وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَجَلُّ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ) هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ واسكان الياء قوله (وأخذ بن عُمَرَ قَبْضَةً مِنْ حَصْبَاءِ الْمَسْجِدِ يُقَلِّبُهَا فِي يده) وقال في آخره (فضرب بن عُمَرَ بِالْحَصَى الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ الْأَرْضَ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ الْأَوَّلُ حَصْبَاءِ بِالْبَاءِ وَالثَّانِي بِالْحَصَى مَقْصُورٌ جَمْعُ حَصَاةٍ وَهَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ وَفِي بَعْضِهَا عَكْسُهُ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْحَصْبَاءُ هُوَ الْحَصَى وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِمِثْلِ هذا الفعل وانما بعث بن عُمَرَ إِلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا بَعْدَ إِخْبَارِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ خَافَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ النِّسْيَانَ وَالِاشْتِبَاهَ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فَلَمَّا وَافَقَتْهُ عَائِشَةُ عَلِمَ أَنَّهُ حَفِظَ

وَأَتْقَنَ [947] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلَّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إِلَّا شُفِّعُوا فيه) وفي رواية ما من رجل يموت فَيَقُومُ عَلَى جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فِيهِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ قَالَ الْقَاضِي قِيلَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ خَرَجَتْ أَجْوِبَةً لِسَائِلِينَ سَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ سُؤَالِهِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِقَبُولِ شَفَاعَةِ مِائَةٍ فَأَخْبَرَ بِهِ ثُمَّ بقبول شفاعة أربعين ثم ثلاث صُفُوفٍ وَإِنْ قَلَّ عَدَدُهُمْ فَأَخْبَرَ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ هَذَا مَفْهُومُ عَدَدٍ وَلَا يَحْتَجُّ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأُصُولِيِّينَ فَلَا يَلْزَمُ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنْ قَبُولِ شَفَاعَةِ مِائَةٍ مَنْعُ قَبُولِ مَا دُونَ ذَلِكَ وَكَذَا فِي الْأَرْبَعِينَ مَعَ ثَلَاثَةِ صُفُوفٍ وَحِينَئِذٍ كُلُّ الْأَحَادِيثِ مَعْمُولٌ بِهَا وَيَحْصُلُ الشَّفَاعَةُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ صُفُوفٍ وأربعين

قَوْلُهُ (فَحَدَّثْتُ بِهِ شُعَيْبَ بْنَ الْحَبْحَابِ فَقَالَ حَدَّثَنِي بِهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الْقَائِلُ فَحَدَّثْتُ بِهِ هُوَ سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ الرَّاوِي أَوَّلًا عَنْ أَيُّوبَ هَكَذَا بَيَّنَهُ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَتِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مَوْقُوفًا عَلَى عَائِشَةَ فَأَشَارَ إِلَى تَعْلِيلِهِ بِذَلِكَ وَلَيْسَ مُعَلَّلًا لِأَنَّ مَنْ رَفَعَهُ ثِقَةٌ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي الْفُصُولِ في مقدمة الكتاب ثم في مواضع [948] قَوْلُهُ (مُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وجبت ومر

بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي مُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَمُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ) هَكَذَا وَقَعَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْأُصُولِ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي الْمَوَاضِعِ الْأَرْبَعَةِ وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ [949] وَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِهِ (فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ خَيْرًا وَشَرًّا بِالنَّصْبِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِإِسْقَاطِ الْجَارِّ أَيْ فَأُثْنِيَ بِخَيْرٍ وَبِشَرٍّ وَفِي بَعْضِهَا مَرْفُوعٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ تَوْكِيدِ الْكَلَامِ الْمُهْتَمِّ بِتَكْرَارِهِ لِيُحْفَظَ وَلِيَكُونَ أَبْلَغَ وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا الثَّنَاءُ بِالْخَيْرِ لِمَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ أَهْلُ الْفَضْلِ فَكَانَ ثَنَاؤُهُمْ مُطَابِقًا لِأَفْعَالِهِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ هُوَ مُرَادًا بِالْحَدِيثِ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ عَلَى عُمُومِهِ وَإِطْلَاقِهِ وَأَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ مَاتَ فَأَلْهَمَ اللَّهُ تَعَالَى النَّاسَ أَوْ مُعْظَمَهُمُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ أَفْعَالُهُ تَقْتَضِي ذَلِكَ أَمْ لَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَفْعَالُهُ تَقْتَضِيهِ

فَلَا تُحَتَّمُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ بَلْ هُوَ فِي خَطَرِ الْمَشِيئَةِ فَإِذَا أَلْهَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ النَّاسَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ اسْتَدْلَلْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ شَاءَ الْمَغْفِرَةَ لَهُ وَبِهَذَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ الثَّنَاءِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَجَبَتْ وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ) وَلَوْ كَانَ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ أَعْمَالُهُ تَقْتَضِيهِ لَمْ يَكُنْ لِلثَّنَاءِ فَائِدَةٌ وَقَدْ أَثْبَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فَائِدَةً فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ مُكِّنُوا بِالثَّنَاءِ بِالشَّرِّ مَعَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ فِي النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ فَالْجَوَابُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ هُوَ فِي غَيْرِ الْمُنَافِقِ وَسَائِرِ الْكُفَّارِ وَفِي غَيْرِ الْمُتَظَاهِرِ بِفِسْقٍ أَوْ بِدْعَةٍ فَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَلَا يَحْرُمُ ذِكْرُهُمْ بِشَرٍّ لِلتَّحْذِيرِ مِنْ طَرِيقَتِهِمْ وَمِنَ الِاقْتِدَاءِ بِآثَارِهِمْ وَالتَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِهِمْ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي أَثْنَوْا عَلَيْهِ شَرًّا كَانَ مَشْهُورًا بِنِفَاقٍ أَوْ نَحْوِهِ مما ذكرنا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنِ السَّبِّ وَقَدْ بَسَطْتُ مَعْنَاهُ بِدَلَائِلِهِ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ قَوْلُهُ (فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الثَّنَاءُ بِتَقْدِيمِ الثَّاءِ وَبِالْمَدِّ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرِّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَفِيهِ لُغَةٌ شَاذَّةٌ أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرِّ أَيْضًا وَأَمَّا النَّثَا بِتَقْدِيمِ النُّونِ وَبِالْقَصْرِ فَيُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرِّ خَاصَّةً وَإِنَّمَا اسْتُعْمِلَ الثَّنَاءُ الْمَمْدُودُ هُنَا فِي الشَّرِّ مَجَازًا لِتَجَانُسِ الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وجزاء سيئة سيئة ومكروا ومكر الله قَوْلُهُ (فِدًى لَكَ) مَقْصُورٌ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا [950] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِأَنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَالْفَاجِرَ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ) مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَوْتَى قِسْمَانِ مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ وَنَصَبُ الدُّنْيَا تَعَبُهَا وَأَمَّا اسْتِرَاحَةُ العباد

مِنَ الْفَاجِرِ مَعْنَاهُ انْدِفَاعُ أَذَاهُ عَنْهُمْ وَأَذَاهُ يَكُونُ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا ظُلْمُهُ لَهُمْ وَمِنْهَا ارْتِكَابُهُ لِلْمُنْكَرَاتِ فَإِنْ أَنْكَرُوهَا قَاسَوْا مَشَقَّةً مِنْ ذَلِكَ وَرُبَّمَا نَالَهُمْ ضَرَرُهُ وَإِنْ سَكَتُوا عَنْهُ أَثِمُوا وَاسْتِرَاحَةُ الدَّوَابِّ مِنْهُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يؤذيها ويضربها وَيُحَمِّلُهَا مَا لَا تُطِيقُهُ وَيُجِيعُهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاسْتِرَاحَةُ الْبِلَادِ وَالشَّجَرِ فَقِيلَ لِأَنَّهَا تُمْنَعُ الْقَطْرَ بِمُصِيبَتِهِ قَالَهُ الدَّاوُدِيُّ وَقَالَ الباجي لِأَنَّهُ يَغْصِبُهَا وَيَمْنَعُهَا حَقَّهَا مِنَ الشُّرْبِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ [951] (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مات فيه فخرج الىالمصلى وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ) فِيهِ إِثْبَاتُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ فَرْضَهَا يَسْقُطُ بِصَلَاةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ اثْنَانِ وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ وَفِيهِ أَنَّ تَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ أَرْبَعُ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْغَائِبِ وَفِيهِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِعْلَامِهِ بِمَوْتِ النَّجَاشِيِّ وَهُوَ فِي الْحَبَشَةِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْإِعْلَامِ بِالْمَيِّتِ لَا عَلَى صُورَةِ نَعْيِ الْجَاهِلِيَّةِ بَلْ مُجَرَّدِ إِعْلَامِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَشْيِيعِهِ وَقَضَاءِ حَقِّهِ فِي ذَلِكَ وَالَّذِي جَاءَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ النَّعْيِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ هَذَا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ نَعْيُ الْجَاهِلِيَّةِ الْمُشْتَمِلُ عَلَى ذِكْرِ الْمَفَاخِرِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ يَحْتَجُّ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا تُفْعَلُ فِي الْمَسْجِدِ بِقَوْلِهِ خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ جَوَازُهَا فِيهِ ويحتج

بحديث سهل بن بيضا وَيُتَأَوَّلُ هَذَا عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ إِلَى الْمُصَلَّى أبلغ واظهار أَمْرِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ وَفِيهِ أَيْضًا إِكْثَارُ الْمُصَلِّينَ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ أَصْلًا لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ عِنْدَهُمْ إِدْخَالُ الْمَيِّتِ الْمَسْجِدَ لَا مُجَرَّدُ الصَّلَاةِ [952] قَوْلُهُ (عَنْ سَلِيمِ بْنِ حَيَّانَ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ سَلِيمٌ بِفَتْحِ السِّينِ غَيْرَهُ وَمَنْ عَدَاهُ بِضَمِّهَا مَعَ فَتْحِ اللَّامِ قَوْلُهُ (صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهَذَا الَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ وَهَكَذَا هُوَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْمَغَازِي وَغَيْرِهَا وَوَقَعَ فِي مسند بن أَبِي شَيْبَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَسْمِيَتُهُ صَحْمَةُ بِفَتْحِ الصَّادِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ وَقَالَ هَكَذَا قَالَ لَنَا يَزِيدُ وَإِنَّمَا هُوَ صَمْحَةُ يَعْنِي بِتَقْدِيمِ الْمِيمِ عَلَى الْحَاءِ وَهَذَانِ شَاذَّانِ وَالصَّوَابُ أَصْحَمَةُ بالألف قال بن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ وَمَعْنَاهُ بِالْعَرَبِيَّةِ عَطِيَّةُ قَالَ الْعُلَمَاءُ

وَالنَّجَاشِيُّ لَقَبٌ لِكُلِّ مَنْ مَلَكَ الْحَبَشَةَ وَأَمَّا أَصْحَمَةُ فَهُوَ اسْمُ عَلَمٍ لِهَذَا الْمَلِكِ الصَّالِحِ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال المطرز وبن خَالَوَيْهِ وَآخَرُونَ مِنَ الْأَئِمَّةِ كَلَامًا مُتَدَاخِلًا حَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ مَلَكَ الْحَبَشَةَ النَّجَاشِيُّ وَمَنْ مَلَكَ الرُّومَ قَيْصَرُ وَمَنْ مَلَكَ الْفَرَسَ كِسْرَى وَمَنْ مَلَكَ التُّرْكَ خاقَانُ وَمَنْ مَلَكَ الْقِبْطَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ مَلَكَ مِصْرَ الْعَزِيزُ وَمَنْ مَلَكَ الْيَمَنَ تُبَّعُ وَمَنْ مَلَكَ حِمْيَرَ الْقَيْلُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَقِيلَ الْقَيْلُ أَقَلُّ دَرَجَةً مِنَ المَلِكِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُومُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ فِيهِ وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا سَبَقَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ النَّجَاشِيِّ (وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ) وَكَذَا فِي حديث بن عَبَّاسٍ كَبَّرَ أَرْبَعًا وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بَعْدَ هَذَا خَمْسًا قَالَ الْقَاضِي اخْتَلَفَ الآثار في ذلك فجاء في رواية بن أَبِي خَيْثَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يكبر أربعا وخسما وَسِتًّا وَسَبْعًا وَثَمَانِيًا حَتَّى مَاتَ النَّجَاشِيُّ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثِ تَكْبِيرَاتٍ إِلَى تِسْعٍ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ سِتًّا وَعَلَى سائر الصحابة خمسا وعلى غيرهم أربعا قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أربع

وَأَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ وَأَهْلُ الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ عَلَى أَرْبَعٍ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ شُذُوذٌ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ قَالَ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ يخمس الا بن أَبِي لَيْلَى وَلَمْ يُذْكَرْ فِي رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ السَّلَامُ وَقَدْ ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ جُمْهُورُهُمْ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ تَسْلِيمَتَيْنِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالتَّسْلِيمِ أَمْ يُسِرُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يَقُولَانِ يَجْهَرُ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي رَفْعِ الْأَيْدِي فِي هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الرَّفْعُ في جميعها وحكاه بن المنذر عن بن عُمَرَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَطَاءٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ والزهرى والأوزاعى وأحمد واسحاق واختاره بن الْمُنْذِرِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا يَرْفَعُ إِلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَعَنْ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ الرَّفْعُ فِي الْجَمِيعِ وَفِي الْأُولَى فَقَطْ وَعَدَمُهُ فِي كُلِّهَا [954] قَوْلُهُ (انْتَهَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَبْرٍ رَطْبٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ) يَعْنِي جَدِيدًا وَتُرَابُهُ رطب بعد لم تطل مدته فيبس فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي الصَّلَاةِ على القبور قوله (من شهده بن عباس) وبن عباس بدل من قوله تَقُمُّ المَسْجِدَ أَيْ تَكْنُسُهُ وَفِي حَدِيثٍ لِسَوْدَاءَ هَذِهِ الَّتِي صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم على قبرها وحديث بن عباس السابق

وَحَدِيثِ أَنَسٍ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ صُلِّيَ عَلَيْهِ أَمْ لَا وَتَأَوَّلَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ حَيْثُ مَنَعُوا الصَّلَاةَ عَلَى الْقَبْرِ بِتَأْوِيلَاتٍ بَاطِلَةٍ لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهَا لِظُهُورِ فَسَادِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّوَاضُعِ وَالرِّفْقِ بِأُمَّتِهِ وَتَفَقُّدِ أَحْوَالِهِمْ وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهِمْ وَالِاهْتِمَامِ بِمَصَالِحِهِمْ في آخرتهم ودنياهم

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي) أَيْ أَعْلَمْتُمُونِي وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِاسْتِحْبَابِ الْإِعْلَامِ بِالْمَيِّتِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ [956] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةٌ عَلَى أَهْلِهَا وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ) قَوْلُهُ (كَانَ زَيْدٌ يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا وَأَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى جِنَازَةٍ خَمْسًا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُهَا) زَيْدٌ هَذَا هُوَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَجَاءَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مَنْسُوخٌ دَلَّ الْإِجْمَاعُ على نسخه وقد سبق أن بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرَهُ نَقَلُوا الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ الْيَوْمَ إِلَّا أَرْبَعًا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا بَعْدَ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْإِجْمَاعَ بَعْدَ الْخِلَافِ يَصِحُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا رَأَيْتُمُ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أوْ تُوضَعَ) وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الْجِنَازَةَ فَلْيَقُمْ حِينَ يَرَاهَا حَتَّى تُخَلِّفَهُ وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا اتَّبَعْتُمْ جِنَازَةً فَلَا تَجْلِسُوا حَتَّى تُوضَعَ وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا فَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ

حيان بن حصين قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى نَهَى عن تقصيص القبور التقصيص بالقاف وصادين مهملتين هُوَ التَّجْصِيصُ وَالْقَصَّةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ هِيَ الْجِصُّ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ كَرَاهَةُ تَجْصِيصِ القبر والبناء عيه وَتَحْرِيمُ الْقُعُودُ وَالْمُرَادُ بِالْقُعُودِ الْجُلُوسُ عَلَيْهِ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ الْمُرَادُ بِالْقُعُودِ الْجُلُوسُ وَمِمَّا يُوَضِّحُهُ الرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ هَذَا لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ) قَالَ أَصْحَابُنَا تَجْصِيصُ الْقَبْرِ مَكْرُوهٌ وَالْقُعُودُ عَلَيْهِ حَرَامٌ وَكَذَا الِاسْتِنَادُ إِلَيْهِ وَالِاتِّكَاءُ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْبِنَاءُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِ الْبَانِي فَمَكْرُوهٌ وَإِنْ كَانَ فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ فَحَرَامٌ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَرَأَيْتُ الْأَئِمَّةَ بِمَكَّةَ يَأْمُرُونَ بِهَدْمِ مَا يُبْنَى ويؤيد الهدم قوله

الْمُتَوَلِّي مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فَيَكُونُ الْأَمْرُ بِهِ لِلنَّدْبِ وَالْقُعُودُ بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَلَا يَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ فِي مِثْلِ هَذَا لِأَنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [958] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ) بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ تَصِيرُونَ وَرَاءَهَا غَائِبِينَ عَنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلْيَقُمْ حِينَ يَرَاهَا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَقُومُ بِمُجَرَّدِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ (إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ) مَعْنَاهُ جِنَازَةُ كَافِرٍ من أهل

تِلْكَ الْأَرْضِ [963] قَوْلُهُ (صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِنَازَةٍ فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ إِلَى آخِرِهِ) فِيهِ إِثْبَاتُ الدُّعَاءِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَهُوَ مَقْصُودُهَا ومُعْظَمُهَا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ هَذَا الدُّعَاءِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْجَهْرِ بِالدُّعَاءِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَقَدِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ إِنْ صَلَّى عَلَيْهَا بِالنَّهَارِ أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ وَإِنْ صَلَّى بِاللَّيْلِ فَفِيهِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ يُسِرُّ وَالثَّانِي يَجْهَرُ وَأَمَّا الدُّعَاءُ فَيُسِرُّ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَحِينَئِذٍ يُتَأَوَّلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ قَوْلُهُ حَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ أي علمنيه

بَعْدَ الصَّلَاةِ فَحَفِظْتُهُ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ) الْقَائِلُ وَحَدَّثَنِي هُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ

صَالِحٍ الرَّاوِي فِي الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ عَنْ حَبِيبٍ قَوْلُهُ (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى النُّفَسَاءِ وَقَامَ وَسْطَهَا) هُوَ بِإِسْكَانِ السِّينِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَسَاءِ وَأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ عِنْدَ عَجِيزَةِ الْمَيِّتَةِ [964] قَوْلُهُ (أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَرَسٍ مُعْرَوْرًى فَرَكِبَهُ) مَعْنَاهُ بِفَرَسٍ عَرِيٍّ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ اعْرَوْرَيْتَ الْفَرَسَ إِذَا رَكِبْتَهُ عَرِيًّا فَهُوَ مُعْرَوْرًى قَالُوا وَلَمْ يَأْتِ أُفْعَوْلَى مُعَدًّى إِلَّا قَوْلُهُمُ اعْرَوْرَيْتُ الْفَرَسَ وَاحْلَوْلَيْتُ الشَّيْءَ قَوْلُهُ (فَرَكِبَهُ

حين انصرف من جنازة بن الدَّحْدَاحِ) فِيهِ إِبَاحَةُ الرُّكُوبُ فِي الرُّجُوعِ مِنَ الْجِنَازَةِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ الرُّكُوبُ فِي الذَّهَابِ مَعَهَا وبن الدَّحْدَاحِ بِدَالَيْنِ وَحَاءَيْنِ مُهْمَلَاتٍ وَيُقَالُ أَبُو الدَّحْدَاحِ ويقال أبو الدحداحة قال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ قَوْلُهُ (وَنَحْنُ نَمْشِي حَوْلَهُ) فِيهِ جَوَازُ مَشْيِ الْجَمَاعَةِ مَعَ كَبِيرِهِمُ الرَّاكِبِ وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ فِي حَقِّهِ وَلَا فِي حَقِّهِمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَفْسَدَةٌ وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ إِذَا حَصَلَ فِيهِ انْتَهَاكٌ لِلتَّابِعِينَ أَوْ خِيفَ إِعْجَابٌ وَنَحْوُهُ فِي حَقِّ التَّابِعِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْمَفَاسِدِ قَوْلُهُ (فَعَقَلَهُ رَجُلٌ فَرَكِبَهُ) مَعْنَاهُ أَمْسَكَهُ لَهُ وَحَبَسَهُ وَفِيهِ إِبَاحَةُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِخِدْمَةِ التَّابِعِ مَتْبُوعَهُ بِرِضَاهُ قَوْلُهُ (فَجَعَلَ يَتَوَقَّصُ بِهِ) أَيْ يَتَوَثَّبُ قَوْلُهُ (كَمْ مِنْ عِذْقٍ مُعَلَّقٍ) الْعِذْقُ هُنَا بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْغُصْنُ مِنَ النَّخْلَةِ وَأَمَّا الْعَذْقُ بِفَتْحِهَا فَهُوَ النَّخْلَةُ بِكَمَالِهَا وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَمْ مِنْ عِذْقٍ مُعَلَّقٍ فِي الْجَنَّةِ لِأَبِي الدَّحْدَاحِ) قَالُوا سَبَبُهُ أَنَّ يَتِيمًا خَاصَمَ أَبَا لُبَابَةَ فِي نَخْلَةٍ فَبَكَى الْغُلَامُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ أَعْطِهِ إِيَّاهَا وَلَكَ بِهَا عِذْقٌ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ لَا فَسَمِعَ بِذَلِكَ أَبُو الدَّحْدَاحِ فَاشْتَرَاهَا مِنْ أَبِي لُبَابَةَ بِحَدِيقَةٍ لَهُ ثُمَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلِيَ بِهَا عِذْقٌ إِنْ أَعْطَيْتُهَا الْيَتِيمَ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

كَمْ مِنْ عِذْقٍ مُعَلَّقٍ فِي الْجَنَّةِ لِأَبِي الدحداح [966] قَوْلُهُ (الْحَدُوا لِي لَحْدًا) بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَيَجُوزُ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ يُقَالُ لَحَدَ يَلْحَدُ كَذَهَبَ يَذْهَبُ وَأَلْحَدَ يَلْحَدُ إِذَا حَفَرَ اللَّحْدَ وَاللَّحْدُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا مَعْرُوفٌ وَهُوَ الشَّقُّ تَحْتَ الْجَانِبِ الْقِبْلِيِّ مِنَ الْقَبْرِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ فِي أَنَّ الدَّفْنَ فِي اللَّحْدِ أَفْضَلُ مِنَ الشَّقِّ إِذَا أَمْكَنَ اللَّحْدُ وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ اللَّحْدِ وَالشَّقِّ قَوْلُهُ (الْحَدُوا لِي لَحْدًا وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ اللَّحْدِ وَنَصْبِ اللَّبِنِ وَأَنَّهُ فُعِلَ ذَلِكَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَدْ نَقَلُوا أَنَّ عَدَدَ لَبِنَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم تسع [967] قَوْلُهُ (جُعِلَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ) هَذِهِ الْقَطِيفَةُ أَلْقَاهَا شُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ كَرِهْتُ أَنْ يَلْبَسَهَا أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى كَرَاهَةِ وَضْعِ قَطِيفَةٍ أَوْ مِضْرَبَةٍ أَوْ مِخَدَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ تَحْتَ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ وَشَذَّ عَنْهُمُ الْبَغَوِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فَقَالَ فِي كِتَابهِ التَّهْذِيبِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَالصَّوَابُ كَرَاهَتُهُ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ شُقْرَانَ انْفَرَدَ بِفِعْلِ ذَلِكَ لَمْ يُوَافِقْهُ غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا عَلِمُوا ذَلِكَ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ شُقْرَانُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ مِنْ كَرَاهَتِهِ أَنْ يَلْبَسَهَا أَحَدٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُهَا وَيَفْتَرِشُهَا فَلَمْ تَطِبْ نَفْسُ شُقْرَانَ أَنْ يَسْتَبْدِلَهَا أَحَدٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فروى البيهقي عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُجْعَلَ تَحْتَ الْمَيِّتِ ثَوْبٌ فِي قَبْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالْقَطِيفَةُ كِسَاءٌ له خمل

قوله (قال مسلم أبوجمرة اسْمُهُ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ وَأَبُو التَّيَّاحِ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ مَاتَا بِسَرَخْسَ) وَهُوَ أَبُو جَمْرَةَ بِالْجِيمِ وَالضُّبَعِيُّ بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَأَمَّا سَرَخْسُ فَمَدِينَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِخُرَاسَانَ وَهِيَ بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَيُقَالُ أَيْضًا بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْخَاءِ وَالْأَوَّلُ أشهر وإنما ذكر مسلم أبا جَمْرَةَ وَأَبَا التَّيَّاحِ جَمِيعًا مَعَ أَنَّ أَبَا جَمْرَةَ مَذْكُورٌ فِي الْإِسْنَادِ وَلَا ذِكْرَ لِأَبِي التَّيَّاحِ هُنَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَشْيَاءَ قَلَّ أَنْ يَشْتَرِكَ فِيهَا اثْنَانِ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا ضُبَعِيَّانِ بَصْرِيَّانِ تَابِعِيَّانِ ثِقَتَانِ مَاتَا بِسَرَخْسَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَذَكَرَ بن عبد البر وبن مَنْدَهْ وَأَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ عِمْرَانَ وَالِدَ أَبِي جَمْرَةَ فِي كُتُبُهِمْ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ قَالُوا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هُوَ صَحَابِيٌّ أَمْ تَابِعِيٌّ قَالُوا وَكَانَ قَاضِيًا عَلَى الْبَصْرَةِ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ أَبُو جَمْرَةَ وَغَيْرُهُ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ فِي كِتَابِهِ فِي الْكُنَى لَيْسَ فِي الرُّوَاةِ مَنْ يُكَنَّى أَبَا جَمْرَةَ بِالْجِيمِ غَيْرُ أبي جمرة هذا [968] قَوْلُهُ (أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الْهَمْدَانِيَّ حَدَّثَهُ) وَفِي رِوَايَةِ هَارُونَ أَنَّ ثُمَامَةَ بْنَ شُفَيٍّ حَدَّثَهُ فَأَبُو عَلِيٍّ هُوَ ثُمَامَةُ بْنُ شُفَيٍّ بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَالْهَمْدَانِيُّ بِإِسْكَانِ الْمِيمِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ (كُنَّا مَعَ فَضَالَةَ بِأَرْضِ الرُّومِ بِرُودِسَ) هُوَ بِرَاءٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ وَاوٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ عَنِ الْأَكْثَرِينَ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ بِفَتْحِ

الرَّاءِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ بِفَتْحِ الدَّالِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فِي السُّنَنِ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ وَقَالَ هِيَ جَزِيرَةٌ بِأَرْضِ الرُّومِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرَ مُسْلِمٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَكْفِينَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِقْبَارَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ غُسْلَهُ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ غُسِّلَ وَاخْتُلِفَ هَلْ صُلِّيَ عَلَيْهِ فَقِيلَ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ أَحَدٌ أَصْلًا وَإِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يَدْخُلُونَ أَرْسَالًا يَدْعُونَ وَيَنْصَرِفُونَ وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي عِلَّةِ ذَلِكَ فَقِيلَ لِفَضِيلَتِهِ فَهُوَ غَنِيٌّ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَهَذَا يَنْكَسِرُ بِغُسْلِهِ وَقِيلَ بَلْ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِمَامٌ وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ إِمَامَةَ الْفَرَائِضِ لَمْ تَتَعَطَّلْ وَلِأَنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ قَبْلَ دَفْنِهِ وَكَانَ إِمَامَ النَّاسِ قَبْلَ الدَّفْنِ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُمْ صَلَّوْا عَلَيْهِ فُرَادًى فَكَانَ يَدْخُلُ فَوْجٌ يُصَلُّونَ فُرَادًى ثُمَّ يَخْرُجُونَ ثُمَّ يَدْخُلُ فَوْجٌ آخَرُ فَيُصَلُّونَ كَذَلِكَ ثُمَّ دَخَلَتِ النِّسَاءُ بَعْدَ الرِّجَالِ ثُمَّ الصِّبْيَانُ وَإِنَّمَا أَخَّرُوا دَفْنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ إِلَى لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ أَوَاخِرَ نَهَارِ الثُّلَاثَاءِ لِلِاشْتِغَالِ بِأَمْرِ الْبَيْعَةِ لِيَكُونَ لَهُمْ إِمَامٌ يَرْجِعُونَ إِلَى قَوْلِهِ إِنِ اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ تَجْهِيزِهِ وَدَفْنِهِ وَيَنْقَادُونَ لِأَمْرِهِ لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى النِّزَاعِ وَاخْتِلَافِ الْكَلِمَةِ وَكَانَ هَذَا أَهَمَّ الْأُمُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِهَا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنَّ الْقَبْرَ لَا يُرْفَعُ عَلَى الْأَرْضِ رَفْعًا كَثِيرًا وَلَا يُسَنَّمُ بَلْ يُرْفَعُ نَحْوَ شِبْرٍ وَيُسَطَّحُ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَهُمْ تَسْنِيمُهَا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ [969] قَوْلُهُ (أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ) فِيهِ الْأَمْرُ بِتَغْيِيرِ صُوَرِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الياء واسمه

وَأَصْحَابُهُ قَامُوا لجِنَازَةٍ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا يَهُودِيَّةٌ فَقَالَ إِنَّ الْمَوْتَ فَزَعٌ فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا وَفِي رِوَايَةٍ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لِجِنَازَةِ يَهُودِيٍّ حَتَّى تَوَارَتْ وَفِي رِوَايَةٍ قِيلَ إِنَّهُ يَهُودِيٌّ فَقَالَ أَلَيْسَتْ نَفْسًا وَفِي رِوَايَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَعَدَ وَفِي رِوَايَةٍ رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَقُمْنَا وَقَعَدَ فَقَعَدْنَا قَالَ الْقَاضِي اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ والشافعى القيام منسوخ وقال أحمد واسحاق وبن حبيب وبن الماجشون المالكيان هو مخير قال الشافعي فِي قِيَامِ مَنْ يُشَيِّعُهَا عِنْدَ الْقَبْرِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ لَا يَقْعُدُ حَتَّى تُوضَعَ قَالُوا وَالنَّسْخُ إِنَّمَا هُوَ فِي قِيَامِ مَنْ مَرَّتْ بِهِ وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي القيام على القبر حتى تدفن فكره قَوْمٌ وَعَمِلَ بِهِ آخَرُونَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عثمان وعلى وبن عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ الْقِيَامَ لَيْسَ مُسْتَحَبًّا وَقَالُوا هُوَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ وَاخْتَارَ

وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ قَوْلُهُ (عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) هُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ [972] (عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ) هُوَ بِالْمُثَلَّثَةِ وَاسْمُهُ كَنَّازٌ بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَآخِرُهُ زَايٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إِليْهَا) فيه تصريح بالنهى عن الصلاة إلى القبر قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْرَهُ أَنْ يُعَظَّمَ مَخْلُوقٌ حَتَّى يُجْعَلَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنَ النَّاسِ [973] قَوْلُهَا (مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ إِلَّا فِي

الْمَسْجِدِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (وَاللَّهِ لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ابْنَيْ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (وَاللَّهِ لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ سُهَيْلٍ وَأَخِيهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ بَنُو بَيْضَاءَ ثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ سَهْلٌ وَسُهَيْلٌ وَصَفْوَانُ وَأُمُّهُمُ الْبَيْضَاءُ اسْمُهَا دَعْدُ وَالْبَيْضَاءُ وَصْفٌ وَأَبُوهُمْ وَهْبُ بْنُ رَبِيعَةَ الْقُرَشِيُّ الْفِهْرِيُّ وَكَانَ سُهَيْلٌ قَدِيمَ الْإِسْلَامِ

هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ ثُمَّ عَادَ إِلَى مَكَّةَ ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَغَيْرَهَا تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ وممن قال به أحمد واسحاق قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَرَوَاهُ الْمَدَنِيُّونَ فِي الْمُوَطَأِ عَنْ مالك وبه قال بن حبيب المالكى وقال بن أَبِي ذِئْبٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ عَلَى الْمَشْهُورِ عَنْهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ بِحَدِيثٍ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَدَلِيلُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ حَدِيثُ سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ تَفَرَّدَ بِهِ صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالثَّانِي أَنَّ الَّذِي فِي النُّسَخِ الْمَشْهُورَةِ الْمُحَقَّقَةِ الْمَسْمُوعَةِ مِنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَمَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ حِينَئِذٍ فِيهِ الثَّالِثُ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ وَثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ فَلَا شَيْءَ لَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ عَلَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِيُجْمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَبَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ وَقَدْ جَاءَ لَهُ بِمَعْنَى عليه كقوله تعالى وان أسأتم فلها الرَّابِعُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَقْصِ الْأَجْرِ فِي حَقِّ مَنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ وَرَجَعَ وَلَمْ يشيعها الىالمقبرة لِمَا فَاتَهُ مِنْ تَشْيِيعِهِ إِلَى الْمَقْبَرَةِ وَحُضُورِ دَفْنِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي حَدِيثِ سُهَيْلٍ هَذَا دَلِيلٌ لِطَهَارَةِ الْآدَمِيِّ الْمَيِّتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ومحمد بن رافع قالا حدثنا بن أبي فديك أخبرنا الضحاك يعنى بن عُثْمَانَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ) هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ وَقَالَ خَالَفَ الضَّحَّاكَ حَافِظَانِ مَالِكٌ وَالْمَاجِشُونُ فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ عَائِشَةَ مُرْسَلًا وَقِيلَ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلَا يَصِحُّ إِلَّا مُرْسَلًا هَذَا كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَقَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهُ وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ الَّتِي زَادَهَا الضَّحَّاكُ زِيَادَةُ

(قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم اغفر لأهل بقيع

ثِقَةٍ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ لِأَنَّهُ حَفِظَ مَا نَسِيَهُ غَيْرُهُ فَلَا تَقْدَحُ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [974] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) دَارَ مَنْصُوبٌ عَلَى النِّدَاءِ أَيْ يَا أَهْلَ دَارٍ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ مَقَامَهُ وَقِيلَ مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَيَجُوزُ جَرُّهُ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي عَلَيْكُمْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِيهِ أَنَّ اسْمَ الدَّارِ يَقَعُ عَلَى الْمَقَابِرِ قَالَ وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّ الدَّارَ فِي اللُّغَةِ يَقَعُ عَلَى الرَّبْعِ الْمَسْكُونِ وَعَلَى الْخَرَابِ غَيْرِ الْمَأْهُولِ وَأَنْشَدَ فِيهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ) التَّقْيِيدُ بِالْمَشِيئَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ وَامْتِثَالِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا الا أن يشاء الله وَقِيلَ الْمَشِيئَةُ عَائِدَةٌ إِلَى تِلْكَ التُّرْبَةِ بِعَيْنِهَا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ وَالسَّلَامِ عَلَى أَهْلِهَا وَالدُّعَاءِ لَهُمْ وَالتَّرَحُّمِ عَلَيْهِمْ قَوْلُهَا (يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى الْبَقِيعِ) فِيهِ فَضِيلَةُ زِيَارَةِ قُبُورِ الْبَقِيعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ أَنَّ السَّلَامَ عَلَى الْأَمْوَاتِ وَالْأَحْيَاءِ سَوَاءٌ فِي تَقْدِيمِ السَّلَامُ عَلَى عَلَيْكُمْ بِخِلَافِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ قَوْلِهِمْ ... عَلَيْكَ سَلَامُ اللَّهِ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ ... وَرَحْمَتُهُ مَا شَاءَ أَنْ يَتَرَحَّمَا ... (قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ) الْبَقِيعُ هُنَا بِالْبَاءِ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ مَدْفِنُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ سُمِّيَ بَقِيعُ الْغَرْقَدِ لِغَرْقَدٍ كَانَ فِيهِ وَهُوَ مَا عَظُمَ مِنَ الْعَوْسَجِ وَفِيهِ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْأَهْلِ عَلَى سَاكِنِ الْمَكَانِ مِنْ حَيٍّ وَمَيِّتٍ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ حَدَّثَنَا عبد الله بن وهب أخبرنا بن جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسٍ يَقُولُ سمعت)

عَائِشَةَ تُحَدِّثُ فَقَالَتْ أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنِّي قُلْنَا بَلَى ح وَحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ حَجَّاجًا الْأَعْوَرَ وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ أُمِّي) إِلَى آخِرِهِ قَالَ الْقَاضِي هَكَذَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ حَجَّاجٍ عن بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ الْجُرْجَانِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ يُوسُفَ بْنِ سعيد المصيصى حدثنا حجاج عن بن جريج أخبرني عبد الله بن أبي ملكية وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ الْجَيَّانِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الْمَقْطُوعَةِ فِي مُسْلِمٍ قَالَ وَهُوَ أَيْضًا مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي وَهِمَ فِي رُوَاتِهَا وَقَدْ رَوَاهُ عبد الرزاق في مصنفه عن بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ قَالَ الْقَاضِي قَوْلُهُ إِنَّ هَذَا مَقْطُوعٌ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ مُسْنَدٌ وَإِنَّمَا لَمْ يُسَمِّ رُوَاتَهُ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمَجْهُولِ لَا مِنْ بَابِ الْمُنْقَطِعِ إِذِ الْمُنْقَطِعُ مَا سَقَطَ مِنْ رُوَاتِهِ رَاوٍ قبل التابعى قال القاضي ووقع في سنده إِشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ مُسْلِمٍ وَحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ حَجَّاجًا الْأَعْوَرَ وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ يُوهِمُ أَنَّ حَجَّاجًا الْأَعْوَرَ حَدَّثَ بِهِ عَنْ آخَرَ يُقَالُ لَهُ حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَلَيْسَ كَذَا بَلْ حَجَّاجٌ الْأَعْوَرُ هُوَ حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ بِلَا شَكٍّ وَتَقْدِيرُ كَلَامِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ حَجَّاجًا الْأَعْوَرَ قَالَ هَذَا الْمُحَدِّثُ حَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ فَحَكَى لَفْظَ الْمُحَدِّثِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي قُلْتُ وَلَا يَقْدَحُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ هَذَا الْمَجْهُولِ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْهُ عَنْ حجاج

الْأَعْوَرِ لِأَنَّ مُسْلِمًا ذَكَرَهُ مُتَابَعَةً لَا مُتَأَصِّلًا مُعْتَمَدًا عَلَيْهِ بَلِ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ قَبْلَهُ قَوْلُهَا (فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَبَعْدَهَا ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ أي قدرما قَوْلُهَا (فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا) أَيْ قَلِيلًا لَطِيفًا لِئَلَّا يُنَبِّهَهَا قَوْلُهَا (ثُمَّ أَجَافَهُ) بِالْجِيمِ أَيْ أَغْلَقَهُ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُفْيَةٍ لِئَلَّا يُوقِظَهَا وَيَخْرُجَ عَنْهَا فَرُبَّمَا لَحِقَهَا وَحْشَةٌ فِي انْفِرَادِهَا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ قَوْلُهَا (وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ إِزَارِي بِغَيْرِ بَاءٍ فِي أَوَّلِهِ وَكَأَنَّهُ بِمَعْنَى لَبِسْتُ إِزَارِي فَلِهَذَا عُدِّيَ بِنَفْسِهِ قَوْلُهَا (جَاءَ الْبَقِيعَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ إِطَالَةِ الدُّعَاءِ وَتَكْرِيرِهِ وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِيهِ وَفِيهِ أَنَّ دُعَاءَ الْقَائِمِ أَكْمَلُ مِنْ دُعَاءِ الْجَالِسِ فِي الْقُبُورِ قَوْلُهَا (فأحضر فأحضرت) الاحضار العدو قولها (فقال مالك يَا عَائِشُ حَشْيَا رَابِيَةً) يَجُوزُ فِي عَائِشٍ فَتْحُ الشِّينِ وَضَمُّهَا وَهُمَا وَجْهَانِ جَارِيَانِ فِي كُلِّ الْمُرَخَّمَاتِ وَفِيهِ جَوَازُ تَرْخِيمِ الِاسْمِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِيذَاءٌ لِلْمُرَخَّمِ وَحَشْيَا بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورٌ مَعْنَاهُ وَقَدْ وَقَعَ عَلَيْكِ الْحَشَا وَهُوَ الرَّبْوُ وَالتَّهَيُّجُ الَّذِي يَعْرِضُ لِلْمُسْرِعِ فِي مَشْيِهِ وَالْمُحْتَدِّ فِي كَلَامِهِ مِنَ ارْتِفَاعِ النَّفَسِ وَتَوَاتُرِهِ يُقَالُ امْرَأَةٌ حَشْيَاءُ وَحَشْيَةٌ وَرَجُلٌ حَشْيَانٌ وَحَشَشٌ قِيلَ أَصْلُهُ مَنْ أَصَابَ الرَّبْوُ حَشَاهُ وَقَوْلُهُ رَابِيَةً أَيْ مُرْتَفِعَةَ الْبَطْنِ قَوْلُهَا (لَا بِي شَيْءَ) وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ لَا بِي شَيْءَ بِبَاءِ الْجَرِّ وَفِي بَعْضِهَا لِأَيِّ شَيْءٍ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَحَذْفِ الْبَاءِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ وَفِي بَعْضِهَا لَا شَيْءَ وَحَكَاهَا الْقَاضِي قَالَ وَهَذَا الثَّالِثُ

أَصْوَبُهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَنْتِ السَّوَادُ) أَيِ الشَّخْصُ قَوْلُهَا (فَلَهَدَنِي) هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَرُوِيَ فَلَهَزَنِي بِالزَّايِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ لَهَدَهُ وَلَهَّدَهُ بِتَخْفِيفِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِهَا أَيْ دَفَعَهُ وَيُقَالُ لَهَزَهُ إِذَا ضَرَبَهُ بِجَمْعِ كَفِّهِ فِي صَدْرِهِ وَيَقْرَبُ مِنْهُمَا لَكَزَهُ وَوَكَزَهُ قَوْلُهُ (قَالَتْ مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ نَعَمْ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَكَأَنَّهَا لَمَّا قَالَتْ مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ صَدَّقَتْ نَفْسَهَا فَقَالَتْ نَعَمْ قَوْلُهَا (قُلْتُ كَيْفَ أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَمِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِكُمْ لَلَاحِقُونَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ لِزَائِرِ الْقُبُورِ وَفِيهِ تَرْجِيحٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ فِي قَوْلِهِ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَهْلَ دَارِ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَفِيهِ أَنَّ الْمُسْلِمَ وَالْمُؤْمِنَ قَدْ يَكُونَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَعَطْفُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمُسْلِمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ الْمُؤْمِنِ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِنْ كَانَ مُنَافِقًا لَا يَجُوزُ السَّلَامُ عَلَيْهِ

وَالتَّرَحُّمُ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ جَوَّزَ لِلنِّسَاءِ زِيَارَةَ الْقُبُورِ وَفِيهَا خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا أَحَدُهَا تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِنَّ لِحَدِيثِ لَعَنِ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ وَالثَّانِي يُكْرَهُ وَالثَّالِثُ يُبَاحُ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِحَدِيثِ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ نَهَيْتُكُمْ ضَمِيرُ ذُكُورٍ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ النِّسَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ فِي الْأُصُولِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي) فِيهِ جَوَازُ زِيَارَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْحَيَاةِ وَقُبُورِهِمْ بَعْدَ الْوَفَاةِ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَتْ زِيَارَتُهُمْ بَعْدَ الْوَفَاةِ فَفِي الْحَيَاةِ أَوْلَى وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وصاحبهما في الدنيا معروفا وَفِيهِ النَّهْيُ عَنِ الِاسْتِغْفَارِ لِلْكُفَّارِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ سَبَبُ زِيَارَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَهَا أَنَّهُ قَصَدَ قُوَّةَ الْمَوْعِظَةِ وَالذِّكْرَى بِمُشَاهَدَةِ قَبْرِهَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرِكُمُ الْمَوْتَ [975] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ زَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ فَقَالَ اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يؤذن لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْمَوْتَ) هَذَا الْحَدِيثُ وُجِدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ مَاهَانَ لِأَهْلِ الْمَغْرِبِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي رِوَايَاتِ بِلَادِنَا مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الْغَافِرِ الْفَارِسِيِّ وَلَكِنَّهُ يُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَيُصِيبُ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا كَتَبَ فِي الْحَاشِيَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عن محمد بن عبيد ورواه بن مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ فَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِلَا شَكٍّ قَوْلُهُ (فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ) قَالَ الْقَاضِي بُكَاؤُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا فَاتَهَا مِنْ إِدْرَاكِ أَيَّامِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ [977] قَوْلُهُ (مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ) هُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَتَخْفِيفِ الْمُثَلَّثَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا) هَذَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَجْمَعُ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي نَسْخِ نَهْيِ الرِّجَالِ عَنْ زِيَارَتِهَا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ زيارتها

سُنَّةٌ لَهُمْ وَأَمَّا النِّسَاءُ فَفِيهِنَّ خِلَافٌ لِأَصْحَابِنَا قَدَّمْنَاهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ مَنْ مَنَعَهُنَّ قَالَ النِّسَاءُ لَا يَدْخُلْنَ فِي خِطَابِ الرِّجَالِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَأَمَّا الِانْتِبَاذُ فِي الْأَسْقِيَةِ فَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَسَتَأْتِي بَقِيَّتُهُ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الْأَضَاحِيُّ فَسَيَأْتِي إِيضَاحُهَا فِي بَابِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى [978] قَوْلُهُ (أتى النبي صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ) الْمَشَاقِصُ سِهَامٌ عِرَاضٌ وَاحِدُهَا مِشْقَصٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ لَا يُصَلَّى عَلَى قَاتِلِ نَفْسِهِ لِعِصْيَانِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَقَالَ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ زَجْرًا لِلنَّاسِ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِ وَصَلَّتْ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَهَذَا كَمَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ زَجْرًا لَهُمْ عَنِ التَّسَاهُلِ فِي الِاسْتِدَانَةِ وَعَنْ إِهْمَالِ وَفَائِهِ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ قَالَ الْقَاضِي مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمَحْدُودٍ وَمَرْجُومٍ وَقَاتِلِ نَفْسِهِ وولد الزنى وَعَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْإِمَامَ يَجْتَنِبُ الصَّلَاةَ عَلَى مَقْتُولٍ فِي حَدٍّ وَأَنَّ أَهْلَ الْفَضْلِ لَا يُصَلُّونَ عَلَى الْفُسَّاقِ زَجْرًا لَهُمْ وَعَنِ الزُّهْرِيِّ لَا يُصَلَّى عَلَى

(كتاب الزكاة هي في اللغة النماء والتطهير فالمال

مرجوم ويصلى على المقتول في قصاص وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُصَلَّى عَلَى مُحَارِبٍ وَلَا عَلَى قَتِيلِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ وَقَالَ قَتَادَةُ لا يصلى على ولد الزنى وَعَنِ الْحَسَنِ لَا يُصَلَّى عَلَى النُّفَسَاءِ تَمُوتُ مِنْ زِنًا وَلَا عَلَى وَلَدِهَا وَمَنَعَ بَعْضُ السَّلَفِ الصَّلَاةَ عَلَى الطِّفْلِ الصَّغِيرِ وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ عَلَى السِّقْطِ فَقَالَ بِهَا فُقَهَاءُ الْمُحَدِّثِينَ وَبَعْضُ السَّلَفِ إِذَا مَضَى عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَمَنَعَهَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ حَتَّى يَسْتَهِلَّ وَتُعْرَفَ حَيَاتُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَأَمَّا الشَّهِيدُ الْمَقْتُولُ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَعَنِ الْحَسَنِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (كِتَاب الزَّكَاةِ هِيَ فِي اللُّغَةِ النَّمَاءُ وَالتَّطْهِيرُ فَالْمَالُ يُنْمَى بِهَا مِنْ حَيْثُ لَا يُرَى وَهِيَ مَطْهَرَةٌ لِمُؤَدِّيهَا مِنَ الذُّنُوبِ وَقِيلَ يُنْمَى أَجْرُهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَسُمِّيَتْ فِي الشَّرْعِ زَكَاةٌ لِوُجُودِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فِيهَا وَقِيلَ لِأَنَّهَا تُزَكِّي صَاحِبَهَا وَتَشْهَدُ بِصِحَّةِ إِيمَانِهِ كَمَا سَبَقَ فِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ قَالُوا وَسُمِّيَتْ صَدَقَةٌ لِأَنَّهَا دَلِيلٌ لِتَصْدِيقِ صَاحِبِهَا وَصِحَّةِ إِيمَانِهِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ أَفْهَمَ الشَّرْعُ أَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ لِلْمُوَاسَاةِ وَأَنَّ الْمُوَاسَاةَ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي مَالٍ لَهُ بَالٌ وَهُوَ النِّصَابُ ثُمَّ جَعَلَهَا فِي الْأَمْوَالِ الثَّابِتَةِ وَهِيَ الْعَيْنُ وَالزَّرْعُ وَالْمَاشِيَةُ وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَاهَا كَالْعُرُوضِ فَالْجُمْهُورُ يُوجِبُونَ زَكَاةَ الْعُرُوضِ وَدَاوُدُ يَمْنَعُهَا تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى مَا كَانَ لِلْقِنْيَةِ وَحَدَّدَ الشَّرْعُ نِصَابَ كُلِّ جِنْسٍ بِمَا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ فَنِصَابُ الْفِضَّةِ خَمْسُ أَوَاقٍ وَهِيَ مِائَتَا دِرْهَمٍ بِنَصِّ الْحَدِيثِ وَالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الذَّهَبُ فَعِشْرُونَ مِثْقَالًا وَالْمُعَوَّلُ فِيهِ عَلَى الْإِجْمَاعِ قَالَ وَقَدْ حُكِيَ فِيهِ خِلَافٌ شَاذٌّ وَوَرَدَ فيه أيضا)

حَدِيثٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا الزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ وَالْمَاشِيَةُ فَنُصُبُهَا مَعْلُومَةٌ وَرَتَّبَ الشَّرْعُ مِقْدَارَ الْوَاجِبِ بِحَسَبِ الْمُؤْنَةِ وَالتَّعَبِ فِي الْمَالِ فَأَعْلَاهَا وَأَقَلُّهَا تَعَبًا الرِّكَازُ وَفِيهِ الْخُمُسُ لعدم التعب فيه ويليه الزرع والتمر فَإِنْ سُقِيَ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَنَحْوِهِ فَفِيهِ الْعُشُرُ وَإِلَّا فَنِصْفُهُ وَيَلِيهِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالتِّجَارَةُ وَفِيهَا رُبُعُ الْعُشُرِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى الْعَمَلِ فِيهِ جَمِيعَ السَّنَةِ وَيَلِيهِ الْمَاشِيَةُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُهَا الْأَوْقَاصُ بِخِلَافِ الْأَنْوَاعِ السَّابِقَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [979] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ) الْأَوْسُقُ جَمْعُ وَسْقٍ فِيهِ لُغَتَانِ فَتْحُ الْوَاوِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَكَسْرُهَا وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الْحَمْلُ وَالْمُرَادُ بِالْوَسْقِ سِتُّونَ صَاعًا كُلُّ صَاعٍ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ وَفِي رِطْلِ بَغْدَادَ أَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا أَنَّهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ وَقِيلَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ بِلَا أَسْبَاعٍ وَقِيلَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ فَالْأَوْسُقُ الْخَمْسَةُ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ بِالْبَغْدَادِيِّ وَهَلْ هَذَا التَّقْدِيرُ بِالْأَرْطَالِ تَقْرِيبٌ أَمْ تَحْدِيدٌ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا تَقْرِيبٌ فَإِذَا نُقِصَ عَنْ ذلك يسيرا وجبت الزَّكَاةُ وَالثَّانِي تَحْدِيدٌ فَمَتَى نَقَصَ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ لَمْ تَجِبِ الزَّكَاةُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَائِدَتَانِ إِحْدَاهُمَا وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي هَذِهِ الْمَحْدُودَاتِ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَاتَيْنِ إِلَّا مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَبَعْضُ السَّلَفِ إِنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي قَلِيلِ الْحَبِّ وَكَثِيرِهِ وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ مُنَابِذٌ لِصَرِيحِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ فِي عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنَ الذَّهَبِ زَكَاةً إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالزُّهْرِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا لَا تَجِبُ فِي أَقَلِّ مِنْ أَرْبَعِينَ مِثْقَالًا وَالْأَشْهَرُ عَنْهُمَا الْوُجُوبُ فِي عِشْرِينَ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ إِذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَإِنْ كَانَ دُونَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا قَالَ هَذَا الْقَائِلُ وَلَا زَكَاةَ فِي الْعِشْرِينَ حَتَّى تَكُونَ قِيمَتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا فِيمَا زَادَ فِي الْحَبِّ وَالتَّمْرِ أَنَّهُ يَجِبُ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِحِسَابِهِ وَأَنَّهُ لَا أَوْقَاصَ فِيهَا وَاخْتَلَفُوا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ والثورى والشافعي وبن أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِنَّ فِيمَا زَادَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ رُبُعَ الْعُشُرِ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَلَا وَقْصَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ علي وبن عُمَرَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَبَعْضُ السَّلَفِ لَا شَيْءَ فِيمَا زَادَ عَلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَلَا فِيمَا زَادَ عَلَى عِشْرِينَ دِينَارًا حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ فَإِذَا زَادَتْ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ وَفِي كل

أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ دِرْهَمٌ فَجَعَلَ لَهَا وَقْصًا كَالْمَاشِيَةِ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي الرِّقَّةِ رُبُعُ الْعُشُرِ وَالرِّقَّةُ الْفِضَّةُ وَهَذَا عَامٌّ فِي النِّصَابِ وَمَا فَوْقَهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْحُبُوبِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ قَالَ الْقَاضِي ثُمَّ إِنَّ مَالِكًا وَالْجُمْهُورَ يَقُولُونَ بِضَمِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بَعْضِهِمَا إِلَى بَعْضٍ فِي إِكْمَالِ النِّصَابِ ثُمَّ إِنَّ مَالِكًا يُرَاعِي الْوَزْنَ وَيَضُمُّ عَلَى الْأَجْزَاءِ لَا عَلَى الْقِيَمِ وَيَجْعَلُ كُلَّ دِينَارٍ كَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى الصَّرْفِ الْأَوَّلِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُضَمُّ عَلَى الْقِيَمِ فِي وَقْتِ الزَّكَاةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ لَا يُضَمُّ مُطْلَقًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ) الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ خَمْسِ ذَوْدٍ بِإِضَافَةِ ذَوْدٍ إِلَى خَمْسٍ وَرُوِيَ بِتَنْوِينِ خَمْسٍ ويكون ذود بدلا منه حكاه بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ وَنَقَلَهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي عَنِ الْجُمْهُورِ قَالَ أَهْلُ اللغة الذود من الثلاثة إلى العشر لا واحد له من لفظه انما يُقَالُ فِي الْوَاحِدِ بَعِيرٌ وَكَذَلِكَ النَّفَرُ وَالرَّهْطُ وَالْقَوْمُ وَالنِّسَاءُ وَأَشْبَاهُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا قَالُوا وَقَوْلُهُ خَمْسِ ذَوْدٍ كَقَوْلِهِ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ وَخَمْسَةِ جِمَالٍ وَخَمْسِ نُوقٍ وَخَمْسِ نِسْوَةٍ قَالَ سِيبَوَيْهِ تَقُولُ ثَلَاثُ ذَوْدٍ لِأَنَّ الذَّوْدَ مُؤَنَّثٌ وَلَيْسَ بِاسْمِ كَسْرٍ عَلَيْهِ مُذَكَّرُهُ ثُمَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الذَّوْدَ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى الْعَشَرَةِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَا بَيْنَ ثَلَاثٍ إِلَى تِسْعٍ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْإِنَاثِ وَقَالَ الْحَرْبِيُّ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ الذَّوْدُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْعَشَرَةِ وَالصُّبَّةُ خَمْسٌ أَوْ سِتٌّ وَالصِّرْمَةُ مَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ إِلَى الْعِشْرِينَ وَالْعَكَرَةُ مَا بَيْنَ الْعِشْرِينَ إِلَى الثَّلَاثِينَ وَالْهَجْمَةُ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ وَالْهُنَيَّةُ مِائَةٌ وَالْحَظْرُ نَحْوُ مِائَتَيْنِ وَالْعَرْجُ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ إِلَى أَلْفٍ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ الصِّرْمَةُ مَا بَيْنَ العشر إلى الاربعين وأنكر بن قُتَيْبَةَ أَنْ يُقَالَ خَمْسُ ذَوْدٍ كَمَا لَا يُقَالُ خَمْسُ ثَوْبٍ وَغَلَّطَهُ الْعُلَمَاءُ بَلْ هَذَا اللَّفْظُ شَائِعٌ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَمَسْمُوعٌ مِنَ الْعَرَبِ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَلَيْسَ هُوَ جمعا لمفرد بِخِلَافِ الْأَثْوَابِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ تَرَكُوا الْقِيَاسَ فِي الْجَمْعِ فَقَالُوا خَمْسُ ذَوْدٍ لِخَمْسٍ

مِنَ الْإِبِلِ وَثَلَاثُ ذَوْدٍ لِثَلَاثٍ مِنَ الْإِبِلِ وَأَرْبَعُ ذَوْدٍ وَعَشْرُ ذَوْدٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَمَا قَالُوا ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعُمِائَةٍ وَالْقِيَاسُ مِئِينَ وَمِئَاتٌ وَلَا يَكَادُونَ يَقُولُونَهُ وَقَدْ ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ خَمْسِ ذَوْدٍ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ خَمْسَةِ ذَوْدٍ وَكِلَاهُمَا لِرُوَاةِ كِتَابِ مُسْلِمٍ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فِي اللُّغَةِ فَإِثْبَاتُ الْهَاءِ لِانْطِلَاقِهِ عَلَى الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ وَمَنْ حَذَفَهَا قَالَ الدَّاوُدِيُّ أَرَادَ أَنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهُ فَرِيضَةٌ [980] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ أَوَاقِي صَدَقَةٌ) هَكَذَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَوَاقِي بِالْيَاءِ وَفِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ بَعْدَهَا أَوَاقٍ بِحَذْفِ الْيَاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْأُوقِيَّةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَجَمْعُهَا أَوَاقِيٌّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا وأواق بحذفها قال بن السِّكِّيتِ فِي الْإِصْلَاحِ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَاحِدُهُ مُشَدَّدًا جَازَ فِي جَمْعِهِ التَّشْدِيدُ وَالتَّخْفِيفُ فَالْأُوقِيَّةُ وَالْأَوَاقِيُّ وَالسُّرِّيَّةُ وَالسَّرَارِيُّ وَالْخُتِّيَّةُ وَالْعُلِّيَّةُ وَالْأُثْفِيَّةُ وَنَظَائِرُهَا وَأَنْكَرَ جُمْهُورُهُمْ أَنْ يُقَالَ فِي الْوَاحِدَةِ وُقِيَّةٌ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ جَوَازَهَا بِحَذْفِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَجَمْعِهَا وَقَايَا

وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَأَئِمَّةُ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ الْأُوقِيَّةَ الشَّرْعِيَّةَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَهِيَ أُوقِيَّةُ الْحِجَازِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْأُوقِيَّةُ وَالدَّرَاهِمُ مَجْهُولَةً فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي أَعْدَادٍ مِنْهَا وَيَقَعُ بِهَا الْبِيَاعَاتُ وَالْأَنْكِحَةُ كَمَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالَ وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً إِلَى زَمَانِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَأَنَّهُ جَمَعَهَا بِرَأْيِ الْعُلَمَاءِ وَجَعَلَ كُلَّ عَشَرَةٍ وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ وَوَزْنُ الدِّرْهَمِ سِتَّةُ دَوَانِيقَ قَوْلٌ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا مَعْنَى مَا نُقِلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ ضَرْبِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى صِفَةٍ لَا تَخْتَلِفُ بَلْ كَانَتْ مَجْمُوعَاتٍ مِنْ ضَرْبِ فَارِسَ وَالرُّومِ وَصِغَارًا وَكِبَارًا وَقِطَعَ فِضَّةٍ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ وَلَا مَنْقُوشَةٍ وَيَمَنِيَّةٍ وَمَغْرِبِيَّةٍ فَرَأَوْا صَرْفَهَا إِلَى ضَرْبِ الْإِسْلَامِ وَنَقْشِهِ وَتَصْيِيرَهَا وَزْنًا وَاحِدًا لَا يَخْتَلِفُ وَأَعْيَانًا لِيُسْتَغْنَى فِيهَا عَنِ الْمَوَازِينِ فَجَمَعُوا أَكْبَرَهَا وَأَصْغَرَهَا وَضَرَبُوهُ عَلَى وَزْنِهِمْ قَالَ الْقَاضِي وَلَا شَكَّ أَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ حِينَئِذٍ مَعْلُومَةً وَإِلَّا فَكَيْفَ كَانَتْ تُعَلَّقُ بِهَا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا وَحُقُوقُ الْعِبَادِ وَلِهَذَا كَانَتِ الْأُوقِيَّةُ مَعْلُومَةً هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَقَالَ أَصْحَابُنَا أَجْمَعَ أَهْلُ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ عَلَى التَّقْدِيرِ بِهَذَا الْوَزْنِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ أَنَّ الدِّرْهَمَ سِتَّةُ دَوَانِيقَ وَكُلَّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَلَمْ يَتَغَيَّرِ الْمِثْقَالُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ وَهُوَ

صَحِيحٌ جَمْعُ وِسْقٍ بِكَسْرِ الْوَاوِ كَحِمْلٍ وَأَحْمَالٍ وقد سبق أن الوسق بفتح الواو وبكسرة قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْ تَمْرٍ أَوْ حَبٍّ) هُوَ تَمْرٌ بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَمَرٌ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ وَرِقٌ وَوَرْقٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْفِضَّةُ كُلُّهَا مَضْرُوبُهَا وَغَيْرُهُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي أَصْلِهِ فَقِيلَ يُطْلَقُ فِي الْأَصْلِ عَلَى جَمِيعِ الْفِضَّةِ وَقِيلَ هُوَ حَقِيقَةٌ لِلْمَضْرُوبِ دَرَاهِمَ وَلَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الدَّرَاهِمِ إِلَّا مَجَازًا وَهَذَا قَوْلُ كثير من أهل اللغة وبالأول قال بن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ مِنْهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ وَلَمْ يَأْتِ فِي الصَّحِيحِ بَيَانُ نِصَابِ الذَّهَبِ وَقَدْ جَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ بِتَحْدِيدِ نِصَابِهِ بِعِشْرِينَ مِثْقَالًا وَهِيَ ضِعَافٌ وَلَكِنْ أَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَا اتَّفَقُوا عَلَى اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ دُونَ الْمُعَشَّرَاتِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي الْفِضَّةِ إِذَا كَانَتْ دُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ رَائِجَةً أَوْ نَحْوَهَا لَا زَكَاةَ فِيهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْأُوقِيَّةَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَهِيَ أوقية الحجاز

الشَّرْعِيَّةُ وَقَالَ مَالِكٌ إِذَا نَقَصَتْ شَيْئًا يَسِيرًا بِحَيْثُ تَرُوجُ رَوَاجَ الْوَازِنَةِ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ وَفِيهِ دليل أيضا لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ الْفِضَّةُ الْمَحْضَةُ مِنْهَا مائتى درهم [981] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِيمَا سَقَتِ الْأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشُورُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ) ضَبَطْنَاهُ الْعُشُورُ بِضَمِّ الْعَيْنِ جَمْعُ عُشْرٍ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ضَبَطْنَاهُ عَنْ عَامَّةِ شُيُوخِنَا بِفَتْحِ الْعَيْنِ جَمْعٌ وَهُوَ اسْمٌ لِلْمُخْرَجِ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ يَقُولُونَهُ بِالضَّمِّ وَصَوَابُهُ الْفَتْحُ وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ مِنَ الصَّوَابِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَدِ اعْتَرَفَ بِأَنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ رَوَوْهُ بِالضَّمِّ وَهُوَ الصَّوَابُ جَمْعُ عُشْرٍ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى قَوْلِهِمْ عُشُورُ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِالضَّمِّ وَهُوَ الصَّوَابُ جَمْعُ عُشْرٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ وَأَمَّا الْغَيْمُ هُنَا فَبِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْمَطَرُ وَجَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ الْغَيْلُ بِاللَّامِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ مَا جَرَى مِنَ الْمِيَاهِ فِي الْأَنْهَارِ وَهُوَ سيل دون السيل الكبير وقال بن السِّكِّيتِ هُوَ الْمَاءُ الْجَارِي عَلَى الْأَرْضِ وَأَمَّا السَّانِيَةُ فَهُوَ الْبَعِيرُ الَّذِي يُسْقَى بِهِ الْمَاءُ مِنَ الْبِئْرِ وَيُقَالُ لَهُ النَّاضِحُ يُقَالُ مِنْهُ سَنَا يَسْنُو إِذَا أُسْقِيَ بِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وُجُوبُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالْأَنْهَارِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ مُؤْنَةٌ كَثِيرَةٌ وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِالنَّوَاضِحِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فِيهِ مُؤْنَةٌ كَثِيرَةٌ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَكِنِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّهُ هَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي كُلِّ مَا أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ مِنَ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ وَالرَّيَاحِينِ وَغَيْرِهَا إِلَّا الْحَشِيشَ وَالْحَطَبَ وَنَحْوَهُمَا أَمْ يَخْتَصُّ فَعَمَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ وَخَصَّصَ الْجُمْهُورُ عَلَى اخْتِلَافٍ لَهُمْ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ

وهو معروف فِي كُتُبِ الْفِقْهِ [982] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ) هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي أَنَّ أَمْوَالَ الْقِنْيَةِ لَا زَكَاةَ فِيهَا وَأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ إِذَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ وَبِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَشَيْخَهَ حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ وَنَفَرًا أَوْجَبُوا فِي الْخَيْلِ إِذَا كَانَتْ إِنَاثًا أو ذكورا واناثا فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَأَخْرَجَ عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَلَيْسَ لَهُمْ حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ وَقَوْلُهُ فِي الْعَبْدِ (إِلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ) صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى السَّيِّدِ عَنْ عَبْدِهِ سَوَاءً كَانَ لِلْقِنْيَةِ أَمْ لِلتِّجَارَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ أَهْلُ الْكُوفَةِ لَا يَجِبُ فِي عَبِيدِ التِّجَارَةِ وَحُكِيَ عَنْ دَاوُدَ أَنَّهُ قَالَ لاتجب عَلَى السَّيِّدِ بَلْ تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ وَيَلْزَمُ السَّيِّدُ تَمْكِينَهُ مِنَ الْكَسْبِ لِيُؤَدِّيَهَا وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَيْضًا وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا فِطْرَةَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ وَعَنْ عَطَاءٍ وَمَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وُجُوبُهَا عَلَى السَّيِّدِ وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ

دِرْهَمٌ وَفِيهِ وَجْهٌ أَيْضًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ كَالْحُرِّ فِي كَثِيرٍ من الأحكام [983] قوله (منع بن جَمِيلٍ) أَيْ مَنَعَ الزَّكَاةَ وَامْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا يَنْقِمُ بن جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ) قَوْلُهُ يَنْقِمُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا فَقَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْأَعْتَادُ آلَاتُ الْحَرْبِ مِنَ السِّلَاحِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا وَالْوَاحِدُ عَتَادٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَيُجْمَعُ أَعْتَادًا وَأَعْتِدَةً وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْ خَالِدٍ زَكَاةَ أَعْتَادِهِ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهَا لِلتِّجَارَةِ وَأَنَّ الزَّكَاةَ فِيهَا واجبة فقال لهم لا زكاة لكن عَلَيَّ فَقَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ خَالِدًا مَنَعَ الزَّكَاةَ فَقَالَ لَهُمْ إِنَّكُمْ تَظْلِمُونَهُ لِأَنَّهُ حَبَسَهَا وَوَقَفَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَبْلَ الْحَوْلِ عَلَيْهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ لَأَعْطَاهَا وَلَمْ يَشِحَّ بِهَا لِأَنَّهُ قَدْ وَقَفَ أَمْوَالَهُ لِلَّهِ تَعَالَى مُتَبَرِّعًا فَكَيْفَ يَشِحُّ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ وَاسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ مِنْ هَذَا وُجُوبَ زَكَاةِ التِّجَارَةِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ خِلَافًا لِدَاوُدَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْوَقْفِ وَصِحَّةِ وَقْفِ الْمَنْقُولِ وَبِهِ قَالَتِ الْأُمَّةُ بِأَسْرِهَا إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ وَبَعْضَ الْكُوفِيِّينَ وَقَالَ بعضهم هذه الصدقة التي منعها بن جميل

(باب زكاة الفطر)

وَخَالِدٌ وَالْعَبَّاسُ لَمْ تَكُنْ زَكَاةً إِنَّمَا كَانَتْ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ وَذَكَرَ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَدَبَ النَّاسَ إِلَى الصَّدَقَةِ وَذَكَرَ تَمَامَ الحديث قال بن الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَلْيَقُ بِالْقِصَّةِ فَلَا يُظَنُّ بِالصَّحَابَةِ مَنْعُ الْوَاجِبِ وَعَلَى هَذَا فَعُذْرُ خَالِدٍ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ مَالَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَا بَقِيَ لَهُ مَالٌ يَحْتَمِلُ المواساة بصدقة التطوع ويكون بن جَمِيلٍ شَحَّ بِصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ فَعَتَبَ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْعَبَّاسِ هِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا مَعَهَا أَيْ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ إِذَا طُلِبَتْ مِنْهُ هَذَا كلام بن الْقَصَّارِ وَقَالَ الْقَاضِي لَكِنَّ ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهَا فِي الزَّكَاةِ لِقَوْلِهِ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ وَإِنَّمَا كَانَ يَبْعَثُ فِي الْفَرِيضَةِ قُلْتُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي الزَّكَاةِ لَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَعَلَى هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا مَعَهَا) مَعْنَاهُ أَنِّي تَسَلَّفْتُ مِنْهُ زَكَاةَ عَامَيْنِ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يُجَوِّزُونَ تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ مَعْنَاهُ أَنَا أُؤَدِّيهَا عَنْهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَهَا عَنِ الْعَبَّاسِ إِلَى وَقْتِ يَسَارِهِ مِنْ أَجْلِ حَاجَتِهِ إِلَيْهَا وَالصَّوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ تَعَجَّلْتُهَا مِنْهُ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ إِنَّا تَعَجَّلْنَا مِنْهُ صَدَقَةَ عَامَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ) أَيْ مِثْلُ أَبِيهِ وَفِيهِ تَعْظِيمُ حَقِّ الْعَمِّ (باب زَكَاةِ الفطر) [984] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى الناس صاعا

من تمر أوصاعا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ) اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى فَرَضَ هُنَا فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مَعْنَاهُ أَلْزَمَ وَأَوْجَبَ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ فَرْضٌ وَاجِبٌ عِنْدَهُمْ لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تعالى وآتوا الزكاة وَلِقَوْلِهِ فَرَضَ وَهُوَ غَالِبٌ فِي اسْتِعْمَالِ الشَّرْعِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ إِيجَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ كَالْإِجْمَاعِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَدَاوُدُ فِي آخِرِ أَمْرِهِ إِنَّهَا سُنَّةٌ لَيْسَتْ وَاجِبَةً قَالُوا وَمَعْنَى فَرَضَ قَدَّرَ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ وَاجِبَةٌ لَيْسَتْ فَرْضًا بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُهُمُ الْفِطْرَةُ مَنْسُوخَةٌ بِالزَّكَاةِ قُلْتُ هَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا فَرْضُ وَاجِبٍ قَوْلُهُ (مِنْ رَمَضَانَ) إِشَارَةٌ إِلَى وَقْتِ وُجُوبِهَا وَفِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ فَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَدُخُولِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ عِيدِ الْفِطْرِ وَالثَّانِي تَجِبُ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا تَجِبُ بِالْغُرُوبِ وَالطُّلُوعِ مَعًا فَإِنْ وُلِدَ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الطُّلُوعِ لَمْ تَجِبْ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْقَوْلَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ الْمَازِرِيُّ قِيلَ إِنَّ هَذَا الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ هَلِ الْمُرَادُ بِهِ الْفِطْرُ الْمُعْتَادُ فِي سَائِرِ الشَّهْرِ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ بِالْغُرُوبِ أَوِ الْفِطْرُ الطَّارِئُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَفِي قَوْلِهِ الْفِطْرُ مِنْ رَمَضَانَ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ صَامَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَوْ يَوْمًا وَاحِدًا قَالَ وَكَانَ سَبَبُ هَذَا أَنَّ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَطُولُ وَيَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهَا مِنْ أُمُورٍ تُفَوِّتُ كَمَالَهَا جَعَلَ الشَّرْعُ فِيهَا كَفَّارَةً مَالِيَّةً بَدَلَ النَّقْصِ كَالْهَدْيِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَكَذَا الْفِطْرَةُ لِمَا يَكُونُ فِي الصَّوْمِ مِنْ لَغْوٍ وَغَيْرِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهَا طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا فِي إِخْرَاجِهَا عَنِ الصَّبِيِّ فَقَالَ الْجُمْهُورُ يَجِبُ إِخْرَاجُهَا لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا صَغِيرٍ أَوْ كبير وتعلق من لم يوجبها بأنها تَطْهِيرٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مُحْتَاجًا إِلَى التَّطْهِيرِ لِعَدَمِ الْإِثْمِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ التَّعْلِيلَ

بِالتَّطْهِيرِ لِغَالِبِ النَّاسِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ لَا يُوجَدَ التَّطْهِيرُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ كَصَالِحٍ مُحَقَّقِ الصَّلَاحِ وَكَكَافِرٍ أَسْلَمَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِلَحْظَةٍ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ الْإِثْمِ وَكَمَا أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ جُوِّزَ لِلْمَشَقَّةِ فَلَوْ وَجَدَ مَنْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فَلَهُ الْقَصْرُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ فَإِنَّ دَاوُدَ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ فَأَوْجَبَهَا عَلَى الْعَبْدِ بِنَفْسِهِ وَأَوْجَبَ عَلَى السَّيِّدِ تَمْكِينَهُ مِنْ كَسْبِهَا كَمَا يُمَكِّنُهُ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورُ وُجُوبُهَا عَلَى سَيِّدِهِ عَنْهُ وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي تَقْدِيرِهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ ابْتِدَاءً وَالثَّانِي تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ يَحْمِلُهَا عَنْهُ سَيِّدُهُ فَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي فَلَفْظَةُ عَلَى عَلَى ظَاهِرِهَا وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ لَفْظَةُ عَلَى بِمَعْنَى عَنْ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَالْبَوَادِي وَالشِّعَابِ وَكُلِّ مُسْلِمٍ حَيْثُ كَانَ وَبِهِ قال مالك وأبوحنيفة وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَاللَّيْثِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى دُونَ الْبَوَادِي وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ مَلَكَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَوْمَ الْعِيدِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَعِنْدَنَا أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ مِنَ الْفِطْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ لَزِمَتْهُ الْفِطْرَةُ عَنْ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَقَوْلُهُ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حُجَّةٌ لِلْكُوفِيِّينِ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ فِي نَفْسِهَا وَيَلْزَمُهَا إِخْرَاجُهَا مِنْ مَالِهَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ يَلْزَمُ الزَّوْجَ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِمَا سَبَقَ فِي الْجَوَابِ لِدَاوُدَ فِي فِطْرَةِ الْعِيدِ وَأَمَّا قَوْلُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَصَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ إِلَّا عَنْ مُسْلِمٍ فَلَا يَلْزَمُهُ عَنْ عَبْدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ الْكُفَّارِ وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَإِسْحَاقُ وَبَعْضُ السَّلَفِ تَجِبُ عَنِ الْعَبْدِ الْكَافِرِ وَتَأَوَّلَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ السَّادَةُ

دُونَ الْعَبِيدِ وَهَذَا يَرُدُّهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَاعًا مِنْ كَذَا وَصَاعًا مِنْ كَذَا فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْفِطْرَةِ عَنْ كُلِّ نَفْسٍ صَاعٌ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ حِنْطَةٍ وَزَبِيبٍ وَجَبَ صَاعٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ حِنْطَةً وَزَبِيبًا وَجَبَ أَيْضًا صَاعٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ نِصْفُ صَاعٍ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ بَعْدَ هَذَا فِي قَوْلِهِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ وَالدَّلَالَةُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الطَّعَامَ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْحِجَازِ اسْمٌ لِلْحِنْطَةِ خَاصَّةً لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَرَنَهُ بِبَاقِي الْمَذْكُورَاتِ وَالثَّانِي أَنَّهُ ذَكَرَ أَشْيَاءَ قِيَمُهَا مُخْتَلِفَةٌ وَأَوْجَبَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا صَاعًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ صَاعٌ وَلَا نَظَرَ إِلَى قِيمَتِهِ وَوَقَعَ في رواية لأبي داود أوصاعا مِنْ حِنْطَةٍ قَالَ وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَلَيْسَ لِلْقَائِلَيْنِ بِنِصْفِ صَاعٍ حُجَّةٌ إِلَّا حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ وَسَنُجِيبُ عَنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاعْتَمَدُوا أَحَادِيثَ ضَعِيفَةً ضَعَّفَهَا أَهْلُ الْحَدِيثِ وَضَعْفُهَا بَيِّنٌ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتُلِفَ فِي النَّوْعِ الْمُخْرَجِ فَأَجْمَعُوا أَنَّهُ يَجُوزُ الْبُرُّ وَالزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ وَالشَّعِيرُ إِلَّا خِلَافًا فِي الْبُرِّ لِمَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ وَخِلَافًا فِي الزَّبِيبِ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَكِلَاهُمَا مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ مَرْدُودٌ بِهِ وَأَمَّا الْأَقِطُ فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَمَنَعَهُ الْحَسَنُ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تُخْرَجُ إِلَّا هَذِهِ الْخَمْسَةُ وَقَاسَ مَالِكٌ عَلَى الْخَمْسَةِ كُلَّ مَا هُوَ عَيْشُ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ مِنَ الْقَطَانِيِّ وَغَيْرِهَا وَعَنْ مَالِكٍ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِي غَيْرُ الْمَنْصُوصِ فِي الْحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَلَمْ يُجِزْ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ إِخْرَاجَ

الْقِيمَةِ وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ قُلْتُ قَالَ أَصْحَابُنَا جِنْسُ الْفِطْرَةِ كُلُّ حَبٍّ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ وَيُجْزِي الْأَقِطُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهِ وَالثَّانِي يَتَعَيَّنُ قُوتُ نَفْسِهِ وَالثَّالِثُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ عَدَلَ عَنِ الْوَاجِبِ إِلَى أَعْلَى مِنْهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ عَدَلَ إِلَى مَا دُونَهُ لَمْ يُجْزِهِ قَوْلُهُ (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ انْفَرَدَ بِهَا مَالِكٌ دُونَ سَائِرِ أَصْحَابِ نَافِعٍ وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا مَالِكٌ بَلْ وَافَقَهُ فِيهَا ثِقَتَانِ وَهُمَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ وَعُمَرُ بْنُ نَافِعٍ فَالضَّحَّاكُ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ وَأَمَّا عُمَرُ فَفِي الْبُخَارِيِّ قَوْلُهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ كَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ يَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشْتُ فَقَوْلُهُ سَمْرَاءِ الشَّامِ هِيَ الْحِنْطَةُ وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الَّذِي يَعْتَمِدُهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُوَافِقُوهُ فِي جَوَازِ نِصْفِ صَاعٍ حِنْطَةٍ وَالْجُمْهُورُ يُجِيبُونَ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ وَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ أَطْوَلُ صُحْبَةً وَأَعْلَمُ بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ بَعْضِهِمْ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فَنَرْجِعُ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ وَجَدْنَا ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ وَالْقِيَاسَ مُتَّفِقًا عَلَى اشْتِرَاطِ الصَّاعِ مِنَ الْحِنْطَةِ كَغَيْرِهَا فَوَجَبَ اعْتِمَادُهُ وَقَدْ صَرَّحَ مُعَاوِيَةُ بِأَنَّهُ رَأْيٌ رَآهُ لَا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ حَاضِرِي مَجْلِسِهِ مَعَ كَثْرَتِهِمْ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ عِلْمٌ فِي مُوَافَقَةِ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَذَكَرَهُ كَمَا جَرَى

لَهُمْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ [985] قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ (أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ) صَرِيحٌ فِي إِجْزَائِهِ وَإِبْطَالٍ لِقَوْلِ مَنْ مَنَعَهُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ أَخْبَرَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ) هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ فَقَالَ خَالَفَ سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَعْمَرًا فِيهِ فَرَوَاهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ عِيَاضٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ عَنِ الْحَارِثِ قُلْتُ وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فَإِنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أُمَيَّةَ صَحِيحُ السَّمَاعِ عَنْ عياض والله أعلم وقوله (بن أَبِي ذُبَابٍ) هُوَ بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْبَاءِ الموحدة قوله (عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ وَمَمْلُوكٍ

فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى السَّيِّدِ عَنْ عَبْدِهِ لَا عَلَى الْعَبْدِ نَفْسِهِ وَقَدْ سَبَقَ الكلام فيه ومذاهبهم بدلائلها [986] قَوْلُهُ (أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجَ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ) فِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْفِطْرَةِ عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَنَّ الْأَفْضَلَ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ الخروج إلى المصلى والله أعلم

(باب اثم مانع الزكاة)

(باب اثم مَانِعِ الزَّكَاةِ) [987] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا) إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ هَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَكَذَا بَاقِي الْمَذْكُورَاتِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَرَدَتْ بِالْبَاءِ وَفِي بَعْضِهَا رُدَّتْ بِحَذْفِ الْبَاءِ وَبِضَمِّ الرَّاءِ وَذَكَرَ الْقَاضِي الرِّوَايَتَيْنِ وَقَالَ الْأُولَى هِيَ الصَّوَابُ قَالَ وَالثَّانِيَةُ رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا) هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَحُكِيَ إِسْكَانُهَا وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْقِيَاسُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ) الْقَاعُ الْمُسْتَوِي الْوَاسِعُ مِنَ الْأَرْضِ يَعْلُوهُ مَاءُ السَّمَاءِ فَيُمْسِكُهُ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَجَمْعُهُ قِيعَةٌ وَقِيعَانٌ مِثْلُ جَارٍ وَجِيرَةٌ وَجِيرَانٌ وَالْقَرْقَرُ الْمُسْتَوِي أَيْضًا مِنَ الْأَرْضِ الْوَاسِعُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافَيْنِ قَوْلُهُ (بُطِحَ) قَالَ جَمَاعَةٌ مَعْنَاهُ أُلْقِيَ عَلَى وَجْهِهِ قَالَ الْقَاضِي قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ يُخْبَطُ وَجْهَهُ بِأَخْفَافِهَا قَالَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْبَطْحِ كَوْنُهُ عَلَى الْوَجْهِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى الْبَسْطِ وَالْمَدِّ فَقَدْ يَكُونُ عَلَى وَجْهِهِ وَقَدْ يَكُونُ عَلَى ظهره

وَمِنْهُ سُمِّيَتْ بَطْحَاءُ مَكَّةَ لِانْبِسَاطِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالُوا هُوَ تَغْيِيرٌ وَتَصْحِيفٌ وَصَوَابُهُ مَا جَاءَ بَعْدَهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ وَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا وَبِهَذَا يَنْتَظِمُ الْكَلَامُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَرَى سَبِيلَهُ) ضَبَطْنَاهُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا وَبِرَفْعِ لَامِ سَبِيلُهُ وَنَصْبِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلَا جَلْحَاءُ وَلَا عَضْبَاءُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْعَقْصَاءُ مُلْتَوِيَةُ الْقَرْنَيْنِ وَالْجَلْحَاءُ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا وَالْعَضْبَاءُ الَّتِي انْكَسَرَ قَرْنُهَا الدَّاخِلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَنْطِحُهُ) بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا صَاحِبَ بَقَرٍ) إِلَى آخِرِهِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْبَقَرِ وَهَذَا أَصَحُّ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوْفَرَ مَا كَانَتْ لَا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلًا وَاحِدًا) فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَعْظَمَ مَا كَانَتْ هَذَا لِلزِّيَادَةِ فِي عُقُوبَتِهِ بِكَثْرَتِهَا وَقُوَّتِهَا وَكَمَالِ خَلْقِهَا فَتَكُونُ أَثْقَلَ فِي وَطْئِهَا كَمَا أَنَّ ذَوَاتِ الْقُرُونِ تَكُونُ بِقُرُونِهَا لِيَكُونَ أَنْكَى وَأَصْوَبَ لِطَعْنِهَا وَنَطْحِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا) الظِّلْفُ لِلْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالظِّبَاءِ وَهُوَ الْمُنْشَقُّ مِنَ الْقَوَائِمِ وَالْخُفُّ لِلْبَعِيرِ وَالْقَدَمُ لِلْآدَمِيِّ وَالْحَافِرُ لِلْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَيْلِ (فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ وِزْرٌ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ الَّتِي وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا الَّذِي وَهُوَ أَوْضَحُ وَأَظْهَرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَنِوَاءً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ) هُوَ بِكَسْرِ النُّونِ وَبِالْمَدِّ أَيْ مُنَاوَأَةً وَمُعَادَاةً قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ أَعَدَّهَا لِلْجِهَادِ وَأَصْلُهُ مِنَ الرَّبْطِ وَمِنْهُ الرِّبَاطُ وَهُوَ حَبْسُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ فِي الثَّغْرِ وَإِعْدَادُهُ الْأُهْبَةَ لِذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَيْلِ (ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي ظُهُورِهَا وَلَا رِقَابِهَا) اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْخَيْلِ وَمَذْهَبُهُ أَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الْخَيْلُ كُلُّهَا ذُكُورًا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ إِنَاثًا أَوْ ذكورا واناثا وجبت الزكاة وهو بالخياران شَاءَ أَخْرَجَ عَنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَأَخْرَجَ رُبُعَ عُشْرِ الْقِيمَةِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ بِحَالٍ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُجَاهِدُ بِهَا وَقَدْ يَجِبُ الْجِهَادُ بِهَا إِذَا تَعَيَّنَ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقِّ فِي رِقَابِهَا الْإِحْسَانُ إِلَيْهَا وَالْقِيَامُ بِعَلْفِهَا وَسَائِرِ مُؤَنِهَا وَالْمُرَادُ بِظُهُورِهَا إِطْرَاقُ فَحْلِهَا إِذَا طُلِبَتْ عَارِيَتُهُ وَهَذَا عَلَى النَّدْبِ وَقِيلَ الْمُرَادُ حَقُّ اللَّهِ مِمَّا يُكْسَبُ مِنْ مَالِ الْعَدُوِّ عَلَى ظُهُورِهَا وَهُوَ خُمُسُ الْغَنِيمَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تَقْطَعُ طِوَلَهَا) هُوَ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَيُقَالُ طِيلُهَا بِالْيَاءِ كَذَا جَاءَ فِي الْمُوَطَّأِ وَالطِّوَلُ وَالطِّيلُ الْحَبْلُ الَّذِي تُرْبَطُ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ولا يقطع طِوَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ

مَعْنَى اسْتَنَّتْ أَيْ جَرَتْ وَالشَّرَفُ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَهُوَ الْعَالِي مِنَ الْأَرْضِ وَقِيلَ الْمُرَادُ هُنَا طَلْقًا أَوْ طَلْقَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَشَرِبَتْ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَسْقِيَهَا إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَدَدَ مَا شَرِبَتْ حَسَنَاتٍ) هَذَا مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ تَحْصُلُ لَهُ هَذِهِ الْحَسَنَاتُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ سَقْيَهَا فَإِذَا قَصَدَهُ فَأَوْلَى بِإِضْعَافِ الْحَسَنَاتِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ما أنزل الله عَلَيَّ فِي الْحُمُرِ شَيْءٌ إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْفَاذَّةُ الْجَامِعَةُ) مَعْنَى الْفَاذَّةِ الْقَلِيلَةُ النَّظِيرِ وَالْجَامِعَةِ أَيَ الْعَامَّةُ الْمُتَنَاوِلَةُ لِكُلِّ خَيْرٍ وَمَعْرُوفٍ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّمَسُّكِ بِالْعُمُومِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهَا نَصٌّ بِعَيْنِهَا لَكِنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْعَامَّةُ وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا كَانَ يَحْكُمُ بِالْوَحْيِ وَيُجَابُ لِلْجُمْهُورِ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ الِاجْتِهَادِ بِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِيهَا شَيْءٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ) قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ الْكَنْزُ كُلُّ شَيْءٍ مَجْمُوعٍ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي بَطْنِ الْأَرْضِ أَمْ عَلَى ظَهْرِهَا زَادَ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَغَيْرُهُ وَكَانَ مَخْزُونًا

قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْمُرَادِ بِالْكَنْزِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ هُوَ كُلُّ مَالٍ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَمْ تُؤَدَّ فَأَمَّا مَالٌ أُخْرِجَتْ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَقِيلَ الْكَنْزُ هُوَ الْمَذْكُورُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَكِنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ أهل الكتاب المذكورون قبل ذلك وقيل كل مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ فَهُوَ كَنْزٌ وَإِنْ أُدِّيَتْ زَكَاتُهُ وَقِيلَ هُوَ مَا فَضَلَ عَنِ الْحَاجَةِ وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَضِيقِ الْحَالِ وَاتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ وَذَكَرَ عِقَابَهُ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ وَفِي آخِرِهِ فَيَقُولُ أَنَا كَنْزُكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) جَاءَ تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي

الصَّحِيحِ الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى بَقَاءِ الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْمُرَادُ قُبَيْلَ الْقِيَامَةِ بِيَسِيرٍ أَيْ حَتَّى تَأْتِيَ الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ تَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمَّا الَّتِي هِيَ عَلَيْهِ وِزْرٌ فَالَّذِي يَتَّخِذُهَا أَشَرًا وَبَطَرًا وَبَذَخًا وَرِيَاءَ النَّاسِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْأَشَرُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالشِّينِ وَهُوَ الْمَرَحُ وَاللَّجَاجُ وَأَمَّا الْبَطَرُ فَالطُّغْيَانُ عِنْدَ الْحَقِّ وَأَمَّا

الْبَذَخُ فَبِفَتْحِ الْبَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَشَرِ وَالْبَطَرِ [988] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ قَطُّ وَقَعَدَ لَهَا) وَكَذَلِكَ فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَقَعَدَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْعَيْنِ وَفِي قَطُّ لُغَاتٌ حَكَاهُنَّ الْجَوْهَرِيُّ وَالْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ قَطُّ مَفْتُوحَةُ الْقَافِ مُشَدَّدَةُ الطَّاءِ قَالَ الْكِسَائِيُّ كَانَتْ قُطُطُ بِضَمِّ الْحُرُوفِ الثَّلَاثَةِ فَأُسْكِنَ الثَّانِي ثُمَّ أُدْغِمَ وَالثَّانِيَةُ قُطُّ بِضَمِّ الْقَافِ تَتْبَعُ الضَّمَّةَ كَقَوْلِكَ مُدَّ يَا هَذَا وَالثَّالِثَةُ قَطْ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الطَّاءِ وَالرَّابِعَةُ قُطُ بِضَمِّ الْقَافِ وَالطَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ وَهِيَ قَلِيلَةٌ هَذَا إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى الدَّهْرِ فَأَمَّا الَّتِي بِمَعْنَى حَسْبُ وَهُوَ الِاكْتِفَاءُ فَمَفْتُوحَةٌ سَاكِنَةُ الطَّاءِ تَقُولُ رَأَيْتُهُ مَرَّةً فَقَطْ فَإِنْ أَضَفْتَ قُلْتَ قَطْكَ هَذَا الشَّيْءُ أَيْ حَسْبُكَ وَقَطْنِي وقطى وقطه وقطاه قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (شُجَاعًا أَقْرَعَ

الشُّجَاعُ الْحَيَّةُ الذَّكَرُ وَالْأَقْرَعُ الَّذِي تَمَعَّطَ شَعْرُهُ لِكَثْرَةِ سُمِّهِ وَقِيلَ الشُّجَاعُ الَّذِي يُوَاثِبُ الرَّاجِلَ وَالْفَارِسَ وَيَقُومُ عَلَى ذَنَبِهِ وَرُبَّمَا بَلَغَ رَأْسَ الْفَارِسِ وَيَكُونُ فِي الصَّحَارِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مُثِّلَ لَهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ) قَالَ الْقَاضِي ظَاهِرُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ هَذَا الشُّجَاعَ لِعَذَابِهِ وَمَعْنَى مُثِّلَ أَيْ نُصِّبَ وَصُيِّرَ بِمَعْنَى أَنَّ مَالَهُ يَصِيرُ عَلَى صُورَةِ الشُّجَاعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَلَكَ بِيَدِهِ فِي فِيهِ فَيَقْضِمُهَا قَضْمَ الْفَحْلِ) مَعْنَى سَلَكَ أَدْخَلَ وَيَقْضِمُهَا بِفَتْحِ الضَّادِ يُقَالُ قَضِمَتِ الدَّابَّةُ شَعِيرَهَا بِكَسْرِ الضَّادِ تَقْضَمُهُ بِفَتْحِهَا إِذَا أَكَلَتْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ فِيهَا جَمَّاءُ) هِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا قَوْلُهُ (قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَقُّهَا قَالَ طراق فَحْلِهَا وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا وَمَنِيحَتُهَا وَحَلَبُهَا عَلَى الْمَاءِ وَحَمْلٌ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْمَازِرِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَقُّ فِي مَوْضِعٍ تَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمُوَاسَاةُ قَالَ الْقَاضِي هَذِهِ الْأَلْفَاظُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ هَذَا الْحَقَّ غَيْرُ الزَّكَاةِ قَالَ وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي مَعْنَى قول الله تعالى وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم فَقَالَ الْجُمْهُورُ الْمُرَادُ بِهِ الزَّكَاةُ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ وَأَمَّا مَا جَاءَ غَيْرَ ذَلِكَ فَعَلَى وَجْهِ النَّدْبِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلِأَنَّ الْآيَةَ إِخْبَارٌ عَنْ وَصْفِ قَوْمٍ أَثْنَى عَلَيْهِمْ بِخِصَالٍ كَرِيمَةٍ فَلَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ كَمَا لَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى كَانُوا قَلِيلًا من الليل ما يهجعون وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِالزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ خَبَرٍ فَمَعْنَاهُ أَمْرٌ قَالَ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَمَسْرُوقٌ وَغَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ وَأَنَّ فِي الْمَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ مِنْ فَكِّ الْأَسِيرِ وَإِطْعَامِ الْمُضْطَرِّ وَالْمُوَاسَاةِ فِي الْعُسْرَةِ وَصِلَةِ الْقَرَابَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنِيحَتُهَا) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمَنِيحَةُ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُعْطِيَ

(باب إرضاء السعاة)

الْإِنْسَانُ آخَرَ شَيْئًا هِبَةً وَهَذَا النَّوْعُ يَكُونُ فِي الْحَيَوَانِ وَالْأَرْضِ وَالْأَثَاثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ الثَّانِي أَنَّ الْمَنِيحَةَ نَاقَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ يَنْتَفِعُ بِلَبَنِهَا وَوَبَرِهَا وَصُوفِهَا وَشَعْرِهَا زَمَانًا ثُمَّ يَرُدُّهَا وَيُقَالُ مَنَحَهُ يَمْنَحُهُ بِفَتْحِ النُّونِ فِي الْمُضَارِعِ وَكَسْرِهَا فَأَمَّا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا فَفِيهِ رِفْقٌ بِالْمَاشِيَةِ وَبِالْمَسَاكِينِ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ عَلَى الْمَاشِيَةِ وَأَرْفَقُ بِهَا وَأَوْسَعُ عَلَيْهَا مِنْ حَلَبِهَا فِي الْمَنَازِلِ وَهُوَ أَسْهَلُ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَأَمْكَنُ فِي وُصُولِهِمْ إِلَى مَوْضِعِ الْحَلْبِ لِيُوَاسَوْا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ إِرْضَاءِ السُّعَاةِ) وَهُمُ الْعَامِلُونَ عَلَى الصَّدَقَاتِ [989] قَوْلُهُ (إِنَّ نَاسًا مِنَ الْمُتَصَدِّقِينَ يَأْتُونَنَا فَيَظْلِمُونَنَا فقال رسول الله

(أرضوا مصدقيكم) المصدقون بتخفيف الصاد وهم السعاة

ص (أَرْضُوا مُصَدِّقِيكُمْ) الْمُصَدِّقُونَ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَهُمُ السُّعَاةُ الْعَامِلُونَ عَلَى الصَّدَقَاتِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَرْضُوا مُصَدِّقِيكُمْ) مَعْنَاهُ بِبَذْلِ الْوَاجِبِ وَمُلَاطَفَتِهِمْ وَتَرْكِ مَشَاقِّهِمْ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى ظُلْمٍ لَا يفسق به الساعى إذ لو فسق لا نعزل وَلَمْ يَجِبِ الدَّفْعُ إِلَيْهِ بَلْ لَا يُجْزِي وَالظُّلْمُ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَإِنَّهُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْمَكْرُوهَاتُ) (باب تَغْلِيظِ عُقُوبَةِ مَنْ لَا يُؤَدِّي الزَّكَاةَ) [990] قَوْلُهُ (لَمْ أَتَقَارَّ أَيْ لَمْ يُمْكِنِّي الْقَرَارُ وَالثَّبَاتُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هُمُ الْأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الكعبة) ثم فسرهم فَقَالَ (هُمُ الْأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ) فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ فِي وُجُوهِ الخير

وَأَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى نَوْعٍ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ بَلْ يُنْفِقُ فِي كُلِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْخَيْرِ يَحْضُرُ وَفِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ بِغَيْرِ تَحْلِيفٍ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ إِذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ كَتَوْكِيدِ أَمْرٍ وَتَحْقِيقِهِ وَنَفْيِ الْمَجَازِ عَنْهُ وَقَدْ كَثُرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي حَلِفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا النَّوْعِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَأَمَّا إِشَارَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قُدَّامَ وَوَرَاءَ وَالْجَانِبَيْنِ فَمَعْنَاهَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُنْفِقَ مَتَى حَضَرَ أَمْرٌ مُهِمٌّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُلَّمَا نَفِدَتْ أُخْرَاهَا عَادَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ نَفِدَتْ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَنَفَذَتْ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ

قَوْلُهُ (سَمِعْتُ لَغَطًا) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَإِسْكَانِهَا لُغَتَانِ أَيْ جَلَبَةً وَصَوْتًا غَيْرَ مَفْهُومٍ [94] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا أَبَا ذَرٍّ) فِيهِ مُنَادَاةُ الْعَالِمِ وَالْكَبِيرِ صَاحِبَهُ بِكُنْيَتِهِ إِذَا كَانَ جَلِيلًا قَوْلُهُ (مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لَا يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّهُ لَا يَخْلُدُ أَصْحَابُ الْكَبَائِرِ فِي النَّارِ خلافا للخوارج والمعتزلة وخص الزنى وَالسَّرِقَةَ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهِمَا مِنْ أَفْحَشِ الْكَبَائِرِ وَهُوَ داخل في

أَحَادِيثِ الرَّجَاءِ قَوْلُهُ (فَالْتَفَتَ فَرَآنِي فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقُلْتُ أَبُو ذَرٍّ) فِيهِ جَوَازُ تَسْمِيَةِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِكُنْيَتِهِ إِذَا كَانَ مَشْهُورًا بِهَا دُونَ اسْمِهِ وَقَدْ كَثُرَ مِثْلُهُ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِلَّا مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ خَيْرًا فَنَفَحَ فِيهِ يَمِينَهُ وَشِمَالَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ وَوَرَاءَهُ وَعَمِلَ فِيهِ خَيْرًا) الْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الْأَوَّلِ الْمَالُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخير أَيِ الْمَالِ وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الثَّانِي طَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُرَادُ بِيَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مَا سَبَقَ أَنَّهُ جَمِيعُ وُجُوهِ الْمَكَارِمِ وَالْخَيْرِ وَنَفَحَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ ضَرَبَ يَدَيْهِ فِيهِ بِالْعَطَاءِ وَالنَّفْحُ الرَّمْيُ وَالضَّرْبُ قَوْلُهُ (فَانْطَلَقَ فِي الْحَرَّةِ) هِيَ الْأَرْضُ الْمُلْبَسَةُ حِجَارَةً سَوْدَاءَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (قلت وان سرق وان زنى قَالَ نَعَمْ وَإِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ) فِيهِ تَغْلِيظُ تحريم الخمر

[992] قَوْلُهُ (فَبَيْنَا أَنَا فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مَلَأٌ مِنْ قُرَيْشٍ) الْمَلَأُ الْأَشْرَافُ وَيُقَالُ أَيْضًا لِلْجَمَاعَةِ وَالْحَلْقَةُ بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ لُغَيَّةً رَدِيئَةً فِي فَتْحِهَا وَقَوْلُهُ (بَيْنَا أَنَا فِي حَلْقَةٍ) أَيْ بَيْنَ أَوْقَاتِ قُعُودِي فِي الْحَلْقَةِ قَوْلُهُ (إِذْ جَاءَ رَجُلٌ أَخْشَنُ الثِّيَابِ أَخْشَنُ الْجَسَدِ أَخْشَنُ الْوَجْهِ) هُوَ بِالْخَاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ فِي الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي هَكَذَا عَنِ الْجُمْهُورِ وهو من الخشونة قال وعند بن الْحَذَّاءِ فِي الْأَخِيرِ خَاصَّةً حُسْنُ الْوَجْهِ مِنَ الْحُسْنِ وَرَوَاهُ الْقَابِسِيُّ فِي الْبُخَارِيِّ حَسَنَ الشَّعْرِ وَالثِّيَابِ وَالْهَيْئَةِ مِنَ الْحُسْنِ وَلِغَيْرِهِ خَشِنَ مِنَ الْخُشُونَةِ وَهُوَ أَصْوَبُ قَوْلُهُ (فَقَامَ عَلَيْهِمْ) أَيْ وَقَفَ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ بَشِّرَ الْكَانِزِينَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُوضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفَيْهِ وَيُوضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفَيْهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيَيْهِ يَتَزَلْزَلُ) أَمَّا قَوْلُهُ بَشِّرَ الْكَانِزِينَ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَرَادَ الِاحْتِجَاجَ لِمَذْهَبِهِ فِي أَنَّ الْكَنْزَ كُلُّ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مذهب أبي ذر وورى عَنْهُ غَيْرُهُ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْكَنْزَ هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ فَأَمَّا إِذَا أُدِّيَتْ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ سَوَاءٌ كَثُرَ أَمْ قَلَّ وَقَالَ الْقَاضِي الصَّحِيحُ أَنَّ إِنْكَارَهُ إِنَّمَا هُوَ عَلَى السَّلَاطِينِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يُنْفِقُونَهُ فِي وُجُوهِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي بَاطِلٌ لِأَنَّ السَّلَاطِينَ فِي زَمَنِهِ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ صِفَتُهُمْ وَلَمْ يَخُونُوا فِي بَيْتِ الْمَالِ إِنَّمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَتُوُفِّيَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ قَوْلُهُ (بِرَضْفٍ) هِيَ الْحِجَارَةُ الْمُحْمَاةُ وَقَوْلُهُ يُحْمَى عَلَيْهِ أَيْ يُوقَدُ عَلَيْهِ وَفِي جَهَنَّمَ مَذْهَبَانِ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اسْمٌ عَجَمِيٌّ فَلَا يَنْصَرِفُ لِلْعُجْمَةِ وَالْعِلْمِيَّةِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ

قَالَ يُونُسُ وَأَكْثَرُ النَّحْوِيِّينَ هِيَ أَعْجَمِيَّةٌ لَا تَنْصَرِفُ لِلتَّعْرِيفِ وَالْعُجْمَةِ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ اسْمٌ عَرَبِيٌّ سُمِّيَتْ بِهِ لِبُعْدِ قَعْرِهَا وَلَمْ يَنْصَرِفْ لِلْعِلْمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ قَالَ قُطْرُبٌ عَنْ رُؤْبَةُ يُقَالُ بِئْرٌ جَهَنَّامٌ أَيْ بَعِيدَةُ الْقَعْرِ وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْجُهُومَةِ وَهِيَ الْغِلَظُ يُقَالُ جهم الْوَجْهِ أَيْ غَلِيظُهُ وَسُمِّيَتْ جَهَنَّمُ لِغِلَظِ أَمْرِهَا فِي الْعَذَابِ وَقَوْلُهُ (ثَدْيِ أَحَدِهِمْ) فِيهِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الثَّدْيِ فِي الرَّجُلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مَنْ أَنْكَرَهُ وَقَالَ لَا يُقَالُ ثَدْيٌ إِلَّا لِلْمَرْأَةِ وَيُقَالُ فِي الرَّجُلِ ثُنْدُؤَةٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا مَبْسُوطًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ الرَّجُلِ الَّذِي قَتَلَ نَفْسَهُ بِسَيْفِهِ فَجَعَلَ ذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ وَسَبَقَ أَنَّ الثَّدْيَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ قَوْلُهُ (نُغْضِ كَتِفَيْهِ) هُوَ بِضَمِّ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا ضَادٌ مُعْجَمَةٌ وَهُوَ الْعَظْمُ الرَّقِيقُ الَّذِي عَلَى طَرَفِ الْكَتِفِ وَقِيلَ هُوَ أَعْلَى الْكَتِفِ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا النَّاغِضُ وَقَوْلُهُ يَتَزَلْزَلُ أَيْ يَتَحَرَّكُ قَالَ الْقَاضِي قِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ بِسَبَبِ نُضْجِهِ يَتَحَرَّكُ لِكَوْنِهِ يَهْتَرِي قَالَ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْحَرَكَةَ وَالتَّزَلْزُلَ إِنَّمَا هُوَ لِلرَّضْفِ أَيْ يَتَحَرَّكُ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ إِلَى قَوْلِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيَيْهِ بِإِفْرَادِ الثَّدْيِ فِي الْأَوَّلِ وَتَثْنِيَتِهِ فِي الثَّانِي وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ (لَا تَعْتَرِيهِمْ) أَيْ تَأْتِيهِمْ وَتَطْلُبُ مِنْهُمْ يُقَالُ عَرَوْتَهُ وَاعْتَرَيْتَهُ وَاعْتَرَرْتَهُ إِذَا أَتَيْتَهُ تَطْلُبُ مِنْهُ حَاجَةً قَوْلُهُ (لَا أَسْأَلُهُمْ عَنْ دُنْيَا وَلَا أَسْتَفْتِيهِمْ عَنْ دِينٍ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ

(باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف)

عَنْ دُنْيَا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لَا أَسْأَلُهُمْ دُنْيَا بِحَذْفِ عَنْ وَهُوَ الْأَجْوَدُ أَيْ لَا أَسْأَلُهُمْ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهَا قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا خُلَيْدٌ الْعَصْرِيُّ) هُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَالْعَصْرِيُّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي عَصْرٍ (باب الْحَثِّ عَلَى النَّفَقَةِ وَتَبْشِيرِ الْمُنْفِقِ بِالْخَلَفِ) [993] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ) هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ فَيَتَضَمَّنُ الْحَثُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ مَعْنَى فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ وَالتَّبْشِيرِ بِالْخَلَفِ مِنْ فَضْلِ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَمِينُ اللَّهِ ملأى وقال بن نمير ملآن هكذا وقعت رواية بن نُمَيْرٍ بِالنُّونِ قَالُوا وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ وَصَوَابُهُ مَلْأَى كَمَا فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ ثُمَّ ضَبَطُوا رواية بن نُمَيْرٍ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا إِسْكَانُ اللَّامِ وَبَعْدَهَا همزة والثاني ملان بفتح اللام بِلَا هَمْزٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى سَحَّاءُ لَا يَغِيضُهَا شَيْءٌ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) ضَبَطُوا سَحَّاءُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا سَحَّاءٌ بِالتَّنْوِينِ عَلَى الْمَصْدَرِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ الْأَشْهُرُ وَالثَّانِي حَكَاهُ الْقَاضِي سَحَّاءُ بِالْمَدِّ عَلَى الْوَصْفِ وَوَزْنُهُ فَعَلَاءُ صِفَةٌ لِلْيَدِ وَالسَّحُّ الصَّبُّ الدَّائِمُ وَاللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَنْصُوبَانِ عَلَى الظَّرْفِ وَمَعْنَى لَا يَغِيضُهَا شَيْءٌ أَيْ لَا يَنْقُصُهَا يُقَالُ غَاضَ الْمَاءُ وَغَاضَهُ اللَّهُ لَازِمٌ ومعتد قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ هَذَا مِمَّا يُتَأَوَّلُ لِأَنَّ الْيَمِينَ إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى الْمُنَاسِبَةِ لِلشِّمَالِ لَا يُوصَفُ بِهَا الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ الشِّمَالِ وَهَذَا يَتَضَمَّنُ التَّحْدِيدَ وَيَتَقَدَّسُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنِ التَّجْسِيمِ وَالْحَدِّ وَإِنَّمَا خَاطَبَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يَفْهَمُونَهُ وَأَرَادَ الْإِخْبَارَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَنْقُصُهُ الْإِنْفَاقُ وَلَا يُمْسِكُ خَشْيَةَ الْإِمْلَاقِ جَلَّ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَعَبَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَوَالِي النِّعَمِ بِسَحِّ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْبَاذِلَ مِنَّا يَفْعَلُ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى الْأَشْيَاءِ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ لَا يَخْتَلِفُ ضَعْفًا وَقُوَّةً وَأَنَّ الْمَقْدُورَاتِ تَقَعُ بِهَا عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا تَخْتَلِفُ قُوَّةً وَضَعْفًا كَمَا يَخْتَلِفُ فِعْلُنَا بِالْيَمِينِ وَالشِّمَالِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَمُشَابَهَةِ الْمُحْدَثِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرواية الثَّانِيَةِ وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْقَبْضُ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ قُدْرَتُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَفْعَلُ بِهَا الْمُخْتَلِفَاتِ وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ فِينَا لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِيَدَيْنِ عَبَّرَ عَنْ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ بِالْيَدَيْنِ لِيُفْهِمَهُمُ الْمَعْنَى الْمُرَادَ بِمَا اعْتَادُوهُ مِنَ الْخِطَابِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ (لَا يَغِيضُهَا سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) ضَبَطْنَاهُ بِوَجْهَيْنِ نَصْبُ اللَّيْلِ

(باب فضل النفقة على العيال والمملوك)

وَالنَّهَارِ وَرَفْعُهُمَا النَّصْبُ عَلَى الظَّرْفِ وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْقَبْضُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ) ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْفَيْضُ بِالْفَاءِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَالثَّانِي الْقَبْضُ بِالْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ بِالْقَافِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ قَالَ وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَالْمَعْرُوفُ قَالَ وَمَعْنَى الْقَبْضِ الْمَوْتُ وَأَمَّا الْفَيْضُ بِالْفَاءِ فَالْإِحْسَانُ وَالْعَطَاءُ وَالرِّزْقُ الْوَاسِعُ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْقَبْضِ بِالْقَافِ أَيِ الْمَوْتُ قَالَ الْبَكْرَاوِيُّ وَالْفَيْضُ الْمَوْتُ قَالَ الْقَاضِي قَيْسٌ يَقُولُونَ فَاضَتْ نَفْسُهُ بِالضَّادِ إِذَا مَاتَ وَطَيٌّ يَقُولُونَ فَاظَتْ نَفْسُهُ بِالظَّاءِ وَقِيلَ إِذَا ذُكِرَتِ النَّفْسُ فَبِالضَّادِ وَإِذَا قِيلَ فَاظَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ النَّفْسِ فَبِالظَّاءِ وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ فَقَدْ يَكُونُ عِبَارَةً عَنِ الرِّزْقِ وَمَقَادِيرِهِ وَقَدْ يَكُونُ عِبَارَةً عَنْ جُمْلَةِ الْمَقَادِيرِ وَمَعْنَى يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ قِيلَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَقْدِيرِ الرِّزْقِ يَقْتُرُهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَيُوسِعُهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَقَدْ يَكُونَانِ عِبَارَةً عَنْ تَصَرُّفِ الْمَقَادِيرِ بِالْخَلْقِ بِالْعِزِّ وَالذُّلِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب فَضْلِ النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ والمملوك) (وإثم من ضيعهم أو حبس نفقتهم عَنْهُمْ) مَقْصُودُ الْبَابِ الْحَثُّ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ وَبَيَانُ عِظَمِ الثَّوَابِ فِيهِ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ بِالْقَرَابَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَكُونُ مَنْدُوبَةً وَتَكُونُ صَدَقَةً وَصِلَةً وَمِنْهُمْ مَنْ تَكُونُ وَاجِبَةً بِمِلْكِ النِّكَاحِ

(باب الابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة)

أَوْ مِلْكِ الْيَمِينِ وَهَذَا كُلُّهُ فَاضِلٌ مَحْثُوثٌ عَلَيْهِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَلِهَذَا [995] قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ بن أَبِي شَيْبَةَ (أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ) مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَهُ النَّفَقَةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي الْعِتْقِ وَالصَّدَقَةِ وَرَجَّحَ النَّفَقَةَ عَلَى الْعِيَالِ عَلَى هَذَا كُلِّهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَزَادَهُ تَأْكِيدًا [996] بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ) فَقُوتُهُ مَفْعُولُ يَحْبِسَ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ) هُوَ بِالْجِيمِ قَوْلُهُ (قَهْرَمَانُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَهُوَ الْخَازِنُ الْقَائِمُ بِحَوَائِجِ الْإِنْسَانِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْوَكِيلِ وَهُوَ بِلِسَانِ الْفُرْسِ (باب الِابْتِدَاءِ فِي النَّفَقَةِ بِالنَّفْسِ ثُمَّ أَهْلِهِ ثُمَّ الْقَرَابَةِ) [997] فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ (أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَلَكَ

مَالٌ غَيْرُهُ فَقَالَ لَا فَقَالَ مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيُّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَجَاءَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا يَقُولُ فَبَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ) فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا الِابْتِدَاءُ فِي النَّفَقَةِ بِالْمَذْكُورِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَمِنْهَا أَنَّ الْحُقُوقَ وَالْفَضَائِلَ إِذَا تَزَاحَمَتْ قُدِّمُ الْأَوْكَدُ فَالْأَوْكَدُ وَمِنْهَا أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَنْ يُنَوِّعَهَا فِي جِهَاتِ الْخَيْرِ وَوُجُوهِ الْبِرِّ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ وَلَا يَنْحَصِرُ فِي جِهَةٍ بِعَيْنِهَا وَمِنْهَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إِلَّا إِذَا كَانَ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ فَيُبَاعُ فِيهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ أَوْ ظَاهِرٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بَاعَهُ لِيُنْفِقَهُ سَيِّدُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ أَوْ ظَاهِرٌ فِي هَذَا وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا إِلَى آخِرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج

(باب فَضْلِ النَّفَقَةِ وَالصَّدَقَةِ عَلَى الْأَقْرَبِينَ وَالزَّوْجِ وَالْأَوْلَادِ) (وَالْوَالِدَيْنِ وَلَوْ كَانُوا مُشْرِكِينَ) [998] قَوْلُهُ (وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءُ) اخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَلَى أَوْجُهٍ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ رُوِّينَا هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَنْ شُيُوخِنَا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا مَعَ كَسْرِ الْبَاءِ وَبِفَتْحِ الْبَاءِ وَالرَّاءِ قَالَ الْبَاجِيُّ قَرَأْتُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ عَلَى أَبِي ذَرٍّ الْبَرَوِيِّ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَالَ وَعَلَيْهِ أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالْحِفْظِ بِالْمَشْرِقِ وَقَالَ لِي الصُّورِيُّ هِيَ بِالْفَتْحِ وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّ مَنْ رَفَعَ الرَّاءَ وَأَلْزَمَهَا حُكْمَ الْإِعْرَابِ فَقَدْ أَخْطَأَ قَالَ وَبِالرَّفْعِ قَرَأْنَاهُ عَلَى شُيُوخِنَا بِالْأَنْدَلُسِ وَهَذَا الْمَوْضِعُ يُعْرَفُ بِقَصْرِ بَنِي جَدِيلَةَ قِبْلِي الْمَسْجِدِ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ رِوَايَةَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ هَذَا الْحَرْفَ بَرِيحَاءَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وكسر الراء وكذا سمعناه من أبي بحر عن العذرى والسمرقندى وكان عند بن سَعِيدٍ عَنِ الْبَحْرِيِّ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادٍ بِيرَحَاءَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَضَبَطَهُ الْحُمَيْدِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادٍ بَيْرَحَاءَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالرَّاءِ وَوَقَعَ فِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ جَعَلْتُ أَرْضِي بَارِيحَا لِلَّهِ وَأَكْثَرُ رِوَايَاتِهِمْ فِي هَذَا الْحَرْفِ بِالْقَصْرِ وَرُوِّينَاهُ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا بِالْوَجْهَيْنِ وَبِالْمَدِّ وَجَدْتُهُ بِخَطِّ الْأَصِيلِيِّ وَهُوَ حَائِطٌ يُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ وَلَيْسَ اسْمَ بِئْرٍ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي قَوْلُهُ (قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ) إِلَى آخِرِهِ فِيهِ دَلَالَةٌ لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ كَمَا يُقَالُ إِنَّ اللَّهَ قَالَ وَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شخير التابعي

لَا يُقَالُ اللَّهُ يَقُولُ وَإِنَّمَا يُقَالُ قَالَ اللَّهُ أَوِ اللَّهُ قَالَ وَلَا يُسْتَعْمَلُ مُضَارِعًا وَهَذَا غَلَطٌ وَالصَّوَابُ جَوَازُهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِاسْتِعْمَالِ ذَلِكَ وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى طَرَفٍ مِنْهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَكَأَنَّ مَنْ كَرِهَهُ ظَنَّ أَنَّهُ يَقْتَضِي اسْتِئْنَافَ الْقَوْلَ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى قَدِيمٌ وَهَذَا ظَنٌّ عَجِيبٌ فَإِنَّ الْمَعْنَى مَفْهُومٌ وَلَا لَبْسَ فِيهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الْإِنْفَاقِ مِمَّا يُحِبُّ وَمُشَاوَرَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ فِي كَيْفِيَّةِ الصَّدَقَاتِ وَوُجُوهِ الطَّاعَاتِ وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَخٍ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ بَخٍ بِإِسْكَانِ الْخَاءِ وَتَنْوِينِهَا مَكْسُورَةٍ وَحَكَى الْقَاضِي الْكَسْرَ بِلَا تَنْوِينٍ وَحَكَى الْأَحْمَرُ التَّشْدِيدَ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي وَرُوِيَ بِالرَّفْعِ فَإِذَا كُرِّرَتْ فَالِاخْتِيَارُ تَحْرِيكُ الْأَوَّلِ منونا واسكان الثاني قال بن دُرَيْدٍ مَعْنَاهُ تَعْظِيمُ الْأَمْرِ وَتَفْخِيمُهُ وَسُكِّنَتِ الْخَاءُ فِيهِ كَسُكُونِ اللَّامِ فِي هَلْ وَبَلْ وَمَنْ قَالَ بَخٍ بِكَسْرِهِ مُنَوَّنًا شَبَّهَهُ بِالْأَصْوَاتِ كَصَهٍ ومه قال بن السِّكِّيتِ بَخٍ بَخٍ وَبَهٍ بَهٍ

بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ بَخٍ كَلِمَةٌ تُقَالُ إِذَا حُمِدَ الْفِعْلُ وَقَالَ غَيْرُهُ تُقَالُ عِنْدَ الْإِعْجَابِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالٌ رَابِحٌ فَضَبَطْنَاهُ هُنَا بِوَجْهَيْنِ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ وَقَالَ الْقَاضِي رِوَايَتُنَا فِيهِ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ بِالْمُوَحَّدَةِ وَاخْتَلَفَتِ الرُّوَاةُ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْبُخَارِيِّ وَالْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِمَا فَمَنْ رَوَاهُ بِالْمُوَحَّدَةِ فَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ وَمَنْ رَوَاهُ رَايِحٌ بِالْمُثَنَّاةِ فَمَعْنَاهُ رَايِحٌ عَلَيْكَ أَجْرُهُ وَنَفْعُهُ فِي الْآخِرَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرُ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْأَقَارِبِ أَفْضَلُ مِنَ الْأَجَانِبِ إِذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ وَفِيهِ أَنَّ الْقَرَابَةَ يُرْعَى حَقُّهَا فِي صِلَةِ الْأَرْحَامِ وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعُوا إِلَّا فِي أَبٍ بَعِيدٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا طَلْحَةَ أَنْ يَجْعَلَ صَدَقَتَهُ فِي الْأَقْرَبِينَ فَجَعَلَهَا فِي أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَإِنَّمَا يَجْتَمِعَانِ مَعَهُ فِي الْجَدِّ السَّابِعِ [999] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ مَيْمُونَةَ حِينَ أَعْتَقَتِ الْجَارِيَةَ (لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ) فِيهِ فَضِيلَةُ صِلَةِ الْأَرْحَامِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْأَقَارِبِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الْعِتْقِ وَهَكَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَخْوَالَكِ بِاللَّامِ وَوَقَعَتْ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ الْأَصِيلِيِّ فِي الْبُخَارِيِّ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ أَخَوَاتِكِ بِالتَّاءِ قَالَ الْقَاضِي ولعله أَصَحُّ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ أَعْطَيْتِهَا أُخْتَكِ قُلْتُ الْجَمِيعُ صَحِيحٌ وَلَا تَعَارُضَ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَفِيهِ الِاعْتِنَاءُ بِأَقَارِبِ الْأُمِّ إِكْرَامًا بِحَقِّهَا وَهُوَ زِيَادَةٌ فِي بِرِّهَا وَفِيهِ جَوَازُ تَبَرُّعِ الْمَرْأَةِ بما لها بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا [1000] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ) فِيهِ أَمْرُ وَلِيِّ الْأَمْرِ رَعِيَّتَهُ بِالصَّدَقَةِ وَفِعَالِ الْخَيْرِ وَوَعْظُهُ النِّسَاءَ إِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ وَالْمَعْشَرُ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ صِفَتُهُمْ وَاحِدَةٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ مُفْرَدٌ وَأَمَّا الْجَمْعُ فَيُقَالُ بضم الحاء

وَكَسْرِهَا وَاللَّامُ مَكْسُورَةٌ فِيهِمَا وَالْيَاءُ مُشَدَّدَةٌ قَوْلُهَا (فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَجْزِي عَنِّي) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ يَكْفِي وَكَذَا قَوْلُهَا بَعْدُ أَتَجْزِي الصدقة عنهما بفتح التاء وقولها (أتجزى الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلَى زَوْجَيْهِمَا) هَذِهِ أَفْصَحُ اللُّغَاتِ فَيُقَالُ عَلَى زَوْجَيْهِمَا وَعَلَى زَوْجِهِمَا وَعَلَى أَزْوَاجِهِمَا وَهِيَ أَفْصَحُهُنَّ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ فِي قوله تعالى فقد صغت قلوبكما وَكَذَا قَوْلُهَا (وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا) وَشِبْهُ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الِاثْنَيْنِ منه واحد قولهما (ولا تخبر مَنْ نَحْنُ ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِمَا) قَدْ يُقَالُ إِنَّهُ إِخْلَافٌ لِلْوَعْدِ وَإِفْشَاءٌ لِلسِّرِّ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ عَارَضَ ذَلِكَ جَوَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَوَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبٌ مُحَتَّمٌ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ وَلَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتِ الْمَصَالِحُ بُدِئَ بِأَهَمِّهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَهُمَا أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ

فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَقَارِبِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَأَنَّ فِيهَا أَجْرَيْنِ قَوْلُهُ (فَذَكَرْتُ لِإِبْرَاهِيمَ فَحَدَّثَنِي عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ) الْقَائِلُ فَذَكَرْتُ لِإِبْرَاهِيمَ هُوَ الْأَعْمَشُ وَمَقْصُودُهُ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ شَيْخَيْنِ شَقِيقٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَهَذَا الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ امرأة بن مَسْعُودٍ وَالْمَرْأَةِ الْأَنْصَارِيَّةِ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَى أَزْوَاجِهِمَا وَأَيْتَامِ فِي حُجُورِهِمَا وَنَفَقَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَلَى بَنِيهَا الْمُرَادُ بِهِ كُلُّهُ صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ وَسِيَاقُ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَيْهِ [1002] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً) فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّدَقَةِ وَالنَّفَقَةِ الْمُطْلَقَةِ فِي بَاقِي الْأَحَادِيثِ إِذَا احْتَسَبَهَا وَمَعْنَاهُ أَرَادَ بِهَا وَجْهَ الله تعالى

باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه

فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَنْفَقَهَا ذَاهِلًا وَلَكِنْ يَدْخُلُ الْمُحْتَسِبُ وَطَرِيقُهُ فِي الِاحْتِسَابِ أَنْ يَتَذَكَّرَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَى الزَّوْجَةِ وَأَطْفَالِ أَوْلَادِهِ وَالْمَمْلُوكِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى حَسَبِ أَحْوَالِهِمْ وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِمْ وَأَنَّ غَيْرَهُمْ مِمَّنْ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مَنْدُوبٌ إِلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ فَيُنْفِقُ بِنِيَّةِ أَدَاءِ مَا أُمِرَ بِهِ وَقَدْ أُمِرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1003] قَوْلُهُ (عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ قَدِمَتَ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاهِبَةٌ أَوْ رَاغِبَةٌ) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ رَاغِبَةٌ بِلَا شَكٍّ وَفِيهَا وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فَقُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَأَصِلُ أُمِّي قَالَ نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ قَالَ الْقَاضِي الصَّحِيحُ رَاغِبَةٌ بِلَا شَكٍّ قَالَ قِيلَ مَعْنَاهُ رَاغِبَةٌ عَنِ الْإِسْلَامِ وَكَارِهَةٌ لَهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ طامعة فيما أعطيتها حريصة عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَدِمَتَ عَلَيَّ أُمِّي رَاغِبَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَهِيَ رَاغِمَةٌ مُشْرِكَةٌ فَالْأَوَّلُ رَاغِبَةٌ بِالْبَاءِ أَيْ طَامِعَةٌ طَالِبَةٌ صِلَتِي وَالثَّانِيَةُ بِالْمِيمِ مَعْنَاهُ كَارِهَةٌ لِلْإِسْلَامِ سَاخِطَتُهُ وَفِيهِ جَوَازُ صِلَةِ الْقَرِيبِ الْمُشْرِكِ وَأُمُّ أَسْمَاءَ اسْمُهَا قَيْلَةُ وَقِيلَ قَتِيلَةُ بِالْقَافِ وَتَاءِ مُثَنَّاةٍ من فوق وهي قَيْلَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعُزَّى الْقُرَشِيَّةُ الْعَامِرِيَّةُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّهَا أَسْلَمَتْ أَمْ مَاتَتْ عَلَى كفرها والأكثرون على موتها مشركة (باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه) [1004] قَوْلُهُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي افْتَلَتَتْ نَفْسَهَا (ضَبَطْنَاهُ نَفْسَهَا وَنَفْسُهَا بِنَصَبِ السِّينِ وَرَفْعِهَا فالرفع)

عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَالنَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ قَالَ الْقَاضِي أَكْثَرُ رِوَايَتِنَا فِيهِ بِالنَّصْبِ وَقَوْلُهُ افْتَلَتَتْ بِالْفَاءِ هَذَا هُوَ صَوَابُ الَّذِي رَوَاهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وغيرهم ورواه بن قُتَيْبَةَ اقْتَتَلَتْ نَفْسَهَا بِالْقَافِ قَالَ وَهِيَ كَلِمَةٌ يُقَالُ لِمَنْ مَاتَ فَجْأَةً وَيُقَالُ أَيْضًا لِمَنْ قتلته الْجِنُّ وَالْعِشْقُ وَالصَّوَابُ الْفَاءُ قَالُوا وَمَعْنَاهُ مَاتَتْ فَجْأَةً وَكُلُّ شَيْءٍ فُعِلَ بِلَا تَمَكُّثٍ فَقَدِ افْتُلِتَ وَيُقَالُ افْتَلَتَ الْكَلَامَ وَاقْتَرَحَهُ وَاقْتَضَبَهُ إِذَا ارْتَجَلَهُ وَقَوْلُهَا (أَفَلَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ) فَقَوْلُهُ إِنْ تَصَدَّقْتِ هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مِنْ إِنْ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي هَكَذَا الرِّوَايَةُ فِيهِ قَالَ وَلَا يَصِحُّ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا سَأَلَ عَمَّا لَمْ يَفْعَلْهُ بَعْدُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الصَّدَقَةَ عَنِ الْمَيِّتِ تَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَيَصِلُهُ ثَوَابُهَا وَهُوَ كَذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَكَذَا أَجْمَعُوا عَلَى وُصُولِ الدُّعَاءِ وَقَضَاءِ الدِّينِ بِالنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي الْجَمِيعِ وَيَصِحُّ الْحَجُّ عَنِ الْمَيِّتِ إِذَا كَانَ حَجَّ الْإِسْلَامِ وَكَذَا إِذَا وَصَّى بِحَجِّ التَّطَوُّعِ عَلَى الأصح عندنا واختلف العلماء في الصوم إِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ فَالرَّاجِحُ جَوَازُهُ عَنْهُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ وَالْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ لَا يَصِلُهُ ثَوَابُهَا وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يَصِلُهُ ثَوَابُهَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَمَّا الصَّلَاةُ وَسَائِرُ الطَّاعَاتِ فَلَا تَصِلُهُ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَحْمَدُ يَصِلُهُ ثَوَابُ الْجَمِيعِ كَالْحَجِّ

(باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف)

(باب بَيَانِ أَنَّ اسْمَ الصَّدَقَةِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْمَعْرُوفِ) [1005] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ) أَيْ لَهُ حُكْمُهَا فِي الثَّوَابِ وَفِيهِ بَيَانُ مَا ذَكَرْنَاهُ في الترجمة وفيه أنه لايحتقر شَيْئًا مِنَ الْمَعْرُوفِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْخَلَ بِهِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْضِرَهُ قَوْلُهُ [1006] (ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ) الدُّثُورُ بِضَمِّ الدَّالِ جَمْعُ دَثْرٍ بِفَتْحِهَا وَهُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (أو ليس قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ) وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَصَّدَّقُونَ فَالرِّوَايَةُ فِيهِ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَالدَّالِ جَمِيعًا وَيَجُوزُ فِي اللُّغَةِ تَخْفِيفُ الصَّادِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً فَرَوَيْنَاهُ بِوَجْهَيْنِ رَفْعُ صَدَقَةٍ وَنَصْبُهُ فَالرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَالنَّصْبُ عَطْفٌ عَلَى أَنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ تَسْمِيَتَهَا صَدَقَةً أَنَّ لَهَا أَجْرًا كَمَا لِلصَّدَقَةِ أَجْرٌ وَأَنَّ هَذِهِ الطَّاعَاتِ تُمَاثِلُ الصَّدَقَاتِ فِي الْأُجُورِ وَسَمَّاهَا صَدَقَةً عَلَى طَرِيقِ الْمُقَابَلَةِ وَتَجْنِيسِ الْكَلَامِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا صَدَقَةٌ عَلَى نفسه

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الصَّدَقَةِ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِهَذَا نَكَّرَهُ وَالثَّوَابُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَقَدْ يَتَعَيَّنُ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ نَفْلًا وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّهْلِيلُ نَوَافِلُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَجْرَ الْفَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ أَجْرِ النَّفْلِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إِنَّ ثَوَابَ الْفَرْضِ يَزِيدُ عَلَى ثَوَابِ النَّافِلَةِ بِسَبْعِينَ دَرَجَةً وَاسْتَأْنَسُوا فِيهِ بِحَدِيثٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ) هُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْجِمَاعِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْفَرْجِ نَفْسِهِ وَكِلَاهُمَا تَصِحُّ إِرَادَتُهُ هُنَا وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَاتِ تَصِيرُ طَاعَاتٍ بِالنِّيَّاتِ الصَّادِقَاتِ فَالْجِمَاعُ يَكُونُ عِبَادَةً إِذَا نَوَى بِهِ قَضَاءَ حَقِّ الزَّوْجَةِ وَمُعَاشَرَتَهَا بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَوْ طَلَبَ وَلَدٍ صَالِحٍ أَوْ إِعْفَافَ نَفْسِهِ أَوْ إِعْفَافَ الزَّوْجَةِ وَمَنْعَهُمَا جَمِيعًا مِنَ النَّظَرِ إِلَى حَرَامٍ أَوَ الْفِكْرِ فِيهِ أَوِ الْهَمِّ بِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ الصَّالِحَةِ قَوْلُهُ (قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ) فِيهِ جَوَازُ الْقِيَاسِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إِلَّا أَهْلُ الظَّاهِرِ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِمْ وَأَمَّا الْمَنْقُولُ عَنِ التَّابِعِينَ وَنَحْوِهِمْ مِنْ ذَمِّ الْقِيَاسِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْقِيَاسَ الَّذِي يَعْتَمِدُهُ الْفُقَهَاءُ الْمُجْتَهِدُونَ وَهَذَا الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ هُوَ مِنْ قِيَاسِ الْعَكْسِ وَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي الْعَمَلِ بِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ دليل

لِمَنْ عَمِلَ بِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ التَّسْبِيحِ وَسَائِرُ الْأَذْكَارِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِحْضَارُ النِّيَّةِ فِي الْمُبَاحَاتِ وَذَكْرُ الْعَالِمُ دَلِيلًا لِبَعْضِ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَخْفَى وَتَنْبِيهُ الْمُفْتَى عَلَى مُخْتَصَرِ الْأَدِلَّةِ وَجَوَازُ سُؤَالِ الْمُسْتَفْتِي عَنْ بَعْضِ مَا يَخْفَى مِنَ الدَّلِيلِ إِذَا عَلِمَ مِنْ حَالِ الْمَسْئُولِ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ سُوءُ أَدَبٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ) ضَبَطْنَا أَجْرًا بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ وَهُمَا ظَاهِرَانِ [1007] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةِ مَفْصِلٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَدَدَ تلك الستين والثلثمائة السُّلَامَى) قَدْ يُقَالُ وَقَعَ هُنَا إِضَافَةُ ثَلَاثٍ إِلَى مِائَةٍ مَعَ تَعْرِيفِ الْأَوَّلِ وَتَنْكِيرِ الثَّانِي وَالْمَعْرُوفُ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ عَكْسُهُ وَهُوَ تَنْكِيرُ الْأَوَّلِ وَتَعْرِيفُ الثَّانِي وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَالْجَوَابُ عَنْهُ وَكَيْفِيَّةُ قِرَاءَتِهِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ فِي حَدِيثِ احْصُوا لِي كَمْ يَلْفِظُ بِالْإِسْلَامِ قُلْنَا أَتَخَافُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ بَيْنَ السِّتِّمِائَةِ وَأَمَّا السُّلَامَى فَبِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَهُوَ الْمَفْصِلُ وَجَمْعُهُ سَلَامَيَاتٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ) أَيْ بَاعَدَهَا قَوْلُهُ (فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ) قَالَ أَبُو تَوْبَةَ وَرُبَّمَا قَالَ يُمْسِي وَوَقَعَ لِأَكْثَرِ رُوَاةِ كِتَابِ مُسْلِمٍ الْأَوَّلُ يَمْشِي بفتح

الْيَاءِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالثَّانِي بِضَمِّهَا وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَلِبَعْضِهِمْ عَكْسُهُ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ بَعْدَهُ فِي رِوَايَةِ الدَّارِمِيِّ وَقَالَ إِنَّهُ يُمْسِي فَبِالْمُهْمَلَةِ لَا غَيْرَ وَأَمَّا قَوْلُهُ بَعْدَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ وَقَالَ فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمئِذٍ فَبِالْمُعْجَمَةِ بِاتِّفَاقِهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ) الْمَلْهُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْمُتَحَسِّرِ وَعَلَى الْمُضْطَرِّ وعلى المظلوم وقولهم يالهف نَفْسِي عَلَى كَذَا كَلِمَةٌ يُتَحَسَّرُ بِهَا عَلَى مَا فَاتَ وَيُقَالُ لَهِفَ بِكَسْرِ الْهَاءِ يَلْهَفُ بفتحها لهفا باسكانها أي حزن وتحسر وكذلك التلهف قوله صلى الله عليه وسلم (تمسك عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ) مَعْنَاهُ صَدَقَةٌ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إِذَا أَمْسَكَ عَنِ الشَّرِّ لِلَّهِ تَعَالَى كَانَ لَهُ أَجْرٌ عَلَى ذَلِكَ كَمَا أَنَّ لِلْمُتَصَدِّقِ بِالْمَالِ أَجْرًا [1009] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ

صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ صَدَقَةُ نَدْبٍ وَتَرْغِيبٍ لَا إِيجَابٍ وَإِلْزَامٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ) أَيْ يُصْلِحُ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ قَوْلُهُ (عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَاسْمُ أَبِي مُزَرِّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَسَارٍ قَوْلُهُ [1010] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا فِي الْإِنْفَاقِ فِي الطَّاعَاتِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَعَلَى الْعِيَالِ وَالضِّيفَانِ وَالصَّدَقَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يُذَمُّ وَلَا يُسَمَّى سَرَفًا وَالْإِمْسَاكُ الْمَذْمُومُ هو الامساك عَنْ هَذَا [1011] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَصَدَّقُوا فَيُوشِكُ الرَّجُلُ يَمْشِي بِصَدَقَتِهِ فَيَقُولُ الَّذِي أُعْطِيَهَا لَوْ جِئْتَنَا بِهَا بِالْأَمْسِ قَبِلْتُهَا

فَأَمَّا الْآنَ فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا) مَعْنَى أُعْطِيَهَا أَيْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالْأَحَادِيثِ بَعْدَهُ مِمَّا وَرَدَ فِي كَثْرَةِ الْمَالِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ الْحَثُّ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِالصَّدَقَةِ وَاغْتِنَامِ إِمْكَانِهَا قَبْلَ تَعَذُّرِهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ تَصَدَّقُوا فيوشك الرجل إلى آخره وَسَبَبُ عَدَمِ قَبُولِهِمُ الصَّدَقَةَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ لِكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَظُهُورِ كُنُوزُ الْأَرْضِ وَوَضْعِ الْبَرَكَاتِ فِيهَا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ بَعْدَ هَلَاكِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَقِلَّةِ آمَالِهِمْ وَقُرْبِ السَّاعَةِ وَعَدَمِ ادِّخَارِهِمُ الْمَالَ وَكَثْرَةِ الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1012] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَطُوفُ الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ مِنَ الذَّهَبِ) إِنَّمَا هَذَا يَتَضَمَّنُ التَّنْبِيهَ عَلَى مَا سِوَاهُ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الذَّهَبُ لَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ فَكَيْفَ الظَّنُّ بِغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَتَرَدَّدُ بِهَا بَيْنَ النَّاسِ فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا فَتَحْصُلُ الْمُبَالَغَةُ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ الصَّدَقَةِ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ كَوْنُهُ يَعْرِضُهَا وَيَطُوفُ بِهَا وَهِيَ ذَهَبٌ قَوْلُهُ وَيُرَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ ثُمَّ قال وفي رواية بن بَرَّادٍ وَتَرَى هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْأَوَّلُ يُرَى بِضَمِّ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ وَالثَّانِي بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَيُرَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ تَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً يَلُذْنَ بِهِ مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ) مَعْنَى يَلُذْنَ بِهِ أَيْ يَنْتَمِينَ إِلَيْهِ لِيَقُومَ بِحَوَائِجِهِنَّ وَيَذُبَّ عَنْهُنَّ كَقَبِيلَةٍ بَقِيَ مِنْ رِجَالِهَا وَاحِدٌ فَقَطْ وَبَقِيَتْ نِسَاؤُهَا فَيَلُذْنَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ لِيَذُبَّ عَنْهُنَّ وَيَقُومَ بِحَوَائِجِهِنَّ وَلَا يَطْمَعَ فِيهِنَّ أَحَدٌ بِسَبَبِهِ وَأَمَّا سَبَبُ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ فَهُوَ الْحُرُوبُ وَالْقِتَالُ

الَّذِي يَقَعُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَتَرَاكُمُ الْمَلَاحِمِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ أَيِ الْقَتْلُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ وَهُوَ بن عبد الرحمن القارىء) هُوَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَارَةِ الْقَبِيلَةِ المَعْرُوفَةِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا) مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَتْرُكُونَهَا وَيُعْرِضُونَ عَنْهَا فَتَبْقَى مُهْمَلَةً لَا تُزْرَعُ وَلَا تُسْقَى مِنْ مِيَاهِهَا وَذَلِكَ لِقِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ الْحُرُوبِ وتراكم الفتن وَقُرْبِ السَّاعَةِ وَقِلَّةِ الْآمَالِ وَعَدَمِ الْفَرَاغِ لِذَلِكَ والِاهْتِمَامِ بِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ) ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ أَجْوَدُهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا يُهِمَّ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَيَكُونُ رَبُّ الْمَالِ مَنْصُوبًا مَفْعُولًا وَالْفَاعِلُ مَنْ وَتَقْدِيرُهُ يُحْزِنُهُ وَيَهْتَمُّ لَهُ وَالثَّانِي يَهُمَّ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْهَاءِ وَيَكُونُ رَبُّ الْمَالِ مَرْفُوعًا فَاعِلًا وَتَقْدِيرُهُ يَهُمُّ رَبُّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ أَيْ بِقَصْدِهِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ أَهَمَّهُ إِذَا أَحْزَنَهُ وَهَمَّهُ إِذَا أَذَابَهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ هَمَّكَ مَا أَهَمَّكَ أَيْ أَذَابَكَ الشَّيْءُ الَّذِي أَحْزَنَكَ فَأَذْهَبَ شَحْمَكَ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي هُوَ مِنْ هَمَّ بِهِ إِذَا قَصَدَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا أَرَبَ لِي فِيهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ أَيْ لَا حَاجَةَ [1013] قَوْلُهُ (مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرِّفَاعِيُّ) مَنْسُوبٌ إِلَى جَدٍّ لَهُ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرِ

(قال وقيل عبر باليمين هنا عن جهة القبول والرضا إذ

بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَمَاعَةَ أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَاضِي بَغْدَادَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ مِنَ الذهب والفضة) قال بن السِّكِّيتِ الْفَلْذُ الْقِطْعَةُ مِنْ كَبِدِ الْبَعِيرِ وَقَالَ غَيْرُهُ هِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ التَّشْبِيهُ أَيْ تُخْرِجُ مَا فِي جَوْفِهَا مِنَ الْقِطَعِ الْمَدْفُونَةِ فِيهَا وَالْأُسْطُوَانُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالطَّاءِ وَهُوَ جَمْعُ أُسْطُوَانَةٍ وَهِيَ السَّارِيَةُ وَالْعَمُودُ وَشَبَّهَهُ بالأسطوان لعظمه وكثرته [1014] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ) الْمُرَادُ بِالطَّيِّبِ هُنَا الْحَلَالُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ) قَالَ الْمَازِرِيُّ قَدْ ذَكَرْنَا اسْتِحَالَةَ الْجَارِحَةِ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَشِبْهَهُ إِنَّمَا عَبَّرَ بِهِ عَلَى مَا اعْتَادُوا فِي خِطَابِهِمْ لِيَفْهَمُوا فَكَنَّى هُنَا عَنْ قَبُولِ الصَّدَقَةِ بِأَخْذِهَا فِي الْكَفِّ وَعَنْ تَضْعِيفِ أَجْرِهَا بِالتَّرْبِيَةِ قال الْقَاضِي عِيَاضٌ لَمَّا كَانَ الشَّيْءُ الَّذِي يُرْتَضَى وَيُعَزُّ يُتَلَقَّى بِالْيَمِينِ وَيُؤْخَذُ بِهَا اسْتُعْمِلَ فِي مِثْلِ هَذَا وَاسْتُعِيرَ لِلْقَبُولِ وَالرِّضَا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ ... إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ ... تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ ... (قَالَ وَقِيلَ عَبَّرَ بِالْيَمِينِ هُنَا عَنْ جِهَةِ الْقَبُولِ وَالرِّضَا إِذِ الشِّمَالُ بِضِدِّهِ فِي هَذَا قَالَ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِكَفِّ الرَّحْمَنِ هُنَا وَيَمِينِهِ كَفُّ الَّذِي تُدْفَعُ إِلَيْهِ الصَّدَقَةُ وَإِضَافَتُهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِضَافَةُ مِلْكٍ وَاخْتِصَاصٍ لوضع)

هَذِهِ الصَّدَقَةِ فِيهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ وَقَدْ قِيلَ فِي تَرْبِيَتِهَا وَتَعْظِيمِهَا حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ تَعْظِيمُ أَجْرِهَا وَتَضْعِيفُ ثَوَابِهَا قَالَ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنْ تَعْظُمَ ذَاتُهَا وَيُبَارِكَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا وَيَزِيدَهَا مِنْ فَضْلِهِ حَتَّى تَثْقُلَ فِي الْمِيزَانِ وَهَذَا الْحَدِيثُ نَحْوُ قَوْلِ اللَّهِ تعالى يمحق الله الربا ويربى الصدقات قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْفَلُوُّ الْمُهْرُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ فُلِّيَ عَنْ أُمِّهِ أَيْ فُصِلَ وَعُزِلَ وَالْفَصِيلُ وَلَدُ النَّاقَةِ إِذَا فُصِلَ مِنْ إِرْضَاعِ أُمِّهِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٌ كَجَرِيحٍ وَقَتِيلٍ بِمَعْنَى مَجْرُوحٍ وَمَقْتُولٍ وَفِي الْفَلُوِّ لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ أَفْصَحُهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا فَتْحُ الْفَاءِ وَضَمُّ اللَّامِ وَتَشْدِيدُ الْوَاوِ وَالثَّانِيَةُ كَسْرُ الْفَاءِ وَإِسْكَانُ اللام وتخفيف الواو قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلُوَّهُ أَوْ قَلُوصَهُ) هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّ اللَّامِ وَهِيَ الناقة الفتية

(باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة)

ولايطلق عَلَى الذَّكَرِ [1015] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا) قَالَ الْقَاضِي الطَّيِّبُ فِي صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى الْمُنَزَّهُ عَنِ النَّقَائِصِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْقُدُّوسِ وَأَصْلُ الطَّيِّبُ الزَّكَاةُ وَالطَّهَارَةُ وَالسَّلَامَةُ مِنَ الْخَبَثِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي هِيَ قَوَاعِدُ الْإِسْلَامِ وَمَبَانِي الْأَحْكَامِ وَقَدْ جَمَعْتُ مِنْهَا أَرْبَعِينَ حَدِيثًا فِي جُزْءٍ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ مِنَ الْحَلَالِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْإِنْفَاقِ مِنْ غَيْرِهِ وَفِيهِ أَنَّ الْمَشْرُوبَ وَالْمَأْكُولَ وَالْمَلْبُوسَ وَنَحْوَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَلَالًا خَالِصًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ الدُّعَاءَ كَانَ أَوْلَى بِالِاعْتِنَاءِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ قَوْلُهُ (ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ) إِلَى آخِرِهِ مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يُطِيلُ السَّفَرَ فِي وُجُوهِ الطَّاعَاتِ كَحَجٍّ وَزِيَارَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَغُذِيَ بِالْحِرَامِ) هُوَ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَتَخْفِيفِ الذَّالِ الْمَكْسُورَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) أَيْ مِنْ أَيْنَ يُسْتَجَابُ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ وَكَيْفَ يُسْتَجَابُ لَهُ (باب الْحَثِّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ) (أَوْ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ وَأَنَّهَا حِجَابٌ مِنْ النَّارِ) [1016] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فليفعل) شق

التَّمْرَةِ بِكَسْرِ الشِّينِ نِصْفُهَا وَجَانِبُهَا وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْهَا لِقِلَّتِهَا وَأَنَّ قَلِيلَهَا سَبَبٌ لِلنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ قَوْلُهُ (لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ) هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّهَا وَهُوَ الْمُعَبِّرُ عَنْ لِسَانٍ بِلِسَانٍ قَوْلُهُ (وَلَوْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ) فِيهِ أَنَّ الْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ سَبَبٌ لِلنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ وَهِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي فيها تطيب قَلْبِ إِنْسَانٍ إِذَا كَانَتْ مُبَاحَةً أَوْ طَاعَةً قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ وَفِيهِ ثَلَاثَةٌ تَابِعِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ الْأَعْمَشُ وَعَمْرٌو وَخَيْثَمَةُ قَوْلُهُ (فَأَعْرَضَ وَأَشَاحَ) هُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَمَعْنَاهُ قَالَ الْخَلِيلُ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ نَحَّاهُ وَعَدَلَ بِهِ وَقَالَ

الْأَكْثَرُونَ الْمُشِيحُ الْحَذِرُ وَالْجَادُّ فِي الْأَمْرِ وَقِيلَ الْمُقْبِلُ وَقِيلَ الْهَارِبُ وَقِيلَ الْمُقْبِلُ إِلَيْكَ الْمَانِعُ لما وراء ظهره فأشاح هنا يحتمل هذه المعانى أَيْ حَذِرَ النَّارَ كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا أَوْ جَدَّ فِي الْإِيضَاحِ بِإِيقَانِهَا أَوْ أَقْبَلَ إِلَيْكَ خِطَابًا أَوْ أَعْرَضَ كَالْهَارِبِ [1017] قَوْلُهُ (مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوَ الْعَبَاءِ) النِّمَارُ بِكَسْرِ النُّونِ جَمْعُ نَمِرَةٍ بفتحها وهي ثياب صوف فيها تنمير والعباء بِالْمَدِّ وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ جَمْعُ عَبَاءَةٍ وَعَبَايَةٍ لُغَتَانِ وَقَوْلُهُ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَيْ خَرَقُوهَا وَقَوَّرُوا وَسَطَهَا قَوْلُهُ (فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ تَغَيَّرَ قَوْلُهُ (فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ جَمْعِ النَّاسِ لِلْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ وَوَعْظِهِمْ وَحَثِّهِمْ عَلَى مَصَالِحِهِمْ وَتَحْذِيرِهِمْ مِنَ الْقَبَائِحِ قَوْلُهُ (فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحدة) سَبَبُ قِرَاءَةِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهَا أَبْلَغُ

فِي الْحَثِّ عَلَى الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ وَلِمَا فِيهَا مِنْ تَأَكُّدِ الْحَقِّ لِكَوْنِهِمْ إِخْوَةً قَوْلُهُ (رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا قَالَ الْقَاضِي ضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِالْفَتْحِ وَبَعْضُهُمْ بالضم قال بن سِرَاجٍ هُوَ بِالضَّمِّ اسْمٌ لِمَا كَوَّمَهُ وَبِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ قَالَ وَالْكُوْمَةُ بِالضَّمِّ الصُّبْرَةُ وَالْكَوْمُ الْعَظِيمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَالْكَوْمُ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ كَالرَّابِيَةِ قَالَ الْقَاضِي فَالْفَتْحُ هُنَا أَوْلَى لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْكَثْرَةُ وَالتَّشْبِيهُ بِالرَّابِيَةِ قَوْلُهُ (حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ) فَقَوْلُهُ يَتَهَلَّلُ أَيْ يَسْتَنِيرُ فَرَحًا وَسُرُورًا وَقَوْلُهُ مُذْهَبَةٌ ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي وَالْجُمْهُورُ مُذْهَبَةٌ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَالثَّانِي وَلَمْ يَذْكُرِ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ غَيْرَهُ مُدْهُنَةٌ بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَضَمِّ الْهَاءِ وَبَعْدَهَا نُونٌ وَشَرَحَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرِيبُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ فَقَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ فَسَّرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ إِنْ صَحَّتِ الْمُدْهُنُ الْإِنَاءُ الَّذِي يُدْهَنُ فِيهِ وَهُوَ أَيْضًا اسْمٌ لِلنُّقْرَةِ فِي الْجَبَلِ الَّتِي يُسْتَجْمَعُ فِيهَا مَاءُ الْمَطَرِ فَشَبَّهَ صَفَاءَ وَجْهِهِ الْكَرِيمِ بِصَفَاءِ هَذَا الْمَاءِ وَبِصَفَاءِ الدُّهْنِ وَالْمُدْهُنُ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ هَذَا تَصْحِيفٌ وَهُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَاتِ وَعَلَى هَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهَيْنِ فِي تَفْسِيرِهِ أَحَدُهُمَا مَعْنَاهُ فِضَّةٌ مُذْهَبَةٌ فَهُوَ أَبْلَغُ فِي حُسْنِ الْوَجْهِ وَإِشْرَاقِهِ وَالثَّانِي شَبَّهَهُ فِي حُسْنِهِ وَنُورِهِ بِالْمُذْهَبَةِ مِنَ الْجُلُودِ وَجَمْعُهَا مَذَاهِبُ وَهِيَ شَيْءٌ كَانَتِ الْعَرَبُ تَصْنَعُهُ مِنْ جُلُودٍ وَتَجْعَلُ فِيهَا خُطُوطًا مُذْهَبَةً يُرَى بَعْضُهَا إِثْرَ بَعْضٍ وَأَمَّا سَبَبُ سُرُورِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَحًا بِمُبَادَرَةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَذْلِ أَمْوَالِهِمْ لِلَّهِ وَامْتِثَالِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِدَفْعِ حَاجَةِ هَؤُلَاءِ الْمُحْتَاجِينَ وَشَفَقَةِ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَتَعَاوُنِهِمْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ إِذَا رَأَى شَيْئًا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَنْ يَفْرَحَ وَيُظْهِرَ سُرُورَهُ وَيَكُونَ فَرَحُهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا) إِلَى آخِرِهِ فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِالْخَيْرَاتِ وَسَنِّ السُّنَنَ الْحَسَنَاتِ وَالتَّحْذِيرُ مِنَ اخْتِرَاعِ الْأَبَاطِيلِ وَالْمُسْتَقْبَحَاتِ وَسَبَبُ هَذَا الْكَلَامِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِهِ فَجَاءَ رَجُلٌ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا فَتَتَابَعَ النَّاسُ وَكَانَ الْفَضْلُ الْعَظِيمُ لِلْبَادِي بِهَذَا الْخَيْرِ وَالْفَاتِحُ لِبَابِ هَذَا الْإِحْسَانِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَخْصِيصُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُحْدَثَاتُ الْبَاطِلَةُ وَالْبِدَعُ الْمَذْمُومَةُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي كِتَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْبِدَعَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ وَاجِبَةٌ

(باب الحمل بأجرة يتصدق بها والنهي الشديد)

وَمَنْدُوبَةٌ وَمُحَرَّمَةٌ وَمَكْرُوهَةٌ وَمُبَاحَةٌ قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلَالٍ الْعَبْسِيِّ) هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ (باب الْحَمْلِ بِأُجْرَةٍ يُتَصَدَّقُ بِهَا وَالنَّهْيِ الشَّدِيدِ) (عَنْ تَنْقِيصِ الْمُتَصَدِّقِ بِقَلِيلٍ) [1018] قَوْلُهُ (كُنَّا نُحَامِلُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ كُنَّا نُحَامِلُ عَلَى ظُهُورِنَا مَعْنَاهُ نَحْمِلُ عَلَى ظُهُورِنَا بِالْأُجْرَةِ وَنَتَصَدَّقُ مِنْ تِلْكَ الْأُجْرَةِ أَوْ نَتَصَدَّقُ بِهَا كُلِّهَا فَفِيهِ التَّحْرِيضُ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِالصَّدَقَةِ وَأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَتَوَصَّلُ إِلَى تَحْصِيلِ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ مِنْ حَمْلٍ بِالْأُجْرَةِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُبَاحَةِ

(باب فضل المنيحة)

(باب فَضْلِ الْمَنِيحَةِ) [1019] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا رَجُلٌ يَمْنَحُ أَهْلَ بَيْتٍ نَاقَةً تَغْدُو بِعُسٍّ وَتَرُوحُ بِعُسٍّ) الْعُسُّ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْقَدَحُ الْكَبِيرُ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَرُوِيَ بِعَشَاءٍ بِشِينِ مُعْجَمَةٍ مَمْدُودَةٍ قَالَ الْقَاضِي وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَكْثَرِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ قَالَ وَالَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْ مُتْقِنِي شُيُوخِنَا بِعُسٍّ وَهُوَ الْقَدَحُ الضَّخْمُ قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ قَالَ وَرُوِيَ مِنْ رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ بِعَسَاءٍ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَسَّرَهُ الْحُمَيْدِيُّ بِالْعُسِّ الْكَبِيرِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ قَالَ وَضَبَطْنَا عَنْ أَبِي مَرْوَانَ بْنِ سِرَاجٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا مَعًا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ الْجَيَّانِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ أَبِي مَرْوَانَ عَنْهُ إِلَّا بِالْكَسْرِ وَحْدَهُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ بِلَادِنَا أَوْ أَكْثَرِهَا مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِعَسَاءٍ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَمْدُودَةٍ وَالْعَيْنُ مَفْتُوحَةٌ وَقَوْلُهُ يَمْنَحُ بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ يُعْطِيهِمْ نَاقَةً يَأْكُلُونَ لَبَنَهَا مُدَّةً ثُمَّ يَرُدُّونَهَا إِلَيْهِ وَقَدْ تَكُونُ الْمَنِيحَةُ عَطِيَّةً لِلرَّقَبَةِ بِمَنَافِعِهَا مُؤَبَّدَةً مِثْلَ الْهِبَةِ [1020] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةً غَدَتْ بِصَدَقَةٍ وَرَاحَتْ بِصَدَقَةٍ صَبُوحَهَا وَغَبُوقَهَا) وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَنِيحَةً وَبَعْضِهَا مِنْحَةً بِحَذْفِ الْيَاءِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمِنْحَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْمَنِيحَةُ بِفَتْحِهَا مَعَ زِيَادَةِ الْيَاءِ هِيَ الْعَطِيَّةُ وَتَكُونُ فِي الْحَيَوَانِ وَفِي الثِّمَارِ وَغَيْرِهِمَا وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَحَ أُمَّ أَيْمَنَ عِذَاقًا أَيْ نَخِيلًا ثُمَّ قَدْ تَكُونُ الْمَنِيحَةُ عَطِيَّةً لِلرَّقَبَةِ بِمَنَافِعِهَا وَهِيَ الْهِبَةُ وَقَدْ تَكُونُ عَطِيَّةَ اللَّبَنِ أَوَ الثَّمَرَةِ مُدَّةً وَتَكُونُ الرَّقَبَةُ بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَيَرُدُّهَا إِلَيْهِ إِذَا انْقَضَى اللَّبَنُ

(باب مثل المنفق والبخيل)

أَوِ الثَّمَرُ الْمَأْذُونُ فِيهِ وَقَوْلُهُ صَبُوحَهَا وَغَبُوقَهَا الصَّبُوحُ بِفَتْحِ الصَّادِ الشُّرْبُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَالْغَبُوقُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَالصَّبُوحُ وَالْغَبُوقُ مَنْصُوبَانِ عَلَى الظَّرْفِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هُمَا مَجْرُورَانِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ صَدَقَةٍ قَالَ وَيَصِحُّ نَصْبُهُمَا عَلَى الظَّرْفِ وَقَوْلُهُ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ أَلَا رَجُلٌ يَمْنَحُ) مَعْنَاهُ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّهُ قَالَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا رَجُلٌ يَمْنَحُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصِّيغَتَيْنِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب مَثَلِ الْمُنْفِقِ وَالْبَخِيلِ) [1021] قوله (قال عمرو حدثنا سفيان بن عيينة قال وقال بن جريج) هكذا هو في النسخ وقال بن جُرَيْجٍ بِالْوَاوِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ مَلِيحَةٌ وَإِنَّمَا أَتَى بالواو لأن بن عيينة قال لعمرو قال بن جُرَيْجٍ كَذَا فَإِذَا رَوَى عَمْرٌو الثَّانِي مِنْ تلك الاحاديث أتى بالواو لأن بن عيينة قال في الثاني وقال بن جُرَيْجٍ كَذَا وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا مَرَّاتٍ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَمْرٍو النَّاقِدِ (مَثَلُ الْمُنْفِقِ وَالْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلٍ عَلَيْهِ جُبَّتَانِ أَوْ جُنَّتَانِ مِنْ لَدُنْ ثُدْيِهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا) ثُمَّ قَالَ (فَإِذَا أَرَادَ الْمُنْفِقُ أَنْ يَتَصَدَّقَ سَبَغَتْ وَإِذَا أَرَادَ الْبَخِيلُ أَنْ يُنْفِقَ قَلَصَتْ) هَكَذَا وَقَعَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرٍو مَثَلُ الْمُنْفِقِ وَالْمُتَصَدِّقِ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ هَذَا وَهَمٌ وَصَوَابُهُ مِثْلُ مَا وَقَعَ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ وَتَفْسِيرُهُمَا آخِرَ الْحَدِيثِ يُبَيِّنُ هَذَا وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنَّ صِحَّةَ رِوَايَةَ عَمْرٍو هَكَذَا أَنْ تَكُونَ عَلَى وَجْهِهَا وَفِيهَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مَثَلُ الْمُنْفِقِ والمتصدق وقسيمهما

وَهُوَ الْبَخِيلُ وَحَذَفَ الْبَخِيلَ لِدَلَالَةِ الْمُنْفِقِ وَالْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ أَيْ وَالْبَرْدَ وَحَذَفَ ذِكْرَ الْبَرْدِ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالْمُتَصَدِّقِ فَوَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ الْمُتَصَدِّقِ بِالتَّاءِ وَفِي بَعْضِهَا الْمُصَّدِّقِ بِحَذْفِهَا وَتَشْدِيدِ الصَّادِ وَهُمَا صَحِيحَانِ وَأَمَّا قَوْلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ فَهَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ كُلِّهَا كَمَثَلِ رَجُلٍ بِالْإِفْرَادِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَغْيِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَصَوَابُهُ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ وَأَمَّا قَوْلُهُ جُبَّتَانِ أَوْ جُنَّتَانِ فَالْأَوَّلُ بِالْبَاءِ وَالثَّانِي بِالنُّونِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ عَكْسَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ مِنْ لَدُنْ ثُدْيهِمَا فَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ أَوْ أَكْثَرِهَا ثُدْيهِمَا بِضَمِّ الثَّاءِ وَبِيَاءٍ وَاحِدَةٍ مُشَدَّدَةٍ عَلَى الْجَمْعِ وَفِي بَعْضِهِمَا ثُدْيَيْهِمَا بِالتَّثْنِيَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَوْهَامٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الرُّوَاةِ وَتَصْحِيفٌ وَتَحْرِيفٌ وَتَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَيُعْرَفُ صَوَابُهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي بَعْدَهُ فَمِنْهُ مَثَلُ الْمُنْفِقِ وَالْمُتَصَدِّقِ وَصَوَابُهُ الْمُتَصَدِّقِ وَالْبَخِيلِ وَمِنْهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ وَصَوَابُهُ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ جُنَّتَانِ أَوْ جُبَّتَانِ بِالشَّكِّ وَصَوَابُهُ جُنَّتَانِ بِالنُّونِ بِلَا شَكٍّ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ بِالنُّونِ بِلَا شَكٍّ وَالْجُنَّةُ الدِّرْعُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ قَوْلُهُ (فَأَخَذَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَوْضِعَهَا) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُ سَبَغَتْ عَلَيْهِ أَوْ مَرَّتْ كَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ مَرَّتْ بِالرَّاءِ قِيلَ إِنَّ صَوَابَهُ مُدَّتْ بِالدَّالِ بِمَعْنَى سَبَغَتْ وَكَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ انْبَسَطَتْ لَكِنَّهُ قَدْ يَصِحُّ مَرَّتْ عَلَى نَحْوِ هَذَا الْمَعْنَى وَالسَّابِغُ الْكَامِلُ وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مَادَتْ بدال

مُخَفَّفَةٍ مِنْ مَادَ إِذَا مَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مَارَتْ وَمَعْنَاهُ سَالَتْ عَلَيْهِ وَامْتَدَّتْ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ مَعْنَاهُ تَرَدَّدَتْ وَذَهَبَتْ وَجَاءَتْ يَعْنِي لِكَمَالِهَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ وَإِذَا أَرَادَ الْبَخِيلُ أَنْ يُنْفِقَ قَلَصَتْ عَلَيْهِ وَأَخَذَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَوْضِعَهَا حَتَّى تُجِنَّ بَنَانَهُ وَيَعْفُوَ أَثَرُهُ قَالَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُوَسِّعُهَا فَلَا تَتَّسِعُ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ اخْتِلَالٌ كَثِيرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ تُجِنَّ بَنَانَهُ وَيَعْفُوَ أَثَرُهُ إِنَّمَا جَاءَ فِي الْمُتَصَدِّقِ لَا فِي الْبَخِيلِ وَهُوَ عَلَى ضِدِّ مَا هُوَ وَصْفُ الْبَخِيلِ فِي قَوْلِهِ قَلَصَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَوْضِعَهَا وَقَوْلِهِ يُوَسِّعُهَا فَلَا تَتَّسِعُ وَهَذَا مِنْ وَصْفِ الْبَخِيلِ فَأَدْخَلَهُ فِي وَصْفِ الْمُتَصَدِّقِ فَاخْتَلَّ الْكَلَامُ وَتَنَاقَضَ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَحَادِيثِ عَلَى الصَّوَابِ وَمِنْهُ رِوَايَةُ بَعْضِهِمْ تَحُزُّ ثِيَابَهُ بِالْحَاءِ وَالزَّايِ وَهُوَ وَهَمٌ وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ تُجِنَّ بِالْجِيمِ وَالنُّونِ أي تستتر وَمِنْهُ رِوَايَةُ بَعْضِهِمْ ثِيَابَهُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَهُوَ وَهَمٌ وَالصَّوَابُ بَنَانَهُ بِالنُّونِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَامِلَهُ وَمَعْنَى تَقَلَّصَتِ انْقَبَضَتْ وَمَعْنَى يَعْفُوَ أَثَرُهُ أَيْ يُمْحَى أَثَرُ مَشْيِهِ بِسُبُوغِهَا وَكَمَالِهَا وَهُوَ تَمْثِيلٌ لِنَمَاءِ الْمَالِ بِالصَّدَقَةِ وَالْإِنْفَاقِ وَالْبُخْلُ بِضِدِّ ذَلِكَ وَقِيلَ هُوَ تَمْثِيلٌ لِكَثْرَةِ الْجُودِ وَالْبُخْلِ وَأَنَّ الْمُعْطِيَ إِذَا أَعْطَى انْبَسَطَتْ يَدَاهُ بِالْعَطَاءِ وَتَعَوَّدَ ذَلِكَ واذا أَمْسَكَ صَارَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ وَقِيلَ مَعْنَى يَمْحُو أَثَرُهُ أَيْ يَذْهَبُ بِخَطَايَاهُ وَيَمْحُوهَا وَقِيلَ فِي الْبَخِيلِ قَلَصَتْ وَلَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا أَيْ يُحْمَى عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُكْوَى بِهَا وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَالْحَدِيثُ جَاءَ عَلَى التَّمْثِيلِ لَا عَلَى الْخَبَرِ عَنْ كَائِنٍ وَقِيلَ ضُرِبَ الْمَثَلُ بِهِمَا لِأَنَّ الْمُنْفِقَ يَسْتُرُهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنَفَقَتِهِ وَيَسْتُرُ عَوْرَاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَسَتْرِ هَذِهِ الْجُنَّةِ لَابِسَهَا وَالْبَخِيلُ كَمَنْ لَبِسَ جُبَّةً إِلَى ثُدْيَيْهِ فَيَبْقَى مَكْشُوفًا بَادِيَ الْعَوْرَةِ مُفْتَضِحًا فِي الدنيا والآخرة وهذا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ الأخريين (كمثل رجلين ومثل رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ) هُمَا بِالنُّونِ فِي هَذَيْنِ الموضعين بلا شك ولا خلاف قَوْلُهُ (فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بِإِصْبَعِهِ فِي جَيْبِهِ فَلَوْ رأيته

(باب ثبوت أجر المتصدق وإن وقعت الصدقة في يد فاسق

يُوَسِّعُهَا فَلَا تَوَسَّعُ فَقَوْلُهُ رَأَيْتَهُ بِفَتْحِ التَّاءِ قَوْلُهُ تَوَسَّعُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَأَصْلُهُ تَتَوَسَّعُ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى لِبَاسِ الْقَمِيصِ وَكَذَا تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ بَابُ جَيْبِ الْقَمِيصِ مِنْ عِنْدِ الصَّدْرِ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ لِبَاسِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مَعَ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ جَاءَتْ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ ثُبُوتِ أَجْرِ الْمُتَصَدِّقِ وَإِنْ وَقَعَتِ الصَّدَقَةُ فِي يَدِ فَاسِقٍ وَنَحْوِهِ) فِيهِ حَدِيثُ الْمُتَصَدِّقُ عَلَى سَارِقٍ وَزَانِيَةٍ وَغَنِيٍّ وَفِيهِ ثُبُوتُ الثَّوَابِ فِي الصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَ الْآخِذُ فَاسِقًا وَغَنِيًّا فَفِي كُلِّ كَبِدٍ حَرِيٍّ أَجْرٌ وَهَذَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَلَا يُجْزِي دَفْعُهَا إِلَى غنى

(باب أجر الخازن الأمين والمرأة إذا تصدقت من بيت

(باب أَجْرِ الْخَازِنِ الْأَمِينِ وَالْمَرْأَةِ إِذَا تَصَدَّقَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا) (غَيْرَ مُفْسِدَةٍ بِإِذْنِهِ الصَّرِيحِ والعرفى) [1024] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَازِنِ الْأَمِينِ الَّذِي يُعْطِي مَا أَمَرَ بِهِ أَحَدُ الْمُتَصَدَّقَيْنَ وَفِي رِوَايَةٍ (إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا) وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ طَعَامِ زَوْجِهَا وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْعَبْدِ إِذَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ مَوَالِيهِ قَالَ الْأَجْرُ بَيْنَكُمَا نِصْفَانِ وَفِي رِوَايَةٍ ولاتصم الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنْ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ كَسْبِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّ نِصْفَ أَجْرِهِ لَهُ مَعْنَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْمُشَارِكَ فِي الطَّاعَةِ مُشَارِكٌ فِي الْأَجْرِ وَمَعْنَى الْمُشَارَكَةِ أَنَّ لَهُ أَجْرًا كَمَا لِصَاحِبِهِ أَجْرٌ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يُزَاحِمَهُ فِي أَجْرِهِ وَالْمُرَادُ الْمُشَارَكَةُ فِي أَصْلِ الثَّوَابِ

(وأشار القاضي إلى أنه يحتمل أيضا أن يكون سواء لأن

فَيَكُونُ لِهَذَا ثَوَابٌ وَلِهَذَا ثَوَابٌ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مِقْدَارُ ثَوَابِهِمَا سَوَاءً بَلْ قَدْ يَكُونُ ثَوَابُ هَذَا أَكْثَرَ وَقَدْ يَكُونُ عَكْسَهُ فَإِذَا أَعْطَى الْمَالِكُ لِخَازِنِهِ أَوِ امْرَأَتِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِائَةَ دِرْهَمٍ أَوْ نَحْوَهَا لِيُوصِلَهَا إِلَى مُسْتَحِقِّ الصَّدَقَةِ عَلَى بَابِ دَارِهِ أَوْ نَحْوِهِ فَأَجْرُ الْمَالِكِ أَكْثَرُ وَإِنْ أَعْطَاهُ رُمَّانَةً أَوْ رَغِيفًا وَنَحْوَهُمَا مِمَّا لَيْسَ لَهُ كَثِيرُ قِيمَةٍ لِيَذْهَبَ بِهِ إِلَى مُحْتَاجٍ فِي مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ بِحَيْثُ يُقَابِلُ مَشْيَ الذَّاهِبِ إِلَيْهِ بِأُجْرَةٍ تَزِيدُ عَلَى الرُّمَّانَةِ وَالرَّغِيفِ فَأَجْرُ الْوَكِيلِ أَكْثَرُ وَقَدْ يَكُونُ عَمَلُهُ قَدْرَ الرَّغِيفِ مَثَلًا فَيَكُونُ مِقْدَارُ الْأَجْرِ سَوَاءً وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْأَجْرُ بَيْنكُمَا نصفان) فمعناه قسمان وان كان أحدهما أكثركما قَالَ الشَّاعِرُ ... إِذَا مُتُّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَانِ بَيْنَنَا ... (وَأَشَارَ الْقَاضِي إِلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ سَوَاءً لِأَنَّ الْأَجْرَ فَضْلٌ مِنَ الله تعالى يؤتيه من يشاء ولا يُدْرَكُ بِقِيَاسٍ وَلَا هُوَ بِحَسَبِ الْأَعْمَالِ بَلْ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَجْرُ بَيْنَكُمَا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَجْرَ الَّذِي لِأَحَدِهِمَا يَزْدَحِمَانِ فِيهِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ النَّفَقَةَ وَالصَّدَقَةَ الَّتِي أَخْرَجَهَا الْخَازِنُ أَوِ الْمَرْأَةُ أَوِ الْمَمْلُوكُ وَنَحْوُهُمْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ يَتَرَتَّبُ عَلَى جُمْلَتِهَا ثَوَابٌ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ وَالْعَمَلِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا لِهَذَا نَصِيبٌ بِمَالِهِ وَلِهَذَا نَصِيبٌ بِعَمَلِهِ فَلَا يُزَاحِمُ صَاحِبُ الْمَالِ الْعَامِلَ فِي نَصِيبِ عَمَلِهِ وَلَا يُزَاحِمُ الْعَامِلُ صَاحِبَ الْمَالِ فِي نَصِيبِ مَالِهِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْعَامِلِ وَهُوَ الْخَازِنُ وَلِلزَّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكِ مِنْ إِذْنِ الْمَالِكِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِذْنٌ أَصْلًا فَلَا أَجْرَ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ بَلْ عَلَيْهِمْ وِزْرٌ بِتَصَرُّفِهِمْ فِي مَالِ غَيْرِهِمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَالْإِذْنُ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا الْإِذْنُ الصَّرِيحُ فِي النَّفَقَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالثَّانِي الْإِذْنُ الْمَفْهُومُ مِنَ اطِّرَادِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ كَإِعْطَاءِ السَّائِلِ كِسْرَةً وَنَحْوَهَا مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ وَاطَّرَدَ الْعُرْفُ فِيهِ وَعُلِمَ بِالْعُرْفِ رِضَاءُ الزَّوْجِ وَالْمَالِكِ بِهِ فَإِذْنُهُ فِي ذَلِكَ حَاصِلٌ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَهَذَا إِذَا عُلِمَ رِضَاهُ لِاطِّرَادِ الْعُرْفِ وَعُلِمَ أَنَّ نَفْسَهُ كَنُفُوسِ غَالِبِ النَّاسِ فِي السَّمَاحَةِ بِذَلِكَ وَالرِّضَا بِهِ فَإِنِ اضْطَرَبَ الْعُرْفُ وَشَكَّ فِي رِضَاهُ أَوْ كَانَ شَخْصًا يَشُحُّ بِذَلِكَ وَعُلِمَ مِنْ حَالِهِ ذَلِكَ أَوْ شَكَّ فِيهِ لَمْ يَجُزْ لِلْمَرْأَةِ وَغَيْرِهَا التَّصَدُّقُ مِنْ مَالِهِ إِلَّا بِصَرِيحِ إِذْنِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ كَسْبِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّ نِصْفَ أَجْرِهِ لَهُ) فَمَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ الصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ الْمُعَيَّنِ وَيَكُونُ مَعَهَا إِذْنٌ عَامٌّ سَابِقٌ مُتَنَاوِلٌ لِهَذَا القدر وغيره وذلك الاذن الذي قد بيناه سابقا اما بالصريح واما بالعرف ولابد مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم جعل)

الْأَجْرَ مُنَاصَفَةً وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَلَهَا نِصْفُ أَجْرِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا إِذَا أَنْفَقَتْ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ صَرِيحٍ وَلَا مَعْرُوفٍ مِنَ الْعُرْفِ فَلَا أَجْرَ لَهَا بَلْ عَلَيْهَا وِزْرٌ فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ مَفْرُوضٌ فِي قَدْرٍ يَسِيرٍ يُعْلَمُ رِضَا الْمَالِكِ بِهِ فِي الْعَادَةِ فَإِنْ زَادَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ لَمْ يَجُزْ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ فَأَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنَّهُ قَدْرٌ يُعْلَمُ رِضَا الزَّوْجِ بِهِ فِي الْعَادَةِ وَنَبَّهَ بِالطَّعَامِ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُسْمَحُ بِهِ فِي الْعَادَةِ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي حَقِّ أَكْثَرِ النَّاسِ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْوَالِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِنَفَقَةِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْخَازِنِ النَّفَقَةُ عَلَى عِيَالِ صَاحِبِ الْمَالِ وَغِلْمَانِهِ ومصالحه وقاصديه من ضيف وبن سَبِيلٍ وَنَحْوِهِمَا وَكَذَلِكَ صَدَقَتُهُمُ الْمَأْذُونُ فِيهَا بِالصَّرِيحِ أَوِ الْعُرْفِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْخَازِنَ الْمُسْلِمَ الْأَمِينَ) إِلَى آخِرِهِ هَذِهِ الْأَوْصَافُ شُرُوطٌ لِحُصُولِ هَذَا الثَّوَابِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَنَى بِهَا وَيُحَافَظَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنَ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ عَلَى التَّثْنِيَةِ وَمَعْنَاهُ لَهُ أَجْرُ مُتَصَدِّقٍ وَتَفْصِيلُهُ كَمَا سَبَقَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا) أَيْ مِنْ طَعَامِ زَوْجِهَا الَّذِي فِي بَيْتِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ من بيتها زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا وَلَهُ مثله بما اكتسب وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أُجُورِهِمْ

شَيْئًا) هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ شَيْئًا بِالنَّصْبِ فَيُقَدَّرُ لَهُ نَاصِبٌ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ اللَّهُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَدَّرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ الزَّوْجُ مِنْ أَجْرِ الْمَرْأَةِ وَالْخَازِنِ شَيْئًا وَجَمَعَ ضَمِيرَهُمَا مَجَازًا عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ إِنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ أَوْ حَقِيقَةً عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ أَقَلُّ الْجَمْعِ اثْنَان [1025] قَوْلُهُ (مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ) هُوَ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ وَكَسْرِ الْبَاءِ قِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ وَقِيلَ لَا يَأْكُلُ مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ وَاسْمُ آبِي اللَّحْمِ عَبْدُ اللَّهِ وَقِيلَ خَلَفٌ وَقِيلَ الْحُوَيْرِثُ الْغِفَارِيُّ وَهُوَ صَحَابِيٌّ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ رَوَى عُمَيْرٌ مَوْلَاهُ قَوْلَهُ (كُنْتُ مَمْلُوكًا فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَأَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِ مَوَالِيَّ بِشَيْءٍ قَالَ نَعَمِ الْأَجْرُ بَيْنَكُمَا نِصْفَانِ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا سَبَقَ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ فِي الصَّدَقَةِ بِقَدْرٍ يَعْلَمُ رِضَا سَيِّدِهِ بِهِ وَقَوْلُهُ (أَمَرَنِي مَوْلَايَ أَنْ أُقَدِّدَ لَحْمًا فَجَاءَنِي مِسْكِينٌ فَأَطْعَمْتُهُ فَعَلِمَ ذَلِكَ مَوْلَايَ فَضَرَبَنِي فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَدَعَاهُ فَقَالَ لِمَ ضَرَبْتَهُ فَقَالَ يُعْطِي طَعَامِي بِغَيْرِ أَنْ آمُرَهُ فَقَالَ الْأَجْرُ بَيْنَكُمَا) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ عُمَيْرًا تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ يَظُنُّ أَنَّ مَوْلَاهُ يَرْضَى بِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ مَوْلَاهُ فَلِعُمَيْرٍ أَجْرٌ لأنه فعل شيئا يعتقد طَاعَةً بِنِيَّةِ الطَّاعَةِ وَلِمَوْلَاهُ أَجْرٌ لِأَنَّ مَالَهُ تَلِفَ عَلَيْهِ وَمَعْنَى الْأَجْرُ بَيْنَكُمَا أَيْ لِكُلٍّ مِنْكُمَا أَجْرٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ أَجْرَ نَفْسِ الْمَالِ يَتَقَاسَمَانِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا قَرِيبًا فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ تَأْوِيلِهِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وقد وقع

(باب فضل من ضم إلى الصدقة غيرها من أنواع البر)

فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا لَا يُرْتَضَى مِنْ تفسيره وقله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَصُمِ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَالْمَنْدُوبِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ زَمَنٌ مُعَيَّنٌ وَهَذَا النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَسَبَبُهُ أَنَّ الزَّوْجَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي كُلِّ الْأَيَّامِ وَحَقُّهُ فِيهِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ فَلَا يَفُوتُهُ بِتَطَوُّعٍ وَلَا بِوَاجِبٍ عَلَى التَّرَاخِي فَإِنْ قِيلَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهَا الصَّوْمُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَإِنْ أَرَادَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَيُفْسِدُ صَوْمُهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ صَوْمَهَا يَمْنَعُهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ فِي الْعَادَةِ لِأَنَّهُ يَهَابُ انْتَهَاكَ الصَّوْمِ بِالْإِفْسَادِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ أَيْ مُقِيمٌ فِي الْبَلَدِ أَمَّا إِذَا كَانَ مُسَافِرًا فَلَهَا الصَّوْمُ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الِاسْتِمْتَاعُ إِذَا لَمْ تَكُنْ مَعَهُ [1026] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تَأْذَنْ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُفْتَاتُ عَلَى الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ مِنْ مَالِكِي الْبُيُوتِ وَغَيْرِهَا بِالْإِذْنِ فِي أَمْلَاكِهِمْ إِلَّا بِإِذْنِهِمْ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا يُعْلَمُ رِضَا الزَّوْجِ وَنَحْوِهِ بِهِ فَإِنْ عَلِمَتِ الْمَرْأَةُ وَنَحْوُهَا رِضَاهُ بِهِ جاز كما سبق في النفقة (باب فضل من ضم إلى الصدقة غيرها من أنواع الْبِرِّ) [1027] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ فِي الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ

قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْهَرَوِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ قِيلَ وَمَا زَوْجَانِ قَالَ فَرَسَانِ أَوْ عبدان أو بعيران وقال بن عَرَفَةَ كُلُّ شَيْءٍ قُرِنَ بِصَاحِبِهِ فَهُوَ زَوْجٌ يُقَالُ زَوَّجْتُ بَيْنَ الْإِبِلِ إِذَا قَرَنْتُ بَعِيرًا بِبَعِيرٍ وَقِيلَ دِرْهَمٌ وَدِينَارٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَثَوْبٌ قَالَ وَالزَّوْجُ يَقَعُ عَلَى الِاثْنَيْنِ وَيَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَقِيلَ إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ إِذَا كَانَ مَعَهُ آخَرُ وَيَقَعُ الزَّوْجُ أَيْضًا عَلَى الصِّنْفِ وَفُسِّرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي جَمِيعِ أَعْمَالِ الْبِرِّ مِنْ صَلَاتَيْنِ أَوْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ وَالْمَطْلُوبُ تَشْفِيعُ صَدَقَةٍ بِأُخْرَى وَالتَّنْبِيهُ عَلَى فَضْلِ الصَّدَقَةِ وَالنَّفَقَةِ فِي الطَّاعَةِ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْهَا وَقَوْلُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ هُوَ عَلَى الْعُمُومِ فِي جَمِيعِ وُجُوهِ الْخَيْرِ وَقِيلَ هُوَ مَخْصُوصٌ بِالْجِهَادِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَظْهَرُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نُودِيَ فِي الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ) قِيلَ مَعْنَاهُ لَكَ هُنَا خَيْرٌ وَثَوَابٌ وَغِبْطَةٌ وَقِيلَ مَعْنَاهُ هَذَا الْبَابُ فِيمَا نَعْتَقِدُهُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَبْوَابِ لِكَثْرَةِ ثَوَابِهِ وَنَعِيمِهِ فَتَعَالَ فَادْخُلْ مِنْهُ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مُنَادٍ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ الْبَابَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ) وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي الصَّدَقَةِ وَالْجِهَادِ وَالصِّيَامِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ مَنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ فِي عَمَلِهِ وَطَاعَتِهِ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَاحِبِ الصَّوْمِ (دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ سُمِّيَ بَابُ الرَّيَّانِ تَنْبِيهًا عَلَى أن العطشان بالصوم في الهوجر سيروى

وَعَاقِبَتُهُ إِلَيْهِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الرِّيِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دَعَاهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ كُلُّ خَزَنَةِ بَابٍ أَيْ فُلُ هَلُمَّ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ أَيْ فُلُ بِضَمِّ اللَّامِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي وَآخَرُونَ غَيْرَهُ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ أَيْ فُلَانٌ فَرُخِّمَ وَنُقِلَ إِعْرَابُ الْكَلِمَةِ عَلَى إِحْدَى اللُّغَتَيْنِ فِي التَّرْخِيمِ قَالَ وَقِيلَ فُلُ لُغَةٌ فِي فُلَانٍ فِي غَيْرِ النِّدَاءِ وَالتَّرْخِيمِ قَوْلُهُ (لَا تَوَى عَلَيْهِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فوق مقصور أي لاهلاك قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ) فِيهِ مَنْقَبَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ جَوَازُ الثَّنَاءِ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي وَجْهِهِ إذا لم يخف عليه فتنة بإعجاب وَغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَابِ كَذَا وَمِنْ بَابِ كَذَا فَذَكَرَ بَابَ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالصِّيَامِ وَالْجِهَادِ قَالَ القاضي

باب الحث على الانفاق وكراهة الاحصاء

وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُ بَقِيَّةِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي بَابِ التَّوْبَةِ وَبَابِ الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَبَابِ الرَّاضِينَ فَهَذِهِ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ جَاءَتْ فِي الْأَحَادِيثِ وَجَاءَ فِي حَدِيثِ السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ مِنَ الْبَابِ الْأَيْمَنِ فلعله الباب الثامن (باب الحث على الانفاق وكراهة الاحصاء) [1029] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنْفِقِي وَانْفَحِي وَانْضَحِي) أَمَّا انْفَحِي فَبِفَتْحِ الْفَاءِ وَبِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَأَمَّا انْضِحِي فَبِكَسْرِ الضَّادِ وَمَعْنَى انْفَحِي وَانْضِحِي أَعْطِي وَالنَّفْحُ وَالنَّضْحُ الْعَطَاءُ وَيُطْلَقُ النَّضْحُ أَيْضًا عَلَى الصَّبِّ فَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ هُنَا وَيَكُونُ أَبْلَغَ مِنَ النَّفْحِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (انْفَحِي وَانْضِحِي وَأَنْفِقِي وَلَا تُحْصِي فَيُحْصِي اللَّهُ عَلَيْكِ وَلَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ) مَعْنَاهُ الحث على

(باب الحث على الصدقة ولو بالقليل ولا تمتنع من

النَّفَقَةِ فِي الطَّاعَةِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْإِمْسَاكِ وَالْبُخْلِ وَعَنِ ادِّخَارِ الْمَالِ فِي الْوِعَاءِ قَوْلُهُ (عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا جَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَيْسَ لِي مِنْ شَيْءٍ إِلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ أَرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَيَّ فَقَالَ ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ وَلَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا أَعْطَاهَا الزُّبَيْرُ لِنَفْسِهَا بِسَبَبِ نَفَقَةٍ وَغَيْرِهَا أَوْ مِمَّا هُوَ مِلْكُ الزُّبَيْرِ وَلَا يَكْرَهُ الصَّدَقَةَ مِنْهُ بَلْ رَضِيَ بِهَا عَلَى عَادَةِ غَالِبِ النَّاسِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَرِيبًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ) مَعْنَاهُ مِمَّا يَرْضَى بِهِ الزُّبَيْرُ وَتَقْدِيرُهُ أَنَّ لَكِ فِي الرَّضْخِ مَرَاتِبَ مُبَاحَةً بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَكُلُّهَا يَرْضَاهَا الزُّبَيْرُ فَافْعَلِي أَعْلَاهَا أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ مَا اسْتَطَعْتِ مِمَّا هُوَ مِلْكٌ لَكِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَيُوعِيَ عَلَيْكِ) هُوَ مِنْ بَابِ مُقَابَلَةِ اللَّفْظِ بِاللَّفْظِ لِلتَّجْنِيسِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَمَكَرُوا ومكر الله وَمَعْنَاهُ يَمْنَعُكِ كَمَا مَنَعْتِ وَيَقْتُرُ عَلَيْكِ كَمَا قَتَرْتِ وَيُمْسِكُ فَضْلَهُ عَنْكِ كَمَا أَمْسَكْتِهِ وَقِيلَ مَعْنَى لَا تُحْصِي أَيْ لَا تَعُدِّيهِ فَتَسْتَكْثِرِيهِ فَيَكُونُ سَبَبًا لِانْقِطَاعِ إِنْفَاقِكِ (باب الْحَثِّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَلَوْ بِالْقَلِيلِ وَلَا تَمْتَنِعُ مِنْ الْقَلِيلِ لِاحْتِقَارِهِ) [1030] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ بِكَسْرِ الْفَاءِ

(باب فضل إخفاء الصدقة)

وَالسِّينِ وَهُوَ الظِّلْفُ قَالُوا وَأَصْلُهُ فِي الْإِبِلِ وَهُوَ فِيهَا مِثْلُ الْقَدَمِ فِي الْإِنْسَانِ قَالُوا وَلَا يُقَالُ إِلَّا فِي الْإِبِلِ وَمُرَادُهُمْ أَصْلُهُ مُخْتَصٌّ بِالْإِبِلِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْغَنَمِ اسْتِعَارَةً وَهَذَا النَّهْيُ عَنِ الِاحْتِقَارِ نَهْيٌ لِلْمُعْطِيَةِ الْمُهْدِيَةِ وَمَعْنَاهُ لَا تَمْتَنِعُ جَارَةٌ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ لِجَارَتِهَا لِاسْتِقْلَالِهَا وَاحْتِقَارِهَا الْمَوْجُودَ عِنْدَهَا بَلْ تَجُودُ بِمَا تَيَسَّرَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا كَفِرْسِنِ شَاةٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنَ الْعَدَمِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خيرا يره وقال النبي صلى الله عليه وسلم اتقوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ قَالَ الْقَاضِي هَذَا التَّأْوِيلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَهُوَ تَأْوِيلُ مَالِكٍ لِإِدْخَالِهِ هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ التَّرْغِيبِ فِي الصَّدَقَةِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَهْيًا لِلْمُعْطَاةِ عَنِ الِاحْتِقَارِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ) ذَكَرَ الْقَاضِي فِي إِعْرَابِهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا وَأَشْهَرُهَا نَصْبُ النِّسَاءِ وَجَرُّ الْمُسْلِمَاتِ عَلَى الْإِضَافَةِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَبِهَذَا رُوِّينَاهُ عَنْ جَمِيعِ شُيُوخِنَا بِالْمَشْرِقِ وَهُوَ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ وَالْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ وَالْأَعَمِّ إِلَى الْأَخَصِّ كَمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَجَانِبِ الْغَرْبِيِّ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ وَهُوَ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ جَائِزٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ يُقَدِّرُونَ فِيهِ مَحْذُوفًا أَيْ مَسْجِدَ الْمَكَانِ الْجَامِعِ وَجَانِبِ الْمَكَانِ الْغَرْبِيِّ وَلِدَارُ الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ وَتُقَدَّرُ هُنَا يَا نِسَاءَ الْأَنْفُسِ الْمُسْلِمَاتِ أَوِ الْجَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ وَقِيلَ تَقْدِيرُهُ يَا فَاضِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ كَمَا يُقَالُ هَؤُلَاءِ رِجَالُ الْقَوْمِ أَيْ سَادَاتِهِمْ وَأَفَاضِلِهِمْ وَالْوَجْهُ الثَّانِي رَفْعُ النِّسَاءِ وَرَفْعُ الْمُسْلِمَاتِ أَيْضًا عَلَى مَعْنَى النِّدَاءِ وَالصِّفَةِ أَيْ يَا أَيُّهَا النِّسَاءُ الْمُسْلِمَاتُ قَالَ الْبَاجِيُّ وَهَكَذَا يَرْوِيهِ أَهْلُ بَلَدِنَا وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ رَفْعُ نِسَاءٍ وَكَسْرُ التَّاءِ مِنَ الْمُسْلِمَاتِ عَلَى أَنَّهُ مَنْصُوبٌ على الصِّفَةُ عَلَى الْمَوْضِعِ كَمَا يُقَالُ يَا زَيْدُ الْعَاقِلَ بِرَفْعِ زَيْدٍ وَنَصْبِ الْعَاقِلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب فَضْلِ إِخْفَاءِ الصَّدَقَةِ) [1031] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ) قَالَ الْقَاضِي اضافة

الظِّلِّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِضَافَةُ مِلْكٍ وَكُلُّ ظِلٍّ فَهُوَ لِلَّهِ وَمِلْكِهِ وَخَلْقِهِ وَسُلْطَانِهِ وَالْمُرَادُ هُنَا ظِلُّ الْعَرْشِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ مُبَيَّنًا وَالْمُرَادُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا قَامَ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَدَنَتْ مِنْهُمُ الشَّمْسُ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ حَرُّهَا وَأَخَذَهُمُ الْعَرَقُ وَلَا ظِلَّ هُنَاكَ لِشَيْءٍ إِلَّا لِلْعَرْشِ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ هُنَا ظِلُّ الْجَنَّةِ وَهُوَ نَعِيمُهَا وَالْكَوْنُ فِيهَا كَمَا قال تعالى وندخلهم ظلا ظليلا قال القاضي وقال بن دِينَارٍ الْمُرَادُ بِالظِّلِّ هُنَا الْكَرَامَةُ وَالْكَنَفُ وَالْكَفُّ مِنَ الْمَكَارِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ قَالَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ ظِلَّ الشَّمْسِ قَالَ الْقَاضِي وَمَا قَالَهُ مَعْلُومٌ فِي اللِّسَانِ يُقَالُ فُلَانٌ فِي ظِلِّ فُلَانٍ أَيْ فِي كَنَفِهِ وَحِمَايَتِهِ قَالَ وَهَذَا أولى الأقوال وَتَكُونُ إِضَافَتُهُ إِلَى الْعَرْشِ لِأَنَّهُ مَكَانُ التَّقْرِيبِ وَالْكَرَامَةِ وَإِلَّا فَالشَّمْسُ وَسَائِرُ الْعَالَمِ تَحْتَ الْعَرْشِ وَفِي ظِلِّهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْإِمَامُ الْعَادِلُ) قَالَ الْقَاضِي هُوَ كُلُّ مَنْ إِلَيْهِ نَظَرٌ فِي شَيْءٍ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ وَبَدَأَ بِهِ لِكَثْرَةِ مَصَالِحِهِ وَعُمُومِ نَفْعِهِ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَفِي بَعْضِهَا الْإِمَامُ الْعَدْلُ وَهُمَا صَحِيحَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَالْمَشْهُورُ فِي رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَمَعْنَى رِوَايَةِ الْبَاءِ نَشَأَ مُتَلَبِّسًا لِلْعِبَادَةِ أَوْ مُصَاحِبًا لَهَا أَوْ مُلْتَصِقًا بِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ كُلِّهَا فِي الْمَسَاجِدِ وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِالْمَسَاجِدِ وَوَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَفِي بَعْضِهَا مُتَعَلِّقٌ بِالتَّاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ شَدِيدُ الْحُبِّ لَهَا وَالْمُلَازَمَةِ لِلْجَمَاعَةِ فِيهَا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ دَوَامُ الْقُعُودِ فِي الْمَسْجِدِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ) مَعْنَاهُ اجْتَمَعَا عَلَى حُبِّ اللَّهِ وَافْتَرَقَا عَلَى حُبِّ اللَّهِ أَيْ كَانَ سَبَبُ اجْتِمَاعِهِمَا حُبَّ اللَّهِ وَاسْتَمَرَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَفَرَّقَا مِنْ مَجْلِسِهِمَا وَهُمَا صَادِقَانِ فِي حُبِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ لِلَّهِ تَعَالَى حَالَ اجْتِمَاعِهِمَا وَافْتِرَاقِهِمَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى التَّحَابِّ فِي اللَّهِ وَبَيَانُ عِظَمِ فَضْلِهِ وَهُوَ مِنَ الْمُهِمَّاتِ فَإِنَّ الْحُبَّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضَ فِي اللَّهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَهُوَ بِحَمْدِ اللَّهِ كَثِيرٌ يُوَفَّقُ لَهُ

أَكْثَرُ النَّاسِ أَوْ مَنْ وُفِّقَ لَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ) قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ أَخَافُ اللَّهَ بِاللِّسَانِ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ فِي قَلْبِهِ لِيَزْجُرَ نَفْسَهُ وَخَصَّ ذَاتَ الْمَنْصِبِ وَالْجَمَالِ لِكَثْرَةِ الرَّغْبَةِ فِيهَا وَعُسْرِ حُصُولِهَا وَهِيَ جَامِعَةٌ لِلْمَنْصِبِ وَالْجَمَالِ لَا سِيَّمَا وَهِيَ دَاعِيَةٌ إِلَى نَفْسِهَا طَالِبَةٌ لِذَلِكَ قَدْ أَغْنَتْ عَنْ مَشَاقِّ التَّوَصُّلِ إِلَى مُرَاوَدَةٍ وَنَحْوِهَا فَالصَّبْرُ عَنْهَا لِخَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ دَعَتْ إِلَى نَفْسِهَا مَعَ جَمْعِهَا الْمَنْصِبَ وَالْجَمَالَ مِنْ أَكْمَلِ الْمَرَاتِبِ وَأَعْظَمِ الطَّاعَاتِ فَرَتَّبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يُظِلَّهُ فِي ظِلِّهِ وَذَاتُ الْمَنْصِبِ هِيَ ذَاتُ الْحَسَبِ وَالنَّسَبِ الشَّرِيفِ وَمَعْنَى دَعَتْهُ أي دعته إلى الزنى بِهَا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي مَعْنَاهُ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهِ احْتِمَالَيْنِ أَصَحَّهُمَا هَذَا وَالثَّانِي أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا دَعَتْهُ لِنِكَاحِهَا فَخَافَ الْعَجْزَ عَنِ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا أَوْ أَنَّ الْخَوْفَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى شَغْلَهُ عَنْ لِذَاتِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ) هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ فِي بِلَادِنَا وَغَيْرِهَا وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ رِوَايَاتِ نُسَخِ مُسْلِمٍ لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ وَجْهُ الْكَلَامِ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي النَّفَقَةِ فِعْلُهَا بِالْيَمِينِ قَالَ الْقَاضِي وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْوَهَمُ فِيهَا مِنَ النَّاقِلِينَ عَنْ مُسْلِمٍ لَا مِنْ مُسْلِمٍ بِدَلِيلِ إِدْخَالِهِ بَعْدَهُ حَدِيثَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عُبَيْدٍ وَبَيَّنَ الْخِلَافَ فِي قَوْلِهِ وَقَالَ رَجُلٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ فَلَوْ كَانَ مَا رَوَاهُ مُخَالِفًا لِرِوَايَةِ مَالِكٍ لَنَبَّهَ عَلَيْهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى هَذَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضْلُ صَدَقَةِ السِّرِّ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَهَذَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ فَالسِّرُّ فِيهَا أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْإِخْلَاصِ وَأَبْعَدُ مِنَ الرِّيَاءِ وَأَمَّا الزَّكَاةُ الْوَاجِبَةُ فَإِعْلَانُهَا أَفْضَلُ وَهَكَذَا حُكْمُ الصَّلَاةِ فَإِعْلَانُ فَرَائِضِهَا أَفْضَلُ وَإِسْرَارُ نَوَافِلِهَا أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَذَكَرَ الْيَمِينَ وَالشِّمَالَ مُبَالَغَةً فِي الْإِخْفَاءِ وَالِاسْتِتَارِ بِالصَّدَقَةِ وَضَرَبَ الْمَثَلَ بِهِمَا لِقُرْبِ الْيَمِينِ مِنَ الشِّمَالِ وَمُلَازَمَتِهَا لَهَا وَمَعْنَاهُ لَوْ قَدَّرْتَ الشِّمَالَ رَجُلًا مُتَيَقِّظًا لَمَا عَلِمَ صَدَقَةَ الْيَمِينِ لِمُبَالَغَتِهِ فِي الْإِخْفَاءِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنَ النَّاسِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى خَالِيًا فَفَاضَتْ عيناه

(باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح)

فِيهِ فَضِيلَةُ الْبُكَاءِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَضْلُ طَاعَةِ السِّرِّ لِكَمَالِ الْإِخْلَاصِ فِيهَا (باب بَيَانِ أَنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ صَدَقَةُ الصَّحِيحِ الشَّحِيحِ) [1032] قَوْلُهُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ فَقَالَ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا أَلَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الشُّحُّ أَعَمُّ مِنَ الْبُخْلِ وَكَأَنَّ الشُّحَّ جِنْسٌ وَالْبُخْلَ نَوْعٌ وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ الْبُخْلُ فِي أَفْرَادِ الْأُمُورِ وَالشُّحُّ عَامٌّ كَالْوَصْفِ اللَّازِمِ وَمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الطَّبْعِ قَالَ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الشُّحَّ غَالِبٌ فِي حَالِ الصِّحَّةِ فَإِذَا شَحَّ فِيهَا وَتَصَدَّقَ كَانَ أَصْدَقَ فِي نِيَّتِهِ وَأَعْظَمَ لِأَجْرِهِ بِخِلَافِ مَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ وَآيَسَ مِنَ الْحَيَاةِ وَرَأَى مَصِيرَ الْمَالِ لِغَيْرِهِ فَإِنَّ صَدَقَتَهُ حِينَئِذٍ نَاقِصَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالَةِ الصِّحَّةِ وَالشُّحُّ رَجَاءُ الْبَقَاءِ وَخَوْفُ الْفَقْرِ وَتَأْمُلُ الْغِنَى بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ تَطْمَعُ بِهِ وَمَعْنَى بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ بَلَغَتِ الرُّوحُ وَالْمُرَادُ قَارَبَتْ بُلُوغَ الْحُلْقُومِ إِذْ لَوْ بَلَغَتْهُ حَقِيقَةً لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ وَلَا شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا أَلَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ بِهِ الْوَارِثُ وَقَالَ غَيْرُهُ الْمُرَادُ بِهِ سَبَقَ الْقَضَاءُ بِهِ

(باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى وأن

لِلْمُوصَى لَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ عَنْ تَصَرُّفِهِ وَكَمَالِ مِلْكِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ بِمَا شَاءَ مِنَ التَّصَرُّفِ فَلَيْسَ لَهُ فِي وَصِيَّتِهِ كَبِيرُ ثَوَابٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى صَدَقَةِ الصَّحِيحِ الشَّحِيحِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَا وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّهُ) قَدْ يُقَالُ حَلَفَ بِأَبِيهِ وَقَدْ نَهَى عَنِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ وَعَنِ الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ لِمَنْ تَعَمَّدَهُ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ الْوَاقِعَةُ فِي الْحَدِيثِ تَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ فَلَا تَكُونُ يَمِينًا وَلَا مَنْهِيًّا عَنْهَا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ (باب بَيَانِ أَنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَأَنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا) (هِيَ الْمُنْفِقَةُ وَأَنَّ السُّفْلَى هِيَ الْآخِذَةُ) [1033] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ (الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى وَالْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ وَالسُّفْلَى السَّائِلَةُ) هَكَذَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ مِنَ الْإِنْفَاقِ وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ

عَنْ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ قَالَ وَرَوَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ عن ايوب عن نافع عن بن عُمَرَ الْعُلْيَا الْمُتَعَفِّفَةُ بِالْعَيْنِ مِنَ الْعِفَّةِ وَرَجَّحَ الْخَطَّابِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ قَالَ لِأَنَّ السِّيَاقَ فِي ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّعَفُّفِ عَنْهَا وَالصَّحِيحُ الرِّوَايَةُ الْأُولَى وَيَحْتَمِلُ صِحَّةَ الرِّوَايَتَيْنِ فَالْمُنْفِقَةُ أَعْلَى مِنَ السَّائِلَةِ وَالْمُتَعَفِّفَةُ أَعْلَى مِنَ السَّائِلَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي وُجُوهِ الطَّاعَاتِ وَفِيهِ دليل لمذهب الجمهور أن اليد العليا هي الْمُنْفِقَةُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُتَعَفِّفَةُ كَمَا سَبَقَ وَقَالَ غَيْرُهُ الْعُلْيَا الْآخِذَةُ وَالسُّفْلَى الْمَانِعَةُ حَكَاهُ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالْمُرَادُ بِالْعُلُوِّ عُلُوُّ الْفَضْلِ وَالْمَجْدِ وَنَيْلُ الثَّوَابِ [1034] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى) مَعْنَاهُ أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا بَقِيَ صَاحِبُهَا بَعْدَهَا مُسْتَغْنِيًا بِمَا بَقِيَ مَعَهُ وَتَقْدِيرُهُ أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا أَبْقَتْ بَعْدَهَا غِنًى يَعْتَمِدُهُ صَاحِبُهَا وَيَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى مَصَالِحِهِ وَحَوَائِجِهِ وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ لِأَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ بِالْجَمِيعِ يَنْدَمُ غَالِبًا أَوْ قَدْ يَنْدَمُ إِذَا احْتَاجَ وَيَوَدُّ أَنَّهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِخِلَافِ مَنْ بَقِيَ بَعْدَهَا مُسْتَغْنِيًا فَإِنَّهُ لَا يَنْدَمُ عَلَيْهَا بَلْ يُسَرُّ بِهَا وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الصَّدَقَةِ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِمَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ عِيَالٌ لَا يَصْبِرُونَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يصبر على الاضاقة وَالْفَقْرِ فَإِنْ لَمْ تَجْتَمِعْ هَذِهِ الشُّرُوطُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ قَالَ الْقَاضِي جَوَّزَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَقِيلَ يَرُدُّ جَمِيعَهَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقِيلَ يَنْفُذُ فِي الثُّلُثِ هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الشَّامِ وَقِيلَ إِنْ زَادَ عَلَى النِّصْفِ رُدَّتِ الزِّيَادَةُ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَالطَّبَرِيُّ وَمَعَ جَوَازِهِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ وَأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الثُّلُثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ) فِيهِ تَقْدِيمُ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ لِأَنَّهَا مُنْحَصِرَةٌ فِيهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ غَيْرِهِمْ وَفِيهِ الِابْتِدَاءُ بالأهم فالأهم

فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ [1035] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ) شَبَّهَهُ فِي الرَّغْبَةِ فِيهِ وَالْمَيْلِ إِلَيْهِ وَحِرْصِ النُّفُوسِ عَلَيْهِ بِالْفَاكِهَةِ الْخَضْرَاءِ الْحُلْوَةِ الْمُسْتَلَذَّةِ فَإِنَّ الْأَخْضَرَ مَرْغُوبُ فِيهِ عَلَى انْفِرَادِهِ وَالْحُلْوَ كَذَلِكَ عَلَى انْفِرَادِهِ فَاجْتِمَاعُهُمَا أَشَدُّ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عَدَمِ بقائه لأن الخضروات لَا تَبْقَى وَلَا تُرَادُ لِلْبَقَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ إِشْرَافُ النَّفْسِ تَطَلُّعُهَا إِلَيْهِ وَتَعَرُّضُهَا لَهُ وَطَمَعُهَا فِيهِ وَأَمَّا طِيبُ النَّفْسِ فَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهِ احْتِمَالَيْنِ أَظْهَرَهُمَا أَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الْآخِذِ وَمَعْنَاهُ مَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ سُؤَالٍ وَلَا إِشْرَافٍ وَتَطَلُّعٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الدَّافِعِ وَمَعْنَاهُ مَنْ أَخَذَهُ مِمَّنْ يَدْفَعُ مُنْشَرِحًا بِدَفْعِهِ إِلَيْهِ طَيِّبَ النَّفْسِ لَا بِسُؤَالٍ اضْطَرَّهُ إِلَيْهِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا لَا تَطِيبُ مَعَهُ نَفْسُ الدَّافِعِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ فَقِيلَ هُوَ الَّذِي بِهِ دَاءٌ لَا يَشْبَعُ بِسَبَبِهِ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّشْبِيهُ بِالْبَهِيمَةِ الرَّاعِيَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ الْحَثُّ عَلَى التَّعَفُّفِ وَالْقَنَاعَةِ وَالرِّضَا بِمَا تَيَسَّرَ فِي عَفَافٍ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَالْإِجْمَالِ فِي الْكَسْبِ وَأَنَّهُ لَا يَغْتَرُّ الْإِنْسَانُ بِكَثْرَةِ مَا يَحْصُلُ لَهُ بِإِشْرَافٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَمْحَقُ الله الربا ويربى الصدقات [1036] قوله صلى الله عليه وسلم (يا بن آدم

(باب النهي عن المسألة)

إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ) هُوَ بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَنْ وَمَعْنَاهُ إِنْ بَذَلْتَ الْفَاضِلَ عَنْ حَاجَتِكَ وَحَاجَةِ عِيَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ لِبَقَاءِ ثَوَابِهِ وَإِنْ أَمْسَكْتَهُ فَهُوَ شَرٌّ لَكَ لِأَنَّهُ إِنْ أَمْسَكَ عَنِ الْوَاجِبِ اسْتَحَقَّ الْعِقَابَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَمْسَكَ عَنِ الْمَنْدُوبِ فَقَدْ نَقَصَ ثَوَابَهُ وَفَوَّتَ مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ فِي آخِرَتِهِ وَهَذَا كُلُّهُ شَرٌّ وَمَعْنَى لَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ أَنَّ قَدْرَ الْحَاجَةِ لَا لَوْمَ عَلَى صَاحِبِهِ وَهَذَا إِذَا لَمْ يَتَوَجَّهْ فِي الْكَفَافِ حَقٌّ شَرْعِيٌّ كَمَنْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ زَكَوِيٌّ وَوَجَبَتِ الزَّكَاةُ بِشُرُوطِهَا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى ذَلِكَ النِّصَابِ لِكَفَافِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ وَيُحَصِّلُ كِفَايَتَهُ مِنْ جِهَةٍ مُبَاحَةٍ وَمَعْنَى ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ أَنَّ الْعِيَالَ وَالْقَرَابَةَ أَحَقُّ مِنَ الْأَجَانِبِ وَقَدْ سَبَقَ (باب النَّهْيِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ) مَقْصُودُ الْبَابِ وَأَحَادِيثِهِ النَّهْيُ عَنِ السُّؤَالِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا حَرَامٌ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ وَالثَّانِي حَلَالٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِثَلَاثِ شُرُوطٍ أَنْ لَا يُذِلَّ نَفْسَهُ وَلَا يُلِحَّ فِي السُّؤَالِ وَلَا يُؤْذِيَ المسؤول فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَهِيَ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1037] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْيَحْصُبِيِّ) هُوَ أَحَدُ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ وَهُوَ بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِهَا مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي يَحْصُبَ قَوْلُهُ (سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ إِيَّاكُمْ وَأَحَادِيثَ إِلَّا حَدِيثًا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ فَإِنَّ عُمَرَ كَانَ يُخِيفُ النَّاسَ فِي اللَّهِ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَأَحَادِيثَ وَفِي بَعْضِهَا وَالْأَحَادِيثَ وَهُمَا صَحِيحَانِ وَمُرَادُ مُعَاوِيَةَ النَّهْيُ عَنِ الْإِكْثَارِ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِغَيْرِ تَثَبُّتٍ لِمَا شَاعَ فِي زَمَنِهِ مِنَ التَّحَدُّثِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَا وُجِدَ فِي كُتُبِهِمْ حِينَ

فُتِحَتْ بُلْدَانُهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ فِي الْأَحَادِيثِ إِلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِضَبْطِهِ الْأَمْرَ وَشِدَّتِهِ فِيهِ وَخَوْفِ النَّاسِ مِنْ سَطْوَتِهِ وَمَنْعِهِ النَّاسَ مِنَ الْمُسَارَعَةِ إِلَى الْأَحَادِيثِ وَطَلَبِهِ الشَّهَادَةَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى اسْتَقَرَّتِ الْأَحَادِيثُ وَاشْتُهِرَتِ السُّنَنُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) فِيهِ فَضِيلَةُ الْعِلْمِ وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ وَسَبَبُهُ أَنَّهُ قَائِدٌ إِلَى تَقْوَى اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا أَنَا خَازِنٌ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِي اللَّهُ

مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُعْطِي حَقِيقَةً هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَسْتُ أَنَا مُعْطِيًا وَإِنَّمَا أَنَا خَازِنٌ عَلَى مَا عِنْدِي ثُمَّ أَقْسِمُ مَا أُمِرْتُ بِقِسْمَتِهِ عَلَى حَسَبِ مَا أُمِرْتُ بِهِ فَالْأُمُورُ كُلُّهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقْدِيرِهِ وَالْإِنْسَانُ مُصَرَّفٌ مَرْبُوبٌ [1038] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ فِي الْمَسْأَلَةِ بِالْفَاءِ وَفِي بَعْضِهَا بِالْبَاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْإِلْحَافُ الْإِلْحَاحُ [1039] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (ليس المسكين هذا الطَّوَّافِ) إِلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمِسْكَيْنِ (الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ) إِلَى آخِرِهِ مَعْنَاهُ الْمِسْكِينُ الْكَامِلُ الْمَسْكَنَةِ الَّذِي هُوَ أَحَقُّ بِالصَّدَقَةِ وَأَحْوَجُ إِلَيْهَا لَيْسَ هُوَ هَذَا الطَّوَّافُ بَلْ هُوَ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ وَلَا يَسْأَلُ النَّاسَ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْيَ أَصْلِ الْمَسْكَنَةِ عَنِ الطَّوَافِ بَلْ مَعْنَاهُ نَفْيُ كَمَالِ الْمَسْكَنَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ واليوم الآخر إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَوْلُهُ (قَالُوا فَمَا الْمِسْكِينُ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ كُلِّهَا فَمَا الْمِسْكِينُ وَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ مَا تَأْتِي كَثِيرًا

لِصِفَاتِ مَنْ يَعْقِلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [1040] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ أَيْ قِطْعَةُ قَالَ الْقَاضِي قِيلَ مَعْنَاهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذَلِيلًا سَاقِطًا لَا وَجْهَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ وَقِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيُحْشَرُ وَوَجْهُهُ عَظْمٌ لَا لَحْمَ عَلَيْهِ عُقُوبَةً لَهُ وَعَلَامَةً لَهُ بِذَنْبِهِ حِينَ طَلَبَ وَسَأَلَ بِوَجْهِهِ كَمَا جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الْأُخَرُ بِالْعُقُوبَاتِ فِي الْأَعْضَاءِ الَّتِي كَانَتْ بِهَا الْمَعَاصِي وَهَذَا فِيمَنْ سَأَلَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ سُؤَالًا مَنْهِيًّا عَنْهُ وَأَكْثَرَ مِنْهُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَنْ سَأَلَ تَكَثُّرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1041] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ) قَالَ الْقَاضِي

مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُعَاقَبُ بِالنَّارِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ يَصِيرُ جَمْرًا يُكْوَى بِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي مَانِعِ الزَّكَاةِ [1042] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَحْطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَتَصَدَّقَ بِهِ وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ مِنَ النَّاسِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلًا) فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْأَكْلِ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَالِاكْتِسَابِ بِالْمُبَاحَاتِ كَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ النَّابِتَيْنِ فِي مَوَاتٍ وَهَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ فَيَحْطِبَ بِغَيْرِ تَاءٍ بَيْنَ الْحَاءِ وَالطَّاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهَكَذَا أَيْضًا فِي النُّسَخِ وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ مِنَ النَّاسِ بِالْمِيمِ وَفِي نَادِرٍ مِنْهَا عَنِ النَّاسِ بِالْعَيْنِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ على الثاني

[1043] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ) اسْمُ أَبِي إِدْرِيسَ عَابدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَاسْمُ أَبِي مُسْلِمٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثُوَبٍ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وبعدها موحدة ويقال بن ثواب بفتح الثاء وتخفيف الواو ويقال بن أثوب ويقال بن عبد الله ويقال بن عوف ويقال بن مُسْلِمٍ وَيُقَالُ اسْمُهُ يَعْقُوبُ بْنُ عَوْفٍ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِالزُّهْدِ وَالْكَرَامَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْمَحَاسِنِ الْبَاهِرَةِ أَسْلَمَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَلْقَاهُ الْأَسْوَدُ الْعَنْسِيُّ فِي النَّارِ فَلَمْ يَحْتَرِقْ فَتَرَكَهُ فَجَاءَ مُهَاجِرًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ فَجَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَقِيَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَعُمَرَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا قَوْلُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْأَنْسَابِ إِنَّهُ أَسْلَمَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ فَغَلَطٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَأَصْحَابِ التَّوَارِيخِ وَالْمَغَازِي وَالسِّيَرِ وغيرهم والله أعلم قوله (فلقد رأيت أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ) فِيهِ التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ لِأَنَّهُمْ نُهُوا عَنِ السُّؤَالِ فَحَمَلُوهُ عَلَى عُمُومِهِ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى التَّنْزِيهِ عَنْ جَمِيعِ مَا يُسَمَّى سُؤَالًا وَإِنْ كَانَ حَقِيرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

باب من تحل له المسألة

(باب من تحل له المسألة) [1044] قوله (عَنْ هَارُونَ بْنِ رِيَابٍ) هُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِمُثَنَّاةٍ تَحْتُ ثُمَّ أَلِفٍ مُوَحَّدَةٍ قَوْلُهُ (تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً) هِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَهِيَ الْمَالُ الَّذِي يَتَحَمَّلُهُ الْإِنْسَانُ أَيْ يَسْتَدِينُهُ وَيَدْفَعُهُ فِي إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ كَالْإِصْلَاحٍ بَيْنَ قَبِيلَتَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ وَيُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَدِينَ لِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى تُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ) أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ الْقِوَامُ وَالسِّدَادُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَالسِّينِ وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ مَا يُغْنِي مِنَ الشَّيْءِ وَمَا تُسَدُّ بِهِ الْحَاجَةُ وَكُلُّ شَيْءٍ سَدَدْتَ بِهِ شَيْئًا فَهُوَ سِدَادٌ بِالْكَسْرِ وَمِنْهُ سِدَادُ الثَّغْرِ وَالْقَارُورَةِ وَقَوْلُهُمْ سِدَادٌ مِنْ عَوَزٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الحجى مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ يَقُومَ ثَلَاثَةٌ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْ يَقُومُونَ بِهَذَا الْأَمْرِ فَيَقُولُونَ لَقَدْ أصابته فاقة والحجى مَقْصُورٌ وَهُوَ الْعَقْلُ وَإِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْمِهِ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِبَاطِنِهِ وَالْمَالُ مِمَّا يَخْفَى فِي الْعَادَةِ فَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا مَنْ كَانَ خَبِيرًا بِصَاحِبِهِ وانما شرط الحجى تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ التَّيَقُّظُ فَلَا تُقْبَلُ مِنْ مُغَفَّلٍ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الثَّلَاثَةِ فقال

باب جواز الأخذ بغير سؤال ولا تطلع

بَعْضُ أَصْحَابِنَا هُوَ شَرْطٌ فِي بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ فَلَا يُقْبَلُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ يُقْبَلُ مِنْ عَدْلَيْنِ كَسَائِرِ الشهادات غير الزنى وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي تَلَفِهِ وَالْإِعْسَارِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ الْمَالِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ سُحْتًا وَرِوَايَةُ غَيْرِ مُسْلِمٍ سُحْتٌ وَهَذَا وَاضِحٌ وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ صَحِيحَةٌ وَفِيهِ إِضْمَارُ أَيْ أَعْتَقِدُهُ سُحْتًا أَوْ يؤكل سحتا (باب جواز الأخذ بغير سؤال ولا تطلع) [1045] قَوْلُهُ (سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِينِي الْعَطَاءَ فَأَقُولُ أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي حَتَّى أَعْطَانِي مَرَّةً مَالًا فَقُلْتُ أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذْهُ وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ ولا سائل فخذه ومالا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ) هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ مَنْقَبَةٌ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبَيَانُ فَضْلِهِ وَزُهْدِهِ وَإِيثَارِهِ وَالْمُشْرِفُ إِلَى الشَّيْءِ هُوَ الْمُتَطَلِّعُ إِلَيْهِ الحريص عليه ومالا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ مَعْنَاهُ مَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ هَذَا الشَّرْطُ لَا تُعَلِّقِ النَّفْسَ بِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ جَاءَهُ مَالٌ هَلْ يَجِبُ قَبُولُهُ أَمْ يُنْدَبُ عَلَى

ثَلَاثَةٍ مَذَاهِبَ حَكَاهَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جرير الطبرى وآخرون وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي غَيْرِ عَطِيَّةِ السُّلْطَانِ وَأَمَّا عَطِيَّةُ السُّلْطَانِ فَحَرَّمَهَا قَوْمٌ وَأَبَاحَهَا قَوْمٌ وَكَرِهَهَا قَوْمٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إِنْ غَلَبَ الْحَرَامُ فِيمَا فِي يَدِ السُّلْطَانِ حَرُمَتْ وَكَذَا إِنْ أَعْطَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبِ الْحَرَامُ فَمُبَاحٌ إِنْ لم يكن في القابض مانع يمنعه من اسْتِحْقَاقَ الْأَخْذِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْأَخْذُ وَاجِبٌ مِنَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ مَنْدُوبٌ فِي عَطِيَّةِ السُّلْطَانِ دُونَ غَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وحدثنى أبو الطاهر أخبرنا بن وهب قال عمرو وحدثنى بن شِهَابٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّعْدِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَكَذَا وَقَعَ هَذَا الْحَدِيثُ وَقَوْلُهُ قَالَ عَمْرٌو مَعْنَاهُ قَالَ قَالَ عَمْرٌو فَحَذَفَ كِتَابَةَ قَالَ وَلَا بُدَّ لِلْقَارِئِ مِنَ النُّطْقِ بِقَالَ مَرَّتَيْنِ وَإِنَّمَا حَذَفُوا إِحْدَاهُمَا فِي الْكِتَابِ اخْتِصَارًا وَأَمَّا قَوْلُهُ قَالَ عَمْرٌو وَحَدَّثَنِي فَهَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَحَدَّثَنِي بِالْوَاوِ وَهُوَ صَحِيحٌ مَلِيحٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّ عَمْرًا حدث عن بن شِهَابٍ بِأَحَادِيثَ عُطِفَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فَسَمِعَهَا بن وهب كذلك فلما أراد بن وَهْبٍ رِوَايَةَ غَيْرِ الْأَوَّلِ أَتَى بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ لِأَنَّهُ سَمِعَ غَيْرَ الْأَوَّلِ مِنْ عَمْرٍو مَعْطُوفًا بِالْوَاوِ فَأَتَى بِهِ كَمَا سَمِعَهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِمَّا اسْتُدْرِكَ عَلَى مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ بَيْنَ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّعْدِيِّ رَجُلٌ وَهُوَ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى قَالَ النَّسَائِيُّ لَمْ يَسْمَعْهُ السائب من بن السَّعْدِيِّ بَلْ إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ حُوَيْطِبٍ عَنْهُ قَالَ غَيْرُهُ هُوَ مَحْفُوظٌ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ رَوَاهُ أَصْحَابُ شُعَيْبٍ وَالزُّبَيْدِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ حُوَيْطِبًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّعْدِيِّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمْرًا أَخْبَرَهُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يونس بن عبد الأعلى عن بن وَهْبٍ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي قُلْتُ وَقَدْ رَوَاهُ النسائي في سننه كما ذكر عن بن عُيْيَنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ عَنْ حُوَيْطِبٍ عن بن السَّعْدِيِّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرُوِّينَاهُ عَنِ الْحَافِظِ عَبْدِ الْقَادِرِ الرُّهَاوِيِّ فِي كِتَابِهِ الرَّبَاعِيَاتِ قَالَ وَقَدْ رَوَاهُ هَكَذَا عَنِ الزُّهْرِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالزُّبَيْدِيُّ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ الْحِمْصِيَّانِ وَعُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الْأَيْلِيَّانِ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ الْمِصْرِيُّ وَالْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحِمْصِيُّ ثُمَّ

ذَكَرَ طُرُقَهُمْ بِأَسَانِيدِهَا مُطَوَّلَةً مُطْرَقَةً كُلُّهُمْ عَنِ الزهري عن السائب عن حويطب عن بن السَّعْدِيِّ عَنْ عُمَرَ وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبٍ قَالَ عَبْدُ الْقَادِرِ وَرَوَاهُ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَأَسْقَطَ حُوَيْطِبًا وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِيهِ فَرَوَاهُ عَنْهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَمُوسَى بْنُ أَعْيَنَ كما رواه الجماعة عن الزهري ورواه بن الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ فَأَسْقَطَ حُوَيْطِبًا كَمَا رَوَاهُ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرزاق عن معمر فأسقط حويطبا وبن السَّعْدِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْقَادِرِ طُرُقَهُمْ كَذَلِكَ قَالَ فَهَذَا مَا انْتَهَى مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وَالصَّحِيحُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ يَعْنِي عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ عَنْ حويطب عن بن السَّعْدِيِّ عَنْ عُمَرَ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ صَحَابِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمْ عُمَرُ وبن السَّعْدِيِّ وَحُوَيْطِبٌ وَالسَّائِبُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَدْ جَاءَتْ جُمْلَةٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِيهَا أَرْبَعَةٌ صَحَابِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَأَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بعض وأما بن السَّعْدِيِّ فَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وقدان بن عبد شمس بن عبدود بْنِ نَضْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْبَلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ قَالُوا وَاسْمُ وقدان عمرو ويقال عمرو بن وقدان وقال مُصْعَبٌ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ وقدان ويقال له بن السَّعْدِيِّ لِأَنَّ أَبَاهُ اسْتُرْضِعَ فِي بَنِي سَعْدِ بن بكر بن هوازن صحب بن السَّعْدِيِّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِيمًا وَقَالَ وَفَدْتُ فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَكَنَ الشَّامَ رَوَى عَنْهُ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَأَمَّا حُوَيْطِبٌ فَهُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَبُو مُحَمَّدٍ وَيُقَالُ أَبُو الْأُصْبُعِ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عبدود بْنِ نَضْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْبَلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ الْقُرَشِيُّ الْعَامِرِيُّ أَسْلَمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَلَا تُحْفَظُ لَهُ رِوَايَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا شَيْءٌ ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ بَعْدَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ قَالَ عن بن السَّاعِدِيِّ الْمَالِكِيِّ فَقَوْلُهُ الْمَالِكِيُّ صَحِيحٌ مَنْسُوبٌ إِلَى مالك بن

حَنْبَلِ بْنِ عَامِرٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ السَّاعِدِيُّ فَأَنْكَرُوهُ قَالُوا وَصَوَابُهُ السَّعْدِيُّ كَمَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ كَمَا سَبَقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَمَرَ لِي بِعُمَالَةٍ) هِيَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَهِيَ الْمَالُ الَّذِي يُعْطَاهُ الْعَامِلُ عَلَى عَمَلِهِ قَوْلُهُ (عَمِلْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَمَّلَنِي) هُوَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ أَعْطَانِي أُجْرَةَ عَمَلِي وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ كَانَتْ لِدَيْنٍ أَوْ لِدُنْيَا كَالْقَضَاءِ وَالْحِسْبَةِ وَغَيْرِهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب كراهة الحرص على الدنيا)

(باب كَرَاهَةِ الْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا) [1046] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَلْبُ الشَّيْخِ شَابٌّ عَلَى حُبِّ اثْنَتَيْنِ حُبِّ الْعَيْشِ وَالْمَالِ) هَذَا مَجَازٌ وَاسْتِعَارَةٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّ قَلْبَ الشَّيْخِ كَامِلُ الْحُبِّ لِلْمَالِ مُحْتَكِمٌ فِي ذَلِكَ كَاحْتِكَامِ قُوَّةِ الشَّابِّ فِي شَبَابِهِ هَذَا صَوَابُهُ وَقِيلَ تَفْسِيرُهُ غَيْرُ هَذَا مِمَّا لَا يُرْتَضَى [1047] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَتَشِبُّ مِنْهُ اثْنَتَانِ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَهُوَ بِمَعْنَى قَلْبُ الشَّيْخِ شَابٌّ على حب اثنتين [1048] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوف بن آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ) وَفِي رِوَايَةٍ وَلَنْ يَمْلَأَ فَاهُ إِلَّا التراب وفي رواية ولا يملأ نفس بن آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ فِيهِ ذَمُّ الْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا وَحُبِّ الْمُكَاثِرَةِ بِهَا وَالرَّغْبَةِ فِيهَا وَمَعْنَى لَا يَمْلَأُ جَوْفَهُ إِلَّا التُّرَابُ أَنَّهُ لَا يَزَالُ حَرِيصًا عَلَى الدُّنْيَا حَتَّى يَمُوتَ وَيَمْتَلِئَ جَوْفُهُ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ

باب فضل القناعة والحث عليها

خَرَجَ عَلَى حُكْمِ غَالِبِ بَنِي آدَمَ فِي الْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا وَيُؤَيِّدُهُ [1049] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنَ الْحِرْصِ الْمَذْمُومِ وَغَيْرِهِ مِنَ المذمومات (باب فضل القناعة والحث عليها) [1051] قوله صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ) الْعَرَضُ هُنَا بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ جَمِيعًا وَهُوَ مَتَاعُ الدُّنْيَا وَمَعْنَى الْحَدِيثِ الْغِنَى المحمود غنى النفس وشبعها وقلة حِرْصِهَا لَا كَثْرَةَ الْمَالِ مَعَ الْحِرْصِ عَلَى الزِّيَادَةِ لِأَنَّ مَنْ كَانَ طَالِبًا لِلزِّيَادَةِ لَمْ يَسْتَغْنِ بِمَا مَعَهُ فَلَيْسَ لَهُ غِنًى

(باب التحذير من الاغترار بزينة الدنيا وما يبسط منها)

(باب التحذير من الاغترار بزينة الدنيا وما يبسط مِنْهَا) [1052] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا وَاللَّهِ مَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ إِلَّا مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا) فِيهِ التَّحْذِيرُ مِنْ الِاغْتِرَارِ بِالدُّنْيَا وَالنَّظَرِ إِلَيْهَا وَالْمُفَاخَرَةِ بِهَا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ إِذَا كَانَ فِيهِ زِيَادَةٌ فِي التَّوْكِيدِ وَالتَّفْخِيمِ لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي النُّفُوسِ قَوْلُهُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْخَيْرَ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ أَوَ خَيْرٌ هُوَ إن كل ما ينبت الربيع يقتل حبطا اويلم إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ أَكَلَتْ حَتَّى امْتَلَأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ ثَلَطَتْ أَوْ بَالَتْ ثُمَّ اجْتَرَّتْ فَعَادَتْ فَأَكَلَتْ فَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِغَيْرِ حَقِّهِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ) أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَ خَيْرٌ هو فهو بفتح الواو والحبط بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ التُّخَمَةُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يُلِمُّ مَعْنَاهُ أَوْ يُقَارِبُ الْقَتْلَ

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مِنْ إِلَّا وَتَشْدِيدِ اللَّامِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَاللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ أَلَا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وتخفيف اللام على الاستفتاح وآكلة الْخَضِرِ بِهَمْزَةِ مَمْدُودَةٍ وَالْخَضِرِ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ هَكَذَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ قَالَ الْقَاضِي وَضَبْطَهُ بَعْضُهُمْ الْخُضَرِ بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِ الضَّادِ وَقَوْلُهُ ثَلَطَتْ هُوَ بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ أَلْقَتِ الثَّلْطَ وَهُوَ الرَّجِيعُ الرَّقِيقُ وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ لِلْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْفِيَلَةِ قَوْلُهُ اجْتَرَّتْ أَيْ مَضَغَتْ جِرَّتَهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْجِرَّةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ مَا يُخْرِجُهُ الْبَعِيرُ مِنْ بَطْنِهِ لِيَمْضُغَهُ ثُمَّ يَبْلَعَهُ وَالْقَصْعُ شِدَّةُ الْمَضْغِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ إِلَّا مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْخَيْرَ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ أَوَ خَيْرٌ هُوَ) فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَذَّرَهُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَخَافَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا فَقَالَ هَذَا الرَّجُلُ إِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ لَنَا مِنْ جِهَةٍ مُبَاحَةٍ كَغَنِيمَةٍ وَغَيْرِهَا وَذَلِكَ خَيْرٌ وَهَلْ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَاسْتِبْعَادٍ أَيْ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ خَيْرًا ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَرٌّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا الْخَيْرُ الْحَقِيقِيُّ فَلَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ أَيْ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرٌ ثُمَّ قَالَ أَوَ خَيْرٌ هُوَ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الَّذِي يَحْصُلُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا لَيْسَ بِخَيْرٍ وَإِنَّمَا هُوَ فِتْنَةٌ وَتَقْدِيرُهُ الْخَيْرُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ وَلَكِنْ لَيْسَتْ

هَذِهِ الزَّهْرَةُ بِخَيْرٍ لِمَا تُؤَدِّي إِلَيْهِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَالْمُنَافَسَةِ وَالِاشْتِغَالِ بِهَا عَنْ كَمَالِ الْإِقْبَالِ عَلَى الْآخِرَةِ ثُمَّ ضَرَبَ لِذَلِكَ مَثَلًا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ كُلَّ مَا ينبت الربيع يقتل حبطا أو يلم إلا آكِلَةَ الْخَضِرِ إِلَى آخِرِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ نَبَاتَ الرَّبِيعِ وَخَضِرَهُ يَقْتُلُ حَبَطًا بِالتُّخَمَةِ لِكَثْرَةِ الْأَكْلِ أَوْ يُقَارِبُ الْقَتْلَ إِلَّا إِذَا اقْتُصِرَ مِنْهُ عَلَى الْيَسِيرِ الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ وَتَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ الْمُقْتَصَدَةُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ وَهَكَذَا الْمَالُ هُوَ كَنَبَاتِ الرَّبِيعِ مُسْتَحْسَنٌ تَطْلُبُهُ النُّفُوسُ وَتَمِيلُ إِلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَكْثِرُ مِنْهُ وَيَسْتَغْرِقُ فِيهِ غَيْرَ صَارِفٍ لَهُ فِي وُجُوهِهِ فَهَذَا يُهْلِكُهُ أَوْ يُقَارِبُ إِهْلَاكَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْتَصِدُ فِيهِ فَلَا يَأْخُذُ إِلَّا يَسِيرًا وَإِنْ أَخَذَ كَثِيرًا فَرَّقَهُ فِي وُجُوهِهِ كَمَا تَثْلِطُهُ الدَّابَّةُ فَهَذَا لَا يَضُرُّهُ هَذَا مُخْتَصَرُ مَعْنَى الْحَدِيثِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِيهِ مَثَلَانِ أَحَدُهُمَا لِلْمُكْثِرِ مِنَ الْجَمْعِ الْمَانِعِ مِنَ الْحَقِّ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ لِأَنَّ الرَّبِيعَ يُنْبِتُ أَجْرَارَ الْبُقُولِ فَتَسْتَكْثِرُ مِنْهُ الدَّابَّةُ حَتَّى تَهْلِكَ وَالثَّانِي لِلْمُقْتَصِدِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ لِأَنَّ الْخَضِرَ لَيْسَ مِنْ أَجْرَارِ الْبُقُولِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ضَرَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ مَثَلًا بِحَالَتَيِ الْمُقْتَصِدِ وَالْمُكْثِرِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ نَبَاتَ الرَّبِيعِ خَيْرٌ وَبِهِ قِوَامُ الْحَيَوَانِ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ مُطْلَقًا بَلْ مِنْهُ مَا يَقْتُلُ أَوْ يُقَارِبُ الْقَتْلَ فَحَالَةُ الْمَبْطُونِ الْمَتْخُومِ كَحَالَةِ مَنْ يَجْمَعُ الْمَالَ وَلَا يَصْرِفُهُ فِي وُجُوهِهِ فَأَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنَّ الِاعْتِدَالَ وَالتَّوَسُّطَ فِي الْجَمْعِ

أَحْسَنُ ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلًا لِمَنْ يَنْفَعُهُ إِكْثَارُهُ وَهُوَ التَّشْبِيهُ بِآكِلَةِ الْخَضِرِ وَهَذَا التَّشْبِيهُ لِمَنْ صَرَفَهُ فِي وُجُوهِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّ هذه الدابة تأكل من الخضر حتى تمتليء خَاصِرَتُهَا ثُمَّ تَثْلِطُ وَهَكَذَا مِنْ يَجْمَعُهُ ثُمَّ يَصْرِفُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَأَفَاقَ يَمْسَحُ الرُّحَضَاءَ) هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِضَادٍ مُعْجَمَةٍ مَمْدُودَةٍ أَيِ الْعَرَقَ مِنَ الشِّدَّةِ وَأَكْثَرُ مَا يُسَمَّى بِهِ عَرَقُ الْحُمَّى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ هَذَا السَّائِلَ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا أَيْنَ وَفِي بَعْضِهَا أَنَّى وَفِي بَعْضِهَا أَيْ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ فَمَنْ قَالَ أَنَّى أَوْ أَيْنَ فَهُمَا بِمَعْنًى وَمَنْ قَالَ إِنَّ فَمَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِنَّ هَذَا هُوَ السَّائِلُ الْمَمْدُوحُ الْحَاذِقُ الْفَطِنُ وَلِهَذَا قَالَ وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ وَمَنْ قَالَ أَيٌّ فَمَعْنَاهُ أَيُّكُمْ فَحَذَفَ الْكَافَ وَالْمِيمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنْ مِمَّا يَنْبُتُ الرَّبِيعُ) وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ إِنَّ كُلَّ مَا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ أَوْ أَنْبَتَ الرَّبِيعُ وَرِوَايَةُ كُلَّ مَحْمُولَةٌ عَلَى رِوَايَةِ مِمَّا وَهُوَ مِنْ بَابِ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلَّ شَيْءٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ وَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ) هُوَ لِمَنْ أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وبن السَّبِيلِ فِيهِ فَضِيلَةُ الْمَالِ لِمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَصَرَفَهُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ يُرَجِّحُ الْغَنِيَّ عَلَى الْفَقِيرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب فضل التعفف والصبر والقناعة والحث على كل ذلك)

(باب فضل التعفف والصبر والقناعة والحث على كُلُّ ذَلِكَ) [1053] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِنْ عَطَاءٍ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ خَيْرٌ مَرْفُوعٌ وَهُوَ صَحِيحٌ وَتَقْدِيرُهُ هُوَ خَيْرٌ كَمَا وقع في رواية البخارى وفي هذا الحديث الحث على التعفف والقناعة والصبر على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا [1054] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ) هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي الْحُبُلِ وَالْمَشْهُورُ فِي اسْتِعْمَالِ الْمُحَدِّثِينَ ضَمُّ الْبَاءِ مِنْهُ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فَتْحُهَا وَمِنْهُمْ مَنْ سَكَّنَهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ) الْكَفَافُ الْكِفَايَةُ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ وَفِيهِ فَضِيلَةُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ وَقَدْ يُحْتَجُّ بِهِ لِمَذْهَبِ مَنْ يقول الكفاف

باب اعطاء المؤلفة ومن يخاف على ايمانه ان لم يعط

أَفْضَلُ مِنَ الْفَقْرِ وَمِنَ الْغِنَى [1055] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ محمد قوتا) قال أهل اللغة العربية الْقُوتُ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ وَفِيهِ فَضِيلَةُ التَّقَلُّلِ مِنَ الدُّنْيَا وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْقُوتِ مِنْهَا وَالدُّعَاءِ بذلك (باب اعطاء المؤلفة ومن يخاف على ايمانه ان لم يعط) (واحتمال من سأل بجفاء لجهله وبيان الخوارج وأحكامهم) [1056] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَيَّرُونِي بَيْنَ أَنْ يَسْأَلُونِي بِالْفُحْشِ أَوْ يُبَخِّلُونِي وَلَسْتُ بِبَاخِلٍ) معناه أنهم ألحوا في المسألة لضعف يمانهم وألجأونى بِمُقْتَضَى حَالِهِمْ إِلَى السُّؤَالِ بِالْفُحْشِ أَوْ نِسْبَتِي إِلَى الْبُخْلِ وَلَسْتُ بِبَاخِلٍ وَلَا يَنْبَغِي احْتِمَالُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ فَفِيهِ مُدَارَاةُ أَهْلِ الْجَهَالَةِ وَالْقَسْوَةِ وَتَأَلُّفُهِمْ إِذَا كَانَ فِيهِمْ مَصْلَحَةٌ وَجَوَازُ دَفْعِ الْمَالِ إِلَيْهِمْ لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ [1057] قَوْلُهُ (فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عُنُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ

مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ) فِيهِ احْتِمَالُ الْجَاهِلِينَ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ مُقَابَلَتِهِمْ وَدَفْعُ السَّيِّئَةِ بِالْحَسَنَةِ وَإِعْطَاءُ مَنْ يُتَأَلَّفُ قَلْبَهُ وَالْعَفْوُ عَنْ مُرْتَكِبِ كَبِيرَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا بِجَهْلِهِ وَإِبَاحَةُ الضَّحِكِ عِنْدَ الْأُمُورِ الَّتِي يُتَعَجَّبُ مِنْهَا فِي الْعَادَةِ وَفِيهِ كَمَالُ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِلْمِهِ وَصَفْحِهِ الْجَمِيلِ قَوْلُهُ (فَجَاذَبَهُ) هُوَ بِمَعْنَى جَبَذَهُ فِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ فَيُقَالُ جَبَذَ وَجَذَبَ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَوْلُهُ (حَتَّى انْشَقَّ الْبُرْدُ وَحَتَّى بَقِيَتْ حَاشِيَتُهُ فِي عُنُقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ الْحَاشِيَةَ انْقَطَعَتْ وَبَقِيَتْ فِي الْعُنُقِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ بَقِيَ أَثَرُهَا لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى

أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ [1058] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَخْرَمَةَ (خَبَّأْتُ هَذَا لَكَ) هُوَ مِنْ بَابِ التَّأَلُّفِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ (أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا) إِلَى آخِرِهِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ سَعْدًا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي نَاسًا وَيَتْرُكُ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ فِي الدِّينِ وَظَنَّ أَنَّ الْعَطَاءَ يَكُونُ بِحَسَبِ الْفَضَائِلِ فِي الدِّينِ وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمْ حَالَ هَذَا الْإِنْسَانِ الْمَتْرُوكِ فَأَعْلَمَهُ بِهِ وَحَلَفَ أَنَّهُ يَعْلَمُهُ مُؤْمِنًا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مُسْلِمًا فَلَمْ يَفْهَمْ مِنْهُ النَّهْيَ عَنِ الشَّفَاعَةِ فِيهِ مَرَّةً أُخْرَى فَسَكَتَ ثُمَّ رَآهُ يُعْطِي مَنْ هُوَ دُونَهُ بِكَثِيرٍ فَغَلَبَهُ مَا يَعْلَمُ مِنْ حُسْنِ حَالِ ذَلِكَ الانسان فقال يا رسول الله مالك عَنْ فُلَانٍ تَذْكِيرًا وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِعَطَائِهِ مِنَ الْمَرَّةِ الْأُولَى ثُمَّ نَسِيَهُ فَأَرَادَ تَذْكِيرَهُ وَهَكَذَا الْمَرَّةَ الثَّالِثَةَ إِلَى أَنْ أَعْلَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْعَطَاءَ لَيْسَ هُوَ عَلَى حَسَبِ الْفَضَائِلِ فِي الدِّينِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ مَخَافَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ مَعْنَاهُ إِنِّي أُعْطِي نَاسًا مُؤَلَّفَةً في ايمانهم

ضَعْفٌ لَوْ لَمْ أُعْطِهِمْ كَفَرُوا فَيَكُبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ وَأَتْرُكُ أَقْوَامًا هُمْ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الَّذِينَ أَعْطَيْتُهُمْ وَلَا أَتْرُكُهُمُ احْتِقَارًا لَهُمْ وَلَا لِنَقْصِ دِينِهِمْ وَلَا إِهْمَالًا لِجَانِبِهِمْ بَلْ أَكِلُهُمْ إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ النُّورِ وَالْإِيمَانِ التَّامِّ وَأَثِقُ بِأَنَّهُمْ لَا يَتَزَلْزَلُ إِيمَانُهُمْ لِكَمَالِهِ وَقَدْ ثَبَتَ هَذَا الْمَعْنَى فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِمَالٍ أَوْ سَبْيٍ فَقَسَمَهُ فَأَعْطَى رِجَالًا وَتَرَكَ رِجَالًا فَبَلَغَهُ أَنَّ الَّذِينَ تَرَكَ عَتَبُوا فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ وَأَدَعُ الرَّجُلَ وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي وَلَكِنِّي أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا أَرَى فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْغِنَى وَالْخَيْرِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَتَقْدِيرُهُ قَالَ أَعْطَى فَحَذَفَ لَفْظَةَ قَالَ قَوْلُهُ (وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ) أَيْ أَفْضَلُهُمْ عِنْدِي قَوْلُهُ (فَقُمْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فساررته فقلت مالك عَنْ فُلَانٍ) فِيهِ التَّأَدُّبُ مَعَ الْكِبَارِ وَأَنَّهُمْ يُسَارُّونَ بِمَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّذْكِيرِ لَهُمْ وَالتَّنْبِيهِ وَنَحْوِهِ وَلَا يُجَاهَرُونَ بِهِ فَقَدْ يَكُونُ فِي الْمُجَاهَرَةِ بِهِ مَفْسَدَةٌ قَوْلُهُ (إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا قَالَ أَوْ مُسْلِمًا) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ لَأَرَاهُ وَإِسْكَانِ وَاوِ أَوْ مُسْلِمًا وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ

مستوفى في كتاب الايمان قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى يَوْمَ حُنَيْنٍ مِنْ غَنَائِمِ هَوَازِنَ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ الْمِائَةَ مِنَ الْإِبِلِ فَعَتَبَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ) إِلَى آخِرِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَيْسَ فِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُمْ قَبْلَ إِخْرَاجِ الْخُمُسِ وَأَنَّهُ لَمْ يَحْسِبْ مَا أَعْطَاهُمْ مِنَ الْخُمُسِ قَالَ وَالْمَعْرُوفُ فِي بَاقِي الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَعْطَاهُمْ مِنَ الْخُمُسِ فَفِيهِ أَنَّ لِلْإِمَامِ صَرْفَ الْخُمُسِ وَتَفْضِيلَ النَّاسِ فِيهِ عَلَى مَا يَرَاهُ وَأَنْ

يُعْطِيَ الْوَاحِدَ مِنْهُ الْكَثِيرَ وَأَنَّهُ يَصْرِفُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْغَنِيَّ مِنْهُ لِمَصْلَحَةٍ [1059] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ أَثَرَةً شَدِيدَةً) فِيهَا لُغَتَانِ إِحْدَاهُمَا ضَمُّ الهمزة واسكان الثاء وأصحهما وأشهرهما بفتحهما جَمِيعًا وَالْأَثَرَةُ الِاسْتِئْثَارُ بِالْمُشْتَرَكِ أَيْ يَسْتَأْثِرُ عَلَيْكُمْ ويفضل

عَلَيْكُمْ غَيْرَكُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بن أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ يُوَرِّثُ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَآخَرِينَ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي تَوْرِيثَهُ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمُ ارْتِبَاطًا وَقَرَابَةً وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِرْثِ وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ كَالْوَاحِدِ مِنْهُمْ فِي إِفْشَاءِ سِرِّهِمْ بِحَضْرَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ) قَالَ الْخَلِيلُ هُوَ مَا انْفَرَجَ بين جبلين وقال بن السِّكِّيتِ هُوَ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ الْأَنْصَارِ وَرُجْحَانِهِمْ قَوْلُهُ (وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ) هُوَ بِعَيْنَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ

قَوْلُهُ (وَمَعَهُ الطُّلَقَاءُ) هُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَبِالْمَدِّ وَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ جَمْعُ طَلِيقٍ يُقَالُ ذَاكَ لِمَنْ أُطْلِقَ مِنْ إِسَارٍ أَوْ وَثَاقٍ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ قِيلَ لِمُسْلِمِي الْفَتْحِ الطُّلَقَاءُ لِمَنِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ (وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ عَشَرَةُ آلَافٍ وَمَعَهُ الطُّلَقَاءُ) وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ نَحْنُ بَشَرٌ كَثِيرٌ قَدْ بَلَغْنَا سِتَّةَ آلَافٍ الرِّوَايَةُ الْأُولَى أَصَحُّ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ فِي كُتُبِ الْمَغَازِي أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَوْمَئِذٍ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا عَشَرَةُ آلَافٍ شَهِدُوا الْفَتْحَ وَأَلْفَانِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ

وَمَنِ انْضَافَ إِلَيْهِمْ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ مَعَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ وَمَعَهُ الطُّلَقَاءُ قَالَ الْقَاضِي قَوْلُهُ سِتَّةُ آلَافٍ وَهَمٌ مِنَ الرَّاوِي عَنْ أَنَسٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي السُّمَيْطُ عَنْ أَنَسِ) هُوَ بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ تَصْغِيرُ سِمْطٍ قَوْلُهُ (وعلى مجنبة خيلنا خالد) المجنبة بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ قَالَ شَمِرٌ الْمُجَنِّبَةُ هِيَ الْكَتِيبَةُ مِنَ الْخَيْلِ الَّتِي تَأْخُذُ جَانِبَ الطَّرِيقِ الْأَيْمَنَ وَهُمَا مُجَنِّبَتَانِ مَيْمَنَةٌ وَمَيْسَرَةٌ بِجَانِبَيِ الطَّرِيقِ وَالْقَلْبُ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ (فَجَعَلَتْ خَيْلُنَا تَلْوِي خَلْفَ ظُهُورِنَا) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا تَلُوذُ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَالَ الْمُهَاجِرِينَ يَالَ الْمُهَاجِرِينَ ثُمَّ قَالَ يَالَ الْأَنْصَارِ يَالَ الْأَنْصَارِ) هَكَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فِي الْمَوَاضِعِ الْأَرْبَعَةِ يَالَ بِلَامٍ مَفْصُولَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَالْمَعْرُوفُ وَصْلُهَا بِلَامِ التَّعْرِيفِ الَّتِي بَعْدَهَا قَوْلُهُ (قَالَ أَنَسٌ هَذَا حَدِيثُ عِمِّيَّةٍ

(قال القاضي وهذا أشبه بالحديث والوجه الرابع كذلك

هَذِهِ اللَّفْظَةُ ضَبَطُوهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَلَى أَوْجُهٍ أَحَدُهَا عِمِّيَّةٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَالْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَالْيَاءِ قَالَ الْقَاضِي كَذَا رُوِّينَا هَذَا الْحَرْفَ عَنْ عَامَّةِ شُيُوخِنَا قَالَ وَفُسِّرَ بِالشِّدَّةِ وَالثَّانِي عُمِّيَّةٍ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالثَّالِثُ عَمِّيَةٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَبَعْدَهَا هَاءُ السَّكْتِ أَيْ حَدَّثَنِي بِهِ عَمِّي وَقَالَ الْقَاضِي عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَعْنَاهُ عِنْدِي جَمَاعَتِي أَيْ هَذَا حَدِيثُهُمْ قَالَ صاحب العين العم الجماعة وأنشد عليه بن دُرَيْدٍ فِي الْجَمْهَرَةِ ... أَفْنَيْتُ عَمَّا وَجُبِرْتُ عَمَّا ... (قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْحَدِيثِ وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ صَاحِبُ الْجَمْعِ بَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ وَفَسَّرَهُ بِعُمُومَتِي أَيْ هَذَا حَدِيثُ فَضْلِ أَعْمَامِي أَوْ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي حَدَّثَنِي بِهِ أَعْمَامِي كَأَنَّهُ حَدَّثَ بِأَوَّلِ الْحَدِيثِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ ثُمَّ لَعَلَّهُ لَمْ يَضْبِطْ هَذَا الْمَوْضِعَ لَتَفَرُّقِ النَّاسِ فَحَدَّثَهُ بِهِ مَنْ شَهِدَهُ مِنْ أَعْمَامِهِ أَوْ جَمَاعَتِهِ الَّذِينَ شَهِدُوهُ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَهُ قَالَ قُلْنَا لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1060] قَوْلُهُ (أَتَجْعَلُ نَهْبِي وَنَهَبِ الْعُبَيْدِ) الْعُبَيْدُ اسْمُ فَرَسِهِ قَوْلُهُ (يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي الْمَجْمَعِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ مِرْدَاسَ غَيْرَ مَصْرُوفٍ وَهُوَ حُجَّةٌ لِمَنْ جَوَّزَ)

تَرْكَ الصَّرْفِ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ قَوْلُهُ (وَعَلْقَمَةَ بْنَ عُلَاثَةَ) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَبِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ الشَّعِيرِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ مَنْسُوبٌ إِلَى الشَّعِيرِ الْحَبِّ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ مَخْلَدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ أَبُو مُحَمَّدٍ بَغْدَادِيٌّ سَكَنَ طَرَسُوسَ رَوَى عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ الصَّنْعانِيَّيْنِ وَسُفْيَانَ رَوَى عَنْهُ مسلم وأبو داود وبن عَوْفٍ الْبَزْدَوِيُّ وَابْنُهُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَوْفٍ وَالْمُنْذِرُ بْنُ شَاذَانَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهُوَ ثِقَةٌ وَذَكَرَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مِنْ أَحْوَالِهِ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيُّ وَذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ الْمَشْهُورِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مُخْتَصَرًا وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ فَقَالَ مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ الشَّعِيرِيُّ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ فِي الزَّكَاةِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا كُلَّهُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ عِيَاضٌ قَالَ لَمْ أَجِدْ أَحَدًا ذَكَرَ مَخْلَدَ بْنَ خَالِدٍ الشَّعِيرِيَّ فِي رِجَالِ الصَّحِيحِ وَلَا فِي غَيْرِهِمْ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ وَلَا الْبَاجِيُّ وَلَا الْجَيَّانِيُّ وَمَنْ تَكَلَّمَ عَلَى رِجَالِ الصَّحِيحِ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ وَلَا مِنْ أَصْحَابِ التَّقْيِيدِ وَلَا ذَكَرُوا مَخْلَدَ بْنَ خَالِدٍ غَيْرَ مَنْسُوبٍ أَصْلًا وَبَسَطَ الْقَاضِي الْكَلَامَ فِي إِنْكَارِ هَذَا الِاسْمِ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الرُّوَاةِ أَحَدٌ يُسَمَّى مَخْلَدَ بْنَ خَالِدٍ لَا فِي الصَّحِيحِ وَلَا فِي غَيْرِهِ وَضَمَّ إِلَيْهِ كَلَامًا عَجِيبًا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنَ الْعَجَائِبِ فَمَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ مَشْهُورٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ أولا وبالله

التَّوْفِيقُ [1061] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الشِّعَارُ الثوب الذي يلى الجسد والدثار فَوْقُهُ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ الْأَنْصَارُ هُمُ الْبِطَانَةُ وَالْخَاصَّةُ وَالْأَصْفِيَاءُ وَأَلْصَقُ بِي مِنْ سَائِرِ النَّاسِ وَهَذَا مِنْ مَنَاقِبِهِمُ الظَّاهِرَةِ وَفَضَائِلِهِمُ الْبَاهِرَةِ

[1062] قَوْلُهُ (فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ حَتَّى كَانَ كَالصِّرْفِ) هُوَ بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ صَبْغٌ أَحْمَرُ يُصْبَغُ به الجلود قال بن دُرَيْدٍ وَقَدْ يُسَمَّى الدَّمُ أَيْضًا صِرْفًا قَوْلُهُ (فَقَالَ رَجُلٌ وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا وَمَا أُرِيدَ فِيهَا وَجْهُ اللَّهِ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمُ الشَّرْعِ أَنَّ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرَ وَقُتِلَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ قُتِلَ قَالَ الْمَازِرِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَفْهَمْ مِنْهُ الطَّعْنَ فِي النُّبُوَّةِ وَإِنَّمَا نَسَبَهُ إِلَى تَرْكِ الْعَدْلِ فِي الْقِسْمَةِ وَالْمَعَاصِي ضَرْبَانِ كَبَائِرُ وَصَغَائِرُ فَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ مِنَ الْكَبَائِرِ بِالْإِجْمَاعِ وَاخْتَلَفُوا فِي إِمْكَانِ وُقُوعِ الصَّغَائِرِ وَمَنْ جَوَّزَهَا مَنَعَ مِنْ إِضَافَتِهَا إِلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَى طَرِيقِ التَّنْقِيصِ وَحِينَئِذٍ فَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَاقِبْ هَذَا الْقَائِلَ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا نَقَلَهُ عَنْهُ وَاحِدٌ وَشَهَادَةُ الْوَاحِدِ لَا يُرَاقُ بِهَا الدَّمُ قَالَ الْقَاضِي هَذَا التَّأْوِيلُ بَاطِلٌ يَدْفَعُهُ قَوْلُهُ اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ وَاتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ وَخَاطَبَهُ خِطَابَ الْمُوَاجِهَةِ بِحَضْرَةِ الْمَلَأِ حَتَّى اسْتَأْذَنَ عُمَرُ وَخَالِدٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِهِ فَقَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ فَهَذِهِ هِيَ العلة وسلك

مَعَهُ مَسْلَكَهُ مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ آذَوْهُ وَسَمِعَ مِنْهُمْ فِي غَيْرِ مَوْطِنِ مَا كَرِهَهُ لَكِنَّهُ صَبَرَ اسْتِبْقَاءً لِانْقِيَادِهِمْ وَتَأْلِيفًا لِغَيْرِهِمْ لِئَلَّا يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّهُ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ فَيَنْفِرُوا وَقَدْ رَأَى النَّاسُ هَذَا الصِّنْفَ فِي جَمَاعَتِهِمْ وَعَدُّوهُ مِنْ جُمْلَتِهِمْ [1063] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ يَعْدِلْ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ) رُوِيَ بِفَتْحِ التَّاءِ فِي خِبْتَ وَخَسِرْتَ وَبِضَمِّهِمَا فِيهِمَا وَمَعْنَى الضَّمِّ ظَاهِرٌ وَتَقْدِيرُ الْفَتْحِ خِبْتَ أَنْتَ أَيُّهَا التَّابِعُ إِذَا كُنْتُ لَا أَعْدِلُ لِكَوْنِكَ تَابِعًا وَمُقْتَدِيًا بِمَنْ لَا يَعْدِلُ وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَقْتُلَ هَذَا الْمُنَافِقَ) وَفِي رِوَايَاتٍ أُخَرَ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ اسْتَأْذَنَ فِي قَتْلِهِ لَيْسَ فِيهِمَا تَعَارُضٌ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتَأْذَنَ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يقرؤون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ) قَالَ الْقَاضِي فِيهِ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا مَعْنَاهُ لَا تَفْقَهُهُ قُلُوبُهُمْ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِمَا تَلَوْا مِنْهُ وَلَا لَهُمْ حَظٌّ سِوَى تِلَاوَةِ الْفَمِ وَالْحَنْجَرَةِ وَالْحَلْقِ إِذْ بِهِمَا تقطيع الحروف والثاني مَعْنَاهُ لَا يَصْعَدُ لَهُمْ عَمَلٌ وَلَا تِلَاوَةٌ وَلَا يُتَقَبَّلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ يَخْرُجُونَ مِنْهُ خُرُوجَ السَّهْمِ إِذَا نَفَذَ الصَّيْدَ مِنْ جِهَةِ أُخْرَى وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شيء منه والرمية هِيَ الصَّيْدُ الْمَرْمِيُّ وَهِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ

قال والدين هُنَا هُوَ الْإِسْلَامُ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وقال الخطابي هو هنا الطَّاعَةُ أَيْ مِنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلِيلٌ لِمَنْ يُكَفِّرُ الْخَوَارِجَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْمَازِرِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ قَالَ وَقَدْ كَادَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَكُونُ أَشَدَّ إِشْكَالًا مِنْ سَائِرِ الْمَسَائِلِ وَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا الْمَعَالِي وَقَدْ رَغَّبَ إِلَيْهِ الْفَقِيهُ عَبْدُ الْحَقِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكَلَامِ عَلَيْهَا فَرَهَّبَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ وَاعْتَذَرَ بِأَنَّ الْغَلَطَ فِيهَا يَصْعُبُ مَوْقِعُهُ لِأَنَّ إِدْخَالَ كَافِرٍ فِي الْمِلَّةِ وَإِخْرَاجَ مُسْلِمٍ مِنْهَا عَظِيمٌ فِي الدِّينِ وَقَدِ اضْطَرَبَ فِيهَا قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَنَاهِيكَ بِهِ فِي علم الأصول وأشار بن الْبَاقِلَّانِيِّ إِلَى أَنَّهَا مِنَ الْمُعَوِّصَاتِ لِأَنَّ الْقَوْمَ لم يصرحوا بالكفر وانما قالوا أقوالا لا تُؤَدِّي إِلَيْهِ وَأَنَا أَكْشِفُ لَكَ نُكْتَةَ الْخِلَافِ وَسَبَبَ الْإِشْكَالِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَزِلِيَّ مَثَلًا يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ وَلَكِنْ لَا عِلْمَ لَهُ وَحَيٌّ وَلَا حَيَاةَ لَهُ يُوقِعُ الِالْتِبَاسٌ فِي تَكْفِيرِهِ لِأَنَّا عَلِمْنَا مِنْ دَيْنِ الْأُمَّةِ ضَرُورَةً أَنَّ مَنْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ بِحَيٍّ وَلَا عَالِمَ كَانَ كَافِرًا وَقَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَى اسْتِحَالَةِ كَوْنِ الْعَالِمِ لَا عِلْمَ لَهُ فَهَلْ نَقُولُ إِنَّ الْمُعْتَزِلِيَّ إِذَا نَفَى الْعِلْمَ نَفَى أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى عَالِمًا وَذَلِكَ كُفْرٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَنْفَعُهُ اعْتِرَافُهُ بِأَنَّهُ عَالِمٌ مَعَ نَفْيِهِ أَصْلَ الْعِلْمِ أَوْ نَقُولُ قَدِ اعْتَرَفَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ وَإِنْكَارُهُ الْعِلْمَ لَا يُكَفِّرُهُ وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِعَالِمٍ فَهَذَا مَوْضِعُ الْإِشْكَالِ هَذَا كَلَامُ الْمَازِرِيِّ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ أَصْحَابهِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْخَوَارِجَ لَا يَكْفُرُونَ وَكَذَلِكَ الْقَدَرِيَّةُ وَجَمَاهِيرُ المعتزلة وسائل أَهْلِ الْأَهْوَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إِلَّا الْخَطَّابِيَّةَ وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الرَّافِضَةِ يَشْهَدُونَ لِمُوَافِقِيهِمْ فِي الْمَذْهَبِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِمْ فَرَدَّ شَهَادَتَهُمْ لِهَذَا لَا لِبِدْعَتِهِمْ والله أعلم

(وهو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن

[1064] قَوْلُهُ (بَعَثَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ بِالْيَمَنِ بِذَهَبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا) هَكَذَا هُوَ فِي جميع نسخ بلادنا بذهبة بِفَتْحِ الذَّالِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ عَنِ الْجُلُودِيِّ قَالَ وَفِي رِوَايَةِ بن مَاهَانَ بِذُهَيْبَةٍ عَلَى التَّصْغِيرِ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ (عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ) وَكَذَا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ قَالَ فِيهَا عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي الثَّانِيَةِ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَفِي مُعْظَمِهَا عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ وَهِيَ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا الشِّعْرُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ فَحِصْنٌ أَبُوهُ وَبَدْرٌ جَدُّ أَبِيهِ فَنُسِبَ تَارَةً إِلَى أَبِيهِ وَتَارَةً إِلَى جَدِّ أَبِيهِ لِشُهْرَتِهِ وَلِهَذَا نَسَبَهُ إِلَيْهِ الشَّاعِرُ فِي قَوْلِهِ ... فَمَا كَانَ بَدْرٌ وَلَا حَابِسٌ ... (وَهُوَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ فَزَارَةَ بْنِ دِينَارٍ الْفَزَارِيُّ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ (وَزَيْدُ الْخَيْرِ الطَّائِيُّ) كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْخَيْرِ بِالرَّاءِ وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا زَيْدُ الْخَيْلِ بِاللَّامِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ يُقَالُ بِالْوَجْهَيْنِ كَانَ يُقَالُ لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ زَيْدُ الْخَيْلِ فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِسْلَامِ زَيْدُ الْخَيْرِ قَوْلُهُ (أَيُعْطِي صَنَادِيدَ نَجْدٍ) أَيْ سَادَاتِهَا وَأَحَدُهُمْ صِنْدِيدٌ بِكَسْرِ الصَّادِ قَوْلُهُ (فَجَاءَ رَجُلٌ كَثُّ اللِّحْيَةِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ) أَمَّا كَثُّ اللِّحْيَةِ فبفتح الكاف وهو كثيرها والوجنة بِفَتْحِ الْوَاوِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَيُقَالُ أَيْضًا أَجْنَةٌ وهي لحم الخد قوله (ناتىء الجبين) هو بهمز ناتيء)

وَأَمَّا الْجَبِينِ فَهُوَ جَانِبُ الْجَبْهَةِ وَلِكُلِّ إِنْسَانٍ جَبِينَانِ يَكْتَنِفَانِ الْجَبْهَةَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ مِنْ ضئضىء هَذَا قَوْمًا) هُوَ بِضَادَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ مَكْسُورَتَيْنِ وَآخِرُهُ مَهْمُوزٌ وَهُوَ أَصْلُ الشَّيْءِ وَهَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَنِ الْجُمْهُورِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ ضَبَطَهُ بِالْمُعْجَمَتَيْنِ وَالْمُهْمَلَتَيْنِ جَمِيعًا وَهَذَا صَحِيحٌ فِي اللُّغَةِ قَالُوا وَلِأَصْلِ الشَّيْءِ أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا الضِّئْضِئُ بِالْمُعْجَمَتَيْنِ وَالْمُهْمَلَتَيْنِ وَالنِّجَارُ بكسر النون والنحاس والسنخ بكسر السين واسكان النون وبخاء معجمة والعنصر والعنض والأرومة قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ) أَيْ قَتْلًا عَامًّا مُسْتَأْصِلًا كَمَا قَالَ تَعَالَى فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ باقية وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى قِتَالِهِمْ وَفَضِيلَةٌ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِتَالِهِمْ قَوْلُهُ (فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ) أَيْ مَدْبُوغٍ بِالْقَرَظِ قَوْلُهُ (لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا) أَيْ لَمْ تُمَيَّزْ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ (وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ ذِكْرُ عَامِرٍ هُنَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ تُوُفِّيَ قَبْلَ هَذَا بِسِنِينَ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ عَلْقَمَةُ بْنُ علاثة

كَمَا هُوَ مَجْزُومٌ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ) مَعْنَاهُ إِنِّي أُمِرْتُ بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ وَاللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ وَفِي الْحَدِيثِ هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قلبه قوله (وهو مقف) أي مولى قَدْ أَعْطَانَا قَفَاهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى لَيِّنًا رَطْبًا) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ لَيِّنًا بِالنُّونِ أي سهلا

وَفِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ لَيًّا بِحَذْفِ النُّونِ وَأَشَارَ الْقَاضِي إِلَى أَنَّهُ رِوَايَةُ أَكْثَرِ شُيُوخِهِمْ قَالَ وَمَعْنَاهُ سَهْلًا لِكَثْرَةِ حِفْظِهِمْ قَالَ وَقِيلَ لَيًّا أَيْ يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِهِ أَيْ يُحَرِّفُونَ مَعَانِيَهُ وَتَأْوِيلَهُ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ مِنَ اللَّيِّ في الشهادة وهو الميل قاله بن قُتَيْبَةَ (قَوْلُهُ (فَسَأَلَاهُ عَنِ الْحَرُورِيَّةِ) هُمُ الْخَوَارِجُ سُمُّوا حَرُورِيَّةً لِأَنَّهُمْ نَزَلُوا حَرُورَاءَ وَتَعَاقَدُوا عِنْدَهَا عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَحَرُورَاءَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِالْمَدِّ قَرْيَةٌ بِالْعِرَاقِ قَرِيبَةٌ مِنَ الْكُوفَةِ وَسُمُّوا خَوَارِجَ لِخُرُوجِهِمْ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَقِيلَ لِخُرُوجِهِمْ عَنْ طَرِيقِ الْجَمَاعَةِ وَقِيلَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْلُهُ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول يَخْرُجُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَمْ يَقُلْ مِنْهَا) قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذَا مِنْ أَدَلِّ الدَّلَائِلِ عَلَى سَعَةِ عِلْمِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَدَقِيقُ نَظَرِهِمْ وَتَحْرِيرُهُمُ الْأَلْفَاظَ وَفَرْقُهُمْ بَيْنَ مَدْلُولَاتِهَا الْخَفِيَّةِ لِأَنَّ لَفْظَةَ مِنْ تَقْتَضِي كَوْنَهُمْ مِنَ الْأُمَّةِ لَا كُفَّارًا بِخِلَافِ فِي وَمَعَ هَذَا فَقَدْ جَاءَ بَعْدَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ وَفِي رواية أبي ذران

بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي أَوْ سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي وَقَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ فِي تَكْفِيرِهِمْ وَأَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ تَكْفِيرِهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَنْظُرُ الرَّامِي إِلَى نَصْلِهِ إِلَى رِصَافِهِ فَيَتَمَارَى فِي الْفُوقَةِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَنْظُرُ إِلَى نَضِيِّهِ وَفِيهَا ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى قُذَذِهِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَيَنْظُرُ فِي النَّضِيِّ فَلَا يَرَى بَصِيرَةً وَيَنْظُرُ فِي الْفُوقِ فَلَا يَرَى بَصِيرَةً أَمَّا الرِّصَافُ فَبِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وهو مدخل النصل من السهم والنصل هو حديدة السهم والقدح عوده والقذذ بِضَمِّ الْقَافِ وَبِذَالَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ وَهُوَ رِيشُ السَّهْمِ والفوق والفوقة بِضَمِّ الْفَاءِ هُوَ الْحَزُّ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ الوتر والنضى بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وهو القدح كذا جَاءَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ مُفَسَّرًا وَكَذَا قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَأَمَّا الْبَصِيرُ فَبِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الشَّيْءُ مِنَ الدَّمِ أَيْ لَا يَرَى شَيْئًا مِنَ الدَّمِ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى إِصَابَةِ الرَّمِيَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ) قَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ فِي فَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّهَا فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(وَمِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ) الْبَضْعَةِ بِفَتْحِ الْبَاءِ لَا غَيْرَ وَهِيَ الْقِطْعَةُ من اللحم وتدردر مَعْنَاهُ تَضْطَرِبُ وَتَذْهَبُ وَتَجِيءُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ) ضَبَطُوهُ فِي الصَّحِيحِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا حِينِ فرقه بحاء مهملة مكسورة ونون وفرقة بِضَمِّ الْفَاءِ أَيْ فِي وَقْتِ افْتِرَاقِ النَّاسِ أَيِ افْتِرَاقٍ يَقَعُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ الِافْتِرَاقُ الَّذِي كَانَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما والثاني خير فرقة بخاء معجمة مفتوحة وراء وفرقة بكسر الفاء أي أفضل الْفِرْقَتَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَأَكْثَرُ وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ يَخْرُجُونَ فِي فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ فَإِنَّهُ بِضَمِّ الْفَاءِ بِلَا خِلَافٍ وَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ وَقَالَ الْقَاضِي عَلَى رِوَايَةِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمُرَادُ وَخَيْرُ الْقُرُونِ وَهُمُ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ قَالَ أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ فَعَلَيْهِ كَانَ خُرُوجُهُمْ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ كَانَ الْإِمَامَ حِينَئِذٍ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ مُصِيبًا فِي قتاله والآخرون بغاة لاسيما مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ وَعَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ قَتَلُوهُمْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَاتٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ أَخْبَرَ بِهَذَا وَجَرَى كُلُّهُ كَفَلَقِ الصُّبْحِ وَيَتَضَمَّنُ بَقَاءَ الْأُمَّةِ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ لَهُمْ شَوْكَةً وَقُوَّةً خِلَافَ مَا كَانَ الْمُبْطِلُونَ يُشِيعُونَهُ وَأَنَّهُمْ يَفْتَرِقُونَ فِرْقَتَيْنِ وَأَنَّهُ يَخْرُجُ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مَارِقَةٌ وَأَنَّهُمْ يُشَدِّدُونَ فِي الدِّينِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التَّشْدِيدِ وَيُبَالِغُونَ فِي الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَلَا يُقِيمُونَ بِحُقُوقِ الْإِسْلَامِ بَلْ يَمْرُقُونَ مِنْهُ وَأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ أَهْلَ الْحَقِّ

وَأَنَّ أَهْلَ الْحَقِّ يَقْتُلُونَهُمْ وَأَنَّ فِيهِمْ رَجُلًا صِفَةُ يَدِهِ كَذَا وَكَذَا فَهَذِهِ أَنْوَاعٌ مِنَ المعجزات جرت كلها وَلِلَّهِ الْحَمْدُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سِيمَاهُمُ التَّحَالُقُ) السِّيمَا الْعَلَامَةُ وَفِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْقَصْرُ وَهُوَ الْأَفْصَحُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَالْمَدُّ وَالثَّالِثَةُ السِّيمِيَاءُ بِزِيَادَةِ يَاءٍ مَعَ الْمَدِّ لَا غَيْرَ وَالْمُرَادُ بالتحالق حلق الرؤوس وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى التَّحَلُّقُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى كَرَاهَةِ حَلْقِ الرَّأْسِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَامَةٌ لَهُمْ وَالْعَلَامَةُ قَدْ تَكُونُ بِحِرَامٍ وَقَدْ تَكُونُ بِمُبَاحٍ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِحِرَامٍ وَقَدْ ثَبَتَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم (رَأَى صَبِيًّا قَدْ حَلَقَ بَعْضَ رَأْسِهِ فَقَالَ احْلِقُوهُ كُلَّهُ أَوِ اتْرُكُوهُ كُلَّهُ) وَهَذَا صَرِيحٌ فِي إِبَاحَةِ حَلْقِ الرَّأْسِ لَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا قَالَ أَصْحَابُنَا حَلْقُ الرَّأْسِ جَائِزٌ بِكُلِّ حَالٍ لَكِنْ إِنْ شَقَّ عَلَيْهِ تَعَهُّدُهُ بِالدُّهْنِ وَالتَّسْرِيحِ اسْتُحِبَّ حَلْقُهُ وَإِنْ لَمْ يَشُقَّ اسْتُحِبَّ تَرْكُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ أَوْ مِنْ أَشَرِّ الْخَلْقِ) هَكَذَا هُوَ فِي كُلِّ النُّسَخِ أَوْ مِنْ أَشَرِّ بِالْأَلِفِ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْمَشْهُورُ شَرُّ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَفِي هَذَا اللَّفْظِ دَلَالَةٌ لِمَنْ قَالَ بِتَكْفِيرِهِمْ وَتَأَوَّلَهُ الْجُمْهُورُ أَيْ شَرُّ الْمُسْلِمِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحَقِّ) وَفِي رِوَايَةٍ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ وَفِي رِوَايَةٍ تَكُونُ أُمَّتِي فِرْقَتَيْنِ فَتَخْرُجُ مِنْ بَيْنِهِمَا مَارِقَةٌ تَلِي قَتْلَهُمْ أَوْلَاهُمَا

بِالْحَقِّ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ هُوَ الْمُصِيبَ الْمُحِقَّ وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى أَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانُوا بُغَاةً مُتَأَوِّلِينَ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الطَّائِفَتَيْنِ مُؤْمِنُونَ لَا يَخْرُجُونَ بِالْقِتَالِ عَنِ الْإِيمَانِ وَلَا يَفْسُقُونَ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مُوَافِقِينَا قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا القاسم وهو بن الْفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ بَعْدَ الْأَلِفِ نُونٌ قَوْلُهُ (عَنِ

الضَّحَّاكِ الْمِشْرَقِيِّ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي ذَكَرَهُ جَمِيعُ أَصْحَابِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ وَأَصْحَابِ الْأَسْمَاءِ وَالتَّوَارِيخِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ ضَبَطَهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ قَالَ وَهُوَ تَصْحِيفٌ كَمَا قَالَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى مِشْرَقٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَطْنٌ مِنْ هَمْدَانَ وَهُوَ الضَّحَّاكُ الْهَمْدَانِيُّ الْمَذْكُورُ فِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ مِنْ رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ (فِي حَدِيثٍ ذَكَرَ فِيهِ قَوْمًا يَخْرُجُونَ عَلَى فِرْقَةٍ مُخْتَلِفَةٍ) ضبطوه بكسر الفاء وضمها [1066] قَوْلُهُ (عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ قَوْلُهُ (وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ) مَعْنَاهُ أَجْتَهِدُ رأيي وقال القاضي فيه جَوَازُ التَّوْرِيَةِ وَالتَّعْرِيضِ فِي الْحَرْبِ فَكَأَنَّهُ تَأَوَّلَ الْحَدِيثَ عَلَى هَذَا وَقَوْلُهُ خَدْعَةٌ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ عَلَى الْأَفْصَحِ وَيُقَالُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَيُقَالُ خُدَعَةٌ بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ مَشْهُورَاتٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ) مَعْنَاهُ صِغَارُ الْأَسْنَانِ صِغَارُ الْعُقُولِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ مَعْنَاهُ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ كَقَوْلِهِمْ لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ وَنَظَائِرِهِ مِنْ دُعَائِهِمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا) هَذَا تَصْرِيحٌ بِوُجُوبِ قِتَالِ الْخَوَارِجِ

وَالْبُغَاةِ وَهُوَ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْقَاضِي أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْخَوَارِجَ وَأَشْبَاهَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْبَغْيِ مَتَى خَرَجُوا عَلَى الْإِمَامِ وَخَالَفُوا رَأْيَ الْجَمَاعَةِ وَشَقُّوا الْعَصَا وَجَبَ قِتَالُهُمْ بَعْدَ إِنْذَارِهِمْ وَالِاعْتِذَارِ إِلَيْهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ لَكِنْ لَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَا يُتْبَعُ مُنْهَزِمُهُمْ وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرُهُمْ وَلَا تُبَاحُ أَمْوَالُهُمْ وَمَا لَمْ يَخْرُجُوا عَنِ الطَّاعَةِ وَيَنْتَصِبُوا لِلْحَرْبِ لَا يُقَاتَلُونَ بَلْ يُوعَظُونَ وَيُسْتَتَابُونَ مِنْ بِدْعَتِهِمْ وَبَاطِلِهِمْ وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَكْفُرُوا بِبِدْعَتِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ بِدْعَةً مِمَّا يَكْفُرُونَ بِهِ جَرَتْ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ وَأَمَّا الْبُغَاةُ الَّذِينَ لَا يَكْفُرُونَ فَيَرِثُونَ وَيُورَثُونَ وَدَمُهُمْ فِي حَالِ الْقِتَالِ هَدَرٌ وَكَذَا أَمْوَالُهُمُ الَّتِي تُتْلَفُ فِي الْقِتَالِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ أَيْضًا مَا أَتْلَفُوهُ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فِي حَالِ الْقِتَالِ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ وَمَا أَتْلَفُوهُ فِي غَيْرِ حَالِ الْقِتَالِ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ ضَمِنُوهُ وَلَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْ دَوَابِّهِمْ وَسِلَاحِهِمْ فِي حَالِ الْحَرْبِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبِيدَةَ هو بفتح العين وهو

قَوْلُهُ (فِيهِمْ رَجُلٌ مُخْدَجُ الْيَدِ أَوْ مُودَنُ الْيَدِ أَوْ مَثْدُونُ الْيَدِ) أَمَّا الْمُخْدَجُ فَبِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ أَيْ ناقص اليد والمودن بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَيُقَالُ بِالْهَمْزِ وَبِتَرْكِهِ وَهُوَ نَاقِصُ الْيَدِ وَيُقَالُ أَيْضًا ودين والمثدون بِفَتْحِ الْمِيمِ وَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ سَاكِنَةٍ وَهُوَ صَغِيرٌ الْيَدِ مُجْتَمِعُهَا كَثُنْدُوَةِ الثَّدْيِ وَهِيَ بِفَتْحِ الثَّاءِ بلا همز وَبِضَمِّهَا مَعَ الْهَمْزِ وَكَانَ أَصْلُهُ مَثْنُودٌ

فَقُدِّمَتِ الدَّالُ عَلَى النُّونِ كَمَا قَالُوا جَبَذَ وَجَذَبَ وَعَاثَ فِي الْأَرْضِ وَعَثَا قَوْلُهُ (فَنَزَّلَنِي زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ مَنْزِلًا حَتَّى قَالَ مَرَرْنَا عَلَى قَنْطَرَةٍ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَفِي نَادِرٍ مِنْهَا مَنْزِلًا مَنْزِلًا مَرَّتَيْنِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ وَجْهُ الْكَلَامِ أَيْ ذَكَرَ لِي مَرَاحِلَهُمْ بِالْجَيْشِ مَنْزِلًا مَنْزِلًا حَتَّى بَلَغَ الْقَنْطَرَةَ الَّتِي كَانَ الْقِتَالُ عِنْدَهَا وَهِيَ قَنْطَرَةُ الدَّبْرَجَانِ كَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَهُنَاكَ خَطَبَهُمْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَوَى لَهُمْ هذه الأحاديث والقنطرة بِفَتْحِ الْقَافِ قَوْلُهُمْ (فَوَحَّشُوا بِرِمَاحِهِمْ) أَيْ رَمَوْا بِهَا عَنْ بُعْدٍ قَوْلُهُ (وَشَجَرَهُمُ النَّاسُ بِرِمَاحِهِمْ) هُوَ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْجِيمِ الْمُخَفَّفَةِ أَيْ مَدَّدُوهَا إِلَيْهِمْ وَطَاعَنُوهُمْ بِهَا وَمِنْهُ التَّشَاجُرُ فِي الخصومة قوله (وما أصيب من الناس يؤمئذ إِلَّا رَجُلَانِ) يَعْنِي مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ وَأَمَّا

الْخَوَارِجُ فَقُتِلُوا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ قَوْلُهُ (فَقَامَ إِلَيْهِ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ) إِلَى آخِرِهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ اسْتَحْلَفَ عَلِيًّا ثَلَاثًا وَإِنَّمَا اسْتَحْلَفَهُ لِيُسْمِعَ الْحَاضِرِينَ وَيُؤَكِّدَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ وَيُظْهِرَ لَهُمُ الْمُعْجِزَةَ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُظْهِرَ لَهُمْ أَنَّ عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ وَأَنَّهُمْ مُحِقُّونَ فِي قِتَالِهِمْ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ وَقَوْلُهُ السَّلْمَانِيُّ هُوَ بِإِسْكَانِ اللَّامِ مَنْسُوبٌ إِلَى سَلْمَانَ جَدِّ قَبِيلَةٍ مَعْرُوفَةٍ وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ مراد قاله بن أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ أَسْلَمَ عَبِيدَةُ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَنَتَيْنِ وَلَمْ يره وسمع عمر وعليا وبن مَسْعُودٍ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ (قَالُوا لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ قَالَ عَلِيٌّ كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْكَلِمَةَ أَصْلُهَا صِدْقٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ان الحكم الا لله لَكِنَّهُمْ أَرَادُوا بِهَا

الْإِنْكَارَ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي تَحْكِيمِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِحْدَى يَدَيْهِ طُبْيُ شَاةٍ) هُوَ بِطَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ وَالْمُرَادُ بِهِ ضَرْعُ الشَّاةٍ وَهُوَ فِيهَا مَجَازٌ وَاسْتِعَارَةٌ إِنَّمَا أَصْلُهُ لِلْكَلْبَةِ وَالسِّبَاعِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَيُقَالُ أَيْضًا لِذَوَاتِ الْحَافِرِ وَيُقَالُ لِلشَّاةِ ضَرْعٌ وَكَذَا لِلْبَقَرَةِ ويقال للناقة خلف وقال أبو عبيد الْأَخْلَافُ لِذَوَاتِ الْأَخْفَافِ وَالْأَظْلَافُ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ يُقَالُ في ذات الخف والظلف خلف وضرع قَوْلُهُ (عَنْ يُسَيْرِ بْنِ عَمْرٍو) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أُسَيْرِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ بِضَمِّ

(باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم)

الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالثَّانِي مِثْلُهُ إِلَّا أَنَّهُ بِهَمْزَةٍ مَضْمُومَةٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ يُقَالُ يُسَيْرٌ وَأُسَيْرٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَتِيهُ قَوْمٌ قِبَلَ الْمَشْرِقِ) أَيْ يَذْهَبُونَ عَنِ الصَّوَابِ وَعَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ يُقَالُ تَاهَ إِذَا ذَهَبَ وَلَمْ يَهْتَدِ لِطَرِيقِ الْحَقِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب تَحْرِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (وَعَلَى آلِهِ وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ دُونَ غَيْرِهِمْ) [1069] قَوْلُهُ (أَخْذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِخْ كِخْ ارْمِ بِهَا أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ) وَفِي رِوَايَةٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ قال القاضي يقال كِخْ كِخْ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَتَسْكِينِ الْخَاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا مَعَ التَّنْوِينِ وَهِيَ كَلِمَةٌ يُزْجَرُ بِهَا الصِّبْيَانُ عَنِ الْمُسْتَقْذَرَاتِ فَيُقَالُ لَهُ كِخْ أَيِ اتْرُكْهُ وَارْمِ بِهِ قَالَ الدَّاوُدِيُّ هِيَ عَجَمِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ بِمَعْنَى بِئْسَ وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ فِي تَرْجَمَةِ بَابِ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالرَّطَانَةِ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الصِّبْيَانَ يُوَقَّوْنَ مَا يُوَقَّاهُ الْكِبَارُ وَتُمْنَعُ مِنْ تَعَاطِيهِ وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى الْوَلِيِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ) هَذِهِ اللَّفْظَةُ تُقَالُ فِي الشَّيْءِ الْوَاضِحِ التحريم

وَنَحْوِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُخَاطَبُ عَالِمًا بِهِ وَتَقْدِيرُهُ عَجَبٌ كَيْفَ خَفِيَ عَلَيْكَ هَذَا مَعَ ظُهُورِ تَحْرِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ آلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ خَاصَّةً قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هُمْ قُرَيْشٌ كُلُّهَا وَقَالَ أُصْبَغُ الْمَالِكِيُّ هُمْ بَنُو قُصَيٍّ دَلِيلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَقَسَمَ بَيْنَهُمْ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى وَأَمَّا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ فَلِلشَّافِعِيِّ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحِلُّ لِآلِهِ وَالثَّانِي تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ وَالثَّالِثُ تَحِلُّ لَهُ وَلَهُمْ وَأَمَّا مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ فَهَلْ تَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الزَّكَاةُ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا تَحْرُمُ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا حَدِيثَ أَبِي رَافِعٍ وَالثَّانِي تَحِلُّ وَبِالتَّحْرِيمِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ الْكُوفِيِّينَ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وبالاباحة قال مالك وادعى بن بَطَّالٍ الْمَالِكِيُّ أَنَّ الْخِلَافَ إِنَّمَا هُوَ فِي مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ وَأَمَّا مَوَالِي غَيْرِهِمْ فَتُبَاحُ لَهُمْ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلِ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا تَحْرِيمُهَا عَلَى مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1070] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ) ظَاهِرُهُ تَحْرِيمُ صَدَقَةِ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ وَفِيهِمَا الْكَلَامُ السَّابِقُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنِّي لِأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي

ثُمَّ أَرْفَعُهَا لِآكُلَهَا ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً فَأُلْقِيَهَا) فِيهِ تَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ صَدَقَةِ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّدَقَةُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهِيَ تَعُمُّ النَّوْعَيْنِ وَلَمْ يَقُلِ الزَّكَاةُ وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ الْوَرَعِ لِأَنَّ هَذِهِ التَّمْرَةَ لَا تَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ لَكِنَّ الْوَرَعَ تَرْكُهَا قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ لَوْلَا أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا) فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْوَرَعِ كَمَا سَبَقَ وَفِيهِ أَنَّ التَّمْرَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ مُحَقَّرَاتِ الْأَمْوَالِ لَا يَجِبُ تَعْرِيفُهَا بَلْ يُبَاحُ أَكْلُهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا تَرَكَهَا خَشْيَةَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَا لِكَوْنِهَا لُقَطَةً وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَلَّلَهُ أصحابنا وغيرهم

بِأَنَّ صَاحِبَهَا فِي الْعَادَةِ لَا يَطْلُبُهَا وَلَا يَبْقَى لَهُ فِيهَا مَطْمَعٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1072] قَوْلُهُ (فَانْتَحَاهُ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ) هُوَ بِالْحَاءِ وَمَعْنَاهُ عرض له وقصده (قوله ما تفعل هَذَا إِلَّا نَفَاسَةً مِنْكَ عَلَيْنَا) مَعْنَاهُ حَسَدًا منك لنا قوله (فما نفسنا عَلَيْكَ) هُوَ بِكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ مَا حَسَدْنَاكَ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَخْرِجَا مَا تُصَرِّرَانِ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ بِبِلَادِنَا وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ وَالْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الضَّبْطِ تُصَرِّرَانِ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ أُخْرَى وَمَعْنَاهُ تَجْمَعَانِهِ فِي صُدُورِكُمَا مِنَ الْكَلَامِ وَكُلُّ شَيْءٍ جَمَعْتَهُ فَقَدْ صَرَرْتَهُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ تُسَرِّرَانِ بِالسِّينِ مِنَ السِّرِّ أَيْ مَا تَقُولَانِهِ لِي سِرًّا وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ أَرْبَعَ رِوَايَاتٍ هَاتَيْنِ الثِّنْتَيْنِ وَالثَّالِثَةَ تُصْدِرَانِ بِإِسْكَانِ الصَّادِ وَبَعْدَهَا دَالٌ مُهْمَلَةٌ مَعْنَاهُ مَاذَا تَرْفَعَانِ إِلَيَّ قَالَ وَهَذِهِ رِوَايَةُ السَّمَرْقَنْدِيِّ وَالرَّابِعَةَ تُصَوِّرَانِ بِفَتْحِ

الصَّادِ وَبِوَاوٍ مَكْسُورَةٍ قَالَ وَهَكَذَا ضَبَطَهُ الْحُمَيْدِيُّ قَالَ الْقَاضِي وَرِوَايَتُنَا عَنْ أَكْثَرِ شُيُوخِنَا بِالسِّينِ وَاسْتَبْعَدَ رِوَايَةَ الدَّالِ وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ مُعْظَمِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَرَجَّحَهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْمَطَالِعِ فقال الأصوب تصرران بالصاد والرائين قَوْلُهُ (قَدْ بَلَغْنَا النِّكَاحَ) أَيَ الْحُلُمَ كَقَوْلِهِ تعالى حتى اذا بلغوا النكاح قَوْلُهُ (وَجَعَلَتْ زَيْنَبُ تُلْمِعُ إِلَيْنَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ) هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ فَتْحُ التَّاءِ وَالْمِيمِ يُقَالُ أَلْمَعَ وَلَمَعَ إِذَا أَشَارَ بِثَوْبِهِ أَوْ بِيَدِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ سَأَلَاهُ الْعَمَلَ عَلَى الصَّدَقَةِ بِنَصِيبِ الْعَامِلِ (إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ بِسَبَبِ الْعَمَلِ أَوْ بِسَبَبِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَسْبَابِ الثَّمَانِيَةِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَجَوَّزَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ الْعَمَلَ عَلَيْهَا بِسَهْمِ الْعَامِلِ لِأَنَّهُ إِجَارَةٌ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي رَدِّهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ) تَنْبِيهٌ على العلة فِي تَحْرِيمِهَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَأَنَّهَا لِكَرَامَتِهِمْ وَتَنْزِيهِهِمْ عَنِ الْأَوْسَاخِ وَمَعْنَى أَوْسَاخُ النَّاسِ أَنَّهَا تَطْهِيرٌ لِأَمْوَالِهِمْ وَنُفُوسِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بها فَهِيَ كَغَسَّالَةِ الْأَوْسَاخِ قَوْلُهُ

(حدثنا هارون بن معروف حدثنا بن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن بن شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ الْهَاشِمِيِّ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَخْبَرَهُ) هَكَذَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ بن شِهَابٍ وَسَبَقَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ عَنْ جُوَيْرِيَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عبد الله بن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ نَوْفَلٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَصْلُ هُوَ رِوَايَةُ مَالِكٍ وَنَسَبَهُ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ إِلَى جَدِّهِ وَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ قَالَ النَّسَائِيُّ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَالِكٍ إِلَّا جُوَيْرِيَةَ بْنَ أَسْمَاءَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَصْدِقْ عَنْهُمَا مِنَ الْخُمُسِ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مِنْ سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى مِنَ الْخُمُسِ لِأَنَّهُمَا مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْخُمُسِ قَوْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَقَالَ أَنَا أَبُو حَسَنٍ القرم) هو بتنوين حسن وأما القرم فالبراء مَرْفُوعٌ وَهُوَ السَّيِّدُ وَأَصْلُهُ فَحْلُ الْإِبِلِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ الْمُقَدَّمُ فِي الْمَعْرِفَةِ بِالْأُمُورِ وَالرَّأْيِ كَالْفَحْلِ هَذَا أَصَحُّ الْأَوْجُهِ فِي ضَبْطِهِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا وَالثَّانِي حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ الْقَوْمِ بِالْوَاوِ بِإِضَافَةِ حَسَنٍ إِلَى الْقَوْمِ وَمَعْنَاهُ عَالِمُ الْقَوْمِ وَذُو رَأْيِهِمْ وَالثَّالِثُ حكاه القاضي أيضا أبو حسن بالتنوين والقوم بِالْوَاوِ مَرْفُوعٌ أَيْ أَنَا مَنْ عَلِمْتُمْ رَأْيَهُ أَيُّهَا الْقَوْمُ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ حُرُوفَ النِّدَاءِ لَا تُحْذَفُ فِي نِدَاءِ الْقَوْمِ وَنَحْوِهِ قَوْلُهُ (لَا أَرِيمُ مَكَانِي) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ لَا أُفَارِقُهُ قَوْلُهُ (وَاللَّهِ لَا أَرِيمُ مَكَانِي حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْكُمَا ابْنَاكُمَا بِحَوْرِ مَا بَعَثْتُمَا بِهِ

(باب إباحة الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم)

قَوْلُهُ بِحَوْرِ هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ بِجَوَابِ ذَلِكَ قَالَ الْهَرَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ يُقَالُ كَلَّمْتُهُ فَمَا رَدَّ عَلَيَّ حَوْرًا وَلَا حُوَيْرًا أَيْ جَوَابًا قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْخَيْبَةُ أَيْ يَرْجِعَا بِالْخَيْبَةِ وَأَصْلُ الْحَوْرِ الرُّجُوعُ إِلَى النَّقْصِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا أَشْبَهُ بِسِيَاقِ الْحَدِيثِ أَمَّا قَوْلُهُ ابْنَاكُمَا فَهَكَذَا ضَبَطْنَاهُ ابْنَاكُمَا بِالتَّثْنِيَةِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ أَبْنَاؤُكُمَا بِالْوَاوِ عَلَى الْجَمْعِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَيْضًا قَالَ وَهُوَ وَهَمٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَقَالَ وَقَدْ يَصِحُّ الثَّانِي عَلَى مَذْهَبِ مَنْ جَمَعَ الِاثْنَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ادْعُوَا لِي مَحْمِيَةَ بْنَ جُزْءٍ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ) أَمَّا مُحْمِيَةَ فَبِمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مِيمٍ أُخْرَى مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُخَفَّفَةٍ وَأَمَّا جُزْءٍ فَبِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ زَايٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ قَالَ الْقَاضِي هَكَذَا تَقُولُهُ عَامَّةُ الْحُفَّاظِ وَأَهْلُ الْإِتْقَانِ وَمُعْظَمُ الرُّوَاةِ وَقَالَ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ يُقَالُ جُزِي بِكَسْرِ الزَّاي يَعْنِي وَبِالْيَاءِ وَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي بِلَادِنَا قَالَ الْقَاضِي وقال أبو عبيد هُوَ عِنْدَنَا جُزٌّ مُشَدَّدُ الزَّايِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَقَالَ الْقَاضِي كَذَا وَقَعَ وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ لَا مِنْ بَنِي أَسَدٍ (باب إِبَاحَةِ الْهَدِيَّةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (وَلِبَنِي هَاشِمٍ وبنى المطلب وان كان المهدى ملكها بطريق الصدقة) (وبيان أن الصدقة اذا قبضها المتصدق عليه زال عنها وصف الصدقة) (وحلت لكل أحد ممن كانت الصدقة محرمة عليه) [1073] قَوْلُهُ (أَنَّ عُبَيْدَ بْنَ السَّبَّاقِ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فِي لَحْمِ الشَّاةِ الَّذِي أَعْطِيَتْهُ مَوْلَاةُ جُوَيْرِيَةَ مِنَ الصَّدَقَةِ (قَرِّبِيهِ فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا) هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ زَالَ عَنْهَا حُكْمُ الصَّدَقَةِ وصارت حلالا لنا وفيه دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ لَحْمَ الْأُضْحِيَّةِ إِذَا قَبَضَهُ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَسَائِرَ الصَّدَقَاتِ يَجُوزُ لِقَابِضِهَا بَيْعُهَا وَيَحِلُّ لِمَنْ أَهْدَاهَا إِلَيْهِ أَوْ مَلَكَهَا مِنْهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ لِقَابِضِهَا [1075] قَوْلُهُ (كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ) ثُمَّ قَالَ فِي الطَّرِيقِ الْآخَرِ (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ) فِيهِ التَّنْبِيهُ عَلَى انْتِفَاءِ تَدْلِيسِ قَتَادَةَ لِأَنَّهُ عَنْعَنَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَصَرَّحَ بِالسَّمَاعِ فِي الثَّانِيَةِ وَقَدْ سبق مرات أَنَّ الْمُدَلِّسِ لَا يُحْتَجُّ بِعَنْعَنَتِهِ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ سَمَاعُهُ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ فَنَبَّهَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ

قَوْلُهُ (عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ وَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَحْمِ بَقَرٍ) هَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ أَوْ أَكْثَرِهَا وَأُتِيَ بِالْوَاوِ وَفِي بَعْضِهَا أُتِيَ بِغَيْرِ وَاوٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْوَاوُ عَاطِفَةٌ عَلَى بَعْضٍ مِنَ الْحَدِيثِ لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا قَوْلُهُ (كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ قَضِيَّاتٍ) فَذَكَرَ مِنْهَا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَلَكُمْ هَدِيَّةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ وهما

(باب الدعاء لمن أتى بصدقته)

الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَتَخْيِيرُهَا فِي فَسْخِ النِّكَاحِ حِينَ أُعْتِقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الثَّلَاثِ مَشْرُوحَةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ النِّكَاحِ [1076] قَوْلُهَا (إِلَّا أَنَّ نُسَيْبَةَ بَعَثَتْ إِلَيْنَا) هِيَ نُسَيْبَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَيُقَالُ فِيهَا أَيْضًا نَسِيبَةُ بِفَتْحِ النون وكسر السين وهي أم عطية [1077] قَوْلُهُ (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ فَإِنْ قِيلَ هَدِيَّةٌ أَكَلَ مِنْهَا وَإِنْ قِيلَ صَدَقَةٌ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا) فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْوَرَعِ وَالْفَحْصِ عَنْ أَصْلِ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ (باب الدُّعَاءِ لِمَنْ أَتَى بِصَدَقَتِهِ) [1078] قَوْلُهُ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ فَأَتَاهُ أَبِي أَبُو أَوْفَى بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى) هَذَا الدُّعَاءُ وَهُوَ الصَّلَاةُ امْتِثَالٌ لِقَوْلِ الله عز وجل

وصل عليهم وَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّ الدُّعَاءَ لِدَافِعِ الزَّكَاةِ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ هُوَ وَاجِبٌ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا حَكَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَّاطِيُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَاعْتَمَدُوا الْأَمْرَ فِي الْآيَةِ قَالَ الْجُمْهُورُ الْأَمْرُ فِي حَقِّنَا لِلنَّدَبِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا وَغَيْرَهُ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالدُّعَاءِ وَقَدْ يُجِيبُ الْآخَرُونَ بِأَنَّ وُجُوبَ الدُّعَاءِ كَانَ مَعْلُومًا لَهُمْ مِنَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ أَيْضًا بِأَنَّ دُعَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَاتَهُ سَكَنٌ لَهُمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ فِي صِفَةِ الدُّعَاءِ أَنْ يَقُولَ آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَجَعَلَهُ لَكَ طَهُورًا وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَبْقَيْتَ وَأَمَّا قَوْلُ السَّاعِي اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى فُلَانٍ فكرهه جمهور أصحابنا وهو مذهب بن عباس ومالك وبن عُيَيْنَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ بِلَا كَرَاهَةٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا تَبَعًا لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي لِسَانِ السَّلَفِ مَخْصُوصَةٌ بِالْأَنْبِيَاءِ صَلَاةُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ كَمَا أَنَّ قَوْلَنَا عَزَّ وَجَلَّ مَخْصُوصٌ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَكَمَا لَا يُقَالُ مُحَمَّدٌ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ كَانَ عَزِيزًا جَلِيلًا لَا يُقَالُ أَبُو بَكْرٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ صَحَّ الْمَعْنَى وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ هَلْ هُوَ نَهْيُ تَنْزِيهٍ أَمْ مُحَرَّمٌ أَوْ مُجَرَّدُ أَدَبٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْأَصَحُّ الْأَشْهَرُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لِأَنَّهُ شِعَارٌ لِأَهْلِ الْبِدَعِ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ شِعَارِهِمْ وَالْمَكْرُوهُ هُوَ مَا وَرَدَ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَيُقَالُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَتْبَاعِهِ لِأَنَّ السَّلَفَ لَمْ يَمْنَعُوا مِنْهُ وَقَدْ أُمِرْنَا بِهِ فِي التَّشَهُّدِ وَغَيْرِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا السَّلَامُ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ وَلَا يُفْرَدُ بِهِ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَرَنَ بَيْنَهُمَا وَلَا يُفْرَدُ به غائب ولا يقال قال فلان عليه السلام وَأَمَّا الْمُخَاطَبَةُ بِهِ لِحَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ فَسُنَّةٌ فَيُقَالُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكَ أَوْ سَلَامٌ عليك أو عليكم والله أعلم

(فَاقْدُرُوا لَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا العدد وفي رواية فان غمي عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا فِي الْكِتَابِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى فَاقْدُرُوا لَهُ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَعْنَاهُ ضَيِّقُوا لَهُ وَقَدِّرُوهُ تَحْتَ السَّحَابِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يُجَوِّزُ صَوْمَ يَوْمِ لَيْلَةِ الْغَيْمِ عَنْ رَمَضَانَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شاء الله تعالى وقال بن سُرَيْجٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وبن قُتَيْبَةَ وَآخَرُونَ مَعْنَاهُ قَدِّرُوهُ بِحِسَابِ الْمَنَازِلِ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ قَدِّرُوا لَهُ تَمَامَ الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ قَدَّرْتُ الشَّيْءَ أُقَدِّرُهُ وَأَقْدُرُهُ وَقَدَّرْتُهُ وَأَقْدَرْتُهُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَهُوَ مِنَ التَّقْدِيرِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَمِنْهُ قَوْلُ الله تعالى فقدرنا فنعم القادرون وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ وهو تفسير لاقدروا لَهُ وَلِهَذَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي رِوَايَةٍ بَلْ تَارَةً يَذْكُرُ هَذَا وَتَارَةً يَذْكُرُ هَذَا وَيُؤَكِّدُهُ الرِّوَايَةُ السَّابِقَةُ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ قَالَ الْمَازِرِيُّ حَمَلَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فاقدروا له على أن المراد اكمال الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ كَمَا فَسَّرَهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالُوا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ حِسَابَ الْمُنَجِّمِينَ لِأَنَّ النَّاسَ لَوْ كُلِّفُوا بِهِ ضَاقَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا أَفْرَادٌ وَالشَّرْعُ إِنَّمَا يُعَرِّفُ النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُهُ جَمَاهِيرُهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ) فَمَعْنَاهُ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ غَيْمٌ يُقَالُ غُمَّ وَأُغْمِيَ وَغُمِّيَ وَغُمِيَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِهَا وَالْغَيْنُ مَضْمُومَةٌ فِيهِمَا وَيُقَالُ غُبِّيَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ وَقَدْ غَامَتِ السَّمَاءُ وَغَيَّمَتْ وَأَغَامَتْ وَتَغَيَّمَتْ وَأَغَمَّتْ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ وَلَا يوم الثلاثين

[1079] قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتَ الشَّيَاطِينُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (إِذَا كَانَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وسلسلت الشياطين) وفي رواية (اذا دَخَلَ رَمَضَانُ) فِيهِ دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ رَمَضَانُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الشَّهْرِ بِلَا كَرَاهَةٍ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ قَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يُقَالُ رَمَضَانُ عَلَى انْفِرَادِهِ بِحَالٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ شَهْرُ رَمَضَانَ هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَزَعَمَ هَؤُلَاءِ أَنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُطْلَقُ عَلَى غيره الا بقيد وقال أكثر أصحابنا وبن الْبَاقِلَّانِيِّ إِنْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ إِلَى الشَّهْرِ فَلَا كَرَاهَةَ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ قَالُوا فَيُقَالُ صُمْنَا رَمَضَانَ قُمْنَا رَمَضَانَ وَرَمَضَانُ أَفْضَلُ الْأَشْهُرِ وَيُنْدَبُ طَلَبُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي أَوَاخِرِ رَمَضَانَ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ وَلَا كَرَاهَةَ فِي هَذَا كُلِّهِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ جَاءَ رَمَضَانُ وَدَخَلَ وَحَضَرَ رَمَضَانُ وَأُحِبُّ رَمَضَانَ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ مَذْهَبُ الْبُخَارِيِّ وَالْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي إِطْلَاقِ رَمَضَانَ بِقَرِينَةٍ وَبِغَيْرِ قَرِينَةٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ هُوَ الصَّوَابُ

باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية

وَالْمَذْهَبَانِ الْأَوَّلَانِ فَاسِدَانِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِنَهْيِ الشَّرْعِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ وَقَوْلُهُمْ إِنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بصحيح ولم يصح في شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ جَاءَ فِيهِ أَثَرٌ ضَعِيفٌ وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ لَا تُطْلَقُ إِلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ اسْمٌ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ كَرَاهَةٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ وَلِهَذَا الْحَدِيثِ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ فِي إِطْلَاقِ رَمَضَانَ عَلَى الشَّهْرِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الشَّهْرِ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجنة وغلقت أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَأَنَّ تَفْتِيحَ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَتَغْلِيقَ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ وَتَصْفِيدَ الشَّيَاطِينِ عَلَامَةٌ لِدُخُولِ الشَّهْرِ وَتَعْظِيمٌ لِحُرْمَتِهِ وَيَكُونُ التَّصْفِيدُ لِيَمْتَنِعُوا مِنْ إِيذَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَالتَّهْوِيشِ عَلَيْهِمْ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمَجَازَ وَيَكُونَ إِشَارَةً إِلَى كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَالْعَفْوِ وان الشياطين يقل اغواؤهم وايذاؤهم ليصيرون كَالْمُصَفَّدِينَ وَيَكُونُ تَصْفِيدُهُمْ عَنْ أَشْيَاءَ دُونَ أَشْيَاءَ وَلِنَاسٍ دُونَ نَاسٍ وَيُؤَيِّدُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ صُفِّدَتْ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ قَالَ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَتْحُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ عِبَارَةً عَمَّا يَفْتَحُهُ اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ مِنَ الطَّاعَاتِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الَّتِي لَا تَقَعُ فِي غَيْرِهِ عُمُومًا كَالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ وَفِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَالِانْكِفَافِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ وَهَذِهِ أَسْبَابٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَأَبْوَابٌ لَهَا وَكَذَلِكَ تَغْلِيقُ أَبْوَابِ النَّارِ وَتَصْفِيدُ الشَّيَاطِينِ عِبَارَةٌ عَمَّا يَنْكَفُّونَ عَنْهُ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ وَمَعْنَى صُفِّدَتْ غُلِّلَتْ وَالصَّفَدُ بِفَتْحِ الْفَاءِ الْغُلُّ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَهُوَ مَعْنَى سُلْسِلَتْ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي أَوْ فِيهِ أَحْرُفٌ بِمَعْنَى كلامه (باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال) (وأنه اذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما) [1080] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ

فَاقْدُرُوا لَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنْ عَمِيَ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا فِي الْكِتَابِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى فَاقْدُرُوا لَهُ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَعْنَاهُ ضَيِّقُوا لَهُ وَقَدِّرُوهُ تَحْتَ السَّحَابِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يُجَوِّزُ صَوْمَ يَوْمِ لَيْلَةِ الْغَيْمِ من رَمَضَانَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وقال بن سُرَيْجٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وبن قُتَيْبَةَ وَآخَرُونَ مَعْنَاهُ قَدِّرُوهُ بِحِسَابِ الْمَنَازِلِ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ قَدِّرُوا لَهُ تَمَامَ الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ قَدَّرْتُ الشَّيْءَ أُقَدِّرُهُ وَأَقْدُرُهُ وَقَدَّرْتُهُ وَأَقْدَرْتُهُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَهُوَ مِنَ التَّقْدِيرِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَمِنْهُ قَوْلُ الله تعالى فقدرنا فنعم القادرون وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ وهو تفسير لاقدروا له لهذا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي رِوَايَةٍ بَلْ تَارَةً يَذْكُرُ هَذَا وَتَارَةً يَذْكُرُ هَذَا وَيُؤَكِّدُهُ الرِّوَايَةُ السَّابِقَةُ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ قَالَ الْمَازِرِيُّ حَمَلَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْدُرُوا له على أن المراد اكمال الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ كَمَا فَسَّرَهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالُوا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ حِسَابَ الْمُنَجِّمِينَ لِأَنَّ النَّاسَ لَوْ كُلِّفُوا بِهِ ضَاقَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا أَفْرَادٌ وَالشَّرْعُ إِنَّمَا يُعَرِّفُ النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُهُ جَمَاهِيرُهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ) فَمَعْنَاهُ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ غَيْمٌ يُقَالُ غُمَّ وَأُغْمِيَ وَغُمِّيَ وَغُمِيَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِهَا وَالْغَيْنُ مَضْمُومَةٌ فِيهِمَا وَيُقَالُ غُبِّيَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ وَقَدْ غَامَتِ السَّمَاءُ وَغَيَّمَتْ وَأَغَامَتْ وَتَغَيَّمَتْ وَأَغَمَّتْ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ وَلَا يوم الثلاثين

مِنْ شَعْبَانَ عَنْ رَمَضَانَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الثَّلَاثِينَ لَيْلَةَ غَيْمٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ) الْمُرَادُ رُؤْيَةُ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ بَلْ يَكْفِي جَمِيعَ النَّاسِ رُؤْيَةُ عَدْلَيْنِ وَكَذَا عَدْلٌ عَلَى الْأَصَحِّ هَذَا فِي الصَّوْمِ وَأَمَّا الْفِطْرُ فَلَا يَجُوزُ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ عَلَى هلال شَوَّالٍ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا أَبَا ثَوْرٍ فَجَوَّزَهُ بِعَدْلٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا) وَفِي رِوَايَةٍ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْهِلَالِ فَقَدْ يَكُونُ تَامًّا ثَلَاثِينَ وَقَدْ يَكُونُ نَاقِصًا تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَقَدْ لَا يُرَى الْهِلَالُ فَيَجِبُ إِكْمَالُ الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ قَالُوا وَقَدْ يَقَعُ النَّقْصُ مُتَوَالِيًا

فِي شَهْرَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَلَا يَقَعُ فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ اعْتِمَادِ الْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ فِي مِثْلِ هَذَا قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا) قَالَ الْعُلَمَاءُ أُمِّيَّةٌ بَاقُونَ عَلَى مَا وَلَدَتْنَا عَلَيْهِ الْأُمَّهَاتُ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ وَمِنْهُ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ وَقِيلَ هُوَ نِسْبَةٌ

إِلَى الْأُمِّ وَصِفَتِهَا لِأَنَّ هَذِهِ صِفَةُ النِّسَاءِ غالبا قوله (سمع بن عُمَرَ رَجُلًا يَقُولُ اللَّيْلَةُ النِّصْفُ فَقَالَ لَهُ وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّ اللَّيْلَةَ النِّصْفُ) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ مَعْنَاهُ أَنَّكَ لَا تَدْرِي أَنَّ اللَّيْلَةَ النِّصْفُ أَمْ لَا لِأَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَأَنْتَ أَرَدْتَ أَنَّ اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ الْيَوْمِ الَّذِي بِتَمَامِهِ يَتِمُّ النِّصْفُ وَهَذَا إِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِهِ وَلَا تَدْرِي أَنَّهُ تَامٌّ أَمْ لَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ) هُوَ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَكَسْرِ الْمِيمِ مُشَدَّدَةً وَمُخَفَّفَةً [1082] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم

(لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ) فِيهِ التَّصْرِيحُ بِالنَّهْيِ عَنِ اسْتِقْبَالِ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَيَوْمَيْنِ لِمَنْ لَمْ يُصَادِفْ عَادَةً لَهُ أَوْ يَصِلْهُ بِمَا قَبْلَهُ فَإِنْ لَمْ يَصِلْهُ وَلَا صَادَفَ عَادَةً فَهُوَ حَرَامٌ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلِلْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا صِيَامَ حَتَّى يَكُونَ رَمَضَانُ فَإِنْ وَصَلَهُ بِمَا قَبْلَهُ أَوْ صَادَفَ عَادَةً لَهُ فَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهُ صَوْمَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَنَحْوِهِ فَصَادَفَهُ فَصَامَهُ تَطَوُّعًا بِنِيَّةِ ذَلِكَ جَازَ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَسَوَاءٌ فِي النَّهْيِ عِنْدَنَا لِمَنْ لَمْ يُصَادِفْ عَادَتَهُ وَلَا وَصَلَهُ يَوْمُ الشَّكِّ وَغَيْرُهُ فَيَوْمُ الشَّكِّ دَاخِلٌ فِي النَّهْيِ وَفِيهِ مَذَاهِبُ لِلسَّلَفِ فِيمَنْ صَامَهُ تَطَوُّعًا وَأَوْجَبَ صَوْمَهُ عَنْ رَمَضَانَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ بِشَرْطِ

أن يكون هناك غيم والله أعلم [1083] قَوْلُهُ فِي حَلِفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِهِ شَهْرًا ثُمَّ دَخَلَ لما مضت تسع وعشرون ليلة ثم قَالَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ) وَفِي رِوَايَةٍ فَخَرَجَ الينا في تسعة وعشرين فقلنا له انما اليوم تسعة وَعِشْرُونَ وَفِي رِوَايَةٍ فَخَرَجَ إِلَيْنَا صَبَاحَ تِسْعٍ وعشرين فقال

إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَفِي رِوَايَةٍ فلما مضى تسع وَعِشْرُونَ يَوْمًا غَدَا عَلَيْهِمْ أَوْ رَاحَ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَعْنَاهُ كُلُّهُ بَعْدَ تَمَامِ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ فلما مضى تسع وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَقَوْلُهُ صَبَاحَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ أَيْ صَبَاحَ اللَّيْلَةِ الَّتِي بَعْدَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَهِيَ صَبِيحَةُ ثَلَاثِينَ وَمَعْنَى الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ كَمَا صَرَّحَ به في بعض هذا الرِّوَايَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم)

(بَابُ بَيَانِ أَنَّ لِكُلِّ بَلَدٍ رُؤْيَتَهُمْ) (وَأَنَّهُمْ إِذَا رَأَوُا الْهِلَالَ بِبَلَدٍ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ لِمَا بَعُدَ عَنْهُمْ) فِيهِ حَدِيثُ كُرَيْبٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الدَّلَالَةِ لِلتَّرْجَمَةِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا تَعُمُّ النَّاسَ بَلْ تَخْتَصُّ بِمَنْ قَرُبَ عَلَى مَسَافَةٍ لَا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ وَقِيلَ إِنِ اتَّفَقَ الْمَطْلَعُ لَزِمَهُمْ وَقِيلَ إِنِ اتَّفَقَ الْإِقْلِيمُ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَعُمُّ الرُّؤْيَةُ فِي مَوْضِعٍ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ فَعَلَى هَذَا نَقُولُ إِنَّمَا لَمْ يعمل بن عَبَّاسٍ بِخَبَرِ كُرَيْبٍ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ فَلَا تَثْبُتُ بِوَاحِدٍ لَكِنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِهِ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ لِهَذَا وَإِنَّمَا رَدَّهُ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهَا فِي حَقِّ الْبَعِيدِ [1087] قَوْلُهُ (وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ) هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ مِنَ اسْتَهَلَّ

(باب بيان أنه لا اعتبار بكبر الهلال وصغره)

(باب بيان أنه لا اعتبار بكبر الهلال وَصِغَرِهِ) (وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ فَإِنْ غُمَّ فَلْيُكْمَلْ ثَلَاثُونَ) فِيهِ حَدِيثُ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عن بن عباس وهو ظاهر الدلالة للترجمة [1088] وقوله (تَرَاءَيْنَا الْهِلَالَ) أَيْ تَكَلَّفْنَا النَّظَرَ إِلَى جِهَتِهِ لنراه قوله (عن بن عَبَّاسٍ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ) هَكَذَا هُوَ فِي بعضالنسخ وَفِي بَعْضِهَا فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ وَجَمِيعُ النُّسَخِ مُتَّفِقَةٌ عَلَى مَدِّهِ مِنْ غير ألف فيها وفي الرواية الثانية فقال بن عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَدَّهُ لِرُؤْيَتِهِ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ أَمَدَّهُ بِأَلِفٍ فِي أَوَّلِهِ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُهُمُ الْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ أَمَدَّهُ بِالتَّشْدِيدِ مِنَ الْإِمْدَادِ وَمَدَّهُ مِنَ الامتداد قال

(باب بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم شهرا عيد لا

الْقَاضِي وَالصَّوَابُ عِنْدِي بَقَاءُ الرِّوَايَةِ عَلَى وَجْهِهَا وَمَعْنَاهُ أَطَالَ مُدَّتَهُ إِلَى الرُّؤْيَةِ يُقَالُ مِنْهُ مَدَّ وَأَمَدَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ في الغي قُرِئَ بِالْوَجْهَيْنِ أَيْ يُطِيلُونَ لَهُمْ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ أَمَدَّهُ مِنَ الْمَدَّةِ الَّتِي جُعِلَتْ لَهُ قَالَ صَاحِبُ الْأَفْعَالِ أَمْدَدْتُكَهَا أَيْ أَعْطَيْتُكَهَا قَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ (عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ) هُوَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ التَّاءِ وَاسْمُهُ سعيد بن فيروز ويقال بن عمران ويقال بن أَبِي عِمْرَانَ الطَّائِيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ عَامَ الْجَمَاجِمِ (باب بَيَانِ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ) [1089] قوله صلى الله عليه وسلم (شهرا عيد لَا يَنْقُصَانِ رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ) الْأَصَحُّ أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصُ أَجْرُهُمَا وَالثَّوَابُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ نَقَصَ عَدَدُهُمَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصَانِ جَمِيعًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ غَالِبًا وَقِيلَ لَا يَنْقُصُ ثَوَابُ ذِي الْحِجَّةِ عَنْ ثَوَابِ رَمَضَانَ لِأَنَّ فِيهِ الْمَنَاسِكَ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ الْمُعْتَمَدُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَقَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَغَيْرَ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذِهِ الْفَضَائِلِ تَحْصُلُ سَوَاءٌ تَمَّ عَدَدُ رَمَضَانَ أم نقص والله أعلم

باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر

(باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر) (وأن له الأكل وغيره حتى يطلع الفجر وبيان صفة الفجر الذي تتعلق به الأحكام) (من الدخول في الصوم ودخول وقت صلاة الصبح وغير ذلك وهو الفجر الثاني) (ويسمى الصادق والمستطير وأنه لا أثر للفجر الأول في الأحكام وهو الفجر الكاذب) (المستطيل باللام كذنب السرحان وهو الذئب) [1090] قَوْلُهُ (عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ لَمَّا نَزَلَتْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسود من الفجر قَالَ لَهُ عَدِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَجْعَلُ تَحْتَ وِسَادَتِي عِقَالَيْنِ عِقَالًا أَبْيَضَ وَعِقَالًا أَسْوَدَ أَعْرِفُ اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ إِنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ) هَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ أَوْ أكثرها فَقَالَ لَهُ عَدِيٌّ وَفِي بَعْضِهَا قَالَ عَدِيٌّ بِحَذْفِ لَهُ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَمَنْ أَثْبَتَهَا أَعَادَ الضَّمِيرَ إِلَى مَعْلُومٍ أَوْ مُتَقَدِّمِ الذِّكْرِ عِنْدَ الْمُخَاطَبِ وَفِي أَكْثَرِ النُّسَخِ أَوْ كَثِيرٍ مِنْهَا إِنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ وَفِي بَعْضِهَا إِنَّ وِسَادَتَكَ لَعَرِيضٌ بِزِيَادَةِ تَاءٍ وَلَهُ وَجْهٌ أَيْضًا مَعَ قَوْلِهِ عَرِيضٌ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْوِسَادَةِ الْوِسَادُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَعَادَ الْوَصْفُ عَلَى الْمَعْنَى لَا عَلَى اللَّفْظِ وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ شُرُوحٌ أَحْسَنُهَا كَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٍ رَحِمَهُ الله تعالى قال انما أخذ العقالين وَجَعَلَهُمَا تَحْتَ رَأْسِهِ وَتَأَوَّلَ الْآيَةَ لِكَوْنِهِ سَبَقَ إِلَى فَهْمِهِ أَنَّ الْمُرَادَ

بِهَا هَذَا وَكَذَا وَقَعَ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ فَعَلَ فِعْلَهُ حَتَّى نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى مِنَ الْفَجْرِ فَعَلِمُوا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ وَسَوَادُ اللَّيْلِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا كَانَ حُكْمَ الشَّرْعِ أَوَّلًا ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى مِنَ الفجر كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الطَّحَاوِيُّ وَالدَّاوُدِيُّ قَالَ الْقَاضِي وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ فَعَلَهُ وَتَأَوَّلَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِطًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هُوَ مِنْ الْأَعْرَابِ وَمَنْ لَا فِقْهَ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ لُغَتِهِ اسْتِعْمَالُ الْخَيْطِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَلِهَذَا أَنْكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَدِيٍّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ إِنَّمَا هُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ وَسَوَادُ اللَّيْلِ قَالَ وَفِيهِ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمُشْتَرَكَةَ لَا يُصَارُ إِلَى الْعَمَلِ بِأَظْهَرِ وُجُوهِهَا وَأَكْثَرِ اسْتِعْمَالِهَا إِلَّا إِذَا عُدِمَ الْبَيَانُ وَكَانَ الْبَيَانُ حَاصِلًا بِوُجُودِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ الْفَجْرُ الصَّادِقُ وَالْخَيْطُ الْأَسْوَدُ اللَّيْلُ وَالْخَيْطُ اللَّوْنُ وَفِي هَذَا مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَ الْفَجْرِ هُوَ مِنَ النَّهَارِ لَا مِنَ اللَّيْلِ وَلَا فَاصِلَ بَيْنَهُمَا وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَحُكِيَ فِيهِ شَيْءٌ عَنِ الْأَعْمَشِ وَغَيْرِهِ لَعَلَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ إِنْ جَعَلْتَ تَحْتَ وِسَادَكَ الْخَيْطَيْنِ الَّذِينَ أَرَادَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَهُمَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فَوِسَادُكُ يَعْلُوهُمَا وَيُغَطِّيهِمَا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ عَرِيضًا وَهُوَ مَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا لِأَنَّ مَنْ يَكُونُ هَذَا وِسَادَهُ يَكُونُ عِظَمُ قَفَاهُ مَنْ نِسْبَتِهِ بِقَدْرِهِ وَهُوَ مَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِنَّكَ لَضَخْمٌ وَأَنْكَرَ الْقَاضِي قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ كِنَايَةٌ عَنِ الْغَبَاوَةِ أَوْ عَنِ السِّمَنِ لِكَثْرَةِ أَكْلِهِ إِلَى بَيَانِ الْخَيْطَيْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمُ الْمُرَادُ بِالْوِسَادِ النَّوْمُ أَيْ إِنَّ نَوْمَكَ كَثِيرٌ وَقِيلَ أَرَادَ

بِهِ اللَّيْلَ أَيْ مَنْ لَمْ يَكُنِ النَّهَارُ عِنْدَهُ إِلَّا إِذَا بَانَ لَهُ الْعِقَالَانِ طَالَ لَيْلُهُ وَكَثُرَ نَوْمُهُ وَالصَّوَابُ مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلَيْهِ الْخَيْطَ الْأَسْوَدَ وَالْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَلَا يَزَالُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رِئْيُهُمَا) هَذِهِ اللَّفْظَةُ ضبطت على ثلاثة أوجه أحدها رِئْيَهُمَا بِرَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ يَاءٍ وَمَعْنَاهُ مَنْظَرُهُمَا وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى أحسن أثاثا ورئيا وَالثَّانِي زِيُّهُمَا بِزَايٍ مَكْسُورَةٍ وَيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ بِلَا هَمْزَةٍ وَمَعْنَاهُ لَوْنُهُمَا وَالثَّالِثُ رَيُّهُمَا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا غَلَطٌ هُنَا لِأَنَّ الرَّيَّ التَّابِعُ مِنَ الْجِنِّ قَالَ فَإِنْ صَحَّ رِوَايَةً فَمَعْنَاهُ مَرْي وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1092] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا تَأْذِينَ بن أُمِّ مَكْتُومٍ) فِيهِ جَوَازُ الْأَذَانِ لِلصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَفِيهِ جَوَازُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَفِيهِ جَوَازُ أَذَانِ الْأَعْمَى قَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ جَائِزٌ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ بَصِيرٌ كَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ مَعَ بِلَالٍ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَصِيرٌ كُرِهَ لِلْخَوْفِ مِنْ غَلَطِهِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ أَذَانَيْنِ لِلصُّبْحِ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَالْآخَرُ بَعْدَ طُلُوعِهِ أَوَّلَ الطُّلُوعِ وَفِيهِ اعْتِمَادُ صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ وَسَائِرُ مَنْ يَقْبَلُ شَهَادَةَ الْأَعْمَى وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الشَّهَادَةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعِلْمُ وَلَا يَحْصُلُ عِلْمٌ بِالصَّوْتِ لِأَنَّ الْأَصْوَاتَ تَشْتَبِهُ وَأَمَّا الْأَذَانُ وَوَقْتُ الصَّلَاةِ فَيَكْفِي فِيهَا الظَّنُّ وَفِيهِ دَلِيلٌ لجواز

الْأَكْلِ بَعْدَ النِّيَّةِ وَلَا تَفْسُدُ نِيَّةُ الصَّوْمِ بِالْأَكْلِ بَعْدَهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ الْأَكْلَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَجُوزُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا سَابِقَةٌ وَأَنَّ الْأَكْلَ بَعْدَهَا لَا يَضُرُّ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ غَيْرِنَا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مَتَى أَكَلَ بَعْدَ النِّيَّةِ أَوْ جَامَعَ فَسَدَتْ وَوَجَبَ تَجْدِيدُهَا وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ صَوْمُهُ وَهَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ السُّحُورِ وَتَأْخِيرِهِ وَفِيهِ اتِّخَاذُ مُؤَذِّنَيْنِ لِلْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ جَازَ اتِّخَاذُ أَكْثَرِ مِنْهُمَا كَمَا اتَّخَذَ عُثْمَانُ أَرْبَعَةً وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى زِيَادَةٍ عَلَى أَرْبَعَةٍ فَالْأَصَحُّ اتِّخَاذُهُمْ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ قَوْلُهُ (وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا) قَالَ الْعُلَمَاءُ

مَعْنَاهُ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَيَتَرَبَّصُ بَعْدَ أَذَانِهِ لِلدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ يَرْقُبُ الفجر فاذا قارب طلوعه نزل فأخبر بن أم مكتوم فيتأهب بن أُمِّ مَكْتُومٍ بِالطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا ثُمَّ يَرْقَى وَيَشْرَعُ فِي الْأَذَانِ مَعَ أَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ أَوْ نِدَاءُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ قَالَ يُنَادِي لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَيُوقِظَ نَائِمَكُمْ) فَلَفْظَةُ قَائِمَكُمْ مَنْصُوبَةٌ مَفْعُولُ يَرْجِعَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ رجعك الله وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِنَّمَا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ لِيُعْلِمَكُمْ بِأَنَّ الْفَجْرَ لَيْسَ بِبَعِيدٍ فَيَرُدَّ الْقَائِمَ الْمُتَهَجِّدَ إِلَى رَاحَتِهِ لِيَنَامَ غَفْوَةً لِيُصْبِحَ نَشِيطًا أَوْ يُوتِرَ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْتَرَ أَوْ يَتَأَهَّبَ لِلصُّبْحِ إِنِ احْتَاجَ إِلَى طَهَارَةٍ أُخْرَى أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِهِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى عِلْمِهِ بِقُرْبِ الصُّبْحِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُوقِظَ نَائِمَكُمْ أَيْ لِيَتَأَهَّبَ لِلصُّبْحِ أَيْضًا بِفِعْلِ مَا أَرَادَ مِنْ تَهَجُّدٍ قَلِيلٍ أَوْ إِيتَارٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْتَرَ أَوْ سَحُورٍ إِنْ أَرَادَ الصَّوْمَ أَوِ اغْتِسَالٍ أَوْ وُضُوءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ قَبْلَ الْفَجْرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَةِ الْفَجْرِ (لَيْسَ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَصَوَّبَ يَدَهُ وَرَفَعَهَا حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا وَفَرَّجَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (إِنَّ الْفَجْرَ لَيْسَ الَّذِي يَقُولُ هَكَذَا وَجَمَعَ أَصَابِعَهُ ثُمَّ نَكَّسَهَا إِلَى الْأَرْضِ وَلَكِنَّ الَّذِي يَقُولُ هَكَذَا وَوَضَعَ الْمُسَبِّحَةَ عَلَى الْمُسَبِّحَةِ وَمَدَّ يَدَهُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى

(هُوَ الْمُعْتَرِضُ وَلَيْسَ بِالْمُسْتَطِيلِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (لَا يَغُرَّنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا بَيَاضُ الْأُفُقِ الْمُسْتَطِيلِ هَكَذَا حَتَّى يَسْتَطِيرَ هَكَذَا) قَالَ الرَّاوِي يَعْنِي مُعْتَرِضًا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بَيَانُ الْفَجْرِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ وَهُوَ الْفَجْرُ الثَّانِي الصَّادِقُ وَالْمُسْتَطِيرُ بِالرَّاءِ وَقَدْ سَبَقَ فِي تَرْجَمَةِ الْبَابِ بَيَانُ الْفَجْرَيْنِ وَفِيهَا أَيْضًا الْإِيضَاحُ فِي الْبَيَانِ وَالْإِشَارَةُ لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ فِي التَّعْلِيمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1094] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَغُرَّنَّ أَحَدَكُمْ نِدَاءُ بِلَالٍ مِنَ السَّحُورِ) ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا فَالْمَفْتُوحُ اسْمٌ

باب فضل السحور وتأكيد استحبابه

لِلْمَأْكُولِ وَالْمَضْمُومُ اسْمٌ لِلْفِعْلِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ هُنَا (باب فضل السحور وتأكيد استحبابه) (واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر) [1095] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً) رُوِيَ بِفَتْحِ السِّينِ مِنَ السَّحُورِ وَضَمِّهَا وَسَبَقَ قَرِيبًا بَيَانُهُمَا فِيهِ الْحَثُّ عَلَى السَّحُورِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَأَمَّا الْبَرَكَةُ الَّتِي فِيهِ فَظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ يُقَوِّي عَلَى الصِّيَامِ وَيُنَشِّطُ لَهُ وَتَحْصُلُ بِسَبَبِهِ الرَّغْبَةُ فِي الِازْدِيَادِ مِنَ الصِّيَامِ لِخِفَّةِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ عَلَى الْمُتَسَحِّرِ فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمُعْتَمَدُ فِي مَعْنَاهُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الِاسْتِيقَاظَ وَالذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الشَّرِيفِ وَقْتِ تَنْزُّلِ الرَّحْمَةِ وَقَبُولِ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَرُبَّمَا تَوَضَّأَ صَاحِبُهُ وَصَلَّى أَوْ أَدَامُ الِاسْتِيقَاظَ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ أَوَ التَّأَهُّبِ لَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ

[1096] قَوْلُهُ (عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَيٍّ) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ) مَعْنَاهُ الْفَارِقُ وَالْمُمَيِّزُ بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِهِمُ السُّحُورُ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَسَحَّرُونَ وَنَحْنُ يُسْتَحَبُّ لَنَا السُّحُورُ وَأَكْلَةُ السَّحَرِ هِيَ السَّحُورُ وَهِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَهَكَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَاتِ بِلَادِنَا وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ الْأَكْلِ كَالْغَدْوَةِ وَالْعَشْوَةِ وَإِنْ كَثُرَ الْمَأْكُولُ فِيهَا وَأَمَّا الْأُكْلَةُ بِالضَّمِّ فَهِيَ اللُّقْمَةُ وَادَّعَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ الرِّوَايَةَ فِيهِ بِالضَّمِّ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ رِوَايَةَ أَهْلِ بِلَادِهِمْ فِيهَا بِالضَّمِّ قَالَ وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ هُنَا [1097] قَوْلُهُ (تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قُمْنَا إِلَى الصَّلَاةِ قُلْتُ كَمْ بَيْنَهُمَا قَالَ خَمْسِينَ آيَةً) مَعْنَاهُ بَيْنَهُمَا قَدْرُ قِرَاءَةِ خَمْسِينَ آيَةً أَوْ أَنْ يَقْرَأَ

خَمْسِينَ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى تَأْخِيرِ السُّحُورِ إِلَى قُبَيْلِ الْفَجْرِ [1098] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لايزال النَّاسُ بِخَيْرِ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ) فِيهِ الْحَثُّ عَلَى تَعْجِيلِهِ بَعْدَ تَحَقُّقِ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَمَعْنَاهُ لَا يَزَالُ أَمْرُ الْأُمَّةِ مُنْتَظِمًا وَهُمْ بِخَيْرٍ مَا دَامُوا مُحَافِظِينَ عَلَى هَذِهِ السُّنَّةِ وَإِذَا أَخَّرُوهُ كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى فَسَادٍ يَقَعُونَ فيه قوله (لا يألوا عَنِ الْخَيْرِ) أَيْ لَا يَقْصُرُ عَنْهُ

(باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار)

(باب بَيَانِ وَقْتِ انْقِضَاءِ الصَّوْمِ وَخُرُوجِ النَّهَارِ) [1100] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ وَأَدْبَرَ النَّهَارُ وَغَابَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) مَعْنَاهُ انْقَضَى صَوْمُهُ وَتَمَّ وَلَا يُوصَفُ الْآنَ بِأَنَّهُ صَائِمٌ فَإِنَّ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ خَرَجَ النَّهَارُ وَدَخَلَ اللَّيْلُ وَاللَّيْلُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلصَّوْمِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ اللَّيْلُ وَأَدْبَرَ النَّهَارُ وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ الْعُلَمَاءُ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ يَتَضَمَّنُ الْآخَرَيْنِ وَيُلَازِمُهُمَا وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهَا لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي وَادٍ وَنَحْوِهِ بِحَيْثُ لَا يُشَاهِدُ غُرُوبَ الشَّمْسِ فَيَعْتَمِدُ إِقْبَالَ الظَّلَامِ وَإِدْبَارَ الضِّيَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1101] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا فَنَزَلَ فَجَدَحَ) هُوَ بِجِيمٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَهُوَ خَلْطُ الشَّيْءِ بِغَيْرِهِ وَالْمُرَادُ هُنَا خلط السويق بالماء وتحريكه حتى يستوى والمجدح بِكَسْرِ الْمِيمِ عُودٌ

مُجَنَّحُ الرَّأْسِ لِيُسَاطَ بِهِ الْأَشْرِبَةُ وَقَدْ يَكُونُ له ثلاث شعب قَوْلُهُ (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ قَالَ لِرَجُلٍ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ فَقَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا قَالَ إِنَّ عَلَيْنَا نَهَارًا فَنَزَلَ فَجَدَحَ فَشَرِبَ ثُمَّ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ إِلَى آخِرِهِ) مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا صِيَامًا وَكَانَ ذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَدْحِ لِيُفْطِرُوا فَرَأَى الْمُخَاطَبُ آثَارَ الضِّيَاءِ وَالْحُمْرَةِ الَّتِي بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَظَنَّ أَنَّ الْفِطْرَ لَا يَحِلُّ إِلَّا بَعْدَ ذَهَابِ ذَلِكَ وَاحْتَمَلَ عِنْدَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرَهَا فَأَرَادَ تَذْكِيرَهُ وَإِعْلَامَهُ بِذَلِكَ وَيُؤَيِّدُ

(باب النهي عن الوصال في الصوم)

هَذَا قَوْلُهُ إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا لِتَوَهُّمِهِ أَنَّ ذَلِكَ الضَّوْءَ مِنَ النَّهَارِ الَّذِي يَجِبُ صَوْمُهُ وَهُوَ مَعْنَى لَوْ أَمْسَيْتَ أَيْ تَأَخَّرْتَ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسَاءُ وَتَكْرِيرُهُ الْمُرَاجَعَةَ لِغَلَبَةِ اعْتِقَادِهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ نَهَارٌ يَحْرُمُ فِيهِ الْأَكْلُ مَعَ تَجْوِيزِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْظُرْ إِلَى ذَلِكَ الضَّوْءِ نَظَرًا تَامًّا فَقَصَدَ زِيَادَةَ الْإِعْلَامِ بِبَقَاءِ الضَّوْءِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَتَفْضِيلِهِ عَلَى الْفِطْرِ لِمَنْ لَا تَلْحَقُهُ بِالصَّوْمِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ وَفِيهِ بَيَانُ انْقِضَاءِ الصَّوْمِ بِمُجَرَّدِ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَاسْتِحْبَابُ تَعْجِيلِ الْفِطْرِ وَتَذْكِيرُ الْعَالِمِ مَا يُخَافُ أَنْ يَكُونَ نَسِيَهُ وَأَنَّ الْفِطْرَ عَلَى التَّمْرِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ لَوْ تَرَكَهُ جَازَ وَأَنَّ الْأَفْضَلَ بَعْدَهُ الْفِطْرُ عَلَى الْمَاءِ وَقَدْ جَاءَ هَذَا التَّرْتِيبُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ فِي الْأَمْرِ بِالْفِطْرِ عَلَى تَمْرٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ فَإِنَّهُ طَهُورٌ (باب النَّهْيِ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْوِصَالِ وَهُوَ صَوْمُ يَوْمَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ غَيْرِ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ بَيْنَهُمَا وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا عَلَى كَرَاهَتِهِ وَلَهُمْ فِي هَذِهِ الْكَرَاهَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَالثَّانِي كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَبِالنَّهْيِ عَنْهُ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي

أَحَادِيثِ الْوِصَالِ فَقِيلَ النَّهْيُ عَنْهُ رَحْمَةٌ وَتَخْفِيفٌ فَمَنْ قَدَرَ فَلَا حَرَجَ وَقَدْ وَاصَلَ جَمَاعَةٌ من السلف الأيام قال وأجازه بن وَهْبٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إِلَى السَّحَرِ ثُمَّ حُكِيَ عَنِ الْأَكْثَرِينَ كَرَاهَتَهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْوِصَالُ مِنَ الْخَصَائِصِ الَّتِي أُبِيحَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَرُمَتْ عَلَى الْأُمَّةِ وَاحْتُجَّ لِمَنْ أَبَاحَهُ بِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ مُسْلِمٍ نَهَاهُمْ عَنِ الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ وَفِي بَعْضِهَا لَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوُا الْهِلَالَ فَقَالَ لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلَالُ لَزِدْتُكُمْ وَفِي بَعْضِهَا لَوْ مُدَّ لَنَا الشَّهْرُ لَوَاصَلْنَا وِصَالًا يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِعُمُومِ النَّهْيِ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُوَاصِلُوا وَأَجَابُوا عَلَى قَولِهِ رَحْمَةً بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ كَوْنُهُ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِلتَّحْرِيمِ وَسَبَبُ تَحْرِيمِهِ الشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ لِئَلَّا يَتَكَلَّفُوا مَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا الْوِصَالُ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا فَاحْتُمِلَ لِلْمَصْلَحَةِ فِي تَأْكِيدِ زَجْرِهِمْ وَبَيَانِ الْحِكْمَةِ فِي نَهْيِهِمْ وَالْمَفْسَدَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْوِصَالِ وَهِيَ الْمَلَلُ مِنَ الْعِبَادَةِ وَالتَّعَرُّضُ لِلتَّقْصِيرِ فِي بَعْضِ وَظَائِفِ الدِّينِ مِنْ إِتْمَامِ الصَّلَاةِ بِخُشُوعِهَا وَأَذْكَارِهَا وَآدَابِهَا وَمُلَازَمَةِ الْأَذْكَارِ وَسَائِرِ الْوَظَائِفِ الْمَشْرُوعَةِ فِي نَهَارِهِ وَلَيْلِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1103] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي) مَعْنَاهُ يَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى فِيَّ قُوَّةَ الطَّاعِمِ الشَّارِبِ وَقِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُ يُطْعَمُ مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ كَرَامَةً لَهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ

لَوْ أَكَلَ حَقِيقَةً لَمْ يَكُنْ مُوَاصِلًا وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا التَّأْوِيلَ وَيَقْطَعُ كُلَّ نِزَاعٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذَا إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي وَلَفْظَةُ ظَلَّ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي النَّهَارِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ الْحَقِيقِيُّ فِي النَّهَارِ بِلَا شَكٍّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَاكْلَفُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ) هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَمَعْنَاهُ خُذُوا وَتَحَمَّلُوا [1104] قَوْلُهُ (فَلَمَّا حَسَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّا خَلْفَهُ جَعَلَ يَتَجَوَّزُ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ دَخَلَ رَحْلَهُ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ حَسَّ بغير ألف ويقع في طرق بعض النُّسَخِ أَحَسَّ بِالْأَلِفِ وَهَذَا هُوَ الْفَصِيحُ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَأَمَّا حَسَّ بِحَذْفِ الْأَلِفِ فَلُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَصِحُّ عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ وَقَوْلُهُ يَتَجَوَّزُ أَيْ يُخَفِّفُ وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْجَائِزِ الْمُجْزِي مَعَ بَعْضِ الْمَنْدُوبَاتِ وَالتَّجَوُّزُ هُنَا لِلْمَصْلَحَةِ وَقَوْلُهُ دَخَلَ رَحْلَهُ أَيْ مَنْزِلَهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ رَحْلُ الرَّجُلِ عِنْدَ الْعَرَبِ هُوَ مَنْزِلُهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ وَبَرٍ أَوْ شَعْرٍ وَغَيْرِهَا

(أي أظل عليه فيستفاد من هذه الرواية دلالة للمذهب

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَا وَاللَّهِ لَوْ تَمَادَّ لِيَ الشَّهْرُ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ وَفِي بَعْضِهَا تَمَادَى وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَهُوَ بِمَعْنَى مُدَّ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ) هُمُ الْمُشَدِّدُونَ فِي الْأُمُورِ الْمُجَاوِزُونَ الْحُدُودَ فِي قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ النَّضْرِ (وَاصَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ) كَذَا هُوَ فِي كُلِّ النُّسَخِ بِبِلَادِنَا وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ أَكْثَرِ النُّسَخِ قَالَ وَهُوَ وَهَمٌ مِنَ الرَّاوِي وَصَوَابُهُ آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَكَذَا رَوَاهُ بَعْضُ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ وَلِبَاقِي الْأَحَادِيثِ [1105] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ ظَلَّ يَفْعَلُ كَذَا إِذَا عَمِلَهُ فِي النَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ وَبَاتَ يَفْعَلُ كَذَا إِذَا عَمِلَهُ فِي اللَّيْلِ وَمِنْهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ ... وَلَقَدْ أَبِيتُ عَلَى الطَّوَى وَأَظَلُّهُ ... (أَيْ أَظَلُّ عَلَيْهِ فَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ دَلَالَةٌ لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي تَأْوِيلِ أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي لِأَنَّ ظَلَّ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي النَّهَارِ)

(باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَكْلًا حَقِيقِيًّا فِي النَّهَارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْقُبْلَةَ فِي الصَّوْمِ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى مَنْ لَمْ تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْقُبْلَةُ فِي الصَّوْمِ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى مَنْ لَمْ تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ لَكِنَ الْأَوْلَى لَهُ تَرْكُهَا وَلَا يُقَالُ إِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ لَهُ وَإِنَّمَا قَالُوا إِنَّهَا خِلَافُ الْأَوْلَى فِي حَقِّهِ مَعَ ثُبُوتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْمَنُ فِي حَقِّهِ مُجَاوَزَةُ حَدِّ الْقُبْلَةِ وَيُخَافُ عَلَى غَيْرِهِ مُجَاوَزَتُهَا كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ وَأَمَّا مَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ فَهِيَ حَرَامٌ فِي حَقِّهِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَقِيلَ مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ قَالَ الْقَاضِي قَدْ قَالَ بِإِبَاحَتِهَا لِلصَّائِمِ مُطْلَقًا جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُدُ وَكَرِهَهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ مَالِكٌ وَقَالَ بن عَبَّاسٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ تُكْرَهُ لِلشَّابِّ دُونَ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مالك وروى بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إِبَاحَتَهَا فِي صَوْمِ النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ الْمَنِيُّ بِالْقُبْلَةِ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي السُّنَنِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ مُقَدِّمَةُ الشُّرْبِ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهَا لَا تُفْطِرُ وَكَذَا الْقُبْلَةُ مُقَدِّمَةٌ لِلْجِمَاعِ فَلَا تُفْطِرُ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ وغيره عن بن مَسْعُودٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ مَنْ قَبَّلَ قَضَى يَوْمًا مَكَانَ يَوْمِ الْقُبْلَةِ [1106] قَوْلُهُ (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ إِحْدَى نِسَائِهِ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ تَضْحَكُ) قَالَ الْقَاضِي قِيلَ يَحْتَمِلُ ضَحِكُهَا

التَّعَجُّبَ مِمَّنْ خَالَفَ فِي هَذَا وَقِيلَ التَّعَجُّبُ مِنْ نَفْسِهَا حَيْثُ جَاءَتْ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي يُسْتَحْيَ مِنْ ذِكْرِهِ لَا سِيَّمَا حَدِيثُ الْمَرْأَةِ بِهِ عَنْ نَفْسِهَا لِلرِّجَالِ لَكِنَّهَا اضْطُرَّتْ إِلَى ذِكْرِهِ لِتَبْلِيغِ الْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ فَتَتَعَجَّبُ مِنْ ضَرُورَةِ الْحَالِ الْمُضْطَرَّةِ لَهَا إِلَى ذَلِكَ وَقِيلَ ضَحِكَتْ سُرُورًا بِتَذَكُّرِ مَكَانِهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَالِهَا مَعَهُ وَمُلَاطَفَتِهِ لَهَا قَالَ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا ضَحِكَتْ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا صَاحِبَةُ الْقِصَّةِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الثِّقَةِ بِحَدِيثِهَا قَوْلُهُ (فَسَكَتَ سَاعَةً) أَيْ لِيَتَذَكَّرَ قَوْلُهَا وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُ إِرْبَهُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ رَوَوْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَشْهَرُهُمَا رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ إِرْبَهُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وَالثَّانِي بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَمَعْنَاهُ بِالْكَسْرِ الْوَطَرُ وَالْحَاجَةُ وَكَذَا بِالْفَتْحِ وَلَكِنَّهُ يُطْلَقُ الْمَفْتُوحُ أَيْضًا عَلَى الْعُضْوِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ تُرْوَى عَلَى وَجْهَيْنِ الْفَتْحِ وَالْكَسْرِ قَالَ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ حَاجَةُ النَّفْسِ وَوَطَرُهَا يُقَالُ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ إِرْبٌ وَأَرَبٌ وَإِرْبَةٌ وَمَأْرَبَةٌ أَيْ حَاجَةٌ قَالَ وَالْإِرْبُ أَيْضًا الْعُضْوُ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى كَلَامِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَكُمُ الِاحْتِرَازُ عَنِ الْقُبْلَةِ وَلَا تَتَوَهَّمُوا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ مِثْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اسْتِبَاحَتِهَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَيَأْمَنُ الْوُقُوعَ فِي قُبْلَةٍ يَتَوَلَّدُ مِنْهَا إِنْزَالٌ أَوْ شَهْوَةٌ أَوْ هَيَجَانُ نَفْسٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ

وَأَنْتُمْ لَا تَأْمَنُونَ ذَلِكَ فَطَرِيقُكُمُ الِانْكِفَافُ عَنْهَا وَفِيهِ جَوَازُ الْإِخْبَارِ عَنْ مِثْلِ هَذَا مِمَّا يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْجُمْلَةِ لِلضَّرُورَةِ وَأَمَّا فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ قَوْلُهَا (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ) مَعْنَى الْمُبَاشَرَةِ هُنَا اللَّمْسُ بِالْيَدِ وَهُوَ مِنَ الْتِقَاءِ الْبَشَرَتَيْنِ قَوْلُهُ (دَخَلَا عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِيَسْأَلَانِهَا) كَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ لِيَسْأَلَانِهَا بِاللَّامِ وَالنُّونِ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ يَسْأَلَانِهَا بحذف

اللَّامِ وَهَذَا وَاضِحٌ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْعَرَبِيَّةِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهُ) هَذَا الْإِسْنَادُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمْ يَحْيَى وَأَبُو سَلَمَةَ وَعُمَرُ وَعُرْوَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ الْحَرِيرِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ (عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ) هُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْقَافِ قَوْلُهَا (يُقَبِّلُ فِي شَهْرِ الصَّوْمِ) يَعْنِي فِي حَالِ الصيام

[1107] قَوْلُهُ (عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ) أَمَّا شُتَيْرٌ فَبِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقَ مَفْتُوحَةٍ وَأَمَّا شَكَلٌ فَبِشِينٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ كَافٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ سَكَّنَ الْكَافَ وَالْمَشْهُورُ فَتْحُهَا [1108] قَوْلُهُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَشَدُّكُمْ خَشْيَةً لَهُ) سَبَبُ قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ جَوَازَ التَّقْبِيلِ لِلصَّائِمِ مِنْ خَصَائِصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيمَا يَفْعَلُ لِأَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا وَقَالَ أَنَا أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَشَدُّكُمْ خَشْيَةً فَكَيْفَ تَظُنُّونَ بِي أَوْ تُجَوِّزُونَ عَلَيَّ ارْتِكَابَ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَنَحْوِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضِبَ حِينَ قَالَ الْقَائِلُ هَذَا الْقَوْلَ وَجَاءَ فِي الْمُوَطَّأِ فِيهِ يُحِلُّ اللَّهُ

((باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب))

لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ((باب صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ)) [1109] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ فِي قَصَصِهِ مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فَلَا يَصُمْ قَالَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ لِأَبِيهِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فَسَأَلَهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِلَى آخِرِهِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ لِأَبِيهِ وَهُوَ صَحِيحٌ مَلِيحٌ وَمَعْنَاهُ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ لِأَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَوْلُهُ لِأَبِيهِ بَدَلٌ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِإِعَادَةِ حَرْفِ الْجَرِّ قَالَ القاضي ووقع في رواية بن ماهان فذكر ذلك عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِأَبِيهِ وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْحَارِثَ وَالِدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ فِي وِلَايَةِ مَرْوَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَالْحَارِثُ تُوُفِّيَ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فَلَا يَصُمْ) ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ حِينَ بَلَغَهُ قَوْلُ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُصْبِحُ جُنُبًا وَيُتِمُّ صَوْمَهُ رَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ قَوْلِهِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ رَوَاهُ عَنِ الْفَضْلِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَعَلَّ سَبَبَ رُجُوعِهِ أَنَّهُ تَعَارَضَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَانِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا وَتَأَوَّلَ أَحَدَهُمَا وَهُوَ قَوْلُهُ مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فَلَا يَصُمْ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ أَفْطَرَ فَتَأَوَّلَهُ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ مِنَ

الْأَوْجُهِ فِي تَأْوِيلِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهَذَا مُتَأَوَّلٌ رَجَعَ عَنْهُ وَكَانَ حَدِيثُ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ أَوْلَى بِالِاعْتِمَادِ لِأَنَّهُمَا أَعْلَمُ بِمِثْلِ هَذَا مِنْ غَيْرِهِمَا وَلِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْقُرْآنِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْأَكْلَ وَالْمُبَاشَرَةَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسود من الفجر وَالْمُرَادُ بِالْمُبَاشَرَةِ الْجِمَاعُ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وابتغوا ما كتب الله لكم وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِذَا جَازَ الْجِمَاعُ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ لَزِمَ مِنْهُ أَنْ يُصْبِحَ جُنُبًا وَيَصِحَّ صومه لقوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل وَإِذَا دَلَّ الْقُرْآنُ وَفِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَوَازِ الصَّوْمِ لِمَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا وَجَبَ الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ الْفَضْلِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَوَابُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ إِرْشَادٌ إِلَى الْأَفْضَلِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَوْ خَالَفَ جَازَ وَهَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَجَوَابُهُمْ عَنِ الْحَدِيثِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ الِاغْتِسَالُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَفْضَلَ وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافُهُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَيَكُونُ فِي حَقِّهِ حِينَئِذٍ أَفْضَلَ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْبَيَانَ لِلنَّاسِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْبَيَانِ وَهَذَا كَمَا تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الثَّلَاثَ أَفْضَلُ وَهُوَ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ وَتَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ وَطَافَ عَلَى الْبَعِيرِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّوَافَ سَاعِيًا أَفْضَلُ وَهُوَ الَّذِي تَكَرَّرَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَالْجَوَابُ الثَّانِي لَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ مُجَامِعًا فَاسْتَدَامَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ عَالِمًا فَإِنَّهُ يفطر ولا صوم له والثالث جواب بن الْمُنْذِرِ فِيمَا رَوَاهُ عَنِ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْسُوخٌ وَأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ حِينَ كَانَ الْجِمَاعُ مُحَرَّمًا فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ كَمَا كَانَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ مُحَرَّمًا ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَكَانَ يُفْتِي بِمَا عَلِمَهُ حَتَّى بَلَغَهُ النَّاسِخُ فرجع إليه قال بن الْمُنْذِرِ هَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَبِضَمِّ اللَّامِ وَإِسْكَانِهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ بِجَوَازِ الِاحْتِلَامِ عَلَى

الْأَنْبِيَاءِ وَفِيهِ خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ الْأَشْهَرُ امْتِنَاعُهُ قَالُوا لِأَنَّهُ مِنْ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ وَهُمْ مُنَزَّهُونَ عَنْهُ وَيَتَأَوَّلُونَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ وَلَا يَجْنُبُ مِنَ احْتِلَامٍ لِامْتِنَاعِهِ مِنْهُ وَيَكُونُ قَرِيبًا مِنْ مَعْنَى قَوْلِ الله تعالى ويقتلون النبيين بغير حق وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَتْلَهُمْ لَا يَكُونُ بِحَقٍّ قَوْلُهُ (عَزَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا ذَهَبْتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ) أَيْ أَمَرْتُكَ أَمْرًا جَازِمًا عَزِيمَةً مُحَتَّمَةً وَأَمْرُ وُلَاةِ الْأُمُورِ تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ قَوْلُهُ (فَرَدَّ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ إِلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ) فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنَ الْفَضْلِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَخْبَرَنِيهِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَفِي رِوَايَةٍ أَخْبَرَنِيهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ الْفَضْلِ وَأُسَامَةَ أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ هَذِهِ الْأَمْصَارِ عَلَى صِحَّةِ صَوْمِ الْجُنُبِ سَوَاءٌ كَانَ مِنَ احْتِلَامٍ أَوْ جِمَاعٍ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَحُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ إِبْطَالُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ هُنَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَقِيلَ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ وليس بشيء وحكى عن طاوس وعروة والنخعى أن علم بجنابته لم يصح والا فيصح وحكى مثله عن أبي هريرة وَحُكِيَ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُ يُجْزِيهِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ دُونَ الْفَرْضِ وَحُكِيَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ يَصُومُهُ وَيَقْضِيهِ ثُمَّ ارْتَفَعَ هَذَا الْخِلَافُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ هَؤُلَاءِ عَلَى صِحَّتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ الْخِلَافِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ لِأَهْلِ الْأُصُولِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ حُجَّةٌ عَلَى كُلِّ مُخَالِفٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فِي اللَّيْلِ ثُمَّ طَلَعَ الْفَجْرُ قَبْلَ اغْتِسَالِهِمَا صَحَّ صَوْمُهُمَا وَوَجَبَ عَلَيْهِمَا إِتْمَامُهُ سَوَاءٌ تَرَكَتْ الْغُسْلَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا

بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ كَالْجُنُبِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِمَّا لَا نَعْلَمُ صَحَّ عَنْهُ أَمْ لَا قَوْلُهُ (أَبُو طُوَالَةَ) هُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ المهملة

(باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم)

(بَابُ تَغْلِيظِ تَحْرِيمِ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَلَى الصَّائِمِ) (وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ الْكُبْرَى فِيهِ وَبَيَانِهَا وَأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ) (وَتَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْمُعْسِرِ حَتَّى يَسْتَطِيعَ) فِي الْبَابِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمُجَامِعِ امْرَأَتَهُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ إِذَا جَامَعَ عَامِدًا جِمَاعًا أَفْسَدَ بِهِ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَةُ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ سَلِيمَةٍ مِنَ الْعُيُوبِ الَّتِي تَضُرُّ بِالْعَمَلِ إِضْرَارًا بَيِّنًا فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا فَصَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنَ فَإِنْ عَجَزَ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ وَهُوَ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ فَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنِ اسْتَطَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ حَدِيثَ هَذَا الْمُجَامِعِ ظَاهِرٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِعَجْزِهِ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

إِنَّ الْكَفَّارَةَ ثَابِتَةٌ فِي ذِمَّتِهِ بَلْ أَذِنَ لَهُ فِي إِطْعَامِ عِيَالِهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَسْقُطُ بَلْ تَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُمَكَّنَ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الدُّيُونِ وَالْحُقُوقِ وَالْمُؤَاخَذَاتِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ اسْتِقْرَارِ الْكَفَّارَةِ بَلْ فِيهِ دَلِيلٌ لِاسْتِقْرَارِهَا لِأَنَّهُ أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَفَّارَةِ بِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنِ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ ثُمَّ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقِ التَّمْرِ فَأَمَرَهُ بِإِخْرَاجِهِ فَلَوْ كَانَتْ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِخْرَاجِهِ فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِهَا فِي ذِمَّتِهِ وَإِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي إِطْعَامِ عِيَالِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا وَمُضْطَرًّا إِلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى عِيَالِهِ فِي الْحَالِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى التَّرَاخِي فَأَذِنَ لَهُ فِي أَكْلِهِ وَإِطْعَامِ عِيَالِهِ وَبَقِيَتِ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ بَقَاءَهَا فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأُصُولِيِّينَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ وَحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ وَفِيهَا أَقْوَالٌ وَتَأْوِيلَاتٌ أُخَرُ ضَعِيفَةٌ وَأَمَّا الْمُجَامِعُ نَاسِيًا فَلَا يُفْطِرُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَلِأَصْحَابِ مَالِكٍ خِلَافٌ فِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَقَالَ أَحْمَدُ يُفْطِرُ وَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَقَالَ عَطَاءٌ وَرَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ دَلِيلُنَا أَنَّ الْحَدِيثَ صَحَّ أَنَّ أَكْلَ النَّاسِي لَا يُفْطِرُ وَالْجِمَاعُ فِي مَعْنَاهُ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْكَفَّارَةِ فِي الْجِمَاعِ فَإِنَّمَا هِيَ فِي جِمَاعِ الْعَامِدِ وَلِهَذَا قَالَ فِي بَعْضِهَا هَلَكْتُ وفي بعضها احترقت احترقت وهذا لايكون إِلَّا فِي عَامِدٍ فَإِنَّ النَّاسِيَ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ [1111] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً) رَقَبَةً مَنْصُوبٌ بَدَلٌ مِنْ مَا قَوْلُهُ (فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ وَاللُّغَةِ وَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ ثُمَّ قَالَ وَرَوَاهُ كَثِيرٌ مِنْ شُيُوخِنَا وَغَيْرُهُمْ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ قَالَ وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ وَيُقَالُ لِلْعَرَقِ الزَّبِيلُ بِفَتْحِ الزَّايِ مِنْ غَيْرِ نُونٍ وَالزِّنْبِيلُ بِكَسْرِ الزَّايِ وَزِيَادَةِ نُونٍ وَيُقَالُ لَهُ الْقُفَّةُ والمكتل بكسر الميم وفتح التاء المثناة فوق والسفيفة بفتح

السين المهملة وبالفائين قال القاضي قال بن دُرَيْدٍ سُمِّيَ زَبِيلًا لِأَنَّهُ يُحْمَلُ فِيهِ الزِّبْلُ وَالْعَرَقُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا يَسْعُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَهِيَ سِتُّونَ مُدًّا لِسِتِّينَ مِسْكِينًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ قَوْلُهُ (قَالَ أَفْقَرَ مِنَّا) كَذَا ضَبَطْنَاهُ أَفْقَرَ بِالنَّصْبِ وَكَذَا نَقَلَ الْقَاضِي أَنَّ الرِّوَايَةَ فِيهِ بِالنَّصْبِ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ تَقْدِيرُهُ أَتَجِدُ أَفْقَرَ مِنَّا أَوْ أَتُعْطِي قَالَ وَيَصِحُّ رَفْعُهُ عَلَى تَقْدِيرِ هَلْ أَحَدٌ أَفْقَرُ مِنَّا كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ بَعْدَهُ أَغْيَرُنَا كَذَا ضَبَطْنَاهُ بِالرَّفْعِ وَيَصِحُّ النَّصْبُ عَلَى مَا سَبَقَ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَقَدْ ضَبَطْنَا الثَّانِيَ بِالنَّصْبِ أَيْضًا فَهُمَا جَائِزَانِ كَمَا سَبَقَ تَوْجِيهُهُمَا قَوْلُهُ (فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) هُمَا الْحَرَّتَانِ وَالْمَدِينَةُ بين حرتين والحرة الأرض الملبسة حجارة سودا وَيُقَالُ لَابَةٌ وَلُوبَةٌ وَنَوْبَةٌ بِالنُّونِ حَكَاهُنَّ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْجَوْهَرِيُّ وَمَنْ لَا يُحْصَى مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالُوا وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَسْوَدِ لُوبِيٌّ وَنُوبِيٌّ بِاللَّامِ وَالنُّونِ قَالُوا وَجَمْعُ اللَّابَةِ لُوَبٌ وَلَابٌ وَلَابَاتٌ وَهِيَ غَيْرُ مَهْمُوزَةٍ قَوْلُهُ (وَهُوَ الزِّنْبِيلُ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِكَسْرِ الزَّايِ وَبَعْدَهَا نُونٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا قَوْلُهُ (إِنَّ رَجُلًا وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ) كَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَفِي

بعضها واقع امرأته وكلاهما صحيح قوله (أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا) لَفْظَةُ أَوْ هُنَا لِلتَّقْسِيمِ لَا لِلتَّخْيِيرِ تَقْدِيرُهُ يُعْتِقَ أَوْ يَصُومَ إِنْ عَجَزَ عَنِ الْعِتْقِ أَوْ يُطْعِمَ إِنْ عَجَزَ عَنْهُمَا وَتُبَيِّنُهُ الرِّوَايَاتُ الْبَاقِيَةُ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ دَلَالَةٌ لِأَبِي حنيفة ومن يقول يجزئ عِتْقُ كَافِرٍ عَنْ كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ وَالظِّهَارِ وَإِنَّمَا يَشْتَرِطُونَ الرَّقَبَةَ الْمُؤْمِنَةَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ لِأَنَّهَا مَنْصُوصٌ عَلَى وَصْفِهَا بِالْإِيمَانِ فِي الْقُرْآنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ يُشْتَرَطُ الْإِيمَانُ فِي جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ تَنْزِيلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ذَلِكَ فَالشَّافِعِيُّ يَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُخَالِفُهُ [1112] قَوْلُهُ (احْتَرَقْتُ) فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْمَجَازِ وَأَنَّهُ لَا إِنْكَارَ عَلَى مُسْتَعْمِلِهِ قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (تصدق تصدق) هذا التصدق مُطْلَقٌ وَجَاءَ مُقَيَّدًا فِي الرِّوَايَاتِ السَّابِقَةِ بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَذَلِكَ سِتُّونَ مُدًّا وَهِيَ خَمْسَةَ عشر صاعا

قَوْلُهُ (فَجَاءَهُ عَرَقَانِ فِيهِمَا طَعَامٌ فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ) هَذَا أَيْضًا مُطْلَقٌ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا سَبَقَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) فِيهِ حُجَّةٌ لِمَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ وَأُجْمِعَ عَلَيْهِ فِي الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ التَّتَابُعِ فِي صيام هذين الشهرين حكى عن بن أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا) فِيهِ حُجَّةٌ لَنَا وَلِلْجُمْهُورِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ

(باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير

العلماء في الاعصار المتأخرة وهو اشتراط طعام سِتِّينَ مِسْكِينًا وَحُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ إِطْعَامُ أَرْبَعِينَ مِسْكَيْنًا عِشْرِينَ صَاعًا ثُمَّ جُمْهُورُ الْمُشْتَرِطِينَ سِتِّينَ قَالُوا لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ وَهُوَ رُبُعُ صَاعٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ (بَابُ جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ) (إِذَا كَانَ سَفَرُهُ مَرْحَلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَأَنَّ الْأَفْضَلَ لِمَنْ أَطَاقَهُ بِلَا ضَرَرٍ أَنْ يَصُومَ) (وَلِمَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ لَا يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ فَإِنْ صَامَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَلِحَدِيثِ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ وَقَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَجَمِيعُ أَهْلِ الْفَتْوَى يَجُوزُ صَوْمُهُ فِي السَّفَرِ وَيَنْعَقِدُ وَيُجْزِيهِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ أَمِ الْفِطْرَ أَمْ هُمَا سَوَاءٌ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ الصَّوْمُ أَفْضَلُ لِمَنْ أَطَاقَهُ بِلَا مَشَقَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَلَا ضَرَرَ فَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ وَاحْتَجُّوا بِصَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ وَغَيْرِهِمَا وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فِي الْحَالِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمُ الْفِطْرُ أَفْضَلُ مُطْلَقًا وَحَكَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ غَرِيبٌ وَاحْتَجُّوا بِمَا سَبَقَ لِأَهْلِ الظَّاهِرِ وَبِحَدِيثِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ الْمَذْكُورِ فِي مُسْلِمٍ فِي آخِرِ الْبَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ الْفِطْرِ وَأَجَابَ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِيمَنْ يَخَافُ ضَرَرًا أَوْ يَجِدُ مَشَقَّةً كَمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْأَحَادِيثِ وَاعْتَمَدُوا حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ قَالَ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ فَلَا يَجِدُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا

الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأَفْطَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي تَرْجِيحِ مَذْهَبِ الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ تَفْضِيلُ الصَّوْمِ لِمَنْ أَطَاقَهُ بِلَا ضَرَرٍ وَلَا مَشَقَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْفِطْرُ وَالصَّوْمُ سَوَاءٌ لِتَعَادُلِ الْأَحَادِيثِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1113] قَوْلُهُ (خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ ثُمَّ أَفْطَرَ) يَعْنِي بِالْفَتْحِ فَتْحَ مَكَّةَ وَكَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الهجرة والكديد بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ عَيْنٌ جَارِيَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سَبْعُ مَرَاحِلَ أَوْ نَحْوُهَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ قَرِيبٌ مِنْ مَرْحَلَتَيْنِ وَهِيَ أَقْرَبُ إِلَى الْمَدِينَةِ مِنْ عُسْفَانَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْكَدِيدُ عَيْنٌ جَارِيَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا مِنْ مَكَّةَ قَالَ وَعُسْفَانُ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ بِهَا مِنْبَرٌ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا مِنْ مَكَّةَ قَالَ وَالْكَدِيدُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ قَدِيدٍ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ وَادٍ أَمَامَ عُسْفَانَ بِثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ يُضَافُ إِلَيْهِ هَذَا الْكُرَاعُ وَهُوَ جَبَلٌ أَسْوَدُ مُتَّصِلٌ بِهِ والكراع كُلُّ أَنْفٍ سَالَ مِنْ جَبَلٍ أَوْ حَرَّةٍ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا كُلُّهُ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ فِي غَزَاةِ الْفَتْحِ قَالَ وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْمَوَاضِعُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لِتَقَارُبِهَا وَإِنْ كَانَتْ عُسْفَانُ مُتَبَاعِدَةً شَيْئًا عَنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَكِنَّهَا كُلَّهَا مُضَافَةٌ إِلَيْهَا وَمِنْ عَمَلِهَا فَاشْتَمَلَ اسْمُ عُسْفَانَ عَلَيْهَا قَالَ وَقَدْ يَكُونُ عَلِمَ حَالَ النَّاسِ وَمَشَقَّتَهُمْ فِي بَعْضِهَا فَأَفْطَرَ وَأَمَرَهُمْ بِالْفِطْرِ فِي بَعْضِهَا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهُوَ كَمَا قَالَ إِلَّا فِي مَسَافَةِ عُسْفَانَ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهَا عَلَى أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ وَكُلُّ بَرِيدٍ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ وَكُلُّ فَرْسَخٍ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ فَالْجُمْلَةُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ قَوْلُهُ (فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ ثُمَّ أَفْطَرَ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ جَائِزَانِ وَفِيهِ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَهُ أَنْ يَصُومَ بَعْضَ رَمَضَانَ دُونَ بَعْضٍ وَلَا يَلْزَمُهُ بِصَوْمِ بَعْضِهِ إِتْمَامُهُ وَقَدْ غَلِطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي فَهْمِ هَذَا الْحَدِيثِ فَتَوَهَّمَ أَنَّ الْكَدِيدَ وَكُرَاعَ الْغَمِيمِ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَنَّ قَوْلَهُ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ وَكُرَاعَ الْغَمِيمِ كَانَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ مِنَ الْمَدِينَةِ فَزَعَمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ صَائِمًا فَلَمَّا بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فِي يَوْمِهِ أَفْطَرَ فِي نَهَارٍ وَاسْتَدَلَّ بِهِ

هَذَا الْقَائِلُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا سَافَرَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ صَائِمًا لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي يَوْمِهِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفِطْرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِمَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ فِي السَّفَرِ وَاسْتِدْلَالُ هَذَا الْقَائِلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْعَجَائِبِ الْغَرِيبَةِ لِأَنَّ الْكَدِيدَ وَكُرَاعَ الْغَمِيمِ عَلَى سَبْعِ مَرَاحِلَ أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَكَانَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّبِعُونَ الْأَحْدَثَ فَالْأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا عَلِمُوا مِنْهُ النَّسْخَ أَوْ رُجْحَانَ الثَّانِي مَعَ جَوَازِهِمَا وَإِلَّا فَقَدْ طَافَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعِيرِهِ وَتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَنَظَائِرُ ذَلِكَ مِنَ الْجَائِزَاتِ الَّتِي عَمِلَهَا مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ قَلِيلَةً لِبَيَانِ جَوَازِهَا وَحَافَظَ

على الأفضل منها قوله (قال بن عَبَّاسٍ فَصَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفْطَرَ فَمَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ فِي جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ جَمِيعًا [1114] قَوْلُهُ (فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ) هَكَذَا هُوَ مُكَرَّرٌ مَرَّتَيْنِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ أَوْ أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالْفِطْرِ أَمْرًا جَازِمًا لِمَصْلَحَةِ بيان جوازه

فَخَالَفُوا الْوَاجِبَ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَكُونُ الصَّائِمُ الْيَوْمَ فِي السَّفَرِ عَاصِيًا إِذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ وَيُؤَيِّدُ التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ [1115] قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى رَجُلًا قَدِ اجْتَمَعَ عليه الناس وقد ظلل عليه فقال ماله قَالُوا رَجُلٌ صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ) مَعْنَاهُ إِذَا شَقَّ عَلَيْكُمْ وَخِفْتُمُ الضَّرَرَ وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي هَذَا التَّأْوِيلَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُبَيِّنَةٌ لِلرِّوَايَاتِ الْمُطْلَقَةِ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ وَمَعْنَى الْجَمِيعِ فِيمَنْ تَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ (فَصَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ) ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسِتَّ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ وَفِي رِوَايَةٍ

لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ وَفِي رِوَايَةٍ فِي ثِنْتَيْ عَشْرَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِسَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ تِسْعَ عَشْرَةَ وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْمَغَازِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ مِنَ الْمَدِينَةِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ وَدَخَلَهَا لِتِسْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْهُ وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ

قَوْلَهُ (فَتَحَزَّمَ الْمُفْطِرُونَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا فَتَحَزَّمَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ أَكْثَرِ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ وَوَقَعَ لِبَعْضِهِمْ فَتَخَدَّمَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ وَادَّعَوْا أَنَّهُ صَوَابُ الْكَلَامِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَخْدُمُونَ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ أَيْضًا وَلِصِحَّتِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا مَعْنَاهُ شَدُّوا أَوْسَاطَهُمْ لِلْخِدْمَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ اسْتِعَارَةٌ لِلِاجْتِهَادِ فِي الْخِدْمَةِ وَمِنْهُ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ اجْتَهَدَ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ مِنَ الْحَزْمِ وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ وَالْأَخْذُ بِالْقُوَّةِ وَالِاهْتِمَامِ بِالْمَصْلَحَةِ [1120] قَوْلُهُ (وَهُوَ مَكْثُورٌ

عليه) أي عنده كثيرون من الناس قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ صُمْ إِنْ شِئْتَ وَأَفْطِرْ إِنْ شِئْتَ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ جَائِزَانِ وَأَمَّا الْأَفْضَلُ مِنْهُمَا فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ وَسَرْدَهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِمَنْ لَا يَخَافُ مِنْهُ ضَرَرًا وَلَا يُفَوِّتُ بِهِ حَقًّا بِشَرْطِ فِطْرِ يَوْمَيِ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِسَرْدِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ بَلْ أَقَرَّهُ عَلَيْهِ وَأَذِنَ لَهُ فِيهِ فِي السَّفَرِ فَفِي الْحَضَرِ أَوْلَى وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يُطِيقُ السَّرْدَ بِلَا ضَرَرٍ وَلَا تَفْوِيتِ حَقٍّ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ وَأَمَّا إِنْكَارُهُ صَلَّى الله عليه وسلم على بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ صَوْمَ الدَّهْرِ فَلِأَنَّهُ عَلِمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَيَضْعُفُ عَنْهُ وَهَكَذَا جَرَى فَإِنَّهُ ضَعُفَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَكَانَ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْعَمَلَ الدَّائِمَ وَإِنْ قَلَّ وَيَحُثُّهُمْ عَلَيْهِ [1121] قَوْلُهُ (عَنْ أبي مراوح

هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ واسمه سعد

(باب استحباب الفطر للحاج بعرفات يوم عرفة)

(بَابُ اسْتِحْبَابِ الْفِطْرِ لِلْحَاجِّ بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ عَرَفَةَ) مذَهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ اسْتِحْبَابُ فِطْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ لِلْحَاجِّ وَحَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ بن عفان وبن عمر والثوري قال وكان بن الزُّبَيْرِ وَعَائِشَةُ يَصُومَانِهِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَكَانَ إِسْحَاقُ يَمِيلُ إِلَيْهِ وَكَانَ عَطَاءٌ يَصُومُهُ فِي الشِّتَاءِ دُونَ الصَّيْفِ وَقَالَ قَتَادَةُ لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا لَمْ يَضْعُفْ عَنِ الدُّعَاءِ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِفِطْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالْحَاجِّ فِي آدَابِ الْوُقُوفِ وَمُهِمَّاتِ الْمَنَاسِكِ وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ بِالْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ أَنَّ صَوْمَ عَرَفَةَ كَفَّارَةٌ سَنَتَيْنِ وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى مَنْ لَيْسَ هُنَاكَ [1123] قَوْلُهُ (إِنَّ أُمَّ الْفَضْلِ امْرَأَةَ الْعَبَّاسِ أَرْسَلَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرٍ بِعَرَفَةَ فَشَرِبَهُ) فِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا اسْتِحْبَابُ الْفِطْرِ لِلْوَاقِفِ بِعَرَفَةَ وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ الْوُقُوفِ رَاكِبًا وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا وَلَنَا قَوْلٌ أَنَّ غَيْرَ الرُّكُوبِ أَفْضَلُ وَقِيلَ إِنَّهُمَا

سَوَاءٌ وَمِنْهَا جَوَازُ الشُّرْبِ قَائِمًا وَرَاكِبًا وَمِنْهَا إِبَاحَةِ الْهَدِيَّةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهَا إِبَاحَةُ قَبُولِ هَدِيَّةِ الْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ الْمَوْثُوقِ بدينها ولا يشترط أَنْ يَسْأَلَ هَلْ هُوَ مِنْ مَالِهَا أَمْ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا أَوْ أَنَّهُ أَذِنَ فِيهِ أَمْ لَا إِذَا كَانَتْ مَوْثُوقًا بِدِينِهَا وَمِنْهَا أَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرْأَةِ فِي مَالِهَا جَائِزٌ وَلَا يُشْتَرَطُ إِذْنُ الزَّوْجِ سَوَاءٌ تَصَرَّفَتْ فِي الثُّلُثِ أَوْ أَكْثَرَ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَتَصَرَّفْ فِيمَا فَوْقَ الثُّلُثِ إِلَّا باذنه وهو موضع الدَّلَالَةِ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَلْ هَلْ هُوَ مِنْ مَالِهَا وَيَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ أَوْ بِإِذْنِ الزَّوْجِ أَمْ لَا وَلَوِ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ لَسَأَلَ قَوْلُهُ (عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) وَفِي رِوَايَتَيْنِ مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ وَفِي رِوَايَةٍ مَوْلَى بن عَبَّاسٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ حَقِيقَةً ويقال له مولى بن عَبَّاسٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ هُوَ مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ حَقِيقَةً وَيُقَالُ لَهُ مَوْلَى بن عَبَّاسٍ لِمُلَازِمَتِهِ لَهُ وَأَخْذِهِ عَنْهُ وَانْتِمَائِهِ إِلَيْهِ كَمَا قَالُوا فِي أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هانيء بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُونَ أَيْضًا مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ

(باب صوم يوم عاشوراء)

قَالُوا لِلُزُومِهِ إِيَّاهُ وَانْتِمَائِهِ إِلَيْهِ وَقَرِيبٌ مِنْهُ مقسم مولى بن عَبَّاسٍ لَيْسَ هُوَ مَوْلَاهُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا قِيلَ مولى بن عَبَّاسٍ لِلُزُومِهِ إِيَّاهُ قَوْلُهُ (فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ مَيْمُونَةُ بِحِلَابِ اللَّبَنِ) هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْإِنَاءُ الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ وَيُقَالُ لَهُ الْمِحْلَبُ بِكَسْرِ الْمِيمِ (باب صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ) اتَّفَقَ العلماء على أن صوم يوم عاشوراء اليوم سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حِينَ شُرِعَ صَوْمُهُ قَبْلَ صَوْمِ رَمَضَانَ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَانَ وَاجِبًا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ مَشْهُورَيْنِ أَشْهَرُهُمَا عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ سُنَّةً مِنْ حِينِ شُرِعَ وَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا قَطُّ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَكِنَّهُ كَانَ مُتَأَكِّدَ الِاسْتِحْبَابِ فَلَمَّا نَزَلَ صَوْمُ رَمَضَانَ صَارَ مُسْتَحَبًّا دُونَ ذَلِكَ الِاسْتِحْبَابِ وَالثَّانِي كَانَ وَاجِبًا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ مِنَ اللَّيْلِ فَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَشْتَرِطُهَا وَيَقُولُ كَانَ النَّاسُ مُفْطِرِينَ أَوَّلَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ ثُمَّ أُمِرُوا بِصِيَامِهِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِقَضَائِهِ بَعْدَ صَوْمِهِ وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ يَقُولُونَ كَانَ مُسْتَحَبًّا فَصَحَّ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ وَيَتَمَسَّكُ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ أَمَرَ بِصِيَامِهِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَبِقَوْلِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَيَحْتَجُّ الشَّافِعِيَّةُ بِقَوْلِهِ هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَالْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ عَاشُورَاءَ وَتَاسُوعَاءَ مَمْدُودَانِ وَحُكِيَ قَصْرُهُمَا [1125] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ مُتَحَتِّمًا

فَأَبُو حَنِيفَةَ يُقَدِّرُهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَالشَّافِعِيَّةُ يُقَدِّرُونَهُ لَيْسَ مُتَأَكِّدًا أَكْمَلَ التَّأْكِيدِ وَعَلَى الْمَذْهَبَيْنِ فَهُوَ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ الْآنَ مِنْ حِينَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْكَلَامَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَقُولُ كَانَ صوم عاشوراء فرض وَهُوَ بَاقٍ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ لَمْ يُنْسَخْ قَالَ وَانْقَرَضَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا وَحَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَرُوِيَ عَنِ بن عُمَرَ كَرَاهَةُ قَصْدِ صَوْمِهِ وَتَعْيِينِهِ بِالصَّوْمِ وَالْعُلَمَاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَتَعْيِينِهِ لِلْأَحَادِيثِ وَأَمَّا قَوْلُ بن مَسْعُودٍ كُنَّا نَصُومُهُ ثُمَّ تُرِكَ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ كَمَا كَانَ مِنَ الْوُجُوبِ وَتَأَكَّدَ النَّدْبُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ (إِنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ أَمَرَ

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيَامِهِ حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ) ضَبَطُوا أَمَرَ هُنَا بِوَجْهَيْنِ أَظْهَرُهُمَا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ

وَالْمِيمِ وَالثَّانِي بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي عِيَاضٌ غَيْرَهُ [1129] وأما قولُ مُعَاوِيَةَ (أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ) إِلَى آخِرِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ سَمِعَ مَنْ يُوجِبُهُ أَوْ يُحَرِّمُهُ أَوْ يَكْرَهُهُ فَأَرَادَ إِعْلَامَهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مُحَرَّمٍ وَلَا مَكْرُوهٍ وَخَطَبَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِهَذَا الْيَوْمِ هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُفْطِرَ فَلْيُفْطِرْ) هَذَا كُلُّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا

جَاءَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ [1130] قَوْلُهُ (فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ) وَفِي رِوَايَةٍ فَسَأَلَهُمْ الْمُرَادُ بِالرِّوَايَتَيْنِ أَمْرَ مَنْ سَأَلَهُمْ وَالْحَاصِلُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ وَالْيَهُودُ يَصُومُونَهُ وَجَاءَ الْإِسْلَامُ بِصِيَامِهِ مُتَأَكِّدًا ثُمَّ

بَقيَ صَوْمُهُ أَخَفَّ مِنْ ذَلِكَ التَّأَكُّدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَيُلْبِسُونَ نِسَاءَهُمْ فِيهِ حُلِيَّهُمْ وَشَارَتَهُمْ) الشَّارَةُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بِلَا هَمْزٍ وَهِيَ الْهَيْئَةُ الْحَسَنَةُ وَالْجَمَالُ أَيْ يُلْبِسُونَهُنَّ لِبَاسَهُمُ الْحَسَنَ الْجَمِيلَ وَيُقَالُ لَهَا الشَّارَةُ وَالشُّورَةُ بِضَمِّ الشِّينِ وَأَمَّا الْحَلْيُ فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ مُفْرَدٌ وَجَمْعُهُ حُلِيٌّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَالضَّمُّ أَشْهَرُ وَأَكْثَرُ وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى الضَّمِّ وَاللَّامُ مَكْسُورَةٌ وَالْيَاءُ مُشَدَّدَةٌ فِيهِمَا قَوْلُهُ (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ وَقَالُوا إِنَّ مُوسَى صَامَهُ وَإِنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي نَجَوْا فِيهِ مِنْ فِرْعَوْنَ وَغَرِقَ فِرْعَوْنُ فَصَامَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ وَقَالَ نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْهُمْ) قال

الْمَازِرِيُّ خَبَرُ اليهُودِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِصِدْقِهِمْ فِيمَا قَالُوهُ أَوْ تَوَاتَرَ عِنْدَهُ النَّقْلُ بِذَلِكَ حَتَّى حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَدًّا عَلَى الْمَازِرِيِّ قَدْ رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُهُ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ فَلَمْ يَحْدُثْ لَهُ بِقَوْلِ الْيَهُودِ حُكْمٌ يَحْتَاجُ إِلَى الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هِيَ صِفَةُ حَالٍ وَجَوَابُ سُؤَالٍ فَقَوْلُهُ صَامَهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ ابْتَدَأَ صَوْمَهُ حِينَئِذٍ بِقَوْلِهِمْ وَلَوْ كَانَ هَذَا لَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ كَابْنِ سَلَامٍ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي وقد قال قَالَ بَعْضُهُمْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُهُ بِمَكَّةَ ثُمَّ تَرَكَ صِيَامَهُ حَتَّى عَلِمَ مَا عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيهِ فَصَامَهُ قَالَ الْقَاضِي وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى بِلَفْظِ الحديث قلت المختار قوله الْمَازِرِيِّ وَمُخْتَصَرُ ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُهُ كَمَا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي مَكَّةَ ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَهُ فَصَامَهُ أَيْضًا بِوَحْيٍ أَوْ تَوَاتُرٍ أَوِ اجْتِهَادٍ لَا بِمُجَرَّدِ أَخْبَارِ آحَادِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ هُوَ تَاسِعُ الْمُحَرَّمِ وأن النبي

(كان يصوم التاسع) [1134] وفي الرواية الأخرى (عن بن عباس أن

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَصُومُ التَّاسِعَ) [1134] وفي الرواية الأخرى (عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هذا تصريح من بن عَبَّاسٍ بِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنَ الْمُحَرَّمٍ وَيَتَأَوَّلُهُ عَلَى أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ إِظْمَاءِ الْإِبِلِ فَإِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْيَوْمَ الْخَامِسَ مِنْ أَيَّامِ الْوِرْدِ رَبْعًا وَكَذَا بَاقِي الْأَيَّامِ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ فَيَكُونُ التَّاسِعُ عَشْرًا وَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى أَنَّ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَخَلَائِقُ وَهَذَا ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَمُقْتَضَى اللَّفْظِ وأمَّا تَقْدِيرُ أَخْذِهِ مِنَ الاظماء فبعيد ثم ان حديث بن عَبَّاسٍ الثَّانِي يَرُدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ عَاشُورَاءَ فَذَكَرُوا أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى تَصُومُهُ فَقَالَ إِنَّهُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ يَصُومُ التَّاسِعَ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الَّذِي كَانَ يَصُومُهُ لَيْسَ هُوَ التَّاسِعُ فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ الْعَاشِرَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَآخَرُونَ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ التَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ جَمِيعًا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ الْعَاشِرَ وَنَوَى صِيَامَ التَّاسِعِ وَقَدْ سَبَقَ في)

صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَلَعَلَّ السَّبَبَ فِي صَوْمِ التَّاسِعِ مَعَ الْعَاشِرِ أَنْ لَا يَتَشَبَّهَ بِالْيَهُودِ فِي إِفْرَادِ الْعَاشِرِ وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى هَذَا وَقِيلَ لِلِاحْتِيَاطِ فِي تَحْصِيلِ عَاشُورَاءَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1135] قَوْلُهُ (مَنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ فَلْيَصُمْ وَمَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ إِلَى اللَّيْلِ) وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ مَعْنَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ مَنْ كَانَ نَوَى الصَّوْمَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَمَنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ وَلَمْ يَأْكُلْ أَوْ أَكَلَ فَلْيمسِكْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ حُرْمَةً لِلْيَوْمِ كَمَا لَوْ أَصْبَحَ يَوْمَ الشَّكِّ مُفْطِرًا ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ يَجِبُ إِمْسَاكُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ حُرْمَةً لِلْيَوْمِ وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِمَذْهَبِهِ أَنَّ صَومَ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْفَرْضِ يَجُوزُ نِيَّتُهُ فِي النَّهَارِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَبْيِيتُهَا قَالَ لِأَنَّهُمْ نَوَوْا فِي النَّهَارِ وَأَجْزَأَهُمْ قَالَ الْجُمْهُورُ لَا يَجُوزُ رَمَضَانُ وَلَا غَيْرُهُ مِنَ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ إِلَّا بِنِيَّةٍ مِنَ اللَّيْلِ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ إِمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ لا حقيقة

(باب تحريم صوم يومي العيدين)

الصَّوْمِ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّهُمْ أَكَلُوا ثُمَّ أُمِرُوا بِالْإِتْمَامِ وَقَدْ وَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ شَرْطَ إِجْزَاءِ النِّيَّةِ فِي النَّهَارِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَهَا مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ مِنْ أَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَجَوَابٌ آخَرُ أَنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَإِنَّمَا كَانَ سُنَّةً مُتَأَكِّدَةً وَجَوَابٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ يُجْزِيهِمْ وَلَا يَقْضُونَهُ بَلْ لَعَلَّهُمْ قَضَوْهُ وَقَدْ جَاءَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَأَتَمُّوا بَقِيَّةَ يَوْمٍ وَأَقْضَوْهُ [1136] قَوْلُهُ (اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ) هُوَ الصُّوفُ مُطْلَقًا وَقِيلَ الصُّوفُ الْمَصْبُوغُ قَوْلُهُ (فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ عِنْدَ الْإِفْطَارِ قَالَ الْقَاضِي فِيهِ مَحْذُوفٌ وَصَوَابُهُ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ فَبِهَذَا يَتِمُّ الْكَلَامُ وَكَذَا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ وَهُوَ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَإِذَا سَأَلُونَا الطَّعَامَ أَعْطَيْنَاهُمُ اللُّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ حَتَّى يُتِمُّوا صَوْمَهُمْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَمْرِينُ الصِّبْيَانِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَتَعْوِيدُهُمُ الْعِبَادَاتِ وَلَكِنَّهُمْ لَيْسُوا مُكَلَّفِينَ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُمْ مَتَى أَطَاقُوا الصَّوْمَ وَجَبَ عَلَيْهِمْ وَهَذَا غَلَطٌ مَرْدُودٌ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَفِي رِوَايَةٍ يَبْلُغَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ تَحْرِيمِ صَوْمِ يَوْمَيِ الْعِيدَيْنِ) فِيهِ (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم

نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى) وعن بن عُمَرَ نَحْوُهُ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ صَوْمِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ صَامَهُمَا عَنْ نَذْرٍ أَوْ تَطَوُّعٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَهُمَا مُتَعَمِّدًا لِعَيْنِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُمَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُمَا قَالَ فَإِنْ صَامَهُمَا أَجْزَاهُ وَخَالَفَ النَّاسَ كُلَّهُمْ فِي ذَلِكَ [1137] قَوْلُهُ (شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَجَاءَ فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ إِنَّ هَذَيْنِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صِيَامِهِمَا) فِيهِ تَقْدِيمُ صَلَاةِ الْعِيدِ عَلَى خُطْبَتِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي بَابِهِ وَفِيهِ تَعْلِيمُ الْإِمَامِ فِي خُطْبَتِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الْعِيدِ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ مِنْ مَأْمُورٍ بِهِ وَمَنْهِيٍّ عَنْهُ قَوْلُهُ (يَوْمَ فِطْرِكُمْ) أَيْ أَحَدُهُمَا يوم فطركم

[1139] قوله (جاء رجل إلى بن عُمَرَ فَقَالَ إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا فوافق يوم أضحى أو فطر فقال بن عُمَرَ أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ وَنَهَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ هذا اليوم) معناه أن بن عُمَرَ تَوَقَّفَ عَنِ الْجَزْمِ بِجَوَابِهِ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ عِنْدَهُ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ الْعِيدِ مُعَيَّنًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا وَأَمَّا هَذَا الَّذِي نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ مَثَلًا فَوَافَقَ يَوْمَ الْعِيدِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ صَوْمُ الْعِيدِ بِالْإِجْمَاعِ وَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ فِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ وَفِيهِ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَمْ يَتَنَاوَلِ الْقَضَاءَ وَإِنَّمَا يَجِبُ قَضَاءُ الْفَرَائِضِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَكَذَلِكَ لَوْ صَادَفَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ فِي الْأَصَحِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيَحْتَمِلُ أن بن عُمَرَ عَرَضَ لَهُ بِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ لَكَ الْقَضَاءُ لِتَجْمَعَ بَيْنَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(باب تحريم صوم أيام التشريق)

(بَابُ تَحْرِيمِ صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) (وَبَيَانُ أَنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) [1141] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ) وَفِي رِوَايَةٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِي رِوَايَةٍ أَيَّامُ مِنًى وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا بِحَالٍ وَهُوَ أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قال أبو حنيفة وبن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يَجُوزُ صيامها لكل أحد تطوعا وغيره حكاه بن المنذر عن الزبير بن العوام وبن عمر وبن سِيرِينَ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَالشَّافِعِيُّ فِي أحد قوليه يجوز صومها للمتمتع إِذَا لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ قَالَا لَمْ يُرَخِّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٌ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَشْرِيقِ النَّاسِ لُحُومَ الْأَضَاحِي فِيهَا وَهُوَ تَقْدِيدُهَا وَنَشْرُهَا فِي الشَّمْسِ وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الْإِكْثَارِ مِنَ الذِّكْرِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ مِنَ التَّكْبِيرِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ) هُوَ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ نُبَيْشَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بن سلمة

(باب كراهة إفراد يوم الجمعة بصوم لا يوافق عادته)

(بَابُ كَرَاهَةِ إِفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِصَوْمٍ لَا يُوَافِقُ عَادَتَهُ) [1143] قَوْلُهُ (سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَنَهَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ نَعَمْ وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ) [1144] وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ (لَا تَخْتَصُّوا

لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ) هَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِإِثْبَاتِ تَاءٍ فِي الْأَوَّلِ بَيْنَ الْخَاءِ وَالصَّادِ وَبِحَذْفِهَا فِي الثَّانِي وَهُمَا صَحِيحَانِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الدَّلَالَةُ الظَّاهِرَةُ لقول جمهور أصحاب الشافعي وموافقيهم أنه يُكْرَهُ إِفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ عَادَةً لَهُ فَإِنْ وَصَلَهُ بِيَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ وَافَقَ عَادَةً لَهُ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ شِفَاءِ مَرِيضِهِ أَبَدًا فَوَافَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَمْ يُكْرَهْ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَمَنْ بِهِ يُقْتَدَى نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَصِيَامُهُ حَسَنٌ وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَصُومُهُ وَأَرَاهُ كَانَ يَتَحَرَّاهُ فَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الَّذِي رَآهُ وَقَدْ رَأَى غَيْرُهُ خِلَافَ مَا رَأَى هُوَ وَالسُّنَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَا رَآهُ هُوَ وَغَيْرُهُ وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَيَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِهِ وَمَالِكٌ مَعْذُورٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ قَالَ الدَّاوُدِيُّ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ لَمْ يَبْلُغْ مَالِكًا هَذَا الْحَدِيثُ وَلَوْ بَلَغَهُ لَمْ يُخَالِفْهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنْهُ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمُ دُعَاءٍ وَذِكْرٍ وَعِبَادَةٍ مِنَ الْغُسْلِ وَالتَّبْكِيرِ إِلَى الصَّلَاةِ وَانْتِظَارِهَا وَاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ وَإِكْثَارِ الذِّكْرِ بَعْدَهَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشَرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كثيرا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَادَاتِ فِي يَوْمِهَا فَاسْتُحِبَّ الْفِطْرُ فِيهِ فَيَكُونُ أَعْوَنَ لَهُ عَلَى هَذِهِ الْوَظَائِفِ وَأَدَائِهَا بِنَشَاطٍ وَانْشِرَاحٍ لَهَا وَالْتِذَاذٍ بِهَا مِنْ غَيْرِ مَلَلٍ وَلَا سَآمَةٍ وَهُوَ نَظِيرُ الْحَاجِّ يَوْمَ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ فَإِنَّ السُّنَّةَ لَهُ الْفِطْرُ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ لِهَذِهِ الْحِكْمَةِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَزَلِ النَّهْيُ وَالْكَرَاهَةُ بِصَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِبَقَاءِ الْمَعْنَى فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِفَضِيلَةِ الصَّوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ مَا يَجْبُرُ مَا قَدْ يَحْصُلُ مِنْ فُتُورٍ أَوْ تَقْصِيرٍ فِي وَظَائِفِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِسَبَبِ صَوْمِهِ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْحِكْمَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ إِفْرَادِ صَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقِيلَ سَبَبُهُ خَوْفُ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِهِ بِحَيْثُ يُفْتَتَنُ بِهِ كَمَا افْتُتِنَ قَوْمٌ بِالسَّبْتِ وَهَذَا ضَعِيفٌ مُنْتَقَضٌ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ مَشْهُورٌ مِنْ وَظَائِفِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَتَعْظِيمِهِ وَقِيلَ سَبَبُ النَّهْيِ لِئَلَّا يُعْتَقَدَ وُجُوبُهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ مُنْتَقَضٌ بِيَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ صَوْمُهُ ولا

(باب بيان نسخ قول الله تعالى وعلى الذين يطيقونه

يُلْتَفَتُ إِلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ الْبَعِيدِ وَبِيَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّهْيُ الصَّرِيحُ عَنْ تَخْصِيصِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِصَلَاةٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي وَيَوْمِهَا بِصَوْمٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى كَرَاهِيَتِهِ وَاحْتَجَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ هَذِهِ الصَّلَاةِ الْمُبْتَدَعَةِ الَّتِي تُسَمَّى الرَّغَائِبُ قَاتَلَ اللَّهُ وَاضِعَهَا وَمُخْتَرِعَهَا فَإِنَّهَا بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ مِنَ الْبِدَعِ الَّتِي هِيَ ضَلَالَةٌ وَجَهَالَةٌ وَفِيهَا مُنْكَرَاتٌ ظَاهِرَةٌ وَقَدْ صَنَّفَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ مُصَنَّفَاتٍ نَفِيسَةً فِي تَقْبِيحِهَا وَتَضْلِيلِ مُصَلِّيهَا وَمُبْتَدِعِهَا وَدَلَائِلِ قبحها وبطلانها وتضلل فَاعِلِهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب بيان نسخ قول الله تَعَالَى وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) [1145] قَوْلُهُ (عَنْ سَلَمَةَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا) وَفِي رِوَايَةٍ (قَالَ كُنَّا فِي رَمَضَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ فَافْتَدَى بِطَعَامِ مِسْكِينٍ حَتَّى أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشهر فليصمه قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْأُولَى هَلْ هِيَ مُحْكَمَةٌ أَوْ

(باب جواز تأخير قضاء رمضان ما لم يجيء رمضان آخر

مَخْصُوصَةٌ أَوْ مَنْسُوخَةٌ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا فَقَالَ الْجُمْهُورُ مَنْسُوخَةٌ كَقَوْلِ سَلَمَةَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ بَقِيَ مِنْهَا مَا لَمْ يُنْسَخْ فَرُوِيَ عَنِ بن عُمَرَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّ حُكْمَ الْإِطْعَامِ بَاقٍ عَلَى مَنْ لَمْ يُطِقِ الصَّوْمَ لِكِبَرٍ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ جَمِيعُ الْإِطْعَامِ مَنْسُوخٌ وَلَيْسَ عَلَى الْكَبِيرِ إِذَا لَمْ يُطِقِ الصَّوْمَ إِطْعَامٌ وَاسْتَحَبَّهُ لَهُ مَالِكٌ وَقَالَ قَتَادَةُ كَانَتِ الرُّخْصَةُ لِكَبِيرٍ يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ ثُمَّ نُسِخَ فِيهِ وَبَقِيَ فِيمَنْ لَا يُطِيقُ وقال بن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ نَزَلَتْ فِي الْكَبِيرِ وَالْمَرِيضِ اللَّذَيْنِ لَا يَقْدِرَانِ عَلَى الصَّوْمِ فَهِيَ عِنْدَهُ مَحْكَمَةٌ لَكِنَّ الْمَرِيضَ يَقْضِي إِذَا بَرِئَ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا إِطْعَامَ عَلَى الْمَرِيضِ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ هِيَ مُحْكَمَةٌ وَنَزَلَتْ فِي الْمَرِيضِ يُفْطِرُ ثُمَّ يَبْرَأُ وَلَا يَقْضِي حَتَّى يَدْخُلَ رَمَضَانُ آخَرُ فَيَلْزَمُهُ صَوْمُهُ ثُمَّ يَقْضِي بَعْدَهُ مَا أَفْطَرَ وَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ فَأَمَّا مَنِ اتَّصَلَ مَرَضُهُ بِرَمَضَانَ الثَّانِي فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِطْعَامٌ بَلْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ وَالضَّمِيرُ فِي يُطِيقُونَهُ عَائِدٌ عَلَى الْإِطْعَامِ لَا عَلَى الصَّوْمِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فَهِيَ عِنْدَهُ عَامَّةٌ ثُمَّ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْإِطْعَامَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مُدَّانِ وَوَافَقَهُ صَاحِبَاهُ وَقَالَ أَشْهَبُ الْمَالِكِيُّ مُدٌّ وَثُلُثٌ لِغَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمَرَضَ الْمُبِيحَ لِلْفِطْرِ هُوَ مَا يَشُقُّ مَعَهُ الصَّوْمُ وَأَبَاحَهُ بَعْضُهُمْ لِكُلِّ مَرِيضٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي (بَابُ جَوَازِ تَأْخِيرِ قضاء رمضان ما لم يجيء رَمَضَانُ آخَرُ لِمَنْ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ) (كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ وَحَيْضٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ) [1146] قَوْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا في

شَعْبَانَ الشُّغُلُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بِرَسُولِ اللَّهِ) وَفِي رِوَايَةٍ (قَالَتْ إِنْ كَانَتْ إِحْدَانَا لَتُفْطِرُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَقْضِيَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ الشُّغُلُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ مَرْفُوعٌ أَيْ يَمْنَعُنِي الشُّغُلُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعْنِي بِالشُّغُلِ وَبِقَوْلِهَا فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي فَمَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَقْضِيَهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَانَتْ مُهَيِّئَةً نَفْسَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَرَصِّدَةً لِاسْتِمْتَاعِهِ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِهَا إِنْ أَرَادَ ذَلِكَ وَلَا تَدْرِي مَتَى يُرِيدُهُ وَلَمْ تَسْتَأْذِنْهُ فِي الصَّوْمِ مَخَافَةَ أَنْ يَأْذَنَ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ حَاجَةٌ فِيهَا فَتُفَوِّتُهَا عَلَيْهِ وَهَذَا مِنَ الْأَدَبِ وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَحِلُّ لَهَا صَوْمُ التَّطَوُّعِ وَزَوْجُهَا حَاضِرٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَإِنَّمَا كَانَتْ تَصُومُهُ فِي شَعْبَانَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ مُعْظَمَ شَعْبَانَ فَلَا حَاجَةَ لَهُ فِيهِنَّ حِينَئِذٍ فِي النَّهَارِ وَلِأَنَّهُ إِذَا جَاءَ شَعْبَانُ يَضِيقُ قَضَاءُ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ قَضَاءَ رمضان في

(باب قضاء الصوم عن الميت)

حَقِّ مَنْ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ كَحَيْضٍ وَسَفَرٍ يَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي وَلَا يُشْتَرَطُ الْمُبَادَرَةُ بِهِ فِي أَوَّلِ الْإِمْكَانِ لَكِنْ قَالُوا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ شَعْبَانَ الْآتِي لِأَنَّهُ يُؤَخِّرُهُ حِينَئِذٍ إِلَى زَمَانٍ لَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ رَمَضَانُ الْآتِي فَصَارَ كَمَنْ أَخَّرَهُ إِلَى الْمَوْتِ وَقَالَ دَاوُدُ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِهِ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ بَعْدَ الْعِيدِ مِنْ شَوَّالٍ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا يَرُدُّ عَلَيْهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَيُسْتَحَبُّ الْمُبَادَرَةُ بِهِ لِلِاحْتِيَاطِ فِيهِ فَإِنْ أَخَّرَهُ فَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْأُصُولِ أَنَّهُ يَجِبُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي جَمِيعِ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ إِنَّمَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ بِشَرْطِ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهِ حَتَّى لَوْ أَخَّرَهُ بِلَا عَزْمٍ عَصَى وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ الْعَزْمُ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ خُرُوجِ شَعْبَانَ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ فِي تَرْكِهِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ هَذَا إِذَا كَانَ تَمَكَّنَ مِنَ الْقَضَاءِ فَلَمْ يَقْضِ فَأَمَّا مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِعُذْرٍ ثُمَّ اتَّصَلَ عَجْزُهُ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الصَّوْمِ حَتَّى مَاتَ فَلَا صَوْمَ عَلَيْهِ وَلَا يُطْعَمُ عَنْهُ وَلَا يُصَامُ عَنْهُ وَمَنْ أَرَادَ قَضَاءَ صَوْمِ رَمَضَانَ نُدِبَ مُرَتَّبًا مُتَوَالِيًا فَلَوْ قَضَاهُ غَيْرَ مُرَتَّبٍ أَوْ مُفَرَّقًا جَازَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ اسْمَ الصَّوْمِ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ يَجِبُ تَتَابُعُهُ كَمَا يَجِبُ الْأَدَاءُ (بَابُ قَضَاءِ الصَّوْمِ عَنِ الْمَيِّتِ) [1147] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) [1148] وَفِي رواية بن عَبَّاسٍ (أَنَّ امْرَأَةً

أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ فَقَالَ أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتِ تَقْضِينَهُ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بالقضاء) وفي رواية عن بن عَبَّاسٍ جَاءَ رَجُلٌ وَذَكَرَ نَحْوَهُ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا قَالَتْ (إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ على أمك دين فقضيتيه أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْهَا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ

فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ) [1149] وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ (قَالَ بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ صُومِي عَنْهَا قَالَتْ إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ حُجِّي عَنْهَا) وَفِي رِوَايَةٍ صَوْمُ شَهْرَيْنِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ وَاجِبٌ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ قَضَاءٌ أَوْ نَذْرٌ أَوْ غَيْرُهُ هَلْ يُقْضَى عَنْهُ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ أَشْهَرُهُمَا لَا يُصَامُ عَنْهُ وَلَا يَصِحُّ عَنْ مَيِّتٍ صَوْمٌ أَصْلًا وَالثَّانِي يُسْتَحَبُّ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ وَيَصِحُّ صَوْمُهُ عَنْهُ وَيَبْرَأُ بِهِ الْمَيِّتُ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى إِطْعَامٍ عَنْهُ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ مُحَقِّقُو أَصْحَابِنَا الْجَامِعُونَ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْوَارِدُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ أُطْعِمَ عَنْهُ فَلَيْسَ بِثَابِتٍ وَلَوْ ثَبَتَ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى

جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ بِالصِّيَامِ يَجُوزُ عِنْدَهُ الْإِطْعَامُ فَثَبَتَ أَنَّ الصَّوَابَ الْمُتَعَيِّنَ تَجْوِيزُ الصِّيَامِ وَتَجْوِيزُ الْإِطْعَامِ وَالْوَلِيُّ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ الْقَرِيبُ سَوَاءٌ كَانَ عَصَبَةً أَوْ وَارِثًا أَوْ غَيْرَهُمَا وَقِيلَ الْمُرَادُ الْوَارِثُ وَقِيلَ الْعَصَبَةُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَلَوْ صَامَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ إِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ الصَّوْمُ عَنْهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ هَذَا تَلْخِيصُ مَذْهَبِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مِنَ السَّلَفِ طَاوُسٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي صَوْمِ النَّذْرِ دُونَ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُصَامُ عَنْ مَيِّتٍ لَا نَذْرَ ولا غيره حكاه بن المنذر عن بن عمر وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَرِوَايَةً عَنِ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ وَأَيُّ ضَرُورَةٍ إِلَيْهِ وَأَيُّ مَانِعٍ يَمْنَعُ مِنَ الْعَمَلِ بِظَاهِرِهِ مَعَ تَظَاهُرِ الْأَحَادِيثِ مَعَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ لَهَا قَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُنَا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَنْهُ صَلَاةٌ فَائِتَةٌ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يُصَامُ عَنْ أَحَدٍ فِي حَيَاتِهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمَيِّتِ والله أعلم وأما قول بن عَبَّاسٍ إِنَّ السَّائِلَ رَجُلٌ وَفِي رِوَايَةٍ امْرَأَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ صَوْمُ شَهْرٍ وَفِي رِوَايَةٍ صَوْمُ شَهْرَيْنِ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا فَسَأَلَ تَارَةً رَجُلٌ وَتَارَةً امْرَأَةٌ وَتَارَةً عَنْ شَهْرٍ وَتَارَةً عَنْ شَهْرَيْنِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ جَوَازُ صَوْمِ الْوَلِيِّ عَنِ الْمَيِّتِ كَمَا ذَكَرْنَا وَجَوَازُ سَمَاعِ كَلَامِ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي الِاسْتِفْتَاءِ وَنَحْوِهِ مِنْ مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ وَصِحَّةُ الْقِيَاسِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ وَفِيهَا قَضَاءُ

(باب ندب الصائم إذا دعي إلى طعام ولم يرد الإفطار)

الدَّيْنِ عَنِ الْمَيِّتِ وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهُ وَارِثٌ أَوْ غَيْرُهُ فَيَبْرَأُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ إِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَدَيْنٌ لِآدَمِيٍّ وَضَاقَ مَالُهُ قُدِّمَ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهَا تَقْدِيمُ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَالثَّانِي تَقْدِيمُ دَيْنِ الْآدَمِيِّ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ وَالْمُضَايَقَةِ وَالثَّالِثُ هُمَا سَوَاءٌ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُفْتِي أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى وَجْهِ الدَّلِيلِ إِذَا كَانَ مُخْتَصَرًا وَاضِحًا وَبِالسَّائِلِ إِلَيْهِ حَاجَةٌ أَوْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَصْلَحَةٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاسَ عَلَى دَيْنِ الْآدَمِيِّ تَنْبِيهًا عَلَى وَجْهِ الدَّلِيلِ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ ثُمَّ وَرِثَهُ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ أَخْذُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا أَرَادَ شِرَاءَهُ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِحَدِيثِ فَرَسِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّ النِّيَابَةَ فِي الْحَجِّ جَائِزَةٌ عَنِ الْمَيِّتِ وَالْعَاجِزِ الْمَأْيُوسِ مِنْ بُرْئِهِ وَاعْتَذَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مُخَالَفَةِ مَذْهَبِهِمْ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي الصَّوْمِ عَنِ الْمَيِّتِ وَالْحَجِّ عَنْهُ بِأَنَّهُ مُضْطَرِبٌ وَهَذَا عُذْرٌ بَاطِلٌ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ اضْطِرَابٌ وَإِنَّمَا فِيهِ اخْتِلَافٌ جَمَعْنَا بَيْنَهُ كَمَا سَبَقَ وَيَكْفِي فِي صِحَّتِهِ احْتِجَاجُ مُسْلِمٍ بِهِ فِي صَحِيحِهِ وَاللَّهُ أعلم قوله (من مُسْلِمٍ الْبَطِينِ) هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الطَّاءِ (بَابُ نَدْبِ الصَّائِمِ إِذَا دُعِيَ إِلَى طَعَامٍ وَلَمْ يُرِدِ الْإِفْطَارَ) (أَوْ شُوتِمَ أَوْ قُوتِلَ أَنْ يَقُولَ إِنِّي صَائِمٌ وَأَنَّهُ يُنَزِّهُ صَوْمَهُ عَنِ الرَّفَثِ وَالْجَهْلِ وَنَحْوِهِ) [1150] فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ) [1151] وَفِي

رِوَايَةٍ (إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا إِذَا دُعِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَقُولُ لَهُ اعْتِذَارًا لَهُ وَإِعْلَامًا بِحَالِهِ فَإِنْ سَمَحَ لَهُ وَلَمْ يُطَالِبْهُ بِالْحُضُورِ سَقَطَ عنه الحضور وان لَمْ يَسْمَحْ وَطَالَبَهُ بِالْحُضُورِ لَزِمَهُ الْحُضُورُ وَلَيْسَ الصَّوْمُ عُذْرًا فِي إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَلَكِنْ إِذَا حَضَرَ لَا يَلْزَمُهُ الْأَكْلُ وَيَكُونُ الصَّوْمُ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْأَكْلِ بِخِلَافِ الْمُفْطِرِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَكْلُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَنَا كَمَا سَيَأْتِي وَاضِحًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّائِمِ وَالْمُفْطِرِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ وَأَمَّا الْأَفْضَلُ لِلصَّائِمِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إِنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَى صَاحِبِ الطَّعَامِ صَوْمُهُ اسْتُحِبَّ لَهُ الْفِطْرُ وَإِلَّا فَلَا هَذَا إِذَا كَانَ صَوْمَ تَطَوُّعٍ فَإِنْ كَانَ صَوْمًا وَاجِبًا حَرُمَ الْفِطْرُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِظْهَارِ نَوَافِلِ الْعِبَادَةِ مِنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا إِذَا دَعَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ وَالْمُسْتَحَبُّ إِخْفَاؤُهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ وَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ وَحُسْنِ الِاعْتِذَارِ عند سببه وأما الحديث الثاني ففيه نَهْيُ الصَّائِمِ عَنِ الرَّفَثِ وَهُوَ السُّخْفُ وَفَاحِشُ الْكَلَامِ يُقَالُ رَفَثَ بِفَتْحِ الْفَاءِ يَرْفُثُ بِضَمِّهَا وكسرها ورفث بِكَسْرِهَا يَرْفَثُ بِفَتْحِهَا رَفْثًا بِسُكُونِ الْفَاءِ فِي الْمَصْدَرِ وَرَفَثًا بِفَتْحِهَا فِي الِاسْمِ وَيُقَالُ أَرْفَثَ رُبَاعِيٌّ حَكَاهُ الْقَاضِي وَالْجَهْلُ قَرِيبٌ مِنَ الرَّفَثِ وَهُوَ خِلَافُ الْحِكْمَةِ وَخِلَافُ الصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ) مَعْنَاهُ شَتَمَهُ مُتَعَرِّضًا لِمُشَاتَمَتِهِ وَمَعْنَى قَاتَلَهُ نَازَعَهُ وَدَافَعَهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ) هَكَذَا هُوَ مَرَّتَيْنِ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ يَقُولُهُ بِلِسَانِهِ جَهْرًا يَسْمَعُهُ الشَّاتِمُ وَالْمُقَاتِلُ فَيَنْزَجِرَ غَالِبًا وَقِيلَ لَا يَقُولُهُ بِلِسَانِهِ بَلْ يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ لِيَمْنَعَهَا مِنْ مُشَاتَمَتِهِ وَمُقَاتَلَتِهِ وَمُقَابَلَتِهِ وَيَحْرِصُ صَوْمَهُ عَنِ الْمُكَدِّرَاتِ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ كَانَ حَسَنًا وَاعْلَمْ أَنَّ نَهْيَ الصائم عن

(باب فضل الصيام)

الرَّفَثِ وَالْجَهْلِ وَالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ بَلْ كُلِّ أَحَدٍ مِثْلُهُ فِي أَصْلِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ لَكِنَّ الصَّائِمَ آكَدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب فَضْلِ الصِّيَامِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كل عمل بن آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ هُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ مَعَ كَوْنِ جَمِيعِ الطَّاعَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى فَقِيلَ سَبَبُ إِضَافَتِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَمْ يُعْبَدْ أَحَدٌ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ فَلَمْ يُعَظِّمِ الْكُفَّارُ فِي عَصْرٍ مِنَ الْأَعْصَارِ مَعْبُودًا لَهُمْ بِالصِّيَامِ وَإِنْ كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ بِصُورَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّجُودِ وَالصَّدَقَةِ وَالذِّكْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقِيلَ لِأَنَّ الصَّوْمَ بَعِيدٌ مِنَ الرِّيَاءِ لِخَفَائِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ والغزو وَالصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ الظَّاهِرَةِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلصَّائِمِ وَنَفْسِهِ فِيهِ حَظٌّ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ قَالَ وَقِيلَ إِنَّ الِاسْتِغْنَاءَ عَنِ الطَّعَامِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَقَرُّبُ الصَّائِمِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَإِنْ كَانَتْ صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُشْبِهُهَا شَيْءٌ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَا الْمُنْفَرِدُ بِعِلْمِ مِقْدَارِ ثَوَابِهِ أَوْ تَضْعِيفِ حَسَنَاتِهِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ أَظْهَرَ سُبْحَانَهُ بَعْضَ مَخْلُوقَاتِهِ عَلَى مِقْدَارِ ثَوَابِهَا وَقِيلَ هِيَ إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى نَاقَةَ اللَّهِ مَعَ أَنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانٌ عِظَمِ فضل الصوم والحث إِلَيْهِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَأَنَا أَجْزِي بِهِ بَيَانٌ لِعِظَمِ فَضْلِهِ وَكَثْرَةِ ثَوَابِهِ لِأَنَّ الْكَرِيمَ إِذَا أَخْبَرَ بِأَنَّهُ يَتَوَلَّى بِنَفْسِهِ الْجَزَاءَ اقْتَضَى عِظَمَ قَدْرِ الْجَزَاءِ وَسَعَةَ الْعَطَاءِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَخُلْفَةُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ لَخُلُوفُ هُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ فِيهِمَا وَهُوَ تَغَيُّرُ رَائِحَةِ الْفَمِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِيهِ بِضَمِّ الْخَاءِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ

أَهْلِ الْغَرِيبِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَقَالَ الْقَاضِي الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ قَالَ وَكَثِيرٌ مِنَ الشُّيُوخِ يَرْوِيهِ بِفَتْحِهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ خَطَأٌ قَالَ الْقَاضِي وَحُكِيَ عَنِ الْفَارِسِيِّ فِيهِ الْفَتْحُ وَالضَّمُّ وَقَالَ أَهْلُ الْمَشْرِقِ يَقُولُونَهُ بِالْوَجْهَيْنِ وَالصَّوَابُ الضَّمُّ وَيُقَالُ خَلَفَ فُوهُ بِفَتْحِ الخاء واللام يخلف بضم اللام وأخلف يَخْلُفُ إِذَا تَغَيَّرَ وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَقَالَ الْقَاضِي قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذَا مَجَازٌ وَاسْتِعَارَةٌ لِأَنَّ اسْتِطَابَةَ بَعْضِ الرَّوَائِحِ مِنْ صِفَاتِ الْحَيَوَانِ الَّذِي له طبائع تميل إلى شئ فَتَسْتَطِيبُهُ وَتَنْفِرُ مِنْ شَيْءٍ فَتَسْتَقْذِرُهُ وَاللَّهُ تَعَالَى مُتَقَدِّسٌ عَنْ ذَلِكَ لَكِنْ جَرَتْ عَادَتُنَا بِتَقْرِيبِ الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ مِنَّا فَاسْتُعِيرَ ذَلِكَ فِي الصَّوْمِ لِتَقْرِيبِهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ يُجَازِيهِ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَتَكُونُ نَكْهَتُهُ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ كَمَا أَنَّ دَمَ الشَّهِيدِ يَكُونُ رِيحُهُ رِيحَ الْمِسْكِ وَقِيلَ يحصل لصاحبه من الثواب أكثر ممن يَحْصُلُ لِصَاحِبِ الْمِسْكِ وَقِيلَ رَائِحَتُهُ عِنْدَ مَلَائِكَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَطْيَبُ مِنْ رَائِحَةِ الْمِسْكِ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَتْ رَائِحَةُ الْخُلُوفِ عِنْدَنَا خِلَافَهُ وَالْأَصَحُّ ما قاله الداورى مِنَ الْمَغَارِبَةِ وَقَالَهُ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا إِنَّ الْخُلُوفَ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنَ الْمِسْكِ حَيْثُ نُدِبَ إِلَيْهِ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَمَجَالِسِ الْحَدِيثِ وَالذِّكْرِ وَسَائِرِ مَجَامِعِ الْخَيْرِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كَرَاهَةِ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْخُلُوفَ الَّذِي هَذِهِ صِفَتُهُ وَفَضِيلَتُهُ وَإِنْ كَانَ السِّوَاكُ فِيهِ فَضْلٌ أَيْضًا لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْخُلُوفِ أَعْظَمُ وَقَالُوا كَمَا أَنَّ دَمَ الشُّهَدَاءِ مَشْهُودٌ لَهُ بِالطِّيبِ وَيُتْرَكُ لَهُ غُسْلُ الشَّهِيدِ مَعَ أَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ وَاجِبٌ فَإِذَا تُرِكَ الْوَاجِبُ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى بَقَاءِ الدَّمِ الْمَشْهُودِ لَهُ بِالطِّيبِ فَتَرْكُ السِّوَاكِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ وَاجِبًا لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى بَقَاءِ الْخُلُوفِ الْمَشْهُودِ لَهُ بِذَلِكَ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الصِّيَامُ جُنَّةٌ) هُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَمَعْنَاهُ سُتْرَةٌ وَمَانِعٌ

مِنَ الرَّفَثِ وَالْآثَامِ وَمَانِعٌ أَيْضًا مِنَ النَّارِ وَمِنْهُ الْمِجَنُّ وَهُوَ التُّرْسُ وَمِنْهُ الْجِنُّ لِاسْتِتَارِهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ) هَكَذَا هُوَ هُنَا بِالسِّينِ وَيُقَالُ بِالسِّينِ وَالصَّادِ وَهُوَ الصِّيَاحُ وَهُوَ بِمَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَلَا يَجْهَلْ وَلَا يَرْفُثْ قَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ الطَّبَرِيُّ وَلَا يَسْخَرْ بِالرَّاءِ قَالَ وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ لِأَنَّ السُّخْرِيَةَ تَكُونُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَكُلُّهُ مِنَ الْجَهْلِ قُلْتُ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَصْحِيفٌ وَإِنْ كَانَ لَهَا مَعْنًى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ أَمَّا فَرْحَتُهُ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ فَبِمَا يَرَاهُ مِنْ جَزَائِهِ وَتَذَكُّرِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بِتَوْفِيقِهِ لِذَلِكَ وَأَمَّا عِنْدَ فِطْرِهِ فَسَبَبُهَا تَمَامُ عِبَادَتِهِ

وَسَلَامَتُهَا مِنَ الْمُفْسِدَاتِ وَمَا يَرْجُوهُ مِنْ ثَوَابِهَا [1152] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالطَّاءِ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَالْكَلَابَاذِيُّ مَعْنَاهُ الْبَقَّالُ كَأَنَّهُمْ نَسَبُوهُ إِلَى بَيْعِ الْقُطْنِيَّةِ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ الْبَاجِيُّ هِيَ قَرْيَةٌ عَلَى بَابِ الْكُوفَةِ قَالَ وَقَالَهُ أَبُو ذَرٍّ أَيْضًا وَفِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ قَطَوَانَ مَوْضِعٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ) هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ وَفِي بَعْضِهَا فَإِذَا دَخَلَ أَوَّلُهُمْ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وهو وهم والصواب آخِرُهُمْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ الصِّيَامِ وَكَرَامَةُ الصائمين

(باب فضل الصيام في سبيل الله لمن يطيقه بلا ضرر ولا

(باب فَضْلِ الصِّيَامِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِمَنْ يُطِيقُهُ بِلَا ضَرَرٍ وَلَا تَفْوِيتِ حَقٍّ) قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا) فِيهِ فَضِيلَةُ الصِّيَامِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ وَلَا يُفَوِّتُ بِهِ حَقًّا وَلَا يَخْتَلُّ بِهِ قِتَالُهُ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ مُهِمَّاتِ غَزْوِهِ وَمَعْنَاهُ الْمُبَاعَدَةُ عَنِ النَّارِ وَالْمُعَافَاةُ مِنْهَا وَالْخَرِيفُ السَّنَةُ وَالْمُرَادُ سَبْعِينَ سَنَةً (باب جَوَازِ صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال) (وَجَوَازِ فِطْرِ الصَّائِمِ نَفْلًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ والْأَوْلَى إِتْمَامُهُ) [1154] فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ يَا عَائِشَةُ هَلْ

عِنْدَكُمْ شَيْءٌ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ قَالَتْ فَخَرَجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ وَقَدْ خَبَّأْتُ لَكَ شَيْئًا قَالَ مَا هُوَ قُلْتُ حَيْسٌ قَالَ هَاتِيهِ فَجِئْتُ بِهِ فَأَكَلَ ثُمَّ قَالَ قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَتْ (دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ قُلْنَا لَا قَالَ فَإِنِّي اذا صَائِمٌ ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ قَالَ أَرِينِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَأَكَلَ) الْحَيْسُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ التَّمْرُ مَعَ السَّمْنِ وَالْأَقِطِ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ ثَرِيدَةٌ مِنْ أَخْلَاطِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ والزور بِفَتْحِ الزَّايِ الزُّوَّارُ وَيَقَعُ الزَّوْرُ عَلَى الْوَاحِدِ

باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر

وَالْجَمَاعَةِ الْقَلِيلَةِ وَالْكَثِيرَةِ وَقَوْلُهَا جَاءَنَا زَوْرٌ وَقَدْ خَبَّأْتُ لَكَ مَعْنَاهُ جَاءَنَا زَائِرُونَ وَمَعَهُمْ هَدِيَّةٌ خَبَّأْتُ لَكَ مِنْهَا أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ جَاءَنَا زَوْرٌ فَأُهْدِيَ لَنَا بِسَبَبِهِمْ هَدِيَّةٌ فَخَبَّأْتُ لَكَ مِنْهَا وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ هُمَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَالثَّانِيَةُ مُفَسِّرَةٌ لِلْأُولَى وَمُبَيِّنَةٌ أَنَّ الْقِصَّةَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى كَانَتْ فِي يَوْمَيْنِ لَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ كَذَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَنَّ صَوْمَ النَّافِلَةِ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ فِي النَّهَارِ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَيَتَأَوَّلُهُ الْآخَرُونَ عَلَى أَنَّ سُؤَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ لِكَوْنِهِ ضَعُفَ عَنِ الصَّوْمِ وَكَانَ نَوَاهُ مِنَ اللَّيْلِ فَأَرَادَ الْفِطْرَ لِلضَّعْفِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ وَتَكَلُّفٌ بَعِيدٌ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ التَّصْرِيحُ بِالدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي أَنَّ صَوْمَ النَّافِلَةِ يَجُوزُ قَطْعُهُ وَالْأَكْلُ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ وَيَبْطُلُ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ نَفْلٌ فَهُوَ إِلَى خِيَرَةِ الْإِنْسَانِ فِي الِابْتِدَاءِ وَكَذَا فِي الدَّوَامِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَآخَرُونَ وَلَكِنَّهُمْ كُلَّهُمْ وَالشَّافِعِيَّ مَعَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِ إِتْمَامِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ وَيَأْثَمُ بِذَلِكَ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَكْحُولٌ وَالنَّخَعِيُّ وَأَوْجَبُوا قَضَاءَهُ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا قَضَاءَ على من أفطره بعذر والله أعلم (باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر) [1155] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ الصَّائِمَ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا لَا يُفْطِرُ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُدُ وَآخَرُونَ وَقَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ يَجِبُ الْقَضَاءُ فِي الْجِمَاعِ دُونَ الْأَكْلِ وَقَالَ أَحْمَدُ يَجِبُ فِي الْجِمَاعِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَلَا شَيْءَ فِي الأكل

باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان

(باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان) (واستحباب أن لا يخلي شَهْرًا مِنْ صَوْمٍ) فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا صَامَ شَهْرًا كُلَّهُ إِلَّا رَمَضَانَ وَلَا أَفْطَرَهُ كُلَّهُ حَتَّى يُصِيبَ مِنْهُ) وَفِي رِوَايَةٍ يَصُومَ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ صَامَ قَدْ صَامَ وَيُفْطِرُ

حَتَّى نَقُولَ قَدْ أَفْطَرَ قَدْ أَفْطَرَ وَفِي رِوَايَةٍ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُخَلِّيَ شَهْرًا مِنْ صِيَامٍ وَفِيهَا أَنَّ صَوْمَ النَّفْلِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ بَلْ كُلِّ السَّنَةِ صَالِحَةٍ لَهُ إِلَّا رَمَضَانَ وَالْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ وَقَوْلُهَا كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ كَانَ يَصُومُهُ إِلَّا قَلِيلًا الثَّانِي تَفْسِيرٌ لِلْأَوَّلِ وَبَيَانٌ أَنَّ قَوْلَهَا كُلَّهُ أَيْ غَالِبَهُ وَقِيلَ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ فِي وَقْتٍ وَيَصُومُ بَعْضَهُ فِي سَنَةٍ أُخْرَى وَقِيلَ كَانَ يَصُومُ تَارَةً مِنْ أَوَّلِهِ وَتَارَةً مِنْ آخِرِهِ وَتَارَةً بَيْنَهُمَا وَمَا يُخَلِّي مِنْهُ شَيْئًا بِلَا صِيَامٍ لَكِنْ فِي سِنِينَ وَقِيلَ فِي تَخْصِيصِ شَعْبَانَ بِكَثْرَةِ الصَّوْمِ لِكَوْنِهِ تُرْفَعُ فِيهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّ أَفْضَلَ الصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ صَوْمُ الْمُحَرَّمِ فَكَيْفَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي شَعْبَانَ دُونَ الْمُحَرَّمِ فَالْجَوَابُ لَعَلَّهُ لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَ الْمُحَرَّمِ إِلَّا فِي آخِرِ الْحَيَاةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ صَوْمِهِ أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ يَعْرِضُ فِيهِ أَعْذَارٌ تَمْنَعُ مِنْ إِكْثَارِ الصَّوْمِ فِيهِ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ وَغَيْرِهِمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا لَمْ يستكمل غير رمضان لئلا يظن وجوبه [782] وقوله ص

(خذوا من الأعمال ما تطيقون) إلى آخر هَذَا الْحَدِيثُ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ وَبَيَانُهُ وَاضِحًا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْقِرَاءَةِ وَأَحَادِيثِ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ (سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ صَوْمِ رجب فقال سمعت بن عَبَّاسٍ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ) الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ لَا نَهْيَ عَنْهُ وَلَا نَدْبَ

(باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوت به حقا)

فِيهِ لِعَيْنِهِ بَلْ لَهُ حُكْمُ بَاقِي الشُّهُورِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي صَوْمِ رَجَبٍ نَهْيٌ وَلَا نَدْبٌ لِعَيْنِهِ وَلَكِنَّ أَصْلَ الصَّوْمِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَدَبَ إِلَى الصَّوْمِ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَرَجَبٌ أَحَدُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ لِمَنْ تَضَرَّرَ به أو فوت به حقا) (أولم يُفْطِرِ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقَ وَبَيَانِ تَفْضِيلِ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ) فِيهِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ جَمَعَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ طُرُقَهُ فَأَتْقَنَهَا وَحَاصِلُ الْحَدِيثِ بَيَانُ رِفْقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمَّتِهِ وَشَفَقَتِهِ عَلَيْهِمْ وَإِرْشَادِهِمْ إِلَى مَصَالِحِهِمْ وَحَثِّهِمْ عَلَى مَا يُطِيقُونَ الدَّوَامَ عَلَيْهِ وَنَهْيِهِمْ عَنِ التَّعَمُّقِ وَالْإِكْثَارِ مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يُخَافُ عَلَيْهِمُ الْمَلَلُ بِسَبَبِهَا أَوْ تَرْكِهَا أَوْ تَرْكِ بَعْضِهَا وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ

مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى قَوْمًا أَكْثَرُوا الْعِبَادَةَ ثُمَّ فَرَّطُوا فِيهَا فَقَالَ تَعَالَى وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى مَنْعِ صِيَامِ الدَّهْرِ نَظَرًا لِظَوَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى جَوَازِهِ إِذَا لَمْ يَصُمِ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا وَهِيَ الْعِيدَانِ وَالتَّشْرِيقُ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ سَرْدَ الصِّيَامِ إِذَا أَفْطَرَ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقَ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَلْحَقَهُ بِهِ ضَرَرٌ وَلَا يُفَوِّتَ حَقًّا فَإِنْ تَضَرَّرَ أَوْ فَوَّتَ حَقًّا فَمَكْرُوهٌ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَلَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَأَقَرَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَرْدِ الصِّيَامِ وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَمْ يُقِرَّهُ لَا سِيَّمَا فِي السَّفَرِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ بن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَسْرُدُ الصِّيَامَ وَكَذَلِكَ أَبُو طَلْحَةَ وَعَائِشَةُ وَخَلَائِقُ مِنَ السَّلَفِ قَدْ ذَكَرْتُ مِنْهُمْ جَمَاعَةً فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِأَنْ يَصُومَ مَعَهُ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقَ وَبِهَذَا أَجَابَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَالثَّانِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَضَرَّرَ بِهِ أَوْ فَوَّتَ بِهِ حَقًّا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ النَّهْيَ كَانَ خِطَابًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ عَنْهُ أَنَّهُ عَجَزَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَنَدِمَ عَلَى كَوْنِهِ لم يقبل الرخصة قالوا فنهى بن عمر وكان لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ سَيَعْجَزُ وَأَقَرَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو لِعِلْمِهِ بِقُدْرَتِهِ بِلَا ضَرَرٍ وَالثَّالِثَ أَنَّ مَعْنَى لَا صَامَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مِنْ مَشَقَّتِهِ مَا يَجِدُهَا غَيْرُهُ فَيَكُونُ خَبَرًا لَا دُعَاءً [1159] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

عَلِمَ مِنْ حَالِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الدَّوَامَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو وَأَمَّا نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ كُلِّهِ فَهُوَ عَلَى اطلاقه وغير مُخْتَصٍّ بِهِ بَلْ قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ صَلَاةُ كُلِّ اللَّيْلِ دَائِمًا لِكُلِّ أَحَدٍ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَوْمِ الدَّهْرِ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ وَلَا يُفَوِّتُ حَقًّا بِأَنَّ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ كُلِّهِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنَ الْإِضْرَارِ بِنَفْسِهِ وَتَفْوِيتِ بَعْضِ الْحُقُوقِ لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَنَمْ بِالنَّهَارِ فَهُوَ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ وَإِنْ نَامَ نَوْمًا يَنْجَبِرُ بِهِ سَهَرُهُ فَوَّتَ بَعْضَ الْحُقُوقِ بِخِلَافِ مَنْ يُصَلِّي بَعْضَ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ يَسْتَغْنِي بِنَوْمِ بَاقِيهِ وَإِنْ نَامَ مَعَهُ شَيْئًا فِي النَّهَارِ كَانَ يَسِيرًا لَا يَفُوتُ بِهِ حَقٌّ وَكَذَا مَنْ قَامَ لَيْلَةً كَامِلَةً كَلَيْلَةِ الْعِيدِ أَوْ غَيْرِهَا لَا دَائِمًا لَا كَرَاهَةَ فِيهِ لِعَدَمِ الضَّرَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَوْمِ يَوْمٍ وَفِطْرِ يَوْمٍ (لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَقَالَ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ السَّرْدِ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَفْضِيلِ السَّرْدِ وَتَخْصِيصُ هَذَا الْحَدِيثِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ وَتَقْدِيرُهُ لَا أَفْضَلَ مِنْ هَذَا فِي حَقِّكَ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو عَنِ السَّرْدِ وَأَرْشَدَهُ إِلَى يَوْمٍ ويوم ولو

كَانَ أَفْضَلَ فِي حَقِّ كُلِّ النَّاسِ لَأَرْشَدَهُ إِلَيْهِ وَبَيَّنَهُ لَهُ فَإِنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ) مَعْنَاهُ يَكْفِيكَ أَنْ تَصُومَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا) أَيْ زَائِرَكَ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ قَرِيبًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثُمَّ قَالَ فِي كُلِّ عِشْرِينَ ثُمَّ قَالَ فِي كُلِّ سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ) هَذَا مِنْ نَحْوِ مَا سَبَقَ مِنَ الْإِرْشَادِ إِلَى الِاقْتِصَادِ فِي الْعِبَادَةِ وَالْإِرْشَادِ إِلَى تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ وقد كانت للسلف عادات مختلفة فيما يقرؤون كُلَّ يَوْمٍ بِحَسَبِ أَحْوَالِهِمْ وَأَفْهَامِهِمْ وَوَظَائِفِهِمْ فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَبَعْضُهُمْ فِي عِشْرِينَ يَوْمًا وَبَعْضُهُمْ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَبَعْضُهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ فِي سَبْعَةٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فِي ثَلَاثَةٍ وَكَثِيرٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَبَعْضُهُمْ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ وَبَعْضُهُمْ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ثَلَاثَ خَتَمَاتٍ وَبَعْضُهُمْ ثَمَانِ خَتَمَاتٍ وَهُوَ

أَكْثَرُ مَا بَلَغْنَا وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذَا كُلَّهُ مُضَافًا إِلَى فَاعِلِيهِ وَنَاقِلِيهِ فِي كِتَابِ آدَابِ الْقُرَّاءِ مَعَ جُمَلٍ مِنْ نَفَائِسَ تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُسْتَكْثَرُ مِنْهُ مَا يُمْكِنُهُ الدَّوَامُ عَلَيْهِ وَلَا يَعْتَادُ إِلَّا مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ الدَّوَامَ عَلَيْهِ فِي حَالِ نَشَاطِهِ وَغَيْرِهِ هَذَا إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ وَظَائِفُ عَامَّةٌ أَوْ خَاصَّةٌ يَتَعَطَّلُ بِإِكْثَارِ الْقُرْآنِ عَنْهَا فَإِنْ كَانَتْ لَهُ وَظِيفَةٌ عَامَّةٌ كَوِلَايَةٍ وَتَعْلِيمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلْيُوَظِّفْ لِنَفْسِهِ قِرَاءَةً يُمْكِنُهُ الْمُحَافَظَةَ عَلَيْهَا مَعَ نَشَاطِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ إِخْلَالٍ بِشَيْءٍ مِنْ كَمَالِ تِلْكَ الْوَظِيفَةِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنِ السَّلَفِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ قَبِلْتُ رُخْصَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَبِرَ وَعَجَزَ عَنِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا الْتَزَمَهُ وَوَظَّفَهُ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَقَّ عَلَيْهِ فِعْلُهُ وَلَا يُمْكِنُهُ تَرْكُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ الليل وفي هذا الحديث وكلام بن عَمْرٍو أَنَّهُ يَنْبَغِي الدَّوَامُ عَلَى مَا صَارَ عَادَةً مِنَ الْخَيْرِ وَلَا يُفَرِّطُ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيْكَ حقا) فيه

أَنَّ عَلَى الْأَبِ تَأْدِيبَ وَلَدِهِ وَتَعْلِيمَهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ وَظَائِفِ الدِّينِ وَهَذَا التَّعْلِيمُ وَاجِبٌ عَلَى الْأَبِ وَسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ قَبْلَ بُلُوغِ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَعَلَى الْأُمَّهَاتِ أَيْضًا هَذَا التَّعْلِيمُ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَبٌ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّرْبِيَةِ وَلَهُنَّ مَدْخَلٌ فِي ذَلِكَ وَأُجْرَةُ هَذَا التَّعْلِيمِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِأَنَّهُ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَصْفِ دَاوُدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى قَالَ مَنْ لِي بِهَذِهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ) مَعْنَاهُ هَذِهِ الْخَصْلَةُ الْأَخِيرَةُ وَهِيَ عَدَمُ الْفِرَارِ صَعْبَةٌ عَلَيَّ كَيْفَ لِي بِتَحْصِيلِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ) سَبَقَ شَرْحُهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَهَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ مُكَرَّرٌ مَرَّتَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَجَمَتْ لَهُ الْعَيْنُ وَنَهَكَتْ) مَعْنَى هَجَمَتْ غَارَتْ وَنَهَكَتْ بِفَتْحِ النون وبفتح الهاء وكسرها والتاء ساكنة الْعَيْنُ أَيْ ضَعُفَتْ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ نُهِكْتَ بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَفَتْحِ التَّاءِ أَيْ نُهِكْتَ أَنْتَ أَيْ ضَنَيْتَ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي

قَوْلُهُ (وَنَفِهَتِ النَّفْسُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ أَعْيَتْ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ) عَمْرٌو الاول هو بن دِينَارٍ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ

قَوْلُهُ (فَأَلْقَيْتُ لَهُ وِسَادَةً) فِيهِ إِكْرَامُ الضَّيْفِ وَالْكِبَارِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ قَوْلُهُ (فَجَلَسَ عَلَى الْأَرْضِ وَصَارَتِ الْوِسَادَةُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ) فِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّوَاضُعِ وَمُجَانَبَةِ

(باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر (وصوم يوم

الِاسْتِئْثَارِ عَلَى صَاحِبِهِ وَجَلِيسِهِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ) بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَقَدْ سَبَقَ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحِ سَلِيمٌ بِفَتْحِ السِّينِ غَيْرَهُ قَوْلُهُ (سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ) هُوَ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَالْقَصْرُ أَشْهَرُ (باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر (وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس) [1161] فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَلَمْ يَكُنْ يُبَالِي)

مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ يَصُومُ) وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ أَوْ قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَسْمَعُ يَا فُلَانُ أَصُمْتَ مِنْ سُرَّةِ هَذَا الشَّهْرِ قَالَ لَا قَالَ فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ مِنْ سُرَّةِ هَذَا الشَّهْرِ بِالْهَاءِ بَعْدَ الرَّاءِ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ بَعْدَهُ حَدِيثَ أَبِي قَتَادَةَ ثُمَّ حَدِيثَ عِمْرَانَ أَيْضًا فِي سَرَرِ شَعْبَانَ وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ مُسْلِمٍ بِأَنَّ رِوَايَةَ عِمْرَانَ الْأُولَى بِالْهَاءِ وَالثَّانِيَةَ بِالرَّاءِ وَلِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَدْخَلَ الْأُولَى مَعَ حَدِيثِ عَائِشَةَ كَالتَّفْسِيرِ لَهُ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ مِنْ سُرَّةِ الشَّهْرِ وَهِيَ وَسَطُهُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَهُوَ اسْتِحْبَابُ كَوْنِ الثَّلَاثَةِ هِيَ أَيَّامُ الْبِيضِ وَهِيَ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَقَدْ جَاءَ فِيهَا حَدِيثٌ فِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ هِيَ الثَّانِي عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوَاظِبْ عَلَى ثَلَاثَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِئَلَّا يُظَنَّ تَعَيُّنُهَا وَنَبَّهَ بِسُرَّةِ الشَّهْرِ وَبِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ فِي أَيَّامِ الْبِيضِ عَلَى فَضِيلَتِهَا [1162] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ) هُوَ بِزَايٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ مِيمٍ مُشَدَّدَةٍ قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَجُلٌ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كَيْفَ تَصُومُ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَجُلٌ أَتَى وَعَلَى هَذَا يُقْرَأُ رَجُلٌ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيِ الشَّأْنُ وَالْأَمْرُ رَجُلٌ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ وَقَدْ أُصْلِحَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى وَكَانَ مُوجِبَ هَذَا الْإِصْلَاحِ جَهَالَةُ انْتِظَامِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مُنْتَظِمٌ كَمَا ذَكَرْتُهُ فَلَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (رَجُلٌ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كَيْفَ تَصُومُ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ

(قال العلماء سبب غضبه صلى الله عليه وسلم أنه كره

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُ غَضَبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَرِهَ مَسْأَلَتَهُ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُجِيبَهُ وَيَخْشَى مِنْ جَوَابِهِ مَفْسَدَةً وَهِيَ أَنَّهُ رُبَّمَا اعْتَقَدَ السَّائِلُ وُجُوبَهُ أَوِ اسْتَقَلَّهُ أَوِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَكَانَ يَقْتَضِي حَالُهُ أَكْثَرَ مِنْهُ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِشُغُلِهِ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَحُقُوقِهِمْ وَحُقُوقِ أَزْوَاجِهِ وَأَضْيَافِهِ وَالْوَافِدِينَ إِلَيْهِ لِئَلَّا يَقْتَدِيَ بِهِ كُلُّ أَحَدٍ فَيُؤَدِّيَ إِلَى الضَّرَرِ فِي حَقِّ بَعْضِهِمْ وَكَانَ حَقُّ السَّائِلِ أَنْ يَقُولَ كَمْ أَصُومُ أَوْ كَيْفَ أَصُومُ فَيَخُصُّ السُّؤَالَ بِنَفْسِهِ لِيُجِيبَهُ بِمَا تَقْتَضِيهِ حَالُهُ كَمَا أَجَابَ غَيْرَهُ بِمُقْتَضَى أَحْوَالِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمَيْنِ قَالَ وَدِدْتُ أَنِّي طُوِّقْتُ ذَاكَ) قَالَ الْقَاضِي قِيلَ مَعْنَاهُ وَدِدْتُ أَنَّ أُمَّتِي تُطَوِّقُهُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُطِيقُهُ وَأَكْثَرَ مِنْهُ وَكَانَ يُوَاصِلُ وَيَقُولُ إِنِّي لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ إِنِّي أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي قُلْتُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَيْتَ أَنَّ اللَّهَ قَوَّانَا لِذَلِكَ أَوْ يُقَالُ إِنَّمَا قَالَهُ لِحُقُوقِ نِسَائِهِ وَغَيْرِهِنَّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْمُتَعَلِّقِينَ بِهِ وَالْقَاصِدِينَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يكفر السنة)

الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ) مَعْنَاهُ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ صَائِمِهِ فِي السَّنَتَيْنِ قَالُوا وَالْمُرَادُ بِهَا الصَّغَائِرُ وَسَبَقَ بَيَانُ مِثْلِ هَذَا فِي تَكْفِيرِ الْخَطَايَا بِالْوُضُوءِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ إِنْ لَمْ تَكُنْ صَغَائِرُ يُرْجَى التَّخْفِيفُ مِنَ الْكَبَائِرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُفِعْتَ دَرَجَاتٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِيَامِ الدَّهْرِ (لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ) قَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ (قَالَ وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَسَكَتْنَا عَنْ ذِكْرِ الْخَمِيسِ لِمَا نَرَاهُ وَهَمًا) ضَبَطُوا نَرَاهُ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّهَا وَهُمَا صَحِيحَانِ قَالَ الْقَاضِي

عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إِنَّمَا تَرَكَهُ وَسَكَتَ عَنْهُ لِقَوْلِهِ فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَاتِ الْبَاقِيَاتِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ دُونَ ذِكْرِ الْخَمِيسِ فَلَمَّا كَانَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ ذِكْرُ الْخَمِيسِ تَرَكَهُ مُسْلِمٌ لِأَنَّهُ رَآهُ وَهَمًا قَالَ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ صِحَّةَ رِوَايَةِ شُعْبَةَ وَيَرْجِعُ الْوَصْفُ بِالْوِلَادَةِ وَالْإِنْزَالِ إِلَى الِاثْنَيْنِ دُونَ الْخَمِيسِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي مُتَعَيِّنٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ هَذِهِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَفَسَّرَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِأَيَّامِ الْبِيضِ وَهِيَ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ مِنْهُمْ عمر بن الخطاب وبن مَسْعُودٍ وَأَبُو ذَرٍّ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَ النَّخَعِيُّ وَآخَرُونَ آخِرَ الشَّهْرِ وَاخْتَارَ آخَرُونَ ثَلَاثَةً مِنْ أَوَّلِهِ مِنْهُمُ الْحَسَنُ وَاخْتَارَتْ عَائِشَةُ وَآخَرُونَ صِيَامَ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرٍ ثُمَّ الثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ وَالْخَمِيسِ مِنَ الشَّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ وَاخْتَارَ آخَرُونَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ وَفِي حَدِيثٍ رفعه بن عُمَرَ أَوَّلَ اثْنَيْنِ فِي الشَّهْرِ وَخَمِيسَانِ بَعْدَهُ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَوَّلَ خَمِيسٍ وَالِاثْنَيْنِ بَعْدَهُ ثم الاثنين وقيل أول يوم من الشَّهْرِ وَالْعَاشِرَ وَالْعِشْرِينَ وَقِيلَ إِنَّهُ صِيَامُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَرُوِيَ عَنْهُ كَرَاهَةُ صَوْمِ أَيَّامِ البيض وقال بن شَعْبَانَ الْمَالِكِيُّ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ وَالْحَادِي عشر وَالْحَادِي وَعِشْرُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب صوم شهر شعبان [1161] فيه (عمران بن الحصين أن رسول

(بَابُ صَوْمِ شَهْرِ شَعْبَانَ [1161] فِيهِ (عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ أَوْ لِآخَرَ أَصُمْتَ مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ قَالَ لَا قَالَ فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ) وَفِي رِوَايَةٍ فَإِذَا أَفْطَرْتَ مِنْ رَمَضَانَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ مَكَانَهُ ضَبَطُوا سَرَرِ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا وَحَكَى الْقَاضِي ضَمَّهَا قَالَ وَهُوَ جَمْعُ سُرَّةٍ وَيُقَالُ أَيْضًا سَرَارُ وَسِرَارُ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا وَكُلُّهُ مِنَ الِاسْتِسْرَارِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْحَدِيثِ وَالْغَرِيبِ الْمُرَادُ بِالسَّرَرِ آخِرُ الشَّهْرِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاسْتِسْرَارِ الْقَمَرِ فِيهَا قَالَ الْقَاضِي قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَهْلُ اللُّغَةِ السَّرَرُ آخِرُ الشَّهْرِ قَالَ وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ هَذَا وَقَالَ الْمُرَادُ وَسَطُ الشهر قال وسرار كل شئ وَسَطُهُ قَالَ هَذَا الْقَائِلُ لَمْ يَأْتِ فِي صِيَامِ آخِرِ الشَّهْرِ نَدْبٌ فَلَا يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ وَسَطِهِ فَإِنَّهَا أَيَّامُ الْبِيضِ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ سَرَرُهُ أَوَّلُهُ وَنَقَلَ الْخَطَّابِيُّ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ سَرَرُهُ آخِرُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ بَعْدَ أَنْ رَوَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ الصَّحِيحُ آخِرُهُ وَلَمْ يَعْرِفِ الْأَزْهَرِيُّ أَنَّ سَرَرَهُ أَوَّلُهُ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَالَّذِي يَعْرِفُهُ النَّاسُ أَنَّ سَرَرَهُ آخِرُهُ وَيُعَضِّدُ مَنْ فَسَّرَهُ بِوَسَطِهِ الرِّوَايَةُ السَّابِقَةُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ سُرَّةِ هَذَا الشَّهْرِ وَسَرَارَةُ الْوَادِي وَسَطُهُ وَخِيَارُهُ)

(باب فضل صوم المحرم [1163] قوله (عن حميد بن عبد الرحمن

وقال بن السِّكِّيتِ سِرَارُ الْأَرْضِ أَكْرَمُهَا وَوَسَطُهَا وَسِرَارُ كُلِّ شئ وَسَطُهُ وَأَفْضَلُهُ فَقَدْ يَكُونُ سِرَارُ الشَّهْرِ مِنْ هَذَا قَالَ الْقَاضِي وَالْأَشْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ آخِرُ الشَّهْرِ كَمَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَكْثَرُونَ وَعَلَى هَذَا يُقَالُ هَذَا الْحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ تَقْدِيمِ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَيَوْمَيْنِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا أَجَابَ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ مُعْتَادَ الصِّيَامِ آخِرَ الشَّهْرِ أَوْ نَذَرَهُ فَتَرَكَهُ بِخَوْفِهِ مِنَ الدُّخُولِ فِي النَّهْيِ عَنْ تَقَدُّمِ رَمَضَانَ فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الصَّوْمَ الْمُعْتَادَ لَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ وَإِنَّمَا نَنْهَى عَنْ غَيْرِ الْمُعْتَادِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى (إِذَا أَفْطَرْتَ رَمَضَانَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْ أَفْطَرْتَ مِنْ رَمَضَانَ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَحَذَفَ لَفْظَةَ مِنْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهِيَ مُرَادُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ أَيْ مِنْ قَوْمِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب فَضْلِ صَوْمِ الْمُحَرَّمِ [1163] قَوْلُهُ (عَنْ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) اعْلَمْ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَرْوِي عَنْهُ اثْنَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحَدُهُمَا هَذَا الْحِمْيَرِيُّ وَالثَّانِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ)

الزُّهْرِيُّ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ كُلُّ مَا فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ الزُّهْرِيُّ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ خَاصَّةً حَدِيثِ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَإِنَّ رَاوِيَهُ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَذْكُرْهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَلَا ذِكْرَ لِلْحِمْيَرِيِّ فِي الْبُخَارِيِّ أَصْلًا وَلَا فِي مُسْلِمٍ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ) تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الشُّهُورِ لِلصَّوْمِ وَقَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ عَنْ إِكْثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَوْمِ شَعْبَانَ دُونَ الْمُحَرَّمِ وَذَكَرْنَا فِيهِ جَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا لَعَلَّهُ إِنَّمَا عَلِمَ فَضْلَهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ وَالثَّانِي لَعَلَّهُ كَانَ يَعْرِضُ فِيهِ أَعْذَارٌ مِنْ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ أَنَّ تَطَوُّعَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ تَطَوُّعِ النَّهَارِ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنَ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الرَّوَاتِبُ أَفْضَلُ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْفَرَائِضَ وَالْأَوَّلُ أقوى وأوفق للحديث والله أعلم

باب استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعا لرمضان

(باب استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعا لرمضان [1164] قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) فِيهِ دَلَالَةٌ صَرِيحَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَدَاوُدَ وَمُوَافِقِيهِمْ فِي اسْتِحْبَابِ صَوْمِ هَذِهِ السِّتَّةِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَصُومُهَا قَالُوا فَيُكْرَهُ لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهُ وَدَلِيلُ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الصَّرِيحُ وَإِذَا ثَبَتَتِ السُّنَّةُ لَا تُتْرَكُ لِتَرْكِ بَعْضِ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ أَوْ كُلِّهِمْ لَهَا وَقَوْلُهُمْ قَدْ يُظَنُّ وُجُوبُهَا يُنْتَقَضُ بِصَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّوْمِ الْمَنْدُوبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْأَفْضَلُ أَنْ تُصَامَ السِّتَّةُ مُتَوَالِيَةً عَقِبَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَإِنْ فَرَّقَهَا أَوْ أَخَّرَهَا عَنْ أَوَائِلِ شَوَّالٍ إِلَى أَوَاخِرِهِ حَصَلَتْ فَضِيلَةُ الْمُتَابَعَةِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهُ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَرَمَضَانُ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَالسِّتَّةُ بِشَهْرَيْنِ وَقَدْ جَاءَ هَذَا فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ فِي كِتَابِ النَّسَائِيِّ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ) صَحِيحٌ وَلَوْ قَالَ سِتَّةً بِالْهَاءِ جَازَ أَيْضًا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ صُمْنَا خَمْسًا وَسِتًّا)

(باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها

وَخَمْسَةً وَسِتَّةً وَإِنَّمَا يَلْتَزِمُونَ الْهَاءَ فِي الْمُذَكَّرِ إِذَا ذَكَرُوهُ بِلَفْظِهِ صَرِيحًا فَيَقُولُونَ صُمْنَا سِتَّةَ أَيَّامٍ وَلَا يَجُوزُ سِتَّ أَيَّامٍ فَإِذَا حَذَفُوا الْأَيَّامَ جَازَ الْوَجْهَانِ وَمِمَّا جَاءَ حَذْفُ الْهَاءِ فِيهِ مِنَ الْمُذَكَّرِ إِذَا لَمْ يُذْكَرْ بِلَفْظِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا أَيْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَقَدْ بَسَطْتُ إِيضَاحَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ والحث على طلبها وبيان محلها وارجاء أَوْقَاتِ طَلَبِهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَسُمِّيَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لِمَا يُكْتَبُ فِيهَا لِلْمَلَائِكَةِ مِنَ الْأَقْدَارِ وَالْأَرْزَاقِ وَالْآجَالِ الَّتِي تَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ كَقَوْلِهِ تعالى فيها يفرق كل أمر حكيم وَقَوْلِهِ تَعَالَى تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ ربهم من كل أمر وَمَعْنَاهُ يُظْهِرُ لِلْمَلَائِكَةِ مَا سَيَكُونُ فِيهَا وَيَأْمُرُهُمْ بِفِعْلِ مَا هُوَ مِنْ وَظِيفَتِهِمْ وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَتَقْدِيرُهُ لَهُ وَقِيلَ سُمِّيَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لِعِظَمِ قَدْرِهَا وَشَرَفِهَا وَأَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ عَلَى وُجُودِهَا وَدَوَامِهَا إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّهَا فَقَالَ جَمَاعَةٌ هِيَ مُنْتَقِلَةٌ تَكُونُ فِي سَنَةٍ فِي لَيْلَةٍ وَفِي سَنَةٍ أُخْرَى فِي لَيْلَةٍ أُخْرَى وَهَكَذَا وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَيُقَالُ كُلُّ حَدِيثٍ جَاءَ بِأَحَدِ أَوْقَاتِهَا وَلَا تَعَارُضَ فِيهَا قَالَ وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا وَإِنَّمَا تَنْتَقِلُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَقِيلَ بَلْ فِي كُلِّهِ وَقِيلَ إِنَّهَا مُعَيَّنَةٌ فَلَا تَنْتَقِلُ أَبَدًا بَلْ هِيَ لَيْلَةٌ مُعَيَّنَةٌ فِي جَمِيعِ السِّنِينَ لَا تُفَارِقُهَا وَعَلَى هَذَا قِيلَ فِي السَّنَةِ كلها وهو قول بن مَسْعُودٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَقِيلَ بَلْ فِي شهر رمضان كله وهو قول بن عُمَرَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقِيلَ بَلْ فِي الْعَشْرِ الْوَسَطِ وَالْأَوَاخِرِ وَقِيلَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَقِيلَ تَخْتَصُّ بِأَوْتَارِ الْعَشْرِ وَقِيلَ بِأَشْفَاعِهَا كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَقِيلَ بَلْ فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ قَوْلُ بن عَبَّاسٍ وَقِيلَ تُطْلَبُ فِي لَيْلَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ)

أَوْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَحُكِيَ عن على وبن مَسْعُودٍ وَقِيلَ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وعشرين وهو محكى عن بلال وبن عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَقِيلَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقِيلَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وبن مَسْعُودٍ أَيْضًا وَقِيلَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَحُكِيَ عَنِ بن مَسْعُودٍ أَيْضًا وَحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا وَقِيلَ آخِرُ لَيْلَةٍ مِنَ الشَّهْرِ قَالَ الْقَاضِي وَشَذَّ قَوْمٌ فَقَالُوا رُفِعَتْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَلَاحَا الرَّجُلَانِ فَرُفِعَتْ وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الشَّاذِّينَ لِأَنَّ آخِرَ الْحَدِيثِ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ فَالْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ هَكَذَا هُوَ فِي أَوَّلِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِرَفْعِهَا رَفْعُ بَيَانِ عِلْمِ عَيْنِهَا وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ رَفْعَ وُجُودِهَا لَمْ يَأْمُرْ بِالْتِمَاسِهَا [1165] قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (أرى رؤياكم قد تواطت) أَيْ تَوَافَقَتْ وَهَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ بِطَاءٍ ثُمَّ تَاءٍ وَهُوَ مَهْمُوزٌ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ بِأَلِفٍ بَيْنَ الطَّاءِ وَالتَّاءِ صُورَةً لِلْهَمْزَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَتِهِ مَهْمُوزًا قَالَ اللَّهُ تعالى ليواطئوا عدة ما حرم الله قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ) أَيِ احْرِصُوا عَلَى طَلَبِهَا وَاجْتَهِدُوا فِيهِ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْغَوَابِرِ) يَعْنِي الْبَوَاقِي وَهِيَ الْأَوَاخِرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنِ السَّبْعِ بَدَلَ عَلَى وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَحَيَّنُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ) أَيِ اطْلُبُوا حِينَهَا وَهُوَ زَمَانُهَا

[1166] قوله صلى الله عليه وسلم (أيقظنى بعض أَهْلِي فَنُسِّيتُهَا وَقَالَ حَرْمَلَةُ فَنَسِيتُهَا) الْأَوَّلُ بِضَمِّ النُّونِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ وَالثَّانِي بِفَتْحِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ [1167] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَبِتْ فِي مُعْتَكَفِهِ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ فَلْيَبِتْ مِنَ الْمَبِيتِ وَفِي بَعْضِهَا فَلْيَثْبُتْ مِنَ الثُّبُوتِ وَفِي بَعْضِهَا فَلْيَلْبَثْ مِنَ اللُّبْثِ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فَلْيَثْبُتْ هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ مِنَ الثُّبُوتِ وَفِي بَعْضِهَا فَلْيَبِتْ مِنَ الْمَبِيتِ وَمُعْتَكَفِهِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَهُوَ مَوْضِعُ الِاعْتِكَافِ قَوْلُهُ (فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ) أَيْ قَطَرَ مَاءُ الْمَطَرِ مِنْ سَقْفِهِ قَوْلُهُ (فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَقَدِ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَوَجْهُهُ مُبْتَلٌّ طِينًا

وَمَاءً) قَالَ الْبُخَارِيُّ وَكَانَ الْحُمَيْدِيُّ يَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ لِلْمُصَلِّي أَنْ لَا يَمْسَحَ جَبْهَتَهُ فِي الصَّلَاةِ وَكَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَمْسَحَهَا فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا لَا يَمْنَعُ مُبَاشَرَةَ بَشَرَةِ الْجَبْهَةِ لِلْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يَمْنَعُ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ سُجُودُهُ بَعْدَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي مَنْعِ السُّجُودِ عَلَى حَائِلٍ مُتَّصِلٍ بِهِ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (وَجَبِينُهُ مُمْتَلِئًا طِينًا وَمَاءً) لَا يُخَالِفُ مَا تَأَوَّلْنَاهُ لِأَنَّ الْجَبِينَ غَيْرُ الْجَبْهَةِ فَالْجَبِينُ فِي جَانِبِ الْجَبْهَةِ وَلِلْإِنْسَانِ جَبِينَانِ يَكْتَنِفَانِ الْجَبْهَةَ وَلَا يَلْزَمُ مِنَ امْتِلَاءِ الْجَبِينِ امْتِلَاءُ الْجَبْهَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ (مُمْتَلِئًا) كَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ مُمْتَلِئًا بِالنَّصْبِ وَفِي بَعْضِهَا مُمْتَلِئٌ وَيُقَدَّرُ لِلْمَنْصُوبِ فِعْلٌ مَحْذُوفٌ أَيْ وَجَبِينُهُ رَأَيْتُهُ مُمْتَلِئًا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى (ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَالْمَشْهُورُ فِي الِاسْتِعْمَالِ تَأْنِيثُ الْعَشْرِ كَمَا قَالَ فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَتَذْكِيرُهُ أَيْضًا لُغَةٌ صَحِيحَةٌ بِاعْتِبَارِ الْأَيَّامِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْوَقْتِ

وَالزَّمَانِ وَيَكْفِي فِي صِحَّتِهَا ثُبُوتُ اسْتِعْمَالِهَا فِي هذا الْحَدِيثِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ) أَيْ قُبَّةٌ صَغِيرَةٌ مِنْ لُبُودٍ قَوْلُهُ (وَرَوْثَةُ أَنْفِهِ) هِيَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَهِيَ طَرَفُهُ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا أَرْنَبَةُ الْأَنْفِ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَوْلُهُ (وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً) أَيْ قِطْعَةُ سَحَابٍ قوله

(أَمَرَ بِالْبِنَاءِ فَقُوِّضَ) هُوَ بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ وَوَاوٍ مَكْسُورَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَمَعْنَاهُ أُزِيلَ يُقَالُ قَاضَ الْبِنَاءُ وَانْقَاضَ أَيِ انْهَدَمَ وَقَوَّضْتُهُ أَنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَجُلَانِ يَحْتَقَّانِ) هُوَ بِالْقَافِ وَمَعْنَاهُ يَطْلُبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقَّهُ وَيَدَّعِي أَنَّهُ الْمُحِقُّ وَفِيهِ أَنَّ الْمُخَاصَمَةَ وَالْمُنَازَعَةَ مَذْمُومَةٌ وَأَنَّهَا سَبَبٌ لِلْعُقُوبَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ قَوْلُهُ (فَإِذَا مَضَتْ وَاحِدَةٌ وَعِشْرُونَ فَالَّتِي تَلِيهَا ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ فَهِيَ التَّاسِعَةُ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النسخ ثنتين وعشرين بالياء وفي بعضها اثنتان وعشرون بالالف

وَالْوَاوِ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَعْنِي ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ قَوْلُهُ (وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ يَقُولُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَالْأَوَّلُ جَارٍ عَلَى لُغَةٍ شَاذَّةٍ أَنَّهُ يَجُوزُ حَذْفُ الْمُضَافِ وَيَبْقَى الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَجْرُورًا أَيْ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ [762] قَوْلُهُ (أَنَّهَا تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ لَا شُعَاعَ لَهَا) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ أَنَّهَا تَطْلُعُ

من غير ذكر الشمس وحذفت للعلم بها فَعَادَ الضَّمِيرُ إِلَى مَعْلُومٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى تَوَارَتْ بالحجاب ونظائره والشعاع بِضَمِّ الشِّينِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ مَا يُرَى مِنْ ضَوْئِهَا عِنْدَ بُرُوزِهَا مِثْلَ الْحِبَالِ وَالْقُضْبَانِ مُقْبِلَةً إِلَيْكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذَا الْمَشْهُورَ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي تَرَاهُ مُمْتَدًّا بَعْدَ الطُّلُوعِ قَالَ وَقِيلَ هُوَ انْتِشَارُ ضَوْئِهَا وَجَمْعُهُ أَشِعَّةٌ وَشُعُعٌ بِضَمِّ الشِّينِ وَالْعَيْنِ وَأَشَعَّتِ الشَّمْسُ نَشَرَتْ شُعَاعَهَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قِيلَ مَعْنَى لَا شُعَاعَ لَهَا أَنَّهَا عَلَامَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهَا قَالَ وَقِيلَ بَلْ لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِ الْمَلَائِكَةِ فِي لَيْلَتِهَا وَنُزُولِهَا إِلَى الْأَرْضِ وَصُعُودِهَا بِمَا تَنْزِلُ بِهِ سَتَرَتْ بِأَجْنِحَتِهَا وَأَجْسَامِهَا اللَّطِيفَةِ ضَوْءَ الشَّمْسِ وَشُعَاعَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1170] قَوْلُهُ (تَذَاكَرْنَا

(كتاب الاعتكاف هو في اللغة الحبس والمكث واللزوم

لَيْلَةَ الْقَدْرِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيُّكُمْ يَذْكُرُ حِينَ طَلَعَ الْقَمَرُ وَهُوَ مِثْلُ شِقِّ جَفْنَةٍ) بِكَسْرِ الشِّينِ وهو النصف والجفنة بِفَتْحِ الْجِيمِ مَعْرُوفَةٌ قَالَ الْقَاضِي فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا إِنَّمَا تَكُونُ فِي أَوَاخِرِ الشَّهْرِ لِأَنَّ الْقَمَرَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ عِنْدَ طُلُوعِهِ إِلَّا فِي أَوَاخِرِ الشَّهْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَوْجُودَةٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فَإِنَّهَا تُرَى وَيَتَحَقَّقُهَا مَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَنِي آدَمَ كُلَّ سَنَةٍ فِي رَمَضَانَ كَمَا تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ فِي الْبَابِ وَإِخْبَارُ الصَّالِحِينَ بِهَا وَرُؤْيَتُهُمْ لَهَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَأَمَّا قَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ عَنِ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهَا حَقِيقَةً فَغَلَطٌ فَاحِشٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (كتاب الاعتكاف هُوَ فِي اللُّغَةِ الْحَبْسُ وَالْمُكْثُ وَاللُّزُومُ وَفِي الشَّرْعِ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ بصفة مخصوصة ويسمى الاعتكاف جوارا وَمِنْهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي أَوَائِلِ الِاعْتِكَافِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْغِي إِلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا)

حَائِضٌ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ الْأَحَادِيثَ فِي اعْتِكَافِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ وَالْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ شَوَّالٍ فَفِيهَا اسْتِحْبَابُ الِاعْتِكَافِ وَتَأَكُّدِ اسْتِحْبَابِهِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَعَلَى أَنَّهُ مُتَأَكِّدٌ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَمُوَافِقِيهِمْ أَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ بَلْ يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْفِطْرِ وَيَصِحُّ اعْتِكَافُ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ وَضَابِطُهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مُكْثُ يَزِيدَ عَلَى طُمَأْنِينَةِ الرُّكُوعِ أَدْنَى زِيَادَةٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَفِيهِ خِلَافٌ شَاذٌّ فِي الْمَذْهَبِ وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّهُ يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْمَارِّ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ لُبْثٍ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ فَيَنْبَغِي لِكُلِّ جَالِسٍ فِي الْمَسْجِدِ لِانْتِظَارِ صَلَاةٍ أَوْ لِشُغُلٍ آخَرَ مِنْ آخِرَةٍ أَوْ دُنْيَا أَنْ يَنْوِيَ الاعتكاف فيحسب له ويثاب عليه مالم يَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ فَإِذَا خَرَجَ ثُمَّ دَخَلَ جَدَّدَ نِيَّةً أُخْرَى وَلَيْسَ لِلِاعْتِكَافِ ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ وَلَا فِعْلٌ آخَرُ سِوَى اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ وَلَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامِ دُنْيَا أَوْ عَمِلَ صَنْعَةً مِنْ خِيَاطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَكْثَرُونَ يُشْتَرَطُ فِي الِاعْتِكَافِ الصَّوْمُ فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ مفطر وحتجوا بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِاعْتِكَافِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ شَوَّالٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال يارسول اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً

فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ أَوْفِ بِنَذْرِكَ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاللَّيْلُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجَهُ وَأَصْحَابَهُ إِنَّمَا اعْتَكَفُوا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْمَشَقَّةِ فِي مُلَازَمَتِهِ فَلَوْ جَازَ فِي الْبَيْتِ لفعلوه ولو مرة لاسيما النِّسَاءُ لِأَنَّ حَاجَتَهُنَّ إِلَيْهِ فِي الْبُيُوتِ أَكْثَرُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ اخْتِصَاصِهِ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَدَاوُدَ وَالْجُمْهُورِ سَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْمَرْأَةِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْمُهَيَّأُ مِنْ بَيْتِهَا لِصَلَاتِهَا قَالَ وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ وَكَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَصْحَابِهِ وَجَوَّزَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِمَا ثُمَّ اخْتَلَفَ الْجُمْهُورُ الْمُشْتَرِطُونَ الْمَسْجِدَ الْعَامَّ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَجُمْهُورُهُمْ يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَقَالَ أَحْمَدُ يَخْتَصُّ بِمَسْجِدٍ تُقَامُ الْجَمَاعَةُ الرَّاتِبَةُ فِيهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَخْتَصُّ بِمَسْجِدٍ تُصَلَّى فِيهِ الصَّلَوَاتُ كُلُّهَا وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَآخَرُونَ يَخْتَصُّ بِالْجَامِعِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَنَقَلُوا عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ الصَّحَابِيِّ اخْتِصَاصَهُ بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وأجمعوا على أنه لاحد لِأَكْثَرِ الِاعْتِكَافِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ) احْتَجَّ بِهِ مَنْ يَقُولُ يَبْدَأُ بِالِاعْتِكَافِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يَدْخُلُ فِيهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِذَا أَرَادَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ أَوِ اعْتِكَافَ عَشْرٍ وَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ عَلَى

أَنَّهُ دَخَلَ الْمُعْتَكَفَ وَانْقَطَعَ فِيهِ وَتَخَلَّى بِنَفْسِهِ بَعْدَ صَلَاتِهِ الصُّبْحَ لَا أَنَّ ذَلِكَ وَقْتَ ابْتِدَاءِ الِاعْتِكَافِ بَلْ كَانَ مِنْ قَبْلِ الْمَغْرِبِ مُعْتَكِفًا لَابِثًا فِي جُمْلَةِ الْمَسْجِدِ فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ انْفَرَدَ قَوْلُهُ (وَأَنَّهُ أَمَرَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ) قَالُوا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْمُعْتَكِفِ لِنَفْسِهِ مَوْضِعًا مِنَ الْمَسْجِدِ يَنْفَرِدُ فِيهِ مُدَّةَ اعتكافه مالم يضيق على الناس واذا اتخذه يَكُونُ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ وَرِحَابِهِ لِئَلَّا يُضَيِّقَ عَلَى غَيْرِهِ وَلِيَكُونَ أَخْلَى لَهُ وَأَكْمَلَ فِي انْفِرَادِهِ قَوْلُهُ (نَظَرَ فَإِذَا الْأَخْبِيَةُ فَقَالَ آلْبِرَّ يردن فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ) قُوِّضَ بِالْقَافِ الْمَضْمُومَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أُزِيلَ وَقَوْلُهُ آلْبِرَّ أَيِ الطَّاعَةَ قَالَ الْقَاضِي قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الكلام انكار لِفِعْلِهِنَّ وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِبَعْضِهِنَّ فِي ذَلِكَ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ وَسَبَبُ إِنْكَارِهِ أَنَّهُ خَافَ أَنْ يَكُنَّ غَيْرَ مُخْلِصَاتٍ فِي الِاعْتِكَافِ بَلْ أَرَدْنَ الْقُرْبَ مِنْهُ لِغَيْرَتِهِنَّ عَلَيْهِ أَوْ لِغَيْرَتِهِ عَلَيْهِنَّ فَكَرِهَ مُلَازَمَتَهُنَّ الْمَسْجِدَ مَعَ أَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ وَيَحْضُرُهُ الْأَعْرَابُ وَالْمُنَافِقُونَ وَهُنَّ مُحْتَاجَاتٌ إِلَى الْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ لِمَا يَعْرِضْ لَهُنَّ فَيَبْتَذِلْنَ بِذَلِكَ أَوْ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُنَّ عِنْدَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي مَنْزِلِهِ بِحُضُورِهِ مَعَ أَزْوَاجِهِ وَذَهَبَ الْمُهِمُّ مِنْ مَقْصُودِ الِاعْتِكَافِ وَهُوَ التَّخَلِّي عَنِ الْأَزْوَاجِ وَمُتَعَلِّقَاتِ الدُّنْيَا وَشِبْهِ ذَلِكَ أَوْ لِأَنَّهُنَّ ضَيَّقْنَ الْمَسْجِدَ بِأَبْنِيَتِهِنَّ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ

(باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان [1174] قولها

لِصِحَّةِ اعْتِكَافِ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَذِنَ لَهُنَّ وَإِنَّمَا مَنَعَهُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ لِعَارِضٍ وَفِيهِ أَنَّ لِلرَّجُلِ مَنْعَ زَوْجَتِهِ مِنَ الِاعْتِكَافِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً فَلَوْ أَذِنَ لَهَا فَهَلْ لَهُ مَنْعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَدَاوُدَ لَهُ مَنْعُ زَوْجَتِهِ وَمَمْلُوكِهِ وَإِخْرَاجُهُمَا مِنَ اعْتِكَافِ التَّطَوُّعِ وَمَنَعَهُمَا مَالِكٌ وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ إِخْرَاجَ الْمَمْلُوكِ دُونَ الزَّوْجَةِ (باب الِاجْتِهَادِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ [1174] قَوْلُهَا (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ [1175] وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي العشر الأواخر مالم يَجْتَهِدْ فِي غَيْرِهِ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ)

(باب صوم عشر ذي الحجة [1176] فيه قول عائشة (ما رأيت رسول

فِي مَعْنَى شَدَّ الْمِئْزَرَ فَقِيلَ هُوَ الِاجْتِهَادُ فِي الْعِبَادَاتِ زِيَادَةً عَلَى عَادَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِهِ وَمَعْنَاهُ التَّشْمِيرُ فِي الْعِبَادَاتِ يُقَالُ شَدَدْتُ لِهَذَا الْأَمْرِ مِئْزَرِي أَيْ تَشَمَّرْتُ لَهُ وَتَفَرَّغْتُ وَقِيلَ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ اعْتِزَالِ النِّسَاءِ لِلِاشْتِغَالِ بِالْعِبَادَاتِ وَقَوْلُهَا أَحْيَا اللَّيْلَ أَيِ اسْتَغْرَقَهُ بِالسَّهَرِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَقَوْلُهَا وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ أَيْ أَيْقَظَهُمْ لِلصَّلَاةِ فِي اللَّيْلِ وَجَدَّ فِي الْعِبَادَةِ زِيَادَةً عَلَى الْعَادَةِ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُزَادَ مِنَ الْعِبَادَاتِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَاسْتِحْبَابُ إِحْيَاءِ لَيَالِيهِ بِالْعِبَادَاتِ وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ قِيَامُ اللَّيْلِ كُلِّهِ فَمَعْنَاهُ الدَّوَامُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقُولُوا بِكَرَاهَةِ لَيْلَةٍ وَلَيْلَتَيْنِ وَالْعَشْرِ وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ إِحْيَاءِ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْمِئْزَرُ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَهْمُوزٌ وَهُوَ الْإِزَارُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ صَوْمِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ [1176] فِيهِ قَوْلُ عَائِشَةَ (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ) وَفِي رِوَايَةٍ لَمْ يَصُمِ الْعَشْرَ قَالَ الْعُلَمَاءُ هذا الحديث مما يوهم كراهة صوم العشر وَالْمُرَادُ بِالْعَشْرِ هُنَا الْأَيَّامُ التِّسْعَةُ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ قَالُوا وَهَذَا مِمَّا يُتَأَوَّلُ فَلَيْسَ فِي صَوْمِ هَذِهِ التِّسْعَةِ كَرَاهَةٌ بَلْ هِيَ مستحبة استحبابا شديدا لاسيما التَّاسِعُ مِنْهَا وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَقَدْ سَبَقَتِ الْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِهِ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْهُ فِي هَذِهِ يَعْنِي الْعَشْرَ الْأَوَائِلَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَيُتَأَوَّلُ قَوْلُهَا لَمْ يَصُمِ الْعَشْرَ أَنَّهُ لَمْ يَصُمْهُ)

(كتاب الحج الحج بفتح الحاء هو المصدر وبالفتح

لِعَارِضِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ أَنَّهَا لَمْ تَرَهُ صَائِمًا فِيهِ وَلَا يَلْزَمُ من ذَلِكَ عَدَمُ صِيَامِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ حَدِيثُ هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ امْرَأَتِهِ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ الِاثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا لَفْظُهُ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَتِهِمَا وَخَمِيسَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ الْأَخِيرِ (وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ) وَهُوَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَفِي بَعْضِهَا شُعْبَةُ بَدَلُ سُفْيَانَ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ رِوَايَةِ الْفَارِسِيِّ وَنَقَلَ الْأَوَّلَ عَنْ جُمْهُورِ الرُّوَاةِ لِصَحِيحِ مُسْلِمٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (كِتَابُ الْحَجِّ الْحَجُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ هُوَ الْمَصْدَرُ وَبِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ جَمِيعًا هُوَ الِاسْمُ مِنْهُ وَأَصْلُهُ الْقَصْدُ وَيُطْلَقُ عَلَى الْعَمَلِ أَيْضًا وَعَلَى الْإِتْيَانِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَأَصْلُ الْعُمْرَةِ الزِّيَارَةُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَجَّ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ مُسْتَطِيعٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِ الْعُمْرَةِ فَقِيلَ وَاجِبَةٌ وَقِيلَ مُسْتَحَبَّةٌ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا وُجُوبُهَا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَجُّ وَلَا الْعُمْرَةُ فِي عُمُرِ الْإِنْسَانِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَّا أَنْ يَنْذِرَ فَيَجِبَ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ بِشَرْطِهِ وَإِلَّا إِذَا دَخَلَ مَكَّةَ أَوْ حَرَمَهَا لِحَاجَةٍ لَا تَتَكَرَّرُ مِنْ تِجَارَةٍ أَوْ زِيَارَةٍ وَنَحْوِهِمَا فَفِي وُجُوبِ الْإِحْرَامِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ خِلَافُ الْعُلَمَاءِ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا اسْتِحْبَابُهُ وَالثَّانِي وُجُوبُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَدْخُلَ لِقِتَالٍ وَلَا خَائِفًا مِنْ ظُهُورِهِ وَبُرُوزِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْحَجِّ هَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَوِ التَّرَاخِي فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يوسف)

باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة لبسه ومالا يباح

وَطَائِفَةٌ هُوَ عَلَى التَّرَاخِي إِلَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى حَالٍ يُظَنُّ فَوَاتُهُ لَوْ أَخَّرَهُ عَنْهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَآخَرُونَ هُوَ عَلَى الفور والله أعلم (باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة لبسه ومالا يباح (وبيان تحريم الطيب عَلَيْهِ) [1177] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سُئِلَ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ (لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا الْخِفَافَ الا أحد لايجد النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران ولاالورس) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا مِنْ بَدِيعِ الْكَلَامِ وَجَزِلِهِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَمَّا يَلْبَسُهُ الْمُحْرِمُ فَقَالَ لَا يَلْبَسُ كَذَا وَكَذَا فَحَصَلَ فِي الْجَوَابِ أَنَّهُ لَا يَلْبَسُ الْمَذْكُورَاتِ وَيَلْبَسُ مَا سِوَى ذَلِكَ وَكَانَ التَّصْرِيحُ بِمَا لَا يَلْبَسُ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُنْحَصِرٌ وَأَمَّا الْمَلْبُوسُ الْجَائِزُ لِلْمُحْرِمِ فَغَيْرُ مُنْحَصِرٍ فَضُبِطَ الْجَمِيعُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَلْبَسُ كَذَا وَكَذَا يَعْنِي وَيَلْبَسُ مَا سِوَاهُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ على أنه لا يجوز للمحرم لبس شئ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَأَنَّهُ نَبَّهَ بِالْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ عَلَى جَمِيعِ مَا فِي مَعْنَاهُمَا وَهُوَ مَا كَانَ مُحِيطًا أَوْ مَخِيطًا مَعْمُولًا عَلَى)

قَدْرِ الْبَدَنِ أَوْ قَدْرِ عُضْوٍ مِنْهُ كَالْجَوْشَنِ وَالتُّبَّانِ وَالْقُفَّازِ وَغَيْرِهَا وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَمَائِمِ وَالْبَرَانِسِ عَلَى كُلِّ سَاتِرٍ لِلرَّأْسِ مَخِيطًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى الْعِصَابَةُ فَإِنَّهَا حَرَامٌ فَإِنِ احْتَاجَ إِلَيْهَا لِشَجَّةٍ أَوْ صُدَاعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا شَدَّهَا وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخِفَافِ عَلَى كُلِّ سَاتِرٍ لِلرِّجْلِ مِنْ مَدَاسٍ وَجُمْجُمٍ وَجَوْرَبٍ وَغَيْرِهَا وَهَذَا كُلُّهُ حُكْمُ الرِّجَالِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُبَاحُ لَهَا سَتْرُ جَمِيعِ بَدَنِهَا بِكُلِّ سَاتِرٍ مِنْ مَخِيطٍ وَغَيْرِهِ إِلَّا سَتْرَ وَجْهِهَا فَإِنَّهُ حَرَامٌ بِكُلِّ سَاتِرٍ وَفِي سَتْرِ يَدَيْهَا بِالْقُفَّازَيْنِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا تَحْرِيمُهُ وَنَبَّهَ صَلَّى الله عليه وسلم بالورس والزعفران على مافي مَعْنَاهُمَا وَهُوَ الطِّيبُ فَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا فِي الْإِحْرَامِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الطِّيبِ وَالْمُرَادُ مَا يُقْصَدُ بِهِ الطِّيبُ وَأَمَّا الْفَوَاكِهُ كَالْأُتْرُجِّ وَالتُّفَّاحِ وَأَزْهَارِ الْبَرَارِي كَالشِّيحِ وَالْقَيْصُومِ وَنَحْوِهِمَا فَلَيْسَ بِحَرَامٍ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ لِلطِّيبِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي تَحْرِيمِ اللِّبَاسِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْمُحْرِمِ وَلِبَاسِهِ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ أَنْ يَبْعُدَ عَنِ التَّرَفُّهِ وَيَتَّصِفَ بِصِفَةِ الْخَاشِعِ الذَّلِيلِ وَلِيَتَذَكَّرَ أَنَّهُ مُحْرِمٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَيَكُونُ أَقْرَبَ إِلَى كَثْرَةِ أَذْكَارِهِ وَأَبْلَغَ فِي مُرَاقَبَتِهِ وَصِيَانَتِهِ لِعِبَادَتِهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنَ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ وَلِيَتَذَكَّرَ بِهِ الْمَوْتَ وَلِبَاسَ الْأَكْفَانِ وَيَتَذَكَّرَ الْبَعْثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالنَّاسُ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي وَالْحِكْمَةُ فِي تَحْرِيمِ الطِّيبِ وَالنِّسَاءِ أَنْ يَبْعُدَ عَنِ التَّرَفُّهِ وَزِينَةِ الدُّنْيَا وَمَلَاذِّهَا وَيَجْتَمِعَ هَمُّهُ لِمَقَاصِدِ الْآخِرَةِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ بن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَطْعَهُمَا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هذين

الْحَدِيثَيْنِ فَقَالَ أَحْمَدُ يَجُوزُ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ بِحَالِهِمَا ولا يجب قطعهما لحديث بن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَزْعُمُونَ نَسْخَ حَدِيثِ بن عُمَرَ الْمُصَرِّحِ بِقَطْعِهِمَا وَزَعَمُوا أَنَّ قَطْعَهُمَا إِضَاعَةُ مَالٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ لَا يَجُوزُ لُبْسُهُمَا إِلَّا بَعْدَ قَطْعِهِمَا أسفل من الكعبين لحديث بن عمر قالوا وحديث بن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ مُطْلَقَانِ فَيَجِبُ حَمْلُهُمَا عَلَى الْمَقْطُوعَيْنِ لحديث بن عُمَرَ فَإِنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَقَوْلُهُمْ إِنَّهُ إِضَاعَةُ مَالٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْإِضَاعَةَ إِنَّمَا تَكُونُ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ وَأَمَّا مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فَلَيْسَ بِإِضَاعَةٍ بَلْ حَقٍّ يَجِبُ الْإِذْعَانُ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي لَابِسِ الْخُفَّيْنِ لِعَدَمِ النَّعْلَيْنِ هَلْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ أَمْ لا فقال مالك والشافعي ومن وافقهما لاشيء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ فِدْيَةٌ لَبَيَّنَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ كَمَا إِذَا احْتَاجَ إِلَى حَلْقِ الرَّأْسِ يَحْلِقُهُ وَيَفْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1177] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلَا الْوَرْسُ) أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ لِبَاسِهِمَا لِكَوْنِهِمَا طِيبًا وَأَلْحَقُوا بِهِمَا جَمِيعَ أَنْوَاعِ مَا يُقْصَدُ بِهِ الطِّيبُ وَسَبَبُ تَحْرِيمِ الطِّيبِ أَنَّهُ دَاعِيَةٌ إِلَى الْجِمَاعِ وَلِأَنَّهُ يُنَافِي تَذَلُّلَ الْحَاجِّ فَإِنَّ الْحَاجَّ أَشْعَثُ أَغْبَرُ وَسَوَاءٌ فِي تَحْرِيمِ الطِّيبِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَكَذَا جَمِيعُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ سِوَى اللِّبَاسِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَمُحَرَّمَاتُ الْإِحْرَامِ سَبْعَةٌ اللِّبَاسُ بِتَفْصِيلِهِ السَّابِقِ وَالطِّيبُ وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ وَدَهْنُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَعَقْدُ النِّكَاحِ وَالْجِمَاعِ وَسَائِرُ الِاسْتِمْتَاعِ حَتَّى الِاسْتِمْنَاءُ وَالسَّابِعُ إِتْلَافُ الصَّيْدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ مَا نُهِيَ عَنْهُ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ إِنْ كَانَ عَامِدًا بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فَلَا فِدْيَةَ عِنْدَ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَوْجَبَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَلَا يَحْرُمُ الْمُعَصْفَرُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَحَرَّمَهُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَعَلَاهُ طِيبًا وَأَوْجَبَا فِيهِ الْفِدْيَةَ وَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ بِغَيْرِ طِيبٍ وَلَا يَحْرُمُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْإِزَارَ وَالْخُفَّانِ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ) يَعْنِي الْمُحْرِمُ هَذَا صَرِيحٌ في الدلالة

لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ فِي جَوَازِ لُبْسِ السَّرَاوِيلِ لِلْمُحْرِمِ إِذَا لَمْ يَجِدْ إِزَارًا وَمَنَعَهُ مَالِكٌ لِكَوْنِهِ لم يذكر وفي حديث بن عمر السابق والصواب اباحته بحديث بن عَبَّاسٍ هَذَا مَعَ حَدِيثِ جَابِرٍ بَعْدَهُ أَمَّا حديث بن عُمَرَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ حالة وجود الازار وذكر في حديث بن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ حَالَةَ الْعَدَمِ فَلَا مُنَافَاةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ) فِيهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ إِحْدَاهُمَا إِسْكَانُ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفُ الرَّاءِ وَالثَّانِيَةُ كَسْرُ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدُ الرَّاءِ وَالْأُولَى أَفْصَحُ وَبِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهَكَذَا اللُّغَتَانِ فِي تَخْفِيفِ الْحُدَيْبِيَةِ وَتَشْدِيدِهَا وَالْأَفْصَحُ التَّخْفِيفُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ [1180] قَوْلُهُ (عَلَيْهِ جُبَّةٌ وَعَلَيْهَا خَلُوقٌ) هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الطِّيبِ يعمل

فِيهِ زَعْفَرَانٌ قَوْلُهُ (لَهُ غَطِيطٌ) هُوَ كَصَوْتِ النَّائِمِ الَّذِي يُرَدِّدُهُ مَعَ نَفَسِهِ قَوْلُهُ (كَغَطِيطِ الْبَكْرِ) هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَهُوَ الْفَتِيُّ مِنَ الْإِبِلِ قَوْلُهُ (فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ) هُوَ بِضَمِّ السِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ أُزِيلَ مَا بِهِ وَكُشِفَ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسَّائِلِ عَنِ الْعُمْرَةِ (اغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الصُّفْرَةِ) فِيهِ تَحْرِيمُ الطِّيبِ عَلَى الْمُحْرِمِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا لِأَنَّهُ إِذَا حَرُمَ دَوَامًا فَالِابْتِدَاءُ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ وَفِيهِ إِنَّ الْعُمْرَةَ يَحْرُمُ فِيهَا مِنَ الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ السَّبْعَةِ السَّابِقَةِ مَا يَحْرُمُ فِي الْحَجِّ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ أَصَابَهُ طِيبٌ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا ثُمَّ عَلِمَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَةُ إِلَى إِزَالَتِهِ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ أَصَابَهُ فِي إِحْرَامِهِ طِيبٌ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُدُ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لَكِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ إِنَّمَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ عَلَى الْمُتَطَيِّبِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا إِذَا طَالَ لُبْثُهُ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاخْلَعْ عَنْكَ جُبَّتَكَ) دَلِيلٌ لِمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا صَارَ عَلَيْهِ مَخِيطٌ يَنْزِعُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَقُّهُ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ لَا يَجُوزُ نَزْعُهُ لِئَلَّا يَصِيرَ مُغَطِّيًا رَأْسَهُ بَلْ يَلْزَمُهُ شَقُّهُ وَهَذَا مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا أَنْتَ صَانِعٌ فِي حَجِّكَ) مَعْنَاهُ مِنَ اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أَرَادَ مَعَ ذَلِكَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَالْحَلْقَ بِصِفَاتِهَا وَهَيْئَاتِهَا وَإِظْهَارَ التَّلْبِيَةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَيَخُصُّ مِنْ عُمُومِهِ مَا لَا يَدْخُلُ فِي الْعُمْرَةِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ كَالْوُقُوفِ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بِمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ هَذَا السَّائِلَ كَانَ عَالِمًا بِصِفَةِ الْحَجِّ دُونَ الْعُمْرَةِ فَلِهَذَا قَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا أَنْتَ صَانِعٌ فِي حَجِّكَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي إِذَا لَمْ يَعْلَمْ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ أَمْسَكَ عَنْ جَوَابِهَا حَتَّى يَعْلَمَهُ أَوْ يَظُنَّهُ بِشَرْطِهِ وَفِيهِ أَنَّ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَيْسَتْ فِي الْقُرْآنِ مَا هُوَ بِوَحْيٍ لَا يُتْلَى وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الِاجْتِهَادُ وَإِنَّمَا كَانَ يَحْكُمُ بِوَحْيٍ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ بِالِاجْتِهَادِ حُكْمُ ذَلِكَ أَوْ أَنَّ الْوَحْيَ بَدَرَهُ قَبْلَ تَمَامِ الِاجْتِهَادِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَكَانَ يَعْلَى يَقُولُ وَدِدْتُ أَنِّي أَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَقَالَ أَيَسُرُّكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فَقَالَ أَيَسُرُّكَ وَلَمْ يُبَيِّنِ الْقَائِلُ مَنْ هُوَ وَلَا سَبَقَ لَهُ ذِكْرٌ وَهَذَا الْقَائِلُ هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ قوله (وعليه مقطعات) هي بفتح الطاء المشددة وهي الثياب المخيطة وأوضحه بقوله يعنى جبة قَوْلُهُ (مُتَضَمِّخٌ) هُوَ بِالضَّادِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ أَيْ مُتَلَوِّثٌ بِهِ مُكْثِرٌ مِنْهُ

قَوْلُهُ (مُحْمَرُّ الْوَجْهِ يَغِطُّ) هُوَ بِكَسْرِ الْغَيْنِ وسبب ذلك شدة الوحى وهو له قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثقيلا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) إِنَّمَا أَمَرَ بِالثَّلَاثِ مُبَالَغَةً فِي إِزَالَةِ لَوْنِهِ وَرِيحِهِ وَالْوَاجِبُ الْإِزَالَةُ فَإِنْ حَصَلَتْ بِمَرَّةٍ كَفَتْ وَلَمْ تَجِبِ الزِّيَادَةُ وَلَعَلَّ الطِّيبَ الَّذِي كَانَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ كَثِيرٌ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ مُتَضَمِّخٌ قَالَ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ اغْسِلْهُ فَكَرَّرَ الْقَوْلَ ثَلَاثًا وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ (صَفْوَانَ

بن يعلى بن أمية) وفي بعضها بن مُنْيَةَ وَهُمَا صَحِيحَانِ فَأُمَيَّةُ أَبُو يَعْلَى وَمُنْيَةُ أُمُّ يَعْلَى وَقِيلَ جَدَّتُهُ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ فَنُسِبَ تَارَةً إِلَى أَبِيهِ وَتَارَةً إِلَى أُمِّهِ وَهِيَ مُنْيَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ بَعْدَهَا نُونٌ سَاكِنَةٌ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا رَبَاحُ) هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَوْلُهُ (فَسَكَتَ عَنْهُ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ) أَيْ لَمْ يَرُدَّ جَوَابَهُ قَوْلُهُ (خَمَّرَهُ عُمَرُ بِالثَّوْبِ) أَيْ غَطَّاهُ وَأَمَّا إِدْخَالُ يَعْلَى رَأْسَهُ وَرُؤْيَتُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَإِذْنُ عُمَرَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَكُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ عَلِمُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَتِلْكَ الْحَالِ لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةُ الْإِيمَانِ بِمُشَاهَدَةِ حَالَةِ الْوَحْيِ الْكَرِيمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب مواقيت الحج)

(بَابُ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ) ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي الْبَابِ ثلاثة أحاديث حديث بن عَبَّاسٍ أَكْمَلُهَا لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِيهِ بِنَقْلِهِ الْمَوَاقِيتَ الْأَرْبَعَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِهَذَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِ الْبَابِ ثم حديث بن عُمَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ مِيقَاتَ أَهْلِ الْيَمَنِ بَلْ بَلَغَهُ بَلَاغًا ثُمَّ حَدِيثُ جَابِرٍ لِأَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ قَالَ أَحْسَبُ جَابِرًا رَفَعَهُ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ مَرْفُوعًا فَوَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْفَاءِ وَهِيَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ بَيْنَهُمَا نَحْوُ عَشْرِ مَرَاحِلَ أَوْ تِسْعٍ وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى نَحْوِ سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْهَا وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَهِيَ مِيقَاتٌ لَهُمْ وَلِأَهْلِ مِصْرَ وَهِيَ بِجِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ قِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ السَّيْلَ أَجْحَفَهَا فِي وَقْتٍ وَيُقَالُ لَهَا مَهْيَعَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ كَسْرَ الْهَاءِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ إِسْكَانُهَا وَهِيَ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ وَاللَّامَيْنِ وَيُقَالُ أَيْضًا أَلَمْلَمَ بِهَمْزَةٍ بَدَلَ الْيَاءِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَهُوَ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَاللُّغَةِ وَالتَّارِيخِ وَالْأَسْمَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَغَلِطَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ فِيهِ غَلَطَيْنِ فَاحِشَيْنِ فَقَالَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَزَعَمَ أَنَّ أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ وَالصَّوَابُ إِسْكَانُ الرَّاءِ وَأَنَّ أُوَيْسًا مَنْسُوبٌ إِلَى قَبِيلَةٍ مَعْرُوفَةٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو قَرَنٍ وَهِيَ بَطْنٌ مِنْ مُرَادٍ الْقَبِيلَةُ الْمَعْرُوفَةُ يُنْسَبُ إِلَيْهَا الْمُرَادِيُّ وَقَرْنُ الْمَنَازِلِ عَلَى نَحْوِ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ قَالُوا وَهُوَ أَقْرَبُ الْمَوَاقِيتِ إِلَى مَكَّةَ وَأَمَّا ذَاتُ عِرْقٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فَهِيَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ صَارَتْ مِيقَاتَهُمْ بِتَوْقِيتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ بِاجْتِهَادِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ بِتَوْقِيتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَذَلِكَ صَرِيحٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَدَلِيلُ مَنْ قَالَ بِتَوْقِيتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثُ جَابِرٍ لَكِنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِرَفْعِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الدَّارَقُطْنِيِّ إِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْعِرَاقَ لَمْ تَكُنْ

فُتِحَتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَامُهُ فِي تَضْعِيفِهِ صَحِيحٌ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرْتُهُ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ لِضَعْفِهِ بِعَدَمِ فَتْحِ الْعِرَاقِ فَفَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ سَيُفْتَحُ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِخْبَارِ بِالْمَغِيبَاتِ الْمُسْتَقْبَلَاتِ كَمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ فِي جَمِيعِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّامَ لَمْ يَكُنْ فُتِحَ حِينَئِذٍ وَقَدْ ثَبَتَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِفَتْحِ الشَّامِ وَالْيَمَنِ وَالْعِرَاقِ وَأَنَّهُمْ يَأْتُونَ إِلَيْهِمْ يَبُسُّونَ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ زُوِيَتْ لَهُ مَشَارِقُ الارض ومغاربها وقال سيبلغ ملك أمتي مازوى لِي مِنْهَا وَأَنَّهُمْ سَيَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ وَأَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَنْزِلُ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيِّ دِمَشْقَ وَكُلُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحِ وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا يَطُولُ ذِكْرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَوَاقِيتَ مَشْرُوعَةٌ ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ هِيَ وَاجِبَةٌ لَوْ تَرَكَهَا وَأَحْرَمَ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهَا أَثِمَ وَلَزِمَهُ دَمٌ وَصَحَّ حَجُّهُ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ لَا يَصِحُّ حَجُّهُ وَفَائِدَةُ الْمَوَاقِيتِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً حَرُمَ عَلَيْهِ مُجَاوَزَتُهَا بِغَيْرِ إِحْرَامٍ وَلَزِمَهُ الدَّمُ كَمَا ذَكَرْنَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ عَادَ إِلَى الْمِيقَاتِ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِنُسُكٍ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ وَفِي الْمُرَادِ بِهَذَا النُّسُكِ خِلَافٌ مُنْتَشِرٌ وَأَمَّا مَنْ لا يريد حجا ولاعمرة فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ لِدُخُولِ مَكَّةَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِنَا سَوَاءٌ دَخَلَ لِحَاجَةٍ تَتَكَرَّرُ كَحَطَّابٍ وحشاش وصياد ونحوهم أولا تَتَكَرَّرُ كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ وَنَحْوِهِمَا وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَجِبُ الْإِحْرَامُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ إِنْ دَخَلَ مَكَّةَ أَوْ غَيْرَهَا مِنَ الْحَرَمِ لِمَا يَتَكَرَّرُ بِشَرْطٍ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ وَأَمَّا مَنْ مَرَّ بِالْمِيقَاتِ غَيْرَ مُرِيدٍ دُخُولَ الْحَرَمِ بَلْ لِحَاجَةٍ دُونَهُ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُحْرِمَ فَيُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي بَدَا لَهُ فِيهِ فَإِنْ جَاوَزَهُ بِلَا إِحْرَامٍ ثُمَّ أَحْرَمَ أَثِمَ وَلَزِمَهُ الدَّمُ وَإِنْ أَحْرَمَ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَا لَهُ أَجْزَأَهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَا يُكَلَّفُ الرُّجُوعُ إِلَى الْمِيقَاتِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إِلَى الْمِيقَاتِ

[1181] قَوْلُهُ (وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ) هَكَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ قَرْنَ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ بَعْدَ النُّونِ وَفِي بَعْضِهَا قَرْنًا بِالْأَلِفِ وَهُوَ الْأَجْوَدُ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ وَاسْمٌ لِجَبَلٍ فَوَجَبَ صَرْفُهُ وَالَّذِي وَقَعَ بِغَيْرِ أَلِفٍ يُقْرَأ مُنَوَّنًا وَإِنَّمَا حَذَفُوا الْأَلِفَ كَمَا جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ يَكْتُبُونَ يَقُولُ سَمِعْتُ أَنَسَ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَيُقْرَأُ بِالتَّنْوِينِ ويحتمل على بعد أن يقرأ قَرْنَ مَنْصُوبًا بِغَيْرِ تَنْوِينٍ وَيَكُونُ أَرَادَ بِهِ الْبُقْعَةَ فَيُتْرَكُ صَرْفُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ) قَالَ الْقَاضِي كَذَا جَاءَتِ الرِّوَايَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عِنْدَ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ قَالَ وَوَقَعَ عِنْدَ بَعْضِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَهُنَّ لَهُمْ وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ وَكَذَا ذكره مسلم من رواية بن أَبِي شَيْبَةَ وَهُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّهُ ضَمِيرُ أَهْلِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ قَالَ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي لَهُنَّ عَائِدٌ عَلَى الْمَوَاضِعِ وَالْأَقْطَارِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ الْمَدِينَةُ وَالشَّامُ وَالْيَمَنُ وَنَجْدٌ أَيْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ لِهَذِهِ الْأَقْطَارِ وَالْمُرَادُ لِأَهْلِهَا فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ مَقَامَهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّامِيَّ مَثَلًا إِذَا مَرَّ بِمِيقَاتِ الْمَدِينَةِ فِي ذَهَابِهِ لَزِمَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مِيقَاتِ الْمَدِينَةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُهُ إِلَى مِيقَاتِ الشَّامِ الَّذِي هُوَ الْجُحْفَةُ وكذا الباقي من المواقيت وهذا لاخلاف فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فِيهِ دَلَالَةٌ لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ فِيمَنْ مَرَّ بِالْمِيقَاتِ لَا يُرِيدُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي لَا عَلَى الْفَوْرِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمِنْ أَهْلِهِ) هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَنْ كَانَ مسكنه بين مكة والميقات فميقاته مسكنه إِلَى الْمِيقَاتِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ مُجَاوَزَةُ مَسْكَنِهِ بغير احرام

هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مُجَاهِدًا فَقَالَ مِيقَاتُهُ مَكَّةُ بِنَفْسِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمِنْ أَهْلِهِ وَكَذَا فَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ وَهَكَذَا فَهَكَذَا مَنْ جَاوَزَ مَسْكَنُهُ الْمِيقَاتَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذَا كُلِّهِ فَمَنْ كَانَ فِي مَكَّةَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ وَارِدًا إِلَيْهَا وَأَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ فَمِيقَاتُهُ نَفْسُ مَكَّةَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ مَكَّةَ وَالْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ مِنْ خَارِجِهَا سَوَاءٌ الْحَرَمُ وَالْحِلُّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِ مِنَ الْحَرَمِ كَمَا يَجُوزُ مِنْ مَكَّةَ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَرَمِ حُكْمُ مَكَّةَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ جَمِيعِ نَوَاحِي مَكَّةَ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ عَنْ نَفْسِ الْمَدِينَةِ وَسُورِهَا وَفِي الْأَفْضَلِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا مِنْ بَابِ دَارِهِ وَالثَّانِي مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ تَحْتَ الْمِيزَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا كُلُّهُ فِي إِحْرَامِ الْمَكِّيِّ بِالْحَجِّ وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا هُوَ فِي إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَأَمَّا مِيقَاتُ الْمَكِّيِّ لِلْعُمْرَةِ فَأَدْنَى الْحِلِّ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْآتِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أَمَرَهَا فِي الْعُمْرَةِ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى التَّنْعِيمِ وتحرم بالعمرة منه والتنعيم فِي طَرَفِ الْحِلِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ مَوْضِعُ إِهْلَالِهِمْ قَوْلُهُ (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَزَعَمُوا) أَيْ قَالُوا وَقَدْ سَبَقَ فِي أول الكتاب أن الزعم قد يكون بمعنى القول المحقق

[1183] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنِ الْمُهَلِّ فَقَالَ سَمِعْتُهُ ثُمَّ انْتَهَى فَقَالَ أُرَاهُ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرًا ثُمَّ انْتَهَى أَيْ وَقَفَ عَنْ رَفْعِ الْحَدِيثِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ أُرَاهُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّهُ رَفَعَ الْحَدِيثَ فَقَالَ أُرَاهُ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَحْسَبُهُ رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ أَحْسَبُهُ رَفَعَ لَا يُحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَرْفُوعًا لِكَوْنِهِ لَمْ يَجْزِمْ بِرَفْعِهِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جابر (ومهل أهل العراق من ذات عرف) هَذَا صَرِيحٌ فِي كَوْنِهِ مِيقَاتَ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَكِنْ لَيْسَ رَفْعُ الْحَدِيثِ ثَابِتًا كَمَا سَبَقَ وَقَدْ سَبَقَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ مِيقَاتُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ أَهَلُّوا مِنَ الْعَقِيقِ كَانَ أَفْضَلَ وَالْعَقِيقُ أَبْعَدُ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ بِقَلِيلٍ فَاسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ لِأَثَرٍ فِيهِ وَلِأَنَّهُ قِيلَ إِنَّ ذَاتَ عِرْقٍ كَانَتْ أَوَّلًا فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ حُوِّلَتْ وَقُرِّبَتْ إِلَى مَكَّةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْحَجِّ مِيقَاتَ مَكَانٍ وَهُوَ مَا سَبَقَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَمِيقَاتَ زَمَانٍ وَهُوَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَلَا يجوز الا حرام بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ هَذَا الزَّمَانِ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ هَذَا الزَّمَانِ لَمْ يَنْعَقِدْ حَجًّا وَانْعَقَدَ عُمْرَةً وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَيَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِهَا وَفِعْلُهَا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ وَلَا يُكْرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لَكِنْ شَرْطُهَا أَنْ لّا يَكُونَ

(باب التلبية وصفتها ووقتها)

فِي الْحَجِّ وَلَا مُقِيمًا عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِهِ وَلَا يُكْرَهُ تَكْرَارُ الْعُمْرَةِ فِي السَّنَةِ بَلْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَكَرِهَ تَكْرَارَهَا في السنة بن سِيرِينَ وَمَالِكٌ وَيَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ مِمَّا فَوْقَ الْمِيقَاتِ أَبْعَدَ مِنْ مَكَّةَ سَوَاءٌ دُوَيْرَةُ أَهْلِهِ وَغَيْرُهَا وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ فِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا مِنَ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ لِلِاقْتِدَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب التَّلْبِيَةِ وَصِفَتِهَا وَوَقْتِهَا) قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْمَازِرِيُّ التَّلْبِيَةُ مُثَنَّاةٌ لِلتَّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ وَمَعْنَاهُ إِجَابَةٌ بَعْدَ إِجَابَةٍ وَلُزُومًا لِطَاعَتِكَ فَتُثَنَّى لِلتَّوْكِيدِ لَا تَثْنِيَةً حَقِيقِيَّةً بمنزلة قوله تعالى بل يداه مبسوطتان أَيْ نِعْمَتَاهُ عَلَى تَأْوِيلِ الْيَدِ بِالنِّعْمَةِ هُنَا وَنِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُحْصَى وَقَالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ الْبَصْرِيُّ لَبَّيْكَ اسْمٌ مُفْرَدٌ لَا مثنى قال وألفه انما انقلبت ياء لا تصالها بِالضَّمِيرِ كَلَدَيَّ وَعَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ مُثَنَّى بِدَلِيلِ قَلْبِهَا يَاءً مَعَ الْمُظْهِرِ وَأَكْثَرُ النَّاسِ على ما قاله سيبويه قال بن الْأَنْبَارِيِّ ثَنَّوْا لَبَّيْكَ كَمَا ثَنَّوْا حَنَانَيْكَ أَيْ تَحَنُّنًا بَعْدَ تَحَنُّنٍ وَأَصْلُ لَبَّيْكَ لَبَّبْتُكَ فَاسْتَثْقَلُوا الْجَمْعَ بَيْنَ ثَلَاثِ بَاءَاتٍ فَأَبْدَلُوا مِنَ الثَّالِثَةِ يَاءً كَمَا قَالُوا مِنَ الظَّنِّ تَظَنَّيْتُ وَالْأَصْلُ تَظَنَّنْتُ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى لَبَّيْكَ وَاشْتِقَاقِهَا فَقِيلَ مَعْنَاهَا اتِّجَاهِي وَقَصْدِي إِلَيْكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ دَارِي تَلُبُّ دَارَكَ أَيْ تُوَاجِهُهَا وَقِيلَ مَعْنَاهَا مَحَبَّتِي قَوْلُهُمْ لَكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمُ امْرَأَةٌ لَبَّةٌ إِذَا كَانَتْ مُحِبَّةً لِوَلَدِهَا عَاطِفَةً عَلَيْهِ وَقِيلَ مَعْنَاهَا إِخْلَاصٌ لَكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ حب لُبَابٍ إِذَا كَانَ خَالِصًا مَحْضًا وَمِنْ ذَلِكَ لُبُّ الطَّعَامِ وَلُبَابُهُ وَقِيلَ مَعْنَاهَا أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكَ وَإِجَابَتِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ لَبَّ الرَّجُلُ بِالْمَكَانِ وَأَلَبَّ إِذَا أَقَامَ فِيهِ قَالَ بن الْأَنْبَارِيِّ وَبِهَذَا قَالَ الْخَلِيلُ قَالَ الْقَاضِي قِيلَ هَذِهِ الْإِجَابَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وأذن في الناس بالحج وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي مَعْنَى لَبَّيْكَ أَيْ قُرْبًا مِنْكَ وَطَاعَةً وَالْإِلْبَابُ الْقُرْبُ وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ مَعْنَاهُ أَنَا مُلَبٍّ بَيْنَ يَدَيْكَ أَيْ خَاضِعٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي

[1184] قَوْلُهُ (لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ) يُرْوَى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مِنْ إِنَّ وَفَتْحِهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ الْجُمْهُورُ الْكَسْرُ أَجْوَدُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْفَتْحُ رِوَايَةُ الْعَامَّةِ وَقَالَ ثَعْلَبٌ الِاخْتِيَارُ الْكَسْرُ وَهُوَ الْأَجْوَدُ فِي الْمَعْنَى مِنَ الْفَتْحِ لِأَنَّ مَنْ كَسَرَ جَعَلَ مَعْنَاهُ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَمَنْ فَتَحَ قَالَ مَعْنَاهُ لَبَّيْكَ لِهَذَا السَّبَبِ قَوْلُهُ (وَالنِّعْمَةَ لَكَ) الْمَشْهُورُ فِيهِ نَصْبُ النِّعْمَةِ قَالَ الْقَاضِي وَيَجُوزُ رَفْعُهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَيَكُونُ الْخَبَرُ محذوفا قال بن الْأَنْبَارِيِّ وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ خَبَرَ إِنَّ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ إِنَّ الْحَمْدَ لَكَ وَالنِّعْمَةُ مُسْتَقِرَّةٌ لَكَ وَقَوْلُهُ (وَسَعْدَيْكَ) قَالَ الْقَاضِي إِعْرَابُهَا وَتَثْنِيَتُهَا كَمَا سَبَقَ فِي لَبَّيْكَ وَمَعْنَاهُ مُسَاعَدَةٌ لِطَاعَتِكَ بَعْدَ مُسَاعَدَةٍ قَوْلُهُ (وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ) أَيِ الْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ فَضْلِهِ قَوْلُهُ (وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ) قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْمَازِرِيُّ يُرْوَى بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمَدِّ وَبِضَمِّ الرَّاءِ مَعَ الْقَصْرِ وَنَظِيرُهُ الْعُلَا وَالْعَلْيَاءُ وَالنُّعْمَى وَالنَّعْمَاءُ قَالَ الْقَاضِي وحكى أَبُو عَلِيٍّ فِيهِ أَيْضًا الْفَتْحَ مَعَ الْقَصْرِ الرَّغْبَى مِثْلُ سَكْرَى وَمَعْنَاهُ هُنَا الطَّلَبُ وَالْمَسْأَلَةُ إِلَى مَنْ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ

المقصود بالعمل المستحق للعبادة قوله (عن بن عُمَرَ تَلَقَّفْتُ التَّلْبِيَةَ) هُوَ بِقَافٍ ثُمَّ فَاءٍ أَيْ أَخَذْتُهَا بِسُرْعَةٍ قَالَ الْقَاضِي وَرُوِيَ تَلَقَّنْتُ بالنون قال والأول رواية الجمهور قال وَرُوِيَ تَلَقَّيْتُ بِالْيَاءِ وَمَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ قَوْلُهُ (أَهَلَّ فَقَالَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْإِهْلَالُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي الْإِحْرَامِ وَأَصْلُ الْإِهْلَالِ فِي اللُّغَةِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَمِنْهُ اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ أَيْ صَاحَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وما أهل به لغير الله أَيْ رُفِعَ الصَّوْتُ عِنْدَ ذَبْحِهِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُمِّيَ الْهِلَالُ هِلَالًا لِرَفْعِهِمُ الصَّوْتَ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ قَوْلُهُ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ مُلَبِّدًا) فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَلْبِيدِ الرَّأْسِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي الذي

خَرَّ عَنْ بَعِيرِهِ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّدًا قَالَ الْعُلَمَاءُ التَّلْبِيدُ ضَفْرُ الرَّأْسِ بِالصَّمْغِ أَوَ الْخَطْمِيِّ وَشَبَهِهِمَا مِمَّا يَضُمُّ الشَّعْرَ وَيَلْزَقُ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَيَمْنَعُهُ التَّمَعُّطَ وَالْقَمْلَ فَيُسْتَحَبُّ لِكَوْنِهِ أَرْفَقُ بِهِ [1185] قَوْلُهُ (كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ قَالَ فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيْلكُمْ قَدْ قَدْ إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ يَقُولُونَ هَذَا وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ) فَقَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم قدقد قَالَ الْقَاضِي رُوِيَ بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا مَعَ التنوين ومعناه كفا كم هَذَا الْكَلَامُ فَاقْتَصِرُوا عَلَيْهِ وَلَا تَزِيدُوا وَهُنَا انْتَهَى كَلَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَادَ الرَّاوِي إِلَى حِكَايَةِ كَلَامِ الْمُشْرِكِينَ فقال الاشريكا هُوَ لَكَ إِلَى آخِرِهِ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اقْتَصِرُوا عَلَى قَوْلِكُمْ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا حُكْمُ التَّلْبِيَةِ فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي إِيجَابِهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ هِيَ سُنَّةٌ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْحَجِّ وَلَا بِوَاجِبَةٍ فَلَوْ تَرَكَهَا صَحَّ حَجُّهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هِيَ وَاجِبَةٌ تُجْبَرُ بِالدَّمِ وَيَصِحُّ الْحَجُّ بِدُونِهَا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هِيَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِحْرَامِ قَالَ وَلَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ وَلَا الْحَجُّ إِلَّا بِهَا وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَكِنْ لَوْ تَرَكَهَا لزمه دم وصحه حَجُّهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ يَنْعَقِدُ الْحَجُّ بِالنِّيَّةِ بِالْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ كَمَا يَنْعَقِدُ الصَّوْمُ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِانْضِمَامِ التَّلْبِيَةِ أَوْ سَوْقِ الْهَدْيِ إِلَى النِّيَّةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَيَجْزِي عَنِ التَّلْبِيَةِ مَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ كَمَا قَالَ هُوَ أَنَّ التَّسْبِيحَ وَغَيْرَهُ يجزئ فِي الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ عَنِ التَّكْبِيرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ بِحَيْثُ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَالْمَرْأَةُ لَيْسَ لَهَا الرَّفْعُ لِأَنَّهُ يُخَافُ الْفِتْنَةُ

(باب أمر أهل المدينة بالإحرام من عند مسجد ذي

بِصَوْتِهَا وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْهَا لَا سِيَّمَا عِنْدَ تَغَايُرِ الْأَحْوَالِ كَإِقْبَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالصُّعُودِ وَالْهُبُوطِ وَاجْتِمَاعِ الرِّفَاقِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ وَأَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ وَفِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُلَبِّي فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ لِأَنَّ لَهُمَا أَذْكَارًا مَخْصُوصَةً وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَرِّرَ التَّلْبِيَةَ كُلَّ مَرَّةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَكْثَرَ وَيُوَالِيَهَا وَلَا يَقْطَعُهَا بِكَلَامٍ فَإِنْ سُلِّمَ عَلَيْهِ رَدَّ السَّلَامَ بِاللَّفْظِ وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَإِذَا لَبَّى صَلَّى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى مَا شَاءَ لِنَفْسِهِ ولمن أحبه وللمسلمين وَأَفْضَلُهُ سُؤَالُ الرِّضْوَانِ وَالْجَنَّةِ وَالِاسْتِعَاذَةِ مِنَ النَّارِ وَإِذَا رَأَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ قَالَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ وَلَا تَزَالُ التَّلْبِيَةُ مُسْتَحَبَّةٌ لِلْحَاجِّ حَتَّى يَشْرَعَ فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ يَطُوفَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ إِنْ قَدَّمَهُ عَلَيْهَا أَوَ الْحَلْقُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ الْحَلْقُ نُسُكٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَتُسْتَحَبُّ لِلْعُمْرَةِ حَتَّى يَشْرَعَ فِي الطَّوَافِ وَتُسْتَحَبُّ التَّلْبِيَةُ لِلْمُحْرِمِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْمُحْدِثُ وَالْجُنُبُ وَالْحَائِضُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي (باب أَمْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِالْإِحْرَامِ مِنْ عِنْدِ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ) [1186] قَوْلُهُ عَنِ بن عُمَرَ (قَالَ بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا مَا أَهَلَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ يَعْنِي ذَا الْحُلَيْفَةِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى

(مَا أَهَلَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الشَّجَرَةِ حِينَ قَامَ بِهِ بَعِيرُهُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الْبَيْدَاءُ هِيَ الشَّرَفُ الَّذِي قُدَّامَ ذِي الْحُلَيْفَةِ إِلَى جِهَةِ مَكَّةَ وَهِيَ بِقُرْبِ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَسُمِّيَتْ بَيْدَاءَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ وَلَا أَثَرٌ وَكُلُّ مَفَازَةٍ تُسَمَّى بَيْدَاءَ وَأَمَّا هُنَا فَالْمُرَادُ بِالْبَيْدَاءِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَوْلُهُ تَكْذِبُونَ فِيهَا أَيْ تَقُولُونَ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ مِنْهَا وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْهَا وَإِنَّمَا أَحْرَمَ قَبْلَهَا مِنْ عِنْدِ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَمِنْ عِنْدِ الشَّجَرَةِ الَّتِي كَانَتْ هُنَاكَ وَكَانَتْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ وَسَمَّاهُمُ بن عُمَرَ كَاذِبِينَ لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُوا بِالشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ هَذَا الشَّرْحِ فِي مُقَدِّمَةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْكَذِبَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ هُوَ الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ سَوَاءٌ تَعَمَّدَهُ أَمْ غَلِطَ فِيهِ أَوْ سَهَا وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَمْدِيَّةُ وَعِنْدَنَا أَنَّ الْعَمْدِيَّةَ شَرْطٌ لِكَوْنِهِ إِثْمًا لا لكونه يسمى كذبا فقول بن عُمَرَ جَارٍ عَلَى قَاعِدَتِنَا وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِطْلَاقِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مِيقَاتَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ عِنْدِ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ إِلَى الْبَيْدَاءِ وَبِهَذَا قَالَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ وَفِيهِ أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنَ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْ مَسْجِدِهِ مَعَ كَمَالِ شَرَفِهِ فَإِنْ قِيلَ إِنَّمَا أَحْرَمَ مِنَ الْمِيقَاتِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ قُلْنَا هَذَا غَلَطٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْبَيَانَ قَدْ حَصَلَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي بَيَانِ الْمَوَاقِيتِ وَالثَّانِي أَنَّ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ فِي شَيْءٍ يَتَكَرَّرُ فِعْلُهُ كَثِيرًا فَيَفْعَلُهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ عَلَى الْوَجْهِ الْجَائِزِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَيُوَاظِبُ غَالِبًا عَلَى فِعْلِهِ عَلَى أَكْمَلِ وُجُوهِهِ وَذَلِكَ كَالْوُضُوءِ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا كُلُّهُ ثَابِتٌ وَالْكَثِيرُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَأَمَّا الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فَلَمْ يَتَكَرَّرْ وَإِنَّمَا جَرَى مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَا يَفْعَلُهُ إِلَّا عَلَى أَكْمَلِ وُجُوهِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَعُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ النَّاقَةُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ صَلَاةِ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْإِحْرَامِ وَيُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَيَكُونَانِ نَافِلَةً هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي

(باب بيان أن الأفضل أن يحرم حين تنبعث به راحلته)

وَغَيْرُهُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ اسْتَحَبَّ كَوْنَهُمَا بَعْدَ صَلَاةِ فَرْضٍ قَالَ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ كَانَتَا صَلَاةَ الصُّبْحِ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَهَذِهِ الصَّلَاةُ سُنَّةٌ لَوْ تَرَكَهَا فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ إِحْرَامُهُ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ فِيهَا عَنِ الصَّلَاةِ لَمْ يُصَلِّهِمَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُصَلِّيهِمَا فِيهِ لِأَنَّ سَبَبَهَمَا إِرَادَةُ الْإِحْرَامِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ وَأَمَّا وَقْتُ الْإِحْرَامِ فَسَنَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ بَعْدَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُحْرِمَ حِينَ تَنْبَعِثُ بِهِ رَاحِلَتُهُ) (مُتَوَجِّهًا إِلَى مَكَّةَ لَا عَقِبَ الرَّكْعَتَينِ) [1187] قَوْلُهُ فِي هَذَا الباب عن بن عُمَرَ قَالَ (فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ

بِهِ رَاحِلَتُهُ) وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ النَّاقَةُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ كَانَ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ وَفِي رِوَايَةٍ حِينَ قام به بعيره وفي رواية يهل حين تَسْتَوِيَ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا متفقة في المعنى وابنعاثها هُوَ اسْتِوَاؤُهَا قَائِمَةً وَفِيهَا دَلِيلٌ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُحْرِمَ إِذَا انْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُحْرِمُ عَقِبَ الصَّلَاةِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ رُكُوبِ دَابَّتِهِ وَقَبْلَ قِيَامِهِ وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ لِلشَّافِعِيِّ وَفِيهِ حَدِيثٌ من رواية بن عَبَّاسٍ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ وَفِيهِ أَنَّ التَّلْبِيَةَ لَا تُقَدَّمُ عَلَى الْإِحْرَامِ قَوْلُهُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ عُمَرَ (رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا) إِلَى آخِرِهِ قَالَ الْمَازِرِيُّ يَحْتَمِلُ أَنَّ مُرَادَهُ لَا يَصْنَعُهَا غَيْرُكَ مُجْتَمِعَةً وَإِنْ كَانَ يَصْنَعُ بَعْضَهَا قَوْلُهُ (رَأَيْتُكَ لَا تَمَسُّ مِنَ الْأَرْكَانِ الا اليمانيين) ثم ذكر بن عُمَرَ فِي جَوَابِهِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّ إِلَّا الْيَمَانِيَيْنِ هُمَا بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَحَكَى سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ تَشْدِيدَهَا فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ وَالصَّحِيحُ التَّخْفِيفُ قَالُوا لِأَنَّ نَسَبَهُ إِلَى الْيَمَنِ فَحَقُّهُ أَنْ يُقَالَ الْيَمَنِيُّ وَهُوَ جَائِزٌ فَلَمَّا قَالُوا الْيَمَانِي أَبْدَلُوا مِنْ إِحْدَى يَاءَيِ النَّسَبِ أَلِفًا فَلَوْ قَالُوا الْيَمَانِيُّ بِالتَّشْدِيدِ لَزِمَ مِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ وَالَّذِينَ شَدَّدُوهَا قَالُوا هَذِهِ الْأَلِفُ زَائِدَةٌ وَقَدْ تُزَادُ فِي النَّسَبِ كَمَا قَالُوا فِي النَّسَبِ إِلَى صنعا صَنْعَانِيٌّ فَزَادُوا النُّونَ الثَّانِيَةَ وَإِلَى الرَّيِّ رَازِيٌّ فَزَادُوا الزَّايَ وإِلَى الرَّقَبَةِ رَقَبَانِيٌّ فَزَادُوا النُّونَ وَالْمُرَادُ بِالرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ الرُّكْنُ الْيَمَانِي وَالرُّكْنُ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَيُقَالُ لَهُ الْعِرَاقِيُّ لِكَوْنِهِ إِلَى جِهَةِ الْعِرَاقِ وَقِيلَ لِلَّذِي قِبَلَهُ الْيَمَانِيُّ لِأَنَّهُ إِلَى جِهَةِ الْيَمَنِ وَيُقَالُ لَهُمَا الْيَمَانِيَّانِ تَغْلِيبًا لِأَحَدِ الِاسْمَيْنِ كَمَا قَالُوا الْأَبَوَانِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْقَمَرَانِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْعُمَرَانِ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَنَظَائِرُهُ مَشْهُورَةٌ فَتَارَةً يُغَلِّبُونَ بِالْفَضِيلَةِ كَالْأَبَوَيْنِ وَتَارَةً بِالْخِفَّةِ كَالْعُمَرَيْنِ وَتَارَةً بِغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ بَسَطْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَيُقَالُ لِلرُّكْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ بِكَسْرِ الْحَاءِ الشَّامِيَّانِ لِكَوْنِهِمَا بِجِهَةِ الشَّامِ قَالُوا فَالْيَمَانِيَانِ بَاقِيَانِ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ الشَّامِيَّيْنِ فَلِهَذَا لم يستلما

(قال القاضي والسين في جميع هذا مكسورة قال والأصح

وَاسْتُلِمَ الْيَمَانِيَانِ لِبَقَائِهِمَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ إِنَّ الْعِرَاقِيَّ مِنَ الْيَمَانِيَيْنِ اخْتُصَّ بِفَضِيلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ فَاخْتُصَّ لِذَلِكَ مَعَ الِاسْتِلَامِ بِتَقْبِيلِهِ وَوَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْيَمَانِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي وَقَدِ اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ وَالْفُقَهَاءُ الْيَوْمَ عَلَى أَنَّ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ لَا يُسْتَلَمَانِ وَإِنَّمَا كَانَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَبَعْضِ التَّابِعِينَ ثُمَّ ذَهَبَ وَقَوْلُهُ (وَرَأَيْتُكَ تلبس النعال السبتية) وقال بن عُمَرَ فِي جَوَابِهِ (وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعْرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسُهَا) فَقَوْلُهُ أَلْبَسُ وَتَلْبَسُ كُلُّهُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَأَمَّا السِّبْتِيَّةُ فَبِكَسْرِ السين واسكان الباء الموحدة وقد اشار بن عُمَرَ إِلَى تَفْسِيرِهَا بِقَوْلِهِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعْرٌ وَهَكَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَهْلِ الْغَرِيبِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ إِنَّهَا الَّتِي لَا شَعْرَ فِيهَا قَالُوا وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ السَّبْتِ بِفَتْحِ السِّينِ وَهُوَ الْحَلْقُ وَالْإِزَالَةُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ سَبَتَ رَأْسَهُ أَيْ حَلَقَهُ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا انْسَبَتَتْ بِالدِّبَاغِ أَيْ لَانَتْ يُقَالُ رَطْبَةٌ مُنْسَبِتَةٌ أَيْ لَيِّنَةٌ قَالَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ السِّبْتُ كُلُّ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ السِّبْتُ جُلُودُ الْبَقَرِ مَدْبُوغَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَدْبُوغَةٍ وَقِيلَ هُوَ نَوْعٌ مِنَ الدِّبَاغِ يقلع الشعر وقال بن وَهْبٍ النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ كَانَتْ سُودًا لَا شَعْرَ فيها قال القاضي وهذا ظاهر كلام بن عُمَرَ فِي قَوْلِهِ النِّعَالُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شعر قال وهذا لَا يُخَالِفُ مَا سَبَقَ فَقَدْ تَكُونُ سُودًا مَدْبُوغَةً بِالْقَرَظِ لَا شَعْرَ فِيهَا لِأَنَّ بَعْضَ الْمَدْبُوغَاتِ يَبْقَى شَعْرُهَا وَبَعْضَهَا لَا يَبْقَى قَالَ وَكَانَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ لِبَاسَ النِّعَالِ بِشَعْرِهَا غَيْرَ مَدْبُوغَةٍ وَكَانَتِ الْمَدْبُوغَةُ تُعْمَلُ بِالطَّائِفِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا كَانَ يَلْبَسُهَا أَهْلُ الرَّفَاهِيَةِ كَمَا قَالَ شَاعِرُهُمْ ... تَحْذِي نِعَالَ السِّبْتِ لَيْسَ بِتَوْءَمٍ ... (قَالَ الْقَاضِي وَالسِّينُ فِي جَمِيعِ هَذَا مَكْسُورَةٌ قَالَ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ اشْتِقَاقُهَا وَإِضَافَتُهَا إِلَى السِّبْتِ الَّذِي هُوَ الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ أَوْ إِلَى الدِّبَاغَةِ لِأَنَّ السِّينَ مَكْسُورَةٌ فِي نِسْبَتِهَا وَلَوْ كَانَتْ مِنْ السَّبْتِ الَّذِي هُوَ الْحَلْقُ كَمَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ لَكَانَتِ النِّسْبَةُ سَبْتِيَّةٌ بِفَتْحِ السِّينِ وَلَمْ يَرْوِهَا أَحَدٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا فِي غَيْرِهِ وَلَا فِي الشِّعْرِ فِيمَا عَلِمْتُ إِلَّا بِالْكَسْرِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَقَوْلُهُ (وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا) مَعْنَاهُ يَتَوَضَّأُ وَيَلْبَسُهَا وَرِجْلَاهُ رَطْبَتَانِ قَوْلُهُ (ورأيتك تصبغ بالصفرة وقال بن عُمَرَ فِي جَوَابِهِ وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا) فَقَوْلُهُ يَصْبُغُ وَأَصْبُغُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ قِيلَ الْمُرَادُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ صَبْغُ الشَّعْرِ وَقِيلَ صبغ الثوب)

قَالَ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ صَبْغَ الثِّيَابِ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَبَغَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَبَغَ شَعْرَهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ وَإِلَّا فَقَدْ جَاءَتْ آثَارٌ عن بن عمر بين فيها تصفير بن عُمَرَ لِحْيَتَهُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَذَكَرَ أَيْضًا فِي حَدِيثٍ آخَرَ احْتِجَاجَهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصْبُغُ بِهَا ثِيَابَهُ حَتَّى عِمَامَتَهُ قَوْلُهُ (وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الْهِلَالَ وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى يكون يوم التروية) وقال بن عُمَرَ فِي جَوَابِهِ (وَأَمَّا الْإِهْلَالُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ) أَمَّا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَبِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَرَوَّوْنَ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ أَيْ يَحْمِلُونَهُ مَعَهُمْ مِنْ مَكَّةَ إِلَى عَرَفَاتٍ لِيَسْتَعْمِلُوهُ فِي الشُّرْبِ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ أَجَابَهُ بن عُمَرَ بِضَرْبٍ مِنَ الْقِيَاسِ حَيْثُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِنَفْسِ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا فَاسْتَدَلَّ بِمَا فِي مَعْنَاهُ وَوَجْهُ قِيَاسِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَحْرَمَ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ وَالذَّهَابِ إِلَيْهِ فَأَخَّرَ بن عُمَرَ الْإِحْرَامَ إِلَى حَالِ شُرُوعِهِ فِي الْحَجِّ وَتَوَجُّهِهِ إِلَيْهِ وَهُوَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَإِنَّهُمْ حِينَئِذٍ يخرجون من مكة إلى منى ووافق بن عُمَرَ عَلَى هَذَا الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْخِلَافُ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَكُلٌّ منهما جائز بالاجماع والله أعلم قوله (بن قُسَيْطٍ) هُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَإِسْكَانِ الياء

قَوْلُهُ (وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ رَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ زَايٍ وَهُوَ رِكَابُ كُورِ الْبَعِيرِ إِذَا كَانَ مِنْ جِلْدٍ أَوْ خَشَبٍ وَقِيلَ هُوَ الْكُورُ مُطْلَقًا كَالرِّكَابِ لِلسَّرْجِ [1189] قَوْلُهُ (بَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ مَبْدَأَهُ وَصَلَّى فِي مَسْجِدِهَا) قَالَ الْقَاضِي هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وضمها والباء ساكنة فيهما أي ابتداء حَجَّهُ وَمَبْدَأَهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ فِي ابْتِدَائِهِ وَهَذَا الْمَبِيتُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَلَا مِنْ سُنَنِهِ قَالَ الْقَاضِي لَكِنْ مَنْ فَعَلَهُ تَأَسِّيًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحسن والله أعلم

باب استحباب الطيب قبل الاحرام في البدن واستحبابه

(باب استحباب الطيب قبل الاحرام في البدن واستحبابه بالمسك) (وأنه لا بأس ببقاء وبيصه وهو بريقه ولمعانه) قَوْلُهَا (طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ) ضَبَطُوا لِحُرْمِهِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وقد سبق بيانه فِي شَرْحِ مُقَدِّمَةِ مُسْلِمٍ وَالضَّمُّ أَكْثَرُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْهَرَوِيُّ وَآخَرُونَ غَيْرَهُ وَأَنْكَرَ ثَابِتٌ الضَّمَّ عَلَى الْمُحَدِّثِينَ وَقَالَ الصَّوَابُ الْكَسْرُ وَالْمُرَادُ بِحُرْمِهِ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الطِّيبِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْإِحْرَامِ وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاسْتِدَامَتِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ ابْتِدَاؤُهُ فِي الْإِحْرَامِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ خَلَائِقُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَجَمَاهِيرُ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ أبي وقاص وبن عباس وبن الزُّبَيْرِ وَمُعَاوِيَةُ وَعَائشَةُ وَأُمُّ حَبِيبَةَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ بِمَنْعِهِ مِنْهُمُ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ قَالَ الْقَاضِي وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ حَدِيثَ عَائِشَةَ هَذَا عَلَى أَنَّهُ تَطَيَّبَ ثُمَّ اغْتَسَلَ بَعْدَهُ فَذَهَبَ الطِّيبُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى طَيَّبْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ إِحْرَامِهِ ثُمَّ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِنَّمَا تَطَيَّبَ لِمُبَاشَرَةِ نِسَائِهِ ثُمَّ زَالَ بِالْغُسْلِ بَعْدَهُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ نُقِلَ أَنَّهُ كَانَ يَتَطَهَّرُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ قَبْلَ الْأُخْرَى وَلَا يَبْقَى مَعَ ذَلِكَ وَيَكُونُ قَوْلُهَا ثُمَّ أَصْبَحَ يَنْضَخُ طِيبًا أَيْ قَبْلَ غُسْلِهِ وَقَدْ سَبَقَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ ذَلِكَ الطِّيبَ كَانَ ذَرَّةً وَهِيَ مِمَّا يُذْهِبُهُ الْغُسْلُ قَالَ وَقَوْلُهَا كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ الْمُرَادُ بِهِ أَثَرُهُ لَا جِرْمُهُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَلَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ بَلِ الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ أَنَّ الطِّيبَ مُسْتَحَبٌّ لِلْإِحْرَامِ لِقَوْلِهَا طَيَّبْتُهُ لِحُرْمِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الطيب

لِلْإِحْرَامِ لَا لِلنِّسَاءِ وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهَا كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ وَالتَّأْوِيلُ الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي غَيْرُ مَقْبُولٍ لِمُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ بِلَا دَلِيلٍ يَحْمِلُنَا عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهَا وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ فَالْمُرَادُ بِهِ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَفِيهِ دَلَالَةٌ لِاسْتِبَاحَةِ الطِّيبِ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْحَلْقِ وَقَبْلَ الطَّوَافِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مَالِكًا كَرِهَهُ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَوْلُهَا لِحِلِّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ تَحَلُّلٌ وَفِي الْحَجِّ تَحَلُّلَانِ يَحْصُلَانِ بثلاثة أشياء رمي جمرة العقبة والحلق وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ مَعَ سَعْيِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ سعى عقب طَوَافِ الْقُدُومِ فَإِذَا فَعَلَ الثَّلَاثَةَ حَصَلَ التَّحَلُّلَانِ وَإِذَا فَعَلَ اثْنَيْنِ مِنْهُمَا حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ أَيِ اثْنَيْنِ كَانَا وَيَحِلُّ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ جَمِيعُ الْمُحَرَّمَاتِ إِلَّا الِاسْتِمْتَاعَ بِالنِّسَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ إِلَّا بِالثَّانِي وَقِيلَ يُبَاحُ مِنْهُنَّ غَيْرُ الْجِمَاعِ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ إِنَّهُ لَا يَحِلُّ بِالْأَوَّلِ إِلَّا اللُّبْسُ وَالْحَلْقُ وَقَلْمُ الْأَظْفَارِ وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ وَاللَّهُ أعلم وقولها فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (وَلِحِلِّهِ حِينَ حَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ) فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ يَحْصُلُ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْحَلْقِ قبل الطواف

وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَوْلُهَا (بِذَرِيرَةٍ) هِيَ بِفَتْحِ الذال المعجمة وهي قناب قَصَبِ طَيِّبٍ يُجَاءُ بِهِ مِنَ الْهِنْدِ [1190] قَوْلُهَا (وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِهِ) الْوَبِيصُ الْبَرِيقُ وَاللَّمَعَانُ والمفرق

بفتح الميم وكسر الراء [1192] قوله (عن بن عُمَرَ مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طيبا

باب تحريم الصيد المأكول البري

وقولها (ينضخ طيبا) كله بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَفُورُ مِنْهُ الطِّيبُ وَمِنْهُ قوله تعالى عينان نضاختان هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي غَيْرُهُ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَعْنَى قَالَ الْقَاضِي قِيلَ النَّضْخُ بِالْمُعْجَمَةِ أَقَلُّ مِنَ النَّضْحِ بِالْمُهْمَلَةِ وَقِيلَ عَكْسُهُ وَهُوَ أَشْهَرُ وَأَكْثَرُ قَوْلُهَا (ثُمَّ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ) قَدْ يُقَالُ قَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ أَقَلُّ الْقَسْمِ لَيْلَةٌ لِكُلِّ امْرَأَةٍ فَكَيْفَ طَافَ عَلَى الْجَمِيعِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا كَانَ بِرِضَاهُنَّ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ بِرِضَاهُنَّ كَيْفَ كَانَ وَالثَّانِي أَنَّ الْقَسْمَ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ وَاجِبًا فِي الدَّوَامِ فِيهِ خِلَافٌ لِأَصْحَابِنَا قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَإِنَّمَا كَانَ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ وَيُقْرِعُ بَيْنَهُنَّ تَكَرُّمًا وَتَبَرُّعًا لَا وُجُوبًا وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ كَانَ وَاجِبًا فَعَلَى قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ لَا اشكال والله أعلم (باب تحريم الصيد المأكول البري) (أو ما أصله ذلك على المحرم بحج أو عمرة أو بهما) [1193] قَوْلُهُ (عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ) هُوَ بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ ثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مُشَدَّدَةٍ قَوْلُهُ (وَهُوَ بالأبوا

أَوْ بِوَدَّانَ) أَمَّا الْأَبْوَاءُ فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الموحدة وبالمد وودان بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُمَا مَكَانَانِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عليك إلا أنا حُرُمٌ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَنَّا حُرُمٌ وحرم بِضَمِّ الْحَاءِ وَالرَّاءِ أَيْ مُحْرِمُونَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رِوَايَةُ الْمُحَدِّثِينَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ نَرُدَّهُ بِفَتْحِ الدَّالِ قَالَ وَأَنْكَرَهُ مُحَقِّقُو شُيُوخِنَا مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَقَالُوا هَذَا غَلَطٌ مِنَ الرُّوَاةِ وَصَوَابُهُ ضَمُّ الدَّالِ قَالَ وَوَجَدْتُهُ بِخَطِّ بَعْضِ الْأَشْيَاخِ بِضَمِّ الدَّالِ وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدَهُمْ عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا مِنَ الْمُضَاعَفِ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْهَاءُ أَنْ يُضَمَّ مَا قَبْلَهَا فِي الْأَمْرِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْمَجْزُومِ مُرَاعَاةً لِلْوَاوِ الَّتِي تُوجِبُهَا ضَمَّةُ الْهَاءِ بَعْدَهَا لِخَفَاءِ الْهَاءِ فَكَانَ مَا قَبْلَهَا وَلِيَ الْوَاوَ وَلَا يَكُونُ مَا قَبْلَ الْوَاوِ إِلَّا مَضْمُومًا هَذَا فِي الْمُذَكَّرِ وَأَمَّا الْمُؤَنَّثُ مِثْلُ رَدَّهَا وَجَبَّهَا فَمَفْتُوحُ الدَّالِ وَنَظَائِرُهَا مُرَاعَاةً لِلْأَلِفِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فَأَمَّا رَدَّهَا وَنَظَائِرَهَا مِنَ الْمُؤَنَّثِ فَفَتْحَةُ الْهَاءِ لَازِمَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا رَدَّهُ وَنَحْوُهُ لِلْمُذَكَّرِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَفْصَحُهَا وُجُوبُ الضَّمِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالثَّانِي الْكَسْرُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالثَّالِثُ الْفَتْحُ وَهُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ ثَعْلَبٌ فِي الْفَصِيحِ لَكِنْ غَلَّطُوهُ لِكَوْنِهِ أَوْهَمَ فَصَاحَتَهُ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى ضَعْفِهِ قَوْلُهُ (عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا) وَفِي رِوَايَةٍ حِمَارَ وَحْشٍ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ لَحْمِ حِمَارِ وَحْشٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَجُزَ حِمَارِ وَحْشٍ يَقْطُرُ دَمًا وَفِي رِوَايَةٍ شِقَّ حِمَارِ وَحْشٍ وَفِي رِوَايَةٍ عُضْوًا مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ هَذِهِ رِوَايَاتُ مُسْلِمٍ وَتَرْجَمَ لَهُ الْبُخَارِيُّ بَابُ إِذَا أُهْدِيَ لِلْمُحْرِمِ حِمَارًا وَحْشِيًّا حَيًّا لَمْ يَقْبَلْ ثُمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ حِمَارًا وَحْشِيًّا وَحُكِيَ هَذَا التَّأْوِيلُ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ وَهَذِهِ الطُّرُقُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ مَذْبُوحٌ وَأَنَّهُ إِنَّمَا أَهْدَى بَعْضَ لَحْمِ صَيْدٍ لَا كُلَّهُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ الِاصْطِيَادِ عَلَى الْمُحْرِمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وآخرون يحرم عليه تَمَلُّكُ الصَّيْدِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا وَفِي مِلْكِهِ إِيَّاهُ بِالْإِرْثِ خِلَافٌ وَأَمَّا لَحْمُ الصَّيْدِ فَإِنْ صَادَهُ أَوْ صِيدَ لَهُ فَهُوَ حَرَامٌ سَوَاءٌ صِيدَ لَهُ بِإِذْنِهِ أَمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَإِنْ صَادَهُ حَلَالٌ لِنَفْسِهِ

وَلَمْ يَقْصِدِ الْمُحْرِمَ ثُمَّ أَهْدَى مِنْ لَحْمِهِ لِلْمُحْرِمِ أَوْ بَاعَهُ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا صِيدَ لَهُ بِغَيْرِ إِعَانَةٍ مِنْهُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَحِلُّ لَهُ لَحْمُ الصَّيْدِ أَصْلًا سَوَاءٌ صَادَهُ أَوْ صَادَهُ غَيْرُهُ لَهُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ فَيَحْرُمُ مُطْلَقًا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ عَلِيٍّ وبن عمر وبن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَحُرِّمَ عليكم صيد البر ما دمتم حرما قَالُوا الْمُرَادُ بِالصَّيْدِ الْمَصِيدُ وَلِظَاهِرِ حَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّهُ وَعَلَّلَ رَدَّهُ أَنَّهُ مُحْرِمٌ وَلَمْ يَقُلْ لِأَنَّكَ صِدْتَهُ لَنَا وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الْمَذْكُورِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ هَذَا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الصَّيْدِ الَّذِي صَادَهُ أَبُو قَتَادَةَ وَهُوَ حَلَالٌ قَالَ لِلْمُحْرِمِينَ هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ قَالُوا مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَهَا وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَادَ لَكُمْ

(قال أصحابنا يجب الجمع بين هذه الأحاديث وحديث جابر

هَكَذَا الرِّوَايَةُ يُصَادَ بِالْأَلِفِ وَهِيَ جَائِزَةٌ عَلَى لُغَةٍ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ ... أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالْأَنْبَاءُ تَنْمِي ... (قَالَ أَصْحَابُنَا يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَحَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ وَرَدٌّ لِمَا قَالَهُ أَهْلُ الْمَذْهَبَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَيُحْمَلُ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُمْ بِاصْطِيَادِهِ وَحَدِيثُ الصَّعْبِ أَنَّهُ قَصَدَهُمْ بِاصْطِيَادِهِ وَتُحْمَلُ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى الِاصْطِيَادِ وَعَلَى لَحْمِ مَا صِيدَ لِلْمُحْرِمِ لِلْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ الْمُبَيِّنَةِ لِلْمُرَادِ مِنَ الْآيَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي حَدِيثِ الصَّعْبِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّلَ بِأَنَّهُ مُحْرِمٌ فَلَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ صِيدَ لَهُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَحْرُمُ الصَّيْدُ عَلَى الْإِنْسَانِ إِذَا صِيدَ لَهُ بِشَرْطِ أَنَّهُ مُحْرِمٌ فَبَيَّنَ الشَّرْطَ الَّذِي يَحْرُمُ بِهِ قوله صلى الله)

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ) فِيهِ جَوَازُ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنِ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِ هَدِيَّةٍ وَنَحْوِهَا لِعُذْرٍ أَنْ يَعْتَذِرَ بِذَلِكَ إِلَى الْمُهْدِيِ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ [1196] قَوْلُهُ (سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْقَاحَةِ فَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ) إِلَى آخِرِهِ الْقَاحَةِ بِالْقَافِ وبالحاء المهملة

الْمُخَفَّفَةِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ وَالَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ قَالَ الْقَاضِي كَذَا قَيَّدَهَا النَّاسُ كُلُّهُمْ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ الْبُخَارِيِّ بِالْفَاءِ وَهُوَ وَهَمٌ وَالصَّوَابُ الْقَافُ وَهُوَ وَادٍ عَلَى نَحْوِ مِيلٍ مِنَ السُّقْيَا وَعَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ (وَالسُّقْيَا) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتَ وَهِيَ مَقْصُورَةٌ وَهِيَ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِنْ أَعْمَالِ الْفُرْعِ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ والأبواء وودان قريتان من أعمال الفرع أيضا (وَتِعْهِنَ) الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ عَيْنُ مَاءٍ هُنَاكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ السُّقْيَا وَهِيَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةِ فَوْقَ مَكْسُورَةٍ وَمَفْتُوحَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ هَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ نُونٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هِيَ بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا قَالَ وَرِوَايَتُنَا عَنِ الْأَكْثَرِينَ بِالْكَسْرِ قَالَ وَكَذَا قَيَّدَهَا الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمِهِ قَالَ الْقَاضِي وَبَلَغَنِي عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْهَرَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُهَا بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَأَمَّا (غَيْقَةَ) فَهِيَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ قَافٍ

مَفْتُوحَةٍ وَهِيَ مَوْضِعٌ مِنْ بِلَادِ بَنِي غِفَارٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ هِيَ بِئْرُ مَاءٍ لِبَنِي ثَعْلَبَةَ قَوْلُهُ (فَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ) قَدْ يُقَالُ كَيْفَ كَانَ أَبُو قَتَادَةَ وَغَيْرُهُ مِنْهُمْ غَيْرَ مُحْرِمِينَ وَقَدْ جَاوَزُوا مِيقَاتَ الْمَدِينَةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَا يَجُوزُ لَهُ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ قَالَ الْقَاضِي فِي جَوَابِ هَذَا قِيلَ إِنَّ الْمَوَاقِيتَ لَمْ تَكُنْ وُقِّتَتْ بَعْدُ وَقِيلَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا قَتَادَةَ وَرُفْقَتَهُ لِكَشْفِ عَدُوٍّ لَهُمْ بِجِهَةِ السَّاحِلِ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ بَلْ بَعَثَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُعْلِمَهُ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقْصِدُونَ الْإِغَارَةَ عَلَى المدينة

وَقِيلَ إِنَّهُ خَرَجَ مَعَهُمْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْوِ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا بَعِيدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَسَقَطَ مِنِّي سَوْطِي فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي وَكَانُوا مُحْرِمِينَ نَاوَلُونِي السَّوْطَ فَقَالُوا وَاللَّهِ لا نعنيك عَلَيْهِ بِشَيْءٍ) وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال هَلْ أَشَارَ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ مِنْكُمْ أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوهُ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِشَارَةِ وَالْإِعَانَةِ مِنَ الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ وَكَذَلِكَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَكُلِّ سَبَبٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لَا تَحِلُّ الْإِعَانَةُ مِنَ الْمُحْرِمِ إِلَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنِ اصْطِيَادُهُ بِدُونِهَا قَوْلُهُ (فَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُوهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تأكلوه) ثم قال فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَلَالَ إِذَا صَادَ صَيْدًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُحْرِمِ إِعَانَةٌ وَلَا إِشَارَةٌ وَلَا دَلَالَةٌ عَلَيْهِ حَلَّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ قَوْلُهُ (إِذْ بَصُرْتُ بِأَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَيَّ إِذْ نَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ) هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا يَضْحَكُ إِلَيَّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا خَطَأٌ وَتَصْحِيفٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بَعْضِ الرُّوَاةِ عَنْ مُسْلِمٍ وَالصَّوَابُ يَضْحَكُ إِلَى بَعْضٍ فَأَسْقَطَ لَفْظَةَ بَعْضٍ وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهَا كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهُمْ لَوْ ضَحِكُوا إِلَيْهِ لَكَانَتْ إِشَارَةٌ مِنْهُمْ وَقَدْ قَالُوا إِنَّهُمْ لَمْ يُشِيرُوا إِلَيْهِ قُلْتُ لَا يُمْكِنُ رَدُّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ صَحَّتْ هِيَ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَلَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دَلَالَةٌ وَلَا اشارة إلى الصيد فَإِنَّ مُجَرَّدَ الضَّحِكِ لَيْسَ فِيهِ إِشَارَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا ضَحِكُوا تَعَجُّبًا مِنْ عُرُوضِ الصَّيْدِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ لِمَنْعِهِمْ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ) وَكَذَا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ حِمَارُ وَحْشٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا فَهَذِهِ

الرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ الْحِمَارَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ الْمُرَادُ بِهِ أُنْثَى وَهِيَ الْأَتَانُ وَسُمِّيَتْ حِمَارًا مجازا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ قَالُوا مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَهَا إِنَّمَا أَخَذَهَا وَأَكَلَهَا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ فِي إِبَاحَتِهِ وَمُبَالَغَةً فِي إِزَالَةِ الشَّكِّ وَالشُّبْهَةِ عَنْهُمْ بِحُصُولِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ قَوْلُهُ (فَقَالَ انما هي طعمة) هي الطَّاءِ أَيْ طَعَامٌ قَوْلُهُ (أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وأسير شأوا) هو بالشين المعجمة مهموز والشأو الطَّلْقُ وَالْغَايَةُ وَمَعْنَاهُ أَرْكُضُهُ شَدِيدًا وَقْتًا وَأَسُوقُهُ بِسُهُولَةٍ وَقْتًا قَوْلُهُ (فَقُلْتُ أَيْنَ لَقِيتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا) أَمَّا غَيْقَةُ وَالسُّقْيَا وَتِعْهِنُ فَسَبَقَ ضَبْطُهُنَّ وَبَيَانُهُنَّ وَقَوْلُهُ قَائِلٌ رُوِيَ بِوَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا قَائِلٌ بِهَمْزَةٍ بَيْنَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ مِنَ الْقَيْلُولَةِ وَمَعْنَاهُ تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ وَفِي عَزْمِهِ أَنْ يَقِيلَ بِالسُّقْيَا وَمَعْنَى قَائِلٌ سَيَقِيلُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَالْجُمْهُورُ غَيْرَ هَذَا بِمَعْنَاهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ قَابِلٌ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَغَرِيبٌ وَكَأَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَإِنْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ تِعْهِنُ مَوْضِعٌ مقابل لِلسُّقْيَا قَوْلُهُ (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أصحابك يقرؤون عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ إِرْسَالِ السَّلَامِ إِلَى الْغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَ أَفْضَلَ مِنَ الْمُرْسِلِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ إِذَا أَرْسَلَهُ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ فَمَنْ دُونَهُ أَوْلَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ عَلَى الرَّسُولِ تَبْلِيغُهُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ رَدُّ الْجَوَابِ حِينَ يَبْلُغُهُ عَلَى الْفَوْرِ قَوْلُهُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَدْتُ وَمَعِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُخَفَّفَةِ وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ يَعُودُ عَلَى الصَّيْدِ الْمَحْذُوفِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ أَصَدْتُ وَيُقَالُ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ صِدْتُ وَفِي بَعْضِهَا اصْطَدْتُ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ أَوْ أَصَّدْتُمْ) رُوِيَ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَتَخْفِيفِهَا وَرُوِيَ صِدْتُمْ قَالَ الْقَاضِي رُوِّينَاهُ بِالتَّخْفِيفِ فِي أَصَدْتُمْ وَمَعْنَاهُ أَمَرْتُمْ بِالصَّيْدِ أَوْ جَعَلْتُمْ مَنْ يَصِيدُهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَثَرْتُمُ الصَّيْدَ مِنْ مَوْضِعِهِ يُقَالُ أَصَدْتُ الصَّيْدَ مُخَفَّفٌ أَيْ أَثَرْتُهُ قَالَ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ صِدْتُمْ أَوْ أَصَّدْتُمْ بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَصِيدُوا وَإِنَّمَا سألوه

(باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل

عَمَّا صَادَ غَيْرُهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1197] قَوْلُهُ (فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَلْحَةُ وَفَّقَ مَنْ أَكَلَهُ) مَعْنَاهُ صَوَّبَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب مَا يَنْدُبُ لِلْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ قَتْلَهُ مِنْ الدَّوَابِّ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ الْحَيَّةُ وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ وَالْفَارَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْحُدَيَّا) وَفِي رِوَايَةٍ الْحِدَأَةُ وَفِي رِوَايَةٍ الْعَقْرَبُ بَدَلُ الْحَيَّةِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَرْبَعٌ بِحَذْفِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ السِّتُّ وَاتَّفَقَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ قَتْلِهِنَّ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَقْتُلَ مَا فِي مَعْنَاهُنَّ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى

فِيهِنَّ وَمَا يَكُونُ فِي مَعْنَاهُنَّ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمَعْنَى فِي جَوَازِ قَتْلِهِنَّ كَوْنُهُنَّ مِمَّا لَا يؤكل وكل مالا يُؤْكَلُ وَلَا هُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ فَقَتْلُهُ جَائِزٌ لِلْمُحْرِمِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ مَالِكٌ الْمَعْنَى فِيهِنَّ كَوْنُهُنَّ مُؤْذِيَاتٍ فَكُلُّ مُؤْذٍ يجوز للمحرم قتله ومالا فَلَا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ فَقِيلَ هُوَ الْكَلْبُ الْمَعْرُوفُ وَقِيلَ كُلُّ مَا يَفْتَرِسُ لِأَنَّ كُلَّ مُفْتَرِسٍ مِنَ السِّبَاعِ يُسَمَّى كَلْبًا عَقُورًا فِي اللُّغَةِ وَأَمَّا تَسْمِيَةُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فَوَاسِقُ فَصَحِيحَةٌ جَارِيَةٌ عَلَى وَفْقِ اللُّغَةِ وَأَصْلُ الْفِسْقِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْخُرُوجُ وَسُمِّيَ الرَّجُلُ الْفَاسِقُ لِخُرُوجِهِ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَاعَتِهِ فَسُمِّيَتْ هَذِهِ فَوَاسِقُ لِخُرُوجِهَا بِالْإِيذَاءِ وَالْإِفْسَادِ عَنْ طَرِيقِ مُعْظَمِ الدَّوَابِّ وَقِيلَ لِخُرُوجِهَا عَنْ حُكْمِ الْحَيَوَانِ فِي تَحْرِيمِ قَتْلِهِ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ وَقِيلَ فِيهَا لِأَقْوَالٍ أُخَرَ ضَعِيفَةٍ لَا نَعْتَنِيهَا وَأَمَّا الْغُرَابُ الْأَبْقَعُ فَهُوَ الَّذِي فِي ظَهْرِهِ وَبَطْنِهِ بَيَاضٌ وَحَكَى السَّاجِيُّ عَنِ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُ الْفَارَةِ وَحُكِيَ غَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْغُرَابُ وَلَكِنْ يُرْمَى وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ لِلْمُحْرِمِ وَالْحَلَالِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهِ فَقِيلَ هَذَا الْكَلْبُ الْمَعْرُوفُ خَاصَّةً حَكَاهُ الْقَاضِي عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَأَلْحَقُوا بِهِ الذِّئْبَ وَحَمَلَ زُفَرُ مَعْنَى الْكَلْبِ عَلَى الذِّئْبِ وَحْدَهُ وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْكَلْبِ

الْعَقُورِ تَخْصِيصَ هَذَا الْكَلْبِ الْمَعْرُوفِ بَلِ الْمُرَادُ هُوَ كُلُّ عَادٍ مُفْتَرِسٍ غَالِبًا كَالسَّبُعِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ وَالْفَهْدِ وَنَحْوِهَا وَهَذَا قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أسلم وسفيان الثورى وبن عُيَيْنَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عنهم وعن جمهور العلماء ومعنى العقور والعاقر الْجَارِحُ وَأَمَّا الْحِدَأَةُ فَمَعْرُوفَةٌ وَهِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَهْمُوزَةٌ وَجَمْعُهَا حِدَأٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَقْصُورٌ مَهْمُوزٌ كَعِنَبَةِ وَعِنَبٍ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْحُدَيَّا بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ مَقْصُورٌ قَالَ الْقَاضِي قَالَ ثَابِتٌ الْوَجْهُ فِيهِ الْهَمْزُ عَلَى مَعْنَى التَّذْكِيرِ وَإِلَّا فَحَقِيقَتُهُ حُدَيَّةٌ وَكَذَا قَيَّدَهُ الْأَصِيلِيُّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي مَوْضِعٍ أَوْ الْحُدَيَّةُ عَلَى التَّسْهِيلِ وَالْإِدْغَامِ وَقَوْلُهُ فِي الْحَيَّةِ (تُقْتَلُ بِصُغْرٍ لَهَا) هُوَ بِضَمِّ الصَّادِ أَيْ بِمَذَلَّةٍ وَإِهَانَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَمْسٌ فَوَاسِقُ) هُوَ بِتَنْوِينِ خَمْسٍ وَقَوْلُهُ بِقَتْلِ خَمْسِ فَوَاسِقَ بِإِضَافَةِ خَمْسِ لَا بِتَنْوِينِهِ [1199] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ (خَمْسٌ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ) اخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِ الْحَرَمِ هُنَا فَضَبَطَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ أَيَ الْحَرَمُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ حَرَمُ مَكَّةَ وَالثَّانِي بِضَمِّ الْحَاءِ وَالرَّاءِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ غَيْرَهُ قَالَ وَهُوَ جَمْعُ حَرَامٍ كما قال الله تعالى وأنتم حرم قَالَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَوَاضِعُ الْمُحَرَّمَةُ وَالْفَتْحُ أَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقْتَلَ فِي الْحَرَمِ كُلُّ مَنْ يَجِبُ

عليه قتل بقصاص أو رجم بالزنى أَوْ قَتْلٍ فِي الْمُحَارَبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَجُوزُ إِقَامَةُ كُلُّ الْحُدُودِ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مَوْجِبُ الْقَتْلِ وَالْحَدِّ جَرَى فِي الْحَرَمِ أَوْ خَارِجِهِ ثُمَّ لَجَأَ صَاحِبُهُ إِلَى الْحَرَمِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ يُقَامُ عَلَيْهِ فِيهِ وَمَا فَعَلَهُ خَارِجَهُ ثُمَّ لَجَأَ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ إِتْلَافَ نَفْسٍ لَمْ يقم عليه في الحرم بل يُضَيَّقْ عَلَيْهِ وَلَا يُكَلَّمْ

وَلَا يُجَالَسْ وَلَا يُبَايَعْ حَتَّى يُضْطَرَّ إِلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ فَيُقَامَ عَلَيْهِ خَارِجَهُ وَمَا كَانَ دُونَ النَّفْسِ يُقَامُ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي وَرُوِيَ عن بن عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَكَمِ نَحْوُهُ لَكِنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ النَّفْسِ وَدُونَهَا وَحُجَّتُهُمْ ظَاهِرُ قَوْلِ الله تعالى ومن دخله كان آمنا وَحُجَّتُنَا عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لِمُشَارَكَةِ فَاعِلِ الْجِنَايَةِ لِهَذِهِ الدَّوَابِّ فِي اسْمِ الْفِسْقِ بَلْ فِسْقُهُ أَفْحَشُ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا وَلِأَنَّ التَّضْيِيقَ

(باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى)

الَّذِي ذَكَرُوهُ لَا يَبْقَى لِصَاحِبِهِ أَمَانٌ فَقَدْ خَالَفُوا ظَاهِرَ مَا فَسَّرُوا بِهِ الْآيَةَ قَالَ الْقَاضِي وَمَعْنَى الْآيَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ إِخْبَارٌ عَمَّا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَعَطَفَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْآيَاتِ وَقِيلَ آمِنٌ مِنَ النَّارِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُخْرَجُ وَيُقَامُ عَلَيْهِ الحد وهو قول بن الزُّبَيْرِ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَحَمَّادٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ جَوَازِ حَلْقِ الرَّأْسِ لِلْمُحْرِمِ إِذَا كَانَ بِهِ أذى) (وجوب الْفِدْيَةِ لِحَلْقِهِ وَبَيَانِ قَدْرِهَا) [1201] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ قَالَ نَعَمْ قال فاحلق وصم ثلاث أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ

سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً وَفِي رِوَايَةٍ فَأَمَرَنِي بِفِدْيَةٍ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ مَا تَيَسَّرَ وَفِي رِوَايَةٍ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةٍ أَوِ انْسُكْ مَا تَيَسَّرَ وَفِي رِوَايَةٍ وَأَطْعِمْ فَرَقًا

بين ستة مساكين والفرق ثلاثة آصع أوصم ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً وَفِي رِوَايَةٍ أَوِ اذْبَحْ شَاةً وَفِي رِوَايَةٍ أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ

إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ نِصْفَ صَاعٍ طَعَامًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ وَفِي رِوَايَةٍ (قَالَ هَلْ عِنْدَكَ نُسُكٌ قَالَ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ يُطْعِمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مسكينين صاع) هذه روايات الباب وكلها متفقة فِي الْمَعْنَى وَمَقْصُودُهَا أَنَّ مَنِ احْتَاجَ إِلَى حَلْقِ الرَّأْسِ لِضَرَرٍ مِنْ قَمْلٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَلَهُ حَلْقُهُ فِي الْإِحْرَامِ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ من صيام أو صدقة أو نسك وَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الصِّيَامَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَالصَّدَقَةَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ وَالنُّسُكَ شَاةٌ وهي شاة تجزيء فِي الْأُضْحِيَّةِ ثُمَّ إِنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ وَالْأَحَادِيثَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ وَهَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ هَلْ عِنْدَكَ نُسُكٌ قَالَ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أن الصوم لا يجزئ إِلَّا لِعَادِمِ الْهَدْيِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَأَلَ عَنِ النُّسُكِ فَإِنْ وَجَدَهُ أَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ وَإِنْ عَدِمَهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ وَاتَّفَقَ جماهير الْعُلَمَاءُ عَلَى الْقَوْلِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّ نِصْفَ الصَّاعِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ إِنَّمَا هُوَ فِي الْحِنْطَةِ فَأَمَّا التَّمْرُ وَالشَّعِيرُ وَغَيْرُهُمَا فَيَجِبُ صَاعٌ لكل مسكين وهذا خلاف نصفه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رِوَايَةُ أَنَّهُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَبَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ يَجِبُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ صَوْمُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَهَذَا ضَعِيفٌ مُنَابِذٌ لِلسُّنَّةِ مَرْدُودٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ

باب جواز الحجامة للمحرم

تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ) مَعْنَاهُ مَقْسُومَةٌ عَلَى ستة مساكين والآصع جَمْعُ صَاعٍ وَفِي الصَّاعِ لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ وَهُوَ مِكْيَالٌ يَسْعُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا بِالْبَغْدَادِيِّ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَسَعُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ وَأَجْمَعُوا على أن الصاع أربعة أمدادا وَهَذَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْآصُعَ جَمْعُ صَاعٍ صَحِيحٌ وَقَدْ ثَبَتَ اسْتِعْمَالُ الْآصُعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ هُوَ مَشْهُورٌ فِي كَلَامِ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ بَعْدَهُمْ وَفِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَكُتُبِ النَّحْوِ وَالتَّصْرِيفِ وَلَا خِلَافَ فِي جوازه وصحته وأما ما ذكره بن مَكِّيٍّ فِي كِتَابِهِ تَثْقِيفُ اللِّسَانِ أَنَّ قَوْلَهُمْ في جمع الصاع آصُعٌ لَحْنٌ مِنْ خَطَأِ الْعَوَامِّ وَأَنَّ صَوَابَهُ أُصُوعٌ فَغَلَطٌ مِنْهُ وَذُهُولٌ وَعَجَبٌ قَوْلُهُ هَذَا مَعَ اشْتِهَارِ اللَّفْظَةِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَاللُّغَةِ والعربية وَأَجْمَعُوا عَلَى صِحَّتِهَا وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمَقْلُوبِ قَالُوا فَيَجُوزُ فِي جَمْعِ صَاعٍ آصُعٌ وَفِي دَارٍ آدُرٌ وَهُوَ بَابٌ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّ فَاءَ الْكَلِمَةِ فِي آصُعٍ صَادٌ وَعَيْنُهَا وَاوٌ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً وَنُقِلَتْ إِلَى مَوْضِعِ الْفَاءِ ثُمَّ قُلِبَتِ الْهَمْزَةُ أَلِفًا حِينَ اجْتَمَعَتْ هِيَ وَهَمْزَةُ الْجَمْعِ فَصَارَ آصُعًا وَوَزْنُهُ عندهم أعقل وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي آدُرٍ وَنَحْوِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَوَامُّ رَأْسِكَ) أَيِ الْقَمْلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (انْسُكْ نَسِيكَةً) وَفِي رِوَايَةٍ مَا تَيَسَّرَ وَفِي رِوَايَةٍ شَاةً الْجَمِيعُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَهُوَ شَاةٌ وَشَرْطُهَا أَنْ تجزيء فِي الْأُضْحِيَّةِ وَيُقَالُ لِلشَّاةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ نَسِيكَةٌ وَيُقَالُ نَسَكَ يَنْسُكُ وَيَنْسِكُ بِضَمِّ السِّينِ وَكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ وَالضَّمُّ أَشْهَرُ قَوْلُهُ (كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ قَوْلُهُ (وَرَأْسُهُ يَتَهَافَتُ قَمْلًا) أَيْ يَتَسَاقَطُ وَيَتَنَاثَرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا لُغَتَانِ وَفَسَّرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ وَهَكَذَا هُوَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ قَوْلُهُ (فَقَمِلَ رَأْسُهُ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الميم أي كثر قمله (باب جواز الحجامة للمحرم) [1203] قَوْلُهُ (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَسَطَ رَأْسِهِ) وسط الرأس

بِفَتْحِ السِّينِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ كُلُّ مَا كَانَ يَبِينُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ كَوَسْطِ الصَّفِّ وَالْقِلَادَةِ وَالسُّبْحَةِ وَحَلْقَةِ النَّاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ وَسْطٌ بِالْإِسْكَانِ وَمَا كَانَ مُصْمَتًا لَا يَبِينُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ كَالدَّارِ وَالسَّاحَةِ وَالرَّأْسِ وَالرَّاحَةِ فَهُوَ وَسَطٌ بِفَتْحِ السِّينِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَدْ أَجَازُوا فِي الْمَفْتُوحِ الْإِسْكَانَ وَلَمْ يُجِيزُوا فِي السَّاكِنِ الْفَتْحَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ الْحِجَامَةِ لِلْمُحْرِمِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِهَا لَهُ فِي الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ إِذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ فِي ذَلِكَ وَإِنْ قَطَعَ الشَّعْرَ حِينَئِذٍ لَكِنْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لِقَطْعِ الشَّعْرِ فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أو به أذى من رأسه ففدية الْآيَةَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ عُذْرٌ في الحجامة في وسط الرأس لأن لَا يَنْفَكُّ عَنْ قَطْعِ شَعْرٍ أَمَّا إِذَا أَرَادَ الْمُحْرِمُ الْحِجَامَةَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَإِنْ تَضَمَّنَتْ قَلْعَ شَعْرٍ فَهِيَ حَرَامٌ لِتَحْرِيمِ قَطْعِ الشَّعْرِ وَإِنْ لَمْ تَتَضَمَّنْ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ لَا شَعْرَ فِيهِ فَهِيَ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا وعند الجمهور ولا فدية فيها وعن بن عُمَرَ وَمَالِكٍ كَرَاهَتُهَا وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِيهَا الفدية دليلنا أن اخراج الدم لس حَرَامًا فِي الْإِحْرَامِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ قَاعِدَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْإِحْرَامِ وَهِيَ أَنَّ الْحَلْقَ وَاللِّبَاسَ وَقَتْلَ الصَّيْدِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ يُبَاحُ لِلْحَاجَةِ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ كَمَنِ احْتَاجَ إِلَى حَلْقٍ أَوْ لِبَاسٍ لِمَرَضٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ قَتْلِ صَيْدٍ لِلْحَاجَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ والله أعلم

(باب جواز مداواة المحرم عينيه)

(باب جَوَازِ مُدَاوَاةِ الْمُحْرِمِ عَيْنَيْهِ) [1204] قَوْلُهُ (عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ) هُوَ بِنُونٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مَفْتُوحَةٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتَ سَاكِنَةٍ قَوْلُهُ (مَعَ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ) قَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ فِي أَبَانٍ وَجْهَيْنِ الصَّرْفُ وَعَدَمُهُ وَالصَّحِيحُ الْأَشْهَرُ الصَّرْفُ فَمَنْ صَرَفَهُ قَالَ وَزْنُهُ فَعَالٌ وَمَنْ مَنَعَهُ قَالَ هُوَ أَفْعَلُ قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَلَلٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ بِلَامَيْنِ وَهُوَ مَوْضِعٌ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ مِيلًا مِنَ الْمَدِينَةِ وَقِيلَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ حَكَاهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ قَوْلُهُ (اضْمِدْهُمَا بِالصَّبِرِ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ ضَمَّدَهُمَا بِالصَّبِرِ هُوَ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِهَا يُقَالُ ضَمَدَ وَضَمَّدَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَقَوْلُهُ اضْمِدْهَا بِالصَّبِرِ جَاءَ عَلَى لُغَةِ التَّخْفِيفِ مَعْنَاهُ اللَّطْخُ وَأَمَّا الصَّبِرُ فَبِكَسْرِ الْبَاءِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ تَضْمِيدِ الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا بِالصَّبِرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا فِدْيَةَ فِي ذَلِكَ فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى مَا فِيهِ طِيبٌ جَازَ لَهُ فعله وعليه الفدية وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَكْتَحِلَ بِكُحْلٍ لَا طِيبَ فِيهِ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ ولا فدية

(باب جواز غسل المحرم بدنه ورأسه)

عَلَيْهِ فِيهِ وَأَمَّا الِاكْتِحَالُ لِلزِّينَةِ فَمَكْرُوهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ وَمَنَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ قَوْلَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَفِي إِيجَابِ الْفِدْيَةِ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ خِلَافٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ جَوَازِ غَسْلِ الْمُحْرِمِ بَدَنَهُ وَرَأْسَهُ) ذُكِرَ فِي الباب حديث بن حنين أن بن عباس والمسور اختلفا فقال بن عَبَّاسٍ لِلْمُحْرِمِ غَسْلُ رَأْسِهِ وَخَالَفَهُ الْمِسْوَرُ وَأَنَّ بن عَبَّاسٍ أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَوَجَدَهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ وَهُوَ يَسْتَتِرُ بِثَوْبٍ قَالَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقُلْتُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَسْأَلُكَ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ اصْبُبْ فصب

(باب ما يفعل بالمحرم إذا مات)

عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهَ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ [1205] قَوْلُهُ (بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ تَثْنِيَةُ قَرْنٍ وَهُمَا الْخَشَبَتَانِ الْقَائِمَتَانِ عَلَى رَأْسِ الْبِئْرِ وَشِبْهُهُمَا مِنَ الْبِنَاءِ وَتُمَدُّ بَيْنَهُمَا خَشَبَةٌ يُجَرُّ عَلَيْهَا الْحَبْلُ الْمُسْتَقَى بِهِ وَتُعَلَّقُ عَلَيْهَا الْبَكَرَةُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا جَوَازُ اغْتِسَالِ الْمُحْرِمِ وَغَسْلِهِ رَأْسَهُ وَإِمْرَارِ الْيَدِ عَلَى شَعْرِهِ بِحَيْثُ لَا يَنْتِفُ شَعْرًا وَمِنْهَا قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَأَنَّ قَبُولَهُ كَانَ مَشْهُورًا عِنْدَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمِنْهَا الرُّجُوعُ إِلَى النَّصِّ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ وَتَرْكُ الِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاسِ عِنْدَ وُجُودِ النَّصِّ وَمِنْهَا السَّلَامُ عَلَى الْمُتَطَهِّرِ فِي وُضُوءٍ وَغُسْلٍ بِخِلَافِ الْجَالِسِ عَلَى الْحَدَثِ وَمِنْهَا جَوَازُ الِاسْتِعَانَةِ فِي الطَّهَارَةِ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهَا إِلَّا لِحَاجَةٍ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ غَسْلِ الْمُحْرِمِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا غَسْلُهُ تبردا فمذهبنا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ جَوَازُهُ بِلَا كَرَاهَةٍ وَيَجُوزُ عِنْدَنَا غَسْلُ رَأْسِهِ بِالسِّدْرِ وَالْخَطْمِيِّ بِحَيْثُ لَا يَنْتِفُ شَعْرًا فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَنْتِفْ شَعْرًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ هُوَ حَرَامٌ مُوجِبٌ لِلْفِدْيَةِ (باب مَا يُفْعَلُ بِالْمُحْرِمِ إِذَا مات) [1206] فيه حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَجُلًا خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ وَهُوَ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ فَوُقِصَ فَمَاتَ فَقَالَ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللَّهَ

يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا) وَفِي رِوَايَةٍ وَقَعَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَأَوْقَصَتْهُ أَوْ قَالَ فَأَقْعَصَتْهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَوَقَصَتْهُ وَفِي رِوَايَةٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلَا تُحَنِّطُوهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يوم القيامة يلبي وفي رواية ولا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّدًا فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ دَلَالَةٌ بَيِّنَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَمُوَافِقِيهِمْ فِي أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا مَاتَ لَا يَجُوزُ أن يلبس المخيط ولا تخمر رَأْسُهُ وَلَا يَمَسَّ طِيبًا وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمْ يُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِالْحَيِّ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَادٌّ لِقَوْلِهِمْ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ السِّدْرِ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ وَأَنَّ الْمُحْرِمَ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قال

طاوس وعطاء ومجاهد وبن الْمُنْذِرِ وَآخَرُونَ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ) أَمَّا تَخْمِيرُ الرَّأْسِ فِي حق المحرم الحي فمجمع عَلَى تَحْرِيمِهِ وَأَمَّا وَجْهُهُ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ هُوَ كَرَأْسِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ لَا إِحْرَامَ فِي وَجْهِهِ بَلْ لَهُ تَغْطِيَتُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ كَشْفُ الْوَجْهِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ هَذَا حُكْمُ الْمُحْرِمِ الْحَيِّ وَأَمَّا الْمَيِّتُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ تَغْطِيَةُ رَأْسِهِ كَمَا سَبَقَ وَلَا يَحْرُمُ تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ بَلْ يَبْقَى كَمَا كَانَ فِي الْحَيَاةِ وَيُتَأَوَّلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَغْطِيَةِ وَجْهِهِ لَيْسَ لِكَوْنِهِ وَجْهًا إِنَّمَا هُوَ صِيَانَةٌ لِلرَّأْسِ فَإِنَّهُمْ لَوْ غَطَّوْا وَجْهَهُ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يُغَطُّوا رَأْسَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ لِأَنَّ مَالِكًا

وَأَبَا حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِمَا يَقُولُونَ لَا يُمْنَعُ مِنْ سَتْرِ رَأْسِ الْمَيِّتِ وَوَجْهِهِ وَالشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ يَقُولُونَ يُبَاحُ سَتْرُ الْوَجْهِ فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ) وَفِي رِوَايَةٍ ثَوْبَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ ثَوْبَيْهِ وَفِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا الدَّلَالَةُ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي أَنَّ حُكْمَ الْإِحْرَامِ بَاقٍ فِيهِ وَمِنْهَا أَنَّ التَّكْفِينَ فِي الثِّيَابِ الْمَلْبُوسَةِ جَائِزٌ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَمِنْهَا جَوَازُ التَّكْفِينِ فِي ثَوْبَيْنِ وَالْأَفْضَلُ ثَلَاثَةٌ وَمِنْهَا أَنَّ الْكَفَنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَلْ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَمْ لَا وَمِنْهَا أَنَّ التَّكْفِينَ وَاجِبٌ وَهُوَ إِجْمَاعٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَكَذَلِكَ غُسْلَهُ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَدَفْنَهُ وَقَوْلُهُ خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ أَيْ سَقَطَ وَقَوْلُهُ وُقِصَ أَيِ انْكَسَرَ عُنُقُهُ وقصته وَأَوْقَصَتْهُ بِمَعْنَاهُ قَوْلُهُ (فَأَقْعَصَتْهُ) أَيْ قَتَلَتْهُ فِي الْحَالِ وَمِنْهُ قُعَاصُ الْغَنَمِ وَهُوَ مَوْتُهَا بِدَاءٍ يأخذها تموت فجأة قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القيامة ملبيا وملبدا ويلبي) معناه على هيأته الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا وَمَعَهُ عَلَامَةٌ لِحَجِّهِ وَهِيَ دَلَالَةُ الْفَضِيلَةِ كَمَا يَجِيءُ

الشَّهِيدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ دَوَامِ التَّلْبِيَةِ فِي الْإِحْرَامِ وَعَلَى اسْتِحْبَابِ التَّلْبِيدِ وَسَبَقَ بَيَانُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تُحَنِّطُوهُ) هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ لَا تَمَسُّوهُ حَنُوطًا وَالْحَنُوطُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَيُقَالُ لَهُ الْحِنَاطُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَهُوَ أَخْلَاطٌ مِنْ طِيبٍ تُجْمَعُ لِلْمَيِّتِ خَاصَّةً لَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ خَشْرَمٍ (أَقْبَلَ رَجُلٌ حَرَامًا) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا حَرَامٌ وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ وَلِلْأَوَّلِ وَجْهٌ وَيَكُونُ حَالًا وَقَدْ جَاءَتِ الْحَالُ مِنَ النَّكِرَةِ عَلَى قِلَّةٍ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ) أَبُو بِشْرٍ هَذَا هُوَ الْغُبَرِيُّ وَاسْمُهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الْبَصْرِيُّ وَهُوَ تَابِعِيٌّ رَوَى عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَانْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِالرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي بِشْرٍ هَذَا وَاتَّفَقُوا عَلَى تَوْثِيقِهِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مَنْصُورٍ عن سعيد بن جبير عن بن عباس) قال القاضي هذا الحديث ما اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ

باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه

وَقَالَ إِنَّمَا سَمِعَهُ مَنْصُورٌ مِنَ الْحَكَمِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدٍ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقِيلَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سلمه ولايصح والله أعلم (باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه) [1207] فِيهِ حَدِيثُ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي فَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَنْ قَالَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ فِي إِحْرَامِهِ أَنَّهُ إِنْ مَرِضَ تَحَلَّلَ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وعلي وبن مَسْعُودٍ وَآخَرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وجماعة

من التابعين وأحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَحُجَّتُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الصَّرِيحُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَبَعْضُ التَّابِعِينَ لَا يَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ وَأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِضُبَاعَةَ وَأَشَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إِلَى تَضْعِيفِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ قَالَ قَالَ الْأَصِيلِيُّ لَا يَثْبُتُ فِي الِاشْتِرَاطِ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ قَالَ النَّسَائِيُّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ غَيْرَ مَعْمَرٍ وَهَذَا الَّذِي عَرَّضَ بِهِ الْقَاضِي وَقَالَ الْأَصِيلِيُّ مِنْ تَضْعِيفِ الْحَدِيثِ غَلَطٌ فَاحِشٌ جِدًّا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَشْهُورٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَسَائِرِ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِأَسَانِيدَ كَثِيرَةٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَفِيمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ مِنْ تَنْوِيعِ طُرُقِهِ أَبْلَغُ كِفَايَةٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرَضَ لَا يُبِيحُ التَّحَلُّلَ إِذَا لَمْ يَكُنِ اشْتِرَاطٌ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا ضُبَاعَةَ فَبِضَادٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مُخَفَّفَةٍ وَهِيَ ضُبَاعَةُ بِنْتُ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الْكِتَابِ وَهِيَ بِنْتُ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْوَسِيطِ هِيَ ضُبَاعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ فَغَلَطٌ فَاحِشٌ وَالصَّوَابُ الْهَاشِمِيَّةُ [1208] قَوْلُهُ (فَأَدْرَكَتْ)

باب احرام النفساء واستحباب اغتسالها للاحرام وكذا

مَعْنَاهُ أَدْرَكَتِ الْحَجَّ وَلَمْ تَتَحَلَّلْ حَتَّى فَرَغَتْ منه (باب احرام النفساء واستحباب اغتسالها للاحرام وكذا الحائض) [1209] فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (نُفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَأْمُرُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ) قَوْلُهَا نُفِسَتْ أَيْ وَلَدَتْ وهي بكسر الفاء لاغير وَفِي النُّونِ لُغَتَانِ الْمَشْهُورَةُ ضَمُّهَا وَالثَّانِيَةُ فَتْحُهَا سُمِّيَ نِفَاسًا لِخُرُوجِ النَّفَسِ وَهُوَ الْمَوْلُودُ وَالدَّمُ أَيْضًا قَالَ الْقَاضِي وَتَجْرِي اللُّغَتَانِ فِي الْحَيْضِ ايضا يقال نَفِسَتْ أَيْ حَاضَتْ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّهَا قَالَ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْأَفْعَالِ قَالَ وَأَنْكَرَ جَمَاعَةٌ الضَّمَّ فِي الْحَيْضِ وَفِيهِ صِحَّةُ إِحْرَامِ النُّفَسَاءِ وَالْحَائِضِ وَاسْتِحْبَابُ اغْتِسَالِهِمَا لِلْإِحْرَامِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ لَكِنْ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ هُوَ وَاجِبٌ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ يَصِحُّ مِنْهُمَا جَمِيعُ أَفْعَالِ الْحَجِّ إِلَّا الطَّوَافَ وَرَكْعَتَيْهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي وَفِيهِ أَنَّ رَكْعَتَيِ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ لَيْسَتَا بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْحَجِّ لِأَنَّ أَسْمَاءَ لَمْ تُصَلِّهِمَا وَقَوْلُهُ (نُفِسَتْ بِالشَّجَرَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَفِي رِوَايَةٍ بِالْبَيْدَاءِ هَذِهِ الْمَوَاضِعُ الثَّلَاثَةُ مُتَقَارِبَةٌ

(باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع)

فَالشَّجَرَةُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَمَّا الْبَيْدَاءُ فَهِيَ بِطَرَفِ ذي الحليفة قال القاضي يحمل أَنَّهَا نَزَلَتْ بِطَرَفِ الْبَيْدَاءِ لِتَبْعُدَ عَنِ النَّاسِ وَكَانَ مَنْزِلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حَقِيقَةً وَهُنَاكَ بَاتَ وَأَحْرَمَ فَسُمِّيَ مَنْزِلُ النَّاسِ كُلِّهِمْ بِاسْمِ مَنْزِلِ إِمَامِهِمْ (بَابُ بَيَانِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ إِفْرَادُ الْحَجِّ وَالتَّمَتُّعِ) (وَالْقِرَانِ وَجَوَازِ إِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ ومتى يحل للقارن مِنْ نُسُكِهِ) قَوْلُهُمْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَّعَ النَّاسَ فِيهَا وَلَمْ يَحُجَّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ غَيْرَهَا وَكَانَتْ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ الْهِجْرَةِ اعْلَمْ أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى جَوَازِ إِفْرَادِ الْحَجِّ عَنِ الْعُمْرَةِ وَجَوَازِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا النَّهْيُ الْوَارِدُ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَسَنُوَضِّحُ مَعْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْإِفْرَادُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ وَيَفْرُغَ مِنْهُ ثُمَّ يَعْتَمِرَ وَالتَّمَتُّعُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَفْرُغَ مِنْهُ ثُمَّ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ وَالْقِرَانُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا جَمِيعًا وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ طَوَافِهَا صَحَّ وَصَارَ قَارِنًا فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَقَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ إِحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ وَالثَّانِي يَصِحُّ وَيَصِيرُ قَارِنًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ مِنَ الْحَجِّ وَقِيلَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَقِيلَ قَبْلَ فِعْلِ فَرْضٍ وَقِيلَ قَبْلَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ غَيْرِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ أَيُّهَا أَفْضَلُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَكَثِيرُونَ أَفْضَلُهَا الْإِفْرَادُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْقِرَانُ وَقَالَ أَحْمَدُ وَآخَرُونَ أَفْضَلُهَا

التَّمَتُّعُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ أَفْضَلُهَا الْقِرَانُ وَهَذَانِ الْمَذْهَبَانِ قَوْلَانِ آخَرَانِ لِلشَّافِعِيِّ وَالصَّحِيحُ تَفْضِيلُ الْإِفْرَادِ ثُمَّ التَّمَتُّعِ ثُمَّ الْقِرَانِ وَأَمَّا حَجَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا هَلْ كَانَ مُفْرِدًا أَمْ مُتَمَتِّعًا أَمْ قَارِنًا وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ بِحَسَبِ مَذَاهِبهِمُ السَّابِقَةِ وَكُلُّ طَائِفَةٌ رَجَّحَتْ نَوْعًا وَادَّعَتْ أَنَّ حَجَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ كَذَلِكَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلًا مُفْرِدًا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَدْخَلَهَا عَلَى الْحَجِّ فَصَارَ قَارِنًا وَقَدِ اخْتَلَفَتْ رِوَايَاتُ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي صِفَةِ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ هَلْ كَانَ قَارِنًا أَمْ مُفْرِدًا أَمْ مُتَمَتِّعًا وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رِوَايَاتِهِمْ كَذَلِكَ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهَا مَا ذَكَرْتُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلًا مُفْرِدًا ثُمَّ صَارَ قَارِنًا فَمَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ هُوَ الْأَصْلُ وَمَنْ رَوَى الْقِرَانَ اعْتَمَدَ آخِرَ الْأَمْرِ وَمَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ أَرَادَ التَّمَتُّعَ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ وَالِارْتِفَاقُ وَقَدِ ارْتَفَقَ بِالْقِرَانِ كَارْتِفَاقِ الْمُتَمَتِّعِ وَزِيَادَةٌ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ وَبِهَذَا الْجَمْعِ تَنْتَظِمُ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فِي كِتَابٍ صَنَّفَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ خَاصَّةً وَادَّعَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا وَتَأَوَّلَ بَاقِي الْأَحَادِيثِ وَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَدِلَّتِهِ وَجَمِيعِ طُرُقِ الْحَدِيثِ وَكَلَامِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَعَلَّقِ بِهَا وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ فِي تَرْجِيحِ الْإِفْرَادِ بِأَنَّهُ صَحَّ ذَلِكَ مِنْ رواية جابر وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَهَؤُلَاءِ لَهُمْ مَزِيَّةٌ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى غَيْرِهِمْ فَأَمَّا جَابِرٌ فَهُوَ أَحْسَنُ الصَّحَابَةِ سِيَاقَةً لِرِوَايَةِ حَدِيثِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا مِنْ حِينِ خُرُوجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إِلَى آخِرِهَا فَهُوَ أضبط لها من غيره وأما بن عُمَرَ فَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ آخِذًا بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ رَجَّحَ قَوْلَ أَنَسٍ عَلَى قَوْلِهِ وَقَالَ كَانَ أَنَسٌ يَدْخُلُ عَلَى النِّسَاءِ وَهُنَّ مُكْشِفَاتٌ الرُّءُوسَ وَإِنِّي كُنْتُ تَحْتَ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّنِي لُعَابُهَا أَسْمَعُهُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَأَمَّا عَائِشَةُ فَقُرْبُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْرُوفٌ وَكَذَلِكَ اطِّلَاعُهَا عَلَى بَاطِنِ أَمْرِهِ وَظَاهِرِهِ وَفِعْلِهِ فِي خَلْوَتِهِ وَعَلَانِيَتِهِ مَعَ كَثْرَةِ فقهها وعظم فطنتها وأما بن عَبَّاسٍ فَمَحَلُّهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ فِي الدِّينِ وَالْفَهْمِ الثَّاقِبِ مَعْرُوفٌ مَعَ كَثْرَةِ بَحْثِهِ وَتَحَفُّظِهِ أَحْوَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي لَمْ يَحْفَظْهَا غَيْرُهُ وَأَخْذُهُ إِيَّاهَا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَمِنْ دَلَائِلِ تَرْجِيحِ الْإِفْرَادِ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدُوا الْحَجَّ وَوَاظَبُوا

عَلَى إِفْرَادِهِ كَذَلِكَ فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاخْتَلَفَ فِعْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْإِفْرَادُ أَفْضَلَ وَعَلِمُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ مُفْرِدًا لَمْ يُوَاظِبُوا عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُمُ الْأَئِمَّةُ الْأَعْلَامُ وَقَادَةُ الْإِسْلَامِ وَيُقْتَدَى بِهِمْ فِي عَصْرِهِمْ وَبَعْدَهُمْ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِهِمُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى خِلَافِ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا الْخِلَافُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ فَإِنَّمَا فَعَلُوهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مَا يُوَضِّحُ ذَلِكَ وَمِنْهَا أَنَّ الْإِفْرَادَ لَا يَجِبُ فِيهِ دَمٌ بِالْإِجْمَاعِ وَذَلِكَ لِكَمَالِهِ وَيَجِبُ الدَّمُ فِي التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَهُوَ دَمُ جُبْرَانٍ لِفَوَاتِ الْمِيقَاتِ وَغَيْرِهِ فكان مالا يَحْتَاجُ إِلَى جَبْرٍ أَفْضَلَ وَمِنْهَا أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى جَوَازِ الْإِفْرَادِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَكَرِهَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَغَيْرُهُمَا التَّمَتُّعَ وَبَعْضُهُمُ التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ فَكَانَ الْإِفْرَادُ أَفْضَلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي صِفَةِ حَجَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُخْبِرُ عَنْ مُشَاهَدَةٍ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَمِنْ مُجِيدٍ مُنْصِفٍ وَمِنْ مُقَصِّرٍ مُتَكَلِّفٍ وَمِنْ مُطِيلٍ مُكْثِرٍ وَمِنْ مُقْتَصِرٍ مُخْتَصِرٍ قَالَ وَأَوْسَعُهُمْ فِي ذَلِكَ نَفَسًا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ الْحَنَفِيُّ فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ فِي زِيَادَةٍ عَلَى أَلْفِ وَرَقَةٍ وَتَكَلَّمَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ ثُمَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ ثُمَّ الْمُهَلَّبُ وَالْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْمُرَابِطِ وَالْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ الْبَغْدَادِيُّ وَالْحَافِظُ أَبُو عَمْرِو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَأَوْلَى مَا يُقَالُ فِي هَذَا عَلَى مَا فَحَصْنَاهُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَاخْتَرْنَاهُ مِنَ اخْتِيَارَاتِهِمْ مِمَّا هُوَ أَجْمَعُ لِلرِّوَايَاتِ وَأَشْبَهُ بِمَسَاقِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ لِلنَّاسِ فِعْلَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِيَدُلَّ عَلَى جَوَازِ جَمِيعِهَا وَلَوْ أَمَرَ بِوَاحِدٍ لَكَانَ غَيْرُهُ يظن انه لا يجزئ فَأُضِيفَ الْجَمِيعُ إِلَيْهِ وَأَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ وَأَبَاحَهُ لَهُ وَنَسَبَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا لِأَمْرِهِ بِهِ وَإِمَّا لِتَأْوِيلِهِ عَلَيْهِ وَأَمَّا إِحْرَامُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ فَأَخْذَ بِالْأَفْضَلِ فَأَحْرَمَ مُفْرِدًا لِلْحَجِّ وَبِهِ تَظَاهَرَتِ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ بِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا فَمَعْنَاهَا أَمَرَ بِهِ وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ بِأَنَّهُ كَانَ قَارِنًا فَإِخْبَارٌ عَنْ حَالَتِهِ الثَّانِيَةِ لَا عَنِ ابْتِدَاءِ إِحْرَامِهِ بَلْ إِخْبَارٌ عَنْ حَالِهِ حِينَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالتَّحَلُّلِ مِنْ حَجِّهِمْ وَقَلَبَهُ إِلَى عُمْرَةٍ لِمُخَالَفَةِ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ وَكَانَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ فِي آخِرِ إِحْرَامِهِمْ قَارِنِينَ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ أَدْخَلُوا الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ وَفَعَلَ ذَلِكَ مُوَاسَاةً لِأَصْحَابِهِ وَتَأْنِيسًا لَهُمْ فِي فِعْلِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِكَوْنِهَا كَانَتْ مُنْكَرَةً عِنْدَهُمْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَمْ يمكنه

التَّحَلُّلُ مَعَهُمْ بِسَبَبِ الْهَدْيِ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ فِي تَرْكِ مُوَاسَاتِهِمْ فَصَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَارِنًا فِي آخِرِ أَمْرِهِ وَقَدِ اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ إِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَشَذَّ بَعْضُ النَّاسِ فَمَنَعَهُ وَقَالَ لَا يَدْخُلُ إِحْرَامٌ عَلَى إِحْرَامٍ كَمَا لَا تَدْخُلُ صَلَاةٌ عَلَى صَلَاةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي إِدْخَالِ الْعُمْرَةِ على الحج فجوزه أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَمَنَعَهُ آخَرُونَ وَجَعَلُوا هَذَا خَاصًّا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِضَرُورَةِ الِاعْتِمَارِ حِينَئِذٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَالَ وَكَذَلِكَ يُتَأَوَّلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ كَانَ مُتَمَتِّعًا أَيْ تَمَتَّعَ بِفِعْلِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفَعَلَهَا مَعَ الْحَجِّ لِأَنَّ لَفْظَ التَّمَتُّعِ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ فَانْتَظَمَتِ الْأَحَادِيثُ وَاتَّفَقَتْ قَالَ وَلَا يَبْعُدُ رَدُّ مَا وَرَدَ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنْ فِعْلِ مِثْلِ ذَلِكَ إِلَى مِثْلِ هَذَا مَعَ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا فَيَكُونُ الْإِفْرَادُ إِخْبَارًا عَنْ فِعْلِهِمْ أَوَّلًا وَالْقِرَانُ إِخْبَارًا عَنْ إِحْرَامِ الَّذِينَ مَعَهُمْ هَدْيٌ بِالْعُمْرَةِ ثَانِيًا وَالتَّمَتُّعُ لِفَسْخِهِمُ الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ ثُمَّ إِهْلَالِهِمْ بِالْحَجِّ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا كَمَا فَعَلَ كُلُّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا إِنَّهُ أَحْرَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْرَامًا مُطْلَقًا مُنْتَظِرًا مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ إِفْرَادٍ أَوْ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ ثُمَّ أُمِرَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أُمِرَ بِالْعُمْرَةِ مَعَهُ فِي وَادِي الْعَقِيقِ بِقَوْلِهِ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ قَالَ الْقَاضِي وَالَّذِي سَبَقَ أَبْيَنُ وَأَحْسَنُ فِي التَّأْوِيلِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَعْدَهُ لَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ أَحْرَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْرَامًا مُطْلَقًا مُبْهَمًا لِأَنَّ رِوَايَةَ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مُصَرِّحَةٌ بِخِلَافِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَدْ أَنْعَمَ الشَّافِعِيُّ بِبَيَانِ هَذَا فِي كِتَابِهِ اخْتِلَافُ الْحَدِيثِ وَجودُ الْكَلَامِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِي اقْتِصَاصِ كُلِّ مَا قَالَهُ تَطْوِيلٌ وَلَكِنَّ الْوَجِيهَ وَالْمُخْتَصَرَ مِنْ جَوَامِعِ مَا قَالَ أَنَّ مَعْلُومًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ جَوَازُ إِضَافَةِ الْفِعْلِ إِلَى الْأَمْرِ كَجَوَازِ إِضَافَتِهِ إِلَى الْفَاعِلِ كَقَوْلِكَ بَنَى فُلَانٌ دَارًا إِذَا أَمَرَ بِبِنَائِهَا وَضَرَبَ الْأَمِيرُ فُلَانًا إِذَا أَمَرَ بِضَرْبِهِ وَرَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاعِزًا وَقَطَعَ سَارِقَ رداء صَفْوَانَ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمُ الْمُفْرِدُ وَالْمُتَمَتِّعُ وَالْقَارِنُ كُلٌّ مِنْهُمْ يَأْخُذُ عَنْهُ أَمْرَ نُسُكِهِ وَيَصْدُرُ عَنْ تَعْلِيمِهِ فَجَازَ أَنْ تُضَافَ كُلُّهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا وَأَذِنَ فِيهَا قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ بَعْضَهُمْ سَمِعَهُ يَقُولُ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ فَحَكَى عَنْهُ أَنَّهُ أَفْرَدَ وَخَفِيَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَعُمْرَةٍ فَلَمْ يَحْكِ إِلَّا مَا سَمِعَ وَسَمِعَ أَنَسٌ وَغَيْرُهُ الزِّيَادَةَ وَهِيَ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَلَا يُنْكَرُ قَبُولُ الزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا

يَحْصُلُ التَّنَاقُضُ لَوْ كَانَ الزَّائِدُ نَافِيًا لِقَوْلِ صَاحِبِهِ فَأَمَّا إِذَا كَانَ مُثْبِتًا لَهُ وَزَائِدًا عَلَيْهِ فَلَيْسَ فِيهِ تَنَاقُضٌ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الرَّاوِي سَمِعَهُ يَقُولُ لِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيمِ فَيَقُولُ لَهُ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ عَلَى سَبِيلِ التَّلْقِينِ فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ ظَاهِرًا لَيْسَ فِيهَا تَنَاقُضٌ وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا سَهْلٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (من كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ) يُقَالُ هَدْيٌ بِإِسْكَانِ الدَّالِ وتخفيف الياء وهدي بِكَسْرِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْأُولَى أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إِلَى الحرم من الأنعام وسوق الهدي سنة لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ قَوْلُهُ (عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ قَالَتْ وَلَمْ أُهِلَّ إِلَّا بِعُمْرَةٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ عَائِشَةَ فِيمَا أَحْرَمَتْ بِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَذَكَرَ مُسْلِمٌ مِنْ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْهَا خَرَجْنَا لَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ وَفِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ عَنْهَا خَرَجْنَا مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ وَفِي رِوَايَةٍ لَا نَذْكُرُ إِلَّا الْحَجَّ وَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهَا أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ وَفِي رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ عَنْهَا نُلَبِّي لَا نَذْكُرُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ فَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَنَا قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَرَجَّحُ أَنَّهَا كَانَتْ مُحْرِمَةً بِحَجٍّ لِأَنَّهَا رِوَايَةُ عَمْرَةَ وَالْأَسْوَدِ وَالْقَاسِمِ وَغَلَّطُوا عُرْوَةَ فِي الْعُمْرَةِ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ وَرَجَّحُوا رِوَايَةَ غَيْرِ عُرْوَةَ عَلَى رِوَايَتِهِ لِأَنَّ عُرْوَةَ قَالَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زيد عن هاشم عَنْهُ حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا دَعِي عُمْرَتَكِ فَقَدْ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعِ الْحَدِيثَ مِنْهَا قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ هَذَا بِوَاضِحٍ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا مِمَّنْ حَدَّثَهُ ذَلِكَ قَالُوا أَيْضًا وَلِأَنَّ رِوَايَةَ عَمْرَةَ

وَالْقَاسِمِ نَسَّقَتْ عَمَلَ عَائِشَةَ فِي الْحَجِّ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ وَلِهَذَا قَالَ الْقَاسِمُ عَنْ رِوَايَةِ عَمْرَةَ أَنْبَأَتْكَ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ قَالُوا وَلِأَنَّ رِوَايَةَ عُرْوَةَ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ إِحْرَامِ عَائِشَةَ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ مُمْكِنٌ فَأَحْرَمَتْ أَوَّلًا بِالْحَجِّ كَمَا صَحَّ عَنْهَا فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وَكَمَا هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ ثُمَّ أَحْرَمَتْ بِالْعُمْرَةِ حِينَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ وَهَكَذَا فسره الْقَاسِمُ فِي حَدِيثِهِ فَأَخْبَرَ عُرْوَةُ عَنْهَا بِاعْتِمَارِهَا فِي آخِرِ الْأَمْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَوَّلَ أَمْرِهَا قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ تَعَارَضَ هَذَا بِمَا صَحَّ عَنْهَا فِي إِخْبَارِهَا عَنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ وَاخْتِلَافِهِمْ فِي الْإِحْرَامِ وَأَنَّهَا أَحْرَمَتْ هِيَ بِعُمْرَةٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّهَا أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ ثُمَّ فَسَخَتْهُ إِلَى عُمْرَةٍ حِينَ أَمَرَ النَّاسَ بِالْفَسْخِ فَلَمَّا حَاضَتْ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهَا إِتْمَامُ الْعُمْرَةِ وَالتَّحَلُّلُ مِنْهَا وَإِدْرَاكُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَأَحْرَمَتْ فَصَارَتْ مُدْخِلَةً لِلْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَقَارِنَةً وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْفُضِي عُمْرَتَكِ لَيْسَ مَعْنَاهُ إِبْطَالُهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَالْخُرُوجُ مِنْهَا فَإِنَّ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ لَا يَصِحُّ الْخُرُوجُ مِنْهُمَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْهَا بِالتَّحَلُّلِ بَعْدَ فَرَاغِهَا بَلْ مَعْنَاهُ ارْفُضِي الْعَمَلَ فِيهَا وَإِتْمَامَ أَفْعَالِهَا الَّتِي هِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَتَقْصِيرُ شَعْرِ الرَّأْسِ فَأَمَرَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَأَنْ تُحْرِمَ بِالْحَجِّ فَتَصِيرَ قَارِنَةً وَتَقِفَ بِعَرَفَاتٍ وَتَفْعَلَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا الطَّوَافَ فَتُؤَخِّرَهُ حَتَّى تَطْهُرَ وَكَذَلِكَ فَعَلَتْ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ وَأَمْسِكِي عَنِ الْعُمْرَةِ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِهَذَا التَّأْوِيلِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ بَعْدَ هَذَا فِي آخِرِ رِوَايَاتِ عَائِشَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ بَهْزٍ عَنْ وُهَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ فَقَدِمَتْ وَلَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى حَاضَتْ فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا وَقَدْ أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّفْرِ يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ فَأَبَتْ فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ هَذَا لَفْظُهُ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ عُمْرَتَهَا بَاقِيَةٌ صَحِيحَةٌ مُجْزِئَةٌ وَأَنَّهَا لَمْ تُلْغِهَا

وَتَخْرُجْ مِنْهَا فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ ارْفُضِي عُمْرَتَكِ وَدَعِي عُمْرَتَكِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ رَفْضِ الْعَمَلِ فِيهَا وَإِتْمَامِ أَفْعَالِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَمَّا مَضَتْ مَعَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِيُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ (هَذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِكِ) فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ يَكُونَ لَهَا عُمْرَةٌ مُنْفَرِدَةٌ عَنِ الْحَجِّ كَمَا حَصَلَ لِسَائِرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرِهِنَّ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ فَسَخُوا الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ وَأَتَمُّوا الْعُمْرَةَ وَتَحَلَّلُوا مِنْهَا قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ ثُمَّ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَحَصَلَ لَهُمْ عُمْرَةٌ مُنْفَرِدَةٌ وَحَجَّةٌ مُنْفَرِدَةٌ وَأَمَّا عَائِشَةُ فَإِنَّمَا حَصَلَ لَهَا عُمْرَةٌ مُنْدَرِجَةٌ فِي حَجَّةٍ بِالْقِرَانِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّفْرِ يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ أَيْ وَقَدْ تَمَّا وَحُسِبَا لَكِ جَمِيعًا فَأَبَتْ وَأَرَادَتْ عُمْرَةً مُنْفَرِدَةً كَمَا حَصَلَ لِبَاقِي النَّاسِ فَلَمَّا اعْتَمَرَتْ عُمْرَةً مُنْفَرِدَةً قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِكِ أَيِ الَّتِي كُنْتِ تُرِيدِينَ حُصُولَهَا مُنْفَرِدَةً غَيْرَ مُنْدَرِجَةٍ فَمَنَعَكِ الْحَيْضُ مِنْ ذَلِكَ وَهَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهَا يَرْجِعُ النَّاسُ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَرْجِعُ بِحَجٍّ أَيْ يَرْجِعُونَ بِحَجٍّ مُنْفَرِدٍ وَعُمْرَةٍ مُنْفَرِدَةٍ وَأَرْجِعُ أَنَا وَلَيْسَ لِي عُمْرَةٌ مُنْفَرِدَةٌ وَإِنَّمَا حَرَصَتْ عَلَى ذَلِكَ لِتُكْثِرَ أَفْعَالَهَا وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِالرَّدِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ الْقِرَانُ أَفْضَلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1211] وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي) فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إِبْطَالُ الْعُمْرَةِ لِأَنَّ نَقْضَ الرَّأْسِ وَالِامْتِشَاطَ جَائِزَانِ عِنْدَنَا فِي الْإِحْرَامِ بِحَيْثُ لَا يَنْتِفُ شَعْرًا وَلَكِنْ يُكْرَهُ الِامْتِشَاطُ إِلَّا لِعُذْرٍ وَتَأَوَّلَ الْعُلَمَاءُ فِعْلَ عَائِشَةَ هَذَا عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَعْذُورَةً بِأَنْ كَانَ فِي رَأْسِهَا أَذًى فَأَبَاحَ لَهَا الِامْتِشَاطَ كَمَا أَبَاحَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الْحَلْقَ لِلْأَذَى وَقِيلَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالِامْتِشَاطِ هُنَا حَقِيقَةَ الِامْتِشَاطِ بِالْمُشْطِ بَلْ تَسْرِيحَ الشَّعْرِ بِالْأَصَابِعِ للغسل لاحرامها بالحج لاسيما إِنْ كَانَتْ لَبَّدَتْ رَأْسَهَا كَمَا هُوَ السُّنَّةُ وَكَمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَصِحُّ غُسْلُهَا إِلَّا بِإِيصَالِ الْمَاءِ إِلَى جَمِيعِ شَعْرِهَا وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا نَقْضُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا

جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ عَنْ طَوَافِ الرُّكْنِ وَأَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ وَتَنْدَرِجُ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ كُلُّهَا فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عن بن عُمَرَ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُدَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ وَهُوَ محكي عن علي بن أبي طالب وبن مسعود والشعبي والنخعي والله أعلم قولهن (عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْأَحَادِيثِ فِي صَحِيحَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَالَ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلَ بَعْدَ إِحْرَامِهِمْ بِالْحَجِّ فِي مُنْتَهَى سَفَرِهِمْ وَدُنُوِّهِمْ مِنْ مَكَّةَ بِسَرِفَ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ أَوْ بَعْدَ طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ وَسَعْيِهِ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ ويحتمل تكرارا الْأَمْرِ بِذَلِكَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَأَنَّ الْعَزِيمَةَ كَانَتْ آخِرًا حِينَ أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ قَوْلُهَا (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُهْدِ فَلْيَتَحَلَّلْ وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلَا يَحِلَّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ) هَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَمُوَافِقِهِمَا فِي أَنَّ الْمُعْتَمِرَ الْمُتَمَتِّعَ إِذَا كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْ عُمْرَتِهِ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِمَا أَنَّهُ إِذَا طَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ وَحَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْحَالِ سَوَاءٌ كَانَ سَاقَ هَدْيًا أَمْ لَا وَاحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى مَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ وَبِأَنَّهُ تَحَلَّلَ مِنْ نُسُكِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَحِلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ كَمَا لَوْ تَحَلَّلَ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ وَأَجَابُوا عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّهَا مُخْتَصَرَةٌ مِنَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَهَا وَالَّتِي ذَكَرَهَا قَبْلَهَا عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُفَسِّرَةٌ لِلْمَحْذُوفِ مِنَ الرِّوَايَةِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَتَقْدِيرُهَا وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ وَلَا يَحِلَّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ وَاحِدَةٌ وَالرَّاوِي وَاحِدٌ فَيَتَعَيَّنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمْسِكِي عَنِ الْعُمْرَةِ) فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا وَإِنَّمَا أَمْسَكَتْ عَنْ أَعْمَالِهَا وَأَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ فَأَدْرَجَتْ أَعْمَالَهَا بِالْحَجِّ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِلتَّأْوِيلِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْفُضِي عُمْرَتَكِ وَدَعِي عُمْرَتَكِ أَنَّ الْمُرَادَ رَفْضُ إِتْمَامِ أَعْمَالِهَا لَا إِبْطَالُ أَصْلِ الْعُمْرَةِ قَوْلُهَا (فَأَرْدَفَنِي) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْإِرْدَافِ إِذَا كَانَتِ الدَّابَّةُ مُطِيقَةً وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِذَلِكَ وَفِيهِ جَوَازُ إِرْدَافِ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ مِنْ مَحَارِمِهِ وَالْخَلْوَةِ بِهَا وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فليهل وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ) فِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ

عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَفْضَلِهَا كَمَا سَبَقَ قَوْلُهَا (فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ) هِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهِيَ الَّتِي بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ نَفَرُوا مِنْ مِنًى فَنَزَلُوا فِي الْمُحَصَّبِ وَبَاتُوا بِهِ قَوْلُهَا (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ) أَيْ مُقَارِنِينَ لِاسْتِهْلَالِهِ وَكَانَ خُرُوجُهُمْ قَبْلَهُ لِخَمْسٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ فَلَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ) هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ بِتَفْضِيلِ التَّمَتُّعِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَمَنَّى إِلَّا الْأَفْضَلَ وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِتَفْضِيلِ الْإِفْرَادِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَالَ هَذَا مِنْ أَجْلِ فَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ الَّذِي هُوَ خَاصٌّ لَهُمْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ خَاصَّةً لِمُخَالَفَةِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ التَّمَتُّعَ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ وَقَالَ هَذَا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِ أَصْحَابِهِ وَكَانَتْ نُفُوسُهُمْ لَا تَسْمَحُ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي بَعْدَ هَذَا فَقَالَ لَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْكَلَامَ وَمَعْنَاهُ مَا يَمْنَعُنِي مِنْ مُوَافَقَتِكُمْ فِيمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ إِلَّا سَوْقِي الْهَدْيَ وَلَوْلَاهُ لَوَافَقْتُكُمْ وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ هَذَا الرَّأْيَ وَهُوَ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِي لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا قَوْلُهَا (فَقَضَى اللَّهُ حَجَّنَا وَعُمْرَتَنَا وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا صَوْمٌ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى إِخْبَارِهَا عَنْ نَفْسِهَا أَيْ لَمْ يَكُنْ

عَلَيَّ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا صَوْمٌ ثُمَّ إِنَّهُ مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا كَانَتْ قَارِنَةً وَالْقَارِنُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ وَكَذَلِكَ الْمُتَمَتِّعُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُتَأَوَّلَ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَجِبْ عَلَيَّ دَمُ ارْتِكَابِ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ كَالطِّيبِ وَسَتْرِ الْوَجْهِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ وَإِزَالَةِ شَعْرٍ وَظُفْرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَيْ لَمْ أَرْتَكِبْ مَحْظُورًا فَيَجِبُ بِسَبَبِهِ هَدْيٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ صَوْمٌ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي تَأْوِيلِهِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ فِي حَجٍّ مُفْرَدٍ لَا تَمَتُّعٍ وَلَا قِرَانٍ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ مُجْمِعُونَ عَلَى وُجُوبِ الدَّمِ فِيهِمَا إِلَّا دَاوُدَ الظَّاهِرِيَّ فَقَالَ لَا دَمَ عَلَى الْقَارِنِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهَذَا اللَّفْظُ وهو قوله وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا صَوْمٌ ظَاهِرُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ عَائِشَةَ وَلَكِنْ صَرَّحَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا بِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَى الْمُدْرَجِ قَوْلُهَا (خَرَجْنَا مُوَافِينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِلَالِ ذِي الْحَجَّةِ لَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ مَعْنَاهُ لَا نَعْتَقِدُ أَنَّا نُحْرِمُ إِلَّا بِالْحَجِّ لِأَنَّا كُنَّا نَظُنُّ امْتِنَاعَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ

قَوْلُهَا (حَتَّى إِذَا كُنَّا بِسَرِفَ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَهُوَ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ بِقُرْبِ مَكَّةَ عَلَى أَمْيَالٍ مِنْهَا قِيلَ سِتَّةٌ وَقِيلَ سَبْعَةٌ وَقِيلَ تِسْعَةٌ وَقِيلَ عَشَرَةٌ وَقِيلَ اثْنَا عَشَرَ مِيلًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَفِسْتِ) مَعْنَاهُ أَحِضْتِ وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْفَتْحُ أَفْصَحُ وَالْفَاءُ مَكْسُورَةٌ فِيهِمَا وَأَمَّا النِّفَاسُ الَّذِي هُوَ الْوِلَادَةُ فَيُقَالُ فِيهِ نُفِسَتْ بِالضَّمِّ لَا غَيْرَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَيْضِ (هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ) هذا تسلية لها وتخفيف لهما وَمَعْنَاهُ أَنَّكِ لَسْتِ مُخْتَصَّةً بِهِ بَلْ كُلُّ بَنَاتِ آدَمَ يَكُونُ مِنْهُنَّ هَذَا كَمَا يَكُونُ مِنْهُنَّ وَمِنَ الرِّجَالِ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَغَيْرُهُمَا وَاسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ بِعُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ كَانَ فِي جَمِيعِ بَنَاتِ آدَمَ وَأَنْكَرَ بِهِ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ الْحَيْضَ أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ وَوَقَعَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَغْتَسِلِي) مَعْنَى اقْضِي افْعَلِي كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَاصْنَعِي وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ وَالْمُحْدِثَ وَالْجُنُبَ يَصِحُّ مِنْهُمْ جَمِيعُ أَفْعَالِ الْحَجِّ وأقواله وهيأته إِلَّا الطَّوَافَ وَرَكْعَتَيْهِ فَيَصِحُّ الْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ وَغَيْرُهُ كَمَا ذَكَرْنَا وَكَذَلِكَ الْأَغْسَالُ

الْمَشْرُوعَةُ فِي الْحَجِّ تُشْرَعُ لِلْحَائِضِ وَغَيْرِهَا مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ لَا يَصِحُّ مِنَ الْحَائِضِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي عِلَّتِهِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لِلطَّوَافِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ هِيَ شَرْطٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ فَمَنْ شَرَطَ الطَّهَارَةَ قَالَ الْعِلَّةُ فِي بُطْلَانِ طَوَافِ الْحَائِضِ عَدَمُ الطَّهَارَةِ وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا قَالَ الْعِلَّةُ فِيهِ كَوْنُهَا مَمْنُوعَةً مِنَ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ قَوْلُهَا (وَضَحَّى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذَنَهُنَّ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ تَضْحِيَةَ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ لَا تَجُوزُ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ فِي أَنَّ التَّضْحِيَةَ بِالْبَقَرِ أَفْضَلُ مِنْ بَدَنَةٍ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ تَفْضِيلِ الْبَقَرِ وَلَا عُمُومُ لَفْظٍ إِنَّمَا هِيَ قَضِيَّةُ عَيْنٍ مُحْتَمِلَةٌ لِأُمُورٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِمَا قَالَهُ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ التَّضْحِيَةَ بِالْبَدَنَةِ أَفْضَلُ مِنَ الْبَقَرَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً إِلَى آخِرِهِ قَوْلُهَا (فَطَمِثْتُ) هُوَ

بِفَتْحِ الطَّاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ حِضْتُ يُقَالُ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ وَتَحَيَّضَتْ وَطَمِثَتْ وَعَرَكَتْ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَنَفِسَتْ وَضَحِكَتْ وَأَعْصَرَتْ وَأَكْبَرَتْ كُلُّهُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَالِاسْمُ مِنْهُ الْحَيْضُ وَالطَّمْسُ وَالْعَرَاكُ وَالضَّحِكُ وَالْإِكْبَارُ وَالْإِعْصَارُ وَهِيَ حَائِضٌ وَحَائِضَةٌ فِي لُغَةِ غَرِيبَةٍ حَكَاهَا الْفَرَّاءُ وَطَامِثٌ وَعَارِكٌ وَمُكْبِرٌ وَمُعْصِرٌ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ جَوَازُ حَجِّ الرَّجُلِ بِامْرَأَتِهِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا اسْتَطَاعَتْهُ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ هَلَ الْمَحْرَمُ لَهَا مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ وَأَمَّا حَجُّ الْفَرْضِ فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ له منعها منه وللشافعي فيه قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَمْنَعُهَا مِنْهُ كَمَا قَالَ الْجُمْهُورُ وَأَصَحُّهُمَا لَهُ مَنْعُهَا لِأَنَّ حَقُّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَحُجَّ بِزَوْجَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ قَوْلُهَا (ثُمَّ أَهَلُّوا حِينَ رَاحُوا) يَعْنِي الَّذِينَ تَحَلَّلُوا بِعُمْرَةٍ وَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ حِينَ رَاحُوا إِلَى مِنًى وَذَلِكَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِيمَنْ هُوَ بِمَكَّةَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَلَا يُقَدِّمُهُ عَلَيْهِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ قَوْلُهَا (أَنْعُسُ) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ قولها (فاهللت منها بعمرة جزاء لعمرة النَّاسِ) أَيْ تَقُومُ مَقَامَ عُمْرَةِ النَّاسِ وَتَكْفِينِي عَنْهَا قَوْلُهَا (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَلِّينَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفِي حُرُمِ الْحَجِّ وَلَيَالِي الْحَجِّ) قَوْلُهَا

حُرُمِ الْحَجِّ هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَالرَّاءِ كَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ عَنِ جُمْهُورِ الرُّوَاةِ قَالَ وَضَبَطَهُ الْأَصِيلِيُّ بِفَتْحِ الرَّاءِ قَالَ فَعَلَى الضَّمِّ كَأَنَّهَا تُرِيدُ الْأَوْقَاتَ وَالْمَوَاضِعَ وَالْأَشْيَاءَ وَالْحَالَاتِ أَمَّا بِالْفَتْحِ فَجَمْعُ حُرْمَةٍ أَيْ مَمْنُوعَاتِ الشَّرْعِ وَمُحَرَّمَاتِهِ وَكَذَلِكَ قِيلَ لِلْمَرْأَةِ الْمُحَرَّمَةِ بِنَسَبٍ حُرْمَةٌ وَجَمْعُهَا حُرُمٌ وَأَمَّا قَوْلُهَا في اشهر الحج فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِأَشْهُرِ الْحَجِّ فِي قول الله تعالى الحج أشهر معلومات فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ هِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ تَمْتَدُّ إِلَى الْفَجْرِ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ بكماله وهو مروي أيضا عن بن عباس وبن عُمَرَ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُمَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنِ الْجُمْهُورِ قَوْلُهَا (فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَنْ لَمْ يكن

مَعَهُ مِنْكُمْ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَا فَمِنْهُمُ الْآخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ بَعْدَ هَذَا أنه صلى الله عليه وسلم قال أو ما شَعَرْتِ أَنِّي أَمَرْتُ النَّاسَ بِأَمْرٍ فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ فَأَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ يَعْنِي بِعُمْرَةٍ وَقَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ فَحِلُّوا قَالَ فَحَلَلْنَا وَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ فَطُوفُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَصِّرُوا وَأَقِيمُوا حَلَالًا حَتَّى إِذَا كَانَ يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا الذي قدمتم بِهَا مُتْعَةً قَالُوا كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سمينا الحج قَالَ افْعَلُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ صَحِيحَةٌ فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ أَمْرَ عَزِيمَةٍ وَتَحَتُّمٍ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ قَالَ الْعُلَمَاءُ خَيَّرَهُمْ أَوَّلًا بَيْنَ الْفَسْخِ وَعَدَمِهِ مُلَاطَفَةً لَهُمْ وَإِينَاسًا بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَهَا مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ ثُمَّ حَتَّمَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ الْفَسْخَ وَأَمَرَهُمْ بِهِ أَمْرَ عَزِيمَةٍ وَأَلْزَمَهُمْ إِيَّاهُ وَكَرِهَ تَرَدُّدَهُمْ فِي قَبُولِ ذَلِكَ ثُمَّ قَبِلُوهُ وَفَعَلُوهُ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (سَمِعْتُ كَلَامَكَ مَعَ أَصْحَابِكَ فَسَمِعْتُ بِالْعُمْرَةِ) كَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ فَسَمِعْتُ بِالْعُمْرَةِ قَالَ الْقَاضِي كَذَا رَوَاهُ جُمْهُورُ رُوَاةِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ وهو الصواب قولها (قال ومالك قلت

لَا أُصَلِّي) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْكِنَايَةِ عَنِ الْحَيْضِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُسْتَحَى مِنْهُ وَيُسْتَشْنَعُ لَفْظُهُ إِلَّا إِذَا كَانَتْ حَاجَةً كَإِزَالَةِ وَهْمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ الْعُمْرَةَ فَمِيقَاتُهُ لَهَا أَدْنَى الْحِلِّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ بِهَا مِنَ الْحَرَمِ فَإِنْ خَالَفَ وَأَحْرَمَ بِهَا مِنَ الْحَرَمِ وَخَرَجَ إِلَى الْحِلِّ قَبْلَ الطَّوَافِ أَجْزَأَهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَطَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا تَصِحُّ عُمْرَتُهُ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى الْحِلِّ ثُمَّ يَطُوفُ وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ يَصِحُّ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِهِ الْمِيقَاتَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا وَجَبَ الْخُرُوجُ إِلَى الْحِلِّ لِيَجْمَعَ فِي نُسُكِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَمَا أَنَّ الْحَاجَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ يَقِفُ بِعَرَفَاتٍ وَهِيَ فِي الْحِلِّ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ لِلطَّوَافِ وَغَيْرِهِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَهَكَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَجِبُ الْخُرُوجُ لِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ إِلَى أَدْنَى الْحِلِّ وَأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي الْحَرَمِ وَلَمْ يَخْرُجْ لَزِمَهُ دَمٌ وَقَالَ عَطَاءٌ لاشيء عَلَيْهِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُجْزِئُهُ

حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى الْحِلِّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ مَالِكٌ لَا بُدَّ مِنْ إِحْرَامِهِ مِنَ التَّنْعِيمِ خَاصَّةً قَالُوا وَهُوَ مِيقَاتُ الْمُعْتَمِرِينَ مِنْ مَكَّةَ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ أَنَّ جَمِيعَ جِهَاتِ الْحِلِّ سَوَاءٌ وَلَا تَخْتَصُّ بِالتَّنْعِيمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ أَوْ قَالَ نَفَقَتِكِ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الثَّوَابَ وَالْفَضْلَ فِي الْعِبَادَةِ يَكْثُرُ بِكَثْرَةِ

النَّصَبِ وَالنَّفَقَةِ وَالْمُرَادُ النَّصَبُ الَّذِي لَا يَذُمُّهُ الشَّرْعُ وَكَذَا النَّفَقَةُ قَوْلُهَا (قَالَتْ صَفِيَّةُ مَا أرانى إلا حابستكم قال عقرى حلقى أو ما كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ بَلَى قَالَ لَا بَأْسَ انْفِرِي) مَعْنَاهُ أَنَّ صَفِيَّةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الْوَدَاعِ فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّجُوعَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَتْ مَا أَظُنُّنِي إِلَّا حَابِسَتَكُمْ لِانْتِظَارِ طُهْرِي وَطَوَافِي لِلْوَدَاعِ فَإِنِّي لَمْ أَطُفْ لِلْوَدَاعِ وَقَدْ حِضْتُ وَلَا يُمْكِنُنِي الطَّوَافُ الْآنَ وَظَنَّتْ أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ لَا يَسْقُطُ عَنِ الْحَائِضِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا كُنْتِ طُفْتِ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ بَلَى قَالَ يَكْفِيكِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ هُوَ الطَّوَافُ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ وَلَا بُدَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْهُ وَأَمَّا طَوَافُ الْوَدَاعِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَقْرَى حَلْقَى) فَهَكَذَا يَرْوِيهِ الْمُحَدِّثُونَ بِالْأَلِفِ الَّتِي هِيَ أَلِفُ التَّأْنِيثِ وَيَكْتُبُونَهُ بِالْيَاءِ وَلَا يُنَوِّنُونَهُ وَهَكَذَا نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ لَا يُحْصَوْنَ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ عَنْ رِوَايَةِ الْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ صَحِيحٌ فَصِيحٌ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَى عَقْرَى

عقرها الله تعالى وحلقى حَلَقَهَا اللَّهُ قَالَ يَعْنِي عَقَرَ اللَّهُ جَسَدَهَا وَأَصَابَهَا بِوَجَعٍ فِي حَلْقِهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَرْوُونَهُ عَقْرَى حَلْقَى وَإِنَّمَا هُوَ عَقْرًا حَلْقًا قَالَ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْعَرَبِ فِي الدُّعَاءِ عَلَى الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ إِرَادَةِ وُقُوعُهُ قَالَ شَمِرٌ قُلْتُ لِأَبِي عُبَيْدٍ لِمَ لَا تُجِيزُ عَقْرَى فَقَالَ لِأَنَّ فَعْلَى تَجِيءُ نَعْتًا وَلَمْ تَجِئْ فِي الدُّعَاءِ فَقُلْتُ رَوَى بن شُمَيْلٍ عَنِ الْعَرَبِ مَطْبَرَى وَعَقْرَى أَخَفُّ مِنْهَا فَلَمْ يُنْكِرْهُ هَذَا آخِرُ مَا ذَكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ عَقْرَى حَلْقَى مَعْنَاهُ عَقَرَهَا اللَّهُ وَحَلَقَهَا أَيْ حَلَقَ شَعْرَهَا أَوْ أَصَابَهَا بِوَجَعٍ فِي حَلْقِهَا قَالَ فَعَقْرَى ها هنا مَصْدَرٌ كَدَعْوَى وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَعْقِرُ قَوْمَهَا وَتَحْلِقُهُمْ بِشُؤْمِهَا وَقِيلَ الْعَقْرَى الْحَائِضُ وَقِيلَ عَقْرَى حَلْقَى أَيْ عَقَرَهَا اللَّهُ وَحَلَقَهَا هَذَا آخِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحْكَمِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ جَعَلَهَا اللَّهُ عَاقِرًا لا تلد وحلقى مشؤمة عَلَى أَهْلِهَا وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ فَهِيَ كَلِمَةٌ كَانَ أَصْلُهَا مَا ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ اتَّسَعَتِ الْعَرَبُ فِيهَا فَصَارَتْ تُطْلِقُهَا وَلَا تُرِيدُ حَقِيقَةَ مَا وُضِعَتْ لَهُ أَوَّلًا وَنَظِيرُهُ تَرِبَتْ يَدَاهُ وَقَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَشْجَعَهُ وَمَا أَشْعَرَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ وَلَا يَلْزَمُهَا الصَّبْرُ إِلَى طُهْرِهَا لِتَأْتِيَ بِهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهَا فِي تَرْكِهِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَقَوْلُهَا

(فَدَخَلَ عَلَيَّ وَهُوَ غَضْبَانُ فَقُلْتُ مَنْ أَغْضَبَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ قَالَ أو ما شَعَرْتِ أَنِّي أَمَرْتُ النَّاسَ بِأَمْرٍ فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ) أَمَّا غَضَبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِانْتِهَاكِ حُرْمَةِ الشَّرْعِ وَتَرَدُّدِهِمْ فِي قَبُولِ حُكْمِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ ويسلموا تسليما فَغَضِبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ انْتَهَاكِ حُرْمَةِ الشَّرْعِ وَالْحُزْنِ عَلَيْهِمْ فِي نَقْصِ إِيمَانِهِمْ بِتَوَقُّفِهِمْ وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِاسْتِحْبَابِ الْغَضَبِ عِنْدَ انْتَهَاكِ حُرْمَةِ الدِّينِ وَفِيهِ جَوَازُ الدُّعَاءِ عَلَى الْمُخَالِفِ لِحُكْمِ الشَّرْعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوَمَا شَعَرْتِ أَنِّي أَمَرْتُ النَّاسَ بِأَمْرٍ فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ قَالَ الْحَكَمُ كَأَنَّهُمْ يَتَرَدَّدُونَ أَحْسِبُ) قَالَ الْقَاضِي كَذَا وَقَعَ هَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إِشْكَالٌ قَالَ وَزَادَ إِشْكَالَهُ تَغْيِيرٌ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ قَالَ الْحَكَمُ كَأَنَّهُمْ يَتَرَدَّدُونَ وَكَذَا رواه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْحَكَمَ شَكَّ فِي لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا مَعَ ضَبْطِهِ لِمَعْنَاهُ فَشَكَّ هَلْ قَالَ يَتَرَدَّدُونَ أَوْ نَحْوَهُ مِنَ الْكَلَامِ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَهُ أَحْسِبُ أَيْ أَظُنُّ أَنَّ هَذَا لَفْظُهُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ مُسْلِمٍ بَعْدَهُ فِي حَدِيثِ غُنْدَرٍ وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّكَّ مِنَ الْحَكَمِ فِي قَوْلِهِ يَتَرَدَّدُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَوْلِ لَوْ فِي التَّأَسُّفِ عَلَى فوات أمور

الدِّينِ وَمَصَالِحِ الشَّرْعِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي أَنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ فَمَحْمُولٌ عَلَى التَّأَسُّفِ عَلَى حُظُوظِ الدُّنْيَا وَنَحْوِهَا وَقَدْ كَثُرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي اسْتِعْمَالِ لَوْ فِي غَيْرِ حُظُوظِ الدُّنْيَا وَنَحْوِهَا فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يجزى عَنْكِ طَوَافُكِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ) فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ قَارِنَةً وَلَمْ تَرْفُضِ الْعُمْرَةَ رَفْضَ إِبْطَالٍ بَلْ تَرَكَتْ الِاسْتِمْرَارَ فِي أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ بِانْفِرَادِهَا وَقَدْ سَبَقَ تَقْرِيرُ هَذَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ وَسَبَقَ هُنَاكَ الِاسْتِدْلَالُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُنَا يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ (عَنْ عَائِشَةَ فَجَعَلْتُ أَرْفَعُ خِمَارِي أَحْسِرُهُ عَنْ عُنُقِي فَيَضْرِبُ

رِجْلِي بِعِلَّةِ الرَّاحِلَةِ قُلْتُ لَهُ وَهَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ) أَمَّا قَوْلُهَا أَحْسِرُهُ فَبِكَسْرِ السِّينِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ أَيْ أَكْشِفُهُ وَأُزِيلُهُ وَأَمَّا قَوْلُهَا بِعِلَّةِ الرَّاحِلَةِ فَالْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ أَنَّهُ بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَتَيْنِ ثُمَّ لَامٍ مُشَدَّدَةٍ ثُمَّ هَاءٍ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ نَعْلَةِ يَعْنِي بِالنُّونِ وَفِي بَعْضِهَا بِالْبَاءِ قَالَ وَهُوَ كَلَامٌ مُخْتَلٌّ قَالَ قَالَ بعضهم صوابه ثغنة الرَّاحِلَةِ أَيْ فَخِذَهَا يُرِيدُ مَا خَشُنَ مِنْ مَوَاضِعِ مَبَارِكِهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ كُلُّ مَا وَلِيَ الْأَرْضَ مِنْ كُلِّ ذِي أَرْبَعٍ إِذَا برك فهو ثغنة قَالَ الْقَاضِي وَمَعَ هَذَا فَلَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْكَلَامُ وَلَا جَوَابُهَا لِأَخِيهَا بِقَوْلِهَا وَهَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ وَلِأَنَّ رِجْلَ الرَّاكِبِ قَلَّ مَا تبلغ ثغنة الرَّاحِلَةِ قَالَ وَكُلُّ هَذَا وَهَمٌ قَالَ وَالصَّوَابُ فَيَضْرِبُ رِجْلِي بِنَعْلَةِ السَّيْفِ يَعْنِي أَنَّهَا لَمَّا حَسَرَتْ خِمَارَهَا ضَرَبَ أَخُوهَا رِجْلَهَا بِنَعْلَةِ السَّيْفِ فَقَالَتْ وَهَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي قُلْتُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ فَيَضْرِبُ رِجْلِي بِسَبَبِ الرَّاحِلَةِ أَيْ يَضْرِبُ رِجْلِي عَامِدًا لَهَا فِي صُورَةِ مَنْ يَضْرِبُ الرَّاحِلَةَ وَيَكُونُ قَوْلُهَا بِعِلَّةِ مَعْنَاهُ بِسَبَبِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَضْرِبُ رِجْلَهَا بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ حِينَ تَكْشِفُ خِمَارَهَا عَنْ عُنُقِهَا غَيْرَةً عَلَيْهَا فَتَقُولُ لَهُ هِيَ وَهَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ أَيْ نَحْنُ فِي خَلَاءٍ لَيْسَ هُنَا أَجْنَبِيٌّ أَسْتَتِرُ مِنْهُ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيِّنٌ أَوْ كَالْمُتَعَيِّنِ لِأَنَّهُ مُطَابِقٌ لِلَفْظِ الَّذِي صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَةُ وَلِلْمَعْنَى وَلِسِيَاقِ الْكَلَامِ فَتَعَيَّنَ اعْتِمَادُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (وَهُوَ بِالْحَصْبَةِ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ بِالْمُحَصَّبِ قَوْلُهَا (فَلَقِيَنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُصْعِدٌ مِنْ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ عَلَيْهَا أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ مِنْهَا) وَقَالَتْ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (فَجِئْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ فَقَالَ هَلْ فَرَغْتِ فَقُلْتُ نَعَمْ فَأَذَّنَ فِي أَصْحَابِهِ فَخَرَجَ فَمَرَّ بِالْبَيْتِ وَطَافَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (فَأَقْبَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْحَصْبَةِ) وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَائِشَةَ مَعَ أَخِيهَا بَعْدَ نُزُولِهِ الْمُحَصَّبَ وَوَاعَدَهَا أَنْ تَلْحَقَهُ بَعْدَ اعْتِمَارِهَا ثُمَّ خَرَجَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَهَابِهَا فَقَصَدَ الْبَيْتَ لِيَطُوفَ طواف الوداع

ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَكُلُّ هَذَا فِي اللَّيْلِ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي تَلِي أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَلَقِيَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَادِرٌ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَهِيَ دَاخِلَةٌ لِطَوَافِ عُمْرَتِهَا ثُمَّ فَرَغَتْ مِنْ عُمْرَتِهَا وَلَحِقَتْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بَعْدُ فِي مَنْزِلِهِ بِالْمُحَصَّبِ وَأَمَّا قَوْلُهَا فَأَذَّنَ فِي أَصْحَابِهِ فَخَرَجَ فَمَرَّ بِالْبَيْتِ وَطَافَ فَيُتَأَوَّلُ عَلَى أَنَّ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَأَنَّ طَوَافَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَعْدَ خُرُوجِهَا إِلَى الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ رُجُوعِهَا وَأَنَّهُ فَرِغَ قَبْلَ طَوَافِهَا لِلْعُمْرَةِ [1213] قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ (أَنَّ عَائِشَةَ عَرَكَتْ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَمَعْنَاهُ حَاضَتْ يُقَالُ عَرَكَتْ تَعْرُكُ عُرُوكًا كَقَعَدَتْ تَقْعُدُ قُعُودًا قَوْلُهُ (أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) وَهُوَ الْيَوْمُ الثامن من ذي الحجة وسبق بَيَانُهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ اسْتُحِبَّ

لَهُ أَنْ يُحْرِمَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَلَا يُقَدِّمُهُ عَلَيْهِ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ وَمَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْحَجِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ) هَذَا الْغُسْلُ هُوَ الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ سَوَاءٌ الْحَائِضُ وَغَيْرُهَا قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا طَهَرَتْ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا طَهَرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ قَالَ قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا) هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ عُمْرَتَهَا لَمْ تَبْطُلْ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا وَأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْفُضِي عُمْرَتَكِ وَدَعِي عُمْرَتَكِ مُتَأَوَّلٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي أَوَائِلِ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا طَهَرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ قَالَ قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا) يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ ثَلَاثُ مَسَائِلَ حَسَنَةٍ إِحْدَاهَا أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ قَارِنَةً وَلَمْ تَبْطُلْ عُمْرَتُهَا وَأَنَّ الرَّفْضَ الْمَذْكُورَ مُتَأَوَّلٌ كَمَا سَبَقَ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْقَارِنَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ يَلْزَمُهُ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ وَالثَّالِثَةُ أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يُشْتَرَطُ وُقُوعُهُ بَعْدَ طَوَافٍ صَحِيحٍ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تَصْنَعَ مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَلَمْ تَسْعَ كَمَا لَمْ تَطُفْ فَلَوْ لَمْ يَكُنِ السَّعْيُ مُتَوَقِّفًا عَلَى تَقَدُّمِ الطَّوَافِ عَلَيْهِ لَمَا أَخَّرَتْهُ وَاعْلَمْ أَنَّ طُهْرَ عَائِشَةَ

هَذَا الْمَذْكُورَ كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَكَانَ ابْتِدَاءُ حَيْضِهَا هَذَا يَوْمَ السَّبْتِ أَيْضًا لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنْ ذي الحجة سنة عشر ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَوْلُهُ (وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا سَهْلًا حَتَّى إِذَا هَوِيَتِ الشَّيْءَ تَابَعَهَا عَلَيْهِ) مَعْنَاهُ إِذَا هَوِيَتْ شيئا لانقص فِيهِ فِي الدِّينِ مِثْلَ طَلَبِهَا الِاعْتِمَارَ وَغَيْرَهُ أَجَابَهَا إِلَيْهِ وَقَوْلُهُ سَهْلًا أَيْ سَهْلَ الْخُلُقِ كَرِيمَ الشَّمَائِلِ لَطِيفًا مُيَسَّرًا فِي الْخُلُقِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ وَفِيهِ حُسْنُ مُعَاشَرَةِ الْأَزْوَاجِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وعاشروهن بالمعروف لَا سِيَّمَا فِيمَا كَانَ مِنْ بَابِ الطَّاعَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ مَعَنَا النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ) الْوِلْدَانُ هُمُ الصِّبْيَانُ فَفِيهِ صِحَّةُ حَجِّ الصَّبِيِّ وَالْحَجِّ بِهِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّهُ يَصِحُّ حَجُّ الصَّبِيِّ وَيُثَابُ عليه ويترتب عليه أحكام حَجُّ الْبَالِغِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ عَنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ فَإِذَا بَلَغَ بَعْدَ ذَلِكَ وَاسْتَطَاعَ لزمه فرض

الْإِسْلَامِ وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ الْجُمْهُورَ فَقَالَ لَا يَصِحُّ لَهُ إِحْرَامٌ وَلَا حَجٌّ وَلَا ثَوَابَ فِيهِ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الحج قال وإنما يحج به ليتمرن ويتعلم ويتجنب محظوراته للتعلم قال وكذلك لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَكَذَلِكَ عِنْدَهُ سَائِرُ الْعِبَادَاتِ وَالصَّوَابُ مَذْهَبُ الجمهور لحديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ صَبِيًّا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ قَالَ نَعَمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَمَسِسْنَا الطِّيبَ) هُوَ بِكَسْرِ السِّينِ الْأُولَى هَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ بِفَتْحِهَا حَكَاهَا أَبُو عُبَيْدٍ وَالْجَوْهَرِيُّ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ يُقَالُ مَسِسْتُ الشَّيْءَ بِكَسْرِ السِّينِ أَمَسُّهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَسًّا فَهَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ قَالَ وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ مَسَسْتُ الشَّيْءَ بِالْفَتْحِ أَمُسُّهُ بِضَمِّ الْمِيمِ قَالَ وَرُبَّمَا قَالُوا مست الشيء يحذفون منه السِّينَ الْأُولَى وَيُحَوِّلُونَ كَسْرَتَهَا إِلَى الْمِيمِ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُحَوِّلُ وَيَتْرُكُ الْمِيمَ عَلَى حَالِهَا مَفْتُوحَةً قَوْلُهُ (وَكَفَانَا الطَّوَافُ الْأَوَّلُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) يَعْنِي الْقَارِنَ مِنَّا وَأَمَّا الْمُتَمَتِّعَ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنَ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي الْحَجِّ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ عَرَفَاتٍ وَبَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ قَوْلُهُ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ) الْبَدَنَةُ تُطْلَقُ عَلَى الْبَعِيرِ وَالْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ لَكِنَّ غالب استعمالها في البعير والمراد بها ها هنا الْبَعِيرُ وَالْبَقَرَةُ وَهَكَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ تَجْزِي الْبَدَنَةُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَنْ سَبْعَةٍ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِإِجْزَاءِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَنْ سَبْعَةِ أَنْفُسٍ وَقِيَامِهَا مَقَامَ سَبْعِ شِيَاهٍ وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِجَوَازِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ فَيَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ اشْتَرَاكُ السَّبْعَةِ فِي بَدَنَةٍ سَوَاءٌ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ أَوْ مُجْتَمِعِينَ وَسَوَاءٌ كَانُوا مُفْتَرِضِينَ أَوْ مُتَطَوِّعِينَ وَسَوَاءٌ كَانُوا مُتَقَرِّبِينَ كُلَّهُمْ أَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ مُتَقَرِّبًا وَبَعْضُهُمْ يُرِيدُ اللَّحْمَ رُوِيَ هذا عن

بن عُمَرَ وَأَنَسٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ إِنْ كَانُوا مُتَطَوِّعِينَ وَلَا يَجُوزُ إِنْ كَانُوا مُفْتَرِضِينَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِنْ كَانُوا مُتَقَرِّبِينَ جَازَ سَوَاءٌ اتَّفَقَتْ قُرْبَتُهُمْ أَوِ اخْتَلَفَتْ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ مُتَقَرِّبًا وَبَعْضُهُمْ يُرِيدُ اللَّحْمَ لَمْ يَصِحَّ لِلِاشْتِرَاكِ [1214] قَوْلُهُ (أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَحْلَلْنَا أَنْ نُحْرِمَ إِذَا تَوَجَّهْنَا إِلَى مِنًى قَالَ فَأَهْلَلْنَا مِنَ الْأَبْطَحِ) الْأَبْطَحُ هُوَ بَطْحَاءُ مَكَّةَ وَهُوَ مُتَّصِلٌ بِالْمُحَصَّبِ وَقَوْلُهُ إِذَا تَوَجَّهْنَا إِلَى مِنًى يَعْنِي يَوْمَ التَّرْوِيَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْمُتَمَتِّعِ وَكُلِّ مَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِهِ إِلَّا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَقَالَ مَالِكٌ وَآخَرُونَ يُحْرِمُ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ بِأَدِلَّتِهَا أَمَّا قَوْلُهُ فَأَهْلَلْنَا مِنَ الْأَبْطَحِ فَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يُجَوِّزُ لِلْمَكِّيِّ وَالْمُقِيمِ بِهَا الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ مِنَ الْحَرَمِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إِلَّا مِنْ دَاخِلِ مَكَّةَ وَأَفْضَلُهُ مِنْ بَابِ دَارِهِ وَقِيلَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالثَّانِي يَجُوزُ مِنْ مَكَّةَ وَمِنْ سَائِرِ الْحَرَمِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ فَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي احْتَجَّ بِحَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا لِأَنَّهُمْ أَحْرَمُوا مِنَ الْأَبْطَحِ وَهُوَ خَارِجُ مَكَّةَ لَكِنَّهُ مِنَ الْحَرَمِ وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ إِنَّمَا أَحْرَمُوا مِنَ الْأَبْطَحِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا نَازِلِينَ بِهِ وَكُلُّ مَنْ كَانَ دُونَ الْمِيقَاتِ الْمَحْدُودِ فَمِيقَاتُهُ مَنْزِلُهُ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1215] قَوْلُهُ (لَمْ يَطُفْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا وَهُوَ طَوَافَهُ الْأَوَّلَ) يَعْنِي النَّبِيَّ

(ومن كان من أصحابه قارنا فهؤلاء لم يسعوا بين الصفا

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِهِ قَارِنًا فَهَؤُلَاءِ لَمْ يَسْعَوْا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا فَإِنَّهُ سَعَى سَعْيَيْنِ سَعْيًا لِعُمْرَتِهِ ثُمَّ سَعْيًا آخَرَ لِحَجِّهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي أَنَّ الْقَارِنَ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا طَوَافٌ وَاحِدٌ لِلْإِفَاضَةِ وسعى واحد وممن قال بهذا بن عُمَرَ وَجَابِرُ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَائِشَةُ وَطَاوُسٌ وعطاء والحسن البصرى ومجاهد ومالك وبن الماجشون وأحمد وإسحاق وداود وبن الْمُنْذِرِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَلْزَمُهُ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ وَمِمَّنْ قَالَهُ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وأبو حنيفة وحكى ذلك عن علي وبن مسعود قال بن الْمُنْذِرِ لَا يَثْبُتُ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [1216] قَوْلُهُ (صُبْحَ رَابِعَةٍ) هُوَ بِضَمِّ الصَّادِ وَكَسْرِهَا قَوْلُهُ (فَأَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ قَالَ عَطَاءٌ قَالَ حِلُّوا وَأَصِيبُوا النِّسَاءَ قَالَ عَطَاءٌ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ) مَعْنَاهُ لَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ فِي وَطْءِ النِّسَاءِ بَلْ أَبَاحَهُ وَلَمْ يُوجِبْهُ وَأَمَّا الْإِحْلَالُ فَعَزَمَ فِيهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ قَوْلُهُ (فَنَأْتِي عَرَفَةَ تَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا الْمَنِيَّ) هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى قُرْبِ الْعَهْدِ بِوَطْءِ النِّسَاءِ قَوْلُهُ)

(فَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ سِعَايَتِهِ فَقَالَ بِمَ أَهْلَلْتَ قَالَ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا قَالَ وَأَهْدَى لَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَدْيًا) السِّعَايَةُ بِكَسْرِ السِّينِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَوْلُهُ مِنْ سِعَايَتِهِ أَيْ مِنْ عَمَلِهِ فِي السَّعْيِ فِي الصَّدَقَاتِ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا الَّذِي فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّهُ إِنَّمَا بَعَثَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمِيرًا لَا عَامِلًا عَلَى الصَّدَقَاتِ إِذْ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ بَنِي هَاشِمٍ عَلَى الصَّدَقَاتِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ حِينَ سَأَلَاهُ ذَلِكَ إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُمَا قَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِيَ الصَّدَقَاتِ وَغَيْرَهَا احْتِسَابًا أَوْ أَعْطَى عِمَالَتَهُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ الصَّدَقَةِ قَالَ وَهَذَا أَشْبَهُ لِقَوْلِهِ مِنْ سِعَايَتِهِ وَالسِّعَايَةُ تَخْتَصُّ بِالصَّدَقَةِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ إِلَّا قَوْلَهُ إِنَّ السِّعَايَةَ تَخْتَصَّ بِالْعَمَلِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي مُطْلَقِ الْوِلَايَةِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْوِلَايَةِ عَلَى الصَّدَقَةِ وَمِمَّا يَدُلُّ لِمَا ذَكَرْتُهُ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ السَّابِقُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ فِي حَدِيثِ رَفْعِ الْأَمَانَةِ وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيُّكُمْ بَايَعْتُ لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ دِينُهُ وَلَئِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ يَعْنِي الْوَالِي عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَدِمَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ سِعَايَتِهِ فَقَالَ بِمَ أَهْلَلْتَ قَالَ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا قَالَ وَأَهْدَى لَهُ عَلِيٌّ هَدْيًا) ثُمَّ ذَكَرَ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا بِقَلِيلٍ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ لِي حَجَجْتَ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ بِمَ أَهْلَلْتَ قَالَ قُلْتُ لَبَّيْكَ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَدْ أَحْسَنْتَ طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ أَبِي مُوسَى أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ بِمَ أَهْلَلْتَ قَالَ أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَلْ سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ قُلْتُ لَا قَالَ طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى صِحَّةِ الْإِحْرَامِ مُعَلَّقًا وَهُوَ أَنْ يحرم

إِحْرَامًا كَإِحْرَامِ فُلَانٍ فَيَنْعَقِدَ إِحْرَامُهُ وَيَصِيرَ مُحْرِمًا بِمَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ وَاخْتَلَفَ آخِرُ الْحَدِيثَيْنِ فِي التَّحَلُّلِ فَأَمَرَ عَلِيًّا بِالْبَقَاءِ عَلَى إِحْرَامِهِ وَأَمَرَ أَبَا مُوسَى بِالتَّحَلُّلِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ آخِرُهُمَا لِأَنَّهُمَا أَحْرَمَا كَإِحْرَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدْيُ فَشَارَكَهُ عَلِيٌّ فِي أَنَّ مَعَهُ الْهَدْيَ فَلِهَذَا أَمَرَهُ بِالْبَقَاءِ عَلَى إِحْرَامِهِ كَمَا بَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِحْرَامِهِ بِسَبَبِ الْهَدْيِ وَكَانَ قَارِنًا وَصَارَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَارِنًا وَأَمَّا أَبُو مُوسَى فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَصَارَ لَهُ حُكْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَوْلَا الْهَدْيُ لَجَعَلَهَا عُمْرَةً وَتَحَلَّلَ فَأَمَرَ أَبَا مُوسَى بِذَلِكَ فَلِذَلِكَ اخْتُلِفَ فِي أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمَا فَاعْتَمِدْ مَا ذَكَرْتُهُ فَهُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ تَأَوَّلَهُمَا الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ تَأْوِيلَيْنِ غَيْرَ مَرْضِيَّيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَأَهْدَى لَهُ عَلِيٌّ هَدْيًا) يَعْنِي هَدْيًا اشْتَرَاهُ لَا أَنَّهُ مِنَ السِّعَايَةِ عَلَى الصَّدَقَةِ وَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّهُ يَصِحُّ الْإِحْرَامُ مُعَلَّقًا بِأَنْ يَنْوِيَ إِحْرَامًا كَإِحْرَامِ زَيْدٍ فَيَصِيرَ هَذَا الْمُعَلَّقُ كَزَيْدٍ فَإِنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا بِحَجٍّ كَانَ هَذَا بِالْحَجِّ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ بِعُمْرَةٍ فَبِعُمْرَةٍ وَإِنْ كَانَ بِهِمَا فَبِهِمَا وَإِنْ كَانَ زَيْدٌ أَحْرَمَ مُطْلَقًا صَارَ هَذَا مُحْرِمًا إِحْرَامًا مُطْلَقًا فَيَصْرِفُهُ إِلَى مَا شَاءَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ مُوَافَقَةُ زَيْدٍ فِي الصَّرْفِ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَقَدِ اسْتَقْصَيْتُهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ قَوْلُهُ (فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ قَالَ لِأَبَدٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الأخرى وقال

دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ لَا بَلْ لِأَبَدِ أَبَدٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُهُمْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعُمْرَةَ يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْمَقْصُودُ بِهِ بَيَانُ إِبْطَالِ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَزْعُمُهُ مِنَ امْتِنَاعِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَالثَّانِي مَعْنَاهُ جَوَازُ الْقِرَانِ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ دَخَلَتْ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالثَّالِثُ تَأْوِيلُ بَعْضِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً قَالُوا مَعْنَاهُ سُقُوطُ الْعُمْرَةِ قَالُوا وَدُخُولُهَا فِي الْحَجِّ مَعْنَاهُ سُقُوطُ وُجُوبِهَا وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي بُطْلَانَهُ وَالرَّابِعُ تَأْوِيلُ بَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّ مَعْنَاهُ جَوَازُ فَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ) فِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ وَكُلَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ فَالسُّنَّةُ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ مَرَّاتٍ وَقَوْلُهُ (جَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ) مَعْنَاهُ أَهْلَلْنَا عِنْدَ إِرَادَتِنَا الذَّهَابَ إِلَى مِنًى قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَجَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ سَاقَ الْهَدْيَ مَعَهُ وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ فَطُوفُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَصِّرُوا وَأَقِيمُوا حَلَالًا حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا الذي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَتَقْدِيرُهُ وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ

مُفْرَدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلُوا إِحْرَامَكُمْ عُمْرَةً وَتَحَلَّلُوا بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ وَهُوَ مَعْنَى فَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْفَسْخِ هَلْ هُوَ خَاصٌّ لِلصَّحَابَةِ تِلْكَ السَّنَةِ خَاصَّةً أَمْ بَاقٍ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَقَالَ أَحْمَدُ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ لَيْسَ خَاصًّا بَلْ هُوَ بَاقٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيَجُوزُ لِكُلِّ مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَلَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَقْلِبَ إِحْرَامَهُ عُمْرَةً وَيَتَحَلَّلَ بِأَعْمَالِهَا وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ هُوَ مُخْتَصٌّ بِهِمْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لَا يَجُوزُ بَعْدَهَا وَإِنَّمَا أُمِرُوا بِهِ تِلْكَ السَّنَةَ لِيُخَالِفُوا مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ تَحْرِيمِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِلْجَمَاهِيرِ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه الذي ذكره مسلم بعده هذا بِقَلِيلٍ كَانَتِ الْمُتْعَةُ فِي الْحَجِّ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً يَعْنِي فَسْخَ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ وَفِي كِتَابِ النَّسَائِيِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسْخُ الْحَجِّ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً فَقَالَ بَلْ لَنَا خَاصَّةً وَأَمَّا الَّذِي فِي حَدِيثِ سُرَاقَةَ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ فَقَالَ لِأَبَدِ أَبَدٍ فَمَعْنَاهُ جَوَازُ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَمَا سَبَقَ تَفْسِيرُهُ فَالْحَاصِلُ مِنْ مَجْمُوعِ طُرُقِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ جَائِزَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَذَلِكَ الْقِرَانُ وَأَنَّ فَسْخَ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ مُخْتَصٌّ بِتِلْكَ السَّنَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التروية فأهلوا بالحج واجعلوا الذي قدمتم بها مُتْعَةً قَالُوا كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الْحَجَّ فَقَالَ افْعَلُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ فَلَوْلَا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ بِهِ) هَذَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَمُوَافِقَيْهِمَا فِي تَرْجِيحِ الْإِفْرَادِ وَأَنَّ غَالِبَهُمْ كَانُوا مُحْرِمِينَ بِالْحَجِّ وَيُتَأَوَّلُ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى مُتَمَتِّعِينَ أَنَّهُ أَرَادَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ صَارُوا مُتَمَتِّعِينَ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْبَابِ

وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي أَنَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ الْحَجَّ إِنَّمَا يُحْرِمُ بِهِ مِنْ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ مَرَّاتٍ [1217] قوله (كان بن عباس يأمرنا بالمتعة وكان بن الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنْهَا قَالَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ عَلَى يَدَيَّ دَارَ الْحَدِيثُ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ وَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَزَلَ مَنَازِلَهُ فَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ وَأَبِتُّوا نِكَاحَ هَذِهِ النِّسَاءِ فَلَنْ أُوتَى بِرَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً إِلَى أَجَلٍ إِلَّا رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَافْصِلُوا حَجَّكُمْ مِنْ عُمْرَتِكُمْ فَإِنَّهُ أَتَمُّ لِحَجِّكُمْ وَأَتَمُّ لِعُمْرَتِكُمْ وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِالْمُتْعَةِ وَيَحْتَجُّ بِأَمْرِ

النبي صلى الله عليه وسلم له بِذَلِكَ وَقَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ نَأْخُذَ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْإِتْمَامِ وَذَكَرَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ أَوِ الْعُمْرَةِ وَأَنَّ عَلِيًّا خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ وَأَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَتِ الْمُتْعَةُ فِي الْحَجِّ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً وَفِي رِوَايَةٍ رُخْصَةٌ وَذَكَرَ قَوْلَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْمَرَ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِهِ فِي الْعَشْرِ فَلَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَفْسَخُ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ فِيهَا كِتَابٌ وَلَمْ يُنْهَ قَالَ الْمَازِرِيُّ اخْتُلِفَ فِي الْمُتْعَةِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا عُمَرُ فِي الْحَجِّ فَقِيلَ هِيَ فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ وَقِيلَ هِيَ الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ الْحَجُّ مِنْ عَامِهِ وَعَلَى هَذَا إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا تَرْغِيبًا فِي الْإِفْرَادِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ لَا أَنَّهُ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَهَا أَوْ تَحْرِيمَهَا وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ظَاهِرُ حَدِيثِ جَابِرٍ وَعِمْرَانَ وَأَبِي مُوسَى أَنَّ الْمُتْعَةَ الَّتِي اخْتَلَفُوا فِيهَا إِنَّمَا هِيَ فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ قَالَ وَلِهَذَا كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَضْرِبُ النَّاسَ عَلَيْهَا وَلَا يَضْرِبُهُمْ عَلَى مُجَرَّدِ التَّمَتُّعِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِنَّمَا ضَرَبَهُمْ عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ هُوَ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ أَنَّ فَسْخَ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ كَانَ مَخْصُوصًا فِي تِلْكَ السَّنَةِ للحكمة التي قدمنا ذكرها قال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّمَتُّعَ الْمُرَادَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ هو الاعتمار في أشهر الحج قبل الْحَجِّ قَالَ وَمِنَ التَّمَتُّعِ أَيْضًا الْقِرَانُ لِأَنَّهُ تَمَتُّعٌ بِسُقُوطِ سَفَرِهِ لِلنُّسُكِ الْآخَرِ مِنْ بَلَدِهِ قَالَ وَمِنَ التَّمَتُّعِ أَيْضًا فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي قُلْتُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَغَيْرَهُمَا إِنَّمَا نَهَوْا عَنِ الْمُتْعَةِ الَّتِي هِيَ الِاعْتِمَارُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ الْحَجُّ مِنْ عَامِهِ وَمُرَادُهُمْ نَهْيُ أَوْلَوِيَّةٍ لِلتَّرْغِيبِ فِي الْإِفْرَادِ لِكَوْنِهِ أَفْضَلَ وَقَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ هَذَا عَلَى جَوَازِ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ مِنْهَا وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْبَابِ مُسْتَوْفَاةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي مُتْعَةِ النِّكَاحِ وَهِيَ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ إِلَى أَجَلٍ فَكَانَ مُبَاحًا ثُمَّ نُسِخَ يَوْمَ

(باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم)

خَيْبَرَ ثُمَّ أُبِيحَ يَوْمَ الْفَتْحِ ثُمَّ نُسِخَ فِي أَيَّامِ الْفَتْحِ وَاسْتَمَرَّ تَحْرِيمُهُ إِلَى الْآنَ وَإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَدْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ ثُمَّ ارْتَفَعَ وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَسَيَأْتِي بَسْطُ أَحْكَامِهِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (بَابُ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ حَدِيثٌ عَظِيمٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى جُمَلٍ مِنَ الْفَوَائِدِ وَنَفَائِسَ مِنْ مُهِمَّاتِ الْقَوَاعِدِ وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ لَمْ يَرْوِهِ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ كَرِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ وَأَكْثَرُوا وَصَنَّفَ فِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ جُزْءًا كَبِيرًا وَخَرَّجَ فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ مِائَةً وَنَيِّفًا وَخَمْسِينَ نَوْعًا وَلَوْ تُقُصِّيَ لَزِيدَ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ قَرِيبٌ مِنْهُ وَقَدْ سَبَقَ الِاحْتِجَاجُ بِنُكَتٍ مِنْهُ فِي أَثْنَاءِ شَرْحِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَسَنَذْكُرُ مَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ عَلَى تَرْتِيبِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى [1218] قَوْلُهُ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ فَقُلْتُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِي فَنَزَعَ زِرِّيَ الْأَعْلَى ثُمَّ نَزَعَ زِرِّيَ الْأَسْفَلَ ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ فقال مرحبا بك يا بن أَخِي سَلْ عَمَّا شِئْتَ فَسَأَلْتُهُ وَهُوَ أَعْمَى فَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفًا بِهَا كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا وَرِدَاؤُهُ إِلَى جَنْبِهِ عَلَى

الْمِشْجَبِ فَصَلَّى بِنَا) هَذِهِ الْقِطْعَةُ فِيهَا فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ زَائِرُونَ أَوْ ضِيفَانٌ وَنَحْوُهُمْ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمْ لِيُنْزِلَهُمْ مَنَازِلَهُمْ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُنْزِلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ وَفِيهِ إِكْرَامُ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فَعَلَ جَابِرٌ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ قَوْلِهِ لِلزَّائِرِ وَالضَّيْفِ وَنَحْوِهِمَا مَرْحَبًا وَمِنْهَا مُلَاطَفَةُ الزَّائِرِ بِمَا يَلِيقُ بِهِ وَتَأْنِيسُهُ وَهَذَا سَبَبُ حَلِّ جَابِرٍ زِرَّيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَوَضْعِ يَدِهِ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ وَقَوْلُهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ سَبَبَ فِعْلِ جَابِرٍ ذَلِكَ التَّأْنِيسَ لِكَوْنِهِ صَغِيرًا وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَبِيرُ فَلَا يَحْسُنُ إِدْخَالُ الْيَدِ فِي جَيْبِهِ وَالْمَسْحُ بَيْنِ ثَدْيَيْهِ وَمِنْهَا جَوَازُ إِمَامَةِ الْأَعْمَى الْبُصَرَاءَ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبٍ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا أَحَدُهَا إِمَامَةُ الْأَعْمَى أَفْضَلُ مِنْ إِمَامَةِ الْبَصِيرِ لِأَنَّ الْأَعْمَى أَكْمَلُ خُشُوعًا لِعَدَمِ نَظَرِهِ إِلَى الْمُلْهِيَاتِ وَالثَّانِي الْبَصِيرُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ احْتِرَازًا مِنَ النَّجَاسَاتِ وَالثَّالِثُ هُمَا سَوَاءٌ لِتَعَادُلِ فَضِيلَتِهِمَا وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَمِنْهَا أَنَّ صَاحِبَ الْبَيْتِ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنْ غَيْرِهِ وَمِنْهَا جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ وَمِنْهَا جَوَازُ تَسْمِيَةِ الثَّدْيِ لِلرَّجُلِ وَفِيهِ خِلَافٌ لِأَهْلِ اللُّغَةِ مِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ كَالْمَرْأَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ وَقَالَ يَخْتَصُّ الثَّدْيُ بِالْمَرْأَةِ وَيُقَالُ فِي الرَّجُلِ ثُنْدُؤةٌ وَقَدْ سَبَقَ إِيضَاحُهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ الرَّجُلِ الَّذِي قَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَقَوْلُهُ (قَامَ فِي نِسَاجَةٍ) هِيَ بِكَسْرِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْجِيمِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا وَرِوَايَاتِنَا لِصَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي سَاجَةٍ بِحَذْفِ النُّونِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ قَالَ وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ وَالسَّاجَةُ وَالسَّاجُ جَمِيعًا ثَوْبٌ كَالطَّيْلَسَانِ وَشِبْهِهِ قَالَ وَرِوَايَةُ النُّونِ وَقَعَتْ فِي رِوَايَةِ الْفَارِسِيِّ قَالَ وَمَعْنَاهُ ثَوْبٌ مُلَفَّقٌ قَالَ قَالَ بَعْضُهُمُ النُّونُ خَطَأٌ وَتَصْحِيفٌ قُلْتُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَيَكُونُ ثَوْبًا مُلَفَّقًا عَلَى هَيْئَةِ الطَّيْلَسَانِ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ السَّاجُ وَالسَّاجَةُ الطَّيْلَسَانُ وَجَمْعُهُ سِيجَانٌ قَالَ وَقِيلَ هِيَ الْخَضِرُ مِنْهَا خَاصَّةً وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ طَيْلَسَانٌ مُقَوَّرٌ يُنْسَجُ كَذَلِكَ قَالَ وَقِيلَ هُوَ الطَّيْلَسَانُ الْحَسَنُ قَالَ وَيُقَالُ الطَّيْلَسَانُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا وَهِيَ أَقَلُّ وقَوْلُهُ (وَرِدَاؤُهُ إِلَى جَنْبِهِ عَلَى الْمِشْجَبِ) هُوَ بِمِيمٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ جِيمٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَهُوَ اسْمٌ لِأَعْوَادٍ يُوضَعُ عَلَيْهَا الثِّيَابُ وَمَتَاعُ الْبَيْتِ

قَوْلُهُ (أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَالْمُرَادُ حَجَّةُ الْوَدَاعِ قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ) يَعْنِي مَكَثَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ قَوْلُهُ (ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَاجٌّ) مَعْنَاهُ أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ وَأَشَاعَهُ بَيْنَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا لِلْحَجِّ مَعَهُ وَيَتَعَلَّمُوا الْمَنَاسِكَ وَالْأَحْكَامَ وَيَشْهَدُوا أَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ وَيُوصِيهِمْ لِيُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ وَتَشِيعَ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ وَتَبْلُغَ الرِّسَالَةُ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إِيذَانُ النَّاسِ بِالْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ لِيَتَأَهَّبُوا لَهَا قَوْلُهُ (كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الْقَاضِي هَذَا مما يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَهُمْ لَا يُخَالِفُونَهُ وَلِهَذَا قَالَ جَابِرٌ وَمَا عَمِلَ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ وَمِثْلُهُ تَوَقُّفُهُمْ عَنِ التَّحَلُّلِ بِالْعُمْرَةِ مَا لَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى أَغْضَبُوهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِمْ وَمِثْلُهُ تَعْلِيقُ عَلِيٍّ وَأَبِي مُوسَى إِحْرَامَهُمَا عَلَى إِحْرَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ وَقَدْ وَلَدَتْ (اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي) فِيهِ اسْتِحْبَابُ غُسْلِ الْإِحْرَامِ لِلنُّفَسَاءِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابٍ مُسْتَقِلٍّ فِيهِ أَمَرَ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ وَالْمُسْتَحَاضَةَ بِالِاسْتِثْفَارِ وَهُوَ أَنْ تَشُدَّ فِي وَسَطِهَا شَيْئًا وَتَأْخُذَ خِرْقَةً عَرِيضَةً تَجْعَلُهَا عَلَى مَحَلِّ الدَّمِ وَتَشُدَّ طَرَفَيْهَا مِنْ قُدَّامِهَا وَمِنْ وَرَائِهَا فِي ذَلِكَ الْمَشْدُودِ فِي وَسَطِهَا وَهُوَ شَبِيهٌ بِثَفَرِ الدَّابَّةِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَفِيهِ صِحَّةُ إِحْرَامِ النُّفَسَاءِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ

وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيِ الْإِحْرَامِ وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِيهِ مَبْسُوطًا قَوْلُهُ (ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ) هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَبِالْمَدِّ قَالَ الْقَاضِي وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الْعَذَرِيِّ الْقُصْوَى بِضَمِّ الْقَافِ وَالْقَصْرِ قَالَ وَهُوَ خَطَأٌ قال القاضي قال بن قُتَيْبَةَ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُوقٌ الْقَصْوَاءُ وَالْجَدْعَاءُ وَالْعَضْبَاءُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْعَضْبَاءُ اسْمٌ لِنَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ تُسَمَّ بِذَلِكَ لِشَيْءٍ أَصَابَهَا قَالَ الْقَاضِي قَدْ ذُكِرَ هُنَا أَنَّهُ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ وَفِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ خَطَبَ عَلَى الْقَصْوَاءِ وَفِي غَيْرِ مُسْلِمٍ خَطَبَ عَلَى نَاقَتِهِ الْجَدْعَاءِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عَلَى نَاقَةٍ خَرْمَاءَ وَفِي آخَرَ الْعَضْبَاءِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ كَانَتْ لَهُ نَاقَةٌ لَا تُسْبَقُ وَفِي آخَرَ تُسَمَّى مُخَضْرَمَةً وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا نَاقَةٌ وَاحِدَةٌ خلاف ما قاله بن قُتَيْبَةَ وَأَنَّ هَذَا كَانَ اسْمُهَا أَوْ وَصْفُهَا لِهَذَا الَّذِي بِهَا خِلَافَ مَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ لَكِنْ يَأْتِي فِي كِتَابِ النَّذْرِ أَنَّ الْقَصْوَاءَ غَيْرُ الْعَضْبَاءِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ هُنَاكَ قَالَ الْحَرْبِيُّ الْعَضْبُ وَالْجَدْعُ وَالْخَرْمُ وَالْقَصْوُ وَالْخَضْرَمَةُ فِي الآذان قال بن الْأَعْرَابِيِّ الْقَصْوَاءُ الَّتِي قُطِعَ طَرَفُ أُذُنِهَا والْجَدْعُ أَكْثَرُ مِنْهُ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَالْقَصْوُ مِثْلُهُ قَالَ وَكُلُّ قَطْعٍ فِي الْأُذُنِ جَدْعٌ فَإِنْ جَاوَزَ الرُّبُعَ فَهِيَ عَضْبَاءُ وَالْمُخَضْرَمُ مَقْطُوعُ الْأُذُنَيْنِ فَإِنِ اصْطَلَمَتَا فَهِيَ صَلْمَاءُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَصْوَاءُ الْمَقْطُوعَةُ الْأُذُنِ عَرْضًا وَالْمُخَضْرَمَةُ الْمُسْتَأْصَلَةُ وَالْمَقْطُوعَةُ النِّصْفِ فَمَا فَوْقَهُ وَقَالَ الْخَلِيلُ الْمُخَضْرَمَةُ مَقْطُوعَةُ الْوَاحِدَةِ وَالْعَضْبَاءُ مَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ قَالَ الْحَرْبِيُّ فَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَضْبَاءَ اسْمٌ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ عَضْبَاءَ الْأُذُنِ فَقَدْ جُعِلَ اسْمُهَا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ التَّابِعِيُّ وَغَيْرُهُ إِنَّ الْعَضْبَاءَ وَالْقَصْوَاءَ وَالْجَدْعَاءَ اسْمٌ لِنَاقَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ مَدِّ بَصَرِي وَهُوَ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ مُنْتَهَى بَصَرِي وَأَنْكَرَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ مَدِّ بَصَرِي وَقَالَ الصَّوَابُ مَدَى بَصَرِي وَلَيْسَ هُوَ بِمُنْكَرٍ بَلْ هُمَا لُغَتَانِ الْمَدُّ أَشْهَرُ قَوْلُهُ (بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ) فِيهِ جَوَازُ الْحَجِّ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ

بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَفْضَلِ مِنْهُمَا فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ الرُّكُوبُ أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ أَعْوَنُ لَهُ عَلَى وَظَائِفِ مَنَاسِكِهِ وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ نَفَقَةً وَقَالَ دَاوُدُ مَاشِيًا أَفْضَلُ لِمَشَقَّتِهِ وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ لَيْسَتْ مَطْلُوبَةً قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ) مَعْنَاهُ الْحَثُّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِمَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ فِعْلِهِ فِي حَجَّتِهِ تِلْكَ قَوْلُهُ (فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ) يَعْنِي قَوْلَهُ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مُخَالَفَةِ مَا كانت الجاهلية تقوله فِي تَلْبِيَتِهَا مِنْ لَفْظِ الشِّرْكِ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ تَلْبِيَتِهِمْ فِي بَابِ التَّلْبِيَةِ قَوْلُهُ (فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْهُ وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلْبِيَتَهُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا رُوِيَ مِنْ زِيَادَةِ النَّاسِ فِي التَّلْبِيَةِ مِنَ الثَّنَاءِ وَالذِّكْرِ كَمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَزِيدُ لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ لَبَّيْكَ مرهوبا منك ومرغوبا اليك وعن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَبَّيْكَ حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا قَالَ الْقَاضِي قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الْمُسْتَحَبُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قَالَ جَابِرٌ لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ بِتَرْجِيحِ الْإِفْرَادِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَقْصَاةً فِي أَوَّلِ الْبَابِ السَّابِقِ قَوْلُهُ (حَتَّى أَتَيْنَا الْبَيْتَ) فِيهِ بَيَانُ أَنَّ السُّنَّةَ لِلْحَاجِّ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ لِيَطُوفُوا

لِلْقُدُومِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا) فِيهِ أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ يُسَنُّ لَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ الطَّوَافَ سَبْعُ طَوَافَاتٍ وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ أَيْضًا الرَّمَلُ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَيَمْشِي عَلَى عَادَتِهِ فِي الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ الرَّمَلُ هُوَ أَسْرَعُ الْمَشْيِ مع تقارب الخطا وَهُوَ الْخَبَبُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُسْتَحَبُّ الرَّمَلُ إِلَّا فِي طَوَافٍ وَاحِدٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَمَّا إِذَا طَافَ فِي غَيْرِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَا رَمَلَ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُسْرِعُ أَيْضًا فِي كُلِّ طَوَافِ حَجٍّ وَإِنَّمَا يُسْرِعُ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا وَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا طَوَافٌ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَيُتَصَوَّرُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يُسْرِعُ إِلَّا فِي طَوَافِ الْقُدُومِ سَوَاءٌ أَرَادَ السَّعْيَ بَعْدَهُ أَمْ لَا وَيُسْرِعُ في طواف العمرة اذ ليس فيها إِلَّا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالِاضْطِبَاعُ سُنَّةٌ فِي الطَّوَافِ وَقَدْ صَحَّ فِيهِ الْحَدِيثِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ رِدَائِهِ تَحْتَ عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَيَجْعَلَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَيَكُونُ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا قَالُوا وَإِنَّمَا يُسَنُّ الِاضْطِبَاعُ فِي طَوَافٍ يُسَنُّ فِيهِ الرَّمَلُ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَمَعْنَاهُ مَسَحَهُ بِيَدِهِ وَهُوَ سُنَّةٌ فِي كُلِّ طَوَافٍ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ وَاضِحًا حَيْثُ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ (ثم نفر إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَرَأَ وَاتَّخِذُوا من مقام ابراهيم مصلى فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ) هَذَا دَلِيلٌ لِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ طَائِفٍ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُمَا واجبتان أم سنتان وَعِنْدَنَا فِيهِ خِلَافٌ حَاصِلُهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَالثَّانِي أَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ وَالثَّالِثُ إِنْ كَانَ طَوَافًا وَاجِبًا فَوَاجِبَتَانِ وَإِلَّا فَسُنَّتَانِ وَسَوَاءٌ قُلْنَا وَاجِبَتَانِ أَوْ سُنَّتَانِ لَوْ تَرَكَهُمَا لَمْ يَبْطُلْ طَوَافُهُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا خَلْفَ الْمَقَامِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِي الْحِجْرِ وَإِلَّا فَفِي الْمَسْجِدِ وَإِلَّا فَفِي مَكَّةَ وَسَائِرِ الْحَرَمِ وَلَوْ صَلَّاهُمَا فِي وَطَنِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَقَاصِي الْأَرْضِ جَازَ وَفَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ وَلَا تَفُوتُ هَذِهِ الصَّلَاةُ مَا دَامَ حَيًّا وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَطُوفَ أَطْوِفَةً اسْتُحِبَّ أَنْ يُصَلِّيَ عَقِبَ كُلِّ طَوَافٍ

رَكْعَتَيْهِ فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَطُوفَ أَطْوِفَةً بِلَا صَلَاةٍ ثُمَّ يُصَلِّي بَعْدَ الْأَطْوِفَةِ لِكُلِّ طَوَافٍ رَكْعَتَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَا يُقَالُ مَكْرُوهٌ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ وَعَائِشَةُ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو يُوسُفَ وَكَرِهَهُ بن عُمَرَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حنيفة وأبو ثور ومحمد بن الحسن وبن الْمُنْذِرِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ قَوْلُهُ (فَكَانَ أَبِي يَقُولُ وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقل يا أيها الكافرون) مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَ أَبِي يَعْنِي مُحَمَّدًا يَقُولُ إِنَّهُ قَرَأَ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ قَالَ جَعْفَرٌ وَلَا أَعْلَمُ أَبِي ذَكَرَ تِلْكَ الْقِرَاءَةَ عَنْ قِرَاءَةِ جَابِرٍ فِي صَلَاةِ جَابِرٍ بَلْ عَنْ جَابِرٍ عَنْ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ قَوْلُهُ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) مَعْنَاهُ قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ قُلْ يا أيها الكافرون وَفِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ قُلْ هُوَ الله أحد وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا أَعْلَمُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ هُوَ شَكًّا فِي ذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَةَ الْعِلْمِ تُنَافِي الشَّكَّ بَلْ جَزَمَ بِرَفْعِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد ذكره الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ بِالْبَيْتِ فَرَمَلَ مِنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ثَلَاثًا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَرَأَ فِيهِمَا قُلْ يَا أَيُّهَا الكافرون وقل هو الله أحد قَوْلُهُ (ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلطَّائِفِ طَوَافُ الْقُدُومِ إِذَا فَرَغَ مِنَ الطَّوَافِ وَصَلَاتِهِ خَلْفَ الْمَقَامِ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَيَسْتَلِمَهُ ثُمَّ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ الصَّفَا لِيَسْعَى وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذَا الِاسْتِلَامَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِنَّمَا هُوَ سُنَّةٌ لَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ قَوْلُهُ (ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ أَبْدَأْ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَبَدَأَ

بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَ وَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ) فِي هَذَا اللَّفْظِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْمَنَاسِكِ مِنْهَا أَنَّ السَّعْيَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يُبْدَأَ مِنَ الصَّفَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَقَدْ ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ هَكَذَا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْقَى عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَفِي هَذَا الرُّقِيِّ خِلَافٌ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا هُوَ سُنَّةٌ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا وَاجِبٍ فَلَوْ تَرَكَهُ صَحَّ سَعْيُهُ لَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ وَقَالَ أَبُو حَفْصِ بْنُ الْوَكِيلِ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَصِحُّ سَعْيُهُ حَتَّى يَصْعَدَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الصَّفَا وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتْرُكَ شَيْئًا مِنَ الْمَسَافَةِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلْيُلْصِقْ عَقِبَيْهِ بِدَرَجِ الصفا واذا وَصَلَ الْمَرْوَةَ أَلْصَقَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِدَرَجِهَا وَهَكَذَا فِي الْمَرَّاتِ السَّبْعِ يُشْتَرَطُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَنْ يُلْصِقَ عَقِبَيْهِ بِمَا يَبْدَأُ مِنْهُ وَأَصَابِعَهُ بِمَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْقَى عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يَرَى الْبَيْتَ إِنْ أَمْكَنَهُ وَمِنْهَا أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يَقِفَ عَلَى الصَّفَا مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ وَيَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى بِهَذَا الذِّكْرِ الْمَذْكُورِ وَيَدْعُوَ وَيُكَرِّرَ الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكَرِّرُ الذِّكْرَ ثَلَاثًا وَالدُّعَاءَ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ) مَعْنَاهُ هَزَمَهُمْ بِغَيْرِ قِتَالٍ مِنَ الْآدَمِيِّينَ وَلَا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِمْ وَالْمُرَادُ بِالْأَحْزَابِ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الْخَنْدَقِ وَكَانَ الْخَنْدَقُ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ قَوْلُهُ (ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى

انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمِيعِ النُّسَخِ قَالَ وَفِيهِ إِسْقَاطُ لَفْظَةٍ لَا بُدَّ مِنْهَا وَهِيَ حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ رَمَلَ فِي بَطْنِ الْوَادِي وَلَا بُدَّ مِنْهَا وَقَدْ ثَبَتَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَكَذَا ذَكَرَهَا الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ وَفِي الْمُوَطَّأِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ وَهُوَ بِمَعْنَى رَمَلَ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى كَمَا وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ السَّعْيِ الشَّدِيدِ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى يَصْعَدَ ثُمَّ يَمْشِي بَاقِي الْمَسَافَةِ إِلَى الْمَرْوَةِ عَلَى عَادَةِ مَشْيِهِ وَهَذَا السَّعْيُ مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنَ الْمَرَّاتِ السَّبْعِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَالْمَشْيُ مُسْتَحَبٌّ فِيمَا قَبْلَ الْوَادِي وَبَعْدَهُ وَلَوْ مَشَى فِي الْجَمِيعِ أَوْ سَعَى فِي الْجَمِيعِ أَجْزَأَهُ وَفَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ وَعَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ تَرَكَ السَّعْيَ الشَّدِيدَ فِي مَوْضِعِهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا كَمَا ذُكِرَ وَالثَّانِيَةُ تَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَتُهُ قَوْلُهُ (ففعل على المروة مثل مَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا) فِيهِ أَنَّهُ يُسَنُّ عَلَيْهَا مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالرُّقِيِّ مِثْلُ مَا يُسَنُّ عَلَى الصَّفَا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافٍ عَلَى الْمَرْوَةِ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّ الذَّهَابَ مِنَ الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَةِ يُحْسَبُ مَرَّةً وَالرُّجُوعَ إِلَى الصَّفَا ثَانِيَةً وَالرُّجُوعَ إِلَى الْمَرْوَةِ ثَالِثَةً وَهَكَذَا فَيَكُونُ ابْتِدَاءُ السَّبْعِ مِنَ الصَّفَا وَآخِرُهَا بالمروة وقال بن بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يُحْسَبُ الذَّهَابُ إِلَى الْمَرْوَةِ وَالرُّجُوعُ إِلَى الصَّفَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَيَقَعُ آخِرُ السَّبْعِ فِي الصَّفَا وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ يَرُدُّ عَلَيْهِمَا وَكَذَلِكَ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَعَاقُبِ الْأَزْمَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ

فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ) إِلَى آخِرِهِ هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ وَاضِحًا فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وجعشم بِضَمِّ الْجِيمِ وَبِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِهَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (فَوَجَدَ فَاطِمَةَ مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا) فِيهِ إِنْكَارُ الرَّجُلِ عَلَى زَوْجَتِهِ مَا رَآهُ مِنْهَا مِنْ نَقْصٍ فِي دِينِهَا لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَأَنْكَرَهُ قَوْلُهُ (فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ) التَّحْرِيشُ الْإِغْرَاءُ وَالْمُرَادُ هُنَا أَنْ يَذْكُرَ لَهُ مَا يَقْتَضِي عِتَابَهَا قَوْلُهُ (قُلْتُ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَذَا قَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَأَنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْإِحْرَامِ بِإِحْرَامٍ كَإِحْرَامِ فُلَانٍ قَوْلُهُ (فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ) هَذَا أَيْضًا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ وَفِيهِ إِطْلَاقُ اللَّفْظِ الْعَامِّ وَإِرَادَةِ الْخُصُوصِ لِأَنَّ عَائِشَةَ لَمْ تَحِلَّ وَلَمْ تَكُنْ مِمَّنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ حَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ أَيْ مُعْظَمُهُمْ والهدى بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ مَعَ الْكَسْرِ وتخفف مع الاسكان وأما قوله وقصروا فانما قَصَّرُوا وَلَمْ يَحْلِقُوا مَعَ أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ

لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَبْقَى شَعْرٌ يُحْلَقُ فِي الْحَجِّ فَلَوْ حَلَقُوا لَمْ يَبْقَ شَعْرٌ فَكَانَ التَّقْصِيرُ هُنَا أَحْسَنَ لِيَحْصُلَ فِي النُّسُكَيْنِ إِزَالَةُ شَعْرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ) يَوْمُ التَّرْوِيَةِ هُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاشْتِقَاقُهُ مَرَّاتٍ وَسَبَقَ أَيْضًا مَرَّاتٍ أَنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ أَحْرَمَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ عَمَلًا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَسَبَقَ بَيَانُ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ أَحَدٌ إِلَى مِنًى قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ لَا بَأْسَ بِهِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ قَوْلُهُ (وَرَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ) فِيهِ بَيَانُ سُنَنِ إِحْدَاهَا أَنَّ الرُّكُوبَ فِي تِلْكَ الْمَوَاطِنِ أَفْضَلُ مِنَ الْمَشْيِ كَمَا أَنَّهُ فِي جُمْلَةِ الطَّرِيقِ أَفْضَلُ مِنَ الْمَشْيِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الصُّورَتَيْنِ أَنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَلُ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ ضَعِيفٌ أَنَّ الْمَشْيَ أَفْضَلُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْأَفْضَلُ فِي جُمْلَةِ الْحَجِّ الرُّكُوبُ إِلَّا فِي مَوَاطِنِ الْمَنَاسِكِ وَهِيَ مَكَّةُ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةُ وَعَرَفَاتٌ وَالتَّرَدُّدُ بَيْنَهُمَا وَالسُّنَّةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يُصَلِّيَ بِمِنًى هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَبِيتَ بِمِنًى هَذِهِ اللَّيْلَةَ وَهِيَ لَيْلَةُ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَهَذَا الْمَبِيتُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا وَاجِبٍ فَلَوْ تَرَكَهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ (ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ) فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَخْرُجُوا مِنْ مِنًى حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعْرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ النُّزُولِ بِنَمِرَةَ إِذَا ذَهَبُوا مِنْ مِنًى لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَدْخُلُوا عَرَفَاتٍ إِلَّا بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ صَلَاتَيِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ جَمْعًا فَالسُّنَّةُ أَنْ يَنْزِلُوا بِنَمِرَةَ فَمَنْ كَانَ لَهُ قُبَّةٌ ضَرَبَهَا وَيَغْتَسِلُونَ لِلْوُقُوفِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ سَارَ بِهِمُ الْإِمَامُ إِلَى مَسْجِدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَخَطَبَ بِهِمْ خُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَيُخَفِّفُ الثَّانِيَةَ جِدًّا فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ سَارَ إِلَى الْمَوْقِفِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الِاسْتِظْلَالِ لِلْمُحْرِمِ بِقُبَّةٍ وَغَيْرِهَا وَلَا

خِلَافَ فِي جَوَازِهِ لِلنَّازِلِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ لِلرَّاكِبِ فَمَذْهَبُنَا جَوَازُهُ وَبِهِ قَالَ كَثِيرُونَ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ جَوَازُ اتِّخَاذِ الْقِبَابِ وَجَوَازِهَا مِنْ شَعْرٍ وَقَوْلُهُ (بِنَمِرَةَ) هِيَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ هَذَا أَصْلُهَا وَيَجُوزُ فِيهَا مَا يَجُوزُ فِي نَظِيرِهَا وَهُوَ إِسْكَانُ الْمِيمِ مَعَ فَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَهِيَ مَوْضِعٌ بجنب عَرَفَاتٍ وَلَيْسَتْ مِنْ عَرَفَاتٍ قَوْلُهُ (وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) مَعْنَى هَذَا أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَقِفُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَهُوَ جَبَلٌ فِي الْمُزْدَلِفَةِ يُقَالُ لَهُ قُزَحُ وَقِيلَ إِنَّ الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ كُلُّ الْمُزْدَلِفَةِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَقِيلَ بِكَسْرِهَا وَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ يَتَجَاوَزُونَ الْمُزْدَلِفَةَ وَيَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ فَظَنَّتْ قُرَيْشٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقِفُ فِي الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ عَلَى عَادَتِهِمْ وَلَا يَتَجَاوَزُهُ فَتَجَاوَزَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَرَفَاتٍ لأن الله تعالى أمره بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حيث أفاض الناس أَيْ سَائِرُ الْعَرَبِ غَيْرَ قُرَيْشٍ وَإِنَّمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَقِفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ لِأَنَّهَا مِنَ الْحَرَمِ وَكَانُوا يَقُولُونَ نَحْنُ أَهْلُ حَرَمِ اللَّهِ فَلَا نَخْرُجُ مِنْهُ قَوْلُهُ (فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ) أَمَّا أَجَازَ فَمَعْنَاهُ جَاوَزَ الْمُزْدَلِفَةَ وَلَمْ يَقِفْ بِهَا بَلْ تَوَجَّهَ إِلَى عَرَفَاتٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَمَجَازٌ وَالْمُرَادُ قَارَبَ عَرَفَاتٍ لِأَنَّهُ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ وَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ نَمِرَةَ لَيْسَتْ مِنْ عَرَفَاتٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ دُخُولَ عَرَفَاتٍ قَبْلَ صَلَاتَيِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ جَمِيعًا خِلَافُ السُّنَّةِ قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ) أَمَّا الْقَصْوَاءُ فَتَقَدَّمَ ضَبْطُهَا وَبَيَانُهَا وَاضِحًا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ وَقَوْلُهُ فَرُحِلَتْ هُوَ بِتَخْفِيفِ الْحَاءِ أَيْ جُعِلَ عَلَيْهَا الرَّحْلُ وَقَوْلُهُ (بَطْنَ الْوَادِي) هُوَ وَادِي عُرَنَةَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبَعْدَهَا نُونٌ وَلَيْسَتْ عُرَنَةُ مِنْ أَرْضِ

عَرَفَاتٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مَالِكًا فَقَالَ هِيَ مِنْ عَرَفَاتٍ وَقَوْلُهُ فَخَطَبَ النَّاسَ فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْخُطْبَةِ لِلْإِمَامِ بِالْحَجِيجِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَهُوَ سُنَّةٌ بِاتِّفَاقِ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَخَالَفَ فِيهَا الْمَالِكِيَّةُ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ فِي الْحَجِّ أَرْبَعَ خُطَبٍ مَسْنُونَةً إِحْدَاهَا يَوْمَ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ يَخْطُبُ عِنْدَ الْكَعْبَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالثَّانِيَةُ هَذِهِ الَّتِي بِبَطْنِ عُرَنَةَ يَوْمَ عَرَفَاتٍ وَالثَّالِثَةُ يَوْمَ النَّحْرِ وَالرَّابِعَةُ يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ هَذِهِ الْخُطَبُ أَفْرَادٌ وَبَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ إِلَّا الَّتِي يَوْمَ عَرَفَاتٍ فَإِنَّهَا خُطْبَتَانِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُعَلِّمُهُمْ فِي كُلِّ خُطْبَةٍ مِنْ هَذِهِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ إِلَى الْخُطْبَةِ الْأُخْرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا) مَعْنَاهُ مُتَأَكِّدَةُ التَّحْرِيمِ شَدِيدَتُهُ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِضَرْبِ الْأَمْثَالِ وَإِلْحَاقِ النَّظِيرِ بِالنَّظِيرِ قِيَاسًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أضع دم بن رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سعد فقتلته هذيل وربا الجاهلية موضوعة وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ) فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ إِبْطَالُ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ وَبُيُوعِهَا الَّتِي لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا قَبْضٌ وَأَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي قَتْلِهَا وَأَنَّ الْإِمَامَ وَغَيْرَهُ مِمَّنْ يَأْمُرُ بِمَعْرُوفٍ أَوْ يَنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ يَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى قَبُولِ قَوْلِهِ وَإِلَى طِيبِ نَفْسِ مَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ قَدَمَيَّ فَإِشَارَةٌ إِلَى إِبْطَالِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ دم بن رَبِيعَةَ فَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ وَالْجُمْهُورُ اسْمُ هَذَا الِابْنِ إِيَاسُ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقِيلَ اسْمُهُ حَارِثَةُ وَقِيلَ آدَمُ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَقِيلَ اسْمُهُ تَمَّامٌ وَمِمَّنْ سَمَّاهُ آدَمُ الزُّبَيْرُ

بْنُ بَكَّارٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَرَوَاهُ بَعْضُ رُوَاةِ مُسْلِمٍ دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ قِيلَ هُوَ وَهَمٌ والصواب بن رَبِيعَةَ لِأَنَّ رَبِيعَةَ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَتَأَوَّلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فَقَالَ دَمُ رَبِيعَةَ لِأَنَّهُ وَلِيُّ الدَّمِ فَنَسَبَهُ إِلَيْهِ قَالُوا وَكَانَ هَذَا الِابْنُ الْمَقْتُولُ طِفْلًا صَغِيرًا يَحْبُو بَيْنَ الْبُيُوتِ فَأَصَابَهُ حَجَرٌ فِي حَرْبٍ كَانَتْ بَيْنَ بَنِي سَعْدٍ وَبَنِي لَيْثِ بْنِ بَكْرٍ قَالَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّبَا (إِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ) مَعْنَاهُ الزَّائِدُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى وان تبتم فلكم رؤوس أموالكم وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ إِيضَاحٌ وَإِلَّا فَالْمَقْصُودُ مَفْهُومٌ مِنْ نَفْسِ لَفْظِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الزِّيَادَةُ فَإِذَا وُضِعَ الرِّبَا فَمَعْنَاهُ وَضْعُ الزِّيَادَةِ وَالْمُرَادُ بِالْوَضْعِ الرَّدُّ وَالْإِبْطَالُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ) فِيهِ الْحَثُّ عَلَى مُرَاعَاةِ حَقِّ النِّسَاءِ وَالْوَصِيَّةِ بِهِنَّ وَمُعَاشَرَتِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِهِنَّ وَبَيَانِ حُقُوقِهِنَّ وَالتَّحْذِيرِ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ جَمَعْتُهَا أَوْ مُعْظَمَهَا فِي رِيَاضِ الصَّالِحِينَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ) هَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ وَفِي بَعْضِهَا بِأَمَانَةِ اللَّهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ) قِيلَ مَعْنَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ باحسان وَقِيلَ الْمُرَادُ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ وَهِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ لَا تَحِلُّ مُسْلِمَةٌ لِغَيْرِ مُسْلِمٍ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِإِبَاحَةِ اللَّهِ وَالْكَلِمَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الصَّحِيحُ وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْكَلِمَةِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا بِالْكَلِمَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ) قَالَ الْمَازِرِيُّ قِيلَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنْ لَا يَسْتَخْلِينَ بِالرِّجَالِ وَلَمْ يُرِدْ زِنَاهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ جَلْدَهَا وَلِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ مَعَ مَنْ يَكْرَهُهُ الزَّوْجُ وَمَنْ لَا يَكْرَهُهُ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ كَانَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ حَدِيثَ الرِّجَالِ مَعَ النِّسَاءِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عيبا ولا

رِيبَةً عِنْدَهُمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ نُهُوا عَنْ ذَلِكَ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالْمُخْتَارُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَأْذَنَّ لِأَحَدٍ تَكْرَهُونَهُ فِي دُخُولِ بُيُوتِكُمْ وَالْجُلُوسِ فِي مَنَازِلِكُمْ سَوَاءٌ كَانَ الْمَأْذُونُ لَهُ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَحَدًا مِنْ مَحَارِمِ الزَّوْجَةِ فَالنَّهْيُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ ذَلِكَ وَهَذَا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهَا لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَأْذَنَ لِرَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ وَلَا مَحْرَمٍ وَلَا غَيْرِهِ فِي دُخُولِ مَنْزِلِ الزَّوْجِ إِلَّا مَنْ عَلِمَتْ أَوْ ظَنَّتْ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَكْرَهُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ دُخُولِ مَنْزِلِ الْإِنْسَانِ حَتَّى يُوجَدَ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ مِمَّنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِذْنِ فِي ذَلِكَ أَوْ عُرِفَ رِضَاهُ بِاطِّرَادِ الْعُرْفِ بِذَلِكَ وَنَحْوِهِ وَمَتَى حَصَلَ الشَّكُّ فِي الرِّضَا وَلَمْ يَتَرَجَّحْ شَيْءٌ وَلَا وُجِدَتْ قَرِينَةٌ لَا يَحِلُّ الدُّخُولُ وَلَا الْإِذْنُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وأما الضَّرْبُ الْمُبَرِّحُ فَهُوَ الضَّرْبُ الشَّدِيدُ الشَّاقُّ وَمَعْنَاهُ اضربوهن ضربا ليس بشديد ولا شاق والبرح المشقة والمبرح بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ ضَرْبِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ لِلتَّأْدِيبِ فَإِنْ ضَرَبَهَا الضَّرْبَ الْمَأْذُونَ فِيهِ فَمَاتَتْ مِنْهُ وَجَبَتْ دِيَتُهَا عَلَى عَاقِلَةِ الضَّارِبِ وَوَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) فِيهِ وُجُوبُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَكِسْوَتِهَا وَذَلِكَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ (فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ يَنْكُتُهَا بَعْدَ الْكَافِ تَاءٌ مُثَنَّاةٌ فَوْقَ قَالَ الْقَاضِي كَذَا الرِّوَايَةُ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ قَالَ وَهُوَ بَعِيدُ الْمَعْنَى قَالَ قِيلَ صَوَابُهُ يَنْكُبُهَا بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ قَالَ وَرُوِّينَاهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بالتاء المثناة من طريق بن الْأَعْرَابِيِّ وَبِالْمُوَحَّدَةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ التَّمَّارِ وَمَعْنَاهُ يُقَلِّبُهَا وَيُرَدِّدُهَا إِلَى النَّاسِ مُشِيرًا إِلَيْهِمْ وَمِنْهُ نَكَبَ كِنَانَتَهُ إِذَا قَلَبَهَا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي قَوْلُهُ (ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) فِيهِ أَنَّهُ يُشْرَعُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظهر والعصر

هُنَاكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِهِ فَقِيلَ بِسَبَبِ النُّسُكِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ هُوَ بِسَبَبِ السَّفَرِ فَمَنْ كَانَ حَاضِرًا أَوْ مُسَافِرًا دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ كَأَهْلِ مَكَّةَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْجَمْعُ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ وَفِيهِ أَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ يُصَلِّي الْأُولَى أَوَّلًا وَأَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِلْأُولَى وَأَنَّهُ يُقِيمُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَأَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا قَوْلُهُ (ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ) فِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلُ وَآدَابٌ لِلْوُقُوفِ مِنْهَا أَنَّهُ إِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاتَيْنِ عَجَّلَ الذَّهَابَ إِلَى الْمَوْقِفِ وَمِنْهَا أَنَّ الْوُقُوفَ رَاكِبًا أَفْضَلُ وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَفِي مَذْهَبِنَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا أَنَّ الْوُقُوفَ رَاكِبًا أَفْضَلُ وَالثَّانِي غَيْرُ الرَّاكِبِ أَفْضَلُ وَالثَّالِثُ هُمَا سَوَاءٌ وَمِنْهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْمَذْكُورَاتِ وَهِيَ صَخَرَاتٌ مُفْتَرِشَاتٌ فِي أَسْفَلِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي بِوَسَطِ أَرْضِ عَرَفَاتٍ فَهَذَا هُوَ الْمَوْقِفُ الْمُسْتَحَبُّ وَأَمَّا مَا اشْتُهِرَ بَيْنَ الْعَوَامِّ مِنْ الِاعْتِنَاءِ بِصُعُودِ الْجَبَلِ وَتَوَهُّمِهِمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوُقُوفُ إِلَّا فِيهِ فَغَلَطٌ بَلِ الصَّوَابُ جَوَازُ الْوُقُوفِ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ وَأَنَّ الْفَضِيلَةَ فِي مَوْقِفِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ فَإِنْ عَجَزَ فَلْيَقْرَبْ مِنْهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْحَدِيثِ بَيَانُ حُدُودِ عَرَفَاتٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ فِي الْوُقُوفِ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى فِي الْوُقُوفِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَيَتَحَقَّقَ كَمَالُ غُرُوبِهَا ثُمَّ يُفِيضُ إِلَى مُزْدَلِفَةَ فَلَوْ أَفَاضَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ صَحَّ وُقُوفُهُ وَحَجُّهُ وَيُجْبَرُ ذَلِكَ بِدَمٍ وَهَلِ الدَّمُ وَاجِبٌ أَمْ مُسْتَحَبٌّ فِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ سُنَّةٌ وَالثَّانِي وَاجِبٌ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ وَقَفَ بِالنَّهَارِ أَمْ لَا وَفِيهِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا سُنَّةٌ وَالثَّانِي وَاجِبٌ وَأَمَّا وَقْتُ الْوُقُوفِ فَهُوَ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ

يَوْمَ عَرَفَةَ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي يَوْمَ النَّحْرِ فَمَنْ حَصَلَ بِعَرَفَاتٍ فِي جُزْءٍ مِنْ هَذَا الزَّمَانِ صَحَّ وُقُوفُهُ وَمَنْ فَاتَهُ ذَلِكَ فَاتَهُ الْحَجُّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَصِحُّ الْوُقُوفُ فِي النَّهَارِ مُنْفَرِدًا بَلْ لَا بُدَّ مِنَ اللَّيْلِ وَحْدَهُ فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى اللَّيْلِ كَفَاهُ وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ وُقُوفُهُ وَقَالَ أَحْمَدُ يَدْخُلُ وَقْتَ الْوُقُوفِ مِنَ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْوُقُوفِ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إِلَّا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ) فَرُوِيَ حَبْلَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ وَرُوِيَ جَبَلَ بِالْجِيمِ وَفَتْحِ الْبَاءِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الأول أشبه بالحديث وحبل المشاة أي مجتمعهم وحبل الرَّمَلِ مَا طَالَ مِنْهُ وَضَخُمَ وَأَمَّا بِالْجِيمِ فَمَعْنَاهُ طَرِيقُهُمْ وَحَيْثُ تَسْلُكُ الرَّجَّالَةُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ النُّسَخِ قَالَ قِيلَ لَعَلَّ صَوَابُهُ حِينَ غَابَ الْقُرْصُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ بَيَانًا لِقَوْلِهِ غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ فَإِنَّ هَذِهِ تُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى مَغِيبِ مُعْظَمِ الْقُرْصِ فَأَزَالَ ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ بِقَوْلِهِ حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ فِيهِ جَوَازُ الْإِرْدَافِ إِذَا كَانَتِ الدَّابَّةُ مُطِيقَةً وَقَدْ تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ قَوْلُهُ (وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى أَنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ) مَعْنَى شَنَقَ ضَمَّ وَضَيَّقَ وَهُوَ بِتَخْفِيفِ النون ومورك الرَّحْلِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْمَوْرِكُ وَالْمَوْرِكَةُ يَعْنِي بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُثْنِي الرَّاكِبُ رِجْلَهُ عَلَيْهِ قُدَّامَ وَاسِطَةِ الرَّحْلِ إِذَا مَلَّ مِنَ الرُّكُوبِ وَضَبَطَهُ الْقَاضِي بِفَتْحِ الرَّاءِ قَالَ وَهُوَ قِطْعَةُ أُدُمٍ يَتَوَرَّكُ عَلَيْهَا الرَّاكِبُ تُجْعَلُ فِي مُقَدَّمِ الرَّحْلِ شِبْهُ الْمِخَدَّةِ الصَّغِيرَةِ وَفِي هَذَا اسْتِحْبَابُ الرِّفْقِ فِي السَّيْرِ مِنَ الرَّاكِبِ بِالْمُشَاةِ وَبِأَصْحَابِ الدَّوَابِّ الضعيفة قوله (ويقول بِيَدِهِ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ) مَرَّتَيْنِ مَنْصُوبًا أَيِ الْزَمُوا السَّكِينَةَ وَهِيَ الرِّفْقُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فَفِيهِ أَنَّ السَّكِينَةَ فِي الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَاتٍ سُنَّةٌ فَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً يُسْرِعُ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ

قَوْلُهُ (كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ) الْحِبَالِ هُنَا بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَةِ جَمْعُ حَبْلٍ وَهُوَ التَّلُّ اللَّطِيفُ مِنَ الرَّمْلِ الضَّخْمُ وَقَوْلُهُ (حتى تصعد) هو بفتح الياء الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَضَمِّهَا يُقَالُ صَعِدَ فِي الْحَبْلِ وأصعد ومنه قوله تعالى إذ تصعدون وَأَمَّا الْمُزْدَلِفَةُ فَمَعْرُوفَةٌ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنَ التَّزَلُّفِ وَالِازْدِلَافِ وَهُوَ التَّقَرُّبُ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ إِذَا أَفَاضُوا من عرفات ازدلفوا إليها تقربوا مِنْهَا وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَجِيءِ النَّاسِ إِلَيْهَا فِي زُلَفٍ مِنَ اللَّيْلِ أَيْ سَاعَاتٍ وَتُسَمَّى جَمْعًا بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُزْدَلِفَةَ كُلَّهَا مِنَ الْحَرَمِ قَالَ الْأَزْرَقِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَأَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَغَيْرُهُمْ حَدُّ مُزْدَلِفَةَ مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ وَوَادِي مُحَسِّرٍ وَلَيْسَ الْحَدَّانِ مِنْهَا وَيَدْخُلُ فِي الْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعُ تلك الشعاب والجبال الداخلية فِي الْحَدِّ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ (حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) فِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّ السُّنَّةَ لِلدَّافِعِ مِنْ عَرَفَاتٍ أَنْ يُؤَخِّرَ الْمَغْرِبَ إِلَى وَقْتِ الْعِشَاءِ وَيَكُونُ هَذَا التَّأْخِيرُ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي الْمُزْدَلِفَةِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٍ أَنَّهُ يَجْمَعُ بِسَبَبِ النُّسُكِ وَيَجُوزُ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَمِنًى وَغَيْرِهِمْ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ جَمَعَ بِسَبَبِ السَّفَرِ فلا يجوز إلا لمسافر سفرا يبلغ به مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَهُوَ مَرْحَلَتَانِ قَاصِدَتَانِ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي كُلِّ سَفَرٍ وَإِنْ كَانَ قَصِيرًا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هَذَا الْجَمْعُ بِسَبَبِ النُّسُكِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ فِي أَرْضِ عَرَفَاتٍ أَوْ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَصَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتِهَا جَازَ جَمِيعُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَفْضَلِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاعَاتٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَشْهَبُ وَفُقَهَاءُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ مِنَ الْكُوفِيِّينَ يُشْتَرَطُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا بِالْمُزْدَلِفَةِ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهَا وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا قَبْلَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَّا مَنْ به أو بدابته عذرفلة أَنْ يُصَلِّيَهُمَا قَبْلَ الْمُزْدَلِفَةِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَمِنْهَا أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاتَيْنِ

فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ بِأَذَانٍ لِلْأُولَى وَإِقَامَتَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ إِقَامَةٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ الْمَاجِشُونُ الْمَالِكِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ الْحَنَفِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ لِلْأُولَى وَيُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ أَيْضًا للثانية وهو محكى عن عمر وبن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ أَذَانٌ وَاحِدٌ وَإِقَامَةٌ وَاحِدَةٌ وَلِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ قَوْلٌ أَنَّهُ يُصَلِّي كُلَّ وَاحِدَةٍ بِإِقَامَتِهَا بِلَا أَذَانٍ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ يحكي أيضا عن بن عُمَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (لَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا) فَمَعْنَاهُ لَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا نَافِلَةً وَالنَّافِلَةُ تُسَمَّى سُبْحَةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَى التَّسْبِيحِ فَفِيهِ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا لَكِنِ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ شَرْطٌ لِلْجَمْعِ أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هُوَ شَرْطٌ أَمَّا إِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْأُولَى فَالْمُوَالَاةُ شَرْطٌ بِلَا خِلَافٍ قَوْلُهُ (ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ) فِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلُ إِحْدَاهَا أَنَّ الْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ بَعْدَ الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَاتٍ نُسُكٌ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ رُكْنٌ أَمْ سُنَّةٌ وَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ وَاجِبٌ لَوْ تَرَكَهُ أَثِمَ وَصَحَّ حَجُّهُ وَلَزِمَهُ دَمٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ سُنَّةٌ لَا إِثْمَ فِي تَرْكِهِ وَلَا يَجِبُ فِيهِ دَمٌ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا هُوَ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إِلَّا بِهِ كَالْوُقُوفِ بعرفات قاله من أصحابنا بن بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ وَقَالَهُ خَمْسَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ وَهُمْ عَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْقَى بِالْمُزْدَلِفَةِ حَتَّى يُصَلِّيَ بِهَا الصُّبْحَ إِلَّا الضَّعَفَةَ فَالسُّنَّةُ لَهُمُ الدَّفْعُ قَبْلَ الْفَجْرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي أَقَلِّ الْمُجْزِي مِنْ هَذَا الْمَبِيتِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ عِنْدَنَا الصَّحِيحُ سَاعَةٌ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنَ اللَّيْلِ وَالثَّانِي سَاعَةٌ فِي النِّصْفِ الثَّانِي أَوْ بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالثَّالِثُ مُعْظَمُ اللَّيْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ السُّنَّةُ أَنْ يُبَالِغَ بِتَقْدِيمِ صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَيَتَأَكَّدُ التَّبْكِيرُ بِهَا فِي هَذَا الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ تَأَكُّدِهِ فِي سَائِرِ السَّنَةِ لِلِاقْتِدَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم ولأن وظائف هذا

الْيَوْمِ كَثِيرَةٌ فَسُنَّ الْمُبَالَغَةُ بِالتَّبْكِيرِ بِالصُّبْحِ لِيَتَّسِعَ الْوَقْتُ لِلْوَظَائِفِ الثَّالِثَةُ يُسَنُّ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ غَيْرِهَا مِنْ صَلَوَاتِ الْمُسَافِرِ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالْأَذَانِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ كَمَا فِي الْحَضَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا وَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ) أَمَّا الْقَصْوَاءَ فَسَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ بَيَانُهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ ثُمَّ رَكِبَ فَفِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ الرُّكُوبُ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَشْيِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَبَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ وَأَمَّا الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَبِفَتْحِ الْمِيمِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَتَظَاهَرَتْ بِهِ رِوَايَاتُ الْحَدِيثِ وَيُقَالُ أَيْضًا بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا قُزَحُ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَبِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَهُوَ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ فِي الْمُزْدَلِفَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةُ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ هُوَ قُزَحُ وَقَالَ جَمَاهِيرُ الْمُفَسِّرِينَ وَأَهْلُ السِّيَرِ وَالْحَدِيثِ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ جَمِيعُ الْمُزْدَلِفَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَعْنِي الْكَعْبَةَ فَدَعَاهُ إِلَى آخِرِهِ فِيهِ أَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى قُزَحَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَهَذَا لاخلاف فِيهِ لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ الدَّفْعِ مِنْهُ فقال بن مسعود وبن عُمَرَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ لَا يَزَالُ وَاقِفًا فِيهِ يَدْعُو وَيَذْكُرُ حَتَّى يُسْفِرَ الصُّبْحُ جِدًّا كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ مَالِكٌ يَدْفَعُ مِنْهُ قَبْلَ الْإِسْفَارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ (أَسْفَرَ جِدًّا) الضَّمِيرُ فِي أَسْفَرَ يَعُودُ إلى الفجر المذكور أولا وقوله (جِدًّا) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ إِسْفَارًا بَلِيغًا قَوْلُهُ فِي صِفَةِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ (أَبْيَضَ وَسِيمًا) أَيْ حَسَنًا قَوْلُهُ (مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ) الظُّعُنُ بِضَمِّ الظَّاءِ وَالْعَيْنِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُ الْعَيْنِ جميع ظَعِينَةٍ كَسَفِينَةٍ وَسُفُنٍ وَأَصْلُ الظَّعِينَةِ الْبَعِيرُ الَّذِي عَلَيْهِ امْرَأَةٌ ثُمَّ تُسَمَّى بِهِ الْمَرْأَةُ مَجَازًا لِمُلَابَسَتِهَا الْبَعِيرَ كَمَا أَنَّ الرِّوَايَةَ أَصْلُهَا الْجَمَلُ الذي

يَحْمِلُ الْمَاءَ ثُمَّ تُسَمَّى بِهِ الْقِرْبَةُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَوْلُهُ يَجْرِينَ بِفَتْحِ الْيَاءِ قَوْلُهُ (فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ) فِيهِ الْحَثُّ عَلَى غَضِّ الْبَصَرِ عَنِ الْأَجْنَبِيَّاتِ وَغَضِّهِنَّ عَنِ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَكَانَ أَبْيَضَ وَسِيمًا حَسَنَ الشَّعْرِ يَعْنِي أَنَّهُ بِصِفَةِ مَنْ تُفْتَتَنُ النِّسَاءُ بِهِ لِحُسْنِهِ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوَى عُنُقَ الفضل فقال له العباس لويت عنق بن عَمِّكَ قَالَ رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنِ الشيطان عليهما فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَضْعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ كَانَ لِدَفْعِ الْفِتْنَةِ عَنْهُ وَعَنْهَا وَفِيهِ أَنَّ مَنْ رَأَى مُنْكَرًا وَأَمْكَنَهُ إِزَالَتَهُ بِيَدِهِ لَزِمَهُ إِزَالَتُهُ فَإِنْ قَالَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَنْكَفَّ الْمَقُولُ لَهُ وَأَمْكَنَهُ بِيَدِهِ أَثِمَ مَا دَامَ مُقْتَصِرًا عَلَى اللِّسَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلًا) أَمَّا مُحَسِّرٌ فَبِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُشَدَّدَةِ الْمُهْمَلَتَيْنِ سُمِّيَ بذلك لأن فيل أصحاب الفيل حصر فيه أي أعي فيه وكل منه قَوْلُهُ تَعَالَى يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حسير وَأَمَّا قَوْلُهُ فَحَرَّكَ قَلِيلًا فَهِيَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ السَّيْرِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْرِعُ الْمَاشِي وَيُحَرِّكُ الرَّاكِبُ دَابَّتَهُ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا حَصَى الْخَذْفِ رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي) أَمَّا قَوْلُهُ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى فَفِيهِ أَنَّ سُلُوكَ هَذَا الطَّرِيقِ فِي الرُّجُوعِ مِنْ عَرَفَاتٍ سُنَّةٌ وَهُوَ غَيْرُ الطَّرِيقِ الَّذِي ذَهَبَ فِيهِ إِلَى عَرَفَاتٍ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا يَذْهَبُ إِلَى عَرَفَاتٍ فِي طَرِيقِ ضَبٍّ وَيَرْجِعُ فِي طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ لِيُخَالِفَ الطَّرِيقَ تفاؤلا بتغير الْحَالِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُخُولِ مَكَّةَ حِينَ دَخَلَهَا مِنَ

الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَخَرَجَ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى وَخَرَجَ إِلَى الْعِيدِ فِي طَرِيقٍ وَرَجَعَ فِي طَرِيقٍ آخَرَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَأَمَّا الْجَمْرَةُ الْكُبْرَى فَهِيَ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ وَهِيَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ لِلْحَاجِّ إِذَا دَفَعَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ فَوَصَلَ مِنًى أَنْ يَبْدَأَ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا قَبْلَ رَمْيِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِهِ وَفِيهِ أَنَّ الرَّمْيَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَأَنَّ قَدْرَهُنَّ بِقَدْرِ حَصَى الْخَذْفِ وَهُوَ نحو حبة الباقلاء وينبغي ألا يَكُونَ أَكْبَرَ وَلَا أَصْغَرَ فَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ أَجْزَأَهُ بِشَرْطِ كَوْنِهَا حَجَرًا وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ الرَّمْيُ بِالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُسَمَّى حَجَرًا وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَفِيهِ أَنَّهُ يُسَنُّ التَّكْبِيرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَفِيهِ أَنَّهُ يَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْحَصَيَاتِ فَيَرْمِيهِنَّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً فَإِنْ رَمَى السَّبْعَةَ رَمْيَةً وَاحِدَةً حُسِبَ ذَلِكَ كُلُّهُ حَصَاةً وَاحِدَةً عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ رَمَى كُلَّ حَصَاةٍ وَحْدَهَا مَعَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي بَعْدَ هَذَا فِي أَحَادِيثِ الرَّمْيِ لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَقِفَ لِلرَّمْيِ فِي بَطْنِ الْوَادِي بِحَيْثُ تَكُونُ مِنًى وَعَرَفَاتٌ وَالْمُزْدَلِفَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَمَكَّةُ عَنْ يَسَارِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَقِيلَ يَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ وَكَيْفَمَا رَمَى أَجْزَأَهُ بِحَيْثُ يُسَمَّى رَمْيًا بِمَا يُسَمَّى حَجَرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا حُكْمُ الرَّمْيِ فَالْمَشْرُوعُ مِنْهُ يَوْمَ النَّحْرِ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لَا غَيْرَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ نُسُكٌ بِإِجْمَاعِهِمْ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ وَاجِبٌ لَيْسَ بِرُكْنٍ فَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى فَاتَتْهُ أَيَّامُ الرَّمْيِ عَصَى وَلَزِمَهُ دَمٌ وَصَحَّ حَجُّهُ وَقَالَ مَالِكٌ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَيَجِبُ رَمْيُهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ فَلَوْ بَقِيَتْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ لَمْ تَكْفِهِ السِّتُّ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا حَصَى الْخَذْفِ فَهَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مُعْظَمِ النُّسَخِ قَالَ وَصَوَابُهُ مِثْلُ حَصَى الْخَذْفِ قَالَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ غَيْرُ مُسْلِمٍ وَكَذَا رَوَاهُ بَعْضُ رُوَاةِ مُسْلِمٍ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي قُلْتُ وَالَّذِي فِي النُّسَخِ مِنْ غَيْرِ لَفْظَةِ مِثْلِ هُوَ الصَّوَابُ بَلْ لَا يَتَّجِهُ غَيْرُهُ وَلَا يتم الكلام الا كذلك ويكون قَوْلُهُ حَصَى الْخَذْفِ مُتَعَلِّقًا بِحَصَيَاتٍ أَيْ رَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَصَى الْخَذْفِ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ فَحَصَى الْخَذْفِ مُتَّصِلٌ بِحَصَيَاتٍ وَاعْتَرَضَ بَيْنَهُمَا يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى

النحر فنحر ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ وَكَذَا نَقَلَهُ القاضي عن جميع الرواة سوى بن مَاهَانَ فَإِنَّهُ رَوَاهُ بَدَنَةً قَالَ وَكَلَامُهُ صَوَابٌ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ قُلْتُ وَكِلَاهُمَا حَرِيٌّ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ قَالَ الْقَاضِي فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَنْحَرَ مَوْضِعٌ مُعَيَّنٌ مِنْ مِنًى وَحَيْثُ ذَبَحَ مِنْهَا أَوْ مِنَ الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَكْثِيرِ الْهَدْيِ وَكَانَ هَدْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِائَةَ بَدَنَةٍ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ ذَبْحِ الْمُهْدِي هَدْيَهُ بِنَفْسِهِ وَجَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِيهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ إِذَا كَانَ النَّائِبُ مُسْلِمًا وَيَجُوزُ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ النَّائِبُ كَافِرًا كِتَابِيًّا بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ صَاحِبُ الْهَدْيِ عِنْدَ دَفْعِهِ إِلَيْهِ أَوْ عِنْدَ ذَبْحِهِ وَقَوْلُهُ مَا غَبَرَ أَيْ مَا بَقِيَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَعْجِيلِ ذَبْحِ الْهَدَايَا وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَلَا يُؤَخِّرُ بَعْضَهَا إِلَى أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ شَارَكَهُ فِي نَفْسِ الْهَدْيِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَشْرِيكًا حَقِيقَةً بَلْ أَعْطَاهُ قَدْرًا يَذْبَحُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ الْبُدْنَ الَّتِي جَاءَتْ مَعَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ وَكَانَتْ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَأَعْطَى عَلِيًّا الْبُدْنَ الَّتِي جَاءَتْ مَعَهُ مِنَ اليمين وَهِيَ تَمَامُ الْمِائَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا) الْبَضْعَةِ بِفَتْحِ الْبَاءِ لَا غَيْرَ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْأَكْلِ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَأُضْحِيَّتِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ لَمَّا كَانَ الْأَكْلُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ سُنَّةً وَفِي الْأَكْلِ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمِائَةِ مُنْفَرِدَةً كُلْفَةٌ جُعِلَتْ فِي قِدْرٍ لِيَكُونَ آكِلًا مِنْ مَرَقِ الْجَمِيعِ الَّذِي فِيهِ جُزْءٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَيَأْكُلُ مِنَ اللَّحْمِ الْمُجْتَمِعِ فِي الْمَرَقِ مَا تَيَسَّرَ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَكْلَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَأُضْحِيَّتِهِ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ قَوْلُهُ (ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ) هَذَا الطَّوَافُ هُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَوَّلُ وَقْتِهِ عِنْدَنَا مِنْ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَأَفْضَلُهُ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَذَبْحِ الْهَدْيِ وَالْحَلْقِ وَيَكُونُ ذَلِكَ ضَحْوَةَ يَوْمِ النَّحْرِ وَيَجُوزُ

فِي جَمِيعِ يَوْمِ النَّحْرِ بِلَا كَرَاهَةٍ وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ بِلَا عُذْرٍ وَتَأْخِيرُهُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَشَدُّ كَرَاهَةً وَلَا يَحْرُمُ تَأْخِيرُهُ سِنِينَ مُتَطَاوِلَةً وَلَا آخِرَ لِوَقْتِهِ بَلْ يَصِحُّ مَا دَامَ الْإِنْسَانُ حَيًّا وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ حَتَّى لَوْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ قَبْلَ الْوُقُوفِ ثُمَّ أَسْرَعَ إِلَى عَرَفَاتٍ فَوَقَفَ قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ لِأَنَّهُ قَدَّمَهُ عَلَى الْوُقُوفِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ رَمَلٌ وَلَا اضْطِبَاعٌ إِذَا كَانَ قَدْ رَمَلَ وَاضْطَبَعَ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَلَوْ طَافَ بِنِيَّةِ الْوَدَاعِ أَوِ الْقُدُومِ أَوِ التَّطَوُّعِ وَعَلَيْهِ طَوَافُ إِفَاضَةٍ وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَحَجَّ بِنِيَّةِ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ تَطَوُّعٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَا يُجْزِئُ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ بِنِيَّةِ غَيْرِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ لَهُ أَسْمَاءٌ فَيُقَالُ أَيْضًا طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَطَوَافُ الْفَرْضِ وَالرُّكْنِ وَسَمَّاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا طَوَافَ الصَّدْرِ وَأَنْكَرَهُ الْجُمْهُورُ قَالُوا وَإِنَّمَا طَوَافُ الصَّدْرِ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الرُّكُوبِ فِي الذَّهَابِ مِنْ مِنًى إِلَى مَكَّةَ وَمِنْ مَكَّةَ إِلَى مِنًى وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا مَرَّاتٍ الْمَسْأَلَةَ وَبَيَّنَّا أَنَّ الصَّحِيحَ اسْتِحْبَابُ الرُّكُوبِ وَأَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنِ اسْتَحَبَّ الْمَشْيَ هُنَاكَ وَقَوْلُهُ (فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى الظُّهْرَ) فِيهِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ فَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ فَحَذَفَ ذِكْرَ الطَّوَافِ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ فَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا فِي أَحَادِيثَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ مِنْ حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ مَرَّةً أُخْرَى بِأَصْحَابِهِ حِينَ سَأَلُوهُ ذَلِكَ فَيَكُونُ مُتَنَفِّلًا بِالظُّهْرِ الثَّانِيَةِ الَّتِي بِمِنًى وَهَذَا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَطْنِ نَخْلٍ أَحَدُ أَنْوَاعِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ الصَّلَاةِ بِكَمَالِهَا وَسَلَّمَ بِهِمْ ثُمَّ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى تِلْكَ الصَّلَاةَ مَرَّةً أُخْرَى فَكَانَتْ لَهُ صَلَاتَانِ وَلَهُمْ صَلَاةٌ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْوَارِدُ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ الزِّيَارَةَ يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى اللَّيْلِ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَادَ لِلزِّيَارَةِ مَعَ نِسَائِهِ لَا لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَقَدْ بَسَطْتُ إِيضَاحَ هَذَا الْجَوَابِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَوْلُهُ (فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ) أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْزِعُوا فَبِكَسْرِ الزَّايِ وَمَعْنَاهُ اسْتَقُوا بِالدِّلَاءِ وَانْزِعُوهَا بِالرِّشَاءِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَمَعْنَاهُ أَتَاهُمْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَقَوْلُهُ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ مَعْنَاهُ يَغْرِفُونَ بِالدِّلَاءِ وَيَصُبُّونَهُ فِي الْحِيَاضِ وَنَحْوِهَا وَيُسْبِلُونَهُ لِلنَّاسِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ مَعْنَاهُ لَوْلَا خَوْفِي أَنْ يَعْتَقِدَ النَّاسُ ذَلِكَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَيَزْدَحِمُونَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَغْلِبُونَكُمْ وَيَدْفَعُونَكُمْ عَنْ الِاسْتِقَاءِ لَاسْتَقَيْتُ مَعَكُمْ لِكَثْرَةِ فَضِيلَةِ هَذَا الِاسْتِقَاءِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ الْعَمَلِ فِي هَذَا الِاسْتِقَاءِ وَاسْتِحْبَابُ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ وَأَمَّا زَمْزَمُ فَهِيَ الْبِئْرُ الْمَشْهُورَةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ ثَمَانٍ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا قِيلَ سُمِّيَتْ زَمْزَمَ لِكَثْرَةِ مَائِهَا يُقَالُ مَاءُ زَمْزُومٍ وَزَمْزَمَ وَزَمَازِمَ إِذَا كَانَ كَثِيرًا وَقِيلَ لِضَمِّ هَاجِرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِمَائِهَا حِينَ انْفَجَرَتْ وَزَمِّهَا إِيَّاهُ وَقِيلَ لِزَمْزَمَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَلَامِهِ عِنْدَ فَجْرِهِ إِيَّاهَا وَقِيلَ إِنَّهَا غَيْرُ مُشْتَقَّةٍ وَلَهَا أَسْمَاءٌ أُخَرُ ذَكَرْتُهَا فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ مَعَ نَفَائِسَ أُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْهَا أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَيْرُ بِئْرٍ فِي الْأَرْضِ زَمْزَمُ وَشَرُّ بِئْرٍ فِي الْأَرْضِ بَرَهُوتُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَكَانَتِ الْعَرَبُ يَدْفَعُ بِهِمْ أَبُو سَيَّارَةَ) هُوَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتَ مُشَدَّدَةٍ أَيْ كَانَ يَدْفَعُ بِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَوْلُهُ فَلَمَّا أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ لَمْ تَشُكَّ قُرَيْشٌ أَنَّهُ سَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ مَنْزِلَهُ ثَمَّ فَأَجَازَ وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ حَتَّى أَتَى عَرَفَاتٍ فَنَزَلَ أَمَّا الْمَشْعَرُ فَسَبَقَ بيانه وأنه

بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بِكَسْرِهَا وَأَنَّ قُزَحَ الْجَبَلُ الْمَعْرُوفُ فِي الْمُزْدَلِفَةِ وَقِيلَ كُلُّ الْمُزْدَلِفَةِ وَأَوْضَحْنَا الْخِلَافَ فِيهِ بِدَلَائِلِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرُ الدَّلَالَةِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ كُلَّ الْمُزْدَلِفَةِ وَقَوْلُهُ أَجَازَ أَيْ جَاوَزَ وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَعْرِضْ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ تَقِفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَهِيَ مِنَ الْحَرَمِ وَلَا يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ وَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَقُولُ نَحْنُ أَهْلُ الْحَرَمِ فَلَا نَخْرُجُ مِنْهُ فَلَمَّا حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَصَلَ الْمُزْدَلِفَةَ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ يَقِفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ عَلَى عَادَةِ قُرَيْشٍ فَجَاوَزَ إِلَى عَرَفَاتٍ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ أَيْ جُمْهُورُ النَّاسِ فَإِنَّ مَنْ سِوَى قُرَيْشٍ كَانُوا يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ وَيُفِيضُونَ مِنْهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ (فَأَجَازَ وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ حَتَّى أَتَى عَرَفَاتٍ فَنَزَلَ) فَفِيهِ مَجَازٌ تَقْدِيرُهُ فَأَجَازَ مُتَوَجِّهًا إِلَى عَرَفَاتٍ حَتَّى قَارَبَهَا فَضُرِبَتْ لَهُ الْقُبَّةُ بِنَمِرَةَ قَرِيبٌ مِنْ عَرَفَاتٍ فَنَزَلَ هُنَاكَ حَتَّى زَالَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ خَطَبَ وَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ أَرْضَ عَرَفَاتٍ حَتَّى وَصَلَ الصَّخَرَاتِ فَوَقَفَ هُنَاكَ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا وَاضِحًا فِي الرِّوَايَةِ الاولى قوله صلى الله عليه وسلم (نحرت ها هنا وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ وَوَقَفْتُ ها هنا وعرفة كلها موقف ووقفت ها هنا وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ) فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بَيَانُ رِفْقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمَّتِهِ وَشَفَقَتِهِ عَلَيْهِمْ فِي تَنْبِيهِهِمْ عَلَى مَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ لَهُمُ الْأَكْمَلَ وَالْجَائِزَ فَالْأَكْمَلُ مَوْضِعُ نَحْرِهِ وَوُقُوفِهِ وَالْجَائِزُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَنْحَرِ وَجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ عَرَفَاتٍ وَخَيْرُهُنَّ أَجْزَاءُ الْمُزْدَلِفَةِ وَهِيَ جَمْعٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَسَبَقَ بَيَانُهَا وَبَيَانُ حَدِّهَا وَحَدِّ مِنًى فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا عَرَفَاتٌ فَحَدُّهَا

مَا جَاوَزَ وَادِيَ عُرَنَةَ إِلَى الْجِبَالِ الْقَابِلَةِ مما يلي بساتين بن عَامِرٍ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ ونقل الأزرقي عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ حَدُّ عَرَفَاتٍ مِنَ الْجَبَلِ الْمُشْرِفِ عَلَى بَطْنِ عُرَنَةَ إِلَى جِبَالِ عَرَفَاتٍ إِلَى وَصِيقٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ قَافٌ إِلَى مُلْتَقَى وَصِيقٍ وَادِي عُرَنَةَ وَقِيلَ فِي حَدِّهَا غَيْرُ هَذَا مِمَّا هُوَ متقارب لَهُ وَقَدْ بَسَطْتُ الْقَوْلَ فِي إِيضَاحِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَكِتَابِ الْمَنَاسِكِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا يَجُوزُ نَحْرُ الْهَدْيِ وَدِمَاءُ الْحَيَوَانَاتِ فِي جَمِيعِ الْحَرَمِ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّ الْحَاجِّ النَّحْرُ بِمِنًى وَأَفْضَلُ مَوْضِعٍ مِنْهَا لِلنَّحْرِ مَوْضِعُ نَحْرِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا قَارَبَهُ وَالْأَفْضَلُ فِي حَقِّ الْمُعْتَمِرِ أَنْ يَنْحَرَ فِي الْمَرْوَةِ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ تَحَلُّلِهِ كَمَا أَنَّ مِنًى مَوْضِعُ تَحَلُّلِ الْحَاجِّ قَالُوا وَيَجُوزُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ فِي أَيِّ جُزْءٍ كَانَ مِنْهَا وَكَذَا يَجُوزُ الْوُقُوفُ عَلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَفِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمُزْدَلِفَةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ فَالْمُرَادُ بِالرِّحَالِ الْمَنَازِلِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ رَحْلَ الرَّجُلُ مَنْزِلَهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ وَبَرٍ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ يَجُوزُ النَّحْرُ فِيهَا فَلَا تَتَكَلَّفُوا النَّحْرَ فِي مَوْضِعِ نَحْرِي بَلْ يَجُوزُ لَكُمُ النَّحْرُ فِي مَنَازِلِكُمْ مِنْ مِنًى قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَى الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ مَشَى عَلَى يَمِينِهِ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا) فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ السُّنَّةَ لِلْحَاجِّ أَنْ يَبْدَأَ أَوَّلَ قُدُومِهِ بِطَوَافِ الْقُدُومِ وَيُقَدِّمَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَأَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي أَوَّلِ طَوَافِهِ وَأَنْ يَرْمُلَ فِي ثَلَاثِ طَوْفَاتٍ مِنَ السَّبْعِ وَيَمْشِيَ فِي الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ وَسَيَأْتِي هَذَا كُلُّهُ وَاضِحًا حَيْثُ ذَكَرَ مُسْلِمٌ أحاديثه والله أعلم [1219] قوله (كانت

قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَهَا يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الْحُمْسَ) إِلَى آخِرِهِ الْحُمْسُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَبِسِينٍ مُهْمَلَةٍ قَالَ أَبُو الْهَيْثَمِ الْحُمْسَ هُمْ قُرَيْشٌ وَمَنْ وَلَدَتْهُ قُرَيْشٌ وَكِنَانَةُ وَجَدِيلَةُ قَيْسٍ سُمُّوا حُمْسًا لِأَنَّهُمْ تَحَمَّسُوا فِي دِينِهِمْ أَيْ تَشَدَّدُوا وَقِيلَ سُمُّوا حُمْسًا بِالْكَعْبَةِ لِأَنَّهَا حَمْسَاءُ حَجَرُهَا أَبْيَضُ يَضْرِبُ إِلَى السَّوَادِ وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ وَسَبَبِ وُقُوفِهِمْ بِالْمُزْدَلِفَةِ قَوْلُهُ (كَانَتِ الْعَرَبُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرَاةً إِلَّا الْحُمْسَ) هَذَا مِنَ الْفَوَاحِشِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقِيلَ نَزَلَ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وجدنا عليها آباءنا وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَةَ تِسْعٍ أَنْ يُنَادِيَ مُنَادِيهِ أَنْ لَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ

(باب جواز تعليق الإحرام)

[1220] قَوْلُهُ (عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ أَضْلَلْتُ بَعِيرًا لِي فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ فَقُلْتُ وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لمن الحمس فما شأنه ها هنا وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُعَدُّ مِنَ الْحُمْسِ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ كَانَ هَذَا فِي حَجَّهِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَكَانَ جُبَيْرٌ حِينَئِذٍ كَافِرًا وَأَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَقِيلَ يَوْمَ خَيْبَرَ فَتَعَجَّبَ مِنْ وُقُوفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ جَوَازِ تَعْلِيقِ الْإِحْرَامِ) (وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِإِحْرَامٍ كِإِحْرَامِ فُلَانٍ فَيَصِيرُ مُحْرِمًا بِإِحْرَامٍ مِثْلِ إِحْرَامِ فُلَانٍ) [1221] فِي الْبَابِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ أَحَجَجْتَ قَالَ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ بِمَ أَهْلَلْتَ قَالَ قُلْتُ لَبَّيْكَ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَدْ أَحْسَنْتَ طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَحِلَّ قَالَ فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً

مِنْ بَنِي قَيْسٍ فَفَلَتْ رَأْسِي ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ) فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا جَوَازُ تَعْلِيقِ الْإِحْرَامِ فَإِذَا قَالَ أَحْرَمْتُ بِإِحْرَامٍ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ صَحَّ إِحْرَامُهُ وَكَانَ إِحْرَامُهُ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ فَإِنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ أَوْ قَارِنًا كَانَ الْمُعَلِّقُ مِثْلَهُ وَإِنْ كَانَ زَيْدٌ أَحْرَمَ مُطْلَقًا كَانَ الْمُعَلِّقُ مُطْلَقًا وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَصْرِفَ إِحْرَامَهُ إِلَى مَا يَصْرِفُ زَيْدٌ إِحْرَامَهُ إِلَيْهِ فَلَوْ صَرَفَ زَيْدٌ إِحْرَامَهُ إِلَى حَجٍّ كَانَ لِلْمُعَلِّقِ صَرْفُ إِحْرَامِهِ إِلَى عُمْرَةٍ وَكَذَا عَكْسُهُ وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ الثَّنَاءِ عَلَى من فعل فعلا جَمِيلًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنْتَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَحِلَّ) فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ صَارَ كَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَكُونُ وَظِيفَتُهُ أَنْ يَفْسَخَ حَجَّهُ إِلَى عُمْرَةٍ فَيَأْتِي بِأَفْعَالِهَا وَهِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ صَارَ حَلَالًا وَتَمَّتْ عُمْرَتُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرِ الْحَلْقَ هُنَا لِأَنَّهُ كَانَ مَشْهُورًا عِنْدَهُمْ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ وَأَحِلِّ وَقَوْلُهُ (ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي قَيْسٍ فَفَلَتْ رَأْسِي) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ وَقَوْلُهُ (ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ) يَعْنِي أَنَّهُ تَحَلَّلَ بِالْعُمْرَةِ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ حَلَالًا إِلَى يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ عَلَّقَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَبُو مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِحْرَامَهُمَا بِإِحْرَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ عَلِيًّا بِالدَّوَامِ عَلَى إِحْرَامِهِ قَارِنًا وَأَمَرَ أَبَا مُوسَى بِفَسْخِهِ إِلَى عُمْرَةٍ فَالْجَوَابُ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ كَمَا كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدْيُ فَبَقِيَ عَلَى إِحْرَامِهِ كَمَا بَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلُّ مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ وَأَبُو مُوسَى لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَتَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ كَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ وَلَوْلَا الْهَدْيُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَجَعَلَهَا عُمْرَةً وَقَدْ سَبَقَ إِيضَاحُ هَذَا الْجَوَابِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا قَوْلُهُ فَفَلَتْ رَأْسِي هو بتخفف اللَّامِ قَوْلُهُ (رُوَيْدَكَ بَعْضَ فُتْيَاكَ) مَعْنَى رُوَيْدَكَ ارْفُقْ قَلِيلًا وَأَمْسِكْ عَنِ الْفُتْيَا وَيُقَالُ فُتْيَا وَفَتْوَى لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ

قَوْلُهُ إِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّ كِتَابَ اللَّهِ يَأْمُرُ بِالتَّمَامِ وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ظَاهِرُ كَلَامِ عُمَرَ هَذَا إِنْكَارُ فَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ وَأَنَّ نَهْيَهُ عَنِ التَّمَتُّعِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ مَنَعَ ذَلِكَ مَنْعَ تَحْرِيمٍ وَإِبْطَالٍ وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَعَلَهُ وَأَصْحَابُهُ لَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ يظلوا معرسين

بِهِنَّ فِي الْأَرَاكِ [1222] وَقَوْلُهُ (مُعْرِسِينَ) هُوَ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَالضَّمِيرُ فِي بِهِنَّ يَعُودُ إِلَى النِّسَاءِ لِلْعِلْمِ بِهِنَّ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْنَ وَمَعْنَاهُ كَرِهْتُ التَّمَتُّعَ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي التَّحَلُّلَ وَوَطْءَ النِّسَاءِ إِلَى حِينِ الْخُرُوجِ إِلَى عَرَفَاتٍ

(باب جواز التمتع)

(باب جَوَازِ التَّمَتُّعِ) [1223] قَوْلُهُ (كَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَكَانَ عَلِيٌّ يَأْمُرُ بِهَا) الْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُتْعَةَ الَّتِي نَهَى عَنْهَا عُثْمَانُ هِيَ التَّمَتُّعُ الْمَعْرُوفُ فِي الْحَجِّ وَكَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَنْهَيَانِ عَنْهَا نَهْيَ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ وَإِنَّمَا نَهَيَا عَنْهَا لِأَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ فَكَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَأْمُرَانِ بِالْإِفْرَادِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ وَيَنْهَيَانِ عَنِ التَّمَتُّعِ نَهْيَ تَنْزِيهٍ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِصَلَاحِ رَعِيَّتِهِ وَكَانَ يَرَى الْأَمْرَ بِالْإِفْرَادِ مِنْ جُمْلَةِ صَلَاحِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّا قَدْ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَجَلْ وَلَكِنْ كُنَّا خَائِفِينَ) فَقَوْلُهُ أَجَلْ بِإِسْكَانِ اللَّامِ أَيْ نَعَمْ وَقَوْلُهُ كُنَّا خَائِفِينَ لَعَلَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ خَائِفِينَ يَوْمَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ سَنَةَ سَبْعٍ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ لَكِنْ لَمْ يَكُنْ تِلْكَ السَّنَةَ حَقِيقَةَ تَمَتُّعٍ إِنَّمَا كَانَ عُمْرَةً وَحْدَهَا قَوْلُهُ (فَقَالَ عُثْمَانُ دَعْنَا عَنْكَ فَقَالَ يَعْنِي عَلِيًّا إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَكَ فَلَمَّا أَنْ رَأَى عَلِيٌّ ذَلِكَ أَهَلَّ بِهِمَا) فَفِيهِ إِشَاعَةُ الْعِلْمِ وَإِظْهَارُهُ وَمُنَاظَرَةُ وُلَاةِ الْأُمُورِ وَغَيْرِهِمْ فِي تَحْقِيقِهِ وَوُجُوبِ مُنَاصَحَةِ الْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ

عَلِيٍّ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَكَ وَأَمَّا إِهْلَالُ عَلِيٍّ بِهِمَا فَقَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يُرَجِّحُ الْقِرَانَ وَأَجَابَ عَنْهُ مَنْ رَجَّحَ الْإِفْرَادَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَهَلَّ بِهِمَا لِيُبَيِّنَ جَوَازَهَمَا لِئَلَّا يَظُنَّ النَّاسُ أَوْ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِرَانُ وَلَا التَّمَتُّعُ وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْإِفْرَادُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ كَانَتِ الْمُتْعَةُ فِي الْحَجِّ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَانَتْ لَنَا رُخْصَةً يَعْنِي الْمُتْعَةَ فِي الْحَجِّ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ أَبُو ذَرٍّ لَا تَصْلُحُ الْمُتْعَتَانِ إِلَّا لَنَا خَاصَّةً يَعْنِي مُتْعَةَ النِّسَاءِ وَمُتْعَةَ الْحَجِّ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِنَّمَا كَانَتْ لَنَا خَاصَّةً دُونَكُمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا أَنَّ فَسْخَ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ كَانَ لِلصَّحَابَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ وَلَا يَجُوزُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادُ أَبِي ذَرٍّ إِبْطَالَ التَّمَتُّعِ مُطْلَقًا بَلْ مُرَادُهُ فَسْخُ الْحَجِّ كَمَا ذَكَرْنَا وَحِكْمَتُهُ إِبْطَالُ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ مَنْعِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا كُلُّهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (لَا تَصْلُحُ الْمُتْعَتَانِ إِلَّا لَنَا خَاصَّةً) مَعْنَاهُ إِنَّمَا صَلَحَتَا لَنَا خَاصَّةً فِي الْوَقْتِ الَّذِي فَعَلْنَاهُمَا فِيهِ ثُمَّ صَارَتَا حَرَامًا بَعْدَ ذَلِكَ

إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1225] قَوْلُهُ (سَأَلْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ الْمُتْعَةِ فَقَالَ فَعَلْنَاهَا وَهَذَا يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ بِالْعُرُشِ يَعْنِي بُيُوتَ مَكَّةَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَعْنِي مُعَاوِيَةَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْمُتْعَةُ فِي الْحَجِّ أَمَّا الْعُرُشُ فَبِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَهِيَ بُيُوتُ مَكَّةَ كَمَا فَسَّرَهُ فِي الرِّوَايَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ سُمِّيَتْ بُيُوتُ مَكَّةَ عُرُشًا لِأَنَّهَا عِيدَانٌ تُنْصَبُ وَتُظَلَّلُ قَالَ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا عُرُوشٌ بِالرَّاءِ وَوَاحِدُهَا عَرْشٌ كَفَلْسٍ وَفُلُوسٍ وَمَنْ قَالَ عَرْشٌ فَوَاحِدُهَا عَرِيشٌ كَقَلِيبٍ وَقَلْبٍ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا نَظَرَ إِلَى عُرُوشِ مَكَّةَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهَذَا يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ بِالْعُرُشِ فَالْإِشَارَةُ بِهَذَا إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَفِي الْمُرَادِ بِالْكُفْرِ هُنَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا مَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ الْمُرَادُ وَهُوَ مُقِيمٌ فِي بُيُوتِ مَكَّةَ قَالَ ثَعْلَبٌ يُقَالُ اكْتَفَرَ الرَّجُلُ إِذَا لَزِمَ الْكُفُورَ وَهِيَ الْقُرَى وَفِي الْأَثَرِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَهْلُ الْكُفُورِ هُمْ أَهْلُ الْقُبُورِ يَعْنِي الْقُرَى الْبَعِيدَةَ عَنِ الْأَمْصَارِ وَعَنِ الْعُلَمَاءِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي الْمُرَادُ الْكُفْرُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَالْمُرَادُ أَنَّا تَمَتَّعْنَا وَمُعَاوِيَةُ يَوْمئِذٍ كَافِرٌ عَلَى دِينِ الْجَاهِلِيَّةِ مُقِيمٌ بِمَكَّةَ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَالْمُرَادُ بِالْمُتْعَةِ الْعُمْرَةُ الَّتِي كَانَتْ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ

الْهِجْرَةِ وَهِيَ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَوْمَئِذٍ كَافِرًا وَإِنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ عَامَ الْفَتْحِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَقِيلَ إِنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ سَنَةَ سَبْعٍ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا غَيْرُ هَذِهِ الْعُمْرَةِ مِنْ عُمَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَكُنْ مُعَاوِيَةُ فِيهَا كَافِرًا وَلَا مُقِيمًا بِمَكَّةَ بَلْ كَانَ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَهُ بَعْضُهُمْ كَافِرٌ بِالْعَرْشِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَالْمُرَادُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا تَصْحِيفٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْمُتْعَةِ فِي الْحَجِّ [1226] قَوْلُهُ (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْمَرَ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِهِ فِي الْعَشْرِ فَلَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهِ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى نَحْوُهُ ثُمَّ قَالَ قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ يَعْنِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يَنْزِلْ فِيهِ الْقُرْآنُ قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى تَمَتَّعَ وَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجِّ وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ مراد عمران أن التمتع بالعمرة إلى الحج جائز وَكَذَلِكَ الْقِرَانُ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِإِنْكَارِهِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْعَ التَّمَتُّعِ وَقَدْ سَبَقَ تَأْوِيلُ فِعْلِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إِبْطَالَ التَّمَتُّعِ بَلْ تَرْجِيحَ الْإِفْرَادِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَقَدْ كَانَ يُسَلَّمُ عَلَيَّ حَتَّى اكْتَوَيْتُ فَتُرِكْتُ ثُمَّ تَرَكْتُ الْكَيَّ فَعَادَ) فَقَوْلُهُ يُسَلَّمُ عَلَيَّ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ وَقَوْلُهُ فَتُرِكْتُ هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ أَيِ انْقَطَعَ السَّلَامُ عَلَيَّ ثُمَّ تَرَكْتُ بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ تَرَكْتُ الْكَيَّ فَعَادَ السَّلَامُ عَلَيَّ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَتْ بِهِ بَوَاسِيرُ فَكَانَ يَصْبِرُ عَلَى الْمُهِمَّاتِ وَكَانَتِ الْمَلَائِكَةُ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَاكْتَوَى فَانْقَطَعَ سَلَامُهُمْ عَلَيْهِ ثُمَّ تَرَكَ الْكَيَّ فَعَادَ سَلَامُهُمْ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (بَعَثَ إِلَيَّ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَقَالَ إِنِّي كُنْتُ مُحَدِّثَكَ بِأَحَادِيثَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهَا بَعْدِي فَإِنْ عِشْتُ فَاكْتُمْ عَنِّي وَإِنْ مُتُّ فَحَدِّثْ بِهَا إِنْ شِئْتَ أَنَّهُ قَدْ سُلِّمَ عَلَيَّ وَاعْلَمْ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ أَمَّا قَوْلُهُ فَإِنْ عِشْتُ فَاكْتُمْ عَنِّي فَأَرَادَ بِهِ الْإِخْبَارَ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَرِهَ

أَنْ يُشَاعَ عَنْهُ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلْفِتْنَةِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهَا فَمَعْنَاهُ تَعْمَلُ بِهَا وَتُعَلِّمُهَا غَيْرَكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَحَادِيثَ فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْهَا إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَأَمَّا إِخْبَارُهُ بِالسَّلَامِ فَلَيْسَ حَدِيثًا فَيَكُونُ بَاقِي الْأَحَادِيثِ مَحْذُوفًا مِنَ الرِّوَايَةِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيُّ) هُوَ

(باب وجوب الدم على المتمتع وأنه إذا عدمه لزمه)

مَنْسُوبٌ إِلَى جَدِّ جَدِّ أَبِيهِ أَبِي بَكْرَةَ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ حَامِدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةِ الثَّقَفِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (باب وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَأَنَّهُ إِذَا عَدَمَهُ لَزِمَهُ) (صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ) [1227] قَوْلُهُ (عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وَأَهْدَى وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) قَالَ الْقَاضِي قَوْلُهُ تَمَتَّعَ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّمَتُّعِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الْقِرَانُ آخِرًا وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْحَجِّ مُفْرِدًا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَصَارَ قَارِنًا فِي آخِرِ أَمْرِهِ وَالْقَارِنُ هُوَ مُتَمَتِّعٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ تَرَفُّهٌ بِاتِّحَادِ الْمِيقَاتِ وَالْإِحْرَامِ وَالْفِعْلِ وَيَتَعَيَّنُ هَذَا التَّأْوِيلُ هُنَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْأَبْوَابِ السَّابِقَةِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ وَمِمَّنْ رَوَى إِفْرَادَ النبى صلى الله عليه وسلم بن عُمَرَ الرَّاوِي هُنَا وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا قَوْلُهُ بَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّلْبِيَةِ فِي أَثْنَاءِ الْإِحْرَامِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَحْرَمَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى مُخَالَفَةِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَوَجَبَ تَأْوِيلُ هَذَا عَلَى مُوَافَقَتِهَا وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ تَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرَهُمْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ أَوَّلًا مُفْرَدًا وَإِنَّمَا فَسَخُوهُ إِلَى الْعُمْرَةِ آخِرًا فَصَارُوا مُتَمَتِّعِينَ فَقَوْلُهُ وَتَمَتَّعَ النَّاسُ يَعْنِي فِي آخِرِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ومن لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَلْيُهْدِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله) أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ فَمَعْنَاهُ يَفْعَلُ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَالتَّقْصِيرَ وَقَدْ صَارَ حَلَالًا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّقْصِيرَ أَوَ الْحَلْقَ نُسُكٌ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقِيلَ إِنَّهُ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ وَلَيْسَ بِنُسُكٍ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَسَيَأْتِي إِيضَاحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّقْصِيرِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِالْحَلْقِ مَعَ أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ لِيَبْقَى لَهُ شَعْرٌ يَحْلِقُهُ فِي الْحَجِّ فَإِنَّ الْحَلْقَ فِي تَحَلُّلِ الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي تَحَلُّلِ الْعُمْرَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلْيَحْلِلْ فَمَعْنَاهُ وَقَدْ

صَارَ حَلَالًا فَلَهُ فِعْلُ مَا كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِ فِي الْإِحْرَامِ مِنَ الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَالنِّسَاءِ وَالصَّيْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ فَمَعْنَاهُ يُحْرِمُ بِهِ فِي وَقْتِ الْخُرُوجِ إِلَى عَرَفَاتٍ لَا أَنَّهُ يُهِلُّ بِهِ عَقِبَ تَحَلُّلِ الْعُمْرَةِ وَلِهَذَا قَالَ ثُمَّ لِيُهِلَّ فَأَتَى بِثُمَّ الَّتِي هِيَ لِلتَّرَاخِي وَالْمُهْلَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلْيُهْدِ فَالْمُرَادُ بِهِ هَدْيُ التَّمَتُّعِ فَهُوَ وَاجِبٌ بِشُرُوطٍ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَرْبَعَةٍ مِنْهَا وَاخْتَلَفُوا فِي ثَلَاثَةٍ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ الثَّانِي أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ أَفَقِيًّا لَا مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ وَحَاضِرُوهُ أَهْلُ الْحَرَمِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُ عَلَى مَسَافَةٍ لَا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ الرَّابِعُ أَنْ لَا يَعُودَ إِلَى الْمِيقَاتِ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ فَأَحَدُهَا نِيَّةُ التَّمَتُّعِ وَالثَّانِي كَوْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي سَنَةٍ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ الثَّالِثُ كَوْنُهُمَا عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ لَا تُشْتَرَطُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَالْمُرَادُ لَمْ يَجِدْهُ هُنَاكَ إِمَّا لِعَدَمِ الْهَدْيِ وَإِمَّا لِعَدَمِ ثَمَنِهِ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ يُبَاعُ بِأَكْثَرِ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مَوْجُودًا لَكِنَّهُ لَا يَبِيعُهُ صَاحِبُهُ فَفِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ يَكُونُ عَادِمًا لِلْهَدْيِ فَيَنْتَقِلُ إِلَى الصَّوْمِ سَوَاءٌ كَانَ وَاجِدًا لِثَمَنِهِ فِي بَلَدِهِ أَمْ لَا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِنَصِّ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَجِبُ صَوْمُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَيَجُوزُ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ مِنْهَا لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَصُومَ الثَّلَاثَةَ قَبْلَهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَصُومَهَا حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْعُمْرَةِ فَإِنْ صَامَهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ عِنْدَنَا وَإِنْ صَامَهَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ وَقَبْلَ فَرَاغِهَا لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنْ لَمْ يَصُمْهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَرَادَ صَوْمَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَفِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَشْهَرُهُمَا فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَصَحُّهُمَا من حيث

باب بيان أن القارن لا يتحلل الا في وقت تحلل الحاج

الدَّلِيلِ جَوَازُهُ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَوَافَقَنَا أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنَ الْعُمْرَةِ وَجَوَّزَهُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَلَوْ تَرَكَ صِيَامَهَا حَتَّى مَضَى الْعِيدُ وَالتَّشْرِيقُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَفُوتُ صَوْمُهَا وَيَلْزَمُهُ الْهَدْيُ إِذَا اسْتَطَاعَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا صَوْمُ السَّبْعَةِ فَيَجِبُ إِذَا رَجَعَ وَفِي الْمُرَادِ بِالرُّجُوعِ خِلَافٌ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ وَالثَّانِي إِذَا فَرَغَ مِنَ الْحَجِّ وَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ مِنْ منى وهذان الْقَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَبِالثَّانِي قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَوْ لَمْ يَصُمِ الثَّلَاثَةَ وَلَا السَّبْعَةَ حَتَّى عَادَ إِلَى وَطَنِهِ لَزِمَهُ صَوْمُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَفِي اشْتِرَاطِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ إِذَا أَرَادَ صَوْمَهَا خِلَافٌ قِيلَ لَا يَجِبُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ التَّفْرِيقُ الْوَاقِعُ فِي الْأَدَاءِ وَهُوَ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَمَسَافَةِ الطَّرِيقِ بَيْنَ مَكَّةَ وَوَطَنِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَطَافَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ وَاسْتَلَمَ الركن أول شيء ثم حسب ثَلَاثَةَ أَطَوَافٍ) مِنَ السَّبْعِ وَمَشَى أَرْبَعَةَ أَطَوَافٍ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ فِيهِ إِثْبَاتُ طَوَافِ الْقُدُومِ وَاسْتِحْبَابُ الرَّمَلِ فِيهِ وَأَنَّ الرَّمَلَ هُوَ الْخَبَبُ وَأَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ وَأَنَّهُمَا يُسْتَحَبَّانِ خَلْفَ الْمَقَامِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا كُلُّهُ وَسَنَذْكُرُهُ أَيْضًا حَيْثُ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا إِنْ شاء الله تعالى (باب بيان أن القارن لا يتحلل الا في وقت تحلل الحاج المفرد) [1229] فِيهِ قَوْلُ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ قَالَ إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ) وَهَذَا دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ

وَاضِحًا بِدَلَائِلِهِ فِي الْأَبْوَابِ السَّابِقَةِ مَرَّاتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا في حجة الوداع فقولها من عمرتك إلى الْعُمْرَةُ الْمَضْمُومَةُ إِلَى الْحَجِّ وَفِيهِ أَنَّ الْقَارِنَ لَا يَتَحَلَّلُ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَلَا بُدَّ لَهُ فِي تَحَلُّلِهِ مِنَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ كَمَا فِي الْحَاجِّ الْمُفْرِدِ وَقَدْ تَأَوَّلَهُ مَنْ يَقُولُ بِالْإِفْرَادِ تَأْوِيلَاتٍ ضَعِيفَةً مِنْهَا أَنَّهَا أَرَادَتْ بِالْعُمْرَةِ الْحَجَّ لِأَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي كَوْنِهِمَا قَصْدًا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَا الْإِحْرَامُ وَقِيلَ إِنَّهَا ظَنَّتْ أَنَّهُ مُعْتَمِرٌ وَقِيلَ مَعْنَى مِنْ عُمْرَتِكَ أَيْ بِعُمْرَتِكَ بِأَنْ تَفْسَخَ حَجَّكَ إِلَى عُمْرَةٍ كَمَا فَعَلَ غَيْرُكَ وَكُلُّ هَذَا ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ ماسبق وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي) فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّلْبِيدِ وَتَقْلِيدِ الْهَدْيِ وَهُمَا سُنَّتَانِ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا كله

باب جواز التحلل بالاحصار وجواز القران واقتصار

(باب جواز التحلل بالاحصار وجواز القران واقتصار) (القارن على طواف واحد وسعى واحد) [1230] قَوْلُهُ (عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ خَرَجَ فِي الْفِتْنَةِ مُعْتَمِرًا وَقَالَ إِنْ صُدِدْتُ عَنِ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَسَارَ حَتَّى إِذَا ظَهَرَ عَلَى الْبَيْدَاءِ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا جَاءَ الْبَيْتَ طَافَ سَبْعًا وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا لَمْ يَزِدْ وَرَأَى أَنَّهُ مُجْزِئٌ عَنْهُ وَأَهْدَى) فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْقِرَانِ وَجَوَازُ إِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ قَبْلَ الطَّوَافِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَسَبَقَ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ وَفِيهِ جَوَازُ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ وَأَمَّا قَوْلُهُ (أُشْهِدُكُمْ) فَإِنَّمَا قَالَهُ لِيَعْلَمَهُ مَنْ أَرَادَ الِاقْتِدَاءَ بِهِ فَلِهَذَا قَالَ أُشْهِدُكُمْ وَلَمْ يَكْتَفِ بِالنِّيَّةِ مَعَ أَنَّهَا كَافِيَةٌ فِي صِحَّةِ الْإِحْرَامِ وَقَوْلُهُ (مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ) يَعْنِي فِي جَوَازِ التَّحَلُّلِ مِنْهُمَا بِالْإِحْصَارِ وَفِيهِ صِحَّةُ الْقِيَاسِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَهُ فَلِهَذَا قَاسَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا تَحَلَّلَ مِنَ الْإِحْصَارِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ إِحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ وَحْدَهَا وَفِيهِ أَنَّ الْقَارِنَ يَقْتَصِرُ عَلَى طَوَافٍ وَاحِدٍ وَسَعْيٍ وَاحِدٍ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَخَالَفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ وأما قَوْلُهُ (صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ) فَالصَّوَابُ فِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَرَادَ إِنْ صُدِدْتُ وَحُصِرْتُ

تَحَلَّلْتُ كَمَا تَحَلَّلْنَا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ كَمَا أَهَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُمْرَةٍ فِي الْعَامِ الَّذِي أُحْصِرَ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَمْرَيْنِ قَالَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَلَيْسَ هُوَ بِظَاهِرٍ كَمَا ادَّعَاهُ بَلِ الصَّحِيحُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ كَلَامِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَتَّى أهَلَّ مِنْهُمَا بِحَجَّةٍ يَوْمَ النَّحْرِ) مَعْنَاهُ حَتَّى أَهَلَّ منهما يوم النحر بعمل حجة مفردة

باب في الافراد والقران

(باب في الافراد والقران) [1231] قوله (عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا) وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا هَذَا موافق للروايات السابقة عن جابر وعائشة وبن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ الرواية السابقة قريبا عن بن عُمَرَ الَّتِي أَخْبَرَ فِيهَا بِالْقِرَانِ مُتَأَوَّلَةٌ وَسَبَقَ بيان تأوليها [1232] قَوْلُهُ (عَنْ أَنَسٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا) يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ بِالْقِرَانِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ إِحْرَامِهِ مُفْرِدًا ثُمَّ أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ فَصَارَ قَارِنًا وَجَمَعْنَا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ أَحْسَنَ جَمْعٍ فحديث بن عُمَرَ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى أَوَّلِ إِحْرَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدِيثُ أَنَسٍ مَحْمُولٌ عَلَى أَوَاخِرِهِ وَأَثْنَائِهِ وَكَأَنَّهُ

باب استحباب طواف القدوم للحاج والسعى بعده

لَمْ يَسْمَعْهُ أَوَّلًا وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ أَوْ نَحْوِهِ لِتَكُونَ رِوَايَةُ أَنَسٍ مُوَافِقَةً لرواية الاكثرين كما سبق والله أعلم (باب استحباب طواف القدوم للحاج والسعى بعده) [1233] قَوْلُهُ (عَنْ وَبَرَةَ) هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ قَوْلُهُ (كنت جالسا عند بن عُمَرَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَيَصْلُحُ لِي أَنْ أَطُوفَ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الْمَوْقِفَ فَقَالَ نَعَمْ فقال فان بن عَبَّاسٍ يَقُولُ لَا تَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَأْتِيَ الموقف فقال بن عُمَرَ فَقَدْ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَوْقِفَ فَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أحق أن تأخذ أو بقول بن عَبَّاسٍ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا) هَذَا الَّذِي قَالَهُ بن عُمَرَ هُوَ إِثْبَاتُ طَوَافِ الْقُدُومِ لِلْحَاجِّ وَهُوَ مَشْرُوعٌ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَبِهَذَا الَّذِي قَالَهُ بن عمر قال العلماء كافة سوى بن عَبَّاسٍ وَكُلُّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ إِلَّا بَعْضَ أَصْحَابِنَا وَمَنْ وَافَقَهُ فَيَقُولُونَ وَاجِبٌ يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِالدَّمِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا دَمَ فِي تَرْكِهِ فَإِنْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ قَبْلَ طَوَافِ الْقُدُومِ فَاتَ فَإِنْ طَافَ بَعْدَ ذَلِكَ بِنِيَّةِ طَوَافِ الْقُدُومِ لَمْ يَقَعْ عَنْ طَوَافِ الْقُدُومِ بَلْ يَقَعْ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ فَإِنْ كان

باب بيان أن المحرم بعمرة لا يتحلل بالطواف قبل

طَافَ لِلْإِفَاضَةِ وَقَعَ الثَّانِي تَطَوُّعًا لَا عَنِ الْقُدُومِ وَلِطَوَافِ الْقُدُومِ أَسْمَاءٌ طَوَافُ الْقُدُومِ وَالْقَادِمِ وَالْوُرُودِ وَالْوَارِدِ وَالتَّحِيَّةِ وَلَيْسَ فِي الْعُمْرَةِ طَوَافُ قدوم بل الطواف الذي يفعله فيها يقع رُكْنًا لَهَا حَتَّى لَوْ نَوَى بِهِ طَوَافَ الْقُدُومِ وَقَعَ رُكْنًا وَلَغَتْ نِيَّتُهُ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةٌ وَاجِبَةٌ فَنَوَى حَجَّةَ تَطَوُّعٍ فَإِنَّهَا تَقَعُ وَاجِبَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَمَعْنَاهُ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فِي إِسْلَامِكَ وَاتِّبَاعِكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَعْدِلْ عَنْ فِعْلِهِ وَطَرِيقَتِهِ إلى قول بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (رَأَيْنَاهُ قَدْ فَتَنَتْهُ الدُّنْيَا) هَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ فَتَنَتْهُ الدُّنْيَا وَفِي كَثِيرٍ مِنْهَا أَوْ أَكْثَرِهَا أَفْتَنَتْهُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وَهُمَا لُغَتَانِ صَحِيحَتَانِ فَتَنَ وَأَفْتَنَ وَالْأُولَى أَصَحُّ وَأَشْهَرُ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ أَفْتَنَ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ فَتَنَتْهُ الدُّنْيَا لِأَنَّهُ تَوَلَّى الْبَصْرَةَ والولايات محل الخطر والفتنة وأما بن عمر فلم يتول شيئا وأما قول بن عُمَرَ وَأَيُّنَا لَمْ تَفْتِنْهُ الدُّنْيَا فَهَذَا مِنْ زُهْدِهِ وَتَوَاضُعِهِ وَإِنْصَافِهِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَأَيُّنَا أَوْ أَيُّكُمْ وَفِي بَعْضِهَا وَأَيُّنَا أَوْ قَالَ وأيكم وكله صحيح (باب بيان أن المحرم بعمرة لا يتحلل بالطواف قبل السعى) (وان المحرم بحج لا يتحلل بطواف القدوم وكذلك القارن) [1234] قوله (سألنا بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَجُلٍ قَدِمَ بِعُمْرَةٍ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا

وَالْمَرْوَةِ أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ فَقَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) مَعْنَاهُ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ عُمْرَتِهِ حَتَّى طَافَ وَسَعَى فَتَجِبُ مُتَابَعَتُهُ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي قَالَهُ بن عُمَرَ هُوَ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَمِرَ لَا يَتَحَلَّلُ إِلَّا بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْحَلْقِ الا ما حكاه القاضي عياض عن بن عَبَّاسٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بَعْدَ الطَّوَافِ وَإِنْ لَمْ يَسْعَ وَهَذَا ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ للسنة [1235] قَوْلُهُ (فَتَصَدَّانِيَ الرَّجُلُ) أَيْ تَعَرَّضَ لِي

هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ تَصَدَّانِي بِالنُّونِ وَالْأَشْهَرُ فِي اللُّغَةِ تَصَدَّى لِي قَوْلُهُ (أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ) فِيهِ دَلِيلٌ لِإِثْبَاتِ الْوُضُوءِ لِلطَّوَافِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُشْرَعُ الْوُضُوءُ لِلطَّوَافِ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ وَاجِبٌ وَشَرْطٌ لِصِحَّتِهِ أَمْ لَا فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ هُوَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مُسْتَحَبٌّ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَعَ حَدِيثِ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ يَقْتَضِيَانِ أَنَّ الطَّوَافَ وَاجِبٌ لِأَنَّ كُلَّ مَا فَعَلَهُ هُوَ دَاخِلٌ فِي الْمَنَاسِكِ فَقَدْ أمرنا بأخذ المناسك وفي حديث بن عَبَّاسٍ فِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَامَ وَلَكِنَّ رَفْعَهُ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحُفَّاظِ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ على بن عَبَّاسٍ وَتَحْصُلُ بِهِ الدَّلَالَةُ مَعَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ لِأَنَّهُ قَوْلٌ لِصَحَابِيٍّ انْتَشَرَ وَإِذَا انْتَشَرَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ بِلَا مُخَالَفَةٍ كَانَ حُجَّةً عَلَى الصَّحِيحِ قَوْلُهُ (ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ) وَكَذَا قَالَ فِيمَا بَعْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ

غَيْرُهُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْيَاءِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ قَالَ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَصَوَابُهُ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمِيمِ وَكَانَ السَّائِلُ لِعُرْوَةَ إِنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ نَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ رَأَى ذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ بِذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَعْلَمَهُ عُرْوَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَا مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي قُلْتُ هَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَ غَيْرُهُ تَصْحِيفٌ لَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ فِي الرِّوَايَةِ وَصَحِيحٌ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُهُ يَتَنَاوَلُ الْعُمْرَةَ وَغَيْرَهَا وَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ أَيْ لَمْ يُغَيِّرِ الْحَجَّ وَلَمْ يَنْقُلْهُ وَيَنْسَخْهُ إِلَى غَيْرِهِ لَا عَمْرَةَ وَلَا قِرَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ) أَيْ مَعَ وَالِدِهِ الزبير فقوله الزُّبَيْرِ بَدَلٌ مِنْ أَبِي قَوْلُهُ (وَلَا أَحَدَ مِمَّنْ مَضَى مَا كَانُوا يَبْدَءُونَ شَيْئًا حِينَ يَضَعُونَ أَقْدَامَهُمْ أَوَّلَ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَا يَحِلُّونَ) فِيهِ أَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْحَجِّ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِطَوَافِ الْقُدُومِ وَلَا يَفْعَلَ شَيْئًا قَبْلَهُ وَلَا يُصَلِّيَ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بَلْ أَوَّلُ شَيْءٍ يَصْنَعُهُ الطَّوَافُ وهذا بِطَوَافِ الْقُدُومِ وَلَا يَفْعَلَ شَيْئًا قَبْلَهُ وَلَا يصلي تحية المسجد بل أول شئ يَصْنَعُهُ الطَّوَافُ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَقَوْلُهُ يَضَعُونَ أَقْدَامَهُمْ يَعْنِي يَصِلُونَ مَكَّةَ وَقَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَحِلُّونَ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ بِمُجَرَّدِ طَوَافِ الْقُدُومِ كَمَا سَبَقَ قَوْلُهُ (وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا أَقْبَلَتْ هِيَ وَأُخْتُهَا وَالزُّبَيْرُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ بِعُمْرَةٍ قَطُّ فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا) فَقَوْلُهَا مَسَحُوا الْمُرَادُ بِالْمَاسِحِينَ مَنْ سِوَى عَائِشَةَ وَإِلَّا فَعَائِشَةُ لَمْ تَمْسَحِ الرُّكْنَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَلْ كَانَتْ قَارِنَةً وَمَنَعَهَا الْحَيْضُ مِنَ الطَّوَافِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَهَكَذَا قَوْلُ أَسْمَاءَ بَعْدَ هَذَا اعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ وَالزُّبَيْرُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ فَلَمَّا مَسَحْنَا الْبَيْتَ أَحْلَلْنَا ثُمَّ أَهْلَلْنَا بالحج

الْمُرَادُ بِهِ أَيْضًا مَنْ سِوَى عَائِشَةَ وَهَكَذَا تَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالْمُرَادُ الْإِخْبَارُ عَنْ حَجَّتِهِمْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ وَكَانَ الْمَذْكُورُونَ سِوَى عَائِشَةَ مُحْرِمِينَ بِالْعُمْرَةِ وَهِيَ عُمْرَةُ الْفَسْخِ الَّتِي فَسَخُوا الْحَجَّ إِلَيْهَا وَإِنَّمَا لَمْ تُسْتَثْنَ عَائِشَةُ لِشُهْرَةِ قِصَّتِهَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ أَسْمَاءَ أَشَارَتْ إِلَى عُمْرَةِ عَائِشَةَ الَّتِي فَعَلَتْهَا بَعْدَ الْحَجِّ مَعَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنَ التَّنْعِيمِ قَالَ الْقَاضِي وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ فِي غَيْرِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَخَطَأٌ لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَذَكَرَ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ رِوَايَةَ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَفِيهَا أَنَّ أَسْمَاءَ قَالَتْ خَرَجْنَا مُحْرِمِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَقُمْ عَلَى إِحْرَامِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ فَلَمْ يَكُنْ مَعِي هَدْيٌ فَحَلَلْتُ وَكَانَ مَعَ الزُّبَيْرِ هَدْيٌ فَلَمْ يَحِلَّ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الزُّبَيْرَ لَمْ يَتَحَلَّلْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ فَيَجِبُ اسْتِثْنَاؤُهُ مَعَ عَائِشَةَ أَوْ يَكُونُ إِحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ وَتَحَلُّلُهُ مِنْهَا فِي غَيْرِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهَا فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا هَذَا مُتَأَوَّلٌ عَنْ ظَاهِرِهِ لِأَنَّ الرُّكْنَ هُوَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَمَسْحُهُ يَكُونُ فِي أَوَّلِ الطَّوَافِ وَلَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِمُجَرَّدِ مَسْحِهِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَتَقْدِيرُهُ فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ وَأَتَمُّوا طَوَافَهُمْ وَسَعْيَهُمْ وَحَلَقُوا أَوْ قَصَّرُوا أَحَلُّوا وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ هَذَا الْمَحْذُوفِ وَإِنَّمَا حَذَفْتُهُ لِلْعِلْمِ بِهِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ قَبْلَ إِتْمَامِ الطَّوَافِ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَيْضًا مِنَ السَّعْيِ بَعْدَهُ ثُمَّ الْحَلْقِ أَوَ التَّقْصِيرِ وَشَذَّ بَعْضُ السَّلَفِ فَقَالَ السَّعْيُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا حُجَّةَ

لِهَذَا الْقَائِلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْإِجْمَاعِ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ كَمَا ذَكَرْنَا لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِبَاقِي الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (عَنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ قُومِي عَنِّي فَقَالَتْ أَتَخْشَى أَنْ أَثِبَ عَلَيْكَ) إِنَّمَا أَمَرَهَا بِالْقِيَامِ مَخَافَةً من عارض قد يندر مِنْهُ كَلَمْسٍ بِشَهْوَةٍ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّ اللَّمْسَ بِشَهْوَةٍ حَرَامٌ فِي الْإِحْرَامِ فَاحْتَاطَ لِنَفْسِهِ بِمُبَاعَدَتِهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا زَوْجَةٌ مُتَحَلِّلَةٌ تَطْمَعُ بِهَا النَّفْسُ قَوْلُهُ (اسْتَرْخِي عَنِّي اسْتَرْخِي عَنِّي) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ مَرَّتَيْنِ أَيْ تَبَاعَدِي [1237] قَوْلُهُ (مَرَّتْ بِالْحَجُونِ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّ الْجِيمِ وَهُوَ مِنْ حَرَمِ مَكَّةَ وَهُوَ الْجَبَلُ الْمُشْرِفُ عَلَى مَسْجِدِ الْحَرْسِ بِأَعْلَى مَكَّةَ عَلَى يَمِينِكَ وَأَنْتَ مُصْعِدٌ عِنْدَ الْمُحَصَّبِ قَوْلُهَا (خِفَافُ الْحَقَائِبِ) جَمْعُ حَقِيبَةٍ وَهُوَ

كُلُّ مَا حُمِلَ فِي مُؤَخَّرِ الرَّحْلِ وَالْقَتَبِ ومنه احتقب فلان كذا [1239] قَوْلُهُ عَنْ مُسْلِمٍ الْقُرِّيِّ هُوَ بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مُشَدَّدَةٍ قَالَ السَّمْعَانِيُّ هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي قُرَّةَ حَيٍّ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ قال وقال بن مَاكُولَا هَذَا ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ بَلْ لِأَنَّهُ كان ينزل فنظره قرة

باب جواز العمرة في اشهر الحج

(باب جواز العمرة في اشهر الحج) [1240] قَوْلُهُ كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ الضَّمِيرُ فِي كَانُوا يَعُودُ إِلَى الْجَاهِلِيَّةِ قَوْلُهُ وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرً هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ صَفَرِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ بَعْدَ الرَّاءِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ مَصْرُوفٌ بِلَا خِلَافٍ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ بِالْأَلِفِ وَسَوَاءٌ كُتِبَ بِالْأَلِفِ أَمْ بِحَذْفِهَا لَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَتِهِ هُنَا مَنْصُوبًا لِأَنَّهُ مَصْرُوفٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ الْإِخْبَارُ عَنِ النَّسِيءِ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَكَانُوا يُسَمُّونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا وَيُحِلُّونَهُ وَيُنْسِئُونَ الْمُحَرَّمَ أَيْ يُؤَخِّرُونَ تَحْرِيمَهُ إِلَى مَا بَعْدِ صَفَرٍ لِئَلَّا يَتَوَالَى عَلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ مُحَرَّمَةٍ تُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ أُمُورَهُمْ مِنَ الْغَارَةِ وَغَيْرِهَا فَأَضَلَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ فَقَالَ تَعَالَى إِنَّمَا النسيء زيادة في الكفر الْآيَةَ قَوْلُهُ (وَيَقُولُونَ إِذَا بَرَأَ الدَّبَرُ) يَعْنُونَ دَبَرَ ظُهُورِ الْإِبِلِ بَعْدَ انْصِرَافِهَا مِنَ الْحَجِّ فَإِنَّهَا كَانَتْ تُدْبَرُ بِالسَّيْرِ عَلَيْهَا لِلْحَجِّ قَوْلُهُ (وَعَفَا الْأَثَرُ) أَيْ دَرَسَ وَأُمْحِيَ وَالْمُرَادُ أَثَرُ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا فِي سَيْرِهَا عَفَا أَثَرُهَا لِطُولِ مُرُورِ الْأَيَّامِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ أَثَرُ الدَّبَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تقرأ

كُلُّهَا سَاكِنَةَ الْآخِرِ وَيُوقَفُ عَلَيْهَا لِأَنَّ مُرَادَهُمُ السَّجْعُ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَّاءِ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ لِأَنَّهُ كَانَ يَبْرِي النَّبْلَ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْمُبَارَكِيُّ) هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَيُقَالُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْمُبَارَكِيُّ بِفَتْحِ الرَّاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْمُبَارَكِ وَهِيَ بُلَيْدَةٌ بِقُرْبِ وَاسِطَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَغْدَادَ وَهِيَ عَلَى طَرَفِ دِجْلَةَ قَوْلُهُ (صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ بِذِي طَوًى

باب اشعار الهدى وتقليده عند الاحرام

هُوَ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ حكاهن القاضي وغيره الأصح الأشهر الفتح ولم يَذْكُرِ الْأَصْمَعِيُّ وَآخَرُونَ غَيْرَهُ وَهُوَ مَقْصُورٌ مُنَوَّنٌ وَهُوَ وَادٍ مَعْرُوفٌ بِقُرْبِ مَكَّةَ قَالَ الْقَاضِي وَوَقَعَ لِبَعْضِ الرُّوَاةِ فِي الْبُخَارِيِّ بِالْمَدِّ وَكَذَا ذَكَرَهُ ثَابِتٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ يُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ دُخُولُ مَكَّةَ نَهَارًا لَا لَيْلًا وَهُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا وَبِهِ قَالَ بن عمر وعطاء والنخعي وإسحاق بن راهويه وبن الْمُنْذِرِ وَالثَّانِي دُخُولُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا سَوَاءً لَا فَضِيلَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أبى الطيب والماوردي وبن الصباغ والعبدرى من أصحابنا وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ وَالثَّوْرِيُّ وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يُسْتَحَبُّ دُخُولُهَا لَيْلًا وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ النَّهَارِ وَاللَّهُ أعلم (باب اشعار الهدى وتقليده عند الاحرام) [1243] قَوْلُهُ (صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ دَعَا بِنَاقَتِهِ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا

الْأَيْمَنِ وَسَلَتَ الدَّمَ وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ) أَمَّا الْإِشْعَارُ فَهُوَ أَنْ يَجْرَحَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْيُمْنَى بِحَرْبَةٍ أَوْ سِكِّينٍ أَوْ حَدِيدَةٍ أَوْ نَحْوِهَا ثُمَّ يَسْلُتُ الدَّمَ عَنْهَا وَأَصْلُ الْإِشْعَارِ وَالشُّعُورِ الْإِعْلَامُ وَالْعَلَامَةُ وَإِشْعَارُ الْهَدْيِ لِكَوْنِهِ عَلَامَةً لَهُ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ هَدْيٌ فَإِنْ ضَلَّ رَدَّهُ وَاجِدُهُ وَإِنِ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ تَمَيَّزَ وَلِأَنَّ فِيهِ إِظْهَارُ شِعَارٍ وَفِيهِ تَنْبِيهُ غَيْرِ صَاحِبِهِ عَلَى فِعْلِ مِثْلِ فِعْلِهِ وَأَمَّا صَفْحَةُ السَّنَامِ فَهِيَ جَانِبُهُ وَالصَّفْحَةُ مُؤَنَّثَةٌ فَقَوْلُهُ الْأَيْمَنِ بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ يُتَأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ وَصْفٌ لِمَعْنَى الصَّفْحَةِ لَا لِلَفْظِهَا وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالصَّفْحَةِ الْجَانِبِ فَكَأَنَّهُ قَالَ جَانِبُ سَنَامِهَا الْأَيْمَنُ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الْإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ فِي الْهَدَايَا مِنَ الْإِبِلِ وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْإِشْعَارُ بِدْعَةٌ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَهَذَا يُخَالِفُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الْمَشْهُورَةَ فِي الْإِشْعَارِ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّهُ مُثْلَةٌ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هَذَا كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَالْخِتَانِ وَالْكَيِّ وَالْوَسْمِ وَأَمَّا مَحَلُّ الْإِشْعَارِ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِشْعَارُ فِي صَفْحَةِ السَّنَامِ الْيُمْنَى وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْيُسْرَى وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ وَأَمَّا تَقْلِيدُ الْغَنَمِ فَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ بِتَقْلِيدِهَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ الثَّابِتُ فِي ذَلِكَ قُلْتُ قَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ بِالتَّقْلِيدِ فَهِيَ حُجَّةٌ صَرِيحَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ خَالَفَهَا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْغَنَمَ لَا تُشْعَرُ لِضَعْفِهَا عَنِ الْجَرْحِ وَلِأَنَّهُ يَسْتَتِرُ بِالصُّوفِ وَأَمَّا الْبَقَرَةُ فَيُسْتَحَبُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ الْجَمْعُ فِيهَا بَيْنَ الْإِشْعَارُ وَالتَّقْلِيدِ كَالْإِبِلِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ تَقْلِيدِ الْإِبِلِ بِنَعْلَيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً فَإِنْ قَلَّدَهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جُلُودٍ أَوْ خُيُوطٍ مَفْتُولَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا بَأْسَ وَأَمَّا قَوْلُهُ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَهِيَ رَاحِلَةٌ غَيْرُ الَّتِي أَشْعَرَهَا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الرُّكُوبِ فِي الْحَجِّ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَشْيِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أهل

(باب قوله لابن عباس ما هذا الفتيا التى قد تشغفت (أو

بِالْحَجِّ فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْإِحْرَامِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الرَّاحِلَةِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا وَأَمَّا إِحْرَامُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ فَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ في ذلك واضحا والله أعلم (بَابُ قَوْلِهِ لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا هَذَا الْفُتْيَا التى قد تشغفت (أو قد تَشَغَّبَتْ بِالنَّاسِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ قَدْ تَفَشَّعَ بِالنَّاسِ) أَمَّا اللَّفْظَةُ الْأُولَى فَبِشِينٍ ثُمَّ غَيْنٍ مُعْجَمَتَيْنِ ثُمَّ فَاءٍ وَالثَّانِيَةُ كَذَلِكَ لَكِنْ بَدَلَ الْفَاءِ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَالثَّالِثَةُ بِتَقْدِيمِ الْفَاءِ وَبَعْدَهَا شِينٌ ثُمَّ عَيْنٌ وَمَعْنَى هَذِهِ الثَّالِثَةِ انْتَشَرَتْ وَفَشَتْ بَيْنَ النَّاسِ وَأَمَّا الْأُولَى فَمَعْنَاهَا عَلِقَتْ بِالْقُلُوبِ وَشَغَفُوا بِهَا وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَرُوِيَتْ أَيْضًا بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهَا الْمُعْجَمَةَ وَالْمُهْمَلَةَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَمَعْنَى الْمُهْمَلَةِ أَنَّهَا فَرَّقَتْ مَذَاهِبَ النَّاسِ وَأَوْقَعَتِ الْخِلَافَ بَيْنَهُمْ وَمَعْنَى الْمُعْجَمَةِ خَلَطَتْ عَلَيْهِمْ أَمْرَهُمْ قَوْلُهُ (مَا هَذَا الْفُتْيَا) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ هَذَا الْفُتْيَا وَفِي بَعْضِهَا هَذِهِ وَهُوَ الْأَجْوَدُ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْفُتْيَا الْإِفْتَاءَ فَوَصَفَهُ مُذَكَّرًا وَيُقَالُ فُتْيَا وَفَتْوَى قوله (عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ فَقَالَ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وان رغمتم) وفي الرواية الأخرى حدثنا بن جريج قال أخبرنى عطاء قال كان بن عَبَّاسٍ يَقُولُ لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَاجٌّ وَلَا)

غَيْرُ حَاجٍّ إِلَّا حَلَّ قُلْتُ لِعَطَاءٍ مِنْ أَيْنَ يَقُولُ ذَلِكَ قَالَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ قُلْتُ فَإِنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ فَقَالَ كَانَ بن عَبَّاسٍ يَقُولُ هُوَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ وَقَبْلَهُ كَانَ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا فِي حجة الوداع هذا الذي ذكره بن عَبَّاسٍ هُوَ مَذْهَبُهُ وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فَإِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ كافة سوى بن عَبَّاسٍ أَنَّ الْحَاجَّ لَا يَتَحَلَّلُ بِمُجَرَّدِ طَوَافِ الْقُدُومِ بَلْ لَا يَتَحَلَّلُ حَتَّى يَقِفَ بِعَرَفَاتٍ وَيَرْمِيَ وَيَحْلِقَ وَيَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ التَّحَلُّلَانِ وَيَحْصُلُ الْأَوَّلُ بِاثْنَيْنِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ وأما احتجاج بن عَبَّاسٍ بِالْآيَةِ فَلَا دَلَالَةَ لَهُ فِيهَا لِأَنَّ قوله تعالى محلها إلى البيت العتيق معناه لاتنحر إِلَّا فِي الْحَرَمِ وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلتَّحَلُّلِ مِنَ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ التَّحَلُّلُ مِنَ الْإِحْرَامِ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَلَّلَ بِمُجَرَّدِ وُصُولِ الْهَدْيِ إِلَى الْحَرَمِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ وَأَمَّا احْتِجَاجُهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِأَنْ يَحِلُّوا فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَلَا يَكُونُ دَلِيلًا فِي تَحَلُّلِ مَنْ هُوَ مُلْتَبِسٌ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْمَازِرِيُّ وَتَأَوَّلَ بعض شيوخنا قول بن عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ قَالَ وَهَذَا تأويل بعيد لأنه قال بعده وكان بن عَبَّاسٍ يَقُولُ لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَاجٌّ وَلَا غيره الا حل والله أعلم

باب جواز تقصير المعتمر من شعره وأنه لا يجب حلقه

(باب جواز تقصير المعتمر من شعره وأنه لا يجب حلقه) (وأنه يستحب كون حلقه أو تقصيره عند المروة) [1246] قوله (قال بن عَبَّاسٍ قَالَ لِي مُعَاوِيَةُ أَعَلِمْتَ أَنِّي قَصَّرْتُ عَنْ رَأْسِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْمَرْوَةِ بِمِشْقَصٍ فَقُلْتُ لَا أَعْلَمُ هَذِهِ إِلَّا حُجَّةً عَلَيْكَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِشْقَصٍ وَهُوَ عَلَى الْمَرْوَةِ أَوْ رَأَيْتُهُ يُقَصَّرُ عَنْهُ بِمِشْقَصٍ وَهُوَ عَلَى الْمَرْوَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الِاقْتِصَارِ عَلَى التَّقْصِيرِ وَإِنْ كَانَ الْحَلْقَ أَفْضَلُ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ إِلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يُقَصِّرَ فِي الْعُمْرَةِ وَيَحْلِقَ فِي الْحَجِّ لِيَقَعَ الْحَلْقُ فِي أَكْمَلِ الْعِبَادَتَيْنِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْأَحَادِيثُ فِي هَذَا وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ تَقْصِيرُ الْمُعْتَمِرِ أَوْ حَلْقُهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ تَحَلُّلِهِ كَمَا يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ أَنْ يَكُونَ حَلْقُهُ أَوْ تَقْصِيرُهُ فِي مِنًى لِأَنَّهَا مَوْضِعُ تَحَلُّلِهِ وَحَيْثُ حَلَقَا أَوْ قَصَّرَا مِنَ الْحَرَمِ كُلِّهِ جَازَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ قَصَّرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَ قَارِنًا كَمَا سَبَقَ إِيضَاحُهُ وَثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَ بِمِنًى وَفَرَّقَ أَبُو طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَعْرَهُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا يَجُوزُ حَمْلُ تَقْصِيرِ مُعَاوِيَةَ عَلَى حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ أَيْضًا عَلَى عُمْرَةِ الْقَضَاءِ الْوَاقِعَةِ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ مُسْلِمًا إِنَّمَا أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ سَنَةَ ثَمَانٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَزَعَمَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ

باب جواز التمتع في الحج والقران

مُتَمَتِّعًا لِأَنَّ هَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ فَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ فَقَالَ إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ الْهَدْيَ وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى أَحِلَّ مِنَ الْحَجِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (بِمِشْقَصٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْقَافِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ هُوَ نَصْلُ السَّهْمِ إِذَا كَانَ طَوِيلًا لَيْسَ بِعَرِيضٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الدِّينَوَرِيُّ هُوَ كُلُّ نَصْلٍ فِيهِ عترة وَهُوَ النَّاتِئُ وَسَطَ الْحَرْبَةِ وَقَالَ الْخَلِيلُ هُوَ سَهْمٌ فِيهِ نَصْلٌ عَرِيضٌ يُرْمَى بِهِ الْوَحْشُ والله أعلم (باب جواز التمتع في الحج والقران) [1247] قَوْلُهُ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصْرُخُ بِالْحَجِّ صُرَاخًا فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً إِلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَرُحْنَا إِلَى مِنًى أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ رَفْعًا مُقْتَصَدًا بِحَيْثُ لَا يُؤْذِي نَفْسَهُ وَالْمَرْأَةُ لَا تَرْفَعُ بَلْ تُسْمِعُ نَفْسَهَا لِأَنَّ صَوْتَهَا مَحَلُّ فِتْنَةٍ وَرَفْعُ الرَّجُلِ مَنْدُوبٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ هُوَ وَاجِبٌ وَيَرْفَعُ الرَّجُلُ صَوْتَهُ بِهَا فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ وَفِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَمِنًى وَعَرَفَاتٍ وَأَمَّا سَائِرُ الْمَسَاجِدِ فَفِي رَفْعِهِ فِيهَا خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ أَصَحُّهُمَا اسْتِحْبَابُ الرَّفْعِ كَالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَالثَّانِي لَا يَرْفَعُ لِئَلَّا يُهَوِّشَ عَلَى النَّاسِ بِخِلَافِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْمَنَاسِكِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَكُونَ إِحْرَامُهُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الحجة

عِنْدَ إِرَادَتِهِ التَّوَجُّهَ إِلَى مِنًى وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ مَرَّاتٍ قَوْلُهُ (وَرُحْنَا إِلَى مِنًى) مَعْنَاهُ أَرَدْنَا الرَّوَاحَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الرَّوَاحُ إِلَى مِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي سَلِيمِ بْنِ حَيَّانَ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ اللَّامِ [1252] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

(باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن)

وسلم (والذي نفسى بيده ليهلن بن مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَثْنِيَنَّهُمَا هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ فِي أَوَّلِهِ مَعْنَاهُ يَقْرُنُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا يَكُونُ بَعْدَ نُزُولِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ السَّمَاءِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَأَمَّا فَجِّ الرَّوْحَاءِ فَبِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ هُوَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَالَ وَكَانَ طَرِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْرٍ وَإِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ (باب بَيَانِ عَدَدِ عُمَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَمَانِهِنَّ) [1253] قَوْلُهُ (اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عُمَرٍ كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلَّا الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ عُمْرَةً مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ

أَوْ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مِنَ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى حَجَّ حَجَّةً وَاحِدَةً وَاعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ هذه رواية أنس وفي رواية بن عُمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ وَقَالَتْ لَمْ يَعْتَمِرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ فِي رَجَبٍ فَالْحَاصِلُ من رواية أنس وبن عُمَرَ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى أَرْبَعِ عُمَرٍ وَكَانَتْ إِحْدَاهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ وَصُدُّوا فِيهَا فَتَحَلَّلُوا وَحُسِبَتْ لَهُمْ عُمْرَةٌ وَالثَّانِيَةُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَهِيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَهِيَ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ وَالثَّالِثَةُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَهِيَ عَامَ الْفَتْحِ وَالرَّابِعَةُ مَعَ حَجَّتِهِ وَكَانَ إِحْرَامُهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ واعمالها في ذى الحجة وأما قول بن عُمَرَ إِنَّ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ فَقَدْ أَنْكَرَتْهُ عائشة وسكت بن عُمَرَ حِينَ أَنْكَرَتْهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَوْ نَسِيَ أَوْ شَكَّ وَلِهَذَا سَكَتَ عَنِ الْإِنْكَارِ عَلَى عَائِشَةَ وَمُرَاجَعَتِهَا بِالْكَلَامِ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَأَمَّا الْقَاضِي عِيَاضٌ فَقَالَ ذَكَرَ أَنَسٌ أَنَّ الْعُمْرَةَ الرَّابِعَةَ كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا قَالَ وَقَدْ رَدَّهُ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَ وَقَدْ قُلْنَا إِنَّ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُفْرِدًا وَهَذَا يَرُدُّ قول أنس وردت عائشة قول بن عمر قال فحصل إِنَّ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُفْرِدًا وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ أَنَسٍ وردت عائشة قول بن عمر قال فَحَصَلَ أَنَّ الصَّحِيحَ ثَلَاثَ عُمَرٍ قَالَ وَلَا يُعْلَمُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتِمَارٌ إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ وَاعْتَمَدَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَلَى أَنَّهُنَّ ثَلَاثُ عُمَرٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أربع عمر كما صرح به بن عُمَرَ وَأَنَسٌ وَجَزَمَا الرِّوَايَةَ بِهِ فَلَا يَجُوزُ رَدُّ رِوَايَتِهِمَا بِغَيْرِ جَازِمٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُفْرَدًا لَا قَارِنًا فَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلِ الصَّوَابُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُفْرِدًا فِي أَوَّلِ إِحْرَامِهِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَصَارَ قَارِنًا وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْعُمْرَةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ لِفَضِيلَةِ هَذَا الشهر

وَلِمُخَالَفَةِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَهُ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ كَمَا سَبَقَ فَفَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّاتٍ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي بَيَانِ جَوَازِهِ فِيهَا وَأَبْلَغَ فِي إِبْطَالِ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ حَجَّةً وَاحِدَةً) فَمَعْنَاهُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ لَمْ يَحُجَّ إِلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَقَوْلُهُ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَبِمَكَّةَ أُخْرَى يَعْنِي قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَقَدْ رُوِيَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ قَبْلَ الْهِجْرَةِ حَجَّتَانِ [1254] قَوْلُهُ (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً) مَعْنَاهُ أَنَّهُ غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ وَأَنَا مَعَهُ أَوْ أَعْلَمُ لَهُ تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً وَكَانَتْ غَزَوَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَقِيلَ سَبْعًا وَعِشْرِينَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْمَغَازِي وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَعَمْرِي مَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَوْلِ الْإِنْسَانِ لَعَمْرِي وَكَرِهَهُ مَالِكٌ لِأَنَّهُ مِنْ تَعْظِيمِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُضَاهَاتِهِ بِالْحَلِفِ

بغيره قوله (انهم سألوا بن عُمَرَ عَنْ صَلَاةِ الَّذِينَ كَانُوا يُصَلُّونَ الضُّحَى فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ بِدْعَةٌ) هَذَا قَدْ حَمَلَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ إِظْهَارَهَا فِي الْمَسْجِدِ وَالِاجْتِمَاعَ لَهَا هُوَ الْبِدْعَةُ لَا أَنَّ أَصْلَ صَلَاةِ الضُّحَى بِدْعَةٌ وَقَدْ سَبَقَتِ المسألة في كتاب الصلاة والله أعلم

(باب فضل العمرة في رمضان

(باب فَضْلِ الْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ [1256] ) قَوْلُهَا (لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلَّا نَاضِحَانِ) أَيْ بَعِيرَانِ نَسْتَقِي بِهِمَا قَوْلُهَا (نَنْضِحُ عَلَيْهِ) بِكَسْرِ الضَّادِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ) أَيْ فِي رَمَضَانَ (تَعْدِلُ حَجَّةً) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى تَقْضِي حَجَّةً أَيْ تَقُومُ مَقَامَهَا فِي الثَّوَابِ لَا أَنَّهَا تَعْدِلُهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةٌ فَاعْتَمَرَ فِي رَمَضَانَ لَا تُجْزِئُهُ عَنِ الْحَجَّةِ قَوْلُهُ (نَاضِحَانِ كَانَا لِأَبِي فُلَانٍ زَوْجِهَا حَجَّ هُوَ وَابْنُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَكَانَ الْآخَرُ يَسْقِي غُلَامُنَا) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْغَافِرِ الْفَارِسِيِّ

(باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا)

وغيره قال وفي رواية بن مَاهَانَ يَسْقِي عَلَيْهِ غُلَامُنَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَأَرَى هَذَا كُلَّهُ تَغْيِيرًا وَصَوَابُهُ نَسْقِي عَلَيْهِ نَخْلًا لَنَا فَتَصَحَّفَ مِنْهُ غُلَامُنَا وَكَذَا جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ عَلَى الصَّوَابِ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى نَنْضِحُ عَلَيْهِ وَهُوَ بِمَعْنَى نَسْقِي عَلَيْهِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الرِّوَايَةَ صَحِيحَةٌ وَتَكُونُ الزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْقَاضِي مَحْذُوفَةً مُقَدَّرَةً وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب اسْتِحْبَابِ دُخُولِ مَكَّةَ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا) (وَالْخُرُوجِ مِنْهَا مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى ودخول بلدة من طريق غير التي خرج منها) قوله [1257] (عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ الشَّجَرَةِ وَيَدْخُلُ مِنْ طَرِيقِ الْمُعَرَّسِ وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ دَخَلَ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَيَخْرُجُ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى) قِيلَ إِنَّمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْمُخَالَفَةَ فِي طَرِيقِهِ دَاخِلًا وَخَارِجًا تَفَاؤُلًا بِتَغَيُّرِ الْحَالِ إِلَى أَكْمَلَ مِنْهُ كَمَا فَعَلَ فِي الْعِيدِ وَلِيَشْهَدَ لَهُ الطَّرِيقَانِ وَلِيَتَبَرَّكَ بِهِ أَهْلُهُمَا وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ دُخُولُ مَكَّةَ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَالْخُرُوجُ مِنْهَا مِنَ السُّفْلَى لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الثَّنِيَّةُ عَلَى طَرِيقِهِ كَالْمَدَنِيِّ وَالشَّامِيِّ أَوْ لَا تَكُونُ كَالْيَمَنِيِّ فَيُسْتَحَبُّ لِلْيَمَنِيِّ وَغَيْرِهِ أَنْ يَسْتَدِيرَ وَيَدْخُلَ مَكَّةَ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِنَّمَا فَعَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهَا كَانَتْ عَلَى طَرِيقِهِ وَلَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَيْسَتْ عَلَى طَرِيقِهِ كَالْيَمَنِيِّ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهَكَذَا

يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَلَدِهِ مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعَ مِنْ أُخْرَى لِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ الْمُعَرَّسِ هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَهُوَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْهَا قَوْلُهُ (الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ) هِيَ بِالْمَدِّ وَيُقَالُ لَهَا الْبَطْحَاءُ وَالْأَبْطَحُ وَهِيَ بِجَنْبِ الْمُحَصَّبِ وَهَذِهِ الثَّنِيَّةُ يَنْحَدِرُ مِنْهَا إِلَى مَقَابِرِ مَكَّةَ [1258] قَوْلُهُ (فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَبِالْمَدِّ وَهَكَذَا هو في نسخ بلادنا وهذا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ قَالَ وَضَبَطَهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْقَصْرِ قَوْلُهُ (قَالَ هشام يعنى بن عُرْوَةَ فَكَانَ أَبِي يَدْخُلُ مِنْهُمَا كِلَيْهِمَا وَكَانَ أَبِي أَكْثَرَ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَاءٍ) اخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِ كَدَاءٍ هَذِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِهَذَا الْفَنِّ كَدَاءٌ بِفَتْحِ الْكَافِ وَبِالْمَدِّ هِيَ الثنية التي بأعلى مكة وكدا بِضَمِّ الْكَافِ وَبِالْقَصْرِ هِيَ الَّتِي بِأَسْفَلِ مَكَّةَ وَكَانَ عُرْوَةُ يَدْخُلُ مِنْ كِلَيْهِمَا وَأَكْثَرُ دُخُولِهِ مِنْ كَدَاءٍ بِفَتْحِ الْكَافِ فَهَذَا أَشْهَرُ وَقِيلَ بِالضَّمِّ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي عِيَاضٌ غَيْرَهُ وَأَمَّا كُدَيٌّ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ فَهُوَ فِي طَرِيقِ الْخَارِجِ إِلَى الْيَمَنِ وَلَيْسَ مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ فِي شَيْءٍ هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَاللَّهُ أعلم

(باب استحباب المبيت بذي طوى عند إرادة دخول مكة)

(باب استحباب المبيت بذي طوى عند إرادة دُخُولِ مَكَّةَ) (وَالِاغْتِسَالِ لِدُخُولِهَا وَدُخُولِهَا نَهَارًا) [1259] قَوْلُهُ (عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاتَ بِذِي طَوًى حَتَّى أصبح ثم دخل مكة وكان بن عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ) وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى صَلَّى الصبح وفي رواية عن نافع عن بن عُمَرَ كَانَ لَا يَقْدَمُ مَكَّةَ إِلَّا بَاتَ بِذِي طَوًى حَتَّى يُصْبِحَ وَيَغْتَسِلَ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ نَهَارًا وَيُذْكَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فعوائد مِنْهَا الِاغْتِسَالُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَأَنَّهُ يَكُونُ بِذِي طَوًى لِمَنْ كَانَتْ فِي طَرِيقِهِ وَيَكُونُ بِقَدْرٍ بَعْدَهَا لِمَنْ لَمْ تَكُنْ فِي طَرِيقِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الْغُسْلُ سُنَّةٌ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ تَيَمَّمَ وَمِنْهَا الْمَبِيتُ بِذِي طَوًى وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِمَنْ هُوَ عَلَى طَرِيقِهِ وَهُوَ

(باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة)

مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِقُرْبِ مَكَّةَ يُقَالُ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَيُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ دُخُولِ مَكَّةَ نَهَارًا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ أَنَّ دُخُولَهَا نَهَارًا أَفْضَلُ مِنَ اللَّيْلِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَجَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَا فَضِيلَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَهَا مُحْرِمًا بِعُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ لَيْلًا وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ حَمَلَهُ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1260] قَوْلُهُ (اسْتَقْبَلَ فُرْضَتَيِ الْجَبَلِ) هُوَ بِفَاءٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ رَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ ضَادٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَهُمَا تَثْنِيَةُ فُرْضَةٍ وَهِيَ الثَّنِيَّةُ الْمُرْتَفِعَةُ مِنَ الْجَبَلِ قَوْلُهُ (عَشَرَةَ أَذْرُعٍ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا عَشْرَ بِحَذْفِ الْهَاءِ وَهُمَا لُغَتَانِ فِي الذِّرَاعِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ وَهُوَ الْأَفْصَحُ الْأَشْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب اسْتِحْبَابِ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ وَالْعُمْرَةِ) (وَفِي الطَّوَافِ الأول في الْحَجِّ) [1261] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ خَبَّ ثَلَاثًا وَمَشَى

أَرْبَعًا) قَوْلُهُ (خَبَّ) هُوَ الرَّمَلُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمِيمِ فَالرَّمَلُ وَالْخَبَبُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ إِسْرَاعُ المشى مع تقارب الخطا وَلَا يَثِبُ وَثْبًا وَالرَّمَلُ مُسْتَحَبٌّ فِي الطَّوَفَاتِ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ مِنَ السَّبْعِ وَلَا يُسَنُّ ذَلِكَ إِلَّا فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَفِي طَوَافٍ وَاحِدٍ فِي الْحَجِّ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ الطَّوَافِ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ إِنَّمَا يَشْرَعُ فِي طواف يعقبه سعي ويتصور ذلك في طواف الْقُدُومِ وَيُتَصَوَّرُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ لِأَنَّ شَرْطَ طَوَافِ الْوَدَاعِ أَنْ يَكُونَ قَدْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ إِذَا طَافَ لِلْقُدُومِ وَفِي نِيَّتِهِ أَنَّهُ يَسْعَى بَعْدَهُ اسْتُحِبَّ الرَّمَلُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا فِي نِيَّتِهِ لَمْ يَرْمُلْ فِيهِ بَلْ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ سَوَاءٌ أَرَادَ السَّعْيَ بَعْدَهُ أَمْ لَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ أَخَلَّ بِالرَّمَلِ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ من السبع لم يأت به في الْأَرْبَعِ الْأَوَاخِرِ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ الْمَشْيُ عَلَى الْعَادَةِ فَلَا يُغَيِّرُهُ وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّمَلُ لِلزَّحْمَةِ أَشَارَ فِي هَيْئَةِ مَشْيِهِ إِلَى صِفَةِ الرَّمَلِ وَلَوْ لَمْ يُمْكِنُهُ الرَّمَلُ بِقُرْبِ الْكَعْبَةِ لِلزَّحْمَةِ وَأَمْكَنَهُ إِذَا تَبَاعَدَ عَنْهَا فَالْأَوْلَى أَنْ يَتَبَاعَدَ وَيَرْمُلَ لِأَنَّ فَضِيلَةَ الرَّمَلِ هَيْئَةٌ لِلْعِبَادَةِ فِي نَفْسِهَا وَالْقُرْبُ مِنَ الْكَعْبَةِ هَيْئَةٌ فِي مَوْضِعِ الْعِبَادَةِ لَا فِي نَفْسِهَا فَكَانَ تَقْدِيمُ مَا تَعَلَّقَ بِنَفْسِهَا أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الرَّمَلَ لَا يُشْرَعُ لِلنِّسَاءِ كَمَا لَا يُشْرَعُ لَهُنَّ شِدَّةَ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَوْ تَرَكَ الرَّجُلُ الرَّمَلَ حَيْثُ شُرِعَ لَهُ فَهُوَ تَارِكٌ سُنَّةً وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ دَمٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لادم كَمَذْهَبِنَا قَوْلُهُ (وَكَانَ يَسْعَى بِبَطْنِ الْمَسِيلِ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) هَذَا مُجْمَعٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ اسْتُحِبَّ أَنْ يَكُونَ سَعْيُهُ شَدِيدًا فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ وَهُوَ قَدْرٌ مَعْرُوفٌ وَهُوَ مِنْ قَبْلِ وُصُولِهِ إِلَى الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ إِلَى أَنْ يُحَاذِيَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ الْمُتَقَابِلَيْنِ اللَّذَيْنِ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَدَارِ الْعَبَّاسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ

(إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا طَافَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ فَإِنَّهُ يَسْعَى ثَلَاثَةَ أَطَوَافٍ بِالْبَيْتِ ثُمَّ يَمْشِي أَرْبَعًا ثُمَّ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) أَمَّا قَوْلُهُ أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ فَتَصْرِيحٌ بِأَنَّ الرَّمَلَ أَوَّلُ مَا يَشْرَعُ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ أَوْ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ فِي الْحَجِّ وَأَمَّا قَوْلُهُ يَسْعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ فَمُرَادُهُ يَرْمُلُ وَسَمَّاهُ سَعْيًا مَجَازًا لِكَوْنِهِ يُشَارِكُ السَّعْيَ فِي أَصْلِ الْإِسْرَاعِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ صِفَتُهُمَا وَأَمَّا قَوْلُهُ ثَلَاثَةً وَأَرْبَعَةً فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّ الرَّمَلَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنَ السَّبْعِ وَأَمَّا قَوْلُهُ ثُمَّ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ فَالْمُرَادُ رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا سُنَّةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِنَا وَفِي قَوْلٍ وَاجِبَتَانِ وَسَمَّاهُمَا سَجْدَتَيْنِ مَجَازًا كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ ثُمَّ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ الطَّوَافِ عَلَى السَّعْيِ فَلَوْ قَدَّمَ السَّعْيَ لَمْ يَصِحَّ السَّعْيُ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَفِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ لِبَعْضِ السَّلَفِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ) إِلَى آخِرِهِ فِيهِ اسْتِحْبَابُ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ وَهُوَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ بِلَا خِلَافٍ وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي قَوْلِهِ إِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَأَنْ يَسْتَلِمَ مَعَهُ الرُّكْنَ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَيَجْمَعُ فِي اسْتِلَامِهِ بَيْنَ الْحَجَرِ وَالرُّكْنِ جَمِيعًا وَاقْتَصَرَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّهُ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ وَأَمَّا الِاسْتِلَامُ فَهُوَ الْمَسْحُ بِالْيَدِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ السِّلَامِ بِكَسْرِ السِّينِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ وَقِيلَ من

السَّلَامِ بِفَتْحِ السِّينِ الَّذِي هُوَ التَّحِيَّةُ [1262] قَوْلُهُ (رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا) فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الرَّمَلَ يُشْرَعُ فِي جَمِيعِ الْمَطَافِ مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ بَعْدَ هَذَا بِقَلِيلٍ قَالَ وَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ وَيَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ فَمَنْسُوخٌ بالحديث الأول لأن حديث بن عَبَّاسٍ كَانَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ سَنَةَ سَبْعٍ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ وَكَانَ فِي الْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ فِي أَبْدَانِهِمْ وَإِنَّمَا رَمَلُوا إِظْهَارًا لِلْقُوَّةِ وَاحْتَاجُوا إِلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا جُلُوسًا فِي الْحِجْرِ وَكَانُوا لَا يَرَوْنَهُمْ بَيْنَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ وَيَرَوْنَهُمْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَمَّا حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ رَمَلَ مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِهَذَا الْمُتَأَخِّرِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ الْأَخْضَرِ) هُوَ بِضَمِّ السِّينِ وَأَخْضَرُ بِالْخَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الطَّاهِرِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ (رَمَلَ الثَّلَاثَةَ أَطْوَافٍ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ وَفِي نَادِرٍ مِنْهَا الثَّلَاثَةَ

الْأَطْوَافَ وَفِي أَنْدَرَ مِنْهُ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ فَأَمَّا ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ وَفَصَاحَتِهِ وَأَمَّا الثَّلَاثَةَ الْأَطْوَافَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِيهِمَا فَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ النَّحْوِيِّينَ مَنَعَهُ الْبَصْرِيُّونَ وَجَوَّزَهُ الْكُوفِيُّونَ وَأَمَّا الثَّلَاثَةَ أَطْوَافٍ بِتَعْرِيفِ الْأَوَّلِ وَتَنْكِيرِ الثَّانِيِ كَمَا وَقَعَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ فَمَنَعَهُ جُمْهُورُ النَّحْوِيِّينَ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ لِمَنْ جَوَّزَهُ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي صِفَةِ مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَعَمِلَ هَذِهِ الثَّلَاثَ دَرَجَاتٍ وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ هَكَذَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ [1264] قَوْلُهُ (قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ أَرَأَيْتَ هَذَا الرَّمَلَ بِالْبَيْتِ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ وَمَشْيَ أَرْبَعَةِ أَطْوَافٍ أَسُنَّةٌ هُوَ فَإِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ فَقَالَ صَدَقُوا وَكَذَبُوا) إِلَى آخِرِهِ يَعْنِي صَدَقُوا فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ وَكَذَبُوا فِي قَوْلِهِمْ إِنَّهُ سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ مُتَأَكِّدَةٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْعَلْهُ سُنَّةً مَطْلُوبَةً دَائِمًا عَلَى تَكَرُّرِ السِّنِينَ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِهِ تِلْكَ السَّنَةَ لِإِظْهَارِ الْقُوَّةِ عِنْدَ الْكُفَّارِ وَقَدْ زال ذلك المعنى هذا معنى كلام بن عَبَّاسٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ كَوْنِ الرَّمَلِ لَيْسَ سُنَّةً مَقْصُودَةً هُوَ مَذْهَبُهُ وَخَالَفَهُ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَقَالُوا هُوَ سُنَّةٌ فِي الطَّوْفَاتِ الثَّلَاثِ مِنَ السَّبْعِ فَإِنْ تَرَكَهُ فَقَدْ تَرَكَ سُنَّةً وَفَاتَتْهُ فضيلة ويصح طوافه ولادم عَلَيْهِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يُسَنُّ فِي الطَّوْفَاتِ السَّبْعِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ الْمَالِكِيُّ إِذَا تَرَكَ الرَّمَلَ لَزِمَهُ دَمٌ وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ بِهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ دَلِيلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَلَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي الطَّوْفَاتِ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَمَشَى فِي الْأَرْبَعِ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ عَنِّي وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَوْلُهُ (قُلْتُ لَهُ أَخْبِرْنِي عَنِ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا أَسُنَّةٌ هُوَ فَإِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ قَالَ صَدَقُوا وَكَذَبُوا) إِلَى آخِرِهِ يَعْنِي صَدَقُوا فِي أَنَّهُ طَافَ رَاكِبًا وَكَذَبُوا فِي أَنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَلُ بَلِ الْمَشْيَ أَفْضَلُ وَإِنَّمَا رَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعُذْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ بن عَبَّاسٍ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرُّكُوبَ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ جَائِزٌ وَأَنَّ الْمَشْيَ أَفْضَلُ مِنْهُ إِلَّا لِعُذْرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قوله (لايستطيعون أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ مِنَ الْهُزْلِ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ الْهُزْلِ بِضَمِّ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ وَهَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ عَنْ رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ قَالَا وَهُوَ وَهَمٌ وَالصَّوَابُ الْهُزَالِ بِضَمِّ الْهَاءِ وَزِيَادَةِ الْأَلِفِ قُلْتُ وَلِلْأَوَّلِ وَجْهٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِفَتْحِ الْهَاءِ لِأَنَّ الْهَزْلَ بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ هَزَلْتَهُ هَزْلًا كَضَرَبْتَهُ ضَرْبًا وَتَقْدِيرُهُ لَا يَسْتَطِيعُونَ يَطُوفُونَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هَزَلَهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَتَّى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنَ الْبُيُوتِ) هُوَ جَمْعُ عَاتِقٍ وَهِيَ الْبِكْرُ الْبَالِغَةُ أَوِ الْمُقَارِبَةُ لِلْبُلُوغِ وَقِيلَ الَّتِي تَتَزَوَّجُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ مِنَ اسْتِخْدَامِ أَبَوَيْهَا وَابْتِذَالِهَا فِي

الْخُرُوجِ وَالتَّصَرُّفِ الَّتِي تَفْعَلُهُ الطِّفْلَةُ الصَّغِيرَةُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي صَلَاةِ الْعِيدِ [1265] قَوْلُهُ (إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يُدَعُّونَ عَنْهُ وَلَا يُكْرَهُونَ) أَمَّا يُدَعُّونَ فَبِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَضَمِّ الْعَيْنِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ يُدْفَعُونَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى يوم يدعون إلى نار جهنم دعا وقوله تعالى فذلك الذي يدع اليتيم وأما قَوْلُهُ يُكْرَهُونَ فَفِي بَعْضِ الْأُصُولِ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ يُكْرَهُونَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْإِكْرَاهِ وَفِي بَعْضِهَا يُكْهَرُونَ بِتَقْدِيمِ الْهَاءِ مِنَ الْكَهْرِ وَهُوَ الِانْتِهَارُ قَالَ الْقَاضِي هَذَا أَصْوَبُ وَقَالَ وَهُوَ رواية الفارسي والأول رواية بن مَاهَانَ وَالْعُذْرِيِّ قَوْلُهُ (وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ) هُوَ بِتَخْفِيفِ الْهَاءِ أَيْ أَضْعَفَتْهُمْ قَالَ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ يُقَالُ وَهَنَتْهُ الْحُمَّى وَغَيْرُهَا وَأَوْهَنَتْهُ لُغَتَانِ وَأَمَّا يَثْرِبُ فَهُوَ الِاسْمُ الَّذِي كَانَ لِلْمَدِينَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَسُمِّيَتْ فِي الْإِسْلَامِ الْمَدِينَةُ فَطَيْبَةُ فَطَابَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المدينة وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ حَيْثُ ذَكَرَ مُسْلِمٌ أَحَادِيثَ الْمَدِينَةِ وَتَسْمِيَتَهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى [1266] قَوْلُهُ (وَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِجَوَازِ تَسْمِيَةِ الرَّمَلِ شَوْطًا وَقَدْ نَقَلَ أَصْحَابُنَا أَنَّ مُجَاهِدًا وَالشَّافِعِيَّ كَرِهَا

باب استحباب استلام الركنين اليمانيين

تَسْمِيَتَهُ شَوْطًا أَوْ دَوْرًا بَلْ يُسَمَّى طَوْفَةً وَهَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي تَسْمِيَتِهِ شَوْطًا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ قَوْلُهُ (وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ) الْإِبْقَاءُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَبِالْبَاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالْمَدِّ أَيِ الرِّفْقُ بهم (باب استحباب استلام الركنين اليمانيين) (في الطواف دون الركنين الآخرين) [1267] قَوْلُهُ (لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مِنَ الْبَيْتِ إِلَّا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْتِ إِلَّا الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ وَالَّذِي يَلِيهِ من

نَحْوِ دُورِ الْجُمَحِيِّينَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَسْتَلِمُ إِلَّا الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ مُتَّفِقَةٌ فَالرُّكْنَانِ الْيَمَانِيَانِ هُمَا الرُّكْنُ الْأَسْوَدُ وَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُ وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُمَا الْيَمَانِيَانِ لِلتَّغْلِيبِ كَمَا قِيلَ فِي الْأَبِ وَالْأُمِّ الْأَبَوَانِ وَفِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ الْقَمَرَانِ وَفِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْعُمَرَانِ وَفِي الْمَاءِ وَالتَّمْرِ الْأَسْوَدَانِ وَنَظَائِرُهُ مَشْهُورَةٌ وَالْيَمَانِيَانِ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ هَذِهِ اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ وَحَكَى سِيبَوَيْهِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِيهَا لُغَةً أُخْرَى بِالتَّشْدِيدِ فَمَنْ خَفَّفَ قَالَ هَذِهِ نِسْبَةٌ إِلَى الْيَمَنِ فَالْأَلِفُ عِوَضٌ مِنْ إِحْدَى ياءى النَّسَبِ فَتَبْقَى الْيَاءُ الْأُخْرَى مُخَفَّفَةً وَلَوْ شَدَّدْنَاهَا لَكَانَ جَمْعًا بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ وَمَنْ شَدَّدَ قَالَ الْأَلِفُ فِي الْيَمَانِي زَائِدَةٌ وَأَصْلُهُ الْيَمَنِيُّ فَتَبْقَى الْيَاءُ مُشَدَّدَةً وَتَكُونُ الْأَلِفُ زَائِدَةً كَمَا زِيدَتِ النُّونُ فِي صَنْعَانِيٍّ وَرَقَبَانِيٍّ وَنَظَائِرِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (يَمْسَحُ) فَمُرَادُهُ يَسْتَلِمُ وَسَبَقَ بَيَانُ الِاسْتِلَامِ وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْبَيْتِ أَرْبَعَةَ أَرْكَانٍ الرُّكْنُ الْأَسْوَدُ وَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُ وَيُقَالُ لَهُمَا الْيَمَانِيَانِ كَمَا سَبَقَ وَأَمَّا الرُّكْنَانِ الْآخَرَانِ فَيُقَالُ لَهُمَا الشَّامِيَّانِ فَالرُّكْنُ الْأَسْوَدُ فِيهِ فَضِيلَتَانِ إِحْدَاهُمَا كَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثَّانِيَةُ كَوْنُهُ فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَأَمَّا الْيَمَانِيُ فَفِيهِ فَضِيلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ كَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ وَأَمَّا الرُّكْنَانِ الْآخَرَانِ فَلَيْسَ فِيهِمَا شَيْءٌ مِنْ هَاتَيْنِ الْفَضِيلَتَيْنِ فَلِهَذَا خُصَّ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ بِشَيْئَيْنِ الِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ لِلْفَضِيلَتَيْنِ وَأَمَّا الْيَمَانِيُ فَيَسْتَلِمُهُ وَلَا يُقَبِّلُهُ لِأَنَّ فِيهِ فَضِيلَةً وَاحِدَةً وَأَمَّا الرُّكْنَانِ الْآخَرَانِ فَلَا يُقَبَّلَانِ وَلَا يُسْتَلَمَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى اسْتِحْبَابِ اسْتِلَامِ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ وَاتَّفَقَ الْجَمَاهِيرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْسَحُ الرُّكْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَاسْتَحَبَّهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ بِاسْتِلَامِهِمَا الْحَسَنُ والحسين ابنا علي وبن الزُّبَيْرِ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَجْمَعَتْ أَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ وَالْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُمَا لَا يُسْتَلَمَانِ قَالَ وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ خِلَافٌ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَانْقَرَضَ الْخِلَافُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُمَا لَا يُسْتَلَمَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَسْتَلِمُ إِلَّا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَ) يَحْتَجُّ بِهِ الْجُمْهُورُ

فِي أَنَّهُ يَقْتَصِرُ بِالِاسْتِلَامِ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ عَلَيْهِ دُونَ الرُّكْنِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا فِيهِ خِلَافُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ [1268] قوله (رأيت بن عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ وَقَالَ مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَقْبِيلِ الْيَدِ بَعْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إِذَا عَجَزَ عَنْ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنْ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ وَإِلَّا فَالْقَادِرُ يُقَبِّلُ الْحَجَرَ وَلَا يَقْتَصِرُ فِي الْيَدِ عَلَى الِاسْتِلَامِ بِهَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ اسْتِحْبَابِ تَقْبِيلِ الْيَدِ بَعْدَ الِاسْتِلَامِ لِلْعَاجِزِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّابِعِيُّ الْمَشْهُورُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّقْبِيلُ وَبِهِ قَالَ مالك في أحد قوليه والله أعلم

باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف

(باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف) [1270] قَوْلُهُ (قَبَّلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْحَجَرَ ثُمَّ قَالَ أَمْ وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ حَجَرٌ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ وَأَنَّكَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا اسْتِحْبَابُ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِي الطَّوَافِ بَعْدَ اسْتِلَامِهِ وَكَذَا يُسْتَحَبُّ السُّجُودُ عَلَى الْحَجَرِ أَيْضًا بِأَنْ يَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَلِمَهُ ثُمَّ يُقَبِّلَهُ ثُمَّ يَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عن عمر بن الخطاب وبن عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَقَدْ رُوِّينَا فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْفَرَدَ مَالِكٌ عَنِ الْعُلَمَاءِ فَقَالَ السُّجُودُ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ وَاعْتَرَفَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمَالِكِيُّ بِشُذُوذِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنِ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا الرُّكْنُ الْيَمَانِيُ فَيَسْتَلِمُهُ وَلَا يُقَبِّلُهُ بَلْ يُقَبِّلُ الْيَدَ بَعْدَ اسْتِلَامِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَسْتَلِمُهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَسْتَلِمُهُ وَلَا يُقَبِّلُ الْيَدَ بَعْدَهُ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يُقَبِّلُهُ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يُقَبِّلُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ حَجَرٌ وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حجر وأنت لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ فَأَرَادَ بِهِ بَيَانَ الْحَثِّ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَقْبِيلِهِ وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ أولا الِاقْتِدَاءُ بِهِ لَمَا فَعَلَهُ وَإِنَّمَا قَالَ وَإِنَّكَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بَعْضُ قربى

الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ الَّذِينَ كَانُوا أَلِفُوا عِبَادَةَ الْأَحْجَارِ وتعظيما ورجاء نفعها وخوف الضر بِالتَّقْصِيرِ فِي تَعْظِيمِهَا وَكَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا بِذَلِكَ فَخَافَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَرَاهُ بَعْضُهُمْ يُقَبِّلُهُ وَيَعْتَنِي بِهِ فَيَشْتَبِهَ عَلَيْهِ فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ بِذَاتِهِ وَإِنْ كَانَ امْتِثَالُ مَا شَرَعَ فِيهِ يَنْفَعُ بِالْجَزَاءِ وَالثَّوَابِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى نَفْعٍ وَلَا ضَرٍّ وَأَنَّهُ حَجَرٌ مَخْلُوقٌ كَبَاقِي الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَأَشَاعَ عُمَرُ هَذَا فِي الْمَوْسِمِ لِيُشْهَدَ فِي الْبُلْدَانِ ويحفظه عنه أهل الموسم المختلفوا الْأَوْطَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (رَأَيْتُ الْأَصْلَعَ) وَفِي رِوَايَةٍ الْأُصَيْلِعَ يَعْنِي عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذِكْرِ الْإِنْسَانِ بِلَقَبِهِ وَوَصْفِهِ الَّذِي يَكْرَهُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكْرَهُ غَيْرَهُ مِثْلَهُ [1271] قَوْلُهُ (رَأَيْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَبَّلَ الْحَجَرَ وَالْتَزَمَهُ وَقَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَ حَفِيًّا) يعني معتنيا

(باب جواز الطواف على بعير وغيره واستلام) (الحجر

وَجَمْعُهُ أَحْفِيَاءُ قَوْلُهُ وَالْتَزَمَهُ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا قَدَّمْنَا مِنَ اسْتِحْبَابِ السُّجُودِ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب جَوَازِ الطَّوَافِ عَلَى بَعِيرٍ وَغَيْرِهِ وَاسْتِلَامِ) (الْحَجَرِ بِمِحْجَنٍ وَنَحْوِهِ لِلرَّاكِبِ) [1272] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ) الْمِحْجَنُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الجيم وهو عصا معقفة يَتَنَاوَلُ بِهَا الرَّاكِبُ مَا سَقَطَ لَهُ وَيُحَرِّكُ بِطَرَفِهَا بَعِيرَهُ لِلْمَشْيِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الطَّوَافِ رَاكِبًا وَاسْتِحْبَابُ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَأَنَّهُ إِذَا عَجَزَ عَنِ اسْتِلَامِهِ بِيَدِهِ اسْتَلَمَهُ بِعُودٍ وَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لَهَا حَجَّةُ الْوَدَاعِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ جَوَازُ قَوْلِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ عَلَى طَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَرَوْثُهُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ ذَلِكَ مِنَ الْبَعِيرِ فَلَوْ كَانَ نَجَسًا لَمَا عَرَّضَ الْمَسْجِدَ لَهُ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَآخَرِينَ نَجَاسَةُ ذَلِكَ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يَبُولَ أَوْ يَرُوثَ فِي حَالِ الطَّوَافِ وَإِنَّمَا هُوَ مُحْتَمَلٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ حُصُولِهِ يُنَظَّفُ الْمَسْجِدُ مِنْهُ كَمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ إِدْخَالَ الصِّبْيَانِ الْأَطْفَالِ الْمَسْجِدَ مَعَ أَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ بَوْلُهُمْ بَلْ قَدْ وُجِدَ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مُحَقَّقًا لَنَزَّهَ الْمَسْجِدَ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ نَجَسًا أَوْ طَاهِرًا لِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ [1273] قَوْلُهُ فِي طَوَافِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)

راكبا (لأن يراه الناس ويشرف وَلِيَسْأَلُوهُ) هَذَا بَيَانٌ لِعِلَّةِ رُكُوبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ أَيْضًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَجَاءَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَوَافِهِ هَذَا مَرِيضًا وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ الْبُخَارِيُّ وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ بَابَ الْمَرِيضِ يَطُوفُ رَاكِبًا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ رَاكِبًا لِهَذَا كُلِّهِ قَوْلُهُ (فَإِنَّ النَّاسَ غَشُوهُ) هُوَ بِتَخْفِيفِ الشِّينِ أَيِ ازْدَحَمُوا عَلَيْهِ قَوْلُهَا (كَرَاهِيَةَ أَنْ يُضْرَبَ عَنْهُ النَّاسُ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ يُضْرَبَ بِالْبَاءِ وَفِي بَعْضِهَا يُصْرَفَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى الْقَنْطَرِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ قَالَ السَّمْعَانِيُّ هُوَ مِنْ قَنْطَرَةِ بَرَدَانَ وَهِيَ مَحَلَّةٌ مِنْ بَغْدَادَ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا مَعْرُوفُ بْنُ خَرَّبُوذَ) هُوَ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمَضْمُومَةٍ الْفَتْحُ أَشْهَرُ وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ وَالْقَائِلُ بِالضَّمِّ هُوَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ وَقَالَ الْجُمْهُورُ بِالْفَتْحِ وَبَعْدَ الْخَاءِ رَاءٌ مَفْتُوحَةٌ مُشَدَّدَةٌ ثُمَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مَضْمُومَةٌ ثُمَّ وَاوٌ ثُمَّ ذَالٌ مُعْجَمَةٌ

(باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح

[1275] قَوْلُهُ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَأَنَّهُ إِذَا عَجَزَ عَنِ اسْتِلَامِهِ بِيَدِهِ بِأَنْ كَانَ رَاكِبًا أَوْ غَيْرَهُ اسْتَلَمَهُ بِعَصًا وَنَحْوِهَا ثُمَّ قَبَّلَ مَا اسْتَلَمَ بِهِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا [1276] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ قَالَتْ فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ ب الطور وَكِتَابِ مَسْطُورٍ إِنَّمَا أَمَرَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّوَافِ مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ لِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ سُنَّةَ النِّسَاءِ التَّبَاعُدُ عَنِ الرِّجَالِ فِي الطَّوَافِ وَالثَّانِي أَنَّ قُرْبَهَا يُخَافُ مِنْهُ تَأَذِّي النَّاسِ بِدَابَّتِهَا وَكَذَا إِذَا طَافَ الرَّجُلُ رَاكِبًا وَإِنَّمَا طَافَتْ فِي حَالِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ أَسْتَرَ لَهَا وَكَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب بَيَانِ أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إِلَّا بِهِ) مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِهِ وَلَا يُجْبَرُ بِدَمٍ وَلَا غَيْرِهِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ هُوَ تَطَوُّعٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ واجب فإن تركه عصى وجبره

بالدم وصح حَجَّهُ دَلِيلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعَى وَقَالَ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ وَالْمَشْرُوعُ سَعْيٌ وَاحِدٌ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إِلَى مَا بَعْدِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ [1277] قَوْلُهُ (عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ ما معناه ان السعي ليس بواجب لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أن يطوف بهما وَأَنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ عَلَيْهِ وَقَالَتْ لَا يَتِمُّ الْحَجُّ إِلَّا بِهِ وَلَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ يَا عُرْوَةُ لَكَانَتْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا مِنْ دَقِيقِ عِلْمِهَا وَفَهْمِهَا الثَّاقِبِ وَكَبِيرِ مَعْرِفَتِهَا بِدَقَائِقِ الألفاظ لِأَنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ إِنَّمَا دَلَّ لَفْظُهَا عَلَى رَفْعِ الْجُنَاحِ عَمَّنْ يَطَّوَّفُ بِهِمَا وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ السَّعْيِ وَلَا عَلَى وُجُوبِهِ فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ فِيهَا دَلَالَةٌ لِلْوُجُوبِ وَلَا لِعَدَمِهِ وَبَيَّنَتِ السَّبَبَ فِي نُزُولِهَا وَالْحِكْمَةَ فِي نَظْمِهَا وَأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْأَنْصَارِ حِينَ تَحَرَّجُوا مِنَ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَمَا يَقُولُ عُرْوَةُ لَكَانَتْ فَلَا جناح عليه أن لا يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَقَدْ يَكُونُ الْفِعْلُ وَاجِبًا وَيَعْتَقِدُ إِنْسَانٌ أَنَّهُ يُمْنَعُ إِيقَاعُهُ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَذَلِكَ كَمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَظَنَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَيُقَالُ فِي جَوَابِهِ لَا جُنَاحَ عَلَيْكَ إِنْ صَلَّيْتَهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ فَيَكُونُ جَوَابًا صَحِيحًا وَلَا يَقْتَضِي نَفْيَ وُجُوبِ صَلَاةِ الظُّهْرِ قَوْلُهَا (وَهَلْ تَدْرِي فِيمَا كَانَ ذَلِكَ انما كان ذلك لِأَنَّ الْأَنْصَارَ كَانُوا يُهِلُّونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِصَنَمَيْنِ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ يُقَالُ لَهُمَا إِسَافٌ وَنَائِلَةٌ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ مَا جَاءَ فِي الرِّوَايَاتِ الْأُخَرِ فِي الْبَابِ يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي بِالْمُشَلَّلِ قال وهذا

هو المعروف ومناة صَنَمٌ كَانَ نَصَبَهُ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ فِي جِهَةِ الْبَحْرِ بِالْمُشَلَّلِ مِمَّا يَلِي قُدَيْدًا وَكَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْمُوَطَّأِ وَكَانَتِ الْأَزْدُ وَغَسَّانُ تُهِلُّ لَهُ بِالْحَجِّ وَقَالَ بن الْكَلْبِيِّ مَنَاةُ صَخْرَةٌ لِهُذَيْلٍ بِقُدَيْدٍ وَأَمَّا إِسَافٌ وَنَائِلَةٌ فَلَمْ يَكُونَا قَطُّ فِي نَاحِيَةِ الْبَحْرِ وَإِنَّمَا كَانَا فِيمَا يُقَالُ رَجُلًا وَامْرَأَةً فَالرَّجُلُ اسمه اساف بن بقاء ويقال بن عَمْرٍو وَالْمَرْأَةُ اسْمُهَا نَائِلَةُ بِنْتُ ذِئْبٍ وَيُقَالُ بِنْتُ سَهْلٍ قِيلَ كَانَا مِنْ جُرْهُمَ فَزَنَيَا دَاخِلَ الْكَعْبَةِ فَمَسَخَهُمَا اللَّهُ حَجَرَيْنِ فَنُصِّبَا عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَقِيلَ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيَعْتَبِرَ النَّاسُ بِهِمَا وَيَتَّعِظُوا ثُمَّ حَوَّلَهُمَا قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ فَجَعَلَ أَحَدَهُمَا مُلَاصِقَ الْكَعْبَةِ وَالْآخَرَ بِزَمْزَمَ وَقِيلَ جَعَلَهُمَا بِزَمْزَمَ وَنَحَرَ عِنْدَهُمَا وَأَمَرَ

بِعِبَادَتِهِمَا فَلَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ كَسَرَهُمَا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عياض قوله في حديث عمر والناقد وبن أبي عمر (بئس ما قلت يا بن أُخْتِي) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ بِالتَّاءِ وَفِي بَعْضِهَا أَخِي بِحَذْفِ التَّاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَوْلُهُ (فَأَعْجَبَهُ وَقَالَ إِنَّ هَذَا الْعِلْمُ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا قَالَ الْقَاضِي وَرُوِيَ إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ بِالتَّنْوِينِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْعِلْمُ الْمُتْقَنُ وَمَعْنَاهُ اسْتِحْسَانُ قَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَبَلَاغَتُهَا فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قَوْلُهُ (فَأُرَاهَا قَدْ نَزَلَتْ فِي هَؤُلَاءِ) ضَبَطُوهُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مِنْ أُرَاهَا وَفَتْحِهَا وَالضَّمُّ أَحْسَنُ وأشهر

باب بيان أن السعى لا يكرر

قَوْلُهَا (قَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا) يَعْنِي شَرَعَهُ وَجَعَلَهُ ركنا والله أعلم (باب بيان أن السعى لا يكرر) [1279] قَوْلُهُ (لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا) طَوَافُهُ

(باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي

الْأَوَّلُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّعْيَ فِي الْحَجِّ أَوَ الْعُمْرَةِ لَا يُكَرَّرُ بَلْ يَقْتَصِرُ منه على مرة واحدة ويكره تكراره لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا وَأَنَّ الْقَارِنَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ وَقَدْ سَبَقَ خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب اسْتِحْبَابِ إِدَامَةِ الْحَاجِّ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَشْرَعَ فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ) [1280] قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ (رَدِفْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عَرَفَاتٍ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الرُّكُوبِ فِي الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَاتٍ وَعَلَى جَوَازِ الْإِرْدَافِ عَلَى الدَّابَّةِ إِذَا كَانَتْ مُطِيقَةً وَعَلَى جَوَازِ الِارْتِدَافِ مَعَ أَهْلِ الْفَضْلِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ خِلَافَ الْأَدَبِ قَوْلُهُ (فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ الْوَضُوءَ فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا) فَقَوْلُهُ فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ الْوَضُوءَ الْوَضُوءُ هُنَا بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ وَسَبَقَ فِيهِ لُغَةٌ أَنَّهُ يُقَالُ بِالضَّمِّ وَلَيْسَتْ بِشَيْءٍ وَقَوْلُهُ (فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا) يَعْنِي تَوَضَّأَ وُضُوءَ الصَّلَاةِ وَخَفَّفَهُ بِأَنْ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً أَوْ خَفَّفَ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَالِبِ عَادَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَلَمْ يَسْبُغِ الْوُضُوءِ أَيْ لَمْ يَفْعَلْهُ عَلَى

الْعَادَةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِعَانَةِ فِي الْوُضُوءِ قَالَ أَصْحَابُنَا الِاسْتِعَانَةُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا أَنْ يَسْتَعِينَ فِي إِحْضَارِ الْمَاءِ مِنَ الْبِئْرِ وَالْبَيْتِ وَنَحْوِهِمَا وَتَقْدِيمِهِ إِلَيْهِ وَهَذَا جَائِزٌ وَلَا يُقَالُ إِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَالثَّانِي أَنْ يَسْتَعِينَ بِمَنْ يَغْسِلُ الْأَعْضَاءَ فَهَذَا مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِمَنْ يَصُبُّ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَلَا بَأْسَ وَإِلَّا فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَهَلْ يُسَمَّى مَكْرُوهًا فِيهِ وجهان لاصحابنا أصحهما ليس بمكروه لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ وَأَمَّا اسْتِعَانَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُسَامَةَ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَبِالرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ فَلِبَيَانِ الْجَوَازِ وَيَكُونُ أَفْضَلَ فِي حَقِّهِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْبَيَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قُلْتُ الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ الصَّلَاةُ أَمَامَكَ) مَعْنَاهُ أَنَّ أُسَامَةَ ذَكَّرَهُ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسِيَهَا حَيْثُ أَخَّرَهَا عَنِ الْعَادَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةُ أَمَامَكَ أَيْ إِنَّ الصَّلَاةَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ مَشْرُوعَةٌ فِيمَا بَيْنَ يَدَيْكَ أَيْ فِي الْمُزْدَلِفَةِ فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَذْكِيرِ التَّابِعِ الْمَتْبُوعَ بِمَا تَرَكَهُ خِلَافَ الْعَادَةِ لِيَفْعَلَهُ أَوْ يَعْتَذِرَ عَنْهُ أَوْ يُبَيِّنَ لَهُ وَجْهَ صَوَابِهِ وَأَنَّ مُخَالَفَتَهُ لِلْعَادَةِ سَبَبُهَا كَذَا وَكَذَا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةُ أَمَامَكَ فَفِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ إِلَى الْعِشَاءِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْمُزْدَلِفَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ هُوَ بِوَاجِبٍ بَلْ سُنَّةٍ فَلَوْ صَلَّاهُمَا فِي طَرِيقِهِ أَوْ صَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتِهَا جَازَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ إِنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي وَقْتِهَا لَزِمَهُ إِعَادَتُهَا وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ [1281] قَوْلُهُ (لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى بَلَغَ الْجَمْرَةَ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَدِيمُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَشْرَعَ فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ

وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يُلَبِّي حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ يَوْمَ عَرَفَةَ ثُمَّ يَقْطَعُ وَحُكِيَ عَنْ علي وبن عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَمَالِكٍ وَجُمْهُورِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ يُلَبِّي حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَلَا يُلَبِّي بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْوُقُوفِ وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَبَعْضُ السَّلَفِ يُلَبِّي حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَدَلِيلُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ مَعَ الْأَحَادِيثِ بَعْدَهُ وَلَا حُجَّةَ لِلْآخَرِينَ فِي مُخَالَفَتِهَا فَيَتَعَيَّنُ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ [1282] وَأَمَّا قوله في الرواية الأخرى (لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ) فَقَدْ يَحْتَجُّ بِهِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لِمَذْهَبِهِمَا وَيُجِيبُ الْجُمْهُورُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ حَتَّى شَرَعَ فِي الرَّمْيِ لِيُجْمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ قَوْلُهُ (غَدَاةَ جَمْعٍ) هِيَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَهِيَ الْمُزْدَلِفَةُ وَسَبَقَ بَيَانُهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ) هَذَا إِرْشَادٌ إِلَى الْأَدَبِ وَالسُّنَّةِ فِي السَّيْرِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَيَلْحَقُ بِهَا سَائِرُ مَوَاضِعِ الزِّحَامِ قَوْلُهُ (وَهُوَ كَافٌّ نَاقَتَهُ) أَيْ يَمْنَعُهَا الْإِسْرَاعَ قَوْلُهُ (دَخَلَ مُحَسِّرًا وَهُوَ مِنْ مِنًى) إِلَخْ أَمَّا مُحَسِّرٌ فَسَبَقَ ضَبْطُهُ وَبَيَانُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِي صِفَةِ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِحَصَى الْخَذْفِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هُوَ نَحْوُ حَبَّةِ الْبَاقِلَّا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ رَمَى بِأَكْبَرَ مِنْهَا أَوْ

أَصْغَرَ جَازَ وَكَانَ مَكْرُوهًا وَأَمَّا قَوْلُهُ (يُشِيرُ بِيَدِهِ كَمَا يَخْذِفُ الْإِنْسَانُ) فَالْمُرَادُ بِهِ الْإِيضَاحُ وَزِيَادَةُ الْبَيَانِ لِحَصَى الْخَذْفِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الرَّمْيَ يَكُونُ عَلَى هَيْئَةِ الْخَذْفِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَدْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ لَكِنَّهُ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ كَوْنُ الرَّمْيِ عَلَى هَيْئَةِ الْخَذْفِ فَقَدْ ثَبَتَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْيِ عَنِ الْخَذْفِ وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذِهِ الْإِشَارَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1283] قَوْلُهُ (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَنَحْنُ بِجَمْعٍ سَمِعْتُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ يَقُولُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ إِدَامَةِ التَّلْبِيَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ كَمَا سَبَقَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَوْلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَسُورَةِ النِّسَاءِ وَشِبْهِ ذَلِكَ وَكَرِهَ ذَلِكَ بَعْضُ الْأَوَائِلِ وَقَالَ إِنَّمَا يُقَالُ السُّورَةُ الَّتِي تُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ وَالسُّورَةُ الَّتِي تُذْكَرُ فِيهَا النِّسَاءُ وَشِبْهُ ذَلِكَ وَالصَّوَابُ جَوَازُ قَوْلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَسُورَةِ النِّسَاءِ وَسُورَةِ الْمَائِدَةِ وَغَيْرِهَا وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَتَظَاهَرَتْ بِهِ الأحاديث الصحيحة

باب التلبية والتكبير في الذهاب من منى إلى عرفات

مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَحَدِيثِ مَنْ قَرَأَ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ سَمِعْتُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ البقرة فإنما خص البقرة لِأَنَّ مُعْظَمَ أَحْكَامِ الْمَنَاسِكِ فِيهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذَا مَقَامُ مَنْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ الْمَنَاسِكُ وَأُخِذَ عَنْهُ الشَّرْعُ وَبَيَّنَ الْأَحْكَامَ فَاعْتَمِدُوهُ وَأَرَادَ بِذَلِكَ الرَّدَّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِقَطْعِ التَّلْبِيَةِ مِنَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ لَبَّى حِينَ أَفَاضَ من جمع فقيل أعرابي هذا فقال بن مَسْعُودٍ مَا قَالَ إِنْكَارًا عَلَى الْمُعْتَرِضِ وَرَدًّا عليه والله أعلم (باب التلبية والتكبير في الذهاب من منى إلى عرفات في يوم عرفة) [1284] قَوْلُهُ (غَدَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتٍ مِنَّا الْمُلَبِّي وَمِنَّا الْمُكَبِّرُ) وَفِي

(باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة)

[1285] الرِّوَايَةِ (الْأُخْرَى يُهَلِّلُ الْمُهَلِّلُ فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِمَا فِي الذَّهَابِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتٍ يَوْمَ عَرَفَةَ وَالتَّلْبِيَةُ أَفْضَلُ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ بِقَطْعِ التَّلْبِيَةِ بَعْدَ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَاتٍ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ) (وَاسْتِحْبَابُ صَلَاتَيِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ جَمْعًا بِالْمُزْدَلِفَةِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ) فِيهِ حَدِيثُ أُسَامَةَ وَسَبَقَ بَيَانُ شَرْحِهِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَفِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَلَوْ صَلَّاهُمَا فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ أَوْ فِي الطَّرِيقِ أَوْ كُلَّ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتِهَا جَازَ وَفَاتَتْهُ

الْفَضِيلَةُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ [1280] قَوْلُهُ (أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتِ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي آخِرِ الْبَابِ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ سَبَقَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ فِي صِفَةِ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ لِأَنَّ مَعَ جَابِرٍ زِيَادَةَ عِلْمٍ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَلِأَنَّ جَابِرًا اعْتَنَى الْحَدِيثَ وَنَقَلَ حَجَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَقْصَاةً فَهُوَ أَوْلَى بِالِاعْتِمَادِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْأَذَانُ لِلْأُولَى مِنْهُمَا وَيُقِيمُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ إِقَامَةٌ فَيُصَلِّيهِمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَيُتَأَوَّلُ حَدِيثُ إِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ لَهَا إِقَامَةٌ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا لِيُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَبَيْنَهُ أَيْضًا وَبَيْنَ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَقَدْ سَبَقَ إِيضَاحُ الْمَسْأَلَةِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتِ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْمُبَادَرَةِ بِصَلَاتَيِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ أَوَّلَ قُدُومِهِ الْمُزْدَلِفَةَ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُمَا إِلَى قُبَيْلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ إِذَا كَانَ الْجَمْعُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ لِقَوْلِهِ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ وَأَمَّا إِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْأُولَى فَلَا يَجُوزُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ فَصَلَ بَطَلَ الْجَمْعُ وَلَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ إِلَّا فِي وَقْتِهَا الْأَصْلِيِّ وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) فَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بَيْنَ الْمَجْمُوعَتَيْنِ شَيْئًا وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ لَكِنْ يَفْعَلُهَا بَعْدَهُمَا لَا بَيْنَهُمَا ويفعل سنة الظهر التي قبلها قبل الصَّلَاتَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ (نَزَلَ فَبَالَ) وَلَمْ يَقُلْ أُسَامَةُ أَرَاقَ الْمَاءَ فِيهِ أَدَاءُ الرِّوَايَةِ بِحُرُوفِهَا وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ صَرَائِحِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي قَدْ تُسْتَبْشَعُ وَلَا يُكَنَّى عَنْهَا إِذَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى التَّصْرِيحِ بِأَنْ خِيفَ لَبْسُ الْمَعْنَى أَوِ اشْتِبَاهُ الْأَلْفَاظِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ

(وَمَا قَالَ أَهَرَاقَ الْمَاءَ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ قَوْلُهُ (حَتَّى أَقَامَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ) فِيهِ دَلِيلٌ لصحة

إِطْلَاقِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَأَمَّا إِنْكَارُ الْأَصْمَعِيِّ وَغَيْرِهِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُمْ إِنَّهُ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامِّ وَمَحَالِّ كَلَامِهِمْ وَأَنَّ صَوَابَهُ الْعِشَاءُ فَقَطْ وَلَا يَجُوزُ وَصْفُهَا بِالْآخِرَةِ فَغَلَطٌ مِنْهُمْ بَلِ الصَّوَابُ جَوَازُهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِيهِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ بِهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ (لَمَّا أَتَى النَّقْبَ) هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَهُوَ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ وَقِيلَ الْفُرْجَةُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ قَوْلُهُ (عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ مَوْلَى سِبَاعٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) هَكَذَا وَقَعَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ عَطَاءٍ مَوْلَى سِبَاعٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَوْلَى أُمِّ سِبَاعٍ وَكِلَاهُمَا خِلَافُ الْمَعْرُوفِ فِيهِ وَإِنَّمَا الْمَشْهُورُ عَطَاءٍ مَوْلَى بَنِي سباع هكذا ذكره البخاري في تاريخه وبن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَخَلَفٌ الْوَاسِطِيُّ فِي الْأَطْرَافِ وَالْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ وَالسَّمْعَانِيُّ فِي الْأَنْسَابِ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ عَطَاءُ بْنُ يَعْقُوبَ وَقِيلَ عَطَاءُ بْنُ نَافِعٍ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي اسْمِ أَبِيهِ الْبُخَارِيُّ وَخَلَفٌ والحميدي واقتصر بن أَبِي حَاتِمٍ وَالسَّمْعَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَلَى أَنَّهُ عَطَاءُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالُوا كُلُّهُمْ وَهُوَ عَطَاءٌ الْكَيْخَارَانِيُّ بِفَتْحِ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتَ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا الْكَوْخَارَانِيُّ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا نِسْبَةٌ إِلَى مَوْضِعٍ بِالْيَمَنِ هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ قَالَ أَبُو

سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ هِيَ قَرْيَةٌ بِالْيَمَنِ يُقَالُ لَهَا كَيْخَرَانَ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَطَاءٌ هَذَا ثِقَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1286] قَوْلُهُ (فَمَا زَالَ يَسِيرُ عَلَى هَيْئَتِهِ) هُوَ بِهَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَبَعْدَ الْيَاءِ هَمْزَةٌ هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا هِينَتِهِ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَبِالنُّونِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحُ الْمَعْنَى قَوْلُهُ (كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ هِشَامٌ وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ أَمَّا الْعَنَقُ فَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالنُّونِ وَالنَّصُّ بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وهما نوعا مِنْ إِسْرَاعِ السَّيْرِ وَفِي الْعَنَقِ نَوْعٌ مِنَ الرفق والفجوة بِفَتْحِ الْفَاءِ الْمَكَانُ الْمُتَّسِعُ

وَرَوَاهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ فِي الْمُوَطَّأِ فُرْجَةً بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَهِيَ بِمَعْنَى الْفَجْوَةِ وَفِيهِ مِنَ الْفِقْهِ اسْتِحْبَابُ الرِّفْقِ فِي السَّيْرِ فِي حَالِ الزِّحَامِ فَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً اسْتُحِبَّ الْإِسْرَاعُ لِيُبَادِرَ إِلَى الْمَنَاسِكِ وَلِيَتَّسِعَ لَهُ الْوَقْتُ لِيُمْكِنَهُ الرِّفْقَ فِي حَالِ الزَّحْمَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1288] قَوْلُهُ (جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ لَيْسَ بَيْنَهُمَا سَجْدَةٌ) يَعْنِي بِالسَّجْدَةِ صَلَاةَ النَّافِلَةِ أَيْ لَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا نَافِلَةً وَقَدْ جَاءَتِ السَّجْدَةُ بِمَعْنَى النَّافِلَةِ وَبِمَعْنَى الصَّلَاةِ قَوْلُهُ (وَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَغْرِبَ لَا يُقْصَرُ بَلْ يُصَلَّى ثَلَاثًا أَبَدًا وَكَذَلِكَ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَفِيهِ أَنَّ الْقَصْرَ فِي العشاء

(باب استحباب زيادة التغليس بصلاة الصبح يوم النحر)

وَغَيْرِهَا مِنَ الرُّبَاعِيَّاتِ أَفْضَلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَفَضْنَا مَعَ بن عُمَرَ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي اسْتَدْرَكَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فَقَالَ هَذَا عِنْدِي وَهَمٌ مِنْ إِسْمَاعِيلَ وَقَدْ خَالَفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْرَائِيلُ وَغَيْرُهُمْ فَرَوَوْهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مالك عن بن عُمَرَ قَالَ وَإِسْمَاعِيلُ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً فَهَؤُلَاءِ أَقْوَمُ بِحَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ مِنْهُ هَذَا كَلَامُهُ وَجَوَابُهُ مَا سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ فِي نَظَائِرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ سَمِعَهُ بِالطَّرِيقَينِ فَرَوَاهُ بِالْوَجْهَيْنِ وَكَيْفَ كَانَ فَالْمَتْنُ صَحِيحٌ لَا مَقْدَحَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب اسْتِحْبَابِ زِيَادَةِ التَّغْلِيسِ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ) (بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالْمُبَالَغَةِ فيه بعد تحقيق طُلُوعِ الْفَجْرِ) [1289] قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةً إِلَّا لِمِيقَاتِهَا

إِلَّا صَلَاتَيْنِ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ بِجَمْعٍ وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا) مَعْنَاهُ أَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ بِجَمْعٍ الَّتِي هِيَ الْمُزْدَلِفَةُ وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا الْمُعْتَادِ وَلَكِنْ بَعْدَ تَحَقُّقِ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَوْلُهُ قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُرَادُ قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ لَا قَبْلَ طلوع الفجر لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِجَائِزٍ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَعْضِ رواياته ان بن مَسْعُودٍ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ بِالْمُزْدَلِفَةِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْفَجْرَ هَذِهِ السَّاعَةَ وَفِي رِوَايَةٍ فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ إِلَّا هَذِهِ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَكَانِ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا حُجَّةٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فِي غَيْرِ هَذَا الْيَوْمِ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فِي كُلِّ الْأَيَّامِ ولَكِنْ فِي هَذَا الْيَوْمِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إِيضَاحُ الْمَسْأَلَةِ بِدَلَائِلِهَا وَتُسَنُّ زِيَادَةُ التَّبْكِيرِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ مَعْنَاهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَيْرِ هَذَا الْيَوْمِ يَتَأَخَّرُ عَنْ أَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَحْظَةً إِلَى أَنْ يَأْتِيَهُ بِلَالٌ وَفِي هَذَا الْيَوْمِ لَمْ يَتَأَخَّرْ لِكَثْرَةِ الْمَنَاسِكِ فِيهِ فَيَحْتَاجُ إِلَى الْمُبَالَغَةِ فِي التَّبْكِيرِ لِيَتَّسِعَ الْوَقْتُ لِفِعْلِ الْمَنَاسِكِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ يَحْتَجُّ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَنْعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصلاتين في السفر لأن بن مَسْعُودٍ مِنْ مُلَازِمِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ مَا رَآهُ يَجْمَعُ إِلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ جَوَازُ الْجَمْعِ فِي جَمِيعِ الْأَسْفَارِ الْمُبَاحَةِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا الْقَصْرُ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ بِأَدِلَّتِهَا وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَفْهُومٌ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِالْمَفْهُومِ وَلَكِنْ إِذَا عَارَضَهُ مَنْطُوقٌ قَدَّمْنَاهُ على المفهوم وقد تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِجَوَازِ الْجَمْعِ ثُمَّ هُوَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ بِالْإِجْمَاعِ فِي صَلَاتَيِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَاتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من

(باب اسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ دَفْعِ الضَّعَفَةِ مِنْ النِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ مِنْ مُزْدَلِفَةَ) (إِلَى مِنًى فِي أَوَاخِرِ الليل قبل زحمة الناس واستحباب المكث) (لغيرهم حتى يصلوا الصبح بمزدلفة) [1290] قَوْلُهُ (وَكَانَتِ امْرَأَةً ثَبِطَةً) هِيَ بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِهَا وَفَسَّرَهُ فِي الْكِتَابِ بِأَنَّهَا الثَّقِيلَةُ أَيْ ثَقِيلَةُ الْحَرَكَةِ بَطِيئَةُ من التثبيط وهو التعويق قَوْلُهُ (قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ زحمتهم قَوْلُهُ (إِنَّ سَوْدَةَ اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُفِيضَ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ فَأَذِنَ لَهَا) فِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ الدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ يَجُوزُ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَيَجُوزُ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَبِيتِ الْحَاجِّ بِالْمُزْدَلِفَةِ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ وَاجِبٌ مَنْ تَرَكَهُ لَزِمَهُ دَمٌ وَصَحَّ حَجُّهُ وَبِهِ قال

فُقَهَاءُ الْكُوفَةِ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ سُنَّةٌ إِنْ تَرَكَهُ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ وَلَا غَيْرَهُ وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَصِحُّ حَجُّهُ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنِ النَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ إِمَامَانِ كَبِيرَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُمَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّ الْمَبِيتَ بِالْمُزْدَلِفَةِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا وَاجِبٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا فَضِيلَةَ فِيهِ بَلْ هُوَ مَنْزِلٌ كَسَائِرِ الْمَنَازِلِ إِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَتْرُكْهُ وَلَا فَضِيلَةَ فِيهِ وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الْمَبِيتِ الْوَاجِبِ فَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ سَاعَةٌ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنَ اللَّيْلِ وَفِي قَوْلٍ لَهُ سَاعَةٌ مِنَ النِّصْفِ الثَّانِي أَوْ مَا بَعْدَهُ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ لَهُ أَنَّهُ مُعْظَمُ اللَّيْلِ وَعَنْ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إِحْدَاهَا كُلُّ اللَّيْلِ وَالثَّانِي مُعْظَمُهُ وَالثَّالِثُ أَقَلُّ زَمَانٍ [1291] قَوْلُهُ (يَا هَنْتَاهْ) أَيْ يَا هَذِهِ هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَبَعْدَهَا نُونٌ سَاكِنَةٌ وَمَفْتُوحَةٌ وَإِسْكَانُهَا أَشْهَرُ ثُمَّ تَاءٌ مُثَنَّاةٌ

من فوق قال بن الْأَثِيرِ وَتُسَكَّنُ الْهَاءُ الَّتِي فِي آخِرِهَا وَتُضَمُّ وفي التثنية ياهنتان وفي الجمع باهنات وهنوات وُفِيَ الْمُذَكَّرِ هَنُ وَهَنَانِ وَهَنُونِ قَوْلُهُ (لَقَدْ غَلَّسْنَا قَالَتْ كَلَّا) أَيْ لَقَدْ تَقَدَّمْنَا عَلَى الْوَقْتِ الْمَشْرُوعِ قَالَتْ لَا قَوْلُهَا (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِلظُّعُنِ) هُوَ بِضَمِّ الظَّاءِ وَالْعَيْنِ وَبِإِسْكَانِ الْعَيْنِ أَيْضًا وَهُنَّ النِّسَاءُ الْوَاحِدَةُ ظَعِينَةٌ كَسَفِينَةٍ وَسُفُنٍ وَأَصْلُ الظَّعِينَةِ الْهَوْدَجُ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ الْمَرْأَةُ عَلَى الْبَعِيرِ فَسُمِّيَتِ الْمَرْأَةُ بِهِ مَجَازًا وَاشْتُهِرَ هَذَا الْمَجَازُ حَتَّى غَلَبَ وَخَفِيَتِ الْحَقِيقَةُ وَظَعِينَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتُهُ [1293] قَوْلُهُ (بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الثَّقَلِ) هُوَ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَالْقَافِ

وَهُوَ الْمَتَاعُ وَنَحْوُهُ [1295] قَوْلُهُ (إِنَّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ فَيَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بليل فيذكرون الله ما بدالهم ثُمَّ يَدْفَعُونَ) قَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهِ وَأَنَّ مَذْهَبَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ اسْمٌ لِقُزَحَ خَاصَّةً وَهُوَ جَبَلٌ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَمَذْهَبُ الْمُفَسِّرِينَ وَمَذْهَبُ أَهْلِ السِّيَرِ أَنَّهُ جَمِيعُ الْمُزْدَلِفَةِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ لِكِلَا الْمَذْهَبَيْنِ وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمَشْهُورَ فَتْحُ الْمِيمِ مِنَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَقِيلَ بِكَسْرِهَا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْوُقُوفِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَقَوْلُهُ مَا بَدَا لَهُمْ هُوَ بِلَا هَمْزٍ أَيْ مَا أَرَادُوا

(باب رمي جمرة العقبة من بطن الوادي)

(باب رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي) (وتكون مكة عن يساره ويكبره مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ ( [1296] قَوْلُهُ (رَمَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ قَالَ فقيل له ان ناسا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ هَذَا وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) فِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا إِثْبَاتُ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَهُوَ وَاجِبٌ وَهُوَ أَحَدُ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ فَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ مَعَ سَعْيِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى وَالثَّالِثُ الْحَلْقُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ نُسُكٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَوْ تَرَكَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ حَتَّى فَاتَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَحَجُّهُ صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ دَمٌ هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ الرَّمْيُ رُكْنٌ لا يصح الحج الا به وحكى بن جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّ رَمْيَ الْجِمَارِ إِنَّمَا شُرِعَ حِفْظًا لِلتَّكْبِيرِ وَلَوْ تَرَكَهُ وَكَبَّرَ أَجْزَأَهُ وَنَحْوُهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا والصحيح المشهور ما قدمناه وَمِنْهَا كَوْنُ الرَّمْيِ سَبْعَ حَصَيَاتٍ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ التَّكْبِيرِ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً قَالَ الْقَاضِي وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ كَوْنِ الرَّمْيِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ تَحْتَهَا فِي بَطْنِ الْوَادِي فَيَجْعَلَ مَكَّةَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَيَسْتَقْبِلَ الْعَقَبَةَ وَالْجَمْرَةَ وَيَرْمِيَهَا بِالْحَصَيَاتِ السَّبْعِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ مُسْتَقْبِلَ الْجَمْرَةِ مُسْتَدْبِرًا مَكَّةَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ وَتَكُونَ الْجَمْرَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ رَمَاهَا جَازَ سَوَاءٌ اسْتَقْبَلَهَا أَوْ جَعَلَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ رَمَاهَا مِنْ فَوْقِهَا أَوْ أَسْفَلِهَا أَوْ وَقَفَ فِي)

وَسَطِهَا وَرَمَاهَا وَأَمَّا رَمْيُ بَاقِي الْجَمَرَاتِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَيُسْتَحَبُّ مِنْ فَوْقِهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ فَسَبَقَ شَرْحُهُ قَرِيبًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنِ الْأَعْمَشِ سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ يَقُولُ وَهُوَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ أَلِّفُوا الْقُرْآنَ كَمَا أَلَّفَهُ جِبْرِيلُ السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ وَالسُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا النِّسَاءُ وَالسُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ فَلَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِهِ فَسَبَّهُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إِنْ كَانَ الْحَجَّاجُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ كَمَا أَلَّفَهُ جِبْرِيلُ تَأْلِيفَ الْآيِ فِي كُلِّ سُورَةٍ وَنَظْمِهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ الْآنَ فِي الْمُصْحَفِ فَهُوَ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَأَجْمَعُوا أَنَّ ذَلِكَ تَأْلِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ تَأْلِيفَ السُّورَةِ بَعْضِهَا فِي إِثْرِ بَعْضٍ فَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَالْقُرَّاءِ وَخَالَفَهُمُ الْمُحَقِّقُونَ وَقَالُوا بَلْ هُوَ اجْتِهَادٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَلَيْسَ بِتَوْقِيفٍ قَالَ الْقَاضِي وَتَقْدِيمُهُ هُنَا النِّسَاءَ عَلَى آلِ عِمْرَانَ دَلِيلٌ على أنه لم يرد الا نظم الآى لِأَنَّ الْحَجَّاجَ إِنَّمَا كَانَ يَتَّبِعُ مُصْحَفَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا يُخَالِفُهُ

(باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا)

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ تَرْتِيبَ الْآيِ لَا تَرْتِيبَ السُّوَرِ قَوْلُهُ (وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ) هَذَا دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي الْمَوْقِفِ الْمُسْتَحَبِّ لِلرَّمْيِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو الْمُحَيَّاةِ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب اسْتِحْبَابِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا) (وَبَيَانِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ) [1297] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَقُولُ لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنَى لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حجتي

هَذِهِ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَصَلَ مِنًى رَاكِبًا أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا وَلَوْ رَمَاهَا مَاشِيًا جَازَ وَأَمَّا مَنْ وَصَلَهَا مَاشِيًا فَيَرْمِيَهَا مَاشِيًا وَهَذَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَأَمَّا الْيَوْمَانِ الْأَوَّلَانِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْمِيَ فِيهِمَا جَمِيعَ الْجَمَرَاتِ مَاشِيًا وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَرْمِي رَاكِبًا وَيَنْفِرُ هَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يُسْتَحَبُّ يوم النحر أن يرمي ماشيا قال بن المنذر وكان بن عمر وبن الزُّبَيْرِ وَسَالِمٌ يَرْمُونَ مُشَاةً قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرَّمْيَ يُجْزِيِهِ عَلَى أَيِّ حَالٍ رَمَاهُ إِذَا وَقَعَ فِي الْمَرْمَى وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ (فَهَذِهِ اللَّامُ لَامُ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ خُذُوا مَنَاسِكَكُمْ وَهَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ مُسْلِمٍ وَتَقْدِيرُهُ هَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي أَتَيْتُ بِهَا فِي حَجَّتِي مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالْهَيْئَاتِ هِيَ أُمُورُ الْحَجِّ وَصِفَتُهُ وَهِيَ مناسككم فخذوها عني واقبلوها وحفظوها وَاعْمَلُوا بِهَا وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَعَلِي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَوْدِيعِهِمْ وَإِعْلَامِهِمْ بِقُرْبِ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَثِّهِمْ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِالْأَخْذِ عَنْهُ وَانْتِهَازِ الْفُرْصَةِ مِنْ مُلَازَمَتِهِ وَتَعْلَمِ أُمُورِ الدِّينِ وَبِهَذَا سُمِّيَتْ حَجَّةُ الْوَدَاعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1298] قَوْلُهَا (حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَانْصَرَفَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَمَعَهُ بِلَالٌ وَأُسَامَةُ أَحَدُهُمَا يَقُودُ بِهِ رَاحِلَتَهُ وَالْآخَرُ يَرْفَعُ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّمْسِ) فِيهِ جَوَازُ تَسْمِيَتِهَا حَجَّةُ الْوَدَاعِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَنْكَرَ

ذَلِكَ وَكَرِهَهُ وَهُوَ غَلَطٌ وَسَبَقَ بَيَانُ إِبْطَالِهِ وَفِيهِ الرَّمْيُ رَاكِبًا كَمَا سَبَقَ وَفِيهِ جَوَازُ تَظْلِيلِ الْمُحْرِمِ عَلَى رَأْسِهِ بِثَوْبٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ سَوَاءٌ كَانَ رَاكِبًا أَوْ نَازِلًا وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ فَعَلَ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أنه لافدية وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ تَحْتَ خَيْمَةٍ أَوْ سَقْفٍ جَازَ وَوَافَقُونَا عَلَى أَنَّهُ إِذَا كان الزمان يسيرا في المحمل لافدية وَكَذَا لَوِ اسْتَظَلَّ بِيَدِهِ وَقَدْ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ قَالَ صَحِبْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَا رَأَيْتُهُ مُضْرِبًا فُسْطَاطًا حَتَّى رَجَعَ رواه الشافعي والبيهقي بإسناد حسن وعن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَبْصَرَ رَجُلًا عَلَى بَعِيرِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَدِ اسْتَظَلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ فَقَالَ أضْحِ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ مُحْرِمٍ يُضْحِي لِلشَّمْسِ حَتَّى تَغْرُبَ إِلَّا غَرَبَتْ بِذُنُوبِهِ حَتَّى يَعُودَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ أُمِّ الحصين وهذا المذكور في مسلم ولأنه لَا يُسَمَّى لُبْسًا وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَضَعِيفٌ كَمَا ذَكَرْنَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ وكذا فعل عمر وقول بن عُمَرَ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ وَلَوْ كَانَ فَحَدِيثُ أُمِّ الْحُصَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (سَمِعَتْهُ يَقُولُ إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ حَسِبْتُهَا قَالَتْ أَسْوَدُ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا) الْمُجَدَّعُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ والجدع الْقَطْعُ مِنْ أَصْلِ الْعُضْوِ وَمَقْصُودُهُ التَّنْبِيهُ عَلَى نِهَايَةِ خِسَّتِهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ خَسِيسٌ فِي الْعَادَةِ ثُمَّ سَوَادُهُ نَقْصٌ آخَرُ وَجَدْعُهُ نَقْصٌ آخَرُ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ وَمَنْ هَذِهِ الصِّفَاتُ مَجْمُوعَةٌ فِيهِ فَهُوَ فِي نِهَايَةِ الْخِسَّةِ وَالْعَادَةُ أَنْ يَكُونَ مُمْتَهَنًا فِي أَرْذَلِ الْأَعْمَالِ فَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب استحباب كون حصى الجمار بقدر حصى الخذف

بِطَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ وَلَوْ كَانَ بِهَذِهِ الْخَسَاسَةِ مَا دَامَ يَقُودُنَا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ مَا دَامُوا مُتَمَسِّكِينَ بِالْإِسْلَامِ وَالدُّعَاءِ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ وَلَا يُشَقُّ عَلَيْهِمُ الْعَصَا بَلْ إِذَا ظَهَرَتْ مِنْهُمُ الْمُنْكَرَاتُ وُعِظُوا وَذُكِّرُوا فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُؤْمَرُ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْعَبْدِ مَعَ أَنَّ شَرْطَ الْخَلِيفَةِ كَوْنُهُ قُرَشِيًّا فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بَعْضُ الْوُلَاةِ الَّذِينَ يُوَلِّيهِمُ الْخَلِيفَةُ وَنُوَّابُهُ لَا أَنَّ الْخَلِيفَةَ يَكُونُ عَبْدًا وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ لَوْ قَهَرَ عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَاسْتَوْلَى بِالْقَهْرِ نَفَذَتْ أَحْكَامُهُ وَوَجَبَتْ طَاعَتُهُ وَلَمْ يَجُزْ شَقُّ الْعَصَا عليه والله أعلم (باب استحباب كون حصى الجمار بقدر حصى الخذف) [1299] قَوْلُهُ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى الْجَمْرَةَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ كَوْنِ الْحَصَى فِي هَذَا الْقَدْرِ وَهُوَ كَقَدْرِ حَبَّةِ الْبَاقِلَّا وَلَوْ رَمَى بِأَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَوْفَاةً قَرِيبًا فِي بَابِ اسْتِحْبَابِ إِدَامَةِ التَّلْبِيَةِ إِلَى رَمْيِ الْجَمْرَةِ (باب بَيَانِ وَقْتِ اسْتِحْبَابِ الرَّمْيِ) قَوْلُهُ (رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى وَأَمَّا بَعْدُ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ)

(باب بيان أن حصى الجمار سبع)

الْمُرَادُ بِيَوْمِ النَّحْرِ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ فَإِنَّهُ لَا يَشْرَعُ فِيهِ غَيْرَهَا بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةُ فَيَرْمِي كُلَّ يَوْمٍ مِنْهَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَهَذَا الْمَذْكُورُ فِي جَمْرَةِ يَوْمِ النَّحْرِ سُنَّةٌ بِاتِّفَاقِهِمْ وَعِنْدَنَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ مِنْ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَأَمَّا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرَّمْيُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَقَالَ طَاوُسٌ وَعَطَاءٌ يُجْزِئُهُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ يَجُوزُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ قَبْلَ الزَّوَالِ دَلِيلُنَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى كَمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ وَاعْلَمْ أَنَّ رَمْيَ جِمَارِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّرْتِيبُ وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ بِالْجَمْرَةِ الْأُولَى الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ عَقِبَ رَمْيِ الْأُولَى عِنْدَهَا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ زَمَانًا طَوِيلًا يَدْعُو وَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَقِفَ كَذَلِكَ عِنْدَ الثَّانِيَةِ وَلَا يَقِفَ عِنْدَ الثَّالِثَةِ ثَبَتَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رواية بن عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُسْتَحَبُّ هَذَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي هَذَا الدُّعَاءِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وثبت في صحيح البخاري من رواية بن عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ هَذَا الْوُقُوفَ لِلدُّعَاءِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ يُطْعِمُ شَيْئًا أَوْ يُهْرِيقُ دَمًا (باب بَيَانِ أَنَّ حَصَى الْجِمَارِ سَبْعٌ) [1300] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الِاسْتِجْمَارُ تَوٌّ وَرَمْيُ الْجِمَارِ تَوٌّ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ تَوٌّ وَالطَّوَافُ

(باب تفضيل الحلق على التقصير وجواز التقصير)

تَوٌّ وَإِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ بِتَوٍّ) التَّوُّ بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَهُوَ الْوِتْرُ وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِجْمَارِ الِاسْتِنْجَاءُ قَالَ الْقَاضِي وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَإِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ بِتَوٍّ لَيْسَ لِلتَّكْرَارِ بَلِ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الْفِعْلُ وَبِالثَّانِي عَدَدُ الْأَحْجَارِ وَالْمُرَادُ بِالتَّوِّ فِي الْجِمَارِ سَبْعٌ سَبْعٌ وَفِي الطَّوَافِ سَبْعٌ وَفِي السَّعْيِ سَبْعٌ وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ ثَلَاثٌ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلِ الْإِنْقَاءُ بِثُلَاثٍ وَجَبَتِ الزِّيَادَةُ حَتَّى يُنَقَّى فَإِنْ حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِوِتْرٍ فَلَا زِيَادَةَ وَإِنْ حَصَلَ بِشَفْعٍ اسْتُحِبَّ زِيَادَةُ مَسْحِهِ لِلْإِيتَارِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ وَاجِبٌ قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْمَشْهُورُ الِاسْتِحْبَابُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب تَفْضِيلِ الْحَلْقِ عَلَى التَّقْصِيرِ وَجَوَازِ التَّقْصِيرِ) [1301] قوله (حلق رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَحَلَقَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ) وَذَكَرَ الْأَحَادِيثَ فِي دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً بَعْدَ ذَلِكَ هَذَا كُلُّهُ تَصْرِيحٌ بِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إِنْ شَاءَ اقْتَصَرَ عَلَى الْحَلْقِ وَإِنْ شَاءَ عَلَى التَّقْصِيرِ وَتَصْرِيحٌ بِتَفْضِيلِ الْحَلْقِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ وَعَلَى أَنَّ التَّقْصِيرَ يُجْزِي إِلَّا ما حكاه بن الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ يَلْزَمُهُ الْحَلْقُ فِي أَوَّلِ حَجَّةٍ وَلَا يُجْزِئُهُ التَّقْصِيرُ وَهَذَا إِنْ صَحَّ عَنْهُ

مَرْدُودٌ بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّ الْحَلْقَ أَوِ التَّقْصِيرَ نُسُكٌ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهِمَا لَا يَحْصُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَّا بِهِ وَبِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّهُ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَلَيْسَ بِنُسُكٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَأَقَلُّ مَا يُجْزِي مِنَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رُبُعُ الرَّأْسِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نِصْفُ الرَّأْسِ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَكْثَرُ الرَّأْسِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ كُلُّ الرَّأْسِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْأَفْضَلَ حَلْقُ جَمِيعِهِ أَوْ تَقْصِيرُ جَمِيعِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ فِي التَّقْصِيرِ عَنْ قَدْرِ الْأُنْمُلَةِ مِنْ أَطْرَافِ الشَّعْرِ فَإِنْ قَصَّرَ دُونَهَا جَازَ لِحُصُولِ اسْمِ التَّقْصِيرِ وَالْمَشْرُوعُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ وَيُكْرَهُ لَهُنَّ الْحَلْقُ فَلَوْ حَلَقْنَ حَصَلَ النُّسُكُ وَيَقُومُ مَقَامَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ النَّتْفُ وَالْإِحْرَاقُ وَالْقَصُّ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ إِزَالَةِ الشَّعْرِ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ حَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ وَدُعَاؤُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا ثُمَّ لِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً كُلُّ هَذَا كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ هَذَا كَانَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ أَمَرَهُمْ بِالْحَلْقِ فَمَا فَعَلَهُ أَحَدٌ لِطَمَعِهِمْ بِدُخُولِ مَكَّةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وذكر عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ حَلَقَ رِجَالٌ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَصَّرَ آخَرُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْمُحَلِّقِينَ ظَاهَرْتَ لَهُمْ بِالتَّرَحُّمِ قَالَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يشكوا قال بن عبد البر

وَكَوْنُهُ فِي الْحُدَيْبِيَةِ هُوَ الْمَحْفُوظُ قَالَ الْقَاضِي قَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي الْبَابِ خِلَافَ مَا قَالُوهُ وَإِنْ كَانَتْ أَحَادِيثُهُ جَاءَتْ مُجْمَلَةً غَيْرَ مفسرة موطن ذلك لأنه ذكر من رواية بن أَبِي شَيْبَةَ وَوَكِيعٍ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَّا أَنَّ وَكِيعًا لَمْ يَذْكُرْ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ قَبْلَ هَذَا فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ حَدِيثَ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ جَدَّتِهِ هَذِهِ أُمِّ الْحُصَيْنِ قَالَتْ حَجَجْتُ مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وَقَدْ جَاءَ الْأَمْرُ فِي حَدِيثِهَا مُفَسَّرًا أَنَّهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَوَجْهُ فَضِيلَةِ الْحَلْقِ عَلَى التَّقْصِيرِ أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْعِبَادَةِ وَأَدَلُّ عَلَى صِدْقِ النِّيَّةِ فِي التَّذَلُّلِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ الْمُقَصِّرَ مُبْقٍ عَلَى نَفْسِهِ الشَّعْرَ الَّذِي هُوَ زِينَةٌ وَالْحَاجَّ مَأْمُورٌ بِتَرْكِ الزِّينَةِ بَلْ هُوَ أَشْعَثُ أَغْبَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَبَعْدَ ذَبْحِ الْهَدْيِ إِنْ كَانَ مَعَهُ وَقَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ قَارِنًا أَوْ مفردا وقال بن الْجَهْمِ الْمَالِكِيُّ لَا يَحْلِقُ الْقَارِنُ حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى وَهَذَا بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَقَدْ ثَبَتَتِ الْأَحَادِيثُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا فِي آخِرِ

باب بيان أن السنة يوم النحر أن يرمى ثم ينحر ثم

أَمْرِهِ وَلَوْ لَبَّدَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ فَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ حَلْقُهُ فِي وَقْتِ الْحَلْقِ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَلْزَمُهُ حَلْقُهُ (فَصْلٌ) قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سُفْيَانَ صَاحِبَ مُسْلِمٍ فَاتَهُ مِنْ سَمَاعِ هَذَا الْكِتَابِ مِنْ مُسْلِمٍ ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ أَوَّلُهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَهَذَا مَوْضِعُهُ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ هُنَاكَ وَأَنَّ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ مِنْ هُنَا عَنْ مُسْلِمٍ وَلَا يَقُولُ أَخْبَرَنَا كَمَا يَقُولُ فِي بَاقِي الْكِتَابِ وَأَوَّلَ هذا قول الجلودى حدثنا ابراهيم عن مسلم حدثنا بن نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عمر عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يا رسول الله إلى آخره (باب بيان أن السنة يوم النحر أن يرمى ثم ينحر ثم يحلق (والابتداء فى الحلق بالجانب الأيمن من رأس المحلوق) [1305] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى مِنًى فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا ثُمَّ أتى منزله بمنى ونحر ثم قال للحلقا خُذْ وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ) هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ فوائد)

كَثِيرَةٌ مِنْهَا بَيَانُ السُّنَّةِ فِي أَعْمَالِ الْحَجِّ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَعْمَالٍ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ثُمَّ نَحْرُ الْهَدْيِ أَوْ ذَبْحُهُ ثُمَّ الْحَلْقُ أَوِ التَّقْصِيرُ ثُمَّ دُخُولُهُ إِلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ فَإِنْ كَانَ سَعَى بَعْدَهُ كُرِهَتْ إِعَادَتُهُ وَالسُّنَّةُ فِي هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْأَرْبَعَةِ أَنْ تَكُونَ مُرَتَّبَةً كَمَا ذَكَرْنَا لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فإن خالف ترتيبها فقد مُؤَخَّرًا أَوْ أَخَّرَ مُقَدَّمًا جَازَ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا افْعَلْ وَلَا خرج وَمِنْهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إِذَا قَدِمَ مِنًى أنْ لَا يَعْرُجَ عَلَى شَيْءٍ قَبْلَ الرَّمْيِ بَلْ يَأْتِي الْجَمْرَةَ رَاكِبًا كَمَا هُوَ فَيَرْمِيهَا ثُمَّ يَذْهَبُ فَيَنْزِلُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ مِنًى وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ نَحْرِ الْهَدْيِ وَأَنَّهُ يَكُونُ بِمِنًى وَيَجُوزُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ بِقَاعِ الْحَرَمِ وَمِنْهَا أَنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِيهِ الْبُدَاءَةُ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مِنْ رَأْسِ المحلوق وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور وقال أبوحنيفة يَبْدَأُ بِجَانِبِهِ الْأَيْسَرِ وَمِنْهَا طَهَارَةُ شَعْرِ الْآدَمِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ العلماء

(باب جواز تقديم الذبح على الرمي والحلق على الذبح

ومنها التبرك بشعر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَوَازُ اقْتِنَائِهِ لِلتَّبَرُّكِ ومنها مواساة الامام والكبيربين أَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ فِيمَا يُفَرِّقُهُ عَلَيْهِمْ مِنْ عَطَاءٍ وَهَدِيَّةٍ وَنَحْوِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي حَلَقَ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيُّ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ زَعَمُوا أَنَّهُ مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ اسْمُهُ خِرَاشُ بن أمية بن ربيعة الكلبي بِضَمِّ الْكَافِ مَنْسُوبٌ إِلَى كُلَيْبِ بْنِ حَبَشِيَّةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ جَوَازِ تَقْدِيمِ الذَّبْحِ عَلَى الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ عَلَى الذَّبْحِ وَعَلَى الرَّمْيِ) (وَتَقْدِيمِ الطَّوَافِ عَلَيْهَا كُلَّهَا) [1306] قَوْلُهُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ فَقَالَ اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ ثُمَّ جَاءَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَقَالَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلَّا قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ) وَفِي رِوَايَةٍ فَمَا سَمِعْتُهُ سئل يؤمئذ عَنْ أَمْرٍ مِمَّا يَنْسَى الْمَرْءُ وَيَجْهَلُ مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضِ الْأُمُورِ قَبْلَ بَعْضٍ وَأَشْبَاهِهَا إِلَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْعَلُوا ذَلِكَ وَلَا حَرَجَ وَفِي رِوَايَةٍ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ وَفِي رِوَايَةٍ قِيلَ لَهُ فِي الذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَالرَّمْيِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَقَالَ لَا حَرَجَ قَدْ سَبَقَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ أَنَّ أَفْعَالَ يَوْمِ النَّحْرِ أَرْبَعَةٌ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ثُمَّ الذَّبْحُ ثُمَّ الْحَلْقُ ثُمَّ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَأَنَّ السُّنَّةَ تَرْتِيبُهَا هَكَذَا فَلَوْ خَالَفَ وَقَدَّمَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ جَازَ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَبِهَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ إِذَا قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ لَزِمَهُ الدَّمُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْحَلْقَ لَيْسَ بِنُسُكٍ وَبِهَذَا الْقَوْلِ هُنَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ ورواية شاذة عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ مَنْ قَدَّمَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ لَزِمَهُ دَمٌ وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَإِنْ تَأَوَّلُوهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْإِثْمِ وَادَّعُوا أَنَّ تَأْخِيرَ بَيَانِ الدَّمِ يَجُوزُ قُلْنَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حَرَجَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْكَ مُطْلَقًا وَقَدْ صَرَّحَ فِي بَعْضِهَا بِتَقْدِيمِ الْحَلْقِ عَلَى الرَّمْيِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَحْرَ قَبْلَ الرَّمْيِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَامِدِ وَالسَّاهِي فِي ذَلِكَ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَعَدَمِهَا وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْإِثْمِ عِنْدَ مَنْ يَمْنَعُ التَّقْدِيمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ مَعْنَاهُ افْعَلْ مَا بَقِيَ عَلَيْكَ وَقَدْ أَجَزَأَكَ مَا فَعَلْتَهُ وَلَا حَرَجَ عَلَيْكَ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ قَوْلُهُ (وَقَفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رَاحِلَتِهِ فَطَفِقَ نَاسٌ يَسْأَلُونَهُ) هَذَا دَلِيلٌ لِجَوَازِ الْقُعُودِ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِلْحَاجَةِ قَوْلُهُ (فَمَا سُئِلَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ) يَعْنِي مِنْ هَذِهِ

الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ قَوْلُهُ (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ) وَفِي رِوَايَةٍ وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ فَجَاءَ رَجُلٌ وَفِي رواية

وَقَفَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَطَفِقَ نَاسٌ يَسْأَلُونَهُ وَفِي رِوَايَةٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عِنْدَ الْجَمْرَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُهُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ مَوْقِفٌ وَاحِدٌ وَمَعْنَى خَطَبَ عَلَّمَهُمْ قَالَ الْقَاضِي وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا وَقَفَ عَلَى رَاحِلَتِهِ عِنْدَ الْجَمْرَةِ وَلَمْ يَقُلْ فِي هَذَا خَطَبَ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ وَقَفَ وَسُئِلَ وَالثَّانِي بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَقَفَ لِلْخُطْبَةِ فَخَطَبَ وَهِيَ إِحْدَى خُطَبِ الْحَجِّ المشروعة يعلمهم فيما مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنَ الْمَنَاسِكِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ وَخُطَبُ الْحَجِّ الْمَشْرُوعَةُ عِنْدَنَا أَرْبَعٌ أَوَّلُهَا بِمَكَّةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ وَالثَّانِيَةُ بِنَمِرَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَالثَّالِثَةُ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ وَالرَّابِعَةُ بِمِنًى فِي الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَكُلُّهَا خُطْبَةٌ فَرْدَةٌ وَبَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ إِلَّا الَّتِي بِنَمِرَةَ فَإِنَّهَا خُطْبَتَانِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الظهر وبعد

باب استحباب طواف الافاضة يوم النحر

الزَّوَالِ وَقَدْ ذَكَرْتُ أَدِلَّتَهَا كُلَّهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الصحيحة في شرح المهذب والله أعلم (باب استحباب طواف الافاضة يوم النحر) [1308] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى) هَكَذَا صَحَّ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ صِفَةِ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَوَّلَ النَّهَارِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذَا الطَّوَافَ وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إِلَّا بِهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الرَّمْيِ وَالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهُ وَفَعَلَهُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَجْزَأَهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ أَخَّرَهُ إِلَى مَا بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَتَى بِهِ بَعْدَهَا أَجْزَأَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِذَا تَطَاوَلَ لزمه معه دم والله أعلم

(باب استحباب نزول المحصب يوم النفر)

(بَابُ اسْتِحْبَابِ نُزُولِ الْمُحَصَّبِ يَوْمَ النَّفَرِ) (وَصَلَاةِ الظُّهْرِ وَمَا بَعْدَهَا بِهِ) ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي هَذَا الْبَابِ الْأَحَادِيثَ فِي نُزُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْطَحِ يَوْمَ النَّفَرِ وَهُوَ المحصب وأن أبا بكر وعمر وبن عُمَرَ وَالْخُلَفَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وأن عائشة وبن عَبَّاسٍ كَانَا لَا يَنْزِلَانِ بِهِ وَيَقُولَانِ هُوَ مَنْزِلٌ اتِّفَاقِيٌّ لَا مَقْصُودٌ فَحَصَلَ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ والجمهور واستحبابه اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَيَبِيتَ بِهِ بَعْضَ اللَّيْلِ أَوْ كُلَّهُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم والمحصب بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالْحَصْبَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وإسكان الصاد والأبطح وَالْبَطْحَاءُ وَخَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ اسْمٌ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ وأصل الخيف كلما انْحَدَرَ عَنِ الْجَبَلِ وَارْتَفَعَ عَنِ الْمِيلِ قَوْلُهُ (يوم التروية) هو الثامن من ذي الحجة وسبق بيانه مرات [1311] قَوْلُهُ (أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ) أَيْ أَسْهَلَ

لِخُرُوجِهِ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ [1313] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ جميعا عن بن عُيَيْنَةَ قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ثُمَّ قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ قَالَ سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ) كَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى وَهِيَ رِوَايَةُ قُتَيْبَةَ وَزُهَيْرٍ قَالَا فيها عن بن عُيَيْنَةَ عَنْ صَالِحٍ عَنْ سُلَيْمَانَ وَأَمَّا رِوَايَةُ أبي بكر ففيها عن بن عُيَيْنَةَ عَنْ صَالِحٍ قَالَ سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ وَهَذِهِ الرواية أكمل من رواية عن لِأَنَّ السَّمَاعَ يُحْتَجُّ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْعَنْعَنَةِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ قَائِلُهَا غَيْرَ مُدَلِّسٍ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَفِي بَعْضِهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْ صَالِحٍ قَالَ سَمِعْتُ

سُلَيْمَانَ وَالصَّوَابُ الرِّوَايَةُ الْأُولَى وَكَذَا نَقَلَهَا الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ وَقَالَ هِيَ الصَّوَابُ قَوْلُهُ (وَكَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هُوَ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَالْقَافِ وَهُوَ مَتَاعُ الْمُسَافِرِ وَمَا يَحْمِلُهُ عَلَى دَوَابِّهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ [1314] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَنْزِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ) أَمَّا الْخَيْفُ فَسَبَقَ بَيَانُهُ وَضَبْطُهُ وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَمَعْنَى تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ تَحَالَفُوا وَتَعَاهَدُوا عَلَيْهِ وَهُوَ تَحَالُفُهُمْ عَلَى إِخْرَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى هَذَا الشِّعْبِ وَهُوَ خَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ وَكَتَبُوا بَيْنَهُمُ الصَّحِيفَةَ الْمَشْهُورَةَ وَكَتَبُوا فِيهَا أَنْوَاعًا مِنَ الْبَاطِلِ وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ وَالْكُفْرِ فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا الْأَرَضَةَ فَأَكَلَتْ كُلَّ مَا فِيهَا مِنْ كُفْرٍ وَقَطِيعَةِ رَحِمٍ وَبَاطِلٍ وَتَرَكَتْ مَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَخْبَرَ

باب وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق

جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَأَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ فَجَاءَ إِلَيْهِمْ أَبُو طَالِبٍ فَأَخْبَرَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَوَجَدُوهُ كَمَا أَخْبَرَ وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَكَانَ نُزُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُنَا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الظُّهُورِ بَعْدَ الِاخْتِفَاءِ وَعَلَى إِظْهَارِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى والله أعلم (باب وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق) (والترخيص في تركه لأهل السقاية) [1315] قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا بن نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ بِبِلَادِنَا أَوْ كُلِّهَا وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَغَارِبَةِ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا زهير وأبو أسامة فجعل زهير أبدل بن نُمَيْرٍ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَالْقَاضِي وَقَعَ في رواية بن ماهان عن بن سُفْيَانَ عَنْ مُسْلِمٍ قَالَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أبي أحمد الجلودي عن بن سُفْيَانَ عَنْ زُهَيْرٍ قَالَا وَهَذَا وَهَمٌ وَالصَّوَابُ بن نُمَيْرٍ قَالَا وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ هَذَا كَلَامُهُمَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ خَلَفٌ الْوَاسِطِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَطْرَافُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا بن نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ زُهَيْرًا قَوْلُهُ (اسْتَأْذَنَ الْعَبَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أجل سقايته فأذن له) هذا يدل المسئلتين

إِحْدَاهُمَا أَنَّ الْمَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَأْمُورٌ بِهِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَكِنِ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ سُنَّةٌ وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا وَاجِبٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ والثاني سنة وبه قال بن عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَمَنْ أَوْجَبَهُ أَوْجَبَ الدَّمَ فِي تَرْكِهِ وَإِنْ قُلْنَا سُنَّةٌ لَمْ يَجِبِ الدَّمُ بِتَرْكِهِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَفِي قَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ هَذَا الْمَبِيتِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا الْوَاجِبُ مُعْظَمَ اللَّيْلِ وَالثَّانِي سَاعَةً الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ لِأَهْلِ السِّقَايَةِ أَنْ يَتْرُكُوا هَذَا الْمَبِيتَ وَيَذْهَبُوا إِلَى مَكَّةَ لِيَسْتَقُوا بِاللَّيْلِ الْمَاءَ مِنْ زَمْزَمَ وَيَجْعَلُوهُ فِي الْحِيَاضِ مُسَبَّلًا لِلشَّارِبِينَ وَغَيْرِهِمْ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِآلِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَلْ كُلِّ مَنْ تَوَلَّى السِّقَايَةَ كَانَ لَهُ هَذَا وَكَذَا لَوْ أُحْدِثَتْ سِقَايَةٌ أُخْرَى كَانَ لِلْقَائِمِ بِشَأْنِهَا تَرْكُ الْمَبِيتِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَخْتَصُّ الرُّخْصَةُ بِسِقَايَةِ الْعَبَّاسِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَخْتَصُّ بِآلِ عَبَّاسٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَخْتَصُّ بِبَنِي هَاشِمٍ مِنْ آلِ الْعَبَّاسِ وَغَيْرِهِمْ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا أصحهما الأول والله أعلم وأعلم أن سقاية العباس حَقٌّ لِآلِ الْعَبَّاسِ كَانَتْ لِلْعَبَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فهي لآل العباس أبدا

باب فضل القيام بالسقاية والثناء على أهلها

(باب فضل القيام بالسقاية والثناء على أهلها) (واستحباب الشرب منها) [1316] قَوْلُهُ (قَدِمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَخَلْفَهُ أُسَامَةُ فَاسْتَسْقَى فَأَتَيْنَاهُ بِإِنَاءٍ مِنْ نَبِيذٍ فَشَرِبَ وَسَقَى فَضْلَهُ أُسَامَةَ وَقَالَ أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ كَذَا فَاصْنَعُوا) هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ لِلْمَسَائِلِ الَّتِي تَرْجَمْتُ عَلَيْهَا وَقَدِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَ الْحَاجُّ وَغَيْرُهُ مِنْ نَبِيذِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَهَذَا النَّبِيذُ مَاءٌ مُحَلًّى بِزَبِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ بِحَيْثُ يَطِيبُ طَعْمُهُ وَلَا يَكُونُ مُسْكِرًا فَأَمَّا إِذَا طَالَ زَمَنُهُ وَصَارَ مُسْكِرًا فَهُوَ حَرَامٌ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ) مَعْنَاهُ فَعَلْتُمُ الْحَسَنَ الْجَمِيلَ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ اسْتِحْبَابُ الثَّنَاءِ عَلَى أَصْحَابِ السِّقَايَةِ وَكُلِّ صَانِعِ جَمِيلٍ والله أعلم (باب الصدقة بلحوم الهدايا وجلودها وجلالها) (ولا يعطى الجزار منها شيئا وجواز الاستنابة في القيام عليها) [1317] قَوْلُهُ (عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلُحُومِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا وَقَالَ نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا

قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ سُمِّيَتِ الْبَدَنَةُ لِعَظَمِهَا وَيُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَيُطْلَقُ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَكِنَّ مُعْظَمَ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْأَحَادِيثِ وَكُتُبِ الْفِقْهِ فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا اسْتِحْبَابُ سَوْقِ الْهَدْيِ وَجَوَازُ النِّيَابَةِ فِي نَحْرِهِ وَالْقِيَامِ عَلَيْهِ وَتَفْرِقَتِهِ وَأَنَّهُ يُتَصَدَّقُ بِلُحُومِهَا وَجُلُودِهَا وَجِلَالِهَا وَأَنَّهَا تُجَلَّلُ وَاسْتَحَبُّوا أَنْ يَكُونَ جلا حسنا وأن لا يعطى الجزار منها لِأَنَّ عَطِيَّتَهُ عِوَضٌ عَنْ عَمَلِهِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى بَيْعِ جُزْءٍ مِنْهَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَفِيهِ جَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى النَّحْرِ وَنَحْوِهِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ جِلْدِ الْهَدْيِ وَلَا الأضحية ولا شيء من أجزائهما لأنها لاينتفع بِهَا فِي الْبَيْتِ وَلَا بِغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَا تَطَوُّعًا أَوْ وَاجِبَتَيْنِ لَكِنْ إِنْ كَانَا تَطَوُّعًا فَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِالْجِلْدِ وَغَيْرِهِ بِاللُّبْسِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ إِعْطَاءُ الْجَزَّارِ مِنْهَا شَيْئًا بِسَبَبِ جِزَارَتِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وأحمد واسحق وحكى بن المنذر عن بن عمر وأحمد واسحق أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ جِلْدِ هَدْيِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ قَالَ وَرَخَّصَ فِي بَيْعِهِ أَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ الْغِرْبَالَ وَالْمُنْخُلَ وَالْفَأْسَ وَالْمِيزَانَ وَنَحْوَهَا وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْجَزَّارَ جِلْدَهَا وَهَذَا مُنَابِذٌ لِلسُّنَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي التَّجْلِيلُ سُنَّةٌ وَهُوَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مُخْتَصٌّ بِالْإِبِلِ وَهُوَ مِمَّا اشْتُهِرَ مِنْ عَمَلِ السَّلَفِ قَالَ وَمِمَّنْ رَآهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَإِسْحَاقُ قَالُوا وَيَكُونُ بَعْدَ الْإِشْعَارِ لِئَلَّا يَتَلَطَّخَ بِالدَّمِ قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهَا وَنَفَاسَتُهَا بِحَسَبِ حَالِ الْمُهْدِي وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يُجَلِّلُ بِالْوَشْيِ وَبَعْضُهُمْ بِالْحِبَرَةِ وَبَعْضُهُمْ بِالْقَبَاطِيِّ

(باب جواز الاشتراك في الهدي وإجزاء البدنة والبقرة)

وَالْمَلَاحِفِ وَالْأُزُرِ قَالَ مَالِكٌ وَتُشَقُّ عَلَى الْأَسْنِمَةِ إِنْ كَانَتْ قَلِيلَةَ الثَّمَنِ لِئَلَّا تَسْقُطَ قَالَ مَالِكٌ وَمَا عَلِمْتُ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ إِلَّا بن عمر استبقاء للثياب لِأَنَّهُ كَانَ يُجَلِّلُ الْجِلَالَ الْمُرْتَفِعَةَ مِنَ الْأَنْمَاطِ والبرود والحبر قال وكان لَا يُجَلِّلُ حَتَّى يَغْدُوَ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتٍ قَالَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُجَلِّلُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَكَانَ يَعْقِدُ أَطْرَافَ الْجِلَالِ عَلَى أَذْنَابِهَا فَإِذَا مَشَى لَيْلَةً نَزَعَهَا فَإِذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ جَلَّلَهَا فَإِذَا كَانَ عِنْدَ النَّحْرِ نَزَعَهَا لِئَلَّا يُصِيبَهَا الدَّمُ قَالَ مَالِكٌ أَمَّا الْجِلُّ فَيُنْزَعُ فِي اللَّيْلِ لِئَلَّا يَخْرِقَهَا الشَّوْكُ قَالَ وَاسْتُحِبَّ إِنْ كَانَتِ الْجِلَالُ مُرْتَفِعَةً أَنْ يَتْرُكَ شِقَّهَا وَأَنْ لَا يُجَلِّلَهَا حَتَّى يَغْدُوَ إِلَى عَرَفَاتٍ فَإِنْ كَانَتْ بِثَمَنٍ يَسِيرٍ فَمِنْ حِينِ يُحْرِمُ يَشُقُّ وَيُجَلِّلُ قَالَ الْقَاضِي وَفِي شَقِّ الْجِلَالِ عَلَى الْأَسْنِمَةِ فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ إِظْهَارُ الْإِشْعَارِ لِئَلَّا يَسْتَتِرَ تَحْتَهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّدَقَةُ بِالْجِلَالِ وَهَكَذَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ وكان بن عُمَرَ أَوَّلًا يَكْسُوهَا الْكَعْبَةَ فَلَمَّا كُسِيَتِ الْكَعْبَةُ تَصَدَّقَ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ جَوَازِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْهَدْيِ وَإِجْزَاءِ الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ) (كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَنْ سَبْعَةٍ) [1318] قَوْلُهُ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ نَحَرنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام

الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى اشْتَرَكْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كُلُّ سَبْعَةٍ فِي بَدَنَةٍ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ لِجَوَازِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْهَدْيِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْهَدْيِ سَوَاءٌ كَانَ تَطَوُّعًا أَوْ وَاجِبًا وَسَوَاءٌ كَانُوا كُلُّهُمْ مُتَقَرِّبِينَ أَوْ بَعْضُهُمْ يُرِيدُ الْقُرْبَةَ وَبَعْضُهُمْ يُرِيدُ اللَّحْمَ وَدَلِيلُهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ دَاوُدُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ دُونَ الْوَاجِبِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ إِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ مُتَقَرِّبِينَ وَإِلَّا فَلَا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الشَّاةَ لَا يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ فِيهَا وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْبَدَنَةَ تُجْزِي عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَتَقُومُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مَقَامَ سَبْعِ شِيَاهٍ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى الْمُحْرِمِ سَبْعَةُ دِمَاءٍ بِغَيْرِ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَذَبَحَ عَنْهَا بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً أَجْزَأَهُ عَنِ الْجَمِيعِ قَوْلُهُ (فَقَالَ رَجُلٌ لِجَابِرٍ أَيَشْتَرِكُ فِي الْبَدَنَةِ مَا يَشْتَرِكُ فِي الْجَزُورِ قَالَ مَا هِيَ

الا من البدن) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْجَزُورُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهِيَ الْبَعِيرُ قال القاضي وفرق هنا بين البدنة والجزور لِأَنَّ الْبَدَنَةَ وَالْهَدْيَ مَا ابْتُدِيَ إِهْدَاؤُهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَالْجَزُورَ مَا اشْتُرِيَ بَعْدَ ذَلِكَ لِيُنْحَرَ مَكَانَهَا فَتَوَهَّمَ السَّائِلُ أَنَّ هَذَا أَحَقُّ فِي الِاشْتِرَاكِ فَقَالَ فِي جَوَابِهِ الْجَزُورُ لَمَّا اشْتُرِيَتْ لِلنُّسُكِ صَارَ حُكْمُهَا كَالْبُدْنِ وَقَوْلُهُ (مَا يَشْتَرِكُ فِي الْجَزُورِ) هَكَذَا فِي النُّسَخِ مَا يَشْتَرِكُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَيَكُونُ مَا بِمَعْنَى مَنْ وَقَدْ جَازَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً أَيِ اشْتِرَاكًا كَالِاشْتِرَاكِ فِي الْجَزُورِ قَوْلُهُ (فَأَمَرَنَا إِذَا حَلَلْنَا أَنْ نُهْدِيَ وَيَجْتَمِعَ النَّفَرُ مِنَّا فِي الْهَدِيَّةِ وَذَلِكَ حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا مِنْ حَجِّهِمْ) فِي هَذَا فَوَائِدُ مِنْهَا وُجُوبُ الْهَدْيِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَجَوَازُ الِاشْتِرَاكِ في البدنة الواجبة لِأَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ وَاجِبٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي الِاشْتِرَاكِ فِي الْوَاجِبِ خِلَافُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ قَرِيبًا وَفِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ ذَبْحِ هَدْيِ التَّمَتُّعِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنَ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ إِنَّمَا يَجِبُ إِذَا فَرَغَ مِنَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَبِإِحْرَامِ الْحَجِّ يَجِبُ الدَّمُ وَفِي وَقْتِ جَوَازِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَعْدَ فَرَاغِ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَالثَّالِثُ يَجُوزُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا نَتَمَتَّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب استحباب نحر الابل قياما معقولة

بِالْعُمْرَةِ فَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ) هَذَا فِيهِ دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ لَفْظَ كان لا يقتضي التكرار لِأَنَّ إِحْرَامَهُمْ بِالتَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا وُجِدَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى أعلم (باب استحباب نحر الابل قياما معقولة) [1320] قَوْلُهُ (ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أيِ الْمُقَيَّدَةُ الْمَعْقُولَةُ فَيُسْتَحَبُّ نَحْرُ الْإِبِلِ وَهِيَ قَائِمَةٌ مَعْقُولَةُ الْيَدِ الْيُسْرَى صَحَّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيُسْرَى قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ أَمَّا الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُذْبَحَ مُضْجَعَةً عَلَى جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ وَتُتْرَكَ رِجْلُهَا الْيُمْنَى وَتُشَدَّ قَوَائِمُهَا الثَّلَاثُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنَ اسْتِحْبَابِ نَحْرِهَا قِيَامًا مَعْقُولَةً هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ يَسْتَوِي نَحْرُهَا قَائِمَةً وَبَارِكَةً فِي الْفَضِيلَةِ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ نحرها باركة أفضل وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم لمن لا يريد

(باب اسْتِحْبَابِ بَعْثِ الْهَدْيِ إِلَى الْحَرَمِ لِمَنْ لَا يُرِيدُ الذَّهَابَ بِنَفْسِهِ) (وَاسْتِحْبَابِ تَقْلِيدِهِ وَفَتْلِ القلائد وأن باعثه لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا) (وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بسبب ذَلِكَ) [1321] قَوْلُهَا (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهْدِي مِنَ الْمَدِينَةِ فَأَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِهِ ثُمَّ لَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْهَدْيِ إِلَى الْحَرَمِ وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَذْهَبْ إِلَيْهِ يُسْتَحَبُّ لَهُ بَعْثُهُ مَعَ غَيْرِهِ وَاسْتِحْبَابُ تَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بَعْدَ هَذِهِ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْإِشْعَارِ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ اسْتِحْبَابُ الْإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَأَمَّا الْغَنَمُ فَيُسْتَحَبُّ فِيهَا التَّقْلِيدُ وَحْدُهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ فَتْلِ الْقَلَائِدِ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ بَعَثَ هَدْيَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا حكاية رويت عن بن عباس وبن عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَحَكَاهَا الخطابي عن

أَهْلِ الرَّأْيِ أَيْضًا أَنَّهُ إِذَا فَعَلَهُ لَزِمَهُ اجْتِنَابُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ وَلَا يَصِيرُ مُحْرِمًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْإِحْرَامِ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَوْلُهَا (فَتَلْتُ قَلَائِدَ بَدَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى الْبَيْتِ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حَلَالًا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ فِي الْبُدْنِ وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ وَفِيهِ أَنَّهُ إِذَا أَرْسَلَ هَدِيَّةً أَشْعَرَهُ وَقَلَّدَهُ مِنْ بَلَدِهِ وَلَوْ أَخَذَهُ مَعَهُ أَخَّرَ التَّقْلِيدَ وَالْإِشْعَارَ إِلَى حِينِ يُحْرِمُ مِنَ الْمِيقَاتِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ قَوْلُهَا (أَنَا فَتَلْتُ تِلْكَ الْقَلَائِدَ مِنْ عِهْنٍ) هُوَ الصُّوفُ وَقِيلَ الصُّوفُ الْمَصْبُوغُ أَلْوَانًا قَوْلُهَا

(أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً إِلَى الْبَيْتِ غَنَمًا فَقَلَّدَهَا) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ الْكَثِيرِينَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْلِيدُ الْغَنَمِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ خَصَّا التَّقْلِيدَ بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ) هُوَ بِجِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ مُخَفَّفَةٍ قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أنها أخبرته ان بن زِيَادٍ كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ) هَكَذَا وَقَعَ في جميع نسخ صحيح مسلم أن بن زِيَادٍ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَالْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي وَجَمِيعُ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ هَذَا غَلَطٌ

باب جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج اليها

وَصَوَابُهُ أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ المعروف بزياد بن أَبِيهِ وَهَكَذَا وَقَعَ عَلَى الصَّوَابِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَالْمُوَطَّأِ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهَا مِنَ الكتب المعتمدة ولأن بن زياد لم يدرك عائشة والله أعلم (باب جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج اليها) قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ ارْكَبْهَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ ارْكَبْهَا وَيْلَكَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَيْلَكَ ارْكَبْهَا وَيْلَكَ ارْكَبْهَا

وَفِي رِوَايَةِ جَابِرٍ ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا هَذَا دَلِيلٌ عَلَى رُكُوبِ الْبَدَنَةِ الْمُهْدَاةِ وَفِيهِ مَذَاهِبُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَرْكَبُهَا إِذَا احْتَاجَ وَلَا يَرْكَبُهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَإِنَّمَا يَرْكَبُهَا بِالْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ اضرار وبهذا قال بن الْمُنْذِرِ وَجَمَاعَةٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمَالِكٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لَهُ رُكُوبُهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّهَا وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرْكَبُهَا إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ مِنْهُ بُدًّا وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ أَوْجَبَ رُكُوبَهَا الْمُطْلَقَ لِأَمْرٍ وَلِمُخَالَفَةِ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ عَلَيْهِ مِنْ إِكْرَامِ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِي وَإِهْمَالِهَا بِلَا رُكُوبٍ دَلِيلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى وَلَمْ يَرْكَبْ هَدْيَهُ وَلَمْ يَأْمُرِ النَّاسَ بِرُكُوبِ الْهَدَايَا وَدَلِيلُنَا عَلَى عُرْوَةَ وَمُوَافِقِيهِ رِوَايَةُ جَابِرٍ الْمَذْكُورَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَيْلَكَ ارْكَبْهَا) فَهَذِهِ الْكَلِمَةُ أَصْلُهَا لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ فقيل لأنه كَانَ مُحْتَاجًا قَدْ وَقَعَ فِي تَعَبٍ وَجَهْدٍ وَقِيلَ هِيَ كَلِمَةٌ تَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ وَتُسْتَعْمَلُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَى مَا وُضِعَتْ لَهُ أَوَّلًا بَلْ تُدَعِّمُ بِهَا الْعَرَبُ كَلَامَهَا كَقَوْلِهِمْ لَا أُمَّ لَهُ لَا أَبَ لَهُ تَرِبَتْ يَدَاهُ قَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَشْجَعَهُ وَعَقْرَى حَلْقَى وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مُسْتَوْفَاةً فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي تَرِبَتْ يَدَاكَ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ وَأَظُنُّنِي قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ أَنَسٍ) الْقَائِلُ وَأَظُنُّنِي قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ أَنَسٍ هُوَ حُمَيْدٌ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَأَظُنُّنِي بِنُونَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا وَأَظُنِّي بِنُونٍ وَاحِدَةٍ

باب ما يفعل بالهدى اذا عطب في الطريق

وَهِيَ لُغَةٌ قَوْلُهُ (قَالَ إِنَّهَا بَدَنَةٌ أَوْ هَدِيَّةٌ فَقَالَ وَإِنْ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَإِنْ فَقَطْ أَيْ وَإِنْ كَانَتْ بَدَنَةً والله أعلم (باب ما يفعل بالهدى اذا عطب في الطريق) [1325] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ الضُّبَعِيِّ) التَّيَّاحِ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقَ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتَ وَبِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَالضُّبَعِيُّ بضاد

مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْبَصْرِيُّ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلِ بْنِ قَاسِطِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَقْصَى بْنِ رَعْمَى بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِ بْنِ عَدْنَانَ قَالَ السَّمْعَانِيُّ نَزَلَ أَكْثَرُ هَذِهِ الْقَبِيلَةِ الْبَصْرَةَ وَكَانَتْ بِهَا مَحَلَّةٌ تُنْسَبُ إِلَيْهِمْ قَوْلُهُ (وَانْطَلَقَ بِبَدَنَةٍ يَسُوقُهَا فَأَزْحَفَتْ عَلَيْهِ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ هَذَا رِوَايَةُ الْمُحَدِّثِينَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَذَا يَقُولُهُ الْمُحَدِّثُونَ قَالَ وَصَوَابُهُ وَالْأَجْوَدُ فَأُزْحِفَتْ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ يُقَالُ زَحْفَ الْبَعِيرُ إِذَا قَامَ وَأَزْحَفَهُ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ يُقَالُ أَزْحَفَ الْبَعِيرُ وَأَزْحَفَهُ السَّيْرُ بِالْأَلِفِ فِيهِمَا وَكَذَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ يُقَالُ زَحَفَ الْبَعِيرُ وَأَزْحَفُ لُغَتَانِ وَأَزْحَفَهُ السَّيْرُ وَأَزْحَفَ الرَّجُلُ وَقَفَ بَعِيرُهُ فَحَصَلَ أَنَّ إِنْكَارَ الْخَطَّابِيِّ لَيْسَ بِمَقْبُولٍ بَلِ الْجَمِيعُ جَائِزٌ وَمَعْنَى أزحف وقف من الكلال والاعياء قوله (فعي بِشَأْنِهَا إِنْ هِيَ أُبْدِعَتْ كَيْفَ يَأْتِي بِهَا) أَمَّا قَوْلُهُ فَعَيِيَ فَذَكَرَ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ وَالْمَطَالِعِ أَنَّهُ رُوِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا وَهِيَ رواية الجمهور فعي بِيَاءَيْنِ مِنَ الْإِعْيَاءِ وَهُوَ الْعَجْزُ وَمَعْنَاهُ عَجَزَ عَنْ مَعْرِفَةِ حُكْمِهَا لَوْ عَطِبَتْ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ كَيْفَ يَعْمَلُ بِهَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي فَعِيَ بياء واحدة مشددة وهي لغة بمعنى الأولى وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ فَعُنِيَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِ النُّونِ مِنَ الْعِنَايَةِ بِالشَّيْءِ وَالِاهْتِمَامِ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ أُبْدِعَتْ فَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ التَّاءِ وَمَعْنَاهُ كَلَّتْ وَأَعْيَتْ وَوَقَفَتْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ بَعْضُ الْأَعْرَابِ لَا يَكُونُ الْإِبْدَاعُ إِلَّا بِظَلْعٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ (كَيْفَ يَأْتِي لَهَا) فَفِي بَعْضِ الْأُصُولِ لَهَا وَفِي بَعْضِهَا بِهَا وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ (لَئِنْ قَدِمْتُ الْبَلَدَ لِأَسْتَحْفِيَنَّ عَنْ ذَلِكَ) وَقَعَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ قَدِمْتُ الْبَلَدَ وَفِي بَعْضِهَا قَدِمْتُ اللَّيْلَةَ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْ ذَلِكَ وَفِي بَعْضِهَا عَنْ ذَاكَ بِغَيْرِ لَامٍ وَقَوْلُهُ لَأَسْتَحْفِيَنَّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْفَاءِ وَمَعْنَاهُ لَأَسْأَلَنَّ سُؤَالًا بَلِيغًا عَنْ ذَلِكَ يُقَالُ أَحْفَى فِي الْمَسْأَلَةِ إِذَا أَلَحَّ فِيهَا وَأَكْثَرَ مِنْهَا قَوْلُهُ (فَأَضْحَيْتُ) هُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَ الْحَاءِ يَاءٌ مُثَنَّاةٌ تَحْتَ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ مَعْنَاهُ صِرْتُ فِي وَقْتِ الضحى قوله أن بن عباس حين

سَأَلُوهُ (قَالَ عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ) فِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ ذِكْرِ الْإِنْسَانِ بَعْضَ مُمَادَحَتِهِ لِلْحَاجَةِ وَإِنَّمَا ذكر بن عَبَّاسٍ ذَلِكَ تَرْغِيبًا لِلسَّامِعِ فِي الِاعْتِنَاءِ بِخَبَرِهِ وَحَثًّا لَهُ عَلَى الِاسْتِمَاعِ لَهُ وَأَنَّهُ عِلْمٌ مُحَقَّقٌ قَوْلُهُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا أُبْدِعَ عَلَيَّ مِنْهَا قَالَ انْحَرْهَا ثُمَّ اصْبُغْ نَعْلَيْهَا فِي دَمِهَا ثُمَّ اجْعَلْهُ عَلَى صَفْحَتِهَا وَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ) فِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّهُ إِذَا عَطِبَ الْهَدْيُ وَجَبَ ذَبْحُهُ وَتَخْلِيَتُهُ لِلْمَسَاكِينِ وَيَحْرُمُ الْأَكْلُ مِنْهَا عَلَيْهِ وَعَلَى رُفْقَتِهِ الَّذِينَ مَعَهُ فِي الرَّكْبِ سَوَاءٌ كَانَ الرَّفِيقُ مُخَالِطًا لَهُ أَوْ فِي جُمْلَةِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ مُخَالَطَةٍ وَالسَّبَبُ فِي نَهْيِهِمْ قَطْعُ الذَّرِيعَةِ لِئَلَّا يَتَوَصَّلَ بَعْضُ النَّاسِ إِلَى نَحْرِهِ أَوْ تَعْيِيبِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَكْلِ مِنَ الْهَدْيِ إِذَا عَطِبَ فَنَحَرَهُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ كَانَ هَدْيُ تَطَوُّعٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِيهِ مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ وَذَبْحٍ وَأَكْلٍ وَإِطْعَامٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَهُ تَرْكُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَإِنْ كَانَ هَدْيًا مَنْذُورًا لَزِمَهُ ذَبْحُهُ فَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى هَلَكَ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ فَرَّطَ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ حَتَّى تَلْفِتْ فَإِذَا ذَبَحَهُ غَمَسَ نَعْلَهُ الَّتِي قَلَّدَهُ إِيَّاهَا فِي دَمِهِ وَضَرَبَ بِهَا صَفْحَةَ سَنَامِهِ وَتَرْكُهُ مَوْضِعَهُ لِيَعْلَمَ مَنْ مَرَّ بِهِ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلَهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُهْدِي وَلَا لِسَائِقِ هَذَا الْهَدْيِ وَقَائِدِهِ الْأَكْلُ مِنْهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْأَغْنِيَاءِ الْأَكْلُ مِنْهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْهَدْيَ مُسْتَحَقٌّ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ وَيَجُوزُ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ هَذِهِ الرُّفْقَةِ وَلَا يَجُوزُ لِفُقَرَاءِ الرُّفْقَةِ وَفِي الْمُرَادِ بِالرُّفْقَةِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَحَدُهُمَا أَنَّهُمُ الَّذِينَ يُخَالِطُونَ الْمُهْدِي فِي الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ دُونَ بَاقِي الْقَافِلَةِ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَكَلَامُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّفْقَةِ جَمِيعُ الْقَافِلَةِ لِأَنَّ السَّبَبَ الَّذِي مُنِعَتْ بِهِ الرُّفْقَةُ هُوَ خَوْفُ تَعْطِيبِهِمْ إِيَّاهُ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ الْقَافِلَةِ فَإِنْ قِيلَ إِذَا لَمْ تُجَوِّزُوا لِأَهْلِ الْقَافِلَةِ أَكْلَهُ وَتُرِكَ فِي الْبَرِّيَّةِ كَانَ طُعْمَةً لِلسِّبَاعِ وَهَذَا

باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض

إِضَاعَةُ مَالٍ قُلْنَا لَيْسَ فِيهِ إِضَاعَةٌ بَلِ الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ أَنَّ سُكَّانَ الْبَوَادِي وَغَيْرَهُمْ يَتْبَعُونَ مَنَازِلَ الْحَجِّ لِالْتِقَاطِ سَاقِطَةٍ وَنَحْوِهِ وَقَدْ تَأْتِي قَافِلَةٌ فِي إِثْرِ قَافِلَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالرُّفْقَةُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَوْلُهُ فِي حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسِتَّ عَشْرَةَ بَدَنَةً) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بِثَمَانِ عَشْرَةَ بَدَنَةً يَجُوزُ أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قَضِيَّةً وَاحِدَةً وَالْمُرَادُ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ سِتَّ عَشْرَةَ نَفْيُ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ عَدَدٍ وَلَا عمل عليه والله أعلم (باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض) [1327] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَنْ قَالَ

بِوُجُوبِ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَأَنَّهُ إِذَا تَرَكَهُ لَزِمَهُ دَمٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْحَكْمُ وَحَمَّادٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وقال مالك وداود وبن الْمُنْذِرِ هُوَ سُنَّةٌ لَا شَيْءَ فِي تَرْكِهِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ [1328] قَوْلُهُ (أَمْرَ النَّاسَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ) هَذَا دَلِيلٌ لِوُجُوبِ طَوَافِ الْوَدَاعِ عَلَى غَيْرِ الْحَائِضِ وَسُقُوطِهِ عَنْهَا وَلَا يَلْزَمُهَا دَمٌ بِتَرْكِهِ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا ما حكاه بن المنذر عن عمر وبن عمر وزيد بن ثابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ أَمَرُوهَا بِالْمَقَامِ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ دَلِيلُ الْجُمْهُورِ هَذَا الْحَدِيثُ وَحَدِيثُ صَفِيَّةَ المذكور بعده قوله (فقال بن عَبَّاسٍ إِمَّا لَا فَسَلْ فُلَانَةَ الْأَنْصَارِيَّةَ) هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَبِالْإِمَالَةِ الْخَفِيفَةِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ وَقَالَ الْقَاضِي ضَبَطَهُ الطَّبَرِيُّ وَالْأَصِيلِيُّ أَمَّالِي بِكَسْرِ اللَّامِ قَالَ وَالْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَتْحُهَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ عَلَى لغة من يميل قال المازري قال بن الْأَنْبَارِيِّ قَوْلُهُمُ افْعَلْ هَذَا إِمَّا لَا فَمَعْنَاهُ افْعَلْهُ إِنْ كُنْتَ لَا تَفْعَلُ غَيْرَهُ فَدَخَلَتْ مَا زَائِدَةً لِأَنَّ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فإما ترين

من البشر أحدا فَاكْتَفَوْا بِلَا عَنِ الْفِعْلِ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ إِنْ زَارَكَ فَزُرْهُ وَإِلَّا فَلَا هَذَا مَا ذكره القاضي وقال بن الْأَثِيرِ فِي نِهَايَةِ الْغَرِيبِ أَصْلُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ إِنْ وَمَا فَأُدْغِمَتِ النُّونُ فِي الْمِيمِ وَمَا زَائِدَةٌ فِي اللَّفْظِ لَا حُكْمَ لَهَا وَقَدْ أَمَالَتِ الْعَرَبُ لَا إِمَالَةً خَفِيفَةً قَالَ وَالْعَوَامُّ يُشْبِعُونَ إِمَالَتَهَا فَتَصِيرُ أَلِفُهَا يَاءً وَهُوَ خَطَأٌ وَمَعْنَاهُ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ هَذَا فَلْيَكُنْ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1211] قَوْلُهَا (صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا الضَّمُّ أَشْهَرُ وَفِي حَدِيثِهَا دَلِيلٌ لِسُقُوطِ طَوَافِ الْوَدَاعِ عَنِ الْحَائِضِ وَأَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ رُكْنٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنِ الْحَائِضِ وَلَا غَيْرِهَا وَأَنَّ الْحَائِضَ تُقِيمُ لَهُ حَتَّى تَطْهُرَ فَإِنْ

ذَهَبَتْ إِلَى وَطَنِهَا قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَقِيَتْ مُحْرِمَةً وَقَدْ سَبَقَ حَدِيثُ صَفِيَّةَ هَذَا وَبَيَانُ إِحْرَامِهِ وَضَبْطِهِ وَمَعْنَاهُ وَفِقْهِهِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْحَجِّ فِي بَابِ بَيَانِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ لَعَلَّهُ قَالَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ) هَكَذَا وَقَعَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ مُعْظَمِ النُّسَخِ قَالَ وَسَقَطَ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ قَوْلُهُ لَعَلَّهُ قَالَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ وَسَقَطَ لَعَلَّهُ قَالَ فَقَطْ لِابْنِ الْحَذَّاءِ قَالَ الْقَاضِي وَأَظُنُّ أَنَّ الِاسْمَ كله سقط من كتب بعضهم أوشك فِيهِ فَأَلْحَقَهُ عَلَى الْمَحْفُوظِ الصَّوَابِ وَنَبَّهَ عَلَى إِلْحَاقِهِ بِقَوْلِهِ لَعَلَّهُ قَوْلُهُ (قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا قَدْ زَارَتْ يَوْمَ النَّحْرِ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ وَلَيْسَ لِلْكَرَاهَةِ حُجَّةٌ تُعْتَمَدُ قَوْلُهَا (تَنْفِرُ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا الكسر أفصح

(باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره)

وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ اسْتِحْبَابِ دُخُولِ الْكَعْبَةِ لِلْحَاجِّ وَغَيْرِهِ) (وَالصَّلَاةِ فِيهَا وَالدُّعَاءِ فِي نَوَاحِيهَا كُلِّهَا) [1329] ذَكَرَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبَابِ بِأَسَانِيدِهِ عَنْ بِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ وَصَلَّى فِيهَا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ) وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا فِي نَوَاحِيهَا وَلَمْ يضل) وأجمع أهل الحديث علىالأخذ برواية بلال لِأَنَّهُ مُثْبَتٌ فَمَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ فَوَاجِبٌ تَرْجِيحُهُ وَالْمُرَادُ الصَّلَاةُ الْمَعْهُودَةُ ذَاتُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلِهَذَا قال بن عُمَرَ وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى وَأَمَّا نَفْيُ أُسَامَةَ فَسَبَبُهُ أَنَّهُمْ لَمَّا دَخَلُوا الْكَعْبَةَ أَغْلَقُوا الْبَابَ وَاشْتَغَلُوا بِالدُّعَاءِ فَرَأَى أُسَامَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو ثُمَّ اشْتَغَلَ أُسَامَةُ بِالدُّعَاءِ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْبَيْتِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى وَبِلَالٌ قَرِيبٌ مِنْهُ ثُمَّ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآهُ بِلَالٌ لِقُرْبِهِ وَلَمْ يَرَهُ أُسَامَةُ لِبُعْدِهِ وَاشْتِغَالِهِ وَكَانَتْ صَلَاةً خَفِيفَةً فَلَمْ يَرَهَا أُسَامَةُ لِإِغْلَاقِ الْبَابِ مَعَ

بُعْدِهِ وَاشْتِغَالِهِ بِالدُّعَاءِ وَجَازَ لَهُ نَفْيُهَا عَمَلًا بِظَنِّهِ وَأَمَّا بِلَالٌ فَحَقَّقَهَا فَأَخْبَرَ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ إِذَا صَلَّى مُتَوَجِّهًا إِلَى جِدَارٍ مِنْهَا أَوْ إِلَى الْبَابِ وَهُوَ مَرْدُودٌ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ تَصِحُّ فِيهَا صَلَاةُ النَّفْلِ وَصَلَاةُ الْفَرْضِ وَقَالَ مَالِكٌ تَصِحُّ فِيهَا صَلَاةُ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ وَلَا يَصِحُّ الْفَرْضُ وَلَا الْوِتْرُ وَلَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَلَا رَكْعَتَا الطَّوَافِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وَأَصْبَغُ الْمَالِكِيُّ وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ لَا تَصِحُّ فِيهَا صَلَاةٌ أَبَدًا لَا فَرِيضَةٌ وَلَا نَافِلَةٌ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَنِ بن عَبَّاسٍ أَيْضًا وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ بِلَالٍ وَإِذَا صَحَّتِ النَّافِلَةُ صَحَّتِ الْفَرِيضَةُ لِأَنَّهُمَا فِي الْمَوْضِعِ سَوَاءٌ فِي الِاسْتِقْبَالِ فِي حَالِ النُّزُولِ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الِاسْتِقْبَالِ فِي حَالِ السَّيْرِ فِي السَّفَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الحَجَبِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْجِيمِ مَنْسُوبٌ إِلَى حِجَابَةِ الْكَعْبَةِ وَهِيَ وِلَايَتُهَا وَفَتْحُهَا وَإِغْلَاقُهَا وَخِدْمَتُهَا وَيُقَالُ لَهُ وَلِأَقَارِبِهِ الْحَجَبِيُّونَ وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَاسْمُ أَبِي طَلْحَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ الْقُرَشِيُّ الْعَبْدَرِيُّ أَسْلَمَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَشَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ وَدَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ إِلَيْهِ وَأَبِي شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَقَالَ خُذُوهَا يَا بَنِي طَلْحَةَ خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إِلَّا ظَالِمٌ ثُمَّ نَزَلَ الْمَدِينَةَ فَأَقَامَ بِهَا إِلَى وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى مَكَّةَ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَقِيلَ إِنَّهُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أَجْنَادِينَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا وَهِيَ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَتْ غَزْوَتُهُ فِي أَوَائِلِ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مَأْثُرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهِيَ تَحْتَ قَدَمَيَّ الاسقاية الْحَاجِّ وَسِدَانَةَ الْبَيْتِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ

قَالَ الْعُلَمَاءُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْزِعَهَا مِنْهُمْ قَالَ وَهِيَ وِلَايَةٌ لَهُمْ عَلَيْهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبْقَى دَائِمَةً لَهُمْ وَلِذُرِّيَّاتِهِمْ أَبَدًا وَلَا يُنَازَعُونَ فِيهَا وَلَا يُشَارَكُونَ مَا دَامُوا مَوْجُودِينَ صَالِحِينَ لِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ إِنَّمَا أَغْلَقَهَا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ أَسْكَنَ لِقَلْبِهِ وَأَجْمَعَ لِخُشُوعِهِ وَلِئَلَّا يَجْتَمِعَ النَّاسُ وَيَدْخُلُوا وَيَزْدَحِمُوا فَيَنَالَهُمْ ضَرَرٌ وَيَتَهَوَّشَ عَلَيْهِ الْحَالُ بِسَبَبِ لَغَطِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (جَعَلَ عَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ) هَكَذَا هُوَ هُنَا وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَهَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَكُلُّهُ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ قَوْلُهُ (قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَنَزَلَ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَذْكُورَ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ مِنْ دُخُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَعْبَةَ وَصَلَاتِهِ فِيهَا كَانَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَفِنَاءُ الْكَعْبَةِ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَبِالْمَدِّ جَانِبُهَا وَحَرِيمُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَجَاءَ بِالْمِفْتَحِ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْمِفْتَاحِ وَهُمَا لُغَتَانِ قَوْلُهُ (فَلَبِثُوا فِيهِ مَلِيًّا) أَيْ طَوِيلًا قَوْلُهُ (وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى) هَكَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ من رواية بن عُمَرَ وَجَاءَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَيْفَ صَنَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ

دَخَلَ الْكَعْبَةَ قَالَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَوْلُهُ (فَأَجَافُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ) أَيْ أَغْلَقُوهُ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنِي حُمَيْدُ بن مسعده حدثنا خالد يعنى بن الْحَرْثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى الْكَعْبَةِ وَقَدْ دَخَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِلَالٌ وَأُسَامَةُ وَأَجَافَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْبَابَ قَالَ وَمَكَثُوا فِيهِ مَلِيًّا ثُمَّ فُتِحَ الْبَابُ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَقِيتُ

الدَّرَجَةَ فَدَخَلْتُ الْبَيْتَ فَقُلْتُ أَيْنَ صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قالوا ها هنا وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُمْ كَمْ صَلَّى) هَكَذَا وَقَعَتْ هذه الرواية هنا وظاهرة أن بن عُمَرَ سَأَلَ بِلَالًا وَأُسَامَةَ وَعُثْمَانَ جَمِيعَهُمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَلَكِنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ وَهَّنُوا هَذِهِ الرواية فقال الدارقطني وهم بن عَوْنٍ هُنَا وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فَأَسْنَدُوهُ عَنْ بِلَالٍ وَحْدَهُ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي بَاقِي الطُّرُقِ فَسَأَلْتُ بِلَالًا فَقَالَ إِلَّا أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ عَنِ بن وَهْبٍ فَأَخْبَرَنِي بِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ هَكَذَا هُوَ عِنْدَ عَامَّةِ شيوخنا وفي بعض النسخ وعثمان بن أبي طلحة قال وهذا يعضد رواية بن عَوْنٍ وَالْمَشْهُورُ انْفِرَادُ بِلَالٍ بِرِوَايَةِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أعلم

[1330] قَوْلُهُ (فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ فِي قُبُلِ الْبَيْتِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ هَذِهِ الْقِبْلَةُ) قَوْلُهُ قُبُلِ الْبَيْتِ هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَالْبَاءِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُ الْبَاءِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ قِيلَ مَعْنَاهُ مَا اسْتَقْبَلَكَ مِنْهَا وَقِيلَ مُقَابِلُهَا وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقُبُلِهَا وَمَعْنَاهُ عِنْدَ بَابِهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ رَكَعَ فِي قُبُلِ الْبَيْتِ فَمَعْنَاهُ صَلَّى وَقَوْلُهُ رَكْعَتَيْنِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّ تَطَوُّعَ النَّهَارِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مَثْنَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَرْبَعًا وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْقِبْلَةُ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ أَمْرَ الْقِبْلَةِ قَدِ اسْتَقَرَّ عَلَى اسْتِقْبَالِ هَذَا الْبَيْتِ فَلَا يُنْسَخُ بَعْدَ الْيَوْمِ فَصَلَّوْا إِلَيْهِ أَبَدًا قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَّمَهُمْ سُنَّةَ مَوْقِفِ الْإِمَامِ وَأَنَّهُ يَقِفُ فِي وَجْهِهَا دُونَ أَرْكَانِهَا وَجَوَانِبِهَا وَإِنْ كَانَتِ الصَّلَاةُ فِي جَمِيعِ جِهَاتِهَا مُجْزِئَةً هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَيُحْتَمَلُ مَعْنَى ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ هَذِهِ الْكَعْبَةُ هِيَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِاسْتِقْبَالِهِ لَا كُلَّ الْحَرَامِ وَلَا مَكَّةَ وَلَا كُلَّ الْمَسْجِدِ الَّذِي حَوْلَ الْكَعْبَةِ بَلْ هِيَ الْكَعْبَةُ نَفْسُهَا فَقَطْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1332] قَوْلُهُ (أَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(باب نقض الكعبة وبنائها)

الْبَيْتَ فِي عُمْرَتِهِ قَالَ لَا) هَذَا مِمَّا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْمُرَادُ بِهِ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ الَّتِي كَانَتْ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَسَبَبُ عَدَمِ دُخُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ فِي الْبَيْتِ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالصُّوَرِ وَلَمْ يَكُنِ الْمُشْرِكُونَ يَتْرُكُونَهُ لِتَغْيِيرِهَا فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مَكَّةَ دَخَلَ الْبَيْتَ وَصَلَّى فِيهِ وَأَزَالَ الصُّوَرَ قَبْلَ دُخُولِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب نَقْضِ الْكَعْبَةِ وَبِنَائِهَا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِ قَوْمِكَ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ وَلَجَعَلْتُهَا عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّ قُرَيْشًا حِينَ بَنَتِ الْبَيْتَ اسْتَقْصَرَتْ وَلَجَعَلْتُ لَهَا خَلْفًا) وَفِي الرواية الأخرى اقتصروا

عن قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ وَفِي الْأُخْرَى فَإِنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْهَا وَفِي الْأُخْرَى اسْتَقْصَرُوا مِنْ بُنْيَانِ الْبَيْتِ وَفِي الْأُخْرَى قَصَّرُوا فِي الْبِنَاءِ وَفِي الْأُخْرَى قَصُرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَمَعْنَى اسْتَقْصَرَتْ قَصَّرَتْ عَنْ تَمَامِ بِنَائِهَا وَاقْتَصَرَتْ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ لِقُصُورِ النَّفَقَةِ بِهِمْ عَنْ تَمَامِهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِقَوَاعِدَ مِنَ الْأَحْكَامِ مِنْهَا إِذَا تَعَارَضَتِ الْمَصَالِحُ أَوْ تَعَارَضَتْ مَصْلَحَةٌ وَمَفْسَدَةٌ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ فِعْلِ الْمَصْلَحَةِ وَتَرْكِ الْمَفْسَدَةِ بُدِئَ بِالْأَهَمِّ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّ نَقْضَ الْكَعْبَةِ وَرَدَّهَا إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَصْلَحَةٌ وَلَكِنْ تُعَارِضُهُ مَفْسَدَةٌ أَعْظَمُ مِنْهُ وَهِيَ خَوْفُ فِتْنَةِ بَعْضِ مَنْ أَسْلَمَ قَرِيبًا وَذَلِكَ لِمَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ فَضْلِ الْكَعْبَةِ فَيَرَوْنَ تَغْيِيرَهَا عَظِيمًا فَتَرَكَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهَا فِكْرُ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي مَصَالِحِ رَعِيَّتِهِ وَاجْتِنَابُهُ مَا يَخَافُ مِنْهُ تَوَلُّدُ ضَرَرٍ عَلَيْهِمْ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا إِلَّا الْأُمُورَ الشَّرْعِيَّةَ كَأَخْذِ الزَّكَاةِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْهَا تَأَلُّفُ قُلُوبِ الرَّعِيَّةِ وَحُسْنُ حِيَاطَتِهِمْ وَأَنْ لَا يَنْفِرُوا وَلَا يَتَعَرَّضُ لِمَا يَخَافُ تَنْفِيرَهُمْ بِسَبَبِهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَرْكُ أَمْرٍ شَرْعِيٍّ كَمَا سَبَقَ قَالَ الْعُلَمَاءُ بُنِيَ الْبَيْتُ خَمْسَ مَرَّاتٍ بَنَتْهُ الْمَلَائِكَةُ ثُمَّ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَحَضَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْبِنَاءَ وَلَهُ خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً وَقِيلَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ وَفِيهِ سَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ حِينَ وَقَعَ إِزَارُهُ ثم بناه بن الزُّبَيْرِ ثُمَّ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ وَاسْتَمَرَّ إِلَى الْآنِ عَلَى بِنَاءِ الْحَجَّاجِ وَقِيلَ بُنِيَ مَرَّتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي كِتَابِ إِيضَاحِ الْمَنَاسِكِ الْكَبِيرِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَا يُغَيَّرُ عَنْ هَذَا الْبِنَاءِ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ هَارُونَ الرَّشِيدَ سَأَلَ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ هَدْمِهَا وردها إلى بناء بن الزُّبَيْرِ لِلْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ فَقَالَ مَالِكٌ ناشدتك الله يا أمير المؤمنين ألا تَجْعَلَ هَذَا الْبَيْتَ لُعْبَةً لِلْمُلُوكِ لَا يَشَاءُ أَحَدٌ إِلَّا نَقَضَهُ وَبَنَاهُ فَتَذْهَبُ هَيْبَتُهُ مِنْ صُدُورِ النَّاسِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَجَعَلْتُ لَهَا خَلْفًا) هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَبِالْفَاءِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَالْمُرَادُ بِهِ بَابٌ مِنْ خَلْفِهَا وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ هِشَامٌ خَلْفًا يَعْنِي بَابًا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لِمُسْلِمٍ بَابَيْنِ أَحَدُهُمَا يُدْخَلُ مِنْهُ وَالْآخَرُ يُخْرَجُ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَلَجَعَلْتُ لَهَا خِلْفَيْنِ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ ذَكَرَ الْحَرْبِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ هَكَذَا وَضَبَطَهُ خِلْفَيْنِ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَقَالَ الْخَالِفَةُ عَمُودٌ فِي مُؤَخَّرِ الْبَيْتِ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ خَلْفَيْنِ بِفَتْحِ

الْخَاءِ قَالَ الْقَاضِي وَكَذَا ضَبَطْنَاهُ عَلَى شَيْخِنَا أبي الحسين قال وذكر الهروى عن بن الْأَعْرَابِيِّ أَنَّ الْخَلْفَ الظَّهْرَ وَهَذَا يُفَسِّرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْبَابُ كَمَا فَسَّرَتْهُ الْأَحَادِيثُ الْبَاقِيَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكَ) هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ أَيْ قُرْبُ عَهْدِهِمْ بِالْكُفْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا) قَالَ الْقَاضِي لَيْسَ هَذَا اللفظ من بن عُمَرَ عَلَى سَبِيلِ التَّضْعِيفِ لِرِوَايَتِهَا وَالتَّشْكِيكِ فِي صِدْقِهَا وَحِفْظِهَا فَقَدْ كَانَتْ مِنَ الْحِفْظِ وَالضَّبْطِ بحيث لا يستراب في حديثها ولا فيا تَنْقُلُهُ وَلَكِنْ كَثِيرًا مَا يَقَعُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ صُورَةُ التَّشْكِيكِ وَالتَّقْرِيرِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْيَقِينُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ ومتاع إلى حين وَقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ على نفسي وإن اهتديت الْآيَةَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْلَا أن قومك حديثوا عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ أَوْ قَالَ بِكُفْرٍ لَأَنْفَقْتُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فِيهِ دَلِيلٌ لِتَقْدِيمِ أَهَمِّ الْمَصَالِحِ عِنْدَ تَعَذُّرِ جَمِيعِهَا كَمَا سَبَقَ إِيضَاحُهُ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ إِنْفَاقِ كَنْزِ الْكَعْبَةِ وَنُذُورِهَا الْفَاضِلَةِ عَنْ مَصَالِحِهَا في سبيل الله لكن جاء في رماية لَأَنْفَقْتُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ فِي بِنَائِهَا وَبِنَاؤُهَا مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ الْفَاضِلَ مِنْ وَقْفِ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ مَسْجِدٍ آخَرَ وَلَا غَيْرَهُ بَلْ يُحْفَظُ دَائِمًا لِلْمَكَانِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الَّذِي فَضَلَ مِنْهُ فَرُبَّمَا احْتَاجَ إِلَيْهِ وَاللَّهُ اعلم قوله ص

(وَلَأَدْخَلْتُ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ) وَفِي رِوَايَةٍ وَزِدْتُ فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ فَإِنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْهَا حِينَ بَنَتِ الْكَعْبَةَ وَفِي رِوَايَةٍ خَمْسَ أَذْرُعٍ وَفِي رِوَايَةٍ قَرِيبًا مِنْ سَبْعِ أَذْرُعٍ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ عَائِشَةُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجِدَارِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ قَالَ نَعَمْ وَفِي رِوَايَةٍ لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكَ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أن تنكره قلوبهم لنظرت أن أدخل الجدار فِي الْبَيْتِ قَالَ أَصْحَابُنَا سِتَّ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ مِمَّا يَلِي الْبَيْتَ مَحْسُوبَةً مِنَ الْبَيْتِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الزَّائِدِ خِلَافٌ فَإِنْ طَافَ فِي الْحِجْرِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَحَدُهُمَا يَجُوزُ لِظَوَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ طَوَافُهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحِجْرِ وَلَا عَلَى جِدَارِهِ وَلَا يَصِحُّ حَتَّى يَطُوفَ خَارِجًا مِنْ جَمِيعِ الْحِجْرِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَرَجَّحَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ سِوَى أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ إِنْ طَافَ فِي الْحِجْرِ وَبَقِيَ فِي مَكَّةَ أَعَادَهُ وَإِنْ رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ بِلَا إِعَادَةٍ أَرَاقَ دَمًا وَأَجْزَأَهُ طَوَافُهُ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ وَقَالَ لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ ثُمَّ أَطْبَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْآنَ وَسَوَاءٌ كَانَ كُلُّهُ مِنَ الْبَيْتِ أَمْ بَعْضُهُ فَالطَّوَافُ يَكُونُ مِنْ وَرَائِهِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ سِتَّةَ أَذْرُعٍ بِالْهَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ خَمْسَ وَفِي رِوَايَةٍ قَرِيبًا مِنْ سَبْعٍ بِحَذْفِ الْهَاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَفِي الذارع لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ التَّأْنِيثُ وَالتَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ أَفْصَحُ قَوْلُهُ

(لَمَّا احْتَرَقَ الْبَيْتُ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ حين غزاه أهل الشام تركه بن الزُّبَيْرِ حَتَّى قَدِمَ النَّاسُ الْمَوْسِمَ يُرِيدُ أَنْ يُجَرِّئَهُمْ أَوْ يُحَرِّبَهُمْ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ) أَمَّا الحرف الأول فهو يجرثهم بالجيم والراء بعدها هَمْزَةٌ مِنَ الْجَرَاءَةِ أَيْ يُشَجِّعَهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ بِإِظْهَارِ قُبْحِ فِعَالِهِمْ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي ضَبْطِهِ قَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ الْعُذْرِيُّ يُجَرِّبَهُمْ بِالْجِيمِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَمَعْنَاهُ يَخْتَبِرَهُمْ وَيَنْظُرَ مَا عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ حَمِيَّةٍ وَغَضَبٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِبَيْتِهِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ أَوْ يَحْرِبَهُمْ فَهُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَأَوَّلُهُ مَفْتُوحٌ وَمَعْنَاهُ يَغِيظَهُمْ بِمَا يَرَوْنَهُ قَدْ فُعِلَ بِالْبَيْتِ مِنْ قَوْلِهِمْ حَرِبْتَ الْأَسَدَ إِذَا أَغْضَبْتَهُ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ يَحْمِلُهُمْ عَلَى الْحَرْبِ وَيُحَرِّضُهُمْ عَلَيْهَا وَيُؤَكِّدُ عَزَائِمَهُمْ لِذَلِكَ قَالَ وَرَوَاهُ آخَرُونَ يَحْزُبَهُمْ بِالْحَاءِ وَالزَّايِ يَشُدَّ قُوَّتَهُمْ وَيُمِيلَهُمْ إِلَيْهِ وَيَجْعَلَهُمْ حِزْبًا لَهُ وَنَاصِرِينَ لَهُ على مخالفيه وَحِزْبُ الرَّجُلِ مَنْ مَالَ إِلَيْهِ وَتَحَازَبَ الْقَوْمُ تَمَالُوا قَوْلُهُ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي الْكَعْبَةِ) فِيهِ دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ مُشَاوَرَةِ الْإِمَامِ أَهْلَ الْفَضْلِ وَالْمَعْرِفَةِ فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ قَوْلُهُ (قال بن عباس فإني قد فرق لي فيه رَأْيٌ) هُوَ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ كُشِفَ وَبُيِّنَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ أَيْ فَصَّلْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي ضبطه هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَمَعْنَاهَا وَهَكَذَا ضَبَطَهُ الْقَاضِي وَالْمُحَقِّقُونَ وَقَدْ جَعَلَهُ الْحُمَيْدِيُّ صَاحِبُ الْجَمْعِ بَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ فِي كِتَابِهِ غَرِيبُ الصَّحِيحَيْنِ فَرَقَ بِفَتْحِ الْفَاءِ بِمَعْنَى خَافَ وَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَغَلَّطُوا الْحُمَيْدِيَّ فِي ضبطه وتفسيره قوله (فقال بن الزُّبَيْرِ لَوْ كَانَ أَحَدُكُمُ احْتَرَقَ بَيْتُهُ

مَا رَضِيَ حَتَّى يُجِدَّهُ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ يُجِدَّهُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَبِدَالٍ وَاحِدَةٍ وَفِي كَثِيرٍ مِنْهَا يُجَدِّدُ بِدَالَيْنِ وَهُمَا بِمَعْنًى قوله (تتابعوا فنقضوه) هكذا ضبطناه تتابعوا بياء مُوَحَّدَةٍ قَبْلَ الْعَيْنِ وَهَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وَعَنْ أَبِي بَحْرٍ تَتَابَعُوا وَهُوَ بِمَعْنَاهُ إِلَّا أَنَّ أَكْثَرَ مَا يُسْتَعْمَلُ بِالْمُثَنَّاةِ فِي الشَّرِّ خَاصَّةً وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهُ قَوْلُهُ (فَجَعَلَ بن الزُّبَيْرِ أَعْمِدَةً فَسَتَرَ عَلَيْهَا السُّتُورَ حَتَّى ارْتَفَعَ بِنَاؤُهُ) الْمَقْصُودُ بِهَذِهِ الْأَعْمِدَةِ وَالسُّتُورِ أَنْ يَسْتَقْبِلَهَا الْمُصَلَّوْنَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ وَيَعْرِفُوا مَوْضِعَ الْكَعْبَةِ وَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ السُّتُورُ حَتَّى ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ وَصَارَ مُشَاهَدًا لِلنَّاسِ فَأَزَالَهَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبِنَاءِ الْمُرْتَفِعِ مِنَ الْكَعْبَةِ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِهَذَا لِمَذْهَبِ مَالِكٍ فِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالِاسْتِقْبَالِ الْبِنَاءُ لا البقعة قال وقد كان بن عباس أشار على بن الزُّبَيْرِ بِنَحْوِ هَذَا وَقَالَ لَهُ إِنْ كُنْتَ هادمها فلا تدل النَّاسَ بِلَا قِبْلَةٍ فَقَالَ لَهُ جَابِرٌ صَلُّوا إِلَى مَوْضِعِهَا فَهِيَ الْقِبْلَةُ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ إِلَى أَرْضِ الْكَعْبَةِ وَيُجْزِيهِ ذَلِكَ بلا خلاف عند سواء

كَانَ بَقِيَ مِنْهَا شَاخِصٌ أَمْ لَا وَاللَّهُ أعلم قوله (إنا لسنا من تلطيخ بن الزُّبَيْرِ فِي شَيْءٍ) يُرِيدُ بِذَلِكَ سَبَّهُ وَعَيْبَ فِعْلِهِ يُقَالُ لَطَّخْتُهُ أَيْ رَمَيْتُهُ بِأَمْرٍ قَبِيحٍ قَوْلُهُ (وَفَدَ الْحَرْثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فِي خِلَافَتِهِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْحَرْثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا خِلَافٌ وَنُسَخُ بِلَادِنَا هِيَ رِوَايَةُ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْفَارِسِيِّ وَادَّعَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ وَقَعَ هَكَذَا لِجَمِيعِ الرُّوَاةِ سِوَى الْفَارِسِيِّ فَإِنَّ فِي رِوَايَتِهِ الْحَرْثُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ وَهُوَ خَطَأٌ بَلِ الصَّوَابُ الْحَرْثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ رِوَايَةِ الْفَارِسِيِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ بَلِ الصَّوَابُ أَنَّهَا كَرِوَايَةِ غَيْرِهِ الْحَرْثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَلَعَلَّهُ وَقَعَ لِلْقَاضِي نُسْخَةٌ عَنِ الْفَارِسِيِّ فِيهَا هَذِهِ اللَّفْظَةُ مُصَحَّفَةٌ عَلَى الْفَارِسِيِّ لَا مِنَ الْفَارِسِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (مَا أَظُنُّ أَبَا خُبَيْبٍ) هُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِهِمْ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ قُرْبِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنْ بَدَا لِقَوْمِكَ) هو بغير همزة يقال بداله فِي الْأَمْرِ بَدَاءً بِالْمَدِّ أَيْ حَدَثَ لَهُ فِيهِ رَأْيٌ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ ذُو بَدَوَاتٍ أَيْ يَتَغَيَّرُ رَأْيُهُ وَالْبَدَاءُ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ النَّسْخِ قَوْلُهُ (فَهَلُمِّي لِأُرِيَكِ) هَذَا جَارٍ عَلَى إِحْدَى اللُّغَتَيْنِ فِي هَلُمَّ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ تَقُولُ هَلُمَّ يَا رَجُلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ بِمَعْنَى تَعَالَ قَالَ الْخَلِيلِيُّ أَصْلُهُ لَمَّ مِنْ قَوْلِهِمْ لَمَّ اللَّهُ شُعْثَهُ أَيْ جَمَعَهُ كَأَنَّهُ أراد لم نفسك الينا أي اقرب وها لِلتَّنْبِيهِ وَحُذِفَتْ أَلِفُهَا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَجُعِلَا اسْمًا واحدا يستوى فيه الواحد والاثنان والجمع المؤنث فَيُقَالُ فِي الْجَمَاعَةِ هَلُمَّ هَذِهِ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ الينا وَأَهْلُ نَجْدٍ يَصْرِفُونَهَا فَيَقُولُونَ لِلِاثْنَيْنِ هَلُمَّا وَلِلْجَمْعِ هلموا وللمرأة هلمى وللنساء هلمن وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ هَذَا كَلَامُ الْجَوْهَرِيِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى إِذَا كان أَنْ يَدْخُلَ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ كُلِّهَا كَادَ أَنْ يَدْخُلَ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِجَوَازِ دُخُولِ أَنْ بَعْدَ كَادَ وَقَدْ كَثُرَ ذَلِكَ وَهِيَ لُغَةٌ فَصَيْحَةٌ وَلَكِنَّ الْأَشْهَرَ عَدَمُهُ قَوْلُهُ (فَنَكَتَ سَاعَةً بِعَصَاهُ) أَيْ بَحَثَ بِطَرَفِهَا فِي الْأَرْضِ وَهَذِهِ عَادَةُ مَنْ تَفَكَّرَ فِي أَمْرٍ مُهِمٍّ قوله

(فَقَالَ الْحَرْثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ لَا تَقُلْ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنَا سَمِعْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تُحَدِّثُ) هَذَا فِيهِ الِانْتِصَارُ لِلْمَظْلُومِ وَرَدُّ الْغِيبَةِ وَتَصْدِيقُ الصَّادِقِ إِذَا كَذَّبَهُ إِنْسَانٌ وَالْحَرْثُ هَذَا تَابِعِيٌّ وَهُوَ الْحَرْثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ قَوْلُهَا (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَدْرِ) وَفِي آخِرِ الْحَدِيثِ (لَنَظَرْتُ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْحِجْرُ وَسَبَقَ بَيَانُ حُكْمُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ

(باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما أو للموت)

(وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَكَ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وهو بِمَعْنَى بِالْجَاهِلِيَّةِ كَمَا فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب الْحَجِّ عَنْ الْعَاجِزِ لِزَمَانَةٍ وَهَرَمٍ وَنَحْوِهِمَا أَوْ لِلْمَوْتِ) [1334] قَوْلُهُ (كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا

كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَحُجِّي عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا جَوَازُ الْإِرْدَافِ عَلَى الدَّابَّةِ إِذَا كَانَتْ مُطِيقَةً وَجَوَازُ سَمَاعِ صَوْتِ الْأَجْنَبِيَّةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ فِي الِاسْتِفْتَاءِ وَالْمُعَامَلَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْهَا تَحْرِيمُ النَّظَرِ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ وَمِنْهَا إزالة المنكر باليد لمن أمكنه ومنها جواز النيابة في الحج عن العاجز الْمَأْيُوسِ مِنْهُ بِهَرَمٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ مَوْتٍ وَمِنْهَا جَوَازُ حَجِّ الْمَرْأَةِ عَنِ الرَّجُلِ وَمِنْهَا بِرُّ الْوَالِدَيْنِ بِالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِمَا مِنْ قَضَاءِ دَيْنٍ وَخِدْمَةٍ وَنَفَقَةٍ وَحَجٍّ عَنْهُمَا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْهَا وُجُوبُ الْحَجِّ عَلَى مَنْ هُوَ عَاجِزٌ بِنَفْسِهِ مُسْتَطِيعٌ بِغَيْرِهِ كَوَلَدِهِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا لِأَنَّهَا قَالَتْ أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ الْحَجِّ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَمِنْهَا جَوَازُ قَوْلِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ وَسَبَقَ بَيَانُ هَذَا مَرَّاتٍ وَمِنْهَا جَوَازُ حَجِّ الْمَرْأَةِ بِلَا مَحْرَمٍ إِذَا أَمِنَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ جَوَازُ الْحَجِّ عَنِ الْعَاجِزِ بِمَوْتٍ أَوْ عَضْبٍ وَهُوَ الزَّمَانَةُ وَالْهَرَمُ وَنَحْوُهُمَا وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ إِلَّا عَنْ مَيِّتٍ لَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ قَالَ الْقَاضِي وَحُكِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ وَبَعْضِ السَّلَفِ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ عَنْ مَيِّتٍ وَلَا غَيْرِهِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَإِنْ أَوْصَى بِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ يَجُوزُ الْحَجُّ عَنِ الْمَيِّتِ عَنْ فَرْضِهِ وَنَذْرِهِ سَوَاءٌ أَوْصَى بِهِ أَمْ لَا وَيُجْزِي عَنْهُ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ فِي تَرِكَتِهِ وَعِنْدنَا يَجُوزُ لِلْعَاجِزِ الِاسْتِنَابَةُ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ حَجِّ الْمَرْأَةِ عَنِ الرَّجُلِ إِلَّا الْحَسَنَ بْنَ صَالِحٍ فَمَنَعَهُ وَكَذَا يَمْنَعُهُ مَنْ مَنَعَ أصل الاستنابة مطلقا والله أعلم

باب صحة حج الصبي وأجر من حج به

(باب صحة حج الصبي وأجر من حج به) [1336] قَوْلُهُ (لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ مَنِ الْقَوْمُ فَقَالُوا الْمُسْلِمُونَ فَقَالُوا مَنْ أَنْتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْبُ أَصْحَابُ الْإِبِلِ خَاصَّةً وَأَصْلُهُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي عَشَرَةٍ فَمَا دُونَهَا وَسَبَقَ فِي مُسْلِمٍ فِي الْأَذَانِ أَنَّ الرَّوْحَاءَ مَكَانٌ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا اللِّقَاءَ كَانَ لَيْلًا فَلَمْ يَعْرِفُوهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحْتَمَلُ كَوْنُهُ نَهَارًا لَكِنْهُمْ لَمْ يَرَوْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ لِعَدَمِ هِجْرَتِهِمْ فَأَسْلَمُوا فِي بُلْدَانِهِمْ وَلَمْ يُهَاجِرُوا قَبْلَ ذَلِكَ قَوْلُهُ (فَرَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا لَهَا فَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ قَالَ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ) فِيهِ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ حَجَّ الصَّبِيِّ مُنْعَقِدٌ صَحِيحٌ يُثَابُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُجْزِيهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بَلْ يَقَعُ تَطَوُّعًا وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِيهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ حَجُّهُ قَالَ أَصْحَابُهُ وَإِنَّمَا فَعَلُوهُ تَمْرِينًا لَهُ لِيَعْتَادَهُ فيفعله إِذَا بَلَغَ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ قَالَ الْقَاضِي لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ الْحَجِّ بِالصِّبْيَانِ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلِهِمْ بَلْ هُوَ مَرْدُودٌ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب فرض الحج مرة في العمر

وَأَصْحَابِهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَإِنَّمَا خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَنْعَقِدُ حَجُّهُ وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْحَجِّ وَتَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ وَدَمُ الْجُبْرَانِ وَسَائِرُ أَحْكَامِ الْبَالِغِ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَمْنَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيَقُولُ إِنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ تَمْرِينًا عَلَى التَّعْلِيمِ وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْحَجِّ في ذلك ويقولون حجة منعقد يقع نفلا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لَهُ حَجًّا قَالَ الْقَاضِي وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إِذَا بَلَغَ عَنْ فَرِيضَةِ الْإِسْلَامِ إِلَّا فِرْقَةً شَذَّتْ فَقَالَتْ يُجْزِئُهُ وَلَمْ تَلْتَفِتِ الْعُلَمَاءُ إِلَى قَوْلِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَكِ أَجْرٌ) مَعْنَاهُ بِسَبَبِ حَمْلِهَا وَتَجْنِيبِهَا إِيَّاهُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ وَفِعْلِ مَا يَفْعَلُهُ الْمُحْرِمُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْوَلِيُّ الَّذِي يُحْرِمُ عَنِ الصَّبِيِّ فَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ الَّذِي يَلِي مَالَهُ وَهُوَ أَبُوهُ أَوْ جَدُّهُ أَوِ الْوَصِيُّ أَوَ الْقَيِّمُ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي أَوِ الْقَاضِي أَوِ الْإِمَامُ وَأَمَّا الْأُمُّ فَلَا يَصِحُّ إِحْرَامُهَا عَنْهُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً أَوْ قَيِّمَةً مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي وَقِيلَ إِنَّهُ يَصِحُّ إِحْرَامُهَا وَإِحْرَامُ الْعَصَبَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وِلَايَةُ الْمَالِ هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ صَغِيرًا لَا يُمَيِّزُ فَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فَأَحْرَمَ فَلَوْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْوَلِيِّ أَوْ أَحْرَمَ الْوَلِيُّ عَنْهُ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى الْأَصَحِّ وَصِفَةُ إِحْرَامِ الْوَلِيِّ عَنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ أَنْ يَقُولَ بِقَلْبِهِ جَعَلْتُهُ مُحْرِمًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب فرض الحج مرة في العمر) [1337] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلُّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ

فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ثُمَّ قَالَ ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ) هَذَا الرَّجُلُ السَّائِلُ هُوَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ كَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي أَنَّ الْأَمْرَ هَلْ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لَا يَقْتَضِيهِ وَالثَّانِي يَقْتَضِيهِ وَالثَّالِثُ يَتَوَقَّفُ فِيمَا زَادَ عَلَى مَرَّةٍ عَلَى الْبَيَانِ فَلَا يُحْكَمُ بِاقْتِضَائِهِ ولا يمنعه وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ بِالتَّوَقُّفِ لِأَنَّهُ سَأَلَ فَقَالَ أَكُلُّ عَامٍ وَلَوْ كَانَ مُطْلَقُهُ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ أَوْ عَدَمَهُ لَمْ يَسْأَلْ وَلَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حَاجَةَ إِلَى السُّؤَالِ بَلْ مُطْلَقُهُ مَحْمُولٌ عَلَى كَذَا وَقَدْ يُجِيبُ الْآخَرُونَ عَنْهُ بِأَنَّهُ سَأَلَ اسْتِظْهَارًا وَاحْتِيَاطًا وَقَوْلُهُ ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إِنَّمَا احْتَمَلَ التَّكْرَارَ عنده من وجه آخر لِأَنَّ الْحَجَّ فِي اللُّغَةِ قُصِدَ فِيهِ تَكَرُّرٌ فَاحْتَمَلَ عِنْدَهُ التَّكْرَارَ مِنْ جِهَةِ الِاشْتِقَاقِ لَا مِنْ مُطْلَقِ الْأَمْرِ قَالَ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِمَا ذكرناه عن اهل اللغة ها هنا مَنْ قَالَ بِإِيجَابِ الْعُمْرَةِ وَقَالَ لَمَّا كَانَ قوله تعالى ولله على الناس حج البيت يَقْتَضِي تَكْرَارَ قَصْدِ الْبَيْتِ بِحُكْمِ اللُّغَةِ وَالِاشْتِقَاقِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يَجِبُ إِلَّا مَرَّةً كَانَتِ الْعَوْدَةُ الْأُخْرَى إِلَى الْبَيْتِ تَقْتَضِي كَوْنَهَا عُمْرَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ قَصْدُهُ لِغَيْرِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ فَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْأَحْكَامِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُكْمِهِ أَنْ يَكُونَ بِوَحْيٍ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ وَهَذَا الْقَائِلُ يُجِيبُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَأَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ مُحَقِّقِي الْأُصُولِيِّينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رسولا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره)

(فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) هَذَا مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ الْمُهِمَّةِ وَمِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي أُعْطِيَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويدخل فيها مَا لَا يُحْصَى مِنَ الْأَحْكَامِ كَالصَّلَاةِ بِأَنْوَاعِهَا فَإِذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِ أَرْكَانِهَا أَوْ بَعْضِ شُرُوطِهَا أَتَى بِالْبَاقِي وَإِذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوِ الْغُسْلِ غَسَلَ الْمُمْكِنَ وَإِذَا وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ مِنَ الْمَاءِ لِطَهَارَتِهِ أَوْ لِغَسْلِ النَّجَاسَةِ فَعَلَ الْمُمْكِنَ وَإِذَا وَجَبَتْ إزالة منكرات أو فطرة جماعة من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَأَمْكَنَهُ الْبَعْضُ فَعَلَ الْمُمْكِنَ وَإِذَا وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بَعْضَ عَوْرَتِهِ أَوْ حَفِظَ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ أَتَى بِالْمُمْكِنِ وَأَشْبَاهُ هَذَا غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَصْلِ ذَلِكَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَاتَّقُوا الله ما استطعتم وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ فَفِيهَا مَذْهَبَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فاتقوا الله ما استطعتم وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوِ الصَّوَابُ وَبِهِ جَزَمَ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً بَلْ قَوْلُهُ تَعَالَى فاتقوا الله ما استطعتم مُفَسِّرَةٌ لَهَا وَمُبَيِّنَةٌ لِلْمُرَادِ بِهَا قَالُوا وَحَقَّ تُقَاتِهِ هُوَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابُ نَهْيِهِ وَلَمْ يَأْمُرْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَّا بِالْمُسْتَطَاعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَقَالَ تَعَالَى وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ من حرج وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ) فَهُوَ عَلَى إِطْلَاقِهِ فَإِنْ وُجِدَ عُذْرٌ يُبِيحُهُ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ أَوَ التَّلَفُّظِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ إِذَا أُكْرِهَ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا لَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي هَذَا الْحَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يَجِبُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا مرة واحدة بأصل الشرع وقد تجب زِيَادَةٌ بِالنَّذْرِ وَكَذَا إِذَا أَرَادَ دُخُولَ الْحَرَمِ لِحَاجَةٍ لَا تُكَرَّرَ كَزِيَارَةٍ وَتِجَارَةٍ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ أَوْجَبَ الْإِحْرَامَ لِذَلِكَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب سَفَرِ الْمَرْأَةِ مَعَ مَحْرَمٍ إِلَى حَجٍّ وَغَيْرِهِ) [1338] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) وَفِي رِوَايَةٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ

وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَحِلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ مِنَ الدَّهْرِ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا أَوْ زَوْجُهَا وَفِي رِوَايَةٍ نَهَى أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةِ مُسْلِمَةٍ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةِ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَفِي رِوَايَةٍ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُسَافِرِ امْرَأَةٌ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ هَذِهِ رِوَايَاتُ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ وَلَا تُسَافِرْ بَرِيدًا وَالْبَرِيدُ مَسِيرَةُ نِصْفِ يَوْمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ اخْتِلَافُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِاخْتِلَافِ السَّائِلِينَ وَاخْتِلَافِ الْمَوَاطِنِ وَلَيْسَ فِي النهي عن الثلاثة تصريح بإباحة اليوم وَاللَّيْلَةُ أَوِ الْبَرِيدُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ تُسَافِرُ ثَلَاثًا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَقَالَ لَا وَسُئِلَ عَنْ سَفَرِهَا يَوْمَيْنِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَقَالَ لَا وَسُئِلَ عَنْ سَفَرِهَا يَوْمًا فَقَالَ لَا وَكَذَلِكَ الْبَرِيدُ فَأَدَّى كُلٌّ مِنْهُمْ مَا سَمِعَهُ وَمَا جَاءَ مِنْهَا مُخْتَلِفًا عَنْ رِوَايَةِ وَاحِدٍ فَسَمِعَهُ فِي مَوَاطِنَ فَرَوَى تَارَةً هَذَا وَتَارَةً هَذَا وَكُلُّهُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ فِي هَذَا كُلِّهِ تَحْدِيدٌ لِأَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ وَلَمْ يُرِدْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْدِيدَ أَقَلِّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا تُنْهَى عَنْهُ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ سَوَاءٌ كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أو يوما أو بريدا أو غير ذلك لرواية بن عَبَّاسٍ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ آخِرُ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ السَّابِقَةِ لَا تُسَافِرِ امْرَأَةٌ إِلَّا مَعَ ذِي

مَحْرَمٍ وَهَذَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا يُسَمَّى سَفَرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ يَلْزَمُهَا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ إِذَا اسْتَطَاعَتْ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تعالى ولله على الناس حج البيت وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ الْحَدِيثَ وَاسْتِطَاعَتُهَا كَاسْتِطَاعَةِ الرَّجُلِ لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ الْمَحْرَمِ لَهَا فَأَبُو حَنِيفَةَ يَشْتَرِطُهُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ وَوَافَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَحُكِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَقَالَ عطاء وسعيد بن جبير وبن سِيرِينَ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ بَلْ يُشْتَرَطُ الْأَمْنُ عَلَى نَفْسِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْصُلُ الْأَمْنُ بِزَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ أَوْ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ وَلَا يَلْزَمُهَا الْحَجُّ عِنْدَنَا إِلَّا بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَوْ وُجِدَتِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ ثِقَةٌ لَمْ يَلْزَمْهَا لَكِنْ يَجُوزُ لَهَا الْحَجُّ مَعَهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَلْزَمُهَا بِوُجُودِ نِسْوَةٍ أَوِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ يَكْثُرُ الْأَمْنُ وَلَا تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ بَلْ تَسِيرُ وَحْدَهَا فِي جُمْلَةِ الْقَافِلَةِ وَتَكُونُ آمِنَةً وَالْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ أَصْحَابِهِ هُوَ الْأَوَّلُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي خُرُوجِهَا لِحَجِّ التَّطَوُّعِ وَسَفَرِ الزِّيَارَةِ وَالتِّجَارَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْفَارِ الَّتِي لَيْسَتْ وَاجِبَةً فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ فِيهَا مَعَ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا يَجُوزُ إِلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ فِي غَيْرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ إِلَّا الْهِجْرَةَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تُهَاجِرَ مِنْهَا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَحْرَمٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ إِقَامَتَهَا فِي دَارِ الْكُفْرِ حَرَامٌ إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ إِظْهَارَ الدِّينِ وَتَخْشَى عَلَى دِينِهَا وَنَفْسِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ التَّأَخُّرُ عَنِ الْحَجِّ فَإِنَّهُمِ اخْتَلَفُوا فِي الْحَجِّ هَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ عَلَى التَّرَاخِي قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ الْبَاجِيُّ هَذَا عِنْدِي فِي الشَّابَّةِ وَأَمَّا الْكَبِيرَةُ غَيْرُ الْمُشْتَهَاةِ فَتُسَافِرُ كَيْفَ شَاءَتْ فِي كُلِّ الْأَسْفَارِ بِلَا زَوْجٍ وَلَا مَحْرَمٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْبَاجِيُّ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَظِنَّةُ الطَّمَعِ فِيهَا وَمَظِنَّةُ الشَّهْوَةِ وَلَوْ كانت

كَبِيرَةً وَقَدْ قَالُوا لِكُلِّ سَاقِطَةٍ لَاقِطَةٌ وَيَجْتَمِعُ فِي الْأَسْفَارِ مِنْ سُفَهَاءِ النَّاسِ وَسَقَطِهِمْ مَنْ لَا يَرْتَفِعُ عَنِ الْفَاحِشَةِ بِالْعَجُوزِ وَغَيْرِهَا لِغَلَبَةِ شَهْوَتِهِ وَقِلَّةِ دِينِهِ وَمُرُوءَتِهِ وَخِيَانَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ بِرِوَايَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِمَذْهَبِهِمْ أَنَّ قَصْرَ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي سَفَرٍ يَبْلُغُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ فَاسِدٌ وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ بِرِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ كَمَا سَبَقَ وَبَيَّنَّا مَقْصُودَهَا وَأَنَّ السَّفَرَ يُطْلَقُ عَلَى يَوْمٍ وَعَلَى بَرِيدٍ وَعَلَى دُونَ ذَلِكَ وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْجَوَابَ عَنْ شُبْهَتِهِمْ إِيضَاحًا بَلِيغًا فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [827] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّ جَمِيعَ الْمَحَارِمِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ فَيَجُوزُ لَهَا الْمُسَافَرَةُ مع محرمها بالنسب كابنها وأخيها وبن أخيها وبن أُخْتِهَا وَخَالِهَا وَعَمِّهَا وَمَعَ مَحْرَمِهَا بِالرَّضَاعِ كَأَخِيهَا من الرضاع وبن أخيها وبن أُخْتِهَا مِنْهُ وَنَحْوِهِمْ وَمَعَ مَحْرَمِهَا مِنَ الْمُصَاهَرَةِ كأبي زوجها وبن زَوْجِهَا وَلَا كَرَاهَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَا يَجُوزُ لِكُلِّ هَؤُلَاءِ الْخَلْوَةُ بِهَا وَالنَّظَرُ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ بِشَهْوَةٍ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَوَافَقَ مَالِكٌ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَّا بن زَوْجِهَا فَكَرِهَ سَفَرَهَا مَعَهُ لِفَسَادِ النَّاسِ بَعْدَ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ وَلِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَا يَنْفِرُونَ مِنْ زَوْجَةِ الْأَبِ نَفْرَتِهِمْ مِنْ مَحَارِمِ النَّسَبِ قَالَ وَالْمَرْأَةُ فِتْنَةٌ إِلَّا فِيمَا جَبَلَ اللَّهُ تَعَالَى النُّفُوسَ عَلَيْهِ مِنَ النَّفْرَةِ عَنْ مَحَارِمِ النَّسَبِ وَعُمُومُ هَذَا الْحَدِيثِ يَرُدُّ عَلَى مَالِكٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمَحْرَمِ مِنَ النِّسَاءِ الَّتِي يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهَا وَالْخَلْوَةُ بِهَا وَالْمُسَافَرَةُ بِهَا كُلُّ مَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا فَقَوْلُنَا عَلَى التَّأْبِيدِ احْتِرَازٌ مِنْ أُخْتِ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَنَحْوِهِنَّ وَقَوْلُنَا بِسَبَبٍ مُبَاحٍ احْتِرَازٌ مِنْ أُمِّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَبِنْتِهَا فَإِنَّهُمَا تَحْرُمَانِ عَلَى التَّأْبِيدِ وليستا محرمين لِأَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ لَا يُوصَفُ بِالْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفِعْلِ مُكَلَّفٍ وَقَوْلُنَا لِحُرْمَتِهَا احْتِرَازٌ مِنَ الْمُلَاعَنَةِ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ وليست محرما لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا لَيْسَ لِحُرْمَتِهَا بَلْ عُقُوبَةً وَتَغْلِيظًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لاتشدوا الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ

مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) فِيهِ بَيَانُ عَظِيمِ فَضِيلَةِ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَمَزِيَّتِهَا عَلَى غَيْرِهَا لِكَوْنِهَا مَسَاجِدَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَلِفَضْلِ الصَّلَاةِ فِيهَا وَلَوْ نَذَرَ الذَّهَابَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ قَصْدُهُ لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَلَوْ نَذَرَهُ إِلَى الْمَسْجِدَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَقَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ أَصْحَابِهِ يُسْتَحَبُّ قَصْدُهُمَا وَلَا يَجِبُ وَالثَّانِي يَجِبُ وَبِهِ قَالَ كَثِيرُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا بَاقِي الْمَسَاجِدِ سِوَى الثَّلَاثَةِ فَلَا يَجِبُ قَصْدُهَا بِالنَّذْرِ وَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرٌ قَصْدُهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْمَالِكِيَّ فَقَالَ إِذَا نَذَرَ قَصْدَ مَسْجِدِ قُبَاءٍ لَزِمَهُ قَصْدُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَلْزَمُهُ قَصْدُ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ أَيُّ مَسْجِدٍ كَانَ وَعَلَى مَذْهَبِ الْجَمَاهِيرِ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَقَالَ أَحْمَدُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي شَدِّ الرِّحَالِ وَإِعْمَالِ الْمَطِيِّ إِلَى غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ كَالذَّهَابِ إِلَى قُبُورِ الصَّالِحِينَ وَإِلَى الْمَوَاضِعِ الْفَاضِلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا هُوَ حَرَامٌ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إِلَى اخْتِيَارِهِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ قَالُوا وَالْمُرَادُ أَنَّ الْفَضِيلَةَ التَّامَّةَ إِنَّمَا هِيَ فِي شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ خَاصَّةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَأَعْجَبْنَنِي وآنَقْنَنِي) قَالَ الْقَاضِي مَعْنَى آنَقْنَنِي أَعْجَبْنَنِي وَإِنَّمَا كَرَّرَ الْمَعْنَى لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا لِلْبَيَانِ وَالتَّوْكِيدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صلوات من ربهم ورحمة وَالصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ الرَّحْمَةُ وَقَالَ تَعَالَى فَكُلُوا

(والنأي هو البعد قوله (حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت

مما غنمتم حلالا طيبا وَالطَّيِّبُ هُوَ الْحَلَالُ وَمِنْهُ قَوْلُ الْحُطَيْئَةِ ... أَلَا حَبَّذَا هِنْدٌ وَأَرْضٌ بِهَا هِنْدُ ... وَهِنْدٌ أَتَى مِنْ دُونِهَا النَّأْيُ وَالْبُعْدُ ... (وَالنَّأْيُ هُوَ الْبُعْدُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا هَكَذَا) وَقَعَ)

هَذَا الْحَدِيثُ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَكَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ عَنِ الْجُلُودِيِّ وَأَبِي الْعَلَاءِ وَالْكِسَائِيِّ وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْإِسْنَادِ السَّابِقِ قَبْلَ هَذَا عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رواية بن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ واستدرك الدارقطنى عليهما اخراجهما هذا عن بن أَبِي ذِئْبٍ وَعَلَى مُسْلِمٍ إِخْرَاجَهُ إِيَّاهُ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ الصَّوَابُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ أَبِيهِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ مَالِكًا وَيَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ وَسُهَيْلًا قَالُوا عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يَذْكُرُوا عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَالصَّحِيحُ عَنْ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِهِ هَذَا عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ أَبِيهِ وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ وَكَذَا رَوَاهُ مُعْظَمُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَرَوَاهُ الزَّهْرَانِيُّ وَالْقَرَوِيُّ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَا عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي قُلْتُ وَذَكَرَ خَلَفٌ الْوَاسِطِيُّ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ مُسْلِمًا رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ سُنَنِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي النِّكَاحِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْحَجِّ أَيْضًا عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَالْعَلَاءِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يُوسُفَ

بْنِ مُوسَى عَنْ جَرِيرٍ كِلَاهُمَا عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَحَصَلَ اخْتِلَافٌ ظَاهِرٌ بَيْنَ الْحُفَّاظِ فِي ذِكْرِ أَبِيهِ فَلَعَلَّهُ سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَفْسِهِ فَرَوَاهُ تَارَةً كَذَا وَتَارَةً كَذَا وَسَمَاعُهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ مَعْرُوفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1341] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ لَمْ تَبْقَ خَلْوَةٌ فَتَقْدِيرُ الْحَدِيثِ لَا يَقْعُدَنَّ رَجُلٌ مَعَ امْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مَحْرَمًا لَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مَحْرَمًا لَهَا أوله وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوَاعِدِ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا مَحْرَمٌ لَهَا كَابْنِهَا وَأَخِيهَا وَأُمِّهَا وَأُخْتِهَا أَوْ يَكُونَ مَحْرَمًا لَهُ كَأُخْتِهِ وَبِنْتِهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ فَيَجُوزُ الْقُعُودُ مَعَهَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ ثُمَّ إِنَّ الْحَدِيثَ مَخْصُوصٌ أَيْضًا بِالزَّوْجِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهَا زَوْجُهَا كَانَ كَالْمَحْرَمِ وَأَوْلَى بِالْجَوَازِ وَأَمَّا إِذَا خَلَا الْأَجْنَبِيُّ بِالْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ ثَالِثٍ مَعَهُمَا فَهُوَ حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُمَا مَنْ لَا يُسْتَحَى مِنْهُ لِصِغَرِهِ كَابْنِ سَنَتَيْنِ وَثَلَاثٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ وُجُودَهُ كَالْعَدَمِ وَكَذَا لَوِ اجْتَمَعَ رِجَالٌ بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِخِلَافِ مَا لَوِ اجْتَمَعَ رَجُلٌ بِنِسْوَةٍ أَجَانِبَ فَإِنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْحَجِّ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْخَلْوَةَ بِالْأَمْرَدِ الْأَجْنَبِيِّ الْحَسَنِ كَالْمَرْأَةِ فَتَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِهِ حَيْثُ حَرُمَتْ بِالْمَرْأَةِ إِلَّا إِذَا كَانَ فِي جَمْعٍ مِنَ الرِّجَالِ الْمَصُونَيْنَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا فَرْقَ فِي تَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ حَيْثُ حَرَّمْنَاهَا بَيْنَ الْخَلْوَةِ فِي صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا كُلِّهِ مَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ بِأَنْ يَجِدَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً مُنْقَطِعَةً فِي الطَّرِيقِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَيُبَاحُ لَهُ اسْتِصْحَابُهَا بَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إِذَا خَافَ عَلَيْهَا لَوْ تَرَكَهَا وَهَذَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي خرجت

باب استحباب الذكر إذا ركب دابته متوجها لسفر حج

حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا قَالَ انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكِ) فِيهِ تَقْدِيمُ الْأَهَمِّ مِنَ الْأُمُورِ الْمُتَعَارِضَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَارَضَ سَفَرُهُ فِي الْغَزْوِ وَفِي الْحَجِّ مَعَهَا رَجَحَ الْحَجُّ مَعَهَا لِأَنَّ الْغَزْوَ يَقُومُ غَيْرُهُ فِي مَقَامِهِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْحَجِّ مَعَهَا قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا بن أبي عمر حدثنا هشام يعنى بن سليمان المخزومي عن بن جُرَيْجٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ وَلَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) هَذَا آخِرُ الْفَوَاتِ الَّذِي لَمْ يَسْمَعْهُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ مِنْ مُسْلِمٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ أَوَّلِهِ عِنْدَ أَحَادِيثَ رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ وَمِنْ هُنَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ قَالَ وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ محمد قال قال بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ الْحَدِيثَ وَهُوَ أَوَّلُ الْبَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُتَّصِلًا بِهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب استحباب الذكر إذا ركب دابته متوجها لسفر حج) (أو غيره وبيان الأفضل من ذلك الذكر) [1342] قَوْلُهُ (كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا

وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ إِلَى آخِرِهِ) مَعْنَى مُقْرِنِينَ مُطِيقِينَ أَيْ مَا كُنَّا نُطِيقُ قَهْرَهُ وَاسْتِعْمَالَهُ لَوْلَا تَسْخِيرُ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ لَنَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ هَذَا الذِّكْرِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْأَسْفَارِ كُلِّهَا وَقَدْ جَاءَتْ فِيهِ أَذْكَارٌ كَثِيرَةٌ جَمَعْتُهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ) الْوَعْثَاءُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِالْمَدِّ وَهِيَ الْمَشَقَّةُ والشدة والكآبة بِفَتْحِ الْكَافِ وَبِالْمَدِّ وَهِيَ تَغَيُّرُ النَّفْسِ مِنْ حزن ونحوه والمنقلب بِفَتْحِ اللَّامِ الْمَرْجِعُ [1343] قَوْلُهُ (وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْنِ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ الْكَوْنِ بِالنُّونِ بَلْ لَا يَكَادُ يُوجَدُ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا إِلَّا بِالنُّونِ وَكَذَا ضَبَطَهُ الْحُفَّاظُ الْمُتْقِنُونَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي وَهَكَذَا رَوَاهُ الْفَارِسِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ وَرَوَاهُ الْعُذْرِيُّ بَعْدَ الْكَوْرِ بِالرَّاءِ قَالَ وَالْمَعْرُوفُ فِي رِوَايَةِ عَاصِمٍ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ بِالنُّونِ قَالَ الْقَاضِي قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ يُقَالُ إِنَّ عَاصِمًا وَهِمَ فِيهِ وَأَنَّ صَوَابَهُ الْكَوْرِ بِالرَّاءِ قُلْتُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ الْحَرْبِيُّ بَلْ كِلَاهُمَا رِوَايَتَانِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ وَخَلَائِقُ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَذَكَرَهُمَا أَبُو عُبَيْدٍ وَخَلَائِقُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ بِالنُّونِ وَيُرْوَى بِالرَّاءِ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ وَكِلَاهُمَا لَهُ وَجْهٌ قَالَ وَيُقَالُ هُوَ الرُّجُوعُ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ أَوْ مِنَ الطَّاعَةِ إِلَى الْمَعْصِيَةِ وَمَعْنَاهُ الرُّجُوعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الشَّرِّ هَذَا كَلَامُ

(باب ما يقال اذا رجع من سفر الحج وغيره)

التِّرْمِذِيِّ وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَعْنَاهُ بِالرَّاءِ وَالنُّونِ جَمِيعًا الرُّجُوعُ مِنْ الِاسْتِقَامَةِ أَوِ الزِّيَادَةِ إِلَى النَّقْصِ قَالُوا وَرِوَايَةُ الرَّاءِ مَأْخُوذَةٌ من تكوين الْعِمَامَةِ وَهُوَ لَفُّهَا وَجَمْعُهَا وَرِوَايَةُ النُّونِ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْكَوْنِ مَصْدَرُ كَانَ يَكُونُ كَوْنًا إِذَا وُجِدَ وَاسْتَقَرَّ قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي رِوَايَةِ الرَّاءِ قِيلَ أَيْضًا إِنَّ مَعْنَاهُ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الرُّجُوعِ عَنِ الْجَمَاعَةِ بَعْدَ أَنْ كُنَّا فِيهَا يُقَالُ كَارَ عِمَامَتَهُ إِذَا لَفَّهَا وَحَارَهَا إِذَا نَقَضَهَا وَقِيلَ نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ تُفْسَدَ أَمُورُنَا بَعْدَ صَلَاحِهَا كَفَسَادِ الْعِمَامَةِ بَعْدَ اسْتِقَامَتِهَا عَلَى الرَّأْسِ وَعَلَى رِوَايَةِ النُّونِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ سُئِلَ عَاصِمٌ عَنْ مَعْنَاهُ فَقَالَ أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُمْ حَارَ بَعْدَ مَا كَانَ أَيْ أَنَّهُ كَانَ عَلَى حَالَةٍ جَمِيلَةٍ فَرَجَعَ عَنْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ) أَيْ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ دُعَاءُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ فَفِيهِ التَّحْذِيرُ مِنَ الظُّلْمِ وَمِنَ التَّعَرُّضِ لِأَسْبَابِهِ (باب مَا يقال اذا رجع مِنْ سَفَرِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ) [1344] قَوْلُهُ (قَفَلَ مِنَ الجيوش) أي رجع من الغزو وقوله (اذا أوفى على ثنية أو فدفد

كبر) معنى أو في ارتفع وعلا الْفَدْفَدُ بِفَائَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا دَالٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي فِيهِ غِلَظٌ وَارْتِفَاعٌ وَقِيلَ هُوَ الْفَلَاةُ الَّتِي لَا شَيْءَ فِيهَا وَقِيلَ غَلِيظُ الْأَرْضِ ذَاتِ الْحَصَى وَقِيلَ الْجَلْدُ مِنَ الْأَرْضِ فِي ارْتِفَاعٍ وَجَمْعُهُ فَدَافِدُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (آيِبُونَ) أَيْ رَاجِعُونَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ) أَيْ صَدَقَ وَعْدَهُ فِي إِظْهَارِ الدِّين وَكَوْنِ الْعَاقِبَةِ لِلْمُتَّقِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وَعْدِهِ سُبْحَانَهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ أَيْ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ مِنَ الْآدَمِيِّينَ وَالْمُرَادُ الْأَحْزَابُ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَتَحَزَّبُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَبِهَذَا يَرْتَبِطُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ اللَّهُ تَكْذِيبًا لِقَوْلِ الْمُنَافِقِينَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُرَادَ أَحْزَابُ يَوْمِ الْخَنْدَقِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَحْزَابُ الْكُفْرِ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ وَالْمَوَاطِنِ وَاللَّهُ أعلم

باب استحباب النزول بطحاء ذي الحليفة والصلاة بها

(باب استحباب النزول بطحاء ذي الحليفة والصلاة بها) (اذا صدر من الحج والعمرة وغيرهما فمر بها) [1257] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ التي بذي الحليفة فصلى وكان بن عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ) وَفِي

باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان

الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ فِي مُعَرَّسِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ قَالَ الْقَاضِي الْمُعَرَّسُ مَوْضِعُ النُّزُولِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ عَرَّسَ الْقَوْمُ فِي الْمَنْزِلِ إِذَا نَزَلُوا بِهِ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَقَالَ الْخَلِيلُ وَالْأَصْمَعِيُّ التَّعْرِيسُ النُّزُولُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ الْقَاضِي وَالنُّزُولُ بِالْبَطْحَاءِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فِي رُجُوعِ الْحَاجِّ لَيْسَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ مَنْ فَعَلَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَبْرُكَا بِآثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهَا بَطْحَاءُ مُبَارَكَةٌ قَالَ وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ النُّزُولَ وَالصَّلَاةَ فِيهِ وَأَنْ لَا يُجَاوِزَ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ مَكَثَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَيُصَلِّي قَالَ وَقِيلَ إِنَّمَا نَزَلَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رُجُوعِهِ حَتَّى يُصْبِحَ لِئَلَّا يَفْجَأَ النَّاسُ أَهَالِيهِمْ لَيْلًا كَمَا نَهَى عَنْهُ صَرِيحًا فِي الْأَحَادِيثِ المشهورة والله أعلم (باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان) (وبيان يوم الحج الأكبر) [1347] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي

أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ) قَالَ بن شِهَابٍ وَكَانَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ مِنْ أَجْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعْنَى قَوْلِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الناس يوم الحج الأكبر فَفَعَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ هَذَا الْأَذَانَ يَوْمَ النَّحْرِ بِإِذْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْلِ الْأَذَانِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَيَّنَ لَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَلِأَنَّ مُعْظَمَ الْمَنَاسِكِ فِيهِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِيَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَقِيلَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَهَذَا خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَقِيلَ الْحَجُّ الْأَكْبَرُ لِلِاحْتِرَازِ مِنَ الْحَجِّ الْأَصْغَرِ وَهُوَ الْعُمْرَةُ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ الْحَجُّ عَرَفَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ) مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الحرام بعد عامهم هذا والمراد بالمسجد الحرام ها هنا الْحَرَمُ كُلُّهُ فَلَا يُمَكَّنُ مُشْرِكٌ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ بِحَالٍ حَتَّى لَوْ جَاءَ فِي رِسَالَةٍ أَوْ أَمْرٍ مُهِمٍّ لَا يُمَكَّنُ مِنَ الدُّخُولِ بَلْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ مَنْ يَقْضِي الْأَمْرَ الْمُتَعَلِّقَ بِهِ وَلَوْ دَخَلَ خُفْيَةً وَمَرِضَ وَمَاتَ نُبِشَ وَأُخْرِجَ مِنَ الْحَرَمِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ) هَذَا إِبْطَالٌ لِمَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ عَلَيْهِ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ عُرَاةً وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ يُشْتَرَطُ لَهُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب فضل يوم عرفة)

(باب فضل يوم عَرَفَةَ) [1348] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ) هَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرُ الدَّلَالَةِ فِي فَضْلِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ امْرَأَتِي طَالِقٌ فِي أَفْضَلِ الْأَيَّامِ فَلِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تُطَلَّقُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةٍ كَمَا سَبَقَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَأَصَحُّهُمَا يَوْمُ عَرَفَةَ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ وَيُتَأَوَّلُ حَدِيثُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ مَعْنَى يَدْنُو فِي هَذَا الحديث أي تدنو رحمته وكرامته لادنو مَسَافَةٍ وَمُمَاسَّةٍ قَالَ الْقَاضِي يُتَأَوَّلُ فِيهِ مَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ النُّزُولِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مِنْ غَيْظِ الشَّيْطَانِ يَوْمَ عَرَفَةَ لِمَا يَرَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ يُرِيدُ دُنُوَّ الْمَلَائِكَةِ إِلَى الْأَرْضِ أَوْ إِلَى السَّمَاءِ بِمَا يَنْزِلُ مَعَهُمْ مِنَ الرَّحْمَةِ وَمُبَاهَاةِ الْمَلَائِكَةِ بِهِمْ عَنْ أَمْرِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ وَقَدْ وَقَعَ الْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مُخْتَصَرًا وَذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ في مسنده من رواية بن عُمَرَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ يَقُولُ هَؤُلَاءِ عِبَادِي جاؤني شُعْثًا غُبْرًا يَرْجُونَ رَحْمَتِي وَيَخَافُونَ عَذَابِي وَلَمْ يَرَوْنِي فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي وَذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ (باب فضل الحج والعمرة) [1349] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا) هَذَا ظَاهِرٌ فِي فضيلة العمرة

وَأَنَّهَا مُكَفِّرَةٌ لِلْخَطَايَا الْوَاقِعَةِ بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ بَيَانُ هَذِهِ الْخَطَايَا وَبَيَانُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَحَادِيثِ تَكْفِيرِ الْوُضُوءِ لِلْخَطَايَا وَتَكْفِيرِ الصَّلَوَاتِ وَصَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي نُصْرَةِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ فِي اسْتِحْبَابِ تَكْرَارِ الْعُمْرَةِ فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ مِرَارًا وَقَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ يُكْرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ أَكْثَرَ مِنْ عُمْرَةٍ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَعْتَمِرُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْ عُمْرَةٍ وَاعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ السَّنَةِ وَقْتٌ لِلْعُمْرَةِ فَتَصِحُّ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْهَا إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ هُوَ مُتَلَبِّسٌ بِالْحَجِّ فَلَا يَصِحُّ اعْتِمَارُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الْحَجِّ وَلَا تُكْرَهُ عِنْدَنَا لِغَيْرِ الْحَاجِّ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَالْأَضْحَى وَالتَّشْرِيقِ وَسَائِرِ السَّنَةِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُكْرَهُ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ يَوْمِ عَرَفَةَ وَالنَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُكْرَهُ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَهِيَ عَرَفَةُ وَالتَّشْرِيقُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِ الْعُمْرَةِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وممن قال به عمر وبن عمر وبن عباس وطاوس وعطاء وبن الْمُسَيَّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَسْرُوقٌ وبن سِيرِينَ وَالشَّعْبِيُّ وَأَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَدَاوُدُ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ هِيَ سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً وَحُكِيَ أَيْضًا عَنِ النَّخَعِيِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ) الْأَصَحُّ الْأَشْهَرُ أَنَّ الْمَبْرُورَ هُوَ الَّذِي

لَا يُخَالِطُهُ إِثْمٌ مَأْخُوذٌ مِنَ الْبِرِّ وَهُوَ الطَّاعَةُ وَقِيلَ هُوَ الْمَقْبُولُ وَمِنْ عَلَامَةِ الْقَبُولِ أَنْ يَرْجِعَ خَيْرًا مِمَّا كَانَ وَلَا يُعَاوِدَ الْمَعَاصِي وَقِيلَ هُوَ الَّذِي لَا رِيَاءَ فِيهِ وَقِيلَ الَّذِي لَا يُعْقِبُهُ مَعْصِيَةٌ وَهُمَا دَاخِلَانِ فِيمَا قَبْلَهُمَا وَمَعْنَى لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ لِصَاحِبِهِ مِنَ الْجَزَاءِ عَلَى تَكْفِيرِ بَعْضِ ذُنُوبِهِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1350] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَتَى هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) قَالَ الْقَاضِي هَذَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فلا رفث ولا فسوق وَالرَّفَثُ اسْمٌ لِلْفُحْشِ مِنَ الْقَوْلِ وَقِيلَ هُوَ الْجِمَاعُ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ فِي الْآيَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نسائكم يُقَالُ رَفَثَ وَرَفِثَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا يَرْفُثُ ويرفث وبرفث بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا وَيُقَالُ أَيْضًا أَرْفَثَ بِالْأَلِفِ وَقِيلَ الرَّفَثُ التَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْجِمَاعِ قَالَ الأزهرى هي كلمة جَامِعَةٌ لِكُلِّ مَا يُرِيدُهُ الرَّجُلُ مِنَ الْمَرْأَةِ وكان بن عَبَّاسٍ يُخَصِّصُهُ بِمَا خُوطِبَ بِهِ النِّسَاءُ قَالَ وَمَعْنَى كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ أَيْ بِغَيْرِ ذَنْبٍ وأما الفسوق فالمعصية والله أعلم

(باب نزول الحاج بمكة وتوريث دورها)

(باب نزول الحاج بمكة وَتَوْرِيثِ دُورِهَا) [1351] قَوْلُهُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنْزِلُ فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ قَالَ وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ) وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ وَلَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ وَلَا عَلِيٌّ شَيْئًا لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَعَلَّهُ أَضَافَ الدَّارَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسُكْنَاهُ إِيَّاهَا مَعَ أَنَّ أَصْلَهَا كَانَ لأبي طالب لأنه الذي كفله ولأنه أَكْبَرُ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَاحْتَوَى عَلَى أَمْلَاكِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَحَازَهَا وَحْدَهُ لِسِنِّهِ عَلَى عَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَقِيلٌ بَاعَ جَمِيعَهَا وَأَخْرَجَهَا عَنْ أَمْلَاكِهِمْ كَمَا فَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ وَغَيْرُهُ بِدُورِ مَنْ هَاجَرَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ الدَّاوُدِيُّ فَبَاعَ عَقِيلٌ جَمِيعَ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِمَنْ هَاجَرَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ صُلْحًا وَأَنَّ دُورَهَا مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا لَهَا حُكْمُ سَائِرِ الْبُلْدَانِ فِي ذَلِكَ فَتُورَثُ عَنْهُمْ وَيَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُهَا وَرَهْنُهَا وَإِجَارَتُهَا وَهِبَتُهَا

(باب جواز الاقامة بمكة للمهاجر منها بعد فراغ الحج)

وَالْوَصِيَّةُ بِهَا وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَآخَرُونَ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَفِيهِ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ وَهَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَبَعْضِ السَّلَفِ أَنَّ الْمُسْلِمَ يَرِثُ الْكَافِرَ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي مَوْضِعِهَا مَبْسُوطَةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ جواز الاقامة بمكة للمهاجر منها بعد فراغ الحج) (والعمرة ثلاثة أيام بلا زيادة) [1352] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الأخرى مكث

المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا وفي رِوَايَةٍ لِلْمُهَاجِرِ إِقَامَةُ ثَلَاثٍ بَعْدَ الصَّدْرِ بِمَكَّةَ كَأَنَّهُ يَقُولُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ الْفَتْحِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرُمَ عَلَيْهِمِ اسْتِيطَانُ مَكَّةَ وَالْإِقَامَةُ بِهَا ثُمَّ أُبِيحَ لَهُمْ إِذَا وَصَلُوهَا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَنْ يُقِيمُوا بَعْدَ فَرَاغِهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَزِيدُوا عَلَى الثَّلَاثَةِ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ إِقَامَةَ ثَلَاثَةٍ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْإِقَامَةِ بَلْ صَاحِبُهَا فِي حُكْمِ الْمُسَافِرِ قَالُوا فَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمِ الدُّخُولِ ويوم الخروج جاز له الترخص بِرُخَصِ السَّفَرِ مِنَ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ رُخَصِهِ وَلَا يَصِيرُ لَهُ حُكْمُ الْمُقِيمِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثَةَ) أَيْ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ مِنًى كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (بَعْدَ الصَّدَرِ) أَيِ الصَّدَرُ مِنْ مِنًى وَهَذَا كُلُّهُ قَبْلَ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ لِأَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ لَيْسَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ بَلْ هُوَ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ أُمِرَ بِهَا مَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ لَا أَنَّهُ نُسُكٌ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَلِهَذَا لَا يُؤْمَرُ بِهِ الْمَكِّيُّ وَمَنْ يُقِيمُ بِهَا وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ وَالْمُرَادُ قَبْلَ طَوَافِ الْوَدَاعِ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ لَا إِقَامَةَ بَعْدَهُ وَمَتَى أَقَامَ بَعْدَهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ طَوَافَ الْوَدَاعِ فَسَمَّاهُ قَبْلَهُ قَاضِيًا لِمَنَاسِكِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ مَنَعَ الْمُهَاجِرَ قَبْلَ الْفَتْحِ مِنَ الْمُقَامِ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْفَتْحِ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَأَجَازَ لَهُمْ جَمَاعَةٌ بَعْدَ الْفَتْحِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِ الْهِجْرَةِ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْفَتْحِ وَوُجُوبِ سُكْنَى الْمَدِينَةِ لِنُصْرَةِ

(باب تحريم مكة وتحريم صيدها وخلاها وشجرها)

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُوَاسَاتِهِمْ لَهُ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُهَاجِرِ وَمَنْ آمَنَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ لَهُ سُكْنَى أَيِّ بَلَدٍ أَرَادَ سَوَاءٌ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا بِالِاتِّفَاقِ هَذَا كَلَامِ الْقَاضِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مُكْثُ الْمُهَاجِرِ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ ثَلَاثًا وَفِي بَعْضِهَا ثَلَاثُ وَوَجْهُ الْمَنْصُوبِ أَنْ يُقَدَّرَ فِيهِ مَحْذُوفٌ أَيْ مُكْثُهُ الْمُبَاحُ أَنْ يَمْكُثَ ثَلَاثًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب تحريم مكة وتحريم صيدها وَخَلَاهَا وَشَجَرِهَا) (وَلُقَطَتِهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ عَلَى الدَّوَامِ) [1353] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَوْمَ الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَفِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ مِنْ مَكَّةَ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ إِسْلَامٍ وَإِنَّمَا تَكُونُ الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَهَذَا يَتَضَمَّنُ مُعْجِزَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهَا تَبْقَى دَارَ الْإِسْلَامِ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهَا الْهِجْرَةُ وَالثَّانِي مَعْنَاهُ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ فَضْلُهَا كَفَضْلِهَا قَبْلَ الْفَتْحِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنفق من قبل الفتح وقاتل الْآيَةَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ) فَمَعْنَاهُ وَلَكِنْ لَكُمْ طَرِيقٌ إِلَى تَحْصِيلِ الْفَضَائِلِ الَّتِي فِي مَعْنَى الْهِجْرَةِ وَذَلِكَ بِالْجِهَادِ وَنِيَّةِ الْخَيْرِ فِي كُلَّ شَيْءٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا) مَعْنَاهُ إِذَا دَعَاكُمُ السُّلْطَانُ إِلَى غَزْوٍ فَاذْهَبُوا وَسَيَأْتِي بَسْطُ أَحْكَامِ الْجِهَادِ وَبَيَانُ الْوَاجِبِ مِنْهُ فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

تَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض) وفي الأحاديث الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَظَاهِرُهَا الِاخْتِلَافُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ تَحْرِيمِ مَكَّةَ فَقِيلَ إِنَّهَا مَا زَالَتْ مُحَرَّمَةً مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَقِيلَ مَا زَالَتْ حَلَالًا كَغَيْرِهَا إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ثَبَتَ لَهَا التَّحْرِيمُ مِنْ زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ وَهَذَا الْقَوْلُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ الثَّانِي وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ الثَّانِي بِأَنَّ تَحْرِيمَهَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ثُمَّ خَفِيَ تَحْرِيمُهَا وَاسْتَمَرَّ خَفَاؤُهُ إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ فَأَظْهَرَهُ وَأَشَاعَهُ لَا أَنَّهُ ابْتَدَأَهُ وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي أَجَابَ عَنِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ فِي غَيْرِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَيُحَرِّمُ مَكَّةَ بِأَمْرِ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ الْقَتْلُ بَدَلَ الْقِتَالُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا لَهُ إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ ظَاهِرَةٌ فِي تَحْرِيمِ الْقِتَالِ بِمَكَّةَ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامُ السُّلْطَانِيَّةُ مِنْ خَصَائِصِ الْحَرَمِ أَنْ لَا يُحَارَبَ أَهْلُهُ فَإِنْ بَغَوْا عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَحْرُمُ قِتَالُهُمْ بَلْ يُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى الطَّاعَةِ وَيَدْخُلُوا فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ قَالَ وَقَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يُقَاتَلُونَ عَلَى بَغْيِهِمْ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُمْ عَنِ الْبَغْيِ إِلَّا بِالْقِتَالِ لِأَنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ مِنْ

حُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي لَا يَجُوزُ إِضَاعَتُهَا فَحِفْظُهَا أَوْلَى فِي الْحَرَمِ مِنْ إِضَاعَتِهَا هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافُ الْحَدِيثِ مِنْ كُتُبِ الْإِمَامِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي آخِرِ كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بسير الْوَاقِدِيِّ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ وَقَالَ الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ شَرْحُ التَّلْخِيصِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي ذِكْرِ الْخَصَائِصِ لَا يَجُوزُ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ قَالَ حَتَّى لَوْ تَحَصَّنَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْكُفَّارِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ لَنَا قِتَالُهُمْ فِيهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ غَلَطٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُغْتَرَّ بِهِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فَهُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ سِيَرُ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ مَعْنَاهَا تَحْرِيمُ نَصْبِ الْقِتَالِ عَلَيْهِمْ وَقِتَالِهِمْ بِمَا يَعُمُّ كَالْمَنْجَنِيقِ وَغَيْرِهِ إِذَا أَمْكَنَ إِصْلَاحُ الْحَالِ بِدُونِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إِذَا تَحَصَّنَ الْكُفَّارُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قِتَالُهُمْ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ وَبِكُلِّ شَيْءٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُعْضَدُ بِهَا شَجَرَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُخْبَطُ شَوْكُهَا قَالَ أهل اللغة العضد القطع والخلا بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورٌ هُوَ الرَّطْبُ مِنَ الكلأ قالوا الْخَلَا وَالْعُشْبُ اسْمٌ لِلرَّطْبِ مِنْهُ وَالْحَشِيشُ وَالْهَشِيمُ اسم لليابس منه والكلأ مهموز يقع على الرطب واليابس وعد بن مَكِّيٍّ وَغَيْرُهُ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامِّ إِطْلَاقُهُمُ اسْمُ الْحَشِيشِ عَلَى الرَّطْبِ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْيَابِسِ وَمَعْنَى يُخْتَلَى يُؤْخَذُ وَيُقْطَعُ وَمَعْنَى يُخْبَطُ يُضْرَبُ بِالْعَصَا وَنَحْوِهَا لِيَسْقُطَ وَرَقُهُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ أَشْجَارِهَا الَّتِي لَا يَسْتَنْبِتُهَا الْآدَمِيُّونَ فِي الْعَادَةِ وَعَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ خَلَاهَا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ وَاخْتَلَفُوا فِي ضَمَانِ الشَّجَرِ إِذَا قَطَعَهُ فَقَالَ مَالِكٌ يَأْثَمُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَاخْتَلَفَا فِيهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الشَّجَرَةِ الْكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ وَفِي الصَّغِيرَةِ شَاةٌ وَكَذَا جَاءَ عَنِ بن عباس وبن الزُّبَيْرِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْوَاجِبُ فِي الْجَمِيعِ الْقِيمَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيَضْمَنُ الْخَلَا بِالْقِيمَةِ وَيَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ رَعْيُ الْبَهَائِمِ فِي كَلَأِ الْحَرَمِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ وَأَمَّا صَيْدُ الْحَرَمِ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا دَاوُدَ فَقَالَ يَأْثَمُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ

وَلَوْ دَخَلَ صَيْدٌ مِنَ الْحِلِّ إِلَى الْحَرَمِ فَلَهُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ فِيهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَدَاوُدَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهِ بَلْ يَلْزَمُهُ إِرْسَالُهُ قَالَا فَإِنْ أَدْخَلَهُ مَذْبُوحًا جَازَ أَكْلُهُ وَقَاسُوهُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا إِذَا دَخَلَ مِنَ الْحِلِّ شَجَرَةٌ أَوْ كَلَأٌ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدِ حَرَمٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَنْ يَقُولُ بِتَحْرِيمِ جَمِيعِ نَبَاتِ الْحَرَمِ مِنَ الشَّجَرِ وَالْكَلَأِ سَوَاءٌ الشَّوْكُ الْمُؤْذِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا يَحْرُمُ الشَّوْكُ لِأَنَّهُ مُؤْذٍ فَأَشْبَهَ الْفَوَاسِقَ الْخَمْسَ وَيَخُصُّونَ الْحَدِيثَ بِالْقِيَاسِ وَالصَّحِيحُ مَا اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَثِيرِينَ أَوِ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فُتِحَتْ صُلْحًا وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْقِتَالَ كَانَ جَائِزًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَّةَ وَلَوِ احْتَاجَ إِلَيْهِ لَفَعَلَهُ وَلَكِنْ مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ) تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِ التَّنْفِيرِ وَهُوَ الْإِزْعَاجُ وَتَنْحِيَتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ فَإِنْ نَفَّرَهُ عَصَى سَوَاءٌ تَلِفَ أَمْ لَا لَكِنْ إِنْ تَلِفَ فِي نِفَارِهِ قَبْلَ سُكُونِ نِفَارِهِ ضَمِنَهُ الْمُنَفِّرُ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتنفير على الاتلاف ونحوه لِأَنَّهُ إِذَا حَرُمَ التَّنْفِيرُ فَالْإِتْلَافُ أَوْلَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ الْمُنْشِدُ هُوَ الْمُعَرِّفُ وَأَمَّا طَالِبُهَا فَيُقَالُ لَهُ نَاشِدٌ وَأَصْلُ النَّشْدِ وَالْإِنْشَادِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يُعَرِّفَهَا سَنَةً ثُمَّ يَتَمَلَّكَهَا كَمَا فِي بَاقِي الْبِلَادِ بَلْ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِمَنْ يُعَرِّفُهَا أَبَدًا وَلَا يَتَمَلَّكُهَا وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا بَعْدَ تَعَرُّفِهَا سَنَةً كَمَا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ

ويتأولون الحديث تأويلات ضعيفة واللقطة بِفَتْحِ الْقَافِ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَقِيلَ بِإِسْكَانِهَا وَهِيَ الْمَلْقُوطُ قَوْلُهُ (إِلَّا الْإِذْخِرَ) هُوَ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ قَوْلُهُ (فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ) وَفِي رِوَايَةٍ نَجْعَلُهُ فِي قُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا قَيْنِهِمْ بِفَتْحِ الْقَافِ هُوَ الْحَدَّادُ وَالصَّائِغُ وَمَعْنَاهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْقَيْنُ فِي وُقُودِ النَّارِ وَيُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْقُبُورِ لِتُسَدَّ بِهِ فُرَجُ اللَّحْدِ الْمُتَخَلِّلَةُ بَيْنَ اللَّبِنَاتِ وَيُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي سُقُوفِ الْبُيُوتِ يُجْعَلُ فَوْقَ الْخَشَبِ قَوْلُهُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِلَّا الْإِذْخِرَ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي الْحَالِ بِاسْتِثْنَاءِ الْإِذْخِرِ وَتَخْصِيصِهِ مِنَ الْعُمُومِ أَوْ أُوحِيَ إِلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ طَلَبَ أَحَدٌ اسْتِثْنَاءَ شَيْءٍ فَاسْتَثْنِهِ أَوْ أَنَّهُ اجْتَهَدَ فِي الْجَمِيعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1354] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ) هَكَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ الْعَدَوِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الْكَعْبِيُّ والخزاعي قِيلَ اسْمُهُ خُوَيْلِدُ بْنُ عَمْرٍو وَقِيلَ عَمْرُو بْنُ خُوَيْلِدٍ وَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو وقيل هانئ بن عمرو أسلم قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ وَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ قَوْلُهُ (وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ) يعنى لقتال بن الزُّبَيْرِ قَوْلُهُ (سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ) أَرَادَ بِهَذَا كُلِّهِ الْمُبَالَغَةَ فِي تَحْقِيقِ حِفْظِهِ إِيَّاهُ وَتَيَقُّنِهِ زَمَانَهُ وَمَكَانَهُ وَلَفْظَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ) مَعْنَاهُ أَنَّ تَحْرِيمَهَا بِوَحْيِ اللَّهِ تَعَالَى لَا أَنَّهَا اصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَى تَحْرِيمِهَا بِغَيْرِ أَمْرِ اللَّهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً) هَذَا قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ الْكُفَّارُ لَيْسُوا بِمُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ آخَرِينَ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِهَا كَمَا هُمْ مُخَاطَبُونَ بِأُصُولِهِ وَإِنَّمَا قَالَ ص

فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ هُوَ الَّذِي يَنْقَادُ لِأَحْكَامِنَا وَيَنْزَجِرُ عَنْ مُحَرَّمَاتِ شَرْعِنَا وَيَسْتَثْمِرُ أَحْكَامَهُ فَجَعَلَ الْكَلَامَ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ غَيْرَ الْمُؤْمِنِ لَيْسَ مُخَاطَبًا بِالْفُرُوعِ قَوْلُهُ (يَسْفِكَ) بِكَسْرِ الْفَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا أَيْ يُسِيلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى آخِرِهِ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَنْ يَقُولُ فُتِحَتْ مَكَّةُ عَنْوَةً وَقَدْ سَبَقَ فِي هَذَا الْبَابِ بَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ فُتِحَتْ صُلْحًا أَنَّ مَعْنَاهُ دَخَلَهَا مُتَأَهِّبًا لِلْقِتَالِ لَوِ احْتَاجَ إِلَيْهِ فَهُوَ دَلِيلُ الْجَوَازِ لَهُ تِلْكَ السَّاعَةَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ) هَذَا اللَّفْظُ قَدْ جَاءَتْ بِهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِوُجُوبِ نَقْلِ الْعِلْمِ وَإِشَاعَةِ السُّنَنِ وَالْأَحْكَامِ قَوْلُهُ (لَا يُعِيذُ عَاصِيًا) أَيْ لَا يَعْصِمُهُ قَوْلُهُ (وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ) هِيَ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَيُقَالُ بِضَمِّ الْخَاءِ أَيْضًا حَكَاهَا الْقَاضِي وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَآخَرُونَ وَأَصْلُهَا سَرِقَةُ الْإِبِلِ وَتُطْلَقُ عَلَى كُلِّ خِيَانَةٍ وَفِي صَحِيحِ البخاري

إِنَّهَا الْبَلِيَّةُ وَقَالَ الْخَلِيلُ هِيَ الْفَسَادُ فِي الدِّينِ مِنَ الْخَارِبِ وَهُوَ اللِّصُّ الْمُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ وَقِيلَ هِيَ الْعَيْبُ [1355] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بخير النظرين إما أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ) مَعْنَاهُ وَلِيُّ المقتول بالخياران شَاءَ قَتَلَ الْقَاتِلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ فِدَاءَهُ وَهِيَ الدِّيَةُ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِالْحُجَّةِ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ الْوَلِيَّ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِ الدِّيَةِ وَبَيْنَ الْقَتْلِ وَأَنَّ لَهُ إِجْبَارَ الْجَانِي عَلَى أَيِّ الأمرين شاء ولي القتيل وبه قال سعيد بن المسيب وبن سِيرِينَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ إِلَّا الْقَتْلُ أَوِ الْعَفْوُ وَلَيْسَ لَهُ الدِّيَةُ إِلَّا بِرِضَى الْجَانِي وَهَذَا خِلَافُ نَصِّ هَذَا الْحَدِيثِ وَفِيهِ أَيْضًا دَلَالَةٌ لِمَنْ يَقُولُ الْقَاتِلُ عَمْدًا يَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ الْقِصَاصُ أَوِ الدِّيَةُ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ وَالثَّانِي أَنَّ الْوَاجِبَ الْقِصَاصُ لَا غَيْرَ وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ بِالِاخْتِيَارِ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي صُوَرٍ مِنْهَا لَوْ عَفَا الْوَلِيُّ عَنِ الْقِصَاصِ إِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ بِعَيْنِهِ لَمْ يَجِبْ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَتْلِ عَمْدًا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي غَيْرِ الْعَمْدِ قَوْلُهُ (فَقَامَ أَبُو شَاهٍ) هُوَ بِهَاءٍ تَكُونُ هَاءً فِي الْوَقْفِ وَالدَّرَجِ وَلَا يُقَالُ بِالتَّاءِ قَالُوا وَلَا يُعْرَفُ اسْمُ أَبِي شَاهٍ هَذَا وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِكُنْيَتِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِجَوَازِ كِتَابَةِ الْعِلْمِ غَيْرَ الْقُرْآنِ وَمِثْلُهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ وَمِثْلُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ بِالنَّهْيِ عَنْ كِتَابَةِ غَيْرِ الْقُرْآنِ فَمِنَ السَّلَفِ مَنْ مَنَعَ كِتَابَةَ الْعِلْمِ وَقَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ بِجَوَازِهِ ثُمَّ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ

(باب النهى عن حمل السلاح بمكة من غير حاجة)

بَعْدَهُمْ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَأَجَابُوا عَنْ أَحَادِيثِ النَّهْيِ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَكَانَ النَّهْيُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ قَبْلَ اشْتِهَارِ الْقُرْآنِ لِكُلِّ أَحَدٍ فَنَهَى عَنْ كِتَابَةِ غَيْرِهِ خَوْفًا مِنَ اخْتِلَاطِهِ وَاشْتِبَاهِهِ فَلَمَّا اشْتُهِرَ وَأُمِنَتْ تِلْكَ الْمَفْسَدَةُ أَذِنَ فِيهِ وَالثَّانِي أَنَّ النَّهْيَ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لِمَنْ وُثِقَ بِحِفْظِهِ وَخِيفَ اتِّكَالُهُ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالْإِذْنُ لِمَنْ لَمْ يُوثَقْ بِحِفْظِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب النهى عن حمل السلاح بمكة من غير حَاجَةً) [1356] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَحِلُّ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَحْمِلَ السِّلَاحَ بِمَكَّةَ) هَذَا النَّهْيُ إِذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ

(باب جواز دخول مكة بغير إحرام)

فَإِنْ كَانَتْ جَازَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى حَمْلِ السِّلَاحِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا حَاجَةٍ فَإِنْ كَانَتْ جَازَ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَعَطَاءٍ قَالَ وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ دُخُولُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ بِمَا شَرَطَهُ مِنْ السِّلَاحِ فِي الْقِرَابِ وَدُخُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ مُتَأَهِّبًا لِلْقِتَالِ قَالَ وَشَذَّ عِكْرِمَةُ عَنِ الجماعة فقال اذا احتاج إليه حمله وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ إِذَا كَانَ مُحْرِمًا وَلَبِسَ الْمِغْفَرَ وَالدِّرْعَ وَنَحْوَهُمَا فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْجَمَاعَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب جَوَازِ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ) [1357] قَوْلُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ مِغْفَرٌ) وَفِي رِوَايَةٍ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ وَفِي رِوَايَةٍ خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ قَالَ الْقَاضِي وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ أَوَّلَ دُخُولِهِ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ الْعِمَامَةُ بَعْدَ إِزَالَةِ الْمِغْفَرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ إِنَّمَا كَانَتْ عِنْدَ بَابِ الْكَعْبَةِ بَعْدَ تَمَامِ فَتْحِ مَكَّةَ وَقَوْلِهِ دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ هَذَا دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ بِجَوَازِ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ لِمَنْ لَمْ يُرِدْ نُسُكًا سَوَاءٌ كَانَ دُخُولُهُ لِحَاجَةِ تُكَرَّرٍ كَالْحَطَّابِ وَالْحَشَّاشِ وَالسَّقَّاءِ وَالصَّيَّادِ وَغَيْرِهِمْ أَمْ لَمْ تَتَكَرَّرْ كَالتَّاجِرِ وَالزَّائِرِ وَغَيْرِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ آمِنًا أَوْ خَائِفًا وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ وَبِهِ يُفْتِي أَصْحَابُهُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ دُخُولُهَا بِغَيْرِ إِحْرَامٍ إِنْ كَانَتْ حَاجَتُهُ لَا تُكَرَّرُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُقَاتِلًا أَوْ خَائِفًا مِنْ قِتَالٍ أَوْ خَائِفًا مِنْ ظَالِمٍ لَوْ ظَهَرَ وَنَقَلَ الْقَاضِي نَحْوَ هَذَا عَنْ اكثر العلماء قوله (جاءه رجل فقال بن خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ اقْتُلُوهُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا قَتَلَهُ لِأَنَّهُ كَانَ قَدِ ارْتَدَّ عن الاسلام

وَقَتَلَ مُسْلِمًا كَانَ يَخْدُمُهُ وَكَانَ يَهْجُو النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسُبُّهُ وَكَانَتْ لَهُ قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِهِجَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ فَإِنْ قِيلَ فَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ فَكَيْفَ قَتَلَهُ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَسْتَارِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ في الأمان بل استثناه هو وبن أَبِي سَرَحٍ وَالْقَيْنَتَيْنِ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ وَإِنْ وُجِدَ مُتَعَلِّقًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ وَقِيلَ لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَمْ يَفِ بِالشَّرْطِ بَلْ قَاتَلَ بَعْدَ ذَلِكَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِمَا فِي جَوَازِ إِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي حَرَمِ مَكَّةَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ قَتَلَهُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي أُبِيحَتْ لَهُ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا إِنَّمَا أُبِيحَتْ سَاعَةَ الدُّخُولِ حَتَّى اسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَأَذْعَنَ لَهُ اهلها وإنما قتل بن خطل بعد ذلك والله أعلم واسم بن خَطَلٍ عَبْدُ الْعُزَّى وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ اسْمُهُ غَالِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ جَابِرِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ تَيْمِ بْنِ غَالِبٍ وَخَطَلٌ بِخَاءِ مُعْجَمَةٍ وَطَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ قَالَ أَهْلُ السِّيَرِ وَقِيلَ سَعْدُ بْنُ حُرَيْثٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قَرَأَتْ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ) وَفِي رِوَايَةٍ قُلْتُ لِمَالِكٍ حَدَّثَكَ بن شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الحديث فقال نعم يعنى فقال مالك نعم ومعناه أحدثك بن شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ بِكَذَا فَقَالَ مَالِكٌ نَعَمْ حَدَّثَنِي بِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَلَا يَقُولُ فِي آخِرِهِ قَالَ نَعَمْ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اشْتِرَاطِ قَوْلِهِ نَعَمْ فِي آخِرِ مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَهِيَ إِذَا قَرَأَ عَلَى الشَّيْخِ قَائِلًا أَخْبَرَكَ فُلَانٌ أَوْ نَحْوَهُ وَالشَّيْخُ مُصْغٍ لَهُ فَاهِمٌ لِمَا يَقْرَأُ غَيْرُ مُنْكِرٍ فَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيِّينَ وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ لَا يَصِحُّ السَّمَاعُ إِلَّا بِهَا فَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهَا لَمْ يَصِحَّ السَّمَاعُ وَقَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَأَصْحَابِ الْأُصُولِ يُسْتَحَبُّ قَوْلُهُ نَعَمْ وَلَا يُشْتَرَطُ نُطْقُهُ بِشَيْءٍ بَلْ يَصِحُّ السَّمَاعُ مَعَ سُكُوتِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ اكْتِفَاءً بِظَاهِرِ الْحَالِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُكَلَّفٍ أَنْ يُقِرَّ عَلَى الْخَطَأِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَمَنْ قَالَ مِنَ السَّلَفِ نَعَمْ إِنَّمَا قَالَهُ تَوْكِيدًا وَاحْتِيَاطًا لَا اشْتِرَاطًا [1358] قَوْلُهُ (مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمَّارٍ الدُّهْنِيُّ) هُوَ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَبِالنُّونِ مَنْسُوبٌ إِلَى دهن وهم

بَطْنٌ مِنْ بَجِيلَةَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ بِإِسْكَانِ الْهَاءِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا وَمِمَّنْ حَكَى الْفَتْحَ أَبُو سَعِيدٍ السَّمْعَانِيُّ فِي الْأَنْسَابِ وَالْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيُّ [1359] قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ) فِيهِ جَوَازُ لِبَاسِ الثِّيَابِ السُّودِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ فِيهِ جَوَازُ لِبَاسِ الْأَسْوَدِ فِي الْخُطْبَةِ وَإِنْ كَانَ الْأَبْيَضُ أَفْضَلَ مِنْهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ خَيْرُ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضُ وَأَمَّا لِبَاسُ الْخُطَبَاءِ السَّوَادَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ فَجَائِزٌ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ الْبَيَاضُ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا لَبِسَ الْعِمَامَةَ السَّوْدَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ قَدْ أَرْخَى طَرَفَيْهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَغَيْرِهَا طَرَفَيْهَا بِالتَّثْنِيَةِ وَكَذَا هُوَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ لِلْحُمَيْدِيِّ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ

(باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم

الصَّوَابَ الْمَعْرُوفَ طَرَفَهَا بِالْإِفْرَادِ وَأَنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ طَرَفَيْهَا بِالتَّثْنِيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي بَسْطُ حُكْمِ إِرْخَاءِ الْعِمَامَةِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (باب فَضْلِ الْمَدِينَةِ وَدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِالْبَرَكَةِ) (وَبَيَانِ تحريمها وتحريم صيدها وشجرها وبيان حدود حرمها) [1360] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ) هَذَا دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ إِنَّ تَحْرِيمَ مَكَّةَ إِنَّمَا هُوَ كَانَ فِي زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَوْفَاةً قَرِيبًا وَذَكَرُوا فِي تَحْرِيمِ إِبْرَاهِيمَ احْتِمَالَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَرَّمَهَا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِذَلِكَ لَا بِاجْتِهَادِهِ فَلِهَذَا أَضَافَ التَّحْرِيمَ إِلَيْهِ تَارَةً وَإِلَى اللَّهِ تَعَالَى تَارَةً وَالثَّانِي أَنَّهُ دَعَا لَهَا فَحَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِدَعْوَتِهِ فَأُضِيفَ التَّحْرِيمُ إِلَيْهِ لِذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ الْأَحَادِيثَ الَّتِي بَعْدَهُ بِمَعْنَاهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَمُوَافِقِيهِمَا فِي تَحْرِيمِ صَيْدِ الْمَدِينَةِ وَشَجَرِهَا وَأَبَاحَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثِ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ حَدِيثَ النُّغَيْرِ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ وَالثَّانِي يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَادَهُ مِنَ الْحِلِّ لَا مِنْ حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَهَذَا الْجَوَابُ لَا يَلْزَمُهُمْ عَلَى أُصُولِهِمْ لِأَنَّ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ صَيْدَ الْحِلِّ إِذَا أدخله الحلال إِلَى الْحَرَمِ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْحَرَمِ وَلَكِنَّ أَصْلَهُمْ هَذَا ضَعِيفٌ فَيُرَدُّ عَلَيْهِمْ بِدَلِيلِهِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي صَيْدِ الْمَدِينَةِ وَشَجَرِهَا بَلْ هُوَ حرام بلا ضمان وقال بن أبي ذئب وبن أَبِي لَيْلَى يَجِبُ فِيهِ الْجَزَاءُ كَحَرَمِ مَكَّةَ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ قَدِيمٌ أَنَّهُ يُسْلَبُ الْقَاتِلُ لِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَمْ يَقُلْ بِهَذَا الْقَوْلِ أَحَدٌ بَعْدَ الصَّحَابَةِ إِلَّا الشَّافِعِيَّ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1361] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) يُرِيدُ الْمَدِينَةَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ اللَّابَتَانِ الْحَرَّتَانِ وَاحِدَتُهُمَا لَابَةٌ وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُلْبَسَةُ حِجَارَةٌ سَوْدَاءُ وَلِلْمَدِينَةِ لَابَتَانِ شَرْقِيَّةٌ وَغَرْبِيَّةٌ وَهِيَ بَيْنَهُمَا وَيُقَالُ لَابَةٌ وَلُوبَةٌ وَنُوبَةٌ بِالنُّونِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ مَشْهُورَاتٍ وَجَمْعُ اللَّابَةِ فِي الْقِلَّةِ لَابَاتٌ وَفِي الْكَثْرَةِ لَابٌ وُلُوبٌ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بين لابتيها

مَعْنَاهُ اللَّابَتَانِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَالْمُرَادُ تَحْرِيمُ الْمَدِينَةِ ولا بتيها [1362] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا) صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ فِي تَحْرِيمِ صَيْدِ الْمَدِينَةِ وَشَجَرِهَا وَسَبَقَ خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعِضَاهُ بِالْقَصْرِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ كُلُّ شَجَرٍ فِيهِ شَوْكٌ وَاحِدَتُهَا عِضَاهَةٌ وَعَضِيهَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1363] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وَجَهْدِهَا إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ اللَّأْوَاءُ بِالْمَدِّ الشِّدَّةُ وَالْجُوعُ وَأَمَّا الْجَهْدُ فَهُوَ الْمَشَقَّةُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ بِضَمِّهَا وَأَمَّا الْجَهْدُ بِمَعْنَى الطَّاقَةِ فَبِضَمِّهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ سَأَلْتُ قَدِيمًا عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَلِمَ خَصَّ سَاكِنَ الْمَدِينَةِ بِالشَّفَاعَةِ هُنَا مَعَ عُمُومِ شَفَاعَتِهِ وَإِدِّخَارِهِ إِيَّاهَا لِأُمَّتِهِ قَالَ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِجَوَابٍ شَافٍ مُقْنِعٍ فِي أَوْرَاقٍ اعْتَرَفَ بِصَوَابِهِ كُلُّ وَاقِفٍ عَلَيْهِ قَالَ وَأَذْكُرُ مِنْهُ هُنَا لُمَعًا تَلِيقُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا أَوْ هُنَا لِلشَّكِّ وَالْأَظْهَرُ عِنْدَنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلشَّكِّ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ الله وسعد بن أبي وقاص وبن عُمَرَ وَأَبُو سَعِيدٍ

وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ وَصْفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَيَبْعُدُ اتِّفَاقُ جَمِيعِهِمْ أَوْ رُوَاتِهِمْ عَلَى الشَّكِّ وَتَطَابُقُهُمْ فِيهِ عَلَى صِيغَةٍ وَاحِدَةٍ بَلِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ قَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ هَكَذَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَوْ لِلتَّقْسِيمِ وَيَكُونَ شَهِيدًا لِبَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَشَفِيعًا لِبَقِيَّتِهِمْ إِمَّا شَفِيعًا لِلْعَاصِينَ وَشَهِيدًا لِلْمُطِيعِينَ وَإِمَّا شَهِيدًا لِمَنْ مَاتَ فِي حَيَاتِهِ وَشَفِيعًا لِمَنْ مَاتَ بَعْدَهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي وَهَذِهِ خُصُوصِيَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الشَّفَاعَةِ لِلْمُذْنِبِينَ أَوْ للعالمين في القيمة وَعَلَى شَهَادَتِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ فَيَكُونُ لِتَخْصِيصِهِمْ بِهَذَا كُلِّهِ مَزِيدٌ أَوْ زِيَادَةُ مَنْزِلَةٍ وَحِظْوَةٍ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ فَيَكُونُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ شَفِيعًا وَشَهِيدًا قَالَ وَقَدْ رُوِيَ إِلَّا كنت له شهيدا أوله شَفِيعًا قَالَ وَإِذَا جَعَلْنَا أَوْ لِلشَّكِّ كَمَا قَالَهُ الْمَشَايِخُ فَإِنْ كَانَتِ اللَّفْظَةُ الصَّحِيحَةُ شَهِيدًا انْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى الشَّفَاعَةِ الْمُدَّخَرَةِ الْمُجَرَّدَةِ لِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتِ اللَّفْظَةُ الصَّحِيحَةُ شَفِيعًا فَاخْتِصَاصُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِهَذَا مَعَ مَا جَاءَ مِنْ عُمُومِهَا وَادِّخَارُهَا لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ أَنَّ هَذِهِ شَفَاعَةٌ أُخْرَى غَيْرُ الْعَامَّةِ الَّتِي هِيَ لِإِخْرَاجِ أُمَّتِهِ مِنَ النَّارِ وَمُعَافَاةِ بَعْضِهِمْ مِنْهَا بِشَفَاعَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِيَامَةِ وَتَكُونُ هَذِهِ الشَّفَاعَةُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ بِزِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ أَوْ تَخْفِيفِ الْحِسَابِ أَوْ بِمَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ بِإِكْرَامِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْكَرَامَةِ كَإِيوَائِهِمْ إِلَى ظِلِّ الْعَرْشِ أَوْ كَوْنِهِمْ فِي رَوْحٍ وَعَلَى مَنَابِرَ أَوَ الْإِسْرَاعِ بِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ خُصُوصِ الْكَرَامَاتِ الْوَارِدَةِ لِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَدَعُهَا أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلَّا أَبْدَلَ اللَّهُ فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ) قَالَ الْقَاضِي اخْتَلَفُوا فِي هَذَا فَقِيلَ هُوَ مُخْتَصٌّ بِمُدَّةِ حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ عَامٌّ أَبَدًا وَهَذَا أَصَحُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يُرِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ إِلَّا أَذَابَهُ اللَّهُ فِي النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ أَوْ ذَوْبَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ) قَالَ الْقَاضِي هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ فِي

النَّارِ تَدْفَعُ إِشْكَالَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَمْ تُذْكَرْ فِيهَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَتُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا حُكْمُهُ فِي الْآخِرَةِ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ أَرَادَهَا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِيَ الْمُسْلِمُونَ أَمْرَهُ وَاضْمَحَلَّ كَيْدُهُ كَمَا يَضْمَحِلُّ الرَّصَاصُ فِي النَّارِ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ فِي اللَّفْظِ تَأْخِيرٌ وَتَقْدِيمٌ أَيْ أَذَابَهُ اللَّهُ ذَوْبَ الرَّصَاصِ فِي النَّارِ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَهَا فِي الدُّنْيَا فَلَا يُمْهِلُهُ اللَّهُ وَلَا يُمَكَّنُ لَهُ سُلْطَانٌ بَلْ يُذْهِبُهُ عَنْ قُرْبٍ كَمَا انْقَضَى شَأْنُ مَنْ حَارَبَهَا أَيَّامَ بَنِي أُمَيَّةَ مِثْلُ مُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ فَإِنَّهُ هَلَكَ فِي مُنْصَرَفِهِ عَنْهَا ثُمَّ هَلَكَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ مُرْسِلُهُ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ صَنَعَ صَنِيعَهُمَا قَالَ وَقِيلَ قَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ مَنْ كَادَهَا اغْتِيَالًا وَطَلَبًا لِغُرَّتِهَا فِي غَفْلَةٍ فَلَا يَتِمُّ لَهُ أَمْرُهُ بِخِلَافِ مَنْ أَتَى ذَلِكَ جِهَارًا كَأُمَرَاءَ اسْتَبَاحُوهَا [1364] قَوْلُهُ (إِنَّ سَعْدًا رَكِبَ إِلَى قَصْرِهِ بِالْعَقِيقِ فَوَجَدَ عَبْدًا يَقْطَعُ شَجَرًا أَوْ يَخْبِطُهُ فَسَلَبَهُ فَلَّمَا رَجَعَ سعد جَاءَهُ أَهْلُ الْعَبْدِ فَكَلَّمُوهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَى غُلَامِهِمْ أَوْ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَهُ مِنْ غُلَامِهِمْ فَقَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا نَفَّلَنِيهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ) هَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجَمَاهِيرِ فِي تَحْرِيمِ صَيْدِ الْمَدِينَةِ وَشَجَرِهَا كَمَا سَبَقَ وَخَالَفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ وَقَدْ ذَكَرَ هُنَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ تَحْرِيمَهَا مَرْفُوعًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَذَكَرَ

غَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِمْ أَيْضًا فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَنْ خَالَفَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الْمُسْتَفِيضَةَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْقَدِيمِ إِنَّ مَنْ صَادَ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ أَوْ قَطَعَ مِنْ شَجَرِهَا أُخِذَ سَلَبُهُ وَبِهَذَا قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ بَعْدَ الصَّحَابَةِ إِلَّا الشَّافِعِيَّ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ وَخَالَفَهُ أَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ قُلْتُ وَلَا تَضُرُّ مُخَالَفَتُهُمْ إِذَا كَانَتِ السُّنَّةُ مَعَهُ وَهَذَا الْقَوْلُ الْقَدِيمُ هُوَ الْمُخْتَارُ لِثُبُوتِ الْحَدِيثِ فِيهِ وَعَمَلِ الصَّحَابَةِ عَلَى وَفْقِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ دَافِعٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ فَفِي كَيْفِيَّةِ الضَّمَانِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَضْمَنُ الصَّيْدَ وَالشَّجَرَ وَالْكَلَأَ كَضَمَانِ حَرَمِ مَكَّةَ وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْمُفَرِّعِينَ عَلَى هَذَا الْقَدِيمِ أَنَّهُ يُسْلَبُ الصَّائِدُ وَقَاطِعُ الشَّجَرِ وَالْكَلَأِ وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالسَّلَبِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ثِيَابُهُ فَقَطْ وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ كَسَلَبِ الْقَتِيلِ مِنَ الْكُفَّارِ فَيَدْخُلُ فِيهِ فَرَسُهُ وَسِلَاحُهُ وَنَفَقَتُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَدْخُلُ فِي سَلَبِ الْقَتِيلِ وَفِي مَصْرِفِ السَّلَبِ ثلاثة أوجه لأصحابنا أصحهما أَنَّهُ لِلسَّالِبِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِحَدِيثِ سَعْدٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ لِمَسَاكِينِ الْمَدِينَةِ وَالثَّالِثُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَإِذَا سَلَبَ أَخَذَ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ إِلَّا سَاتِرَ الْعَوْرَةِ وَقِيلَ يُؤْخَذُ سَاتِرُ الْعَوْرَةِ أَيْضًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْلَبُ بِمُجَرَّدِ الِاصْطِيَادِ سَوَاءٌ أَتْلَفَ الصَّيْدَ أَمْ لَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1365] قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا بداله أُحُدٌ قَالَ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ) الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ أُحُدًا يُحِبُّنَا حَقِيقَةً جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ تَمْيِيزًا يُحِبُّ بِهِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ

من خشية الله وَكَمَا حَنَّ الْجِذْعُ الْيَابِسُ وَكَمَا سَبَّحَ الْحَصَى وَكَمَا فَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَمَا قَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ وَكَمَا دَعَا الشَّجَرَتَيْنِ الْمُفْتَرِقَتَيْنِ فَاجْتَمَعَا وَكَمَا رَجَفَ حِرَاءٌ فَقَالَ اسْكُنْ حِرَاءُ فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ الْحَدِيثَ وَكَمَا كَلَّمَهُ ذِرَاعُ الشَّاةِ وَكَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تفقهون تسبيحهم وَالصَّحِيحُ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُسَبِّحُ حَقِيقَةً بِحَسَبِ حَالِهِ وَلَكِنْ لَا نَفْقَهُهُ وَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ شَوَاهِدُ لِمَا اخْتَرْنَاهُ وَاخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُونَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ وَأَنَّ أُحُدًا يُحِبُّنَا حَقِيقَةً وَقِيلَ الْمُرَادُ يُحِبُّنَا أَهْلُهُ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ مَقَامَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1366] قَوْلُهُ (مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ مَنْ أَتَى فِيهَا إِثْمًا أَوْ آوَى مَنْ أَتَاهُ وَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَحَمَاهُ قَالَ وَيُقَالُ أَوَى وَآوَى بِالْقَصْرِ وَالْمَدِّ فِي الْفِعْلِ اللَّازِمِ وَالْمُتَعَدِّي جَمِيعًا لَكِنَّ الْقَصْرَ فِي اللَّازِمِ أَشْهَرُ وَأَفْصَحُ وَالْمَدُّ فِي الْمُتَعَدِّي أَشْهَرُ وَأَفْصَحُ قُلْتُ وَبِالْأَفْصَحِ جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصخرة وقال في المتعدى وآويناهما إلى ربوة قَالَ الْقَاضِي وَلَمْ يُرْوَ هَذَا الْحَرْفُ إِلَّا مُحْدِثًا بِكَسْرِ الدَّالِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ رُوِيَ بِوَجْهَيْنِ كَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا قَالَ فَمَنْ فَتَحَ أَرَادَ الْإِحْدَاثَ نَفْسَهُ وَمَنْ كَسَرَ أَرَادَ فَاعِلَ الْحَدَثِ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ إِلَى آخِرِهِ هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ لِمَنِ ارْتَكَبَ هَذَا قَالَ الْقَاضِي وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْكَبَائِرِ لِأَنَّ اللَّعْنَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي كَبِيرَةٍ وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَلْعَنُهُ وَكَذَا يَلْعَنُهُ الْمَلَائِكَةُ وَالنَّاسُ أَجْمَعُونَ وَهَذَا مُبَالَغَةٌ فِي إِبْعَادِهِ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ اللَّعْنَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الطَّرْدُ

وَالْإِبْعَادُ قَالُوا وَالْمُرَادُ بِاللَّعْنِ هُنَا الْعَذَابُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ عَلَى ذَنْبِهِ وَالطَّرْدُ عَنِ الْجَنَّةِ أَوَّلُ الْأَمْرِ وَلَيْسَتْ هِيَ كَلَعْنَةِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ يُبْعَدُونَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّ الْإِبْعَادِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْمَازِرِيُّ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِمَا فَقِيلَ الصَّرْفُ الْفَرِيضَةُ وَالْعَدْلُ النَّافِلَةُ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ الصَّرْفُ النَّافِلَةُ وَالْعَدْلُ الْفَرِيضَةُ عَكْسَ قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ الصَّرْفُ التَّوْبَةُ وَالْعَدْلُ الْفِدْيَةُ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ يُونُسُ الصَّرْفُ الِاكْتِسَابُ وَالْعَدْلُ الْفِدْيَةُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْعَدْلُ الْحِيلَةُ وَقِيلَ الْعَدْلُ الْمِثْلُ وَقِيلَ الصَّرْفُ الدِّيَةُ وَالْعَدْلُ الزِّيَادَةُ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ الْمَعْنَى لَا تُقْبَلُ فَرِيضَتُهُ وَلَا نَافِلَتُهُ قَبُولَ رِضًا وَإِنْ قُبِلَتْ قَبُولَ جَزَاءٍ وَقِيلَ يَكُونُ الْقَبُولُ هُنَا بِمَعْنَى تَكْفِيرِ الذَّنْبِ بِهِمَا قَالَ وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَى الْفِدْيَةِ هُنَا أَنَّهُ لَا يَجِدُ في القيمة فِدَاءٌ يَفْتَدِي بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الْمُذْنِبِينَ الَّذِينَ يَتَفَضَّلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ بِأَنْ يَفْدِيَهُ مِنَ النَّارِ بِيَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ في آخر هذا الحديث (فقال بن أَنَسٍ أَوْ آوَى مُحْدِثًا) كَذَا وَقَعَ فِي أكثر النسخ فقال بن أَنَسٍ وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا فَقَالَ أَنَسٌ بِحَذْفِ لفظة بن قَالَ الْقَاضِي وَوَقَعَ عِنْدَ عَامَّةِ شُيُوخِنَا فَقَالَ بن أنس باثبات بن قال وهو الصحيح وكان بن أنس ذكر أباه هذه الزيادة لِأَنَّ سِيَاقَ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ مِنْ كَلَامِ أَنَسٍ فَلَا وَجْهَ لِاسْتِدْرَاكِ أَنَسٍ بِنَفْسِهِ مَعَ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ قَدْ وَقَعَتْ فِي أَوَّلِ

الْحَدِيثِ فِي سِيَاقِ كَلَامِ أَنَسٍ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ قَالَ وَسَقَطَتْ عِنْدَ السَّمَرْقَنْدِيِّ قَالَ وَسُقُوطُهَا هُنَاكَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الصَّحِيحُ وَلِهَذَا اسْتُدْرِكَتْ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي [1368] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مِكْيَالِهِمْ وَبَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَبَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ) قَالَ الْقَاضِي الْبَرَكَةُ هُنَا بِمَعْنَى النُّمُوِّ وَالزِّيَادَةِ وَتَكُونُ بِمَعْنَى الثَّبَاتِ وَاللُّزُومِ قَالَ فَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْبَرَكَةُ دِينِيَّةً وَهِيَ مَا تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَقَادِيرِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ فَتَكُونُ بِمَعْنَى الثَّبَاتِ وَالْبَقَاءِ لَهَا كَبَقَاءِ الحكم بها بِبَقَاءِ الشَّرِيعَةِ وَثَبَاتِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ دُنْيَوِيَّةً مِنْ تَكْثِيرِ الْكَيْلِ وَالْقَدْرِ بِهَذِهِ الْأَكْيَالِ حَتَّى يكفى منه مَا لَا يَكْفِي مِنْ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ أَوْ تَرْجِعُ الْبَرَكَةُ إِلَى التَّصَرُّفِ بِهَا فِي التِّجَارَةِ وَأَرْبَاحِهَا وَإِلَى كَثْرَةِ مَا يُكَالُ بِهَا مِنْ غَلَّاتِهَا وَثِمَارِهَا أَوْ تَكُونُ الزِّيَادَةُ فِيمَا يُكَالُ بِهَا لِاتِّسَاعِ عَيْشِهِمْ وَكَثْرَتِهِ بَعْدَ ضِيقِهِ لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَوَسَّعَ مِنْ فَضْلِهِ لَهُمْ وَمَلَّكَهُمْ مِنْ بِلَادِ الْخِصْبِ وَالرِّيفِ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَمِصْرَ وَغَيْرِهَا حَتَّى كَثُرَ الْحَمْلُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَاتَّسَعَ عَيْشُهُمْ حَتَّى صَارَتْ هَذِهِ الْبَرَكَةُ فِي الْكَيْلِ نَفْسِهِ فَزَادَ مُدُّهُمْ وَصَارَ هَاشِمِيًّا مِثْلَ مُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّةً وَنِصْفًا وَفِي هَذَا كُلِّهِ ظُهُورُ إِجَابَةِ دَعَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبُولُهَا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَالظَّاهِرُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْبَرَكَةَ فِي نَفْسِ الْمَكِيلِ فِي الْمَدِينَةِ بِحَيْثُ يَكْفِي الْمُدُّ فِيهَا لِمَنْ لَا يَكْفِيهِ فِي غَيْرِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قوله (ابراهيم بن محمد السلمى) هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ [1370] قَوْلُهُ (خَطَبَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ

تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ عِنْدَنَا شَيْئًا نَقْرَؤُهُ إِلَّا كِتَابَ اللَّهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةَ فَقَدْ كَذَبَ) هَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِإِبْطَالِ مَا تَزْعُمُهُ الرَّافِضَةُ وَالشِّيعَةُ وَيَخْتَرِعُونَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَوْصَى إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ مِنْ أَسْرَارِ الْعِلْمِ وَقَوَاعِدِ الدِّينِ وَكُنُوزِ الشَّرِيعَةِ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ أَهْلَ الْبَيْتِ بِمَا لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ غَيْرَهُمْ وَهَذِهِ دَعَاوَى بَاطِلَةٌ وَاخْتِرَاعَاتٌ فَاسِدَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا وَيَكْفِي فِي إِبْطَالِهَا قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ كِتَابَةِ الْعِلْمِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ) أَمَّا عَيْرٍ فَبِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ وَهُوَ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَغَيْرُهُ لَيْسَ بِالْمَدِينَةِ عَيْرٌ وَلَا ثَوْرٌ قَالُوا وَإِنَّمَا ثَوْرٌ بِمَكَّةَ قَالَ وَقَالَ الزُّبَيْرُ عَيْرٌ جَبَلٌ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ قَالَ الْقَاضِي أَكْثَرُ الرُّوَاةِ فِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ ذَكَرُوا عَيْرًا وَأَمَّا ثَوْرٌ فَمِنْهُمْ مَنْ كَنَّى عَنْهُ بِكَذَا وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ مَكَانَهُ بَيَاضًا لِأَنَّهُمُ اعْتَقَدُوا ذِكْرَ ثَوْرٍ هُنَا خَطَأً قَالَ الْمَازِرِيُّ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ ثَوْرٌ هُنَا وَهَمٌ مِنَ الرَّاوِي وَإِنَّمَا ثَوْرٌ بِمَكَّةَ قَالَ وَالصَّحِيحُ إِلَى أُحُدٍ قَالَ الْقَاضِي وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَصْلُ الْحَدِيثِ مِنْ عَيْرٍ إِلَى أُحُدٍ هَذَا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي وَكَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَنَّ أَصْلَهُ مِنْ عَيْرٍ إِلَى أُحُدٍ قُلْتُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ثَوْرًا كَانَ اسْمًا لِجَبَلٍ هُنَاكَ إِمَّا أُحُدٌ وَإِمَّا غَيْرُهُ فَخَفِيَ اسْمُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ جَاءَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ أَوْ إِلَى أُحُدٍ عَلَى مَا سَبَقَ وَفِي رِوَايَةِ أَنَسٍ السَّابِقَةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا وَفِي الرِّوَايَاتِ السَّابِقَةِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا وَالْمُرَادُ بِاللَّابَتَيْنِ الْحَرَّتَانِ كَمَا سَبَقَ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا بَيَانٌ لِحَدِّ حَرَمِهَا مِنْ جِهَتَيِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا بَيَانٌ لِحَدِّهِ مِنْ جِهَةِ الْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَذِمَّةُ المسلمين

وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ) الْمُرَادُ بِالذِّمَّةِ هُنَا الْأَمَانُ مَعْنَاهُ أَنَّ أَمَانَ الْمُسْلِمِينَ لِلْكَافِرِ صَحِيحٌ فَإِذَا أَمَّنَهُ بِهِ أَحَدُ الْمُسْلِمِينَ حَرُمَ عَلَى غَيْرِهِ التَّعَرُّضُ لَهُ مَا دَامَ فِي أَمَانِ الْمُسْلِمِ وَلِلْأَمَانِ شُرُوطٌ مَعْرُوفَةٌ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ أَمَانَ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ صحيح لِأَنَّهُمَا أَدْنَى مِنَ الذُّكُورِ الْأَحْرَارِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) هَذَا صَرِيحٌ فِي غِلَظِ تَحْرِيمِ انْتِمَاءِ الْإِنْسَانِ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوِ انْتِمَاءِ الْعَتِيقِ إِلَى وَلَاءِ غَيْرِ مَوَالِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ كُفْرِ النِّعْمَةِ وَتَضْيِيعِ حُقُوقِ الْإِرْثِ وَالْوَلَاءِ وَالْعَقْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْعُقُوقِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ) مَعْنَاهُ مَنْ نَقَضَ أَمَانَ مُسْلِمٍ فَتَعَرَّضَ لِكَافِرٍ أَمَّنَهُ مُسْلِمٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ أَخَفَرْتَ

الرَّجُلَ إِذَا نَقَضْتَ عَهْدَهُ وَخَفَرْتَهُ إِذَا أَمَّنْتَهُ [1372] قَوْلُهُ (لَوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ تَرْتَعُ بِالْمَدِينَةِ مَا ذَعَرْتُهَا) مَعْنَى تَرْتَعُ تَرْعَى وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَسْعَى وَتَبْسُطُ وَمَعْنَى ذَعَرْتُهَا أَفْزَعْتُهَا وَقِيلَ نَفَّرْتُهَا

[1373] قَوْلُهُ (كَانَ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ جاؤا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا) إِلَى آخِرِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الثَّمَرِ وَلِلْمَدِينَةِ وَالصَّاعِ وَالْمُدِّ وَإِعْلَامًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْتِدَاءِ صَلَاحِهَا لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنَ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا وَتَوْجِيهِ الْخَارِصِينَ قَوْلُهُ (ثُمَّ يُعْطِيهِ أَصْغَرَ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنَ الْوِلْدَانِ) فِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَكَمَالِ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ وَمُلَاطَفَةِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ وَخَصَّ بِهَذَا الصَّغِيرَ لِكَوْنِهِ أَرْغَبَ فِيهِ وَأَكْثَرَ تَطَلُّعًا إِلَيْهِ وَحِرْصًا عَلَيْهِ [1374] قَوْلُهُ (فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْقُلَ عِيَالِي إِلَى بَعْضِ الرِّيفِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الرِّيفُ بِكَسْرِ الرَّاءِ هو

الْأَرْضُ الَّتِي فِيهَا زَرْعٌ وَخِصْبٌ وَجَمْعُهُ أَرْيَافٌ وَيُقَالُ أَرْيَفْنَا صِرْنَا إِلَى الرِّيفِ وَأَرَافَتِ الْأَرْضُ أَخْصَبَتْ فَهِيَ رَيِّفَةٌ قَوْلُهُ (وَإِنَّ عِيَالَنَا لَخُلُوفٌ) هُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ أَيْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ رِجَالٌ وَلَا مَنْ يَحْمِيهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَآمُرَنَّ بِنَاقَتِي تُرْحَلُ) هُوَ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْحَاءِ أَيْ يَشُدُّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ لَا أَحُلُّ لَهَا عُقْدَةً حَتَّى أَقْدَمَ الْمَدِينَةَ) مَعْنَاهُ أُوَاصِلُ السَّيْرَ وَلَا أَحُلُّ عَنْ رَاحِلَتِي عُقْدَةً مِنْ عُقَدِ حِمْلِهَا وَرَحْلِهَا حَتَّى أَصِلَ الْمَدِينَةَ لِمُبَالَغَتِي فِي الْإِسْرَاعِ إِلَى الْمَدِينَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا) الْمَأْزِمُ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ وَبِكَسْرِ الزَّايِ وَهُوَ الْجَبَلُ وَقِيلَ الْمَضِيقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَنَحْوِهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ هُنَا وَمَعْنَاهُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا كَمَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يُخْبَطُ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلَّا لِعَلْفٍ) هُوَ بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَهُوَ مَصْدَرٌ عُلِفَتْ عَلْفًا وَأَمَّا الْعَلَفُ بِفَتْحِ اللَّامِ فَاسْمٌ لِلْحَشِيشِ وَالتِّبْنِ والشعير ونحوهما وَفِيهِ جَوَازُ أَخْذِ أَوْرَاقِ الشَّجَرِ لِلْعَلْفِ وَهُوَ المراد هنا

بِخِلَافِ خَبْطِ الْأَغْصَانِ وَقَطْعِهَا فَإِنَّهُ حَرَامٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ الْمَدِينَةِ شِعْبٌ وَلَا نَقْبٌ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكَانِ يَحْرُسَانِهَا حَتَّى تَقْدَمُوا إِلَيْهَا فِيهِ بَيَانُ فَضِيلَةِ الْمَدِينَةِ وَحِرَاسَتِهَا فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَثْرَةِ الْحُرَّاسِ وَاسْتِيعَابِهِمُ الشِّعَابُ زِيَادَةٌ فِي الْكَرَامَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الشِّعْبُ بِكَسْرِ الشِّينِ هُوَ الْفُرْجَةُ النافذة بين الجبلين وقال بن السِّكِّيتِ هُوَ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ وَالنَّقْبُ بِفَتْحِ النُّونِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى الْقَاضِي ضَمَّهَا أَيْضًا وَهُوَ مِثْلُ الشِّعْبِ وَقِيلَ هُوَ الطَّرِيقُ فِي الجبل قال الأخفش أنقاب المدينة وطرقها وَفِجَاجُهَا قَوْلُهُ فَمَا وَضَعْنَا رِحَالَنَا حِينَ دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ حَتَّى أَغَارَ عَلَيْنَا بَنُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَطَفَانَ وَمَا يَهِيجُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ شَيْءٌ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَدِينَةَ فِي حَالِ غَيْبَتِهِمْ كَانَتْ مَحْمِيَّةً مَحْرُوسَةً كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِنَّ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَطَفَانَ أَغَارُوا عَلَيْهَا حِينَ قَدِمْنَا وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْإِغَارَةِ عَلَيْهَا مَانِعٌ ظَاهِرٌ وَلَا كَانَ لَهُمْ عَدُوٌّ يَهِيجُهُمْ وَيَشْتَغِلُونَ بِهِ بَلْ سَبَبُ مَنْعِهِمْ قَبْلَ قُدُومِنَا حِرَاسَةُ الْمَلَائِكَةِ كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ هَاجَ الشَّرُّ وَهَاجَتِ الْحَرْبُ وَهَاجَهَا النَّاسُ أَيْ تَحَرَّكَتْ وَحَرَّكُوهَا وَهِجْتُ زَيْدًا حَرَّكْتُهُ لِلْأَمْرِ كُلُّهُ ثَلَاثِيٌّ وَأَمَّا قَوْلُهُ بَنُو عَبْدِ اللَّهِ فَهَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَبْدِ اللَّهِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ مُكَبَّرٌ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِهَا عُبَيْدِ اللَّهِ بِضَمِّ الْعَيْنِ مُصَغَّرٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ هَذَا الْفَنِّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ حَدَّثَنَا بِهِ مُكَبَّرًا أَبُو

مُحَمَّدٍ الْخُشَنِيُّ عَنِ الطَّبَرِيِّ عَنِ الْفَارِسِيِّ بَنُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَى الصَّوَابِ قَالَ وَوَقَعَ عِنْدَ شيوخنا في نسخ مسلم من طريق بن مَاهَانَ وَمِنْ طَرِيقِ الْجُلُودِيِّ بَنُو عُبَيْدِ اللَّهِ مُصَغَّرٌ وَهُوَ خَطَأٌ قَالَ وَكَانَ يُقَالُ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بَنُو عَبْدِ الْعُزَّى فَسَمَّاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ فَسَمَّتْهُمُ الْعَرَبُ بَنِي مُحَوَّلَةَ لِتَحْوِيلِ اسْمِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ جَاءَ أَبَو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لَيَالِيَ الْحَرَّةِ يَعْنِي الْفِتْنَةَ الْمَشْهُورَةَ الَّتِي نُهِبَتْ فِيهَا الْمَدِينَةُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ قَوْلُهُ فَاسْتَشَارَهُ فِي الْجَلَاءِ هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمَدِّ وَهُوَ الْفِرَارُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى غَيْرِهِ [1375] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ

(إِنَّهَا حَرَمٌ آمِنٌ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ فِي تَحْرِيمِ صَيْدِهَا وَشَجَرِهَا وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ [1376] قَوْلُهَا (قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهِيَ وَبِيئَةٌ) هِيَ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ يَعْنِي ذَاتَ وَبَاءٍ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَهُوَ الْمَوْتُ الذَّرِيعُ هَذَا أَصْلُهُ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْأَرْضِ الْوَخِمَةِ الَّتِي تَكْثُرُ بِهَا الْأَمْرَاضُ لَا سِيَّمَا لِلْغُرَبَاءِ الَّذِينَ لَيْسُوا مُسْتَوْطِنِيهَا فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَدَمُوا عَلَى الْوَبَاءِ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي الصَّحِيحِ النَّهْيُ عَنِ الْقُدُومِ عَلَيْهِ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا الْقُدُومَ كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ لِأَنَّ النَّهْيَ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ بَعْدَ اسْتِيطَانِهَا وَالثَّانِي أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ الْقُدُومُ عَلَى الْوَبَاءِ الذَّرِيعِ وَالطَّاعُونِ وَأَمَّا هَذَا الَّذِي كَانَ فِي الْمَدِينَةِ فَإِنَّمَا كَانَ وَخَمًا يَمْرَضُ بِسَبَبِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْغُرَبَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَحَوِّلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ كان ساكنوا الجحفة في ذلك الْوَقْتِ يَهُودًا فَفِيهِ دَلِيلٌ لِلدُّعَاءِ عَلَى الْكُفَّارِ بِالْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ وَالْهَلَاكِ وَفِيهِ الدُّعَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ بِالصِّحَّةِ وَطِيبِ بِلَادِهِمْ وَالْبَرَكَةِ فِيهَا وَكَشْفِ الضُّرِّ وَالشَّدَائِدِ عَنْهُمْ وَهَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ بَعْضِ الْمُتَصَوِّفَةِ إِنَّ الدُّعَاءَ قَدْحٌ فِي التَّوَكُّلِ وَالرِّضَا وَأَنَّهُ يَنْبَغِي تَرْكُهُ وَخِلَافُ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ إنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الدُّعَاءِ مَعَ سَبْقِ الْقَدَرِ وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَلَا يُسْتَجَابُ مِنْهُ إِلَّا مَا سَبَقَ بِهِ الْقَدَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الْجُحْفَةَ مِنْ يَوْمِئِذٍ مُجْتَنَبَةٌ وَلَا يَشْرَبُ أَحَدٌ مِنْ مائها الاحم

باب الترغيب في سكنى المدينة

(باب الترغيب في سكنى المدينة) (وفضل الصبر على لأوائها وشدتها) قَوْلُهُ (عَنْ يُحَنَّسَ مَوْلَى الزُّبَيْرِ) هُوَ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ وَفَتَحِهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَالسِّينُ مُهْمَلَةٌ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يُحَنَّسَ مَوْلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ هُوَ لأحدهما حقيقة وللآخر مجازا قوله (ان بن عُمَرَ قَالَ لِمَوْلَاتِهِ اقْعُدِي لَكَاعِ) هِيَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَأَمَّا الْعَيْنُ فَمَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكَسْرِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ امْرَأَةٌ لَكَاعِ وَرَجُلٌ لُكَعٌ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَيُطْلَقُ ذَلِكَ عَلَى اللَّئِيمِ وَعَلَى الْعَبْدِ وَعَلَى الْغَبِيِّ الَّذِي لَا يهتدى لكلام غيره وعلى الصغير وخاطبها بن عُمَرَ بِهَذَا إِنْكَارًا عَلَيْهَا لَا دَلَالَةً عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا مِمَّنْ يَنْتَمِي إِلَيْهِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ وَحَثَّهَا عَلَى سُكْنَى الْمَدِينَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفَضْلِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ مَعَ مَا سَبَقَ وَمَا بَعْدَهَا دَلَالَاتٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى فَضْلِ سُكْنَى الْمَدِينَةِ وَالصَّبْرِ عَلَى شَدَائِدِهَا وَضِيقِ الْعَيْشِ فِيهَا وَأَنَّ هَذَا الْفَضْلَ بَاقٍ مُسْتَمِرٍّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَدِ اخْتَلَفَ العلماء في المجاورة بمكة والمدينة فقال أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ تُكْرَهُ الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَطَائِفَةٌ لَا تُكْرَهُ الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ بَلْ تُسْتَحَبُّ وَإِنَّمَا

كَرِهَهَا مَنْ كَرِهَهَا لِأُمُورٍ مِنْهَا خَوْفُ الْمَلَلِ وَقِلَّةُ الْحُرْمَةِ لِلْأُنْسِ وَخَوْفُ مُلَابَسَةِ الذُّنُوبِ فَإِنَّ الذَّنْبَ فِيهَا أَقْبَحُ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا كَمَا أَنَّ الْحَسَنَةَ فِيهَا أَعْظَمُ مِنْهَا فِي غَيْرِهَا وَاحْتَجَّ مَنِ اسْتَحَبَّهَا بِمَا يَحْصُلُ فِيهَا مِنَ الطاعات التي لاتحصل بِغَيْرِهَا وَتَضْعِيفِ الصَّلَوَاتِ وَالْحَسَنَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُجَاوَرَةَ بِهِمَا جَمِيعًا مُسْتَحَبَّةٌ إِلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْوُقُوعُ فِي الْمَحْذُورَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ جَاوَرَتْهُمَا خَلَائِقُ لَا يُحْصُونَ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَيَنْبَغِي لِلْمُجَاوِرِ الِاحْتِرَازُ مِنَ الْمَحْذُورَاتِ وَأَسْبَابِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

باب صيانة المدينة من دخول الطاعون والدجال اليها

(باب صيانة المدينة من دخول الطاعون والدجال اليها) [1379] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ) أَمَّا الْأَنْقَابُ فَسَبَقَ شَرْحُهَا قَرِيبًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ الْمَدِينَةِ وَفَضِيلَةُ سُكْنَاهَا وَحِمَايَتُهَا مِنَ الطاعون والدجال (باب المدينة تنفى خبثها وتسمى طابة وطيبة) [1381] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي الْمَدِينَةِ انها تنفى خبثها وشرارها كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ (وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ خَبَثُ الْحَدِيدِ وَالْفِضَّةِ هُوَ وَسَخُهُمَا وَقَذَرُهُمَا)

الَّذِي تُخْرِجُهُ النَّارُ مِنْهُمَا قَالَ الْقَاضِي الْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا مُخْتَصٌّ بِزَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصْبِرُ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْمَقَامِ مَعَهُ إِلَّا مَنْ ثَبَتَ إِيمَانُهُ وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ وَجَهَلَةُ الْأَعْرَابِ فَلَا يَصْبِرُونَ عَلَى شِدَّةِ الْمَدِينَةِ وَلَا يَحْتَسِبُونَ الْأَجْرَ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ الَّذِي أَصَابَهُ الْوَعَكُ أَقِلْنِي بَيْعَتِي هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهَذَا الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ الْأَظْهَرُ لَيْسَ بِالْأَظْهَرِ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الْأَوَّلُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنْفِيَ الْمَدِينَةُ شِرَارَهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ فِي زَمَنِ الدَّجَّالِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ فِي أَحَادِيثِ الدَّجَّالِ أَنَّهُ يَقْصِدُ الْمَدِينَةَ فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ يُخْرِجُ اللَّهُ بِهَا مِنْهَا كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِزَمَنِ الدَّجَّالِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ فِي أَزْمَانٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1382] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُمِرْتُ بَقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى) مَعْنَاهُ أُمِرْتُ بِالْهِجْرَةِ إِلَيْهَا وَاسْتِيطَانِهَا وَذَكَرُوا فِي مَعْنَى أَكْلُهَا الْقُرَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا مَرْكَزُ جُيُوشِ الْإِسْلَامِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَمِنْهَا فُتِحَتِ الْقُرَى وَغُنِمَتْ أَمْوَالُهَا وَسَبَايَاهَا وَالثَّانِي مَعْنَاهُ أَنَّ أَكْلَهَا وَمِيرَتَهَا تَكُونُ مِنَ الْقُرَى الْمُفْتَتِحَةِ وَإِلَيْهَا تُسَاقُ غَنَائِمُهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَقُولُونَ يَثْرِبَ وَهِيَ الْمَدِينَةُ) يَعْنِي أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَغَيْرَهُمْ يُسَمُّونَهَا يَثْرِبَ وَإِنَّمَا اسْمُهَا المدينة وطابة وطيبة فَفِي هَذَا كَرَاهَةُ تَسْمِيَتُهَا يَثْرِبُ وَقَدْ جَاءَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ حَدِيثٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَرَاهَةِ تَسْمِيَتِهَا يَثْرِبُ وَحُكِيَ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ سَمَّاهَا يَثْرِبُ كُتِبَتْ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ قَالُوا وَسَبَبُ كَرَاهَةِ تَسْمِيَتِهَا يَثْرِبُ لَفْظُ التَّثْرِيبِ الَّذِي هُوَ التَّوْبِيخُ وَالْمَلَامَةُ وَسُمِّيَتْ طَيْبَةُ وَطَابَةُ لِحُسْنِ لَفْظِهِمَا

وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الِاسْمَ الْحَسَنَ وَيَكْرَهُ الِاسْمَ الْقَبِيحَ وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا فِي الْقُرْآنِ يَثْرِبُ فَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَةٌ عَنْ قَوْلِ الْمُنَافِقِينَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلِمَدِينَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَاءٌ الْمَدِينَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَا كَانَ لِأَهْلِ المدينة وقال تعالى ومن أهل المدينة وَطَابَةُ وَطَيْبَةُ وَالدَّارُ فَأَمَّا الدَّارُ فَلِأَمْنِهَا وَالِاسْتِقْرَارِ بِهَا وَأَمَّا طَابَةُ وَطَيْبَةُ فَمِنَ الطِّيبِ وَهُوَ الرَّائِحَةُ الْحَسَنَةُ وَالطَّابُ وَالطِّيبُ لُغَتَانِ وَقِيلَ مِنَ الطَّيِّبِ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهُوَ الطَّاهِرُ لِخُلُوصِهَا مِنَ الشِّرْكِ وَطَهَارَتِهَا وَقِيلَ مِنْ طِيبِ الْعَيْشِ بِهَا وَأَمَّا الْمَدِينَةُ فَفِيهَا قَوْلَانِ لِأَهْلِ العربية أحدهما وبه جزم قطرب وبن فَارِسٍ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ دَانَ إِذَا أَطَاعَ وَالدِّينُ الطَّاعَةُ وَالثَّانِي أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ مَدَنَ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ وَجَمْعُ الْمَدِينَةِ مُدُنٌ وَمُدْنٌ بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَضَمِّهَا وَمَدَائِنُ بِالْهَمْزِ وتركه والهمز أفصح وبه جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1383] قَوْلُهُ (أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصَابَ الْأَعْرَابِيَّ وَعَكٌ بِالْمَدِينَةِ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى فَخَرَجَ الْأَعْرَابِيُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا لَمْ يُقِلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بيعته لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ أَسْلَمَ أَنْ يَتْرُكَ الْإِسْلَامَ وَلَا لِمَنْ هَاجَرَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب تحريم ارادة أهل المدينة بسوء وأن من أرادهم به

6 - لِلْمَقَامِ عِنْدَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْهِجْرَةَ وَيَذْهَبَ إِلَى وَطَنِهِ أَوْ غَيْرِهِ قَالُوا وَهَذَا الْأَعْرَابِيُّ كَانَ مِمَّنْ هَاجَرَ وَبَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَقَامِ مَعَهُ قَالَ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ أَنَّ بَيْعَةَ هَذَا الْأَعْرَابِيِّ كَانَتْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَسُقُوطِ الْهِجْرَةِ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا بَايَعَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَطَلَبَ الْإِقَالَةَ مِنْهُ فَلَمْ يُقِلْهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَأَصَابَ الْأَعْرَابِيَّ وَعَكٌ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَهُوَ مَغْثُ الْحُمَّى وَأَلَمُهَا وَوَعَكُ كُلِّ شَيْءٍ مُعْظَمُهُ وَشِدَّتُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طَيْبُهَا) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يَصْفُو وَيَخْلُصُ وَيَتَمَيَّزُ وَالنَّاصِعُ الصَّافِي الْخَالِصُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ نَاصِعُ اللَّوْنِ أَيْ صَافِيهِ وَخَالِصُهُ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ مَنْ لَمْ يَخْلُصْ إِيمَانُهُ وَيَبْقَى فِيهَا مَنْ خَلَصَ إِيمَانُهُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ نَصَعَ الشَّيْءُ يَنْصَعُ بِفَتْحِ الصَّادِ فِيهِمَا نُصُوعًا إِذَا خَلَصَ وَوَضَحَ وَالنَّاصِعُ الْخَالِصُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ [1385] قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ) هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِهَا بِحَذْفِ ذِكْرِ أَبِي كُرَيْبٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ سَمَّى الْمَدِينَةَ طَابَةَ هَذَا) فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَسْمِيَتِهَا طَابَةَ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا لَا تُسَمَّى بِغَيْرِهِ فَقَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى الْمَدِينَةَ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ وَسَمَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَيْبَةَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا مِنْ هَذَا الْبَابِ وَقَدْ سَبَقَ إِيضَاحُ الْجَمِيعِ فِي هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ أعلم (باب تحريم ارادة أهل المدينة بسوء وأن من أرادهم به أَذَابَهُ اللَّهُ) [1386] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُحَنَّسَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقَرَّاظِ) هَكَذَا صَوَابُهُ أَخْبَرَنِي

عبد الله بفتح العين مكبر وَهَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَمُعْظَمِ نُسَخِ الْمَغَارِبَةِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا عُبَيْدِ اللَّهِ بضم العين مصغر وَهُوَ غَلَطٌ وَيُحَنَّسُ بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي بَابِ التَّرْغِيبِ فِي سُكْنَى المدينة والقراظ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَرَظِ الَّذِي يُدْبَغُ به قال بن أبي حاتم لأنه كَانَ يَبِيعُهُ وَاسْمُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقَرَّاظِ هَذَا دِينَارٌ وَقَدْ سَمَّاهُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ فِي حَدِيثِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [1387] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَرَادَ أَهْلَ هَذِهِ الْبَلْدَةِ بِسُوءٍ) يَعْنِي الْمَدِينَةَ أَذَابَهُ اللَّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ أَرَادَهَا غَازِيًا مُغِيرًا عَلَيْهَا

(باب ترغيب الناس في سكنى المدينة عند فتح الأمصار)

وَيَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ قَرِيبًا فِي الْأَبْوَابِ السَّابِقَةِ قَوْلُهُ (غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ بِدَهْمٍ أَوْ بِسُوءٍ) هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ أَيْ بِغَائِلَةٍ وَأَمْرٍ عظيم والله أعلم (باب ترغيب الناس في سكنى الْمَدِينَةِ عِنْدَ فَتْحِ الْأَمْصَارِ) [1388] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تُفْتَحُ الشَّامُ فَيَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ قَوْمٌ بِأَهْلِيهِمْ يَبُسُّونَ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يَبُسُّونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتَ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ تُضَمُّ وَتُكْسَرُ وَيُقَالُ أَيْضًا بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ مَعَ كَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ فَتَكُونُ اللَّفْظَةُ ثُلَاثِيَّةً وَرُبَاعِيَّةً فَحَصَلَ فِي ضَبْطِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَمَعْنَاهُ يَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَقِيلَ مَعْنَاهُ يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى بِلَادِ الْخِصْبِ وهو قول ابراهيم

باب اخباره صلى الله عليه وسلم بترك الناس المدينة

الحربى وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ يَسُوقُونَ وَالْبَسُّ سَوقُ الابل وقال بن وَهْبٍ مَعْنَاهُ يُزَيِّنُونَ لَهُمُ الْبِلَادَ وَيُحَبِّبُونَهَا إِلَيْهِمْ وَيَدْعُونَهُمْ إِلَى الرَّحِيلِ إِلَيْهَا وَنَحْوُهُ فِي الْحَدِيثِ السابق يدعو الرجل بن عَمِّهِ وَقَرِيبَهُ هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَاهُ يَزْجُرُونَ الدَّوَابَّ إِلَى الْمَدِينَةِ فَيَبُسُّونَ مَا يَطْوُونَ مِنَ الْأَرْضِ وَيَفُتُّونَهُ فَيَصِيرُ غُبَارًا وَيَفْتِنُونَ مَنْ بِهَا لِمَا يَصِفُونَ لَهُمْ مِنْ رَغَدِ الْعَيْشِ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ بَلِ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارَ عَمَّنْ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ مُتَحَمِّلًا بِأَهْلِهِ بَاسًّا فِي سَيْرِهِ مُسْرِعًا إِلَى الرَّخَاءِ فِي الْأَمْصَارِ الَّتِي أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَتْحِهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِفَتْحِ هَذِهِ الْأَقَالِيمِ وَأَنَّ النَّاسَ يَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ إِلَيْهَا وَيَتْرُكُونَ الْمَدِينَةَ وَأَنَّ هَذِهِ الْأَقَالِيمَ تُفْتَحُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَوُجِدَ جَمِيعُ ذَلِكَ كَذَلِكَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ سُكْنَى الْمَدِينَةِ وَالصَّبْرِ عَلَى شِدَّتِهَا وَضِيقِ الْعَيْشِ بِهَا وَاللَّهُ أعلم (باب اخباره صلى الله عليه وسلم بترك الناس المدينة على خير ما كانت) [1389] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَدِينَةِ (لَيَتْرُكَنَّهَا أَهْلُهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ مُذَلَّلَةً لِلْعَوَافِي) يعنى السباع

والطيروفي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَتْرُكُونَ الْمَدِينَةَ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ لَا يَغْشَاهَا إِلَّا الْعَوَافِي يُرِيدُ عَوَافِيَ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ ثُمَّ يَخْرُجُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ يريدان المدينة ينعقان بغنمها فَيَجِدَانِهَا وَحْشًا حَتَّى إِذَا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا أَمَّا الْعَوَافِي فَقَدْ فَسَّرَهَا فِي الْحَدِيثِ بِالسِّبَاعِ وَالطَّيْرِ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ عَفَوْتِهِ إِذَا أَتَيْتَهُ تَطْلُبُ مَعْرُوفَهُ وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَالظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ أَنَّ هَذَا التَّرْكَ لِلْمَدِينَةِ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عند قيام الساعة وتوضحه قصة الراعبين مِنْ مُزَيْنَةَ فَإِنَّهُمَا يَخِرَّانِ عَلَى وُجُوهِهِمَا حِينَ تُدْرِكُهُمَا السَّاعَةُ وَهُمَا آخِرُ مَنْ يُحْشَرُ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ المختار وقال القاضي عياض هذا فما جَرَى فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ وَانْقَضَى قَالَ وَهَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ تُرِكَتِ الْمَدِينَةُ عَلَى أَحْسَنِ مَا كَانَتْ حِينَ انْتَقَلَتِ الْخِلَافَةُ عَنْهَا إِلَى الشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَذَلِكَ الْوَقْتُ أَحْسَنُ مَا كَانَتِ الدِّينَ وَالدُّنْيَا أَمَّا الدِّينُ فَلِكَثْرَةِ الْعُلَمَاءِ وَكَمَالِهِمْ وَأَمَّا الدُّنْيَا فَلِعِمَارَتِهَا وَغَرْسِهَا وَاتِّسَاعِ حَالِ أَهْلِهَا قَالَ وَذَكَرَ الْأَخْبَارِيُّونَ فِي بَعْضِ الْفِتَنِ الَّتِي جَرَتْ بِالْمَدِينَةِ وَخَافَ أَهْلُهَا أَنَّهُ رَحَلَ عَنْهَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَبَقِيَتْ ثِمَارُهَا أَوْ أَكْثَرُهَا لِلْعَوَافِي وَخَلَتْ مُدَّةً ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَيْهَا قَالَ وَحَالُهَا الْيَوْمَ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا وَقَدْ خَرِبَتْ أَطْرَافُهَا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمَعْنَى يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا يَصِيحَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَجِدَانِهَا وَحْشًا) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ

(باب فضل ما بين قبره صلى الله عليه وسلم) (وفضل موضع

وُحُوشًا قِيلَ مَعْنَاهُ يَجِدَانِهَا خَلَاءً أَيْ خَالِيَةً ليس بها أحد قال إبراهيم الحربي الْوَحْشُ مِنَ الْأَرْضِ هُوَ الْخَلَاءُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَعْنَاهُ يَجِدَانِهَا ذَاتَ وُحُوشٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَكَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْشَاهَا إِلَّا الْعَوَافِيَ وَيَكُونُ وَحْشًا بِمَعْنَى وُحُوشًا وَأَصْلُ الْوَحْشِ كُلُّ شَيْءٍ تَوَحَّشَ مِنَ الحيوان وجمعه وحوش وقد يعبر بواحدة عَنْ جَمْعِهِ كَمَا فِي غَيْرِهِ وَحَكَى الْقَاضِي عن بن الْمُرَابِطِ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ غَنَمَهُمَا تَصِيرُ وُحُوشًا إِمَّا أَنْ تَنْقَلِبَ ذَاتُهَا فَتَصِيرُ وُحُوشًا وَإِمَّا أَنْ تَتَوَحَّشَ وَتَنْفِرَ مِنْ أَصْوَاتِهَا وَأَنْكَرَ الْقَاضِي هَذَا وَاخْتَارَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي يَجِدَانِهَا عَائِدٌ إِلَى الْمَدِينَةِ لَا إِلَى الْغَنَمِ وَهَذَا هُوَ الصواب وقول بن المرابط غلط والله أعلم (باب فضل ما بين قبره صلى الله عليه وسلم) (وفضل موضع منبره) [1390] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ) ذَكَرُوا فِي مَعْنَاهُ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ بِعَيْنِهِ يُنْقَلُ إِلَى الْجَنَّةِ وَالثَّانِي أَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهِ تُؤَدِّي إِلَى الْجَنَّةِ قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي الْمُرَادِ بِبَيْتِي هُنَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا الْقَبْرُ قَالَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ كَمَا رُوِيَ مُفَسَّرًا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي وَالثَّانِي الْمُرَادُ بَيْتُ سُكْنَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَرُوِيَ مَا بَيْنَ حُجْرَتِي وَمِنْبَرِي قَالَ الطبرى والقولان متفقان)

باب فضل أحد

لِأَنَّ قَبْرَهُ فِي حُجْرَتِهِ وَهِيَ بَيْتُهُ [1391] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي) قَالَ الْقَاضِي قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الْمُرَادُ مِنْبَرُهُ بِعَيْنِهِ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا قَالَ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ قَالَ وَأَنْكَرَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ غَيْرَهُ قَالَ وَقِيلَ إِنَّ لَهُ هُنَاكَ مِنْبَرًا عَلَى حَوْضِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ قَصْدَ مِنْبَرِهِ وَالْحُضُورَ عِنْدَهُ لِمُلَازَمَةِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ يُورِدُ صَاحِبَهُ الْحَوْضَ ويقتضي شربه منه والله أعلم (باب فضل أحد) [1393] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ أُحُدًا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ) قِيلَ مَعْنَاهُ يُحِبُّنَا أَهْلُهُ وَهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ

(باب فضل الصلاة بمسجد مكة والمدينة)

وَنُحِبُّهُمْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ مَعْنَاهُ يُحِبُّنَا هُوَ بِنَفْسِهِ وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ تَمْيِيزًا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ قَرِيبًا والله أعلم (باب فضل الصلاة بمسجد مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ) [1394] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَنَّ مَسْجِدَ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَعَكَسَهُ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ مَعْنَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِي وَعِنْدَ مَالِكٍ وَمُوَافِقِيهِ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِي تَفْضُلُهُ بِدُونِ الْأَلْفِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ بِقَاعِ الْأَرْضِ وَأَنَّ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ أَفْضَلُ بِقَاعِ الْأَرْضِ وَاخْتَلَفُوا

فِي أَفْضَلِهِمَا مَا عَدَا مَوْضِعِ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُمَرُ وَبَعْضُ الصَّحَابَةِ وَمَالِكٌ وَأَكْثَرُ الْمَدَنِيِّينَ الْمَدِينَةُ أَفْضَلُ وَقَالَ أَهْلُ مكة والكوفة والشافعي وبن وهب وبن حَبِيبٍ الْمَالِكِيَّانِ مَكَّةُ أَفْضَلُ قُلْتُ وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُنَا لِتَفْضِيلِ مَكَّةَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْحَمْرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِمَكَّةَ يَقُولُ وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامِ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ هَذَا التَّفْضِيلُ بِالصَّلَاةِ فِي هَذَيْنِ الْمَسْجِدَيْنِ بِالْفَرِيضَةِ بَلْ يَعُمُّ الْفَرْضَ وَالنَّفْلَ جَمِيعًا وَبِهِ قَالَ مُطَرَّفٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يَخْتَصُّ بِالْفَرْضِ وَهَذَا مُخَالِفٌ إِطْلَاقَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ تَزِيدُ عَلَى فَضِيلَةِ الْأَلْفِ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لِأَنَّهَا تُعَادِلُ الْأَلْفَ بَلْ هِيَ زَائِدَةٌ عَلَى الْأَلْفِ كَمَا صُرِّحَتْ بِهِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ

أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ وَخَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ وَنَحْوُهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَهَذَا فِيمَا يَرْجِعُ إلى الثواب

فَثَوَابُ صَلَاةٍ فِيهِ يَزِيدُ عَلَى ثَوَابِ أَلْفٍ فِيمَا سِوَاهُ وَلَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى الْإِجْزَاءِ عَنِ الْفَوَائِتِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاتَانِ فَصَلَّى فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ صَلَاةً لَمْ تُجْزِئْهُ عَنْهُمَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ مُخْتَصَّةٌ بِنَفْسِ مَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ فِي زَمَانِهِ دُونَ مَا زِيدَ فِيهِ بَعْدَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ الْمُصَلِّي عَلَى ذَلِكَ وَيَتَفَطَّنَ لِمَا ذَكَرْتُهُ وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَى هَذَا فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1396] قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ جَمِيعًا عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ معبد عن بن عباس أنه قال ان مرأة اشْتَكَتْ شَكْوَى فَقَالَتْ إِنْ شَفَانِي اللَّهُ لَأَخْرُجَنَّ فَلَأُصَلِّيَنَّ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ قَالَتْ مَيْمُونَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ صَلَاةٌ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِلَّا مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ) هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا أُنْكِرَ عَلَى مُسْلِمٍ بِسَبَبِ إِسْنَادِهِ قَالَ الْحُفَّاظُ ذكر بن عَبَّاسٍ فِيهِ وَهَمٌ وَصَوَابُهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَيْمُونَةَ هَكَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ من رواية الليث وبن جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الله عن ميمونة من غير ذكر بن عَبَّاسٍ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَيْمُونَةَ ولم يذكر بن عَبَّاسٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ وَقَدْ رواه بعضهم عن بن عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ وَلَيْسَ يَثْبُتُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنْ أَبِيهِ وَمَيْمُونَةَ وَذَكَرَ حَدِيثَهُ هَذَا مِنْ طريق الليث وبن جريج ولم يذكر فيه بن عَبَّاسٍ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ لَنَا الْمَكِّيُّ عَنِ بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَمِعَ نَافِعًا قَالَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ بن معبد حدث ان بن عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَلَا يصح فيه بن عَبَّاسٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُهُمْ صَوَابُهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ

باب فضل المساجد الثلاثة

إِنَّ امْرَأَةً اشْتَكَتْ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ قَبْلَ هَذَا فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثَ عبد الله عن نافع عن بن عُمَرَ وَحَدِيثَ مُوسَى الْجُهَنِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عمر وحديث أيوب عن نافع عن بن عُمَرَ وَهَذَا مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ وَقَالَ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ عَنْ أَيُّوبَ وَعَلَّلَ الْحَدِيثَ عَنْ نَافِعٍ بِذَلِكَ وَقَالَ قَدْ خَالَفَهُمُ اللَّيْثُ وبن جُرَيْجٍ فَرَوَيَاهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ مَيْمُونَةَ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ الرِّوَايَتَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ رِوَايَةَ نَافِعٍ بِوَجْهٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ رِوَايَةَ عَبْدِ اللَّهِ وَمُوسَى عَنْ نَافِعٍ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ يَعْنِي رِوَايَةَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الله عن ميمونة كما قال الدار قطنى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ صِحَّةَ الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا كَمَا فَعَلَهُ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ هَذَا الِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ نافعا مِنْ ذَلِكَ وَمَعَ هَذَا فَالْمَتْنُ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا أَفْتَتِ امْرَأَةً نَذَرَتِ الصَّلَاةَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ تُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَدَلَّتْ بِالْحَدِيثِ) هَذِهِ الدَّلَالَةُ ظَاهِرَةٌ وَهَذَا حُجَّةٌ لِأَصَحِّ الْأَقْوَالِ فِي مَذْهَبِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ إِذَا نَذَرَ صَلَاةً فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوِ الْأَقْصَى هَلْ تَتَعَيَّنُ فِيهِ قَوْلَانِ الْأَصَحُّ تَتَعَيَّنُ فَلَا تُجْزِئُهُ تِلْكَ الصَّلَاةُ فِي غَيْرِهِ وَالثَّانِي لَا تَتَعَيَّنُ بَلْ تُجْزِئُهُ تِلْكَ الصَّلَاةُ حَيْثُ صَلَّى فإذا قُلْنَا تَتَعَيَّنُ فَنَذْرُهَا فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الْمَسْجِدَيْنِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي الْآخَرِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا يَجُوزُ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ وَالثَّالِثُ وَهُوَ الْأَصَحُّ إِنْ نَذَرَهَا فِي الْأَقْصَى جَازَ الْعُدُولُ إِلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ دُونَ عَكْسِهِ والله أعلم (باب فضل المساجد الثلاثة) [1397] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا ومسجد الحرام

وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَفِي رِوَايَةٍ وَمَسْجِدِ إِيلِيَاءَ) هَكَذَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ هُنَا وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ وَقَدْ أَجَازَهُ النَّحْوِيُّونَ الْكُوفِيُّونَ وَتَأَوَّلَهُ الْبَصْرِيُّونَ عَلَى أَنَّ فِيهِ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ مَسْجِدُ الْمَكَانِ الْحَرَامِ وَالْمَكَانِ الْأَقْصَى وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا كنت بجانب الغربي أَيِ الْمَكَانُ الْغَرْبِيِّ وَنَظَائِرُهُ وَأَمَّا إِيلِيَاءُ فَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ أَفْصَحُهُنَّ وَأَشْهَرُهُنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ هُنَا إِيلِيَاءُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ وَبِالْمَدِّ وَالثَّانِيَةُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ مَقْصُورٌ وَالثَّالِثَةُ إِلَيَاء بِحَذْفِ الْيَاءِ وَبِالْمَدِّ وَسُمِّيَ الْأَقْصَى لِبُعْدِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ هذه المساجد الثلاثة وفضيلة شد الرحال اليها لِأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لَا فَضِيلَةَ فِي شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى مَسْجِدِ غَيْرِهَا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَحْرُمُ شَدُّ الرِّحَالِ إِلَى غَيْرِهَا وَهُوَ غَلَطٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ وَشَرْحِهِ قَبْلَ هَذَا بِقَلِيلٍ فِي بَابِ سَفَرِ الْمَرْأَةِ مَعَ مَحْرَمٍ إِلَى الْحَجِّ وَغَيْرِهِ

(باب بيان أن المسجد الذي أسس على التقوى)

(بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى) (هُوَ مَسْجِدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ) [1398] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءٍ فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ ثُمَّ قَالَ هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا لِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ) هَذَا نَصٌّ بِأَنَّهُ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ وَرَدٌّ لِمَا يَقُولُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ مَسْجِدُ قُبَاءٍ وَأَمَّا أَخْذُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَصْبَاءَ وَضَرْبُهُ فِي الْأَرْضِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِيضَاحِ لِبَيَانِ أَنَّهُ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَالْحَصْبَاءُ بِالْمَدِّ الْحَصَى الصِّغَارُ (باب فَضْلِ مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَفَضْلِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَزِيَارَتِهِ) [1399] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُورُ قُبَاءً مَاشِيًا وَرَاكِبًا) وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي مَسْجِدَ

قُبَاءٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي رواية أن بن عُمَرَ كَانَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ وَكَانَ يَقُولُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ أَمَّا قُبَاءٌ فَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِيهِ الْمَدُّ وَالتَّذْكِيرُ وَالصَّرْفُ وَفِي لُغَةٍ مَقْصُورٌ وَفِي لُغَةٍ مُؤَنَّثٌ وَفِي لُغَةٍ مُذَكَّرٌ غَيْرُ مَصْرُوفٍ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ عَوَالِيهَا وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بَيَانُ فَضْلِهِ وَفَضْلِ مَسْجِدِهِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ وَفَضِيلَةِ زِيَارَتِهِ وَأَنَّهُ تَجُوزُ زِيَارَتُهُ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَهَكَذَا جَمِيعُ الْمَوَاضِعِ الْفَاضِلَةِ تَجُوزُ زِيَارَتُهَا رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ

(كتاب النكاح هو في اللغة الضم ويطلق على العقد وعلى

النَّفْلِ بِالنَّهَارِ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ كُلَّ سَبْتٍ فِيهِ جَوَازُ تَخْصِيصِ بَعْضِ الْأَيَّامِ بِالزِّيَارَةِ وَهَذَا هو الصواب وقول الجمهور وكره بن مَسْلَمَةَ الْمَالِكِيُّ ذَلِكَ قَالُوا لَعَلَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (كِتَابُ النِّكَاحِ هُوَ فِي اللُّغَةِ الضَّمُّ وَيُطْلَقُ عَلَى الْعَقْدِ وَعَلَى الْوَطْءِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاحِدِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَصْلُ النِّكَاحِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْوَطْءُ وَقِيلَ لِلتَّزْوِيجِ نِكَاحٌ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْوَطْءِ يُقَالُ نكح المنظر الْأَرْضَ وَنَكَحَ النُّعَاسُ عَيْنَهُ أَصَابَهَا قَالَ الْوَاحِدِيُّ وقال أبو القسم الزَّجَّاجِيُّ النِّكَاحُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْوَطْءُ وَالْعَقْدُ جَمِيعًا قَالَ وَمَوْضِعُ ن ك ح عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لِلُزُومِ الشَّيْءِ الشَّيْءَ رَاكِبًا عَلَيْهِ هَذَا كَلَامُ الْعَرَبِ الصَّحِيحِ فَإِذَا قَالُوا نَكَحَ فُلَانٌ فُلَانَةَ يَنْكِحُهَا نَكْحًا وَنِكَاحًا أَرَادُوا تَزَوَّجَهَا وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ فَرَّقَتِ الْعَرَبُ بَيْنَهُمَا فَرْقًا لَطِيفًا فَإِذَا قَالُوا نَكَحَ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ أَوْ أُخْتَهُ أَرَادُوا عقد عليها وإذا قَالُوا نَكَحَ امْرَأَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ لَمْ يُرِيدُوا إِلَّا الْوَطْءَ لِأَنَّ بِذِكْرِ)

باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة

امْرَأَتِهِ وَزَوْجَتِهِ يُسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْعَقْدِ قَالَ الْفَرَّاءُ الْعَرَبُ تَقُولُ نُكْحُ الْمَرْأَةِ بِضَمِّ النُّونِ بُضْعُهَا وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْفَرْجِ فَإِذَا قَالُوا نكحها أرادوا أصاب نكحها وهو فرجها وقل ما يُقَالُ نَاكَحَهَا كَمَا يُقَالُ بَاضَعَهَا هَذَا آخِرُ ما نقله الواحدي وقال بن فَارِسٍ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ النِّكَاحُ الوطء وقد يكون العقد وَيُقَالُ نَكَحْتُهَا وَنَكَحَتْ هِيَ أَيْ تَزَوَّجَتْ وَأَنْكَحْتُهُ زَوَّجْتُهُ وَهِيَ نَاكِحٌ أَيْ ذَاتُ زَوْجٍ وَاسْتَنْكَحَهَا تَزَوَّجَهَا هَذَا كَلَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَمَّا حَقِيقَةُ النِّكَاحِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا حَكَاهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي تَعْلِيقِهِ أَصَحُّهَا أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَأَطْنَبَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ وَالْأَحَادِيثُ وَالثَّانِي أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّالِثُ حَقِيقَةٌ فيهما بالاشتراك والله أعلم (باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة) (واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم) [1400] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمَعْشَرُ هُمُ الطَّائِفَةُ

الَّذِينَ يَشْمَلُهُمْ وَصْفٌ فَالشَّبَابُ مَعْشَرٌ وَالشُّيُوخُ مَعْشَرٌ وَالْأَنْبِيَاءُ مَعْشَرٌ وَالنِّسَاءُ مَعْشَرٌ فَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ وَالشَّبَابُ جَمْعُ شَابٍّ وَيُجْمَعُ عَلَى شُبَّانٍ وَشَبَبَةٍ وَالشَّابُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا هُوَ مَنْ بَلَغَ وَلَمْ يُجَاوِزْ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَأَمَّا الْبَاءَةُ فَفِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ حَكَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ الْبَاءَةُ بِالْمَدِّ وَالْهَاءِ وَالثَّانِيَةُ الْبَاةُ بِلَا مَدٍّ وَالثَّالِثَةُ الْبَاءُ بِالْمَدِّ بِلَا هَاءٍ وَالرَّابِعَةُ الْبَاهَةُ بِهَاءَيْنِ بِلَا مَدٍّ وَأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ الْجِمَاعُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْمَبَاءَةِ وَهِيَ الْمَنْزِلُ وَمِنْهُ مَبَاءَةُ الْإِبِلِ وَهِيَ مَوَاطِنُهَا ثُمَّ قِيلَ لِعَقْدِ النِّكَاحِ بَاءَةٌ لِأَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَوَّأَهَا مَنْزِلًا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْبَاءَةِ هُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنَى وَاحِدٍ أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْجِمَاعُ فَتَقْدِيرُهُ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْجِمَاعَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنِهِ وَهِيَ مُؤَنُ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْجِمَاعَ لِعَجْزِهِ عَنْ مُؤَنِهِ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ لِيَدْفَعَ شَهْوَتَهُ وَيَقْطَعَ شَرَّ مَنِيَّهُ كَمَا يَقْطَعُهُ الْوِجَاءُ وَعَلَى هَذَا القول وقع الْخِطَابِ مَعَ الشُّبَّانِ الَّذِينَ هُمْ مَظِنَّةُ شَهْوَةِ النِّسَاءِ وَلَا يَنْفَكُّونَ عَنْهَا غَالِبًا وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْبَاءَةِ مُؤَنُ النِّكَاحِ سُمِّيَتْ بِاسْمِ مَا يُلَازِمُهَا وَتَقْدِيرُهُ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ مُؤَنَ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْهَا فَلْيَصُمْ ليدفع شهوته والذي حمل القائلين بهذا على هذا أَنَّهُمْ قَالُوا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ قَالُوا وَالْعَاجِزُ عَنِ الْجِمَاعِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الصَّوْمِ لِدَفْعِ الشَّهْوَةِ فَوَجَبَ تَأْوِيلُ الْبَاءَةِ عَلَى الْمُؤَنِ وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّ تَقْدِيرَهُ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْجِمَاعَ لِعَجْزِهِ عَنْ مُؤَنِهِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْجِمَاعِ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْوِجَاءُ فَبِكَسْرِ الْوَاوِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ رَضُّ الْخُصْيَتَيْنِ وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّ الصَّوْمَ يَقْطَعُ الشَّهْوَةَ وَيَقْطَعُ شَرَّ الْمَنِيِّ كَمَا يَفْعَلُهُ الْوِجَاءُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِالنِّكَاحِ لِمَنِ اسْتَطَاعَهُ وَتَاقَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَمْرُ نَدْبٍ لَا إِيجَابَ فَلَا يَلْزَمُ التَّزَوُّجُ وَلَا التَّسَرِّي سَوَاءٌ خَافَ الْعَنَتَ أَمْ لَا هَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَلَا يُعْلَمُ أَحَدٌ أَوْجَبَهُ إِلَّا دَاوُدَ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا يَلْزَمُهُ إِذَا خَافَ الْعَنَتَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يَتَسَرَّى قَالُوا وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَشْرِطْ بَعْضُهُمْ خَوْفَ الْعَنَتَ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إِنَّمَا يَلْزَمُهُ التَّزْوِيجُ فَقَطْ وَلَا يَلْزَمُهُ الْوَطْءُ وَتَعَلَّقُوا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَعَ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ وَغَيْرَهَا مِنَ الْآيَاتِ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إلى قوله تعالى وما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَخَيَّرَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَ النِّكَاحِ وَالتَّسَرِّي قَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ هَذَا حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَيَّرَهُ بَيْنَ

النِّكَاحِ وَالتَّسَرِّي بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ وَاجِبًا لَمَا خَيَّرَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّسَرِّي لِأَنَّهُ لَا يصح عند الأصوليين التخيير بين واجب وغيره لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى إِبْطَالِ حَقِيقَةِ الْوَاجِبِ وَأَنَّ تَارِكَهُ لَا يَكُونُ آثِمًا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي فَمَعْنَاهُ مَنْ رَغِبَ عَنْهَا إِعْرَاضًا عنها غير معتقد على ما هي والله أعلم أما الْأَفْضَلُ مِنَ النِّكَاحِ وَتَرْكِهِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا النَّاسُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ تَتُوقُ إِلَيْهِ نَفْسُهُ وَيَجِدُ الْمُؤَنَ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ النِّكَاحُ وَقِسْمٌ لَا تَتُوقُ وَلَا يَجِدُ الْمُؤَنَ فَيُكْرَهُ لَهُ وَقِسْمٌ تَتُوقُ وَلَا يَجِدُ الْمُؤَنَ فَيُكْرَهُ لَهُ وَهَذَا مَأْمُورٌ بِالصَّوْمِ لِدَفْعِ التَّوَقَانِ وَقِسْمٌ يَجِدُ الْمُؤَنَ وَلَا تَتُوقُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّ تَرْكَ النِّكَاحِ لِهَذَا وَالتَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ أَفْضَلُ وَلَا يُقَالُ النِّكَاحُ مَكْرُوهٌ بَلْ تَرْكُهُ أَفْضَلُ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّ النِّكَاحَ لَهُ أَفْضَلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَلَا نُزَوِّجُكَ جَارِيَةً شَابَّةً لَعَلَّهَا تُذَكِّرُكَ بَعْضَ مَا مَضَى مِنْ زَمَانِكَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ عَرْضِ الصَّاحِبِ هَذَا عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ زَوْجَةٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهُوَ صَالِحٌ لِزَوَاجِهَا عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ قَرِيبًا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ نِكَاحِ الشَّابَّةِ لِأَنَّهَا الْمُحَصِّلَةُ لِمَقَاصِدِ النِّكَاحِ فَإِنَّهَا أَلَذُّ اسْتِمْتَاعًا وَأَطْيَبُ نَكْهَةً وَأَرْغَبُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ النِّكَاحِ وَأَحْسَنُ عِشْرَةً وَأَفْكَهُ مُحَادَثَةً وَأَجْمَلُ مَنْظَرًا وَأَلْيَنُ مَلْمَسًا وَأَقْرَبُ إِلَى أَنْ يُعَوِّدَهَا زَوْجُهَا الْأَخْلَاقَ الَّتِي يَرْتَضِيهَا وَقَوْلُهُ تُذَكِّرُكَ بَعْضَ مَا مَضَى مِنْ زَمَانِكَ مَعْنَاهُ تَتَذَكَّرُ بِهَا بَعْضَ مَا مَضَى مِنْ نَشَاطِكَ وَقُوَّةِ شَبَابِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُنْعِشُ البدن قوله (ان عثمان دعا بن مَسْعُودٍ وَاسْتَخْلَاهُ فَقَالَ لَهُ) هَذَا الْكَلَامُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْإِسْرَارِ بِمِثْلِ هَذَا فَإِنَّهُ مِمَّا يُسْتَحَى مِنْ ذِكْرِهِ بَيْنَ النَّاسِ وَقَوْلُهُ أَلَا نُزَوِّجُكَ جَارِيَةً بِكْرًا دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْبِكْرِ وَتَفْضِيلِهَا عَلَى الثَّيِّبِ وَكَذَا

قَالَهُ أَصْحَابُنَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ جَارِيَةً شَابَّةً قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ دَخَلْتُ أَنَا وَعَمِّي عَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ الْقَاضِي وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَا وَعَمَّايَ عَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَهُوَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْأَسْوَدَ أَخُو عَبْدِ الرحمن بن يزيد لاعمه وَعَلْقَمَةُ عَمُّهُمَا جَمِيعًا وَهُوَ عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ قَوْلُهُ (فَذَكَرَ حَدِيثًا رُئِيتُ أَنَّهُ حَدَّثَ بِهِ مِنْ أَجْلِي) هَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا رَأَيْتُ وَهُمَا صَحِيحَانِ

الْأَوَّلُ مِنَ الظَّنِّ وَالثَّانِي مِنَ الْعِلْمِ [1401] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) سَبَقَ تَأْوِيلُهُ وَأَنَّ مَعْنَاهُ مَنْ تَرَكَهَا إِعْرَاضًا عَنْهَا غَيْرَ مُعْتَقِدٍ لَهَا على مَا هِيَ عَلَيْهِ أَمَّا مَنْ تَرَكَ النِّكَاحَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُهُ كَمَا سَبَقَ أَوْ تَرَكَ النَّوْمَ عَلَى الْفِرَاشِ لِعَجْزِهِ عَنْهُ أَوْ لِاشْتِغَالِهِ بِعِبَادَةٍ مَأْذُونٍ فِيهَا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ هَذَا الذَّمُّ وَالنَّهْيُ قوله (إن النبي صلى الله عليه وسلم حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا) هُوَ مُوَافِقٌ لِلْمَعْرُوفِ مِنْ خُطَبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّهُ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا فَخَطَبَ لَهُ ذَكَرَ كَرَاهِيَتَهُ وَلَا يُعَيِّنُ فَاعِلَهُ وهذا مِنْ عَظِيمِ خُلُقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصُ وَجَمِيعُ الْحَاضِرِينَ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَبْلُغُهُ ذَلِكَ وَلَا يَحْصُلُ تَوْبِيخُ صَاحِبِهِ فِي الْمَلَأِ [1402] قَوْلُهُ (رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا) قَالَ الْعُلَمَاءُ التَّبَتُّلُ هُوَ الِانْقِطَاعُ عَنِ النِّسَاءِ وَتَرْكُ النِّكَاحِ انْقِطَاعًا إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَأَصْلُ التَّبَتُّلِ الْقَطْعُ وَمِنْهُ مَرْيَمُ الْبَتُولُ وَفَاطِمَةُ الْبَتُولُ لِانْقِطَاعِهِمَا عَنْ نِسَاءِ زَمَانِهِمَا دِينًا وَفَضْلًا وَرَغْبَةً فِي الْآخِرَةِ وَمِنْهُ صَدَقَةٌ بَتْلَةٌ أَيْ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ تَصَرُّفِ مَالِكِهَا قَالَ الطَّبَرِيُّ التَّبَتُّلُ هُوَ تَرْكُ لَذَّاتِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا وَالِانْقِطَاعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّفَرُّغِ لِعِبَادَتِهِ وَقَوْلُهُ رَدَّ عَلَيْهِ التَّبَتُّلَ مَعْنَاهُ نَهَاهُ عَنْهُ وَهَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَاقَتْ نَفْسُهُ إِلَى النِّكَاحِ وَوَجَدَ مُؤَنَهُ كَمَا سَبَقَ ايضاحه وعلى من أضربه التَّبَتُّلُ بِالْعِبَادَاتِ الْكَثِيرَةِ الشَّاقَّةِ أَمَّا الْإِعْرَاضُ

(باب ندب من رأى امرأة فوقعت في نفسه إلى أن يأتي

عَنِ الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ بِنَفْسِهِ وَلَا تَفْوِيتِ حَقٍّ لِزَوْجَةٍ وَلَا غَيْرِهَا فَفَضِيلَةٌ لِلْمَنْعِ مِنْهَا بَلْ مَأْمُورٌ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ لو أذن له لا ختصينا فَمَعْنَاهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الِانْقِطَاعِ عَنِ النِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ مِنْ مَلَاذِ الدُّنْيَا لَاخْتَصَيْنَا لِدَفْعِ شهوة النساء ليمكنا التَّبَتُّلُ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَظُنُّونَ جَوَازَ الِاخْتِصَاءِ بِاجْتِهَادِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ ظَنُّهُمْ هَذَا مُوَافِقًا فَإِنَّ الِاخْتِصَاءَ فِي الْآدَمِيِّ حَرَامٌ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا قَالَ الْبَغَوِيُّ وَكَذَا يَحْرُمُ خِصَاءُ كُلِّ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ وَأَمَّا الْمَأْكُولُ فَيَجُوزُ خِصَاؤُهُ فِي صِغَرِهِ وَيَحْرُمُ فِي كِبَرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ نَدْبِ مَنْ رَأَى امْرَأَةً فَوَقَعَتْ فِي نَفْسِهِ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَتَهُ (أَوْ جَارِيَتَهُ فَيُوَاقِعَهَا) [1403] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمُ)

امْرَأَةً فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِذَا أَحَدُكُمْ أَعْجَبَتْهُ الْمَرْأَةُ فَوَقَعَتْ فِي قَلْبِهِ فَلْيَعْمِدْ إِلَى امْرَأَتِهِ فَلْيُوَاقِعْهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ مُبَيِّنَةٌ لِلْأُولَى وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ رَأَى امْرَأَةً فَتَحَرَّكَتْ شَهْوَتُهُ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ إِنْ كَانَتْ لَهُ فَلْيُوَاقِعْهَا لِيَدْفَعَ شَهْوَتَهُ وَتَسْكُنَ نَفْسُهُ وَيَجْمَعَ قَلْبَهُ عَلَى مَا هُوَ بِصَدَدِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ الْإِشَارَةُ إِلَى الْهَوَى وَالدُّعَاءِ إِلَى الْفِتْنَةِ بِهَا لِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي نُفُوسِ الرِّجَالِ مِنَ الْمَيْلِ إِلَى النِّسَاءِ وَالِالْتِذَاذِ بِنَظَرِهِنَّ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِنَّ فَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالشَّيْطَانِ فِي دُعَائِهِ إِلَى الشَّرِّ بِوَسْوَسَتِهِ وَتَزْيِينِهِ لَهُ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ لَا تَخْرُجَ بَيْنَ الرِّجَالِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ الْغَضُّ عَنْ ثِيَابِهَا وَالْإِعْرَاضُ عَنْهَا مُطْلَقًا قَوْلُهُ (تَمْعَسُ مَنِيئَةً) قَالَ أَهْلُ اللغة المعس بالعين المهملة الدلك والمنيئة بِمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ نُونٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ ثُمَّ تَاءٍ تُكْتَبُ هَاءً وَهِيَ عَلَى وَزْنِ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ وَذَبِيحَةٍ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هي الجلد أول ما يوضع في الدباغ وقال الكسائي يسمي منيئة ثم أفيق بفتح الهمزة وسر الفاء وجمعه أفق كفقيز وقفز ثم أديم عُبَيْدَةَ هُوَ فِي أَوَّلِ الدِّبَاغِ مَنِيئَةٌ ثُمَّ أَفِيقٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَجَمْعُهُ أُفُقٌ كَقَفِيزِ وَقُفُزٌ ثُمَّ أَدِيمٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم رأى امْرَأَةً فَأَتَى امْرَأَتَهُ زَيْنَبَ وَهِيَ تَمْعَسُ مَنِيئَةً لَهَا فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ) إِلَى آخِرِهِ قَالَ

(باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم

الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا فَعَلَ هَذَا بَيَانًا لَهُمْ وَإِرْشَادًا لِمَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ فَعَلَّمَهُمْ بِفِعْلِهِ وَقَوْلِهِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِطَلَبِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ إِلَى الْوِقَاعِ فِي النَّهَارِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كانت مشتغلة بما يمكن تركه لِأَنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَتْ عَلَى الرَّجُلِ شَهْوَةٌ يَتَضَرَّرُ بِالتَّأْخِيرِ فِي بَدَنِهِ أَوْ فِي قَلْبِهِ وَبَصَرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَبَيَانِ أَنَّهُ أُبِيحَ ثُمَّ نُسِخَ ثُمَّ أُبِيحَ ثُمَّ نُسِخَ) (وَاسْتَقَرَّ تَحْرِيمُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) اعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِي عِيَاضًا بَسَطَ شَرْحَ هَذَا الْبَابِ بَسْطًا بَلِيغًا وَأَتَى فِيهِ بِأَشْيَاءَ نَفِيسَةٍ وَأَشْيَاءَ يُخَالَفُ فِيهَا فَالْوَجْهُ أَنْ نَنْقُلَ مَا ذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا ثُمَّ نَذْكُرَ مَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَيُخَالَفُ فِيهِ وَنُنَبِّهَ عَلَى الْمُخْتَارِ قَالَ الْمَازِرِيُّ ثَبَتَ أَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ كَانَ جَائِزًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ثَبَتَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا أَنَّهُ نُسِخَ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إِلَّا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْتَبْدِعَةِ وَتَعَلَّقُوا بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ فَلَا دَلَالَةَ لَهُمْ فِيهَا وَتَعَلَّقُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن وفي قراءة بن مَسْعُودٍ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ وقراءة بن مَسْعُودٍ هَذِهِ شَاذَّةٌ لَا يُحْتَجُّ بِهَا قُرْآنًا وَلَا خَبَرًا وَلَا يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِهَا قَالَ وَقَالَ زُفَرُ مَنْ نَكَحَ نِكَاحَ مُتْعَةٍ تَأَبَّدَ نِكَاحُهُ وَكَأَنَّهُ جَعَلَ ذِكْرَ التَّأْجِيلِ مِنْ بَابِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهَا تُلْغَى وَيَصِحُّ النِّكَاحُ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمُتْعَةِ فَفِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ وَفِيهِ أَنَّهُ نَهَى عَنْهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَذَا مَنْ أَجَازَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ وَزَعَمَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ تَعَارَضَتْ وَأَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ قَادِحٌ فِيهَا قُلْنَا هَذَا الزَّعْمُ خَطَأٌ وَلَيْسَ هَذَا تَنَاقُضًا لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَنْهَى عَنْهُ فِي زَمَنٍ ثُمَّ يَنْهَى عَنْهُ فِي زَمَنٍ آخَرَ تَوْكِيدًا أَوْ لِيَشْتَهِرَ النَّهْيُ وَيَسْمَعَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ أَوَّلًا فَسَمِعَ بَعْضُ الرُّوَاةِ النَّهْيَ فِي زَمَنٍ وَسَمِعَهُ آخَرُونَ فِي زَمَنٍ آخَرَ فَنَقَلَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَا سَمِعَهُ وَأَضَافَهُ إِلَى زَمَانِ سَمَاعِهِ هَذَا كَلَامُ الْمَازِرِيِّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَوَى حَدِيثَ إِبَاحَةِ الْمُتْعَةِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَذَكَرَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ بن مسعود وبن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَسَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا أَنَّهَا كَانَتْ فِي

الْحَضَرِ وَإِنَّمَا كَانَتْ فِي أَسْفَارِهِمْ فِي الْغَزْوِ عِنْدَ ضَرُورَتِهِمْ وَعَدَمِ النِّسَاءِ مَعَ أَنَّ بِلَادَهُمْ حَارَّةٌ وَصَبْرَهُمْ عَنْهُنَّ قَلِيلٌ وَقَدْ ذَكَرَ فِي حديث بن أَبِي عُمَرَ أَنَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِمَنِ اضْطُرَّ إِلَيْهَا كَالْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا وَعَنِ بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا نَحْوُهُ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ إِبَاحَتَهَا يَوْمَ أَوْطَاسَ وَمِنْ رِوَايَةِ سَبْرَةَ إِبَاحَتُهَا يَوْمَ الْفَتْحِ وَهُمَا وَاحِدٌ ثَمَّ حُرِّمَتْ يَوْمَئِذٍ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ تَحْرِيمُهَا يَوْمَ خَيْبَرَ وَهُوَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَذَكَرَ غَيْرُ مُسْلِمٍ عَنْ عَلِيٍّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ عَلَى هَذَا وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَالْعُمَرِيُّ وَيُونُسُ وَغَيْرُهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَفِيهِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَكَذَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ النَّهْيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَبْرَةَ أَيْضًا إِبَاحَتُهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ثُمَّ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا حِينَئِذٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهَا مَا حَلَّتْ قَطُّ إِلَّا فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ أَيْضًا وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَاتِ حَدِيثِ سَبْرَةَ تَعْيِينَ وَقْتٍ إِلَّا فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ وَرِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَرِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ قَالُوا وَذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِإِبَاحَتِهَا يَوْمَ حَجَّةِ الوداع خطأ لأنه لم يكن يؤمئذ ضَرُورَةٌ وَلَا عُزُوبَةٌ وَأَكْثَرُهُمْ حَجُّوا بِنِسَائِهِمْ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الَّذِي جَرَى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُجَرَّدُ النَّهْيِ كَمَا جَاءَ فِي غَيْرِ رِوَايَةٍ وَيَكُونُ تَجْدِيدُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيَ عَنْهَا يَوْمَئِذٍ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ وَلِتَمَامِ الدِّينِ وَتَقَرُّرِ الشَّرِيعَةِ كَمَا قَرَّرَ غَيْرَ شَيْءٍ وَبَيَّنَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ يَوْمَئِذٍ وَبَتَّ تَحْرِيمَ الْمُتْعَةِ حِينَئِذٍ لِقَوْلِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ مَا جَاءَ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَفِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَيَوْمَ الْفَتْحِ وَيَوْمَ أَوْطَاسَ أَنَّهُ جَدَّدَ النَّهْيَ عَنْهَا فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ لِأَنَّ حَدِيثَ تَحْرِيمِهَا يَوْمَ خَيْبَرَ صَحِيحٌ لَا مَطْعَنَ فِيهِ بَلْ هُوَ ثَابِتٌ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْكَلَامُ فِيهِ انْفِصَالٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ حَرَّمَ الْمُتْعَةَ وَلَمْ يُبَيِّنْ زَمَنَ تَحْرِيمَهَا ثُمَّ قَالَ وَلُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ فَيَكُونُ يَوْمُ خَيْبَرَ لِتَحْرِيمِ الْحُمُرِ خَاصَّةً وَلَمْ يُبَيِّنْ وَقْتَ تَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ قَالَ هَذَا الْقَائِلُ وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ أَنَّ تَحْرِيمَ الْمُتْعَةِ كَانَ بِمَكَّةَ وَأَمَّا لُحُومُ الْحُمُرِ فَبِخَيْبَرَ بِلَا شَكٍّ قَالَ

الْقَاضِي وَهَذَا أَحْسَنُ لَوْ سَاعَدَهُ سَائِرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ غَيْرِ سُفْيَانَ قَالَ وَالْأَوْلَى مَا قُلْنَاهُ أَنَّهُ قَرَّرَ التَّحْرِيمَ لَكِنْ يَبْقَى بَعْدَ هَذَا مَا جَاءَ مِنْ ذِكْرِ إِبَاحَتِهِ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَيَوْمِ الْفَتْحِ وَيَوْمِ أَوْطَاسَ فَتَحْتَمِلُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَهَا لَهُمْ لِلضَّرُورَةِ بَعْدَ التَّحْرِيمِ ثُمَّ حَرَّمَهَا تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا فَيَكُونُ حَرَّمَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ وَفِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ ثُمَّ أَبَاحَهَا يَوْمَ الْفَتْحِ لِلضَّرُورَةِ ثُمَّ حَرَّمَهَا يَوْمَ الْفَتْحِ أَيْضًا تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا وَتَسْقُطُ رِوَايَةُ إِبَاحَتِهَا يَوْمَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِأَنَّهَا مَرْوِيَّةٌ عَنْ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ وَإِنَّمَا رَوَى الثِّقَاتُ الْأَثْبَاتُ عَنْهُ الْإِبَاحَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَالَّذِي فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِنَّمَا هُوَ التَّحْرِيمُ فَيُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِهِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ جُمْهُورُ الرُّوَاةِ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنَ النَّهْيِ عَنْهَا يَوْمَ الْفَتْحِ وَيَكُونُ تَحْرِيمُهَا يَوْمَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ تَأْكِيدًا وَإِشَاعَةً لَهُ كَمَا سَبَقَ وَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ إِنَّمَا كَانَتْ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ لَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا فَتَرُدُّهُ الْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ فِي تَحْرِيمِهَا يَوْمَ خَيْبَرَ وَهِيَ قَبْلَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَمَا جَاءَ مِنْ إِبَاحَتِهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَيَوْمَ أَوْطَاسَ مَعَ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِهَذَا إِنَّمَا جَاءَتْ عَنْ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ وَهُوَ رَاوِي الرِّوَايَاتِ الْأُخَرِ وَهِيَ أَصَحُّ فَيُتْرَكُ مَا خَالَفَ الصَّحِيحَ وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا مِمَّا تَدَاوَلَهُ التَّحْرِيمُ وَالْإِبَاحَةُ وَالنَّسْخُ مَرَّتَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَالصَّوَابُ الْمُخْتَارُ أَنَّ التَّحْرِيمَ وَالْإِبَاحَةَ كَانَا مَرَّتَيْنِ وَكَانَتْ حَلَالًا قَبْلَ خَيْبَرَ ثُمَّ حُرِّمَتْ يَوْمَ خَيْبَرَ ثُمَّ أُبِيحَتْ يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس لا تصالهما ثُمَّ حُرِّمَتْ يَوْمَئِذٍ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَاسْتَمَرَّ التَّحْرِيمُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْإِبَاحَةَ مُخْتَصَّةُ بِمَا قَبْلَ خَيْبَرَ وَالتَّحْرِيمُ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلتَّأْبِيدِ وَأَنَّ الَّذِي كَانَ يَوْمَ الْفَتْحِ مُجَرَّدَ تَوْكِيدِ التَّحْرِيمِ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ إِبَاحَةٍ يَوْمَ الْفَتْحِ كَمَا اختاره المازرى والقاضي لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ فِي الْإِبَاحَةِ يَوْمَ الْفَتْحِ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ إِسْقَاطُهَا وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُ تَكْرِيرَ الْإِبَاحَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمُتْعَةَ كَانَتْ نِكَاحًا إِلَى أَجَلٍ لَا مِيرَاثَ فِيهَا وَفِرَاقُهَا يَحْصُلُ بِانْقِضَاءِ الْأَجَلِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَوَقَعَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى تَحْرِيمِهَا مِنْ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا الرَّوَافِضَ وَكَانَ بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ بِإِبَاحَتِهَا وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَتَى وَقَعَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ الْآنَ حُكِمَ بِبُطْلَانِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ إِلَّا مَا سَبَقَ عَنْ زُفَرَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ هَلْ يُحَدُّ الْوَاطِئُ فِيهِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ وَشُبْهَةِ الْخِلَافِ وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الْأُصُولِيِّينَ فِي أَنَّ الْإِجْمَاعَ بَعْدَ الْخِلَافِ هَلْ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَيُصَيِّرُ الْمَسْأَلَةَ مُجْمَعًا عَلَيْهَا وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَرْفَعُهُ بل يدوم

الْخِلَافُ وَلَا يُصَيِّرُ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ ذَلِكَ مُجْمَعًا عَلَيْهَا أَبَدًا وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ قَالَ الْقَاضِي وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ نَكَحَ نِكَاحًا مُطْلَقًا وَنِيَّتُهُ أَنْ لَا يَمْكُثَ مَعَهَا إِلَّا مُدَّةً نَوَاهَا فَنِكَاحُهُ صَحِيحٌ حَلَالٌ وَلَيْسَ نِكَاحُ مُتْعَةٍ وَإِنَّمَا نِكَاحُ الْمُتْعَةِ مَا وَقَعَ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَلَكِنْ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ هَذَا مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ وَشَذَّ الْأَوْزَاعِيُّ فَقَالَ هُوَ نِكَاحُ مُتْعَةٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1404] قَوْلُهُ (فَقُلْنَا أَلَا نَسْتَخْصِي فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ) فِيهِ مُوَافَقَةٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ مِنْ تَحْرِيمِ الْخَصْيِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النَّسْلِ وَتَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (رَخَّصَ لنا أن ننكح المرأة بالثوب) أي بالثوب وَغَيْرِهِ مِمَّا نَتَرَاضَى بِهِ قَوْلُهُ (ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ إِبَاحَتَهَا كقول بن عباس وأنه لم يبلغه نسخها قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ الْعَيْشِيُّ حَدَّثَنَا يزيد بن زريع حدثنا روح وهو بن القاسم عن

عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَجَابِرٍ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَسَقَطَ فِي بَعْضِهَا ذِكْرُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ بَلْ قَالَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَلَمَةَ وَجَابِرٍ وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ أَيْضًا أَنَّ النَّسْخَ اخْتُلِفَ فِيهِ وَأَنَّهُ ثَبَتَ ذكر الحسن في رواية بن مَاهَانَ وَسَقَطَ فِي رِوَايَةِ الْجُلُودِيِّ وَسَبَقَ بَيَانُ أُمَيَّةَ بْنِ بِسْطَامٍ وَأَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُ بِسْطَامٍ وَتَرْكُ صَرْفِهِ وَأَنَّ الْبَاءَ تُكْسَرُ وَقَدْ تُفْتَحُ والعيشى بالشين المعجمة [1405] قَوْلُهُ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَا خَرَجَ عَلَيْنَا مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قَدْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ سَلَمَةَ وَجَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانَا فَأَذِنَ لَنَا فِي الْمُتْعَةِ فَقَوْلُهُ فِي الثَّانِيَةِ أَتَانَا يَحْتَمِلُ أَتَانَا رَسُولُهُ وَمُنَادِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ قَوْلُهُ (اسْتَمْتَعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي اسْتَمْتَعَ فِي عَهْدِ أَبِي بكر وعمر لم يبلغه النسخ وقوله (حتى نَهَانَا عَنْهُ عُمَرُ) يَعْنِي حِينَ بَلَغَهُ النَّسْخُ وَقَدْ سَبَقَ إِيضَاحُ هَذَا قَوْلُهُ (كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِالْقُبْضَةِ مِنَ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ) الْقُبْضَةُ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا وَالضَّمُّ أَفْصَحُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْقُبْضَةُ بِالضَّمِّ مَا قَبَضْتَ عَلَيْهِ مِنَ الشَّيْءِ يُقَالُ أَعْطَاهُ قُبْضَةً مِنْ سَوِيقٍ

أَوْ تَمْرٍ قَالَ وَرُبَّمَا فُتِحَ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيُّ) ذَكَرْنَا مَرَّاتٍ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدِّهِ الْأَعْلَى أَبِي بَكْرٍ الصَّحَابِيِّ قَوْلُهُ (رَخَّصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ أَوْطَاسَ فِي الْمُتْعَةِ ثَلَاثًا ثُمَّ نَهَى عَنْهَا) هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا أُبِيحَتْ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ وَيَوْمُ أَوْطَاسَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَأَوْطَاسُ وَادٍ بِالطَّائِفِ وَيُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ فَمَنْ صَرَفَهُ أَرَادَ الْوَادِيَ وَالْمَكَانَ وَمَنْ لَمْ يَصْرِفْهُ أَرَادَ الْبُقْعَةَ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِمْ لَهُ غَيْرُ مَصْرُوفٍ [1406] قَوْلُهُ (الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَوْلُهُ (فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ إِلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ كَأَنَّهَا بَكْرَةٌ عَيْطَاءُ) أَمَّا الْبَكْرَةُ فَهِيَ الْفَتِيَّةُ مِنَ الْإِبِلِ أَيَ الشَّابَّةُ الْقَوِيَّةُ وَأَمَّا الْعَيْطَاءُ فَبِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ

الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ وَبِطَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَبِالْمَدِّ وَهِيَ الطَّوِيلَةُ الْعُنُقِ فِي اعْتِدَالٍ وَحُسْنِ قَوَامٍ وَالْعَيَطُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْيَاءِ طُولُ الْعُنُقِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ الَّتِي يَتَمَتَّعُ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الَّتِي يَتَمَتَّعُ فَلْيُخَلِّ أَيْ يَتَمَتَّعُ بِهَا فَحَذَفَ بِهَا لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ أَوْ أَوْقَعَ يَتَمَتَّعُ مَوْقِعَ يُبَاشِرُ أَيْ يُبَاشِرُهَا وَحَذَفَ الْمَفْعُولَ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الدَّمَامَةِ) هِيَ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الْقُبْحُ فِي الصُّورَةِ قَوْلُهُ (فَبُرْدِي خَلَقٌ) هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ قَرِيبٌ مِنَ الْبَالِي قَوْلُهُ (فَتَلَقَّتْنَا فَتَاةٌ مِثْلُ الْبَكْرَةِ الْعَنَطْنَطَةِ) هِيَ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَبِنُونَيْنِ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ وَبِطَاءَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ وَهِيَ كَالْعَيْطَاءِ وَسَبَقَ بَيَانُهَا وَقِيلَ هِيَ الطَّوِيلَةُ فَقَطْ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ (ينْظُرُ إِلَى عِطْفِهَا) هُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ جَانِبُهَا وَقِيلَ مِنْ رَأْسِهَا إِلَى وَرِكِهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى

أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَلِيٌّ وَلَا شُهُودٌ قَوْلُهُ (إِنَّ بُرْدَ هَذَا خَلَقٌ مَحٌّ) هُوَ بِمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَهُوَ الْبَالِي وَمِنْهُ مَحَّ الْكِتَابُ إِذَا بَلِيَ وَدَرَسَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَنْ كَانَ عَنَدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا) وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ التَّصْرِيحُ بِالْمَنْسُوخِ وَالنَّاسِخِ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَحَدِيثِ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَمَتَّعُونَ إِلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمُ النَّاسِخُ كَمَا سَبَقَ وَفِيهِ أَنَّ الْمَهْرَ الَّذِي كَانَ أَعْطَاهَا يَسْتَقِرُّ لَهَا وَلَا يَحِلُّ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ فَارَقَهَا قَبْلَ الْأَجَلِ الْمُسَمَّى كَمَا أَنَّهُ

يَسْتَقِرُّ فِي النِّكَاحِ الْمَعْرُوفِ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى بِالْوَطْءِ وَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْفُرْقَةِ بَعْدَهُ قَوْلُهُ (فَآمَرَتْ نَفْسَهَا سَاعَةً) هُوَ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ أَيْ شَاوَرَتْ نَفْسَهَا وَأَفْكَرَتْ فِي ذَلِكَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى أن الملأ

يأتمرون بك قَوْلُهُ (إِنَّ نَاسًا أَعْمَى اللَّهُ قُلُوبَهُمْ كَمَا أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ يُفْتُونَ بِالْمُتْعَةِ يُعَرِّضُ بِرَجُلٍ) يَعْنِي يُعَرِّضُ بِابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ (إِنَّكَ لَجِلْفٌ جَافٍ) الجلف بكسر الجيم قال بن السِّكِّيتِ وَغَيْرِهِ الْجِلْفُ هُوَ الْجَافِي وَعَلَى هَذَا قِيلَ إِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَوْكِيدًا لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ وَالْجَافِي هُوَ الْغَلِيظُ الطَّبْعِ الْقَلِيلُ الْفَهْمِ وَالْعِلْمِ وَالْأَدَبِ لِبُعْدِهِ عَنْ أَهْلِ ذَلِكَ قَوْلُهُ (فَوَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتَهَا لَأَرْجُمَنَّكَ بِأَحْجَارِكَ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَبْلَغَهُ النَّاسِخَ لَهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَكٌّ فِي تَحْرِيمِهَا فَقَالَ إِنْ فَعَلْتَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَوَطِئْتَ فِيهَا كُنْتَ زَانِيًا وَرَجَمْتُكَ بِالْأَحْجَارِ الَّتِي يُرْجَمُ بِهَا الزَّانِي قَوْلُهُ (فَأَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ بْنِ سَيْفِ اللَّهِ) سَيْفُ اللَّهِ هُوَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيُّ سَمَّاهُ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ يَنْكَأُ فِي أَعْدَاءِ اللَّهِ

[1407] قَوْلُهُ (نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ) قَوْلُهُ الْإِنْسِيَّةِ ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا كَسْرُ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانُ النُّون وَالثَّانِي فَتْحُهُمَا جَمِيعًا وَصَرَّحَ الْقَاضِي بِتَرْجِيحِ الْفَتْحِ وَأَنَّهُ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ وَفِي هَذَا تَحْرِيمُ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا طَائِفَةً يَسِيرَةً مِنَ السَّلَفِ فَقَدْ رُوِيَ عن بن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَبَعْضِ السَّلَفِ إِبَاحَتُهُ وَرُوِيَ عَنْهُمْ تَحْرِيمُهُ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتُهُ وَتَحْرِيمُهُ قَوْلُهُ (إِنَّكَ رَجُلٌ تَائِهٌ) هُوَ الْحَائِرُ الذَّاهِبُ عَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في

(بَابُ تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا فِي النِّكَاحِ) [1408] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُنْكَحُ الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ الْأَخِ وَلَا ابْنَةُ الْأُخْتِ عَلَى الْخَالَةِ هَذَا دَلِيلٌ لِمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّهُ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ خَالَتِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ عَمَّةً وَخَالَةً حَقِيقَةً وَهِيَ أُخْتُ الْأَبِ وَأُخْتُ الْأُمِّ

أَوْ مَجَازِيَّةً وَهِيَ أُخْتُ أَبِي الْأَبِ وَأَبِي الْجَدِّ وَإِنْ عَلَا أَوْ أُخْتُ أُمِّ الْأُمِّ وَأُمُّ الْجَدَّةِ مِنْ جِهَتَيِ الْأُمِّ وَالْأَبِ وَإِنْ عَلَتْ فَكُلُّهُنَّ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ يَجُوزُ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأُحِلُّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ واحتج الجمهور بهذه الأحاديث خصوا بِهَا الْآيَةَ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ جواز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَيِّنٌ لِلنَّاسِ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ كَالنِّكَاحِ فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَعِنْدَ الشِّيعَةِ مُبَاحٌ قَالُوا وَيُبَاحُ أَيْضًا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ قَالُوا وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَأَنْ تَجْمَعُوا بين الأختين إنما هُوَ فِي النِّكَاحِ قَالَ وَقَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً هو حرام

كَالنِّكَاحِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأختين وَقَوْلُهُمْ إِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالنِّكَاحِ لَا يُقْبَلُ بَلْ جَمِيعُ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْآيَةِ مُحَرَّمَاتٌ بِالنِّكَاحِ وَبِمِلْكِ الْيَمِينِ جَمِيعًا وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ يَحِلُّ وَطْؤُهَا بملك اليمين لإنكاحها فَإِنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَيْهَا لَا يَجُوزُ لِسَيِّدِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا بَاقِي الْأَقَارِبِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ بِنْتَيِ الْعَمِّ أَوْ بِنْتَيِ الْخَالَةِ أَوْ نَحْوِهِمَا فَجَائِزٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ حَرَّمَهُ دَلِيلُ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وراء ذلكم وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ زَوْجَةِ الرَّجُلِ وَبِنْتِهِ مِنْ غَيْرِهَا فَجَائِزٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وأبي حنيفة والجمهور وقال الحسن وعكرمة وبن أَبِي لَيْلَى لَا يَجُوزُ دَلِيلُ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ تعالى وأحل لكم ما وراء ذلكم وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنْكِحَ الْبِنْتَيْنِ مَعًا أَوْ تُقَدَّمَ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَرَامٌ كَيْفَ كَانَ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ لَا تُنْكَحُ الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى وَلَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى لَكِنْ إِنْ عَقَدَ عَلَيْهِمَا مَعًا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَنِكَاحُهُمَا بَاطِلٌ وَإِنْ عَقَدَ عَلَى إِحْدَاهُمَا ثُمَّ الْأُخْرَى فَنِكَاحُ الْأُولَى صَحِيحٌ وَنِكَاحُ الثَّانِيَةِ بَاطِلٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَلَا يَسُومُ بِالْوَاوِ وَهَكَذَا يَخْطُبُ مَرْفُوعٌ وَكِلَاهُمَا لَفْظُهُ لَفْظُ الْخَبَرِ وَالْمُرَادُ به النهى وهو أبلغ في النهى لِأَنَّ خَبَرَ الشَّارِعِ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ خِلَافِهِ وَالنَّهْيُ قَدْ تَقَعُ مُخَالَفَتُهُ فَكَانَ الْمَعْنَى عَامِلُوا هَذَا النَّهْيَ مُعَامَلَةَ الْخَبَرِ الْمُتَحَتِّمِ وَأَمَّا حُكْمُ الْخِطْبَةِ فَسَيَأْتِي فِي بَابِهَا قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ السَّوْمُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تَسْأَلُ المرأة طلاق أختها لتكتفيء صَحْفَتَهَا وَلْتَنْكِحْ فَإِنَّمَا لَهَا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهَا) يَجُوزُ فِي تَسْأَلُ الرَّفْعُ وَالْكَسْرُ الْأَوَّلُ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ النَّهْيُ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَهُ لَا يَخْطُبُ وَلَا يَسُومُ وَالثَّانِي عَلَى النَّهْيِ الْحَقِيقِيِّ وَمَعْنَى هَذَا

(باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته)

الْحَدِيثِ نَهْيُ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ أَنْ تَسْأَلَ الزَّوْجَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ وَأَنْ يَنْكِحَهَا وَيَصِيرَ لَهَا مِنْ نَفَقَتِهِ وَمَعْرُوفِهِ وَمُعَاشَرَتِهِ وَنَحْوِهَا مَا كَانَ لَلْمُطَلَّقَةِ فعبر عن ذلك باكتفاء ما في الصحفة مَجَازًا قَالَ الْكِسَائِيُّ وَأَكْفَأْتُ الْإِنَاءَ كَبَبْتُهُ وَكَفَأْتُهُ وَأَكْفَأْتُهُ أَمَلْتُهُ وَالْمُرَادُ بِأُخْتِهَا غَيْرِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ أُخْتَهَا مِنَ النَّسَبِ أَوْ أُخْتَهَا فِي الْإِسْلَامِ أَوْ كَافِرَةً (بَابُ تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَكَرَاهَةِ خِطْبَتِهِ) [1409] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ) ثُمَّ ذَكَرَ مُسْلِمٌ الِاخْتِلَافَ أَنَّ

النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ وَهُوَ حَلَالٌ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الْمُحْرِمِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ وَاعْتَمَدُوا أَحَادِيثَ الْبَابِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ يَصِحُّ نِكَاحُهُ لِحَدِيثِ قِصَّةِ مَيْمُونَةَ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ بِأَجْوِبَةٍ أَصَحُّهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا تَزَوَّجَهَا حَلَالًا هَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَلَمْ يَرْوِ أنه تزوجها محرما الا بن عَبَّاسٍ وَحْدَهُ وَرَوَتْ مَيْمُونَةُ وَأَبُو رَافِعٍ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا وَهُمْ أَعْرَفُ بِالْقَضِيَّةِ لِتَعَلُّقِهِمْ به بخلاف بن عباس ولأنهم أضبط من بن عباس وأكثر الجواب الثاني تأويل حديث بن عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فِي الْحَرَمِ وَهُوَ حَلَالٌ وَيُقَالُ لِمَنْ هُوَ فِي الْحَرَمِ مُحْرِمٌ وَإِنْ كَانَ حَلَالًا وَهِيَ لُغَةٌ شَائِعَةٌ مَعْرُوفَةٌ ومنه البيت المشهور ... قتلوا بن عَفَّانَ الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا ... ... أَيْ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ تَعَارَضَ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ وَالصَّحِيحُ حِينَئِذٍ عند الأصوليين ترجيح القول لِأَنَّهُ يَتَعَدَّى إِلَى الْغَيْرِ وَالْفِعْلُ قَدْ يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ وَالرَّابِعُ جَوَابُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ وَهُوَ مِمَّا خُصَّ بِهِ دُونَ الْأُمَّةِ وَهَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ حَرَامٌ فِي حَقِّهِ كَغَيْرِهِ وَلَيْسَ مِنَ الْخَصَائِصِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَلَا يَنْكِحُ فَمَعْنَاهُ لَا يُزَوِّجُ امْرَأَةً بِوِلَايَةٍ وَلَا وَكَالَةٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُهُ أَنَّهُ لَمَّا مُنِعَ فِي مُدَّةِ الْإِحْرَامِ مِنَ الْعَقْدِ لِنَفْسِهِ صَارَ كَالْمَرْأَةِ فَلَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ وَظَاهِرُ هَذَا الْعُمُومِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُزَوِّجَ بِوِلَايَةٍ خَاصَّةٍ كَالْأَبِ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَنَحْوِهِمْ أَوْ بِوِلَايَةٍ عَامَّةٍ وَهُوَ السُّلْطَانُ وَالْقَاضِي وَنَائِبُهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَ الْمُحْرِمُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ لِأَنَّهَا يُسْتَفَادُ بِهَا مَا لَا يُسْتَفَادُ بِالْخَاصَّةِ وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ تَزْوِيجُ الذِّمِّيَّةِ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ دُونَ الْخَاصَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ النِّكَاحِ وَالْإِنْكَاحِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ نَهْيُ تَحْرِيمٍ فَلَوْ عَقَدَ لَمْ يَنْعَقِدْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُحْرِمُ هُوَ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ أَوِ الْعَاقِدُ لَهُمَا بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ الزَّوْجَانِ وَالْوَلِيُّ مُحِلِّينَ وَوَكَّلَ الْوَلِيُّ أَوِ الزَّوْجُ مُحْرِمًا فِي الْعَقْدِ لَمْ يَنْعَقِدْ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَخْطُبُ فَهُوَ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فِي نِكَاحٍ عَقَدَهُ الْمُحِلُّونَ وَقَالَ بعض أصحابنا لا ينعقد بشهادته لِأَنَّ الشَّاهِدَ رُكْنٌ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ كَالْوَلِيِّ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ انْعِقَادُهُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ) ثُمَّ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ نُبَيْهٍ قَالَ بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ وَكَانَ يَخْطُبُ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ عَلَى ابْنِهِ هَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ عَنْ أَيُّوبَ فِي رِوَايَةِ بِنْتِ شَيْبَةَ بْنِ

عُثْمَانَ وَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرٍو الْقُرَشِيُّ وَزَعَمَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ أَنَّهُ الصَّوَابُ وَأَنَّ مَالِكًا وَهِمَ فِيهِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ بَلْ قَوْلُ مَالِكٍ هُوَ الصَّوَابُ فَإِنَّهَا بِنْتُ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ الحَجَبِيُّ كَذَا حَكَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ قَالَ الْقَاضِي وَلَعَلَّ مَنْ قَالَ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ نَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ فَلَا يَكُونُ خَطَأً بَلِ الرِّوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ إِحْدَاهُمَا حَقِيقَةٌ وَالْأُخْرَى مَجَازٌ وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ أَنَّ هَذِهِ الْبِنْتَ تُسَمَّى أَمَةَ الْحُمَيْدِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي إِسْنَادِ رِوَايَةِ حَمَّادٍ عَنْ أَيُّوبَ رِوَايَةُ أَرْبَعَةِ تَابِعِيِّينِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَهُمْ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَنَافِعٌ وَنُبَيْهٌ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَى نَظَائِرَ كَثِيرَةٍ لِهَذَا سَبَقَتْ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَقَدْ أَفْرَدْتُهَا فِي جُزْءٍ مَعَ رُبَاعِيَّاتِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ (فَقَالَ له أبا أن لا أُرَاكَ عِرَاقِيًّا جَافِيًا) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا عِرَاقِيًّا وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عِرَاقِيًّا وَفِي بَعْضِهَا أَعْرَابِيًّا قَالَ وَهُوَ الصَّوَابُ أَيْ جَاهِلًا بِالسُّنَّةِ وَالْأَعْرَابِيُّ

(باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك)

هُوَ سَاكِنُ الْبَادِيَةِ قَالَ وَعِرَاقِيًّا هُنَا خَطَأٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ الْكُوفَةِ حِينَئِذٍ جَوَازُ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ فَيَصِحُّ عِرَاقِيًّا أَيْ آخِذًا بِمَذْهَبِهِمْ فِي هَذَا جَاهِلًا بِالسُّنَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ تَحْرِيمِ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَأْذَنَ أَوْ يَتْرُكَ) [1412] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَبِعِ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ بَعْضُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ بَعْضٍ) وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَبِعِ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ وَفِي رِوَايَةٍ الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَذَرَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ ظَاهِرَةٌ فِي تَحْرِيمِ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِهَا إِذَا كَانَ قَدْ صُرِّحَ لِلْخَاطِبِ بِالْإِجَابَةِ وَلَمْ يَأْذَنْ وَلَمْ يَتْرُكْ فَلَوْ خَطَبَ عَلَى خِطْبَتِهِ وَتَزَوَّجَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ عَصَى وَصَحَّ النِّكَاحُ وَلَمْ يُفْسَخْ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ دَاوُدُ يُفْسَخُ النِّكَاحُ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا بَعْدَهُ أَمَّا إِذَا عُرِّضَ لَهُ بِالْإِجَابَةِ وَلَمْ يُصَرَّحْ فَفِي تَحْرِيمِ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَتِهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا لَا يَحْرُمُ وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَحْرُمُ حَتَّى يَرْضَوْا بِالزَّوْجِ وَيُسَمَّى الْمَهْرُ وَاسْتَدَلُّوا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّحْرِيمَ إِنَّمَا هُوَ إِذَا حَصَلَتِ الْإِجَابَةُ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَإِنَّهَا قَالَتْ خَطَبَنِي

أَبُو جَهْمٍ وَمُعَاوِيَةُ فَلَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِطْبَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بَلْ خَطَبَهَا لِأُسَامَةَ وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ فَيُقَالُ لَعَلَّ الثَّانِي لَمْ يَعْلَمْ بِخِطْبَةِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ بِأُسَامَةَ لَا أَنَّهُ خَطَبَ لَهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَرَكَ الْخِطْبَةَ رَغْبَةً عَنْهَا وَأَذِنَ فِيهَا جَازَتِ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَتِهِ وَقَدْ صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ [1413] وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ ظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ التَّحْرِيمِ بِمَا إِذَا كَانَ الْخَاطِبُ مُسْلِمًا فَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَلَا تَحْرِيمَ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ تَحْرُمُ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ الْكَافِرِ أَيْضًا وَلَهُمْ أَنْ يُجِيبُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِأَخِيهِ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ فَلَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ يَعْمَلُ بِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ من إملاق وَقَوْلِهِ تَعَالَى وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نسائكم وَنَظَائِرِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْأَحَادِيثُ وَعُمُومُهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَاطِبِ الْفَاسِقِ وغيره وقال بن الْقَاسِمِ الْمَالِكِيُّ تَجُوزُ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ الْفَاسِقِ والخطبة فِي هَذَا كُلِّهِ

بِكَسْرِ الْخَاءِ وَأَمَّا الْخُطْبَةُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبَيْنَ يَدَيْ عَقْدِ النِّكَاحِ فَبِضَمِّهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلَا يَسُمْ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ) فَسَيَأْتِي شَرْحُهَا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْعَلَاءِ وَسُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِمَا) هَكَذَا صورته في جميع النسخ وأبو الْعَلَاءِ غَيْرُ أَبِي سُهَيْلٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ عَنْ أَبِيهِمَا قَالُوا وَصَوَابُهُ أَبَوَيْهِمَا قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ عَنْ أَبَيْهِمَا بِفَتْحِ الْبَاءِ عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ فِي تَثْنِيَةِ الْأَبِ أَبَانِ كَمَا قَالَ فِي تَثْنِيَةِ الْيَدِ يَدَانِ فَتَكُونُ الرِّوَايَةُ صَحِيحَةً لَكِنَّ الْبَاءَ مفتوحة والله أعلم

باب تحريم نكاح الشغار وبطلانه

(باب تحريم نكاح الشغار وبطلانه) [1415] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ) وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بَيَانٌ أَنَّ تَفْسِيرَ الشِّغَارِ مِنْ كَلَامٍ نَافِعٍ وَفِي الْأُخْرَى ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ الشِّغَارُ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الرَّفْعُ يُقَالُ شَغَرَ الْكَلْبُ إِذَا رَفَعَ رِجْلَهُ لِيَبُولَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا تَرْفَعْ رِجْلَ بِنْتِي حَتَّى أَرْفَعَ رِجْلَ بِنْتِكَ وَقِيلَ هُوَ مِنْ شَغَرَ الْبَلَدُ إِذَا خَلَا لِخُلُوِّهِ عَنِ الصَّدَاقِ وَيُقَالُ شَغَرَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا رَفَعَتْ رِجْلَهَا عِنْدَ الجماع

(باب الوفاء بالشرط في النكاح)

قال بن قُتَيْبَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْغَرُ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَكَانَ الشِّغَارُ مِنْ نِكَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لَكِنِ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ نَهْيٌ يَقْتَضِي إِبْطَالَ النِّكَاحِ أَمْ لَا فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي إِبْطَالَهُ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أحمد واسحق وَأَبِي عُبَيْدٍ وَقَالَ مَالِكٌ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَبْلَهُ لَا بَعْدَهُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ يَصِحُّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَاللَّيْثِ وهو رواية عن أحمد واسحق وبه قال أبو ثور وبن جَرِيرٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْبَنَاتِ مِنَ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتِ الْأَخِ وَالْعَمَّاتِ وَبَنَاتِ الْأَعْمَامِ وَالْإِمَاءِ كَالْبَنَاتِ فِي هَذَا وَصُورَتُهُ الْوَاضِحَةُ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ وَيَضَعُ كُلَّ وَاحِدَةٍ صداقا للأخرى فيقول قبلت والله أعلم (باب الوفاء بالشرط فِي النِّكَاحِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوفَى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) قَالَ

(باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت)

الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى شُرُوطٍ لَا تُنَافِي مُقْتَضَى النِّكَاحِ بَلْ تَكُونُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ وَمَقَاصِدِهِ كَاشْتِرَاطِ الْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَكِسْوَتِهَا وَسُكْنَاهَا بِالْمَعْرُوفِ وَأَنَّهُ لَا يُقَصِّرُ فِي شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِهَا وَيَقْسِمُ لَهَا كَغَيْرِهَا وَأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَنْشِزُ عَلَيْهِ وَلَا تَصُومُ تَطَوُّعًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنُ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَتَصَرَّفُ فِي مَتَاعِهِ إِلَّا بِرِضَاهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا شَرْطٌ يُخَالِفُ مُقْتَضَاهُ كَشَرْطِ أنْ لَا يَقْسِمَ لَهَا وَلَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَلَا يُسَافِرُ بِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ بَلْ يَلْغُو الشَّرْطُ وَيَصِحُّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَقَالَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب اسْتِئْذَانِ الثَّيِّبِ فِي النِّكَاحِ بِالنُّطْقِ وَالْبِكْرِ بِالسُّكُوتِ) [1419] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ قَالُوا

يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ أَنْ تَسْكُتَ) وَفِي رِوَايَةٍ الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا وَفِي رِوَايَةٍ الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا وَفِي رِوَايَةٍ وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ الْأَيِّمُ هُنَا الثَّيِّبُ كَمَا فَسَّرَتْهُ الرِّوَايَةُ الأخرى التي ذكرنا وللأيم معان أخر والصمات بِضَمِّ الصَّادِ هُوَ السُّكُوتُ قَالَ الْقَاضِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْأَيِّمِ هُنَا مَعَ اتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى امْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا قَالَهُ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا وَالْأَيْمَةُ فِي اللُّغَةِ الْعُزُوبَةُ وَرَجُلٌ أَيِّمٌ وَامْرَأَةٌ أَيِّمٌ وَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهُ أَيِّمَةٌ أَيْضًا قَالَ الْقَاضِي ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِهَا هُنَا فَقَالَ عُلَمَاءُ الْحِجَازِ وَالْفُقَهَاءُ كَافَّةً الْمُرَادُ الثَّيِّبُ وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بِالثَّيِّبِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَبِأَنَّهَا جُعِلَتْ مُقَابِلَةً لِلْبِكْرِ وَبِأَنَّ أَكْثَرَ اسْتِعْمَالِهَا فِي اللُّغَةِ لِلثَّيِّبِ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَزُفَرُ الْأَيِّمُ هُنَا كُلُّ امْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَاهُ فِي اللُّغَةِ قَالُوا فَكُلُّ امْرَأَةٍ بَلَغَتْ فَهِيَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَعَقْدُهَا عَلَى نَفْسِهَا النِّكَاحَ صَحِيحٌ وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ قَالُوا وَلَيْسَ الْوَلِيُّ مِنْ أَرْكَانِ صِحَّةِ النِّكَاحِ بَلْ مِنْ تَمَامِهِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ النِّكَاحِ عَلَى إِجَازَةِ الْوَلِيِّ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ مِنْ وَلِيِّهَا هَلْ هِيَ أَحَقُّ بِالْإِذْنِ فَقَطْ أَوْ بِالْإِذْنِ وَالْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهَا فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ بِالْإِذْنِ فَقَطْ وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ بِهِمَا جَمِيعًا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا يَحْتَمِلُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ أَنَّ الْمُرَادَ أَحَقُّ مِنْ وَلِيِّهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ من عقد وغيره كما قاله أَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُدُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَحَقُّ بِالرِّضَا

أَيْ لَا تُزَوَّجُ حَتَّى تَنْطِقَ بِالْإِذْنِ بِخِلَافِ الْبِكْرِ وَلَكِنْ لَمَّا صَحَّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ تعين الاحتمال الثاني وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَةَ أَحَقُّ هُنَا لِلْمُشَارَكَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ لَهَا فِي نَفْسِهَا فِي النِّكَاحِ حَقًّا وَلِوَلِيِّهَا حَقًّا وَحَقُّهَا أَوْكَدُ مِنْ حَقِّهِ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ تَزْوِيجَهَا كُفُؤًا وَامْتَنَعَتْ لَمْ تُجْبَرْ وَلَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ كُفُؤًا فَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ أُجْبِرَ فَإِنْ أَصَرَّ زَوَّجَهَا الْقَاضِي فَدَلَّ عَلَى تَأْكِيدِ حَقِّهَا وَرُجْحَانِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبِكْرِ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ فَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وبن ابي ليلى وأحمد واسحق وَغَيْرُهُمُ الِاسْتِئْذَانُ فِي الْبِكْرِ مَأْمُورٌ بِهِ فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ جَدًّا كَانَ الِاسْتِئْذَانُ مَنْدُوبًا إِلَيْهِ وَلَوْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ اسْتِئْذَانِهَا صَحَّ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وجب الاستئذان ولم يصح إنكاحها قَبْلَهُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْكُوفِيِّينَ يَجِبُ الِاسْتِئْذَانُ فِي كُلِّ بِكْرٍ بَالِغَةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبِكْرِ إِذْنُهَا صُمَاتُهَا فَظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فِي كُلِّ بِكْرٍ وَكُلُّ وَلِيٍّ وَأَنَّ سُكُوتَهَا يَكْفِي مُطْلَقًا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِنْ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ جَدًّا فَاسْتِئْذَانُهُ مُسْتَحَبٌّ وَيَكْفِي فِيهِ سُكُوتُهَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا فَلَا بد من نطقها لأنها تستحي مِنَ الْأَبِ وَالْجَدِّ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمَا وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ السُّكُوتَ كَافٍ فِي جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ لِوُجُودِ الْحَيَاءِ وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنَ النُّطْقِ بِلَا خلاف سواء كان الولي أبا أو غيره لِأَنَّهُ زَالَ كَمَالُ حَيَائِهَا بِمُمَارَسَةِ الرِّجَالِ وَسَوَاءٌ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ أَوْ بِوَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ بِزِنًا وَلَوْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِوَثْبَةٍ أَوْ بِإِصْبَعٍ أَوْ بِطُولِ الْمُكْثِ أَوْ وطئت في دبرها فلها ح كم الثَّيِّبِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ

حُكْمُ الْبِكْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إِعْلَامُ الْبِكْرِ بِأَنَّ سُكُوتَهَا إِذْنٌ وَشَرَطَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُشْتَرَطُ وَلَا يَصِحُّ نِكَاحٌ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الثَّيِّبِ وَلَا فِي الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ بَلْ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ يَجُوزُ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَقَالَ دَاوُدُ يُشْتَرَطُ الْوَلِيُّ فِي تَزْوِيجِ الْبِكْرِ دُونَ الثَّيِّبِ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَهَذَا يَقْتَضِي نَفْيَ الصِّحَّةِ وَاحْتَجَّ دَاوُدُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِي مُسْلِمٍ صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَأَنَّ الثَّيِّبَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ بِأَنَّهَا أَحَقُّ أَيْ شَرِيكَةٌ فِي الْحَقِّ بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تُجْبَرُ وَهِيَ أَيْضًا أَحَقُّ فِي تَعْيِينِ الزَّوْجِ وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهَا تَسْتَقِلُّ فِيهِ بِلَا وَلِيٍّ وَحَمَلَ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ عَلَى الْأَمَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَخَصَّ عُمُومَهَا بِهَذَا الْقِيَاسِ وَتَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ جَائِزٌ عِنْدَ كَثِيرِينَ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ وَاحْتَجَّ أَبُو ثَوْرٍ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ وَلِأَنَّ الْوَلِيَّ إِنَّمَا يُرَادُ لِيَخْتَارَ كُفُؤًا لِدَفْعِ الْعَارِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِإِذْنِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ نَاقَضَ دَاوُدُ مَذْهَبَهُ في شرط الولي في البكر دون الثيب لِأَنَّهُ إِحْدَاثُ قَوْلٍ فِي مَسْأَلَةٍ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَلَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ وَمَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ احداث مثل هذا والله أعلم

باب جواز تزويج الأب البكر الصغيرة

(باب جواز تزويج الأب البكر الصغيرة) [1422] فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسِتِّ سِنِينَ وَبَنَى بِي وَأَنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ) وَفِي رِوَايَةٍ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ هَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ تَزْوِيجِ الْأَبِ الصغيرة بغير اذنها لِأَنَّهُ لَا إِذْنَ لَهَا وَالْجَدُّ كَالْأَبِ عِنْدَنَا وَقَدْ سَبَقَ فِي الْبَابِ الْمَاضِي بَسْطُ الِاخْتِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ تزويجه بنته الْبِكْرَ الصَّغِيرَةَ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَإِذَا بَلَغَتْ فَلَا خِيَارَ لَهَا فِي فَسْخِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ لَهَا الْخِيَارُ إِذَا بَلَغَتْ أَمَّا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا عِنْدَ الشافعي والثوري ومالك وبن أَبِي لَيْلَى وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَالْجُمْهُورِ قَالُوا فَإِنْ زَوَّجَهَا لَمْ يَصِحَّ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ مِنَ السَّلَفِ يَجُوزُ لِجَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ وَيَصِحُّ وَلَهَا الْخِيَارُ إِذَا بَلَغَتْ إِلَّا أَبَا يُوسُفَ فَقَالَ لَا خِيَارَ لَهَا وَاتَّفَقَ الْجَمَاهِيرُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ الْأَجْنَبِيَّ لَا يُزَوِّجُهَا وَجَوَّزَ شُرَيْحٌ وَعُرْوَةُ وَحَمَّادٌ لَهُ تَزْوِيجَهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَصْحَابَهُ قَالُوا يستحب أنْ لَا يُزَوِّجَ الْأَبُ وَالْجَدُّ الْبِكْرَ حَتَّى تَبْلُغَ وَيَسْتَأْذِنُهَا لِئَلَّا يُوقِعَهَا فِي أَسْرِ الزَّوْجِ وَهِيَ كَارِهَةٌ وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ لَا يُخَالِفُ حديث عائشة لِأَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ إِذَا لَمْ تَكُنْ مَصْلَحَةٌ ظَاهِرَةٌ يَخَافُ فَوْتَهَا بالتأخير كحديث عائشة فيستحب تحصيل ذلك الزوج لِأَنَّ الْأَبَ مَأْمُورٌ بِمَصْلَحَةِ وَلَدِهِ فَلَا يُفَوِّتُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا وَقْتُ زِفَافِ الصَّغِيرَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَالدُّخُولُ بِهَا فَإِنِ اتَّفَقَ الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ عَلَى شَيْءٍ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الصَّغِيرَةِ عُمِلَ بِهِ وَإِنِ اخْتَلَفَا فَقَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ دُونَ غَيْرِهَا وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ حَدُّ ذَلِكَ أَنْ تُطِيقَ الْجِمَاعَ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِهِنَّ وَلَا يُضْبَطُ بِسِنٍّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ تَحْدِيدٌ وَلَا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ فِيمَنْ أَطَاقَتْهُ قَبْلَ تِسْعٍ وَلَا الْإِذْنُ فيمن لَمْ تُطِقْهُ وَقَدْ بَلَغَتْ تِسْعًا قَالَ الدَّاوُدِيُّ وكانت عائشة قد شبت شبابا حسا رضى الله

عَنْهَا وَأَمَّا قَوْلُهَا فِي رِوَايَةٍ تَزَوَّجَنِي وَأَنَا بِنْتُ سَبْعٍ وَفِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِنْتُ سِتٍّ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ كَانَ لَهَا سِتٌّ وَكَسْرٌ فَفِي رِوَايَةٍ اقْتَصَرَتْ عَلَى السِّنِينَ وَفِي رِوَايَةٍ عَدَّتِ السَّنَةَ الَّتِي دَخَّلَتْ فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ وَجَدْتُ فِي كِتَابِي عَنْ أَبِي أُسَامَةَ هَذَا) مَعْنَاهُ أَنَّهُ وَجَدَ فِي كِتَابِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ سَمِعَهُ وَمِثْلُ هَذَا تَجُوزُ رِوَايَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَقْتَصِرْ مُسْلِمٌ عَلَيْهِ بَلْ ذَكَرَهُ مُتَابَعَةً لِغَيْرِهِ قَوْلُهَا (فَوُعِكْتُ شَهْرًا فَوَفَى شَعْرِي جُمَيْمَةً) الْوَعَكُ ألم الحمى ووفى أي كمل وجميمة تَصْغِيرُ جُمَّةٍ وَهِيَ الشَّعْرُ النَّازِلُ إِلَى الْأُذُنَيْنِ وَنَحْوِهِمَا أَيْ صَارَ إِلَى هَذَا الْحَدِّ بَعْدَ أَنْ كَانَ قَدْ ذَهَبَ بِالْمَرَضِ قَوْلُهَا (فَأَتَتْنِي أُمُّ رُومَانَ وَأَنَا عَلَى أُرْجُوحَةٍ) أُمُّ رُومَانَ هِيَ أُمُّ عَائِشَةَ وَهِيَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْجُمْهُورُ غيره وحكى بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ ضَمَّ الرَّاءِ وَفَتْحَهَا ورجح الفتح وليس هو براجح والارجوحة بِضَمِّ الْهَمْزَةِ هِيَ خَشَبَةٌ يَلْعَبُ عَلَيْهَا الصِّبْيَانُ وَالْجَوَارِي الصِّغَارُ يَكُونُ وَسَطُهَا عَلَى مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ ويجلسون على طرفيها وَيُحَرِّكُونَهَا فَيَرْتَفِعُ جَانِبٌ مِنْهَا وَيَنْزِلُ جَانِبٌ قَوْلُهَا (فَقُلْتُ هَهْ هَهْ حَتَّى ذَهَبَ نَفَسِي) هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ هَذِهِ كَلِمَةٌ يَقُولُهَا الْمَبْهُورُ حَتَّى يَتَرَاجَعَ إِلَى حَالِ سُكُونِهِ وَهِيَ بِإِسْكَانِ الْهَاءِ الثَّانِيَةِ فَهِيَ هَاءُ السَّكْتِ قَوْلُهَا (فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقُلْنَ عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ) النِّسْوَةُ بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ الكسر أفصح وأشهر والطائر الْحَظُّ يُطْلَقُ عَلَى الْحَظِّ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْمُرَادُ هُنَا عَلَى أَفْضَلِ حَظٍّ وَبَرَكَةٍ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ قَوْلُهَا (فَغَسَلْنَ رَأْسِي وأصلحنني

فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَنْظِيفِ الْعَرُوسِ وَتَزْيِينِهَا لِزَوْجِهَا وَاسْتِحْبَابُ اجتماع النساء لذلك ولأنه يتضمن إعلان النكاح ولأنهن يُؤَانِسْنَهَا وَيُؤَدِّبْنَهَا وَيُعَلِّمْنَهَا آدَابَهَا حَالَ الزِّفَافِ وَحَالَ لِقَائِهَا الزَّوْجَ قَوْلُهَا (فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحًى فَأَسْلَمْنَنِي إِلَيْهِ) أَيْ لَمْ يَفْجَأْنِي وَيَأْتِنِي بَغْتَةً إِلَّا هَذَا وَفِيهِ جَوَازُ الزِّفَافِ وَالدُّخُولِ بِالْعَرُوسِ نَهَارًا وَهُوَ جَائِزٌ لَيْلًا وَنَهَارًا وَاحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي الدُّخُولِ نَهَارًا وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ بَابًا قَوْلُهُ (وَزُفَّتْ إِلَيْهِ وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعِ سِنِينَ وَلُعَبُهَا مَعَهَا (الْمُرَادُ هَذِهِ اللُّعَبُ الْمُسَمَّاةُ بِالْبَنَاتِ الَّتِي تَلْعَبُ بِهَا الْجَوَارِي الصِّغَارُ وَمَعْنَاهُ التَّنْبِيهُ عَلَى صِغَرِ سِنِّهَا قَالَ الْقَاضِي وَفِيهِ جَوَازُ اتِّخَاذِ اللُّعَبِ وَإِبَاحَةُ لَعِبِ الْجَوَارِي بِهِنَّ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى ذَلِكَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ قَالُوا وَسَبَبُهُ تَدْرِيبُهُنَّ لِتَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ وَإِصْلَاحِ شَأْنِهِنَّ وَبُيُوتِهِنَّ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا مِنْ أَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ الصُّوَرِ لِمَا ذكره

باب استحباب التزوج والتزويج في شوال

مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَنْهِيًّا عَنْهُ وَكَانَتْ قِصَّةُ عَائِشَةَ هَذِهِ وَلُعَبُهَا فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ قَبْلَ تَحْرِيمِ الصُّوَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب استحباب التزوج والتزويج في شوال) (واستحباب الدخول فيه) [1423] قَوْلُهُ (عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَوَّالٍ وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي قَالَ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تستحب أن تدخل نسائها فِي شَوَّالٍ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّزْوِيجِ وَالتَّزَوُّجِ وَالدُّخُولِ فِي شَوَّالٍ وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَصَدَتْ عَائِشَةُ بِهَذَا الْكَلَامِ رَدَّ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ عَلَيْهِ وَمَا يَتَخَيَّلُهُ بَعْضُ الْعَوَامِّ الْيَوْمَ مِنْ كَرَاهَةِ التَّزَوُّجِ وَالتَّزْوِيجِ وَالدُّخُولِ فِي شَوَّالٍ وَهَذَا بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَهُوَ مِنْ آثَارِ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَطَيَّرُونَ بِذَلِكَ لِمَا فِي اسْمِ شَوَّالٍ مِنَ الْإِشَالَةِ والرفع

باب ندب من أراد نكاح امرأة إلى أن ينظر إلى وجهها

(باب ندب من أراد نكاح امرأة إلى أن ينظر إلى وجهها) (وكفيها قبل خطبتها) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتَزَوِّجِ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ (أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا قَالَ لَا قَالَ فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شيئا) هكذا الرواية شيئا بالهمز وَهُوَ وَاحِدُ الْأَشْيَاءِ قِيلَ الْمُرَادُ صِغَرٌ وَقِيلَ زُرْقَةٌ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ لِجَوَازِ ذِكْرِ مِثْلِ هَذَا لِلنَّصِيحَةِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ مَنْ يُرِيدُ تَزَوُّجَهَا وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَسَائِرِ الْكُوفِيِّينَ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ قَوْمٍ كَرَاهَتَهُ وَهَذَا خَطَأٌ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ لِلْحَاجَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَنَحْوِهَا ثُمَّ إِنَّهُ إِنَّمَا يُبَاحُ لَهُ النظر إلى وجهها وكفيها فقط لأنهما ليسا بعورة ولأنه يُسْتَدَلُّ بِالْوَجْهِ عَلَى الْجَمَالِ أَوْ ضِدِّهِ وَبِالْكَفَّيْنِ عَلَى خُصُوبَةِ الْبَدَنِ أَوْ عَدَمِهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يَنْظُرُ إِلَى مَوَاضِعِ اللَّحْمِ وَقَالَ دَاوُدُ يَنْظُرُ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِهَا وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ مُنَابِذٌ لِأُصُولِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ ثُمَّ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ هَذَا النَّظَرِ رِضَاهَا بَلْ لَهُ ذَلِكَ فِي غَفْلَتِهَا وَمِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ إِعْلَامٍ لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُ نَظَرَهُ فِي غَفْلَتِهَا مَخَافَةً مِنْ وُقُوعِ نَظَرِهِ عَلَى عَوْرَةٍ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ أَنَّهُ لَا ينظر اليها إلا بإذنها وهذا ضعيف لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَذِنَ فِي ذَلِكَ مُطْلَقًا وَلَمْ يَشْتَرِطِ اسْتِئْذَانَهَا ولأنها تستحي غَالِبًا مِنَ الْإِذْنِ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَغْرِيرًا فربما رآها

(باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد)

فَلَمْ تُعْجِبْهُ فَيَتْرُكَهَا فَتَنْكَسِرَ وَتَتَأَذَّى وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ إِلَيْهَا قَبْلَ الْخِطْبَةِ حَتَّى إِنْ كَرِهَهَا تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ إِيذَاءٍ بِخِلَافِ مَا إِذَا تَرَكَهَا بَعْدَ الْخِطْبَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ النَّظَرُ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَبْعَثَ امْرَأَةً يَثِقُ بِهَا تَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتُخْبِرُهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ الْخِطْبَةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ) الْعُرْضُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ هُوَ الْجَانِبُ وَالنَّاحِيَةُ وَتَنْحِتُونَ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ تُقَشِّرُونَ وَتُقَطِّعُونَ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ كَرَاهَةُ إِكْثَارِ الْمَهْرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالِ الزَّوْجِ (باب الصَّدَاقِ وَجَوَازِ كونه تعليم قرآن وخاتم حديد) (وغير ذلك من قليل وكثير واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن لا يجحف به) قوله (حدثنا يعقوب) يعنى بن عبد الرحمن القارىء هو القارىء بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَارَةِ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ [1425] قَوْلُهَا (جِئْتُ أَهَبُ لَكَ نَفْسِي) مَعَ سُكُوتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ هِبَةِ الْمَرْأَةِ نِكَاحَهَا لَهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لك من دون المؤمنين قَالَ أَصْحَابُنَا فَهَذِهِ الْآيَةُ وَهَذَا الْحَدِيثُ

دَلِيلَانِ لِذَلِكَ فَإِذَا وَهَبَتِ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَزَوَّجَهَا بِلَا مَهْرٍ حَلَّ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ مَهْرُهَا بِالدُّخُولِ وَلَا بِالْوَفَاةِ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو نِكَاحُهُ وُجُوبُ مَهْرٍ إِمَّا مُسَمًّى وَإِمَّا مَهْرُ الْمِثْلِ وَفِي انْعِقَادِ نِكَاحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَحَدُهُمَا يَنْعَقِدُ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَهَذَا الْحَدِيثِ وَالثَّانِي لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ بَلْ لَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ أَوِ الْإِنْكَاحِ كَغَيْرِهِ مِنَ الْأُمَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَيَحْمِلُ هَذَا الْقَائِلُ الْآيَةَ وَالْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْهِبَةِ أَنَّهُ لَا مَهْرَ لِأَجْلِ الْعَقْدِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَنْعَقِدُ نِكَاحُ كُلِّ أَحَدٍ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ عَلَى التَّأْبِيدِ وَبِمِثْلِ مَذْهَبِنَا قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَكَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْهُ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْبَيْعِ إِذَا قُصِدَ بِهِ النِّكَاحُ سَوَاءٌ ذَكَرَ الصَّدَاقَ أَمْ لَا وَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَمِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ مَنْ صَحَّحَهُ بِلَفْظِ الْإِحْلَالِ وَالْإِبَاحَةِ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَوْلُهُ (فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ) أَمَّا صَعَّدَ فَبِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ أَيْ رَفَعَ وَأَمَّا صَوَّبَ فَبِتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ خَفَضَ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ النَّظَرِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَتَأَمُّلِهِ إِيَّاهَا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ عَرْضِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا عَلَى الرَّجُلِ الصَّالِحِ لِيَتَزَوَّجَهَا وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ طُلِبَتْ مِنْهُ حَاجَةٌ لَا يُمْكِنُهُ قَضَاؤُهَا أَنْ يَسْكُتَ سُكُوتًا يَفْهَمُ السَّائِلُ مِنْهُ ذَلِكَ وَلَا يُخْجِلُهُ بِالْمَنْعِ إِلَّا إِذَا لَمْ يَحْصُلِ الْفَهْمُ إِلَّا بِصَرِيحِ الْمَنْعِ فَيُصَرِّحُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِيهِ جَوَازُ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْأَلَ هَلْ هِيَ فِي عِدَّةٍ أَمْ لَا حَمْلًا عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ قَالَ وَعَادَةُ الْحُكَّامِ يَبْحَثُونَ عَنْ ذَلِكَ احْتِيَاطًا قُلْتُ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُزَوِّجُ الْقَاضِي مَنْ جَاءَتْهُ لِطَلَبِ الزَّوَاجِ حَتَّى

يَشْهَدَ عَدْلَانِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ خَاصٌّ وَلَيْسَتْ فِي زَوْجِيَّةٍ وَلَا عِدَّةٍ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هَذَا شَرْطٌ وَاجِبٌ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ اسْتِحْبَابٌ وَاحْتِيَاطٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (انظر ولو خاتم مِنْ حَدِيدٍ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ خَاتَمًا وَهَذَا وَاضِحٌ وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ أَيْضًا أَيْ وَلَوْ حَضَرَ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أنْ لَا يَنْعَقِدَ النِّكَاحُ إِلَّا بِصَدَاقٍ لِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ وَأَنْفَعُ لِلْمَرْأَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَوْ حَصَلَ طَلَاقٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ نِصْفُ الْمُسَمَّى فَلَوْ لَمْ تَكُنْ تَسْمِيَةٌ لَمْ يَجِبْ صَدَاقٌ بَلْ تَجِبُ الْمُتْعَةُ فَلَوْ عَقَدَ النِّكَاحَ بِلَا صَدَاقٍ صَحَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ مَهْرٍ ثُمَّ يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ وَهَلْ يَجِبُ بِالْعَقْدِ أَمْ بِالدُّخُولِ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا بِالدُّخُولِ وَهُوَ ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ قَلِيلًا وَكَثِيرًا مِمَّا يُتَمَوَّلُ إِذَا تراضى به الزوجان لِأَنَّ خَاتَمَ الْحَدِيدِ فِي نِهَايَةٍ مِنَ الْقِلَّةِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَأَبُو الزناد وبن أَبِي ذِئْبٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ وبن أبي ليلى وداود وفقهاء أهل الحديث وبن وَهْبٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي هُوَ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً مِنَ الْحِجَازِيِّينَ وَالْبَصَرِيِّينِ وَالْكُوفِيِّين وَالشَّامِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ يَجُوزُ مَا تَرَاضَى بِهِ الزَّوْجَانِ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ كَالسَّوْطِ وَالنَّعْلِ وَخَاتَمِ الْحَدِيدِ وَنَحْوِهِ وَقَالَ مَالِكٌ أَقَلُّهُ رُبُعُ دِينَارٍ كَنِصَابِ السَّرِقَةِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ مَالِكٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ أَقَلُّهُ عشر دراهم وقال بن شُبْرُمَةَ أَقَلُّهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ اعْتِبَارًا بِنِصَابِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ عِنْدَهُمَا وَكَرِهَ النَّخَعِيُّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَقَلِّ مِنْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَقَالَ مَرَّةً عَشَرَةً وَهَذِهِ الْمَذَاهِبُ سِوَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ مُخَالِفَةٌ لِلسُّنَّةِ وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ اتِّخَاذِ خَاتَمِ الْحَدِيدِ وَفِيهِ خِلَافٌ لِلسَّلَفِ حَكَاهُ الْقَاضِي وَلِأَصْحَابِنَا فِي كَرَاهَتِهِ وجهان أصحهما لا يكره لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي النَّهْيِ عَنْهُ ضَعِيفٌ وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَعْجِيلِ تَسْلِيمِ الْمَهْرِ إِلَيْهَا قَوْلُهُ (لَا وَاللَّهِ يا رسول الله ولا خاتم مِنْ حَدِيدٍ) فِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ وَلَا ضَرُورَةٍ لَكِنْ قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ من

غَيْرِ حَاجَةٍ وَهَذَا كَانَ مُحْتَاجًا لِيُؤَكِّدَ قَوْلَهُ وَفِيهِ جَوَازُ تَزْوِيجِ الْمُعْسِرِ وَتَزَوُّجِهِ قَوْلُهُ (وَلَكِنَّ هَذَا إِزَارِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى نَظَرِ كَبِيرِ الْقَوْمِ فِي مَصَالِحِهِمْ وَهِدَايَتِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى مَا فِيهِ الرِّفْقُ بِهِمْ وَفِيهِ جَوَازُ لُبْسِ الرَّجُلِ ثَوْبَ امْرَأَتِهِ إِذَا رَضِيَتْ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ رِضَاهَا وَهُوَ الْمُرَادُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اذْهَبْ فَقَدْ مُلِّكْتَهَا بِمَا مَعَكَ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ مُلِّكْتَهَا بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَلَّكْتُكَهَا بِكَافَيْنِ وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى زَوَّجْتُكَهَا قَالَ الْقَاضِي قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى مُلِّكْتَهَا وَهَمٌ قَالَ وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى زَوَّجْتُكَهَا قَالَ وَهُمْ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ صِحَّةَ اللَّفْظَيْنِ وَيَكُونُ جَرَى لَفْظُ التَّزْوِيجِ أَوَّلًا فَمُلِّكَهَا ثُمَّ قَالَ لَهُ اذْهَبْ فَقَدْ مُلِّكْتَهَا بِالتَّزْوِيجِ السَّابِقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ كَوْنِ الصَّدَاقِ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ وَجَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَمَالِكٌ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمْ وَمَنَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الزُّهْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ يَرُدَّانِ قَوْلَ مَنْ مَنْعَ ذَلِكَ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ جَوَازَ الِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ عَنِ

الْعُلَمَاءِ كَافَّةً سِوَى أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهَا (كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا قَالَتْ أَتَدْرِي مَا النَّشُّ قُلْتُ لَا قَالَتْ نِصْفُ أُوقِيَّةٍ فَتِلْكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ) أَمَّا الْأُوقِيَّةُ فَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَالْمُرَادُ أُوقِيَّةُ الْحِجَازِ وَهِيَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَأَمَّا النَّشُّ فَبِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَوْنُ الصَّدَاقِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَالْمُرَادُ فِي حَقِّ مَنْ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ فَصَدَاقُ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَأَرْبَعمِائَةِ دِينَارٍ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ تَبَرَّعَ بِهِ النَّجَاشِيُّ مِنْ مَالِهِ إِكْرَامًا

لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدَّاهُ أَوْ عَقَدَ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1427] قَوْلُهُ (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَثَرَ صُفْرَةٍ قَالَ مَا هَذَا) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ وَالْفَاضِلِ تَفَقُّدُ أَصْحَابِهِ وَالسُّؤَالُ عَمَّا يَخْتَلِفُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ وَقَوْلُهُ (أَثَرَ صُفْرَةٍ) وَفِي رِوَايَةٍ فِي غَيْرِ كِتَابِ مُسْلِمٍ رَأَى عَلَيْهِ صُفْرَةً وَفِي رِوَايَةٍ رَدْعٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ وَالرَّدْعُ بِرَاءٍ وَدَالٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَاتٍ هُوَ أَثَرُ الطِّيبِ وَالصَّحِيحُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ أَثَرٌ مِنَ الزَّعْفَرَانِ وَغَيْرُهُ مِنْ طِيبِ الْعَرُوسِ وَلَمْ يَقْصِدْهُ وَلَا تَعَمَّدَ التَّزَعْفُرَ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ النَّهْيُ عَنِ التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ وَكَذَا نَهْيُ الرِّجَالِ عَنِ الْخَلُوقِ لِأَنَّهُ شِعَارُ النِّسَاءِ وَقَدْ نَهَى الرِّجَالَ عَنِ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ وهو الذي اختاره القاضي والمحققون قال القاضي وَقِيلَ إِنَّهُ يُرَخَّصُ فِي ذَلِكَ لِلرَّجُلِ الْعَرُوسِ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي أَثَرٍ ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يُرَخِّصُونَ فِي ذَلِكَ لِلشَّابِّ أَيَّامَ عُرْسِهِ قَالَ وَقِيلَ لَعَلَّهُ كَانَ يَسِيرًا فَلَمْ يُنْكَرْ قَالَ وَقِيلَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ مَنْ تَزَوَّجَ لَبِسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا عَلَامَةً لِسُرُورِهِ وَزَوَاجِهِ قَالَ وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ فِي ثِيَابِهِ دُونَ بَدَنِهِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ جَوَازُ لُبْسِ الثِّيَابِ الْمُزَعْفَرَةِ وَحَكَاهُ مَالِكٌ عَنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَهَذَا مَذْهَبُ بن عُمَرَ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ قَوْلُهُ (تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ) قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْخَطَّابِيُّ النَّوَاةُ اسْمٌ لِقَدْرٍ مَعْرُوفٍ عِنْدَهُمْ فَسَّرُوهَا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ الْقَاضِي كَذَا فَسَّرَهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هِيَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ وَقِيلَ الْمُرَادُ نَوَاةُ التَّمْرِ أَيْ وَزْنُهَا مِنْ ذَهَبٍ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ النَّوَاةُ رُبْعُ دِينَارٍ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ دَفَعَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ قَالَ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ذَهَبٌ إِنَّمَا هِيَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ تُسَمَّى نَوَاةً كَمَا تُسَمَّى الْأَرْبَعُونَ أُوقِيَّةً قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَبَارَكَ اللَّهُ لَكَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ لِلْمُتَزَوِّجِ وَأَنْ يُقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ أَوْ نَحْوَهُ وَسَبَقَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ إِيضَاحُهُ قوله صلى الله عليه وسلم (أو لم وَلَوْ بِشَاةٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمُ الْوَلِيمَةُ الطَّعَامُ الْمُتَّخَذُ لِلْعُرْسِ مُشْتَقَّةٌ

من الولم وهو الجمع لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْأَنْبَارِيُّ أَصْلُهَا تَمَامُ الشَّيْءِ وَاجْتِمَاعُهُ وَالْفِعْلُ مِنْهَا أو لم قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرهُمُ الضِّيَافَاتُ ثَمَانِيَةُ أَنْوَاعٍ الْوَلِيمَةُ لِلْعُرْسِ وَالْخُرْسُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَيُقَالُ الْخُرْصُ أَيْضًا بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ لِلْوِلَادَةِ وَالْإِعْذَارُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ لِلْخِتَانِ وَالْوَكِيرَةُ لِلْبِنَاءِ وَالنَّقِيعَةُ لِقُدُومِ الْمُسَافِرِ مَأْخُوذَةٌ مِنَ النَّقْعِ وَهُوَ الْغُبَارُ ثُمَّ قِيلَ إِنَّ الْمُسَافِرَ يَصْنَعُ الطَّعَامَ وَقِيلَ يَصْنَعُهُ غَيْرُهُ لَهُ وَالْعَقِيقَةُ يَوْمَ سَابِعِ الْوِلَادَةِ وَالْوَضِيمَةُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ الطَّعَامُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وَالْمَأْدُبَةُ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا الطَّعَامُ الْمُتَّخَذُ ضِيَافَةً بِلَا سَبَبٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ أَمْ مُسْتَحَبَّةٌ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ وَيَحْمِلُونَ هَذَا الْأَمْرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى النَّدْبِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ وَأَوْجَبَهَا دَاوُدُ وَغَيْرُهُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَقْتِ فِعْلِهَا فَحَكَى الْقَاضِي أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِعْلُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ اسْتِحْبَابُهَا عِنْدَ الْعَقْدِ وَعَنِ بن حَبِيبٍ الْمَالِكِيِّ اسْتِحْبَابُهَا عِنْدَ الْعَقْدِ وَعِنْدَ الدُّخُولِ وقوله

(أولم ولو بشاة دليل على أنه يستحب للموسر أن لا

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُوسِرِ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ شَاةٍ وَنَقَلَ الْقَاضِي الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ لِقَدْرِهَا الْمُجْزِئِ بَلْ بِأَيِّ شَيْءٍ أَوْلَمَ مِنَ الطَّعَامِ حَصَلَتِ الْوَلِيمَةُ وَقَدْ ذكر مسلم بعد هذا وفي وَلِيمَةِ عُرْسِ صَفِيَّةَ أَنَّهَا كَانَتْ بِغَيْرِ لَحْمٍ وَفِي وَلِيمَةِ زَيْنَبَ أَشْبَعَنَا خُبْزًا وَلَحْمًا وَكُلُّ هذا جائز تحصل به الوليمة لكن يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ عَلَى قَدْرِ حَالِ الزَّوْجِ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي تَكْرَارِهَا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ فَكَرِهَتْهُ طَائِفَةٌ وَلَمْ تَكْرَهْهُ طَائِفَةٌ قَالَ وَاسْتَحَبَّ أَصْحَابُ مَالِكٍ لِلْمُوسِرِ كَوْنَهَا أُسْبُوعًا) (باب فضيلة اعتاقه أمته ثم يتزوجها) [1365] قَوْلُهُ (فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي تَسْمِيَتِهَا الْغَدَاةَ وَقَالَ بعض أصحابنا

يُكْرَهُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ (وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ) دَلِيلٌ لِجَوَازِ الْإِرْدَافِ إِذَا كَانَتِ الدَّابَّةُ مُطِيقَةٌ وَقَدْ كَثُرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِمِثْلِهِ قَوْلُهُ (فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ) دَلِيلٌ لِجَوَازِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يُسْقِطُ الْمُرُوءَةَ وَلَا يُخِلُّ بِمَرَاتِبِ أَهْلِ الْفَضْلِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْحَاجَةِ لِلْقِتَالِ أَوْ رِيَاضَةِ الدَّابَّةِ أَوْ تَدْرِيبِ النَّفْسِ وَمُعَانَاةِ أَسْبَابِ الشَّجَاعَةِ قَوْلُهُ (وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْحَسَرَ الْإِزَارُ عَنْ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي لَأَرَى بَيَاضَ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَذَا مِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَقُولُ الْفَخِذُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ عَوْرَةٌ وَيَحْمِلُ أَصْحَابُنَا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ انْحِسَارَ الْإِزَارِ وَغَيْرِهِ كَانَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْحَسَرَ لِلزَّحْمَةِ وَإِجْرَاءِ الْمَرْكُوبِ وَوَقَعَ نَظَرُ أَنَسٍ إِلَيْهِ فَجْأَةً لَا تَعَمُّدًا وَكَذَلِكَ مَسَّتْ رُكْبَتُهُ الْفَخِذَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِمَا بَلْ لِلزَّحْمَةِ وَلَمْ يَقُلْ إِنَّهُ تَعَمَّدَ ذَلِكَ وَلَا أَنَّهُ حَسَرَ الْإِزَارَ بَلْ قَالَ انْحَسَرَ بِنَفْسِهِ قَوْلُهُ (فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ) فِيهِ دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ الذِّكْرِ وَالتَّكْبِيرِ عِنْدَ الْحَرْبِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا الله كثيرا وَلِهَذَا قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الثَّلَاثَ كَثِيرٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرِبَتْ خَيْبَرُ فَذَكَرُوا فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ دُعَاءٌ تَقْدِيرُهُ أَسْأَلُ اللَّهَ خَرَابَهَا وَالثَّانِي أَنَّهُ إِخْبَارٌ بِخَرَابِهَا عَلَى الْكُفَّارِ وَفَتْحِهَا لِلْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ (مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ) هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِرَفْعِ السين

الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْجَيْشُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ سُمِّيَ خميسا لِأَنَّهُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ مُقَدِّمَةٌ وَسَاقَةٌ وَمَيْمَنَةٌ وَمَيْسَرَةٌ وقلب وقيل لتخميس الغنائم وأبطلوا هذا القول لِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ كَانَ مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ تَخْمِيسٌ قَوْلُهُ (وَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ قَهْرًا لَا صُلْحًا وَبَعْضُ حُصُونِ خَيْبَرَ أُصِيبَ صُلْحًا وَسَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ (فَجَاءَهُ دِحْيَةُ إِلَى قَوْلِهِ فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ) أَمَّا دِحْيَةُ فَبِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا وَأَمَّا صَفِيَّةُ فَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا كَانَ اسْمَهَا قَبْلَ السَّبْيِ وَقِيلَ كَانَ اسْمَهَا زَيْنَبُ فَسُمِّيَتْ بَعْدَ السَّبْيِ وَالِاصْطِفَاءِ صَفِيَّةَ قَوْلُهُ (أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ سَيِّدِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ مَا تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ قَالَ ادْعُوهُ بِهَا قَالَ فَجَاءَ بِهَا فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا) قَالَ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ يَحْتَمِلُ مَا جَرَى مَعَ دِحْيَةَ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ رَدَّ الْجَارِيَةَ بِرِضَاهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي غَيْرِهَا وَالثَّانِي أَنَّهُ إِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي جَارِيَةٍ لَهُ مِنْ حَشْوِ السَّبْيِ لَا أَفْضَلَهُنَّ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَخَذَ أَنْفَسَهُنَّ وأجودهن نسبا وشرفا في قومها وجمالا استرجعها لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِيهَا وَرَأَى فِي إِبْقَائِهَا لِدِحْيَةَ مَفْسَدَةً لِتَمَيُّزِهِ بِمِثْلِهَا عَلَى بَاقِي الْجَيْشِ وَلِمَا فِيهِ مِنَ انْتِهَاكِهَا مَعَ مَرْتَبَتِهَا وَكَوْنِهَا بِنْتَ سَيِّدِهِمْ وَلِمَا يَخَافُ مِنَ اسْتِعْلَائِهَا عَلَى دِحْيَةَ بِسَبَبِ مَرْتَبَتِهَا وَرُبَّمَا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ شِقَاقٌ أَوْ غَيْرُهُ فَكَانَ أَخْذُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا لِنَفْسِهِ قَاطِعًا لِكُلِّ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ الْمُتَخَوَّفَةِ وَمَعَ هَذَا فَعَوَّضَ دِحْيَةَ عَنْهَا وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِنَّهَا وَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ أَيْ حَصَلَتْ بِالْإِذْنِ فِي أَخْذِ جَارِيَةٍ لِيُوَافِقَ بَاقِي الرِّوَايَاتِ وَقَوْلُهُ اشْتَرَاهَا أَيْ أَعْطَاهُ بَدَلَهَا سَبْعَةَ أَنْفُسٍ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ لَا أَنَّهُ جَرَى عَقْدَ بَيْعٍ وَعَلَى هَذَا تَتَّفِقُ الرِّوَايَاتُ وَهَذَا الْإِعْطَاءُ لِدِحْيَةَ

مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْفِيلِ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ التَّنْفِيلُ يَكُونُ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ لَا إِشْكَالَ فِيهِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ التَّنْفِيلَ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ يَكُونُ هَذَا التَّنْفِيلُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ بَعْدَ أَنْ مُيِّزَ أَوْ قَبْلَهُ وَيُحْسَبُ مِنْهُ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَحَكَى الْقَاضِي مَعْنَى بَعْضِهِ ثُمَّ قَالَ وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَنْ تَكُونَ صَفِيَّةُ فَيْئًا لِأَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةَ كِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ وَهُوَ وَأَهْلُهُ مِنْ بَنِي أَبِي الْحَقِيقِ كَانُوا صَالَحُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ أنْ لَا يَكْتُمُوهُ كَنْزًا فَإِنْ كَتَمُوهُ فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ وَسَأَلَهُمْ عَنْ كَنْزِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ فَكَتَمُوهُ وَقَالُوا أَذْهَبَتْهُ النَّفَقَاتُ ثُمَّ عَثَرَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ فَانْتَقَضَ عَهْدَهُمْ فَسَبَاهُمْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ فَصَفِيَّةُ مِنْ سَبْيِهِمْ فَهِيَ فَيْءٌ لَا يُخَمَّسُ بَلْ يَفْعَلُ فِيهِ الْإِمَامُ مَا رَأَى هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهَذَا تَفْرِيعٌ مِنْهُ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْفَيْءَ لَا يُخَمَّسُ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُخَمَّسُ كَالْغَنِيمَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا أَصْدَقَهَا قَالَ نَفْسَهَا أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْتِقَ الْأَمَةَ وَيَتَزَوَّجَهَا كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ لَهُ أَجْرَانِ وَقَوْلُهُ أَصْدَقَهَا نَفْسَهَا اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ فَالصَّحِيحُ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ أَعْتَقَهَا تَبَرُّعًا بِلَا عِوَضٍ وَلَا شَرْطٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا بِلَا صَدَاقٍ وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُهُ بِلَا مَهْرٍ لَا فِي الْحَالِ وَلَا فِيمَا بَعْدُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ يُعْتِقَهَا وَيَتَزَوَّجَهَا فَقَبِلَتْ فَلَزِمَهَا الْوَفَاءُ بِهِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا عَلَى قِيمَتِهَا وَكَانَتْ مَجْهُولَةٌ وَلَا يَجُوزُ هَذَا وَلَا الَّذِي قَبْلَهُ لِغَيْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هُمَا مِنَ الْخَصَائِصِ كَمَا قَالَ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ وَيَكُونَ عِتْقُهَا صَدَاقَهَا فَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ وَلَا يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ وَمِمَّنْ قَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَزُفَرُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ أَعْتَقَهَا عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَقَبِلَتْ عَتَقَتْ وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَزَوَّجَهُ بَلْ لَهُ عَلَيْهَا قيمتها لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِعِتْقِهَا مَجَّانًا فَإِنْ رَضِيَتْ وَتَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ فَلَهُ عَلَيْهَا الْقِيمَةُ وَلَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى قِيمَتِهَا فَإِنْ كَانَتِ الْقِيمَةُ مَعْلُومَةً لَهُ وَلَهَا صَحَّ الصَّدَاقُ وَلَا تَبْقَى لَهُ عَلَيْهَا قِيمَةٌ وَلَا لَهَا عَلَيْهِ صَدَاقٌ وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَحَدُهُمَا يَصِحُّ الصَّدَاقُ كَمَا لَوْ كَانَتْ معلومة لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ فِيهِ ضَرْبٌ مِنَ الْمُسَامَحَةِ وَالتَّخْفِيفِ وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ

أَصْحَابِنَا لَا يَصِحُّ الصَّدَاقُ بَلْ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَجُوزُ أَنْ يُعْتِقَهَا عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ وَيَكُونُ عِتْقُهَا صَدَاقَهَا وَيَلْزَمُهَا ذَلِكَ وَيَصِحُّ الصَّدَاقُ عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ وَتَأَوَّلَهُ الْآخَرُونَ بِمَا سَبَقَ قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرُوسًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تَصْنَعُهَا وَتُهَيِّئُهَا قَالَ وَأَحْسَبُهُ قَالَ وَتَعْتَدُّ في بيتها أما قوله تعتد فمعناه تستبريء فإنها كَانَتْ مَسْبِيَّةً يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا وَجَعَلَهَا فِي مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ فِي بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ فَلَمَّا انْقَضَى الِاسْتِبْرَاءُ جَهَّزَتْهَا أُمُّ سُلَيْمٍ وَهَيَّأَتْهَا أَيْ زَيَّنَتْهَا وَجَمَّلَتْهَا عَلَى عَادَةِ الْعَرُوسِ بِمَا لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ مِنْ وَشْمٍ وَوَصْلٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَقَوْلُهُ أَهْدَتْهَا أَيْ زَفَّتْهَا يُقَالُ أَهْدَيْتَ الْعَرُوسَ إِلَى زَوْجِهَا أَيْ زَفَفْتَهَا وَالْعَرُوسُ يُطْلَقُ عَلَى الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ جَمِيعًا وَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَمَعْنَاهُ اعْتَدَّتْ أَيِ اسْتَبْرَأَتْ ثُمَّ هَيَّأَتْهَا ثُمَّ أَهْدَتْهَا وَالْوَاوُ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبَهَا وَفِيهِ الزِّفَافُ بِاللَّيْلِ وَقَدْ سَبَقَ فِي حَدِيثِ تَزَوُّجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عنها الزِّفَافُ نَهَارًا وَذَكَرْنَا هُنَاكَ جَوَازَ الْأَمْرَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (من كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجِئْنِي بِهِ) وَفِي بَعْضِ النسخ فليجيء بِهِ بِغَيْرِ نُونٍ فِيهِ دَلِيلٌ لِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ وَأَنَّهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا تَجُوزُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَفِيهِ إِدْلَالُ الْكَبِيرِ عَلَى أَصْحَابِهِ وَطَلَبُ طَعَامِهِمْ فِي نَحْوِ هَذَا وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِأَصْحَابِ الزَّوْجِ وَجِيرَانِهِ مُسَاعَدَتُهُ فِي وَلِيمَتِهِ بِطَعَامٍ مِنْ عِنْدِهِمْ قَوْلُهُ (وَبَسَطَ نِطَعًا) فِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ مَشْهُورَاتٍ فَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا مَعَ فَتْحِ الطَّاءِ وَإِسْكَانِهَا أَفْصَحُهُنَّ كَسْرُ النُّونِ مَعَ فَتْحِ الطَّاءِ وَجَمْعُهُ نُطُوعٌ وَأَنْطَاعٌ قَوْلُهُ (فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْأَقِطِ وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ فَحَاسُوا حَيْسًا) الْحَيْسُ هُوَ الْأَقِطُ وَالتَّمْرُ وَالسَّمْنُ يُخْلَطُ وَيُعْجَنُ وَمَعْنَاهُ جَعَلُوا ذَلِكَ حَيْسًا ثُمَّ أَكَلُوهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يُعْتِقُ جَارِيَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا لَهُ أَجْرَانِ هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ بيانه وشرحه

وَاضِحًا فِي كِتَابِ الْإَيْمَانِ حَيْثُ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ وَإِنَّمَا أَعَادَهُ هُنَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ فِي صَفِيَّةَ لِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ الظَّاهِرَةِ [1365] قَوْلُهُ (حِينَ بَزَغَتِ الشَّمْسُ) هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالزَّايِ وَمَعْنَاهُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ طُلُوعِهَا قَوْلُهُ (وَخَرَجُوا بِفُؤُوسِهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ وَمُرُورِهِمْ) أَمَّا الْفُؤُوسُ فَبِهَمْزَةٍ

ممدودة على وزن فعول جمع فأس بالهمز وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ وَالْمَكَاتِلُ جَمْعُ مِكْتَلٍ وَهُوَ الْقُفَّةُ وَالزِّنْبِيلُ وَالْمُرُورُ جَمْعُ مَرٍّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ نَحْوُ الْمِجْرَفَةِ وَأَكْبَرُ مِنْهَا يُقَالُ لَهَا الْمَسَاحِي هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَعْنَاهُ وَحَكَى الْقَاضِي قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي الْمُرَادُ بِالْمُرُورِ هُنَا الْحِبَالُ كَانُوا يَصْعَدُونَ بِهَا إِلَى النَّخِيلِ قال وأحدها مر بفتح الميم وكسرها لِأَنَّهُ يَمُرُّ حِينَ يُفْتَلُ قَوْلُهُ (فُحِصَتِ الْأَرْضُ أَفَاحِيصَ) هُوَ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمُخَفَّفَةِ أَيْ كُشِفَ التُّرَابُ مِنْ أَعْلَاهَا وَحُفِرَتْ شيئا يسيرا ليجعل الْأَنْطَاعِ فِي الْمَحْفُورِ وَيُصَبُّ فِيهَا السَّمْنُ فَيَثْبُتُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ جَوَانِبِهَا وَأَصْلُ الْفَحْصِ الْكَشْفُ وَفَحَصَ عَنِ الْأَمْرِ وَفَحَصَ الطَّائِرُ لِبَيْضِهِ وَالْأَفَاحِيصُ جَمْعُ أُفْحُوصٍ قَوْلُهُ (فَعَثَرَتِ النَّاقَةُ الْعَضْبَاءُ وَنَدَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَدَرَتْ فقام فسترها) قوله عثرت بفتع

الثَّاءِ وَنَدَرَ بِالنُّونِ أَيْ سَقَطَ وَأَصْلُ النُّدُورِ الْخُرُوجُ وَالِانْفِرَادُ وَمِنْهُ كَلِمَةُ نَادِرَةٍ أَيْ فَرْدَةٌ عَنِ النَّظَائِرِ [1428] قَوْلُهُ (فَجَعَلَ يَمُرُّ عَلَى نِسَائِهِ فَيُسَلِّمُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَيْفَ أَنْتُمْ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَيَقُولُونَ بِخَيْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ فَيَقُولُ بِخَيْرٍ) فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ إِذَا أَتَى مَنْزِلَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَأَهْلِهِ وَهَذَا مِمَّا يَتَكَبَّرُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنَ الْجَاهِلِينَ الْمُتَرَفِّعِينَ وَمِنْهَا أَنَّهُ إِذَا سَلَّمَ عَلَى وَاحِدٍ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ قَالُوا لِيَتَنَاوَلَهُ وَمَلِكَيْهِ وَمِنْهَا سُؤَالُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ عَنْ حَالِهِمْ فَرُبَّمَا كانت في نفس المرأة حاجة فتستحي أَنْ تَبْتَدِئَ بِهَا فَإِذَا سَأَلَهَا انْبَسَطَتْ لِذِكْرِ حَاجَتِهَا وَمِنْهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ لِلرَّجُلِ عَقِبَ دُخُولِهِ كَيْفَ حَالُكَ وَنَحْوَ هَذَا قَوْلُهُ (فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي أُسْكُفَّةِ الْبَابِ) هِيَ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مَضْمُومَةٍ وَبِإِسْكَانِ

السين [1365] قوله فجعل الرجل يجئ بِفَضْلِ التَّمْرِ وَفَضْلِ السَّوِيقِ حَتَّى جَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ سَوَادًا حَيْسًا السَّوَادُ بِفَتْحِ السِّينِ وَأَصْلُ السَّوَادِ الشَّخْصُ وَمِنْهُ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ رَأَى آدَمُ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةً وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْوِدَةً أَيْ أَشْخَاصًا وَالْمُرَادُ هُنَا حَتَّى جَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ كَوْمًا شَاخِصًا مُرْتَفِعًا فَخَلَطُوهُ وَجَعَلُوا حَيْسًا قَوْلُهُ حَتَّى إِذَا رَأَيْنَا جُدُرَ الْمَدِينَةِ هَشَّنَا إِلَيْهَا هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ هَشَّنَا بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ نُونٍ وَفِي بَعْضِهَا هَشِشْنَا بِشِينَيْنِ الْأُولَى مَكْسُورَةٌ مُخَفَّفَةٌ وَمَعْنَاهُمَا نَشِطْنَا وَخَفَفْنَا وَانْبَعَثَتْ نُفُوسُنَا إِلَيْهَا يُقَالُ مِنْهُ هَشِشْتُ بِكَسْرِ الشِّينِ فِي الْمَاضِي وَفَتْحِهَا فِي الْمُضَارِعِ وَذَكَرَ الْقَاضِي الرِّوَايَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ قَالَ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى عَلَى الْإِدْغَامِ لِالْتِقَاءِ الْمِثْلَيْنِ وَهِيَ لُغَةُ مَنْ قَالَ هَزَّتْ

(باب زواج زينب بنت جحش ونزول الحجاب)

سَيْفِي وَهِيَ لُغَةُ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ هِشْنَا بِكَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ وَهُوَ مِنْ هَاشَ يَهِيشُ بِمَعْنَى هَشَّ قَوْلُهُ (فَخَرَجَ جِوَارِي نِسَائِهِ) أَيْ صَغِيرَاتُ الْأَسْنَانِ مِنْ نِسَائِهِ قَوْلُهُ (يَشْمَتْنَ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْمِيمِ قَوْلُهُ (قَبْلَ هَذَا إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ) استدلت به المالكية ومن وافقهم على أن هيصح النكاح بغير شهود اذا أعلن لِأَنَّهُ لَوْ أَشْهَدَ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِمْ وَهَذَا مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ الزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ شَرَطُوا الْإِعْلَانَ دُونَ الشَّهَادَةِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ دُونَ الْإِعْلَانِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ يَشْتَرِطُونَ شَهَادَةَ عَدْلَيْنِ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ سِرًّا بِغَيْرِ شَهَادَةٍ لَمْ يَنْعَقِدْ وَأَمَّا إِذَا عَقَدَ سِرًّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ فَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَصِحُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب زَوَاجِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَنُزُولِ الْحِجَابِ) (وَإِثْبَاتِ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ) [1428] قَوْلِهِ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدٍ فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ) أَيْ فَاخْطُبْهَا لِي مِنْ نَفْسِهَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَبْعَثَ الرَّجُلُ لَخِطْبَةِ الْمَرْأَةِ لَهُ مَنْ كَانَ زَوْجَهَا إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ ذَلِكَ كَمَا كَانَ حَالُ زَيْدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي

حَتَّى مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهَا فَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِي وَنَكَصْتُ عَلَى عَقِبِي) مَعْنَاهُ أَنَّهُ هَابَهَا وَاسْتَجَلَّهَا مِنْ أَجَلِ إِرَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوُّجَهَا فَعَامَلَهَا مُعَامَلَةَ مَنْ تَزَوَّجَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِعْظَامِ وَالْإِجْلَالِ وَالْمَهَابَةِ وَقَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهَا) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَنَّ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ نَكَصْتُ أَيْ رَجَعْتُ وَكَانَ جَاءَ إِلَيْهَا لِيَخْطُبَهَا وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ وَهَذَا قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ فَلَمَّا غَلَبَ عَلَيْهِ الْإِجْلَالُ تَأَخَّرَ وَخَطَبَهَا وَظَهْرُهُ إِلَيْهَا لِئَلَّا يَسْبِقَهُ النَّظَرُ إِلَيْهَا قَوْلُهَا (مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أَوَامِرَ رَبِّي فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا) أَيْ مَوْضِعِ صَلَاتِهَا مِنْ بَيْتِهَا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ لِمَنْ هَمَّ بِأَمْرٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ ظَاهِرَ الْخَيْرِ أَمْ لَا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا يَقُولُ إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ إِلَى آخِرِهِ وَلَعَلَّهَا اسْتَخَارَتْ لِخَوْفِهَا مِنْ تَقْصِيرٍ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (وَنَزَلَ الْقُرْآنُ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ يَعْنِي نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ منها وطرا زوجناكها فدخل عليها بغير إذن لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَوَّجَهُ إِيَّاهَا بِهَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ (وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْعَمَنَا الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ حِينَ امْتَدَّ النَّهَارُ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَنَّ وقوله حين امتد النهار أي ارتفع هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ حِينَ بِالنُّونِ قَوْلُهُ (يَتَتَبَّعُ حُجَرَ نِسَائِهِ

يُسَلِّمُ عَلَيْهِنَّ) إِلَى آخِرِهِ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ قَوْلُهُ (أَطْعَمَهُمْ خُبْزًا وَلَحْمًا حَتَّى تَرَكُوهُ) يَعْنِي حَتَّى شَبِعُوا وَتَرَكُوهُ لِشِبَعِهِمْ قَوْلُهُ (مَا أَوْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ أَكْثَرَ أَوْ أَفْضَلَ مِمَّا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ يَحْتَمِلُ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ الشُّكْرُ لِنِعْمَةِ اللَّهِ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَوَّجَهُ إِيَّاهَا بِالْوَحْيِ لَا بِوَلِيٍّ وَشُهُودٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَمَذْهَبُنَا الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أصحابنا صحة

نِكَاحِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ فِي حقه صلى الله عليه وسلم وهذا لخلاف فِي غَيْرِ زَيْنَبَ وَأَمَّا زَيْنَبُ فَمَنْصُوصٌ عَلَيْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَبَعْدَهَا زَايٌ وَحُكِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَاسْمُهُ

لَاحِقُ بْنُ حُمَيْدٍ قِيلَ وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَنْ أَوَّلُ اسْمِهِ لَامُ أَلِفٍ غَيْرَهُ قَوْلُهُ (عَنْ أَنَسٍ قَالَ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ بِأَهْلِهِ فَصَنَعَتْ أُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ حَيْسًا فَجَعَلَتْهُ فِي تَوْرٍ فَقَالَتْ يَا أَنَسُ اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْ بَعَثَتْ بِهَذَا إِلَيْكَ أُمِّي وَهِيَ تُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَتَقُولُ إِنَّ هَذَا لَكَ مِنَّا قَلِيلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِأَصْدِقَاءِ الْمُتَزَوِّجِ أَنْ يَبْعَثُوا إِلَيْهِ بِطَعَامٍ يُسَاعِدُونَهُ بِهِ عَلَى وَلِيمَتِهِ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَسَبَقَ هُنَاكَ بَيَانُ الْحَيْسِ وَفِيهِ الِاعْتِذَارُ إِلَى الْمَبْعُوثِ إِلَيْهِ وَقَوْلُ الْإِنْسَانِ نَحْوَ قَوْلِ أُمِّ سُلَيْمٍ هَذَا لَكَ مِنَّا قَلِيلٌ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ بَعْثِ السَّلَامِ إِلَى الصَّاحِبِ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنَ الْبَاعِثِ لَكِنَّ هَذَا يَحْسُنُ إِذَا كَانَ بَعِيدًا مِنْ موضعه أوله عُذْرٌ فِي عَدَمِ الْحُضُورِ بِنَفْسِهِ لِلسَّلَامِ وَالتَّوْرُ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقَ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ وَاوٍ سَاكِنَةٍ إِنَاءٌ مِثْلُ الْقَدَحِ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْوُضُوءِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اذْهَبْ فَادْعُ لِي فُلَانًا وَفُلَانًا وَمَنْ لَقِيتَ وَسَمَّى رِجَالًا قَالَ فَدَعَوْتُ مَنْ سَمَّى وَمَنْ لَقِيتُ قال قلت لأنس عددكم كَانُوا قَالَ زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ) قَوْلُهُ زُهَاءَ بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَبِالْمَدِّ وَمَعْنَاهُ نَحْوُ ثَلَاثِمِائَةٍ وَفِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الدَّعْوَةِ أَنْ يَأْذَنَ

الْمُرْسِلُ فِي نَاسٍ مُعَيَّنِينَ وَفِي مُبْهَمِينَ كَقَوْلِهِ مَنْ لَقِيتُ مَنْ أَرَدْتُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَكْثِيرِ الطَّعَامِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْكِتَابِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَنَسُ هَاتِ التَّوْرَ) هُوَ بِكَسْرِ التَّاءِ مِنْ هَاتِ كُسِرَتْ لِلْأَمْرِ كَمَا تُكْسَرُ الطَّاءُ مِنْ أَعْطِ قَوْلُهُ (وَزَوْجَتُهُ مُوَلِّيَةٌ وَجْهَهَا) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَزَوْجَتُهُ بِالتَّاءِ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيثِ وَالشِّعْرِ وَالْمَشْهُورُ حَذْفُهَا قَوْلُهُ (ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ ثَقُلُوا عَلَيْهِ) هُوَ بِضَمِّ القاف المخففة

(باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة)

(بَابُ الْأَمْرِ بِإِجَابَةِ الدَّاعِي إِلَى دَعْوَةٍ) دَعْوَةُ الطَّعَامِ بِفَتْحِ الدَّالِ وَدَعْوَةُ النَّسَبِ بِكَسْرِهَا هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعَرَبِ وَعَكَسَهُ تَيْمُ الرِّبَابِ بِكَسْرِ الرَّاءِ فَقَالُوا الطَّعَامُ بِالْكَسْرِ وَالنَّسَبُ بِالْفَتْحِ وَأَمَّا قَوْلُ قُطْرُبٍ فِي الْمُثَلَّثِ إِنَّ دَعْوَةَ الطَّعَامِ بِالضَّمِّ فَغَلَّطُوهُ فِيهِ [1429] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا دعى أحدكم إلى الوليمة فَلْيَأْتِهَا) فِيهِ الْأَمْرُ

بِحُضُورِهَا وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ وَلَكِنْ هَلْ هُوَ أَمْرُ إِيجَابٍ أَوْ نَدْبٍ فِيهِ خِلَافٌ الْأَصَحُّ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مَنْ دُعِيَ لَكِنْ يَسْقُطُ بِأَعْذَارٍ سَنَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالثَّانِي أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالثَّالِثُ مَنْدُوبٌ هَذَا مَذْهَبُنَا فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ وَأَمَّا غَيْرُهَا فَفِيهَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كَوَلِيمَةِ الْعُرْسِ وَالثَّانِي أَنَّ الْإِجَابَةَ إِلَيْهَا نَدْبٌ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعُرْسِ وَاجِبَةً وَنَقَلَ الْقَاضِي اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى وُجُوبِ الْإِجَابَةِ فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَاهَا فَقَالَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ إِلَيْهَا وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ تَجِبُ الْإِجَابَةُ إِلَى كُلِّ دَعْوَةٍ مِنْ عُرْسٍ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ وَأَمَّا الْأَعْذَارُ الَّتِي يَسْقُطُ بِهَا وُجُوبُ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ أَوْ نَدْبِهَا فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ فِي الطَّعَامِ شُبْهَةٌ أَوْ يَخُصَّ بِهَا الْأَغْنِيَاءَ أَوْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَتَأَذَّى بِحُضُورِهِ مَعَهُ أَوْ لَا تَلِيقَ بِهِ مُجَالَسَتُهُ أَوْ يَدْعُوهُ لِخَوْفِ شَرِّهِ أَوْ لِطَمَعٍ فِي جَاهِهِ أَوْ لِيُعَاوِنَهُ عَلَى بَاطِلٍ وَأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ مِنْ خَمْرٍ أَوْ لَهْوٍ أَوْ فُرُشِ حَرِيرٍ أَوْ صُوَرِ حَيَوَانٍ غَيْرِ مَفْرُوشَةٍ أَوْ آنِيَةِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَكُلُّ هَذِهِ أَعْذَارٌ فِي تَرْكِ الْإِجَابَةِ وَمِنَ الْأَعْذَارِ أَنْ يَعْتَذِرَ إِلَى الدَّاعِي فَيَتْرُكَهُ وَلَوْ دَعَاهُ ذِمِّيٌّ لَمْ تَجِبْ إِجَابَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ كَانَتِ الدَّعْوَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَالْأَوَّلُ تَجِبُ الْإِجَابَةُ فِيهِ وَالثَّانِي تُسْتَحَبُّ وَالثَّالِثُ تُكْرَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (إذا دعي أحدكم إلى وليمة عُرْسٍ فَلْيُجِبْ) قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَخُصُّ وُجُوبَ الْإِجَابَةِ بِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ وَيَتَعَلَّقُ الْآخَرُونَ بِالرِّوَايَاتِ الْمُطْلَقَةِ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرواية التي بعد هذه إذا دعى أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ وَيَحْمِلُونَ هَذَا عَلَى الْغَالِبِ أَوْ نَحْوِهِ مِنَ التأويل والعرس بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وفيها لغة بالتذكير قوله ص

(ان دُعِيتُمْ إِلَى كُرَاعٍ فَأَجِيبُوا) وَالْمُرَادُ بِهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ كُرَاعُ الشَّاةِ وَغَلَّطُوا مَنْ حَمَلَهُ عَلَى كُرَاعِ الْغَمِيمِ وَهُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَلَى مَرَاحِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ [1430] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ صَائِمًا

فَلْيُصَلِّ وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى فَلْيُصَلِّ قَالَ الْجُمْهُورُ مَعْنَاهُ فَلْيَدْعُ لِأَهْلِ الطَّعَامِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالْبَرَكَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَصْلُ الصَّلَاةِ فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَصَلِّ عليهم وَقِيلَ الْمُرَادُ الصَّلَاةُ الشَّرْعِيَّةُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَيْ يَشْتَغِلُ بِالصَّلَاةِ لِيَحْصُلَ لَهُ فَضْلُهَا وَلِتَبَرُّكِ أَهْلِ الْمَكَانِ وَالْحَاضِرِينَ وَأَمَّا الْمُفْطِرُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَمَرَهُ بِالْأَكْلِ وَفِي الْأُولَى مُخَيَّرٌ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَكْلُ فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ وَلَا فِي غَيْرِهَا فَمَنْ أَوْجَبَهُ اعْتَمَدَ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ وَتَأَوَّلَ الْأُولَى عَلَى مَنْ كَانَ صَائِمًا وَمَنْ لَمْ يُوجِبْهُ اعْتَمَدَ التَّصْرِيحَ بِالتَّخْيِيرِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَحَمَلَ الْأَمْرَ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى النَّدْبِ وَإِذَا قِيلَ بِوُجُوبِ الْأَكْلِ فَأَقَلُّهُ لُقْمَةٌ وَلَا تَلْزَمُهُ الزيادة لِأَنَّهُ يُسَمَّى أَكْلًا وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يأكل حنث بلقمة ولأنه قَدْ يَتَخَيَّلُ صَاحِبُ الطَّعَامِ أَنَّ امْتِنَاعَهُ لِشُبْهَةٍ يَعْتَقِدُهَا فِي الطَّعَامِ فَإِذَا أَكَلَ لُقْمَةً زَالَ ذَلِكَ التَّخَيُّلُ هَكَذَا صَرَّحَ بِاللُّقْمَةِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَمَّا الصَّائِمُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ لَكِنْ إِنْ كَانَ صَوْمُهُ فرضا لم يجز له الأكل لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ نَفْلًا جَازَ الْفِطْرُ وَتَرْكَهُ فَإِنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَى صَاحِبِ الطَّعَامِ صَوْمُهُ فَالْأَفْضَلُ الْفِطْرُ وإلا فإتمام الصوم والله أعلم قَوْلُهُ (قَبْلَ هَذَا وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي بن عُمَرَ يَأْتِي الدَّعْوَةَ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِ الْعُرْسِ وَيَأْتِيهَا وَهُوَ صَائِمٌ) فِيهِ أَنَّ الصَّوْمَ

لَيْسَ بِعُذْرٍ فِي الْإِجَابَةِ وَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا قَالُوا إِذَا دُعِيَ وَهُوَ صَائِمٌ لَزِمَهُ الْإِجَابَةُ كَمَا يَلْزَمُ الْمُفْطِرَ وَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِحُضُورِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ فَقَدْ يَتَبَرَّكُ بِهِ أَهْلُ الطَّعَامِ وَالْحَاضِرُونَ وَقَدْ يَتَجَمَّلُونَ بِهِ وَقَدْ يَنْتَفِعُونَ بِدُعَائِهِ أو بإشارته أو ينصانون عمالا يَنَصَانُونَ عَنْهُ فِي غَيْبَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ) ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَرْفُوعًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْحَدِيثَ إِذَا رُوِيَ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا حُكِمَ بِرَفْعِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ الْإِخْبَارُ بِمَا يَقَعُ مِنَ النَّاسِ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُرَاعَاةِ الْأَغْنِيَاءِ فِي الْوَلَائِمِ وَنَحْوِهَا وَتَخْصِيصِهِمْ بِالدَّعْوَةِ وَإِيثَارِهِمْ بِطَيِّبِ الطَّعَامِ وَرَفْعِ مَجَالِسِهِمْ وَتَقْدِيمِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ الْغَالِبُ فِي الْوَلَائِمِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ قَوْلُهُ (سَمِعْتُ ثَابِتًا الْأَعْرَجَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) هُوَ ثَابِتُ بْنُ عِيَاضٍ الْأَعْرَجُ الْأَحْنَفُ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ وَقِيلَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ وَقِيلَ اسْمُهُ ثَابِتُ بْنُ الْأَحْنَفِ بْنِ عِيَاضٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب لاتحل المطلقة ثلاثا لمطلقها حتى تنكح زوجا غيره)

(باب لاتحل الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لِمُطَلِّقِهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) (وَيَطَأَهَا ثُمَّ يُفَارِقَهَا وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) [1433] قَوْلُهَا (فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ) هُوَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَكَسْرِ الْبَاءِ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ الزَّبِيرُ بْنُ بَاطَّاءٍ وَيُقَالُ بَاطَيَاءُ وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَحَابِيًّا وَالزَّبِيرُ قَتَلَ يَهُودِيًّا فِي غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ بْنِ بَاطَّاءٍ الْقُرَظِيَّ هُوَ الَّذِي تَزَوَّجَ امْرَأَةَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْمُحَقِّقُونَ وَقَالَ بن مَنْدَهْ وَأَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ إِنَّمَا هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَوْلُهَا فَبَتَّ طَلَاقِي أَيْ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا قَوْلُهَا هُدْبَةُ الثَّوْبِ هُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ وَهِيَ طَرَفُهُ الَّذِي لَمْ يُنْسَجْ شَبَّهُوهَا بِهُدْبِ الْعَيْنِ وَهُوَ شَعْرُ جَفْنِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ (لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ السِّينِ تَصْغِيرُ

عَسَلَةٍ وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ شَبَّهَ لَذَّتَهُ بِلَذَّةِ الْعَسَلِ وَحَلَاوَتِهِ قَالُوا وَأَنَّثَ الْعُسَيْلَةَ لِأَنَّ العسيلة نَعْتَيْنِ التَّذْكِيرَ وَالتَّأْنِيثَ وَقِيلَ أَنَّثَهَا عَلَى إِرَادَةِ النُّطْفَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْإِنْزَالَ لَا يُشْتَرَطُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لَا تَحِلُّ لِمُطَلِّقِهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَيَطَأَهَا ثُمَّ يُفَارِقَهَا وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَأَمَّا مُجَرَّدُ عَقْدِهِ عَلَيْهَا فَلَا يُبِيحُهَا لِلْأَوَّلِ وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَانْفَرَدَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ إِذَا عَقَدَ الثَّانِي عَلَيْهَا ثُمَّ فَارَقَهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ وَلَا يُشْتَرَطُ وَطْءُ الثَّانِي لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى تَنْكِحَ زوجا غيره وَالنِّكَاحُ حَقِيقَةً فِي الْعَقْدِ عَلَى الصَّحِيحِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَمُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ بِهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَعَلَّ سَعِيدًا لَمْ يَبْلُغْهُ هَذَا الْحَدِيثُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِقَوْلِ سَعِيدٍ فِي هَذَا إِلَّا طَائِفَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ تَغْيِيبَ الْحَشَفَةِ فِي قُبُلِهَا كَافٍ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إِنْزَالِ الْمَنِيِّ وَشَذَّ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فَشَرَطَ إِنْزَالَ الْمَنِيِّ وَجَعَلَهُ حَقِيقَةَ الْعُسَيْلَةِ قَالَ الْجُمْهُورُ بِدُخُولِ الذَّكَرِ تَحْصُلُ اللَّذَّةُ وَالْعُسَيْلَةُ وَلَوْ وَطِئَهَا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ لَمْ تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ قَوْلُهُ (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَسَّمَ) قال العلماء

إِنَّ التَّبَسُّمَ لِلتَّعَجُّبِ مِنْ جَهْرِهَا وَتَصْرِيحِهَا بِهَذَا الذي تستحي النِّسَاءُ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ أَوْ لِرَغْبَتِهَا فِي زوجها الأول وكراهة الثاني والله أعلم

باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع

(باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع) [1434] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنهُمَا فِي ذَلِكَ وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا) قَالَ الْقَاضِي قِيلَ الْمُرَادُ بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ أَنَّهُ لَا يَصْرَعُهُ شَيْطَانٌ وَقِيلَ لَا يَطْعَنُ فِيهِ الشَّيْطَانُ عِنْدَ وِلَادَتِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ قَالَ وَلَمْ يَحْمِلْهُ أَحَدٌ عَلَى الْعُمُومِ فِي جَمِيعِ الضَّرَرِ وَالْوَسْوَسَةِ وَالْإِغْوَاءِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي

(باب جواز جماعه امرأته في قبلها من قدامها ومن

(باب جَوَازِ جِمَاعِهِ امْرَأَتَهُ فِي قُبُلِهَا مِنْ قُدَّامِهَا وَمِنْ وَرَائِهَا) (مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلدُّبُرِ) قَوْلُ جَابِرٍ (كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ إِذَا أَتَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا كَانَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ فَنَزَلَتْ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حرثكم أنى شئتم) وَفِي رِوَايَةٍ إِنْ شَاءَ مُجَبِّيَةً وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مُجَبِّيَةٍ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ الْمُجَبِّيَةُ بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مُشَدَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ أَيْ مَكْبُوبَةٌ عَلَى وَجْهِهَا والصمام بِكَسْرِ الصَّادِ أَيْ ثَقْبٌ وَاحِدٌ وَالْمُرَادُ بِهِ القبل قال الْعُلَمَاءُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ أَيْ مَوْضِعُ الزَّرْعِ مِنَ الْمَرْأَةِ وَهُوَ قُبُلُهَا الَّذِي يُزْرَعُ فِيهِ الْمَنِيُّ لِابْتِغَاءِ الْوَلَدِ فَفِيهِ إِبَاحَةُ وَطْئِهَا فِي قُبُلِهَا إِنْ شَاءَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا وَإِنْ شَاءَ مِنْ وَرَائِهَا وَإِنْ شَاءَ مَكْبُوبَةً وَأَمَّا الدُّبُرُ فَلَيْسَ هُوَ بِحَرْثٍ وَلَا مَوْضِعَ زَرْعٍ وَمَعْنَى قَوْلُهُ أَنَّى شِئْتُمْ أَيْ كَيْفَ شِئْتُمْ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ عَلَى تَحْرِيمِ وَطْءِ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا حَائِضًا كَانَتْ أَوْ طَاهِرًا لِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مَشْهُورَةٍ كَحَدِيثِ مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَحِلُّ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْآدَمِيِّينَ وَلَا غَيْرِهِمْ مِنَ الْحَيَوَانِ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنَّ يَهُودَ كَانَتْ تَقُولُ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ يَهُودَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ قبيلة اليهود فامتنع صرفه للتأنيث والعلمية

باب تحريم امتناعها من فراش زوجها

(باب تحريم امتناعها من فراش زوجها) [1436] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى تَرْجِعَ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ امْتِنَاعِهَا مِنْ فِرَاشِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ وَلَيْسَ الْحَيْضُ

(باب تحريم إفشاء المرأة)

بِعُذْرٍ فِي الِامْتِنَاعِ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فَوْقَ الْإِزَارِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّعْنَةَ تَسْتَمِرُّ عَلَيْهَا حَتَّى تَزُولَ الْمَعْصِيَةُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا أَوْ بِتَوْبَتِهَا وَرُجُوعِهَا إِلَى الْفِرَاشِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ غَضْبَانًا (باب تحريم إفشاء الْمَرْأَةِ) [1437] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا) قَالَ الْقَاضِي هَكَذَا وَقَعَتِ الرِّوَايَةُ أَشَرَّ بِالْأَلِفِ وَأَهْلُ النَّحْوِ يَقُولُونَ لَا يَجُوزُ أَشَرُّ وَأَخْيَرُ وَإِنَّمَا يُقَالُ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَشَرٌّ مِنْهُ قَالَ وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِاللُّغَتَيْنِ جَمِيعًا وَهِيَ حُجَّةٌ فِي جَوَازِهِمَا جَمِيعًا وَأَنَّهُمَا لُغَتَانِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ إِفْشَاءِ الرَّجُلِ مَا يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ مِنْ أُمُورِ الِاسْتِمْتَاعِ وَوَصْفِ تَفَاصِيلِ ذَلِكَ وَمَا يَجْرِي مِنَ الْمَرْأَةِ فِيهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَنَحْوِهِ فَأَمَّا مُجَرَّدُ ذِكْرِ الْجِمَاعِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ وَلَا إِلَيْهِ حَاجَةٌ فَمَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ

(باب حكم العزل)

الْمُرُوءَةِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ وَإِنْ كَانَ إِلَيْهِ حَاجَةٌ أَوْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ بِأَنْ يُنْكَرَ عَلَيْهِ إِعْرَاضُهُ عَنْهَا أَوْ تَدَّعِيَ عَلَيْهِ الْعَجْزَ عَنِ الْجِمَاعِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ فِي ذِكْرِهِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَفْعَلُهُ أَنَا وَهَذِهِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي طَلْحَةَ أَعْرَسْتُمُ اللَّيْلَةَ وَقَالَ لِجَابِرٍ الْكَيْسَ الْكَيْسَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ حُكْمِ الْعَزْلِ) الْعَزْلُ هُوَ أَنْ يُجَامِعَ فَإِذَا قَارَبَ الْإِنْزَالَ نَزَعَ وَأَنْزَلَ خَارِجَ الْفَرْجِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا فِي كُلِّ حَالٍ وَكُلِّ امْرَأَةٍ سَوَاءٌ رَضِيَتْ أَمْ لَا لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إِلَى قَطْعِ النَّسْلِ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ تَسْمِيَتُهُ الْوَأْدَ الْخَفِيَّ لِأَنَّهُ قَطْعُ طَرِيقِ الْوِلَادَةِ كَمَا يُقْتَلُ الْمَوْلُودُ بِالْوَأْدِ وَأَمَّا التَّحْرِيمُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَحْرُمُ فِي مَمْلُوكَتِهِ وَلَا فِي زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ سَوَاءٌ رَضِيَتَا أَمْ لَا لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي مَمْلُوكَتِهِ بِمَصِيرِهَا أُمَّ وَلَدٍ وَامْتِنَاعِ بَيْعِهَا وَعَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي زَوْجَتِهِ الرَّقِيقَةِ بِمَصِيرِ وَلَدِهِ رَقِيقًا تَبَعًا لِأُمِّهِ وَأَمَّا زَوْجَتُهُ الْحُرَّةُ فَإِنْ أَذِنَتْ فِيهِ لَمْ يَحْرُمْ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَحْرُمُ ثُمَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مَعَ غَيْرِهَا يُجْمَعُ بَيْنَهَا بِأَنَّ مَا وَرَدَ فِي النَّهْيِ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَمَا وَرَدَ فِي الْإِذْنِ فِي ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَيْسَ

مَعْنَاهُ نَفْيَ الْكَرَاهَةِ هَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَلِلسَّلَفِ خِلَافٌ كَنَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَمَنْ حَرَّمَهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ قَالَ عَلَيْهَا ضَرَرٌ فِي الْعَزْلِ فَيُشْتَرَطُ لِجَوَازِهِ إِذْنُهَا [1438] قَوْلُهُ (غَزْوَةُ بَلْمُصْطَلِقِ) أَيْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهِيَ غَزْوَةُ المريسيع قال القاضي قال أهل الحديث هَذَا أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةِ أَوْطَاسٍ قَوْلُهُ (كَرَائِمُ الْعَرَبِ) أَيِ النَّفِيسَاتُ مِنْهُمْ قَوْلُهُ (فَطَالَتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاءِ) مَعْنَاهُ احْتَجْنَا إِلَى الْوَطْءِ وَخِفْنَا مِنَ الْحَبَلِ فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ يَمْتَنِعُ عَلَيْنَا بَيْعُهَا وَأَخْذُ الْفِدَاءِ فِيهَا فَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ مَنْعُ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ وَأَنَّ هَذَا كَانَ مَشْهُورًا عِنْدَهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا عَلَيْكُمْ أَلَّا تَفْعَلُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ خَلْقَ نَسَمَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا سَتَكُونُ) مَعْنَاهُ مَا عَلَيْكُمْ ضَرَرٌ فِي تَرْكِ الْعَزْلِ لِأَنَّ كُلَّ نَفْسٍ قَدَّرَ الله تعالى خلقها لابد أَنْ يَخْلُقَهَا سَوَاءٌ عَزَلْتُمْ أَمْ لَا وَمَا لم بقدر خلقها لا يقع سواء

سَوَاءٌ عَزَلْتُمْ أَمْ لَا فَلَا فَائِدَةَ فِي عَزْلِكُمْ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدَّرَ خَلْقَهَا سَبَقَكُمُ الْمَاءُ فَلَا يَنْفَعُ حِرْصُكُمْ فِي مَنْعِ الْخَلْقِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْعَرَبَ يَجْرِي عَلَيْهِمُ الرِّقُّ كَمَا يَجْرِي عَلَى الْعَجَمِ وَأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا مُشْرِكِينَ وَسُبُوا جَازَ اسْتِرْقَاقُهُمْ لِأَنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ عَرَبٌ صُلْبِيَّةٌ مِنْ

خُزَاعَةَ وَقَدِ اسْتَرَقُّوهُمْ وَوَطِئُوا سَبَايَاهُمْ وَاسْتَبَاحُوا بَيْعَهُنَّ وَأَخْذَ فِدَائِهِنَّ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ

فِي قَوْلِهِ الصَّحِيحِ الْجَدِيدِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمُ الرِّقُّ لِشَرَفِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1439] (قَوْلُهُ إِنَّ لِي جَارِيَةً) هِيَ خَادِمُنَا وَسَانِيَتُنَا أَيِ الَّتِي تَسْقِي لَنَا شَبَّهَهَا بِالْبَعِيرِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي أَخْبَرَهُ بِأَنَّ لَهُ جَارِيَةً يَعْزِلُ عَنْهَا (إِنْ شِئْتَ ثُمَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهَا حَبِلَتْ) إِلَى آخِرِهِ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى إِلْحَاقِ النَّسَبِ مَعَ الْعَزْلِ لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ سَبَقَ وَفِيهِ أَنَّهُ إِذَا اعْتَرَفَ بِوَطْءِ أَمَتِهِ صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ وَتَلْحَقُهُ أَوْلَادُهَا إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) مَعْنَاهُ هُنَا أَنَّ مَا أَقُولُ لَكُمْ حَقٌّ فَاعْتَمِدُوهُ وَاسْتَيْقِنُوهُ فَإِنَّهُ يَأْتِي مثل فلق الصبح

باب تحريم وطء الحامل المسبية

(باب تحريم وطء الحامل المسبية) [1441] قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ) هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ (أَتَى بِامْرَأَةٍ مُجِحٍّ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ) الْمُجِحُّ بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَهِيَ الْحَامِلُ الَّتِي قَرُبَتْ وِلَادَتُهَا وَفِي الْفُسْطَاطِ سِتُّ لُغَاتٍ فُسْطَاطٌ وَفُسْتَاطٌ وَفُسَّاطٌ بِحَذْفِ الطَّاءِ وَالتَّاءِ لَكِنْ بِتَشْدِيدِ السِّينِ وَبِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا فِي الثَّلَاثَةِ وَهُوَ نَحْوَ بَيْتِ الشَّعْرِ قَوْلُهُ (أَتَى بِامْرَأَةٍ مُجِحٍّ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ فَقَالَ لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا فَقَالُوا نَعَمْ فَقَالَ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ كَيْفَ

(باب جواز الغيلة وهي وطء المرضع وكراهة العزل)

يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ) مَعْنَى يُلِمُّ بِهَا أَيْ يَطَأُهَا وَكَانَتْ حَامِلًا مَسْبِيَّةً لَا يَحِلُّ جِمَاعُهَا حَتَّى تَضَعَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ تَتَأَخَّرُ وِلَادَتُهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ حَيْثُ يُحْتَمَلُ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْ هَذَا السَّابِي وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ قَبْلَهُ فَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مِنَ السَّابِي يَكُونُ وَلَدًا لَهُ وَيَتَوَارَثَانِ وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ السَّابِي لَا يَتَوَارَثَانِ هُوَ وَلَا السَّابِي لِعَدَمِ الْقَرَابَةِ بَلْ لَهُ اسْتِخْدَامُهُ لِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ فَتَقْدِيرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَدْ يَسْتَلْحِقُهُ وَيَجْعَلُهُ ابْنًا لَهُ وَيُوَرِّثُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ تَوْرِيثُهُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْهُ وَلَا يَحِلُّ تَوَارُثُهُ وَمُزَاحَمَتُهُ لِبَاقِي الْوَرَثَةِ وَقَدْ يَسْتَخْدِمُهُ اسْتِخْدَامَ الْعَبِيدِ وَيَجْعَلُهُ عَبْدًا يَتَمَلَّكُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِنْهُ إِذَا وَضَعَتْهُ لِمُدَّةٍ مُحْتَمِلَةِ كَوْنِهِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الِامْتِنَاعُ مِنْ وَطْئِهَا خَوْفًا مِنْ هَذَا الْمَحْظُورِ فَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَعْنَاهُ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهُ قَدْ يُنَمَّى هَذَا الْجَنِينُ بِنُطْفَةِ هَذَا السَّابِي فَيَصِيرُ مُشَارِكًا فِيهِ فَيَمْتَنِعُ الِاسْتِخْدَامُ قَالَ وَهُوَ نَظِيرُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِ مَاءَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَكَيْفَ يَنْتَظِمُ التَّوْرِيثُ مَعَ هَذَا التَّأْوِيلِ بَلِ الصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب جَوَازِ الْغِيلَةِ وَهِيَ وَطْءُ الْمُرْضِعِ وَكَرَاهَةِ الْعَزْلِ) [1442] قَوْلُهُ (عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ) ذَكَرَ مُسْلِمٌ اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِيهَا هَلْ هِيَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَمْ بالذال المعجمة

قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا بِالدَّالِ يَعْنِي الْمُهْمَلَةَ وهَكَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا بِالْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمُ مَضْمُومَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَقَوْلُهُ جُدَامَةُ بِنْتُ وَهْبٍ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى جُدَامَةُ بِنْتُ وَهْبٍ أُخْتُ عُكَّاشَةَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهَا أُخْتُ عُكَّاشَةَ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهَا جُدَامَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ مِحْصَنٍ وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ أُخْتُ رَجُلٍ آخَرَ يُقَالُ لَهُ عُكَّاشَةُ بْنُ وَهْبٍ لَيْسَ بِعُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْمَشْهُورِ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ هِيَ جُدَامَةُ بِنْتُ جَنْدَلٍ هَاجَرَتْ قَالَ وَالْمُحَدِّثُونَ قَالُوا فِيهَا جُدَامَةُ بِنْتُ وَهْبٍ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا جُدَامَةُ بِنْتُ وَهْبٍ الْأَسَدِيَّةُ أُخْتُ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْمَشْهُورِ الْأَسَدِيِّ وَتَكُونُ أُخْتَهُ مِنْ أُمِّهِ وَفِي عُكَّاشَةَ لُغَتَانِ سَبَقَتَا فِي كِتَابِ الْإِيْمَانِ تَشْدِيدُ الْكَافِ وَتَخْفِيفُهَا وَالتَّشْدِيدُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْغِيلَةُ هُنَا بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَيُقَالُ لَهَا الْغَيْلُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ مَعَ حَذْفِ الْهَاءِ وَالْغِيَالُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْغَيْلَةُ بالِفَتْحِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَهِيَ الِاسْمُ مِنَ الْغِيلِ وَقِيلَ إِنْ أُرِيدَ بِهَا وَطْءُ الْمُرْضِعِ جَازَ الْغِيلَةُ وَالْغَيْلَةُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْغِيلَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهِيَ الْغَيْلُ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنْ يُجَامِعَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ مُرْضِعٌ يُقَالُ مِنْهُ أَغَالَ الرَّجُلُ وأغيل اذا فعل ذلك وقال بن السِّكِّيتِ هُوَ أَنْ تُرْضِعَ الْمَرْأَةُ وَهِيَ حَامِلٌ يُقَالُ مِنْهُ غَالَتْ وَأَغْيَلَتْ قَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُ هَمِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهْيِ عَنْهَا أَنَّهُ يَخَافُ مِنْهُ ضَرَرَ الْوَلَدِ الرَّضِيعِ قَالُوا وَالْأَطِبَّاءُ يَقُولُونَ إِنَّ ذَلِكَ اللَّبَنَ دَاءٌ وَالْعَرَبُ تَكْرَهُهُ وَتَتَّقِيهِ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْغِيلَةِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا وَبَيَّنَ سَبَبَ تَرْكِ النَّهْيِ وَفِيهِ جَوَازُ

الِاجْتِهَادِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وله قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْأُصُولِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِتَمَكُّنِهِ مِنَ الْوَحْيِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ لِأَنَّهُ مِنْ أَغَالَ يُغِيلُ كَمَا سَبَقَ قَوْلُهُ (ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنِ الْعَزْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ الوأد الخفي) وهي وإذا الموؤدة سئلت الوأد والموؤدة بِالْهَمْزِ وَالْوَأْدُ دَفْنُ الْبِنْتِ وَهِيَ حَيَّةٌ وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُهُ خَشْيَةَ الْإِمْلَاقِ وَرُبَّمَا فَعَلُوهُ خَوْفَ العار والمؤدة الْبِنْتُ الْمَدْفُونَةُ حَيَّةً وَيُقَالُ وَأَدَتِ الْمَرْأَةُ وَلَدَهَا وأدا قيل سميت موؤدة لِأَنَّهَا تُثَقَّلُ بِالتُّرَابِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْعَزْلِ وَجْهُ تَسْمِيَةِ هَذَا وَأْدًا وَهُوَ مُشَابَهَتُهُ الْوَأْدَ فِي تَفْوِيتِ الْحَيَاةِ وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الحديث وإذا الموؤدة سئلت مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَزْلَ يُشْبِهُ الْوَأْدَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ [1443] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ عَبَّاسٍ) الْأَوَّلُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَأَبُوهُ بِالسِّينِ

الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ عَيَّاشُ بْنُ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيُّ بِكَسْرِ الْقَافِ مَنْسُوبٌ إِلَى قِتْبَانَ بَطْنٌ مِنْ رُعَيْنٍ قَوْلُهُ (أُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهَا) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ أَخَافُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا ضَارَ ذَلِكَ فَارِسَ وَلَا الرُّومَ) هُوَ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ أَيْ مَا ضَرَّهُمْ يُقَالُ ضَارَهُ يُضِيرُهُ ضَيْرًا وَضَرَّهُ يَضُرُّهُ ضُرًّا وضرا والله أعلم كتاب الرضاع هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَالرَّضَاعَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَقَدْ رَضِعَ الصَّبِيُّ أُمَّهُ بِكَسْرِ الضَّادِ يَرْضَعُهَا بِفَتْحِهَا رَضَاعًا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيَقُولُ أَهْلُ نَجْدٍ رَضَعَ يَرْضِعُ بِفَتْحِ الضَّادِ فِي الْمَاضِي وكسرها في المضارع رضعا كضرب يَضْرِبُ ضَرْبًا وَأَرْضَعَتْهُ أُمُّهُ وَامْرَأَةٌ مُرْضِعٌ أَيْ لها ولد ترضعه فإن رضعتها بِإِرْضَاعِهِ قُلْتَ مُرْضِعَةٌ بِالْهَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1444] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ

الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُهُ الْوِلَادَةُ وَفِي رِوَايَةٍ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ وَفِي حَدِيثِ قِصَّةِ حَفْصَةَ وَحَدِيثِ قِصَّةِ عَائِشَةَ الْإِذْنُ لِدُخُولِ الْعَمِّ مِنَ الرَّضَاعَةِ عَلَيْهَا وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ عَمُّكِ قُلْتُ إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ قَالَ إِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى ثُبُوتِ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى ثُبُوتِهَا بَيْنَ الرَّضِيعِ وَالْمُرْضِعَةِ وَأَنَّهُ يَصِيرُ ابْنَهَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا أَبَدًا وَيَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهَا وَالْخَلْوَةُ بِهَا وَالْمُسَافَرَةُ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْأُمُومَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَتَوَارَثَانِ وَلَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفَقَةُ الْآخَرِ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهَا وَلَا يَعْقِلُ عَنْهَا وَلَا يَسْقُطُ عَنْهَا الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ فَهُمَا كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى انْتِشَارِ الْحُرْمَةِ بَيْنَ الْمُرْضِعَةِ وَأَوْلَادِ الرَّضِيعِ وَبَيْنَ الرَّضِيعِ وَأَوْلَادِ الْمُرْضِعَةِ وَأَنَّهُ فِي ذَلِكَ كَوَلَدِهَا مِنَ النَّسَبِ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَمَّا الرَّجُلُ الْمَنْسُوبُ ذَلِكَ اللَّبَنُ إِلَيْهِ لِكَوْنِهِ زَوْجَ الْمَرْأَةِ أَوْ وَطِئَهَا بِمِلْكٍ أَوْ شُبْهَةٍ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً ثُبُوتُ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّضِيعِ وَيَصِيرُ وَلَدًا لَهُ وَأَوْلَادُ الرَّجُلِ إِخْوَةَ الرَّضِيعِ وَأَخَوَاتِهِ وَتَكُونُ إِخْوَةُ الرَّجُلِ أَعْمَامَ الرَّضِيعِ وَأَخَوَاتُهُ عَمَّاتِهِ وَتَكُونُ أَوْلَادُ الرَّضِيعِ أَوْلَادَ الرَّجُلِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا إِلَّا أَهْلُ الظاهر وبن عُلَيَّةَ فَقَالُوا لَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ بَيْنَ الرجل والرضيع ونقله المازرى عن بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وَلَمْ يَذْكُرِ الْبِنْتَ وَالْعَمَّةَ كَمَا ذَكَرَهُمَا فِي النَّسَبِ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي عَمِّ عَائِشَةَ وَعَمِّ حَفْصَةَ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ إِذْنِهِ فِيهِ إِنَّهُ يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة وَأَجَابُوا عَمَّا احْتُجُّوا بِهِ مِنَ الْآيَةِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ بِإِبَاحَةِ الْبِنْتِ وَالْعَمَّةِ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّ ذِكْرَ الشَّيْءِ لَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ الْحُكْمِ عَمَّا سِوَاهُ لَوْ لَمْ يُعَارِضْهُ دَلِيلٌ آخَرُ كَيْفَ وَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُرَاهُ فُلَانًا) لِعَمِّ حَفْصَةَ هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّهُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمِ بْنِ الْبَرِيدِ) هُوَ بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ

ثُمَّ رَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ [1445] قَوْلُهُ (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا وَهُوَ عَمُّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ) إِلَى آخِرِهِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ السَّابِقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ كَانَ فُلَانًا حَيًّا لِعَمِّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ دَخَلَ عَلَيَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي عَمِّ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ هُمَا عَمَّانِ لِعَائِشَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ أَحَدُهُمَا أَخُو أَبِيهَا أَبِي بَكْرٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ ارْتَضَعَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَالثَّانِي أَخُو أَبِيهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ الَّذِي هُوَ أَبُو الْقُعَيْسِ وَأَبُو الْقُعَيْسِ أَبُوهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأَخُوهُ أَفْلَحُ عَمُّهَا وَقِيلَ هُوَ عَمٌّ وَاحِدٌ وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ عَمَّهَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مَيِّتٌ وَفِي الثَّانِي حَيٌّ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ فَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْقَابِسِيُّ وَذَكَرَ الْقَاضِي الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ قَالَ قَوْلُ الْقَابِسِيِّ أَشْبَهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاحِدًا لَفَهِمَتْ حُكْمَهُ مِنَ الْمَرَّةِ الْأُولَى وَلَمْ تَحْتَجِبْ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا كَانَا عَمَّيْنِ كَيْفَ سَأَلَتْ عَلَى الْمَيِّتِ وَأَعْلَمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ عَمٌّ

لَهَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَاحْتَجَبَتْ عَنْ عَمِّهَا الْآخَرِ أَخِي أَبِي الْقُعَيْسِ حَتَّى أَعْلَمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ عَمُّهَا يَلِجُ عَلَيْهَا فَهَلَّا اكْتَفَتْ بِأَحَدِ السُّؤَالَيْنِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَانَ عَمًّا مِنْ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ وَالْآخَرَ مِنْهُمَا أَوْ عَمًّا أَعْلَى وَالْآخَرَ أَدْنَى أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الِاخْتِلَافِ فَخَافَتْ أَنْ تكون الاباحة مختصة بصاحب الوصف المسئول عن أَوَّلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا) وَفِي رِوَايَةٍ أَفْلَحُ بْنُ أَبِي الْقُعَيْسِ وَفِي رِوَايَةٍ اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ أَبُو الْجَعْدِ فَرَدَدْتُهُ قَالَ لِي هِشَامٌ إِنَّمَا هُوَ أَبُو الْقُعَيْسِ وَفِي رِوَايَةٍ أَفْلَحُ بْنُ قُعَيْسٍ قَالَ الْحُفَّاظُ الصَّوَابُ الرِّوَايَةُ الْأُولَى وَهِيَ الَّتِي كَرَّرَهَا مُسْلِمٌ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهَا أَنَّ عَمَّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ هُوَ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ وَكُنْيَتُهُ أفلح أبو الجعد والقعيس بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَرِبَتْ يَدَاكِ أَوْ يمينك

سبق شرحه في كتاب الغسل قوله (مالك تَنَوَّقُ فِي قُرَيْشٍ) هُوَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ نُونٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ وَاوٍ مَفْتُوحَةٍ مُشَدَّدَةٍ ثُمَّ قَافٍ أَيْ تَخْتَارُ وَتُبَالِغُ فِي الِاخْتِيَارِ قَالَ الْقَاضِي وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِتَاءَيْنِ مُثَنَّاتَيْنِ الثَّانِيَةُ مَضْمُومَةٌ أَيْ تَمِيلُ [1447] قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا هَدَّابٌ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَيُقَالُ لَهُ هُدْبَةُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ قَوْلُهُ (أُرِيدَ عَلَى ابْنَةِ حَمْزَةَ) هُوَ بِضَمِّ الهمزة

وَكَسْرِ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ قِيلَ لَهُ يَتَزَوَّجُهَا قَوْلُهُ (مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مِهْرَانَ الْقُطَعِيُّ) هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الطَّاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى قُطَيْعَةَ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَهُوَ قُطَيْعَةُ بْنُ عَبْسِ بْنِ بغيض بن ريث بْنِ غَطَفَانَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ (كِلَيْهِمَا عَنْ قَتَادَةَ) كَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا كِلَاهُمَا وَهُوَ الْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ أَيْضًا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ وَجْهِهِ فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ قَوْلُهُ (وَفِي رِوَايَةِ بِشْرٍ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ) يَعْنِي فِي رِوَايَةِ بِشْرٍ أَنَّ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ وَهَذَا مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَى بَيَانِهِ لِأَنَّ قَتَادَةَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى قَتَادَةُ عَنْ جَابِرٍ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُدَلِّسَ لَا يُحْتَجُّ بِعَنْعَنَتِهِ حَتَّى يَثْبُتَ سَمَاعُهُ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ فَنَبَّهَ مُسْلِمٌ عَلَى ثُبُوتِهِ [1448] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُسْلِمٍ يَقُولُ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمٍ يَقُولُ سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ) هَذَا الْإِسْنَادُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ أَوَّلُهُمْ بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ رَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالثَّانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مسلم الزهري

أخو الزهري المشهور وهو تابعى سمع بن عُمَرَ وَآخَرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَخِيهِ الزُّهْرِيِّ الْمَشْهُورِ وَالثَّالِثُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ الْمَشْهُورُ وَهُوَ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّاوِي عَنْهُ كَمَا ذَكَرْنَا وَالرَّابِعُ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ وَالزُّهْرِيُّ تَابِعِيَّانِ مَشْهُورَانِ فَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ ثَلَاثُ لَطَائِفَ مِنْ عِلْمِ الاسناد أحدها كَوْنُهُ جَمَعَ أَرْبَعَةَ تَابِعِيِّينَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ الثَّانِيَةُ أَنَّ فِيهِ رِوَايَةَ الْكَبِيرِ عَنِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ أَخِيهِ مُحَمَّدٍ كَمَا سَبَقَ الثَّالِثَةُ أَنَّ فِيهِ رِوَايَةَ الْأَخِ عن أخيه [1449] قولها (لست لك بمخيلة) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لست أخلى لك بغير ضرة قَوْلُهَا (لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لَسْتُ أُخَلَّى لَكَ بِغَيْرِ ضَرَّةٍ قَوْلُهَا (وَأَحَبُّ مَنْ شَرِكَنِي فِي الْخَيْرِ أُخْتِي) هُوَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ أَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِيكَ وَفِي صُحْبَتِكَ وَالِانْتِفَاعِ مِنْكَ بِخَيْرَاتِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا قَوْلُهَا (تَخْطُبُ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ) هِيَ بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَأَمَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ رُوَاةِ كِتَابِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ ضَبَطَهُ ذَرَّةَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَتَصْحِيفٌ لَا شَكَّ فِيهِ قَوْلُهَا (قَالَ ابْنَةُ أُمِّ سَلَمَةَ قُلْتُ نَعَمْ) هَذَا سُؤَالُ اسْتِثْبَاتٍ وَنَفْيِ احْتِمَالِ إِرَادَةِ غَيْرِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ) مَعْنَاهُ أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيَّ بِسَبَبَيْنِ كَوْنِهَا رَبِيبَةً وَكَوْنِهَا بِنْتَ أَخِي فَلَوْ فُقِدَ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ حَرُمَتْ بِالْآخَرِ وَالرَّبِيبَةُ بنت الزوجة مُشْتَقَّةٌ مِنَ الرَّبِّ وَهُوَ الْإِصْلَاحُ لِأَنَّهُ يَقُومُ بِأُمُورِهَا وَيُصْلِحُ أَحْوَالَهَا وَوَقَعَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الفقه أنها

مُشْتَقَّةٌ مِنَ التَّرْبِيَةِ وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ الِاشْتِقَاقِ الِاتِّفَاقَ فِي الْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ وَلَامُ الْكَلِمَةِ وَهُوَ الْحَرْفُ الْأَخِيرُ مُخْتَلِفٌ فَإِنَّ آخِرَ رَبَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَفِي آخِرِ رَبي يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالْحِجْرُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي فَفِيهِ حُجَّةٌ لِدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ أَنَّ الرَّبِيبَةَ لَا تَحْرُمُ إِلَّا إِذَا كَانَتْ فِي حِجْرِ زَوْجِ أُمِّهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ فَهِيَ حَلَالٌ لَهُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي في حجوركم وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً سِوَى دَاوُدَ أَنَّهَا حَرَامٌ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِجْرِهِ أَمْ لَا قَالُوا وَالتَّقْيِيدُ إِذَا خَرَجَ عَلَى سَبَبٍ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَفْهُومٌ يُعْمَلُ بِهِ فَلَا يُقْصَرُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَنَظِيرُهُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَيْضًا لَكِنْ خَرَجَ التَّقْيِيدُ بِالْإِمْلَاقِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أردن تحصنا وَنَظَائِرُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ قَوْلُهُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا ثُوَيْبَةُ) أَبَاهَا بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ أُرْضِعْتُ أَنَا وَأَبُوهَا أَبُو سَلَمَةَ مِنْ ثُوَيْبَةَ بِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ وَاوٍ مفتوحة ثم ياء التصغير ثم ياء مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ هَاءٍ وَهِيَ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ ارْتَضَعَ مِنْهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ) إِشَارَةٌ إِلَى أُخْتِ أُمِّ حَبِيبَةَ وَبِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَاسْمُ أُخْتِ أُمِّ حَبِيبَةَ هَذِهِ عَزَّةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَقَدْ سَمَّاهَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهَذَا

مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ حِينَئِذٍ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَكَذَا لَمْ تَعْلَمْ من عرض بنت أم سلمة تحريم الريبة وَكَذَا لَمْ تَعْلَمْ مِنْ عَرْضِ بِنْتِ حَمْزَةَ تَحْرِيمَ بِنْتِ الْأَخِ مِنَ الرَّضَاعَةِ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ حَمْزَةَ أَخٌ لَهُ مِنَ الرَّضَاعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لا تحرم المصة والمصتان) وفي رواية لا تحرم الا ملاجة وَالْإِمْلَاجَتَانِ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَلْ تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ الْوَاحِدَةُ قَالَ لَا وَفِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ أما الْإِمْلَاجَةُ فَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْجِيمِ الْمُخَفَّفَةِ وَهِيَ

الْمَصَّةُ يُقَالُ مَلَجَ الصَّبِيُّ أُمَّهُ وَأَمْلَجَتْهُ [1452] وَقَوْلُهَا (فَتُوُفِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ يُقْرَأُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّسْخَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ تَأَخَّرَ إِنْزَالُهُ جِدًّا حَتَى إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَبَعْضُ النَّاسِ يَقْرَأُ خَمْسُ رَضَعَاتٍ وَيَجْعَلُهَا قُرْآنًا مَتْلُوًّا لِكَوْنِهِ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ فَلَمَّا بَلَغَهُمُ النَّسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يُتْلَى وَالنَّسْخُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا مَا نُسِخَ حُكْمُهُ وَتِلَاوَتُهُ كَعَشْرِ رَضَعَاتٍ وَالثَّانِي مَا نسخت تلاوته دون حكمة كخمس رضعات وكالشيخ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا وَالثَّالِثُ مَا نُسِخَ حُكْمُهُ وَبَقِيَتْ تِلَاوَتُهُ وَهَذَا هُوَ الْأَكْثَرُ وَمِنْهُ قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم الْآيَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الرَّضَاعِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ لَا يَثْبُتُ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسِ رَضَعَاتٍ وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَثْبُتُ بِرَضْعَةٍ وَاحِدَةٍ حكاه بن المنذر عن علي وبن مسعود وبن عمر وبن عباس وعطاء وطاوس وبن الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهم وقال أبو ثور وأبو عبيد وبن الْمُنْذِرِ وَدَاوُدُ يَثْبُتُ بِثَلَاثِ رَضَعَاتٍ وَلَا يَثْبُتُ بِأَقَلَّ فَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ فَأَخَذُوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ خَمْسُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ وَأَخَذَ مَالِكٌ بقَوْلِهِ تَعَالَى وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا وَأَخَذَ دَاوُدُ بِمَفْهُومِ حَدِيثِ لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ وَقَالَ هُوَ مُبَيِّنٌ للقرآن

وَاعْتَرَضَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ فَقَالُوا إِنَّمَا كَانَتْ تَحْصُلُ الدَّلَالَةُ لَكُمْ لَوْ كَانَتِ الْآيَةُ وَاللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَاعْتَرَضَ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ هَذَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ عِنْدَكُمْ وَعِنْدَ مُحَقِّقِي الْأُصُولِيِّينَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ قُرْآنًا لَمْ يَثْبُتْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ اذا توجه إليه قادح يوقف عن العمل به وهذا اذا لم يجيء إِلَّا بِآحَادٍ مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ مَجِيئُهُ مُتَوَاتِرًا تُوجِبُ رِيبَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْتَرَضَتِ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ بِحَدِيثِ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ وَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ بَاطِلَةٍ لَا يَنْبَغِي ذِكْرُهَا لَكِنْ نُنَبِّهُ عَلَيْهَا خَوْفًا مِنَ الِاغْتِرَارِ بِهَا مِنْهَا أَنَّ بَعْضَهُمُ ادَّعَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَهَذَا بَاطِلٌ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَهُمْ زَعَمَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عَائِشَةَ وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ بَلْ قَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَمِنْ رِوَايَةِ أُمِّ الْفَضْلِ وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَهُمْ زَعَمَ أَنَّهُ مُضْطَرِبٌ وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ وَجَسَارَةٌ عَلَى رَدِّ السُّنَنِ بِمُجَرَّدِ الْهَوَى وَتَوْهِينِ صَحِيحِهَا لِنُصْرَةِ الْمَذَاهِبِ وَقَدْ جَاءَ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَالصَّوَابُ اشْتِرَاطُهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَدْ شَذَّ بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ لَا يَثْبُتُ الرَّضَاعُ إِلَّا بِعَشْرِ رَضَعَاتٍ وَهَذَا بَاطِلٌ مَرْدُودٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (امْرَأَتِي الْحُدْثَى) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ أَيِ الْجَدِيدَةُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حَبَّانُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ) هُوَ حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَإِرْضَاعَهَا سَالِمًا وَهُوَ رَجُلٌ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَدَاوُدُ تَثْبُتُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ بِرَضَاعِ الْبَالِغِ كَمَا تَثْبُتُ بِرَضَاعِ الطِّفْلِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَى الْآنِ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِإِرْضَاعِ مَنْ لَهُ دُونَ سَنَتَيْنِ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ سَنَتَيْنِ وَنِصْفٍ وَقَالَ زُفَرُ ثَلَاثِ سِنِينَ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةُ سَنَتَيْنِ وَأَيَّامٍ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنَ لِمَنْ أراد أن يتم الرضاعة وَبِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ وَبِأَحَادِيثَ

مَشْهُورَةٍ وَحَمَلُوا حَدِيثَ سَهْلَةَ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهَا وَبِسَالِمٍ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَسَائِرِ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُنَّ خَالَفْنَ عَائِشَةَ فِي هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1453] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَرْضِعِيهِ) قَالَ الْقَاضِي لَعَلَّهَا حَلَبَتْهُ ثُمَّ شَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ ثَدْيَهَا وَلَا الْتَقَتْ بَشَرَتَاهُمَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي حَسَنٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عُفِيَ عَنْ مَسِّهِ لِلْحَاجَةِ كَمَا خُصَّ بِالرَّضَاعَةِ مَعَ الْكِبَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَوْلُهُ (مَكَثْتُ سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا لَا أُحَدِّثُ بِهِ وَهِبْتُهُ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهِبْتُهُ مِنَ الْهَيْبَةِ وَهِيَ الْإِجْلَالُ وَفِي بَعْضِهَا رَهِبْتُهُ بِالرَّاءِ مِنَ الرَّهْبَةِ وَهِيَ الْخَوْفُ وَهِيَ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ وَضَمِّ التَّاءِ وَضَبَطَهُ الْقَاضِي وَبَعْضُهُمْ رَهْبَتَهُ بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَنَصْبِ التَّاءِ قَالَ الْقَاضِي هُوَ مَنْصُوبٌ بِإِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ وَالضَّبْطُ الْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لَلنُّسَخِ الْأُخَرِ وَهِبْتُهُ بِالْوَاوِ

وَقَوْلُهَا يَدْخُلُ عَلَيْكِ الْغُلَامُ الْأَيْفَعُ هُوَ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَبِالْفَاءِ وَهُوَ الَّذِي قَارَبَ الْبُلُوغَ وَلَمْ يَبْلُغْ وَجَمْعُهُ أَيْفَاعُ وَقَدْ أَيْفَعَ الغلام ويفع وهو يافع والله أعلم

باب جواز وطء المسبية بعد الاستبراء

(باب جواز وطء المسبية بعد الاستبراء) (وإن كان لها زوج انفسخ نكاحه بالسبى) [1456] قوله (حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أبي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) وَفِي الطَّرِيقِ الثَّانِي عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَفِي الطَّرِيقِ الْآخَرِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ أَبِي عَلْقَمَةَ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ عَنْ رِوَايَةِ الْجُلُودِيِّ وبن مَاهَانَ قَالَ وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ قال ووقع في نسخة بن الْحَذَّاءِ بِإِثْبَاتِ أَبِي عَلْقَمَةَ بَيْنَ أَبِي الْخَلِيلِ وَأَبِي سَعِيدٍ قَالَ الْغَسَّانِيُّ وَلَا أَدْرِي مَا صَوَابُهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ غَيْرُ الْغَسَّانِيِّ اثبات أَبِي عَلْقَمَةَ هُوَ الصَّوَابُ قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ

إِثْبَاتَهُ وَحَذْفَهُ كِلَاهُمَا صَوَابٌ وَيَكُونُ أَبُو الْخَلِيلِ سَمِعَ بِالْوَجْهَيْنِ فَرَوَاهُ تَارَةً كَذَا وَتَارَةً كَذَا وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ بَيَانُ أَمْثَالِ هَذَا قَوْلُهُ (بَعَثَ جَيْشًا إِلَى أَوْطَاسَ) أَوْطَاسُ مَوْضِعٌ عِنْدَ الطَّائِفِ يُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا قَوْلُهُ (فَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا فَكَأَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحرجوا من غشيانهن مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا ما ملكت أيمانكم) أَيْ فَهُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ مَعْنَى تَحَرَّجُوا خَافُوا الْحَرَجَ وَهُوَ الْإِثْمُ مِنْ غِشْيَانِهِنَّ أَيْ مِنْ وَطْئِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُنَّ زَوْجَاتٌ وَالْمُزَوَّجَةُ لَا تَحِلُّ لِغَيْرِ زَوْجِهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِبَاحَتَهُنَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النساء إلا ما ملكت أيمانكم وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ هُنَا الْمُزَوَّجَاتُ وَمَعْنَاهُ وَالْمُزَوَّجَاتُ حَرَامٌ عَلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ إِلَّا مَا مَلَكْتُمْ بِالسَّبْيِ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ نِكَاحُ زَوْجِهَا الْكَافِرِ وَتَحِلُّ لَكُمْ إِذَا انْقَضَى اسْتِبْرَاؤُهَا وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ أَيِ اسْتِبْرَاؤُهُنَّ وَهِيَ بِوَضْعِ الْحَمْلِ عَنِ الْحَامِلِ وَبِحَيْضَةٍ مِنَ الْحَائِلِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمَسْبِيَّةَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَغَيْرِهِمْ

مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَا كِتَابَ لَهُمْ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى تُسْلِمَ فَمَا دَامَتْ عَلَى دِينِهَا فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ وهَؤُلَاءِ الْمَسْبِيَّاتُ كن من مشركي العرب عبدة الأوثان فيؤول هَذَا الْحَدِيثُ وَشِبْهُهُ عَلَى أَنَّهُنَّ أَسْلَمْنَ وَهَذَا التَّأْوِيلُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَمَةِ إِذَا بِيعَتْ وَهِيَ مُزَوَّجَةٌ مُسْلِمًا هَلْ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ وَتَحِلُّ لِمُشْتَرِيهَا أَمْ لا فقال بن عَبَّاسٍ يَنْفَسِخُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النساء الا ما ملكت أيمانكم وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ لَا يَنْفَسِخُ وَخَصُّوا الْآيَةَ بِالْمَمْلُوكَةِ بِالسَّبْيِ قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ إِذَا خَرَجَ عَلَى سَبَبٍ هَلْ يُقْصَرُ عَلَى سَبَبِهِ أَمْ لَا فَمَنْ قال يقصر على سببه لم يكن فيه هنا حجة للمملوكة بالشراء لأن التقدير الا ماملكت أيمانكم بالسبى ومن قَالَ لَا يُقْصَرُ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ قَالَ يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْمَمْلُوكَةِ بِالشِّرَاءِ لَكِنْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ شِرَاءِ عَائِشَةَ بَرِيرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ بَرِيرَةَ فِي زَوْجِهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِالشِّرَاءِ لَكِنْ هَذَا تَخْصِيصُ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وفي جوازه خلاف والله أعلم

باب الولد للفراش وتوقى الشبهات

(باب الولد للفراش وتوقى الشبهات) [1457] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْعَاهِرُ الزَّانِي وَعَهَرَ زنى وعهرت زنت والعهر الزنى ومعنى له الْحَجَرِ أَيْ لَهُ الْخَيْبَةُ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْوَلَدِ وَعَادَةُ الْعَرَبِ أَنَّ تَقُولَ لَهُ الْحَجَرُ وَبِفِيهِ الْأَثْلَبُ وَهُوَ التُّرَابُ وَنَحْوَ ذَلِكَ يُرِيدُونَ لَيْسَ لَهُ إِلَّا الْخَيْبَةُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بالحجر هنا أنه يُرْجَمَ بِالْحِجَارَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ زَانٍ يُرْجَمُ وَإِنَّمَا يُرْجَمُ الْمُحْصَنُ خَاصَّةً وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ رَجْمِهِ نَفْيُ الْوَلَدِ عَنْهُ وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ عَنْهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ زَوْجَةٌ أَوْ مَمْلُوكَةٌ صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِمُدَّةِ الْإِمْكَانِ مِنْهُ لَحِقَهُ الْوَلَدُ وَصَارَ وَلَدًا يَجْرِي بَيْنَهُمَا التَّوَارُثُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْوِلَادَةِ سواء

كَانَ مُوَافِقًا لَهُ فِي الشَّبَهِ أَمْ مُخَالِفًا وَمُدَّةُ إِمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ حين اجتماعهما أماما تَصِيرُ بِهِ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا فَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً صَارَتْ فِرَاشًا بِمُجَرَّدِ عَقْدِ النِّكَاحِ وَنَقَلُوا فِي هَذَا الْإِجْمَاعَ وَشَرَطُوا إِمْكَانَ الْوَطْءِ بَعْدَ ثُبُوتِ الفراش فإن لم يمكن بأن ينكح الْمَغْرِبِيُّ مَشْرِقِيَّةً وَلَمْ يُفَارِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَطَنَهُ ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَلْحَقْهُ لِعَدَمِ إِمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَلَمْ يَشْتَرِطِ الْإِمْكَانَ بَلِ اكْتَفَى بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ قَالَ حَتَّى لَوْ طَلَّقَ عَقِبَ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ إِمْكَانِ وَطْءٍ فَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْعَقْدِ لَحِقَهُ الْوَلَدُ وَهَذَا ضَعِيفٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي إِطْلَاقِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ وَهُوَ حُصُولُ الْإِمْكَانِ عِنْدَ الْعَقْدِ هَذَا حُكْمُ الزَّوْجَةِ وَأَمَّا الْأَمَةُ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ تَصِيرُ فِرَاشًا بِالْوَطْءِ وَلَا تَصِيرُ فِرَاشًا بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ حَتَّى لَوْ بَقِيَتْ فِي مِلْكِهِ سِنِينَ وَأَتَتْ بِأَوْلَادٍ وَلَمْ يَطَأْهَا وَلَمْ يُقِرَّ بِوَطْئِهَا لَا يَلْحَقُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَإِذَا وَطِئَهَا صَارَتْ فِرَاشًا فَإِذَا أَتَتْ بَعْدَ الْوَطْءِ بِوَلَدٍ أَوْ أَوْلَادٍ لِمُدَّةِ الْإِمْكَانِ لَحِقُوهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَصِيرُ فِرَاشًا إِلَّا إِذَا وَلَدَتْ وَلَدًا وَاسْتَلْحَقَهُ فَمَا تَأْتِي بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ يَلْحَقُهُ إِلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ قَالَ لَوْ صَارَتْ فِرَاشًا بِالْوَطْءِ لَصَارَتْ بِعَقْدِ الْمِلْكِ كَالزَّوْجَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْفَرْقُ أَنَّ الزَّوْجَةَ تُرَادُ لِلْوَطْءِ خَاصَّةً فَجَعَلَ الشَّرْعُ الْعَقْدَ عَلَيْهَا كَالْوَطْءِ لَمَّا كَانَ هُوَ الْمَقْصُودَ وَأَمَّا الْأَمَةُ تُرَادُ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَأَنْوَاعٍ مِنَ الْمَنَافِعِ غَيْرِ الْوَطْءِ وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ أُخْتَيْنِ وَأُمًّا وَبِنْتَهَا وَلَا يَجُوزُ جَمْعُهُمَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَلَمْ تَصِرْ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فِرَاشًا فَإِذَا حَصَلَ الْوَطْءُ صَارَتْ كَالْحُرَّةِ وَصَارَتْ فِرَاشًا وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ الْمَذْكُورَ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ ثَبَتَ مَصِيرُ أَمَةِ أَبِيهِ زَمْعَةَ فِرَاشًا لِزَمْعَةَ فَلِهَذَا أَلْحَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به الولد وثبوت فراشه إما ببنية عَلَى إِقْرَارِهِ بِذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ وَإِمَّا بِعِلْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِزَمْعَةَ وَلَدٌ آخَرُ مِنْ هذه الأمة قبل هذا فدل عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ خِلَافَ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ عَلَى مَالِكٍ وَمُوَافِقِيهِ

فِي اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ يِجَوَزُ أن يستلحق الوارث نسبا لمورثه بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ حَائِزًا لِلْإِرْثِ أَوْ يَسْتَلْحِقَهُ كُلُّ الْوَرَثَةِ وَبِشَرْطِ أَنْ يُمْكِنَ كَوْنُ الْمُسْتَلْحَقِ وَلَدًا لِلْمَيِّتِ وَبِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ وَبِشَرْطِ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُسْتَلْحَقُ إِنْ كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا وَهَذِهِ الشُّرُوطُ كُلُّهَا مَوْجُودَةٌ فِي هَذَا الْوَلَدِ الَّذِي أَلْحَقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَمْعَةَ حِينَ اسْتَلْحَقَهُ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ وَيَتَأَوَّلُ أَصْحَابُنَا هَذَا تَأْوِيلَيْنِ أحدهما أن سودة بنت زمعة أخت عبد اسْتَلْحَقَتْهُ مَعَهُ وَوَافَقَتْهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى تَكُونَ كُلُّ الْوَرَثَةِ مُسْتَلْحِقِينَ وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي أَنَّ زَمْعَةَ مَاتَ كَافِرًا فَلَمْ تَرِثْهُ سَوْدَةُ لِكَوْنِهَا مُسْلِمَةً وَوَرِثَهُ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ فَأَمَرَهَا بِهِ نَدْبًا وَاحْتِيَاطًا لِأَنَّهُ فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ أَخُوهَا لِأَنَّهُ أُلْحِقَ بِأَبِيهَا لَكِنْ لَمَّا رَأَى الشَّبَهَ الْبَيِّنَ بِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ خَشِيَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَائِهِ فَيَكُونَ أَجْنَبِيًّا مِنْهَا فَأَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ احْتِيَاطًا قَالَ الْمَازِرِيُّ وَزَعَمَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ احْتَجِبِي مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَخٍ لَكِ وَقَوْلُهُ لَيْسَ بِأَخٍ لَكِ لَا يُعْرَفُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَلْ هِيَ زيادة باطلة مردودة وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَضِيَ اللَّهُ عنه كانت عادة الجاهلية إلحاق النسب بالزنى وكانوا يستأجرون الإماء لِلزِّنَا فَمَنِ اعْتَرَفَتِ الْأُمُّ بِأَنَّهُ لَهُ أَلْحَقُوهُ بِهِ فَجَاءَ الْإِسْلَامُ بِإِبْطَالِ ذَلِكَ وَبِإِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِالْفِرَاشِ الشَّرْعِيِّ فَلَمَّا تَخَاصَمَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَقَامَ سَعْدٌ بِمَا عَهِدَ إِلَيْهِ أَخُوهُ عُتْبَةُ مِنْ سِيرَةِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ يَعْلَمْ سَعْدٌ بُطْلَانَ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَكُنْ حَصَلَ إِلْحَاقُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِمَّا لِعَدَمِ الدَّعْوَى وَإِمَّا لِكَوْنِ الْأُمِّ لَمْ تَعْتَرِفْ بِهِ لِعُتْبَةَ وَاحْتَجَّ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ بِأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِيهِ فَحَكَمَ لَهُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (رَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّبَهَ وَحُكْمَ الْقَافَةِ إِنَّمَا يُعْتَمَدُ إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَقْوَى مِنْهُ كَالْفِرَاشِ كَمَا لَمْ يَحْكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّبَهِ فِي قِصَّةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ مَعَ أَنَّهُ جَاءَ عَلَى الشَّبَهِ الْمَكْرُوهِ وَاحْتَجَّ بَعْضُ

باب العمل بإلحاق القائف الولد

الْحَنَفِيَّةِ وَمُوَافِقِيهِمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ بالزنى لَهُ حُكْمُ الْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ لَا أثر لوطء الزنى بَلْ لِلزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ الْمَزْنِيِّ بِهَا وبنتها بَلْ زَادَ الشَّافِعِيُّ فَجَوَّزَ نِكَاحَ الْبِنْتِ الْمُتَوَلِّدَةِ من مائة بالزنى قَالُوا وَوَجْهُ الِاحْتِجَاجِ بِهِ أَنَّ سَوْدَةَ أُمِرَتْ بِالِاحْتِجَابِ وَهَذَا احْتِجَاجٌ بَاطِلٌ وَالْعَجَبُ مِمَّنْ ذَكَرَهُ لأن هذا على تقدير كونه من الزنى وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ مِنْ سَوْدَةَ لَا يَحِلُّ لَهَا الظُّهُورُ لَهُ سَوَاءٌ أُلْحِقَ بِالزَّانِي أَمْ لَا فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُحِيلُ الْأَمْرَ فِي الْبَاطِنِ فَإِذَا حُكِمَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ زُورٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ الْمَحْكُومُ بِهِ لِلْمَحْكُومِ لَهُ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ بِهِ لِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ وَأَنَّهُ أَخٌ لَهُ وَلِسَوْدَةَ وَاحْتُمِلَ بِسَبَبِ الشَّبَهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ عُتْبَةَ فَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ يُحِيلُ الْبَاطِنَ لَمَا أَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب العمل بإلحاق القائف الولد) [1459] قَوْلُهُ (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيَّ مسرور تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَقَالَ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا نَظَرَ آنِفًا إِلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَقَالَ إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأَقْدَامِ لَمِنْ بَعْضٍ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ قَوْلُهُ تَبْرُقُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ أَيْ تُضِيءُ وتستنير من السرور والفرح والأسارير هِيَ الْخُطُوطُ الَّتِي فِي الْجَبْهَةِ وَاحِدُهَا سِرٌّ وَسُرُورٌ وَجَمْعُهُ أَسْرَارٌ وَجَمْعُ الْجَمْعِ أَسَارِيرُ وَأَمَّا مُجَزِّزٌ فَبِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ زَايٍ مُشَدَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ زَايٍ أُخْرَى

هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي عَنِ الدارقطنى وعبد الغنى أنهما حكيا عن بن جريج أنه بفتح الزاي الاولى وعن بن عبد البر وأبي علي الغساني أن بن جُرَيْجٍ قَالَ أَنَّهُ مُحْرِزٍ بِإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ وَكَسْرِ اللَّامِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَكَانَتِ الْقِيَافَةُ فِيهِمْ وَفِي بَنِي أَسَدٍ تَعْتَرِفُ لَهُمُ الْعَرَبُ بِذَلِكَ وَمَعْنَى نَظَرَ آنِفًا أَيْ قَرِيبًا وَهُوَ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَبِقَصْرِهَا وَقُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْمَازِرِيُّ وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَقْدَحُ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ لِكَوْنِهِ أَسْوَدَ شَدِيدَ السَّوَادِ وَكَانَ زَيْدٌ أَبْيَضَ كَذَا قَالَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ فَلَمَّا قَضَى هَذَا الْقَائِفُ بِإِلْحَاقِ نَسَبِهِ مَعَ اخْتِلَافِ اللَّوْنِ وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَعْتَمِدُ قَوْلَ الْقَائِفِ فَرِحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهِ زَاجِرًا لَهُمْ عَنِ الطَّعْنِ فِي النَّسَبِ قَالَ الْقَاضِي قَالَ غَيْرُ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ كَانَ زَيْدٌ أَزْهَرَ اللَّوْنِ وَأُمُّ أُسَامَةَ هِيَ أُمُّ أَيْمَنَ وَاسْمُهَا بَرَكَةُ وَكَانَتْ حَبَشِيَّةً سَوْدَاءَ قَالَ الْقَاضِي هِيَ بَرَكَةُ بِنْتُ مُحْصَنِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُصَيْنِ بن مالك بن سلمة بن عمرو بْنِ النُّعْمَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْعَمَلِ بِقَوْلِ الْقَائِفِ فَنَفَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَثْبَتَهُ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ إِثْبَاتُهُ فِي الْإِمَاءِ وَنَفْيُهُ فِي الْحَرَائِرِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إِثْبَاتُهُ فِيهِمَا وَدَلِيلُ الشَّافِعِيِّ حَدِيثُ مُجَزِّزٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرِحَ لِكَوْنِهِ وَجَدَ فِي أُمَّتِهِ مَنْ يُمَيِّزُ أَنْسَابَهَا عِنْدَ اشْتِبَاهِهَا وَلَوْ كَانَتِ القيافة باطلة لم يحصل بذلك سرور وَاتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِالْقَائِفِ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يُكْتَفَى بِوَاحِدٍ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ وَبِهِ قَالَ بن الْقَاسِمِ الْمَالِكِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ يُشْتَرَطُ اثْنَانِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ لِلِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اخْتِصَاصِهِ بِبَنِي مُدْلِجٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ خَبِيرًا

باب قدر ما تستحقه البكر والثيب

بِهَذَا مُجَرِّبًا وَاتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِالْقَائِفِ عَلَى أَنَّهُ انما يكون فيما أشكل من وطئين محترمين كالمشترى والبائع يطآن الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ فِي طُهْرٍ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ مِنَ الْأَوَّلِ فَتَأْتِي بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَطْءِ الثَّانِي وَلِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَطْءِ الْأَوَّلِ وَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى الْقَائِفِ فَأَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا لُحِقَ بِهِ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا تُرِكَ الْوَلَدُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبَ إِلَى مَنْ يَمِيلُ إِلَيْهِ مِنْهُمَا وَإِنْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا فَمَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَتْرُكُهُ يَبْلُغُ فَيَنْتَسِبُ إِلَى مَنْ يَمِيلُ إِلَيْهِ مِنْهُمَا وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَسَحْنُونٌ يَكُونُ ابْنًا لَهُمَا وَقَالَ الْمَاجِشُونُ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْمَالِكِيَّانِ يلحق بأكثرهما له شبها قال بن مَسْلَمَةَ إِلَّا أَنْ يُعْلَمَ الْأَوَّلُ فَيَلْحَقَ بِهِ وَاخْتَلَفَ النَّافُونَ لِلْقَائِفِ فِي الْوَلَدِ الْمُتَنَازِعِ فِيهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْحَقُ بِالرَّجُلَيْنِ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِيهِ وَلَوْ تَنَازَعَ فِيهِ امْرَأَتَانِ لَحِقَ بِهِمَا وقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ يَلْحَقُ بِالرَّجُلَيْنِ وَلَا يَلْحَقُ إِلَّا بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ إِسْحَاقُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا (باب قدر ما تستحقه البكر والثيب) (من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف) [1460] قوله (عن سفيان بن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ

عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ عن أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَزَوَّجَ أُمَّ سلمة وكذا رَوَاهُ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ مُرْسَلًا وَرَوَاهُ بَعْدَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ مُتَّصِلًا كَرِوَايَةِ سُفْيَانَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ قَدْ أَرْسَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُمَيْدٍ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنَ اسْتِدْرَاكِهِ هَذَا عَلَى مُسْلِمٍ فَاسِدٌ لِأَنَّ مُسْلِمًا رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ بَيَّنَ اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ وَمَذْهَبُهُ وَمَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ وَمُحَقِّقِي الْمُحَدِّثِينَ أَنَّ الْحَدِيثَ إِذَا رُوِيَ مُتَّصِلًا وَمُرْسَلًا حُكِمَ بِالِاتِّصَالِ وَوَجَبَ العمل به لِأَنَّهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِدْرَاكُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا تَزَوَّجَهَا وَأَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا (إِنَّهُ لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي) وَفِي رِوَايَةٍ وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ ثُمَّ دُرْتُ قَالَتْ ثَلِّثْ وَفِي رِوَايَةٍ دَخَلَ عَلَيْهَا فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَخَذَتْ بِثَوْبِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ إِنْ شِئْتِ زِدْتُكِ وَحَاسَبْتُكِ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ فَمَعْنَاهُ لَا يَلْحَقُكِ هَوَانٌ وَلَا يَضِيعُ مِنْ حَقِّكِ شَيْءٌ بَلْ تَأْخُذِينَهُ كَامِلًا ثُمَّ بَيَّنَ

(حقها وأنها مخيرة بين ثلاث بلا قضاء وبين سبع ويقضى

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَقَّهَا وَأَنَّهَا مُخَيَّرَةٌ بين ثلاث بلا قضاء وبين سبع ويقضى لباقي نسائه لأن في الثلاث مَزِيَّةً بِعَدَمِ الْقَضَاءِ وَفِي السَّبْعِ مَزِيَّةٌ لَهَا بِتَوَالِيهَا وَكَمَالِ الْأُنْسِ فِيهَا فَاخْتَارَتِ الثَّلَاثَ لِكَوْنِهَا لَا تُقْضَى وَلِيَقْرُبَ عَوْدُهُ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ يَطُوفُ عَلَيْهِنَّ لَيْلَةً لَيْلَةً ثُمَّ يَأْتِيهَا وَلَوْ أَخَذَتْ سَبْعًا طَافَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهِنَّ سَبْعًا سَبْعًا فَطَالَتْ غَيْبَتُهُ عَنْهَا قَالَ الْقَاضِي الْمُرَادُ بِأَهْلِكِ هُنَا نَفْسُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ لَا أَفْعَلُ فِعْلًا بِهِ هَوَانُكِ عَلَيَّ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ مُلَاطَفَةِ الْأَهْلِ وَالْعِيَالِ وَغَيْرِهِمْ وَتَقْرِيبُ الْحَقِّ مِنْ فَهْمِ الْمُخَاطَبِ لِيَرْجِعَ إِلَيْهِ وَفِيهِ الْعَدْلُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ وَفِيهِ أَنَّ حَقَّ الزِّفَافِ ثَابِتٌ لِلْمَزْفُوفَةِ وَتُقَدَّمُ بِهِ عَلَى غَيْرِهَا فإن كانت بكرا كان لها سبع لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا بِلَا قَضَاءٍ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا كان لها الخياران شَاءَتْ سَبْعًا وَيَقْضِي السَّبْعَ لِبَاقِي النِّسَاءِ وَإِنْ شَاءَتْ ثَلَاثًا وَلَا يَقْضِي هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ وَهُوَ الَّذِي ثَبَتَتْ فِيهِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وأبو ثور وبن جَرِيرٍ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ يَجِبُ قَضَاءُ الْجَمِيعِ فِي الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ وَاسْتَدَلُّوا بِالظَّوَاهِرِ الْوَارِدَةِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَهِيَ مُخَصِّصَةٌ لِلظَّوَاهِرِ الْعَامَّةِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ هَذَا الْحَقَّ لِلزَّوْجِ أَوْ لِلزَّوْجَةِ الْجَدِيدَةِ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ حَقٌّ لَهَا وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ حَقٌّ لَهُ عَلَى بَقِيَّةِ نِسَائِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي اخْتِصَاصِهِ بِمَنْ له زوجات غير الجديدة قال بن عَبْدِ الْبَرِّ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حق للمرأة)

بِسَبَبِ الزِّفَافِ سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ زَوْجَةٌ أَمْ لَا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا لَمْ يَخُصَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْحَدِيثُ فِيمَنْ لَهُ زَوْجَةٌ أَوْ زَوْجَاتٌ غَيْرُ هَذِهِ لِأَنَّ مَنْ لَا زَوْجَةَ لَهُ فَهُوَ مُقِيمٌ مَعَ هَذِهِ كُلَّ دهره مؤنس لها متمتع بها مستمتعة به بِلَا قَاطِعٍ بِخِلَافِ مَنْ لَهُ زَوْجَاتٌ فَإِنَّهُ جُعِلَتْ هَذِهِ الْأَيَّامُ لِلْجَدِيدَةِ تَأْنِيسًا لَهَا مُتَّصِلًا لِتَسْتَقِرَّ عِشْرَتُهَا لَهُ وَتَذْهَبَ حِشْمَتُهَا وَوَحْشَتُهَا مِنْهُ وَيَقْضِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَذَّتَهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا يَنْقَطِعُ بِالدَّوَرَانِ عَلَى غَيْرِهَا وَرَجَّحَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الْقَوْلَ وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي فَتَاوِيهِ فَقَالَ إِنَّمَا يَثْبُتُ هَذَا الْحَقُّ لِلْجَدِيدَةِ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ أُخْرَى يَبِيتُ عِنْدَهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أُخْرَى أَوْ كَانَ لَا يَبِيتُ عِنْدَهَا لَمْ يَثْبُتْ لِلْجَدِيدَةِ حَقُّ الزِّفَافِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَ زَوْجَاتِهِ ابْتِدَاءً وَالْأَوَّلُ أَقْوَى وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ هَذَا الْمَقَامَ عِنْدَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ إِذَا كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ أُخْرَى وَاجِبٌ أَمْ مُسْتَحَبٌّ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَمُوَافِقِيهِمْ أنه واجب وهي رواية بن القاسم عن مالك وروى عنه بن عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ قَوْلُهُ (عَنْ أَنَسٍ قَالَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ الْبِكْرِ سَبْعًا) هَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي رَفْعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ السُّنَّةُ كَذَا أَوْ مِنَ السُّنَّةِ كَذَا فَهُوَ فِي الْحُكْمِ كَقَوْلِهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْمُحَدِّثِينَ وَجَمَاهِيرِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ موقوفا

باب القسم بين الزوجات وبيان أن السنة

وَلَيْسَ بِشَيْءٍ قَوْلُهُ (قَالَ خَالِدٌ وَلَوْ قُلْتُ إِنَّهُ رَفَعَهُ لَصَدَقْتُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَوْ شِئْتُ قُلْتُ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ مِنَ السُّنَّةِ كَذَا صَرِيحَةٌ فِي رَفْعِهِ فَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَهَا بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى لَقُلْتُهَا وَلَوْ قُلْتُهَا كُنْتُ صَادِقًا وَاللَّهُ أعلم (باب القسم بين الزوجات وبيان أن السنة) (أن تكون لكل واحدة ليلة مع يومها) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْسِمَ لِنِسَائِهِ بَلْ لَهُ اجْتِنَابُهُنَّ كُلِّهِنَّ لَكِنْ يُكْرَهُ تَعْطِيلُهُنَّ مَخَافَةً مِنَ الْفِتْنَةِ عَلَيْهِنَّ وَالْإِضْرَارِ بِهِنَّ فَإِنْ أراد القسم لم يجز له أن يبتديء بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إِلَّا بِقُرْعَةٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَقْسِمَ لَيْلَةً لَيْلَةً وَلَيْلَتَيْنِ لَيْلَتَيْنِ وَثَلَاثًا ثَلَاثًا وَلَا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْ لَيْلَةٍ وَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثَةِ إِلَّا بِرِضَاهُنَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا وَفِيهِ أَوْجُهٌ ضَعِيفَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ غَيْرَ مَا ذَكَرْتُهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَطُوفَ عَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ وَيَطَأَهُنَّ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ بِرِضَاهُنَّ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِغَيْرِ رِضَاهُنَّ وَإِذَا قَسَمَ كَانَ لَهَا الْيَوْمُ الَّذِي بَعْدَ لَيْلَتِهَا وَيَقْسِمُ لِلْمَرِيضَةِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهَا الْأُنْسُ بِهِ وَلِأَنَّهُ يَسْتَمْتِعُ بِهَا بغير الوطيء مِنْ قُبْلَةٍ وَنَظَرٍ وَلَمْسٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قَسَمَ لَا يَلْزَمُهُ الْوَطْءُ وَلَا التَّسْوِيَةُ فِيهِ بَلْ لَهُ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهُنَّ وَلَا يَطَأُ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ وَلَهُ أَنْ يَطَأَ بَعْضَهُنَّ فِي نَوْبَتِهَا دُونَ بَعْضٍ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أن لا يُعَطِّلَهُنَّ وَأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنهُنَّ فِي ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1462] قَوْلُهُ (كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعُ نِسْوَةٍ فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الْأُولَى إِلَّا فِي تِسْعٍ وَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ

فَجَاءَتْ زَيْنَبُ فَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ هَذِهِ زَيْنَبُ فَكَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَتَقَاوَلَتَا حَتَّى اسْتَخْبَتَا فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ فَسَمِعَ أَصْوَاتِهُمَا فَقَالَ اخْرُجْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَى الصَّلَاةِ وَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ) أَمَّا قَوْلُهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ فَهُنَّ اللَّاتِي تُوُفِّيَ عَنْهُنَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَسَوْدَةُ وَزَيْنَبُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَأُمُّ حَبِيبَةَ وَمَيْمُونَةُ وَجُوَيْرِيَّةُ وَصْفِيَّةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ وَيُقَالُ نِسْوَةٌ وَنُسْوَةٌ بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ الكسر أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَكَانَ إِذَا قَسَمَ لَهُنَّ لَا يَنْتَهِي إلى الأولى الا فِي تِسْعٍ فَمَعْنَاهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ التِّسْعِ وَفِيهِ أنه يستحب أن لا يَزِيدَ فِي الْقَسْمِ عَلَى لَيْلَةٍ لَيْلَةٍ لِأَنَّ فيه مخاطرة بحقوقهن وأما قوله وكن يَجْتَمِعْنَ كُلَ لَيْلَةٍ إِلَى آخِرِهِ فَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْتِيَ كُلَّ امْرَأَةٍ فِي بَيْتِهَا وَلَا يَدْعُوهُنَّ إِلَى بَيْتِهِ لَكِنْ لَوْ دَعَا كُلَّ وَاحِدَةٍ فِي نَوْبَتِهَا إِلَى بَيْتِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ خِلَافُ الْأَفْضَلِ وَلَوْ دَعَاهَا إِلَى بَيْتِ ضَرَائِرِهَا لَمْ تَلْزَمْهَا الْإِجَابَةُ وَلَا تَكُونُ بِالِامْتِنَاعِ نَاشِزَةً بِخِلَافِ مَا إِذَا امْتَنَعَتْ مِنَ الْإِتْيَانِ إِلَى بَيْتِهِ لِأَنَّ عَلَيْهَا ضَرَرًا فِي الْإِتْيَانِ إِلَى ضَرَّتِهَا وَهَذَا الِاجْتِمَاعُ كَانَ بِرِضَاهُنَّ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي غَيْرَ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ فِي بَيْتِهَا فِي اللَّيْلِ بَلْ ذَلِكَ حَرَامٌ عِنْدَنَا إِلَّا لِضَرُورَةٍ بِأَنْ حَضَرَهَا الْمَوْتُ أَوْ نَحْوَهُ مِنَ الضَّرُورَاتِ وَأَمَّا مَدُّ يَدِهِ إِلَى زَيْنَبَ وَقَوْلُ عَائِشَةَ هَذِهِ زَيْنَبُ فَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَمْدًا بَلْ ظَنَّهَا عَائِشَةَ صَاحِبَةَ النَّوْبَةِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي اللَّيْلِ وَلَيْسَ فِي الْبُيُوتِ مَصَابِيحُ وَقِيلَ كَانَ مِثْلُ هَذَا بِرِضَاهُنَّ وَأَمَّا قَوْلُهُ حَتَّى اسْتَخْبَتَا فَهُوَ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ تاء مُثَنَّاةٍ فَوْقُ مِنَ السَّخَبِ وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ وَارْتِفَاعُهَا وَيُقَالُ أَيْضًا صَخَبٌ بِالصَّادِ هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ

(باب جواز هبتها نوبتها لضرتها)

استخبثتا بثاء مثلثة أي قالتا الكلام الردئ وفي بعضها استحيتا من الاستحياء وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ اسْتَحَثَتَا بِمُثَلَّثَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ قَالَ وَمَعْنَاهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ تَصْحِيفًا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ حَثَتْ فِي وَجْهِ الْأُخْرَى التُّرَابَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من حُسْنِ الْخُلُقِ وَمُلَاطَفَةِ الْجَمِيعِ وَقَدْ يَحْتَجُّ الْحَنَفِيَّةُ بقوله مديده ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ لَمَسَ بِلَا حَائِلٍ وَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُمْ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ لَمَسَ بَشَرَتَهَا بِلَا حَائِلٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا وَأَمَّا قَوْلُهُ احْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ فَمُبَالَغَةٌ فِي زَجْرِهِنَّ وَقَطْعِ خِصَامِهِنَّ وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَشَفَقَتُهُ وَنَظَرُهُ فِي الْمَصَالِحِ وَفِيهِ إِشَارَةُ الْمَفْضُولِ عَلَى صَاحِبِهِ الْفَاضِلِ بِمَصْلَحَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب جَوَازِ هِبَتِهَا نَوْبَتَهَا لِضُرَّتِهَا) [1463] قَوْلُهُ (عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلَاخِهَا مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ مِنَ امْرَأَةٍ فِيهَا حِدَّةٌ) الْمِسْلَاخُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْجِلْدُ وَمَعْنَاهُ أَنْ أَكُونَ أنا هي وزمعة بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَقَوْلُهَا مِنَ امْرَأَةٍ قَالَ الْقَاضِي مِنْ هُنَا لِلْبَيَانِ وَاسْتِفْتَاحِ الْكَلَامِ وَلَمْ تُرِدْ عَائِشَةُ عَيْبَ سَوْدَةَ بِذَلِكَ بَلْ وَصَفَتْهَا بِقُوَّةِ النَّفْسِ وَجَوْدَةِ الْقَرِيحَةِ وَهِيَ الْحِدَّةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ قَوْلُهَا (فَلَمَّا كَبِرَتْ جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ) فِيهِ جَوَازُ هِبَتِهَا نَوْبَتَهَا لِضَرَّتِهَا لِأَنَّهُ حَقُّهَا لَكِنْ يُشْتَرَطُ رِضَا الزَّوْجِ بِذَلِكَ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْوَاهِبَةِ فَلَا يَفُوتُهُ إِلَّا بِرِضَاهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ عَلَى هَذِهِ الْهِبَةِ عِوَضًا وَيَجُوزُ أَنْ تَهَبَ لِلزَّوْجِ فَيَجْعَلَ الزَّوْجُ نَوْبَتَهَا لِمَنْ شَاءَ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ تَوْزِيعُهَا عَلَى الْبَاقِيَاتِ وَيَجْعَلُ الْوَاهِبَةَ كَالْمَعْدُومَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلِلْوَاهِبَةِ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَتْ فَتَرْجِعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي لِأَنَّ الْهِبَاتِ يُرْجَعُ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ مِنْهَا دُونَ الْمَقْبُوضِ

وَقَوْلُهَا جَعَلَتْ يَوْمَهَا أَيْ نَوْبَتُهَا وَهِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَقَوْلُهَا كَانَ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ يَوْمَهَا ويوم سودة ومعناه أَنَّهُ كَانَ يَكُونُ عِنْدَ عَائِشَةَ فِي يَوْمِهَا وَيَكُونُ عِنْدَهَا أَيْضًا فِي يَوْمِ سَوْدَةَ لَا أَنَّهُ يُوَالِي لَهَا الْيَوْمَيْنِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمُوَالَاةُ لِلْمَوْهُوبِ لَهَا إِلَّا برضى الْبَاقِيَاتِ وَجَوَّزَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِغَيْرِ رِضَاهُنَّ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَوْلُهَا (وَكَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا بَعْدِي) كذا ذكره مسلم من رواية يونس عَنْ شَرِيكٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ عَائِشَةَ قَبْلَ سَوْدَةَ وَكَذَا ذَكَرَهُ يُونُسُ أَيْضًا عَنِ الزُّهْرِيِّ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ وَرَوَى عَقِيلُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ تَزَوَّجَ سَوْدَةَ قَبْلَ عَائِشَةَ قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ قُلْتُ وَقَالَهُ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَمُحَمَّدُ بن سعد كاتب الواقدى وبن قُتَيْبَةَ وَآخَرُونَ قَوْلُهَا (مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ) هُوَ بِفَتْحِ

الْهَمْزَةِ مِنْ أَرَى وَمَعْنَاهُ يُخَفِّفُ عَنْكَ وَيُوَسِّعُ عَلَيْكَ فِي الْأُمُورِ وَلِهَذَا خَيَّرَكَ [1464] قَوْلُهُ (عَنْ عائشة قال كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقُولُ وَتَهَبُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تُرْجِي من تشاء منهن وتؤوى اليك من تشاء إلى آخره) هَذَا مِنْ خَصَائِصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ زَوَاجُ مَنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ بِلَا مَهْرٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى خَالِصَةً لك من دون المؤمنين وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ تعالى ترجى من تشاء فَقِيلَ نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا يَحِلُّ لَكَ النساء من بعد وَمُبِيحَةٌ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَا شَاءَ وَقِيلَ بَلْ نُسِخَتْ تِلْكَ الْآيَةُ بِالسُّنَّةِ قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ تَزَوَّجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَيْمُونَةَ وَمُلَيْكَةَ وَصَفِيَّةَ وَجُوَيْرِيَةَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ وَقِيلَ عَكْسُ هَذَا وَأَنَّ قوله تعالى لا تحل لك النساء ناسخة لقوله تعالى ترجى من تشاء وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالَ أَصْحَابُنَا الْأَصَحُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تُوُفِّيَ حَتَّى أُبِيحَ له النساء مع أزواجه [1465] قوله (أخبرنا بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ حَضَرْنَا مَعَ بن عَبَّاسٍ جِنَازَةَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَرِفَ) اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا تُوُفِّيَتْ بِسَرِفَ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْفَاءِ وَهُوَ مَكَانٌ بِقُرْبِ مَكَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا سِتَّةُ أَمْيَالٍ وَقِيلَ سَبْعَةٌ وَقِيلَ تِسْعَةٌ وَقِيلَ اثْنَا عَشَرَ قَوْلُهُ (كَانَ عِنْدَ

(باب استحباب نكاح ذات الدين)

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعٌ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ وَلَا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ) قَالَ عَطَاءٌ التي لا يقسم لها صفية بنت حي بْنِ أَخْطَبَ أَمَّا قَوْلُهُ تِسْعٌ فَصَحِيحٌ وَهُنَّ مَعْرُوفَاتٌ سَبَقَ بَيَانُ أَسْمَائِهِنَّ قَرِيبًا وَقَوْلُهُ يَقْسِمُ لثمان شهور وَأَمَّا قَوْلُ عَطَاءٍ الَّتِي لَا يَقْسِمُ لَهَا صفية فقال العلماء هو وهم من بن جُرَيْجٍ الرَّاوِي عَنْ عَطَاءٍ وَإِنَّمَا الصَّوَابُ سَوْدَةُ كَمَا سَبَقَ فِي الْأَحَادِيثِ وَاخْتَلَفُوا فِي الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الزُّهْرِيُّ هِيَ مَيْمُونَةُ وَقِيلَ أُمُّ شَرِيكٍ وَقِيلَ زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ قَوْلُهُ (قَالَ عَطَاءٌ كَانَتْ آخِرَهُنَّ مَوْتًا مَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ) قَالَ الْقَاضِي ظَاهِرُ كَلَامِ عَطَاءٍ أَنَّهُ أَرَادَ بِآخِرِهِنَّ مَوْتًا مَيْمُونَةَ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا مَاتَتْ بِسَرِفَ وَهِيَ بِقُرْبِ مَكَّةَ فَقَوْلُهُ بِالْمَدِينَةِ وَهْمٌ قَوْلُهُ آخِرُهُنَّ مَوْتًا قِيلَ مَاتَتْ مَيْمُونَةُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَقِيلَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَقِيلَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ قَبْلَ عَائِشَةَ لِأَنَّ عَائِشَةَ تُوُفِّيَتْ سَنَةَ سَبْعٍ وَقِيلَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَأَمَّا صَفِيَّةُ فَتُوُفِّيَتْ سَنَةَ خَمْسِينَ بِالْمَدِينَةِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَيُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ مَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ عَائِدٌ عَلَى صَفِيَّةَ وَلَفْظُهُ فِيهِ صَحِيحٌ يَحْتَمِلُهُ أَوْ ظَاهِرٌ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب اسْتِحْبَابِ نِكَاحِ ذَاتِ الدِّينِ) [1466] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) الصَّحِيحُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ

باب استحباب نكاح البكر

فِي الْعَادَةِ فَإِنَّهُمْ يَقْصِدُونَ هَذِهِ الْخِصَالَ الْأَرْبَعَ وَآخِرُهَا عِنْدَهُمْ ذَاتُ الدِّينِ فَاظْفَرْ أَنْتَ أَيُّهَا الْمُسْتَرْشِدُ بِذَاتِ الدِّينِ لَا أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ قَالَ شِمْرٌ الْحَسَبُ الْفِعْلُ الْجَمِيلُ لِلرَّجُلِ وَآبَائِهِ وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الْغُسْلِ مَعْنَى تَرِبَتْ يَدَاكَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى مُصَاحَبَةِ أَهْلِ الدِّينِ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِأَنَّ صَاحِبَهُمْ يَسْتَفِيدُ مِنْ أَخِلَاقِهِمْ وَبَرَكَتِهِمْ وَحُسْنِ طَرَائِقِهِمْ وَيَأْمَنُ الْمَفْسَدَةَ من جهتهم (باب استحباب نكاح البكر) قوله صلى الله عليه وسلم لجابر (تَزَوَّجْتَ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا قلت ثَيِّبًا قَالَ فَأَيْنَ أَنْتَ مِنَ الْعَذَارَى وَلِعَابِهَا) وَفِي رِوَايَةٍ فَهَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ وَفِي رِوَايَةٍ فَهَلَّا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُضَاحِكُكَ وَتُضَاحِكُهَا وَتُلَاعِبُكَ وَتُلَاعِبُهَا أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِعَابِهَا فَهُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَوَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ بِضَمِّهَا قَالَ الْقَاضِي وَأَمَّا الرِّوَايَةُ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ فَبِالْكَسْرِ لَا غَيْرَ وَهُوَ مِنَ الْمُلَاعَبَةِ مَصْدَرُ لَاعَبَ مُلَاعَبَةً كَقَاتَلَ مُقَاتَلَةً قَالَ وَقَدْ حَمَلَ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُلَاعِبُهَا عَلَى اللَّعِبِ الْمَعْرُوفِ وَيُؤَيِّدُهُ تُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ

قَالَ بَعْضُهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ اللُّعَابِ وَهُوَ الرِّيقُ وَفِيهِ فَضِيلَةُ تَزَوُّجِ الْأَبْكَارِ وَثَوَابُهُنَّ أَفْضَلُ وَفِيهِ مُلَاعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَمُلَاطَفَتُهُ لَهَا وَمُضَاحَكَتُهَا وَحُسْنُ الْعِشْرَةِ وَفِيهِ سُؤَالُ الْإِمَامِ والْكَبِيرِ أَصْحَابَهُ عَنْ أُمُورِهِمْ وَتَفَقُّدُ أَحْوَالِهِمْ وَإِرْشَادُهُمْ إِلَى مَصَالِحِهِمْ وَتَنْبِيهُهُمْ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا قَوْلُهُ (قُلْتُ لَهُ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ هَلَكَ وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ أَوْ سَبْعَ بَنَاتٍ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ آتِيَهُنَّ أَوْ أَجِيئَهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَجِيءَ بِامْرَأَةٍ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ وَتُصْلِحُهُنَّ قَالَ فَبَارَكَ اللَّهُ لَكَ أَوْ قَالَ لِي خَيْرًا) فِيهِ فضيلة لجابر وإيثاره مصلحة أخوانه عَلَى حَظِّ نَفْسِهِ وَفِيهِ الدُّعَاءُ لِمَنْ فَعَلَ خيرا وطاعة سَوَاءٌ تَعَلَّقَتْ بِالدَّاعِي أَمْ لَا وَفِيهِ جَوَازُ خِدْمَةِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا وَأَوْلَادَهُ وَعِيَالَهُ بِرِضَاهَا وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا فَلَا قَوْلُهُ (تَمْشُطُهُنَّ) هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الشِّينِ قَوْلُهُ (فَلَمَّا أَقْبَلْنَا تَعَجَّلَتْ) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا

أقبلنا وكذا نقله القاضي عن رواية بن سفيان عن مسلم قال وفي رواية بن مَاهَانَ أَقْفَلْنَا بِالْفَاءِ قَالَ وَوَجْهُ الْكَلَامِ قَفَلْنَا أَيْ رَجَعْنَا وَيَصِحُّ أَقْبَلَنَا بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ أَقْفَلَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُقْفِلْنَا بِضَمِّ الْهَمْزَةِ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ قَوْلُهُ (تَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ أَيْ بَطِيءُ الْمَشْيِ قَوْلُهُ (فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةٍ) هِيَ بِفَتْحِ النُّونِ وَهِيَ عَصَا نَحْوَ نِصْفِ الرُّمْحِ فِي أَسْفَلِهَا زَجٌّ قَوْلُهُ (فَانْطَلَقَ بَعِيرِي كَأَجْوَدِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ الْإِبِلِ) هَذَا فِيهِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَثَرُ بَرَكَتِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمْهِلُوا حَتَّى نَدْخُلَ لَيْلًا) أَيْ عِشَاءً كَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ الِاسْتِحْدَادُ اسْتِعْمَالُ الْحَدِيدَةِ فِي شَعْرِ الْعَانَةِ وَهُوَ إِزَالَتُهُ بِالْمُوسَى وَالْمُرَادُ هُنَا إِزَالَتُهُ كَيْفَ كَانَتْ وَالْمُغِيبَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَهِيَ الَّتِي غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَإِنْ حَضَرَ زَوْجُهَا فَهِيَ مُشْهِدٌ بِلَا هَاءٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِعْمَالُ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالِاحْتِرَازِ مِنْ تَتَبُّعِ الْعَوْرَاتِ وَاجْتِلَابِ مَا يَقْتَضِي دَوَامَ الصُّحْبَةِ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعَارَضَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ عَنِ الطُّرُوقِ لَيْلًا لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ جَاءَ بَغْتَةً وَأَمَّا هُنَا فَقَدْ تَقَدَّمَ خَبَرُ مَجِيئِهِمْ وَعَلِمَ النَّاسُ وُصُولَهُمْ وَأَنَّهُمْ سَيَدْخُلُونَ عِشَاءً فَتَسْتَعِدُّ لِذَلِكَ الْمُغِيبَةُ وَالشَّعِثَةُ وتصلح حالها وَتَتَأَهَّبُ لِلِقَاءِ زَوْجِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا قَدِمْتَ فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ

قال بن الْأَعْرَابِيِّ الْكَيْسُ الْجِمَاعُ وَالْكَيْسُ الْعَقْلُ وَالْمُرَادُ حَثُّهُ عَلَى ابْتِغَاءِ الْوَلَدِ قَوْلُهُ (فَحَجَنَهُ بِمِحْجَنِهِ) هُوَ بكسر الميم وهو عصافيها تَعَقُّفٌ يَلْتَقِطُ بِهَا الرَّاكِبُ مَا سَقَطَ مِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقُدُومِ مِنَ السَّفَرِ قَوْلُهُ (فَوَزَنَ لِي بِلَالٌ فَأَرْجَحَ فِي الْمِيزَانِ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ إِرْجَاحِ الْمِيزَانِ فِي وَفَاءِ الثَّمَنِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَنَحْوِهَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي حديث

جَابِرٍ وَبَيْعِهِ الْجَمَلَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ (وَأَنَا عَلَى نَاضِحٍ) هُوَ الْبَعِيرُ الَّذِي يُسْتَقَى عَلَيْهِ قَوْلُهُ (إِنَّمَا هُوَ فِي أُخْرَيَاتٍ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الراء والله أعلم

باب الوصية بالنساء

(باب الوصية بالنساء) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا) الْعِوَجُ ضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِكَسْرِهَا وَلَعَلَّ الْفَتْحَ أَكْثَرُ وَضَبَطَهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ وَآخَرُونَ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْأَرْجَحُ عَلَى مُقْتَضَى مَا سَنَنْقُلُهُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْعَوَجُ بِالْفَتْحِ فِي كُلِّ مُنْتَصِبٍ كَالْحَائِطِ وَالْعُودِ وَشِبْهِهِ وَبِالْكَسْرِ مَا كَانَ فِي بِسَاطٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ مَعَاشٍ أَوْ دِينٍ وَيُقَالُ فُلَانٌ فِي دِينِهِ عِوَجٌ بِالْكَسْرِ هَذَا كَلَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْعَوَجُ بِالْفَتْحِ فِي كُلِّ شَخْصٍ وَبِالْكَسْرِ فِيمَا لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ كَالرَّأْيِ وَالْكَلَامِ قَالَ وَانْفَرَدَ عَنْهُمْ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ فَقَالَ كِلَاهُمَا بِالْكَسْرِ وَمَصْدَرُهُمَا بِالْفَتْحِ وَالضِّلَعُ بِكَسْرِ الضَّادِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَا يَقُولُهُ الْفُقَهَاءُ أَوْ بَعْضُهُمْ أَنَّ حَوَّاءَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زوجها وَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُلَاطَفَةُ النِّسَاءِ وَالْإِحْسَانُ إِلَيْهِنَّ وَالصَّبْرُ عَلَى عِوَجِ أَخْلَاقِهِنَّ وَاحْتِمَالُ ضَعْفِ عُقُولِهِنَّ وَكَرَاهَةُ طَلَاقِهِنَّ بِلَا سَبَبٍ وَأَنَّهُ لَا يُطْمَعُ بِاسْتِقَامَتِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا شَهِدَ أَمْرًا فَلْيَتَكَلَّمْ بِخَيْرٍ أَوْ لِيَسْكُتْ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ) فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الرِّفْقِ بِالنِّسَاءِ وَاحْتِمَالِهِنَّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ إِلَّا بِخَيْرٍ فَأَمَّا الْكَلَامُ الْمُبَاحُ الَّذِي لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَيُمْسِكُ عَنْهُ مَخَافَةً مِنَ انْجِرَارِهِ إِلَى حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ [1469] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ أَوْ قَالَ غَيْرَهُ) يَفْرَكُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ بَيْنَهُمَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ فَرِكَهُ بِكَسْرِ الراء يفركه بفتحها إِذَا أَبْغَضَهُ وَالْفَرْكُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ الْبُغْضُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا لَيْسَ عَلَى النَّهْيِ قَالَ هُوَ خَبَرٌ أَيْ لَا يَقَعُ مِنْهُ بُغْضٌ تَامٌّ لَهَا قَالَ وَبُغْضُ الرِّجَالِ لِلنِّسَاءِ خِلَافُ بُغْضِهِنَّ لَهُمْ قَالَ وَلِهَذَا قَالَ إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ بَلِ الصَّوَابُ أَنَّهُ نَهْيٌ أَيْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْغِضَهَا لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَهُ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا بِأَنْ تَكُونَ شَرِسَةَ الْخُلُقِ لَكِنَّهَا دَيِّنَةٌ أَوْ جَمِيلَةٌ أَوْ عَفِيفَةٌ أَوْ رَفِيقَةٌ بِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّهُ نَهْيٌ يَتَعَيَّنُ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي الرِّوَايَاتِ لَا يَفْرَكْ بِإِسْكَانِ الْكَافِ لَا بِرَفْعِهَا وَهَذَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ النَّهْي وَلَوْ رُوِيَ مَرْفُوعًا لَكَانَ نَهْيًا

بِلَفْظِ الْخَبَرِ وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ خِلَافُهُ فَبَعْضُ النَّاسِ يُبْغِضُ زَوْجَتَهُ بُغْضًا شَدِيدًا وَلَوْ كَانَ خَبَرًا لَمْ يَقَعْ خِلَافُهُ وَهَذَا وَاقِعٌ وَمَا أَدْرِي مَا حَمَلَ الْقَاضِي عَلَى هَذَا التفسير [1470] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ) أَيْ لَمْ تخنه أبدا وحواء بالمد روينا عن بن عَبَّاسٍ قَالَ سُمِّيَتْ حَوَّاءُ لِأَنَّهَا أُمُّ كُلِّ حَيٍّ قِيلَ إِنَّهَا وَلَدَتْ لِآدَمَ أَرْبَعِينَ وَلَدًا فِي عِشْرِينَ بَطْنًا فِي كُلِّ بَطْنٍ ذَكَرٌ وَأُنْثَى وَاخْتَلَفُوا مَتَى خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ فقيل قبل دخولها الْجَنَّةَ فَدَخَلَاهَا وَقِيلَ فِي الْجَنَّةِ قَالَ الْقَاضِي وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهَا أُمُّ بَنَاتِ آدَمَ فأشبهنها ونزع العرق لما جرى لها فِي قِصَّةِ الشَّجَرَةِ مَعَ إِبْلِيسَ فَزَيَّنَ لَهَا أَكْلَ الشَّجَرَةِ فَأَغْوَاهَا فَأَخْبَرَتْ آدَمَ بِالشَّجَرَةِ فَأَكَلَ مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْبُثِ الطَّعَامُ وَلَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالنُّونِ وَبِكَسْرِ النُّونِ وَالْمَاضِي مِنْهُ خَنِزَ بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَمَصْدَرُهُ الْخَنَزُ وَالْخُنُوزُ وَهُوَ إِذَا تَغَيَّرَ وَأَنْتَنَ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى نُهُوا عَنِ ادِّخَارِهَمَا فَادَّخَرُوا فَفَسَدَ وَأَنْتَنَ وَاسْتَمَرَّ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ والله أعلم

(كتاب الطلاق هو مشتق من الإطلاق وهو الإرسال والترك

(كتاب الطلاق هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الْإِرْسَالُ وَالتَّرْكُ وَمِنْهُ طَلَّقْتُ الْبِلَادَ أَيْ تَرَكْتُهَا وَيُقَالُ طَلَقَتِ الْمَرْأَةُ وَطَلُقَتْ بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ تطلق بضمها فيهما) (بَاب تَحْرِيمِ طَلَاقِ الْحَائِضِ بِغَيْرِ رِضَاهَا) (وَأَنَّهُ لو خالف وقع الطلاق ويؤمر برجعتها) أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ طَلَاقِ الْحَائِضِ الْحَائِلِ بِغَيْرِ رِضَاهَا فَلَوْ طَلَّقَهَا أَثِمَ وَوَقَعَ طَلَاقُهُ ويؤمر بالرجعة لحديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَشَذَّ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَقَالَ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِيهِ فَأَشْبَهَ طَلَاقَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً وَدَلِيلُهُمْ أَمْرُهُ بِمُرَاجَعَتِهَا وَلَوْ لَمْ يَقَعْ لَمْ تَكُنْ رَجْعَةً فَإِنْ قِيلَ الْمُرَادُ بِالرَّجْعَةِ الرَّجْعَةُ اللُّغَوِيَّةُ وَهِيَ الرَّدُّ إِلَى حَالِهَا الْأَوَّلِ لَا أَنَّهُ تُحْسَبُ عَلَيْهِ طَلْقَةٌ قُلْنَا هَذَا غَلَطٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ يُقَدَّمُ عَلَى حَمْلِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ في أصول الفقه الثاني ان بن عُمَرَ صَرَّحَ فِي رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ حَسَبَهَا عَلَيْهِ طَلْقَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا طَلَّقَهَا يُؤْمَرُ بِرَجْعَتِهَا كَمَا ذَكَرْنَا وهذه الرجعة مستحبة لا واجبة وآخرون هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ الْكُوفِيِّينَ وَأَحْمَدُ وَفُقَهَاءُ الْمُحَدِّثِينَ وَآخَرُونَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ هِيَ وَاجِبَةٌ فَإِنْ قِيلَ فَفِي حديث بن عُمَرَ هَذَا أَنَّهُ أُمِرَ بِالرَّجْعَةِ ثُمَّ بِتَأْخِيرِ الطَّلَاقِ إِلَى طُهْرٍ بَعْدَ الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي هَذَا الْحَيْضَ فَمَا فَائِدَةُ التَّأْخِيرِ فَالْجَوَابُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدِهَا لِئَلَّا تَصِيرَ الرَّجْعَةُ لِغَرَضِ الطَّلَاقِ فَوَجَبَ أَنْ يُمْسِكَهَا زَمَانًا كَانَ يَحِلُّ لَهُ فِيهِ الطَّلَاقُ وَإِنَّمَا أَمْسَكَهَا لِتَظْهَرَ فَائِدَةُ الرَّجْعَةِ وَهَذَا جَوَابُ أَصْحَابِنَا وَالثَّانِي عُقُوبَةٌ لَهُ وَتَوْبَةٌ مِنْ مَعْصِيَةٍ بِاسْتِدْرَاكِ جِنَايَتِهِ وَالثَّالِثِ أَنَّ الطُّهْرَ الْأَوَّلَ مَعَ الْحَيْضِ الَّذِي يَلِيهِ وَهُوَ الَّذِي طَلَّقَ فِيهِ كَقُرْءٍ وَاحِدٍ فَلَوْ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ طُهْرٍ لَكَانَ كَمَنْ طَلَّقَ فِي الحيض والرابع

أَنَّهُ نُهِيَ عَنْ طَلَاقِهَا فِي الطُّهْرِ لِيَطُولَ مَقَامُهُ مَعَهَا فَلَعَلَّهُ يُجَامِعُهَا فَيَذْهَبُ مَا فِي نَفْسِهِ مِنْ سَبَبِ طَلَاقِهَا فَيُمْسِكُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مره فليراجعها ثُمَّ لْيَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ التي أمر الله أن تطلق لَهَا النِّسَاءُ يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ أَيْ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا فَفِيهِ تَحْرِيمُ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْرُمُ طَلَاقُهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا لِئَلَّا تَكُونَ حَامِلًا فَيَنْدَمَ فَإِذَا بَانَ الْحَمْلُ دَخَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي طَلَاقِهَا عَلَى بَصِيرَةٍ فَلَا يَنْدَمُ فَلَا تُحَرَّمُ وَلَوْ كَانَتِ الْحَائِضُ حاملا فالصحيح عندنا وهو نَصُّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ طَلَاقُهَا لِأَنَّ تَحْرِيمَ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ إِنَّمَا كَانَ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ لِكَوْنِهِ لَا يُحْسَبُ قُرْءًا وَأَمَّا الْحَامِلُ الْحَائِضُ فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَلَا يَحْصُلُ فِي حَقِّهَا تَطْوِيلٌ وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا إِثْمَ فِي الطَّلَاقِ بِغَيْرِ سَبَبٍ لَكِنْ يُكْرَهُ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلى الله الطلاق فيكون حديث بن عُمَرَ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ لِبَيَانِ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا الطَّلَاقُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ حَرَامٌ وَمَكْرُوهٌ وَوَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ وَلَا يَكُونُ مُبَاحًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ فَأَمَّا الْوَاجِبُ فَفِي صُورَتَيْنِ وَهُمَا فِي الْحَكَمَيْنِ إِذَا بَعَثَهُمَا الْقَاضِي عِنْدَ الشِّقَاقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَرَأَيَا الْمَصْلَحَةَ فِي الطَّلَاقِ وَجَبَ عَلَيْهِمَا الطَّلَاقُ وَفِي الْمُولِي إِذَا مَضَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَطَالَبَتِ الْمَرْأَةُ بِحَقِّهَا فَامْتَنَعَ مِنَ الْفَيْئَةِ وَالطَّلَاقِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ فَأَنْ يَكُونَ الْحَالُ بَيْنَهُمَا

مُسْتَقِيمًا فَيُطَلِّقَ بِلَا سَبَبٍ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ حَدِيثُ أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ وَأَمَّا الْحَرَامُ فَفِي ثَلَاثِ صُوَرٍ أَحَدُهَا فِي الْحَيْضِ بِلَا عِوَضٍ مِنْهَا وَلَا سُؤَالِهَا وَالثَّانِي فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ قَبْلَ بَيَانِ الْحَمْلِ وَالثَّالِثُ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ زَوْجَاتٌ يَقْسِمُ لَهُنَّ وَطَلَّقَ وَاحِدَةً قَبْلَ أَنْ يُوَفِيَهَا قَسْمَهَا وَأَمَّا الْمَنْدُوبُ فَهُوَ أن لا تَكُونَ الْمَرْأَةُ عَفِيفَةً أَوْ يَخَافَا أَوْ أَحَدُهُمَا أن لا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أعلم وأما جمع الطلقات الثلاث دَفْعَةً فَلَيْسَ بِحَرَامٍ عِنْدَنَا لَكِنِ الْأَوْلَى تَفْرِيقُهَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّيْثُ هُوَ بِدْعَةٌ قَالَ الخطابي وفي قوله صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها دلَيْلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى رِضَا الْمَرْأَةِ وَلَا وَلِيِّهَا وَلَا تَجْدِيدِ عَقْدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1471] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لَهَا النِّسَاءُ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَمُوَافِقِيهِمَا أَنَّ الْأَقْرَاءَ فِي الْعِدَّةِ هِيَ الْأَطْهَارُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِيُطَلِّقْهَا فِي الطُّهْرِ إِنْ شَاءَ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ أَيْ فِيهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ بِطَلَاقِهِنَّ فِي الْحَيْضِ بَلْ حَرَّمَهُ فَإِنْ قِيلَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فَتِلْكَ يَعُودُ إِلَى الْحَيْضَةِ قُلْنَا هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ بَلْ مُحَرَّمٌ وَإِنَّمَا الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ حَالَةُ الطُّهْرِ أَوْ إِلَى الْعِدَّةِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ وَاللُّغَةِ عَلَى أَنَّ الْقُرْءَ يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى الْحَيْضِ وَعَلَى الطُّهْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَقْرَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بأنفسهن ثلاثة قروء وَفِيمَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ هِيَ الْأَطْهَارُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَآخَرُونَ هِيَ الْحَيْضُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وعلى وبن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وزفر واسحاق

وَآخَرُونَ مِنَ السَّلَفِ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ قَالُوا لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِالْأَطْهَارِ يَجْعَلُهَا قرءين وَبَعْضَ الثَّالِثِ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ وَالْقَائِلُ بالحيض يشترط ثلاث حَيْضَاتٍ كَوَامِلَ فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى مُوَافَقَةِ الْقُرْآنِ ولهذا الاعتراض صار بن شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ إِلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْأَطْهَارُ قَالَ وَلَكِنْ لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ إِلَّا بِثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ كَامِلَةٍ وَلَا تَنْقَضِي بِطُهْرَيْنِ وَبَعْضِ الثَّالِثِ وَهَذَا مَذْهَبٌ انْفَرَدَ بِهِ بَلِ اتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بالاطهار على أنها تنقضي بقرءين وَبَعْضِ الثَّالِثِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الطُّهْرِ لَحْظَةٌ يَسِيرَةٌ حُسِبَ ذَلِكَ قُرْءًا وَيَكْفِيهَا طُهْرَانِ بَعْدَهُ وَأَجَابُوا عَنِ الِاعْتِرَاضِ بِأَنَّ الشَّيْئَيْنِ وَبَعْضَ الثَّالِثِ يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْجَمِيعِ قال الله تعالى الحج أشهر معلومات وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ وَكَذَا قَوْلُهُ تعالى فمن تعجل في يومين الْمُرَادُ فِي يَوْمٍ وَبَعْضِ الثَّانِي وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْأَطْهَارِ مَتَى تَنْقَضِي عِدَّتُهَا فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الدَّمِ بَعْدَ الطُّهْرِ الثَّالِثِ وَفِي قَوْلٍ لَا تَنْقَضِي حَتَّى يَمْضِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالْخِلَافُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ كَهُوَ عِنْدَنَا وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْحَيْضِ أَيْضًا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ يَذْهَبَ وقت صلاة وقال عمر وعلى وبن مَسْعُودٍ وَالثَّوْرِيُّ وَزُفَرُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنَ الثَّالِثَةِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَآخَرُونَ تَنْقَضِي بِنَفْسِ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَعَنْ إِسْحَاقَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ إذا انقطعت الدَّمُ انْقَطَعَتِ الرَّجْعَةُ وَلَكِنْ لَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ حَتَّى تَغْتَسِلَ احْتِيَاطًا وَخُرُوجًا مِنَ الْخِلَافِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قَالَ مُسْلِمٌ جَوَّدَ اللَّيْثُ فِي قَوْلِهِ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً) يَعْنِي أَنَّهُ حَفِظَ وَأَتْقَنَ قَدْرَ الطَّلَاقِ الَّذِي لَمْ يُتْقِنْهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يُهْمِلْهُ كَمَا أَهْمَلَهُ غَيْرُهُ وَلَا غَلِطَ فِيهِ وَجَعَلَهُ ثَلَاثًا كَمَا غَلِطَ فِيهِ غَيْرُهُ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ رِوَايَاتُ مُسْلِمٍ بِأَنَّهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا) فِيهِ دَلَالَةٌ لِجَوَازِ طَلَاقِ الْحَامِلِ الَّتِي تَبَيَّنَ حَمْلُهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ قال بن الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ طَاوُسٌ والحسن وبن سِيرِينَ وَرَبِيعَةُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ قَالَ بن الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وقال بعضهم هو حرام وحكى بن الْمُنْذِرِ رِوَايَةً أُخْرَى عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ طَلَاقُ الْحَامِلِ مَكْرُوهٌ ثُمَّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وافقه أن لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ الْحَامِلَ ثَلَاثًا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَبِأَلْفَاظٍ مُتَّصِلَةٍ وَفِي أَوْقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَا بِدْعَةَ فِيهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يَجْعَلُ بَيْنَ الطَّلْقَتَيْنِ شَهْرًا وَقَالَ مَالِكٌ وَزُفَرُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَا يُوقِعُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ حَتَّى تَضَعَ قَوْلُهُ (أَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي بِهَذَا وَإِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهَا ثَلَاثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ) أَمَّا قَوْلُهُ أَمَرَنِي بِهَذَا فَمَعْنَاهُ أَمَرَنِي بِالرَّجْعَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَمَّا أَنْتَ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا مُشْكِلٌ قَالَ قِيلَ إِنَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَمَّا أي

أَمَّا إِنْ كُنْتَ فَحَذَفُوا الْفِعْلَ الَّذِي يَلِي أَنَّ وَجَعَلُوا مَا عِوَضًا مِنَ الْفِعْلِ وَفَتَحُوا أن وأدغموا النون في ما وجاؤوا بِأَنْتَ مَكَانَ الْعَلَامَةِ فِي كُنْتَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ وَإِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهَا ثَلَاثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ قَوْلُهُ (لَقِيتُ أَبَا غَلَّابٍ يُونُسَ بْنَ جُبَيْرٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا ذكره بن مَاكُولَا وَالْجُمْهُورُ وَذَكَرَ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ تخفيف اللام قوله (وكان ذاثبت) هُوَ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَالْبَاءِ أَيْ مُثْبِتًا قَوْلُهُ (قلت أفحسبت عليه قال فمه أوان عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ) مَعْنَاهُ أَفَيَرْتَفِعُ عَنْهُ الطَّلَاقُ وَإِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَتَقْدِيرُهُ نَعَمْ تُحْسَبُ وَلَا يَمْتَنِعُ احْتِسَابُهَا لِعَجْزِهِ وَحَمَاقَتِهِ قَالَ الْقَاضِي أَيْ إِنْ عَجَزَ عَنِ الرَّجْعَةِ وَفَعَلَ فعل الأحمق والقائل لهذا الكلام هو بن عُمَرَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ وَأَعَادَ الضَّمِيرَ بِلَفْظِ الْغَيْبَةِ وَقَدْ بَيَّنَهُ بَعْدَ هَذِهِ فِي رِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ قُلْتُ يَعْنِي لِابْنِ عُمَرَ فَاعْتَدَدْتَ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ الَّتِي طَلَّقْتَ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ مَا لِي لَا أَعْتَدُّ بِهَا وَإِنْ كُنْتُ عَجَزْتُ وَاسْتَحْمَقْتُ وَجَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ أن بن عمر قال رأيت ان كان بن عمر عجزوا وَاسْتَحْمَقَ فَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا وَأَمَّا قَوْلُهُ فَمَهْ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْكَفِّ وَالزَّجْرِ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ أَيْ لَا تَشُكَّ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَاجْزِمْ بِوُقُوعِهِ وَقَالَ الْقَاضِي الْمُرَادُ بِمَهْ مَا فَيَكُونُ اسْتِفْهَامًا أَيْ فَمَا يَكُونُ إنْ لَمْ أَحْتَسِبْ بِهَا وَمَعْنَاهُ لَا يَكُونُ الا الاحتساب

بِهَا فَأَبْدَلَ مِنَ الْأَلِفِ هَاءً كَمَا قَالُوا فِي مَهْمَا أَنَّ أَصْلهَا مَامَا أَيْ أَيُّ شَيْءٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطَلِّقُهَا فِي قُبُلِ عِدَّتِهَا هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَالْبَاءِ أَيْ فِي وَقْتٍ تَسْتَقْبِلُ فِيهِ الْعِدَّةَ وَتَشْرَعُ فِيهَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْأَطْهَارُ وَأَنَّهَا إِذَا طُلِّقَتْ فِي الطُّهْرِ شَرَعَتْ فِي الْحَالِ فِي الْأَقْرَاءِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمَأْمُورَ به هُوَ فِي الطُّهْرِ لِأَنَّهَا إِذَا طُلِّقَتْ فِي الْحَيْضِ لَا يُحْسَبُ ذَلِكَ الْحَيْضُ قُرْءًا بِالْإِجْمَاعِ فلا

تَسْتَقْبِلُ فِيهِ الْعِدَّةَ وَإِنَّمَا تَسْتَقْبِلُهَا إِذَا طُلِّقَتْ في الطهر والله أعلم قوله (عن بن جريج عن بن طاوس عن أبيه أنه سمع بن عُمَرَ يَسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلَى آخِرِهِ) وَقَالَ فِي آخِرِهِ لَمْ أَسْمَعْهُ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ لِأَبِيهِ فَقَوْلُهُ لِأَبِيهِ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ بن طَاوُسٍ قَالَ لَمْ أَسْمَعْهُ أَيْ لَمْ أَسْمَعْ أَبِي طَاوُسًا يَزِيدُ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنَ الحديث والقائل لأبيه هو

بن جريج وأراد تفسير الضمير في قوله بن طَاوُسٍ لَمْ أَسْمَعْهُ وَاللَّامُ زَائِدَةٌ فَمَعْنَاهُ يُعْنَى أَبَاهُ وَلَوْ قَالَ يَعْنِي أَبَاهُ لَكَانَ أَوْضَحَ قَوْلُهُ (وَقَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فطلقوهن في قبل عدتهن) هذه قراءة بن عباس وبن عُمَرَ وَهِيَ شَاذَّةٌ لَا تَثْبُتُ قُرْآنًا بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَكُونُ لَهَا حُكْمُ خَبَرِ الْوَاحِدِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مُحَقِّقِي الْأُصُولِيِّينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

باب طلاق الثلاث

(باب طلاق الثلاث) [1472] قوله (عن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبى بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ أَتَعْلَمُ إنَّمَا كَانَتِ الثَّلَاثُ تُجْعَلُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَثَلَاثًا مِنْ إِمَارَةِ عُمَرَ فَقَالَ بن عَبَّاسٍ نَعَمْ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءَ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ هَاتِ مِنْ هَنَاتِكَ أَلَمْ يَكُنْ طَلَاقُ الثَّلَاثِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَاحِدَةً فقال قد كان ذلك فَلَمَّا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ تَتَابَعَ النَّاسُ فِي الطَّلَاقِ فَأَجَازَهُ عَلَيْهِمْ وَفِي سُنَنِ أَبِي داود عن أبي الصهباء عن بن عَبَّاسٍ نَحْوَ هَذَا إِلَّا أَنَّهُ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا جَعَلُوهُ وَاحِدَةً هَذِهِ أَلْفَاظُ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ مَعْدُودٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُشْكَلَةِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ يَقَعُ الثَّلَاثُ وَقَالَ طَاوُسٌ وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ لَا يَقَعُ بِذَلِكَ إِلَّا وَاحِدَةً وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرَطْأَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَالْمَشْهُورُ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ وهو قول بن مُقَاتِلٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَاحْتَجَّ هؤلاء بحديث بن عَبَّاسٍ هَذَا وَبِأَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حديث بن عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي الْحَيْضِ وَلَمْ يَحْتَسِبْ بِهِ وَبِأَنَّهُ وَقَعَ فِي حَدِيثِ رُكَانَةَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجْعَتِهَا وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودُ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يحدث بعد ذلك أمرا قَالُوا مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُطَلِّقَ قَدْ يَحْدُثُ لَهُ نَدَمٌ فَلَا يُمْكِنُهُ تَدَارُكُهُ لِوُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ فَلَوْ كَانَتِ الثَّلَاثُ لَا تَقَعُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ هذا

إِلَّا رَجْعِيًّا فَلَا يَنْدَمُ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ رُكَانَةَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَرَدْتَ إِلَّا وَاحِدَةً قَالَ اللَّهَ مَا أَرَدْتُ إِلَّا وَاحِدَةً فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الثَّلَاثَ لَوَقَعْنَ وَإِلَّا فَلَمْ يَكُنْ لِتَحْلِيفِهِ مَعْنًى وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي رَوَاهَا الْمُخَالِفُونَ أَنَّ رُكَانَةُ طَلَّقَ ثَلَاثًا فَجَعَلَهَا وَاحِدَةً فَرِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ قَوْمٍ مَجْهُولِينَ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ مِنْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ وَلَفْظُ أَلْبَتَّةَ مُحْتَمِلٌ لِلْوَاحِدَةِ وَلِلثَّلَاثِ وَلَعَلَّ صَاحِبَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ اعْتَقَدَ أَنَّ لَفْظَ أَلْبَتَّةَ يَقْتَضِي الثَّلَاثَ فَرَوَاهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي فَهِمَهُ وَغَلِطَ فِي ذَلِكَ وأما حديث بن عُمَرَ فَالرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أنه طلقها واحدة وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَابِهِ وَتَأْوِيلِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ إِذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَنْوِ تَأْكِيدًا وَلَا اسْتِئْنَافًا يُحْكَمُ بِوُقُوعِ طَلْقَةٍ لِقِلَّةِ إِرَادَتِهِمُ الِاسْتِئْنَافَ بِذَلِكَ فَحُمِلَ عَلَى الْغَالِبِ الَّذِي هُوَ إِرَادَةُ التَّأْكِيدِ فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُ النَّاسِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَغَلَبَ مِنْهُمْ إِرَادَةُ الِاسْتِئْنَافِ بِهَا حُمِلَتْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الثَّلَاثِ عَمَلًا بِالْغَالِبِ السَّابِقِ إِلَى الْفَهْمِ مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُعْتَادَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ كَانَ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَصَارَ النَّاسُ فِي زَمَنِ عُمَرَ يُوقِعُونَ الثَّلَاثَ دَفْعَةً فَنَفَذَهُ عُمَرُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ إِخْبَارًا عَنِ اخْتِلَافِ عَادَةِ النَّاسِ لَا عَنْ تَغَيُّرِ حُكْمٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَقَدْ زَعَمَ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ بِالْحَقَائِقِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ ثُمَّ نُسِخَ قَالَ وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَنْسَخُ وَلَوْ نَسَخَ وَحَاشَاهُ لَبَادَرَتِ الصَّحَابَةُ إِلَى إِنْكَارِهِ وَإِنْ أَرَادَ هَذَا الْقَائِلُ أَنَّهُ نُسِخَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَلَكِنْ يَخْرُجُ عَنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِلرَّاوِي أَنْ يُخْبِرَ

بِبَقَاءِ الْحُكْمِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَبَعْضِ خِلَافَةِ عُمَرَ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ يُجْمِعُ الصَّحَابَةُ عَلَى النَّسْخِ فَيُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ قُلْنَا إِنَّمَا يُقْبَلُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى نَاسِخٍ وَأَمَّا أَنَّهُمْ يَنْسَخُونَ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ فَمَعَاذَ اللَّهِ لِأَنَّهُ إِجْمَاعٌ عَلَى الْخَطَأِ وَهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ قِيلَ فَلَعَلَّ النَّسْخَ إِنَّمَا ظَهَرَ لَهُمْ فِي زَمَنِ عُمَرَ قُلْنَا هَذَا غَلَطٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْخَطَأِ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ لَا يَشْتَرِطُونَ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ فِي صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَقَالَ بِهَا قَوْمٌ مِنْ أصحاب بن عَبَّاسٍ فَقَالُوا لَا يَقَعُ الثَّلَاثُ عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لِأَنَّهَا تَبِينُ بِوَاحِدَةٍ بِقَوْلِهِ أَنْتَ طَالِقٌ فَيَكُونُ قَوْلُهُ ثَلَاثًا حَاصِلٌ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ وَقَالَ الْجُمْهُورُ هَذَا غَلَطٌ بَلْ يَقَعُ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ مَعْنَاهُ ذَاتُ طَلَاقٍ وَهَذَا اللَّفْظُ يَصْلُحُ لِلْوَاحِدَةِ وَالْعَدَدِ وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ ثَلَاثًا تَفْسِيرٌ لَهُ وَأَمَّا هَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي لِأَبِي دَاوُدَ فَضَعِيفَةٌ رَوَاهَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ قَوْمٍ مَجْهُولِينَ عن طاوس عن بن عَبَّاسٍ فَلَا يُحْتَجُّ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ مُهْلَةٌ وَبَقِيَّةُ اسْتِمْتَاعٍ لِانْتِظَارِ الْمُرَاجَعَةِ قَوْلُهُ (تتابع النَّاسُ فِي الطَّلَاقِ) هُوَ بِيَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ بَيْنَ الْأَلِفِ وَالْعَيْنِ هَذِهِ رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِالْمُوَحَّدَةِ وَهُمَا بِمَعْنًى وَمَعْنَاهُ أَكْثَرُوا مِنْهُ وَأَسْرَعُوا إِلَيْهِ لَكِنْ بِالْمُثَنَّاةِ إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرِّ وَبِالْمُوَحَّدَةِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَالْمُثَنَّاةُ هُنَا أَجْوَدُ وَقَوْلُهُ (هَاتِ مِنْ هَنَاتِكَ) هُوَ بِكَسْرِ التَّاءِ مِنْ هَاتِ وَالْمُرَادُ بِهَنَاتِكَ أَخْبَارُكَ وَأُمُورُكَ الْمُسْتَغْرَبَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته ولم ينو الطلاق

(باب وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ حَرَّمَ امْرَأَتَهُ ولم ينو الطلاق [1473] قوله (عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْحَرَامِ يَمِينٌ يكفرها) وقال بن عَبَّاسٍ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حسنة وفى رواية عن بن عَبَّاسٍ قَالَ إِذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا وَذَكَرَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي سَبَبِ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى لِمَ تُحَرِّمُ مَا أحل الله لك وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إِنْ نَوَى طَلَاقَهَا كَانَ طَلَاقًا وَإِنْ نَوَى الظِّهَارَ كَانَ ظِهَارًا وَإِنْ نَوَى تَحْرِيمَ عَيْنِهَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا ظِهَارٍ لَزِمَهُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ يَمِينًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا يَلْزَمُهُ كفارة يمين والثانى أنه لغو لا شئ فيه ولا يترتب عليه شئ مِنَ الْأَحْكَامِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَذْهَبًا أَحَدُهَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ ثَلَاثُ طَلْقَاتٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لَا لَكِنْ لَوْ نَوَى أَقَلَّ مِنَ الثَّلَاثِ قُبِلَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا خَاصَّةً قَالَ وَبِهَذَا الْمَذْهَبِ قَالَ أَيْضًا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدٌ وَالْحَسَنُ وَالْحَكَمُ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ ثَلَاثُ طَلْقَاتٍ وَلَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ فِي الْمَدْخُولِ بها ولا غيرها قاله بن أَبِي لَيْلَى وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ الْمَالِكِيُّ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثٌ وَعَلَى غَيْرِهَا وَاحِدَةٌ)

قَالَهُ أَبُو مُصْعَبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمَالِكِيَّانِ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ سَوَاءٌ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُهَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَالْخَامِسُ أَنَّهَا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ قَالَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي مَسْلَمَةَ الْمَالِكِيُّ وَالسَّادِسُ أَنَّهُ يَقَعُ مَا نَوَى وَلَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَهُ الزُّهْرِيُّ وَالسَّابِعُ أَنَّهُ إِنْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ عَدَدًا أَوْ يَمِينًا فَهُوَ مَا نَوَى وَإِلَّا فَلَغْوٌ قَالَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالثَّامِنُ مِثْلُ السَّابِعِ إِلَّا أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ قَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالتَّاسِعُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَسَبَقَ إِيضَاحُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْعَاشِرُ إِنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا وَقَعَ الثَّلَاثُ وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَيَمِينٌ وَإِنْ نَوَى الْكَذِبَ فَلَغْوٌ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالْحَادِي عَشَرَ مِثْلُ الْعَاشِرِ إِلَّا أَنَّهُ إِذَا نَوَى اثْنَتَيْنِ وَقَعَتْ قَالَهُ زُفَرُ وَالثَّانِي عَشَرَ أَنَّهُ تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ قَالَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَالثَّالِثَ عَشَرَ هِيَ يَمِينٌ فيها كفارة اليمين قاله بن عَبَّاسٍ وَبَعْضُ التَّابِعِينَ الرَّابِعَ عَشَرَ أَنَّهُ كَتَحْرِيمِ الماء والطعام فلا يجب فيه شئ أصلا ولا يقع به شئ بَلْ هُوَ لَغْوٌ قَالَهُ مَسْرُوقٌ وَالشَّعْبِيُّ وَأَبُو سَلَمَةَ وَأَصْبَغُ الْمَالِكِيُّ هَذَا كُلُّهُ إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ أَمَّا إِذَا قَالَهُ لِأَمَةٍ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إِنْ نَوَى عِتْقَهَا عُتِقَتْ وَإِنْ نَوَى تَحْرِيمَ عَيْنِهَا لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَا يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَجَبَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَقَالَ مَالِكٌ هَذَا فِي الْأَمَةِ لَغْوٌ لَا يَتَرَتَّبُ عليه شئ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِنَفْسِ التَّحْرِيمِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا حَرَّمَهُ مِنْ أَمَةٍ وَطَعَامٍ وَغَيْرِهِ ولا شئ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ فَيَلْزَمُهُ حِينَئِذٍ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ إِنْ قَالَ هَذَا الطَّعَامُ حَرَامٌ عَلَيَّ أَوْ هَذَا الْمَاءُ وَهَذَا الثَّوْبُ أَوْ دُخُولُ الْبَيْتِ أَوْ كَلَامُ زَيْدٍ وَسَائِرُ مَا يُحَرِّمهُ غَيْرَ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ يكون هذا لغوا لا شئ فيه ولا يحرم عليه ذلك الشئ فإذا تناوله فلا شئ عَلَيْهِ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْأَمَةِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1474] قَوْلُهَا (فَتَوَاطَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ فَتَوَاطَيْتُ وَأَصْلُهُ فَتَوَاطَأْتُ بِالْهَمْزِ أَيِ اتفقت

قَوْلُهَا0 إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ) هِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَفَاءٍ وَبَعْدَ الْفَاءِ يَاءٌ هَكَذَا هُوَ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَأَمَّا الْمَوْضِعَانِ الْأَخِيرَانِ فَوَقَعَ فِيهِمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْيَاءِ وَفِي بَعْضِهَا بِحَذْفِهَا قَالَ الْقَاضِي الصَّوَابُ إِثْبَاتُهَا لِأَنَّهَا عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ الَّتِي فِي الْمُفْرَدِ وَإِنَّمَا حُذِفَتْ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ وَهُوَ جَمْعُ مَغْفُورٍ وَهُوَ صَمْغٌ حُلْوٌ كَالنَّاطِفِ وَلَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ يَنْضَحُهُ شَجَرٌ يُقَالُ لَهُ الْعُرْفُطُ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ يَكُونُ بِالْحِجَازِ وَقِيلَ إِنَّ الْعُرْفُطَ نَبَاتٌ لَهُ وَرَقَةٌ عَرِيضَةٌ تَفْتَرِشُ عَلَى الْأَرْضِ لَهُ شَوْكَةٌ حَجْنَاءُ وَثَمَرَةٌ بَيْضَاءُ كَالْقُطْنِ مِثْلُ زِرِّ الْقَمِيصِ خَبِيثُ الرَّائِحَةِ قَالَ الْقَاضِي وَزَعَمَ الْمُهَلَّبُ أَنَّ رَائِحَةَ الْمَغَافِيرِ وَالْعُرْفُطِ حَسَنَةٌ وَهُوَ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَدِيثُ وَخِلَافُ

مَا قَالَهُ النَّاسُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْعُرْفُطُ مِنْ شَجَرِ الْعِضَاهِ وَهُوَ كُلُّ شَجَرٍ لَهُ شَوْكٌ وَقِيلَ رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ النَّبِيذِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ أَنْ تُوجَدَ مِنْهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ قَوْلُهَا (جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ) هُوَ بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ أَكَلَتِ الْعُرْفُطَ لِيَصِيرَ مِنْهُ الْعَسَلُ قوْلُهَا (فَقَالَ بَلْ شربت عسلا عند زينب بن جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ فَنَزَلَ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أحل الله لك) هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي سَبَبِ تَرْكِ الْعَسَلِ وَفِي كُتُبِ الْفِقْهِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي تَحْرِيمِ مَارِيَةَ قَالَ الْقَاضِي اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ فِي قِصَّةِ الْعَسَلِ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي تَحْرِيمِ مَارِيَةَ جَارِيَتِهِ وَحَلِفِهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا قَالَ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ أَوْجَبَ بِالتَّحْرِيمِ كَفَّارَةً مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى قَدْ فَرَضَ الله لكم تحلة أيمانكم لِمَا رُوِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَاللَّهِ لَا أَطَأُهَا ثُمَّ قَالَ هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ حَلِفِهِ على شربه العسل وتحريمه ذكره بن الْمُنْذِرِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لَنْ أَعُودَ لَهُ وقد حلفت أن لا تخبره بِذَلِكَ أَحَدًا وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شُرْبِ الْعَسَلِ لَنْ أَعُودَ إِلَيْهِ أَبَدًا وَلَمْ يَذْكُرْ يَمِينًا لَكِنْ قوله تعالى قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِي التَّحْرِيمِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَهَكَذَا يُقَدِّرُهُ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَمُوَافِقُوهُمْ قَوْلُهَا (فَقَالَ بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا أَنَّ شُرْبَ الْعَسَلِ كَانَ عِنْدَ حَفْصَةَ قَالَ الْقَاضِي ذَكَرَ مسلم فى حديث

حجاج عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ الَّتِي شَرِبَ عِنْدهَا الْعَسَلَ زَيْنَبُ وَأَنَّ الْمُتَظَاهِرَتَيْنِ عَلَيْهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَكَذَلِكَ ثَبَتَ فى حديث عمر بن الخطاب وبن عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُتَظَاهِرَتَيْنِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ أَنَّ حَفْصَةَ هِيَ الَّتِي شَرِبَ الْعَسَلَ عِنْدَهَا وَأَنَّ عَائِشَةَ وَسَوْدَةَ وَصْفِيَّةَ مِنَ اللَّوَاتِي تَظَاهَرْنَ عليه وقال وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالَ النَّسَائِيُّ إِسْنَادُ حَدِيثِ حَجَّاجٍ صَحِيحٌ جَيِّدٌ غَايَةٌ وَقَالَ الْأَصِيلِيُّ حَدِيثُ حَجَّاجٍ أَصَحُّ وَهُوَ أَوْلَى بِظَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَكْمَلُ فَائِدَةً يُرِيدُ قَوْلَهُ تَعَالَى وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَهُمَا اثْنَتَانِ لَا ثَلَاثٌ وَأَنَّهُمَا عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ كَمَا قَالَ فِيهِ وَكَمَا اعْتَرَفَ بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدِ انْقَلَبَتِ الْأَسْمَاءُ على الرواى فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَمَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ أَنَّهَا فِي قِصَّةِ الْعَسَلِ لا في قصة مارية المروى فِي غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ وَلَمْ تَأْتِ قِصَّةُ مَارِيَةَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ قَالَ النَّسَائِيُّ إِسْنَادُ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْعَسَلِ جَيِّدٌ صَحِيحٌ غَايَةٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي بَعْدَ هَذَا الصَّوَابُ أَنَّ شُرْبَ الْعَسَلِ كَانَ عِنْدَ زَيْنَبَ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بعض أزواجه حديثا لِقَوْلِهِ بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا) هَكَذَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْقَاضِي فِيهِ اخْتِصَارٌ وَتَمَامُهُ وَلَنْ أَعُودَ إِلَيْهِ وَقَدْ حَلَفْتُ أَنْ لَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي مَعْنَى السِّرِّ وَقِيلَ بَلْ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ مَارِيَةَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ قَوْلُهَا (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِالْحَلْوَاءِ هُنَا كل شئ حُلْوٍ وَذَكَرَ الْعَسَلَ بَعْدَهَا تَنْبِيهًا عَلَى شَرَافَتِهِ وَمَزِيَّتِهِ وَهُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ وَالْحَلْوَاءُ بِالْمَدِّ وَفِيهِ جَوَازُ كُلِّ لَذِيذِ الْأَطْعِمَةِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الزُّهْدَ وَالْمُرَاقَبَةَ لَا سِيَّمَا إِذَا حَصَلَ اتِّفَاقًا قَوْلُهَا (فَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ دَارَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْهُنَّ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَا يَقُولُهُ أَصْحَابُنَا إِنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ قَسَمَ بَيْنَ نِسَائِهِ أَنْ يَدْخُلَ فِي النَّهَارِ إِلَى بَيْتِ غَيْرِ الْمَقْسُومِ لَهَا لِحَاجَةٍ وَلَا يَجُوزُ الْوَطْءُ قَوْلُهَا (وَاللَّهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ) هُوَ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ أَيْ مَنَعْنَاهُ مِنْهُ يُقَالُ مِنْهُ حَرَّمْتُهُ وَأَحْرَمْتُهُ وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ قَوْلُهُ (قَالَ إِبْرَاهِيمُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ بِهَذَا مَعْنَاهُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سُفْيَانَ صَاحِبَ مُسْلِمٍ

(باب بيان أن تخييره امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية)

سَاوَى مُسْلِمًا فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فَرَوَاهُ عَنْ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ وَاحِدٍ عَنْ أبي أُسَامَةَ فَعَلَا برجل والله أعلم (باب بيان أن تخييره امْرَأَتِهِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إِلَّا بِالنِّيَّةِ) [1475] قَوْلُهُ (لَمَّا أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي فَقَالَ إِنِّي ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ قَالَتْ قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ إِنَّمَا بَدَأَ بِهَا لِفَضِيلَتِهَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي) مَعْنَاهُ ما يضرك أن لا تَعْجَلِي وَإِنَّمَا قَالَ لَهَا هَذَا شَفَقَةً عَلَيْهَا وَعَلَى أَبَوَيْهَا وَنَصِيحَةً لَهُمْ فِي بَقَائِهَا عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ خَافَ أَنْ يَحْمِلَهَا صِغَرُ سِنِّهَا وَقِلَّةُ تَجَارِبِهَا عَلَى اخْتِيَارِ الْفِرَاقِ فَيَجِبُ فِرَاقُهَا فَتُضَرُّ هِيَ وَأَبَوَاهَا وَبَاقِي

النِّسْوَةِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعَائِشَةَ ثُمَّ لِسَائِرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ وَفِيهِ الْمُبَادَرَةُ إِلَى الْخَيْرِ وَإِيثَارِ أُمُورِ الْآخِرَةِ عَلَى الدُّنْيَا وَفِيهِ نَصِيحَةُ الْإِنْسَانِ صَاحِبَهُ وَتَقْدِيمُهُ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ أَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ [1476] قَوْلُهَا (إِنْ كَانَ ذَلِكَ إِلَيَّ لَمْ أُوثِرْ عَلَى نَفْسِي أَحَدًا) هَذِهِ الْمُنَافَسَةُ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَتْ لِمُجَرَّدِ الِاسْتِمْتَاعِ وَلِمُطْلَقِ الْعِشْرَةِ وَشَهَوَاتِ النُّفُوسِ وَحُظُوظِهَا الَّتِي تَكُونُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ بَلْ هِيَ مُنَافَسَةٌ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ وَالْقُرْبِ مِنْ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَالرَّغْبَةُ فِيهِ وَفِي خِدْمَتِهِ وَمُعَاشَرَتِهِ وَالِاسْتِفَادَةِ مِنْهُ وَفِي قَضَاءِ حُقُوقِهِ وَحَوَائِجِهِ وَتَوَقُّعُ نُزُولِ الرَّحْمَةِ وَالْوَحْيِ عَلَيْهِ عِنْدهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ وَمِثْلُ هذا حديث بن عَبَّاسٍ وَقَوْلُهُ فِي الْقَدَحِ لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ [1477] قَوْلُهَا (خَيَّرَنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نَعُدَّهُ طَلَاقًا) وَفِي رِوَايَةٍ فَلَمْ يَكُنْ طَلَاقًا وَفِي رِوَايَةٍ فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَعُدَّهُ طَلَاقًا وَفِي رِوَايَةٍ فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَعْدُدْهَا عَلَيْنَا شَيْئًا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَلَمْ يَعُدَّهَا عَلَيْنَا شَيْئًا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَنْ خَيَّرَ زَوْجَتَهُ فَاخْتَارَتْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا وَلَا يَقَعُ بِهِ فُرْقَةٌ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْحَسَنِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ نَفْسَ التَّخْيِيرِ يَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ سَوَاءٌ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا أَمْ لَا وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَالنَّقَّاشُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي

لَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ مَالِكٍ ثُمَّ هُوَ مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ ولعل

الْقَائِلِينَ بِهِ لَمْ تَبْلُغْهُمْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1478] قَوْلُهُ (وَاجِمًا) هُوَ بِالْجِيمِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ الَّذِي اشْتَدَّ حُزْنُهُ حَتَّى أَمْسَكَ عَنِ الْكَلَامِ يُقَالُ وَجَمَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وُجُومًا قَوْلُهُ (لَأَقُولَنَّ شَيْئًا يُضْحِكُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أُضْحِكُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ اسْتِحْبَابُ مِثْلِ هَذَا وَأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا رَأَى صَاحِبَهُ مَهْمُومًا حَزِينًا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُحَدِّثَهُ بِمَا يُضْحِكُهُ أَوْ يُشْغِلَهُ وَيُطَيِّبَ نَفْسَهُ وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ (فَوَجَأْتُ عنقها) وقوله

يَجَأُ عُنُقَهَا هُوَ بِالْجِيمِ وَبِالْهَمْزَةِ يُقَالُ وَجَأَ يجأ اذا طعن [1479] قَوْلُهُ (عَنْ سِمَاكٍ أَبِي زُمَيْلٍ) هُوَ بِضَمِّ الزَّاي وَفَتْحِ الْمِيمِ قَوْلُهُ (فَإِذَا النَّاسُ يُنَكِّتُونَ بِالْحَصَى) هُوَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ بَعْدَ الْكَافِ أَيْ يضربون الأرض كفعل المهموم المفكر قولها (فَإِذَا النَّاسُ يُنَكِّتُونَ بِالْحَصَى) هُوَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ بَعْدَ الْكَافِ أَيْ يَضْرِبُونَ الْأَرْضَ كَفِعْلِ الْمَهْمُومِ الْمُفَكِّرِ قَوْلُهَا (عَلَيْكَ بِعَيْبَتِكَ) هِيَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ثم ياء مثناة تحت ثم ياء موحدة والمراد عليك بوعظ بنتك حَفْصَةَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْعَيْبَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وِعَاءٌ يَجْعَلُ الْإِنْسَانُ فِيهِ أَفْضَلَ ثِيَابِهِ وَنَفِيسَ مَتَاعِهِ فَشَبَّهَتِ ابْنَتَهُ بِهَا قَوْلُهُ (هُوَ فِي الْمِشْرَبَةِ) هِيَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا قَوْلُهُ (فَإِذَا أَنَا بِرَبَاحٍ) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَوْلُهُ (قَاعِدًا عَلَى أُسْكُفَّةِ الْمِشْرَبَةِ) هِيَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَهِيَ عَتَبَةُ الْبَابِ السُّفْلَى قَوْلُهُ (عَلَى نَقِيرٍ مِنْ خَشَبٍ) هو بنون

مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ قَافٍ مَكْسُورَةٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَوْجُودُ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ بِالْفَاءِ بَدَلَ النُّونِ وَهُوَ فَقِيرٌ بِمَعْنَى مَفْقُورٍ مَأْخُوذٌ مِنْ فَقَارِ الظَّهْرِ وَهُوَ جِذْعٌ فِيهِ دَرَجٌ قَوْلُهُ (وإِذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَهُوَ الْجِلْدُ الَّذِي لَمْ يَتِمَّ دِبَاغُهُ وَجَمْعُهُ أَفَقٌ بِفَتْحِهَا كَأَدِيمِ وَأَدَمٍ

وَقَدْ أَفَقَ أَدِيمَهُ بِفَتْحِهَا يَأْفِقُهُ بِكَسْرِ الْفَاءِ قَوْلُهُ (تَحَسَّرَ الْغَضَبُ عَنْ وَجْهِهِ) أَيْ زَالَ وَانْكَشَفَ قَوْلُهُ (وَحَتَّى كَشَرَ فَضَحِكَ) هُوَ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ الْمُخَفَّفَةِ أَيْ أَبْدَى أَسْنَانَهُ تَبَسُّمًا ويقال أيضا في الغضب وقال بن السِّكِّيتِ كَشَرَ وَبَسَمَ وَابْتَسَمَ وَافْتَرَّ كُلُّهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَإِنْ زَادَ قِيلَ قَهْقَهَ وَزَهْدَقَ وَكَرْكَرَ قَوْلُهُ (أَتَشَبَّثُ بِالْجِذْعِ) هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فِي آخِرِهِ أَيْ أَسْتَمْسِكُ

قوله (فبينما أنا في أمر أئتمره) مَعْنَاهُ أُشَاوِرُ فِيهِ نَفْسِي وَأُفَكِّرُ وَمَعْنَى بَيْنَمَا وَبَيْنَا أَيْ بَيْنَ أَوْقَاتِ ائْتِمَارِي وَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ

قَوْلُهُ (حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى حَفْصَةَ) هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ قَوْلُهُ (وَكَانَ لِي صَاحِبٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِذَا غِبْتُ أَتَانِي بِالْخَبَرِ وَإِذَا غَابَ كُنْتُ أَنَا آتِيهِ بِالْخَبَرِ) فِي هَذَا اسْتِحْبَابُ حُضُورِ مَجَالِسِ الْعِلْمِ وَاسْتِحْبَابُ التَّنَاوُبِ فِي حُضُورِ الْعِلْمِ إِذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ لِكُلِّ وَاحِدٍ الْحُضُورُ بِنَفْسِهِ قَوْلُهُ (مِنْ مُلُوكِ غَسَّانَ) الْأَشْهَرُ تَرْكُ صَرْفِ غَسَّانَ وَقِيلَ يُصْرَفُ وَسَبَقَ إِيضَاحُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ قَوْلُهُ (فَقُلْتُ جَاءَ الْغَسَّانِيُّ فَقَالَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ اعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجَهُ) فِيهِ مَا كَانَتِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الِاهْتِمَامِ بِأَحْوَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَلَقِ التَّامِّ لِمَا يُقْلِقُهُ أَوْ يُغْضِبُهُ قَوْلُهُ (رَغِمَ أَنْفُ حَفْصَةَ) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَكَسْرِهَا يُقَالُ رَغِمَ يَرْغَمُ رَغْمًا

وَرُغْمًا وَرِغْمًا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا أَيْ لَصِقَ بِالرِّغَامِ وَهُوَ التُّرَابُ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مَنْ عَجَزَ مِنَ الِانْتِصَافِ وَفِي الذُّلِّ وَالِانْقِيَادِ كَرْهًا قَوْلُهُ (فَآخُذُ ثَوْبِي فَأَخْرُجُ حَتَّى جِئْتُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّجَمُّلُ بِالثَّوْبِ وَالْعِمَامَةِ وَنَحْوِهِمَا عِنْدَ لِقَاءِ الْأَئِمَّةِ وَالْكِبَارِ احْتِرَامًا لَهُمْ قَوْلُهُ (فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ يَرْتَقِي اليها بعجلها) وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِعَجَلِهَا وَفِي بَعْضِهَا بِعَجَلَتِهَا وَفِي بَعْضِهَا بِعَجَلَةٍ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ وَالْأَخِيرَةُ أجود قال بن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ هِيَ دَرَجَةٌ مِنَ النَّخْلِ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ جِذْعٌ قَوْلُهُ (وَأَنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَضْبُورًا) وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ مَضْبُورًا بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفِي بَعْضِهَا بِالْمُهْمَلَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ أَيْ مَجْمُوعًا قَوْلُهُ (وَعِنْدَ رَأْسِهِ أُهُبًا مُعَلَّقَةً) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ وَبِضَمِّهِمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ جَمْعُ إِهَابٍ وَهُوَ الْجِلْدُ قَبْلَ الدِّبَاغِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ وَقِيلَ الْجِلْدُ مُطْلَقًا وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ قَوْلُهُ (فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَكَيْتُ فَقَالَ مَا يُبْكِيكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ وَأَنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا ترضى أن يكون لَهُمَا الدُّنْيَا وَلَكَ الْآخِرَةُ) هَكَذَا هُوَ فِي الأصول

وَلَكَ الْآخِرَةُ وَفِي بَعْضِهَا لَهُمُ الدُّنْيَا وَفِي أَكْثَرِهَا لَهُمَا بِالتَّثْنِيَةِ وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ قَوْلُهُ (وَكَانَ آلَى مِنْهُنَّ شَهْرًا) هُوَ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَمَعْنَاهُ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْإِيلَاءِ الْمَعْرُوفِ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَلَا لَهُ حُكْمُهُ وَأَصْلُ الْإِيلَاءِ فِي اللُّغَةِ الْحَلِفُ عَلَى الشَّيْءِ يقال منه آلى يؤالى ايلاء تَأَلِّيًا وَائْتَلَى ائْتِلَاءً وَصَارَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ مُخْتَصًّا بِالْحَلِفِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا إِلَّا مَا حُكِيَ عن بن سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ الْإِيلَاءُ الشَّرْعِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالزَّوْجَةِ مِنْ تَرْكِ جِمَاعٍ أَوْ كَلَامٍ أَوْ إِنْفَاقٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِيلَاءِ لَا يُوجِبُ فِي الْحَالِ طَلَاقًا وَلَا كَفَّارَةً وَلَا مُطَالَبَةً ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِ مُدَّتِهِ فَقَالَ عُلَمَاءُ الْحِجَازِ وَمُعْظَمُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ الْمُؤْلِي مَنْ حَلَفَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةٍ فَلَيْسَ بِمُؤْلٍ وقال الْكُوفِيُّونَ هُوَ مَنْ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فأكثر وشذ بن أبي ليلى والحسن وبن شُبْرُمَةَ فِي آخَرِينَ فَقَالُوا إِذَا حَلَفَ لَا يُجَامِعُهَا يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى مضت أربعة أشهر فهو مؤل وعن بن عُمَرَ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَقَّتَ فِي يَمِينِهِ وَقْتًا وَإِنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ فَلَيْسَ بِمُؤْلٍ وَإِنَّمَا الْمُؤْلِي مَنْ حَلَفَ عَلَى الْأَبَدِ قَالَ وَلَا خِلَافَ بَيْنهُمْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ قبل أربعة أشهر ولا خلاف أنه لَوْ جَامَعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ سَقَطَ الْإِيلَاءُ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُجَامِعْ حَتَّى انْقَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَقَالَ عُلَمَاءُ الْحِجَازِ وَمِصْرَ وَفُقَهَاءُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ كُلُّهُمْ يُقَالُ لِلزَّوْجِ إِمَّا أَنْ تُجَامِعَ وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَ فَإِنِ امْتَنَعَ طَلَّقَ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ الشافعي وأصحابه وعن مالك رواية كقول الكوفيون وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ أَنَّهُ لَا يُطَلِّقُ الْقَاضِي عَلَيْهِ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْجِمَاعِ

أَوِ الطَّلَاقِ وَيُعَزَّرُ عَلَى ذَلِكَ إِنِ امْتَنَعَ واختلف الكوفيون هل يقع طلاق رجعى أم بائن فَأَمَّا الْآخَرُونَ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي يُوقِعُهُ هُوَ أَوِ الْقَاضِي يَكُونُ رَجْعِيًّا إِلَّا أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ لَا تَصِحُّ فِيهَا الرَّجْعَةُ حَتَّى يُجَامِعَ الزَّوْجُ فِي الْعِدَّةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَلَمْ يُحْفَظْ هَذَا الشَّرْطُ عَنْ أَحَدٍ سِوَى مَالِكٍ وَلَوْ مَضَتْ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ فِي الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ فَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ إِذَا طَلَّقَ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِتِلْكَ الْأَقْرَاءِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْعِدَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ لِلْإِيلَاءِ أَنْ تَكُونَ يَمِينُهُ فِي حَالِ الْغَضَبِ وَمَعَ قَصْدِ الضَّرَرِ فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَكُونُ مُؤْلِيًا فِي كُلِّ حَالٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يَكُونُ مُؤْلِيًا إِذَا حلف لمصلحة ولده لفطامه وعن علي وبن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُؤْلِيًا إِلَّا إِذَا حَلَفَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ حُنَيْنٍ مَوْلَى الْعَبَّاسِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ مَوْلَى الْعَبَّاسِ قَالُوا وَهَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قال البخارى لا يصح قول بن عُيَيْنَةَ هَذَا وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ مَوْلَى آلِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ هُوَ مَوْلَى بَنِي زُرَيْقٍ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحُفَّاظِ وَغَيْرِهِمْ فِي هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ (كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَظَاهَرَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ عَلَى عَهْدِ قَالَ

الْقَاضِي إِنَّمَا قَالَ عَلَى عَهْدِهِ تَوْقِيرًا لَهُمَا وَالْمُرَادُ تَظَاهَرَتَا عَلَيْهِ فِي عَهْدِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّهُمَا تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ فَتَوَضَّأَ) فِيهِ جَوَازُ الِاسْتِعَانَةِ فِي الْوُضُوءِ وَقَدْ سَبَقَ إِيضَاحُهَا فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ وَهُوَ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ لِعُذْرٍ فَلَا بَأْسَ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِهِ فَهِيَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَا يُقَالُ مَكْرُوهَةٌ عَلَى

الصَّحِيحِ قَوْلُهُ (وَلَا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْسَمَ) قَوْلُهُ أَنْ كَانَتْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُرَادُ بِالْجَارَةِ هُنَا الضَّرَّةُ وَأَوْسَمَ أَحْسَنَ وَأَجْمَلَ وَالْوَسَامَةُ الْجَمَالُ قَوْلُهُ (غَسَّانُ تُنْعِلُ الْخَيْلَ هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ

قَوْلُهُ (مُتَّكِئٌ عَلَى رَمْلِ حَصِيرٍ) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ رِمَالٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ يُقَالُ رَمَلْتُ الْحَصِيرَ وَأَرْمَلْتُهُ إِذَا نَسَجْتُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يُفَضِّلُ الْفَقْرَ عَلَى الْغِنَى لِمَا فِي مَفْهُومِهِ أَنَّ بِمِقْدَارِ مَا يَتَعَجَّلُ مِنْ طَيِّبَاتِ الدُّنْيَا يَفُوتُهُ مِنَ الْآخِرَةِ مِمَّا كَانَ مُدَّخَرًا لَهُ لَوْ لَمْ يَتَعَجَّلْهُ قَالَ وَقَدْ

يَتَأَوَّلُهُ الْآخَرُونَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ حَظَّ الْكُفَّارِ هُوَ مَا نَالُوهُ مِنْ نَعِيمِ الدُّنْيَا وَلَا حَظَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ) أَيِ الْغَضَبُ [1475] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ) أَيْ هَذَا الشَّهْرُ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ جَوَازُ احْتِجَابِ الْإِمَامِ وَالْقَاضِي وَنَحْوِهِمَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِحَاجَاتِهِمُ الْمُهِمَّةِ وَفِيهَا أَنَّ الْحَاجِبَ إِذَا عَلِمَ منع الآذان بِسُكُوتِ الْمَحْجُوبِ لَمْ يَأْذَنْ وَالْغَالِبُ مِنْ عَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَتَّخِذُ حَاجِبًا وَاتَّخَذَهُ حَاجِبًا وَاتَّخَذَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ لِلْحَاجَةِ وَفِيهِ وُجُوبُ الِاسْتِئْذَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي مَنْزِلِهِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَى حَالَةٍ يُكْرَهُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ فِيهَا وَفِيهِ تَكْرَارُ الِاسْتِئْذَانِ إِذَا لَمْ يُؤْذَنْ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ الْجَلِيلِ وَغَيْرِهِ فِي أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى الِاسْتِئْذَانِ وَفِيهِ تَأْدِيبُ الرَّجُلِ وَلَدَهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا أَوْ بِنْتًا مُزَوَّجَةً لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وعمر رضي الله عنهما أدبا بنتيهما ووجأ كل واحد منهما بنته وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّقَلُّلِ مِنَ الدُّنْيَا وَالزَّهَادَةِ فِيهَا وَفِيهِ جَوَازُ سُكْنَى الْغُرْفَةِ ذَاتِ الدَّرَجِ وَاتِّخَاذِ الْخِزَانَةِ لِأَثَاثِ الْبَيْتِ وَفِيهِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ حِرْصِهِمْ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ وَتَنَاوُبِهِمْ فِيهِ وَفِيهِ جَوَازُ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَأْخُذُ عَنْ صَاحِبِهِ الْأَنْصَارِيِّ وَيَأْخُذُ الْأَنْصَارِيُّ عَنْهُ وَفِيهِ أَخْذُ الْعِلْمِ عَمَّنْ كَانَ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ الْآخِذُ أَفْضَلَ مِنَ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ كَمَا أَخَذَ عُمَرُ عَنْ هَذَا الْأَنْصَارِيِّ وَفِيهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا رَأَى صَاحِبَهُ مَهْمُومًا وَأَرَادَ إِزَالَةَ هَمِّهِ وَمُؤَانَسَتِهِ بِمَا يَشْرَحُ صَدْرَهُ وَيَكْشِفُ هَمَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَأْذِنَهُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ

(باب المطلقة البائن لانفقة لها)

عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَسْتَأْنِسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَأْتِي مِنَ الْكَلَامِ بِمَا لا يوافق صاحبه فيزيدهما وَرُبَّمَا أَحْرَجَهُ وَرُبَّمَا تَكَلَّمَ بِمَا لَا يَرْتَضِيهِ وَهَذَا مِنَ الْآدَابِ الْمُهِمَّةِ وَفِيهِ تَوْقِيرُ الْكِبَارِ وخدمتهم وهيبتهم كما فعل بن عَبَّاسٍ مَعَ عُمَرَ وَفِيهِ الْخِطَابُ بِالْأَلْفَاظِ الْجَمِيلَةِ كَقَوْلِهِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ وَلَمْ يَقُلْ ضَرَّتُكِ وَالْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ هَذَا لِمَا فِي لَفْظِ الضَّرَّةِ مِنَ الْكَرَاهَةِ وَفِيهِ جَوَازُ قَرْعِ بَابِ غَيْرِهِ لِلِاسْتِئْذَانِ وَشِدَّةِ الْفَزَعِ لِلْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ وَفِيهِ جَوَازُ نَظَرِ الْإِنْسَانِ إِلَى نَوَاحِي بَيْتِ صَاحِبِهِ وَمَا فِيهِ إِذَا عَلِمَ عَدَمَ كَرَاهَةِ صَاحِبِهِ لِذَلِكَ وَقَدْ كَرِهَ السَّلَفُ فُضُولَ النَّظَرِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا عَلِمَ كَرَاهَتَهُ لِذَلِكَ وَشَكَّ فِيهَا وَفِيهِ أَنَّ لِلزَّوْجِ هِجْرَانَ زَوْجَتِهِ وَاعْتِزَالَهُ فِي بَيْتٍ آخَرَ إِذَا جَرَى مِنْهَا سَبَبٌ يَقْتَضِيهِ وَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِهِ لِغَيْرِهِ رَغِمَ أَنْفُهُ إِذَا أَسَاءَ كَقَوْلِ عُمَرَ رَغِمَ أَنْفُ حَفْصَةَ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَآخَرُونَ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَفِيهِ فَضِيلَةُ عَائِشَةَ لِلِابْتِدَاءِ بِهَا فِي التَّخْيِيرِ وَفِي الدُّخُولِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب الْمُطَلَّقَةِ البائن لانفقة لَهَا) فِيهِ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ أَبُو عَمْرِو بْنُ حَفْصٍ وَقِيلَ أَبُو حَفْصِ بْنُ عَمْرٍو وَقِيلَ أَبُو حَفْصِ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْمِهِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى

أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ اسْمُهُ أَحْمَدُ وَقَالَ آخَرُونَ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ وَقَوْلُهُ (إِنَّهُ طَلَّقَهَا) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي رَوَاهُ الْحُفَّاظُ وَاتَّفَقَ عَلَى رِوَايَتِهِ الثِّقَاتُ عَلَى اخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِمْ فِي أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوِ أَلْبَتَّةَ أَوْ آخِرَ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَجَاءَ فِي آخِرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ الْجَسَّاسَةِ مَا يُوهِمُ أَنَّهُ مَاتَ عَنْهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا بَلْ هِيَ وَهَمٌ أَوْ مؤولة وَسَنُوَضِّحُهَا فِي مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وأما قوله في رواية أنه طلقها ثلاثا وفي رواية أنه طلقها ألبته وفي رواية طلقها آخر ثلاث تطليقات وفي رِوَايَةٍ طَلَّقَهَا طَلْقَةً كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلَاقِهَا وَفِي رِوَايَةٍ طَلَّقَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا وَلَا غَيْرَهُ فَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ هَذَا طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا هَذِهِ الْمَرَّةَ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ فَمَنْ رَوَى أَنَّهُ طَلَّقَهَا مُطْلَقًا أَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ طَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَنْ رَوَى أَلْبَتَّةَ فَمُرَادُهُ طَلَّقَهَا طَلَاقًا صَارَتْ بِهِ مَبْتُوتَةً بِالثَّلَاثِ وَمَنْ رَوَى ثَلَاثًا أَرَادَ تَمَامَ الثَّلَاثَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ) وَفِي رِوَايَةٍ لَا نَفَقَةَ لَكِ وَلَا سُكْنَى وَفِي رِوَايَةٍ لَا نَفَقَةَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ السُّكْنَى وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنِ الحائل هل لها النفقة والسكنى أم لَا فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وآخرون لها السكنى والنفقة وقال بن عَبَّاسٍ وَأَحْمَدُ لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَةَ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ تَجِبُ لَهَا السُّكْنَى وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُمَا جَمِيعًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وجدكم فهذا أمر بالسكنى وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَلِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ امْرَأَةٍ جَهِلَتْ أَوْ نَسِيَتْ قَالَ الْعُلَمَاءُ الَّذِي فِي كِتَابِ رَبِّنَا إِنَّمَا هُوَ إِثْبَاتُ السُّكْنَى قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ قَوْلُهُ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا هَذِهِ زِيَادَةٌ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ لَمْ يَذْكُرْهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوجِبْ نَفَقَةً وَلَا سُكْنَى بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ السُّكْنَى دُونَ النَّفَقَةِ لِوُجُوبِ السُّكْنَى بِظَاهِرِ قوله تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم وَلِعَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ مَعَ ظَاهِرِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن

فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُنَّ إِذَا لَمْ يَكُنَّ حَوَامِلَ لَا يُنْفَقُ عَلَيْهِنَّ وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ فِي سُقُوطِ النَّفَقَةِ بِمَا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا كَانَتِ امْرَأَةً لِسَنَةً وَاسْتَطَالَتْ على أحمائها فأمرها بالانتقال عند بن أُمِّ مَكْتُومٍ وَقِيلَ لِأَنَّهَا خَافَتْ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ قَوْلِهِا أَخَافُ أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيَّ وَلَا يُمْكِنُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ فِي سُقُوطِ نَفَقَتِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْبَائِنُ الْحَامِلُ فَتَجِبُ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ وَأَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَتَجِبَانِ لَهَا بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَصَحُّ عِنْدنَا وُجُوبُ السُّكْنَى لَهَا فَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ كَمَا لَوْ كَانَتْ حَائِلًا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَجِبُ وَهُوَ غَلَطٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ) فِيهِ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ فِي غَيْبَةِ الْمَرْأَةِ وَجَوَازُ الْوَكَالَةِ فِي أَدَاءِ الْحُقُوقِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ وَقَوْلُهُ وَكِيلُهُ مَرْفُوعٌ هُوَ الْمُرْسَلُ قَوْلُهُ (فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أم شريك ثم قال تلك امرأة يغشاها أصحابي) قال العلماء أم شريك هذه قرشية عامرية وقيل أنها أنصارية وقد ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي حَدِيثِ الْجَسَّاسَةِ أَنَّهَا أَنْصَارِيَّةٌ وَاسْمُهَا غُزَيَّةُ وَقِيلَ غُزَيْلَةُ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ زَايٍ فِيهِمَا وَهِيَ بِنْتُ دَاوُدَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ رَوَاحَةَ بْنِ حُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ بْنِ مُعَيْصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ وَقِيلَ فِي نَسَبِهَا غَيْرُ هَذَا قِيلَ إِنَّهَا الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ غَيْرُهَا وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَزُورُونَ أُمَّ شَرِيكٍ وَيُكْثِرُونَ التَّرَدُّدَ إِلَيْهَا لِصَلَاحِهَا فَرَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَلَى فَاطِمَةَ مِنَ الِاعْتِدَادِ عِنْدَهَا حَرَجًا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَلْزَمُهَا التَّحَفُّظُ مِنْ نَظَرِهِمْ إِلَيْهَا وَنَظَرِهَا إِلَيْهِمْ وَانْكِشَافِ شَيْءٍ مِنْهَا وَفِي التَّحَفُّظِ مِنْ هَذَا مَعَ كَثْرَةِ دُخُولِهِمْ وَتَرَدُّدِهِمْ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ فأمرها بالاعتداد عند بن أُمِّ مَكْتُومٍ لِأَنَّهُ لَا يُبْصِرُهَا وَلَا يَتَرَدَّدُ إِلَى بَيْتِهِ مَنْ يَتَرَدَّدُ إِلَى بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ نَظَرِهِ إِلَيْهَا وَهَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ بَلِ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ النَّظَرُ إِلَى الْأَجْنَبِيِّ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّظَرُ إِلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يغضوا من أبصارهم وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن وَلِأَنَّ الْفِتْنَةَ مُشْتَرَكَةٌ وَكَمَا يَخَافُ الِافْتِتَانَ بِهَا تَخَافُ الِافْتِتَانَ بِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ

عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا كَانَتْ هِيَ وَمَيْمُونَةُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ بن أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجِبَا مِنْهُ فَقَالَتَا إِنَّهُ أَعْمَى لَا يُبْصِرُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا فَلَيْسَ تُبْصِرَانِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى قَدْحِ مَنْ قَدَحَ فِيهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ مُعْتَمَدَةٍ وأما حديث فاطمة بنت قيس مع بن أُمِّ مَكْتُومٍ فَلَيْسَ فِيهِ إِذْنٌ لَهَا فِي النَّظَرِ إِلَيْهِ بَلْ فِيهِ أَنَّهَا تَأْمَنُ عِنْدَهُ مِنْ نَظَرِ غَيْرِهَا وَهِيَ مَأْمُورَةٌ بِغَضِّ بَصَرِهَا فَيُمْكِنُهَا الِاحْتِرَازُ عَنِ النَّظَرِ بِلَا مَشَقَّةٍ بِخِلَافِ مُكْثِهَا فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي) هُوَ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَعْلِمِينِي وَفِيهِ جَوَازُ التَّعْرِيضِ بِخِطْبَةِ الْبَائِنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَّا أَبُو الْجَهْمِ فَلَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ) فِيهِ تَأْوِيلَانِ مَشْهُورَانِ أَحَدُهمَا أَنَّهُ كَثِيرُ الْأَسْفَارِ وَالثَّانِي أَنَّهُ كَثِيرُ الضَّرْبِ لِلنِّسَاءِ وَهَذَا أَصَحُّ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذِهِ أَنَّهُ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذِكْرِ الْإِنْسَانِ بِمَا فِيهِ عِنْدَ الْمُشَاوَرَةِ وَطَلَبِ النَّصِيحَةِ وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنَ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ بَلْ مِنَ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّ الْغِيبَةَ تُبَاحُ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ أَحَدُهَا الِاسْتِنْصَاحُ وَذَكَرْتُهَا بِدَلَائِلِهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ ثُمَّ فِي رِيَاضِ الصَّالِحِينَ (وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا الْجَهْمِ) هَذَا بِفَتْحِ الْجِيمِ مُكَبَّرٌ وَهُوَ أَبُو الْجَهْمِ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ الانبجانية وهو غير أبو الْجُهَيْمِ الْمَذْكُورِ فِي التَّيَمُّمِ وَفِي الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي فَإِنَّ ذَاكَ بِضَمِّ الْجِيمِ مُصَغَّرٌ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُمَا بِاسْمَيْهِمَا وَنَسَبَيْهِمَا وَوَصْفَيْهِمَا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ ثُمَّ فِي بَابِ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي وَذَكَرْنَا أَنَّ أَبَا الْجَهْمِ هَذَا هُوَ بن حُذَيْفَةَ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ قَالَ الْقَاضِي وَذَكَرَهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَلَمْ يَنْسِبُوهُ فِي الرِّوَايَةِ إِلَّا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيُّ أَحَدُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ فَقَالَ أَبُو جَهْمِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ وَهُوَ غَلَطٌ وَلَا يُعْرَفُ فِي الصَّحَابَةِ أَحَدٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو جَهْمِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ وَلَمْ يُوَافِقْ يَحْيَى عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَلَا غَيْرُهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ

عَاتِقِهِ) الْعَاتِقُ هُوَ مَا بَيْنَ الْعُنُقِ وَالْمَنْكِبِ وَفِي هَذَا اسْتِعْمَالُ الْمَجَازِ وَجَوَازُ إِطْلَاقِ مِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ وَفِي مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ صُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ كَانَ لِمُعَاوِيَةَ ثَوْبٌ يَلْبَسُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْمَالِ الْمُحَقَّرِ وَأَنَّ أَبَا الْجَهْمِ كَانَ يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ فِي حَالِ نَوْمِهِ وَأَكْلِهِ وَغَيْرِهِمَا وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ كَثِيرَ الْحَمْلِ لِلْعَصَا وَكَانَ مُعَاوِيَةُ قَلِيلَ الْمَالِ جِدًّا جَازَ إِطْلَاقُ هَذَا اللَّفْظِ عَلَيْهِمَا مَجَازًا فَفِي هَذَا جَوَازُ اسْتِعْمَالِ مِثْلِهِ فِي نَحْوِ هَذَا وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَذْكَارِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ) هُوَ بِضَمِّ الصَّادِ وَفِي هَذَا جَوَازُ ذِكْرِهِ بِمَا فِيهِ لِلنَّصِيحَةِ كَمَا سَبَقَ فِي ذِكْرِ أَبِي جَهْمٍ قَوْلُهَا (فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا الْجَهْمِ خَطَبَانِي) هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مُعَاوِيَةَ الْخَاطِبَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقِيلَ إِنَّهُ مُعَاوِيَةُ آخَرُ وَهَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ فِي تَرْجَمَةِ مُعَاوِيَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَكَرِهْتُهُ ثُمَّ قَالَ انْكِحِي أُسَامَةَ فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ) فَقَوْلُهَا اغْتَبَطْتُ هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْبَاءِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَاغْتَبَطْتُ بِهِ وَلَمْ تَقَعْ لَفْظَةُ بِهِ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْغِبْطَةُ أَنْ يُتَمَنَّى مِثْلُ حَالِ الْمَغْبُوطِ مِنْ غَيْرِ إِرَادَةِ زَوَالِهَا عَنْهُ وَلَيْسَ هُوَ بِحَسَدٍ أَقُولُ مِنْهُ غَبَطْتُهُ بِمَا نَالَ أَغْبِطُهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ غَبْطًا وَغِبْطَةً فَاغْتَبَطَ هُوَ كَمَنَعْتُهُ فَامْتَنَعَ وَحَبَسْتُهُ فَاحْتَبَسَ وَأَمَّا إِشَارَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِكَاحِ أُسَامَةَ فَلِمَا عَلِمَهُ من دينه وفضله وحسن طرائقه وَكَرَمِ شَمَائِلِهِ فَنَصَحَهَا بِذَلِكَ فَكَرِهَتْهُ لِكَوْنِهِ مَوْلًى ولكونه كان أَسْوَدَ جِدًّا فَكَرَّرَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَثَّ عَلَى زَوَاجِهِ لِمَا عَلِمَ مِنْ مَصْلَحَتِهَا فِي ذَلِكَ وَكَانَ كَذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَتْ فَجَعَلَ اللَّهُ لِي فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذَا طَاعَةُ اللَّهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ خَيْرٌ لَكِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بن عبد الرحمن القارىء

كليهما هو القارىء بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَهَكَذَا وَقَعَ في النسخ كليهما وَهُوَ صَحِيحٌ وَقَدْ سَبَقَ وَجْهُهُ فِي الْفُصُولِ الْمَذْكُورَةِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ قَوْلُهُ (وَكَانَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا نَفَقَةَ دُونٍ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ نَفَقَةَ دُونٍ بِإِضَافَةِ نَفَقَةٍ إِلَى دُونٍ قال أهل اللغة الدون الردئ الْحَقِيرُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَلَا يُشْتَقُّ مِنْهُ فِعْلٌ قَالَ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ مِنْهُ دَانَ يَدُونُ دُونًا وَأُدِينَ إِدَانَةً قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَإِنَّكِ إِذَا وَضَعْتِ خِمَارَكِ لَمْ يَرَكِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ

مفسرة للأولى ومعناه لاتخافين مِنْ رُؤْيَةِ رَجُلٍ إِلَيْكِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِكِ) هُوَ مِنَ التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَكَذَا عِدَّةُ الْبَائِنِ بِالثَّلَاثِ وَفِيهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِهَذَا الْحَدِيثِ قوله (كتبت ذلك منفيها كتابا

الْكِتَابُ هُنَا مَصْدَرٌ لِكَتَبْتُ قَوْلُهُ (فَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي الِانْتِقَالِ فَأَذِنَ لَهَا) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَذِنَ لَهَا فِي الِانْتِقَالِ لِعُذْرٍ وَهُوَ الْبَذَاءَةُ عَلَى أَحْمَائِهَا أَوْ خَوْفُهَا أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيْهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى هَذَا فِي أَوَائِلِ هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ وَالِانْتِقَالُ وَلَا يجوز نقلها قال الله تعالى لاتخرجوهن مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بفاحشة مبينة قال بن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ الْمُرَادُ بِالْفَاحِشَةِ هُنَا النُّشُوزُ وَسُوءُ الخلق وقيل هو البذاءة على أهل زوجها وقيل

معناه إلا أن يأتين بفاحشة الزنى فَيَخْرُجْنَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى الْمَسْكَنِ قَوْلُهُ (سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وَجَدْنَا النَّاسَ عَلَيْهَا) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ بِالْعِصْمَةِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا بِالْقَضِيَّةِ بِالْقَافِ وَالضَّادِ وَهَذَا وَاضِحٌ وَمَعْنَى الْأَوَّلِ بِالثِّقَةِ وَالْأَمْرِ الْقَوِيِّ الصَّحِيحِ قَوْلُهُ (وَمُجَالِدٌ) هُوَ بِالْجِيمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ هُنَا مُتَابَعَةً وَالْمُتَابَعَةُ يَدْخُلُ فِيهَا بَعْضُ الضُّعَفَاءِ قَوْلُهَا (إِنَّهُ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَلْبَتَّةَ قَالَتْ فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ خَاصَمَتْ وَكِيلَهُ قَوْلُهُ (فَأَتْحَفَتْنَا برطب بن طَابٍ وَسَقَتْنَا سَوِيقَ سُلْتٍ) مَعْنَى أَتْحَفَتْنَا ضَيَّفَتْنَا

ورطب بن طَابٍ نَوْعٌ مِنَ الرُّطَبِ الَّذِي بِالْمَدِينَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَنْوَاعَ تَمْرِ الْمَدِينَةِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ نَوْعًا وَأَمَّا السُّلْتُ فَبِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ لَامٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ وَهُوَ حَبٌّ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ قِيلَ طَبْعُهُ طَبْعُ الشَّعِيرِ فِي الْبُرُودَةِ وَلَوْنُهُ قَرِيبٌ مِنْ لَوْنِ الْحِنْطَةِ وَقِيلَ عَكْسُهُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي حُكْمِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ الصَّحِيحُ أَنَّهُ جِنْسٌ من الحبوب ليس هو حنطة وَلَا شَعِيرًا وَالثَّانِي أَنَّهُ حِنْطَةٌ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ شَعِيرٌ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي بَيْعِهِ بِالْحِنْطَةِ أَوْ بِالشَّعِيرِ مُتَفَاضِلًا وَفِي ضَمِّهِ إِلَيْهِمَا فِي إِتْمَامِ نِصَابِ الزَّكَاةِ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الضِّيَافَةِ وَاسْتِحْبَابُهَا مِنَ النِّسَاءِ لِزُوَّارِهِنَّ مِنْ فُضَلَاءِ الرِّجَالِ وَإِكْرَامُ الزَّائِرِ وَإِطْعَامُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (سَأَلْتُهَا عَنِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا أَيْنَ تَعْتَدُّ قَالَتْ طَلَّقَنِي بَعْلِي ثَلَاثًا فَأَذِنَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَعْتَدَّ فِي أَهْلِي) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَجَازَ لَهَا ذَلِكَ لِعُذْرٍ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ مَسْكَنِ الطَّلَاقِ كَمَا سَبَقَ إِيضَاحُهُ قَرِيبًا قَوْلُهُ (فقال انتقلى إلى بيت بن عَمِّكِ عَمْرِو بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ) هَكَذَا وَقَعَ هُنَا وَكَذَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي آخِرِ الْكِتَابِ وَزَادَ فَقَالَ هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فِهْرٍ مِنَ الْبَطْنِ الَّذِي هِيَ مِنْهُ قَالَ الْقَاضِي وَالْمَشْهُورُ خِلَافُ هَذَا وَلَيْسَ هُمَا مِنْ بَطْنٍ وَاحِدٍ هِيَ مِنْ بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لؤى قلت وهو بن عَمِّهَا مَجَازًا يَجْتَمِعَانِ فِي فِهْرٍ وَاخْتَلَفَتِ

الرواية في اسم بن أُمِّ مَكْتُومٍ فَقِيلَ عَمْرٌو وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ بْنِ صُخَيْرٍ) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا صُخَيْرٍ بِضَمِّ الصَّادِ عَلَى التَّصْغِيرِ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ رُوَاتِهِمْ أَنَّهُ صَخْرٌ بِفَتْحِهَا عَلَى التَّكْبِيرِ وَالصَّوَابُ الْمَشْهُورُ هُوَ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ لَا مَالَ لَهُ) هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَهُوَ الْفَقِيرُ فَأَكَّدَهُ

بِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ لِأَنَّ الْفَقِيرَ قَدْ يطلق على من له شئ يسير لَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّهُ ضَرِيرُ الْبَصَرِ تُلْقِي ثَوْبَكِ عِنْدَهُ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ تلقى وهى لغة صحيحةوالمشهور فِي اللُّغَةِ تُلْقِينَ بِالنُّونِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَبُو الْجُهَيْمِ مِنْهُ شِدَّةٌ عَلَى النِّسَاءِ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَبُو الْجُهَيْمِ بِضَمِّ الْجِيمِ مُصَغَّرٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ بِفَتْحِهَا مُكَبَّرٌ وَهُوَ

الْمَعْرُوفُ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ وَفِي كُتُبِ الْأَنْسَابِ وَغَيْرِهَا قَوْلُهَا (فَشَرَّفَنِي اللَّهُ بِأَبِي زَيْدٍ وَكَرَّمَنِي بِأَبِي زَيْدٍ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِأَبِي زَيْدٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى أَنَّهُ كُنْيَةٌ وَفِي بَعْضِهَا بِابْنِ زَيْدٍ بِالنُّونِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَادَّعَى الْقَاضِي أَنَّهَا رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ هُوَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَكُنْيَتُهُ أَبُو زَيْدٍ وَيُقَالُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَوَائِدَ كَثِيرَةً إِحْدَاهَا جَوَازُ طلاق الغائب الثانية جَوَازُ التَّوْكِيلِ فِي الْحُقُوقِ فِي الْقَبْضِ وَالدَّفْعِ الثَّالِثةُ لَا نَفَقَةَ لِلْبَائِنِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى الرَّابِعَةُ جَوَازُ سَمَاعِ كَلَامِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْأَجْنَبِيِّ فِي الِاسْتِفْتَاءِ وَنَحْوِهِ الْخَامِسَةُ جَوَازُ الْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِ الْعِدَّةِ لِلْحَاجَةِ السَّادِسَةُ اسْتِحْبَابُ زِيَارَةِ النِّسَاءِ الصَّالِحَاتِ لِلرِّجَالِ بِحَيْثُ لَا تَقَعُ خَلْوَةٌ مُحَرَّمَةٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمِّ شَرِيكٍ تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي السَّابِعَةُ جَوَازُ التَّعْرِيضِ لَخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ الْبَائِنِ بِالثَّلَاثِ الثَّامِنَةُ جَوَازُ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ غَيْرِهِ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ لِلْأَوَّلِ إِجَابَةٌ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا الْجَهْمِ وَغَيْرَهُمَا خَطَبُوهَا التَّاسِعَةُ جَوَازُ ذكر الغائب

بِمَا فِيهِ مِنَ الْعُيُوبِ الَّتِي يَكْرَهُهَا إِذَا كَانَ لِلنَّصِيحَةِ وَلَا يَكُونُ حِينَئِذٍ غِيبَةً مُحَرَّمَةً الْعَاشِرَةُ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ ولَا مَالَ لَهُ) الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ اسْتِحْبَابُ إِرْشَادِ الْإِنْسَانِ إِلَى مَصْلَحَتِهِ وَإِنْ كَرِهَهَا وَتَكْرَارِ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِا قَالَ انْكِحِي أُسَامَةَ فَكَرِهْتُهُ ثُمَّ قال انكحى أسامة فنكحته الثانية عشر قَبُولُ نَصِيحَةِ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالِانْقِيَادُ إِلَى إِشَارَتِهِمْ وأن عاقبتها محمودة الثالثة عشر جَوَازُ نِكَاحِ غَيْرِ الْكُفْءِ إِذَا رَضِيَتْ بِهِ الزَّوْجَةُ وَالْوَلِيُّ لِأَنَّ فَاطِمَةَ قُرَشِيَّةٌ وَأُسَامَةَ مَوْلًى الرابعة عشر الْحِرْصُ عَلَى مُصَاحَبَةِ أَهْلِ التَّقْوَى وَالْفَضْلِ وَإِنْ دنت أنسابهم الخامسة عشر جَوَازُ إِنْكَارِ الْمُفْتِي عَلَى مُفْتٍ آخَرَ خَالَفَ النَّصَّ أَوْ عَمَّمَ مَا هُوَ خَاصٌ لِأَنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ تَعْمِيمَهَا أن لا سُكْنَى لِلْمَبْتُوتَةِ وَإِنَّمَا كَانَ انْتِقَالُ فَاطِمَةَ مِنْ مَسْكَنِهَا لِعُذْرٍ مِنْ خَوْفِ اقْتِحَامِهِ عَلَيْهَا أَوْ لبذاءتها أو نحو ذلك السادسة عشر اسْتِحْبَابُ ضِيَافَةِ الزَّائِرِ وَإِكْرَامِهِ بِطَيِّبِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ سواء كان الضيف رجلا أو امرأة والله أعلم

باب جواز خروج المعتدة البائن

(باب جواز خروج المعتدة البائن) (والمتوفى عنها زوجها في النهار لحاجتها) [1483] فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ (قَالَ طُلِّقَتْ خَالَتِي فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَلَى فَجُدِّي نَخْلَكِ فَإِنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا) هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِخُرُوجِ الْمُعْتَدَّةِ الْبَائِنِ لِلْحَاجَةِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَآخَرِينَ جَوَازُ خُرُوجِهَا فِي النَّهَارِ لِلْحَاجَةِ وَكَذَلِكَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ في عدة الوفاة ووافقهم أبو أَبُو حَنِيفَةَ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَقَالَ فِي الْبَائِنِ لَا تَخْرُجُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الصَّدَقَةِ مِنَ التَّمْرِ عِنْدَ جُدَادِهِ وَالْهَدِيَّةِ وَاسْتِحْبَابُ التَّعْرِيضِ لِصَاحِبِ التَّمْرِ بِفِعْلِ ذَلِكَ وَتَذْكِيرُ الْمَعْرُوفِ وَالْبِرِّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (باب انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا) (وَغَيْرِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ) فِيهِ حَدِيثُ سُبَيْعَةَ بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَنَّهَا وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بليال

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ وَأَنَّهَا حَلَّتْ لِلزَّوَاجِ فَأَخَذَ بِهَذَا جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فَقَالُوا عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ حَتَّى لَوْ وَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا بِلَحْظَةٍ قَبْلَ غُسْلِهِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَحَلَّتْ فِي الْحَالِ لِلْأَزْوَاجِ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً الا رواية عن على وبن عَبَّاسٍ وَسَحْنُونٍ الْمَالِكِيِّ أَنَّ عِدَّتَهَا بِأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَوَضْعُ الْحَمْلِ وَإِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَحَمَّادٍ أَنَّهَا لَا يَصِحُّ زَوَاجُهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ نِفَاسِهَا وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ سُبَيْعَةَ الْمَذْكُورُ وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعشرا وَمُبَيِّنٌ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أن يضعن حملهن عَامٌّ فِي الْمُطَلَّقَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَأَنَّهُ عَلَى عُمُومِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقَدْ تَعَارَضَ عُمُومُ هَاتَيْنِ الآيتين إذا تَعَارَضَ الْعُمُومَانِ وَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى مُرَجِّحٍ لِتَخْصِيصِ أَحَدِهِمَا وَقَدْ وُجِدَ هُنَا حَدِيثُ سُبَيْعَةَ الْمُخَصِّصُ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى غَيْرِ الْحَامِلِ وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى الشَّعْبِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فَهُوَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْبَابِ أَنَّهَا قَالَتْ فَأَفْتَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِنَفْسِ الْوَضْعِ فَإِنِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا أَيْ طَهُرَتْ مِنْهُ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ وَقْتِ سُؤَالِهَا وَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا حَلَّتْ حِينَ وَضَعَتْ وَلَمْ يُعَلِّلْ بِالطُّهْرِ مِنَ النِّفَاسِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهُمْ سَوَاءٌ كَانَ حَمْلُهَا وَلَدًا أَوْ أَكْثَرَ كَامِلَ الْخِلْقَةِ أَوْ نَاقِصَهَا أَوْ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً فَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِهِ إِذَا كَانَ فِيهِ صُورَةُ خَلْقِ آدَمِيٍ سَوَاءٌ كَانَتْ صُورَةً خَفِيَّةً تَخْتَصُّ النِّسَاءُ بِمَعْرِفَتِهَا أَمْ جَلِيَّةً يَعْرِفُهَا كُلُّ أَحَدٍ وَدَلِيلُهُ إِطْلَاقُ سُبَيْعَةَ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ عَنْ صِفَةِ حَمْلِهَا [1484] قَوْلُهُ (كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ

خَوْلَةَ وَهُوَ فِي بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ فِي بَنِي عَامِرِ بِالْفَاءِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ وَنَسَبُهُ فِي بَنِي عَامِرٍ أَيْ هُوَ مِنْهُمْ قَوْلُهُ (فَلَمْ تَنْشَبْ) أَيْ لَمْ تَمْكُثْ قَوْلُهُ (أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ) السَّنَابِلُ بِفَتْحِ السِّينِ وَبَعْكَكٌ بِمُوَحَّدَةِ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ كَافِينَ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ وَاسْمُ أَبِي السَّنَابِلِ عَمْرٌو وَقِيلَ حَبَّةٌ بِالْبَاءِ الموحدة وقيل بالنون حكاهما بن مَاكُولَا وَهُوَ أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكِ بْنِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ السَّبَّاقِ بْنِ عَبْدِ الدار كذا نسبة بن الكلبى وبن عَبْدِ الْبَرِّ وَقِيلَ

(باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة (وتحريمه في غير ذلك

فِي نَسَبِهِ غَيْرُ هَذَا [1485] قَوْلُهُ (نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ) هو بِضَمِّ النُّونِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَفِي لُغَةٍ بِفَتْحِهَا وَهُمَا لُغَتَانِ فِي الْوِلَادَةِ وَقَوْلُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِلَيَالٍ قِيلَ إِنَّهَا شَهْرٌ وَقِيلَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً وَقِيلَ دُونَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب وُجُوبِ الْإِحْدَادِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ (وَتَحْرِيمِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْإِحْدَادُ وَالْحِدَادُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَدِّ وَهُوَ الْمَنْعُ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الزِّينَةَ وَالطِّيبَ يُقَالُ أَحَدَّتِ الْمَرْأَةُ تَحِدُّ إِحْدَادًا وَحَدَّتْ تَحُدُّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَحِدُّ بِكَسْرِهَا حَدًّا كَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُقَالُ أَحَدَّتْ وَحَدَّتْ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ لَا يُقَالُ إِلَّا أَحَدَّتْ رُبَاعِيًّا وَيُقَالُ امْرَأَةٌ حَادٌّ وَلَا يُقَالُ حَادَّةٌ وَأَمَّا الْإِحْدَادُ فِي الشَّرْعِ فَهُوَ تَرْكُ الطِّيبِ وَالزِّينَةِ وَلَهُ تَفَاصِيلُ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ [1486] قَوْلُهُ)

((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْإِحْدَادِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَفْصِيلِهِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُعْتَدَّةٍ عَنْ وَفَاةٍ سَوَاءٌ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُهَا وَالصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ وَالْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ وَالْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ وَالْمُسْلِمَةُ وَالْكَافِرَةُ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ الْكِتَابِيَّةِ بَلْ يَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ فَخَصَّهُ بِالْمُؤْمِنَةِ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ هُوَ الَّذِي يَشْمَلُ خِطَابَ الشَّارِعِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ وَيَنْقَادُ لَهُ فَلِهَذَا قَيَّدَ بِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا لَا إِحْدَادَ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَلَا عَلَى الزوجة الأمة وأجمعوا على أنه لا احداد عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ وَلَا عَلَى الْأَمَةِ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهُمَا سَيِّدُهُمَا وَلَا عَلَى الزَّوْجَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا فَقَالَ عَطَاءٌ وَرَبِيعَةُ ومالك والليث والشافعى وبن الْمُنْذِرِ لَا إِحْدَادَ عَلَيْهَا وَقَالَ الْحَكَمُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ لِلشَّافِعِيِّ وَحَكَى الْقَاضِي قَوْلًا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ وَلَا عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَهَذَا شَاذٌّ غَرِيبٌ وَدَلِيلُ مَنْ قَالَ لَا احداد عَلَى الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَلَى الْمَيِّتِ فَخَصَّ الْإِحْدَادَ بِالْمَيِّتِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ فِي غَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي وَاسْتُفِيدَ وُجُوبُ الْإِحْدَادِ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنَ اتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَكِنِ اتَّفَقُوا عَلَى حَمْلِهِ عَلَى الْوُجُوبِ مَعَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ فِي الْكُحْلِ وَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَمَنْعِهَا مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَالْمُرَادُ بِهِ وَعَشْرَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ وَأَنَّهَا تَحِلُّ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا تَحِلُّ حَتَّى تَدْخُلَ لَيْلَةُ الْحَادِي عَشَرَ وَاعْلَمْ أَنَّ التَّقْيِيدَ عِنْدَنَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ خَرَجَ عَلَى غَالِبِ الْمُعْتَدَّاتِ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ أَمَّا إِذَا كَانَتْ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا بِالْحَمْلِ وَيَلْزَمُهَا الْإِحْدَادُ فِي جَمِيعِ الْعِدَّةِ حَتَّى تَضَعَ سَوَاءٌ قَصُرَتِ الْمُدَّةُ أَمْ طَالَتْ فَإِذَا وَضَعَتْ فَلَا إِحْدَادَ بَعْدَهُ وَقَالَ بَعْضُ)

الْعُلَمَاءِ لَا يَلْزَمُهَا الْإِحْدَادُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَإِنْ لَمْ تَضَعِ الْحَمْلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي وُجُوبِ الْإِحْدَادِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ دُونَ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الزِّينَةَ وَالطِّيبَ يَدْعُوَانِ إِلَى النِّكَاحِ وَيُوقِعَانِ فِيهِ فَنُهِيَتْ عَنْهُ لِيَكُونَ الِامْتِنَاعُ مِنْ ذَلِكَ زَاجِرًا عَنِ النِّكَاحِ لِكَوْنِ الزَّوْجِ مَيِّتًا لَا يَمْنَعُ مُعْتَدَّتَهُ مِنَ النِّكَاحِ وَلَا يُرَاعِيهِ نَاكِحُهَا وَلَا يَخَافُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمُطَلِّقِ الْحَيِّ فَإِنَّهُ يَسْتَغْنِي بِوُجُودِهِ عَنْ زَاجِرٍ آخَرَ وَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَجَبَتِ الْعِدَّةُ عَلَى كُلِّ مُتَوَفَّى عَنْهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَاسْتُظْهِرَ لِلْمَيِّتِ بِوُجُوبِ الْعِدَّةِ وَجُعِلَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ فِيهَا يُنْفَخُ الرُّوحُ فِي الْوَلَدِ إِنْ كَانَ وَالْعَشْرُ احْتِيَاطًا وَفِي هَذِهِ الْمُدَّةِ يَتَحَرَّكُ الْوَلَدُ فِي الْبَطْنِ قَالُوا وَلَمْ يُوَكَّلْ ذَلِكَ إِلَى أَمَانَةِ النِّسَاءِ وَيُجْعَلْ بِالْأَقْرَاءِ كَالطَّلَاقِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الِاحْتِيَاطِ لِلْمَيِّتِ وَلَمَّا كَانَتِ الصَّغِيرَةُ مِنَ الزَّوْجَاتِ نَادِرَةً أُلْحِقَتْ بِالْغَالِبِ فِي حُكْمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَالْإِحْدَادِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1486] قَوْلُهُ (فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أَوْ غَيْرُهُ) هُوَ بِرَفْعِ خَلُوقٍ وَبِرَفْعِ غَيْرِهِ أَيْ دَعَتْ بِصُفْرَةٍ وَهِيَ خَلُوقٌ أَوْ غَيْرُهُ وَالْخَلُوقُ بِفَتْحِ الْخَاءِ هُوَ طِيبٌ مَخْلُوطٌ قَوْلُهُ (مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا) هُمَا جَانِبَا الْوَجْهِ فَوْقَ الذَّقَنِ إِلَى مَا دُونَ الْأُذُنِ وَإِنَّمَا فَعَلَتْ هَذَا لِدَفْعِ صُورَةِ الْإِحْدَادِ وَفِي هَذَا الَّذِي فَعَلَتْهُ أُمُّ حَبِيبَةَ وَزَيْنَبُ مَعَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ دَلَالَةٌ لِجَوَازِ الْإِحْدَادِ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا [1488] قَوْلُهَا (وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنُهَا) هُوَ بِرَفْعِ النُّونِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ عَيْنَاهَا بِالْأَلِفِ قَوْلُهَا

(أَفَنَكْحُلُهَا فَقَالَ لَا) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَكْتَحِلْ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الِاكْتِحَالِ عَلَى الْحَادَّةِ سَوَاءٌ احْتَاجَتْ إِلَيْهِ أَمْ لَا وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَحْتَجْ إِلَيْهِ لَا يَحِلُّ لَهَا وَإِنْ احْتَاجَتْ لَمْ يَجُزْ بِالنَّهَارِ وَيَجُوزُ بِاللَّيْلِ مَعَ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ فَإِنَّ فَعَلَتْهُ مَسَحَتْهُ بِالنَّهَارِ فَحَدِيثُ الْإِذْنِ فِيهِ لِبَيَانِ أَنَّهُ بِاللَّيْلِ لِلْحَاجَةِ غَيْرُ حَرَامٍ وحَدِيثُ النَّهْيِ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْحَاجَةِ وَحَدِيثُ الَّتِي اشْتَكَتْ عَيْنُهَا فَنَهَاهَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقِ الْخَوْفُ عَلَى عَيْنِهَا وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اكْتِحَالِ الْمُحِدَّةِ فَقَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يَجُوزُ إِذَا خَافَتْ عَلَى عَيْنِهَا بِكُحْلٍ لَا طِيبَ فِيهِ وَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ وَمَذْهَبُنَا جَوَازُهُ لَيْلًا عِنْدَ الْحَاجَةِ بِمَا لَا طِيبَ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ) مَعْنَاهُ لَا تَسْتَكْثِرْنَ الْعِدَّةَ وَمَنْعَ الِاكْتِحَالِ فِيهَا فَإِنَّهَا مُدَّةٌ قَلِيلَةٌ وَقَدْ خُفِّفَتْ عَنْكُنَّ وَصَارَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ سَنَةً وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِنَسْخِ الِاعْتِدَادِ سَنَةً الْمَذْكُورِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا رَمْيُهَا بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ فَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مَعْنَاهُ أَنَّهَا رَمَتْ بِالْعِدَّةِ وَخَرَجَتْ مِنْهَا كَانْفِصَالِهَا مِنْ هَذِهِ الْبَعَرَةِ وَرَمْيِهَا بِهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الَّذِي فَعَلَتْهُ وَصَبَرَتْ عَلَيْهِ مِنَ الِاعْتِدَادِ سَنَةً وَلُبْسِهَا شَرَّ ثِيَابِهَا وَلُزُومَهَا بَيْتًا صَغِيرًا هَيِّنٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَقِّ الزَّوْجِ وَمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْمُرَاعَاةِ كَمَا يَهُونُ الرَّمْيُ بِالْبَعَرَةِ [1489] قَوْلُهُ (دَخَلَتْ حِفْشًا) هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ بَيْتًا صَغِيرًا حَقِيرًا قَرِيبَ السمك قوله (ثم تؤتى بدابة حمار أوشاة أو طير

فَتَفْتَضُّ بِهِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فتفتض بالفاء والضاد قال بن قُتَيْبَةَ سَأَلْتُ الْحِجَازِيِّينَ عَنْ مَعْنَى الِافْتِضَاضِ فَذَكَرُوا أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ كَانَتْ لَا تَغْتَسِلُ وَلَا تَمَسُّ مَاءً وَلَا تُقَلِّمُ ظُفْرًا ثُمَّ تَخْرُجُ بَعْدَ الْحَوْلِ بِأَقْبَحِ مَنْظَرٍ ثُمَّ تَفْتَضُّ أَيْ تَكْسِرُ مَا هِيَ فِيهِ مِنَ الْعِدَّةِ بِطَائِرٍ تَمْسَحُ بِهِ قُبُلَهَا وَتَنْبِذُهُ فَلَا يَكَادُ يَعِيشُ مَا تَفْتَضُّ بِهِ وَقَالَ مَالِكٌ مَعْنَاهُ تَمْسَحُ بِهِ جلدها وقال بن وَهْبٍ مَعْنَاهُ تَمْسَحُ بِيَدِهَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَمْسَحُ بِهِ ثُمَّ تَفْتَضُّ أَيْ تَغْتَسِلُ وَالِافْتِضَاضُ الِاغْتِسَالُ بِالْمَاءِ الْعَذْبِ لِلْإِنْقَاءِ وَإِزَالَةِ الْوَسَخِ حَتَّى تَصِيرَ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً كَالْفِضَّةِ وَقَالَ الْأَخْفَشُ مَعْنَاهُ تَتَنَظَّفُ وَتَتَنَقَّى مِنَ الدَّرَنِ تَشْبِيهًا لَهَا بِالْفِضَّةِ فِي نَقَائِهَا وَبَيَاضِهَا وَذَكَرَ الْهَرَوِيُّ أَنَّ الْأَزْهَرِيَّ قَالَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ تُقْبَصُ بِالْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْقَبْضِ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ قَوْلُهُ (تُوُفِّيَ حَمِيمٌ لِأُمِّ حَبِيبَةَ) أَيْ قَرِيبٌ

[1488] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي شَرِّ أَحْلَاسِهَا) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ حِلْسٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَالْمُرَادُ فِي شَرِّ ثِيَابِهَا كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ حِلْسِ الْبَعِيرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الدَّوَابِّ وَهُوَ كَالْمِسْحِ يُجْعَلُ عَلَى ظَهْرِهِ [1486] قَوْلُهُ (نُعِيُّ أَبِي سُفْيَانَ) هُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ وَبِإِسْكَانِهَا مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ أَيْ خَبَرُ موته

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ) الْعَصْبُ بِعَيْنٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ صَادٍ سَاكِنَةٍ مُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ بُرُودُ الْيَمَنِ يُعْصَبُ غَزْلُهَا ثُمَّ يُصْبَغُ مَعْصُوبًا ثُمَّ تُنْسَجُ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ جَمِيعِ الثِّيَابِ الْمَصْبُوغَةِ لِلزِّينَةِ إِلَّا ثَوْبَ الْعَصْبِ قَالَ بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحَادَّةِ لُبْسُ الثِّيَابِ الْمُعَصْفَرَةِ وَالْمُصَبَّغَةِ إِلَّا مَا صُبِغَ بِسَوَادٍ فَرَخَّصَ بِالْمَصْبُوغِ بِالسَّوَادِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَكَرِهَهُ الزُّهْرِيُّ وَكَرِهَ عُرْوَةُ الْعَصَبَ وَأَجَازَهُ الزُّهْرِيُّ وَأَجَازَ مَالِكٌ غَلِيظَهُ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا تَحْرِيمُهُ مُطْلَقًا وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لمن أجازه قال بن الْمُنْذِرِ رَخَّصَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ فِي الثِّيَابِ الْبِيضِ وَمَنَعَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ جَيِّدَ الْبِيضِ الَّذِي يُتَزَيَّنُ بِهِ وَكَذَلِكَ جَيِّدُ السَّوَادِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ كُلُّ مَا صُبِغَ وَلَا تُقْصَدُ مِنْهُ الزِّينَةُ وَيَجُوزُ لَهَا لُبْسُ الْحَرِيرِ فِي الْأَصَحِّ وَيَحْرُمُ حِلِيُّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكَذَلِكَ اللُّؤْلُؤُ وَفِي اللُّؤْلُؤِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجُوزُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تَمَسَّ طَيِّبًا إِلَّا إِذَا طهرت نبذة قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ) النُّبْذَةُ بِضَمِّ النُّونِ الْقِطْعَةُ

(كتاب اللعان اللعان والملاعنة والتلاعن ملاعنة

وَالشَّيْءُ الْيَسِيرُ وَأَمَّا الْقُسْطُ فَبِضَمِّ الْقَافِ وَيُقَالُ فِيهِ كُسْتٌ بِكَافٍ مَضْمُومَةٍ بَدَلَ الْقَافِ وَبِتَاءٍ بَدَلَ الطَّاءِ وَهُوَ وَالْأَظْفَارُ نَوْعَانِ مَعْرُوفَانِ مِنَ الْبَخُورِ وَلَيْسَا مِنْ مَقْصُودِ الطَّيِبِ رَخَّصَ فِيهِ لِلْمُغْتَسِلَةِ مِنَ الْحَيْضِ لِإِزَالَةِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ تَتْبَعُ بِهِ أَثَرَ الدَّمِ لَا لِلتَّطَيُّبِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (كِتَابُ الْلِّعَانِ اللِّعَانُ وَالْمُلَاعَنَةُ وَالتَّلَاعُنُ مُلَاعَنَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ يُقَالُ تَلَاعَنَا وَالْتَعْنَا وَلَاعَنَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَسُمِّيَ لِعَانًا لِقَوْلِ الزَّوْجِ عَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ مِنَ الْكَاذِبِينَ قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَاخْتِيرَ لَفْظُ اللَّعْنِ عَلَى لَفْظِ الْغَضَبِ وَإِنْ كَانَا مَوْجُودَيْنِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَفِي صُورَةِ اللِّعَانِ لِأَنَّ لَفْظَ اللَّعْنَةِ مُتَقَدِّمٌ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَفِي صُورَةِ اللِّعَانِ وَلِأَنَّ جَانِبَ الرَّجُلِ فِيهِ أَقْوَى مِنْ جَانِبِهَا لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِاللِّعَانِ دُونَهَا وَلِأَنَّهُ قَدْ يَنْفَكُّ لِعَانُهُ عَنْ لِعَانِهَا وَلَا يَنْعَكِسُ وَقِيلَ سُمِّيَ لَعَّانًا مِنَ اللَّعْنِ وَهُوَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَبْعُدُ عَنْ صَاحِبِهِ وَيَحْرُمُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِخِلَافِ الْمُطَلِّقِ وَغَيْرِهِ وَاللِّعَانُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا يَمِينٌ وَقِيلَ شَهَادَةٌ وَقِيلَ يَمِينٌ فِيهَا ثُبُوتُ شَهَادَةٍ وَقِيلَ عَكْسُهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَيْسَ مِنَ الْأَيْمَانِ شَيْءٌ مُتَعَدِّدٌ إِلَّا اللِّعَانَ وَالْقَسَامَةَ وَلَا يَمِينَ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي إِلَّا فِيهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَجُوِّزَ اللِّعَانُ لِحِفْظِ الْأَنْسَابِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّةِ عَنِ الْأَزْوَاجِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى صِحَّةِ اللِّعَانِ فِي الْجُمْلَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نُزُولِ آيَةِ اللِّعَانِ هَلْ هُوَ بِسَبَبِ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ أَمْ بِسَبَبِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِسَبَبِ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الْبَابِ أَوَّلًا لِعُوَيْمِرٍ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ سَبَبُ نُزُولِهَا قِصَّةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا فِي قصة هلال)

قَالَ وَكَانَ أَوَّلَ رَجُلٍ لَاعَنَ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الْحَاوِي قَالَ الْأَكْثَرُونَ قِصَّةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَسْبَقُ مِنْ قِصَّةِ الْعَجْلَانِيِّ قَالَ وَالنَّقْلُ فِيهِمَا مُشْتَبِهٌ ومختلف وقال بن الصَّبَّاغِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الشَّامِلِ فِي قِصَّةِ هِلَالٍ تَبَيَّنَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ أَوَّلًا قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُوَيْمِرٍ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ فَمَعْنَاهُ مَا نَزَلَ فِي قِصَّةِ هِلَالٍ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ عَامٌّ لِجَمِيعِ النَّاسِ قُلْتُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِمَا جَمِيعًا فَلَعَلَّهُمَا سَأَلَا فِي وَقْتَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِيهِمَا وَسَبَقَ هِلَالٌ باللِّعَانِ فَيَصْدُقُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي هَذَا وَفِي ذَاكَ وَأَنَّ هِلَالًا أَوَّلُ مَنْ لَاعَنَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالُوا وَكَانَتْ قِصَّةُ اللِّعَانِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَمِمَّنْ نقله القاضي عياض عن بن جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ [1492] قَوْلُهُ (فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا) الْمُرَادُ كَرَاهَةُ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهَا لَا سِيَّمَا مَا كَانَ فِيهِ هَتْكُ سِتْرِ مُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمَةٍ أَوْ إِشَاعَةُ فَاحِشَةٍ أَوْ شَنَاعَةٌ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمَةٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْمَسَائِلُ مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي أُمُورِ الدِّينِ وَقَدْ وَقَعَ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا وَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادَ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْأَحْكَامِ الْوَاقِعَةِ فَيُجِيبُهُمْ وَلَا يَكْرَهُهَا وَإِنَّمَا كَانَ سُؤَالُ عَاصِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ قِصَّةٍ لَمْ تَقَعْ بَعْدَ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهَا وَفِيهَا شَنَاعَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَتَسْلِيطُ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ وَنَحْوِهِمْ عَلَى الْكَلَامِ فِي أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الْإِسْلَامِ وَلِأَنَّ مِنَ الْمَسَائِلِ مَا يَقْتَضِي جَوَابُهُ تَضْيِيقًا وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَعْظَمُ النَّاسِ

حَرْبًا مَنْ سَأَلَ عَمَّا لَمْ يَحْرُمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ قَوْلُهُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَزَلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا قَالَ سَهْلٌ فَتَلَاعَنَا) هَذَا الْكَلَامُ فِيهِ حَذْفٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ سأل وقذف امرأته وأنكرت الزنى وَأَصَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَوْلِهِ ثُمَّ تَلَاعَنَا قَوْلُهُ (أَيَقْتُلُ فَتَقْتُلُونَهُ) مَعْنَاهُ إِذَا وَجَدَ رجلا مع امرأته وتحقق أنه زنا بِهَا فَإِنْ قَتَلَهُ قَتَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَرَكَهُ صَبَرَ عَلَى عَظِيمٍ فَكَيْفَ طَرِيقُهُ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ قَتَلَ رَجُلًا وَزَعَمَ أَنَّهُ وَجَدَهُ قَدْ زَنَى بِامْرَأَتِهِ فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَلْ يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ إِلَّا أَنْ تَقُومَ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ أَوْ يَعْتَرِفُ بِهِ وَرَثَةُ الْقَتِيلِ وَالْبَيِّنَةُ أَرْبَعَةٌ مِنْ عُدُولِ الرِّجَالِ يَشْهَدُونَ عَلَى نَفْسِ الزنى وَيَكُونُ الْقَتِيلُ مُحْصَنًا وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ قَتَلَ زَانِيًا مُحْصَنًا الْقِصَاصُ مَا لَمْ يَأْمُرِ السُّلْطَانُ بِقَتْلِهِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَجَاءَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ تَصْدِيقُهُ فِي أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَتِهِ وَقَتَلَهُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ (قَالَ سَهْلٌ فَتَلَاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِيهِ أَنَّ اللِّعَانَ يَكُونُ بِحَضْرَةِ الامام أو القاضي وَبِمَجْمَعٍ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِ تَغْلِيظِ اللِّعَانِ فَإِنَّهُ تَغْلِيظٌ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْجَمْعِ فَأَمَّا الزَّمَانُ فَبَعْدَ الْعَصْرِ وَالْمَكَانُ فِي أَشْرَفِ مَوْضِعٍ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ وَالْجَمْعُ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ أَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ وَهَلْ هَذِهِ التَّغْلِيظَاتُ وَاجِبَةٌ أَمْ مُسْتَحَبَّةٌ فِيهِ خِلَافٌ عِنْدَنَا الْأَصَحُّ الِاسْتِحْبَابُ قَوْلُهُ (فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ عُوَيْمِرٌ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا) فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال بن شِهَابٌ فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فطلقها ثلاثا

قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَارَقَهَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ لَاعَنَ ثُمَّ لَاعَنَتْ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْفُرْقَةِ بِاللِّعَانِ فَقَالَ مالك والشافعي والجمهور تقع الفرقة بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِنَفْسِ التَّلَاعُنِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ تَحْصُلُ الْفُرْقَةُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى لِعَانِ الزَّوْجَةِ وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ تَتَوَقَّفُ عَلَى لِعَانِهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَحْصُلُ الْفُرْقَةُ إِلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِهَا بَعْدَ التَّلَاعُنِ لِقَوْلِهِ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى قَضَاءِ الْقَاضِي لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا وَالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَفَارِقْهَا وَقَالَ اللَّيْثُ لَا أَثَرَ لِلِّعَانِ فِي الْفُرْقَةِ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ فِرَاقٌ أَصْلًا وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِتَأْبِيدِ التَّحْرِيمِ فِيمَا اذا أكذب بَعْدَ ذَلِكَ نَفْسَهُ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَحِلُّ لَهُ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُحَرِّمِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا فَهُوَ كَلَامٌ تَامٌّ مُسْتَقِلٌّ ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ فِي أَنَّهُ لَا يُمْسِكُهَا وَإِنَّمَا طَلَّقَهَا لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ اللِّعَانَ لَا يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ فَأَرَادَ تَحْرِيمَهَا بِالطَّلَاقِ فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا أَيْ لَا مِلْكَ لَكَ عَلَيْهَا فَلَا يَقَعُ طَلَاقُكَ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ تَحْصُلُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ جَمْعَ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ لَيْسَ حَرَامًا وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ إِطْلَاقَ لَفْظِ الثَّلَاثِ وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا فَيُقَالُ إِنَّمَا لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفِ الطَّلَاقُ مَحِلًّا مَمْلُوكًا لَهُ وَلَا نُفُوذًا وَيُجَابُ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّلَاثُ مُحَرَّمًا لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ كَيْفَ تُرْسِلُ لَفْظَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مَعَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وقال بن نَافِعٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إِنَّمَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بعد اللعان لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إِظْهَارُ الطَّلَاقِ بَعْدَ اللِّعَانِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَتِ الْفُرْقَةُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ وَهَذَا فَاسِدٌ وَكَيْفَ يُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُطَلِّقَ مَنْ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ الْمَالِكِيُّ لَا تَحْصُلُ الْفُرْقَةُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ وَاحْتَجَّ بِطَلَاقِ عُوَيْمِرٍ وَبِقَوْلِهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا وَتَأَوَّلَهُ الْجُمْهُورُ كَمَا سَبَقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (قَالَ بن شهاب فكانت سنة

المتلاعنين) فقد تأوله بن نَافِعٍ الْمَالِكِيُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ اسْتِحْبَابُ الطَّلَاقِ بَعْدَ اللِّعَانِ كَمَا سَبَقَ وَقَالَ الْجُمْهُورُ مَعْنَاهُ حُصُولُ الْفُرْقَةِ بِنَفْسِ اللِّعَانِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ذَاكُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ فَمَعْنَاهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ بَيَانُ أَنَّ الْفُرْقَةَ تَحْصُلُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ بَيْنَ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَحْرِيمُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ كَمَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَاتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ قَذْفِهِ لِزَوْجَتِهِ لَا يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ إِلَّا أَبَا عُبَيْدٍ فَقَالَ تَصِيرُ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بِنَفْسِ الْقَذْفِ بِغَيْرِ لِعَانٍ قَوْلُهُ (وَكَانَتْ حَامِلًا فَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى إِلَى أُمِّهِ ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ أَنْ يَرِثَهَا وَتَرِثَ منه ما فرض الله لها) فيه جَوَازِ لِعَانِ الْحَامِلِ وَأَنَّهُ إِذَا لَاعَنَهَا وَنَفَى عنه نَسَبِ الْحَمْلِ انْتَفَى عَنْهُ وَأَنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ من الأم ويرثها وترث منه مَا فَرَضَ اللَّهُ لِلْأُمِّ وَهُوَ الثُّلُثُ إِنْ لم يكن للميت ولد ولا ولد بن وَلَا اثْنَانِ مِنَ الْإِخْوَةِ أَوِ الْأَخَوَاتِ وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَهَا السُّدُسُ وَقَدْ أجمع

الْعُلَمَاءُ عَلَى جَرَيَانِ التَّوَارُثِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ وَهُمْ إِخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ مِنْ أُمِّهِ وَجَدَّاتُهُ مِنْ أُمِّهِ ثُمَّ إِذَا دُفِعَ إِلَى أُمِّهِ فَرَضُهَا أَوْ إِلَى أَصْحَابِ الْفُرُوضِ وَبَقِيَ شَيْءٌ فَهُوَ لِمَوَالِي أُمِّهِ إِنْ كَانَ عَلَيْهَا وَلَاءٌ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ هُوَ وَلَا بِمُبَاشَرَةِ إِعْتَاقِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَوَالٍ فَهُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ تَرِثُهُ وَرَثَةُ أُمِّهِ وَقَالَ آخَرُونَ عَصَبَةُ أُمِّهِ رُوِيَ هذا عن علي وبن مَسْعُودٍ وَعَطَاءٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ أَحْمَدُ فَإِنِ انْفَرَدَتِ الْأُمُّ أَخَذَتْ جَمِيعَ مَالِهِ بِالْعُصُوبَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا انْفَرَدَتْ أَخَذَتِ الْجَمِيعَ لَكِنِ الثُّلُثُ بِالْفَرْضِ وَالْبَاقِي بِالرَّدِّ عَلَى قَاعِدَةِ مَذْهَبِهِ فِي إِثْبَاتِ الرَّدِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فتلاعنا فِي الْمَسْجِدِ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ كَوْنِ اللِّعَانِ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ [1493] قَوْلُهُ (فَقُلْتُ لِلْغُلَامِ اسْتَأْذِنْ لِي قَالَ إنَّهُ قَائِلٌ فَسَمِعَ صَوْتِي فقال بن جُبَيْرٍ قُلْتُ نَعَمْ) أَمَّا قَوْلُهُ إِنَّهُ قَائِلٌ فَهُوَ مِنَ الْقَيْلُولَةِ وَهِيَ النَّوْمُ نِصْفَ النَّهَارِ وأما قوله بن جبير فهو برفع بن وهو استفهام أي أأنت بن جُبَيْرٍ قَوْلُهُ (فَوَجَدْتُهُ

مُفْتَرِشًا بَرْذَعَةً) هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَفِيهِ زَهَادَةُ بن عُمَرَ وَتَوَاضُعُهُ قَوْلُهُ (وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ) وَفَعَلَ بِالْمَرْأَةِ مِثْلَ ذَلِكَ فِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ يَعِظُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَيُخَوِّفُهُمَا مِنْ وَبَالِ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ وَأَنَّ الصَّبْرَ عَلَى عَذَابِ الدُّنْيَا وَهُوَ الْحَدُّ أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ قَوْلُهُ (فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ إِلَى آخِرِهِ) فِيهِ أَنَّ الِابْتِدَاءَ فِي اللِّعَانِ يَكُونُ بِالزَّوْجِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ بِهِ وَلِأَنَّهُ يُسْقِطُ عَنْ نَفْسِهِ حَدَّ قَذْفِهَا وَيَنْفِي النَّسَبَ إِنْ كَانَ وَنَقَلَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِالزَّوْجِ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ لَوْ لَاعَنْتِ الْمَرْأَةُ قَبْلَهُ لَمْ يَصِحَّ لِعَانُهَا وَصَحَّحَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ قَوْلُهُ (فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) هَذِهِ أَلْفَاظُ اللِّعَانِ وَهِيَ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ (حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ) قَالَ القاضي ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا الْكَلَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِمَا مِنَ اللِّعَانِ وَالْمُرَادُ بَيَانُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْكَاذِبَ التَّوْبَةُ قَالَ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ إِنَّمَا قَالَهُ قَبْلَ اللِّعَانِ تَحْذِيرًا لَهُمَا مِنْهُ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَوْلَى بِسِيَاقِ الْكَلَامِ قَالَ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ مِنَ النُّحَاةِ أَنَّ لَفْظَةَ أَحَدٌ لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي النَّفْيِ وَعَلَى مَنْ قَالَ مِنْهُمْ لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الْوَصْفِ وَلَا تَقَعُ مَوْقِعَ وَاحِدٍ وَقَدْ وَقَعَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي غَيْرِ نَفْيٍ وَلَا وَصْفٍ وَوَقَعَتْ مَوْقِعَ وَاحِدٍ وَقَدْ أَجَازَهُ الْمُبَرِّدُ وَيُؤَيِّدهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْخَصْمَيْنِ الْمُتَكَاذِبَيْنِ لَا يُعَاقَبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَإِنْ عَلِمْنَا كَذِبَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْإِبْهَامِ قَوْلُهُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي قَالَ لَا مَالَ لَكَ إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا) فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى اسْتِقْرَارِ الْمَهْرِ بِالدُّخُولِ وَعَلَى ثُبُوتِ مَهْرِ الملاعنة المدخول بها والمسئلتان مُجْمَعٌ عَلَيْهِمَا وَفِيهِ أَنَّهَا لَوْ صَدَّقَتْهُ وَأَقَرَّتْ بالزنى لَمْ يَسْقُطْ مَهْرُهَا

[1495] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ افْتَحْ) مَعْنَاهُ بَيِّنْ لَنَا الْحُكْمَ فِي هَذَا [1496] قَوْلُهُ (إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ) هِيَ بِسِينٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ حَاءٍ سَاكِنَةٍ مُهْمَلَتَيْنِ وَبِالْمَدِّ وَشَرِيكٌ هَذَا صَحَابِيٌّ بَلَوِيٌّ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ قَالَ الْقَاضِي وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهُ يَهُودِيٌّ بَاطِلٌ قَوْلُهُ (وَكَانَ أَوَّلَ رَجُلٍ لَاعَنَ فِي الْإِسْلَامِ) سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 0 لَعَلَّهَا أَنْ تَجِيءَ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ سَبِطًا قَضِيءَ الْعَيْنَيْنِ فَهُوَ لِهِلَالٍ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكٍ أَمَّا الْجَعْدُ فَبِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ قَالَ الْهَرَوِيُّ الْجَعْدُ فِي صِفَاتِ الرِّجَالِ يَكُونُ مَدْحًا وَيَكُونُ ذَمًّا فَإِذَا كَانَ مَدْحًا فَلَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا

أن يكون معصوب الحلق شَدِيدَ الْأَسْرِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ شَعْرُهُ غَيْرَ سَبِطٍ لِأَنَّ السُّبُوطَةَ أَكْثَرُهَا فِي شُعُورِ الْعَجَمِ وَأَمَّا الْجَعْدُ الْمَذْمُومُ فَلَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا الْقَصِيرُ الْمُتَرَدِّدُ وَالْآخَرُ الْبَخِيلُ يُقَالُ جَعْدُ الْأَصَابِعِ وَجَعْدُ الْيَدَيْنِ أَيْ بَخِيلٌ وَأَمَّا السَّبِطُ فَبِكَسْرِ الْبَاءِ وَإِسْكَانِهَا وَهُوَ الشَّعْرُ الْمُسْتَرْسِلُ وَأَمَّا حَمْشُ السَّاقَيْنِ فَبِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ رَقِيقُهُمَا وَالْحُمُوشَةُ الدِّقَّةُ وَأَمَّا قضئ الْعَيْنَيْنِ فَمَهْمُوزٌ مَمْدُودٌ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ وَهُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُ فَاسِدُهُمَا بِكَثْرَةِ دَمْعٍ أَوْ حُمْرَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ [1497] قَوْلُهُ (وَكَانَ خَدْلًا) هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ

وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْمُمْتَلِئُ السَّاقِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بغير بينة رجمت هذه) وفسرها بن عباس بأنها امرأة كانت تُظْهِرُ فِي الْإِسْلَامِ السُّوءَ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا امْرَأَةٌ أَعْلَنَتْ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ اشْتُهِرَ وَشَاعَ عنها الفاحشة ولكن لم يَثْبُتَ ببَيِّنَةٍ وَلَا اعْتِرَافٍ فَفِيهِ أَنَّهُ لَا يقام الحد بمجرد الشياع والقرائن بل لابد مِنْ بَيِّنَةٍ أَوِ اعْتِرَافٍ [1498] قَوْلُهُ (أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَجِدُ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا قَالَ سَعْدٌ بَلَى وَالَّذِي أَكْرَمَكَ بِالْحَقِّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَعُوا

إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَلَّا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ كُنْتُ لَأُعَاجِلُهُ بِالسَّيْفِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ لَيْسَ قَوْلُهُ هُوَ رَدًّا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مُخَالَفَةً مِنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ حَالَةِ الْإِنْسَانِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ الرَّجُلَ عِنْدَ امْرَأَتِهِ وَاسْتِيلَاءِ الْغَضَبِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُعَاجِلُهُ بالسيف وإن كان عاصيا وأما السيد فقال بن الْأَنْبَارِيِّ وَغَيْرُهُ هُوَ الَّذِي يَفُوقُ قَوْمَهُ فِي الْفَخْرِ قَالُوا وَالسَّيِّدُ أَيْضًا الْحَلِيمُ وَهُوَ أَيْضًا حَسَنُ الْخُلُقِ وَهُوَ أَيْضًا الرَّئِيسُ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ تَعَجَّبُوا مِنْ قَوْلِ سَيِّدِكُمْ [1499] قَوْلُهُ (لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصَفِّحٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ غَيْرَ ضَارِبٍ بِصَفْحِ السَّيْفِ وَهُوَ جَانِبُهُ بَلْ أَضْرِبُهُ بحده

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّهُ لَغَيُورٌ وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْغَيْرَةُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَأَصْلُهَا الْمَنْعُ وَالرَّجُلُ غَيُورٌ عَلَى أَهْلِهِ أَيْ يَمْنَعُهُمْ مِنَ التَّعَلُّقِ بِأَجْنَبِيٍّ بِنَظَرٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْغَيْرَةُ صِفَةُ كَمَالٍ فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ سَعْدًا غَيُورٌ وَأَنَّهُ أَغْيَرُ مِنْهُ وَأَنَّ اللَّهَ أَغْيَرُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ فَهَذَا تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى غَيْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ أَنَّهَا مَنْعُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى النَّاسَ مِنَ الْفَوَاحِشِ لَكِنِ الْغَيْرَةُ فِي حَقِّ النَّاسِ يُقَارِنُهَا تَغَيُّرُ حَالِ الْإِنْسَانِ وَانْزِعَاجِهِ وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ فِي غَيْرَةِ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ لَا أَحَدَ وَإِنَّمَا قَالَ لَا شَخْصَ اسْتِعَارَةً وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَنْبَغِي لِشَخْصٍ أَنْ يَكُونَ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَأَدَّبَ الْإِنْسَانُ بِمُعَامَلَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِعِبَادِهِ فَإِنَّهُ لَا يُعَاجِلُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ بَلْ حَذَّرَهُمْ وَأَنْذَرَهُمْ وَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَأَمْهَلَهُمْ فَكَذَا يَنْبَغِي للعبد أن لا يُبَادِرَ بِالْقَتْلِ وَغَيْرِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُعَاجِلْهُمْ بِالْعُقُوبَةِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ عَاجَلَهُمْ كَانَ عَدْلًا مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا شَخْصَ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ الْمُرْسَلِينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَلَا شَخْصَ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ الْجَنَّةَ) مَعْنَى الْأَوَّلِ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْأَعْذَارُ مِنَ اللَّهِ تعالى فالعذر هنا بِمَعْنَى الْإِعْذَارِ وَالْإِنْذَارِ قَبْلَ أَخْذِهِمْ بِالْعُقُوبَةِ وَلِهَذَا بَعَثَ الْمُرْسَلِينَ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمَا كنا معذبين حتى نبعث رسولا وَالْمِدْحَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ الْمَدْحُ بِفَتْحِ الْمِيمِ فَإِذَا ثَبَتَتِ الْهَاءُ كُسِرَتِ الْمِيمُ

وَإِذَا حُذِفَتْ فُتِحَتْ وَمَعْنَى مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ الْجَنَّةَ أَنَّهُ لَمَّا وَعَدَهَا وَرَغَّبَ فِيهَا كثر سؤال العباد إياها منه وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1500] قَوْلُهُ (إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا أَلْوَانُهَا قَالَ حُمْرٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ إِنَّ فِيهَا لَوُرْقًا قَالَ فَأَنَّى أَتَاهَا ذَاكَ قَالَ عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ) أَمَّا الْأَوْرَقُ فَهُوَ الَّذِي فِيهِ سَوَادٌ لَيْسَ بِصَافٍ وَمِنْهُ قِيلَ لِلرَّمَادِ أَوْرَقُ وَلِلْحَمَامَةِ وَرْقَاءُ وَجَمْعُهُ وُرْقٌ بِضَمِّ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ كَأَحْمَرَ وَحُمْرٍ وَالْمُرَادُ بِالْعِرْقِ هنا الْأَصْلُ مِنَ النَّسَبِ تَشْبِيهًا بِعِرْقِ الثَّمَرَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فُلَانٌ مُعَرَّقٌ فِي النَّسَبِ وَالْحَسَبِ وَفِي اللُّؤْمِ وَالْكَرَمِ وَمَعْنَى نَزَعَهُ أَشْبَهَهُ وَاجْتَذَبَهُ إِلَيْهِ وَأَظْهَرَ لَوْنَهُ عَلَيْهِ وَأَصْلُ

النَّزْعِ الْجَذْبُ فَكَأَنَّهُ جَذَبَهُ إِلَيْهِ لِشَبَهِهِ يُقَالُ مِنْهُ نَزَعَ الْوَلَدُ لِأَبِيهِ وَإِلَى أَبِيهِ وَنَزَعَهُ أبوه ونزعه إِلَيْهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ الزَّوْجَ وإِنْ خَالَفَ لَوْنُهُ لَوْنَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْأَبُ أَبْيَضَ وَالْوَلَدُ أَسْوَدَ أَوْ عَكْسُهُ لَحِقَهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ نَفْيُهُ بِمُجَرَّدِ الْمُخَالَفَةِ فِي اللَّوْنِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الزَّوْجَانِ أَبْيَضَيْنِ فجاء الولد أسود أو عكسه لاحتمال أنه نَزَعَهُ عِرْقٌ مِنْ أَسْلَافِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ التَّعْرِيضَ بِنَفْيِ الْوَلَدِ لَيْسَ نَفْيًا وَأَنَّ التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ لَيْسَ قَذْفًا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وموافقيه وفيه إثبات القياس والاعتبار بالأشباه وضرب الأمثال وفيه الاحتياط للانساب وإلحاقها بمجرد الامكان قوله فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ وَإِنِّي أَنْكَرْتُهُ) مَعْنَاهُ اسْتَغْرَبْتُ بِقَلْبِي أَنْ يَكُونَ مِنِّي لَا أَنَّهُ نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ بِلَفْظِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

كِتَاب الْعِتْقِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْعِتْقُ الْحُرِّيَّةُ يُقَالُ مِنْهُ عَتَقَ يَعْتِقُ عِتْقًا بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَعَتْقًا بِفَتْحِهَا أَيْضًا حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَغَيْرُهُ وَعَتَاقًا وَعَتَاقَةً فَهُوَ عَتِيقٌ وَعَاتِقٌ أَيْضًا حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ وَهُمْ عُتَقَاءُ وَأَعْتَقَهُ فَهُوَ مُعْتَقٌ وَهُمْ عُتَقَاءُ وَأَمَةٌ عَتِيقٌ وَعَتِيقَةٌ وَإِمَاءٌ عَتَائِقُ وَحَلَفَ بِالْعَتَاقِ أَيِ الْإِعْتَاقِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ عَتَقَ الْفَرَسُ إِذَا سَبَقَ وَنَجَا وَعَتَقَ الْفَرْخُ طَارَ وَاسْتَقَلَّ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَتَخَلَّصُ بِالْعِتْقِ وَيَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنَّمَا قِيلَ لِمَنْ أَعْتَقَ نَسَمَةً إِنَّهُ أَعْتَقَ رَقَبَةً وَفَكَّ رَقَبَةً فَخُصَّتِ الرَّقَبَةُ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ مَعَ أَنَّ الْعِتْقَ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ لِأَنَّ حُكْمَ السَّيِّدِ عَلَيْهِ وَمِلْكَهُ لَهُ كَحَبْلٍ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَكَالْغِلِّ الْمَانِعِ لَهُ مِنَ الْخُرُوجِ فَإِذَا أَعْتَقَ فَكَأَنَّهُ أُطْلِقَتْ رَقَبَتُهُ مِنْ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1501] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعُتِقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ وفي نسخة ما أعتق) هذا حديث بن عُمَرَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمَمْلُوكِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيَعْتِقُ أَحَدُهُمَا قَالَ يَضْمَنُ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَخَلَاصُهُ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ قُوِّمَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ قِيمَةَ عَدْلٍ ثُمَّ يُسْتَسْعَى فِي نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يُعْتَقْ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي ذِكْرِ الِاسْتِسْعَاءِ هُنَا خِلَافٌ بَيْنَ الرواة

قَالَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ شُعْبَةُ وهشام عن قتادة وهما أَثْبَتُ فَلَمْ يَذْكُرَا فِيهِ الِاسْتِسْعَاءَ وَوَافَقَهُمَا هَمَّامٌ فَفَصَلَ الِاسْتِسْعَاءَ مِنَ الْحَدِيثِ فَجَعَلَهُ مِنْ رَأْيِ أبى قَتَادَةَ قَالَ وَعَلَى هَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ يقول ما أحسن مارواه هَمَّامٌ وَضَبَطَهُ فَفَصَلَ قَوْلَ قَتَادَةَ عَنِ الْحَدِيثِ قال القاضي وقال الأصيلى وبن الْقَصَّارِ وَغَيْرُهُمَا مَنْ أَسْقَطَ السِّعَايَةَ مِنَ الْحَدِيثِ أَوْلَى مِمَّنْ ذَكَرَهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْأَحَادِيثِ الآخر من رواية بن عمر وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ الَّذِينَ لَمْ يَذْكُرُوا السِّعَايَةَ أَثْبَتُ مِمَّنْ ذَكَرُوهَا قَالَ غَيْرُهُ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ فَتَارَةً ذَكَرَهَا وَتَارَةً لَمْ يَذْكُرْهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ عِنْدَهُ مِنْ مَتْنِ الْحَدِيثِ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَمَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْعَبْدَ يُكَلَّفُ الِاكْتِسَابَ وَالطَّلَبَ حَتَّى تحصل قِيمَةَ نَصِيبِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ فَإِذَا دَفَعَهَا إِلَيْهِ عُتِقَ هَكَذَا فَسَّرَهُ جُمْهُورُ الْقَائِلِينَ بِالِاسْتِسْعَاءِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَنْ يَخْدُمَ سَيِّدَهُ الَّذِي لَمْ يعتق بقدر ماله فِيهِ مِنَ الرِّقِّ فَعَلَى هَذَا

تَتَّفِقُ الْأَحَادِيثُ [1503] وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ) أَيْ لَا يُكَلَّفُ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَالشِّقْصُ بِكَسْرِ الشِّينِ النَّصِيبُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا وَيُقَالُ لَهُ الشَّقِيصُ أَيْضًا بِزِيَادَةِ الْيَاءِ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الشِّرْكُ بِكَسْرِ الشِّينِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ بَاقِيهِ إِذَا كَانَ مُوسِرًا بِقِيمَةِ عَدْلٍ سَوَاءٌ كَانَ العبد مسلما أو كافر أو سَوَاءٌ كَانَ الشَّرِيكُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَتِيقُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً وَلَا خِيَارَ لِلشَّرِيكِ فِي هَذَا وَلَا لِلْعَبْدِ وَلَا لِلْمُعْتِقِ بَلْ يَنْفُذُ هَذَا الْحُكْمُ وَإِنْ كَرِهَهُ كُلُّهُمْ مُرَاعَاةً لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحُرِّيَّةِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ نَصِيبَ الْمُعْتِقِ يُعْتَقُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ إِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ لَا يُعْتَقُ نَصِيبُ الْمُعْتِقِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كُلِّهَا وَالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا نَصِيبُ الشَّرِيكِ فَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهِ إِذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا عَلَى سِتَّةِ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ في مذهب الشافعى وبه قال بن شبرمة والاوزاعى والثورى وبن أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ عُتِقَ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ وَيَكُونُ وَلَاءُ جَمِيعِهِ لِلْمُعْتِقِ وَحُكْمُهُ مِنْ حِينِ الْإِعْتَاقِ حُكْمُ

الْأَحْرَارِ فِي الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ إِلَّا الْمُطَالَبَةُ بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ قَالَ هَؤُلَاءِ وَلَوْ أُعْسِرَ الْمُعْتِقُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَمَرَّ نُفُوذُ الْعِتْقِ وَكَانَتِ الْقِيمَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَلَوْ مَاتَ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ ضَاعَتِ الْقِيمَةُ وَاسْتَمَرَّ عِتْقُ جَمِيعِهِ قَالُوا وَلَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ بَعْدَ إِعْتَاقِ الْأَوَّلِ نَصِيبَهُ كَانَ إِعْتَاقُهُ لَغْوًا لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ كُلُّهُ حُرًّا وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وهو قول الشافعى والثالث مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ لِلشَّرِيكِ الْخِيَارُ إِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَ نَصِيبَهُ عَلَى شَرِيكِهِ الْمُعْتِقِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ بِمَا دَفَعَ إِلَى شَرِيكِهِ عَلَى الْعَبْدِ يَسْتَسْعِيهِ فِي ذَلِكَ وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُعْتِقِ قَالَ وَالْعَبْدُ فِي مُدَّةِ الْكِتَابَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ فِي كُلِّ أحكامه الرابع مذهب عثمان البتى لا شئ عَلَى الْمُعْتِقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَارِيَةً رَائِعَةً تُرَادُ لِلْوَطْءِ فَيَضْمَنُ مَا أَدْخَلَ عَلَى شَرِيكِهِ فيها من الضرر الخامس حكاه بن سِيرِينَ أَنَّ الْقِيمَةَ فِي بَيْتِ الْمَالِ السَّادِسُ مَحْكِيٌّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لِلْعَبِيدِ دُونَ الْإِمَاءِ وَهَذَا الْقَوْلُ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ قَبْلَهُ فَاسِدَةٌ مُخَالِفَةٌ لِصَرِيحِ الْأَحَادِيثِ فَهِيَ مَرْدُودَةٌ عَلَى قَائِلِيهَا هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إِذَا كَانَ الْمُعْتِقُ لِنَصِيبِهِ مُوسِرًا فَأَمَّا إِذَا كَانَ مُعْسِرًا حَالَ الْإِعْتَاقِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَمُوَافِقِيهِمْ يَنْفُذُ الْعِتْقُ فِي نصيب المعتق فقط ولا يطالب المعتق بشئ وَلَا يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ بَلْ يَبْقَى نَصِيبُ الشَّرِيكِ رَقِيقًا كَمَا كَانَ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ الحجاز لحديث بن عمر المذهب الثانى مذهب بن شبرمة والاوزاعى وأبى حنيفة وبن أَبِي لَيْلَى وَسَائِرِ الْكُوفِيِّينَ وَإِسْحَاقَ يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي رُجُوعِ الْعَبْدِ بِمَا أَدَّى فِي سِعَايَتِهِ عَلَى مُعْتِقِهِ فقال بن أَبِي لَيْلَى يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ لَا يَرْجِعُ ثُمَّ هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مُدَّةِ السِّعَايَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ وَعِنْدَ الْآخَرِينَ هُوَ حُرٌّ بِالسِّرَايَةِ الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ مَذْهَبُ زُفَرَ وَبَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَى الْمُعْتِقِ وَيُؤَدِّي الْقِيمَةَ إِذَا أَيْسَرَ الرَّابِعُ حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا بَطَلَ عِتْقُهُ فِي نَصِيبِهِ أَيْضًا فيبقى العبد كله رقيقا كما كان وهذا مذهب باطل أما اذا ملك الانسان عبدا بكماله فأعتق بعضه فيعتق كُلُّهُ في الْحَالِ بِغَيْرِ اسْتِسْعَاءٍ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَانْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ يُسْتَسْعَى فِي بَقِيَّتِهِ لِمَوْلَاهُ وَخَالَفَهُ أَصْحَابُهُ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَحَكَى الْقَاضِي أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَرَبِيعَةَ وَحَمَّادٍ وَرِوَايَةٌ عَنِ الْحَسَنِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَعَنِ الشَّعْبِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنَ الحسن

(باب بيان أن الولاء لمن أعتق فيه حديث عائشة في قصة

العنبري أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْتِقَ مِنْ عَبْدِهِ مَا شاء والله أعلم قال القاضي عياض وقوله في حديث بن عُمَرَ (وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ فَوَصَلَاهُ بِكَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَاهُ مِنْهُ وَرَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ فقال نَافِعٌ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ فَفَصَلَهُ مِنَ الْحَدِيثِ وَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ وَقَالَ أَيُّوبُ مَرَّةً لَا أَدْرِي هُوَ مِنَ الْحَدِيثِ أَمْ هُوَ شَيْءٌ قَالَهُ نَافِعٌ وَلِهَذِهِ الرواية قال بن وَضَّاحٍ لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي وَمَا قَالَهُ مالك وعبيد الله العمرى أولى وقد وجده وَهُمَا فِي نَافِعٍ أَثْبَتُ مِنْ أَيُّوبَ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ كَيْفَ وَقَدْ شَكَّ أَيُّوبُ فيه كمنا ذَكَرْنَاهُ قَالَ وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ وَقَالَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِلَّا فَقَدْ جَازَ مَا صَنَعَ فَأَتَى بِهِ عَلَى الْمَعْنَى قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ بِالِاسْتِسْعَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قِيمَةُ عَدْلٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ لَا زِيَادَةَ وَلَا نَقْصَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب بَيَانِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ وَأَنَّهَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً فَاشْتَرَتْهَا عَائِشَةُ وَأَعْتَقَتْهَا وَأَنَّهُمْ شَرَطُوا وَلَاءَهَا [1504] وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) وَهُوَ حَدِيثٌ عَظِيمٌ كَثِيرُ الْأَحْكَامِ وَالْقَوَاعِدِ وَفِيهِ مَوَاضِعُ تَشَعَّبَتْ فِيهَا الْمَذَاهِبُ أَحَدُهَا أَنَّهَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً وَبَاعَهَا الْمَوَالِي وَاشْتَرَتْهَا عَائِشَةُ وَأَقَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَهَا فَاحْتَجَّ بِهِ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ وَمِمَّنْ جَوَّزَهُ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وأحمد ومالك وفي رواية عنه وقال بن مَسْعُودٍ وَرَبِيعَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ ومالك في رواية عنه لا يجور بَيْعُهُ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِلْعِتْقِ لَا لِلِاسْتِخْدَامِ وَأَجَابَ مَنْ أَبْطَلَ بَيْعَهُ عَنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ بِأَنَّهَا عَجَّزَتْ نَفْسَهَا وَفَسَخُوا الْكِتَابَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْمَوْضِعُ)

الثَّانِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اشْتَرِيهَا وَاعْتِقِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ) وَهَذَا مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا اشْتَرَتْهَا وَشَرَطَتْ لَهُمُ الْوَلَاءَ وَهَذَا الشَّرْطُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهَا خَدَعَتِ الْبَائِعِينَ وَشَرَطَتْ لَهُمْ مالا يَصِحُّ وَلَا يَحْصُلُ لَهُمْ وَكَيْفَ أَذِنَ لِعَائِشَةَ فِي هَذَا وَلِهَذَا الْإِشْكَالِ أَنْكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْحَدِيثَ بِجُمْلَتِهِ وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ يَحْيَى بن أكثم واستدل بسقوط هذه اللَّفْظَةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ وَقَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ صَحِيحَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهَا فقال بعضهم بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ اشْتَرِطِي لَهُمْ أَيْ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى لَهُمُ اللَّعْنَةُ بِمَعْنَى عَلَيْهِمْ وَقَالَ تَعَالَى إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فلها أَيْ فَعَلَيْهَا وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَالْمُزَنِيِّ وَقَالَهُ غَيْرُهُمَا أَيْضًا وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْكَرَ عَلَيْهِمُ الِاشْتِرَاطَ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ هَذَا التَّأْوِيلِ لَمْ يُنْكِرْهُ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَنْكَرَ مَا أَرَادُوا اشْتِرَاطَهُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَقِيلَ مَعْنَى اشْتَرِطِي لهم الولاء أظهرى لهم حكم الولاء وقيل المراد الزجر والتوبيخ لهم لأنه صلى الله عليه وسلم كان بين لَهُمْ حُكْمَ الْوَلَاءِ وَأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يحل فلما ألحول فِي اشْتِرَاطِهِ وَمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ قَالَ لِعَائِشَةَ هَذَا بمعنى لا تبالى سواء شركته أَمْ لَا فَإِنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ لَهُمْ فَعَلَى هَذَا بمعنى لَا تَكُونُ لَفْظَةُ اشْتَرِطِي هُنَا لِلْإِبَاحَةِ وَالْأَصَحُّ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ مَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ إِنَّ هَذَا الشَّرْطَ خَاصٌّ فِي قِصَّةِ عَائِشَةَ وَاحْتَمَلَ هَذَا الْإِذْنَ وَإِبْطَالَهُ فِي هذه القصة الخاصة وهي قصية عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا قَالُوا وَالْحِكْمَةُ فِي إِذْنِهِ ثُمَّ إِبْطَالِهِ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ فِي قطع عادتهم في ذلك وزجرهم عن مِثْلِهِ كَمَا أَذِنَ لَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِفَسْخِهِ وَجَعْلِهِ عُمْرَةً بَعْدَ أَنْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي زَجْرِهِمْ وَقَطْعِهِمْ عَمَّا اعْتَادُوهُ مِنْ مَنْعِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَدْ تُحْتَمَلُ الْمَفْسَدَةُ الْيَسِيرَةُ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ عَظِيمَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ يَرِثُ بِهِ وَأَمَّا الْعَتِيقُ فَلَا يَرِثُ سَيِّدَهُ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ يَرِثُهُ كَعَكْسِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِمَنْ أُسْلِمَ عَلَى يَدَيْهِ وَلَا لِمُلْتَقِطٍ وَلَا لِمَنْ حَالَفَ انسانا على

الْمُنَاصَرَةِ وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالُوا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ وَارِثٌ فَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَقَالَ رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ فَوَلَاؤُهُ لَهُ وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ يَثْبُتُ لِلْمُلْتَقِطِ الْوَلَاءُ عَلَى اللَّقِيطِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ بِالْحِلْفِ وَيَتَوَارَثَانِ بِهِ دَلِيلُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَائِبَةً أَيْ على أن لا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ يَكُونُ الشَّرْطُ لَاغِيًا وَيَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ وَأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ بَاعَهُ نَفْسَهُ يَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ وَكَذَا لَوْ كَاتَبَهُ أَوِ اسْتَوْلَدَهَا وَعُتِقَتْ بِمَوْتِهِ فَفِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ وَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ وَعَكْسِهِ وَإِنْ كَانَا لَا يَتَوَارَثَانِ فِي الْحَالِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْمَوْضِعُ الرَّابِعُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ بَرِيرَةَ فِي فَسْخِ نِكَاحِهَا وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهَا إِذَا عُتِقَتْ كُلُّهَا تَحْتَ زَوْجِهَا وَهُوَ عَبْدٌ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ فَإِنْ كَانَ حُرًّا فَلَا خِيَارَ لَهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهَا الْخِيَارُ وَاحْتَجَّ بِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا وَقَدْ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ لَكِنْ قَالَ شُعْبَةُ ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ زَوْجِهَا فَقَالَ لَا أَدْرِي وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهَا قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَالرِّوَايَاتُ الْمَشْهُورَةُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ عَبْدًا قَالَ الْحُفَّاظُ وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ حُرًّا غَلَطٌ وَشَاذَّةٌ مَرْدُودَةٌ لِمُخَالَفَتِهَا الْمَعْرُوفَ فِي رِوَايَاتِ الثِّقَاتِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ عَبْدًا وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ دَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا إِخْبَارُهَا أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا وَهِيَ صَاحِبَةُ الْقَضِيَّةِ وَالثَّانِي قَوْلُهَا لَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكَادُ أَحَدٌ يَقُولُهُ إِلَّا تَوْقِيفًا وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّكَاحِ اللُّزُومُ وَلَا طَرِيقَ إِلَى فَسْخِهِ إِلَّا بِالشَّرْعِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِي الْعَبْدِ فَبَقِيَ الْحُرُّ عَلَى الْأَصْلِ وَلِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ وَلَا عَارَ عَلَيْهَا وَهِيَ حُرَّةٌ فِي الْمُقَامِ تَحْتَ حُرٍّ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إِذَا قَامَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَأَثْبَتَ لَهَا الشَّرْعُ الْخِيَارَ فِي الْعَبْدِ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ بِخِلَافِ الْحُرِّ قَالُوا وَلِأَنَّ رِوَايَةَ هَذَا الْحَدِيثِ تدور على عائشة وبن عباس فأما بن عَبَّاسٍ فَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ عَبْدًا وَأَمَّا عَائِشَةُ فَمُعْظَمُ الرِّوَايَاتِ عَنْهَا أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا فَوَجَبَ تَرْجِيحُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ الموضع الخامس قوله

أَدَّى الثُّلُثَ وَعَنْ عَطَاءٍ مِثْلُهُ إِذَا أَدَّى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمَالِ التَّاسِعَةُ أَنَّ الْكِتَابَةَ تَكُونُ عَلَى نُجُومٍ لِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ هَذِهِ إِنَّ بَرِيرَةَ قَالَتْ إِنَّ أَهْلَهَا كَاتَبُوهَا عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي تِسْعِ سِنِينَ كُلَّ سنة وقية وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا وَقَالَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ تَجُوزُ عَلَى نُجُومٍ وَتَجُوزُ عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ الْعَاشِرَةُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْأَمَةِ اذا عتقت تحت عبد الحادية عشر تصحيح الشروط التي دلت عليه أصول الشرع وابطال ما سواها الثانية عشر جواز الصدقة على موالى قريش الثالثة عشر جواز قبول هدية الفقير والمعتق الرابعة عشر جواز الصدقة على موالى قريش الثالثة عشر جواز قبول هدية الفقير والمعتق الرابعة عشر تَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهَا وَأَنْتَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ كَانَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفَرْضِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ عَلَى الْأَصَحِّ الخامسة عشر أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحْرُمُ عَلَى قُرَيْشٍ غَيْرَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ لِأَنَّ عَائِشَةَ قُرَشِيَّةٌ وَقَبِلَتْ ذَلِكَ اللَّحْمَ مِنْ بَرِيرَةَ عَلَى أَنَّ له حكم الصدقة وإنما حَلَالٌ لَهَا دُونَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم هذا الاعتقاد السادسة عشر جَوَازُ سُؤَالِ الرَّجُلِ عَمَّا يَرَاهُ فِي بَيْتِهِ وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِمَا فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ فِي قَوْلِهِا وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ عَهِدَهُ وَفَاتَ فَلَا يَسْأَلُ أَيْنَ ذَهَبَ وَأَمَّا هُنَا فَكَانَتِ الْبُرْمَةُ وَاللَّحْمُ فِيهَا مَوْجُودَيْنِ حَاضِرَيْنِ فَسَأَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا فِيهَا لِيُبَيِّنَ لَهُمْ حُكْمَهُ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَتْرُكُونَ إِحْضَارَهُ لَهُ شُحًّا عَلَيْهِ بِهِ بَلْ لِتَوَهُّمِهِمْ تَحْرِيمَهُ عَلَيْهِ فَأَرَادَ بَيَانَ ذَلِكَ لَهُمْ السابعة عشر جواز السجع اذ لَمْ يُتَكَلَّفْ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ سَجْعِ الْكُهَّانِ ونحوه مما فيه تكلف الثامنة عشر اعانة المكاتب في كتابته التاسعة عشر جَوَازُ تَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ فِي مَالِهَا بِالشِّرَاءِ وَالْإِعْتَاقِ وَغَيْرِهِ إِذَا كَانَتْ رَشِيدَةً الْعِشْرُونَ أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ وَلَا يَنْفَسِخُ بِهِ النِّكَاحُ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ سَعِيدُ بن المسيب هو طلاق وعن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ وَحَدِيثُ بَرِيرَةَ يَرُدُّ الْمَذْهَبَيْنِ لِأَنَّهَا خُيِّرَتْ فِي بَقَائِهَا مَعَهُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ جَوَازُ اكْتِسَابِ الْمُكَاتَبِ بِالسُّؤَالِ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ احْتِمَالُ أَخَفِّ الْمَفْسَدَتَيْنِ لِدَفْعِ أَعْظَمِهِمَا وَاحْتِمَالِ مَفْسَدَةٍ يَسِيرَةٍ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ عَظِيمَةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي تَأْوِيلِ شَرْطِ الْوَلَاءِ لَهُمْ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ جَوَازُ الشَّفَاعَةِ مِنَ الْحَاكِمِ إِلَى الْمَحْكُومِ لَهُ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَجَوَازُ

الشَّفَاعَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الْبَقَاءِ مَعَ زَوْجِهَا الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ لَهَا الْفَسْخُ بِعِتْقِهَا وَإِنْ تَضَرَّرَ الزَّوْجُ بِذَلِكَ لِشِدَّةِ حُبِّهِ إِيَّاهَا لِأَنَّهُ كَانَ يَبْكِي عَلَى بَرِيرَةَ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ جَوَازُ خِدْمَةِ الْعَتِيقِ لِمُعْتِقِهِ بِرِضَاهُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ عِنْدَ وُقُوعِ بِدْعَةٍ أَوْ أَمْرٍ يُحْتَاجُ إِلَى بَيَانِهِ أَنْ يَخْطُبَ النَّاسَ وَيُبَيِّنَ لَهُمْ حُكْمَ ذَلِكَ وَيُنْكِرَ عَلَى مَنِ ارْتَكَبَ مَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ اسْتِعْمَالُ الْأَدَبِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ وَجَمِيلِ الْمَوْعِظَةِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُ أقوالم يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَمْ يُوَاجِهْ صَاحِبَ الشَّرْطِ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ فَضِيحَةٍ وَشَنَاعَةٍ عَلَيْهِ الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ أَنَّ الْخُطَبَ تَبْدَأُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْخُطْبَةِ أَنْ يَقُولَ بعد الحمد اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا بَعْدُ وَقَدْ تَكَرَّرَ هَذَا فِي خُطَبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَوَاضِعَ الثَّلَاثُونَ التَّغْلِيظُ فِي إِزَالَةِ الْمُنْكَرِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي تَقْبِيحِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ) قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ قوله تعالى فإخوانكم في الدين ومواليكم وقوله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه الْآيَةُ قَالَ الْقَاضِي وَعِنْدِي أَنَّهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ قوله (قالوا ان شاءت ان تَحْتَسِبُ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ) مَعْنَاهُ إِنْ أَرَادَتِ الثَّوَابَ عند الله وأن لا يَكُونَ لَهَا وَلَاءٌ فَلْتَفْعَلْ قَوْلُهَا (فِي كُلِّ عام

أُوقِيَّةٌ) وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي بَعْضِ النُّسَخِ وُقِيَّةٌ وَفِي بَعْضِهَا أُوقِيَّةٌ بِالْأَلِفِ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فَوُقِيَّةٌ بِغَيْرِ أَلِفٍ بِاتِّفَاقِ النُّسَخِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَهُمَا لُغَتَانِ إِثْبَاتُ الْأَلِفِ أَفْصَحُ وَالْأُوقِيَّةُ الْحِجَازِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا قَوْلُهَا (فَانْتَهَرَتْهَا فَقَالَتْ لاها الله ذلك) وفي بعض النسخ لا هاء اللَّهِ إِذَا هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَفِي رِوَايَاتِ الْمُحَدِّثِينَ لَاهَاءَ اللَّهِ إِذَا بِمَدِّ قَوْلِهِ هَاءَ وَبِالْأَلِفِ فِي إِذَا قَالَ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ هَذَانِ لَحْنَانِ وَصَوَابُهُ لَاهَا اللَّهِ ذَا بِالْقَصْرِ فِي هَا وَحَذْفِ الْأَلِفِ من اذا قالوا وما سواه خطأ قالوا وَمَعْنَاهُ ذَا يَمِينِي وَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الصَّوَابَ لَاهَا اللَّهِ ذَا بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ النَّحْوِيُّ وَغَيْرُهُ يَجُوزُ الْقَصْرُ وَالْمَدُّ فِي هَا وَكُلُّهُمْ يُنْكِرُونَ الْأَلِفَ فِي إِذَا وَيَقُولُونَ صَوَابُهُ ذَا قَالُوا وَلَيْسَتِ الْأَلِفُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ جاء في القسم لا هاء اللَّهِ قَالَ وَالْعَرَبُ تَقُولُهُ بِالْهَمْزَةِ وَالْقِيَاسُ تَرْكُهُ قَالَ وَمَعْنَاهُ لَا وَاللَّهِ هَذَا مَا أُقْسِمُ بِهِ فَأَدْخَلَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى بَيْنَ هَا وَذَا وَاسْمُ زَوْجِ بَرِيرَةَ مُغِيثٌ بِضَمِّ الْمِيمِ والله أعلم

باب النهى عن بيع الولاء وهبته

(باب النهى عن بيع الولاء وهبته) [1506] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ) فِيهِ تَحْرِيمُ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ وَأَنَّهُمَا لَا يَصِحَّانِ وَأَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ عَنْ مُسْتَحَقِّهِ بَلْ هُوَ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَأَجَازَ بَعْضُ السَّلَفِ نَقْلَهُ وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَبْلُغْهُمُ الْحَدِيثُ

(باب تحريم تولي العتيق غير مواليه فيه نهيه صلى

(بَاب تَحْرِيمِ تَوَلِّي الْعَتِيقِ غَيْرَ مَوَالِيهِ فِيهِ نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَوَلَّى الْعَتِيقُ غَيْرَ مَوَالِيهِ وَأَنَّهُ لَعَنَ فَاعِلَ ذَلِكَ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَنْتَمِيَ الْعَتِيقُ إِلَى وَلَاءِ غَيْرِ مُعْتِقِهِ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْوِيتِهِ حَقِّ الْمُنْعِمِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ فَيَحْرُمُ تَضْيِيعُهُ كَمَا يَحْرُمُ تَضْيِيعُ النَّسَبِ وَانْتِسَابُ الْإِنْسَانِ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ) فَقَدِ احْتَجَّ بِهِ قَوْمٌ عَلَى جَوَازِ التَّوَلِّي بِإِذْنِ مَوَالِيهِ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَذِنُوا كَمَا لَا يَجُوزُ الِانْتِسَابُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَإِنْ أَذِنَ أَبُوهُ فِيهِ وَحَمَلُوا التَّقْيِيدَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّ غَالِبَ مَا يَقَعُ هَذَا بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَوَالِي فَلَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ يُعْمَلُ بِهِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي قَيَّدَ فِيهَا بِالْغَالِبِ وَلَيْسَ لَهَا مَفْهُومٌ يُعْمَلُ بِهِ [1507] قَوْلُهُ (كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَهُ) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالْقَافِ وَنَصْبِ اللَّامِ مَفْعُولُ كَتَبَ)

وَالْهَاءُ ضَمِيرُ الْبَطْنِ وَالْعُقُولُ الدِّيَاتُ وَاحِدُهَا عَقْلٌ كفلس وفلوس ومهناه أَنَّ الدِّيَةَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَعَمْدِ الْخَطَأِ تجب على العاقلة وهم العصبات سَوَاءٌ الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ وَإِنْ عَلَوْا أَوْ سَفُلُوا وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الصَّحِيفَةِ وَأَنَّ الْمَدِينَةَ حَرَمٌ إِلَى آخِرِهِ فَسَبَقَ شرحه واضحا

(باب فضل العتق قوله (داود بن رشيد) بضم الراء قوله

(بَاب فَضْلِ الْعِتْقِ قَوْلُهُ (دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ) بِضَمِّ الرَّاءِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنَ النَّارِ حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ إِرْبٍ مِنْهَا إِرْبًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ الْإِرْبُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ هُوَ الْعُضْوُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ فَضْلِ الْعِتْقِ وَأَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَمِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْعِتْقُ مِنَ النَّارِ وَدُخُولُ الْجَنَّةِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ عِتْقِ كَامِلِ الْأَعْضَاءِ فَلَا يَكُونُ خَصِيًّا وَلَا فَاقِدَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَعْضَاءِ وَفِي الْخَصِيِّ وَغَيْرِهِ أَيْضًا الْفَضْلُ الْعَظِيمُ لَكِنِ الْكَامِلُ أَوْلَى وَأَفْضَلُهُ أَعْلَاهُ ثَمَنًا وَأَنْفَسُهُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا كَانَ فِكَاكَهُ مِنَ النَّارِ يَجْزِي كُلُّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ وَأَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنَ النَّارِ يجزى كل عضو منهما عُضْوًا مِنْهُ وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً مسلمة كانت فكاكها من النار يجزئ كل عضو منه عُضْوًا مِنْهَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح)

(باب فضل عتق الوالد [1510] قوله صلى الله عليه وسلم (لا

قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عِتْقَ الْعَبْدِ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الْأَمَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيُّمَا أَفْضَلُ عتق الاناث أم عتق الذُّكُورِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْإِنَاثُ أَفْضَلُ لِأَنَّهَا إِذَا عُتِقَتْ كَانَ وَلَدُهَا حُرًّا سَوَاءٌ تَزَوَّجَهَا حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ وَقَالَ آخَرُونَ عِتْقُ الذُّكُورِ أَفْضَلُ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلِمَا فِي الذَّكَرِ مِنَ الْمَعَانِي العامة المنفعة التي لا توجد في الإنات مِنَ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَختُصُّ بِالرِّجَالِ إِمَّا شَرْعًا وَإِمَّا عَادَةً وَلِأَنَّ مِنَ الْإِمَاءِ مَنْ لَا تَرْغَبُ فِي الْعِتْقِ وَتَضِيعُ بِهِ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ وَأَمَّا التَّقْيِيدُ في الرَّقَبَةِ بِكَوْنِهَا مُؤْمِنَةً فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْفَضْلَ الْخَاصَّ إِنَّمَا هُوَ فِي عِتْقِ الْمُؤْمِنَةِ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُؤْمِنَةِ فَفِيهِ أَيْضًا فَضْلٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ دُونَ فَضْلِ الْمُؤْمِنَةِ وَلِهَذَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي عِتْقِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ كَوْنُهَا مُؤْمِنَةً وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْأَعْلَى ثَمَنًا أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا وَخَالَفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ من أصحابه وغيرهم قال وهذا أصح (باب فضل عتق الوالد [1510] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهِ ويعتقه) يجزى)

(كتاب البيوع قال الأزهري تقول العرب بعت بمعنى بعت

بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ لَا يُكَافِئُهُ بِإِحْسَانِهِ وَقَضَاءِ حَقِّهِ إِلَّا أَنْ يُعْتِقَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي عِتْقِ الْأَقَارِبِ إِذَا مَلَكُوا فَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لَا يُعْتَقُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ سَوَاءٌ الْوَالِدُ والولد وغيرهما بل لابد مِنْ إِنْشَاءِ عِتْقٍ وَاحْتَجُّوا بِمَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ يَحْصُلُ الْعِتْقُ فِي الْآبَاءِ والأمهات والأجداد والجدات وإن علوا وعلون وفي الأبناء والبنات وَأَوْلَادِهِمُ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَإِنْ سَفُلُوا بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ سَوَاءٌ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ وَالْوَارِثُ وَغَيْرُهُ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَمُودُ النَّسَبِ بِكُلِّ حَالٍ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا وَرَاءَ عَمُودَيِّ النَّسَبِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ لَا يُعْتَقُ غَيْرُهُمَا بِالْمِلْكِ لَا الْإِخْوَةُ وَلَا غَيْرُهُمْ وَقَالَ مَالِكٌ يُعْتَقُ الْإِخْوَةُ أَيْضًا وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يُعْتَقُ جَمِيعُ ذَوِيِ الْأَرْحَامِ الْمُحَرَّمَةِ وَرِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حنيفة يعتق جميع ذوى الأرحام المحرمة وتأويل الْجُمْهُورُ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا تَسَبَّبَ فِي شِرَاءِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ عِتْقُهُ أُضِيفَ العتق إليه والله أعلم (كتاب البيوع قَالَ الْأَزْهَرِيُّ تَقُولُ الْعَرَبُ بِعْتُ بِمَعْنَى بِعْتُ مَا كُنْتُ مَلَكْتُهُ وَبِعْتُ بِمَعْنَى اشْتَرَيْتُهُ قَالَ وَكَذَلِكَ شَرَيْتُ بِالْمَعْنَيَيْنِ قَالَ وَكُلُّ وَاحِدٍ بَيْعٌ وَبَائِعٌ لِأَنَّ الثَّمَنَ وَالْمُثَمَّنَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَبِيعٌ وكذا قال بن قُتَيْبَةَ بِقَوْلِ بِعْتُ الشَّيْءَ بِمَعْنَى بِعْتُهُ وَبِمَعْنَى اشْتَرَيْتُهُ وَشَرَيْتُ الشَّيْءَ بِمَعْنَى اشْتَرَيْتُهُ وَبِمَعْنَى بِعْتُهُ)

(باب ابطال بيع الملامسة والمنابذة [1511] قوله في الإسناد

وَكَذَا قَالَهُ آخَرُونَ مِنْ أَهْلَ اللُّغَةِ وَيُقَالُ بِعْتُهُ وَابْتَعْتُهُ فَهُوَ مَبِيعٌ وَمَبْيُوعٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ كَمَا يَقُولُ مَخِيطٌ وَمَخْيُوطٌ قَالَ الْخَلِيلُ الْمَحْذُوفُ مِنْ مَبِيعٍ وَاوُ مَفْعُولٍ لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ فَهِيَ أَوْلَى بِالْحَذْفِ وَقَالَ الْأَخْفَشُ الْمَحْذُوفُ عَيْنُ الْكَلِمَةِ قَالَ الْمَازِرِيُّ كِلَاهُمَا حَسَنٌ وَقَوْلُ الْأَخْفَشِ أَقْيَسُ وَالِابْتِيَاعُ الِاشْتِرَاءُ وَتَبَايَعَا وَبَايَعْتُهُ وَيُقَالُ اسْتَبَعْتُهُ أَيْ سَأَلْتُهُ الْبَيْعَ وَأَبَعْتُ الشَّيْءَ أَيْ عَرَضْتُهُ لِلْبَيْعِ وَبِيعَ الشَّيْءُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا وَبُوعَ لُغَةٌ فيه وكذلك القول في قيل وكيل (باب ابطال بيع الملامسة والمنابذة [1511] قَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنِ الْأَعْرَجِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِبِلَادِنَا وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ وَقَعَ فِي نُسَخِهِمْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْغَافِرِ الْفَارِسِيِّ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ بِزِيَادَةِ نَافِعٍ قَالَ وهو غلط وليس لنافع ذكر في هذا الْحَدِيثِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ نَافِعًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمَّا نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْكُتُبِ بِأَحَدِ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِهِ وَلِأَصْحَابِنَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي تَأْوِيلِ الْمُلَامَسَةِ أَحَدُهَا تَأْوِيلُ الشافعى)

وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِثَوْبٍ مَطْوِيٍّ أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَيَلْمِسَهُ الْمُسْتَامُ فَيَقُولُ صَاحِبُهُ بِعْتُكَهُ هُوَ بِكَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَقُومَ لَمْسُكَ مَقَامَ نَظَرِكَ وَلَا خِيَارَ لَكَ إِذَا رَأَيْتَهُ وَالثَّانِي أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ اللَّمْسِ بَيْعًا فَيَقُولُ إِذَا لَمَسْتَهُ فَهُوَ مَبِيعٌ لَكَ وَالثَّالِثُ أَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ مَتَى يَمَسُّهُ انْقَطَعَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وغيره وهذا الحديث باطل على التأويلات كلها وفي المنابذة ثلاثة أَوْجُهٌ أَيْضًا أَحَدُهَا أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ النَّبْذِ بَيْعًا وَهُوَ تَأْوِيلُ الشَّافِعِيِّ وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ فَإِذَا نَبَذْتُهُ إِلَيْكَ انْقَطَعَ الْخِيَارُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ وَالثَّالِثُ الْمُرَادُ نَبْذُ الْحَصَاةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ انشاء اللَّهُ تَعَالَى فِي بَيْعِ الْحَصَاةِ وَهَذَا الْبَيْعُ باطل للغرر [1512] قوله (ويكون لك بَيْعَهُمَا عَنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَرَاضٍ) مَعْنَاهُ بلا تأمل ورضى بَعْدَ التَّأَمُّلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر)

(بَاب بُطْلَانِ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَالْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ غَرَرٌ) نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَبَيْعِ الْغَرَرِ أَمَّا بَيْعُ الْحَصَاةِ فَفِيهِ ثَلَاثُ تَأْوِيلَاتٍ أَحَدُهَا أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَثْوَابِ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْحَصَاةُ الَّتِي أَرْمِيهَا أَوْ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ مِنْ هُنَا إِلَى مَا انْتَهَتْ إِلَيْهِ هَذِهِ الْحَصَاةُ وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ عَلَى أَنَّكَ بِالْخِيَارِ إِلَى أَنْ أَرْمِيَ بِهَذِهِ الْحَصَاةِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ الرَّمْيِ بِالْحَصَاةِ بَيْعًا فَيَقُولَ إِذَا رَمَيْتُ هَذَا الثَّوْبَ بِالْحَصَاةِ فَهُوَ مَبِيعٌ مِنْكَ بِكَذَا وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ فَهُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَلِهَذَا قَدَّمَهُ مُسْلِمٌ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ كَبَيْعِ الْآبِقِ وَالْمَعْدُومِ وَالْمَجْهُولِ وَمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَمَا لَمْ يَتِمَّ مِلْكُ الْبَائِعِ عَلَيْهِ وَبَيْعِ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَبَيْعِ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ وَبَيْعِ بَعْضِ الصُّبْرَةِ مُبْهَمًا وَبَيْعِ ثَوْبٍ مِنْ أَثْوَابٍ وَشَاةٍ مِنْ شِيَاهٍ وَنَظَائِرَ ذَلِكَ وَكُلُّ هَذَا بَيْعُهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَقَدْ يَحْتَمِلُ بَعْضُ الْغَرَرِ بَيْعًا إِذَا دَعَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ كَالْجَهْلِ بِأَسَاسِ الدَّارِ وَكَمَا إِذَا بَاعَ الشَّاةَ الْحَامِلَ وَالَّتِي في ضرعها لبن فإنه يصح للبيع لِأَنَّ الْأَسَاسَ تَابِعٌ لِلظَّاهِرِ مِنَ الدَّارِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي حَمْلِ الشَّاةِ وَلَبَنِهَا وَكَذَلِكَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ أَشْيَاءَ فِيهَا غَرَرٌ حَقِيرٌ مِنْهَا أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ وَإِنْ لَمْ يُرَ حَشْوُهَا وَلَوْ بِيعَ حَشْوُهَا بِانْفِرَادِهِ لَمْ يَجُزْ وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ إِجَارَةِ الدَّارِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ شَهْرًا مَعَ أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ دُخُولِ الْحَمَّامِ بِالْأُجْرَةِ مَعَ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي اسْتِعْمَالِهِمُ الْمَاءَ وَفِي قَدْرِ مُكْثِهِمْ وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ مِنَ السِّقَاءِ بِالْعِوَضِ مَعَ جَهَالَةِ قَدْرِ الْمَشْرُوبِ وَاخْتِلَافِ عَادَةِ الشَّارِبِينَ وَعَكْسِ هَذَا وَأَجْمَعُوا عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ الْأَجِنَّةِ فِي الْبُطُونِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَدَارُ الْبُطْلَانِ بِسَبَبِ الْغَرَرِ وَالصِّحَّةُ مَعَ وُجُودِهِ عَلَى ما ذكرناه وهو أنه إِنْ دَعَتْ حَاجَةٌ إِلَى ارْتِكَابِ الْغَرَرِ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ وَكَانَ الْغَرَرُ حَقِيرًا جَازَ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا وَمَا وَقَعَ في بعض

(باب تحريم بيع حبل الحبلة)

مَسَائِلِ الْبَابِ مِنَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِيهَا وَفَسَادِهِ كَبَيْعِ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَبَعْضُهُمْ يَرَى أَنَّ الْغَرَرَ حَقِيرٌ فَيَجْعَلُهُ كَالْمَعْدُومِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَبَعْضُهُمْ يَرَاهُ لَيْسَ بِحَقِيرٍ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ بَيْعَ الْمُلَامَسَةِ وَبَيْعَ الْمُنَابَذَةِ وَبَيْعَ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَبَيْعَ الْحَصَاةِ وَعَسْبِ الْفَحْلِ وَأَشْبَاهِهَا مِنَ الْبُيُوعِ الَّتِي جَاءَ فِيهَا نُصُوصٌ خَاصَّةٌ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَلَكِنْ أُفْرِدَتْ بِالذِّكْرِ وَنُهِيَ عَنْهَا لِكَوْنِهَا مِنْ بِيَاعَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب تَحْرِيمِ بَيْعِ حبل الحبلة) [1514] فيه حديث بن عُمَرَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ) هِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْبَاءِ فِي الْحَبَلِ وَفِي الْحَبَلَةِ قَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بإِسْكَانِ الْبَاءِ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ حَبْلُ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْحَبَلَةُ هُنَا جَمْعُ حَابِلٍ كَظَالِمٍ وَظَلَمَةٍ وَفَاجِرٍ وَفَجَرَةٍ وَكَاتِبٍ وَكَتَبَةٍ قَالَ الْأَخْفَشُ يُقَالُ حَبِلَتِ الْمَرْأَةُ فَهِيَ حَابِلٌ وَالْجَمْعُ نسوة حبلة وقال بن الْأَنْبَارِيِّ الْهَاءُ فِي الْحَبَلَةِ لِلْمُبَالَغَةِ وَوَافَقَهُ بَعْضُهُمْ وَاتَّفَقَ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ الْحَبَلَ مُخْتَصٌّ بِالْآدَمِيَّاتِ وَيُقَالُ فِي غَيْرِهِنَّ الْحَمَلُ يُقَالُ حَمَلَتِ الْمَرْأَةُ وَلَدًا وَحَبِلَتْ بِوَلَدٍ وَحَمَلَتِ الشَّاةُ سَخْلَةً وَلَا يُقَالُ حَبِلَتْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ لَا يُقَالُ لِشَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ حَبَلَ إِلَّا مَا جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي المراد بالنهى

(باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه وسومه على سومه)

عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ هُوَ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إِلَى أَنْ تَلِدَ النَّاقَةُ وَيَلِدَ وَلَدُهَا وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي هَذَا الحديث هذا التفسير عن بن عُمَرَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ بَيْعُ وَلَدِ النَّاقَةِ الْحَامِلِ في الحال وهذا تفسير أبي عبيدة مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى وَصَاحِبِهِ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ وَآخَرِينَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى اللُّغَةِ لَكِنَّ الرَّاوِي هُوَ بن عُمَرَ وَقَدْ فَسَّرَهُ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَعْرَفُ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمُحَقِّقِي الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ تَفْسِيرَ الرَّاوِي مُقَدَّمٌ إِذَا لَمْ يُخَالِفِ الظَّاهِرَ وَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ عَلَى التَّفْسِيرَيْنِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ بَيْعٌ بِثَمَنٍ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ وَالْأَجَلُ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنَ الثَّمَنِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ بَيْعٌ مَعْدُومٌ وَمَجْهُولٌ وَغَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلْبَائِعِ وَغَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تسليمه والله أعلم (بَابِ تَحْرِيمِ بَيْعِ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وسومه على سومه) (وتحريم النجش وتحريم التصرية) [1412] قوله صلى الله عليه وسلم (لا يبع بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ) وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ وفي رواية لا يسم المسلم على سوم المسلم أَمَّا الْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ فَمِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ لِمَنِ اشْتَرَى شَيْئًا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ افْسَخْ هَذَا الْبَيْعَ وَأَنَا أَبِيعُكَ مِثْلَهُ بِأَرْخَصَ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ أَجْوَدَ مِنْهُ بِثَمَنِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَهَذَا حَرَامٌ يَحْرُمُ أَيْضًا الشِّرَاءُ عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِلْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ افْسَخْ هَذَا الْبَيْعَ وَأَنَا أَشْتَرِيهِ مِنْكَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ وَنَحْوَ هَذَا وأما السَّوْمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اتَّفَقَ مَالِكُ السِّلْعَةِ وَالرَّاغِبُ فِيهَا عَلَى الْبَيْعِ وَلَمْ يَعْقِدَاهُ فَيَقُولَ الْآخَرُ لِلْبَائِعِ أَنَا أَشْتَرِيهِ وَهَذَا حَرَامٌ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ وَأَمَّا السَّوْمُ فِي السِّلْعَةِ الَّتِي تُبَاعُ فِيمَنْ يَزِيدُ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وأَمَّا الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ

أَخِيهِ وَسُؤَالُ الْمَرْأَةِ طَلَاقَ أُخْتِهَا فَسَبَقَ بَيَانُهُمَا وَاضِحًا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَسَبَقَ هُنَالِكَ أَنَّ الرِّوَايَةَ لَا يَبِيعُ وَلَا يَخْطِبُ بِالرَّفْعِ عَلَى سَبِيلِ الْخَبَرِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ النَّهْيُ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ أَبْلَغُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَنْعِ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَالشِّرَاءِ عَلَى شِرَائِهِ وَالسَّوْمِ عَلَى سَوْمِهِ فَلَوْ خَالَفَ وَعَقَدَ فَهُوَ عَاصٍ وَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَآخَرِينَ وَقَالَ دَاوُدُ لَا يَنْعَقِدُ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَجُمْهُورُهُمْ عَلَى إِبَاحَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِيمَنْ يَزِيدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَكَرِهَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَأَمَّا النَّجْشُ فَبِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ جِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ لَا لِرَغْبَةٍ فِيهَا بَلْ لِيَخْدَعَ غَيْرَهُ وَيَغُرَّهُ لِيَزِيدَ وَيَشْتَرِيَهَا وَهَذَا حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالْإِثْمُ مُخْتَصٌّ بِالنَّاجِشِ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْبَائِعُ فَإِنْ وَاطَأَهُ عَلَى ذَلِكَ أَثِمَا جَمِيعًا وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْبَائِعِ مُوَاطَأَةٌ وَكَذَا إِنْ كَانَتْ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ قَصَّرَ فِي الِاغْتِرَارِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَجَعَلَ النَّهْيَ عَنْهُ مُقْتَضِيًا لِلْفَسَادِ وَأَصْلُ النَّجْشِ الِاسْتِثَارَةُ وَمِنْهُ نَجَشْتُ الصَّيْدَ أَنْجُشُهُ بِضَمِّ الْجِيمِ نَجْشًا إِذَا اسْتَثَرْتُهُ سُمِّيَ النَّاجِشُ فِي السِّلْعَةِ نَاجِشًا لِأَنَّهُ يثير الرغبة فيها ويرفع ثمنها وقال بن قُتَيْبَةَ أَصْلُ النَّجْشِ الْخَتْلُ وَهُوَ الْخِدَاعُ وَمِنْهُ قِيلَ لِلصَّائِدِ نَاجِشٌ لِأَنَّهُ يَخْتِلُ الصَّيْدَ وَيَخْتَالُ له وكل من استثار شيئا فَهُوَ نَاجِشٌ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّجْشُ الْمَدْحُ وَالْإِطْرَاءُ وَعَلَى هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ لا يمدح أحدكم السلعة ويزيد في ثمنها بِلَا رَغْبَةٍ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْعَلَاءِ وَسُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ عَنْ أبيهما وهو

مشكل لأن العلاء هو بن عبد الرحمن وسهيل هو بن أَبِي صَالِحٍ وَلَيْسَ بِأَخٍ لَهُ فَلَا يُقَالُ عَنْ أَبِيهِمَا بِكَسْرِ الْبَاءِ بَلْ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ عَنْ أَبَوَيْهِمَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ الْمَوْجُودُ فِي النُّسَخِ عَنْ أَبَيْهِمَا بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَيَكُونَ تَثْنِيَةُ أَبٍ عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ هَذَانِ أَبَانِ وَرَأَيْتُ أَبَيْنِ فَثَنَّاهُ بِالْأَلِفِ وَالنُّونِ وَبِالْيَاءِ وَالنُّونِ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَأَوْضَحْنَاهُ هُنَاكَ قَالَ الْقَاضِي الرِّوَايَةُ فِيهِ عِنْدَ جَمِيعِ شُيُوخِنَا بِكَسْرِ الْبَاءِ قَالَ وَلَيْسَ هُوَ بِصَوَابٍ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا أَخَوَيْنِ قَالَ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبَوَيْهِمَا وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْأَوَّلِ لَعَلَّهُ عَنْ أَبَيْهِمَا بِفَتْحِ الْبَاءِ قَوْلُهُ (وَفِي رِوَايَةِ الدَّوْرَقِيِّ عَلَى سِيمَةِ أَخِيهِ) هُوَ بِكَسْرِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَهِيَ لُغَةٌ فِي السَّوْمِ ذَكَرَهَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ ويقال انه تغالى السِّيمَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ) هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَنَصْبِ الْإِبِلِ مِنَ التَّصْرِيَةِ وَهِيَ الْجَمْعُ يُقَالُ صَرَّى يُصَرِّي تَصْرِيَةً وَصَرَّاهَا يُصَرِّيهَا تَصْرِيَةً فَهِيَ مُصَرَّاةٌ كَغَشَّاهَا يُغَشِّيهَا تَغْشِيَةً فَهِيَ مُغَشَّاةٌ وَزَكَّاهَا يُزَكِّيهَا تَزْكِيَةً فَهِيَ مُزَكَّاةٌ قَالَ الْقَاضِي وَرُوِّينَاهُ فِي غَيْرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ بَعْضِهِمْ لَا تصروا بفتح

التَّاءِ وَضَمِّ الصَّادِ مِنَ الصَّرِّ قَالَ وَعَنْ بَعْضِهِمْ لَا تُصَرُّ الْإِبِلُ بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ تُصْرَّى بِغَيْرِ وَاوٍ بَعْدَ الرَّاءِ وَبِرَفْعِ الْإِبِلِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ مِنَ الصِّرِّ أَيْضًا وَهُوَ رَبْطُ أَخْلَافِهَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ وَمَعْنَاهُ لَا تَجْمَعُوا اللَّبَنَ فِي ضَرْعِهَا عِنْدَ إِرَادَةِ بَيْعِهَا حَتَّى يَعْظُمَ ضَرْعُهَا فَيَظُنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّ كَثْرَةَ لَبَنِهَا عَادَةٌ لَهَا مُسْتَمِرَّةٌ ومنه قول العرب صربت الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ أَيْ جَمَعْتُهُ وَصَرَّى الْمَاءَ فِي ظَهْرِهِ أَيْ حَبَسَهُ فَلَمْ يَتَزَوَّجْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ وَأَهْلُ اللُّغَةِ فِي تَفْسِيرِ الْمُصَرَّاةِ وَفِي اشْتِقَاقِهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ التَّصْرِيَةُ أَنْ يَرْبِطَ أَخْلَافَ النَّاقَةِ أَوِ الشَّاةِ وَيَتْرُكَ حَلْبَهَا الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ حَتَّى يَجْمَعَ لَبَنَهَا فَيَزِيدَ مُشْتَرِيهَا فِي ثَمَنِهَا بِسَبَبِ ذَلِكَ لِظَنِّهِ أَنَّهُ عَادَةٌ لَهَا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ مِنْ صَرَّى اللَّبَنَ فِي ضَرْعِهَا أَيْ حَقَنَهُ فِيهِ وَأَصْلُ التَّصْرِيَةِ حَبْسُ الْمَاءِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَلَوْ كَانَتْ مِنَ الرَّبْطِ لَكَانَتْ مَصْرُورَةً أَوْ مُصَرَّرَةً قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ حَسَنٌ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ صَحِيحٌ قَالَ

(قال ويحتمل أن أصل المصراة مصرورة ابدلت إحدى

وَالْعَرَبُ تَصُرُّ ضُرُوعَ الْمَحْلُوبَاتِ وَاسْتَدَلَّ لِصِحَّةِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِ الْعَرَبِ لَا يُحْسِنُ الْكَرَّ إِنَّمَا يُحْسِنُ الْحَلْبَ وَالصَّرَّ وَبِقَوْلِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ ... فَقُلْتُ لِقَوْمِي هَذِهِ صَدَقَاتُكُمْ ... مُصَرَّرَةٌ أَخْلَافُهَا لَمْ تُجَرَّدِ ... (قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَصْلَ الْمُصَرَّاةِ مَصْرُورَةٌ ابدلت إِحْدَى الرَّاءَيْنِ أَلِفًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى خَابَ مَنْ دساها أَيْ دَسَّسَهَا كَرِهُوا اجْتِمَاعَ ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ مِنْ جِنْسٍ وَاعْلَمْ أَنَّ التَّصْرِيَةَ حَرَامٌ سَوَاءٌ تَصْرِيَةُ النَّاقَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ وَالْجَارِيَةِ وَالْفَرَسِ وَالْأَتَانِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ غِشٌّ وَخِدَاعٌ وَبَيْعُهَا صَحِيحٌ مَعَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي إِمْسَاكِهَا وَرَدِّهَا وَسَنُوَضِّحُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ التَّدْلِيسِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ ذَلِكَ يَنْعَقِدُ وَأَنَّ التدليس بالفعل حرام كالتدليس بالقول) (باب تحريم تلقى الجلب [1517] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نهى أن يتلقى السِّلَعُ حَتَّى تَبْلُغَ الْأَسْوَاقَ) وَفِي رِوَايَةٍ نَهَى عَنِ التَّلَقِّي وَفِي رِوَايَةٍ نَهَى عَنْ تَلَقِّي الْبُيُوعِ وَفِي رِوَايَةٍ أَنْ يُتَلَقَّى الْجَلَبُ وَفِي رِوَايَةٍ لَا تَلَقَّوُا الْجَلَبَ فَمَنْ تَلَقَّى فَاشْتَرَى مِنْهُ فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ وَفِي رِوَايَةٍ نَهَى أَنْ يُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ)

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سَيِّدُهُ أَيْ مَالِكُهُ الْبَائِعُ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَحْرِيمُ تَلَقِّي الْجَلَبِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ يَجُوزُ التَّلَقِّي إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِالنَّاسِ فَإِنْ أَضَرَّ كُرِهَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِلنَّهْيِ الصَّرِيحِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَشَرْطُ التَّحْرِيمِ أَنْ يُعْلَمَ النَّهْيُ عَنِ التَّلَقِّي وَلَوْ لَمْ يَقْصِدِ التَّلَقِّي بَلْ خَرَجَ لِشُغْلٍ فَاشْتَرَى مِنْهُ فَفِي تَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا وَقَوْلَانِ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا التَّحْرِيمُ لِوُجُودِ الْمَعْنَى وَلَوْ تَلَقَّاهُمْ وَبَاعَهُمْ فَفِي تَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ وَإِذَا حَكَمْنَا بِالتَّحْرِيمِ فَاشْتَرَى صَحَّ الْعَقْدُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَسَبَبُ التَّحْرِيمِ إِزَالَةُ الضَّرَرِ عَنِ الْجَالِبِ وَصِيَانَتُهُ مِمَّنْ يَخْدَعُهُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ فَإِنْ قِيلَ الْمَنْعُ مِنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي سَبَبُهُ الرِّفْقُ بِأَهْلِ الْبَلَدِ وَاحْتُمِلَ فِيهِ غَبْنُ البادى والمنع من التلقى أن لا يُغْبَنَ الْبَادِي وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّرْعَ يَنْظُرُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إِلَى مَصْلَحَةِ النَّاسِ وَالْمَصْلَحَةُ تَقْتَضِي أَنْ يُنْظَرَ لِلْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاحِدِ لَا لِلْوَاحِدِ عَلَى الْوَاحِدِ فَلَمَّا كَانَ الْبَادِي إِذَا بَاعَ بِنَفْسِهِ انْتَفَعَ جَمِيعُ أَهْلِ السُّوقِ وَاشْتَرَوْا رَخِيصًا فَانْتَفَعَ بِهِ جَمِيعُ سُكَّانِ الْبَلَدِ نَظَرَ الشَّرْعُ لِأَهْلِ الْبَلَدِ عَلَى الْبَادِي وَلَمَّا كَانَ فِي التَّلَقِّي إِنَّمَا يَنْتَفِعُ الْمُتَلَقِّي خَاصَّةً وَهُوَ وَاحِدٌ فِي قُبَالَةِ وَاحِدٍ لَمْ يَكُنْ فِي إِبَاحَةِ التَّلَقِّي مَصْلَحَةٌ لَا سِيَّمَا وَيَنْضَافُ إِلَى ذَلِكَ عِلَّةٌ ثَانِيَةٌ وَهِيَ لُحُوقُ الضَّرَرِ بِأَهْلِ السُّوقِ فِي انْفِرَادِ الْمُتَلَقِّي عَنْهُمْ بِالرُّخْصِ وَقَطْعِ الْمَوَادِّ عَنْهُمْ وَهُمْ أَكْثَرُ مِنَ الْمُتَلَقِّي فَنَظَرَ الشَّرْعُ لَهُمْ عَلَيْهِ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بَلْ هُمَا مُتَّفِقَتَانِ فِي الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ وَيَعْلَمَ السِّعْرَ فَإِذَا قَدِمَ فَإِنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِأَرْخَصَ مِنْ سِعْرِ الْبَلَدِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ سَوَاءٌ أَخْبَرَ الْمُتَلَقِّي بِالسِّعْرِ كَاذِبًا أَمْ لَمْ يُخْبِرْ وَإِنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِسِعْرِ الْبَلَدِ أَوْ أَكْثَرَ فَوَجْهَانِ الْأَصَحُّ لَا خِيَارَ لَهُ لِعَدَمِ الْغَبْنِ وَالثَّانِي ثُبُوتُهُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي هِشَامٌ الْقُرْدُوسِيُّ) هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَالدَّالِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ بَيْنَهُمَا مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَرَادِيسِ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ والله أعلم

(باب تحريم بيع الحاضر للبادى [1520] قوله (نهى رسول الله

(باب تحريم بيع الحاضر للبادى [1520] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ) وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ طَاوُسٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا قَوْلُهُ حَاضِرٌ لِبَادٍ قَالَ لَا يَكُنْ لَهُ سِمْسَارًا وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَنَسٍ نُهِينَا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ أَوْ أَبَاهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَقْدَمَ غَرِيبٌ مِنَ الْبَادِيَةِ أَوْ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ بِمَتَاعٍ تَعُمُّ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ لِيَبِيعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ فَيَقُولَ لَهُ الْبَلَدِيُّ اتْرُكْهُ عِنْدِي لِأَبِيعَهُ عَلَى التَّدْرِيجِ بِأَعْلَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَحْرُمُ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ وَبِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمِ النَّهْيَ أَوْ كَانَ الْمَتَاعُ مِمَّا لَا يُحْتَاجُ فِي الْبَلَدِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ لِقِلَّةِ ذَلِكَ الْمَجْلُوبِ لَمْ يَحْرُمْ وَلَوْ خَالَفَ وَبَاعَ الْحَاضِرُ لِلْبَادِي صَحَّ الْبَيْعُ مَعَ التَّحْرِيمِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يُفْسَخُ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَفُتْ وَقَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي مُطْلَقًا لِحَدِيثِ الدِّينُ النَّصِيحَةُ قَالُوا وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ)

(باب حكم بيع المصراة قد سبق بيان التصرية وبيان

بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي مَنْسُوخٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ على كراهة التنزيه بمجرد الدعوى (باب حكم بيع المصراة قَدْ سَبَقَ بَيَانُ التَّصْرِيَةِ وَبَيَانُ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فِي بَابِ تَحْرِيمِ بَيْعِ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ [1524] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَلْيَنْقَلِبْ بِهَا فَلْيَحْلُبْهَا فَإِنْ رَضِيَ حِلَابَهَا أَمْسَكَهَا وَإِلَّا رَدَّهَا وَمَعَهَا صاع تمر) وفى رواية من ابتاع شاة مُصَرَّاةً فَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِنْ)

شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَفِي رِوَايَةٍ مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَمَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ وَفِي رِوَايَةٍ مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ لَا سَمْرَاءَ وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا مَا أَحَدُكُمُ اشْتَرَى لَقِحَةً مُصَرَّاةً أَوْ شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إِمَّا هِيَ وَإِلَّا فَلْيَرُدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَمَّا الْمُصَرَّاةُ وَاشْتِقَاقُهَا فَسَبَقَ أَنَّ التَّصْرِيَةَ حَرَامٌ وَأَنَّ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَعَ تَحْرِيمِهَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَأَنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى تَدْلِيسٍ بِأَنْ سَوَّدَ شَعْرَ الْجَارِيَةِ الشَّائِبَةِ أَوْ جَعَّدَ شَعْرَ السَّبْطَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي خِيَارِ مُشْتَرِي الْمُصَرَّاةِ هَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ بَعْدَ الْعِلْمِ أَوْ يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقِيلَ يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِظَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَيَحْمِلُونَ التَّقْيِيدَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إِذَا نَقَصَ لَبَنُهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَنِ الْأَوَّلِ احْتُمِلَ كَوْنُ النَّقْصِ لِعَارِضٍ مِنْ سُوءِ مَرْعَاهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا اسْتَمَرَّ كَذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عُلِمَ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ ثُمَّ إِذَا اخْتَارَ رَدَّ المصراة

بَعْدَ أَنْ حَلَبَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ سَوَاءٌ كَانَ اللَّبَنُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا سَوَاءٌ كَانَتْ نَاقَةً أَوْ شَاةً أَوْ بَقَرَةً هَذَا مذهبنا وبه قال مالك والليث وبن أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَفُقَهَاءُ الْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُوَافِقُ لِلسُّنَّةِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَرُدُّ صَاعًا مِنْ قُوتِ الْبَلَدِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالتَّمْرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ غَرِيبَةٍ عَنْهُ يَرُدُّهَا وَلَا يَرُدُّ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ إِذَا أَتْلَفَ شَيْئًا لِغَيْرِهِ رَدَّ مِثْلَهُ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ وَأَمَّا جِنْسٌ آخَرُ مِنَ الْعُرُوضِ فَخِلَافُ الْأُصُولِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ السُّنَّةَ إِذَا وَرَدَتْ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهَا بِالْمَعْقُولِ وَأَمَّا الْحِكْمَةُ فِي تَقْيِيدِهِ بِصَاعِ التَّمْرِ فلِأَنَّهُ كَانَ غَالِبَ قُوتِهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَاسْتَمَرَّ حُكْمُ الشَّرْعِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ مِثْلُهُ وَلَا قِيمَتُهُ بَلْ وَجَبَ صَاعٌ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لِيَكُونَ ذَلِكَ حَدًّا يُرْجَعُ إِلَيْهِ وَيَزُولُ بِهِ التَّخَاصُمُ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرِيصًا عَلَى رَفْعِ الْخِصَامِ وَالْمَنْعِ مِنْ كُلِّ مَا هُوَ سَبَبٌ لَهُ وَقَدْ يَقَعُ بَيْعُ الْمُصَرَّاةِ فِي الْبَوَادِي وَالْقُرَى وَفِي مَوَاضِعَ لَا يُوجَدُ مَنْ يَعْرِفُ الْقِيمَةَ وَيُعْتَمَدُ قَوْلُهُ فِيهَا وَقَدْ يَتْلَفُ اللَّبَنُ وَيَتَنَازَعُونَ فِي قِلَّتِهِ وَكَثْرَتِهِ وَفِي عَيْنِهِ فَجَعَلَ الشَّرْعُ لَهُمْ ضَابِطًا لَا نِزَاعَ مَعَهُ وَهُوَ صَاعُ تَمْرٍ وَنَظِيرُ هَذَا الدِّيَةُ فَإِنَّهَا مِائَةُ بَعِيرٍ وَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْقَتِيلِ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ وَمِثْلُهُ الْغُرَّةُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى تَامُّ الْخَلْقِ أَوْ نَاقِصُهُ جَمِيلًا كَانَ أَوْ قَبِيحًا وَمِثْلُهُ الْجُبْرَانُ فِي الزَّكَاةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ جَعَلَهُ الشَّرْعُ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ سَوَاءٌ كَانَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَآخَرُونَ نَحْوَ هَذَا الْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ رَدُّ عِوَضِ اللَّبَنِ مَعَ أَنَّ الخراج بالضمان

(باب بطلان بيع المبيع قبل القبض [1525] قوله صلى الله عليه

وَأَنَّ مَنِ اشْتَرَى شَيْئًا مَعِيبًا ثُمَّ عَلِمَ الْعَيْبَ فَرَدَّ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الْغَلَّةِ وَالْأَكْسَابِ الْحَاصِلَةِ فِي يَدِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّبَنَ لَيْسَ مِنَ الْغَلَّةِ الْحَاصِلَةِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَلْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْبَائِعِ وَفِي حَالَةِ الْعَقْدِ وَوَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ وَعَلَى الشَّاةِ جَمِيعًا فَهُمَا مَبِيعَانِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ وَتَعَذَّرَ رَدُّ اللَّبَنِ لاختلاطه بما حدث في ملك المشترى فوجب رد عوضه والله أعلم (باب بطلان بيع المبيع قبل القبض [1525] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنِ ابْتَاعَ طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه) قال بن عَبَّاسٍ وَأَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَفِي رِوَايَةٍ مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ لم قال ألا تراهم يبتاعون بالذهب والطعام مرجأ وفي رواية بن عمر قال كم فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نبتاع الطعام فيبعث علينا من يأمرا بِانْتِقَالِهِ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي ابْتَعْنَاهُ فِيهِ إِلَى مَكَانٍ سِوَاهُ قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ وَفِي رِوَايَةٍ كُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنَ الرُّكْبَانِ جِزَافًا فَنَهَانَا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنبيعه حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ بن عُمَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَضْرِبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اشْتَرَوْا)

طَعَامًا جِزَافًا أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِ حَتَّى يُحَوِّلُوهُ وَفِي رِوَايَةٍ رَأَيْتُ النَّاسَ فِي عَهْدِ رسول اببه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ابْتَاعُوا الطَّعَامَ جِزَافًا يَضْرِبُونَ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِمْ ذَلِكَ حَتَّى يُؤْوُوهُ إِلَى رِحَالِهِمْ قَوْلُهُ (مُرْجَأً) أَيْ مُؤَخَّرًا وَيَجُوزُ هَمْزُهُ وَتَرْكُ هَمْزِهِ وَالْجِزَافُ بِكَسْرِ الجيم ضمها وَفَتْحِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْكَسْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَهُوَ الْبَيْعُ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا تَقْدِيرٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ بَيْعِ الصُّبْرَةِ جِزَافًا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ بَيْعُ الصُّبْرَةِ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَغَيْرِهِمَا جِزَافًا صَحِيحٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَهَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ فِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَالثَّانِي لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ قَالُوا وَالْبَيْعُ بِصُبْرَةِ الدَّرَاهِمِ جِزَافًا حُكْمُهُ كَذَلِكَ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إِذَا كَانَ بَائِعُ الصُّبْرَةِ جِزَافًا يَعْلَمُ قَدْرَهَا وفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْبَائِعُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ سَوَاءٌ كَانَ طَعَامًا أَوْ عَقَارًا أَوْ مَنْقُولًا

أَوْ نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُ وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ يَجُوزُ فِي كُلِّ مَبِيعٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لا يَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا الْعَقَارَ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ فِي الطَّعَامِ وَيَجُوزُ فِيمَا سِوَاهُ وَوَافَقَهُ كَثِيرُونَ وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَجُوزُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَيَجُوزُ فِيمَا سِوَاهُمَا أَمَّا مَذْهَبُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ فَحَكَاهُ الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي وَلَمْ يحكه الا كثرون بَلْ نَقَلُوا الْإِجْمَاعَ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ الطَّعَامِ المبيع قبل قبضه قالوا وإنما الْخِلَافُ فِيمَا سِوَاهُ فَهُوَ شَاذٌّ مَتْرُوكٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كَانُوا يُضْرَبُونَ إِذَا بَاعُوهُ) يَعْنِي قَبْلَ قَبْضِهِ هَذَا

دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ يُعَزِّرُ مَنْ تَعَاطَى بَيْعًا فَاسِدًا وَيُعَزِّرُهُ بِالضَّرْبِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَرَاهُ مِنَ الْعُقُوبَاتِ فِي الْبَدَنِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لِمَرْوَانَ أَحْلَلْتَ بَيْعَ الصِّكَاكَ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى فَخَطَبَ مَرْوَانُ النَّاسَ فَنَهَى عَنْ بَيْعِهَا) الصِّكَاكُ جَمْعُ صَكٍّ وَهُوَ الْوَرَقَةُ الْمَكْتُوبَةُ بِدَيْنٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى صُكُوكٍ وَالْمُرَادُ هُنَا الْوَرَقَةُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ وَلِيِّ الْأَمْرِ بِالرِّزْقِ لِمُسْتَحِقِّهِ بِأَنْ يَكْتُبَ فِيهَا لِلْإِنْسَانِ كَذَا وَكَذَا مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَبِيعُ صَاحِبُهَا ذَلِكَ لِإِنْسَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ جَوَازُ بَيْعِهَا وَالثَّانِي مَنْعُهَا فَمَنْ مَنَعَهَا أَخَذَ بِظَاهِرِ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِحُجَّتِهِ وَمَنْ أَجَازَهَا تَأَوَّلَ قَضِيَّةَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِي مِمَّنْ خَرَجَ لَهُ الصَّكُّ بَاعَهُ لِثَالِثٍ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي فَكَانَ النَّهْيُ عَنِ الْبَيْعِ الثَّانِي لَا عَنِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الَّذِي خَرَجَتْ لَهُ مَالِكٌ لِذَلِكَ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا وَلَيْسَ هُوَ بِمُشْتَرٍ فَلَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا لَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ مَا وَرِثَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بَعْدَ أَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْتُهُ وَكَانُوا يَتَبَايَعُونَهَا ثُمَّ يَبِيعُهَا الْمُشْتَرُونَ قَبْلَ قَبْضِهَا فَنُهُوا

(باب تحريم بيع صبرة التمر المجهولة القدر بتمر [1530] قوله

عَنْ ذَلِكَ قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ لَا تَبِعْ طَعَامًا ابْتَعْتَهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ انْتَهَى هَذَا تَمَامُ الْحَدِيثِ فِي الْمُوَطَّأِ وَكَذَا جَاءَ الْحَدِيثُ مُفَسَّرًا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ صُكُوكًا خَرَجَتْ لِلنَّاسِ فِي زَمَنِ مَرْوَانَ بِطَعَامٍ فَتَبَايَعَ النَّاسُ تِلْكَ الصُّكُوكَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا وَفِي الْمُوَطَّأِ مَا هُوَ أَبَيْنُ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ ابْتَاعَ طَعَامًا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَبَاعَ حَكِيمٌ الطَّعَامَ الَّذِي اشتراه قبل قبضه والله أعلم (باب تحريم بيع صبرة التمر المجهولة القدر بتمر [1530] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنَ التَّمْرِ لَا يُعْلَمُ مَكِيلُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنَ التَّمْرِ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ حَتَّى يَعْلَمَ الْمُمَاثَلَةَ قَالَ الْعُلَمَاءُ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالْمُمَاثَلَةِ فِي هَذَا الْبَابِ كَحَقِيقَةِ الْمُفَاضَلَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَلَمْ يَحْصُلْ تَحَقُّقُ الْمُسَاوَاةِ مَعَ الْجَهْلِ وَحُكْمُ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ وَسَائِرِ الرِّبَوِيَّاتِ إِذَا بِيعَ بَعْضُهَا ببعض حكم)

(باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين [1531] قوله صلى الله

التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ [1531] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْبَيِّعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ) هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ بِأَبْدَانِهِمَا وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ قال به علي بن أبى طالب وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ وَطَاوُسٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَشُرَيْحٌ الْقَاضِي وَالْحَسَنُ البصرى والشعبي والزهري والاوزاعى وبن أبى ذئب وسفيان بن عيينة والشافعى وبن الْمُبَارَكِ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالْبُخَارِيُّ وَسَائِرُ الْمُحَدِّثِينَ وَآخَرُونَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَا يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ بَلْ يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِنَفْسِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَحُكِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَرُدُّ عَلَى هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ لَهُمْ عَنْهَا جَوَابٌ صَحِيحٌ وَالصَّوَابُ ثُبُوتُهُ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ)

(إلا بيع الخيار ففيه ثلاثة أقوال ذكرها أصحابنا

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ ففيه ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وأصحها أَنَّ الْمُرَادَ التَّخْيِيرُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ وَتَقْدِيرُهُ يَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَّا أَنْ يَتَخَايَرَا فِي الْمَجْلِسِ وَيَخْتَارَا إِمْضَاءَ الْبَيْعِ فَيَلْزَمَ الْبَيْعُ بِنَفْسِ التَّخَايُرِ وَلَا يَدُومُ إِلَى الْمُفَارَقَةِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ مَعْنَاهُ إِلَّا بَيْعًا شُرِطَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ دُونَهَا فَلَا يَنْقَضِي الْخِيَارُ فِيهِ بِالْمُفَارَقَةِ بَلْ يَبْقَى حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ الْمَشْرُوطَةُ وَالثَّالِثُ مَعْنَاهُ إِلَّا بَيْعًا شُرِطَ فِيهِ أن لا خِيَارَ لَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ فَيَلْزَمُ الْبَيْعُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ وَلَا يَكُونُ فِيهِ خِيَارٌ وَهَذَا تَأْوِيلُ مَنْ يُصَحِّحُ الْبَيْعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا بُطْلَانُهُ بِهَذَا الشَّرْطِ فَهَذَا تَنْقِيحُ الْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ وَنَقَلُوهُ عَنْهُ وَأَبْطَلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مَا سِوَاهُ وَغَلَّطُوا قَائِلَهُ وَمِمَّنْ رَجَّحَهُ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ بَسَطَ دَلَائِلَهُ وَبَيَّنَ ضَعْفَ مَا يُعَارِضُهَا ثُمَّ قَالَ وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى تَضْعِيفِ الْأَثَرِ الْمَنْقُولِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْبَيْعُ صَفْقَةٌ أَوْ خِيَارٌ وَأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ فِيهِ شَرْطُ قَطْعِ الْخِيَارِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِبَيْعِ الْخِيَارِ التَّخْيِيرُ بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ بيعٌ شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّخْيِيرُ بَعْدَ الْبَيْعِ لِأَنَّ نَافِعًا رُبَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِبَيْعِ الْخِيَارِ وَرُبَّمَا فَسَّرَهُ بِهِ وَمِمَّنْ قَالَ بِتَصْحِيحِ هَذَا أبو عيسى الترمذى ونقل بن الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَاقِ هَذَا التَّفْسِيرَ عَنِ الثَّوْرِيِّ والاوزاعى وبن عُيَيْنَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ) وَمَعْنَى أَوْ يُخَيِّرُ)

أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَنْ يَقُولَ لَهُ اخْتَرْ إِمْضَاءَ الْبَيْعِ فَإِذَا اخْتَارَ وَجَبَ الْبَيْعُ أَيْ لَزِمَ وَانْبَرَمَ فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَسَكَتَ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُ السَّاكِتِ وَفِي انْقِطَاعِ خِيَارِ الْقَائِلِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا الِانْقِطَاعُ لِظَاهِرِ لَفْظِ الْحَدِيثِ قوله (فكان بن عُمَرَ إِذَا بَايَعَ رَجُلًا فَأَرَادَ أَنْ لَا يُقِيلَهُ قَامَ فَمَشَى هُنَيَّةً) ثُمَّ رَجَعَ هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ هُنَيَّةً بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ غَيْرُ مَهْمُوزٍ وَفِي بَعْضِهَا هُنَيْهَةً بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَزِيَادَةِ هَاءٍ أَيْ شَيْئًا يَسِيرًا وَقَوْلُهُ فَأَرَادَ أَنْ لَا يُقِيلَهُ أَيْ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّفَرُّقَ بِالْأَبْدَانِ كما فسره بن عُمَرَ الرَّاوِي وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى تَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَ التَّفَرُّقَ عَلَى أَنَّهُ التَّفَرُّقُ بِالْقَوْلِ وَهُوَ لَفْظُ الْبَيْعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُلُّ بَيِّعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا) أى ليس بينهما

(باب من يخدع في البيع [1533] قوله (ذكر رجل لرسول الله صلى

بيع [1532] لازم قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بِوَرِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا) أَيْ بَيَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِهِ مِنْ عَيْبٍ وَنَحْوِهِ فِي السِّلْعَةِ وَالثَّمَنِ وَصَدَقَ فِي ذَلِكَ وَفِي الْإِخْبَارِ بِالثَّمَنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِوَضَيْنِ وَمَعْنَى مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا أَيْ ذَهَبَتْ بَرَكَتُهُ وَهِيَ زِيَادَتُهُ وَنَمَاؤُهُ (بَاب مَنْ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ [1533] قَوْلُهُ (ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَكَانَ إِذَا بَايَعَ يَقُولُ لَا خِيَابَةَ) أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ)

(باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها بغير شرط

هُوَ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَقَوْلُهُ وَكَانَ إِذَا بَايَعَ قَالَ لَا خِيَابَةَ هُوَ بِيَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ بَدَلَ اللَّامِ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ قَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ لَا خِيَانَةَ بِالنُّونِ قَالَ وَهُوَ تَصْحِيفٌ قَالَ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ خِذَابَةَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وكان الرجل ألثغ فكان يقولها هكذا وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ لَا خِلَابَةَ وَمَعْنَى لَا خِلَابَةَ لَا خَدِيعَةَ أَيْ لَا تَحِلُّ لَكَ خَدِيعَتِي أَوْ لَا يَلْزَمُنِي خَدِيعَتُكَ وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ حَبَّانُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بْنُ مُنْقِدِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ وَالِدُ يَحْيَى وَوَاسِعٍ بَنِي حَبَّانَ شَهِدَا أُحُدًا وَقِيلَ بَلْ هُوَ وَالِدُهُ مُنْقِدُ بْنُ عَمْرٍو وَكَانَ قَدْ بَلَغَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَكَانَ قَدْ شُجَّ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الْحُصُونِ بِحَجَرٍ فَأَصَابَتْهُ فِي رَأْسِهِ مَأْمُومَةٌ فَتَغَيَّرَ بِهَا لِسَانُهُ وَعَقْلُهُ لَكِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنِ التَّمْيِيزِ وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ كَانَ ضَرِيرًا وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لَهُ مَعَ هَذَا الْقَوْلِ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ يَبْتَاعُهَا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ خَاصًّا فِي حَقِّهِ وَأَنَّ الْمُغَابَنَةَ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَازِمَةٌ لَا خِيَارَ لِلْمَغْبُونِ بِسَبَبِهَا سَوَاءٌ قَلَّتْ أَمْ كَثُرَتْ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَآخَرِينَ وَهِيَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ لِلْمَغْبُونِ الْخِيَارُ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِشَرْطِ أَنْ يَبْلُغَ الْغَبْنُ ثُلُثَ الْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَلَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْبَتَ لَهُ الْخِيَارَ وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ قُلْ لَا خِلَابَةَ أَيْ لَا خَدِيعَةَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا ثُبُوتُ الْخِيَارِ وَلِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ أَوْ أَثْبَتَ لَهُ الْخِيَارَ كَانَتْ قَضِيَّةَ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَلَا يَنْفُذُ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بِغَيْرِ شَرْطِ القطع [1534] فيه (عن بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ)

صَلَاحُهَا نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ) وَفِي رِوَايَةٍ نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ وَعَنِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لَا تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَتَذْهَبَ عَنْهُ الْآفَةُ قَالَ يَبْدُو صَلَاحُهُ حُمْرَتُهُ وَصُفْرَتُهُ وَفِي رِوَايَةٍ قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ مَا صَلَاحُهُ قَالَ تَذْهَبُ عَاهَتُهُ وَفِي رِوَايَةٍ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَطِيبَ وَفِي رِوَايَةٍ نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَأْكُلَ أَوْ يُؤْكَلَ وَحَتَّى يُوزَنَ فَقُلْتُ مَا يُوزَنُ فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ يعنى عند بن عَبَّاسٍ حَتَّى يُحْرَزَ أَمَّا أَلْفَاظُ البابِ فَمَعْنَى يَبْدُو يَظْهَرُ وَهُوَ بِلَا هَمْزٍ وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُنَبَّهَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ حَتَّى يَبْدُوَا بِالْأَلِفِ فِي الْخَطِّ وَهُوَ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا فِي مِثْلِ هَذَا لِلنَّاصِبِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي إِثْبَاتِهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ نَاصِبٌ مِثْلَ زَيْدٍ يَبْدُو وَالِاخْتِيَارُ حَذْفُهَا أَيْضًا وَيَقَعُ مِثْلُهُ فِي حَتَّى يَزْهُوَ وَصَوَابُهُ حَذْفُ الْأَلِفِ كَمَا ذُكِرَ [1535] قَوْلُهُ (يَزْهُوَ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ كَذَا ضَبَطُوهُ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال بن الْأَعْرَابِيِّ يُقَالُ زَهَا النَّخْلُ يَزْهُو إِذَا ظَهَرَتْ ثَمَرَتُهُ وَأَزْهَى يُزْهَى إِذَا احْمَرَّ أَوِ اصْفَرَّ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ لَا يُقَالُ فِي النَّخْلِ أَزْهَى إِنَّمَا يُقَالُ زَهَا وَحَكَاهُمَا أَبُو زَيْدٍ لُغَتَيْنِ وَقَالَ الْخَلِيلُ أَزْهَى النَّخْلُ بَدَا صَلَاحُهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَكَذَا يُرْوَى حَتَّى يَزْهُوَ قَالَ وَالصَّوَابُ فِي الْعَرَبِيَّةِ حَتَّى يُزْهَى وَالْإِزْهَاءُ فِي الثَّمَرِ أَنْ يَحْمَرَّ أَوْ يَصْفَرَّ وَذَلِكَ عَلَامَةُ الصَّلَاحِ فيها ودليل خلاصها من الآفه قال بن الْأَثِيرِ مِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ يُزْهَى كَمَا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ يَزْهُو وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الزَّهْوُ بِفَتْحِ الزَّايِ وَأَهْلُ الْحِجَازِ يَقُولُونَ بِضَمِّهَا وَهُوَ الْبُسْرُ الْمُلَوَّنُ يُقَالُ إِذَا ظَهَرَتِ الْحُمْرَةُ أَوِ الصُّفْرَةُ فِي النَّخْلِ فَقَدْ ظَهَرَ فِيهِ الزَّهْوُ وَقَدْ زَهَا النَّخْلُ زَهْوًا وَأَزْهَى لُغَةٌ فَهَذِهِ أَقْوَالُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ وَيَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِهَا جَوَازُ ذَلِكَ كُلِّهِ فَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ نَقَلَ شَيْئًا لَمْ يَعْرِفْهُ غَيْرُهُ قَبِلْنَاهُ اذا كان

ثِقَةً قَوْلُهُ (وَعَنِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ) مَعْنَاهُ يَشْتَدُّ حَبُّهُ وَهُوَ بُدُوُّ صَلَاحِهِ قَوْلُهُ (وَيَأْمَنُ الْعَاهَةَ) هِيَ الْآفَةُ تُصِيبُ الزَّرْعَ أَوِ الثَّمَرَ وَنَحْوَهُ فَتُفْسِدُهُ [1536] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ) فَقَوْلُهُ أَوَّلًا عَنْ جَابِرٍ

كَانَ يَنْبَغِي لَهُ عَلَى مُقْتَضَى عَادَتِهِ وَقَاعِدَتِهِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهِ حَذْفُهُ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَيَقْتَصِرُ عَلَى أَبِي الزُّبَيْرِ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ لَكِنَّهُ أَرَادَ زِيَادَةَ الْبَيَانِ وَالْإِيضَاحِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مِثْلِ هَذَا غَيْرَ مَرَّةٍ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَ حدثنا روح قال أنبأنا زكريا بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ) هَكَذَا يُوجَدُ فِي النُّسَخِ هَذَا وَأَمْثَالُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يقرأ القارئ بعد روح قالا حدثنا زكريا لأن أبا عاصم وروحا يرويان عن زكريا فلو قال القارئ قال أنبأنا زكريا كَانَ خَطَأً لِأَنَّهُ يَكُونُ مُحَدِّثًا عَنْ رَوْحٍ وَحْدِهِ وَتَارِكًا لِطَرِيقِ أَبِي عَاصِمٍ وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا يُغْفَلُ عَنْهُ فَنَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِيُتَفَطَّنَ لِأَشْبَاهِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ هَذَا فِي الْكِتَابِ فَيُقَالَ قالا حدثنا زكريا وَإِنْ كَانُوا يَحْذِفُونَ لَفْظَهُ قَالَ إِذَا كَانَ الْمُحَدِّثُ عَنْهُ وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَا يُلْبَسُ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ هنا قال حدثنا زكريا وَيَكُونَ الْمُرَادُ قَالَ رَوْحٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ وَاللَّفْظُ لَهُ قُلْنَا هَذَا مُحْتَمَلٌ وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ الْمُخْتَارَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً لِئَلَّا يَكُونَ تَارِكًا لِرِوَايَةِ أَبِي عَاصِمٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1537] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَاسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ عِمْرَانَ ويقال بن أبي عمران ويقال بن فَيْرُوزَ الْكُوفِيُّ الطَّائِيُّ مَوْلَاهُمْ قَالَ هِلَالُ بْنُ حِبَّانَ بِالْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ كَانَ مِنْ أَفَاضِلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَقَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ الْإِمَامُ

الْجَلِيلُ اجْتَمَعْتُ أَنَا وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ وَكَانَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ أَعْلَمَنَا وَأَفْقَهَنَا قُتِلَ بالجماجم سنة ثلاث وثمانين وقال بن مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ ثِقَةٌ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ مَا ذَكَرْتُ فِيهِ لِأَنَّ الْحَاكِمَ أَبَا أَحْمَدَ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْأَسْمَاءُ وَالْكُنَى إِنَّ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ هَذَا لَيْسَ قَوِيًّا عِنْدَهُمْ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ جَرْحٌ غَيْرُ مُفَسَّرٍ وَالْجَرْحُ إِذَا لَمْ يُفَسَّرْ لَا يُقْبَلُ وَقَدْ نَصَّ جَمَاعَاتٌ عَلَى أَنَّهُ ثِقَةٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَاللَّهُ أعلم قوله (سألت بن عَبَّاسٍ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ فَقَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَأْكُلَ مِنْهُ أَوْ يُؤْكَلَ مِنْهُ وحتى توزن فقلت ما يوزن فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْزَرَ) وَأَمَّا قَوْلُهُ يَأْكُلُ أَوْ يُؤْكَلُ فَمَعْنَاهُ حَتَّى يَصْلُحَ لِأَنْ يُؤْكَلَ فِي الْجُمْلَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ كَمَالَ أَكْلِهِ بَلْ مَا ذَكَرْنَاهُ وَذَلِكَ يَكُونُ عِنْدَ بُدُوِّ الصلاح وأما تفسيره يوزن بيحزر فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْحَزْرَ طَرِيقٌ إِلَى مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ وكذا الوزن وقوله حتى يحزر هو بِتَقْدِيمِ الزَّايِ عَلَى الرَّاءِ أَيْ يُخْرَصَ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ لَوْ صَحَّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا التَّفْسِيرُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَوْ بَعْضِهِمْ في معنى المضاف إلى بن عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ أَقَرَّ قَائِلَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ وتقريره كقوله والله أعلم قوله (عن بن أَبِي نُعْمٍ) هُوَ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ بِلَا يَاءَ بَعْدَهَا وَاسْمُهُ دُكَيْنُ بْنُ الْفُضَيْلِ وَشُرُوحُ مُسْلِمٍ كُلُّهَا سَاكِتَةٌ عَنْهُ أَمَّا أَحْكَامُ الْبَابِ فَإِنْ بَاعَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ صَحَّ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ شَرَطَ الْقَطْعَ ثُمَّ لَمْ يَقْطَعْ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَيُلْزِمُهُ الْبَائِعُ بِالْقَطْعِ فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى إِبْقَائِهِ جَازَ وَإِنْ بَاعَهَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَلِفَتِ الثَّمَرَةُ قَبْلَ إِدْرَاكِهَا فَيَكُونُ الْبَائِعُ قَدْ أَكَلَ مَالَ أَخِيهِ بِالْبَاطِلِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ وَأَمَّا إِذَا شَرَطَ الْقَطْعَ فَقَدِ انْتَفَى هَذَا الضَّرَرُ وَإِنْ بَاعَهَا مُطْلَقًا بِلَا شَرْطٍ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ لِإِطْلَاقِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَإِنَّمَا صَحَّحْنَاهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لِلْإِجْمَاعِ فَخَصَّصْنَا الْأَحَادِيثَ بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا إِذَا شُرِطَ الْقَطْعُ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الثِّمَارِ الْإِبْقَاءُ فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ وَأَمَّا إِذَا بِيعَتِ الثَّمَرَةُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَيَجُوزُ بَيْعُهَا مُطْلَقًا

وَبِشَرْطِ الْقَطْعِ وَبِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ لِمَفْهُومِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ يُخَالِفُ مَا قَبْلَهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهَا وَلِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا السَّلَامَةُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الصَّلَاحِ ثُمَّ إِذَا بِيعَتْ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ أَوْ مُطْلَقًا يُلْزَمُ الْبَائِعُ بِسِقَايَتِهَا إِلَى أَوَانِ الْجُذَاذِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْعَادَةُ فِيهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ شَرْطُ الْقَطْعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَعَنِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالْكُوفِيِّينَ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ السُّنْبُلِ الْمُشْتَدِّ وَأَمَّا مَذْهَبُنَا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنْ كَانَ السُّنْبُلُ شَعِيرًا أَوْ ذُرَةً أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا مِمَّا تُرَى حَبَّاتُهُ جَازَ بَيْعُهُ وَإِنْ كَانَ حِنْطَةً وَنَحْوَهَا مِمَّا تُسْتَرُ حَبَّاتُهُ بِالْقُشُورِ الَّتِي تُزَالُ بِالدِّيَاسِ فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهُوَ أَصَحُّ قَوْلَيْهِ وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ يَصِحُّ وَأَمَّا قَبْلَ الِاشْتِدَادِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الزَّرْعِ إِلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِذَا بَاعَ الزَّرْعَ قَبْلَ الِاشْتِدَادِ مَعَ الْأَرْضِ شَرْطٍ جَازَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَكَذَا الثَّمَرُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إِذَا بِيعَ مَعَ الشَّجَرِ جَازَ بلا شرط تبعا ونكذا حُكْمُ الْبُقُولِ فِي الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا فِي الْأَرْضِ دُونَ الْأَرْضِ إِلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَكَذَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ بدو

باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا فيه

صَلَاحِهِ وَفُرُوعُ الْمَسْأَلَةِ كَثِيرَةٌ وَقَدْ نَقَّحْتُ مَقَاصِدَهَا فِي رَوْضَةِ الطَّالِبِينَ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَجَمَعْتُ فِيهَا جُمَلًا مُسْتَكْثَرَاتٍ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ قَوْلُهُ (فِي الْحَدِيثِ نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ) أَمَّا الْبَائِعُ فَلِأَنَّهُ يُرِيدُ أَكْلَ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّهُ يُوَافِقُهُ عَلَى حَرَامٍ وَلِأَنَّهُ يُضَيِّعُ مَالَهُ وَقَدْ نُهِيَ عن إضاعة المال (باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا فيه حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَرَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا) وَفِي رِوَايَةٍ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ رَخَّصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ وَبَاقِي رِوَايَاتِ الْبَابِ بِمَعْنَاهُ وَفِيهَا ذِكْرُ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَكِرَاءِ الْأَرْضِ وَهَذَا نُؤَخِّرُهُ إِلَى بَابِهِ وَأَمَّا أَلْفَاظُ الْبَابِ فَقَوْلُهُ وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا تَبْتَاعُوا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ هُمَا فِي الرِّوَايَتَيْنِ الْأَوَّلُ الثَّمَرُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالثَّانِي التَّمْرُ بِالْمُثَنَّاةِ وَمَعْنَاهُ الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ كُلَّ الثِّمَارِ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فَإِنَّ سَائِرَ الثِّمَارِ)

يَجُوزُ بَيْعُهَا بِالتَّمْرِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حُجَيْنٌ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَآخِرُهُ نُونٌ قَوْلُهُ (رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ) هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا الْفَتْحُ أَشْهَرُ وَمَعْنَاهُ بِقَدْرِ مَا فِيهَا إِذَا صَارَ تَمْرًا

فَمَنْ فَتَحَ قَالَ هُوَ مَصْدَرٌ أَيِ اسْمٌ لِلْفِعْلِ وَمَنْ كَسَرَ قَالَ هُوَ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْمَخْرُوصِ قَوْلُهُ (عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ دَارِهِمْ مِنْهُمْ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ) أَمَّا بُشَيْرٌ فَبِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الشِّينِ وَأَمَّا يَسَارٌ فَبِالْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَالسِّينُ مُهْمَلَةٌ وَهُوَ بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ الْمَدَنِيُّ الْأَنْصَارِيُّ الْحَارِثِيُّ مَوْلَاهُمْ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَيْسَ هُوَ بِأَخِي سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا فَقِيهًا قَدْ أَدْرَكَ عَامَّةَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ قَلِيلَ الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ (مِنْ أَهْلِ دَارِهِمْ) يَعْنِي بَنِي حَارِثَةَ وَالْمُرَادُ بِالدَّارِ الْمَحَلَّةُ وَقَوْلُهُ (عَنْ بَعْضِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَهُمْ فَقَالَ مِنْهُمْ سَهْلُ بْنُ أَبِي حثمة والبعض يطلق على القليل والكثير وحثمة بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَاسْمُ أَبِي حَثْمَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَاعِدَةَ وَقِيلَ عَامِرُ بْنُ سَاعِدَةَ وَكُنْيَةُ سَهْلٍ أَبُو يَحْيَى وَقِيلَ أَبُو مُحَمَّدٍ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بن ثمان سِنِينَ قَوْلُهُ (فِي هَذَا الْإِسْنَادِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ يَعْنِي بن بلال عن يحيى هو بن سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ

عَنْ بَعْضِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ دَارِهِمْ مِنْهُمْ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ) فِي هَذَا الْإِسْنَادِ أَنْوَاعٌ مِنْ مَعَارِفِ عِلْمِ الْإِسْنَادِ وَطُرُقِهِ مِنْهَا أَنَّهُ إِسْنَادٌ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ وَهَذَا نَادِرٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِخِلَافِ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ فَإِنَّهُ كَثِيرٌ قَدَّمْنَاهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ أَوَائِلِ هَذَا الْكِتَابِ وَبَعْدَهَا بَيَانُهُ وَمِنْهَا أَنَّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَنْصَارِيِّينَ مَدَنِيِّينَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهَذَا نَادِرٌ جِدًّا وَهُمْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَبُشَيْرٌ وَسَهْلٌ ومنها قوله سليمان يعنى بن بلال وقوله يحيى وهو بن سَعِيدٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ الَّتِي فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَبَعْدَهَا بَيَانُ فَائِدَةِ قَوْلِهِ يَعْنِي وَقَوْلِهِ وَهُوَ وَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الرِّوَايَةِ بَيَانُ نَسَبِهِمَا بَلِ اقْتَصَرَ الرَّاوِي عَلَى قَوْلِهِ سُلَيْمَانُ وَيَحْيَى فَأَرَادَ مُسْلِمٌ بَيَانَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ فَإِنَّهُ يَزِيدُ عَلَى مَا سَمِعَهُ مِنْ شَيْخِهِ فقال يعنى بن بِلَالٍ فَحَصَلَ الْبَيَانُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ مَنْسُوبَةٍ إِلَى شَيْخِهِ وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِضَبْطِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَنْسَابِ وَهُوَ بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَالْقَعْنَبِيُّ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدِّهِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ وَمِنْهَا أَنَّ فِيهِ رِوَايَةَ تَابِعِيٍّ عَنْ تَابِعِيٍّ وَهُوَ يَحْيَى عَنْ بُشَيْرٍ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ نَظَائِرُهُ فِي الْحَدِيثِ كَثِيرَةً فَهُوَ مِنْ مَعَارِفِهِمْ وَمِنْهَا قَوْلُهُ عن بعض أصحاب رسول الله مِنْهُمْ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ إِذَا سَمِعَ مِنْ جَمَاعَةٍ ثِقَاتٍ جَازَ أَنْ يَحْذِفَ بَعْضَهُمْ وَيَرْوِيَ عَنْ بَعْضٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا وَتَفْصِيلُهُ مَبْسُوطًا فِي الْفُصُولِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ) الذَّاكِرُ هُوَ الثَّقَفِيُّ الَّذِي هُوَ فِي دَرَجَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ قَدْ يُغْلَطُ فِيهِ بَلْ قَدْ غُلِطَ فِيهِ قَوْلُهُ (غَيْرَ أن إسحاق وبن مثنى جعلا مكان الربا الزبن وقال بن أبى عمر الربا) يعنى

أن بن أبي عمر رفيق إسحاق وبن مُثَنَّى قَالَ فِي رِوَايَتِهِ ذَلِكَ الرِّبَا كَمَا سَبَقَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ وَأَمَّا إسحاق وبن مُثَنَّى فَقَالَا ذَلِكَ الزَّبْنُ وَهُوَ بِفَتْحِ الزَّاي وَإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَهَا نُونٌ وَأَصْلُ الزَّبْنِ الدَّفْعُ وَيُسَمَّى هَذَا الْعَقْدُ مُزَابَنَةً لِأَنَّهُمْ يَتَدَافَعُونَ فِي مُخَاصَمَتِهِمْ بِسَبَبِهِ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ وَالْخَطَرِ قَوْلُهُ (مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ) بِالْحَاءِ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مولى بن أَبِي أَحْمَدَ) قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدُ أَبُو سُفْيَانَ هَذَا مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ قَالَ ويقال مولى أبي أحمد وبن أَبِي أَحْمَدَ هُوَ مَوْلًى لِبَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يقال كان له انقطاع إلى بن أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ فَنُسِبَ إِلَى وَلَائِهِمْ وَهُوَ مَدَنِيٌّ ثِقَةٌ [1541] قَوْلُهُ (خَمْسَةُ أَوْسُقٍ) هِيَ جَمْعُ وَسْقٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَيُقَالُ بِكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَيُقَالُ فِي الْجَمْعِ

أيضا أوساق ووسوق قال الهروى كل شئ حَمَلْتَهُ فَقَدْ وَسَقْتَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ الْوَسْقُ ضَمُّ الشَّيْءِ بَعْضِهِ إِلَى بَعْضٍ وَأَمَّا قَدْرُ الْوَسْقِ فَهُوَ سِتُّونَ صَاعًا وَالصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ وَأَمَّا الْعَرَايَا فَوَاحِدَتُهَا عَرِيَّةٌ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ كَمَطِيَّةٍ وَمَطَايَا وَضَحِيَّةٍ وَضَحَايَا مُشْتَقَّةٌ مِنَ التَّعَرِّي وَهُوَ التَّجَرُّدُ لِأَنَّهَا عَرِيَتْ عَنْ حُكْمِ بَاقِي البستان قال الأزهرى والجمهور هي فعلية بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ مِنْ عَرَاهُ يَعْرُوهُ إِذَا أَتَاهُ وَتَرَدَّدَ إِلَيْهِ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَتَرَدَّدُ إِلَيْهَا وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَخَلِّي صَاحِبِهَا الْأَوَّلِ عَنْهَا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ نَخْلِهِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا تُبَاعُ بِخَرْصِهَا) فِيهِ تَحْرِيمُ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَهُوَ الْمُزَابَنَةُ كَمَا فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الزَّبْنِ وَهُوَ الْمُخَاصَمَةُ وَالْمُدَافَعَةُ وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فِي غَيْرِ الْعَرَايَا وَأَنَّهُ رِبًا وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ صَافِيَةٍ وَهِيَ الْمُحَاقَلَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْحَقْلِ وَهُوَ الْحَرْثُ وَمَوْضِعُ الزَّرْعِ وَسَوَاءٌ عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ كَانَ الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ عَلَى الشَّجَرِ أَوْ مَقْطُوعًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِنْ كَانَ مَقْطُوعًا جَازَ بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ مِنَ الْيَابِسِ وَأَمَّا الْعَرَايَا فَهِيَ أَنْ يَخْرُصَ الْخَارِصُ نَخَلَاتٍ فَيَقُولَ هَذَا الرُّطَبُ الَّذِي عَلَيْهَا إِذَا يَبِسَ تَجِيءُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَوْسُقٍ

من التمر مَثَلًا فَيَبِيعُهُ صَاحِبُهُ لِإِنْسَانٍ بِثَلَاثَةِ أَوْسُقِ تَمْرٍ وَيَتَقَابَضَانِ فِي الْمَجْلِسِ فَيُسَلِّمُ الْمُشْتَرِي التَّمْرَ وَيُسَلِّمُ بَائِعُ الرُّطَبِ الرُّطَبَ بِالتَّخْلِيَةِ وَهَذَا جَائِزٌ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَلَا يَجُوزُ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَفِي جَوَازِهِ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ بَيْعِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ وَجَاءَتِ الْعَرَايَا رُخْصَةً وَشَكَّ الرَّاوِي فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَهَا فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِالْيَقِينِ وَهُوَ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَبَقِيَتِ الْخَمْسَةُ عَلَى التَّحْرِيمِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ مِنَ الثِّمَارِ وَفِيهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ وَقَوْلٌ إِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَرِيَّةِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَآخَرُونَ وَتَأَوَّلَهَا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى غَيْرِ هَذَا وظواهر الأحاديث ترد تأويلها قَوْلُهُ (رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِأَحَدِ أَوْجُهِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِالرُّطَبِ عَلَى الْأَرْضِ وَالْأَصَحُّ عند جمهوره بطلانهة وَيَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى أَنَّ أَوْ لِلشَّكِّ لَا لِلتَّخْيِيرِ وَالْإِبَاحَةِ بَلْ مَعْنَاهُ رَخَّصَ فِي بَيْعِهَا بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ وَشَكَّ

(باب من باع نخلا عليها تمر [1543] قوله صلى الله عليه وسلم

فِيهِ الرَّاوِي فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّمْرُ كما صرح به في سائر الروايات (باب من باع نخلا عليها تمر [1543] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ أَبَرْتُ النَّخْلَ آبُرُهُ أَبْرًا بِالتَّخْفِيفِ كَأَكَلْتُهُ أَكْلًا وَأَبَّرْتُهُ بالتشديد أؤبره تَأْبِيرًا كَعَلَّمْتُهُ أُعَلِّمُهُ تَعْلِيمًا وَهُوَ أَنْ يَشُقَّ طلع النخلة ليذر فيه شئ مِنْ طَلْعِ ذَكَرِ النَّخْلِ وَالْإِبَارُ هُوَ شَقُّهُ)

سواء حط فيه شيء أولا وَلَوْ تَأَبَّرَتْ بِنَفْسِهَا أَيْ تَشَقَّقَتْ فَحُكْمُهَا فِي الْبَيْعِ حُكْمُ الْمُؤَبَّرَةِ بِفِعْلِ الْآدَمِيِّ هَذَا مَذْهَبُنَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْإِبَارِ لِلنَّخْلِ وَغَيْرِهِ مِنَ الثِّمَارِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ بَيْعِ النَّخْلِ الْمَبِيعَةِ بَعْدَ التَّأْبِيرِ وَقَبْلَهُ هَلْ تَدْخُلُ فِيهَا الثَّمَرَةُ عِنْدَ إِطْلَاقِ بَيْعِ النَّخْلَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلثَّمَرَةِ بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَاتٍ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالْأَكْثَرُونَ إِنْ بَاعَ النَّخْلَةَ بَعْدَ التَّأْبِيرِ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْتُ النَّخْلَةَ بِثَمَرَتِهَا هَذِهِ وَإِنْ بَاعَهَا قَبْلَ التَّأْبِيرِ فَثَمَرَتُهَا لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ شَرَطَهَا الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ جَازَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ شَرْطُهَا لِلْبَائِعِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ لِلْبَائِعِ قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَبَعْدَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وقال بن أَبِي لَيْلَى هِيَ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَبَعْدَهُ فَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ فَأَخَذُوا فِي الْمُؤَبَّرَةِ بِمَنْطُوقِ الْحَدِيثِ وَفِي غَيْرِهَا بِمَفْهُومِهِ وَهُوَ دَلِيلُ الْخِطَابِ وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَهُمْ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَأَخَذَ بِمَنْطُوقِهِ فِي الْمُؤَبَّرَةِ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ فَأَلْحَقَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ بِالْمُؤَبَّرَةِ وَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ يُخَالِفُ الْمُسْتَتِرَ فِي بَيْعِ حُكْمِ التَّبَعِيَّةِ فِي الْبَيْعِ كَمَا أَنَّ الْجَنِيَنَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْبَيْعِ وَلَا يَتْبَعُهَا الْوَلَدُ الْمُنْفَصِلُ وأما بن أَبِي لَيْلَى فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ مَنَابِذٌ لِصَرِيحِ السُّنَّةِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحُكْمَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رواية سالم عن أبيه عن بن عُمَرَ وَلَمْ تَقَعْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي حَدِيثِ نافع عن بن عُمَرَ وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ فَسَالِمٌ ثِقَةٌ بَلْ هُوَ أَجَلُّ مِنْ نَافِعٍ فَزِيَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ وَقَدْ أَشَارَ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ إِلَى تَرْجِيحِ رِوَايَةِ نَافِعٍ وَهَذِهِ إِشَارَةٌ مَرْدُودَةٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَالِكٍ وَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْقَدِيمِ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ مَالًا مَلَكَهُ لَكِنَّهُ إِذَا بَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ

(باب النهي عن المحاقلة والمزابنة عن المخابرة وبيع

مَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ شَيْئًا أَصْلًا وَتَأَوَّلَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ فِي يد العبد شئ مِنْ مَالِ السَّيِّدِ فَأُضِيفَ ذَلِكَ الْمَالُ إِلَى الْعَبْدِ لِلِاخْتِصَاصِ وَالِانْتِفَاعِ لَا لِلْمِلْكِ كَمَا يُقَالُ جُلُّ الدَّابَّةِ وَسَرْجُ الْفَرَسِ وَإِلَّا فَإِذَا بَاعَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ فَذَلِكَ الْمَالُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فَيَصِحُّ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ بَاعَ شَيْئَيْنِ الْعَبْدَ وَالْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ قَالَا وَيُشْتَرَطُ الِاحْتِرَازُ مِنَ الرِّبَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْعَبْدِ وَتِلْكَ الدَّرَاهِمِ بِدَرَاهِمَ فَكَذَا إِنْ كَانَ دَنَانِيرَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا بِذَهَبٍ وَإِنْ كَانَ حِنْطَةً لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا بِحِنْطَةٍ وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ وَالثَّمَنُ دَرَاهِمُ وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ قَالَ وَكَأَنَّهُ لَا حِصَّةَ لِلْمَالِ مِنَ الثَّمَنِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِلْأَصَحِّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إِذَا بَاعَ الْعَبْدَ أَوِ الْجَارِيَةَ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ بَلْ تَكُونُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ لِأَنَّهُ مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَدْخُلُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَدْخُلُ سَاتِرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ سَاتِرُ الْعَوْرَةِ وَلَا غَيْرُهُ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ اسْمَ الْعَبْدِ لَا يَتَنَاوَلُ الثِّيَابَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب النَّهْيِ عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ عن الْمُخَابَرَةِ وَبَيْعِ الثَّمَرَةِ (قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَعَنْ بَيْعِ الْمُعَاوَمَةِ وَهُوَ بَيْعُ السِّنِينَ) أَمَّا الْمُحَاقَلَةُ وَالْمُزَابَنَةُ وَبَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا فَسَبَقَ بَيَانُهَا فِي الْبَابِ الْمَاضِي وَأَمَّا الْمُخَابَرَةُ فَهِيَ)

وَالْمُزَارَعَةُ مُتَقَارِبَتَانِ وَهُمَا الْمُعَامَلَةُ عَلَى الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنَ الزَّرْعِ كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَجْزَاءِ الْمَعْلُومَةِ لَكِنْ فِي الْمُزَارَعَةِ يَكُونُ الْبَذْرُ مِنْ مَالِكِ الْأَرْضِ وَفِي الْمُخَابَرَةِ يَكُونُ الْبَذْرُ مِنَ الْعَامِلِ هَكَذَا قَالَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرُهُمْ هُمَا بِمَعْنًى قَالُوا وَالْمُخَابَرَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْخَبَرِ وَهُوَ الْأَكَّارُ أَيِ الْفَلَّاحُ هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْخِبَارِ وَهِيَ الْأَرْضُ اللَّيِّنَةُ وَقِيلَ مِنَ الْخُبْرَةِ وَهِيَ النَّصِيبُ وَهِيَ بِضَمِّ الْخَاءِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هِيَ النَّصِيبُ مِنْ سَمَكٍ أَوْ لَحْمٍ يُقَالُ تَخَبَّرُوا خُبْرَةً إِذَا اشْتَرَوْا شَاةً فَذَبَحُوهَا وَاقْتَسَمُوا لَحْمَهَا وقال بن الْأَعْرَابِيِّ مَأْخُوذَةٌ مِنْ خَيْبَرَ لِأَنَّ أَوَّلَ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ كَانَ فِيهَا وَفِي صِحَّةِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُخَابَرَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ لِلسَّلَفِ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي بَابٍ بَعْدَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْمُعَاوَمَةِ وَهُوَ بَيْعُ السِّنِينَ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ الشَّجَرَةِ عَامَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ فَيُسَمَّى بَيْعُ الْمُعَاوَمَةِ وَبَيْعُ السِّنِينَ وَهُوَ باطل بالإجماع نقل الإجماع فيه بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّهُ بَيْعُ غَرَرٍ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَعْدُومٍ وَمَجْهُولٍ غَيْرِ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَغَيْرِ مَمْلُوكٍ لِلْعَاقِدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1536] قَوْلُهُ (نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَلَا يُبَاعُ إِلَّا بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ إِلَّا الْعَرَايَا) مَعْنَاهُ لَا يُبَاعُ الرُّطَبُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ بِتَمْرٍ بَلْ يُبَاعُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَغَيْرِهِمَا وَالْمُمْتَنِعُ إِنَّمَا هُوَ بَيْعُهُ

بِالتَّمْرِ إِلَّا الْعَرَايَا فَيَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ فِيهَا بِالتَّمْرِ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ فِي بَابِهِ قَوْلُهُ (نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُطْعِمَ) هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ يَبْدُو صَلَاحُهَا وَتَصِيرُ طعاما يطيب أكلها قوله (نهى وأن يُشْتَرَى النَّخْلُ حَتَّى يَشْقَهَ وَالْإشْقَاهُ أَنْ يَحْمَرَّ أَوْ يَصْفَرَّ) وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى تُشْقِحَ بِالْحَاءِ هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ فِيهِمَا وَتَخْفِيفِ الْقَافِ وَمِنْهُمْ مَنْ فَتَحَ الشِّينَ فِي تَشْقَهُ وَهُمَا جَائِزَانِ تَشْقَهُ وَتُشْقِحُ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ تَشْقَهُ وَقَالَ الْمَعْرُوفُ بِالْحَاءِ وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُمَا وَقِيلَ إِنَّ الْهَاءَ بَدَلٌ مِنَ الْحَاءِ كَمَا قَالُوا مَدْحَهُ وَمَدْهَهُ وَقَدْ فَسَّرَ الرَّاوِي الْإِشْقَاهَ وَالْإِشْقَاحَ بِالِاحْمِرَارِ وَالِاصْفِرَارِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ حَقِيقَةُ الِاصْفِرَارِ وَالِاحْمِرَارِ بَلْ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ هَذَا

الِاسْمُ إِذَا تَغَيَّرَ يَسِيرًا إِلَى الْحُمْرَةِ أَوِ الصُّفْرَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الشَّقْحَةُ لَوْنٌ غَيْرُ خَالِصِ الْحُمْرَةِ أَوِ الصُّفْرَةِ بَلْ هُوَ تَغَيُّرٌ إِلَيْهِمَا فِي كُمُودَةٍ قَوْلُهُ (سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ) بِفَتْحِ السين وحيان بالمثناة وسعيد بْنُ مِينَاءَ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ قَوْلُهُ (نَهَى عَنِ الثُّنْيَا) هِيَ اسْتِثْنَاءٌ وَالْمُرَادُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْبَيْعِ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ نَهَى عَنِ الثُّنْيَا إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ وَالثُّنْيَا الْمُبْطِلَةُ لِلْبَيْعِ قَوْلُهُ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ إِلَّا بَعْضَهَا وَهَذِهِ الْأَشْجَارَ أَوِ الْأَغْنَامَ أَوِ الثِّيَابَ وَنَحْوَهَا إِلَّا بَعْضَهَا فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولٌ فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الْأَشْجَارَ إِلَّا هَذِهِ الشَّجَرَةَ أَوْ هَذِهِ الشَّجَرَةَ إِلَّا رُبُعَهَا أَوِ الصُّبْرَةَ إِلَّا ثُلُثَهَا أَوْ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ إِلَّا دِرْهَمًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الثُّنْيَا الْمَعْلُومَةِ صَحَّ الْبَيْعُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَلَوْ بَاعَ الصُّبْرَةَ إِلَّا صَاعًا مِنْهَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَصَحَّحَ مَالِكٌ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهَا مَا لَا يَزِيدُ عَلَى ثُلُثِهَا أَمَّا إِذَا بَاعَ ثَمَرَةَ نَخْلَاتٍ فَاسْتَثْنَى مِنْ ثَمَرِهَا عَشَرَةَ آصُعٍ مَثَلًا لِلْبَائِعِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَقَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ يَجُوزُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى قَدْرِ ثُلُثِ الثَّمَرَةِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الْمَكِّيُّ عَنْ جَابِرٍ) وَفِي رواية أخرى سعيد بن ميناء عن جابر قال بن أَبِي حَاتِمٍ أَبُو الْوَلِيدِ هَذَا اسْمُهُ يَسَارٌ قَالَ عَبْدُ الْغَنِيِّ هَذَا غَلَطٌ إِنَّمَا هُوَ سعيد بن مِينَاءَ الْمَذْكُورُ بِاسْمِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقَدْ بينه البخارى في تاريخه

(باب كراء الارض قوله (عن جابر قال نهى رسول الله صلى

(باب كراء الارض قَوْلُهُ (عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ) وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَزْرَعَهَا وَعَجَزَ عَنْهَا فَلْيَمْنَحْهَا أَخَاهُ الْمُسْلِمَ وَلَا يُؤَاجِرْهَا إِيَّاهُ وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعْهَا أَخَاهُ وَلَا يُكْرِهَا وَفِي رِوَايَةٍ نَهَى عَنِ الْمُخَابَرَةِ وَفِي رِوَايَةٍ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعْهَا أَخَاهُ وَلَا تَبِيعُوهَا وَفَسَّرَهُ الرَّاوِي بِالْكِرَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ فَلْيُحْرِثْهَا أَخَاهُ وَإِلَّا فَلْيَدَعْهَا وَفِي رِوَايَةٍ كُنَّا نَأْخُذُ الْأَرْضَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ بِالْمَاذِيَانَاتِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا فَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا فَلْيَمْنَحْهَا أَخَاهُ فَإِنْ لَمْ يَمْنَحْهَا أَخَاهُ فَلْيُمْسِكْهَا وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَهَبْهَا أَوْ لِيُعِرْهَا وَفِي رِوَايَةٍ نَهَى عَنْ بَيْعِ أَرْضٍ بَيْضَاءَ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَفِي رِوَايَةٍ نَهَى عَنِ الحقول)

وَفَسَّرَهُ جَابِرٌ بِكِرَاءِ الْأَرْضِ وَمِثْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ أبى سعيد الخدرى وفي رواية بن عُمَرَ كُنَّا نُكْرِي أَرْضَنَا ثُمَّ تَرَكْنَا ذَلِكَ حِينَ سَمِعْنَا حَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ كُنَّا لَا نَرَى بِالْخَبَرِ بَأْسًا حَتَّى كَانَ عَامَ أَوَّلَ فَزَعَمَ رَافِعٌ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عنه وفي رواية عن نافع أن بن عُمَرَ كَانَ يُكْرِي مَزَارِعَهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ ثُمَّ بَلَغَهُ آخِرَ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يُحَدِّثُ فِيهَا بِنَهْيٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَأَنَا مَعَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ فتركها بن عُمَرَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ سَأَلْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَأَقْبَالِ الْجَدَاوِلِ وَأَشْيَاءَ مِنَ الزَّرْعِ فَيَهْلِكُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا وَيَهْلِكُ هَذَا فَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إِلَّا هَذَا فَلِذَلِكَ زَجَرَ عنه فأما شئ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَفِي رِوَايَةٍ كُنَّا نُكْرِي الْأَرْضَ عَلَى أَنَّ لَنَا هَذِهِ وَلَهُمْ هَذِهِ فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ هَذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ هذه

فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ وَأَمَّا الْوَرِقُ فَلَمْ يَنْهَنَا وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ قَالَ زَعَمَ ثَابِتٌ يَعْنِي بن الضَّحَّاكِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُزَارَعَةِ وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ وَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ أَمَّا الْمَاذِيَانَاتُ فَبِذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فَتْحَ الذَّالِ فِي غَيْرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَهِيَ مَسَايِلُ الْمِيَاهِ وَقِيلَ مَا يَنْبُتُ عَلَى حَافَّتَيْ مَسِيلِ الْمَاءِ وَقِيلَ مَا يَنْبُتُ حَوْلَ السَّوَاقِي وَهِيَ لَفْظَةٌ مُعَرَّبَةٌ لَيْسَتْ عَرَبِيَّةً وَأَمَّا قوله وإقبال فبفتح الهمزة أي أوائلها ورؤسها وَالْجَدَاوِلُ جَمْعُ جَدْوَلٍ وَهُوَ النَّهْرُ الصَّغِيرُ كَالسَّاقِيَةِ وَأَمَّا الرَّبِيعُ فَهُوَ السَّاقِيَةُ الصَّغِيرَةُ وَجَمْعُهُ أَرْبِعَاءُ كَنَبِيٍّ وَأَنْبِيَاءَ وَرِبْعَانُ كَصَبِيٍّ وَصِبْيَانَ وَمَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَدْفَعُونَ الْأَرْضَ إِلَى مَنْ يَزْرَعُهَا بِبَذْرٍ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ مَا يَنْبُتُ عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَأَقْبَالِ الْجَدَاوِلِ أَوْ هَذِهِ الْقِطْعَةِ وَالْبَاقِي لِلْعَامِلِ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ فَرُبَّمَا هَلَكَ هَذَا دُونَ ذَاكَ وَعَكْسُهُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ فَقَالَ طَاوُسٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَا يَجُوزُ بِكُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ أَكْرَاهَا بِطَعَامٍ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ بِجُزْءٍ مِنْ زَرْعِهَا لِإِطْلَاقِ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَكَثِيرُونَ تَجُوزُ إِجَارَتُهَا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَبِالطَّعَامِ وَالثِّيَابِ وَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُزْرَعُ فِيهَا أَمْ مِنْ غَيْرِهِ وَلَكِنْ لَا تَجُوزُ إِجَارَتُهَا بِجُزْءِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَهِيَ الْمُخَابَرَةُ وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَشْتَرِطَ لَهُ زَرْعَ قِطْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَقَالَ رَبِيعَةُ يَجُوزُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَقَطْ وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَغَيْرِهِمَا إِلَّا الطَّعَامَ وَقَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَآخَرُونَ تَجُوزُ إِجَارَتُهَا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَتَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وغيرهما وبهذا قال بن شريح وبن خُزَيْمَةَ وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا وَهُوَ الرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِ الْمُسَاقَاةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا طَاوُسٌ وَالْحَسَنُ فَقَدْ ذَكَرْنَا حُجَّتَهُمَا وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ فَاعْتَمَدُوا بِصَرِيحِ رِوَايَةِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ السَّابِقَيْنِ فِي جَوَازِ الْإِجَارَةِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَنَحْوِهِمَا وَتَأَوَّلُوا أَحَادِيثَ النَّهْيِ تَأْوِيلَيْنِ أَحَدُهُمَا حَمْلُهَا عَلَى إِجَارَتِهَا بِمَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ أَوْ بِزَرْعِ قِطْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا فَسَّرَهُ الرُّوَاةُ فِي هَذِهِ

الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَالثَّانِي حَمْلُهَا عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَالْإِرْشَادِ إِلَى إِعَارَتِهَا كَمَا نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ نَهْيَ تَنْزِيهٍ بَلْ يَتَوَاهَبُونَهُ وَنَحْوَ ذلك وهذان التأولان لابد مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الثَّانِي الْبُخَارِيُّ وغيره ومعناه عن بن عَبَّاسٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أوليزرعها أَخَاهُ) أَيْ يَجْعَلْهَا مَزْرَعَةً لَهُ وَمَعْنَاهُ يُعِيرُهُ إِيَّاهَا بِلَا عِوَضٍ وَهُوَ مَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَلْيَمْنَحْهَا أَخَاهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالنُّونِ أَيْ يَجْعَلُهَا مَنِيحَةً أَيْ عَارِيَةً وَأَمَّا الْكِرَاءُ فَمَمْدُودٌ وَيُكْرِي بِضَمِّ الْيَاءِ قَوْلُهُ (فَتُصِيبُ مِنَ الْقِصْرِيِّ) هُوَ بِقَافٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ صَادٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُشَدَّدَةٍ عَلَى وَزْنِ الْقِبْطِيِّ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ المشهور قال

الْقَاضِي هَكَذَا رُوِّينَاهُ عَنْ أَكْثَرِهِمْ وَعَنِ الطَّبَرِيِّ بفتح القاف والراء مقصور وعن بن الخزاعى بضم

القاف مقصور قال والصواب الأول وهو مَا بَقِيَ مِنَ الْحَبِّ فِي السُّنْبُلِ بَعْدَ الدِّيَاسِ وَيُقَالُ لَهُ الْقُصَارَةُ بِضَمِّ الْقَافِ وَهَذَا الِاسْمُ أَشْهَرُ مِنَ الْقِصْرِيِّ [1547] قَوْلُهُ (كُنَّا لَا نَرَى بِالْخِبْرِ بَأْسًا) ضَبَطْنَاهُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ غَيْرَهُ وَحَكَى الْقَاضِي فِيهِ

الْكَسْرَ وَالْفَتْحَ وَالضَّمَّ وَرَجَّحَ الْكَسْرَ ثُمَّ الْفَتْحَ وَهُوَ بِمَعْنَى الْمُخَابَرَةِ قَوْلُهُ (أَتَاهُ بِالْبَلَاطِ) هُوَ بفتح الباء

مَكَانٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ مُبَلَّطٌ بِالْحِجَارَةِ وَهُوَ بِقُرْبِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله (عن نافع أن بن عُمَرَ كَانَ يَأْخُذُ الْأَرْضَ فَنُبِّئَ حَدِيثًا عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) فَذَكَرُوا فِي آخِرِهِ فَتَرَكَهُ بن عُمَرَ وَلَمْ يَأْخُذْهُ هَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ من النسخ يأخذ بالخاء والدال مِنَ الْأَخْذِ وَفِي كَثِيرٍ مِنْهَا يَأْجُرْ بِالْجِيمِ الْمَضْمُومَةِ وَالرَّاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَالَ الْقَاضِي وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ لِجُمْهُورِ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَالْأَوَّلُ تَصْحِيفٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يُؤَاجِرْ وَهَذَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ (أَنَّ عبد الله بن عمر كان يكرى أرضه) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَرَضِيهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ عَلَى الْجَمْعِ وَفِي بَعْضِهَا أَرْضَهُ على الافراد وكلاهما صحيح

قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي النَّجَاشِيِّ عَنْ رَافِعٍ أَنَّ ظَهِيرَ بْنَ رَافِعٍ وَهُوَ عَمُّهُ قَالَ أَتَانِي ظَهِيرٌ فَقَالَ لَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَتَقْدِيرُهُ عَنْ رَافِعٍ أَنَّ ظَهِيرًا عَمَّهُ حَدَّثَهُ بِحَدِيثٍ قَالَ رَافِعٌ فِي بَيَانِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ أَتَانِي ظَهِيرٌ فَقَالَ لَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا التَّقْدِيرُ دَلَّ عَلَيْهِ فَحْوَى الْكَلَامِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنْبَأَنِي بَدَلَ أَتَانِي وَالصَّوَابُ الْمُنْتَظِمُ أَتَانِي مِنَ الْإِتْيَانِ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (نُؤَاجِرُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى الرَّبِيعِ أَوِ الْأَوْسُقِ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ الربيع وهو السَّاقِيَّةُ وَالنَّهْرُ الصَّغِيرُ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ بن مَاهَانَ الرُّبْعَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَبِحَذْفِ الْيَاءِ وَهُوَ أيضا صحيح

[1550] قَوْلُهُ (إِنَّ مُجَاهِدًا قَالَ لِطَاوُسٍ انْطَلِقْ بِنَا إلى بن رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَاسْمَعْ مِنْهُ الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ) رُوِيَ فَاسْمَعْ بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ مَجْزُومًا عَلَى الْأَمْرِ وَبِقَطْعِهَا مَرْفُوعًا عَلَى الْخَبَرِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَأْخُذُ عَلَيْهَا خَرْجًا) أَيْ أُجْرَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ

كتاب المساقاة والمزارعة [1551] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ

وَفِي رِوَايَةٍ عَلَى أَنْ يَعْتَمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَطْرُ ثَمَرِهَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ جَوَازُ الْمُسَاقَاةِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجَمِيعُ فُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أبو حنيفة لا يجوز وتأويل هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى أَنَّ خَيْبَرَ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَكَانَ أَهْلُهَا عَبِيدًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ وَمَا تَرَكَهُ فَهُوَ لَهُ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِظَوَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُقِرُّكُمْ ما أقركم الله وهذا حديث صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَبِيدًا قَالَ الْقَاضِي وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي خَيْبَرَ هَلْ فُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا أَوْ بِجَلَاءِ أَهْلِهَا عَنْهَا بِغَيْرِ قِتَالٍ أَوْ بَعْضُهَا صُلْحًا وَبَعْضُهَا عَنْوَةً وبعضها جلاء عَنْهُ أَهْلُهُ أَوْ بَعْضُهَا صُلْحًا وَبَعْضُهَا عَنْوَةً قَالَ وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ وَهِيَ رِوَايَةُ مَالِكٍ ومن تابعه وبه قال بن عُيَيْنَةَ قَالَ وَفِي كُلِّ قَوْلٍ أَثَرٌ مَرْوِيٌّ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا وَكَانَتِ الْأَرْضُ حِينَ ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ وَهَذَا يَدُلُّ لِمَنْ قَالَ عَنْوَةً إِذْ حَقُّ الْمُسْلِمِينَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْعَنْوَةِ وَظَاهِرُ قَوْلِ مَنْ قَالَ صُلْحًا أَنَّهُمْ صُولِحُوا عَلَى كَوْنِ الْأَرْضِ لِلْمُسْلِمِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا تَجُوزُ عَلَيْهِ الْمُسَاقَاةُ مِنَ الْأَشْجَارِ فَقَالَ دَاوُدُ يَجُوزُ عَلَى النَّخْلِ خَاصَّةً وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَى النَّخْلِ وَالْعِنَبِ خَاصَّةً وَقَالَ مَالِكٌ تَجُوزُ عَلَى جَمِيعِ الْأَشْجَارِ وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ فَأَمَّا دَاوُدُ فَرَآهَا رُخْصَةً فَلَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَوَافَقَ دَاوُدَ فِي كَوْنِهَا رُخْصَةً لَكِنْ قَالَ حُكْمُ الْعِنَبِ حُكْمُ النَّخْلِ فِي مُعْظَمِ الْأَبْوَابِ وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ سَبَبُ الْجَوَازِ الْحَاجَةُ وَالْمَصْلَحَةُ وَهَذَا يَشْمَلُ الْجَمِيعَ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (بشطر ما يخرج

منها) فيه بَيَانِ الْجُزْءِ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ مِنْ نِصْفٍ أَوْ رُبُعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنَ الْأَجْزَاءِ الْمَعْلُومَةِ فَلَا يجوز على مجهول كقوله على أن لك بَعْضُ الثَّمَرِ وَاتَّفَقَ الْمُجَوِّزُونَ لِلْمُسَاقَاةِ عَلَى جَوَازِهَا بِمَا اتَّفَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَيْهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ قَوْلُهُ (مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ) يَحْتَجُّ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ وَهُمُ الْأَكْثَرُونَ فِي جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ وَإِنْ كَانَتِ الْمُزَارَعَةُ عِنْدَهُمْ لَا تَجُوزُ مُنْفَرِدَةً فَتَجُوزُ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ فَيُسَاقِيهِ عَلَى النَّخْلِ وَيُزَارِعُهُ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا جَرَى فِي خَيْبَرَ وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ لَا مُنْفَرِدَةً وَلَا تَبَعًا إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الْأَرْضِ بَيْنَ الشَّجَرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ الْمُزَارَعَةُ وَالْمُسَاقَاةُ فَاسِدَتَانِ سَوَاءٌ جَمَعَهُمَا أَوْ فرقهما ولو عقدتا فسختا وقال بن أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَسَائِرُ الْكُوفِيِّينَ وفقهاء المحدثين وأحمد وبن خزيمة وبن شُرَيْحٍ وَآخَرُونَ تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ مُجْتَمِعَتَيْنِ وَتَجُوزُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَةً وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ لِحَدِيثِ خَيْبَرَ وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَى كَوْنِ الْمُزَارَعَةِ فِي خَيْبَرَ إِنَّمَا جَازَتْ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ بَلْ جَازَتْ مُسْتَقِلَّةً وَلِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ لِلْمُسَاقَاةِ مَوْجُودٌ فِي الْمُزَارَعَةِ قِيَاسًا عَلَى الْقِرَاضِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ كَالْمُزَارَعَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ مُسْتَمِرُّونَ عَلَى الْعَمَلِ بِالْمُزَارَعَةِ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمُخَابَرَةِ فَسَبَقَ الْجَوَابُ عَنْهَا وَأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إِذَا شَرَطَا لِكُلِّ وَاحِدٍ قطعة معينة من الأرض وقد صنف

بن خُزَيْمَةَ كِتَابًا فِي جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ وَاسْتَقْصَى فِيهِ وَأَجَادَ وَأَجَابَ عَنِ الْأَحَادِيثِ بِالنَّهْيِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُقِرُّكُمْ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا) وَفِي رِوَايَةِ الْمُوَطَّأِ أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَهُوَ عَائِدٌ إِلَى مُدَّةِ الْعَهْدِ وَالْمُرَادُ إِنَّمَا نُمَكِّنُكُمْ مِنَ الْمُقَامِ فِي خَيْبَرَ مَا شِئْنَا ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ إِذَا شِئْنَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَازِمًا عَلَى إِخْرَاجِ الْكُفَّارِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ كَمَا أَمَرَ بِهِ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَكَمَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ وَغَيْرُهُ وَاحْتَجَّ أَهْلُ الظَّاهِرِ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ مُدَّةً مَجْهُولَةً وَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ إِلَّا إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ كَالْإِجَارَةِ وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ على ما ذكرناه وقيل جَازَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ خَاصَّةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ لَنَا إِخْرَاجَكُمْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الْمُسَمَّاةِ وَكَانَتْ سُمِّيَتْ مُدَّةً وَيَكُونُ الْمُرَادُ بَيَانُ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ لَيْسَتْ بِعَقْدٍ دَائِمٍ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ بَلْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ تَنْقَضِي الْمُسَاقَاةُ فَإِنْ شِئْنَا عَقَدْنَا عَقْدًا آخَرَ وَإِنْ شِئْنَا أَخْرَجْنَاكُمْ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إِذَا أَطْلَقَا الْمُسَاقَاةَ اقْتَضَى ذَلِكَ سَنَةً واحدة والله أعلم قَوْلُهُ (عَلَى أَنْ يَعْتَمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) بَيَانٌ لِوَظِيفَةِ عَامِلِ الْمُسَاقَاةِ وَهُوَ أَنَّ عَلَيْهِ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي إِصْلَاحِ الثَّمَرِ وَاسْتِزَادَتِهِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ كَالسَّقْيِ وَتَنْقِيَةِ الْأَنْهَارِ وَإِصْلَاحِ مَنَابِتِ الشَّجَرِ وَتَلْقِيحِهِ وَتَنْحِيَةِ الْحَشِيشِ وَالْقُضْبَانِ عنه وحفظ الثمرة وجذابها وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا مَا يُقْصَدُ بِهِ حِفْظُ الْأَصْلِ وَلَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ كَبِنَاءِ الْحِيطَانِ وَحَفْرِ الْأَنْهَارِ فَعَلَى الْمَالِكِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَهُ كُلَّ سَنَةٍ مِائَةَ وَسْقٍ ثَمَانِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبَيَاضَ الَّذِي كَانَ بِخَيْبَرَ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ الزَّرْعِ أَقَلُّ مِنَ الشَّجَرِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي تُفْتَحُ عَنْوَةً تُقَسَّمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا كَمَا تُقَسَّمُ بَيْنَهُمُ الْغَنِيمَةُ الْمَنْقُولَةُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ خَيْبَرَ بَيْنَهُمْ وقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ يَقِفُهَا الْإِمَامُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَرْضِ سَوَادِ الْعِرَاقِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ يَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ فِي قِسْمَتِهَا أَوْ تَرْكِهَا فِي أَيْدِي مَنْ كَانَتْ لَهُمْ

بِخَرَاجٍ يُوَظِّفُهُ عَلَيْهَا وَتَصِيرُ مِلْكًا لَهُمْ كَأَرْضِ الصُّلْحِ قَوْلُهُ (وَكَانَ الثَّمَرُ يُقْسَمُ عَلَى السُّهْمَانِ فِي نِصْفِ خَيْبَرَ فَيَأْخُذُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُمُسَ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خَيْبَرَ فُتِحَتْ عَنْوَةً لِأَنَّ السُّهْمَانَ كَانَتْ لِلْغَانِمِينَ وَقَوْلُهُ يَأْخُذُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُمُسَ أَيْ يَدْفَعُهُ إِلَى مُسْتَحَقِّهِ وَهُمْ خَمْسَةُ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى واعلموا أن ما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول فَيَأْخُذُ لِنَفْسِهِ خُمُسًا وَاحِدًا مِنَ الْخُمُسِ وَيَصْرِفُ الْأَخْمَاسَ الْبَاقِيَةَ مِنَ الْخُمُسِ إِلَى الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِينَ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ مَعَ أَهْلِ خيبر كانتا برضى الْغَانِمِينَ وَأَهْلِ السُّهْمَانِ وَقَدِ اقْتَسَمَ أَهْلُ السُّهْمَانِ بَيْنَ الْمُسْتَحَقِّينَ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ نَفْسَ الْأَرْضِ حِينَ أَخَذَهَا مِنَ الْيَهُودِ حِينَ أَجْلَاهُمْ عَنْهَا قَوْلُهُ (فَأَجْلَاهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاءَ) هُمَا مَمْدُودَتَانِ وَهُمَا قَرْيَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أن

(باب فضل الغرس والزرع [1552] قوله صلى الله عليه وسلم (ما

مُرَادَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ إِخْرَاجُهُمْ مِنْ بَعْضِهَا وَهُوَ الْحِجَازُ خَاصَّةً لِأَنَّ تَيْمَاءَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْحِجَازِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب فَضْلِ الْغَرْسِ وَالزَّرْعِ [1552] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلَّا كَانَ مَا أَكْلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ وَمَا أَكَلَ السَّبْعُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ وَمَا أَكَلَتِ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ) وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ منه انسان ولا دابة ولا شئ إِلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَضِيلَةُ الْغَرْسِ وَفَضِيلَةُ الزَّرْعِ وَأَنَّ أجر فاعلى ذلك مستمر مادام الْغِرَاسُ وَالزَّرْعُ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَطْيَبِ الْمَكَاسِبِ وَأَفْضَلِهَا فَقِيلَ التِّجَارَةُ وَقِيلَ الصَّنْعَةُ بِالْيَدِ وَقِيلَ الزِّرَاعَةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ بَسَطْتُ إِيضَاحَهُ فِي آخِرِ بَابِ الْأَطْعِمَةِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَيْضًا أَنَّ الثَّوَابَ وَالْأَجْرَ فِي الْآخِرَةِ مُخْتَصٌّ بِالْمُسْلِمِينَ وَأَنَّ الْإِنْسَانَ يُثَابُ عَلَى مَا سُرِقَ مِنْ مَالِهِ أَوْ أَتْلَفَتْهُ دَابَّةٌ أَوْ طَائِرٌ وَنَحْوُهُمَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَرْزَؤُهُ) هُوَ بِرَاءٍ ثُمَّ زَايٍ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ أَيْ يَنْقُصُهُ وَيَأْخُذُ مِنْهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ (عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ مُبَشِّرٍ الْأَنْصَارِيَّةِ فِي نَخْلٍ لَهَا) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ دَخَلَ علي)

أُمِّ مُبَشِّرٍ وَفِي بَعْضِهَا دَخَلَ عَلَى أُمِّ مَعْبَدٍ أَوْ أُمِّ مُبَشِّرٍ قَالَ الْحَافِظُ الْمَعْرُوفُ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ أُمُّ مُبَشِّرٍ بِلَا شَكٍّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ أُمُّ مَعْبَدٍ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَيُقَالُ فِيهَا أَيْضًا أُمُّ بَشِيرٍ فَحَصَلَ أَنَّهَا يُقَالُ لَهَا أُمُّ مُبَشِّرٍ وَأُمُّ مَعْبَدٍ وَأُمُّ بَشِيرٍ قِيلَ اسْمُهَا الْخُلَيْدَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَلَمْ يَصِحَّ وَهِيَ امْرَأَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَسْلَمَتْ وَبَايَعَتْ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ أخبرنى عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسَخِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَالْمَعْرُوفُ فِيهِ أَبُو الزُّبَيْرِ عن جابر

قَوْلُهُ (عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ زَادَ عَمْرٌو فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَمَّارٍ وَأَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَقَالَا عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ) إِلَى آخِرِهِ هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسَخِ مُسْلِمٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا وَأَبُو كُرَيْبٍ بَدَلَ أَبِي بَكْرٍ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُهُمْ الصَّوَابُ أَبُو كُرَيْبٍ لِأَنَّ أَوَّلَ الْإِسْنَادِ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ وَلِأَبِي كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَالرَّاوِي عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ هُوَ أَبُو كُرَيْبٍ لَا أَبُو بَكْرٍ وَهَذَا وَاضِحٌ وَبَيِّنٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أعلم

(باب وضع الجوائح [1554] قوله صلى الله عليه وسلم (لو بعت من

(باب وضع الجوائح [1554] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ فَقُلْنَا لأنس مازهوها قَالَ تَحْمَرُّ وَتَصْفَرُّ أَرَأَيْتُكَ إِنْ مَنْعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيكَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنْ لَمْ يُثْمِرْهَا اللَّهُ فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغُرَمَائِهِ خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الثَّمَرَةِ إِذَا بِيعَتْ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَسَلَّمَهَا الْبَائِعُ إِلَى الْمُشْتَرِي بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ثُمَّ تَلِفَتْ قَبْلَ أَوَانِ الْجُذَاذِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ هَلْ تَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوِ الْمُشْتَرِي فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَآخَرُونَ هِيَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَجِبُ وَضْعُ الْجَائِحَةِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَطَائِفَةٌ هِيَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ وَيَجِبُ وَضْعُ الْجَائِحَةِ وَقَالَ مَالِكٌ إِنْ كَانَتْ دُونَ الثُّلُثِ لَمْ يَجِبْ وَضْعُهَا وَإِنْ كَانَتِ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ وَجَبَ وَضْعُهَا وَكَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ)

بِوَضْعِهَا بِقَوْلِهِ أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا وَلِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْبَاقِيَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَلْزَمُهُ سَقْيُهَا فَكَأَنَّهَا تَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَكَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ وَضْعُهَا بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ عَلَيْهِ وَدَفَعَهُ إِلَى غُرَمَائِهِ فَلَوْ كَانَتْ تُوضَعُ لَمْ يُفْتَقَرْ إِلَى ذَلِكَ وَحَمَلُوا الْأَمْرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَوْ فِيمَا بِيعَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَقَدْ أَشَارَ فِي بَعْضِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا إِلَى شئ مِنْ هَذَا وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ قَوْلِهِ فَكَثُرَ دَيْنُهُ إِلَى آخِرِهِ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا تَلْفِتْ بَعْدَ أَوَانِ الْجُذَاذِ وَتَفْرِيطِ الْمُشْتَرِي فِي تَرْكِهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الشَّجَرِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي قَالُوا وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ لَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتِ الْجَوَائِحُ لَا تُوضَعُ لَكَانَ لَهُمْ طَلَبُ بَقِيَّةِ الدَّيْنِ وَأَجَابَ الْآخَرُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ لَكُمُ الْآنَ إِلَّا هَذَا وَلَا تَحِلُّ لَكُمْ مُطَالَبَتُهُ مادام مُعْسِرًا بَلْ يُنْظَرُ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وفي

الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ التَّعَاوُنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَمُوَاسَاةُ الْمُحْتَاجِ وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَالْحَثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْمُعْسِرَ لَا تَحِلُّ مُطَالَبَتُهُ وَلَا مُلَازَمَتُهُ وَلَا سَجْنُهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وجمهورهم وحكى عن بن شُرَيْحٍ حَبْسُهُ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ وَإِنْ كَانَ قَدْ ثَبَتَ إِعْسَارُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مُلَازَمَتُهُ وَفِيهِ أَنْ يُسَلَّمَ إِلَى الْغُرَمَاءِ جَمِيعُ مَالِ الْمُفْلِسِ مَا لَمْ يَقْضِ دَيْنَهُمْ وَلَا يُتْرَكُ لِلْمُفْلِسِ سِوَى ثِيَابِهِ وَنَحْوِهَا وَهَذَا الْمُفْلِسُ الْمَذْكُورُ قِيلَ هُوَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنْ لَمْ يُثْمِرْهَا اللَّهُ فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا وَهْمٌ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ أَوْ مِنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي حَالِ إِسْمَاعِهِ مُحَمَّدًا لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ حَمْزَةَ سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَفْصُولًا مُبَيَّنًا أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ أَنَسٍ وَهُوَ الصَّوَابُ وَلَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسقط محمد بن عَبَّادٍ كَلَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتَى بِكَلَامِ أَنَسٍ وَجَعَلَهُ مَرْفُوعًا وَهُوَ خَطَأٌ [1554] قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ عَنْ سُفْيَانَ بِهَذَا) أَبُو إِسْحَاقَ هَذَا هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ رَوَى هَذَا الْكِتَابَ عَنْ مُسْلِمٍ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ عَلَا بِرَجُلٍ فَصَارَ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ كَشَيْخِهِ مُسْلِمٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَاحِدٌ فَقَطْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب استحباب الوضع من الدين [1557] قوله (وحدثني غير واحد

(بَاب اسْتِحْبَابِ الْوَضْعِ مِنْ الدَّيْنِ [1557] قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالُوا حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ وَحَدَّثَنِي أَخِي) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ هَذَا أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الْمَقْطُوعَةِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ حَدِيثًا سَبَقَ بَيَانُهَا فِي الْفُصُولِ الْمَذْكُورَةِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ لأن مسلما لم ينكر مَنْ سَمِعَ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ الْقَاضِي إِذَا قَالَ الرَّاوِي حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ أَوْ حَدَّثَنِي الثِّقَةُ أَوْ حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَيْسَ هُوَ مِنَ الْمَقْطُوعِ وَلَا مِنَ الْمُرْسَلِ وَلَا مِنَ الْمُعْضِلِ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الْفَنِّ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ عَنِ الْمَجْهُولِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي هُوَ الصَّوَابُ لَكِنْ كَيْفَ كَانَ فَلَا يُحْتَجُّ بِهَذَا الْمَتْنِ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَلَكِنْ قَدْ ثَبَتَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ فَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ وَلَعَلَّ مُسْلِمًا أَرَادَ بِقَوْلِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ الْبُخَارِيَّ وَغَيْرَهُ وَقَدْ حَدَّثَ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ هَذَا مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَفِي آخِرِ كِتَابِ الْجِهَادِ وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَحْمَد بْنِ يُوسُفَ الْأَزْدِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ وَفِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَفِي هَذَا الْبَابِ قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ رَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ) هَذَا أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الْمَقْطُوعَةِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَيُسَمَّى مُعَلَّقًا وَسَبَقَ فِي التَّيَمُّمِ مِثْلُهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَهَذَا الحديث المذكور هنا متصل عن الليث ورواه الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ هُنَا وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَوْلُهُ (وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الْآخِرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ) أَيْ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ)

الدَّيْنِ وَيَرْفُقَ بِهِ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَالْمُطَالَبَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِمِثْلِ هَذَا وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْتَهِيَ إِلَى الْإِلْحَاحِ وَإِهَانَةِ النَّفْسِ أَوِ الْإِيذَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَحَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالُوا حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ وَحَدَّثَنِي أَخِي قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ هَذَا أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الْمَقْطُوعَةِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ حَدِيثًا سَبَقَ بَيَانُهَا فِي الْفُصُولِ الْمَذْكُورَةِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ لأن مسلما لم ينكر مَنْ سَمِعَ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ الْقَاضِي إِذَا قَالَ الرَّاوِي حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ أَوْ حَدَّثَنِي الثِّقَةُ أَوْ حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَيْسَ هُوَ مِنَ الْمَقْطُوعِ وَلَا مِنَ الْمُرْسَلِ وَلَا مِنَ الْمُعْضِلِ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الْفَنِّ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ عَنِ الْمَجْهُولِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي هُوَ الصَّوَابُ لَكِنْ كَيْفَ كَانَ فَلَا يُحْتَجُّ بِهَذَا الْمَتْنِ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَلَكِنْ قَدْ ثَبَتَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ فَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ وَلَعَلَّ مُسْلِمًا أَرَادَ بِقَوْلِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ الْبُخَارِيَّ وَغَيْرَهُ وَقَدْ حَدَّثَ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ هَذَا مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَفِي آخِرِ كِتَابِ الْجِهَادِ وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَحْمَد بْنِ يُوسُفَ الْأَزْدِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ وَفِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَفِي هَذَا الْبَابِ قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ رَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ هَذَا أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الْمَقْطُوعَةِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَيُسَمَّى مُعَلَّقًا وَسَبَقَ فِي التَّيَمُّمِ مِثْلُهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَهَذَا الحديث المذكور هنا متصل عن الليث ورواه الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ هُنَا وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَوْلُهُ وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الْآخِرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ أَيْ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ الدَّيْنِ وَيَرْفُقَ بِهِ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَالْمُطَالَبَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِمِثْلِ هَذَا وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْتَهِيَ إِلَى الْإِلْحَاحِ وَإِهَانَةِ النَّفْسِ أَوِ الْإِيذَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1558] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيْنَ الْمُتَأَلِّي عَلَى اللَّهِ لَا يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ قَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَهُ) أَيُّ ذَلِكَ أَحَبَّ الْمُتَأَلِّي الْحَالِفُ وَالْأَلْيَةُ الْيَمِينُ وَفِي هَذَا كَرَاهَةُ الْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ الْخَيْرِ وَإِنْكَارُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ خَيْرًا أَنْ يَحْنَثَ فَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ وَفِيهِ الشَّفَاعَةُ إِلَى أَصْحَابِ الْحُقُوقِ وَقَبُولُ الشَّفَاعَةِ فِي الخير قوله (تقاضى بن أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ) مَعْنَى تَقَاضَاهُ طَالَبَهُ به وأراد قضاه وَحَدْرَدٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ فِي الْمَسْجِدِ وَالشَّفَاعَةُ إِلَى صَاحِبِ الْحَقِّ وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ الْخُصُومِ وَحُسْنُ التَّوَسُّطِ بَيْنَهُمْ وَقَبُولُ الشَّفَاعَةِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَجَوَازُ الاشارة واعتمادها قوله فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ قَوْلُهُ (كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ) هُوَ بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ وَإِسْكَانُ الْجِيمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب من أدرك ما باعه عند المشتري وقد أفلس فله

(بَاب مَنْ أَدْرَكَ مَا بَاعَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَقَدْ أَفْلَسَ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ [1559] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ) هَذَا الْإِسْنَادُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو وَعُمَرُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلِهَذَا نَظَائِرُ سَبَقَتْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ) وَفِي رِوَايَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي يُعْدَمُ)

إِذَا وُجِدَ عِنْدَهُ الْمَتَاعُ وَلَمْ يُفَرِّقْهُ أَنَّهُ لِصَاحِبِهِ الَّذِي بَاعَهُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنِ اشْتَرَى سِلْعَةً فَأَفْلَسَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ ثَمَنَهَا وَلَا وَفَاءَ عِنْدَهُ وَكَانَتِ السِّلْعَةُ بَاقِيَةً بِحَالِهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ بَائِعُهَا بِالْخِيَارِ إِنْ شاء بركها وَضَارَبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِثَمَنِهَا وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ فِيهَا بِعَيْنِهَا فِي صُورَةِ الْإِفْلَاسِ وَالْمَوْتِ وَقَالَ أبو حنيفة لا يجوز له الرجوع فيها بَلْ تَتَعَيَّنُ الْمُضَارَبَةُ وَقَالَ مَالِكٌ يَرْجِعُ فِي صُورَةِ الْإِفْلَاسِ وَيُضَارِبُ فِي الْمَوْتِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَعَ حَدِيثِهِ فِي الْمَوْتِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ وَتَأَوَّلَهَا أَبُو حَنِيفَةَ تَأْوِيلَاتٍ ضَعِيفَةً مَرْدُودَةً وَتَعَلَّقَ بِشَيْءٍ يُرْوَى عَنْ علي وبن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْهُمَا قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ

مَهْدِيٍّ قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ ثُمَّ قَالَ وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا فِي الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ شُعْبَةُ بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ وَفِي الثَّانِي سَعِيدٌ بفتح السين المهملة وهو سعيد بن أَبِي عَرُوبَةَ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْجُلُودِيِّ قَالَ ووقع في رواية بن مَاهَانَ فِي الثَّانِي شُعْبَةُ أَيْضًا بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ قَالَ حَجَّاجٌ مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَأُصُولِهِمُ الْمُحَقَّقَةِ قَالَ حَجَّاجٌ مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ الْخُزَاعِيَّ هَذَا اسْمُهُ مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ فَذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ بِكُنْيَتِهِ وَذَكَرَهُ حَجَّاجٌ بِاسْمِهِ وَهَذَا صَحِيحٌ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ وَقَعَ فِي مُعْظَمِ نُسَخِ بِلَادِهِمْ وَلِعَامَّةِ رُوَاتِهِمْ قَالَ حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ فَزَادَ لَفْظَةَ حَدَّثَنَا قَالَ الْقَاضِي وَالصَّوَابُ حَذْفُ لَفْظَةِ حَدَّثَنَا كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ الرُّوَاةِ قَالَ وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُ هَذَا الثَّانِي عَلَى مُوَافَقَةِ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ كَنَّاهُ وحجاج سماه

(باب فضل أنظار المعسر والتجاوز (في الاقتضاء من

(باب فضل أنظار المعسر والتجاوز (في الاقتضاء من الموسر والمعسر) [1560] قَوْلُهُ (كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ) قَالَ اللَّهُ تَجَوَّزُوا عَنْهُ وَفِي رِوَايَةٍ كُنْتُ أَقْبَلُ الْمَيْسُورَ وَأَتَجَاوَزُ عَنِ الْمَعْسُورِ وَفِي رِوَايَةٍ كُنْتُ أُنْظِرُ الْمُعْسِرَ وَأَتَجَوَّزُ فِي السِّكَّةِ أَوْ فِي النَّقْدِ وَفِي رِوَايَةٍ وَكَانَ مِنْ خُلُقِي الْجَوَازُ فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ عَلَى الْمُوسِرِ وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ فَقَوْلُهُ فِتْيَانِي مَعْنَاهُ غِلْمَانِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَالتَّجَاوُزُ وَالتَّجَوُّزُ مَعْنَاهُمَا الْمُسَامَحَةُ فِي الِاقْتِضَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَقَبُولِ مَا فِيهِ نَقْصٌ يَسِيرٌ كَمَا قَالَ وَأَتَجَوَّزُ فِي السِّكَّةِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَضْلُ إِنْظَارِ الْمُعْسِرِ وَالْوَضْعِ عَنْهُ إِمَّا كُلُّ الدَّيْنِ وَإِمَّا بَعْضُهُ مِنْ كَثِيرٍ أَوْ قَلِيلٍ وَفَضْلُ الْمُسَامَحَةِ فِي الِاقْتِضَاءِ وَفِي الِاسْتِيفَاءِ سَوَاءٌ اسْتُوْفِيَ مِنْ مُوسِرٍ أَوْ مُعْسِرٍ وَفَضْلُ الْوَضْعِ من الدين وأنه لا يحتقر شيء مِنْ أَفْعَالِ الْخَيْرِ فَلَعَلَّهُ سَبَبُ السَّعَادَةِ وَالرَّحْمَةِ وَفِيهِ جَوَازُ تَوْكِيلِ الْعَبِيدِ وَالْإِذْنِ لَهُمْ فِي التَّصَرُّفِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ شَرْعُ من قبلنا شرع لنا)

قوله (الْمَيْسُورُ وَالْمَعْسُورُ) أَيْ آخُذُ مَا تَيَسَّرَ وَأُسَامِحُ بِمَا تَعَسَّرَ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ) قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ) ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ وَأَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ هَكَذَا سَمِعْنَاهُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَأَبُو مَسْعُودٍ قَالَ الْحُفَّاظُ هَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا هُوَ مَحْفُوظٌ لِأَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ وَحْدِهِ وَلَيْسَ لِعُقْبَةَ

بْنِ عَامِرٍ فِيهِ رِوَايَةٌ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْوَهْمُ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ مِنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ قال وصوابه عقبة بن عمر وأبو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ كَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُ أَبِي مَالِكٍ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ وَتَابَعَهُمْ نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ وَمَنْصُورٌ وَغَيْرُهُمْ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ فَقَالُوا فِي آخِرِ الحديث فقال

(باب تحريم مطل الغني وصحة الحوالة واستحباب قبولها

عقبة بن عمر وأبو مَسْعُودٍ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثَ مَنْصُورٍ وَنُعَيْمٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ) كُرَبِ بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ جَمْعُ كُرْبَةٍ وَمَعْنَى يُنَفِّسُ أَيْ يَمُدُّ وَيُؤَخِّرُ الْمُطَالَبَةَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ يُفَرِّجُ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب تَحْرِيمِ مَطْلِ الْغَنِيِّ وَصِحَّةِ الْحَوَالَةِ واستحباب قبولها (اذا أحيل على ملئ) [1564] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ) قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ الْمَطْلُ مَنْعُ قَضَاءِ مَا اسْتُحِقَّ أَدَاؤُهُ فَمَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَحَرَامٌ وَمَطْلُ غَيْرِ الْغَنِيِّ لَيْسَ بِظُلْمٍ وَلَا حَرَامٍ لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مُتَمَكِّنًا مِنَ الْأَدَاءِ لِغَيْبَةِ الْمَالِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ جَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ إِلَى الْإِمْكَانِ وَهَذَا مَخْصُوصٌ مِنْ مَطْلِ الْغَنِيِّ أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْغَنِيِّ الْمُتَمَكِّنُ مِنَ الْأَدَاءِ فَلَا يَدْخُلُ هَذَا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَفِيهِ دَلَالَةٌ لمذهب مالك والشافعى والجمهور أن المعسر لايحل حَبْسُهُ وَلَا مُلَازَمَتُهُ وَلَا مُطَالَبَتُهُ حَتَّى يُوسِرَ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْمُفْلِسِ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُمْ فِي أَنَّ الْمُمَاطِلَ هَلْ يَفْسُقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِمَطْلِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً أَمْ لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ حَتَّى يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ وَيَصِيرَ عَادَةً وَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا اشْتِرَاطُ التَّكْرَارِ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ اللَّيُّ بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهُوَ الْمَطْلُ وَالْوَاجِدُ بِالْجِيمِ الْمُوسِرُ قَالَ الْعُلَمَاءُ يُحِلُّ عِرْضَهُ بِأَنْ يَقُولَ ظَلَمَنِي وَمَطَلَنِي وَعُقُوبَتُهُ الْحَبْسُ وَالتَّعْزِيرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)

(باب تحريم بيع فضل الماء الذى يكون بالفلاة ويحتاج

(وإذا اتبع أحدكم على ملئ فَلْيَتْبَعْ) هُوَ بِإِسْكَانِ التَّاءِ فِي أُتْبِع وَفِي فَلْيَتْبَعْ مِثْلَ أَخْرَجَ فَلْيَخْرُجْ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ وَالْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَكُتُبِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَنَقَلَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ يُشَدِّدُهَا فِي الْكَلِمَةِ الثَّانِيَةِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَمَعْنَاهُ وَإِذَا أُحِيلَ بِالدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى مُوسِرٍ فَلْيَحْتَلْ يُقَالُ مِنْهُ تَبِعْتُ الرجل لحقى أتبعه تباعه فأنا تبع وإذا طَلَبْتُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ لَا تَجِدُوا لكم علينا به تبيعا ثُمَّ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ إِذَا أُحِيلَ على ملى اسْتُحِبَّ لَهُ قَبُولُ الْحَوَالَةِ وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى النَّدْبِ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْقَبُولُ مُبَاحٌ لَا مَنْدُوبٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَاجِبٌ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ وَغَيْرِهِ (بَاب تَحْرِيمِ بَيْعِ فضل الماء الذى يكون بالفلاة ويحتاج إليه (لرعى الكلأ وتحريم منع بذله وتحريم بيع ضراب الفحل) [1565] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ بَيْعِ ضِرَابِ الْجَمَلِ وَعَنْ بَيْعِ الْمَاءِ وَالْأَرْضِ لِتُحْرَثَ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُبَاعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُبَاعَ بِهِ الْكَلَأُ أَمَّا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهَا الْكَلَأُ فَمَعْنَاهُ أَنْ تَكُونَ لِإِنْسَانٍ بِئْرٌ مَمْلُوكَةٌ لَهُ بِالْفَلَاةِ وَفِيهَا مَاءٌ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهِ وَيَكُونَ هُنَاكَ كَلَأٌ)

لَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ إِلَّا هَذِهِ فَلَا يُمْكِنُ أَصْحَابُ الْمَوَاشِي رَعْيَهُ إِلَّا إِذَا حَصَلَ لَهُمُ السَّقْيُ مِنْ هَذِهِ الْبِئْرِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَنْعُ فضل هذا الماء للماشية ويجب بذله لها بِلَا عِوَضٍ لِأَنَّهُ إِذَا مَنْعَ بَذْلَهُ امْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ رَعْيِ ذَلِكَ الْكَلَأِ خَوْفًا عَلَى مَوَاشِيهِمْ مِنَ الْعَطَشِ وَيَكُونُ بِمَنْعِهِ الْمَاءَ مَانِعًا مِنْ رَعْيِ الْكَلَأِ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُولَى نَهَى عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى هَذِهِ الثَّانِيَةِ الَّتِي فِيهَا لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فِي غَيْرِهِ وَيَكُونُ نَهْيَ تَنْزِيهٍ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجِبُ بَذْلُ فَضْلِ الْمَاءِ بِالْفَلَاةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ بِشُرُوطٍ أَحَدُهَا أَنْ لَا يَكُونَ مَاءٌ آخَرُ يُسْتَغْنَى بِهِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْبَذْلُ لِحَاجَةِ الْمَاشِيَةِ لَا لِسَقْيِ الزَّرْعِ وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يَكُونَ مَالِكُهُ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ وَاعْلَمْ أن المذهب الصحيح أن من تبع فِي مِلْكِهِ مَاءٌ صَارَ مَمْلُوكًا لَهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يَمْلِكُهُ أَمَّا إِذَا أَخْذَ الْمَاءَ فِي إِنَاءٍ مِنَ الْمَاءِ الْمُبَاحِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُهُمُ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يَمْلِكُهُ بَلْ يَكُونُ أَخَصَّ بِهِ وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا يُبَاعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُبَاعَ بِهِ الْكَلَأُ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فَضْلُ مَاءٍ بِالْفَلَاةِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهُنَاكَ كَلَأٌ لَا يُمْكِنُ رَعْيُهُ إِلَّا إِذَا تَمَكَّنُوا مِنْ سَقْيِ الْمَاشِيَةِ مِنْ هَذَا الْمَاءِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ هَذَا الْمَاءِ لِلْمَاشِيَةِ بِلَا عِوَضٍ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ إِذَا بَاعَهُ كَأَنَّهُ بَاعَ الْكَلَأَ الْمُبَاحَ لِلنَّاسِ كُلِّهِمُ الَّذِي لَيْسَ مَمْلُوكًا لِهَذَا الْبَائِعِ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَ الْمَاشِيَةِ لَمْ يَبْذُلُوا الثَّمَنَ فِي الْمَاءِ لِمُجَرَّدِ إِرَادَةِ الْمَاءِ بَلْ لِيَتَوَصَّلُوا بِهِ إِلَى رَعْيِ الْكَلَأِ فَمَقْصُودُهُمْ تَحْصِيلُ الْكَلَأِ فَصَارَ بِبَيْعِ الْمَاءِ كَأَنَّهُ بَاعَ الْكَلَأَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْكَلَأُ مَهْمُوزٌ مَقْصُورٌ هُوَ النَّبَاتُ سَوَاءٌ كَانَ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا وَأَمَّا الْحَشِيشُ وَالْهَشِيمُ فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْيَابِسِ وَأَمَّا الْخَلَى فَمَقْصُورٌ غَيْرُ مَهْمُوزٍ وَالْعُشْبُ مُخْتَصٌّ بِالرَّطْبِ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الرُّطْبُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ قَوْلُهُ (نَهَى عَنْ بَيْعِ الْأَرْضِ لِتُحْرَثَ) مَعْنَاهُ نَهَى عَنْ إِجَارَتِهَا لِلزَّرْعِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي بَابِ كِرَاءِ الْأَرْضِ وَذَكَرْنَا أَنَّ الْجُمْهُورَ يُجَوِّزُونَ إِجَارَتَهَا بِالدَّرَاهِمِ وَالثِّيَابِ وَنَحْوِهَا وَيَتَأَوَّلُونَ النَّهْيَ تَأْوِيلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لِيَعْتَادُوا إِعَارَتَهَا وَإِرْفَاقَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَالثَّانِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى إِجَارَتِهَا عَلَى أَنْ يكون

لِمَالِكِهَا قِطْعَةٌ مُعَيَّنَةٌ مِنَ الزَّرْعِ وَحَمَلَهُ الْقَائِلُونَ بِمَنْعِ الْمُزَارَعَةِ عَلَى إِجَارَتِهَا بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ منها والله أعلم قَوْلُهُ (نَهَى عَنْ ضِرَابِ الْجَمَلِ) مَعْنَاهُ عَنْ أُجْرَةِ ضِرَابِهِ وَهُوَ عَسْبُ الْفَحْلِ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إِجَارَةِ الْفَحْلِ وَغَيْرِهِ مِنَ الدَّوَابِّ لِلضِّرَابِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَآخَرُونَ اسْتِئْجَارُهُ لِذَلِكَ بَاطِلٌ وَحَرَامٌ وَلَا يُسْتَحَقُّ فِيهِ عِوَضٌ وَلَوْ أَنْزَاهُ الْمُسْتَأْجِرُ لَا يَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى مِنْ أجره ولا أجرة مثل ولا شئ مِنَ الْأَمْوَالِ قَالُوا لِأَنَّهُ غَرَرٌ مَجْهُولٌ وَغَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَالِكٌ وَآخَرُونَ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ لِضِرَابِ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَوْ لِضَرَبَاتٍ مَعْلُومَةٍ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إليه وهي مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ وَحَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ وَالْحَثِّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ كَمَا حَمَلُوا عَلَيْهِ مَا قَرَنَهُ بِهِ مِنَ النَّهْيِ عَنْ إِجَارَةِ الْأَرْضِ والله أعلم

(باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي

(بَاب تَحْرِيمِ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ (وَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ السِّنَّوْرِ) [1567] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ شَرُّ الْكَسْبِ مَهْرُ الْبَغِيِّ وَثَمَنُ الْكَلْبِ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ وَفِي رِوَايَةٍ ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ فَقَالَ زَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ أَمَّا مَهْرُ الْبَغِيِّ فهو ما تأخذه الزانية على الزنى وَسَمَّاهُ مَهْرًا لِكَوْنِهِ عَلَى صُورَتِهِ وَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا حُلْوَانُ الْكَاهِنِ فَهُوَ مَا يُعْطَاهُ عَلَى كِهَانَتِهِ يُقَالُ مِنْهُ حَلَوْتُهُ حُلْوَانًا إِذَا أَعْطَيْتُهُ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَصْلُهُ مِنَ الحلاوة شبه بالشئ الْحُلْوِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَأْخُذُهُ سَهْلًا بِلَا كُلْفَةٍ وَلَا فِي مُقَابَلَةِ مَشَقَّةٍ يُقَالُ حَلَوْتُهُ إِذَا أَطْعَمْتُهُ الْحُلْوَ كَمَا يُقَالُ عَسَلْتُهُ إِذَا أَطْعَمْتُهُ الْعَسَلَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَيُطْلَقُ الْحُلْوَانُ أَيْضًا عَلَى غَيْرِ هَذَا وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مَهْرَ ابْنَتِهِ لِنَفْسِهِ وَذَلِكَ عَيْبٌ عِنْدَ النِّسَاءِ قَالَتِ امْرَأَةٌ تَمْدَحُ زَوْجَهَا لَا يَأْخُذُ الْحُلْوَانَ عَنْ بَنَاتِنَا قَالَ الْبَغَوِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْقَاضِي عِيَاضٌ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ حُلْوَانِ الْكَاهِنِ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ مُحَرَّمٍ وَلِأَنَّهُ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ أُجْرَةِ الْمُغَنِّيَةِ لِلْغِنَاءِ وَالنَّائِحَةِ لِلنَّوْحِ وَأَمَّا الَّذِي جَاءَ فِي غَيْرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنَ النَّهْيِ عَنْ كسب الاماء فالمراد به كسبهن بالزنى وَشِبْهِهِ لَا بِالْغَزْلِ وَالْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهِمَا وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قال بن الْأَعْرَابِيِّ وَيُقَالُ حُلْوَانُ الْكَاهِنِ الشِّنْعُ وَالصِّهْمِيمُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَحُلْوَانُ الْعَرَّافِ أَيْضًا حَرَامٌ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَاهِنِ وَالْعَرَّافِ أَنَّ الْكَاهِنَ إِنَّمَا يَتَعَاطَى الْأَخْبَارَ عَنِ الْكَائِنَاتِ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ وَيَدَّعِي معرفة الأسرار)

والعراف هو الذى يدعى معرفة الشئ الْمَسْرُوقِ وَمَكَانِ الضَّالَّةِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الْأُمُورِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ ثُمَّ ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْكِتَابِ أَبْسَطَ مِنْ هَذَا فَقَالَ إِنَّ الْكَاهِنَ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي مُطَالَعَةَ عِلْمِ الْغَيْبِ وَيُخْبِرُ النَّاسَ عَنِ الْكَوَائِنِ قَالَ وَكَانَ فِي الْعَرَبِ كَهَنَةٌ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ رُفَقَاءَ مِنَ الْجِنِّ وَتَابِعَةٌ تُلْقِي إِلَيْهِ الْأَخْبَارَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ يَسْتَدِرْكُ الْأُمُورَ بِفَهْمٍ أُعْطِيَهُ وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يُسَمَّى عَرَّافًا وَهُوَ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ يَعْرِفُ الْأُمُورَ بِمُقَدِّمَاتِ أَسْبَابٍ يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى مواقعها كالشئ يُسْرَقُ فَيَعْرِفُ الْمَظْنُونَ بِهِ السَّرِقَةُ وَتُتَّهَمُ الْمَرْأَةُ بِالرِّيبَةِ فَيَعْرِفُ مَنْ صَاحِبُهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُسَمِّي الْمُنَجِّمَ كَاهِنًا قَالَ وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِ الْكُهَّانِ يَشْتَمِلُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ وَعَلَى النَّهْيِ عَنْ تَصْدِيقِهِمْ وَالرُّجُوعِ إِلَى قَوْلِهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَدْعُو الطَّبِيبَ كَاهِنًا وَرُبَّمَا سَمَّوْهُ عَرَّافًا فَهَذَا غَيْرُ دَاخِلٍ فِي النَّهْيِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي آخِرِ كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَيَمْنَعُ الْمُحْتِسَبُ مَنْ يَكْتَسِبُ بِالْكِهَانَةِ وَاللَّهْوِ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ الْآخِذَ وَالْمُعْطِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَكَوْنِهِ مِنْ شَرِّ الْكَسْبِ وَكَوْنِهِ خَبِيثًا فَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِهِ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا يَحِلُّ ثَمَنُهُ وَلَا قِيمَةَ عَلَى مُتْلِفِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُعَلَّمًا أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ أَمْ لَا وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَرَبِيعَةُ

والأوزاعى والحكم وحماد والشافعى وأحمد وداود وبن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ بَيْعُ الْكِلَابِ الَّتِي فِيهَا مَنْفَعَةٌ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى متلفها وحكى بن الْمُنْذِرِ عَنْ جَابِرٍ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ جَوَازَ بَيْعِ كَلْبِ الصَّيْدِ دُونَ غَيْرِهِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَاتٌ إِحْدَاهَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَكِنْ تَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى مُتْلِفِهِ وَالثَّانِيَةُ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ وَالثَّالِثَةُ لَا يَصِحُّ وَلَا تَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى مُتْلِفِهِ دَلِيلُ الْجُمْهُورِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي النَّهْيِ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ إِلَّا كلب صيد وفي رواية الا كلبا ضاريا وَأَنَّ عُثْمَانَ غَرَّمَ إِنْسَانًا ثَمَنَ كَلْبٍ قَتَلَهُ عشرين بعيرا وعن بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ التَّغْرِيمُ فِي إِتْلَافِهِ فَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَأَمَّا كَسْبُ الْحَجَّامِ وَكَوْنُهُ خَبِيثًا وَمِنْ شَرِّ الْكَسْبِ فَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ بِتَحْرِيمِهِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لَا يَحْرُمُ كَسْبُ الْحَجَّامِ وَلَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ لَا عَلَى الْحُرِّ وَلَا عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ بِهَا فُقَهَاءُ الْمُحَدِّثِينَ يَحْرُمُ عَلَى الْحُرِّ دُونَ الْعَبْدِ وَاعْتَمَدُوا هذه الأحاديث وشبهها واحتج الجمهور بحديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ قَالُوا وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَمَلُوا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي فِي النهى على التنزيه والارتفاع عن دنئ الْأَكْسَابِ وَالْحَثِّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَعَالِي الْأُمُورِ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُفَرَّقْ فِيهِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يطعم عبده مالا يَحِلُّ وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ فَهُوَ محمول على أنه لا ينفع أو عَلَى أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ حَتَّى يَعْتَادَ النَّاسُ هِبَتَهُ وَإِعَارَتَهُ وَالسَّمَاحَةَ بِهِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْفَعُ وَبَاعَهُ صَحَّ الْبَيْعُ وَكَانَ ثَمَنُهُ حَلَالًا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ

(باب الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخه وبيان تحريم

العلماء كافة الا ما حكى بن الْمُنْذِرِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الْمُعْتَمَدُ وَأَمَّا ما ذكره الخطابى وأبو عمرو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي النَّهْيِ عَنْهُ ضَعِيفٌ فَلَيْسَ كَمَا قَالَا بَلِ الحديث صحيح رواه مسلم وغيره وقول بن عَبْدِ الْبَرِّ إِنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ غَلَطٌ مِنْهُ أَيْضًا لِأَنَّ مُسْلِمًا قَدْ رَوَاهُ فِي صَحِيحِهِ كما تروى مِنْ رِوَايَةِ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ فَهَذَانِ ثِقَتَانِ رَوَيَاهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَهُوَ ثِقَةٌ أَيْضًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ وَبَيَانِ نَسْخِهِ وَبَيَانِ تَحْرِيمِ اقْتِنَائِهَا (إِلَّا لِصَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ) [1570] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ) وَفِي رِوَايَةٍ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ فَأَرْسَلَ فِي أَقْطَارِ الْمَدِينَةِ أَنْ تُقْتَلَ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ فَتُتُبِّعَتْ فِي الْمَدِينَةِ وَأَطْرَافِهَا فَلَا نَدَعُ كَلْبًا إِلَّا قَتَلْنَاهُ حَتَّى إِنَّا لَنَقْتُلُ كَلْبَ الْمِرْيَةِ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يَتْبَعُهَا وَفِي رِوَايَةٍ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ أَوْ مَاشِيَةٍ فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ أَوْ كلب زرع فقال بن عُمَرَ إِنَّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ زَرْعًا وَفِي رِوَايَةِ جَابِرٍ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ حَتَّى ان المرأة تقدم من البادية بكلبها فتقتله ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهَا)

وَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ فَإِنَّهُ شيطان وفي رواية بن الْمُفضَّلِ قَالَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ثُمَّ قَالَ مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَكَلْبِ الْغَنَمِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فِي كلب الغنم والصيد والزرع وفي حديث بن عُمَرَ مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارٍ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ وَفِي رِوَايَةٍ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلَا مَاشِيَةٍ ولا أرض فإنه ينقص من أجره قيرطان كُلَّ يَوْمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ انْتُقِصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَا يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلَا ضَرْعًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى قتل الكلب الكلب والكلب العقور واختلفوا في قتل مالا ضَرَرَ فِيهِ فَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلًا بِقَتْلِهَا كُلِّهَا ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَنُهِيَ عَنْ قَتْلِهَا إِلَّا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ ثُمَّ اسْتَقَرَّ الشَّرْعُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ جَمِيعِ الْكِلَابِ الَّتِي لَا ضَرَرَ فِيهَا سَوَاءٌ الْأَسْوَدُ وَغَيْرُهُ وَيَسْتَدِلُّ لما ذكره بحديث بن الْمُغَفَّلِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى الْأَخْذِ بِالْحَدِيثِ فِي قَتْلِ الْكِلَابِ إِلَّا مَا اسْتَثْنَى مِنْ كَلْبِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ قَالَ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ قَالَ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا هَلْ كَلْبُ الصَّيْدِ وَنَحْوُهُ مَنْسُوخٌ مِنَ الْعُمُومِ الْأَوَّلِ فِي الْحُكْمِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ وَأَنَّ الْقَتْلَ كَانَ عَامًّا فِي الْجَمِيعِ أَمْ كَانَ مَخْصُوصًا بِمَا سِوَى ذَلِكَ قَالَ وَذَهَبَ آخرون إلى جواز اتخاذ جميعها الْبَهِيمَ قَالَ الْقَاضِي وَعِنْدِي أَنَّ النَّهْيَ أَوَّلًا كَانَ نَهْيًا عَامًّا عَنِ اقْتِنَاءِ جَمِيعِهَا وَأَمَرَ بِقَتْلِ جَمِيعِهَا ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلِهَا مَا سِوَى الْأَسْوَدِ وَمَنَعَ الِاقْتِنَاءَ فِي جَمِيعِهَا إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي

هو ظاهر الأحاديث ويكون حديث بن الْمُغَفَّلِ مَخْصُوصًا بِمَا سِوَى الْأَسْوَدِ لِأَنَّهُ عَامٌّ فَيُخَصُّ مِنْهُ الْأَسْوَدُ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ وَأَمَّا اقْتِنَاءُ الْكِلَابِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ بِغَيْرِ حَاجَةٍ وَيَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ لِلصَّيْدِ وَلِلزَّرْعِ وَلِلْمَاشِيَةِ وَهَلْ يَجُوزُ لِحِفْظِ الدُّورِ وَالدُّرُوبِ وَنَحْوِهَا فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ لِظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ فَإِنَّهَا مُصَرِّحَةٌ بِالنَّهْيِ إِلَّا لِزَرْعٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ وَأَصَحُّهَا يَجُوزُ قِيَاسًا عَلَى الثَّلَاثَةِ عَمَلًا بِالْعِلَّةِ الْمَفْهُومَةِ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَهِيَ الْحَاجَةُ وَهَلْ يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْجَرْوِ وَتَرْبِيَتُهُ لِلصَّيْدِ أَوِ الزَّرْعِ أَوِ الْمَاشِيَةِ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا جَوَازُهُ قَوْلُهُ (قال بن عمران لِأَبِي هُرَيْرَةَ زَرْعًا) وَقَالَ سَالِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ وَكَانَ صَاحِبَ حَرْثٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ لَيْسَ هَذَا تَوْهِينًا لِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا شَكًّا فِيهَا بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ صَاحِبَ زَرْعٍ وَحَرْثٍ اعْتَنَى بِذَلِكَ وَحَفِظَهُ وَأَتْقَنَهُ وَالْعَادَةُ أن المبتلى بشئ يتقنه مالا يتقنه غيره ويتعرف من أحكامه مالا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وهى اتخاذه للزرع من رواية بن الْمُغَفَّلِ وَمِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَهَا أيضا مسلم من رواية بن الْحَكَمِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ البجلى عن بن عمر فيحتمل أن بن عُمَرَ لَمَّا سَمِعَهَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَحَقَّقَهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهَا عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَزَادَهَا فِي حَدِيثِهِ الَّذِي كَانَ يَرْوِيهِ بِدُونِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَذَكَّرَ فِي وَقْتٍ أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَوَاهَا وَنَسِيَهَا فِي وَقْتٍ فَتَرَكَهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَيْسَ مُنْفَرِدًا بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ بَلْ وَافَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي رِوَايَتِهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوِ انْفَرَدَ بِهَا

لَكَانَتْ مَقْبُولَةً مَرْضِيَّةً مُكَرَّمَةً [1572] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ) فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ مَعْنَى الْبَهِيمِ الْخَالِصُ السَّوَادِ وَأَمَّا النُّقْطَتَانِ فَهُمَا نُقْطَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ بَيْضَاوَانِ فَوْقَ عَيْنَيْهِ وَهَذَا مُشَاهَدٌ مَعْرُوفٌ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ) احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَيْدُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ وَلَا يَحِلُّ إِذَا قَتَلَهُ لِأَنَّهُ شَيْطَانٌ وإِنَّمَا حَلَّ صَيْدُ الْكَلْبِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ يَحِلُّ صَيْدُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ كَغَيْرِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ إِخْرَاجُهُ عَنْ جِنْسِ الْكِلَابِ وَلِهَذَا لَوْ وَلَغَ فِي إِنَاءٍ وَغَيْرِهِ وَجَبَ غَسْلُهُ كَمَا يُغْسَلُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ الْأَبْيَضِ [1573] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ) أَيْ مَا شَأْنُهُمْ أَيْ لِيَتْرُكُوهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِي) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ ضَارِي بِالْيَاءِ وَفِي بَعْضِهَا ضَارِيًا بِالْأَلِفِ بَعْدَ الْيَاءِ مَنْصُوبًا وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا

إِلَّا كَلْبَ ضَارِيَةٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْأَوَّلَ رُوِيَ ضَارِي بِالْيَاءِ وَضَارٍ بِحَذْفِهَا وَضَارِيًا فَأَمَّا ضَارِيًا فَهُوَ ظَاهِرُ الْإِعْرَابِ وَأَمَّا ضَارِي وَضَارٍ فَهُمَا مَجْرُورَانِ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى مَاشِيَةٍ وَيَكُونُ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ كَمَاءِ الْبَارِدِ وَمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ ولدار الآخرة وَسَبَقَ بَيَانُ هَذَا مَرَّاتٍ وَيَكُونُ ثُبُوتُ الْيَاءِ فِي ضَارِي عَلَى اللُّغَةِ الْقَلِيلَةِ فِي إِثْبَاتِهَا فِي الْمَنْقُوصِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ وَالْمَشْهُورُ حَذْفُهَا وَقِيلَ إِنَّ لَفْظَةَ ضَارٍ هُنَا صِفَةٌ لِلرَّجُلِ الصَّائِدِ صَاحِبِ الْكِلَابِ الْمُعْتَادِ لِلصَّيْدِ فَسَمَّاهُ ضَارِيًا اسْتِعَارَةً كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ كَلْبَ صَائِدٍ وَأَمَّا رِوَايَةُ إِلَّا كَلْبَ ضَارِيَةٍ فَقَالُوا تَقْدِيرُهُ إِلَّا كَلْبَ ذِي كِلَابٍ ضَارِيَةٍ وَالضَّارِي هُوَ الْمُعَلَّمُ الصَّيْدَ الْمُعْتَادُ لَهُ يُقَالُ مِنْهُ ضَرِيَ الْكَلْبُ يَضْرِي كَشَرِيَ يَشْرِي ضَرًّا وَضَرَاوَةً وَأَضْرَاهُ صَاحِبُهُ أَيْ عَوَّدَهُ ذَلِكَ وَقَدْ ضَرِيَ بِالصَّيْدِ إِذَا لَهِجَ بِهِ وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ لِلَّحْمِ ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الْخَمْرِ قَالَ جَمَاعَةٌ مَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ عَادَةً يُنْزَعُ إِلَيْهَا كَعَادَةِ الْخَمْرِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ لِأَهْلِهِ عَادَةً فِي أَكْلِهِ كَعَادَةِ شَارِبِ الْخَمْرِ فِي مُلَازَمَتِهِ وَكَمَا أَنَّ مَنِ اعْتَادَ الْخَمْرَ لَا يَكَادُ يَصْبِرُ عَنْهَا كَذَا مَنِ اعْتَادَ اللَّحْمَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ

عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ وَفِي رِوَايَةٍ قِيرَاطٌ فَأَمَّا روَايَةُ عَمَلِهِ فَمَعْنَاهُ مِنْ أَجْرِ عَمَلِهِ وَأَمَّا الْقِيرَاطُ هُنَا فَهُوَ مِقْدَارٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُرَادُ نَقَصَ جُزْءٌ مِنْ أَجْرِ عَمَلِهِ وَأَمَّا اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي قِيرَاطٍ وَقِيرَاطَيْنِ فَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ فِي نَوْعَيْنِ مِنَ الْكِلَابِ أَحَدُهُمَا أَشَدُّ أَذًى مِنَ الْآخَرِ وَلِمَعْنًى فِيهِمَا أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ فَيَكُونُ الْقِيرَاطَانِ فِي الْمَدِينَةِ خَاصَّةً لِزِيَادَةِ فَضْلِهَا وَالْقِيرَاطُ فِي غَيْرِهَا أَوِ الْقِيرَاطَانِ فِي الْمَدَائِنِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْقُرَى وَالْقِيرَاطُ فِي الْبَوَادِي أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي زَمَنَيْنِ فَذَكَرَ الْقِيرَاطَ أَوَّلًا ثُمَّ زَادَ التَّغْلِيظَ فَذَكَرَ الْقِيرَاطَيْنِ قَالَ الرُّويَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الْبَحْرِ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِمَا يَنْقُصُ مِنْهُ فَقِيلَ يَنْقُصُ مِمَّا مَضَى مِنْ عَمَلِهِ وَقِيلَ مِنْ مُسْتَقْبَلِهِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ نَقْصِ الْقِيرَاطَيْنِ فَقِيلَ يَنْقُصُ قِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ النَّهَارِ وَقِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ اللَّيْلِ أَوْ قِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ الْفَرْضِ وَقِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ النَّفْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَبَبِ نُقْصَانِ الْأَجْرِ بِاقْتِنَاءِ الْكَلْبِ فَقِيلَ لِامْتِنَاعِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ دُخُولِ بَيْتِهِ بِسَبَبِهِ وَقِيلَ لِمَا يَلْحَقُ الْمَارِّينَ مِنَ الْأَذَى مِنْ تَرْوِيعِ الْكَلْبِ لَهُمْ وَقَصْدِهِ إِيَّاهُمْ وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ عُقُوبَةٌ لَهُ لِاتِّخَاذِهِ مَا نُهِيَ عَنِ اتِّخَاذِهِ وَعِصْيَانِهِ فِي ذَلِكَ وَقِيلَ لِمَا يُبْتَلَى بِهِ مِنْ وُلُوغِهِ فِي غَفْلَةِ صَاحِبِهِ وَلَا يَغْسِلُهُ

(باب حل أجرة الحجامة ذكر فيه الأحاديث أن النبي صلى

بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1576] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَا يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلَا ضَرْعًا) الْمُرَادُ بِالضَّرْعِ الْمَاشِيَةُ كَمَا فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ وَمَعْنَاهُ مَنِ اقْتَنَى كلبا لغير زرع وماشية وقوله (وفد عليهم سفيان بن أبي زهير الشنائي) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ نُونٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ مَنْسُوبٌ إِلَى أَزْدِ شَنُوءَةَ بِشِينٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ نُونٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ ثُمَّ هَاءٍ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ الشَّنَوِيَّ بِالْوَاوِ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى إِرَادَةِ التَّسْهِيلِ وَرَوَاهُ بَعْضُ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ شَنُوِيٌّ بِضَمِّ النُّونِ عَلَى الْأَصْلِ (باب حل أجرة الحجامة ذكر فيه الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم وأعطى الحجام أجره قال بن عَبَّاسٍ وَلَوْ كَانَ سُحْتًا لَمْ يُعْطِهِ وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا فِي بَابِ تَحْرِيمِ ثَمَنِ الْكَلْبِ بَيَانُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي أُجْرَةِ الْحِجَامَةِ وَفِي هذه)

الْأَحَادِيثِ إِبَاحَةُ نَفْسِ الْحِجَامَةِ وَأَنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ الْأَدْوِيَةِ وَفِيهَا إِبَاحَةُ التَّدَاوِي وَإِبَاحَةُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْمُعَالَجَةِ بِالتَّطَبُّبِ وَفِيهَا الشَّفَاعَةُ إِلَى أَصْحَابِ الْحُقُوقِ وَالدُّيُونِ فِي أَنْ يُخَفِّفُوا مِنْهَا وَفِيهَا جَوَازُ مُخَارَجَةِ الْعَبْدِ بِرِضَاهُ وَرِضَاءِ سَيِّدِهِ وَحَقِيقَةُ الْمُخَارَجَةِ أَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ تَكْتَسِبُ وَتُعْطِينِي مِنَ الْكَسْبِ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا مَثَلًا وَالْبَاقِي لَكَ أَوْ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ كَذَا وَكَذَا وَيُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا [1577] قَوْلُهُ (حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ) هُوَ بِطَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَهُوَ عَبْدٌ لِبَنِي بَيَاضَةَ اسْمُهُ نَافِعٌ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَا تُعَذِّبُوا صِبْيَانَكُمْ بِالْغَمْزِ) هُوَ بغين معجمة

مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ زَايٍ مَعْنَاهُ لَا تَغْمِزُوا حَلْقَ الصَّبِيِّ بِسَبَبِ الْعُذْرَةِ وَهُوَ وَجَعُ الْحَلْقِ بَلْ دَاوُوهُ بِالْقُسْطِ الْبَحْرِيِّ وَهُوَ العود الهندي

(باب تحريم بيع الخمر [1578] قوله صلى الله عليه وسلم (إن

(باب تحريم بيع الخمر [1578] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ يُعَرِّضُ بِالْخَمْرِ وَلَعَلَّ اللَّهَ سَيُنْزِلُ فِيهَا أَمْرًا فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلْيَبِعْهُ وَلْيَنْتَفِعْ بِهِ) قَالَ فَمَا لَبِثْنَا إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلَا يَشْرَبْ وَلَا يَبِعْ قَالَ فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُمْ منها في طريق المدينة فسفكوها) يعني رَاقُوهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ لَا تَكْلِيفَ فِيهَا بِتَحْرِيمٍ وَلَا غَيْرِهِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ لِلْأُصُولِيِّينَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا حُكْمَ وَلَا تَكْلِيفَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رسولا)

وَالثَّانِي أَنَّ أَصْلَهَا عَلَى التَّحْرِيمِ حَتَّى يَرِدَ الشَّرْعُ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَالثَّالِثُ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالرَّابِعُ عَلَى الْوَقْفِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي غَيْرِ التَّنَفُّسِ وَنَحْوِهِ مِنَ الضَّرُورِيَّاتِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهَا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً بِلَا خِلَافٍ إِلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا بَذْلُ النَّصِيحَةِ للمسلمين في دينهم ودنياهم لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَحَهُمْ فِي تَعْجِيلِ الِانْتِفَاعِ بِهَا مَا دَامَتْ حَلَالًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَا يَشْرَبْ وَلَا يَبِعْ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا فِيهِ تَحْرِيمُ بَيْعِ الْخَمْرِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَالْعِلَّةُ فِيهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ كَوْنُهَا نَجِسَةً أَوْ لَيْسَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ مَقْصُودَةٌ فَيَلْحَقُ بِهَا جَمِيعُ النَّجَاسَاتِ كَالسِّرْجِينِ وَذَرْقِ الحمام وغيره وكذلك يلحق بها ماليس فيه منفعة مقصودة كَالسِّبَاعِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلِاصْطِيَادِ وَالْحَشَرَاتُ وَالْحَبَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الْحِنْطَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ بيع شئ من ذلك وأما الحديث المشهور في كتب السُّنَنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثمنه فمحمول على ما المقصود منه الأكل بخلاف ما المقصود منه غير ذلك كالعبد والبغل وَالْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ فَإِنَّ أَكْلَهَا حَرَامٌ وَبَيْعَهَا جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ) أَيْ أَدْرَكَتْهُ حَيًّا وَبَلَغَتْهُ وَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ الْآيَةَ قَوْلُهُ (فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْهَا فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ فَسَفَكُوهَا) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ تَخْلِيلِهَا وَوُجُوبِ الْمُبَادَرَةِ بِإِرَاقَتِهَا وَتَحْرِيمِ إِمْسَاكِهَا وَلَوْ جَازَ التَّخْلِيلُ لَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ وَنَهَاهُمْ عَنْ إِضَاعَتِهَا كَمَا نَصَحَهُمْ وَحَثَّهُمْ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا قَبْلَ تَحْرِيمِهَا حِينَ تَوَقَّعَ نُزُولَ تَحْرِيمِهَا وَكَمَا نَبَّهَ أَهْلَ الشَّاةِ الْمَيْتَةِ عَلَى دِبَاغِ جِلْدِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهِ وَمِمَّنْ قَالَ بِتَحْرِيمِ تَخْلِيلِهَا وَأَنَّهَا لَا تَطْهُرُ بِذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ فِي أصح الروايتين عنه وجوزه الأوزاعي والليبث وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَأَمَّا إذا انقلبت بنفسها خلا فيظهر عِنْدَ جَمِيعِهِمْ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ سَحْنُونٍ الْمَالِكِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَطْهُرُ قَوْلُهُ

[1579] (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ السَّبَئِيِّ) هُوَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ مَنْسُوبٌ إِلَى سَبَأٍ وَأَمَّا وَعْلَةُ فَبِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي حَدِيثِ الدِّبَاغِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي أَهْدَى إِلَيْهِ الْخَمْرَ (هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَهَا قَالَ لَا) لَعَلَّ السُّؤَالَ كَانَ لِيَعْرِفَ حَالَهُ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ هَدِيَّتَهَا وامساكها وحملها وعزره عَلَى ذَلِكَ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ جَاهِلًا بِذَلِكَ عَذَرَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ كَانَتْ عَلَى قُرْبِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ قَبْلَ اشْتِهَارِ ذَلِكَ وَفِي هَذَا أَنَّ مَنِ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً جَاهِلًا تحريمها لا إثم عليه ولا تعزيز قَوْلُهُ (فَسَارَّ إِنْسَانًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَ سَارَرْتَهُ فَقَالَ أَمَرْتُهُ بِبَيْعِهَا) الْمُسَارِرُ الَّذِي خَاطَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي أَهْدَى الزاوية كَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَأَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ دَوْسٍ قَالَ الْقَاضِي وَغَلِطَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ فَظَنَّ أَنَّهُ رَجُلٌ آخَرُ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ سُؤَالِ الْإِنْسَانِ عَنْ بَعْضِ أَسْرَارِ الْإِنْسَانِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجِبُ كِتْمَانُهُ كَتَمَهُ وَإِلَّا فَيَذْكُرُهُ قَوْلُهُ (فَفَتَحَ الْمَزَادَ) هَكَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ الْمَزَادَ بِحَذْفِ الْهَاءِ فِي آخِرِهَا وَفِي بَعْضِهَا الْمَزَادَةَ بِالْهَاءِ وَقَالَ فِي أول الحديث أهدى راوية وهي مي قال أبو عبيد هما بمعنى وقال بن السِّكِّيتِ إِنَّمَا يُقَالُ لَهَا مَزَادَةٌ وَأَمَّا الرَّاوِيَةُ فَاسْمٌ لِلْبَعِيرِ خَاصَّةً وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ لِأَبِي عُبَيْدٍ فَإِنَّهُ سَمَّاهَا رَاوِيَةً وَمَزَادَةً قَالُوا سُمِّيَتْ رَاوِيَةً لِأَنَّهَا تَرْوِي صَاحِبَهَا وَمَنْ مَعَهُ وَالْمَزَادَةُ لِأَنَّهُ يَتَزَوَّدُ فِيهَا الماء

فِي السَّفَرِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ يُزَادُ فِيهَا جلد ليتسع وفي قوله ففتح المراد دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّ أَوَانِيَ الْخَمْرِ لَا تُكْسَرُ وَلَا تُشَقُّ بَلْ يُرَاقُ مَا فِيهَا وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا كَالْجُمْهُورِ وَالثَّانِيَةُ يُكْسَرُ الْإِنَاءُ وَيُشَقُّ السِّقَاءُ وَهَذَا ضَعِيفٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُمْ كَسَرُوا الدِّنَانَ فَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهَا (لَمَّا أُنْزِلَتِ [1580] الْآيَاتُ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرِّبَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْتَرَأَهُنَّ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ حَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ) قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ هُوَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَهِيَ نَزَلَتْ قَبْلَ آيَةِ الرِّبَا بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَإِنَّ آية الربا آخر مانزل أَوْ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا النَّهْيُ عَنِ التِّجَارَةِ مُتَأَخِّرًا عَنْ تَحْرِيمِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِتَحْرِيمِ التِّجَارَةِ حِينَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ ثُمَّ أُخْبِرَ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الرِّبَا تَوْكِيدًا وَمُبَالَغَةً فِي إِشَاعَتِهِ وَلَعَلَّهُ حَضَرَ الْمَجْلِسَ مَنْ لَمْ يَكُنْ بَلَغَهُ تَحْرِيمُ التِّجَارَةِ فِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أعلم

(باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام

(بَاب تَحْرِيمِ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ [1581] قَوْلُهُ (عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ فَقَالَ لَا هُوَ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا أَجْمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ) يُقَالُ أَجْمَلَ الشَّحْمَ وَجَمَلَهُ أَيْ أَذَابَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا هُوَ حَرَامٌ فَمَعْنَاهُ لَا تَبِيعُوهَا فَإِنَّ بَيْعَهَا حَرَامٌ وَالضَّمِيرُ فِي هُوَ يَعُودُ إِلَى الْبَيْعِ لَا إِلَى الِانْتِفَاعِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ فِي طَلْيِ السُّفُنِ وَالِاسْتِصْبَاحِ بِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِأَكْلٍ وَلَا فِي بَدَنِ الْآدَمِيِّ وَبِهَذَا قَالَ أَيْضًا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي شَيْءٍ أَصْلًا لِعُمُومِ النهي عن الانتفاع بالميتة الا ماخص وَهُوَ الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ وَأَمَّا الزَّيْتُ وَالسَّمْنُ وَنَحْوُهُمَا مِنَ الْأَدْهَانِ الَّتِي أَصَابَتْهَا نَجَاسَةٌ فَهَلْ يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهَا وَنَحْوُهُ مِنَ الِاسْتِعْمَالِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ وَغَيْرِ الْبَدَنِ أَوْ يُجْعَلُ مِنَ الزَّيْتِ صَابُونٌ أَوْ يُطْعِمُ الْعَسَلَ الْمُتَنَجِّسَ لِلنَّحْلِ أَوْ يُطْعِمُ الْمَيْتَةَ لِكِلَابِهِ أَوْ يُطْعِمُ الطَّعَامَ النَّجِسَ لدوابه)

فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ السَّلَفِ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا جَوَازُ جَمِيعِ ذَلِكَ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ وَكَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالشَّافِعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ وَرُوِيَ نحوه عن علي وبن عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ وَأَجَازَ أبوحنيفة وَأَصْحَابُهُ وَاللَّيْثُ وَغَيْرُهُمْ بَيْعَ الزَّيْتِ النَّجِسِ إِذَا بَيَّنَهُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَفِي عُمُومِ تَحْرِيمِ بَيْعِ الْمَيْتَةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُ جُثَّةِ الْكَافِرِ إِذَا قَتَلْنَاهُ وَطَلَبَ الْكُفَّارُ شِرَاءَهُ أَوْ دَفْعَ عِوَضٍ عَنْهُ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ نَوْفَلَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيَّ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَبَذَلَ الْكُفَّارُ فِي جَسَدِهِ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَأْخُذْهَا وَدَفَعَهُ إِلَيْهِمْ وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا نَحْوَ هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِلَّةُ فِي مَنْعِ بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ النَّجَاسَةُ فَيَتَعَدَّى إِلَى كُلِّ نَجَاسَةٍ وَالْعِلَّةُ فِي الْأَصْنَامِ كَوْنُهَا لَيْسَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ فَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ إِذَا كُسِرَتْ يُنْتَفَعُ بِرُضَاضِهَا

(باب الربا)

فَفِي صِحَّةِ بَيْعِهَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ لِأَصْحَابِنَا مِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ لِظَاهِرِ النَّهْيِ وَإِطْلَاقِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ اعْتِمَادًا عَلَى الِانْتِفَاعِ وَتَأَوَّلَ الْحَدِيثَ عَلَى مالم يُنْتَفَعْ بِرُضَاضِهِ أَوْ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ فِي الْأَصْنَامِ خَاصَّةً وَأَمَّا الْمَيْتَةُ وَالْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي تَضَمَّنَ هَذَا الْحَدِيثُ أن مالا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ ثَمَنِهِ كَمَا فِي الشُّحُومِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ فَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْيَهُودِ وَالْمَلَاحِدَةِ بِأَنَّ الِابْنَ إِذَا وَرِثَ مِنْ أَبِيهِ جَارِيَةً كَانَ الْأَبُ وَطِئَهَا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الِابْنِ وَيَحِلُّ لَهُ بَيْعُهَا بِالْإِجْمَاعِ وَأَكْلُ ثَمَنِهَا قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا تَمْوِيهٌ عَلَى مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ لِأَنَّ جَارِيَةَ الْأَبِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الِابْنِ مِنْهَا غَيْرُ الِاسْتِمْتَاعِ عَلَى هَذَا الْوَلَدِ دون غير مِنَ النَّاسِ وَيَحِلُّ لِهَذَا الِابْنِ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ سِوَى الِاسْتِمْتَاعِ وَيَحِلُّ لِغَيْرِهِ الِاسْتِمْتَاعُ وَغَيْرُهُ بِخِلَافِ الشُّحُومِ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةُ الْمَقْصُودِ مِنْهَا وَهُوَ الْأَكْلُ مِنْهَا عَلَى جَمِيعِ الْيَهُودِ وَكَذَلِكَ شُحُومُ الْمَيْتَةِ مُحَرَّمَةُ الْأَكْلِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَكَانَ مَا عَدَا الْأَكْلِ تَابِعًا لَهُ بخلاف موطوت الْأَبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ الرِّبَا) مَقْصُورٌ وَهُوَ مِنْ رَبَا يَرْبُو فَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَتَثْنِيَتُهُ رِبَوَانِ وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ كَتْبُهُ وَتَثْنِيَتُهُ بِالْيَاءِ لِسَبَبِ الْكَسْرَةِ فِي أَوَّلِهِ وَغَلَّطَهُمُ الْبَصْرِيُّونَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَقَدْ كَتَبُوهُ فِي الْمُصْحَفِ بِالْوَاوِ وَقَالَ الْفَرَّاءُ إِنَّمَا كَتَبُوهُ بِالْوَاوِ لِأَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ تَعَلَّمُوا الْخَطَّ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ وَلُغَتُهُمُ الرَّبْوُ فَعَلَّمُوهُمْ صُورَةَ الْخَطِّ عَلَى لُغَتِهِمْ قَالَ وَكَذَا قَرَأَهَا أَبُو سِمَاكٍ الْعَدَوِيُّ بِالْوَاوِ وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْإِمَالَةِ بِسَبَبِ كَسْرَةِ الرَّاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّفْخِيمِ لِفَتْحَةِ الْيَاءِ قَالَ وَيَجُوزُ كَتْبُهُ بِالْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَالْيَاءِ وقال أهل اللغة

والرماء بِالْمِيمِ وَالْمَدِّ هُوَ الرِّبَا وَكَذَلِكَ الرُّبْيَةُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَالتَّخْفِيفِ لُغَةٌ فِي الرِّبَا وَأَصْلُ الرِّبَا الزِّيَادَةُ يُقَالُ رَبَا الشَّيْءُ يَرْبُو إِذَا زَادَ وَأَرْبَى الرَّجُلُ وَأَرْمَى عَامَلَ بِالرِّبَا وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْجُمْلَةِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي ضَابِطِهِ وَتَفَارِيعِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وأحل الله البيع وحرم الربا وَالْأَحَادِيثُ فِيهِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَنَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي سِتَّةِ أَشْيَاءَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ فَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لَا رِبَا فِي غَيْرِ هَذِهِ السِّتَّةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ فِي نَفْيِ الْقِيَاسِ قَالَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ سِوَاهُمْ لَا يَخْتَصُّ بِالسِّتَّةِ بَلْ يَتَعَدَّى إِلَى مَا فِي مَعْنَاهَا وَهُوَ مَا يُشَارِكُهَا فِي الْعِلَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي السِّتَّةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْعِلَّةُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَوْنُهُمَا جِنْسُ الْأَثْمَانِ فَلَا يَتَعَدَّى الرِّبَا مِنْهُمَا إِلَى غَيْرِهِمَا مِنَ الْمَوْزُونَاتِ وَغَيْرِهَا لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ قَالَ وَالْعِلَّةُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ كَوْنُهَا مَطْعُومَةً فَيَتَعَدَّى الرِّبَا مِنْهَا إِلَى كُلِّ مَطْعُومٍ وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْعِلَّةُ فِيهَا كَوْنُهَا تُدَّخَرُ لِلْقُوتِ وَتَصْلُحُ لَهُ فَعَدَّاهُ إِلَى الزَّبِيبِ لِأَنَّهُ كَالتَّمْرِ وَإِلَى الْقُطْنِيَّةِ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ الْعِلَّةُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْوَزْنُ وَفِي الْأَرْبَعَةِ الْكَيْلُ فَيَتَعَدَّى إِلَى كُلِّ مَوْزُونٍ مِنْ نُحَاسٍ وَحَدِيدٍ وَغَيْرِهِمَا وَإِلَى كُلِّ مَكِيلٍ كَالْجِصِّ وَالْأُشْنَانِ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ الْعِلَّةُ فِي الْأَرْبَعَةِ كَوْنُهَا مَطْعُومَةً مَوْزُونَةً أَوْ مَكِيلَةً بِشَرْطِ الْأَمْرَيْنِ فَعَلَى هَذَا لَا رِبَا فِي الْبِطِّيخِ وَالسَّفَرْجَلِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِرِبَوِيٍّ لَا يُشَارِكُهُ فِي الْعِلَّةِ مُتَفَاضِلًا وَمُؤَجَّلًا وَذَلِكَ كَبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْحِنْطَةِ وَبَيْعِ الْفِضَّةِ بِالشَّعِيرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَكِيلِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ وَأَحَدُهُمَا مُؤَجَّلٌ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ إِذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ حَالًّا كَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ إِذَا بَاعَهُ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مِمَّا يُشَارِكُهُ فِي الْعِلَّةِ كَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَعَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ كَصَاعِ حِنْطَةٍ بِصَاعَيْ شَعِيرٍ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا إِلَّا مَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي تَخْصِيصِ الرِّبَا بِالنَّسِيئَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِذَا بِيعَ الذَّهَبُ بِذَهَبٍ أَوِ الْفِضَّةُ بِفِضَّةٍ سُمِّيَتْ مُرَاطَلَةً وَإِذَا بِيعَتِ الْفِضَّةُ بِذَهَبٍ سُمِّيَ

صَرْفًا لِصَرْفِهِ عَنْ مُقْتَضَى الْبِيَاعَاتِ مِنْ جَوَازِ الفاضل وَالتَّفَرُّقِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالتَّأْجِيلِ وَقِيلَ مِنْ صَرِيفِهِمَا وَهُوَ تَصْوِيتُهُمَا فِي الْمِيزَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ [1584] بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مِنْ جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ وَصَحِيحٍ وَمَكْسُورٍ وَحُلِيٍّ وَتِبْرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ الْخَالِصُ وَالْمَخْلُوطُ بِغَيْرِهِ وَهَذَا كُلُّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ) هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيْ لَا تُفَضِّلُوا وَالشِّفُّ بِكَسْرِ الشِّينِ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى النُّقْصَانِ فَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ يُقَالُ شَفَّ الدِّرْهَمُ بِفَتْحِ الشِّينِ يَشِفُّ بِكَسْرِهَا إِذَا زَادَ وَإِذَا نَقَصَ وَأَشَفَّهُ غَيْرُهُ يَشِفُّهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ) الْمُرَادُ بِالنَّاجِزِ الْحَاضِرُ وَبِالْغَائِبِ الْمُؤَجَّلُ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ أَوْ بِالْفِضَّةِ مُؤَجَّلًا وَكَذَلِكَ الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ أَوْ بِالشَّعِيرِ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْئَيْنِ اشْتَرَكَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا أَمَّا إِذَا بَاعَ دِينَارًا بِدِينَارٍ كِلَاهُمَا فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ الدِّينَارَ أَوْ بَعَثَ مَنْ أَحْضَرَ لَهُ دِينَارًا مِنْ بَيْتِهِ وَتَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ فَيَجُوزُ

بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ لا يَتَفَرَّقَا بِلَا قَبْضٍ وَقَدْ حَصَلَ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بعد هذه ولا تبيعوا شيئا غائبا منها بِنَاجِزٍ إِلَّا يَدًا بِيَدٍ وَأَمَّا قَوْلُ الْقَاضِي عياض أنفق الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُؤَجَّلًا أَوْ غَابَ عَنِ الْمَجْلِسِ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَصْحَابَهُ وَغَيْرَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى جَوَازِ الصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ

الْأَلْفَاظِ تَوْكِيدًا وَمُبَالَغَةً فِي الْإِيضَاحِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْوَرِقُ بِالذَّهَبِ رَبًّا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ) [1586] فِيهِ لُغَتَانِ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ وَالْمَدُّ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَأَصْلُهُ هَاكَ فَأُبْدِلَتِ الْمَدَّةُ مِنَ الْكَافِ وَمَعْنَاهُ خُذْ هَذَا وَيَقُولُ صَاحِبُهُ مِثْلَهُ وَالْمَدَّةُ مَفْتُوحَةٌ وَيُقَالُ بِالْكَسْرِ أَيْضًا وَمَنْ قَصَرَهُ قَالَ وَزْنُهُ وَزْنُ خَفْ يُقَالُ لِلْوَاحِدِ هَا كخف والاثنين هاءا كخافا وللجمع هاؤا كَخَافُوا وَالْمُؤَنَّثَةِ هَاكِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُثَنِّي وَلَا يَجْمَعُ عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ وَلَا يُغَيِّرُهَا فِي التَّأْنِيثِ بَلْ يَقُولُ فِي الْجَمِيعِ هَا قَالَ السِّيرَافِيُّ كَأَنَّهُمْ جَعَلُوهَا صَوْتًا كَصَهْ وَمَنْ ثَنَّى وَجَمَعَ قَالَ لِلْمُؤَنَّثَةِ هَاكِ وَهَا لُغَتَانِ وَيُقَالُ فِي لُغَةٍ هَاءِ بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ للذكر وللأنثى هاتي بزيادة ثاء وَأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ يُنْكِرُونَ هَا بِالْقَصْرِ وَغَلَّطَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ الْمُحَدِّثِينَ فِي رِوَايَةِ الْقَصْرِ وَقَالَ الصَّوَابُ الْمَدُّ وَالْفَتْحُ وَلَيْسَتْ بِغَلَطٍ بَلْ هِيَ صَحِيحَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةً قَالَ الْقَاضِي وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى هَاءَكَ بِالْمَدِّ وَالْكَافِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَمَعْنَاهُ التَّقَابُضُ

فَفِيهِ اشْتِرَاطُ التَّقَابُضِ فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِالرِّبَوِيِّ إِذَا اتَّفَقَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا سَوَاءٌ اتَّفَقَ جِنْسُهُمَا كَذَهَبٍ بِذَهَبٍ أَمِ اخْتَلَفَ كَذَهَبٍ بِفِضَّةٍ وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِمُخْتَلِفِ الْجِنْسِ عَلَى مُتَّفِقِهِ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُ مَالِكٍ بِهَذَا عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ عَقِبَ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ أَخَّرَهُ عَنِ الْعَقْدِ وَقَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمْ وَمَذْهَبُنَا صِحَّةُ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنِ الْعَقْدِ يوما أو أياما واكثر مالم يَتَفَرَّقَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرَادَ أَنْ يُصَارِفَ صَاحِبَ الذَّهَبِ فَيَأْخُذَ الذَّهَبَ وَيُؤَخِّرَ دَفْعَ الدَّرَاهِمِ إِلَى مَجِيءِ الْخَادِمِ فَإِنَّمَا قَالَهُ لِأَنَّهُ ظَنَّ جَوَازَهُ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ وَمَا كَانَ بلغة حكم المسألة فأبلغه اياه عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَرَكَ الْمُصَارَفَةَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1587] (الْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ) فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ هَذَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ صِنْفَانِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ وَآخَرِينَ وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمُعْظَمُ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ إِنَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَسَعِيدٍ وَغَيْرِهِمَا مِنَ السَّلَفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الدَّخَنَ صِنْفٌ وَالذُّرَةَ صِنْفٌ والارز صنف الا الليث بن سعد وبن وهب فقالا هذه الثلاثة صنف وَاحِدٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى) مَعْنَاهُ فَقَدْ فَعَلَ الرِّبَا الْمُحَرَّمَ فَدَافِعُ الزِّيَادَةِ وَآخُذُهَا عَاصِيَانِ مُرْبِيَانِ قَوْلُهُ (فَرَدَّ النَّاسُ) مَا أَخَذُوا هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ الْمَذْكُورَ بَاطِلٌ قَوْلُهُ (أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ قَالَ لَنُحَدِّثَنَّ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَرِهَ مُعَاوِيَةُ) أو قَالَ وَإِنْ رَغِمَ يُقَالُ رَغِمَ

بكسر الغين وفتحها ومعناه ذلك وَصَارَ كَاللَّاصِقِ بِالرُّغَامِ وَهُوَ التُّرَابُ وَفِي هَذَا الِاهْتِمَامُ بِتَبْلِيغِ السُّنَنِ وَنَشْرِ الْعِلْمِ وَإِنْ كَرِهَهُ مَنْ كَرِهَهُ لِمَعْنًى وَفِيهِ الْقَوْلُ بِالْحَقِّ وَإِنْ كَانَ الْمَقُولُ لَهُ كَبِيرًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَدًا بِيَدٍ) حُجَّةٌ لِلْعُلَمَاءِ كَافَّةً فِي وُجُوبِ التَّقَابُضِ وَإِنِ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ وَجَوَّزَ إسماعيل بن عليه التقرق عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْأَحَادِيثِ وَالْإِجْمَاعِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ فَلَوْ بَلَغَهُ

لَمَا خَالَفَهُ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ الرَّبَعِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي رَبِيعَةَ [1588] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِلَّا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ) يَعْنِي أَجْنَاسَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الْبَاقِيَةِ

قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْوَرِقِ بِالذَّهَبِ دَيْنًا) يَعْنِي مُؤَجَّلًا أَمَّا إِذَا بَاعَهُ بِعِوَضٍ فِي الذِّمَّةِ حَالٍّ فَيَجُوزُ كَمَا سَبَقَ قَوْلُهُ (أَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا) [1590] يَعْنِي سَوَاءً وَمُتَفَاضِلًا وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ حَالًّا وَيَتَقَابَضَا فِي المجلس

قَوْلُهُ (سَمِعَ عُلَيَّ بْنَ رَبَاحٍ) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا وَقِيلَ يُقَالُ بِالْوَجْهَيْنِ فَالْفَتْحُ اسْمٌ وَالضَّمُّ لَقَبٌ قَوْلُهُ (عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ اشْتَرَيْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ قِلَادَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ فَفَصَلْتُهَا فَوَجَدَتُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تُبَاعُ حَتَّى تُفْصَلَ) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخٍ مُعْتَمَدَةٍ قِلَادَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا وَفِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ قِلَادَةً فِيهَا اثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا وَنَقَلَ الْقَاضِي أَنَّهُ وَقَعَ لِمُعْظَمِ شُيُوخِهِمْ قِلَادَةً فِيهَا اثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا وَأَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَافِظِ أَبِي عَلِيٍّ الْغَسَّانِيِّ مُصَلَّحَةً قِلَادَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا قَالَ وَهَذَا لَهُ وَجْهٌ حَسَنٌ وَبِهِ يَصِحُّ الْكَلَامُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا بِاثْنَيْ عَشَرَ وَهُوَ الَّذِي أَصْلَحَهُ صَاحِبُ أَبِي عَلِيٍّ الْغَسَّانِيِّ وَاسْتَحْسَنَهُ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ ذَهَبٍ مَعَ غَيْرِهِ بِذَهَبٍ حَتَّى يُفَصَّلَ فَيُبَاعَ الذَّهَبُ بِوَزْنِهِ ذَهَبًا وَيُبَاعَ الْآخَرُ بِمَا أَرَادَ وَكَذَا لَا تُبَاعُ فِضَّةٌ مَعَ غَيْرِهَا

بِفِضَّةٍ وَكَذَا الْحِنْطَةُ مَعَ غَيْرِهَا بِحِنْطَةٍ وَالْمِلْحُ مَعَ غَيْرِهِ بِمِلْحٍ وَكَذَا سَائِرُ الرِّبَوِيَّاتِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ فَصْلِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ الذَّهَبُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَكَذَلِكَ بَاقِي الرِّبَوِيَّاتِ وَهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ الْمَعْرُوفَةُ بِمَسْأَلَةِ مدعجوة وصورتها باع مدعجوة وَدِرْهَمًا بِمُدَّيْ عَجْوَةٍ أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ لَا يَجُوزُ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَابْنِهِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمَالِكِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ مِنَ الذَّهَبِ وَلَا يَجُوزُ بِمِثْلِهِ وَلَا بِدُونِهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَآخَرُونَ يَجُوزُ بَيْعُ السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِذَهَبٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِمَّا فِيهِ ذَهَبٌ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالذَّهَبِ إِذَا كَانَ الذَّهَبُ فِي الْمَبِيعِ تَابِعًا لِغَيْرِهِ وَقَدَّرُوهُ بِأَنْ يَكُونَ الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالذَّهَبِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ بَاعَهُ بِمِثْلِهِ مِنَ الذَّهَبِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَهَذَا غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْحَدِيثِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ الْقِلَادَةِ وَأَجَابَتِ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الذَّهَبَ كَانَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا وَقَدِ اشْتَرَاهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا قَالُوا وَنَحْنُ لَا نُجِيزُ هَذَا وَإِنَّمَا نُجِيزُ الْبَيْعَ إِذَا بَاعَهَا بِذَهَبٍ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهَا فَيَكُونُ مَا زَادَ مِنَ الذَّهَبِ الْمُنْفَرِدِ فِي مُقَابَلَةِ الْخَرَزِ وَنَحْوِهِ مِمَّا هُوَ مَعَ الذَّهَبِ الْمَبِيعِ فَيَصِيرُ كَعِقْدَيْنِ وَأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ لِأَنَّهُ كَانَ فِي بَيْعِ الْغَنَائِمِ لِئَلَّا يُغْبَنَ الْمُسْلِمُونَ فِي بَيْعِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَانِ الْجَوَابَانِ ضَعِيفَانِ لَا سِيَّمَا جَوَابُ الطَّحَاوِيِّ فَإِنَّهُ دَعْوًى مُجَرَّدَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَدَلِيلُ صِحَّةِ قَوْلِنَا وَفَسَادِ التَّأْوِيلَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُبَاعُ حَتَّى يُفَصَّلَ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي اشْتِرَاطِ فَصْلِ أَحَدِهِمَا عن الآخر في البيع وانه لافرق بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الذَّهَبُ الْمَبِيعُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ بَيْعِ الْغَنَائِمِ وَغَيْرِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنِ الْجُلَاحِ أَبِي كَثِيرٍ) هُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَآخِرُهُ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ قَوْلُهُ (كُنَّا

نُبَايِعُ الْيَهُودَ الْأُوقِيَّةَ الذَّهَبَ بِالدِّينَارَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ) يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الْأُوقِيَّةَ مِنْ ذَهَبٍ وَخَرَزٍ وَغَيْرِهِ بِدِينَارَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَإِلَّا فَالْأُوقِيَّةُ وَزْنُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَحَدًا لَا يَبْتَاعُ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ ذَهَبٍ خَالِصٍ بِدِينَارَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَهَذَا سَبَبُ مُبَايَعَةِ الصَّحَابَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ظَنُّوا جَوَازَهُ لِاخْتِلَاطِ الذَّهَبِ بِغَيْرِهِ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حرام حتى يميز وَيُبَاعَ الذَّهَبُ بِوَزْنِهِ ذَهَبًا وَوَقَعَ هُنَا فِي النُّسَخِ الْوُقِيَّةَ الذَّهَبَ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْأَشْهُرُ الْأُوقِيَّةُ بِالْهَمْزِ فِي أَوَّلِهِ وَسَبَقَ بَيَانُهَا مَرَّاتٍ قَوْلُهُ (فَطَارَتْ لِي وَلِأَصْحَابِي قِلَادَةٌ) أَيْ حَصَلَتْ لَنَا مِنَ الْغَنِيمَةِ قَوْلُهُ (وَاجْعَلْ ذَهَبَكَ فِي كِفَّةٍ) هِيَ بِكَسْرِ الْكَافِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ كِفَّةُ الْمِيزَانِ وَكُلُّ مُسْتَدِيرٍ بِكَسْرِ الْكَافِ وَكُفَّةُ الثَّوْبِ وَالصَّائِدِ بِضَمِّهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ مُسْتَطِيلٍ وَقِيلَ بالوجهين فيهما معا

[1592] قَوْلُهُ (إِنَّ مَعْمَرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَرْسَلَ غُلَامَهُ بِصَاعِ قَمْحٍ لِيَبِيعَهُ وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ شَعِيرًا فَبَاعَهُ بِصَاعٍ وَزِيَادَةٍ فَقَالَ لَهُ مَعْمَرٌ رُدَّهُ وَلَا تَأْخُذْهُ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّعَامُ مِثْلًا بِمِثْلٍ قَالَ وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمئِذٍ الشَّعِيرَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِهِ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُضَارِعَ) مَعْنَى يُضَارِعُ يُشَابِهُ وَيُشَارِكُ وَمَعْنَاهُ أَخَافُ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الْمُمَاثِلِ فَيَكُونَ لَهُ حُكْمُهُ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي كَوْنِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ صِنْفًا وَاحِدًا لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمَا صِنْفَانِ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا كَالْحِنْطَةِ مَعَ الْأَرُزِّ وَدَلِيلُنَا مَا سَبَقَ عِنْدَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ مَعَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ وَأَمَّا حَدِيثُ مَعْمَرٍ هَذَا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا خَافَ مِنْ ذَلِكَ فَتَوَرَّعَ عَنْهُ احْتِيَاطًا قَوْلُهُ (قَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ لَهُ [1593] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا قَالَ لَا وَاللَّهِ يارسول اللَّهِ إِنَّا لَنَشْتَرِي الصَّاعَ

بِالصَّاعَيْنِ مِنَ الْجَمْعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَفْعَلُوا وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ) أَمَّا الْجَنِيبُ فَبِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ نُونٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ التَّمْرِ مِنْ أَعْلَاهُ وَأَمَّا الْجَمْعُ فَبِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَهُوَ تَمْرٌ رَدِيءٌ وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ بِأَنَّهُ الْخَلْطُ مِنَ التَّمْرِ وَمَعْنَاهُ مَجْمُوعٌ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَامِلَ الَّذِي بَاعَ صَاعًا بِصَاعَيْنِ لَمْ يَعْلَمْ تَحْرِيمَ هَذَا لِكَوْنِهِ كَانَ فِي أَوَائِلِ تَحْرِيمِ الرِّبَا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْحَابُنَا وَمُوَافِقُوهُمْ فِي أَنَّ مَسْأَلَةَ الْعِينَةِ لَيْسَتْ بِحَرَامٍ وَهِيَ الْحِيلَةُ الَّتِي يَعْمَلُهَا بَعْضُ النَّاسِ تَوَصُّلًا إِلَى مَقْصُودِ الرِّبَا بِأَنْ يُرِيدَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ بِمِائَتَيْنِ فَيَبِيعَهُ ثَوْبًا بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ يَشْتَرِيهِ مِنْهُ بِمِائَةٍ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرَوْا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنَ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ هُوَ حَرَامٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا الْمِيزَانُ فَيَسْتَدِلُّ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا وَمُوَافِقُوهُمْ بِأَنَّ مَعْنَاهُ

وكذلك الميزان لا يجوز التفاصل فِيهِ فِيمَا كَانَ رِبَوِيًّا مَوْزُونًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا) [1594] قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هِيَ كَلِمَةُ تَوَجُّعٍ وَتَحَزُّنٍ وَمَعْنَى عَيْنُ الرِّبَا أَنَّهُ حَقِيقَةُ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ وَفِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ لُغَاتٌ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي الرِّوَايَاتِ أَوَّهْ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَهَاءٍ سَاكِنَةٍ وَيُقَالُ بِنَصَبِ الْهَاءِ مُنَوَّنَةً وَيُقَالُ أُوهِ بِإِسْكَانِ الْوَاو وَكَسْرِ الْهَاءِ مُنَوَّنَةً وَغَيْرُ مُنَوَّنَةٍ وَيُقَالُ أَوٍّ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ مَكْسُورَةٍ مُنَوَّنَةٍ بِلَا هَاءٍ وَيُقَالُ آهْ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَتَنْوِينِ الْهَاءِ سَاكِنَةً مِنْ غَيْرِ وَاوٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لِمَنِ اشْتَرَى صَاعًا بِصَاعَيْنِ (هَذَا الرِّبَا فَرُدُّوهُ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ يَجِبُ رَدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ وَإِذَا رَدَّهُ اسْتَرَدَّ الثَّمَنَ فَإِنْ قِيلَ فَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِرَدِّهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَأَمَرَ فِيهَا بِرَدِّهِ فَبَعْضُ الرُّوَاةِ حَفِظَ ذَلِكَ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَحْفَظْهُ فَقَبِلْنَا زِيَادَةَ الثِّقَةِ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ لَحُمِلَتِ الْأُولَى عَلَى أَنَّهُ أَيْضًا أَمَرَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْنَا ذَلِكَ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ مَعَ أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ لَحَمَلْنَاهَا عَلَى أَنَّهُ جَهِلَ بَائِعَهُ وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ فَصَارَ مَالًا ضَائِعًا لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقِيمَتِهِ وَهُوَ

التَّمْرُ الَّذِي قَبَضَهُ عِوَضًا فَحَصَلَ أَنَّهُ لَا إِشْكَالَ فِي الْحَدِيثِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ قَوْلُهُ (سَأَلْتُ بن عَبَّاسٍ [1594] عَنِ الصَّرْفِ فَقَالَ أَيَدًا بِيَدٍ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ سألت بن عمر وبن عَبَّاسٍ عَنِ الصَّرْفِ فَلَمْ يَرَيَا بِهِ بَأْسًا قَالَ فَسَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَقَالَ مَا زَادَ فَهُوَ رِبًا فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِمَا فَذَكَرَ أَبُو سَعِيدٍ حَدِيثَ نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ بَيْعِ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ وَذَكَرْتُ رجوع بن عمر وبن عَبَّاسٍ عَنْ إِبَاحَتِهِ إِلَى مَنْعِهِ وَفِي الْحَدِيثِ الذي بعده أن بن عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ [1596] أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا رِبًا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ معنى ما ذكره أولا عن بن عمر وبن عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَعْتَقِدَانِ أَنَّهُ لَا رِبًا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ وَأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَدِينَارٍ بِدِينَارَيْنِ وَصَاعِ تَمْرٍ بِصَاعَيْنِ مِنَ التَّمْرِ وَكَذَا الْحِنْطَةُ وَسَائِرُ الرِّبَوِيَّاتِ كَانَا يَرَيَانِ جَوَازَ بَيْعِ الْجِنْسِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَأَنَّ الرِّبَا لَا يَحْرُمُ

فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا إِذَا كَانَ نَسِيئَةً وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ إِنَّهُ سَأَلَهُمَا عَنِ الصَّرْفِ فَلَمْ يَرَيَا بِهِ بَأْسًا يَعْنِي الصَّرْفَ مُتَفَاضِلًا كَدِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَكَانَ مُعْتَمَدَهُمَا حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ ثُمَّ رجع بن عمر وبن عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَا بِتَحْرِيمِ بَيْعِ الْجِنْسِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا حِينَ بَلَغَهُمَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رُجُوعِهِمَا صَرِيحًا وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ تَدُلُّ عَلَى أن بن عمر وبن عَبَّاسٍ لَمْ يَكُنْ بَلَغَهُمَا حَدِيثُ النَّهْيِ عَنِ التَّفَاضُلِ فِي غَيْرِ النَّسِيئَةِ فَلَمَّا بَلَغَهُمَا

رَجَعَا إِلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أُسَامَةَ لَا رِبًا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ فَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِظَاهِرِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ وَتَأَوَّلَهُ آخَرُونَ تَأْوِيلَاتٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ وَهُوَ كَبَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ مُؤَجَّلًا بِأَنْ يَكُونَ لَهُ عِنْدَهُ ثَوْبٌ مَوْصُوفٌ فَيَبِيعُهُ بِعَبْدٍ مَوْصُوفٍ مُؤَجَّلًا فَإِنْ بَاعَهُ بِهِ حَالًّا جَازَ الثَّانِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فَإِنَّهُ لَا رِبًا فِيهَا مِنْ حَيْثُ التَّفَاضُلِ بَلْ يَجُوزُ تَفَاضُلُهَا يَدًا بِيَدٍ الثَّالِثُ أَنَّهُ مُجْمَلٌ وَحَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا مُبَيِّنٌ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْمُبَيِّنِ وَتَنْزِيلُ الْمُجْمَلِ عَلَيْهِ هَذَا جَوَابُ الشَّافِعِيِّ

رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا هِقْلٌ) هُوَ بِكَسْرِ الهاء واسكان القاف قَوْلُهُ (سَأَلَ شِبَاكٌ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مُخَفَّفَةٍ قَوْلُهُ (لَعَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم [1598] آكل الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ) هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابيين والشهادة عليهما وَفِيهِ تَحْرِيمُ الْإِعَانَةِ عَلَى الْبَاطِلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب أخذ الحلال وترك الشبهات)

(بَاب أَخْذِ الْحَلَالِ وَتَرْكِ الشُّبُهَاتِ) [1599] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَى آخِرِهِ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى عِظَمِ وَقْعِ هَذَا الْحَدِيثِ وَكَثْرَةِ فَوَائِدِهِ وَأَنَّهُ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الْإِسْلَامِ قَالَ جَمَاعَةٌ هُوَ ثُلُثُ الْإِسْلَامِ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ يَدُورُ عَلَيْهِ وَعَلَى حَدِيثِ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَحَدِيثِ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المرء تركه مالا يَعْنِيهُ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّخْتِيَانِيُّ يَدُورُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَحَدِيثِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَقِيلَ حَدِيثُ ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبُّكَ اللَّهُ وازهد مافي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّكَ النَّاسُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَسَبَبُ عِظَمِ مَوْقِعِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبَّهَ فِيهِ عَلَى إِصْلَاحِ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ وَغَيْرِهَا وَأَنَّهُ يَنْبَغِي تَرْكُ الْمُشْتَبِهَاتِ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِحِمَايَةِ دِينِهِ وَعِرْضِهِ وَحَذَّرَ مِنْ مُوَاقَعَةِ الشُّبُهَاتِ وَأَوْضَحَ ذَلِكَ بِضَرْبِ الْمَثَلِ بِالْحِمَى ثُمَّ بَيَّنَ أَهَمَّ الْأُمُورِ وَهُوَ مُرَاعَاةُ الْقَلْبِ فَقَالَ صَلَّى الله عليه وسلم ألا وإن في الجسد مُضْغَةً إِلَى آخِرِهِ فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أن بصلاح القلب يصلح باقي الجسد وبفساده يفسد باقيه وأما قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ حَلَالٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ لَا يَخْفَى حِلُّهُ كَالْخُبْزِ وَالْفَوَاكِهِ وَالزَّيْتِ وَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ وَلَبَنِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَبَيْضِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَطْعُومَاتِ وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ وَالنَّظَرُ وَالْمَشْيُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ فِيهَا حَلَالٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ لَا شَكَّ فِي حِلِّهِ وَأَمَّا الْحَرَامُ الْبَيِّنُ فَكَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْبَوْلِ والدم المسفوح وكذلك الزنى وَالْكَذِبُ وَالْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَالنَّظَرُ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ وَأَمَّا الْمُشْتَبِهَاتُ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاضِحَةِ الْحِلِّ وَلَا الْحُرْمَةِ فَلِهَذَا لَا يَعْرِفُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَعْلَمُونَ حُكْمَهَا وَأَمَّا الْعُلَمَاءُ

فَيَعْرِفُونَ حُكْمَهَا بِنَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ أَوِ اسْتِصْحَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا تَرَدَّدَ الشَّيْءُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصٌّ وَلَا إِجْمَاعٌ اجْتَهَدَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُ فَأَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا بِالدَّلِيلِ الشرعي فإذا الحقه به صار حلالا وقد يكون دليله غَيْرَ خَالٍ عَنِ الِاحْتِمَالِ الْبَيِّنِ فَيَكُونُ الْوَرَعُ تَرْكَهُ وَيَكُونُ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْمُجْتَهِدِ فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ مُشْتَبَهٌ فَهَلْ يُؤْخَذُ بِحِلِّهِ أَمْ بِحُرْمَتِهِ أَمْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ حَكَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُخَرَّجَةٌ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ وَلَا إِبَاحَةٍ وَلَا غَيْرِهَا لِأَنَّ التَّكْلِيفَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالشَّرْعِ وَالثَّانِي أَنَّ حُكْمَهَا التَّحْرِيمُ وَالثَّالِثُ الْإِبَاحَةُ وَالرَّابِعُ التَّوَقُّفُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ) أَيْ حَصَلَ لَهُ الْبَرَاءَةُ لِدِينِهِ مِنَ الذَّمِّ الشَّرْعِيِّ وَصَانَ عِرْضَهُ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى وَإِنْ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُلُوكَ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ يَكُونُ لِكُلِّ مَلِكٍ مِنْهُمْ حِمًى يَحْمِيهِ عَنِ النَّاسِ وَيَمْنَعُهُمْ دُخُولَهُ فَمَنْ دَخَلَهُ أَوْقَعَ بِهِ الْعُقُوبَةَ وَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لَا يُقَارِبُ ذَلِكَ الْحِمَى خَوْفًا مِنَ الْوُقُوعِ فِيهِ وَلِلَّهِ تَعَالَى أَيْضًا حِمًى وَهِيَ مَحَارِمُهُ أَيْ الْمَعَاصِي الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَالْخَمْرِ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا حِمَى اللَّهِ تَعَالَى مَنْ دَخَلَهُ بِارْتِكَابِهِ شَيْئًا مِنَ الْمَعَاصِي اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ وَمَنْ قَارَبَهُ يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ فَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لم يقاربه ولا يتعلق بشئ يقربه من المعصية فلا يدخل في شئ مِنَ الشُّبُهَاتِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يقال صلح الشئ

وَفَسَدَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالسِّينِ وَضَمِّهِمَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَالْمُضْغَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُمْضَغُ فِي الْفَمِ لِصِغَرِهَا قَالُوا الْمُرَادُ تَصْغِيرُ الْقَلْبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي الْجَسَدِ مَعَ أَنَّ صَلَاحَ الْجَسَدِ وَفَسَادَهُ تَابِعَانِ لِلْقَلْبِ وَفِي هذا الحديث التأكيد عَلَى السَّعْيِ فِي صَلَاحِ الْقَلْبِ وَحِمَايَتِهِ مِنَ الْفَسَادِ وَاحْتُجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ لَا فِي الرَّأْسِ وَفِيهِ خِلَافٌ مشهور مذهب أَصْحَابِنَا وَجَمَاهِيرِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ فِي الْقَلْبِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ فِي الدِّمَاغِ وَقَدْ يُقَالُ فِي الرَّأْسِ وَحَكَوُا الْأَوَّلَ أَيْضًا عَنِ الْفَلَاسِفَةِ وَالثَّانِي عَنِ الْأَطِبَّاءِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي الْقَلْبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا وَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كان له قلب وَبِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ صَلَاحَ الْجَسَدِ وَفَسَادَهُ تَابِعًا لِلْقَلْبِ مَعَ أَنَّ الدِّمَاغَ مِنْ جُمْلَةِ الْجَسَدِ فَيَكُونُ صَلَاحُهُ وَفَسَادُهُ تَابِعًا لِلْقَلْبِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلْعَقْلِ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي الدِّمَاغِ بِأَنَّهُ إِذَا فَسَدَ الدِّمَاغُ فَسَدَ الْعَقْلُ وَيَكُونُ مِنْ فَسَادِ الدِّمَاغِ الصَّرَعُ فِي زَعْمِهِمْ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِفَسَادِ الْعَقْلِ عِنْدَ فَسَادِ الدِّمَاغِ مَعَ أَنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ فِيهِ وَلَا امْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْمَازِرِيُّ لَا سِيَّمَا عَلَى أُصُولِهِمْ فِي الِاشْتِرَاكِ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ بَيْنَ الدِّمَاغِ والقلب وهم يجعلون بين رأس المعدة وَالدِّمَاغِ اشْتِرَاكًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِسَمَاعِ النُّعْمَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا يُصِحُّونَ سَمَاعَ النُّعْمَانِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ حِكَايَةٌ ضَعِيفَةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنْ كَثْرَةِ تَعَاطِيهِ الشُّبُهَاتِ يُصَادِفُ الْحَرَامَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ وَقَدْ يَأْثَمُ بِذَلِكَ إِذَا نُسِبَ إِلَى تَقْصِيرٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَعْتَادُ التَّسَاهُلَ وَيَتَمَرَّنُ عَلَيْهِ وَيَجْسُرُ عَلَى شُبْهَةٍ ثُمَّ شُبْهَةٍ أَغْلَظَ مِنْهَا ثُمَّ أُخْرَى أَغْلَظَ وَهَكَذَا حَتَّى يَقَعَ فِي الْحَرَامِ عَمْدًا وَهَذَا نَحْوَ قَوْلِ السَّلَفِ الْمَعَاصِي بَرِيدُ الْكُفْرِ أَيْ تَسُوقُ إِلَيْهِ عَافَانَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الشَّرِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ) يُقَالُ أَوْشَكَ يُوشِكُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ أَيْ

(باب بيع البعير واستثناء ركوبه فيه حديث جابر وهو

يُسْرِعُ وَيَقْرَبُ قَوْلُهُ أَتَمُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ وَأَكْبَرُ هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ بِالْمُثَلَّثَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب بَيْعِ الْبَعِيرِ وَاسْتِثْنَاءِ رُكُوبِهِ فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ احتج بِهِ أَحْمَدُ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الدَّابَّةِ وَيَشْتَرِطُ الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ رُكُوبَهَا وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ مَسَافَةُ الرُّكُوبِ قَرِيبَةً وَحُمِلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى هَذَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ سَوَاءٌ قَلَّتِ الْمَسَافَةُ أَوْ كَثُرَتْ وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا وَبِالْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِأَنَّهَا قَضِيَّةُ عين تتطرق إليهااحتمالات قَالُوا وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ قَالُوا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ)

فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَضُرُّ الشَّرْطُ إِذَا كَانَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَلَعَلَّ الشَّرْطَ كَانَ سَابِقًا فَلَمْ يُؤَثِّرْ ثُمَّ تَبَرَّعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِرْكَابِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ بِوُقِيَّةٍ وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ سَبَقَتْ مِرَارًا وَيُقَالُ أُوقِيَّةٌ وَهِيَ أَشْهَرُ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِطَلَبِ الْبَيْعِ مِنْ مَالِكِ السِّلْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِضْهَا لِلْبَيْعِ قَوْلُهُ (وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلَانَهُ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ أَيِ الْحَمْلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (أتراني ما كستك) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمُمَاكَسَةُ هِيَ الْمُكَالَمَةُ فِي النَّقْصِ مِنَ الثَّمَنِ وَأَصْلُهَا النَّقْصُ وَمِنْهُ مَكْسُ الظَّالِمِ وَهُوَ مَا يَنْتَقِصُهُ وَيَأْخُذُهُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ قَوْلُهُ (فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ) وَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسِ أَوَاقٍ وَزَادَنِي أُوقِيَّةً وَفِي بَعْضِهَا بِأُوقِيَّتَيْنِ وَدِرْهَمٍ أو درهمين وفي بعضها بأوقية ذهب وَفِي بَعْضِهَا بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ وَزَادَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَفِي رِوَايَةٍ أَحْسِبُهُ بِأَرْبَعِ أَوَاقٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ بِوُقِيَّةٍ أَكْثَرُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الدَّاوُدِيُّ أُوقِيَّةُ الذَّهَبِ قَدْرُهَا مَعْلُومٌ وَأُوقِيَّةُ الْفِضَّةِ

أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا قَالَ وَسَبَبُ اخْتِلَافِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمْ رَوَوْا بِالْمَعْنَى وَهُوَ جَائِزٌ فَالْمُرَادُ وُقِيَّةُ ذَهَبٍ كَمَا فَسَّرَهُ فِي رِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرٍ وَيُحْمَلُ عَلَيْهَا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أُوقِيَّةً مُطْلَقَةً وَأَمَّا مَنْ رَوَى خَمْسَ أَوَاقٍ فَالْمُرَادُ خَمْسُ أَوَاقٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَهِيَ بِقَدْرِ قِيمَةِ أُوقِيَّةِ الذَّهَبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَكُونُ الْإِخْبَارُ بِأُوقِيَّةِ الذَّهَبِ عَمَّا وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ وعَنْ أَوَاقِ الْفِضَّةِ عَمَّا حَصَلَ بِهِ الْإِيْفَاءُ وَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ زِيَادَةً عَلَى الْأُوقِيَّةِ كَمَا قَالَ فَمَا زَالَ يَزِيدُنِي وَأَمَّا رِوَايَةُ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ فَمُوَافِقَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أُوقِيَّةُ الذَّهَبِ حِينَئِذٍ وَزْنَ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَأَمَّا رِوَايَةُ أُوقِيَّتَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ إِحْدَاهُمَا وَقَعَ بِهَا الْبَيْعُ وَالْأُخْرَى زِيَادَةٌ كَمَا قَالَ وَزَادَنِي أُوقِيَّةً وقوله ودرهم أَوْ دِرْهَمَيْنِ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ وَزَادَنِي قِيرَاطًا وَأَمَّا رِوَايَةُ عِشْرِينَ دِينَارًا فَمَحْمُولَةٌ عَلَى دَنَانِيرَ صِغَارٍ كَانَتْ لَهُمْ وَرِوَايَةُ أَرْبَعُ أَوَاقٍ شَكَّ فِيهَا الرَّاوِي فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ) هُوَ بِفَاءٍ مفتوحة ثم قاف وهي خرازاته أَيْ مَفَاصِلُ عِظَامِهِ وَاحِدَتُهَا فَقَارَةٌ قَوْلُهُ (فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَرُوسٌ) هَكَذَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ عَرُوسٌ كَمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ لَفْظُهَا وَاحِدٌ لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ فِي الْجَمْعِ فَيُقَالُ رَجُلٌ عَرُوسٌ وَرِجَالٌ عُرُسٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَامْرَأَةٌ عَرُوسٌ وَنِسْوَةٌ عَرَائِسُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفَلَا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ

سَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَضَبْطُ لَفْظِهِ وَالْخِلَافُ فِي مَعْنَاهُ مَعَ شَرْحِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قَوْلُهُ (فَإِنَّ لِرَجُلٍ عَلَيَّ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ فَهُوَ لَكَ بِهَا قَالَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِهِ) هَذَا قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ أَصْحَابُنَا فِي اشْتِرَاطِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ الْمُخْتَارَ انْعِقَادُهُ بِالْمُعَاطَاةِ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ بِالْمُعَاطَاةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْهَ فِيهِ عَنِ الْمُعَاطَاةِ وَالْقَائِلُ بِالْمُعَاطَاةِ يُجَوِّزُ هَذَا فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمُعَاطَاةَ إِنَّمَا تَكُونُ إِذَا حَضَرَ الْعِوَضَانِ فَأَعْطَى وَأَخَذَ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَحْضُرِ الْعِوَضَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِأَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ انْعِقَادُ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِهِ مَعَ قَوْلِ جَابِرٍ هُوَ لَكَ وَهَذَانِ اللَّفْظَانِ كِنَايَةٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ (أَعْطِهِ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ وَزِدْهُ) فِيهِ جَوَازُ الْوَكَالَةِ فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ وَأَدَاءِ الْحُقُوقِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الزِّيَادَةِ فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ وَإِرْجَاحِ الْوَزْنِ قَوْلُهُ (فَأَخَذَهُ أَهْلُ الشَّامِ يَوْمَ الْحَرَّةِ) يَعْنِي حَرَّةَ الْمَدِينَةِ كَانَ قِتَالٌ وَنَهْبٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ هُنَاكَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ مِنَ الْهِجْرَةِ

قَوْلُهُ (فَبِعْتُهُ مِنْهُ بِخَمْسِ أَوَاقٍ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فَبِعْتُهُ مِنْهُ وَهُوَ صَحِيحٌ جَائِزٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ يُقَالُ بِعْتُهُ وَبِعْتُ مِنْهُ وَقَدْ كَثُرَ ذِكْرُ نَظَائِرِهِ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ) هُوَ مُكْرَمٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَأَمَّا الْعَمِّيُّ فَبِتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي الْعَمِّ مِنْ تَمِيمٍ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ) هُوَ بِالنُّونِ والجيم

مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي نَاجِيَةَ وَهُمْ مِنْ بَنِي أُسَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ هُمْ أَوْلَادُ نَاجِيَةَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تَحْتَ أُسَامَةَ بن لؤي قوله (فلما قدم صرار) هُوَ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمَكْسُورَةٍ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ واشهر ولم يذكر الا كثرون غَيْرَهُ قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْخَطَّابِيِّ وغيرهما وعند أكثر شيوخنا صرار بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ بِئْرٌ قَدِيمَةٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى طَرِيقِ الْعِرَاقِ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا بِئْرٌ قَالَ وَضَبَطَهُ بَعْضُ الرواة في مسلم وبعضهم في البخاري ضرار بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ خَطَأٌ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ فَلَمَّا قَدِمَ صِرَارَ غَيْرَ مَصْرُوفٍ وَالْمَشْهُورُ صَرْفُهُ قَوْلُهُ (أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَذُبِحَتْ) فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْبَقَرِ الذَّبْحُ لَا النَّحْرُ وَلَوْ عُكِسَ جَازَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَنُحِرَتْ فَالْمُرَادُ بِالنَّحْرِ الذَّبْحُ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ قَوْلُهُ (أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ فَأُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيُصَلِّيَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ نَافِلَةَ النَّهَارِ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا فَوَائِدَ كَثِيرَةً إِحْدَاهَا هَذِهِ الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي انْبِعَاثِ جَمَلِ جَابِرٍ وَإِسْرَاعِهِ بَعْدَ إِعْيَائِهِ الثَّانِيَةُ جَوَازُ طَلَبِ الْبَيْعِ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِضْ سِلْعَتَهُ لِلْبَيْعِ الثَّالِثَةُ جَوَازُ الْمُمَاكَسَةِ فِي الْبَيْعِ وَسَبَقَ تَفْسِيرُهَا الرَّابِعَةُ اسْتِحْبَابُ سُؤَالِ الرَّجُلِ الْكَبِيرِ أَصْحَابَهُ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَالْإِشَارَةِ عَلَيْهِمْ بِمَصَالِحِهِمْ الْخَامِسَةُ اسْتِحْبَابُ نِكَاحِ الْبِكْرِ السَّادِسَةُ اسْتِحْبَابُ مُلَاعَبَةِ الزَّوْجَيْنِ السَّابِعَةُ

باب جواز اقتراض الحيوان واستحباب توفيته خيرا مما

فَضِيلَةُ جَابِرٍ فِي أَنَّهُ تَرَكَ حَظَّ نَفْسِهِ مِنْ نِكَاحِ الْبِكْرِ وَاخْتَارَ مَصْلَحَةَ أَخَوَاتِهِ بِنِكَاحِ ثَيِّبٍ تَقُومُ بِمَصَالِحِهِنَّ الثَّامِنَةُ اسْتِحْبَابُ الِابْتِدَاءِ بِالْمَسْجِدِ وَصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فِيهِ عِنْدَ الْقُدُومِ مِنَ السَّفَرِ التَّاسِعَةُ اسْتِحْبَابُ الدَّلَالَةِ عَلَى الْخَيْرِ الْعَاشِرَةُ اسْتِحْبَابُ ارجاح الميزان فيما يدفعه الحادية عشر أَنَّ أُجْرَةَ وَزْنِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ التَّبَرُّكُ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ لِقَوْلِهِ لَا تُفَارِقُهُ زِيَادَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ جَوَازُ تَقَدُّمِ بَعْضِ الْجَيْشِ الرَّاجِعِينَ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ جَوَازُ الْوَكَالَةِ فِي أَدَاءِ الْحُقُوقِ وَنَحْوِهَا وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سبق والله أعلم (باب جواز اقتراض الحيوان واستحباب توفيته خيرا مما عليه [1600] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ فَرَجَعَ إِلَيْهِ أَبُو رَافِعٍ فَقَالَ مَا أَجِدُ فِيهَا إِلَّا خِيَارًا رَبَاعِيًا فَقَالَ أَعْطِهِ إِيَّاهُ فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحَسَنُهُمْ قَضَاءً) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَقَالُوا إِنَّا لَا نَجِدُ إِلَّا سِنًّا هُوَ خَيْرٌ مِنْ سِنِّهِ قَالَ فَاشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَوْ خَيْرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ اسْتَقْرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِنًّا فَأَعْطَاهُ سِنًّا)

فَوْقَهُ وَقَالَ خِيَارُكُمْ مَحَاسِنُكُمْ قَضَاءً أَمَّا الْبَكْرُ مِنَ الْإِبِلِ فَبِفَتْحِ الْبَاءِ وَهُوَ الصَّغِيرُ كَالْغُلَامِ مِنَ الْآدَمِيِّينَ وَالْأُنْثَى بَكْرَةٌ وَقَلُوصٌ وَهِيَ الصَّغِيرَةُ كَالْجَارِيَةِ فَإِذَا اسْتَكْمَلَ سِتَّ سِنِينَ وَدَخَلَ فِي السَّابِعَةِ وَأَلْقَى رَبَاعِيَةً بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ فَهُوَ رَبَاعٌ وَالْأُنْثَى رَبَاعِيَةٌ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَأَعْطَاهُ رَبَاعِيًا بِتَخْفِيفِهَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِيَارُكُمْ مَحَاسِنُكُمْ قَضَاءً قَالُوا مَعْنَاهُ ذَوُو الْمَحَاسِنِ سَمَّاهُمْ بِالصِّفَةِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ هُوَ جَمْعُ مَحْسَنٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَأَكْثَرُ مَا يَجِيءُ أَحَاسِنُكُمْ جَمْعُ أَحْسَنَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الِاقْتِرَاضِ وَالِاسْتِدَانَةِ وَإِنَّمَا اقْتَرَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَاجَةِ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنَ الْمَغْرَمِ وَهُوَ الدَّيْنُ وَفِيهِ جَوَازُ اقْتِرَاضِ الْحَيَوَانِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهُ يَجُوزُ قَرْضُ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ إِلَّا الْجَارِيَةَ لِمَنْ يَمْلِكُ وَطْأَهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَيَجُوزُ إِقْرَاضُهَا لِمَنْ لَا يَمْلِكُ وَطْأَهَا كَمَحَارِمِهَا وَالْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي مذهب المزني وبن جَرِيرٍ وَدَاوُدَ أَنَّهُ يَجُوزُ قَرْضُ الْجَارِيَةِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَالثَّالِثُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَرْضُ شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُمُ النَّسْخَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ جَوَازُ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقَرْضِ وَفِيهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ قَرْضٍ وَغَيْرِهِ أَنْ يَرُدَّ أَجْوَدَ مِنَ الَّذِي عَلَيْهِ وَهَذَا مِنَ السُّنَّةِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مَا كَانَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الْقَرْضِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ فِي الْأَدَاءِ عَمَّا عَلَيْهِ وَيَجُوزُ لِلْمُقْرِضِ أَخْذُهَا سَوَاءٌ زَادَ فِي الصِّفَةِ أَوْ فِي الْعَدَدِ بِأَنْ أَقْرَضَهُ عَشَرَةً فَأَعْطَاهُ أَحَدَ عَشَرَ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْعَدَدِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَحُجَّةُ أَصْحَابِنَا عُمُومُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً قَوْلُهُ (فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلُ الصَّدَقَةِ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا مِمَّا يُسْتَشْكَلُ فَيُقَالُ فَكَيْفَ قَضَى مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ أَجْوَدَ مِنَ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْغَرِيمُ مَعَ أَنَّ النَّاظِرَ فِي الصَّدَقَاتِ لَا يَجُوزُ تَبَرُّعُهُ مَنْهَا وَالْجَوَابُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

اقْتَرَضَ لِنَفْسِهِ فَلَمَّا جَاءَتْ إِبِلُ الصَّدَقَةِ اشْتَرَى مِنْهَا بَعِيرًا رَبَاعِيًّا مِمَّنِ اسْتَحَقَّهُ فَمَلَكَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَمَنِهِ وَأَوْفَاهُ مُتَبَرِّعًا بِالزِّيَادَةِ مِنْ مَالِهِ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الْمُعْتَمَدُ وَقَدْ قِيلَ فِيهِ أَجْوِبَةٌ غَيْرُهُ مِنْهَا أَنَّ الْمُقْتَرِضَ كَانَ بَعْضَ الْمُحْتَاجِينَ اقْتَرَضَ لِنَفْسِهِ فَأَعْطَاهُ مِنَ الصَّدَقَةِ حِينَ جَاءَتْ وَأَمَرَهُ بِالْقَضَاءِ قَوْلُهُ [1601] (كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ فَأَغْلَظَ لَهُ فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا) فِيهِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ الْكَلَامُ الْمُعْتَادُ فِي الْمُطَالَبَةِ وَهَذَا الْإِغْلَاظُ الْمَذْكُورُ مَحْمُولٌ عَلَى تَشَدُّدٍ فِي الْمُطَالَبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كَلَامٍ فِيهِ قَدْحٌ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا يَقْتَضِي الْكُفْرَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْقَائِلَ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ كَانَ كَافِرًا مِنَ الْيَهُودِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَاللَّهُ أعلم

باب جواز بيع الحيوان بالحيوان من جنسه متفاضلا

(باب جواز بيع الحيوان بالحيوان من جنسه متفاضلا [1602] قَوْلُهُ (جَاءَ عَبْدٌ فَبَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَلَمْ يَشْعُرْ أَنَّهُ عَبْدٌ فَجَاءَ سَيِّدُهُ يُرِيدُهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعْنِيهِ فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ ثُمَّ لَمْ يُبَايِعْ أَحَدًا بَعْدُ حَتَّى يَسْأَلَهُ أَعَبْدٌ هُوَ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ سَيِّدَهُ كَانَ مُسْلِمًا وَلِهَذَا بَاعَهُ بِالْعَبْدَيْنِ الْأَسْوَدَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا أو أنها كَانَا كَافِرَيْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ مِلْكِهِ للعبد الذي بايع على الهجرة أما بينة وَإِمَّا بِتَصْدِيقِ الْعَبْدِ قَبْلَ إِقْرَارِهِ بِالْحُرِّيَّةِ وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْإِحْسَانِ الْعَامِّ فَإِنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ الْعَبْدَ خَائِبًا بِمَا قَصَدَهُ مِنَ الْهِجْرَةِ وَمُلَازَمَةِ الصُّحْبَةِ فَاشْتَرَاهُ لِيُتِمَّ لَهُ مَا أَرَادَ وَفِيهِ جَوَازُ بَيْعِ عَبْدٍ بِعَبْدَيْنِ سَوَاءٌ كَانَتِ الْقِيمَةُ مُتَّفِقَةً أَوْ مُخْتَلِفَةً وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إِذَا بِيعَ نَقْدًا وَكَذَا حُكْمُ سَائِرِ الْحَيَوَانِ فَإِنْ بَاعَ عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ أَوْ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إِلَى أَجَلٍ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ جَوَازُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ لَا يَجُوزُ وَفِيهِ مَذَاهِبُ لِغَيْرِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ) بَاب الرَّهْنِ وَجَوَازِهِ فِي الْحَضَرِ كَالسَّفَرِ فِي الْبَابِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طعاما

إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا لَهُ مِنْ حَدِيدٍ) فِيهِ جَوَازُ مُعَامَلَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْحُكْمُ بِثُبُوتِ املاكهم على مافي أَيْدِيهِمْ وَفِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّقَلُّلِ مِنَ الدُّنْيَا وَمُلَازَمَةِ الْفَقْرِ وَفِيهِ جَوَازُ الرَّهْنِ وَجَوَازُ رَهْنِ آلَةِ الْحَرْبِ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَجَوَازُ الرَّهْنِ فِي الْحَضَرِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً إِلَّا مُجَاهِدًا وَدَاوُدَ فَقَالَا لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي السَّفَرِ تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى دَلِيلِ خِطَابِ الْآيَةِ وَأَمَّا اشْتِرَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّعَامَ مِنَ الْيَهُودِيِّ وَرَهْنُهُ عِنْدَهُ دُونَ الصَّحَابَةِ فَقِيلَ فَعَلَهُ بَيَانًا لِجَوَازِ ذَلِكَ وَقِيلَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ طَعَامٌ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَةِ صَاحِبِهِ إِلَّا عِنْدَهُ وَقِيلَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَا يَأْخُذُونَ رَهْنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَقْبِضُونَ مِنْهُ الثَّمَنَ فَعَدَلَ إِلَى مُعَامَلَةِ الْيَهُودِيِّ لِئَلَّا يُضَيِّقَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ مُعَامَلَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ إِذَا لم يتحقق تحريم مَا مَعَهُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يبيع أهل الحرب سلاحا وآلة حرب ولا يَسْتَعِينُونَ بِهِ فِي إِقَامَةِ دِينِهِمْ وَلَا بَيْعَ مُصْحَفٍ وَلَا الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ لِكَافِرٍ مُطْلَقًا وَاللَّهُ أعلم

(باب السلم قال أهل اللغة يقال السلم والسلف وأسلم

(بَابُ السَّلَمِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ السَّلَمُ وَالسَّلَفُ وَأَسْلَمَ وَسَلَّمَ وَأَسْلَفَ وَسَلَّفَ وَيَكُونُ السَّلَفُ أَيْضًا قَرْضًا وَيُقَالُ اسْتَسْلَفَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَشْتَرِكُ السَّلَمُ وَالْقَرْضُ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إِثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ بِمَبْذُولٍ فِي الْحَالِ وَذَكَرُوا فِي حَدِّ السَّلَمِ عِبَارَاتٍ أَحْسَنُهَا أَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ بِبَذْلٍ يُعْطَى عَاجِلًا سُمِّيَ سَلَمًا لِتَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ وَسُمِّيَ سَلَفًا لِتَقْدِيمِ رَأْسِ الْمَالِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ [1604] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَلَّفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ) فِيهِ جَوَازُ السَّلَمِ وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قَدْرُهُ مَعْلُومًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يُضْبَطُ بِهِ فَإِنْ كَانَ مَذْرُوعًا كَالثَّوْبِ اشْتُرِطَ ذِكْرُ ذُرْعَانٍ مَعْلُومَةٍ وَإِنْ كَانَ مَعْدُودًا كَالْحَيَوَانِ اشْتُرِطَ ذِكْرُ عَدَدٍ مَعْلُومٍ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ إِنْ أَسْلَمَ فِي مَكِيلٍ فَلْيَكُنْ كَيْلُهُ مَعْلُومًا وَإِنْ كَانَ فِي مَوْزُونٍ فَليَكُنْ وَزْنًا مَعْلُومًا وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَلْيَكُنْ أَجَلُهُ مَعْلُومًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا اشْتِرَاطُ كَوْنِ السَّلَمِ مُؤَجَّلًا بَلْ يَجُوزُ حَالًّا لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ مؤجلا مع الغرر فجراز الْحَالِّ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ الْغَرَرِ وَلَيْسَ ذِكْرُ الْأَجَلِ فِي الْحَدِيثِ لِاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ بَلْ مَعْنَاهُ إِنْ كَانَ أَجَلٌ فَليَكُنْ مَعْلُومًا كَمَا أَنَّ الْكَيْلَ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الثِّيَابِ بِالذَّرْعِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْكَيْلَ بِمَعْنَى أَنَّهُ إِنْ أَسْلَمَ فِي مَكِيلٍ فَلْيَكُنْ كَيْلًا مَعْلُومًا أَوْ فِي مَوْزُونٍ فَلْيَكُنْ وَزْنًا مَعْلُومًا وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ السَّلَمِ الْحَالِّ مَعَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى جَوَازِ الْمُؤَجَّلِ فَجَوَّزَ الْحَالَّ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ وَأَجْمَعُوا عَلَى اشْتِرَاطِ وَصْفِهِ بِمَا يُضْبَطُ بِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ سَلَّفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ تَمْرٌ بِالْمُثَنَّاةِ وَفِي بَعْضِهَا ثَمَرٌ)

بِالْمُثَلَّثَةِ وَهُوَ أَعَمُّ وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ بِالْوَاوِ لَا بِأَوْ وَمَعْنَاهُ إِنْ أَسْلَمَ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا فَليَكُنْ مَعْلُومًا وَفِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ السَّلَمِ فِي الْمَكِيلِ وَزْنًا وَهُوَ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ وَفِي جَوَازِ السَّلَمِ فِي الْمَوْزُونِ كَيْلًا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا جَوَازُهُ كَعَكْسِهِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ جَمِيعًا عن بن عُيَيْنَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا عَنِ بن عُيَيْنَةَ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أَحْمَدَ الجلودي ووقع في رواية بن مَاهَانَ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ شُيُوخِهِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ عن بن عُلَيَّةَ وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَآخَرُونَ مِنَ الْحُفَّاظِ وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ بن مَاهَانَ قَالُوا وَمَنْ تَأَمَّلَ الْبَابَ عَرَفَ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي لِأَنَّ مُسْلِمًا ذَكَرَ أَوَّلًا حَدِيثَ بن عيينه عن بن أَبِي نَجِيحٍ وَفِيهِ ذِكْرُ الْأَجَلِ ثُمَّ ذَكَرَ حديث عبد الوارث عن بن أَبِي نَجِيحٍ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْأَجَلِ ثُمَّ ذكر حديث بن علية عن بن أَبِي نَجِيحٍ وَقَالَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ وَلَمْ يَذْكُرْ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ ذَكَرَ حديث سفيان الثوري عن بن أبي نجيح وقال بمثل حديث بن عُيَيْنَةَ يَذْكُرُ فِيهِ الْأَجَلَ

(باب تحريم الاحتكار في الأقوات [1605] قوله صلى الله عليه

(بَاب تَحْرِيمِ الِاحْتِكَارِ فِي الْأَقْوَاتِ [1605] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ) وفي رِوَايَةٍ لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْخَاطِئُ بِالْهَمْزِ هُوَ الْعَاصِي الْآثِمُ وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ الِاحْتِكَارِ قَالَ أَصْحَابُنَا الِاحْتِكَارُ الْمُحَرَّمُ هُوَ الِاحْتِكَارُ فِي الْأَقْوَاتِ خَاصَّةً وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ الطَّعَامَ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ لِلتِّجَارَةِ وَلَا يَبِيعُهُ فِي الْحَالِ بَلْ يَدَّخِرُهُ ليغلوا ثَمَنُهُ فَأَمَّا إِذَا جَاءَ مِنْ قَرْيَتِهِ أَوِ اشْتَرَاهُ فِي وَقْتِ الرُّخْصِ وَادَّخَرَهُ أَوِ ابْتَاعَهُ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ لِحَاجَتِهِ إِلَى أَكْلِهِ أَوِ ابْتَاعَهُ لِيَبِيعَهُ فِي وَقْتِهِ فَلَيْسَ بِاحْتِكَارٍ وَلَا تَحْرِيمَ فِيهِ وَأَمَّا غَيْرُ الْأَقْوَاتِ فَلَا يَحْرُمُ الِاحْتِكَارُ فِيهِ بِكُلِّ حَالٍ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي تَحْرِيمِ الِاحْتِكَارِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ عَامَّةِ النَّاسِ كَمَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَ إِنْسَانٍ طَعَامٌ واضطر الناس إليه ولم يجدوا غيره أجير عَلَى بَيْعِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ النَّاسِ وَأَمَّا مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمَعْمَرٍ رَاوِي الْحَدِيثِ أَنَّهُمَا كَانَا يَحْتَكِرَانِ فقال بن عبد البر وآخرون إنما كان يَحْتَكِرَانِ الزَّيْتَ وَحَمَلَا الْحَدِيثَ عَلَى احْتِكَارِ الْقُوتِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَالْغَلَاءِ وَكَذَا حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ وأبو حنيفة وآخرون وهو الصحيح قَوْلُ مُسْلِمٍ (وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ)

(باب النهي عن الحلف في البيع [1606] قوله صلى الله عليه

عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ) قَالَ الْغَسَّانِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ الْمَقْطُوعَةِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى مَقْطُوعًا إِنَّمَا هُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْمَجْهُولِ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي وَلَا يَضُرُّ هَذَا الْحَدِيثُ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ مُتَابَعَةً وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ مُتَّصِلَةٍ بِرِوَايَةِ مَنْ سَمَّاهُمْ مِنَ الثِّقَاتِ وَأَمَّا الْمَجْهُولُ فَقَدْ جَاءَ مُسَمًّى فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدِ بن عبد الله عن عمر بن يحيى إسناده وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب النَّهْيِ عَنْ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ [1606] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلرِّبْحِ) [1607] وَفِي رِوَايَةٍ إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يمحق المنفقة والممحقة بفتح أولهما وثالثهما واسكان ثانيهما وَفِيهِ النَّهْيُ عَنْ كَثْرَةِ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ الْحَلِفَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مَكْرُوهٌ وَيَنْضَمُّ إليه هنا تَرْوِيجُ السِّلْعَةِ وَرُبَّمَا)

(باب الشفعة [1608] قوله (صلى الله عليه وسلم من كان له شريك

اغتر المشتري باليمين والله أعلم (باب الشفعة [1608] قَوْلُهُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي رَبْعَةٍ أَوْ نَخْلٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ فَإِنْ رَضِيَ أَخَذَ وَإِنْ كَرِهَ تَرَكَ) وَفِي رِوَايَةٍ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَرِكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شِرْكٍ فِي أَرْضٍ أَوْ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يَعْرِضَ عَلَى شَرِيكِهِ فَيَأْخُذَ أَوْ يَدَعَ فَإِنْ أَبَى فَشَرِيكُهُ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يُؤْذِنَهُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الشُّفْعَةُ مِنْ شَفَعْتُ الشَّيْءَ إِذَا ضَمَمْتُهُ وَثَنَيْتُهُ وَمِنْهُ شَفَعَ الْأَذَانَ وَسُمِّيَتْ شُفْعَةً لِضَمِّ نَصِيبٍ إِلَى نَصِيبٍ وَالرَّبْعَةُ وَالرَّبْعُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الباء والربع الدار والمسكن وَمُطْلَقُ الْأَرْضِ وَأَصْلُهُ الْمَنْزِلُ الَّذِي كَانُوا يَرْتَبِعُونَ فِيهِ وَالرَّبْعَةُ تَأْنِيثُ الرَّبْعِ وَقِيلَ وَاحِدَةٌ وَالْجَمْعُ الذي هو اسم الجنس ربع كثمرة وتمر وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ فِي العقار مالم يُقْسَّمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحِكْمَةُ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ إزالة الضرر عن الشريك وحصت بِالْعَقَارِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ الْأَنْوَاعِ ضَرَرًا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَالْأَمْتِعَةِ وَسَائِرِ الْمَنْقُولِ قَالَ الْقَاضِي وَشَذَّ بَعْضُ النَّاسِ فَأَثْبَتَ الشُّفْعَةَ فِي الْعُرُوضِ وَهِيَ)

رواية عن عطاء وتثبت في كل شئ حتى في الثوب وكذا حكاها عنه بن الْمُنْذِرِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهَا تَثْبُتُ فِي الْحَيَوَانِ وَالْبِنَاءِ الْمُنْفَرِدِ وَأَمَّا الْمَقْسُومُ فَهَلْ تَثْبُتُ فيه الشفعة بالجواز فِيهِ خِلَافٌ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ العلماء لا تثبت بالجوار وحكاه بن الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيِّ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ وَأَبِي الزِّيَادِ وَرَبِيعَةَ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ تَثْبُتُ بِالْجِوَارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَثْبُتُ إِلَّا فِي عَقَارٍ مُحْتَمِلٍ لِلْقِسْمَةِ بِخِلَافِ الْحَمَّامِ الصَّغِيرِ وَالرَّحَى وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَيْضًا مَنْ يَقُولُ بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فَهُوَ عام يتناول المسلم والكافر والذمي فتثبت للذمي الشفعة على المسلم كما تثبت للمسلم على الذمي هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ وَأَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَا شُفْعَةَ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ وَفِيهِ ثُبُوتُ الشفعة للأعرابي كثبوتها للمقيم في البلدويه قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وبن الْمُنْذِرِ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ لَا شُفْعَةَ لِمَنْ لَا يَسْكُنُ بِالْمِصْرِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ فَإِنْ رَضِيَ أَخَذَ وَإِنْ كَرِهَ تَرَكَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا عَلَى النَّدْبِ إِلَى إِعْلَامِهِ وَكَرَاهَةِ بَيْعِهِ قَبْلَ إِعْلَامِهِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَيَتَأَوَّلُونَ الْحَدِيثَ عَلَى هَذَا وَيَصْدُقُ عَلَى الْمَكْرُوهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَلَالٍ وَيَكُونُ الْحَلَالُ بِمَعْنَى الْمُبَاحِ وَهُوَ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ وَالْمَكْرُوهُ لَيْسَ بِمُبَاحٍ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ بَلْ هُوَ رَاجِحُ التَّرْكِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا لَوْ أَعْلَمَ الشَّرِيكَ

(باب غرز الخشب في جدار الجار [1609] قوله صلى الله عليه

بِالْبَيْعِ فَأَذِنَ فِيهِ فَبَاعَ ثُمَّ أَرَادَ الشَّرِيكُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حنيفة واصحابهم وعثمان البتي وبن أَبِي لَيْلَى وَغَيْرُهُمْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ وَقَالَ الْحَكَمُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ وَعَنْ أَحْمَدَ روايتان كالمذهبين والله أعلم (باب غرز الخشب في جدار الجار [1609] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَمْنَعْ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ ثم يقول أبو هريرة مالي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَاللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ) قَالَ الْقَاضِي رُوِّينَا قَوْلُهُ خَشَبَةً فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأُصُولِ وَالْمُصَنَّفَاتِ خَشَبَةً بالإفراد وخشبة بِالْجَمْعِ قَالَ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ رَوْحِ بْنِ الفرج سألت أبا زيد والحرث بْنَ مِسْكِينٍ وَيُونُسَ بْنَ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْهُ فَقَالُوا كُلُّهُمْ خَشَبَةً بِالتَّنْوِينِ عَلَى الْإِفْرَادِ قَالَ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ كُلُّ النَّاسِ يَقُولُونَهُ بِالْجَمْعِ إِلَّا الطَّحَاوِيَّ وَقَوْلُهُ بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ هُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ أَيْ بَيْنَكُمْ قَالَ الْقَاضِي قَدْ رَوَاهُ بَعْضُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ أَكْنَافَكُمْ بِالنُّونِ وَمَعْنَاهُ أَيْضًا بَيْنَكُمْ وَالْكَنَفُ الْجَانِبُ وَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنِّي أُصَرِّحُ بِهَا بَيْنَكُمْ وَأُوجِعُكُمْ بِالتَّقْرِيعِ بِهَا كَمَا يُضْرَبُ الْإِنْسَانُ بِالشَّيْءِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ قَوْلُهُ مالي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ أَيْ عَنْ هَذِهِ السُّنَّةِ وَالْخَصْلَةِ وَالْمَوْعِظَةِ أَوِ الْكَلِمَاتِ وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ ابي داود فنكسوا رؤوسهم فقال مالي أَرَاكُمْ أَعْرَضْتُمْ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ هَلْ هُوَ عَلَى النَّدْبِ إِلَى تَمْكِينِ الْجَارِ مِنْ وَضْعِ الْخَشَبِ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ أَمْ عَلَى الْإِيجَابِ وَفِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ مَالِكٍ أَصَحُّهُمَا فِي الْمَذْهَبَيْنِ النَّدْبُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ وَالثَّانِي الْإِيجَابُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَهُوَ ظَاهِرُ الحديث ومن)

(باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها [1610] قوله صلى الله

قَالَ بِالنَّدْبِ قَالَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ تَوَقَّفُوا عن العمل فلهذا قال مالي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْهُ النَّدْبَ لَا الْإِيجَابَ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا أَطْبَقُوا عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب تَحْرِيمِ الظُّلْمِ وَغَصْبِ الْأَرْضِ وَغَيْرِهَا [1610] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقٍّ طَوَّقَهُ اللَّهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْأَرَضُونَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَفِيهَا لُغَةٌ قَلِيلَةٌ بِإِسْكَانِهَا حَكَاهَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْأَرَضِينَ سَبْعُ طَبَقَاتٍ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ وَأَمَّا تَأْوِيلُ الْمُمَاثَلَةِ عَلَى الْهَيْئَةِ وَالشَّكْلِ فَخِلَافُ الظَّاهِرِ وَكَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ سَبْعُ أَرَضِينَ مِنْ سَبْعِ أَقَالِيمَ لِأَنَّ الْأَرَضِينَ سَبْعُ طِبَاقٍ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ أَبْطَلَهُ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُطَوَّقِ الظَّالِمُ بِشِبْرٍ مِنْ هَذَا الْإِقْلِيمِ شَيْئًا مِنْ إِقْلِيمٍ آخَرَ بِخِلَافِ طِبَاقِ الْأَرْضِ فَإِنَّهَا تَابِعَةٌ لِهَذَا الشِّبْرِ فِي الْمِلْكِ فَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ مَلَكَهُ وَمَا تَحْتَهُ مِنَ الطِّبَاقِ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ جَاءَ فِي غِلَظِ الْأَرَضِينَ وَطِبَاقِهِنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ حَدِيثٌ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَأَمَّا التَّطْوِيقُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ فَقَالُوا يَحْتَمِلُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَحْمِلُ مِثْلَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ وَيُكَلَّفُ إِطَاقَةَ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يُجْعَلُ)

لَهُ كَالطَّوْقِ فِي عُنُقِهِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُطَوَّقُ إِثْمُ ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ كَلُزُومِ الطَّوْقِ بِعُنُقِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّطْوِيقِ فِي عنقه يطول اللَّهُ تَعَالَى عُنُقُهُ كَمَا جَاءَ فِي غِلَظِ جِلْدِ الْكَافِرِ وَعِظَمِ ضِرْسِهِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَحْرِيمُ الظُّلْمِ وَتَحْرِيمُ الْغَصْبِ وَتَغْلِيظُ عُقُوبَتِهِ وَفِيهِ إِمْكَانُ غَصْبِ الْأَرْضِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يتصور

غَصْبُ الْأَرْضِ [1612] وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الْأَرْضِ) هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ أَيْ قَدْرَ شِبْرٍ مِنَ الْأَرْضِ يُقَالُ قِيدَ وَقَادَ وَقِيسَ وَقَاسَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَفِي الْبَابِ حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَفِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَنْقَبَةٌ لَهُ وَقَبُولُ دُعَائِهِ وجواز الدعاء على الظالم ومستدل أَهْلِ الْفَضْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب قدر الطريق إذا اختلفوا فيه قوله صلى الله عليه

(بَاب قَدْرِ الطَّرِيقِ إِذَا اخْتَلَفُوا فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيقِ جُعِلَ عَرْضُهُ سَبْعَ أَذْرُعٍ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ سَبْعَ أَذْرُعٍ وَفِي بَعْضِهَا سَبْعَةَ أَذْرُعٍ وَهُمَا صَحِيحَانِ وَالذِّرَاعُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَالتَّأْنِيثُ أَفْصَحُ وَأَمَّا قَدْرُ الطَّرِيقِ فَإِنْ جَعَلَ الرَّجُلُ بَعْضَ أَرْضِهِ الْمَمْلُوكَ طَرِيقًا مُسَبَّلَةً لِلْمَارِّينَ فَقَدْرُهَا إِلَى خِيرَتِهِ وَالْأَفْضَلُ تَوْسِيعُهَا وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ مُرَادَةَ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ بَيْنَ أَرْضٍ لِقَوْمٍ وَأَرَادُوا إِحْيَاءَهَا فَإِنِ اتَّفَقُوا عَلَى شَيْءٍ فَذَاكَ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهِ جُعِلَ سَبْعَ أَذْرُعٍ وَهَذَا مُرَادُ الْحَدِيثِ أَمَّا إِذَا وَجَدْنَا طَرِيقًا مَسْلُوكًا وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ لَكِنْ لَهُ عِمَارَةُ مَا حَوَالَيْهِ مِنَ الْمَوَاتِ وَيَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ الْمَارِّينَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَتَى وَجَدْنَا جَادَّةً مُسْتَطْرَقَةً وَمَسْلَكًا مَشْرُوعًا نَافِذًا حَكَمْنَا بِاسْتِحْقَاقِ الِاسْتِطْرَاقِ فِيهِ بِظَاهِرِ الْحَالِ وَلَا يُعْتَبَرُ مُبْتَدَأُ مَصِيرِهِ شَارِعًا قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَلَا يَحْتَاجُ مَا يَجْعَلُهُ شَارِعًا إِلَى لَفْظٍ فِي مَصِيرِهِ شَارِعًا وَمُسَبَّلًا هَذَا مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ آخَرُونَ هَذَا فِي الْأَفْنِيَةِ إِذَا أَرَادَ أَهْلُهَا الْبُنْيَانَ فَيُجْعَلُ طَرِيقُهُمْ عَرْضُهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ لِدُخُولِ الْأَحْمَالِ وَالْأَثْقَالِ وَمَخْرَجِهَا وَتَلَاقِيهَا قَالَ الْقَاضِي هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الاختلاف كما نص عليه في الحديث فأما إذا اتَّفَقَ أَهْلُ الْأَرْضِ عَلَى قِسْمَتِهَا وَإِخْرَاجِ طَرِيقٍ منها كيف شاؤا فَلَهُمْ ذَلِكَ وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ) (كِتَاب الْفَرَائِضِ هِيَ جَمْعُ فَرِيضَةٍ مِنَ الْفَرْضِ وَهُوَ التَّقْدِيرُ لِأَنَّ سُهْمَانَ الْفُرُوضِ مُقَدَّرَةٌ وَيُقَالُ لِلْعَالِمِ بالفرائض)

فَرْضِيٌّ وَفَارِضٌ وَفَرِيضٌ كَعَالِمٍ وَعَلِيمٍ حَكَاهُ الْمُبَرِّدُ وَأَمَّا الْإِرْثُ فِي الْمِيرَاثِ فَقَالَ الْمُبَرِّدُ أَصْلُهُ الْعَاقِبَةُ وَمَعْنَاهُ الِانْتِقَالُ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى آخَرَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1614] (لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ بِحَذْفِ لَفْظَةِ يَرِثُ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَلَا يَرِثُ الْكَافِرَ أَيْضًا عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى تَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَافِرِ وَهُوَ مَذْهَبُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَمُعَاوِيَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمَسْرُوقٍ وَغَيْرِهِمْ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ نَحْوُهُ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ عَنْ هَؤُلَاءِ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الْإِسْلَامِ يعلو ولا يعلى عليه وحجة الجمهور هنا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الصَّرِيحُ وَلَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ الْإِسْلَامِ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فَضْلُ الْإِسْلَامِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لِمِيرَاثٍ فَكَيْفَ يُتْرَكُ بِهِ نَصُّ حَدِيثِ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَعَلَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ لَمْ يَبْلُغْهَا هَذَا الْحَدِيثُ وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَلَا يَرِثُ المرتد عند الشافعي ومالك وربيعة وبن أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِمْ بَلْ يَكُونُ مَالُهُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ على وبن مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ لَكِنْ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ مَا كَسَبَهُ فِي رِدَّتِهِ فَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَالَ الْآخَرُونَ الْجَمِيعُ لِوَرَثَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا تَوْرِيثُ الْكُفَّارِ بَعْضِهِمْ مِنْ

بَعْضٍ كَالْيَهُودِيِّ مِنَ النَّصْرَانِيِّ وَعَكْسِهِ وَالْمَجُوسِيِّ مِنْهُمَا وهما منه فقال به الشافعي وأبوحنيفة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَآخَرُونَ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَكِنْ لَا يَرِثُ حَرْبِيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ وَلَا ذِمِّيٌّ مِنْ حَرْبِيٍّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَذَا لَوْ كَانَا حَرْبِيَّيْنِ فِي بَلَدَيْنِ مُتَحَارِبَيْنِ لَمْ يتوارثا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1615] (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) وَفِي رِوَايَةٍ فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ وَفِي رِوَايَةٍ اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِأَوْلَى رَجُلٍ أَقْرَبُ رَجُلٍ مَأْخُوذٌ مِنَ الْوَلْيِ بِإِسْكَانِ اللَّامِ عَلَى وَزْنِ الرَّمْيِ وَهُوَ الْقُرْبُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِأَوْلَى هُنَا أَحَقَّ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ الرَّجُلُ أَوْلَى بِمَالِهِ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ هنا على أحق لخلى عَنِ الْفَائِدَةِ لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَنْ هُوَ الْأَحَقُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ ذَكَرٌ وَصْفَ الرَّجُلَ بِأَنَّهُ ذَكَرٌ تَنْبِيهًا عَلَى سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ وَهُوَ الذُّكُورَةُ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الْعُصُوبَةِ وَسَبَبُ التَّرْجِيحِ فِي الْإِرْثِ وَلِهَذَا جُعِلَ للذكر مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَحِكْمَتُهُ أَنَّ الرِّجَالَ تَلْحَقُهُمْ مُؤَنٌ كَثِيرَةٌ بِالْقِيَامِ بِالْعِيَالِ وَالضِّيفَانِ وَالْأَرِقَّاءِ وَالْقَاصِدِينَ وَمُوَاسَاةِ السَّائِلِينَ وَتَحَمُّلِ الْغَرَامَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي تَوْرِيثِ الْعَصَبَاتِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْفُرُوضِ فَهُوَ لِلْعَصَبَاتِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فَلَا يَرِثُ عَاصِبٌ بَعِيدٌ مَعَ وُجُودِ قَرِيبٍ فَإِذَا

خَلَّفَ بِنْتًا وَأَخًا وَعَمًّا فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ فَرْضًا وَالْبَاقِي لِلْأَخِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَمِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْعَصَبَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ كَالِابْنِ وَابْنِهِ وَالْأَخِ وَابْنِهِ وَالْعَمِّ وَابْنِهِ وَعَمِّ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَابْنِهِمَا وَنَحْوِهِمْ وَقَدْ يَكُونُ الْأَبُ وَالْجَدُّ عَصَبَةً وَقَدْ يَكُونُ لَهُمَا فَرْضٌ فَمَتَى كَانَ لِلْمَيِّتِ بن أو بن ابْنٍ لَمْ يَرِثِ الْأَبُ إِلَّا السُّدُسَ فَرْضًا ومتى لم يكن ولد ولا ولد بن وَرِثَ بِالتَّعْصِيبِ فَقَطْ وَمَتَى كَانَتْ بِنْتٌ أَوْ بنت بن أو بنتان أو بنتا بن أَخَذَ الْبَنَاتُ فَرْضَهُنَّ وَلِلْأَبِ مِنَ الْبَاقِي السُّدُسُ فَرْضًا وَالْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ هَذَا أَحَدُ الْأَقْسَامِ وَهُوَ الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ الْقِسْمُ الثَّانِي الْعَصَبَةُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْبَنَاتُ بِالْبَنِينَ وَبَنَاتُ الِابْنِ بِبَنِي الِابْنِ وَالْأَخَوَاتُ بِالْإِخْوَةِ وَالثَّالِثُ الْعَصَبَةُ مَعَ غَيْرِهِ وَهُوَ الْأَخَوَاتُ لِلْأَبَوَيْنِ أَوْ لِلْأَبِ مَعَ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ فَإِذَا خَلَّفَ بِنْتًا وَأُخْتًا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ فَرْضًا وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ بِالتَّعْصِيبِ وَإِنْ خلف بنتا وبنت بن وَأُخْتًا لِأَبَوَيْنِ أَوْ أُخْتًا لِأَبٍ فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ وَإِنْ خَلَّفَ بنتين وبنتي بن وَأُخْتًا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ وَلَا شَيْءَ لِبِنْتَيِ الِابْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ فَرْضِ جِنْسِ الْبَنَاتِ وَهُوَ الثُّلُثَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ أَطْلَقَ الْعَصَبَةَ فَالْمُرَادُ بِهِ الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ كُلُّ ذَكَرٍ يُدْلِي بِنَفْسِهِ بِالْقَرَابَةِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ أُنْثَى وَمَتَى انْفَرَدَ الْعَصَبَةُ أَخَذَ جَمِيعَ الْمَالِ وَمَتَى كان مع أصحاب فروض مستغرقة فلا شئ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقُوا كَانَ لَهُ الْبَاقِي بعد فروضهم وأقرب العصبات البنون ثم بنوهم ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَخٌ وَالْأَخُ إِنْ لَمْ يَكُنْ جَدٌّ فَإِنْ كَانَ جَدٌّ وَأَخٌ فَفِيهَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ ثُمَّ بَنُو الْإِخْوَةِ ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ ثُمَّ بَنُوهُمْ ثُمَّ أَعْمَامُ جَدِّ الْأَبِ ثُمَّ بَنُوهُمْ وَهَكَذَا وَمَنْ أَدْلَى بِأَبَوَيْنِ يُقَدَّمُ عَلَى مَنْ يُدْلِي بِأَبٍ فَيُقَدَّمُ أَخٌ مِنْ أَبَوَيْنِ عَلَى أَخٍ مِنْ أَبٍ وَيُقَدَّمُ عَمٌّ لِأَبَوَيْنِ عَلَى عَمٍّ بِأَبٍ وَكَذَا الْبَاقِي ويقدم الأخ من الأب على بن الْأَخِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّ جِهَةَ الْأُخُوَّةِ أَقْوَى وأقرب ويقدم بن أَخٍ لِأَبٍ عَلَى عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ وَيُقَدَّمُ عَمٌّ لأب على بن عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ وَكَذَا الْبَاقِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ خَلَّفَ بِنْتًا وَأُخْتًا لِأَبَوَيْنِ وَأَخًا لِأَبٍ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ لِلْبِنْتِ النِّصْفَ وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ ولا شيء للأخ وقال بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْأَخِ دُونَ الْأُخْتِ وَهَذَا

الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ [1616] (عَنْ جَابِرٍ مَرِضْتُ فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ يَعُودَانِي مَاشِيَانِ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ مَاشِيَانِ وَفِي بَعْضِهَا مَاشِيَيْنِ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ أَيْضًا وَتَقْدِيرُهُ وَهُمَا مَاشِيَانِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَاسْتِحْبَابُ الْمَشْيِ فِيهَا قَوْلُهُ (فَأُغْمِيَ عَلَيَّ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ فَأَفَقْتُ) الْوَضُوءُ هُنَا بِفَتْحِ الْوَاوِ الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ وَفِيهِ التَّبَرُّكُ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ وَفَضْلُ طَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ وَنَحْوِهِمَا وَفَضْلُ مُؤَاكَلَتِهِمْ وَمُشَارَبَتِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَفِيهِ ظُهُورُ آثَارِ بَرَكَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ رَدًّا عَلَى أَبِي يُوسُفَ الْقَائِلِ بِنَجَاسَتِهِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَبَّ مِنْ الْمَاءِ الْبَاقِي فِي الْإِنَاءِ وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ الْبَرَكَةُ الْعُظْمَى فِيمَا لَاقَى أَعْضَاءَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوُضُوءِ والله أعلم قوله (قلت يارسول اللَّهِ كَيْفَ أَقْضِي فِي مَالِي فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئًا حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ يَسْتَفْتُونَكَ قل الله يفتيكم في الكلالة) وَفِي رِوَايَةٍ فَنَزَلَتْ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ للذكر مثل حظ الانثيين وَفِي رِوَايَةٍ نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ فِيهِ جَوَازُ وَصِيَّةِ الْمَرِيضِ وَإِنْ كَانَ يَذْهَبُ عَقْلُهُ فِي بَعْضِ أَوْقَاتِهِ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْوَصِيَّةُ فِي حَالِ إِفَاقَتِهِ وَحُضُورِ عَقْلِهِ وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِهَذَا

الْحَدِيثِ مَنْ لَا يُجَوِّزُ الِاجْتِهَادَ فِي الْأَحْكَامِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَيَتَأَوَّلُونَ هَذَا الْحَدِيثَ وَشَبَهَهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ بِالِاجْتِهَادِ شَيْءٌ فَلِهَذَا لَمْ يَرُدَّ

عَلَيْهِ شَيْئًا رَجَاءَ أَنْ يَنْزِلَ الْوَحْيُ قَوْلُهُ [1617] (إِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنِّي لَا أَدَعُ بَعْدِي شَيْئًا أَهَمَّ عِنْدِي مِنَ الْكَلَالَةِ مَا رَاجَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مَا رَاجَعْتُهُ فِي الْكَلَالَةِ وَمَا أَغْلَظَ لِي فِي شَيْءٍ مَا أَغْلَظَ لِيَ فِيهِ حَتَّى طَعَنَ بِإِصْبَعَيْهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ يَا عُمَرُ أَلَا يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ وَإِنِّي إِنْ أَعِشْ أَقْضِ فِيهَا بِقَضِيَّةٍ يَقْضِي بِهَا مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَمَنْ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ) أما آية الصيف فلأنها نزلت فِي الصَّيْفِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَإِنِّي إِنْ أَعِشْ إِلَى آخِرِهِ هَذَا مِنْ كَلَامِ عُمَرَ لَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا أَخَّرَ الْقَضَاءَ فِيهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ظُهُورًا يَحْكُمُ بِهِ فَأَخَّرَهُ حَتَّى يُتِمَّ اجْتِهَادَهُ فِيهِ وَيَسْتَوْفِيَ نَظَرَهُ وَيَتَقَرَّرَ عِنْدَهُ حُكْمُهُ ثُمَّ يَقْضِيَ بِهِ وَيُشِيعَهُ بَيْنَ النَّاسِ وَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَغْلَظَ لَهُ لِخَوْفِهِ مِنَ اتِّكَالِهِ وَاتِّكَالِ غَيْرِهِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ صَرِيحًا وَتَرْكِهِمُ الِاسْتِنْبَاطَ مِنَ النُّصُوصِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم فالاعتناء بالاستنباط من آكد الواجبات المطلوبة لأن النُّصُوصَ الصَّرِيحَةَ لَا تَفِي إِلَّا بِيَسِيرٍ مِنَ الْمَسَائِلِ الْحَادِثَةِ فَإِذَا أُهْمِلَ الِاسْتِنْبَاطُ فَاتَ الْقَضَاءُ في

مُعْظَمِ الْأَحْكَامِ النَّازِلَةِ أَوْ فِي بَعْضِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1618] وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِقَاقِ الْكَلَالَةِ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ التَّكَلُّلِ وَهُوَ التَّطَرُّفُ فَابْنُ الْعَمِّ مَثَلًا يُقَالُ لَهُ كَلَالَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى عَمُودِ النَّسَبِ بَلْ عَلَى طَرَفِهِ وَقِيلَ مِنَ الْإِحَاطَةِ وَمِنْهُ الْإِكْلِيلُ وَهُوَ شِبْهُ عِصَابَةٍ تُزَيَّنُ بِالْجَوْهَرِ فَسُمُّوا كَلَالَةً لِإِحَاطَتِهِمْ بِالْمَيِّتِ مِنْ جَوَانِبِهِ وَقِيلَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ كَلَّ الشَّيْءُ إِذَا بَعُدَ وَانْقَطَعَ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ كَلَّتِ الرَّحِمُ إِذَا بَعُدَتْ وَطَالَ انْتِسَابُهَا وَمِنْهُ كَلَّ فِي مَشْيِهِ إِذَا انْقَطَعَ لِبُعْدِ مَسَافَتِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْكَلَالَةِ فِي الْآيَةِ عَلَى أَقْوَالٍ أَحَدُهَا الْمُرَادُ الْوِرَاثَةُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ وَتَكُونُ الْكَلَالَةُ مَنْصُوبَةً عَلَى تَقْدِيرِ يُورَثُ وِرَاثَةً كَلَالَةً وَالثَّانِي أَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَيِّتِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ ذَكَرًا كَانَ الْمَيِّتُ أَوْ أُنْثَى كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ عَقِيمٌ وَامْرَأَةٌ عَقِيمٌ وَتَقْدِيرُهُ يُورَثُ كَمَا يُورَثُ فِي حَالِ كَوْنِهِ كَلَالَةً وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا أبو بكر الصديق وعمر وعلي وبن مسعود وزيد بن ثابت وبن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ اسْمٌ لِلْوَرَثَةِ الَّذِينَ لَيْسَ فِيهِمْ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ احْتَجُّوا بِقَوْلِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلَالَةٌ وَلَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَالِ الْمَوْرُوثِ قَالَ الشِّيعَةُ الْكَلَالَةُ مَنْ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ جَدٌّ فَوَرَّثُوا الْإِخْوَةَ مَعَ الْأَبِ قَالَ الْقَاضِي وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ وَهِيَ رِوَايَةٌ بَاطِلَةٌ لَا تَصِحُّ عَنْهُ بَلِ الصَّحِيحُ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْكَلَالَةَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ قَالَ وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْوَرَثَةِ إِذَا كان فيهم جد هل الورثة كلالة أم لَا فَمَنْ قَالَ لَيْسَ الْجَدُّ أَبًا جَعَلَهَا كَلَالَةً وَمَنْ جَعَلَهُ أَبًا لَمْ يَجْعَلْهَا كَلَالَةً قَالَ الْقَاضِي وَإِذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ بِنْتٌ فَالْوَرَثَةُ كَلَالَةٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْعَصَبَاتِ يَرِثُونَ مَعَ الْبِنْتِ وقال بن عَبَّاسٍ لَا تَرِثُ

الْأُخْتُ مَعَ الْبِنْتِ شَيْئًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ وَقَالَتِ الشِّيعَةُ الْبِنْتُ تَمْنَعُ كَوْنَ الْوَرَثَةِ كَلَالَةً لِأَنَّهُمْ لَا يُوَرِّثُونَ الْأَخَ وَالْأُخْتَ مَعَ الْبِنْتِ شَيْئًا وَيُعْطُونَ الْبِنْتَ كُلَّ الْمَالِ وَتَعَلَّقُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وهو يرثها وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ تَوْرِيثَ النِّصْفِ لِلْأُخْتِ بِالْفَرْضِ لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ فَعَدَمُ الْوَلَدِ شَرْطٌ لِتَوْرِيثِهَا النِّصْفَ فَرْضًا لَا لِأَجْلِ تَوْرِيثِهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ عَدَمَ الْأَبِ فِي الْآيَةِ كَمَا ذَكَرَ عَدَمَ الْوَلَدِ مَعَ أَنَّ الْأَخَ وَالْأُخْتَ لَا يَرِثَانِ مَعَ الْأَبِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ قَاعِدَةِ أَصْلِ الْفَرَائِضِ أَنَّ مَنْ أَدْلَى بِشَخْصٍ لَا يَرِثُ مَعَ وُجُودِهِ إِلَّا أَوْلَادُ الْأُمِّ فَيَرِثُونَ مَعَهَا وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ فِي الْآيَةِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ مَنْ كَانَ مِنْ أَبَوَيْنِ أَوْ مِنْ أَبٍ عِنْدَ عَدَمِ الَّذِينَ مِنْ أَبَوَيْنِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالَّذِينَ فِي أَوَّلِهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ مِنَ الْأُمِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وله أخ أو أخت قَوْلُهُ (عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي السفر) هو

بِفَتْحِ الْفَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بِإِسْكَانِهَا حَكَاهُ القاضي عن أكثر شيوخهم قوله [1619] (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ لَا يُصَلِّي عَلَى ميت عليه دين إلا وفاه لَهُ) إِنَّمَا كَانَ يَتْرُكُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ لِيُحَرِّضَ النَّاسَ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ فِي حَيَاتِهِمْ وَالتَّوَصُّلِ إِلَى الْبَرَاءَةِ مِنْهَا لِئَلَّا تَفُوتَهُمْ صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ عَادَ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ وَيَقْضِي دَيْنَ مَنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ) فِيهِ الْأَمْرُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ) قِيلَ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْضِيهِ مِنْ مَالِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَقِيلَ مِنْ خَالِصِ مَالِ نَفْسِهِ وَقِيلَ كَانَ هَذَا الْقَضَاءُ وَاجِبًا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ تَبَرُّعٌ مِنْهُ وَالْخِلَافُ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي قَضَاءِ دَيْنِ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَقِيلَ يَجِبُ قَضَاؤُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَقِيلَ لَا يَجِبُ وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنَا قَائِمٌ بِمَصَالِحِكُمْ فِي حَيَاةِ أَحَدِكُمْ وَمَوْتِهِ وَأَنَا وَلِيُّهُ فِي الْحَالَيْنِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَضَيْتُهُ مِنْ عِنْدِي إِنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً

وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ لَا آخُذُ مِنْهُ شَيْئًا وَإِنْ خَلَّفَ عِيَالًا مُحْتَاجِينَ ضَائِعِينَ فَلْيَأْتُوا إِلَيَّ فَعَلَيَّ نَفَقَتُهُمْ وَمُؤْنَتُهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَأَنَا مَوْلَاهُ وَأَيُّكُمْ تَرَكَ مَالًا فَإِلَى الْعَصَبَةِ مَنْ كَانَ) وَفِي رِوَايَةٍ دَيْنًا أَوْ ضَيْعَةً وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنَا أَمَّا الضَّيَاعُ وَالضَّيْعَةُ فَبِفَتْحِ الضَّادِ وَالْمُرَادُ عِيَالٌ مُحْتَاجُونَ ضَائِعُونَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الضَّيَاعُ وَالضَّيْعَةُ هُنَا وَصْفٌ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ بِالْمَصْدَرِ أَيْ تَرَكَ أَوْلَادًا أَوْ عِيَالًا ذَوِي ضَيَاعٍ أَيْ لَا شَيْءَ لَهُمْ وَالضَّيَاعُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ مَا ضَاعَ ثُمَّ جُعِلَ اسْمًا لِكُلِّ مَا يَعْرِضُ لِلضَّيَاعِ وَأَمَّا الْكَلُّ فَبِفَتْحِ الْكَافِ قَالَ الخطابي وغيره المراد به ها هنا الْعِيَالُ وَأَصْلُهُ الثِّقَلُ وَمَعْنَى أَنَا مَوْلَاهُ أَيْ وليه وناصره والله أعلم

كتاب الهبات

( كتاب الهبات) (باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه قَوْلُهُ [1620] (حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ عَتِيقٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) مَعْنَاهُ تَصَدَّقْتُ بِهِ وَوَهَبْتُهُ لِمَنْ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْعَتِيقُ الْفَرَسُ النَّفِيسُ الْجَوَادُ السَّابِقُ قَوْلُهُ (فَأَضَاعَهُ صَاحِبُهُ) أَيْ قَصَّرَ في القيام بعلفه أو مؤنته قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَبْتَعْهُ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ) هَذَا نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ فَيُكْرَهُ لِمَنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ أَوْ أَخْرَجَهُ فِي زَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْقُرُبَاتِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِمَّنْ دَفَعَهُ هُوَ إِلَيْهِ أَوْ يَهَبَهُ أَوْ يَتَمَلَّكَهُ بِاخْتِيَارِهِ مِنْهُ فَأَمَّا إِذَا وَرِثَهُ مِنْهُ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَكَذَا لَوِ انْتَقَلَ إِلَى ثَالِثٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ الْمُتَصَدِّقُ فَلَا كَرَاهَةَ هَذَا مَذْهَبُنَا ومذهب الجمهور وقام جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ النَّهْيُ عَنْ شِرَاءِ صَدَقَتِهِ للتحريم والله أعلم)

(باب تحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض (إلا

(باب تحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض (إلا ما وهبه لولده وأن سفل) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1622] (مَثَلُ الَّذِي يَرْجِعُ فِي صَدَقَتِهِ كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ فَيَأْكُلُهُ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي تَحْرِيمِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ بَعْدَ إِقْبَاضِهِمَا وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى هِبَةِ الْأَجْنَبِيِّ أَمَّا إِذَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفُلَ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَلَا رُجُوعَ فِي)

(باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة [1623] قوله (عن

هِبَةِ الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِيِ الْأَرْحَامِ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ يَرْجِعُ كُلُّ وَاهِبٍ إِلَّا الْوَلَدَ وَكُلَّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ (باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة [1623] قَوْلُهُ (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْجِعْهُ) وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ فَارْدُدْهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ قَالَ لَا قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ قَالَ فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ فَلَا تُشْهِدْنِي إذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُشْهِدْنِي على جور)

وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ فَلَيْسَ يَصْلُحُ هَذَا وَإِنِّي لَا أَشْهَدُ إِلَّا عَلَى حَقٍّ أَمَّا قَوْلُهُ نَحَلْتُ فَمَعْنَاهُ وَهَبْتُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ فِي الْهِبَةِ وَيَهَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلَ الْآخَرِ وَلَا يُفَضِّلَ وَيُسَوِّيَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَكُونُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَلَوْ فَضَّلَ بَعْضَهُمْ أَوْ وَهَبَ لِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَالْهِبَةُ صَحِيحَةٌ وَقَالَ طَاوُسٌ وَعُرْوَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُدُ هُوَ حَرَامٌ وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَةِ لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ وَبِغَيْرِهَا مِنْ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي قَالُوا وَلَوْ كَانَ حَرَامًا أَوْ بَاطِلًا لَمَا قَالَ هَذَا الْكَلَامَ فَإِنْ قِيلَ قَالَهُ تَهْدِيدًا قُلْنَا الْأَصْلُ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ غَيْرُ هَذَا وَيَحْتَمِلُ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ صِيغَةَ أَفْعِلْ عَلَى الْوُجُوبِ أَوِ النَّدْبِ فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَعَلَى الْإِبَاحَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ حَرَامٌ لِأَنَّ الْجَوْرَ هُوَ الْمَيْلُ عَنِ الِاسْتِوَاءِ وَالِاعْتِدَالِ وَكُلُّ مَا خَرَجَ عَنِ الِاعْتِدَالِ فَهُوَ جور سواءكان حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا وَقَدْ وَضَحَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ فَيَجِبُ تَأْوِيلُ الْجَوْرِ عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ هِبَةَ بَعْضِ الْأَوْلَادِ دُونَ بَعْضٍ صَحِيحَةٌ وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَهَبِ الْبَاقِينَ مِثْلَ هَذَا اسْتُحِبَّ رَدُّ الْأَوَّلِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَهَبَ الْبَاقِينَ مِثْلَ الْأَوَّلِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلِ اسْتُحِبَّ رَدُّ الْأَوَّلِ وَلَا يَجِبُ وَفِيهِ جَوَازُ رُجُوعِ الْوَالِدِ فِي هِبَتِهِ لِلْوَلَدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (سَأَلَتْ أَبَاهُ بَعْضَ الْمَوْهُوبَةِ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَتَقْدِيرُ الْأَوَّلِ بَعْضُ الْأَشْيَاءِ الْمَوْهُوبَةِ قَوْلُهُ (فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً) أَيْ مَطَلَهَا

(باب العمرى قوله صلى الله عليه وسلم (أيما رجل أعمر

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَارِبُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) قَالَ الْقَاضِي رُوِّينَاهُ قَارِبُوا بالْبَاءِ مِنَ الْمُقَارَبَةِ وَبِالنُّونِ مِنَ الْقِرَانِ وَمَعْنَاهُمَا صَحِيحٌ أَيْ سَوُّوا بَيْنَهُمْ فِي أَصْلِ الْعَطَاءِ وَفِي قَدْرِهِ قَوْلُهَا (انْحَلِ [1624] ابْنِي غُلَامَكَ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ يُقَالُ نَحَلَ يَنْحَلُ كَذَهَبَ يَذْهَبُ (بَاب الْعُمْرَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْمَرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَإِنَّهَا لِلَّذِي أُعْطِيهَا لَا تَرْجِعُ إِلَى [1625] الَّذِي أَعْطَاهَا لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ) وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ أَعْمَرَ رَجُلًا عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَقَدْ قَطَعَ قَوْلُهُ حَقَّهُ فِيهَا وَهِيَ لِمَنْ أَعْمَرَ وَلِعَقِبِهِ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ جَابِرٌ إِنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ فَأَمَّا إِذَا قَالَ هِيَ لَكَ مَا عِشْتَ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلى)

صَاحِبِهَا وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ وَفِي رِوَايَةٍ الْعُمْرَى جَائِزَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ الْعُمْرَى مِيرَاثٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ العلماء العمرى قوله أعمرتك هذه الدار مئلا أَوْ جَعَلْتُهَا لَكَ عُمْرَكَ أَوْ حَيَاتَكَ أَوْ مَا عِشْتَ أَوْ حَيِيتَ أَوْ بَقِيتَ أَوْ مَا يُفِيدُ هَذَا الْمَعْنَى وَأَمَّا عَقِبُ الرَّجُلِ فبكسر القاف ويجور إِسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ الْعَيْنِ وَمَعَ كَسْرِهَا كَمَا فِي نَظَائِرِهِ وَالْعَقِبُ هُمْ أَوْلَادُ الْإِنْسَانِ مَا تَنَاسَلُوا قَالَ أَصْحَابُنَا الْعُمْرَى ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ يَقُولَ أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ فَإِذَا مِتَّ فَهِيَ لِوَرَثَتِكَ أَوْ لِعَقِبِكَ فَتَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ وَيَمْلِكُ بِهَذَا اللَّفْظِ رَقَبَةَ الدَّارِ وَهِيَ هِبَةٌ لَكِنَّهَا بِعِبَارَةٍ طَوِيلَةٍ فَإِذَا مَاتَ فَالدَّارُ لِوَرَثَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَلِبَيْتِ الْمَالِ وَلَا تَعُودُ إِلَى الْوَاهِبِ بِحَالٍ خِلَافًا لِمَالِكٍ الحالُ الثَّانِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ جَعَلْتُهَا لَكَ عُمْرَكَ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِمَا سِوَاهُ فَفِي صِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا وَهُوَ الْجَدِيدُ صِحَّتُهُ وَلَهُ حُكْمُ الْحَالِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِنَّمَا الْقَوْلُ الْقَدِيمُ أَنَّ الدَّارَ تَكُونُ لِلْمُعْمَرِ حَيَاتَهُ فَإِذَا مَاتَ عَادَتْ إِلَى الْوَاهِبِ أَوْ وَرَثَتِهِ لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِهَا حَيَاتَهُ فَقَطْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْقَدِيمُ أَنَّهَا

عَارِيَةٌ يَسْتَرِدُّهَا الْوَاهِبُ مَتَى شَاءَ فَإِذَا مَاتَ عَادَتْ إِلَى وَرَثَتِهِ الثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ جَعَلْتُهَا لَكَ عُمْرَكَ فَإِذَا مِتَّ عَادَتْ إِلَيَّ أَوْ إِلَى وَرَثَتِي إِنْ كُنْتُ مِتُّ فَفِي صِحَّتِهِ خِلَافٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ مَنْ أَبْطَلَهُ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ صِحَّتُهُ وَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْحَالِ الْأَوَّلِ وَاعْتَمَدُوا عَلَى الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُطْلَقَةِ الْعُمْرَى جَائِزَةٌ وَعَدَلُوا بِهِ عَنْ قِيَاسِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ يَمْلِكُهَا مِلْكًا تَامًّا يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَحْمَدُ تَصِحُّ الْعُمْرَى الْمُطْلَقَةُ دُونَ الْمُؤَقَّتَةِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ الْعُمْرَى فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ تَمْلِيكٌ لِمَنَافِعِ الدَّارِ مَثَلًا وَلَا يَمْلِكُ فِيهَا رَقَبَةَ الدَّارِ بِحَالٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالصِّحَّةِ كَنَحْوِ مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَهِيَ لَهُ بتلة) أي عطية ماضية غَيْرُ رَاجِعَةٍ إِلَى الْوَاهِبِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم

(أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَلَا تُفْسِدُوهَا إِلَى آخِرِهِ) الْمُرَادُ بِهِ إِعْلَامُهُمْ أَنَّ الْعُمْرَى هِبَةٌ صَحِيحَةٌ مَاضِيَةٌ يَمْلِكُهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ مِلْكًا تَامًّا لَا يَعُودُ إِلَى الْوَاهِبِ أَبَدًا فَإِذَا عَلِمُوا ذَلِكَ فَمَنْ شَاءَ أَعْمَرَ وَدَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَهَّمُونَ أَنَّهَا كَالْعَارِيَةِ وَيُرْجَعُ فِيهَا وَهَذَا دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ وَاللَّهُ أعلم

قَوْلُهُ (اخْتَصَمُوا إِلَى طَارِقٍ مَوْلَى عُثْمَانَ) هُوَ طَارِقُ بْنُ عَمْرٍو وَلَّاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مروان المدينة بعد امارة بن الزبير

(كتاب الوصية قال الأزهري هي مشتقة من وصيت الشيء

(كِتَابُ الْوَصِيَّةِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ وَصَيْتُ الشَّيْءَ أُوصِيهِ إِذَا وَصَلْتُهُ وَسُمِّيَتْ وَصِيَّةً لِأَنَّهُ وَصَلَ مَا كَانَ فِي حَيَاتِهِ بِمَا بَعْدَهُ وَيُقَالُ وَصَّى وَأَوْصَى إِيصَاءً وَالِاسْمُ الْوَصِيَّةُ وَالْوَصَاةُ وَاعْلَمْ أَنَّ أَوَّلَ كِتَابِ الْوَصِيَّةِ هُوَ ابْتِدَاءُ الْفَوَاتِ الثَّانِي مِنَ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي فَاتَتْ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ صَاحِبَ مُسْلِمٍ فَلَمْ يَسْمَعْهَا مِنْ مُسْلِمٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فِي الْفُصُولِ الَّتِي فِي أَوَّلِ هَذَا الشَّرْحِ وَسَبَقَ أَحَدُ الْمَوَاضِعِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَهَذَا أَوَّلُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ وَاللَّفْظُ لِابْنِ مُثَنَّى قالا حدثنا يحيى وهو بن سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي نافع عن بن عُمَرَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ [1627] فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثُ لَيَالٍ فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْأَمْرِ بِهَا لَكِنَّ مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَ الْجَمَاهِيرِ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ لَا وَاجِبَةٌ وَقَالَ دَاوُدُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ هِيَ وَاجِبَةٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا دَلَالَةَ لَهُمْ فِيهِ فَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِإِيجَابِهَا لَكِنْ إن)

كان على الإنسان دين أوحق أَوْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ وَنَحْوُهَا لَزِمَهُ الْإِيصَاءُ بِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا الْحَزْمُ وَالِاحْتِيَاطُ لِلْمُسْلِمِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةً عِنْدَهُ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا وَأَنْ يَكْتُبَهَا فِي صِحَّتِهِ وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ فِيهَا وَيَكْتُبُ فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَإِنْ تَجَدَّدَ لَهُ أَمْرٌ يَحْتَاجُ إِلَى الْوَصِيَّةِ بِهِ أَلْحَقَهُ بِهَا قَالُوا وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَكْتُبَ كُلَّ يَوْمٍ مُحَقَّرَاتِ الْمُعَامَلَاتِ وجزيئات الْأُمُورِ الْمُتَكَرِّرَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ فَمَعْنَاهُ مَكْتُوبَةٌ وَقَدْ أشهد

عَلَيْهِ بِهَا لَا أَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْكِتَابَةِ بَلْ لَا يُعْمَلُ بِهَا وَلَا تَنْفَعُ إِلَّا إِذَا كَانَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَكْفِي الْكِتَابُ مِنْ غَيْرِ إِشْهَادٍ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَجَعٍ أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَأَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لِلْإِمَامِ كَاسْتِحْبَابِهَا لِآحَادِ النَّاسِ وَمَعْنَى أَشْفَيْتُ عَلَى الْمَوْتِ أي قاربته وَأَشْرَفْتُ عَلَيْهِ يُقَالُ أَشْفَى عَلَيْهِ وَأَشَافَ قَالَهُ الهروى وقال بن قُتَيْبَةَ لَا يُقَالُ أَشْفَى إِلَّا فِي الشَّرِّ قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ الْوَجَعُ اسْمٌ لِكُلِّ مَرَضٍ وَفِيهِ جَوَازُ ذِكْرِ الْمَرِيضِ مَا يَجِدُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ مِنْ مُدَاوَاةٍ أَوْ دُعَاءِ صَالِحٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوِ اسْتِفْتَاءٍ عَنْ حَالِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّسَخُّطِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ قَادِحٌ فِي أَجْرِ مَرَضِهِ قَوْلُهُ (وَأَنَا ذُو مَالٍ) دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ جَمْعِ الْمَالِ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْعُرْفِ إِلَّا لِمَالٍ كَثِيرٍ قَوْلُهُ (وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي) أَيْ وَلَا يَرِثُنِي مِنَ الْوَلَدِ وَخَوَاصِّ الْوَرَثَةِ وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ لَهُ عَصَبَةٌ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَرِثُنِي مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ قَوْلُهُ (أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ لَا قُلْتُ أَفَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ قَالَ لَا الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ) بِالْمُثَلَّثَةِ وَفِي بَعْضٍ بِالْمُوَحَّدَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَالَ الْقَاضِي يَجُوزُ نَصْبُ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ وَرَفْعُهُ أَمَّا النَّصْبُ فَعَلَى الْإِغْرَاءِ أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ فِعْلٍ أَيْ أَعْطِ الثُّلُثَ وَأَمَّا الرَّفْعُ فَعَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ أَيْ يَكْفِيكَ الثُّلُثُ أو أنه

مُبْتَدَأٌ وَحُذِفَ خَبَرُهُ أَوْ خَبَرٌ مَحْذُوفُ الْمُبْتَدَأِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُرَاعَاةُ الْعَدْلِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْوَصِيَّةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنْ كَانَتِ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ اسْتُحِبَّ أَنْ يُوصِيَ بِالثُّلُثِ تَبَرُّعًا وَإِنْ كَانُوا فُقَرَاءَ اسْتُحِبَّ أَنْ يُنْقِصَ مِنَ الثُّلُثِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ وَارِثٌ لَا تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ إِلَّا بِإِجَازَتِهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى نُفُوذِهَا بِإِجَازَتِهِ فِي جَمِيعِ الْمَالِ وَأَمَّا مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَإِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْ علي وبن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَمَّا قَوْلُهُ أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالصَّدَقَةِ الْوَصِيَّةَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الصَّدَقَةَ الْمُنَجَّزَةَ وَهُمَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً سَوَاءٌ لَا يَنْفُذُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إِلَّا بِرِضَا الْوَارِثِ وَخَالَفَ أَهْلُ الظَّاهِرِ فَقَالُوا لِلْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِكُلِّ مَالِهِ وَيَتَبَرَّعُ بِهِ كَالصَّحِيحِ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ ظَاهِرُ حَدِيثِ الثُّلُثُ كَثِيرٌ مَعَ حَدِيثِ الَّذِي أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ فِي مَرَضِهِ فَأَعْتَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ) الْعَالَةُ الْفُقَرَاءُ وَيَتَكَفَّفُونَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ فِي أَكُفِّهِمْ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ رُوِّينَا قَوْلُهُ إِنْ تَذَرْ وَرَثَتَكَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ حَثٌّ عَلَى صِلَةِ الْأَرْحَامِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْأَقَارِبِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى الْوَرَثَةِ وَأَنَّ صِلَةَ الْقَرِيبِ الْأَقْرَبِ وَالْإِحْسَانَ إِلَيْهِ أَفْضَلُ مِنَ الْأَبْعَدِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى تَرْجِيحِ الْغَنِيِّ عَلَى الْفَقِيرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى اللُّقْمَةُ تَجْعَلُهَا فِي فِيِ امْرَأَتِكَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْإِنْفَاقِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ وَفِيهِ أَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ وَأَنَّهُ إِنَّمَا يُثَابُ عَلَى عَمَلِهِ بِنِيَّتِهِ وَفِيهِ أَنَّ الْإِنْفَاقَ عَلَى الْعِيَالِ يُثَابُ عَلَيْهِ إِذَا قَصَدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ أَنَّ الْمُبَاحَ إِذَا قُصِدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى صَارَ طَاعَةً وَيُثَابُ عَلَيْهِ وَقَدْ نَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اللُّقْمَةُ تَجْعَلُهَا فِي فِيِ امْرَأَتِكَ لِأَنَّ زَوْجَةَ الْإِنْسَانِ هِيَ مِنْ أَخَصِّ حُظُوظِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَشَهَوَاتِهِ وملاذه المباحة

وَإِذَا وَضَعَ اللُّقْمَةَ فِي فِيهَا فَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْعَادَةِ عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ وَالْمُلَاطَفَةِ وَالتَّلَذُّذِ بِالْمُبَاحِ فَهَذِهِ الْحَالَةُ أَبْعَدُ الْأَشْيَاءِ عَنِ الطَّاعَةِ وَأُمُورِ الْآخِرَةِ وَمَعَ هَذَا فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إِذَا قَصَدَ بِهَذِهِ اللُّقْمَةِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى حَصَلَ لَهُ الْأَجْرُ بِذَلِكَ فَغَيْرُ هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْلَى بِحُصُولِ الْأَجْرِ إِذَا أَرَادَ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا فَعَلَ شَيْئًا أَصْلُهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَقَصَدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى يُثَابُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ كَالْأَكْلِ بِنِيَّةِ التَّقَوِّي عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالنَّوْمِ لِلِاسْتِرَاحَةِ لِيَقُومَ إِلَى الْعِبَادَةِ نَشِيطًا وَالِاسْتِمْتَاعِ بِزَوْجَتِهِ وَجَارِيَتِهِ لِيَكُفَّ نَفْسَهُ وَبَصَرَهُ وَنَحْوِهِمَا عن الحرام وليقضي حقها وليحصل وَلَدًا صَالِحًا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي قَالَ إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً) فَقَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ أُخَلَّفُ بِمَكَّةَ بَعْدَ أَصْحَابِي فَقَالَهُ إِمَّا إِشْفَاقًا مِنْ مَوْتِهِ بِمَكَّةَ لِكَوْنِهِ هَاجَرَ مِنْهَا وَتَرَكَهَا لِلَّهِ تَعَالَى فَخَشِيَ أَنْ يَقْدَحَ ذَلِكَ فِي هِجْرَتِهِ أَوْ فِي ثَوَابِهِ عَلَيْهَا أَوْ خَشِيَ بقاءه بِمَكَّةَ بَعْدَ انْصِرَافِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَتَخَلُّفِهِ عَنْهُمْ بِسَبَبِ الْمَرَضِ وَكَانُوا يَكْرَهُونَ الرُّجُوعَ فِيمَا تَرَكُوهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أُخَلَّفُ عن هجرته قَالَ الْقَاضِي قِيلَ كَانَ حُكْمُ الْهِجْرَةِ بَاقِيًا بَعْدَ الْفَتْحِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَقِيلَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِمَنْ كَانَ هَاجَرَ قَبْلَ الْفَتْحِ فَأَمَّا مَنْ هَاجَرَ بَعْدَهُ فَلَا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عملا فالمراد بالتخلف طول العمر والبقاء في الحياة بعد جماعات من أصحابه وفي هذا الحديث فضيلة طُولَ الْعُمْرِ لِلِازْدِيَادِ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْحَثِّ عَلَى إِرَادَةِ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْأَعْمَالِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يُنْفَعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَنْتَفِعَ بِزِيَادَةِ التَّاءِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ فَإِنَّ سَعْدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَاشَ حَتَّى فَتَحَ الْعِرَاقَ وَغَيْرَهُ وَانْتَفَعَ بِهِ أَقْوَامٌ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَتَضَرَّرَ بِهِ الْكُفَّارُ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ فَإِنَّهُمْ قُتِلُوا وَصَارُوا إِلَى جَهَنَّمَ وَسُبِيَتْ نِسَاؤُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ وَغُنِمَتْ أَمْوَالُهُمْ وَدِيَارُهُمْ وَوَلِيَ الْعِرَاقَ فَاهْتَدَى

عَلَى يَدَيْهِ خَلَائِقُ وَتَضَرَّرَ بِهِ خَلَائِقُ بِإِقَامَتِهِ الْحَقَّ فِيهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَنَحْوِهِمْ قَالَ الْقَاضِي قِيلَ لَا يُحْبِطُ أَجْرَ هِجْرَةِ الْمُهَاجِرِ بَقَاؤُهُ بِمَكَّةَ وَمَوْتُهُ بِهَا إِذَا كَانَ لِضَرُورَةٍ وَإِنَّمَا كَانَ يُحْبِطُهُ مَا كَانَ بِالِاخْتِيَارِ قَالَ وَقَالَ قَوْمٌ مَوْتُ الْمُهَاجِرِ بِمَكَّةَ مُحْبِطٌ هِجْرَتَهُ كَيْفَمَا ما كَانَ قَالَ وَقِيلَ لَمْ تُفْرَضِ الْهِجْرَةُ إِلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ خَاصَّةً قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ) قَالَ الْقَاضِي اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ بَقَاءَ الْمُهَاجِرِ بِمَكَّةَ كَيْفَ كَانَ قَادِحٌ فِي هِجْرَتِهِ قَالَ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ عِنْدِي لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ دَعَا لَهُمْ دُعَاءً عَامًّا وَمَعْنَى أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ أَيْ أتممها ولاتبطلها وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ بِتَرْكِ هِجْرَتِهِمْ وَرُجُوعِهِمْ عَنْ مُسْتَقِيمِ حَالِهِمُ الْمَرْضِيَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ) الْبَائِسُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَثَرُ الْبُؤْسِ وَهُوَ الْفَقْرُ وَالْقِلَّةُ قَوْلُهُ (يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي وَلَيْسَ هُوَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلِ انْتَهَى كَلَامُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ فَقَالَ الرَّاوِي تَفْسِيرًا لِمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ يَرْثِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَوَجَّعُ لَهُ وَيَرِقُّ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَاتَ بِمَكَّةَ وَاخْتَلَفُوا فِي قَائِلِ هَذَا الْكَلَامِ مَنْ هُوَ فَقِيلَ هُوَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ قَالَ الْقَاضِي وَأَكْثَرُ مَا جَاءَ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي قِصَّةِ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ فَقِيلَ لَمْ يُهَاجِرْ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى مَاتَ بِهَا قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ هَاجَرَ وَشَهِدَ بَدْرًا ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى مكة ومات بها وقال بن هِشَامٍ إِنَّهُ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ الْهِجْرَةَ الثَّانِيَةَ وشهد بدار وَغَيْرَهَا وَتُوُفِّيَ بِمَكَّةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ وَقِيلَ تُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ سَبْعٍ فِي الْهُدْنَةِ خَرَجَ مُجْتَازًا مِنَ الْمَدِينَةِ فَعَلَى هَذَا

وَعَلَى قَوْلِ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ سَبَبُ بُؤْسِهِ سُقُوطُ هِجْرَتِهِ لِرُجُوعِهِ مُخْتَارًا وَمَوْتِهِ بِهَا وَعَلَى قَوْلِ الْآخَرِينَ سَبَبُ بُؤْسِهِ مَوْتُهُ بِمَكَّةَ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِاخْتِيَارِهِ لِمَا فَاتَهُ مِنَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ الْكَامِلِ بِالْمَوْتِ فِي دَارِ هِجْرَتِهِ وَالْغُرْبَةِ عَنْ وَطَنِهِ إِلَى هجرة الله تَعَالَى قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَّفَ مَعَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَجُلًا وَقَالَ لَهُ إِنْ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ فَلَا تَدْفِنْهُ بِهَا وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِمُسْلِمٍ قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ خَشِيتُ أَنْ أَمُوتَ بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرْتُ مِنْهَا كَمَا مَاتَ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ وَسَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ هَذَا هُوَ زَوْجُ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ هَذَا جَوَازُ تَخْصِيصِ عُمُومِ الْوَصِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ) هُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ فَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْحَفَرِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْفَاءِ وَهِيَ مَحَلَّةٌ بِالْكُوفَةِ كَانَ أَبُو دَاوُدَ يَسْكُنُهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاسْمُ أَبِي دَاوُدَ هَذَا عَمْرُو بْنُ سَعْدٍ الثقة الزاهد الصالح العابد قال علي الْمَدِينِيِّ مَا أَعْلَمُ أَنِّي

رَأَيْتُ بِالْكُوفَةِ أَعْبَدَ مِنْ أَبِي دَاوُدَ الْحَفَرِيِّ وَقَالَ وَكِيعٌ إِنْ كَانَ يُدْفَعُ بِأَحَدٍ فِي زَمَانِنَا يَعْنِي الْبَلَاءَ وَالنَّوَازِلَ فَبِأَبِي دَاوُدَ تُوُفِّيَ سنة ثلاث وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَتَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ (عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ كُلُّهُمْ يُحَدِّثُهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى سَعْدٍ يَعُودُهُ بِمَكَّةَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ قَالُوا مَرِضَ سَعْدٌ بِمَكَّةَ فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُرْسَلَةٌ وَالْأُولَى مُتَّصِلَةٌ لِأَنَّ أَوْلَادَ سَعْدٍ تَابِعِيُّونَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مُسْلِمٌ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ لِيُبَيِّنَ اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا وَشَبَهُهُ مِنَ الْعِلَلِ الَّتِي وَعَدَ مُسْلِمٌ فِي خُطْبَةِ كِتَابِهِ أَنَّهُ يَذْكُرُهَا فِي مَوَاضِعِهَا فَظَنَّ ظَانُّونَ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا مُفْرَدَةً وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ قَبْلَ ذِكْرِهَا وَالصَّوَابُ أَنَّهُ ذَكَرَهَا فِي تَضَاعِيفِ كِتَابِهِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ في أول هذا الشرح ولا بقدح هَذَا الْخِلَافُ فِي صِحَّةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَا فِي صِحَّةِ أَصْلِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ ثابت من طرق من غير جهة حميد عَنْ أَوْلَادِ سَعْدٍ وَثَبَتَ وَصْلُهُ عَنْهُمْ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ

وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّ الْحَدِيثَ إِذَا رُوِيَ مُتَّصِلًا وَمُرْسَلًا فَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ مَحْكُومٌ بِاتِّصَالِهِ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ وَقَدْ عَرَّضَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِتَضْعِيفِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ عَنِ اعْتِرَاضِهِ الْآنَ وَفِي مَوَاضِعَ نَحْوَ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ لَوْ أَنَّ [1629] النَّاسَ غَضُّوا مِنَ الثُّلُثِ إِلَى الرُّبْعِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ

(باب وصول ثواب الصدقات إلى الميت [1630] قوله (إن أبي مات

قَوْلُهُ غَضُّوا بِالْغَيْنِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ أَيْ نَقَصُوا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ النَّقْصِ عَنِ الثُّلُثِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مُطْلَقًا وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَرَثَتُهُ أَغْنِيَاءَ اسْتُحِبَّ الْإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ وَإِلَّا فَيُسْتَحَبُّ النَّقْصُ مِنْهُ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ الله عنه أنه أوصى بالخمس وعن علي رضي الله عنه نحوه وعن بن عُمَرَ وَإِسْحَاقَ بِالرُّبْعِ وَقَالَ آخَرُونَ بِالسُّدُسِ وَآخَرُونَ بِدُونِهِ وَقَالَ آخَرُونَ بِالْعُشْرِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانُوا يَكْرَهُونَ الْوَصِيَّةَ بِمِثْلِ نصيب أحد الورثة وروى عن علي وبن عباس وعائشة وغيرهم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَهُ وَرَثَةٌ وَمَالُهُ قَلِيلٌ تَرْكُ الْوَصِيَّةِ قَوْلُهُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ حدثنا بن نُمَيْرٍ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ بن عَبَّاسٍ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا وَهِيَ مِنْ رِوَايَةِ الْجُلُودِيِّ فَفِي جَمِيعِهَا أَبُو كُرَيْبٍ وذكر القاضي أنه وقع في نسخة بن مَاهَانَ أَبُو كُرَيْبٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَفِي نُسْخَةِ الْجُلُودِيِّ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ بَدَلَ أَبِي كُرَيْبٍ والصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب وُصُولِ ثَوَابِ الصَّدَقَاتِ إِلَى الْمَيِّتِ [1630] قَوْلُهُ (إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا وَلَمْ يُوصِ فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ) وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ)

نَفْسُهَا وَإِنِّي أَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ فَلِيَ أَجْرٌ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ قَوْلُهُ (افْتُلِتَتْ) بِالْفَاءِ وَضَمِّ التَّاءِ أَيْ مَاتَتْ بَغْتَةً وَفَجْأَةً وَالْفَلْتَةُ وَالِافْتِلَاتُ مَا كَانَ بَغْتَةً وَقَوْلُهُ نَفْسُهَا بِرَفْعِ السِّينِ وَنَصْبِهَا هَكَذَا ضَبَطُوهُ وَهُمَا صحيحان الرفع على مالم يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَالنَّصْبُ عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي وَأَمَّا قَوْلُهُ أَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ مَعْنَاهُ لِمَا عَلِمَهُ مِنْ حِرْصِهَا عَلَى الْخَيْرِ أَوْ لِمَا عَلِمَهُ مِنْ رَغْبَتِهَا فِي الْوَصِيَّةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ 1 جَوَازُ الصَّدَقَةِ عَنْ الْمَيِّتِ 2 وَاسْتِحْبَابُهَا 3 وَأَنَّ ثَوَابَهَا يَصِلُهُ وَيَنْفَعُهُ 4 وَيَنْفَعُ الْمُتَصَدِّقَ أَيْضًا وَهَذَا كُلُّهُ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ هَذَا الشَّرْحِ فِي شَرْحِ مُقَدِّمَةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ 5 وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُخَصِّصَةٌ لِعُمُومِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ التَّصَدُّقُ عَنْ مَيِّتِهِ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَأَمَّا الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ الثَّابِتَةُ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَرِكَةٌ وَجَبَ قَضَاؤُهَا مِنْهَا سَوَاءٌ أَوْصَى بِهَا الْمَيِّتُ أَمْ لَا وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ سَوَاءٌ دُيُونُ اللَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَبَدَلِ الصَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَدَيْنِ الْآدَمِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ لَمْ يَلْزَمِ الْوَارِثَ قَضَاءُ دَيْنِهِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ قَضَاؤُهُ قَوْلُهُ

(باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته [1631] قوله صلى

فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ أَيْ هَلْ تُكَفِّرُ صَدَقَتِي عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته [1631] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ عَمَلَ الْمَيِّتِ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ وَيَنْقَطِعُ تَجَدُّدُ الْثوَابِ لَهُ إِلَّا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ لِكَوْنِهِ كَانَ سَبَبَهَا فَإِنَّ الْوَلَدَ مِنْ كَسْبِهِ وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ الَّذِي خَلَّفَهُ مِنْ تَعْلِيمٍ أَوْ تَصْنِيفٍ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ وَهِيَ الْوَقْفُ وَفِيهِ فَضِيلَةُ الزَّوَاجِ لِرَجَاءِ وَلَدٍ صَالِحٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِيهِ وَأَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِصِحَّةِ أَصْلِ الْوَقْفِ وَعَظِيمِ ثَوَابِهِ وَبَيَانُ فَضِيلَةِ الْعِلْمِ وَالْحَثُّ عَلَى الِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ وَالتَّرْغِيبُ فِي تَوْرِيثِهِ بِالتَّعْلِيمِ وَالتَّصْنِيفِ وَالْإِيضَاحِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَارَ مِنَ الْعُلُومِ الْأَنْفَعَ فَالْأَنْفَعَ وَفِيهِ أَنَّ الدُّعَاءَ يَصِلُ ثَوَابُهُ إِلَى الْمَيِّتِ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ وَهُمَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِمَا وَكَذَلِكَ قَضَاءُ الدَّيْنِ كَمَا سَبَقَ وَأَمَّا الْحَجُّ فَيَجْزِي عَنِ الْمَيِّتِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ وَهَذَا دَاخِلٌ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ إِنْ كَانَ حَجًّا وَاجِبًا وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا وصى به فهو مِنْ بَابِ الْوَصَايَا وَأَمَّا إِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَلِيَّ يَصُومُ عَنْهُ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَجَعْلُ ثَوَابِهَا لِلْمَيِّتِ وَالصَّلَاةُ عَنْهُ وَنَحْوُهُمَا فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهَا لَا تَلْحَقُ الْمَيِّتَ وَفِيهَا خِلَافٌ وَسَبَقَ إِيضَاحُهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الشَّرْحِ في شرح مقدمة صحيح مسلم)

قوله (أصاب عمر أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه

( [1632] قَوْلُهُ (أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ فَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ قَالَ إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ قَالَ فَتَصَدَّقَ عُمَرُ فِي الْفُقَرَاءِ وَفِي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وبن السبيل والضعيف لاجناح عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ) وَفِي رِوَايَةٍ غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا أَمَّا قَوْلُهُ هُوَ أَنْفَسُ فَمَعْنَاهُ أَجْوَدُ وَالنَّفِيسُ الْجَيِّدُ وَقَدْ نَفُسَ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّ الْفَاءِ نَفَاسَةً وَاسْمُ هَذَا الْمَالِ الَّذِي وَقَفَهُ عُمَرُ ثَمْغٌ بِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ غَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ فَمَعْنَاهُ غَيْرُ جَامِعٍ وَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ أَصْلٌ قَدِيمٌ أَوْ جُمِعَ حَتَّى يَصِيرَ لَهُ أَصْلٌ فَهُوَ مُؤَثَّلٌ وَمِنْهُ مَجْدٌ مُؤَثَّلٌ أَيْ قَدِيمٌ وَأَثْلَةُ الشَّيْءِ أَصْلُهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ أَصْلِ الْوَقْفِ وَأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِشَوَائِبِ الْجَاهِلِيَّةِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صِحَّةِ وَقْفِ الْمَسَاجِدِ وَالسِّقَايَاتِ وَفِيهِ أَنَّ الوقف لا يباع ولا يوهب ولا يورث إنما يتبع فيه شرط الواقف وفيه صحة شروط الواقف وَفِيهِ فَضِيلَةُ الْوَقْفِ وَهِيَ الصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ وَفِيهِ فَضِيلَةُ الْإِنْفَاقِ مِمَّا يُحِبُّ وَفِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ مُشَاوَرَةُ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ فِي الْأُمُورِ وَطُرُقِ الْخَيْرِ وَفِيهِ أَنَّ خَيْبَرَ فُتِحَتْ)

(باب ترك الوصية لمن ليس له شئ يوصي فيه قوله (عن

عَنْوَةً وَأَنَّ الْغَانِمِينَ مَلَكُوهَا وَاقْتَسَمُوهَا وَاسْتَقَرَّتْ أَمْلَاكُهُمْ عَلَى حِصَصِهِمْ وَنَفَذَتْ تَصَرُّفَاتُهُمْ فِيهَا وَفِيهِ فَضِيلَةُ صِلَةِ الْأَرْحَامِ وَالْوَقْفِ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ يَأْكُلُ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ فَمَعْنَاهُ يَأْكُلُ الْمُعْتَادَ وَلَا يَتَجَاوَزُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب تَرْكِ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ لَيْسَ له شئ يُوصِي فِيهِ قَوْلُهُ (عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَحُكِيَ فَتْحُ الرَّاءِ [1634] وَالصَّوَابُ الْمَشْهُورُ كَسْرُهَا قَوْلُهُ (سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى هَلْ أَوْصَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)

فَقَالَ لَا قُلْتُ فَلِمَ كُتِبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْوَصِيَّةُ أَوْ فَلِمَ أُمِرُوا بِالْوَصِيَّةِ قَالَ أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى) [1635] وَفِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا وَلَا أَوْصَى بِهِ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ ذَكَرُوا عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ [1636] عَنْهُ كَانَ وَصِيًّا فَقَالَتْ مَتَى أَوْصَى إِلَيْهِ فَقَدْ كُنْتُ مُسْنِدَتَهُ إِلَى صَدْرِي أَوْ قَالَتْ حِجْرِي فَدَعَا بِالطَّسْتِ فَلَقَدِ انْخَنَثَ فِي حِجْرِي وَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُ مَاتَ فَمَتَى أَوْصَى أَمَّا قَوْلُهَا انْخَنَثَ فَمَعْنَاهُ مَالَ وَسَقَطَ وَأَمَّا حِجْرُ الْإِنْسَانِ وَهُوَ حِجْرُ ثَوْبِهِ فَبِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ لَمْ يُوصِ فَمَعْنَاهُ لَمْ يُوصِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا غَيْرِهِ إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَا أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا إِلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا يَزْعُمُهُ الشِّيعَةُ وَأَمَّا الْأَرْضُ الَّتِي كَانَتْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بخيبر وفدك فقد سلبها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ وَنَجَّزَ الصَّدَقَةَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي وَصِيَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَوَصِيَّتِهِ بِأَهْلِ بَيْتِهِ وَوَصِيَّتِهِ بِإِخْرَاجِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَبِإِجَازَةِ الْوَفْدِ فَلَيْسَتْ مُرَادَةً بِقَوْلِهِ لَمْ يُوصِ إِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ مَقْصُودُ السَّائِلِ عَنِ الْوَصِيَّةِ فَلَا مُنَاقَضَةَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَقَوْلُهُ أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ أَيْ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ وَمَعْنَاهُ أَنَّ مِنَ الْأَشْيَاءِ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ نَصًّا وَمِنْهَا مَا يَحْصُلُ بِالِاسْتِنْبَاطِ وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ فَلِمَ كُتِبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْوَصِيَّةُ فَمُرَادُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الموت إن ترك خيرا الوصية وَهَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ السَّائِلَ أَرَادَ بِكَتْبِ الْوَصِيَّةِ النَّدْبَ إِلَيْهَا

والله أعلم قوله [1637] (عن بن عَبَّاسٍ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ) مَعْنَاهُ تَفْخِيمُ أَمْرِهِ فِي الشِّدَّةِ وَالْمَكْرُوهِ فِيمَا يَعْتَقِدُهُ بن عباس وهو امتناع الكتاب ولهذا قال بن عَبَّاسٍ الرَّزِيَّةُ كُلُّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أن يكتب هذا الكتاب هذا مراد بن عَبَّاسٍ وَإِنْ كَانَ الصَّوَابُ تَرْكَ الْكِتَابِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اشْتَدَّ وَجَعُهُ (ائْتُونِي بِالْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ أَوِ اللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا فَقَالُوا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهْجُرُ) وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ فَاخْتَصَمُوا ثُمَّ ذُكِرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَرَادَ الْكِتَابَ وَبَعْضَهُمْ وَافَقَ عُمَرَ وَأَنَّهُ لَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالِاخْتِلَافَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُومُوا اعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ مِنَ الْكَذِبِ وَمِنْ تَغْيِيرِ شَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَحَالِ مَرَضِهِ وَمَعْصُومٌ مِنْ تَرْكِ بَيَانِ مَا أُمِرَ بِبَيَانِهِ وَتَبْلِيغِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ تَبْلِيغَهُ وَلَيْسَ مَعْصُومًا مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ الْعَارِضَةِ لِلْأَجْسَامِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا نَقْصَ فِيهِ لِمَنْزِلَتِهِ وَلَا فَسَادَ لِمَا تَمَهَّدَ مِنْ شَرِيعَتِهِ وَقَدْ سُحِرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَارَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَلَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ وَلَمْ يَصْدُرْ منه صلى الله عليه وسلم وفي هَذَا الْحَالِ كَلَامٌ فِي الْأَحْكَامِ مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي قَرَّرَهَا فَإِذَا عَلِمْتَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْكِتَابِ الَّذِي هَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ فَقِيلَ أَرَادَ أَنْ يَنُصَّ عَلَى الْخِلَافَةِ فِي إِنْسَانٍ مُعَيَّنٍ لِئَلَّا يَقَعَ نِزَاعٌ وَفِتَنٌ وَقِيلَ أَرَادَ كِتَابًا يُبَيِّنُ فِيهِ مُهِمَّاتِ الْأَحْكَامِ مُلَخَّصَةً لِيَرْتَفِعَ النِّزَاعُ فِيهَا وَيَحْصُلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِالْكِتَابِ حِينَ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ أَوْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ تَرْكُهُ أَوْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ وَنُسِخَ ذَلِكَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا كَلَامُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ دَلَائِلِ فِقْهِ عُمَرَ وَفَضَائِلِهِ وَدَقِيقِ نَظَرِهِ لِأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَكْتُبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمُورًا رُبَّمَا عَجَزُوا عَنْهَا وَاسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَنْصُوصَةٌ لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهَا فَقَالَ عُمَرُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى مَا فَرَّطْنَا في الكتاب من شيء وقوله اليوم أكملت لكم دينكم فَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْمَلَ دِينَهُ فَأَمِنَ الضَّلَالَ عَلَى الْأُمَّةِ وَأَرَادَ التَّرْفِيهَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ عُمَرُ أفقه من بن عَبَّاسٍ وَمُوَافِقِيهِ قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِهِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ إِنَّمَا قَصَدَ عُمَرُ التَّخْفِيفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يكتب مالا يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ لَمْ يَتْرُكْهُ لِاخْتِلَافِهِمْ وَلَا لِغَيْرِهِ لقوله تعالى بلغ ما أنزل إليك كَمَا لَمْ يَتْرُكْ تَبْلِيغَ غَيْرِ ذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ مَنْ خَالَفَهُ وَمُعَادَاةِ مَنْ عَادَاهُ وَكَمَا أَمَرَ فِي ذَلِكَ الْحَالِ بِإِخْرَاجِ الْيَهُودِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيثِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ حَكَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبْلَهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ اسْتِخْلَافَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى مَا عَلِمَهُ مِنْ تَقْدِيرِ اللَّهِ

تَعَالَى ذَلِكَ كَمَا هَمَّ بِالْكِتَابِ فِي أَوَّلِ مَرَضِهِ حِينَ قَالَ وَارَأْسَاهُ ثُمَّ تَرَكَ الْكِتَابَ وَقَالَ يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ نَبَّهَ أُمَّتَهُ عَلَى اسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ بِتَقْدِيمِهِ إِيَّاهُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بَيَانَ أَحْكَامِ الدِّينِ وَرَفْعِ الْخِلَافِ فِيهَا فَقَدْ عَلِمَ عُمَرُ حُصُولَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا تَقَعُ وَاقِعَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَفِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ بَيَانُهَا نَصًّا أَوْ دَلَالَةً وَفِي تَكَلُّفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ مَعَ شِدَّةِ وَجَعِهِ كِتَابَةَ ذَلِكَ مَشَقَّةٌ وَرَأَى عُمَرُ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ إِيَّاهُ نَصًّا أَوْ دلالة تخفيفا عليه ولئلا ينسد بَابُ الِاجْتِهَادِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَإِلْحَاقِ الْفُرُوعِ بِالْأُصُولِ وَقَدْ كَانَ سَبَقَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَ بَعْضَ الْأَحْكَامِ إِلَى اجْتِهَادِ الْعُلَمَاءِ وَجَعَلَ لَهُمُ الْأَجْرَ عَلَى الِاجْتِهَادِ فَرَأَى عُمَرُ الصَّوَابَ تَرْكُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ فَضِيلَةِ الْعُلَمَاءِ بِالِاجْتِهَادِ مَعَ التَّخْفِيفِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي تَرْكِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِنْكَارَ عَلَى عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِصْوَابِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ عُمَرَ عَلَى أَنَّهُ تَوَهَّمَ الْغَلَطَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ ظَنَّ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ بِحَالٍ لَكِنَّهُ لَمَّا رَأَى مَا غَلَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَجَعِ وَقُرْبِ الْوَفَاةِ مَعَ مَا اعْتَرَاهُ مِنَ الْكَرْبِ خَافَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَوْلُ مِمَّا يَقُولُهُ الْمَرِيضُ مِمَّا لَا عَزِيمَةَ لَهُ فِيهِ فَتَجِدُ الْمُنَافِقُونَ بِذَلِكَ سَبِيلًا إِلَى الْكَلَامِ فِي الدِّينِ وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَاجِعُونَهُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ قَبْلَ أَنْ يَجْزِمَ فِيهَا بِتَحْتِيمٍ كَمَا رَاجَعُوهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْخِلَافِ وَفِي كِتَابِ الصُّلْحِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ فَأَمَّا إِذَا أَمَرَ بِالشَّيْءِ أَمْرَ عَزِيمَةٍ فَلَا يُرَاجِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَالَ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ وَقَدْ أَجْمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ قَالَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ رَفَعَ دَرَجَتَهُ فَوْقَ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ فَلَمْ يُنَزِّهْهُ عَنْ سِمَاتِ الْحَدَثِ وَالْعَوَارِضِ الْبَشَرِيَّةِ وَقَدْ سَهَى فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُنْكَرُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ حُدُوثُ بَعْضِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي مَرَضِهِ فَيَتَوَقَّفُ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ حَتَّى تَتَبَيَّنَ حَقِيقَتُهُ فَلِهَذِهِ الْمَعَانِي وَشَبَهِهَا رَاجَعَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ فَاسْتَصْوَبَ عُمَرُ مَا قَالَهُ قَالَ وَقَدِ اعْتَرَضَ عَلَى حَدِيثِ اخْتِلَافُ أُمَّتِي رحمة رجلان أحدهما مغموض عَلَيْهِ فِي دِينِهِ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ الْجَاحِظُ وَالْآخَرُ مَعْرُوفٌ بِالسُّخْفِ وَالْخَلَاعَةِ وَهُوَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيُّ فَإِنَّهُ لَمَّا

وَضَعَ كِتَابَهُ فِي الْأَغَانِي وَأَمْكَنَ فِي تِلْكَ الْأَبَاطِيلِ لَمْ يَرْضَ بِمَا تَزَوَّدَ مِنْ إِثْمِهَا حَتَّى صَدَّرَ كِتَابَهُ بِذَمِّ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَزَعَمَ أنهم يروون مالا يَدْرُونَ وَقَالَ هُوَ وَالْجَاحِظُ لَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ رَحْمَةً لَكَانَ الِاتِّفَاقُ عَذَابًا ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ اخْتِلَافُ الْأُمَّةِ رَحْمَةً فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً فَإِذَا اخْتَلَفُوا سَأَلُوهُ فَبَيَّنَ لَهُمْ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ رَحْمَةً أَنْ يَكُونَ ضِدُّهُ عَذَابًا وَلَا يَلْتَزِمُ هَذَا وَيَذْكُرُهُ إِلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُتَجَاهِلٌ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه فَسَمَّى اللَّيْلَ رَحْمَةً وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّهَارُ عَذَابًا وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالِاخْتِلَافُ فِي الدِّينِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا فِي إِثْبَاتِ الصَّانِعِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَإِنْكَارُ ذَلِكَ كُفْرٌ وَالثَّانِي فِي صِفَاتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَإِنْكَارُهَا بِدْعَةٌ وَالثَّالِثُ فِي أَحْكَامِ الْفُرُوعِ الْمُحْتَمِلَةِ وُجُوهًا فَهَذَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَحْمَةً وَكَرَامَةً لِلْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِحَدِيثِ اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ إِنْ قِيلَ كَيْفَ جَازَ لِلصَّحَابَةِ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائْتُونِي أَكْتُبُ وَكَيْفَ عَصَوْهُ فِي أَمْرِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْأَوَامِرَ تُقَارِنُهَا قَرَائِنُ تَنْقُلُهَا مِنَ النَّدْبِ إِلَى الْوُجُوبِ عِنْدَ مَنْ قَالَ أَصْلُهَا لِلنَّدْبِ وَمِنَ الْوُجُوبِ إِلَى النَّدْبِ عِنْدَ مَنْ قَالَ أَصْلُهَا لِلْوُجُوبِ وَتَنْقُلُ القُرائنُ أَيْضًا صِيغَةَ أَفْعَلُ إِلَى الْإِبَاحَةِ وَإِلَى التَّخْيِيرِ وَإِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ ضُرُوبِ الْمَعَانِي فَلَعَلَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من القرائن مادل عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِمْ بَلْ جَعَلَهُ إِلَى اخْتِيَارِهِمْ فَاخْتَلَفَ اخْتِيَارُهُمْ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِمْ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى رُجُوعِهِمْ إِلَى الِاجْتِهَادِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ فَأَدَّى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ هَذَا وَلَعَلَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ صدرمنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ جَازِمٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ هَجَرَ وَبِقَوْلِ عُمَرَ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ وَمَا قَارَنَهُ مِنَ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ عَلَى نَحْوِ مَا يَعْهَدُونَهُ مِنْ أُصُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَبْلِيغِ الشَّرِيعَةِ وَأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى غَيْرِهِ مِنْ طُرُقِ التَّبْلِيغِ الْمُعْتَادَةِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَظَهَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ دُونَ غَيْرِهِ فَخَالَفُوهُ وَلَعَلَّ عُمَرَ خَافَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ قَدْ يَتَطَرَّقُونَ إِلَى الْقَدْحِ فِيمَا اشْتَهَرَ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَبَلَّغَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ بِكِتَابٍ يُكْتَبُ فِي خَلْوَةٍ وَآحَادٍ وَيُضِيفُونَ إِلَيْهِ شَيْئًا لشبهوا بِهِ عَلَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَلِهَذَا قَالَ عِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وْقَوْلُهُ أَهَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَهَجَرَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَ

أصح من رواية من روى هَجَرَ وَيَهْجُرُ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ مَعْنَى هَجَرَ هَذَى وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا مِنْ قَائِلِهِ اسْتِفْهَامًا لِلْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ قَالَ لَا تَكْتُبُوا أَيْ لَا تَتْرُكُوا أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَجْعَلُوهُ كَأَمْرِ مَنْ هَجَرَ فِي كَلَامِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَهْجُرُ وَإِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَاتُ الْأُخْرَى كَانَتْ خَطَأً مِنْ قَائِلِهَا قَالَهَا بِغَيْرِ تَحْقِيقٍ بَلْ لِمَا أَصَابَهُ مِنَ الْحَيْرَةِ وَالدَّهْشَةِ لِعَظِيمِ مَا شَاهَدَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ الدَّالَّةِ عَلَى وَفَاتِهِ وَعَظِيمِ الْمُصَابِ بِهِ وَخَوْفِ الْفِتَنِ وَالضَّلَالِ بَعْدَهُ وَأَجْرَى الْهُجْرَ مَجْرَى شِدَّةِ الْوَجَعِ وَقَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ نَازَعَهُ لَا عَلَى أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ) مَعْنَاهُ دَعُونِي مِنَ النِّزَاعِ وَاللَّغَطِ الَّذِي شَرَعْتُمْ فِيهِ فَالَّذِي أَنَا فِيهِ مِنْ مُرَاقَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّأَهُّبِ لِلِقَائِهِ وَالْفِكْرِ فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ أَفْضَلُ مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ مَا بَيْنَ أَقْصَى عَدَنِ الْيَمَنِ إِلَى رِيفِ الْعِرَاقِ فِي الطُّولِ وَأَمَّا فِي الْعَرْضِ فَمِنْ جُدَّةَ وَمَا وَالَاهَا إِلَى أَطْرَافِ الشَّامِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ هِيَ مَا بَيْنَ حَفَرِ أَبِي مُوسَى إِلَى أَقْصَى الْيَمَنِ فِي الطُّولِ وَأَمَّا فِي الْعَرْضِ فَمَا بَيْنَ رَمْلِ يَرِينَ إِلَى مُنْقَطَعِ السَّمَاوَةِ وَقَوْلُهُ حَفَرُ أَبِي مُوسَى هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ أَيْضًا قَالُوا وَسُمِّيَتْ جَزِيرَةً لِإِحَاطَةِ الْبِحَارِ بِهَا مِنْ نَوَاحِيهَا وَانْقِطَاعِهَا عَنِ الْمِيَاهِ الْعَظِيمَةِ وَأَصْلُ الْجُزُرِ فِي اللُّغَةِ الْقِطَعُ وَأُضِيفَتْ إِلَى الْعَرَبِ لِأَنَّهَا الْأَرْضُ الَّتِي كَانَتْ بِأَيْدِيهِمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَدِيَارُهمُ الَّتِي هِيَ أَوْطَانُهُمْ وَأَوْطَانُ أَسْلَافِهِمْ وَحَكَى الْهَرَوِيُّ عن مالك أن جزيرة العرب هي المجينة وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ واليمامة وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ وَأَخَذَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ فَأَوْجَبُوا إِخْرَاجَ الْكُفَّارِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَقَالُوا لَا يَجُوزُ تَمْكِينُهُمْ مِنْ سُكْنَاهَا وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ خَصَّ هَذَا الْحُكْمَ بِبَعْضِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَهُوَ الْحِجَازُ وَهُوَ عِنْدَهُ مَكَّةُ والمدينة والميامة وَأَعْمَالُهَا دُونَ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ بِدَلِيلٍ آخَرَ مَشْهُورٍ

فِي كُتُبِهِ وَكُتُبِ أَصْحَابِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَا يُمْنَعُ الْكُفَّارُ مِنَ التَّرَدُّدِ مُسَافِرِينَ فِي الْحِجَازِ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنَ الْإِقَامَةِ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ إِلَّا مَكَّةَ وَحَرَمَهَا فَلَا يَجُوزُ تَمْكِينُ كَافِرٍ مِنْ دُخُولِهِ بِحَالٍ فَإِنْ دَخَلَهُ فِي خُفْيَةٍ وَجَبَ إِخْرَاجُهُ فإن مات ودفن فيه نبش وأخرج مالم يَتَغَيَّرْ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْفُقَهَاءِ وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ دُخُولَهُمُ الْحَرَمَ وَحُجَّةُ الْجَمَاهِيرِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الحرام بعد عامهم هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا أَمْرٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بإجازة لوعود وضيافتهم واكرامهم تطبيبا لِنُفُوسِهِمْ وَتَرْغِيبًا لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَنَحْوِهِمْ وَإِعَانَةً عَلَى سَفَرِهِمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَفْدُ مُسْلِمِينَ أَوْ كُفَّارًا لِأَنَّ الْكَافِرَ إِنَّمَا يَفِدُ غَالِبًا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِنَا وَمَصَالِحِهِمْ قَوْلُهُ (وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ أَوْ قالها فأنسيتها) الساكت بن عَبَّاسٍ وَالنَّاسِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ الْمُهَلَّبُ الثَّالِثَةُ هِيَ تَجْهِيزُ جَيْشِ أُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ فَقَدْ ذَكَرَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مَعْنَاهُ مَعَ إِجْلَاءِ الْيَهُودِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْهَا جَوَازُ كِتَابَةِ الْعِلْمِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَرَّاتٍ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ جَاءَ فِيهَا حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ فَإِنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِيهَا ثُمَّ أَجْمَعَ مَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى جَوَازِهَا وَبَيَّنَّا تَأْوِيلَ حَدِيثِ الْمَنْعِ وَمِنْهَا جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْتُبُ لَكُمْ أَيْ آمُرُ بِالْكِتَابَةِ وَمِنْهَا أَنَّ الْأَمْرَاضَ وَنَحْوَهَا لَا تُنَافِي النُّبُوَّةَ وَلَا تَدُلُّ عَلَى سُوءِ الْحَالِ قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِهَذَا الْحَدِيثِ) مَعْنَاهُ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ

صَاحِبَ مُسْلِمٍ سَاوَى مُسْلِمًا فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ وَاحِدٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَعَلَا هَذَا الْحَدِيثُ لِأَبِي إِسْحَاقَ بِرَجُلٍ قَوْلُهُ (مِنَ اخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ واسكانها والله أعلم

قوله (استفتى سعد بن عبادة رسول الله صلى الله عليه

( [1638] قَوْلُهُ (اسْتَفْتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْضِهِ عَنْهَا) أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى صِحَّةِ النَّذْرِ وَوُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهِ إِذَا كَانَ الْمُلْتَزَمُ طَاعَةً فَإِنْ نذر معصية أو مباحا كدخول السوق لم يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَحْمَدُ وَطَائِفَةٌ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْضِهِ عَنْهَا دَلِيلٌ لِقَضَاءِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَمَّا الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَأَمَّا الْبَدَنِيَّةُ فَفِيهَا خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ ثُمَّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ أَنَّ الحقوق المالية)

الْوَاجِبَةَ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ زَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ يَجِبُ قَضَاؤُهَا سَوَاءٌ أَوْصَى بِهَا أَمْ لَا كَدُيُونِ الْآدَمِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا لَا يَجِبُ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهِ وَلِأَصْحَابِ مَالِكٍ خِلَافٌ فِي الزَّكَاةِ إِذَا لَمْ يُوصِ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَاخْتَلَفُوا فِي نَذْرِ أُمِّ سَعْدٍ هَذَا فَقِيلَ كَانَ نَذْرًا مُطْلَقًا وَقِيلَ كان صوما وقيل كان عتقا وَقِيلَ صَدَقَةٌ وَاسْتَدَلَّ كُلُّ قَائِلٍ بِأَحَادِيثَ جَاءَتْ فِي قِصَّةِ أُمِّ سَعْدٍ قَالَ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ أن النذر كان غير ماورد فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ قَالَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ نَذْرًا فِي الْمَالِ أَوْ نَذْرًا مُبْهَمًا وَيُعَضِّدُهُ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ فَقَالَ لَهُ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسق عنها الماء وأما أحاديث الصوم عنها فقد عَلَّلَهُ أَهْلُ الصَّنْعَةِ لِلِاخْتِلَافٍ بَيْنَ رُوَاتِهِ فِي سَنَدِهِ وَمَتْنِهِ وَكَثْرَةِ اضْطِرَابِهِ وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَفَأَعْتِقُ عَنْهَا فَمُوَافِقَةٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْعِتْقَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَلَيْسَ فِيهِ قَطْعٌ بِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا عِتْقٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْوَارِثَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ النَّذْرِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمَيِّتِ إِذَا كَانَ غَيْرَ مَالِيٍّ وَلَا إِذَا كَانَ مَالِيًّا وَلَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِحَدِيثِ سَعْدٍ هَذَا وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْوَارِثَ لَمْ يَلْتَزِمْهُ فَلَا يَلْزَمُ وَحَدِيثُ سَعْدٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْ تَرِكَتِهَا أَوْ تَبَرَّعَ بِهِ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِإِلْزَامِهِ ذلك والله أعلم قَوْلُهُ (أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا يَنْهَانَا عَنِ [1639] النَّذْرِ وَيَقُولُ إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الشحيح) وفي رواية عن بن عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ النَّذْرِ وَقَالَ إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ

وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَنْذِرُوا فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُغْنِي مِنَ الْقَدَرِ [1640] شَيْئًا وإنما يستخرج به من البخيل وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ النَّذْرِ وَقَالَ إِنَّهُ لَا يَرُدُّ مِنَ الْقَدَرِ شَيْئًا قَالَ الْمَازِرِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سبب النهي عن كون النذر يَصِيرُ مُلْتَزِمًا لَهُ فَيَأْتِي بِهِ تَكَلُّفًا بِغَيْرِ نَشَاطٍ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ كَوْنَهُ يَأْتِي بِالْقُرْبَةِ الَّتِي الْتَزَمَهَا

فِي نَذْرِهِ عَلَى صُورَةِ الْمُعَاوَضَةِ لِلْأَمْرِ الَّذِي طَلَبَهُ فَيَنْقُصُ أَجْرُهُ وَشَأْنُ الْعِبَادَةِ أَنْ تَكُونَ مُتَمَحِّضَةً لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ النَّهْيَ لِكَوْنِهِ قَدْ يَظُنُّ بَعْضُ الْجَهَلَةِ أَنَّ النَّذْرَ يَرُدُّ الْقَدَرَ وَيَمْنَعُ مِنْ حُصُولِ الْمُقَدَّرِ فَنَهَى عَنْهُ خَوْفًا مِنْ جَاهِلٍ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يُؤَيِّدُ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا مِنَ الْقَدَرِ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الرِّوَايَاتِ الْبَاقِيَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يأتي بهذه القربة تطوعا محضا مبتدأ وَإِنَّمَا يَأْتِي بِهَا فِي مُقَابَلَةِ شِفَاءِ الْمَرِيضِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَعَلَّقَ النَّذْرُ عَلَيْهِ وَيُقَالُ نَذَرَ ينذر وينذر بِكَسْرِ الذَّالِ فِي الْمُضَارِعِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ) [1641] هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَاللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو وَقِيلَ مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو

وَقِيلَ عَمْرُو بْنُ مُعَاوِيَةَ وَقِيلَ النَّضْرُ بْنُ عَمْرٍو الْحَرَمِيُّ الْبَصْرِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (سَابِقَةُ الْحَاجِّ) يَعْنِي نَاقَتَهُ الْعَضْبَاءَ وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ بَيَانُ الْعَضْبَاءِ وَالْقَصْوَى وَالْجَدْعَاءِ وَهَلْ هُنَّ ثَلَاثٌ أَمْ وَاحِدَةٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَخَذْتُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ) أَيْ بِجِنَايَتِهِمْ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم للأسير حِينَ قَالَ إِنِّي مُسْلِمٌ (لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ) إِلَى قَوْلِهِ فَفُدِيَ بِالرَّجُلَيْنِ مَعْنَاهُ لَوْ قُلْتَ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْأَسْرِ حِينَ كُنْتَ مَالِكَ أَمْرِكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَسْرُكَ لَوْ أَسْلَمْتَ قَبْلَ الْأَسْرِ فَكُنْتَ فُزْتَ بِالْإِسْلَامِ وَبِالسَّلَامَةِ مِنَ الْأَسْرِ وَمِنَ اغْتِنَامِ مَالِكَ وَأَمَّا إِذَا أَسْلَمْتَ بَعْدَ الْأَسْرِ فَيَسْقُطُ الْخِيَارُ فِي قَتْلِكَ وَيَبْقَى الْخِيَارُ بَيْنَ الِاسْتِرْقَاقِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَفِي هَذَا جَوَازُ الْمُفَادَاةِ وَأَنَّ إِسْلَامَ الْأَسِيرِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ الْغَانِمِينَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْأَسْرِ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ حِينَ أَسْلَمَ وَفَادَى بِهِ رَجَعَ إِلَى دَارِ الْكُفْرِ وَلَوْ ثَبَتَ رُجُوعُهُ إِلَى دَارِهِمْ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِظْهَارِ دِينِهِ لِقُوَّةِ شَوْكَةِ عَشِيرَتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَحْرُمْ ذَلِكَ فَلَا إِشْكَالَ فِي الْحَدِيثِ وَقَدِ اسْتَشْكَلَهُ الْمَازِرِيُّ وَقَالَ كَيْفَ يُرَدُّ الْمُسْلِمُ إِلَى دَارِ الْكُفْرِ وَهَذَا الْإِشْكَالُ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِمَا ذَكَرْتُهُ قَوْلُهُ (وَأُسِرَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ) هِيَ امْرَأَةُ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ (نَاقَةٌ مُنَوَّقَةٌ) هِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ

وَفَتْحِ النُّونِ وَالْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ مُذَلَّلَةٌ قَوْلُهُ (وَنَذِرُوا بِهَا) هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الذَّالِ أَيْ عَلِمُوا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ) وَفِي رِوَايَةٍ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَنَذْرُهُ بَاطِلٌ لَا يَنْعَقِدُ وَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَا غَيْرُهَا وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَحْمَدُ تَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِالْحَدِيثِ المروي عن عمر أن بْنِ الْحُصَيْنِ وَعَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ كَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحْدَثِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا أَضَافَ النَّذْرَ إِلَى مُعَيَّنٍ لَا يَمْلِكُهُ بِأَنْ قَالَ إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ عَبْدَ فُلَانٍ أَوْ أَتَصَدَّقَ بِثَوْبِهِ أَوْ بِدَارِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَأَمَّا إِذَا الْتَزَمَ فِي الذِّمَّةِ شَيْئًا لَا يَمْلِكُهُ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ مِثَالُهُ قَالَ إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْحَالِ لَا يَمْلِكُ رَقَبَةً وَلَا قِيمَتَهَا فَيَصِحُّ نَذْرُهُ وَإِنْ شُفِيَ الْمَرِيضُ ثَبَتَ الْعِتْقُ فِي ذِمَّتِهِ

قَوْلُهُ (نَاقَةٌ ذَلُولٌ مُجَرَّسَةٌ) وَفِي رِوَايَةٍ مُدَرَّبَةٌ أَمَّا الْمُجَرَّسَةُ فَبِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَالرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَأَمَّا الْمُدَرَّبَةُ فَبِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمُجَرَّسَةُ وَالْمُدَرَّبَةُ وَالْمُنَوَّقَةُ وَالذَّلُولُ كُلُّهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ سَفَرِ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا بِلَا زَوْجٍ وَلَا مَحْرَمٍ وَلَا غَيْرِهِمَا إِذَا كَانَ سَفَرَ ضَرُورَةٍ كَالْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَكَالْهَرَبِ مِمَّنْ يُرِيدُ مِنْهَا فَاحِشَةً وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالنَّهْيُ عَنْ سَفَرِهَا وَحْدَهَا مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الضَّرُورَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ الْكُفَّارَ إِذَا غَنِمُوا مَالًا لِلْمُسْلِمِ لَا يَمْلِكُونَهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ يَمْلِكُونَهُ إِذَا حَازُوهُ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ هَذَا الْحَدِيثُ وموضع الدلالة منه ظاهر وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنَّ النَّبِيَّ [1642] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى شَيْخًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ فَقَالَ مَا بَالُ هَذَا قَالُوا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ) وَفِي رِوَايَةٍ يَمْشِي بَيْنَ ابْنَيْهِ مُتَوَكِّئًا عَلَيْهِمَا [1643] وَهُوَ مَعْنَى يُهَادَى وَفِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ حَافِيَةً فَأَمَرَتْنِي [1644] أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَيْتُهُ فَقَالَ لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْعَاجِزِ عَنِ الْمَشْيِ فَلَهُ الرُّكُوبُ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أُخْتِ عُقْبَةَ فَمَعْنَاهُ تَمْشِي فِي وَقْتِ قُدْرَتِهَا عَلَى الْمَشْيِ وَتَرْكَبُ إِذَا عَجَزَتْ عَنِ الْمَشْيِ أَوْ لَحِقَتْهَا مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ فَتَرَكبُ وَعَلَيْهَا دَمٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ الدَّمِ فِي الصُّورَتَيْنِ هُوَ رَاجِحُ الْقَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ وَالْقَوْلُ

الثَّانِي لَا دَمَ عَلَيْهِ بَلْ يُسْتَحَبُّ الدَّمُ وَأَمَّا الْمَشْيُ حَافِيًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْحَفَاءُ بَلْ لَهُ لُبْسُ النَّعْلَيْنِ وَقَدْ جَاءَ حَدِيثُ أُخْتِ عقبة في سنن أبي داود مبينا أَنَّهَا رَكِبَتْ لِلْعَجْزِ قَالَ إِنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً وَأَنَّهَا لَا تُطِيقُ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ مَشْيِ أُخْتِكَ فَلْتَرْكَبْ ولتهد بدنة

(كتاب الأيمان)

[1645] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِهِ فَحَمَلَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا عَلَى نَذْرِ اللِّجَاجِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ إِنْسَانٌ يُرِيدُ الِامْتِنَاعَ مِنْ كَلَامِ زَيْدٍ مَثَلًا إِنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا مَثَلًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ غَيْرُهَا فَيُكَلِّمُهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَبَيْنَ مَا الْتَزَمَهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا وَحَمَلَهُ مَالِكٌ وَكَثِيرُونَ أَوِ الْأَكْثَرُونَ عَلَى النَّذْرِ الْمُطْلَقِ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ نَذْرٌ وَحَمَلَهُ أَحْمَدُ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى نَذْرِ الْمَعْصِيَةِ كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ وَحَمَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ النَّذْرِ وَقَالُوا هُوَ مُخَيَّرٌ فِي جَمِيعِ النُّذُورَاتِ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يمين والله أعلم (كِتَاب الْأَيْمَانِ) (بَاب النَّهْيِ عَنْ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ [1646] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فليحلف بالله)

أَوْ لِيَصْمُتْ) وَفِي رِوَايَةٍ لَا تَحْلِفُوا بِالطَّوَاغِي وَلَا بِآبَائِكُمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عن الحلف بغيرالله تَعَالَى أَنَّ الْحَلِفَ يَقْتَضِي تَعْظِيمَ الْمَحْلُوفِ بِهِ وَحَقِيقَةُ الْعَظَمَةِ مُخْتَصَّةٌ بِاللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُضَاهِي به غيره وقد جاء عن بن عَبَّاسٍ لَأَنْ أَحْلِفَ بِاللَّهِ مِائَةَ مَرَّةٍ فَآثَمَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ فَأَبَرَّ فَإِنْ قِيلَ الْحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ فَجَوَابُهُ أَنَّ هذه كلمة تجري على اللسان لا تقصد بِهَا الْيَمِينُ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ أَقْسَمَ اللَّهُ تعالى بمخلوقاته كقوله تعالى والصافات والذاريات والطور والنجم فَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُقْسِمُ بِمَا شَاءَ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ تَنْبِيهًا عَلَى شَرَفِهِ قَوْلُهُ (مَا حَلَفْتُ بِهَا ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا) مَعْنَى ذَاكِرًا قَائِلًا لَهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِي وَلَا آثِرًا بالمد أي

حَالِفًا عَنْ غَيْرِي وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ الْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ كُلِّهَا وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَفِيهِ النَّهْيُ عَنِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَهُوَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مَكْرُوهٌ ليس بحرام قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ [1647] إِلَّا اللَّهُ) إِنَّمَا أُمِرَ

بِقَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لِأَنَّهُ تَعَاطَى تَعْظِيمَ صُورَةِ الْأَصْنَامِ حِينَ حَلَفَ بِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا إِذَا حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَصْنَامِ أَوْ قَالَ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنَ الْإِسْلَامِ أَوْ بَرِيءٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ بل عليه أن يستغفرالله تَعَالَى وَيَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ فَعَلَهُ أَمْ لَا هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ إِلَّا فِي قَوْلِهِ أَنَا مُبْتَدِعٌ أَوْ بَرِيءٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ واليهودية واحتج بأن الله تعالى أوجب علىالمظاهر الْكَفَّارَةَ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ وَزُورٌ وَالْحَلِفُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُنْكَرٌ وَزُورٌ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إنما أمره يقول لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ كَفَّارَةً وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا حَتَّى يَثْبُتَ فِيهَا شَرْعٌ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الظِّهَارِ فَيُنْتَقَضُ بِمَا اسْتَثْنَوْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ تَعَالَ أُقَامِرُكَ فَلْيَتَصَدَّقْ) قَالَ العلماء أمر بالصدقة تكفيرا لخطيئته فِي كَلَامِهِ بِهَذِهِ الْمَعْصِيَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِمِقْدَارِ مَا أَمَرَ أَنْ يُقَامِرَ بِهِ وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِمَا تَيَسَّرَ مِمَّا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّدَقَةِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مَعْمَرٍ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ فَلْيَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ قَالَ الْقَاضِي فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ إِذَا استقر

(باب ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها أن يأتي

فِي الْقَلْبِ كَانَ ذَنْبًا يُكْتَبُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْخَاطِرِ الَّذِي لَا يَسْتَقِرُّ فِي الْقَلْبِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَحْلِفُوا بِالطَّوَاغِي وَلَا بِآبَائِكُمْ) [1648] هَذَا الْحَدِيثُ مِثْلُ الْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي النَّهْيِ عَنِ الْحَلِفِ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ الطَّوَاغِي هِيَ الْأَصْنَامُ وَاحِدُهَا طاغية ومنه هذه طَاغِيَةُ دَوْسٍ أَيْ صَنَمُهُمْ وَمَعْبُودُهُمْ سُمِّيَ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ لِطُغْيَانِ الْكُفَّارِ بِعِبَادَتِهِ لِأَنَّهُ سَبَبُ طُغْيَانِهِمْ وَكُفْرِهِمْ وَكُلُّ مَا جَاوَزَ الْحَدَّ فِي تَعْظِيمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ طَغَى فَالطُّغْيَانُ الْمُجَاوَزَةُ لِلْحَدِّ ومنه قوله تعالى لما طغى الماء أَيْ جَاوَزَ الْحَدَّ وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالطَّوَاغِي هُنَا مَنْ طَغَى مِنَ الْكُفَّارِ وَجَاوَزَ الْقَدْرَ الْمُعْتَادَ فِي الشَّرِّ وَهُمْ عُظَمَاؤُهُمْ وروى هَذَا الْحَدِيثِ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ لَا تَحْلِفُوا بِالطَّوَاغِيتِ وَهُوَ جَمْعُ طَاغُوتٍ وَهُوَ الصَّنَمُ وَيُطْلَقُ عَلَى الشَّيْطَانِ أَيْضًا وَيَكُونُ الطَّاغُوتُ وَاحِدًا وَجَمْعًا ومذكرا ومؤنثا قال الله تعالى واجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وَقَالَ تَعَالَى يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ الآية يكفروا به (بَاب نَدْبِ مَنْ حَلَفَ يَمِينًا فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا أَنْ يَأْتِيَ (الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ أَرَى خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا كَفَّرْتُ [1649] عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا حَلَفَ أَحَدُكُمْ عَلَى الْيَمِينِ فَرَأَى خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْهَا وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ تَرْكِهِ وَكَانَ الْحِنْثُ خَيْرًا مِنَ التَّمَادِي عَلَى الْيَمِينِ اسْتُحِبَّ لَهُ الْحِنْثُ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَهَذَا)

مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ قَبْلَ الْحِنْثِ وَعَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنِ الْحِنْثِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْيَمِينِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهَا بَعْدَ الْيَمِينِ وَقَبْلَ الْحِنْثِ فَجَوَّزَهَا مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا وَجَمَاعَاتٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ لَكِنْ قَالُوا يُسْتَحَبُّ كَوْنُهَا بَعْدَ الْحِنْثِ وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ التَّكْفِيرَ بِالصَّوْمِ فَقَالَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْحِنْثِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى وَقْتِهَا كَالصَّلَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَأَمَّا التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ كَمَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا حِنْثَ الْمَعْصِيَةِ فَقَالَ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ كَفَّارَتِهِ لأن فيه إعانة علىالمعصية وَالْجُمْهُورُ عَلَى إِجْزَائِهَا كَغَيْرِ الْمَعْصِيَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَشْهَبُ الْمَالِكِيُّ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ بِكُلِّ حَالٍ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ ظَوَاهِرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَالْقِيَاسُ عَلَى تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَوْلُهُ (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ) أَيْ نَطْلُبُ مِنْهُ مَا يَحْمِلُنَا مِنَ الْإِبِلِ وَيَحْمِلُ أَثْقَالَنَا قَوْلُهُ فَأَمَرَ لَنَا بِثَلَاثِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى وَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسِ ذَوْدٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِثَلَاثَةِ ذَوْدٍ بُقْعِ الذُّرَى أَمَّا الذُّرَى فَبِضَمِّ الذَّالِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ جَمْعُ ذُرْوَةٍ بِكَسْرِ الذال وضمها وذروة كُلُّ شَيْءٍ أَعْلَاهُ وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَسْنِمَةُ وَأَمَّا الْغُرُّ فَهِيَ الْبِيضُ وَكَذَلِكَ الْبُقْعُ الْمُرَادُ بِهَا الْبِيضُ وَأَصْلُهَا مَا كَانَ فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ وَمَعْنَاهُ أَمَرَ لَنَا بِإِبِلٍ بِيضِ الْأَسْنِمَةِ وَأَمَّا قوله بثلاث ذود فهو من إضافة الشئ إِلَى نَفْسِهِ وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يُطْلِقُ الذَّوْدَ عَلَى الْوَاحِدِ وَسَبَقَ إِيضَاحُهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ بِثَلَاثِ وَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا إِذْ لَيْسَ فِي ذِكْرِ الثَّلَاثِ نَفْيٌ لِلْخَمْسِ وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ بِثَلَاثَةِ ذَوْدٍ بِإِثْبَاتِ الْهَاءِ وَهُوَ صحيح يعود إلى معنى الإبل وهو

إلا بعرة وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ) تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ لِهَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وما تعملون وَأَرَادَ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى آتَانِي مَا حَمَلْتُكُمْ عَلَيْهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْحَيَ إِلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَهُمْ أَوْ يَكُونُ المراد دخولهم في عموم مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْقَسْمِ فِيهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَسْأَلُهُ لَهُمُ الْحُمْلَانَ) بِضَمِّ الْحَاءِ أَيْ الْحَمْلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خُذْ هَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ) أَيْ الْبَعِيرَيْنِ

الْمَقْرُونِ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ قَوْلُهُ (عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِيِّ) هُوَ بِزَايٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ هَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ قَوْلُهُ (فِي لَحْمِ الدَّجَاجِ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ مِنْهُ) فِيهِ إِبَاحَةُ لَحْمِ الدَّجَاجِ وَمَلَاذِّ الْأَطْعِمَةِ وَيَقَعُ اسْمُ الدَّجَاجِ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وهو

بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا قَوْلُهُ (بِنَهْبِ إِبِلٍ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ النَّهْبُ الْغَنِيمَةُ وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَجَمْعُهُ نِهَابٌ بِكَسْرِهَا وَنُهُوبٌ بِضَمِّهَا وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَنْهُوبِ كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ قَوْلُهُ (أَغْفَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينَهُ) هو بإسكان اللام أي جعلناه غافلا معناه كُنَّا سَبَبَ غَفْلَتِهِ عَنْ يَمِينِهِ وَنِسْيَانِهِ إِيَّاهَا وَمَا ذَكَّرْنَاهُ إِيَّاهَا أَيْ أَخَذْنَا مِنْهُ مَا أَخَذْنَا وَهُوَ ذَاهِلٌ عَنْ يَمِينِهِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الصعق يعني بن حَزْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا مَطَرٌ الْوَرَّاقُ عَنْ زَهْدَمٍ) هُوَ الصَّعِقُ بِفَتْحِ الصَّادِ

وَبِكَسْرِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِهَا وَالْكَسْرُ أَشْهَرُ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ الصعق ومطر ليساقويين وَلَمْ يَسْمَعْهُ مَطَرٌ مِنْ زَهْدَمٍ وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ فَاسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ فَاسِدٌ لِأَنَّ مُسْلِمًا لَمْ يَذْكُرْهُ متاصلا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مُتَابَعَةً لِلطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمُتَابَعَاتِ يُحْتَمَلُ فِيهَا الضَّعْفُ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى مَا قَبْلَهَا وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ مُسْلِمٍ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَّلِ خُطْبَةِ كِتَابِهِ وَشَرَحْنَاهُ هُنَاكَ وَأَنَّهُ يَذْكُرُ بَعْضَ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ متابعة للصحيحة وأما قوله إنهما ليساقويين فقد خالفه الأكثرون فقال يحي بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ هُوَ ثِقَةٌ فِي الصعق وقال أبو حاتم مابه بَأْسٌ وَقَالَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثُ فِي مَطَرٍ الْوَرَّاقِ هُوَ صَالِحٌ وَإِنَّمَا ضَعَّفُوا رِوَايَتَهُ عَنْ عَطَاءٍ خَاصَّةً قَوْلُهُ (عَنْ ضُرَيْبِ بْنِ نُقَيْرٍ) أَمَّا ضريب فبضاد معجمة مصغر ونقير بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَآخِرُهُ رَاءٌ هَذَا هوالمشهور الْمَعْرُوفُ عَنْ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ فِي كُتُبِ الْأَسْمَاءِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْفَاءِ وَقِيلَ نُفَيْلٌ بِالْفَاءِ وَآخِرُهُ لَامٌ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو السَّلِيلِ) هُوَ بِفَتْحِ السين المهملة

وكسر اللام وهو ضريب بن نفير الْمَذْكُورُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ حَلَفَ عَلَى [1651] يَمِينٍ ثُمَّ رَأَى أَتْقَى لِلَّهِ فَلْيَأْتِ التَّقْوَى) هُوَ بِمَعْنَى الرِّوَايَاتِ السَّابِقَةِ فَرَأَى خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي

هُوَ خَيْرٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1652] (يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لَا تَسَألِ الْإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وُكِلْتَ إِلَيْهَا وَفِي بَعْضِهَا أُكِلْتَ إِلَيْهَا بِالْهَمْزَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا كَرَاهَةُ سُؤَالِ الْوِلَايَةِ سَوَاءٌ وِلَايَةُ الْإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْحِسْبَةِ وَغَيْرِهَا وَمِنْهَا بَيَانُ أَنَّ مَنْ سَأَلَ الْوِلَايَةَ لَا يَكُونُ مَعَهُ إِعَانَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَكُونُ فيه كفاية لذلك العمل فينبغي أن لا يُوَلَّى وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نُوَلِّي عَمَلَنَا مَنْ طَلَبَهُ أَوْ حَرَصَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ إِلَى آخِرِهِ) وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الجلودي حدئنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَاسَرْجَسِيُّ

(باب اليمين على نية المستحلف [1653] قوله صلى الله عليه

قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بِهَذَا وَمُرَادُهُ أَنَّهُ عَلَا برجل (باب اليمين عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ [1653] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (يمينك على ما يصادقك عَلَيْهِ صَاحِبُكَ) وَفِي رِوَايَةٍ الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ الْمُسْتَحْلِفُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَلِفِ بِاسْتِحْلَافِ الْقَاضِي فَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فَحَلَّفَهُ الْقَاضِي فَحَلَفَ وَوَرَّى فنوى غير مانوى الْقَاضِي انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ عَلَى مَا نَوَاهُ الْقَاضِي وَلَا تَنْفَعُهُ التَّوْرِيَةُ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَدَلِيلُهُ هَذَا الْحَدِيثُ وَالْإِجْمَاعُ فَأَمَّا إِذَا حَلَفَ بِغَيْرِ اسْتِحْلَافِ الْقَاضِي وَوَرَّى تَنْفَعُهُ التَّوْرِيَةُ وَلَا يَحْنَثُ سَوَاءٌ حَلَفَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ تَحْلِيفٍ أَوْ حَلَّفَهُ غَيْرُ الْقَاضِي وَغَيْرُ نَائِبِهِ فِي ذَلِكَ وَلَا اعْتِبَارَ بِنِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ غَيْرِ الْقَاضِي وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ إِلَّا إِذَا اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ فِي دَعْوَى تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ فَتَكُونُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ وَهُوَ مُرَادُ الْحَدِيثِ أَمَّا إِذَا حَلَفَ عِنْدَ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافِ الْقَاضِي فِي دَعْوَى فَالِاعْتِبَارُ بِنِيَّةِ الْحَالِفِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ الْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إلا أنه إذا حلفه القاضي بالطلاق أو بالعتاق تنفعه التورية ويكون الإعتبار بنية الحالف لأن القاضي ليس له التحليف بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَإِنَّمَا يَسْتَحْلِفُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَاعْلَمْ أَنَّ التَّوْرِيَةَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْنَثُ بِهَا فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهَا حَيْثُ يُبْطِلُ بِهَا حَقُّ مُسْتَحِقٍّ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا وَتَفْصِيلًا فَقَالَ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْحَالِفَ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ وَمِنْ غَيْرِ تَعَلُّقِ حَقٍّ بِيَمِينِهِ لَهُ نِيَّتُهُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ وَأَمَّا إِذَا حَلَفَ لِغَيْرِهِ فِي حَقٍّ أَوْ وَثِيقَةٍ مُتَبَرِّعًا أَوْ بِقَضَاءٍ عَلَيْهِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِظَاهِرِ يَمِينِهِ سَوَاءٌ حَلَفَ)

(باب الإستثناء في ذلك ولا اعتبار بنية المستحلف غير

مُتَبَرِّعًا بِالْيَمِينِ أَوْ بِاسْتِحْلَافٍ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَقِيلَ الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ وَقِيلَ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ وَقِيلَ إِنْ كَانَ مُسْتَحْلَفًا فَعَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِالْيَمِينِ فَعَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ وهذا قول عبد الملك وسحنون وهو ظاهرقول مالك وبن القاسم وقيل عكسه وهي رواية يحيى عن بن الْقَاسِمِ وَقِيلَ تَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ فِيمَا لَا يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ وَيَفْتَرِقُ التَّبَرُّعُ وَغَيْرُهُ فِيمَا يُقْضَى به عليه وهذا مروي عن بن الْقَاسِمِ أَيْضًا وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ فَهُوَ فِيهِ آثِمٌ حَانِثٌ وَمَا كَانَ عَلَى وجه العذر فلا بأس به وقال بن حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ فَلَهُ نِيَّتُهُ وَمَا كَانَ فِي حَقٍّ فَهُوَ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ قَالَ الْقَاضِي وَلَا خِلَافَ فِي إِثْمِ الْحَالِفِ بِمَا يَقَعُ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ وَإِنْ وَرَّى وَاللَّهُ أعلم (باب الإستثناء فِي ذَلِكَ وَلَا اعْتِبَارَ بِنِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ غَيْرِ الْقَاضِي وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ إِلَّا إِذَا اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ فِي دَعْوَى تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ فَتَكُونُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ وَهُوَ مُرَادُ الْحَدِيثِ أَمَّا إِذَا حَلَفَ عِنْدَ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافِ الْقَاضِي فِي دَعْوَى فَالِاعْتِبَارُ بِنِيَّةِ الْحَالِفِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ الْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إِلَّا أَنَّهُ إِذَا حَلَّفَهُ الْقَاضِي بالطلاق أو بالعتاق تنفعه التورية ويكون الاعتبار بنية الحالف لأن القاضي ليس له التحليف بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَإِنَّمَا يَسْتَحْلِفُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَاعْلَمْ أَنَّ التَّوْرِيَةَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْنَثُ بِهَا فلا يحوز فِعْلُهَا حَيْثُ يُبْطِلُ بِهَا حَقُّ مُسْتَحِقٍّ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا وَتَفْصِيلًا فَقَالَ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْحَالِفَ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ وَمِنْ غَيْرِ تَعَلُّقِ حَقٍّ بِيَمِينِهِ لَهُ نِيَّتُهُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ وَأَمَّا إِذَا حَلَفَ لِغَيْرِهِ فِي حَقٍّ أَوْ وَثِيقَةٍ مُتَبَرِّعًا أَوْ بِقَضَاءٍ عَلَيْهِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِظَاهِرِ يَمِينِهِ سَوَاءٌ حَلَفَ مُتَبَرِّعًا بِالْيَمِينِ أَوْ بِاسْتِحْلَافٍ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَقِيلَ الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ وَقِيلَ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ وَقِيلَ إِنْ كَانَ مُسْتَحْلَفًا فَعَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِالْيَمِينِ فَعَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ وَهَذَا قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَسَحْنُونٍ وَهُوَ ظاهر قول مالك وبن القاسم وقيل عكسه وهي رواية يحيى عن بن الْقَاسِمِ وَقِيلَ تَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ فِيمَا لَا يُقْضَى به عليه ويفترق التبرع فِيمَا يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ بن الْقَاسِمِ أَيْضًا وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ فَهُوَ فِيهِ آثِمٌ حَانِثٌ وَمَا كَانَ عَلَى وجه العذر فلا بأس به وقال بن حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ فَلَهُ نِيَّتُهُ وَمَا كَانَ فِي حَقٍّ فَهُوَ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ قَالَ الْقَاضِي وَلَا خِلَافَ فِي إِثْمِ الْحَالِفِ بِمَا يقع به حق غيره وإن ورى الله أعلم [1654] ذَكَرَ فِي الْبَابِ حَدِيثَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ إِذَا قَالَ سَأَفْعَلُ كَذَا أَنْ يَقُولَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أن يشاء الله وَلِهَذَا الْحَدِيثِ وَمِنْهَا أَنَّهُ إِذَا حَلَفَ وَقَالَ مُتَّصِلًا بِيَمِينِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَحْنَثْ بِفِعْلِهِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَوْ)

قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ دَرَكًا لِحَاجَتِهِ وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُولَهُ مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ نَوَى قَبْلَ فَرَاغِ الْيَمِينِ أَنْ يَقُولَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْقَاضِي أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُتَّصِلًا قَالَ وَلَوْ جَازَ مُنْفَصِلًا كَمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ لَمْ يَحْنَثْ أَحَدٌ قَطُّ فِي يَمِينٍ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى كَفَّارَةٍ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي الِاتِّصَالِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ هُوَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ سُكُوتٍ بَيْنَهُمَا وَلَا تَضُرُّ سَكْتَةُ النَّفَسِ وَعَنْ طَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التابعين أن له الإستثناء مالم يقم من مجلسه وقال قتادة مالم يَقُمْ أَوْ يَتَكَلَّمْ وَقَالَ عَطَاءٌ قَدْرُ حَلَبَةِ نَاقَةٍ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أشهر وعن بن عَبَّاسٍ لَهُ الِاسْتِثْنَاءُ أَبَدًا مَتَى تَذَكَّرَهُ وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْمَنْقُولَ عَنْ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ قَوْلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَبَرُّكًا قَالَ تَعَالَى وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نسيت وَلَمْ يُرِيدُوا بِهِ حَلَّ الْيَمِينِ وَمَنْعَ الْحِنْثِ أَمَّا إِذَا اسْتَثْنَى فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِ ذلك سوى اليمين بالله تعالى فقال أنت طالق إن شاء الله تعالى أو أنت حر إن شاء الله تعالى أو أنت علي كظهر أمي إن شاء الله تَعَالَى أَوْ لِزَيْدٍ فِي ذِمَّتِي أَلْفُ دِرْهَمٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إِنْ شُفِيَ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّينَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَغَيْرِهِمْ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ كَمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهَا فِي الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَحْنَثُ فِي طَلَاقٍ وَلَا عِتْقٍ وَلَا يَنْعَقِدُ ظِهَارُهُ وَلَا نَذْرُهُ وَلَا إِقْرَارُهُ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَّصِلُ بِهِ قَوْلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا الْيَمِينَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَلَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ

وَأَحْمَدُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ قِيَاسَ قَوْلِ مَالِكٍ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ بِجَوَازِ انْفِصَالِ الِاسْتِثْنَاءِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْهُ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ قَالَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ بَعْدُ فِي أَثْنَاءِ الْيَمِينِ أَوْ أَنَّ الَّذِي جَرَى مِنْهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِيَمِينٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَأَطُوفَنَّ) وَفِي بعض النسخ لا طيفن الليلة هما لغتان فصيحتان طاف بالشئ وَأَطَافَ بِهِ إِذَا دَارَ حَوْلَهُ وَتَكَرَّرَ عَلَيْهِ فَهُوَ طَائِفٌ وَمُطِيفٌ وَهُوَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ لِسُلَيْمَانَ سِتُّونَ امْرَأَةً) وَفِي رِوَايَةٍ سَبْعُونَ وَفِي رِوَايَةٍ تِسْعُونَ وَفِي غَيْرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ وَفِي رِوَايَةٍ مِائَةٌ هَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِمُتَعَارِضٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذِكْرِ الْقَلِيلِ نَفْيُ الْكَثِيرِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا مَرَّاتٍ وَهُوَ مِنْ مَفْهُومِ الْعَدَدِ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأُصُولِيِّينَ وَفِي هَذَا بَيَانُ مَا خُصَّ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْقُوَّةِ عَلَى إِطَاقَةِ هَذَا فِي لَيْلَةٍ واحدة وكان نبيا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً لَهُ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ زِيَادَةِ الْقُوَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَتَحْمِلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَتَلِدُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ غُلَامًا فَارِسًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) هَذَا قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّمَنِّي لِلْخَيْرِ وَقَصَدَ بِهِ الْآخِرَةَ وَالْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِغَرَضِ الدُّنْيَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَمْ تَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا وَاحِدَةٌ فَوَلَدَتْ نِصْفَ إِنْسَانٍ) وَفِي رِوَايَةٍ جَاءَتْ بِشِقِّ غُلَامٍ قِيلَ هُوَ الْجَسَدُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ أُلْقِيَ عَلَى كُرْسِيِّهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ كَانَ اسْتَثْنَى لَوَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ غُلَامًا فَارِسًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ فِي حَقِّ سُلَيْمَانَ لَا أَنَّ كُلَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا يَحْصُلُ لَهُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ أَوِ الْمَلَكُ قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَمْ يَقُلْ وَنَسِيَ) قِيلَ الْمُرَادُ بِصَاحِبِهِ الْمَلَكُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِهِ وَقِيلَ الْقَرِينُ وَقِيلَ صَاحِبٌ لَهُ آدَمِيٌّ وَقَوْلُهُ نُسِّيَ ضَبَطَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ

بِضَمِّ النُّونِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ وَهُوَ ظَاهِرٌ حَسَنٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَكَانَ دَرَكًا لَهُ فِي حَاجَتِهِ) هُوَ بِفَتْحِ الإدراك إسم من الإدارك أَيْ لِحَاقًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَخَافُ دركا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَايْمِ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فِيهِ جَوَازُ الْيَمِينِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ ايْمُ اللَّهِ وَايْمَنُ اللَّهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ هُوَ يَمِينٌ وَقَالَ أَصْحَابُنَا إِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ فَهُوَ يَمِينٌ وَإِلَّا فَلَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَجَاهَدُوا) فِيهِ جَوَازُ قَوْلِ لَوْ وَلَوْلَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى جَوَازِ قَوْلِ لَوْ وَلَوْلَا

قَالَ وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرًا وَفِي كَلَامِ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ عَلَى هَذَا بَابَ مَا يَجُوزُ مِنَ اللَّوْ وَأَدْخَلَ فِيهِ قَوْلَ لُوطٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أن لي بكم قوة وَقَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُ هَذِهِ ولو مدلى الشهر لواصلت ولولا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَأَتْمَمْتُ الْبَيْتَ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ ولولا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَمْثَالَ هَذَا قال والذي ينفهم مِنْ تَرْجَمَةِ الْبُخَارِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْآثَارِ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ لَوْ وَلَوْلَا فِيمَا يَكُونُ لِلِاسْتِقْبَالِ مِمَّا امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِهِ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُمْتَنَعِ مِنْ فِعْلِهِ لِوُجُودِ غَيْرِهِ وَهُوَ مِنْ بَابِ لَوْلَا لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَابِ سِوَى ماهو للإستقبال أو ماهو حَقٌّ صَحِيحٌ مُتَيَقَّنٌ كَحَدِيثِ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ دُونَ الْمَاضِي وَالْمُنْقَضِي أَوْ مافيه اعْتِرَاضٌ عَلَى الْغَيْبِ وَالْقَدَرِ السَّابِقِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا لَكَانَ كَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا إِذَا قَالَهُ عَلَى جِهَةِ الْحَتْمِ وَالْقَطْعِ بِالْغَيْبِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَا لَكَانَ كَذَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالنَّظَرِ إِلَى سَابِقِ قَدَرِهِ وَخَفِيِّ عِلْمِهِ عَلَيْنَا فَأَمَّا مَنْ قَالَهُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَرَدِّ الْأَمْرِ إِلَى الْمَشِيئَةِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ لَوْلَا بِخِلَافِ لَوْ قَالَ الْقَاضِي وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّهُمَا سَوَاءٌ إِذَا اسْتُعْمِلَتَا فِيمَا لَمْ يُحِطْ بِهِ الْإِنْسَانُ عِلْمًا وَلَا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ مَقْدُورِ قَائِلِهِمَا مِمَّا هُوَ تَحَكُّمٌ عَلَى الْغَيْبِ وَاعْتِرَاضٌ عَلَى الْقَدَرِ كَمَا نُبِّهَ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ وَمِثْلُ قَوْلِ الْمُنَافِقِينَ لَوْ أطاعونا ما قتلوا لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا ولو كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا ها هنا فرد الله تعالى عليهم باطلهم فقال فادرؤا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين فَمِثْلُ هَذَا هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَأَمَّا هَذَا الحديث الذي نحن فيه فإنما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيه عن يقين نفسه أن سليمان لو قال إن شاء الله لجاهدوا إذ ليس هذا مما يدرك بالظن والإجتهاد وإنما أَخْبَرَ عَنْ حَقِيقَةٍ أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنِ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ لَوْ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إلى مضاجعهم ولو ردوا لعادوا

(باب النهي عن الإصرار على اليمين فيما (يتأذى به أهل

لما نهوا عنه وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ مِنْ لَوْلَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى لولا كتاب من الله سبق لمسكم وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلَنَا ولولا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُخْبِرٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ عَمَّا مَضَى أَوْ يَأْتِي عَنْ عِلْمٍ خَبَرًا قَطْعِيًّا وَكُلُّ مَا يَكُونُ مِنْ لَوْ وَلَوْلَا مِمَّا يُخْبِرُ بِهِ الْإِنْسَانُ عَنْ عِلَّةِ امْتِنَاعِهِ مِنْ فِعْلِهِ مِمَّا يَكُونُ فِعْلُهُ فِي قُدْرَتِهِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ إِخْبَارُ حَقِيقَةٍ عَنِ امْتِنَاعِ شَيْءٍ لِسَبَبِ شَيْءٍ وَحُصُولِ شَيْءٍ لِامْتِنَاعِ شَيْءٍ وَتَأْتِي لَوْ غَالِبًا لِبَيَانِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ أَوِ النَّافِي فَلَا كَرَاهَةَ فِي كُلِّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا فِي ذَلِكَ كَقَوْلِ الْمُنَافِقِينَ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاتبعناكم والله أعلم (باب النهي عن الإصرار على اليمين فيما (يتأذى به أهل الحالف مما ليس بحرام) [1655] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَأَنْ يَلَجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ) أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَنْ فَبِفَتْحِ اللَّامِ وَهُوَ لَامُ الْقَسَمِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلَجَّ هُوَ بِفَتْحِ الياء واللام وتشديد الجيم وآثم بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ وَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ أَيْ أَكْثَرُ إِثْمًا وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ إِذَا حَلَفَ يَمِينًا تَتَعَلَّقُ بِأَهْلِهِ وَيَتَضَرَّرُونَ بِعَدَمِ حِنْثِهِ وَيَكُونُ الْحِنْثُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْنَثَ فَيَفْعَلَ ذَلِكَ الشَّيْءَ وَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ فَإِنْ قَالَ لَا أَحْنَثُ بَلْ أَتَوَرَّعُ عَنِ ارْتِكَابِ الْحِنْثِ وَأَخَافُ الْإِثْمَ فِيهِ فَهُوَ مُخْطِئٌ بِهَذَا الْقَوْلِ بَلِ اسْتِمْرَارُهُ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ وَإِدَامَةِ الضَّرَرِ عَلَى أَهْلِهِ أَكْثَرُ إِثْمًا مِنَ الْحِنْثِ وَاللِّجَاجُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْإِصْرَارُ عَلَى الشَّيْءِ فَهَذَا مُخْتَصَرُ بَيَانِ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَنْزِيلِهِ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْحِنْثُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم)

فيه حديث عمر رضي الله عنه أنه نذر أن يعتكف ليلة

آثَمُ فَخَرَجَ عَلَى لَفْظِ الْمُفَاعَلَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْإِثْمِ لِأَنَّهُ قَصَدَ مُقَابَلَةَ اللَّفْظِ عَلَى زَعْمِ الْحَالِفِ وَتَوَهُّمِهِ فَإِنَّهُ يَتَوَهَّمُ أَنَّ عَلَيْهِ إِثْمًا فِي الْحِنْثِ مَعَ أَنَّهُ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِثْمُ عَلَيْهِ فِي اللِّجَاجِ أَكْثَرُ لَوْ ثَبَتَ الْإِثْمُ والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب ( [1656] فِيهِ حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْفِ بِنَذْرِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ نَذْرِ الْكَافِرِ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ الْكُوفِيِّينَ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا يَصِحُّ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ الْمَخْزُومِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْبُخَارِيُّ وبن جَرِيرٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا يَصِحُّ وَحُجَّتُهُمْ ظَاهِرُ حَدِيثِ عُمَرَ وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَيْ يُسْتَحَبُّ لَكَ أَنْ تَفْعَلَ الْآنَ مِثْلَ ذَلِكَ الَّذِي نَذَرْتَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ بِغَيْرِ صَوْمٍ وَفِي صِحَّتِهِ بِاللَّيْلِ كَمَا يَصِحُّ بِالنَّهَارِ سَوَاءٌ كَانَتْ لَيْلَةً وَاحِدَةً أَوْ بَعْضَهَا أَوْ أَكْثَرَ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ عُمَرَ هَذَا وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا اعْتِكَافُ يَوْمٍ فَلَا تُخَالِفُ رِوَايَةَ اعْتِكَافِ لَيْلَةٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ اعْتِكَافِ لَيْلَةٍ وَسَأَلَهُ عَنِ اعْتِكَافِ يَوْمٍ فَأَمَرَهُ بِالْوَفَاءِ بِمَا نَذَرَ فَحَصَلَ مِنْهُ صِحَّةُ اعْتِكَافِ اللَّيْلِ وَحْدَهُ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ نافع عن بن عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَسَأَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)

فَقَالَ لَهُ أَوْفِ بِنَذْرِكَ فَاعْتَكَفَ عُمَرُ لَيْلَةً رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ إِسْنَادُهُ ثَابِتٌ هَذَا مَذْهَبُ الشافعي

وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وبن الْمُنْذِرِ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ بن المنذر وهو مروى عن علي وبن مسعود وقال بن عمر وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا لَا يَصِحُّ إِلَّا بِصَوْمٍ وَهُوَ قول أكثر العلماء قوله (ذكر عند بن عُمَرَ عُمْرَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ فَقَالَ لَمْ يَعْتَمِرْ مِنْهَا) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ وَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعِلْمِ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْحَجِّ اعْتِمَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ عَامَ حُنَيْنٍ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ رضي الله عنه والله أعلم

(باب صحبة المماليك [1657] قوله صلى الله عليه وسلم (من لطم

(باب صحبة المماليك [1657] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الرِّفْقُ بِالْمَمَالِيكِ وَحُسْنُ صُحْبَتِهِمْ وَكَفُّ الْأَذَى عَنْهُمْ وَكَذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ بَعْدَهُ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ عِتْقَهُ بِهَذَا لَيْسَ وَاجِبًا وَإِنَّمَا هُوَ مَنْدُوبٌ رَجَاءَ كَفَّارَةِ ذَنْبِهِ فِيهِ إِزَالَةُ إِثْمِ ظُلْمِهِ وَمِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ لِعَدَمِ وُجُوبِ إِعْتَاقِهِ حَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ بَعْدَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ حِينَ لَطَمَ أَحَدُهُمْ خَادِمَهُمْ بِعِتْقِهَا قَالُوا لَيْسَ لَنَا خَادِمٌ غَيْرُهَا قَالَ فَلْيَسْتَخْدِمُوهَا فَإِذَا اسْتَغْنَوْا عَنْهَا فَلْيُخَلُّوا سَبِيلَهَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إِعْتَاقُ الْعَبْدِ لِشَيْءٍ مِمَّا يَفْعَلُهُ بِهِ مَوْلَاهُ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ الْخَفِيفِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا كَثُرَ مِنْ ذَلِكَ وَشَنُعَ مِنْ ضَرْبٍ مُبَرِّحٍ مُنْهِكٍ لِغَيْرِ مُوجِبٍ لِذَلِكَ أَوْ حَرَقَهُ بِنَارٍ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا لَهُ أَوْ أَفْسَدَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ مُثْلَةٌ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَاللَّيْثُ إِلَى عِتْقِ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ بِذَلِكَ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لَهُ وَيُعَاقِبُهُ السُّلْطَانُ عَلَى فِعْلِهِ وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِيمَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَ الْأَمَةِ أو لحية العبد واحتج مالك بحديث بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي الَّذِي جَبَّ عَبْدَهُ فَأَعْتَقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ ضَرَبَ غُلَامًا لَهُ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ أَوْ لَطَمَهُ فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُبَيِّنَةٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُولَى مَنْ ضَرَبَهُ بِلَا ذَنْبٍ وَلَا)

على سبيل التعليم والأدب قوله (أن بن عُمَرَ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا فَأَخَذَ مِنَ الْأَرْضِ عُودًا أَوْ شَيْئًا فَقَالَ مَا فِيهَا مِنَ الْأَجْرِ مَا يَسْوَى هَذَا إِلَّا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ) هَكَذَا وَقَعَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ مَا يَسْوَى وَفِي بَعْضِهَا مَا يُسَاوِي بِالْأَلِفِ وَهَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الصَّحِيحَةُ الْمَعْرُوفَةُ وَالْأُولَى عَدَّهَا أَهْلُ اللُّغَةِ فِي لَحْنِ الْعَوَامِّ وَأَجَابَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَنْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ بِأَنَّهَا تَغْيِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ لا أن بن عمر نطق بها ومعنى كلام بن عُمَرَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي إِعْتَاقِهِ أَجْرُ الْمُعْتِقِ تَبَرُّعًا وَإِنَّمَا عِتْقُهُ كَفَّارَةٌ لِضَرْبِهِ وَقِيلَ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَقِيلَ بَلْ هُوَ مُتَّصِلٌ وَمَعْنَاهُ مَا أَعْتَقْتُهُ إِلَّا لِأَنِّي سَمِعْتُ كَذَا قَوْلُهُ (لَطَمْتُ مَوْلًى لَنَا فَهَرَبْتُ ثُمَّ جِئْتُ قُبَيْلَ الظهر [1658] فصليت خلف أبي فدعاه ودعاني ثُمَّ قَالَ امْتَثِلْ مِنْهُ فَعَفَا) قَوْلُهُ امْتَثِلْ قِيلَ مَعْنَاهُ عَاقِبْهُ قِصَاصًا وَقِيلَ افْعَلْ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِكَ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى تَطْيِيبِ نَفْسِ الْمَوْلَى الْمَضْرُوبِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ القصاص في الله وَنَحْوِهَا وَإِنَّمَا وَاجِبُهُ التَّعْزِيرُ لَكِنَّهُ تَبَرَّعَ فَأَمْكَنَهُ مِنَ الْقِصَاصِ فِيهَا وَفِيهِ الرِّفْقُ بِالْمَوَالِي وَاسْتِعْمَالُ التَّوَاضُعِ قَوْلُهُ (لَيْسَ لَنَا إِلَّا خَادِمٌ وَاحِدَةٌ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَالْخَادِمُ بِلَا هاء

يُطْلَقُ عَلَى الْجَارِيَةِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الرَّجُلِ وَلَا يُقَالُ خَادِمَةٌ بِالْهَاءِ إِلَّا فِي لُغَةٍ شَاذَّةٍ قَلِيلَةٍ أَوْضَحْتُهَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ قَوْلُهُ (هِلَالُ بْنُ يَسَافٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِهَا وَيُقَالُ أَيْضًا أَسَافٌ قَوْلُهُ (عَجَزَ عَلَيْكَ إِلَّا حُرُّ وَجْهِهَا) مَعْنَاهُ عَجَزْتَ وَلَمْ تَجِدْ أَنْ تَضْرِبَ إِلَّا حُرَّ وَجْهِهَا وَحُرُّ الْوَجْهِ صفحته ومارق مِنْ بَشَرَتِهِ وَحُرُّ كُلِّ شَيْءٍ أَفْضَلُهُ وَأَرْفَعُهُ قِيلَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ عَجَزَ عَلَيْكَ أَيِ امْتَنَعَ عَلَيْكَ وَعَجَزَ بِفَتْحِ الْجِيمِ عَلَى اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ أَعْجَزْتُ أن أكون مثل هذا الغراب وَيُقَالُ بِكَسْرِهَا قَوْلُهُ (فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُعْتِقَهَا) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ رَضُوا بِعِتْقِهَا وَتَبَرَّعُوا بِهِ وَإِلَّا فَاللَّطْمَةُ إِنَّمَا كَانَتْ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَسَمَحُوا لَهُ بِعِتْقِهَا تَكْفِيرًا لِذَنْبِهِ قَوْلُهُ (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الصُّورَةَ مُحَرَّمَةٌ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمُ الْعَبْدَ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ إِكْرَامًا لَهُ لِأَنَّ فِيهِ مَحَاسِنَ الْإِنْسَانِ

وَأَعْضَاءَهُ اللَّطِيفَةَ وَإِذَا حَصَلَ فِيهِ شَيْنٌ أَوْ أَثَرٌ كَانَ أَقْبَحَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ (إِنَّهُ ضَرَبَ [1659] غُلَامَهُ بِالسَّوْطِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أَنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ) فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الرِّفْقِ بِالْمَمْلُوكِ وَالْوَعْظُ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْعَفْوِ وَكَظْمِ الْغَيْظِ وَالْحُكْمُ كَمَا يَحْكُمُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْمَعْمَرِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ قِيلَ

لَهُ الْمَعْمَرِيُّ لِأَنَّهُ رَحَلَ إِلَى مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ يَتْبَعُ أَحَادِيثَ مَعْمَرٍ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ غُلَامَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ أَعُوذُ بِاللَّهِ فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ فَقَالَ أَعُوذُ بِرَسُولِ اللَّهِ فَتَرَكَهُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ لَعَلَّهُ لَمْ يَسْمَعِ اسْتِعَاذَتَهُ الْأُولَى لِشِدَّةِ غَضَبِهِ كَمَا لَمْ يَسْمَعْ نِدَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يَكُونُ لَمَّا اسْتَعَاذَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَبَّهَ لِمَكَانِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ قَذَفَ [1660] مملوكه بالزنى يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ

لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِ الْعَبْدِ فِي الدُّنْيَا وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنْ يُعَزَّرُ قَاذِفُهُ لِأَنَّ العبد ليس بمحصن وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ مَنْ هُوَ كَامِلُ الرِّقِّ وَلَيْسَ فِيهِ سَبَبُ حُرِّيَّةٍ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ هَذَا فِي حُكْمِ الدُّنْيَا أَمَّا فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ فَيُسْتَوْفَى لَهُ الْحَدُّ مِنْ قَاذِفِهِ لِاسْتِوَاءِ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ فِي الْآخِرَةِ قَوْلُهُ (سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ نَبِيَّ التَّوْبَةِ) قَالَ الْقَاضِي وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ بُعِثَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبُولِ التَّوْبَةِ بِالْقَوْلِ وَالِاعْتِقَادِ وَكَانَتْ تَوْبَةُ مَنْ قَبْلَنَا بِقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالتَّوْبَةِ الْإِيمَانَ وَالرُّجُوعَ عَنِ الْكُفْرِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَصْلُ التَّوْبَةِ الرجوع قَوْلُهُ عَنِ الْمَعْرُورِ [1661] بْنِ سُوَيْدٍ هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالرَّاءِ الْمُكَرَّرَةِ قَوْلُهُ لَوْ جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا كَانَتْ حُلَّةً إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحُلَّةَ عِنْدَ الْعَرَبِ ثَوْبَانِ وَلَا تُطْلَقُ عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ (كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ إِخْوَانِي كَلَامٌ وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَلَقِيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ) أَمَّا قَوْلُهُ رَجُلٌ مِنْ إِخْوَانِي فَمَعْنَاهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا وَإِنَّمَا قَالَ مِنْ إِخْوَانِي لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ أَيْ هَذَا التَّعْيِيرُ مِنْ أَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ فَفِيكَ خُلُقٌ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ فَفِيهِ النَّهْيُ عَنِ التَّعْيِيرِ

وَتَنْقِيصِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَأَنَّهُ مِنْ أَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ قَوْلُهُ (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ سَبَّ الرِّجَالَ سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ قَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ) مَعْنَى كَلَامِ أَبِي ذَرٍّ الِاعْتِذَارُ عَنْ سَبِّهِ أُمَّ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ يَعْنِي أَنَّهُ سَبَّنِي وَمَنْ سَبَّ إِنْسَانًا سَبَّ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ أَبَا السَّابِّ وَأُمَّهُ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ هَذَا مِنْ أَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّمَا يُبَاحُ لِلْمَسْبُوبِ أَنْ يَسُبَّ السَّابَّ نَفْسَهُ بِقَدْرِ مَا سَبَّهُ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِأَبِيهِ وَلَا لِأُمِّهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هُمْ إِخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ) الضَّمِيرُ فِي هُمْ إِخْوَانُكُمْ يَعُودُ إِلَى الْمَمَالِيكِ وَالْأَمْرُ بِإِطْعَامِهِمْ مِمَّا يَأْكُلُ السَّيِّدُ وَإِلْبَاسُهُمْ مِمَّا يَلْبَسُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى الْإِيجَابِ وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا فِعْلُ أَبِي ذَرٍّ فِي كِسْوَةِ غُلَامِهِ مِثْلَ كِسْوَتِهِ فَعَمَلٌ بِالْمُسْتَحَبِّ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ نَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ بِحَسَبِ الْبُلْدَانِ وَالْأَشْخَاصِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ نَفَقَةِ السَّيِّدِ وَلِبَاسِهِ أَوْ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ حَتَّى لَوْ قَتَّرَ السَّيِّدُ عَلَى نَفْسِهِ تَقْتِيرًا خَارِجًا عَنْ عَادَةِ أَمْثَالِهِ إِمَّا زُهْدًا وَإِمَّا شُحًّا لَا يَحِلُّ لَهُ التَّقْتِيرُ عَلَى الْمَمْلُوكِ وَإِلْزَامُهُ وَمُوَافَقَتُهُ إِلَّا بِرِضَاهُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلِّفَهُ من العمل مالا يُطِيقُهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَزِمَهُ إِعَانَتُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيَبِعْهُ) وَفِي رِوَايَةٍ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ وَهَذِهِ

الثَّانِيَةُ هِيَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقَةُ لِبَاقِي الرِّوَايَاتِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ الْمَسْبُوبَ هُوَ بِلَالٌ الْمُؤَذِّنُ [1662] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ وَلَا يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا يُطِيقُ) هُوَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وقد شرحناه والكسوة بِكَسْرِ الْكَافِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ الْكَسْرُ أَفْصَحُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَنَبَّهَ بِالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ عَلَى سَائِرِ الْمُؤَنِ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيْهَا الْعَبْدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ [1663] عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا صَنَعَ لِأَحَدِكُمْ خَادِمُهُ طَعَامَهُ ثُمَّ جَاءَهُ بِهِ وَقَدْ وَلِيَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ

فَلْيَأْكُلْ فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مَشْفُوهًا قَلِيلًا فَلْيَضَعْ فِي يَدِهِ مِنْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ) قَالَ دَاوُدُ يَعْنِي لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَمَّا الْأُكْلَةُ فَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَهِيَ اللُّقْمَةُ كَمَا فَسَّرَهُ وَأَمَّا الْمَشْفُوهُ فَهُوَ الْقَلِيلُ لِأَنَّ الشِّفَاهَ كَثُرَتْ عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ قَلِيلًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشْفُوهًا قَلِيلًا أَيْ قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْمُوَاسَاةِ فِي الطَّعَامِ لَا سِيَّمَا فِي حَقِّ مَنْ صَنَعَهُ أَوْ حَمَلَهُ لِأَنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ وَتَعَلَّقَتْ بِهِ نَفْسُهُ وَشَمَّ رَائِحَتَهُ وَهَذَا كُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْعَبْدُ إِذَا نَصَحَ [1664] لِسَيِّدِهِ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الْمُصْلِحِ أَجْرَانِ فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْمَمْلُوكِ الْمُصْلِحِ وَهُوَ الناصح لسيده والقائم بعبادة ربه المتوجهة عَلَيْهِ وَأَنَّ لَهُ أَجْرَيْنِ لِقِيَامِهِ

بِالْحَقَّيْنِ وَلِانْكِسَارِهِ بِالرِّقِّ [1665] وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَوْلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْحَجُّ وَبِرُّ أُمِّي لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ فَفِيهِ أَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا جِهَادَ عَلَيْهِ وَلَا حَجَّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ وَأَرَادَ بِبِرِّ أُمِّهِ الْقِيَامَ بِمَصْلَحَتِهَا فِي النَّفَقَةِ وَالْمُؤَنِ وَالْخِدْمَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ مِنَ الرَّقِيقِ قَوْلُهُ (وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَكُنْ يَحُجُّ حَتَّى مَاتَتْ أُمُّهُ لِصُحْبَتِهَا) الْمُرَادُ بِهِ حَجُّ التَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَّمَ بِرَّ الْأُمِّ عَلَى حَجِّ التَّطَوُّعِ لِأَنَّ بِرَّهَا فَرْضٌ فَقُدِّمَ عَلَى التَّطَوُّعِ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ مَنْعَ الْوَلَدِ مِنْ حَجَّةِ التَّطَوُّعِ دُونَ حَجَّةِ الْفَرْضِ قَوْلُهُ (قَالَ [1666] كَعْبٌ لَيْسَ عَلَيْهِ حِسَابٌ وَلَا عَلَى مُؤْمِنٍ مُزْهِدٍ) الْمُزْهِدُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ وَمَعْنَاهُ قَلِيلُ الْمَالِ وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقَّ مَوَالِيهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ حِسَابٌ لِكَثْرَةِ أَجْرِهِ وَعَدَمِ مَعْصِيَتِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ كَعْبٌ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِتَوْقِيفٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بالِاجْتِهَادِ لِأَنَّ مَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ وَأُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ

مَسْرُورًا قَوْلُهُ [1667] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نِعِمَّا للملوك أَنْ يُتَوَفَّى يُحْسِنُ عِبَادَةَ اللَّهِ وَصَحَابَةَ سَيِّدِهِ) أَمَّا نِعِمَّا فَفِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ قُرِئَ بِهِنَّ فِي السَّبْعِ إِحْدَاهَا كَسْرُ النُّونِ مَعَ إِسْكَانِ الْعَيْنِ وَالثَّانِيَةُ كَسْرُهُمَا وَالثَّالِثَةُ فَتْحُ النُّونِ مَعَ كَسْرِ الْعَيْنِ وَالْمِيمِ مُشَدَّدَةً فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أي نعم شيء هو ومعناه نعم ماهو فَأُدْغِمَتِ الْمِيمُ فِي الْمِيمِ قَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ الْعُذْرِيُّ نُعْمًا بِضَمِّ النُّونِ مُنَوَّنًا وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْ لَهُ مَسَرَّةٌ وَقُرَّةُ عَيْنٍ يُقَالُ نُعْمًا لَهُ وَنِعْمَةً لَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُحْسِنُ عِبَادَةَ اللَّهِ) هُوَ بِضَمِّ أَوَّلِ يُحْسِنُ وَعِبَادَةَ مَنْصُوبَةٌ وَالصَّحَابَةُ هُنَا بِمَعْنَى الصُّحْبَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ فَعَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلُّهُ) وَذَكَرَ حَدِيثَ الِاسْتِسْعَاءِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ

فِي كِتَابِ الْعِتْقِ مَبْسُوطَةً بِطُرُقِهَا وَعَجَبٌ مِنْ إعادة مسلم لها ها هنا عَلَى خِلَافِ عَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ إِلَى إِعَادَتِهَا وَسَبَقَ هُنَاكَ شَرْحُهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُوِّمَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ قِيمَةَ عَدْلٍ لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْوَكْسُ الْغِشُّ وَالْبَخْسُ وَأَمَّا الشَّطَطُ فَهُوَ الْجَوْرُ يُقَالُ شَطَّ الرَّجُلُ وَأَشَطَّ وَاسْتَشَطَّ إِذَا جَارَ وَأَفْرَطَ وَأَبْعَدَ فِي مُجَاوَزَةِ الْحَدِّ وَالْمُرَادُ يُقَوَّمُ بِقِيمَةِ عَدْلٍ لَا بِنَقْصٍ

وَلَا بِزِيَادَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا مِنْ مَمْلُوكٍ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ شَقِيصًا بِالْيَاءِ وَفِي بَعْضِهَا شِقْصًا بِحَذْفِهَا وَكَذَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ وَهُمَا لُغَتَانِ شِقْصٌ وَشَقِيصٌ كَنِصْفٍ وَنَصِيفٍ أَيْ نَصِيبٌ قَوْلُهُ [1668] (إِنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَدَعَا بِهِمْ

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا ثُمَّ أَقَرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً وَقَالَ لَهُ قَوْلًا شَدِيدًا) وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ قَوْلُهُ فَجَزَّأَهُمْ هُوَ بِتَشْدِيدِ الزَّايِ وَتَخْفِيفِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ ذَكَرَهُمَا بن السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ وَمَعْنَاهُ قَسَمَهُمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَقَالَ لَهُ قَوْلًا شَدِيدًا فَمَعْنَاهُ قَالَ فِي شَأْنِهِ قَوْلًا شَدِيدًا كَرَاهِيَةً لِفِعْلِهِ وَتَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى تَفْسِيرُ هَذَا الْقَوْلِ الشَّدِيدِ قَالَ لَوْ عَلِمْنَا مَا صَلَّيْنَا عَلَيْهِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ كَانَ يَتْرُكُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ تَغْلِيظًا وَزَجْرًا لِغَيْرِهِ عَلَى مِثْلِ فِعْلِهِ وَأَمَّا أَصْلُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وأحمد وإسحاق وداود وبن جَرِيرٍ وَالْجُمْهُورِ فِي إِثْبَاتِ الْقُرْعَةِ فِي الْعِتْقِ وَنَحْوِهِ وَأَنَّهُ إِذَا أَعْتَقَ عَبِيدًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهِمْ وَلَا يَخْرُجُونَ مِنَ الثُّلُثِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَيُعْتِقُ ثُلُثَهُمْ بِالْقُرْعَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْقُرْعَةُ بَاطِلَةٌ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي ذَلِكَ بَلْ يُعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ قِسْطَهُ وَيُسْتَسْعَى فِي الْبَاقِي لِأَنَّهَا خَطَرٌ وَهَذَا مَرْدُودٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ قَالَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَشُرَيْحٌ وَالْحَسَنُ وحكى أيضا عن بن الْمُسَيِّبِ قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ الْأَخِيرِ (حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ فقال لم يسمعه بن سِيرِينَ مِنْ عِمْرَانَ فِيمَا يُقَالُ وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أبي المهلب

(باب جواز بيع المدبر [997] قول هـ (إن رجلا من الأنصار أعتق

عن عمران قاله بن الْمَدِينِيِّ قُلْتُ وَلَيْسَ فِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ بن سِيرِينَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عِمْرَانَ وَلَوْ ثَبَتَ عَدَمُ سَمَاعِهِ مِنْهُ لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَى الْإِمَامِ مُسْلِمٍ فِيهِ عَتَبٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا ذَكَرَهُ مُتَابَعَةً بَعْدَ ذِكْرِهِ الطُّرُقَ الصَّحِيحَةَ الْوَاضِحَةَ وَقَدْ سَبَقَ لِهَذَا نَظَائِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (بَاب جَوَازِ بيع المدبر [997] قول هـ (إَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ) مَعْنَى أَعْتَقَهُ عَنْ دُبُرٍ أَيْ دَبَّرَهُ فَقَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَسُمِّيَ هَذَا تَدْبِيرًا لأنه يحصل العتق فيه فِي دُبُرِ الْحَيَاةِ وَأَمَّا هَذَا الرَّجُلُ الْأَنْصَارِيُّ فَيُقَالُ لَهُ أَبُو مَذْكُورٍ وَاسْمُ الْغُلَامِ الْمُدَبَّرِ يَعْقُوبُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ قِيَاسًا عَلَى الْمُوصَى بِعِتْقِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَمِمَّنْ جَوَّزَهُ عَائِشَةُ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَالسَّلَفِ مِنَ الْحِجَازِيِّينَ وَالشَّامِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ قَالُوا وَإِنَّمَا بَاعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى سَيِّدِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ اقْضِ بِهِ دَيْنَكَ قَالُوا وَإِنَّمَا دَفَعَ إِلَيْهِ ثَمَنَهُ لِيَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يكن له مَالٌ غَيْرُهُ فَرَدَّ تَصَرُّفَهُ قَالَ هَذَا الْقَائِلُ وَكَذَلِكَ يُرَدُّ تَصَرُّفُ مَنْ تَصَدَّقَ بِكُلِّ مَالِهِ وَهَذَا ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ نَفَاذُ تَصَرُّفِ مَنْ تَصَدَّقَ بِكُلِّ مَالِهِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّهُ فَعَلَ ذلك نظرا له إذا لَمْ يَتْرُكْ لِنَفْسِهِ مَالًا وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ أن الحديث)

عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ بِكُلِّ حال مالم يَمُتِ السَّيِّدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى صِحَّةِ التَّدْبِيرِ ثُمَّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُحْسَبُ عِتْقُهُ مِنَ الثُّلُثِ وَقَالَ اللَّيْثُ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى هُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرُ الْإِمَامِ فِي مَصَالِحِ رَعِيَّتِهِ وَأَمْرُهُ إِيَّاهُمْ بِمَا فِيهِ الرِّفْقُ بهم وبأبطالهم مَا يَضُرُّهُمْ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمُ الَّتِي يُمْكِنُ فَسْخُهَا وَفِيهِ جَوَازُ الْبَيْعِ فِيمَنْ يُدَبَّرُ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ الْآنَ وَقَدْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ لِبَعْضِ السَّلَفِ قَوْلُهُ (وَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ الله) وفي رواية فاشتراه بن النَّحَّامِ بِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ هَكَذَا هو في جميع النسخ بن النَّحَّامِ بِالنُّونِ قَالُوا وَهُوَ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ فَاشْتَرَاهُ النحام فإن المشتري هُوَ نُعَيْمٌ وَهُوَ النَّحَّامُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات

دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ فِيهَا نَحْمَةً لِنُعَيْمٍ وَالنَّحْمَةُ الصوت وقيل هي السلعة وقيل النحنحة والله أعلم ( كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات) (باب القسامة [1669] ذَكَرَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ بِاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ وطرقه حين وجد محيصة بن عَمِّهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلًا بِخَيْبَرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَوْلِيَائِهِ تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ وَفِي رِوَايَةٍ تَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ أَمَّا حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ فَبِتَشْدِيدِ الْيَاءِ فِيهِمَا وَبِتَخْفِيفِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي أَشْهَرُهُمَا التَّشْدِيدُ قَالَ القاضي حَدِيثُ الْقَسَامَةِ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ وَقَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْأَحْكَامِ وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ وَبِهِ أَخَذَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ الْحِجَازِيِّينَ وَالشَّامِيِّين وَالْكُوفِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ بِهِ وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ إِبْطَالُ الْقَسَامَةِ وَأَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهَا وَلَا عَمَلَ بِهَا وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَالْحَكَمُ بن عيينة وقتادة وأبو قلابة ومسلم بن خالد وبن عُلَيَّةَ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَا فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا هَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِهَا فَقَالَ مُعْظَمُ الْحِجَازِيِّينَ يَجِبُ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَأَبِي الزِّنَادِ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَاللَّيْثِ)

وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ وَهُوَ قول الشافعي في القديم وروى عن بن الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ قُلْنَا بِهَا وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ إِنِّي لَأَرَى أَنَّهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ فَمَا اخْتَلَفَ مِنْهُمُ اثْنَانِ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ لَا يَجِبُ بِهَا الْقِصَاصُ وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَعُثْمَانَ اللَّيْثِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَرُوِيَ أيضا عن أبي بكر وعمر وبن عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ يَحْلِفُ الْوَرَثَةُ وَيَجِبُ الْحَقُّ بِحَلِفِهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِالِابْتِدَاءِ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ صِحَاحٍ لَا تَنْدَفِعُ قَالَ مَالِكٌ الَّذِي أَجْمَعَتْ عليه الأئمة قديما وحديثا أن المدعين يبدؤن فِي الْقَسَامَةِ وَلِأَنَّ جَنَبَةَ الْمُدَّعِي صَارَتْ قَوِيَّةً بِاللَّوْثِ قَالَ الْقَاضِي وَضَعَّفَ هَؤُلَاءِ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى الِابْتِدَاءَ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ قَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهْمٌ مِنَ الرَّاوِينَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الِابْتِدَاءَ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَذْكُرْ رَدَّ الْيَمِينِ وَلِأَنَّ مَنْ رَوَى الِابْتِدَاءَ بِالْمُدَّعِينَ مَعَهُ زِيَادَةٌ وَرِوَايَاتُهَا صِحَاحٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مَشْهُورَةٍ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا وَلَا تُعَارِضُهَا رِوَايَةُ مَنْ نَسِيَ وَقَالَ كُلُّ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الْقِصَاصَ وَاقْتَصَرَ عَلَى الدِّيَةِ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إِلَّا الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ فَقَالَا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى حَتَّى تَقْتَرِنَ بِهَا شُبْهَةٌ يُغَلَّبُ الظَّنُّ بِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الشُّبْهَةِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَسَامَةِ وَلَهَا سَبْعُ صُوَرٍ الْأُولَى أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ فِي حَيَاتِهِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَهُوَ قَتَلَنِي أَوْ ضَرَبَنِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ أَوْ فَعَلَ بِي هَذَا مِنْ إِنْفَاذِ مَقَاتِلِي أَوْ جَرَحَنِي وَيَذْكُرُ الْعَمْدَ فَهَذَا مُوجِبٌ لِلْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَادَّعَى مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَالَ الْقَاضِي وَلَمْ يَقُلْ بِهَذَا مِنْ فُقَهَاءِ الأمصار غيرهما ولا روى عن غيرهما وخالف فِي ذَلِكَ الْعُلَمَاءَ كَافَّةً فَلَمْ يَرَ أَحَدٌ غيرهما في هذا أقسامه وَاشْتَرَطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وُجُودَ الْأَثَرِ وَالْجُرْحِ فِي كَوْنِهِ قَسَامَةً وَاحْتَجَّ

مَالِكٌ فِي ذَلِكَ بِقَضِيَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الموتى قَالُوا فَحَيِيَ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَ بِقَاتِلِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ مَالِكٍ أَيْضًا بِأَنَّ تِلْكَ حَالَةٌ يُطْلَبُ بهَا غَفْلَةُ النَّاسِ فَلَوْ شَرَطْنَا الشَّهَادَةَ وَأَبْطَلْنَا قَوْلَ الْمَجْرُوحِ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى إِبْطَالِ الدِّمَاءِ غَالِبًا قَالُوا وَلِأَنَّهَا حَالَةٌ يَتَحَرَّى فِيهَا الْمَجْرُوحُ الصِّدْقَ وَيَتَجَنَّبُ الْكَذِبَ وَالْمَعَاصِيَ وَيَتَزَوَّدُ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُكْتَفَى فِي الشَّهَادَةِ عَلَى قَوْلِهِ بِشَاهِدٍ أَمْ لابد مِنَ اثْنَيْنِ الثَّانِيَةُ اللَّوْثُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَمِنَ اللَّوْثِ شَهَادَةُ الْعَدْلِ وَحْدَهُ وَكَذَا قول جماعة ليسوا عدولا الثالثة إِذَا شَهِدَ عَدْلَانِ بِالْجُرْحِ فَعَاشَ بَعْدَهُ أَيَّامًا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُفِيقَ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ هُوَ لَوْثٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حنيفة رضي الله عنه لاقسامة هُنَا بَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ الرَّابِعَةُ يُوجَدُ الْمُتَّهَمُ عِنْدَ الْمَقْتُولِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ آتِيًا مِنْ جِهَتِهِ وَمَعَهُ آلَةُ الْقَتْلِ وعليه أثره من لطخ دم وغيره وَلَيْسَ هُنَاكَ سَبْعٌ وَلَا غَيْرُهُ مِمَّا يُمْكِنُ إِحَالَةُ الْقَتْلِ عَلَيْهِ أَوْ تَفَرَّقَ جَمَاعَةٌ عَنْ قَتِيلٍ فَهَذَا لَوْثٌ مُوجِبٌ لِلْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ الْخَامِسَةُ أَنْ يَقْتَتِلَ طَائِفَتَانِ فَيُوجَدُ بَيْنَهُمَا قَتِيلٌ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإسحاق وعن مالك رواية لإقسامه بَلْ فِيهِ دِيَةٌ عَلَى الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى إِنْ كَانَ مِنْ أَحَدِ الطَّائِفَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا فَعَلَى الطَّائِفَتَيْنِ دِيَتُهُ السَّادِسَةُ يُوجَدُ الْمَيِّتُ فِي زَحْمَةِ النَّاسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ تَثْبُتُ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَتَجِبُ بِهَا الدِّيَةُ وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ هدر وقال الثوري واسحاق تجب دية فِي بَيْتِ الْمَالِ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وعلى السابعة أَنْ يُوجَدَ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ أَوْ قَبِيلَتِهِمْ أَوْ مَسْجِدِهِمْ فَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ هَذَا قَسَامَةٌ بَلِ الْقَتْلُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْتُلُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَيُلْقِيهِ فِي مَحَلَّةِ طَائِفَةٍ لِيُنْسَبَ إِلَيْهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلَّةِ أعدائه لا يغالطهم غَيْرُهُمْ فَيَكُونُ كَالْقِصَّةِ الَّتِي جَرَتْ بِخَيْبَرَ فَحَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَسَامَةِ لِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ لِمَا كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَبَيْنَ الْيَهُودِ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سِوَاهُمْ وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَمُعْظَمُ الْكُوفِيِّينَ وُجُودُ الْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ وَالْقَرْيَةِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَلَا تَثْبُتُ الْقَسَامَةُ عِنْدَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنَ الصُّوَرِ السَّبْعِ السَّابِقَةِ إِلَّا هُنَا لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ هِيَ الصُّورَةُ الَّتِي حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِالْقَسَامَةِ وَلَا قَسَامَةَ عِنْدَهُمْ إِلَّا إِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ وَبِهِ أَثَرٌ قَالُوا فَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الْمَسْجِدِ حَلَفَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ إِذَا ادَّعَوْا عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وُجُودُ

الْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَثَرٌ وَنَحْوُهُ عَنْ دَاوُدَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرِ الْكُبْرُ فِي السِّنِّ فَصَمَتَ وَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ وَتَكَلَّمَ مَعَهُمَا) مَعْنَى هَذَا أَنَّ الْمَقْتُولَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَلَهُ أَخٌ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلَهُمَا ابْنَا عَمٍّ وَهُمَا مُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ وَهُمَا أَكْبَرُ سِنًّا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلَمَّا أَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو الْقَتِيلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرْ أَيْ يَتَكَلَّمُ أَكْبَرُ مِنْكَ وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى إِنَّمَا هِيَ لِأَخِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا حَقَّ فِيهَا لِابْنَيْ عَمِّهِ وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَكَلَّمَ الْأَكْبَرُ وَهُوَ حُوَيِّصَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ بِكَلَامِهِ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى بَلْ سَمَاعَ صُورَةِ الْقِصَّةِ وَكَيْفَ جَرَتْ فَإِذَا أَرَادَ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى تَكَلَّمَ صَاحِبُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَكَّلَ حُوَيِّصَةَ فِي الدَّعْوَى وَمُسَاعَدَتِهِ أَوْ أُمِرَ بِتَوْكِيلِهِ وَفِي هَذَا فَضِيلَةُ السِّنِّ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْفَضَائِلِ وَلِهَذَا نَظَائِرُ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ بِهَا فِي الْإِمَامَةِ وَفِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ نَدْبًا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ مَعْنَاهُ يُرِيدُ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ وَالْكُبْرُ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ يُرِيدُ وَنَحْوِهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْكُبْرِ بِاللَّامِ وَهُوَ صَحِيحٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ) قَدْ يُقَالُ كَيْفَ عُرِضَتِ الْيَمِينُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْيَمِينُ لِلْوَارِثِ خَاصَّةً وَالْوَارِثُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ خَاصَّةً وَهُوَ أَخُو الْقَتِيلِ وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَابْنَا عَمٍّ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا مَعَ الْأَخِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ أَنَّ الْيَمِينَ تَخْتَصُّ بِالْوَارِثِ فَأَطْلَقَ الْخِطَابَ لَهُمْ وَالْمُرَادُ مَنْ تَخْتَصُّ بِهِ الْيَمِينُ وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لِلْمُخَاطَبِينَ كَمَا سَمِعَ كَلَامَ الْجَمِيعِ فِي صُورَةِ قَتْلِهِ وَكَيْفِيَّةِ مَا جَرَى لَهُ وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الدَّعْوَى وَقْتَ الْحَاجَةِ مُخْتَصَّةً بِالْوَارِثِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتستحقون

قَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ فَمَعْنَاهُ يَثْبُتُ حَقُّكُمْ عَلَى مَنْ حَلَفْتُمْ عَلَيْهِ وَهَلْ ذَلِكَ الْحَقُّ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَجُوزُ لَهُمُ الْحَلِفُ إِذَا عَلِمُوا أَوْ ظَنُّوا ذَلِكَ وَإِنَّمَا عَرَضَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَمِينَ إِنْ وُجِدَ فِيهِمْ هَذَا الشَّرْطَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْإِذْنَ لَهُمْ فِي الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ ظَنٍّ وَلِهَذَا قَالُوا كَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا) أَيْ تَبْرَأُ إِلَيْكُمْ مِنْ دَعْوَاكُمْ بِخَمْسِينَ يَمِينًا وَقِيلَ مَعْنَاهُ يُخَلِّصُونَكُمْ مِنَ الْيَمِينِ بِأَنْ يَحْلِفُوا فَإِذَا حَلَفُوا انْتَهَتِ الْخُصُومَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ وَخَلَصْتُمْ أَنْتُمْ مِنَ الْيَمِينِ وَفِي هَذَا دليل لصحة يمين الكافر والفاسق ويهود مَرْفُوعٌ غَيْرُ مُنَوَّنٍ لَا يَنْصَرِفُ لِأَنَّهُ اسْمُ للقبيلة وَالطَّائِفَةِ فَفِيهِ التَّأْنِيثُ وَالْعَلَمِيَّةُ قَوْلُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى عَقْلَهُ) أَيْ دِيَتُهُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِهِ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَقَوْلُهُ وَدَاهُ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَيْ دَفَعَ دِيَتَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ إِنَّمَا وَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ وَإِصْلَاحًا لِذَاتِ الْبَيْنَ فَإِنَّ أَهْلَ الْقَتِيلِ لَا يَسْتَحِقُّونَ إِلَّا أَنْ يَحْلِفُوا أَوْ يَسْتَحْلِفُوا الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَقَدِ امْتَنَعُوا مِنَ الْأَمْرَيْنِ وَهُمْ مَكْسُورُونَ بِقَتْلِ صَاحِبِهِمْ فَأَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَبْرَهُمْ وَقَطْعَ الْمُنَازَعَةِ وَإِصْلَاحَ ذَاتِ البين

بدفع ديته من عنده وقوله فَوَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ صَادَفَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّهَا غَلَطٌ مِنَ الرُّوَاةِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ لَا تُصْرَفُ هَذَا الْمَصْرِفَ بَلْ هِيَ لِأَصْنَافٍ سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ صَرْفُهَا مِنْ إِبِلِ الزَّكَاةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مَعْنَاهُ اشْتَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ بَعْدَ أَنْ مَلَكُوهَا ثُمَّ دَفَعَهَا تَبَرُّعًا إِلَى أهل القتيل وحكى القاضي عن بعض العلماءأنه يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ فِي مَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَتَأَوَّلَ هذا الحديث عليه وتأوله بعضهم علىأن أولياء القتيل كانوا محتاجين ممن تُبَاحُ لَهُمُ الزَّكَاةُ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا قَدْرٌ كَثِيرٌ لَا يُدْفَعُ إِلَى الْوَاحِدِ الحامل مِنَ الزَّكَاةِ بِخِلَافِ أَشْرَافِ الْقَبَائِلِ وَلِأَنَّهُ سَمَّاهُ دِيَةً وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ دَفَعَهُ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنَ الزَّكَاةِ اسْتِئْلَافًا لِلْيَهُودِ لَعَلَّهُمْ يُسْلِمُونَ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إِلَى كَافِرٍ فَالْمُخْتَارُ مَا حَكَيْنَاهُ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مُرَاعَاةُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَالِاهْتِمَامُ بِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْقَسَامَةِ وَفِيهِ الِابْتِدَاءُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ وَفِيهِ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا نَكَلَ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ وَفِيهِ جَوَازُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَسَمَاعُ الدَّعْوَى فِي الدِّمَاءِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْخَصْمِ وَفِيهِ جَوَازُ الْيَمِينِ بِالظَّنِّ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ وَفِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ يَكُونُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ) هَذَا مِمَّا يَجِبُ تَأْوِيلُهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْوَارِثِ خَاصَّةً لَا على غيره من القبيلةوتأويله عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَعْنَاهُ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ يَمِينًا وَالْحَالِفُ هُمُ الْوَرَثَةُ فَلَا يَحْلِفُ أَحَدٌ مِنَ الْأَقَارِبِ غَيْرُ الْوَرَثَةِ يَحْلِفُ كُلُّ الْوَرَثَةِ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قال أبو ثور وبن الْمُنْذِرِ وَوَافَقَنَا مَالِكٌ فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَقَالَ يَحْلِفُ الْأَقَارِبُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا تَحْلِفُ النِّسَاءُ وَلَا الصِّبْيَانُ وَوَافَقَهُ رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ فَجَعَلَ الْحَالِفَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ غير الوارث

لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ عَلَى حلف مَنْ يَسْتَحِقُّ الدِّيَةَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ) الرُّمَّةُ بِضَمِّ الرَّاءِ الْحَبْلُ وَالْمُرَادُ هُنَا الْحَبْلُ الَّذِي يُرْبَطُ فِي رَقَبَةِ الْقَاتِلِ وَيُسَلَّمُ فِيهِ إِلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الْقَسَامَةَ يَثْبُتُ فِيهَا الْقِصَاصُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَتَأَوَّلَهُ الْقَائِلُونَ لَا قِصَاصَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُسَلَّمَ لِيُسْتَوْفَى مِنْهُ الدِّيَةُ لِكَوْنِهَا ثَبَتَتْ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ الْقَسَامَةَ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى وَاحِدٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ يحلف الأولياء على ما شاء وأولا يقتلوا إلا واحدا وقال الشافعي رضي الله عنه أن ادعوا على جماعة حلفوا عليهم وثبتت عليهم الدية على الصحيح عند الشَّافِعِيُّ وَعَلَى قَوْلٍ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ حَلَفُوا عَلَى وَاحِدٍ اسْتَحَقُّوا عَلَيْهِ وَحْدَهُ قَوْلُهُ (فَدَخَلْتُ مِرْبَدًا لَهُمْ يَوْمًا فَرَكَضَتْنِي نَاقَةٌ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ رَكْضَةً بِرِجْلِهَا) الْمِرْبَدُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْبَاءِ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْإِبِلُ وَتُحْبَسُ وَالرَّبْدُ الْحَبْسُ وَمَعْنَى رَكَضَتْنِي رَفَسَتْنِي وَأَرَادَ بِهَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ ضَبَطَ الْحَدِيثَ

وَحَفِظَهُ حِفْظًا بَلِيغًا قَوْلُهُ (فَوُجِدَ فِي شَرَبَةٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَهُوَ حَوْضٌ يَكُونُ فِي أَصْلِ النَّخْلَةِ وَجَمْعُهُ شَرَبٌ كَثَمَرَةٍ وَثَمَرٌ قَوْلُهُ (لَقَدْ رَكَضَتْنِي فَرِيضَةٌ مِنْ تِلْكَ الْفَرَائِضِ) الْمُرَادُ بِالْفَرِيضَةِ هُنَا النَّاقَةُ مِنْ تِلْكَ النُّوقِ الْمَفْرُوضَةِ فِي الدِّيَةِ وَتُسَمَّى الْمَدْفُوعَةَ فِي الزَّكَاةِ أَوْ فِي الدِّيَةِ فَرِيضَةً لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ أَيْ مُقَدَّرَةٌ بِالسِّنِّ وَالْعَدَدِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمَازِرِيِّ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرِيضَةِ هُنَا

النَّاقَةُ الْهَرِمَةُ فَقَدْ غَلِطَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ) هَذَا آخِرُ الْفَوَاتِ الَّذِي لَمْ يَسْمَعْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ مِنْ مُسْلِمٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ أَوَّلِهِ وَقَوْلُهُ عُقَيْبَ هَذَا حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى هُوَ أَوَّلُ سَمَاعِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُفْيَانَ مِنْ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ هكذا هو في معظم النسخ وفي نسخة الحافظ بن عَسَاكِرَ أَنَّ آخِرَ الْفَوَاتِ آخِرُ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَأَوَّلُ السَّمَاعِ قَوْلُهُ عَقِبَهُ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَوْلُهُ (وَطُرِحَ فِي عَيْنٍ أَوْ فَقِيرٍ) الْفَقِيرُ هُنَا عَلَى لَفْظِ الْفَقِيرِ فِي الْآدَمِيِّينَ وَالْفَقِيرُ

هُنَا الْبِئْرُ الْقَرِيبَةُ الْقَعْرُ الْوَاسِعَةُ الْفَمُ وَقِيلَ هُوَ الْحَفِيرَةُ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ النَّخْلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ) مَعْنَاهُ إِنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ عَلَيْهِمْ بِقَسَامَتِكُمْ فَإِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ أَيْ يَدْفَعُوا إِلَيْكُمْ دِيَتَهُ وَإِمَّا أَنْ يُعْلِمُونَا أَنَّهُمْ مُمْتَنِعُونَ مِنَ الْتِزَامِ أَحْكَامِنَا فَيُنْتَقَضُ

فيه حديث العرنيين أنهم قدموا المدينة وأسلموا

عَهْدُهُمْ وَيَصِيرُونَ حَرْبًا لَنَا وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ الْوَاجِبُ بِالْقَسَامَةِ الدِّيَةُ دُونَ الْقِصَاصِ قَوْلُهُ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ الشِّدَّةُ وَالْمَشَقَّةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ( [1671] فِيهِ حَدِيثُ الْعُرَنِيِّينَ أَنَّهُمْ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَأَسْلَمُوا وَاسْتَوْخَمُوهَا وَسَقِمَتْ أَجْسَامُهُمْ فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخُرُوجِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَخَرَجُوا فَصَحُّوا فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ وَسَاقُوا الذَّوْدَ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آثَارِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ حَتَّى مَاتُوا هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي عُقُوبَةِ الْمُحَارِبِينَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرض وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَقَالَ مَالِكٌ هِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ فَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُحَارِبُ قَدْ قَتَلَ فَيَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو مُصْعَبٍ الْمَالِكِيُّ الْإِمَامُ بِالْخِيَارِ وَإِنْ قَتَلُوا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ هِيَ عَلَى التَّقْسِيمِ فَإِنْ قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِبُوا فَإِنْ أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ فَإِنْ أَخَافُوا السَّبِيلَ وَلَمْ يَأْخُذُوا شَيْئًا وَلَمْ يَقْتُلُوا طُلِبُوا حَتَّى يُعَزَّرُوا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ عِنْدَنَا قَالَ أَصْحَابُنَا لِأَنَّ ضَرَرَ هَذِهِ الْأَفْعَالِ مُخْتَلِفٌ فَكَانَتْ عُقُوبَاتُهَا مُخْتَلِفَةً وَلَمْ تَكُنْ لِلتَّخْيِيرِ وَتَثْبُتُ أَحْكَامُ الْمُحَارَبَةِ فِي الصَّحْرَاءِ وَهَلْ تَثْبُتُ فِي الْأَمْصَارِ فِيهِ خِلَافٌ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَثْبُتُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ تَثْبُتُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ هَذَا فَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ كَانَ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ الْحُدُودِ وَآيَةِ الْمُحَارَبَةِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُثْلَةِ فَهُوَ مَنْسُوخٌ وَقِيلَ لَيْسَ مَنْسُوخًا وَفِيهِمْ نَزَلَتْ آيَةُ الْمُحَارَبَةِ وَإِنَّمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ مَا فَعَلَ قِصَاصًا لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا بِالرُّعَاةِ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ ورواه بن إسحاق وموسى)

بْنُ عُقْبَةَ وَأَهْلُ السِّيَرِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ النَّهْيُ عَنِ الْمُثْلَةِ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِذَلِكَ وَلَا نَهَى عَنْ سَقْيِهِمْ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ فَاسْتَسْقَى لَا يُمْنَعُ الْمَاءَ قَصْدًا فَيُجْمَعُ عَلَيْهِ عَذَابَانِ قُلْتُ قَدْ ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُمْ قَتَلُوا الرُّعَاةَ وَارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى لَهُمْ حُرْمَةٌ فِي سَقْيِ الْمَاءِ وَلَا غَيْرِهِ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ لِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمَاءِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِلطَّهَارَةِ أَنْ يَسْقِيَهُ لِمُرْتَدٍّ يَخَافُ الْمَوْتَ مِنَ الْعَطَشِ وَيَتَيَمَّمُ وَلَوْ كَانَ ذميا أو يهيمة وَجَبَ سَقْيُهُ وَلَمْ يَجُزِ الْوُضُوءُ بِهِ حِينَئِذٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ) هِيَ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَآخِرُهَا نُونٌ ثُمَّ هَاءٌ وَهِيَ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ قَوْلُهُ (قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَاجْتَوَوْهَا) هِيَ بِالْجِيمِ وَالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَمَعْنَاهُ اسْتَوْخَمُوهَا كَمَا فَسَّرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَيْ لَمْ تُوَافِقْهُمْ وَكَرِهُوهَا لِسَقَمٍ أَصَابَهُمْ قَالُوا وَهُوَ مُشْتَقُّ مِنَ الْجَوَى وَهُوَ دَاءٌ فِي الْجَوْفِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَخْرُجُوا إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَتَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَافْعَلُوا فَصَحُّوا) فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهَا إِبِلُ الصَّدَقَةِ وَفِي غَيْرِ مُسْلِمٍ أَنَّهَا لِقَاحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَكَانَ بَعْضُ الْإِبِلِ لِلصَّدَقَةِ وَبَعْضُهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَرَوْثَهُ طَاهِرَانِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْقَائِلِينَ بِنَجَاسَتِهِمَا بِأَنَّ شُرْبَهُمُ الْأَبْوَالَ كَانَ لِلتَّدَاوِي وَهُوَ جَائِزٌ بِكُلِّ النَّجَاسَاتِ سِوَى الْخَمْرِ وَالْمُسْكِرَاتِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ أَذِنَ لَهُمْ فِي شُرْبِ لَبَنِ الصَّدَقَةِ فَالْجَوَابُ أَنَّ أَلْبَانَهَا لِلْمُحْتَاجِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَهَؤُلَاءِ إِذْ ذَاكَ مِنْهُمْ قَوْلُهُ (ثُمَّ مَالُوا عَلَى الرُّعَاةِ فَقَتَلُوهُمْ) وَفِي بَعْضِ الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ الرِّعَاءُ وَهُمَا لُغَتَانِ يُقَالُ رَاعٍ وَرُعَاةٌ كَقَاضٍ وَقُضَاةٌ وَرَاعٍ وَرِعَاءٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ

وَبِالْمَدِّ مِثْلَ صَاحِبٍ وَصِحَابٍ قَوْلُهُ (وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ سَمَلَ بِاللَّامِ وَفِي بَعْضِهَا سَمَرَ بِالرَّاءِ وَالْمِيمُ مُخَفَّفَةٌ وَضَبَطْنَاهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فِي الْبُخَارِيِّ سَمَّرَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَمَعْنَى سَمَلَ بِاللَّامِ نَقَّاهَا وَأَذْهَبَ مَا فِيهَا وَمَعْنَى سَمَّرَ بِالرَّاءِ كَحَّلَهَا بِمَسَامِيرَ مَحْمِيَّةٍ وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى قَوْلُهُ (لَهُمْ بِلِقَاحٍ

هِيَ جَمْعُ لِقْحَةٍ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا وَهِيَ النَّاقَةُ ذَاتُ الدُّرِّ قَوْلُهُ (وَلَمْ يَحْسِمْهُمْ) أَيْ وَلَمْ يَكْوِهِمْ وَالْحَسْمُ فِي اللُّغَةِ كَيُّ الْعِرْقِ بالنار لينقطع الدَّمَ قَوْلُهُ (وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ الْمُومُ وَهُوَ الْبِرْسَامُ) الْمُومُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَأَمَّا الْبِرْسَامُ فَبِكَسْرِ الْبَاءِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ اخْتِلَالِ الْعَقْلِ وَيُطْلَقُ عَلَى وَرَمِ الرَّأْسِ

قوله (إن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها فقتلها

وَوَرَمِ الصَّدْرِ وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَأَصْلُ اللَّفْظَةِ سُرْيَانِيَّةٌ قَوْلُهُ (وَبَعَثَ مَعَهُمْ قَائِفًا يَقْتَصُّ أَثَرَهُمْ) الْقَائِفُ هُوَ الَّذِي يَتَتَبَّعُ الْآثَارَ وَغَيْرَهَا () [1672] قَوْلُهُ (إَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا فَقَتَلَهَا بِحَجَرٍ فَجِيءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهَا رَمَقٌ فَقِيلَ لَهَا أَقَتَلَكِ فُلَانٌ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ لَا ثُمَّ قَالَ لَهَا الثَّانِيَةَ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ لَا ثُمَّ سَأَلَهَا الثَّالِثَةَ فَقَالَتْ نَعَمْ وَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ حجرين)

وَفِي رِوَايَةٍ قَتَلَ جَارِيَةً مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى حُلِيٍّ لَهَا ثُمَّ أَلْقَاهَا فِي قَلِيبٍ وَرَضَخَ رَأْسَهَا بِالْحِجَارَةِ فَأَمَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرْجَمَ حَتَّى يَمُوتَ فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ جَارِيَةً وُجِدَ رَأْسُهَا قَدْ رُضَّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَسَأَلُوهَا مَنْ صَنَعَ هذا بك فلان فُلَانٌ حَتَّى ذَكَرُوا الْيَهُودِيَّ فَأَوْمَتْ بِرَأْسِهَا فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَأَقَرَّ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ أَمَّا الْأَوْضَاحُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ فَهِيَ قِطَعُ فِضَّةٍ كَمَا فَسَّرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَوْلُهُ (وَبِهَا رَمَقٌ) هُوَ بَقِيَّةُ الْحَيَاةِ وَالرُّوحِ وَالْقَلِيبُ الْبِئْرُ وَقَوْلُهُ رَضَخَهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ وَرَضَّهُ بِالْحِجَارَةِ وَرَجَمَهُ بِالْحِجَارَةِ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ لِأَنَّهُ إِذَا وَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى حَجَرٍ وَرُمِيَ بِحَجَرٍ آخَرَ فَقَدْ رُجِمَ وَقَدْ رُضَّ وَقَدْ رُضِخَ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَجَمَهَا الرَّجْمَ الْمَعْرُوفَ مَعَ الرَّضْخِ لِقَوْلِهِ ثُمَّ أَلْقَاهَا فِي قَلِيبٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا قَتْلُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ وَهُوَ إِجْمَاعُ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ وَمِنْهَا أَنَّ الْجَانِيَ عَمْدًا يُقْتَلُ قِصَاصًا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي قَتَلَ فإن قتل بِسَيْفٍ قُتِلَ هُوَ بِالسَّيْفِ وَإِنْ قَتَلَ بِحَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا قُتِلَ بِمِثْلِهِ لِأَنَّ الْيَهُودِيَّ رَضَخَهَا فَرُضِخَ هُوَ وَمِنْهَا ثُبُوتُ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلَاتِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْمُحَدَّدَاتِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا قِصَاصَ إِلَّا فِي الْقَتْلِ بِمُحَدَّدٍ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ كَانَ مَعْرُوفًا بِقَتْلِ النَّاسِ بِالْمَنْجَنِيقِ أَوْ بِالْإِلْقَاءٍ فِي النَّارِ

باب الصائل على نفس الإنسان أو عضوه إذا دفعه

وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي مُثَقَّلِ الْحَدِيدِ كَالدَّبُّوسِ أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ شِبْهَ عَمْدٍ بِأَنْ قَتَلَ بِمَا لَا يُقْصَدُ بِهِ الْقَتْلُ غَالِبًا فَتَعَمَّدَ الْقَتْلَ بِهِ كَالْعَصَا وَالسَّوْطِ وَاللَّطْمَةِ وَالْقَضِيبِ وَالْبُنْدُقَةِ وَنَحْوِهَا فَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ يَجِبُ فِيهِ الْقَوْدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ لَا قِصَاصَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْهَا وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى الَّذِي يَقْتُلُ الْمُسْلِمَ وَمِنْهَا جَوَازُ سُؤَالِ الْجَرِيحِ مَنْ جَرَحَكَ وَفَائِدَةُ السُّؤَالِ أَنْ يُعْرَفَ الْمُتَّهَمُ لِيُطَالَبَ فَإِنْ أَقَرَّ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَإِنْ أَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْمَجْرُوحِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ وقد سبق في باب القسامة وأن مَذْهَبَ مَالِكٍ ثُبُوتُ الْقَتْلِ عَلَى الْمُتَّهَمِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْمَجْرُوحِ وَتَعَلَّقُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَهَذَا تَعَلُّقٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْيَهُودِيَّ اعْتَرَفَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ مسلم في أحد رِوَايَاتِهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَإِنَّمَا قُتِلَ بِاعْتِرَافِهِ وَاللَّهُ أعلم (باب الصائل على نفس الإنسان أو عضوه إذا دفعه المصول عليه (فاتلف نفسه أو عضوه لا ضمان عليه) [1673] قوله (قاتل يعلى بن منية أو بن أُمَيَّةَ رَجُلًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ فَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ)

فَاخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أيعض أحدكم كما يعض الفحل لادية لَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ [1674] أَنَّ أَجِيرًا لِيَعْلَى عَضَّ رَجُلٌ ذِرَاعَهُ أَمَّا مُنْيَةُ فَبِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ تَحْتُ وَهِيَ أُمُّ يَعْلَى وَقِيلَ جَدَّتُهُ وَأَمَّا أُمَيَّةُ فَهُوَ أَبُوهُ فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ وَيَعْلَى بْنُ مُنْيَةَ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنَّ يَعْلَى هُوَ الْمَعْضُوضُ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ أَنَّ الْمَعْضُوضَ هو أَجِيرُ يَعْلَى لَا يَعْلَى فَقَالَ الْحُفَّاظُ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ أَجِيرُ يَعْلَى لَا يَعْلَى وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ جَرَتَا لِيَعْلَى وَلِأَجِيرِهِ فِي وَقْتٍ أَوْ وَقْتَيْنِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ) هُوَ بِالْحَاءِ أَيِ الْفَحْلُ مِنَ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلَالَةٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّهُ إِذَا عَضَّ رَجُلٌ يَدَ غَيْرِهِ فَنَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ فَسَقَطَتْ أَسْنَانُ الْعَاضِّ أَوْ فَكُّ لِحْيَتِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَكَثِيرِينَ أَوِ الْأَكْثَرِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ مَالِكٌ يَضْمَنُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ) هُوَ بِفَتْحِ الضَّادِ فِيهِمَا عَلَى اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ وَمَعْنَاهُ يَعَضُّهَا قال أهل

اللُّغَةِ الْقَضْمُ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ [1673] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا تَأْمُرنِي تَأْمُرنِي أَنْ آمُرَهُ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ فِي فِيكَ تَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ ادْفَعْ يَدَكَ حَتَّى يَعَضَّهَا ثُمَّ انْتَزِعْهَا) لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَذَا أَمْرَهُ بِدَفْعِ يَدِهِ لِيَعَضَّهَا وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ أَيْ إِنَّكَ لَا تَدَعُ يَدَكَ فِي فِيهِ يَعَضُّهَا فَكَيْفَ تُنْكِرُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْتَزِعَ يَدَهُ مِنْ فِيكَ وَتُطَالِبُهُ بِمَا جَنَى فِي جَذْبِهِ لِذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا الْبَابُ مِمَّا تَتَبَّعَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا حَدِيثَ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ قَاتَلَ يَعْلَى وَذَكَرَ مِثْلَهُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ ثُمَّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ بن يَعْلَى ثُمَّ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ بن يعلى ثم حديث بن جريج عن عطاء عن بن يَعْلَى ثُمَّ حَدِيثَ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ بُدَيْلٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى وَهَذَا اخْتِلَافٌ عَلَى عَطَاءٍ وَذَكَرَ أيضا حديث قريش بن يونس عن بن عون عن بن سيرين عن عمران ولم يذكر فيه نوعا منه ولا من بن سِيرِينَ مِنْ عِمْرَانَ وَلَمْ يُخَرِّجِ الْبُخَارِيُّ لِابْنِ سِيرِينَ عَنْ عِمْرَانَ شَيْئًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب إثبات القصاص في الأسنان وما في معناها [1675] قوله (عن

قُلْتُ الْإِنْكَارُ عَلَى مُسْلِمٍ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُ مِنَ الِاخْتِلَافِ عَلَى عَطَاءٍ ضعف الحديث ولا من كون بن سِيرِينَ لَمْ يُصَرِّحْ بِالسَّمَاعِ مِنْ عِمْرَانَ وَلَا رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ شَيْئًا أَنْ لَا يَكُونَ سَمِعَ مِنْهُ بَلْ هُوَ مَعْدُودٌ فِيمَنْ سَمِعَ مِنْهُ وَالثَّانِي لَوْ ثَبَتَ ضَعْفُ هَذَا الطَّرِيقِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ ضَعْفُ الْمَتْنِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ بِالطُّرُقِ الْبَاقِيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَ مَرَّاتٍ أَنَّ مُسْلِمًا يَذْكُرُ فِي الْمُتَابَعَاتِ مَنْ هُوَ دُونَ شَرْطِ الصَّحِيحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب إثبات القصاص في الأسنان وما في معناها [1675] قَوْلُهُ (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُخْتَ الرُّبَيِّعِ أُمَّ حَارِثَةَ جَرَحَتْ إِنْسَانًا فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِصَاصَ الْقِصَاصَ فَقَالَتْ أُمُّ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُقْتَصُّ مِنْ فُلَانَةَ وَاللَّهِ لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أُمَّ الرُّبَيِّعِ الْقِصَاصُ كِتَابُ اللَّهِ)

قَالَتْ لَا وَاللَّهِ لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا أَبَدًا قَالَ فَمَا زَالَتْ حَتَّى قَبِلُوا الدِّيَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ هَذِهِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَخَالَفَهُ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أن عمته الربيع كسرت ثنية حارثة وَطَلَبُوا إِلَيْهَا الْعَفْوَ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبَوْا إِلَّا الْقِصَاصَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِصَاصِ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ فَرَضِيَ الْقَوْمُ فَعَفَوْا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَحَصَلَ الِاخْتِلَافُ فِي الرِّوَايَتَيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْجَارِيَةَ أُخْتُ الرُّبَيِّعِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهَا الرُّبَيِّعُ بِنَفْسِهَا وَالثَّانِي أَنَّ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْحَالِفَ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا هِيَ أُمُّ الرَّبِيعِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَاتِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ ذَكَرَهَا مِنْ طُرُقِهِ الصَّحِيحَةِ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْهُ وَكَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُ كُتُبِ السُّنَنِ قُلْتُ إِنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ أَمَّا الرُّبَيِّعُ الجارحة في رواية البخاري وأخت الجارحة فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَهِيَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَأَمَّا أُمُّ الرَّبِيعِ الْحَالِفَةُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى (الْقِصَاصَ الْقِصَاصَ) هُمَا مَنْصُوبَانِ أَيْ أَدُّوا الْقِصَاصَ وَسَلِّمُوهُ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ) أَيْ حُكْمُ كِتَابِ اللَّهِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي السن وهو قوله والسن بالسن وَأَمَّا قَوْلُهُ وَاللَّهِ لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا فَلَيْسَ مَعْنَاهُ رَدَّ حُكْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلِ الْمُرَادُ بِهِ الرَّغْبَةُ إِلَى مُسْتَحِقِّ الْقِصَاصِ أَنْ يَعْفُوَ وَإِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّفَاعَةِ إِلَيْهِمْ فِي الْعَفْوِ وإنما حلف ثقة بهم أن لا يحنثوه أو ثقة بفضل الله ولطفه أن لا يُحْنِثَهُ بَلْ يُلْهِمُهُمُ الْعَفْوَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ مَعْنَاهُ لَا يُحْنِثُهُ لِكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا 1 جَوَازُ الْحَلِفِ فِيمَا يَظُنُّهُ الْإِنْسَانُ وَمِنْهَا جَوَازُ الثَّنَاءِ عَلَى مَنْ لَا يَخَافُ الْفِتْنَةَ بِذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا مَرَّاتٍ 2 وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ 3 وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ الشَّفَاعَةِ فِي الْعَفْوِ 4 وَمِنْهَا أَنَّ الْخِيَرَةَ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ لَا إِلَى الْمُسْتَحَقِّ عليه

(باب ما يباح به دم المسلم [1676] قوله صلى الله عليه وسلم

5 - وَمِنْهَا إِثْبَاتُ الْقِصَاصِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا فِي نَفْسٍ وَلَا طَرَفٍ بَلْ تَتَعَيَّنُ دِيَةُ الْجِنَايَةِ تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى والأنثى بالأنثى الثَّانِي وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ ثُبُوتُ الْقِصَاصِ بَيْنَهُمَا فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا مِمَّا يَقْبَلُ الْقِصَاصَ وَاحْتَجُّوا بقوله تعالى النفس بالنفس إِلَى آخِرِهَا وَهَذَا وَإِنْ كَانَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلَنَا وَفِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ لِلْأُصُولِيِّينَ فَإِنَّمَا الْخِلَافُ إِذَا لَمْ يَرِدْ شَرْعُنَا بِتَقْرِيرِهِ وَمُوَافَقَتِهِ فَإِنْ وَرَدَ كَانَ شَرْعًا لَنَا بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ وَرَدَ شَرْعُنَا بِتَقْرِيرِهِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالثَّالِثُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ يَجِبُ الْقِصَاصُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي النَّفْسِ وَلَا يَجِبُ فِيمَا دُونَهَا وَمِنْهَا وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي السِّنِّ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إِذَا أَقَلَّهَا كُلَّهَا فَإِنْ كَسَرَ بَعْضَهَا فَفِيهِ وَفِي كَسْرِ سَائِرِ الْعِظَامِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ لِلْعُلَمَاءِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا قِصَاصَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب مَا يُبَاحُ بِهِ دَمُ الْمُسْلِمِ [1676] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ الثَّيِّبُ الزَّانِ وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ الزَّانِ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ بَعْدَ النُّونِ وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ قُرِئَ بِهَا فِي السَّبْعِ كَمَا فِي قوله تعالى الكبير المتعال وَغَيْرِهِ وَالْأَشْهَرُ فِي اللُّغَةِ إِثْبَاتُ الْيَاءِ فِي كُلِّ هَذَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ قَتْلِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْمُرَادُ)

رَجْمُهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَسَيَأْتِي إِيضَاحُهُ وَبَيَانُ شُرُوطِهِ فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْقِصَاصُ بِشَرْطِهِ وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِهِ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِمْ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ وَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِهِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ فَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مُرْتَدٍّ عَنِ الْإِسْلَامِ بِأَيِّ رِدَّةٍ كَانَتْ فَيَجِبُ قَتْلُهُ إِنْ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى الْإِسْلَامِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَيَتَنَاوَلُ أَيْضًا كُلَّ خَارِجٍ عَنِ الْجَمَاعَةِ بِبِدْعَةٍ أو بغي أوغيرهما وَكَذَا الْخَوَارِجُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا عَامٌّ يُخَصُّ مِنْهُ الصَّائِلُ وَنَحْوُهُ فَيُبَاحُ قَتْلُهُ فِي الدَّفْعِ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ لَا يَحِلُّ تَعَمُّدُ قَتْلِهِ قَصْدًا إِلَّا فِي هذه الثلاثة والله أعلم

(باب ببان إثم من سن القتل [1677] قوله صلى الله عليه وسلم

(باب ببان إثم من سن القتل [1677] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تُقْتَلُ نفس ظلما إلا كان على بن آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ) الْكِفْلُ بِكَسْرِ الْكَافِ الْجُزْءُ وَالنَّصِيبُ وَقَالَ الْخَلِيلُ هُوَ الضِّعْفُ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنِ ابْتَدَعَ شَيْئًا مِنَ الشَّرِّ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ كُلِّ مَنِ اقْتَدَى بِهِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ مِثْلَ عَمَلِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمِثْلُهُ من ابتدع شيأ مِنَ الْخَيْرِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ كُلِّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً وَلِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ وَلِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَا مِنْ دَاعٍ يَدْعُو إِلَى هُدًى وَمَا مِنْ دَاعٍ يَدْعُو إِلَى ضَلَالَةٍ والله أعلم)

(باب المجازاة بالدماء في الآخرة وأنها أول (ما يقضى

(بَاب الْمُجَازَاةِ بِالدِّمَاءِ فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّهَا أَوَّلُ (مَا يُقْضَى فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [1678] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ) فِيهِ تَغْلِيظُ أَمْرِ الدِّمَاءِ وَأَنَّهَا أَوَّلُ مَا يُقْضَى فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهَذَا لِعِظَمِ أَمْرِهَا وَكَثِيرِ خَطَرِهَا وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخَالِفًا لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي السُّنَنِ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الثَّانِي فِيمَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ فَهُوَ فِيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ) بَاب تَغْلِيظِ تَحْرِيمِ الدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَمْوَالِ [1679] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ والأرض السنة اثنى عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ شَهْرُ مضر

الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) أَمَّا ذُو الْقَعْدَةِ فَبِفَتْحِ الْقَافِ وَذُو الْحِجَّةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَيَجُوزُ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ كَسْرُ الْقَافِ وَفَتْحُ الْحَاءِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أن الأشهر الْحُرُمَ الْأَرْبَعَةَ هِيَ هَذِهِ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي الْأَدَبِ الْمُسْتَحَبِّ فِي كَيْفِيَّةِ عَدِّهَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَهْلِ الْأَدَبِ يُقَالُ الْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ لِيَكُونَ الْأَرْبَعَةُ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ هِيَ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ ثَلَاثَةٌ سَرْدٌ وَوَاحِدٌ فَرْدٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وَعَلَى هَذَا الِاسْتِعْمَالِ أَطْبَقَ النَّاسُ مِنَ الطَّوَائِفِ كُلِّهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ هَذَا التَّقْيِيدَ مُبَالَغَةً فِي إِيضَاحِهِ وَإِزَالَةً لِلَّبْسِ عَنْهُ قَالُوا وَقَدْ كَانَ بَيْنَ بَنِي مُضَرَ وَبَيْنَ رَبِيعَةَ اخْتِلَافٌ فِي رَجَبٍ فَكَانَتْ مُضَرُ تَجْعَلُ رَجَبًا هَذَا الشَّهْرَ الْمَعْرُوفَ الْآنَ وَهُوَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ وَكَانَتْ رَبِيعَةُ تَجْعَلُهُ رَمَضَانَ فَلِهَذَا أَضَافَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُضَرَ وَقِيلَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَقِيلَ إِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُسَمِّي رَجَبًا وَشَعْبَانَ الرَّجَبَيْنِ وَقِيلَ كَانَتْ تُسَمِّي جُمَادَى وَرَجَبًا جُمَادَيْنِ وَتُسَمِّي شَعْبَانَ رَجَبًا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَمَسَّكُونَ بِمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْرِيمِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ تَأْخِيرُ الْقِتَالِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مُتَوَالِيَاتٍ فَكَانُوا إِذَا احْتَاجُوا إِلَى قِتَالٍ أَخَّرُوا تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمِ إِلَى الشَّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ وَهُوَ صَفَرٌ ثُمَّ يُؤَخِّرُونَهُ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى إِلَى شَهْرٍ آخَرَ وَهَكَذَا يَفْعَلُونَ فِي سَنَةٍ بَعْدَ سَنَةٍ حَتَّى اخْتَلَطَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ وَصَادَفَتْ حَجَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرِيمَهُمْ وَقَدْ تَطَابَقَ الشَّرْعُ وَكَانُوا فِي تِلْكَ السَّنَةِ قَدْ حَرَّمُوا ذَا الْحِجَّةِ لِمُوَافَقَةِ الْحِسَابِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الِاسْتِدَارَةَ صَادَفَتْ مَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ كَانُوا يَنْسَئُونَ أَيْ يُؤَخِّرُونَ وَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكفر فَرُبَّمَا احْتَاجُوا إِلَى الْحَرْبِ فِي الْمُحَرَّمِ فَيُؤَخِّرُونَ تَحْرِيمَهُ إِلَى صَفَرٍ ثُمَّ يُؤَخِّرُونَ صَفَرٍ فِي سَنَةٍ أُخْرَى فَصَادَفَ تِلْكَ السَّنَةَ رُجُوعَ الْمُحَرَّمِ إِلَى مَوْضِعِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي

وُجُوهًا أُخَرَ فِي بَيَانِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَتْ بِوَاضِحَةٍ وَيُنْكَرُ بَعْضُهَا قَوْلُهُ (ثُمَّ قَالَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةَ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا السُّؤَالُ وَالسُّكُوتُ وَالتَّفْسِيرُ أَرَادَ بِهِ التَّفْخِيمَ وَالتَّقْرِيرَ وَالتَّنْبِيهَ عَلَى عِظَمِ مَرْتَبَةِ هَذَا الشَّهْرِ وَالْبَلَدِ وَالْيَوْمِ وَقَوْلُهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ هَذَا مِنْ حُسْنِ أَدَبِهِمْ وَأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا يَعْرِفُونَهُ مِنَ الْجَوَابِ فَعَرَفُوا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الْإِخْبَارِ بِمَا يَعْرِفُونَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا) الْمُرَادُ بِهَذَا كُلِّهِ بَيَانُ تَوْكِيدِ غِلَظِ تَحْرِيمِ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَذِكْرُ بَيَانِ إِعْرَابِهِ وَأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ يَقُولُ بِالتَّكْفِيرِ بِالْمَعَاصِي بَلِ الْمُرَادُ بِهِ كُفْرَانُ النِّعَمِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنِ اسْتَحَلَّ قِتَالَ الْمُسْلِمِينَ بِلَا شُبْهَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ) فِيهِ وُجُوبُ تَبْلِيغِ الْعِلْمِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَيَجِبُ تَبْلِيغُهُ بِحَيْثُ يَنْتَشِرُ قَوْلُهُ

((فلعل بعض من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه)

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ) احْتَجَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ لِجَوَازِ رِوَايَةِ الْفُضَلَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الشُّيُوخِ الَّذِينَ لَا عِلْمَ لَهُمْ عِنْدَهُمْ وَلَا فِقْهَ إِذَا ضَبَطَ مَا يُحَدِّثُ به قَوْلُهُ (قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ وَأَخَذَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ) إِنَّمَا أَخَذَ بِخِطَامِهِ لِيَصُونَ الْبَعِيرَ مِنَ الِاضْطِرَابِ عَلَى صَاحِبِهِ وَالتَّهْوِيشِ عَلَى رَاكِبِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخُطْبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ مِنْ مِنْبَرٍ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَغَيْرِهِمَا وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ كُلَّمَا ارْتَفَعَ كَانَ أَبْلَغَ فِي إِسْمَاعِهِ النَّاسَ وَرُؤْيَتِهِمْ إِيَّاهُ وَوُقُوعِ كَلَامِهِ فِي نُفُوسِهِمْ قَوْلُهُ (انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا وَإِلَى جُزَيْعَةٍ مِنَ الْغَنَمِ فَقَسَمَهَا بَيْنَنَا) انْكَفَأَ بِهَمْزِ آخِرِهِ أَيِ انْقَلَبَ وَالْأَمْلَحُ هُوَ الَّذِي فيه بياض)

وَسَوَادٌ وَالْبَيَاضُ أَكْثَرُ وَقَوْلُهُ جُزَيْعَةٌ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ جَزِيعَةٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَةِ الْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ الَّذِي ضَبَطَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الْغَنَمِ تَصْغِيرُ جِزْعَةٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهِيَ الْقَلِيلُ مِنَ الشَّيْءِ يُقَالُ جَزَعَ لَهُ مِنْ مَالِهِ أي قطع وبالثاني ضبطه بن فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ قَالَ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الغنم وكأنها فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ كَضَفِيرَةٍ بِمَعْنَى مَضْفُورَةٍ قَالَ الْقَاضِي قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ قَوْلُهُ ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى آخر الحديث وهم من بن عون فيما قيل وإنما رواه بن سيرين عن أنس فأدرجه بن عَوْنٍ هُنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَرَوَاهُ عَنِ بن سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الحديث عن بن عَوْنٍ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذَا الْكَلَامَ فَلَعَلَّهُ تركه عمدا وقد رواه أيوب وقرة عن بن سِيرِينَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَشْبَهُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ إِنَّمَا هِيَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي خُطْبَةِ عِيدِ الْأَضْحَى فَوَهِمَ فِيهَا الرَّاوِي فَذَكَرَهَا مَضْمُومَةً إِلَى خُطْبَةِ الْحَجَّةِ أوهما حَدِيثَانِ ضُمَّ أَحَدُهُمَا إِلَى

(باب صحة الإقرار بالقتل (وتمكين ولي القتيل من

الْآخَرِ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ هَذَا بَعْدَ هَذَا فِي كِتَابِ الضَّحَايَا مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ وَهِشَامٍ عن بن سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَأَمَرَ مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَنْ يُعِيدَ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَانْكَفَأَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا فَقَامَ النَّاسُ إِلَى غُنَيْمَةٍ فَتَوَزَّعُوهَا فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ دَافِعٌ لِلْإِشْكَالِ (بَاب صِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ (وَتَمْكِينِ وَلِيِّ الْقَتِيلِ مِنْ الْقِصَاصِ وَاسْتِحْبَابِ طَلَبِ الْعَفْوِ مِنْهُ) [1680] قَوْلُهُ (جَاءَ رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ بِنِسْعَةٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا قَتَلَ أَخِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَتَلْتَهُ فَقَالَ إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ أَقَمْتُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ قَالَ نَعَمْ قَتَلْتُهُ قَالَ كَيْفَ قَتَلْتَهُ قَالَ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ نَخْتَبِطُ مِنْ شَجَرَةٍ فَسَبَّنِي فَأَغْضَبَنِي فَضَرَبْتُهُ بِالْفَأْسِ عَلَى قَرْنِهِ فَقَتَلْتُهُ) أَمَّا النِّسْعَةُ فَبِنُونٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ سِينٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَهِيَ حَبْلٌ مِنْ جُلُودٍ مَضْفُورَةٍ وَقَرْنُهُ جَانِبُ رَأْسِهِ وَقَوْلُهُ (يَخْتَبِطُ) أَيْ يَجْمَعُ الْخَبْطَ وَهُوَ وَرَقُ الثَّمَرِ بِأَنْ يَضْرِبَ الشَّجَرَ بِالْعَصَا فَيَسْقُطُ ورقه فيجمعه)

عَلَفًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْإِغْلَاظُ عَلَى الْجُنَاةِ وَرَبْطِهِمْ وَإِحْضَارِهِمْ إِلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَفِيهِ سُؤَالُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ جَوَابِ الدَّعْوَى فَلَعَلَّهُ يُقِرُّ فَيَسْتَغْنِي الْمُدَّعِي وَالْقَاضِي عَنِ التَّعَبِ فِي إِحْضَارِ الشُّهُودِ وَتَعْدِيلِهِمْ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْإِقْرَارِ حُكْمٌ بِيَقِينٍ وَبِالْبَيِّنَةِ حُكْمٌ بِالظَّنِّ وَفِيهِ سُؤَالُ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ الْوَلِيَّ عَنِ الْعَفْوِ عَنِ الْجَانِي وَفِيهِ جَوَازُ الْعَفْوِ بَعْدَ بُلُوغِ الْأَمْرِ إِلَى الْحَاكِمِ وَفِيهِ جَوَازُ أَخْذِ الدِّيَةِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَمَامِ الْحَدِيثِ هَلْ لَكَ مِنْ شَيْءٍ تُؤَدِّيهِ عَنْ نَفْسِكَ وَفِيهِ قَبُولُ الْإِقْرَارِ بِقَتْلِ الْعَمْدِ قَوْلُهُ (فَانْطَلَقَ بِهِ الرَّجُلُ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ فَرَجَعَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلْتَ إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ وَأَخَذْتُهُ بِأَمْرِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا تُرِيدُ أَنْ يَبُوءَ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِ صَاحِبِكَ قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَعَلَّهُ قَالَ بَلَى قَالَ فَإِنَّ ذَاكَ كَذَاكَ قَالَ فَرَمَى بِنِسْعَتِهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِنَّهُ انْطَلَقَ بِهِ فَلَمَّا أَدْبَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ فَالصَّحِيحُ فِي تَأْوِيلِهِ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي أَنَّهُ لَا فَضْلَ وَلَا مِنَّةً لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ منه بخلاف ما لو عفى عَنْهُ فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ الْفَضْلُ وَالْمِنَّةُ وَجَزِيلُ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَجَمِيلُ الثَّنَاءِ فِي الدُّنْيَا وَقِيلَ فَهُوَ مِثْلُهُ فِي أَنَّهُ قَاتِلٌ وَإِنِ اخْتَلَفَا في التحريم والإباحة لكنهما استويا في طاعتهما الْغَضَبَ وَمُتَابَعَةِ الْهَوَى لَا سِيَّمَا وَقَدْ طَلَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ الْعَفْوَ وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ صَادِقٌ فيه لا يهام لمقصود صَحِيحٍ وَهُوَ أَنَّ الْوَلِيَّ رُبَّمَا خَافَ فَعَفَا وَالْعَفْوُ مَصْلَحَةٌ لِلْوَلِيِّ وَالْمَقْتُولِ فِي دِيَتِهِمَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبُوءُ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِ صَاحِبِكَ وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْجَانِي وَهُوَ إِنْقَاذُهُ مِنَ الْقَتْلِ فَلَمَّا كَانَ الْعَفْوُ مَصْلَحَةً تَوَصَّلَ

إِلَيْهِ بِالتَّعْرِيضِ وَقَدْ قَالَ الضَّمْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ يُسْتَحَبُّ لِلْمُفْتِي إِذَا رَأَى مَصْلَحَةً فِي التَّعْرِيضِ لِلْمُسْتَفْتِي أَنْ يُعَرِّضَ تَعْرِيضًا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مَعَ أَنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ قَالُوا وَمِثَالُهُ أَنْ يَسْأَلَهُ إِنْسَانٌ عَنِ الْقَاتِلِ هَلْ لَهُ تَوْبَةٌ وَيَظْهَرُ لِلْمُفْتِي بِقَرِينَةٍ أَنَّهُ إِنْ أَفْتَى بِأَنَّ لَهُ تَوْبَةً تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ وَهِيَ أَنَّ الصَّائِلَ يَسْتَهْوِنُ الْقَتْلَ لِكَوْنِهِ يَجِدُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُ مَخْرَجًا فَيَقُولُ الْمُفْتِي الحالة هذه صح عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا تَوْبَةَ لِقَاتِلٍ فَهُوَ صادق في أنه صح عن بن عَبَّاسٍ وَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي لَا يَعْتَقِدُ ذَلِكَ ولا يوافق بن عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَكِنَّ السَّائِلَ إِنَّمَا يفهم منه موافقته بن عَبَّاسٍ فَيَكُونُ سَبَبًا لِزَجْرِهِ فَهَكَذَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَمَنْ يَسْأَلُ عَنِ الْغِيبَةِ فِي الصَّوْمِ هل يُفْطِرُ بِهَا فَيَقُولُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْغِيبَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ فِي هَذَيْنِ فَكَيْفَ تَصِحُّ إِرَادَتُهُمَا مَعَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَخَذَهُ لِيَقْتُلَهُ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلِ الْمُرَادُ غَيْرُهُمَا وَهُوَ إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فِي الْمُقَاتَلَةِ الْمُحَرَّمَةِ كَالْقِتَالِ عَصَبِيَّةً وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّعْرِيضُ كَمَا ذكرناه وسبب قوله ما قدمناه لكون الْوَلِيِّ يَفْهَمُ مِنْهُ دُخُولَهُ فِي مَعْنَاهُ وَلِهَذَا تَرَكَ قَتْلَهُ فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَا تُرِيدُ أَنْ يَبُوءَ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِ صَاحِبِكَ) فَقِيلَ مَعْنَاهُ يتحمل إثم المقتول باتلافه مهمته وَإِثْمَ الْوَلِيِّ لِكَوْنِهِ فَجَعَهُ فِي أَخِيهِ وَيَكُونُ قد أوحى إليه ص

(باب دية الجنين ووجوب الدية في قتل الخطإ (وشبه

بِذَلِكَ فِي هَذَا الرَّجُلِ خَاصَّةً وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَعْنَاهُ يَكُونُ عَفْوُكَ عَنْهُ سَبَبًا لِسُقُوطِ إِثْمِكَ وَإِثْمِ أَخِيكَ الْمَقْتُولِ وَالْمُرَادُ إِثْمُهُمَا السَّابِقُ بِمَعَاصٍ لَهُمَا مُتَقَدِّمَةٍ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِهَذَا الْقَاتِلِ فَيَكُونُ مَعْنَى يَبُوءُ يَسْقُطُ وَأَطْلَقَ هَذَا اللَّفْظَ عليه مجازا قال القاضي وفي هذا الْحَدِيثِ أَنَّ قَتْلَ الْقِصَاصِ لَا يُكَفِّرُ ذَنْبَ القاتل بالكلية وإن كفرها يبنه وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَيَبْقَى حَقُّ الْمَقْتُولِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب دِيَةِ الْجَنِينِ وَوُجُوبِ الدِّيَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ (وَشِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي) [1681] قَوْلُهُ (إِنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ) وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا ضَرَبَتْهَا بِعَمُودِ فسطاط وهي حبلى فقتلتها أَمَّا قَوْلُهُ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ فَضَبَطْنَاهُ عَلَى شُيُوخِنَا فِي الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ بِغُرَّةٍ بِالتَّنْوِينِ وَهَكَذَا قَيَّدَهُ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ فِي كُتُبِهِمْ وَفِي مُصَنَّفَاتِهِمْ فِي هَذَا وَفِي شُرُوحِهِمْ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الرِّوَايَةُ فِيهِ بِغُرَّةٍ بِالتَّنْوِينِ وَمَا بَعْدَهُ بَدَلٌ مِنْهُ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْإِضَافَةِ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَأَقْيَسُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ الْوَجْهَيْنِ ثُمَّ قَالَ الصَّوَابُ رِوَايَةُ التَّنْوِينِ قُلْنَا وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ وَيُوَضِّحُهُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ فِي بَابِ دِيَةِ جَنِينِ الْمَرْأَةِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغُرَّةِ عَبْدًا أَوْ أَمَةً وقد فسر الغرة في الحديث بعبد أو أمة قال العلماء وأو هُنَا لِلتَّقْسِيمِ لَا لِلشَّكِّ وَالْمُرَادُ بِالْغُرَّةِ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ كَأَنَّهُ عَبَّرَ بِالْغُرَّةِ عَنِ الْجِسْمِ كُلِّهِ كَمَا قَالُوا أَعْتَقَ رَقَبَةً وَأَصْلُ الْغُرَّةِ بَيَاضٌ فِي الْوَجْهِ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو عَمْرٍو المراد بالغرة الأبيض منهما خاصة قال ولا يجزئ الْأَسْوَدُ قَالَ وَلَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ)

بِالْغُرَّةِ مَعْنًى زَائِدًا عَلَى شَخْصِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ لَمَا ذَكَرَهَا وَلَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ هَذَا قَوْلُ أَبِي عَمْرٍو وَهُوَ خِلَافُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ تَجْزِي فِيهَا السَّوْدَاءُ وَلَا تَتَعَيَّنُ الْبَيْضَاءُ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُمْ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهَا عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ أَوْ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الْأَبِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الغرة عند العرب أنفس الشئ وَأُطْلِقَتْ هُنَا عَلَى الْإِنْسَانِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهُ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ فَرِوَايَةٌ بَاطِلَةٌ وَقَدْ أَخَذَ بِهَا بَعْضُ السَّلَفِ وَحُكِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهَا عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ أَوْ فَرَسٌ وَقَالَ دَاوُدُ كُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْغُرَّةِ يَجْزِي وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْجَنِينِ هِيَ الْغُرَّةُ سَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى فَيَكْثُرُ فِيهِ النِّزَاعُ فَضَبَطَهُ الشَّرْعُ بِضَابِطٍ يَقْطَعُ النزاع وسواء كان خلقه كامل الأعضاء أم نَاقِصَهَا أَوْ كَانَ مُضْغَةً تَصَوَّرَ فِيهَا خَلْقُ آدَمِيٍّ فَفِي كُلِّ ذَلِكَ الْغُرَّةُ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ الْغُرَّةُ تَكُونُ لِوَرَثَتِهِ عَلَى مَوَارِيثِهِمُ الشَّرْعِيَّةِ وَهَذَا شخص يورث ولا يَرِثُ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ نَظِيرٌ إِلَّا مَنْ بَعْضُهُ حُرُّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ فَإِنَّهُ رَقِيقٌ لَا يورث عندنا وهل يورث فيه قولان أصحهما ورث وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْجَنِينَ كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْأُمِّ فَتَكُونُ دِيَتُهُ لَهَا خَاصَّةً وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا كُلِّهِ إِذَا انْفَصَلَ الْجَنِينُ مَيِّتًا أَمَّا إِذَا انْفَصَلَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَيَجِبُ فِيهِ كَمَالُ دِيَةِ الْكَبِيرِ فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا وَجَبَ مِائَةُ بَعِيرٍ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَخَمْسُونَ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ وَمَتَى وَجَبَتِ الْغُرَّةُ فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا عَلَى الْجَانِي هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَسَائِرِ الْكُوفِيِّينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْبَصْرِيُّونَ تَجِبُ عَلَى الْجَانِي وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ يَلْزَمُ الْجَانِيَ الْكَفَّارَةُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا

قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْكَلَامُ قَدْ يُوهِمُ خِلَافَ مراده فالصواب أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي مَاتَتْ هِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهَا أُمُّ الْجَنِينِ لَا الْجَانِيَةُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ في الحديث بعده بقوله فقتلتها وَمَا فِي بَطْنِهَا فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ أَيْ الَّتِي قَضَى لَهَا بِالْغُرَّةِ فَعَبَّرَ بِعَلَيْهَا عَنْ لَهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالْعَقْلُ عَلَى عَصَبَتِهَا فَالْمُرَادُ عَصَبَةُ الْقَاتِلَةِ قَوْلُهُ (فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهَا ضَرَبَتْهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ هَذَا مَحْمُولٌ على حجر صغير وعمود صغير لَا يُقْصَدُ بِهِ الْقَتْلُ غَالِبًا فَيَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا يَجِبُ فِيهِ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةَ عَلَى الْجَانِي وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجَمَاهِيرِ قَوْلُهُ (فَقَالَ حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ) أَمَّا قَوْلُهُ حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ فَنَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ وَهُوَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بن

النَّابِغَةِ وَحَمَلٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ فَرُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا يُطَلُّ بِضَمِّ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَمَعْنَاهُ يُهْدَرُ وَيُلْغَى وَلَا يُضْمَنُ وَالثَّانِي بَطَلَ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ مِنَ الْبُطْلَانِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْمُلْغَى أَيْضًا وَأَكْثَرُ نُسَخِ بِلَادِنَا بِالْمُثَنَّاةِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَنَّ جُمْهُورَ الرُّوَاةِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ضَبَطُوهُ بِالْمُوَحَّدَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ طُلَّ دَمُهُ بِضَمِّ الطَّاءِ وَأَطَلَّ أَيْ أَهْدَرَ وَأَطَلَّهُ الْحَاكِمُ وَطَلَّهُ أَهْدَرَهُ وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ طَلَّ دَمُهُ بِفَتْحِ الطَّاءِ فِي اللَّازِمِ وَأَبَاهَا الْأَكْثَرُونَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى سَجْعٌ كَسَجْعِ الْأَعْرَابِ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا ذَمَّ سَجْعَهُ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَارَضَ بِهِ حُكْمَ الشَّرْعِ وَرَامَ إِبْطَالَهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ تَكَلَّفَهُ فِي مُخَاطَبَتِهِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مِنَ السَّجْعِ مَذْمُومَانِ وَأَمَّا السَّجْعُ الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي الْحَدِيثِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا لِأَنَّهُ لَا يُعَارِضُ بِهِ حُكْمَ الشَّرْعِ وَلَا يَتَكَلَّفُهُ فَلَا نَهْيَ فِيهِ بَلْ هُوَ حَسَنٌ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسَجْعِ الْأَعْرَابِ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ بَعْضَ السَّجْعِ هُوَ الْمَذْمُومُ وَاللَّهُ أعلم (قَوْلُهُ [1682] (ضَرَبَتِ امْرَأَةٌ ضَرَّتَهَا) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ زَوْجَتَيِ الرَّجُلِ ضَرَّةٌ لِلْأُخْرَى سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِحُصُولِ الْمُضَارَّةِ بَيْنَهُمَا فِي الْعَادَةِ وَتَضَرُّرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِالْأُخْرَى قَوْلُهُ (فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَةَ الْمَقْتُولَةِ على

عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ) هَذَا دَلِيلٌ لِمَا قَالَهُ الْفُقَهَاءُ أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ إِنَّمَا تَخْتَصُّ بِعَصَبَاتِ الْقَاتِلِ سِوَى أَبْنَائِهِ وَآبَائِهِ [1689] قَوْلُهُ (اسْتَشَارَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ النَّاسَ فِي مِلَاصِ الْمَرْأَةِ) فِي

(كتاب الحدود)

جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ مِلَاصٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَبِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَهُوَ جَنِينُ الْمَرْأَةِ وَالْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ إِمْلَاصُ الْمَرْأَةِ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ أَمْلَصَتْ بِهِ وَأَزْلَقَتْ بِهِ وَأَمْهَلَتْ بِهِ وَأَخْطَأَتْ بِهِ كُلُّهُ بِمَعْنًى وَهُوَ إِذَا وَضَعَتْهُ قَبْلَ أَوَانِهِ وَكُلُّ مَا زَلَقَ مِنَ الْيَدِ فَقَدْ مَلِصَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ مَلَصًا بِفَتْحِهَا وَأَمْلَصَ أَيْضًا لُغَتَانِ وَأَمْلَصْتُهُ أَنَا وَقَدْ ذَكَرَ الْحُمَيْدِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ فَقَالَ إِمْلَاصٌ بِالْهَمْزَةِ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ قَالَ الْقَاضِي قَدْ جَاءَ مَلِصَ الشَّيْءُ إِذَا أَفْلَتَ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْجَنِينُ صَحَّ مِلَاصٌ مِثْلَ لَزِمَ لِزَامًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ اسْتَشَارَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ النَّاسَ فِي مِلَاصِ الْمَرْأَةِ) هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ فَقَالَ وَهِمَ وَكِيعٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَخَالَفَهُ أَصْحَابُ هِشَامٍ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الْمِسْوَرَ وَهُوَ الصَّوَابُ ولم يذكر مسلم غير حَدِيثِ وَكِيعٍ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ مَنْ خَالَفَهُ وَهُوَ الصَّوَابُ هَذَا قَوْلُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ عَنْ إِمْلَاصِ الْمَرْأَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمِسْوَرِ وَعُرْوَةَ لِيَتَّصِلَ الْحَدِيثُ فَإِنَّ عُرْوَةَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (كِتَاب الْحُدُودِ) (بَابُ حَدِّ السَّرِقَةِ وَنِصَابِهَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رضي الله عنه صان الله تعالى الْأَمْوَالُ بِإِيجَابِ الْقَطْعِ عَلَى السَّارِقِ وَلَمْ يُجْعَلْ ذلك في غير السرقة كالاختلاس والانتهاب والغضب لِأَنَّ ذَلِكَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّرِقَةِ وَلِأَنَّهُ)

يُمْكِنُ اسْتِرْجَاعُ هَذَا النَّوْعِ بِالِاسْتِدْعَاءِ إِلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ وَتَسْهُلُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ تَنْدُرُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا فَعَظُمَ أَمْرُهَا وَاشْتَدَّتْ عُقُوبَتُهَا لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ عَنْهَا وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَطْعِ السَّارِقِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي فُرُوعٍ مِنْهُ قَوْلُهُ (عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا [1684] قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْطَعُ السَّارِقَ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا) وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إِلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَمَا فَوْقَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لَمْ تُقْطَعْ يَدُ السَّارِقِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أقل من ثمن المجن وفي رواية بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَطَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَارِقًا فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ كَمَا سَبَقَ وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ النِّصَابِ وَقَدْرِهِ فَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لَا يُشْتَرَطُ نِصَابٌ بَلْ يُقْطَعُ فِي الْقَلِيلِ والكثير وبه قال بن بِنْتِ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْخَوَارِجِ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا وَلَمْ يَخُصُّوا الْآيَةَ وَقَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَلَا تُقْطَعُ إِلَّا فِي نِصَابٍ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ

الصَّحِيحَةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ النِّصَابِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ النِّصَابُ رُبْعُ دِينَارٍ ذَهَبًا أَوْ مَا قِيمَتُهُ رُبْعُ دِينَارٍ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَلَا يُقْطَعُ فِي أَقَلَّ مِنْهُ وَبِهَذَا قَالَ كَثِيرُونَ أَوِ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَإِسْحَاقَ وَغَيْرِهِمْ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ دَاوُدَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ فِي رِوَايَةٍ تُقْطَعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ مَا قِيمَتُهُ أَحَدُهُمَا ولا قطع فِيمَا دُونَ ذَلِكَ وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وبن شبرمة وبن أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ لَا تُقْطَعُ إِلَّا فِي خَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا تُقْطَعُ إِلَّا فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ أو ماقيمته ذَلِكَ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّ النِّصَابَ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ وَعَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ أَنَّهُ دِرْهَمٌ وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ دِرْهَمَانِ وَعَنِ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا أَوْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرَّحَ بِبَيَانِ النِّصَابِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ لَفْظِهِ وَأَنَّهُ رُبْعُ دِينَارٍ وَأَمَّا بَاقِي التَّقْدِيرَاتِ فَمَرْدُودَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا مَعَ مُخَالَفَتِهَا لِصَرِيحِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَمَّا رِوَايَةُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ سَارِقًا فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ كَانَ رُبْعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا وَهِيَ قَضِيَّةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ صَرِيحِ لَفْظِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْدِيدِ النِّصَابِ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمُحْتَمَلَةِ بَلْ يَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى مُوَافَقَةِ لَفْظِهِ وَكَذَا الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى لَمْ يَقْطَعْ

يَدَ السَّارِقِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِجَنِّ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ رُبْعَ دِينَارٍ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِيُوَافِقَ صَرِيحَ تَقْدِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا مَا يَحْتَجُّ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ رِوَايَةٍ جَاءَتْ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَفِي رِوَايَةٍ خَمْسَةُ فَهِيَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا يُعْمَلُ بِهَا لَوِ انْفَرَدَتْ فَكَيْفَ وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِصَرِيحِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي التَّقْدِيرِ بِرُبْعِ دِينَارٍ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى أَنَّهُ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ اتِّفَاقًا لَا أَنَّهُ شَرَطَ ذَلِكَ فِي قَطْعِ السَّارِقِ وَلَيْسَ فِي لَفْظِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيرِ النِّصَابِ بِذَلِكَ وَأَمَّا رِوَايَةُ لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ أَوِ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ فَقَالَ جَمَاعَةٌ الْمُرَادُ بِهَا بَيْضَةُ الْحَدِيدِ وَحَبْلُ السَّفِينَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ وَأَنْكَرَ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا وَضَعَّفُوهُ فَقَالُوا بَيْضَةُ الْحَدِيدِ وَحَبْلُ السَّفِينَةِ لَهُمَا قِيمَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلَيْسَ هَذَا السِّيَاقُ مَوْضِعَ اسْتِعْمَالِهِمَا بَلْ بَلَاغَةُ الْكَلَامِ تَأْبَاهُ وَلِأَنَّهُ لَا يُذَمُّ فِي الْعَادَةِ مَنْ خَاطَرَ بِيَدِهِ فِي شَيْءٍ لَهُ قَدْرٌ وَإِنَّمَا يُذَمُّ مَنْ خَاطَرَ بِهَا فِيمَا لَا قَدْرَ لَهُ فَهُوَ مَوْضِعُ تَقْلِيلٍ لَا تَكْثِيرٍ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّنْبِيهُ عَلَى عَظِيمِ مَا خَسِرَ وَهِيَ يَدُهُ فِي مُقَابَلَةِ حَقِيرٍ مِنَ الْمَالِ وَهُوَ رُبْعُ دِينَارٍ فَإِنَّهُ يُشَارِكُ الْبَيْضَةَ وَالْحَبْلَ فِي الْحَقَارَةِ أَوْ أَرَادَ جِنْسَ الْبَيْضِ وَجِنْسَ الْحِبَالِ أَوْ أَنَّهُ إِذَا سَرَقَ الْبَيْضَةَ فَلَمْ يُقْطَعْ جَرَّهُ ذَلِكَ إِلَى سَرِقَةِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهَا فَقُطِعَ فَكَانَتْ سَرِقَةُ الْبَيْضَةِ هِيَ سَبَبُ قَطْعِهِ أَوْ أن المراد به قد يسرق البيضة أوالحبل فَيَقْطَعُهُ بَعْضُ الْوُلَاةِ سِيَاسَةً لَا قَطْعًا جَائِزًا شَرْعًا وَقِيلَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذَا عِنْدَ نُزُولِ آيَةِ السَّرِقَةِ مُجْمَلَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانِ نِصَابٍ فَقَالَهُ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1685] قَوْلُهُ (ثَمَنُ الْمِجَنِّ حَجَفَةٍ أَوْ تُرْسٍ وَكِلَاهُمَا ذُو ثَمَنٍ) الْمِجَنُّ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ

مَا يُسْتَجَنُّ بِهِ أَيْ يُسْتَتَرُ وَالْحَجَفَةُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مَفْتُوحَتَيْنِ هِيَ الدَّرَقَةُ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ وَقَوْلُهُ حَجَفَةٍ أَوْ تُرْسٍ هُمَا مَجْرُورَانِ بَدَلٌ مِنَ الْمِجَنِّ وَقَوْلُهُ وَكِلَاهُمَا ذُو ثَمَنٍ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْقَطْعَ لَا يَكُونُ

فِيمَا قَلَّ بَلْ يَخْتَصُّ بِمَا لَهُ ثَمَنٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ رُبْعُ دِينَارٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَاتِ [1687] قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ) هَذَا دَلِيلٌ لِجَوَازِ لَعْنِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ مِنَ الْعُصَاةِ لِأَنَّهُ لَعْنٌ لِلْجِنْسِ لَا لِمُعَيَّنٍ وَلَعْنُ الْجِنْسِ جَائِزٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَلَا يَجُوزُ لَعْنُهُ قَالَ الْقَاضِي وأجاز بعضهم لعن المعين مالم يُحَدَّ فَإِذَا حُدَّ لَمْ يَجُزْ لَعْنُهُ فَإِنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا التَّأْوِيلُ بَاطِلٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ عَنِ اللَّعْنِ فَيَجِبُ حَمْلُ النَّهْيِ عَلَى الْمُعَيَّنِ لِيُجْمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِرْزُ مَشْرُوطٌ فَلَا قَطْعَ إِلَّا فِيمَا سُرِقَ مِنْ حِرْزٍ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْعُرْفُ مِمَّا عَدَّهُ أَهْلُ الْعُرْفِ حرزا لذلك الشيء فهو حرز له ومالا فَلَا وَخَالَفَهُمْ دَاوُدُ فَلَمْ يَشْتَرِطِ الْحِرْزَ قَالُوا وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلسَّارِقِ فِي الْمَسْرُوقِ شُبْهَةٌ فَإِنْ كَانَتْ لَمْ يُقْطَعْ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُطَالِبَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ بِالْمَالِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا سَرَقَ أَوَّلًا قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالزُّهْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ فَإِذَا سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى فَإِذَا سَرَقَ ثَالِثًا قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى فَإِنْ سَرَقَ رَابِعًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى فَإِنْ سَرَقَ بَعْدَ ذَلِكَ عُزِّرَ ثُمَّ كُلَّمَا سَرَقَ عُزِّرَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْجَمَاهِيرُ تُقْطَعُ الْيَدُ مِنَ الرُّسْغِ وَهُوَ الْمَفْصِلُ بَيْنَ الْكَفِّ وَالذِّرَاعِ وَتُقْطَعُ الرِّجْلُ مِنَ الْمَفْصِلِ بَيْنَ السَّاقِ وَالْقَدَمِ وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تُقْطَعُ الرِّجْلُ مِنْ شَطْرِ الْقَدَمِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ تُقْطَعُ الْيَدُ مِنَ الْمَرْفَقِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مِنَ الْمَنْكِبِ والله أعلم

(باب قطع السارق الشريف وغيره (والنهي عن الشفاعة في

(بَاب قَطْعِ السَّارِقِ الشَّرِيفِ وَغَيْرِهِ (وَالنَّهْيِ عَنْ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ) ذَكَرَ مُسْلِمٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبَابِ الْأَحَادِيثَ فِي النَّهْيِ عَنِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ سَبَبُ هَلَاكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحَدِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ إِلَى الْإِمَامِ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَعَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّشْفِيعُ فِيهِ فَأَمَّا قَبْلَ بُلُوغِهِ إِلَى الْإِمَامِ فَقَدْ أَجَازَ الشَّفَاعَةَ فِيهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَشْفُوعُ فِيهِ صَاحِبَ شَرٍّ وَأَذًى لِلنَّاسِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يُشْفَعْ فِيهِ وَأَمَّا الْمَعَاصِي الَّتِي لَا حَدَّ فِيهَا وَوَاجِبُهَا التَّعْزِيرُ فَتَجُوزُ الشَّفَاعَةُ وَالتَّشْفِيعُ فِيهَا سَوَاءٌ بَلَغَتِ الْإِمَامَ أَمْ لَا لِأَنَّهَا أَهْوَنُ ثُمَّ الشَّفَاعَةُ فِيهَا مُسْتَحَبَّةٌ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَشْفُوعُ فِيهِ صَاحِبَ أَذًى وَنَحْوِهِ [1688] قَوْلُهُ (وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ مَحْبُوبُهُ وَمَعْنَى يَجْتَرِئُ يَتَجَاسَرُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْإِدْلَالِ وَفِي هَذَا مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَايْمِ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ) فِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ إِذَا كَانَ فِيهِ تَفْخِيمٌ)

لِأَمْرٍ مَطْلُوبٍ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ كَثُرَتْ نَظَائِرُهُ فِي الْحَدِيثِ وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي الْحَلِفِ بِاسْمِ اللَّهِ قَوْلُهُ (كَانَتِ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدِهَا فَأَتَى أَهْلُهَا أُسَامَةَ فَكَلَّمُوهُ) الْحَدِيثَ قَالَ الْعُلَمَاءُ المراد أنها

(باب حد الزنى [1690] قوله صلى الله عليه وسلم (خذوا عني

قُطِعَتْ بِالسَّرِقَةِ وَإِنَّمَا ذُكِرَتِ الْعَارِيَةُ تَعْرِيفًا لَهَا وَوَصْفًا لَهَا لَا أَنَّهَا سَبَبُ الْقَطْعِ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ فِي سَائِرِ الطُّرُقِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّهَا سَرَقَتْ وَقُطِعَتْ بِسَبَبِ السَّرِقَةِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَإِنَّهَا قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ مَعَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْأَئِمَّةِ قَالُوا هَذِهِ الرِّوَايَةُ شَاذَّةٌ فَإِنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِجَمَاهِيرِ الرُّوَاةِ وَالشَّاذَّةُ لَا يُعْمَلُ بِهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرِ السَّرِقَةَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا عِنْدَ الرَّاوِي ذِكْرُ مَنْعِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ لَا الْإِخْبَارُ عَنِ السَّرِقَةِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ جَحَدَ الْعَارِيَةَ وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْتُهُ وَقَالَ أَحْمَدُ وإسحاق يجب القطع في ذلك (باب حد الزنى [1690] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ) أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سبيلا فأشار إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا)

فَبَيَّنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا هُوَ ذَلِكَ السَّبِيلُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقِيلَ هِيَ مُحْكَمَةٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ مُفَسِّرٌ لَهَا وَقِيلَ مَنْسُوخَةٌ بِالْآيَةِ الَّتِي فِي أَوَّلِ سُورَةِ النُّورِ وَقِيلَ إِنَّ آيَةَ النُّورِ فِي الْبِكْرَيْنِ وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي الثَّيِّبَيْنِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ جَلْدِ الزَّانِي الْبِكْرِ مِائَةً وَرَجْمِ الْمُحْصَنِ وَهُوَ الثَّيِّبُ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ إِلَّا مَا حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الْخَوَارِجِ وَبَعْضِ العتزلة كَالنَّظَّامِ وَأَصْحَابِهِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا بِالرَّجْمِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَلْدِ الثَّيِّبِ مَعَ الرَّجْمِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَيُجْلَدُ ثُمَّ يُرْجَمُ وَبِهِ قَالَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَدَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ الْوَاجِبُ الرَّجْمُ وَحْدَهُ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إِذَا كَانَ الزَّانِي شَيْخًا ثَيِّبًا فَإِنْ كَانَ شَابًّا ثَيِّبًا اقْتُصِرَ عَلَى الرَّجْمِ وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتَصَرَ عَلَى رَجْمِ الثَّيِّبِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا قِصَّةُ مَاعِزٍ وَقِصَّةُ الْمَرْأَةِ الْغَامِدِيَّةِ وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا قَالُوا وَحَدِيثُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ مَنْسُوخٌ فَإِنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبِكْرِ وَنَفْيُ سَنَةٍ فَفِيهِ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَالْجَمَاهِيرِ أَنَّهُ يَجِبُ نَفْيُهُ سَنَةً رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً وَقَالَ الْحَسَنُ لَا يَجِبُ النَّفْيُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا نَفْيَ عَلَى النِّسَاءِ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالُوا لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ وَفِي نَفْيِهَا تَضْيِيعٌ لَهَا وَتَعْرِيضٌ لَهَا لِلْفِتْنَةِ وَلِهَذَا نُهِيَتْ عَنِ الْمُسَافَرَةِ إِلَّا مَعَ مَحْرَمٍ وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ وَأَمَّا الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ فَفِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلشَّافِعِيِّ أَحَدُهَا يُغَرَّبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَنَةً لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَبِهَذَا قال سفيان الثوري وأبو ثور وداود وبن جَرِيرٍ وَالثَّانِي يُغَرَّبُ نِصْفَ سَنَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما على المحصنات من العذاب وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهَذِهِ الْآيَةُ مُخَصِّصَةٌ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ جَوَازُ تَخْصِيصِ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ فَتَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِهِ أَوْلَى وَالثَّالِثُ لَا يُغَرَّبُ الْمَمْلُوكُ أَصْلًا وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَحَمَّادٌ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا وَلَمْ يَذْكُرِ النَّفْيَ وَلِأَنَّ نَفْيَهُ يَضُرُّ سَيِّدَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْ سَيِّدِهِ وَأَجَابَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَنْ حَدِيثِ الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلنَّفْيِ وَالْآيَةُ ظَاهِرَةٌ فِي وُجُوبِ النَّفْيِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا وَحَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى مُوَافَقَتِهَا

وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ) فَلَيْسَ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاطِ بَلْ حَدُّ الْبِكْرِ الْجَلْدُ وَالتَّغْرِيبُ سَوَاءٌ زَنَى بِبِكْرٍ أَمْ بِثَيِّبٍ وَحَدُّ الثَّيِّبِ الرَّجْمُ سَوَاءٌ زَنَى بِثَيِّبٍ أَمْ بِبِكْرٍ فَهُوَ شَبِيهٌ بِالتَّقْيِيدِ الَّذِي يَخْرُجُ عَلَى الْغَالِبِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبِكْرِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مَنْ لَمْ يُجَامِعْ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَهُوَ حُرٌّ بَالِغٌ عَاقِلٌ سَوَاءٌ كَانَ جَامَعَ بِوَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَمْ لَا وَالْمُرَادُ بِالثَّيِّبِ مَنْ جَامَعَ فِي دَهْرِهِ مَرَّةً مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ حُرٌّ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي هَذَا سَوَاءٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ هَذَا الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالرَّشِيدُ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ) فِي هَذَا الْكَلَامِ فَائِدَتَانِ إِحْدَاهُمَا بَيَانُ أَنَّ الْحَدِيثَ رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ فَيَزْدَادُ قُوَّةً وَالثَّانِيَةُ أَنَّ هُشَيْمًا مُدَلِّسٌ وَقَدْ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَعَنْ مَنْصُورٍ وَبَيَّنَ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ مَنْصُورٍ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا مَرَّاتٍ قَوْلُهُ (كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ كُرِبَ لِذَلِكَ وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ) هُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ) أَيْ عَلَتْهُ غَبَرَةٌ وَالرَّبْدُ تَغَيُّرُ الْبَيَاضِ إِلَى السَّوَادِ وَإِنَّمَا حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ لِعِظَمِ مَوْقِعِ الْوَحْيِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثقيلا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ رُجِمَ بالحجارة) التقيد بِالْحِجَارَةِ لِلِاسْتِحْبَابِ وَلَوْ رُجِمَ بِغَيْرِهَا جَازَ

وهو شبيه بالتقييد بها في الاستنجاء [1691] قَوْلُهُ (فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا) أَرَادَ بِآيَةِ الرَّجْمِ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ وَهَذَا مِمَّا نُسِخَ لَفْظُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ وَقَدْ وَقَعَ نَسْخُ حُكْمٍ دُونَ اللَّفْظِ وَقَدْ وَقَعَ نَسْخُهُمَا جَمِيعًا فَمَا نُسِخَ لَفْظُهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْقُرْآنِ فِي تَحْرِيمِهِ عَلَى الْجُنُبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَفِي تَرْكِ الصَّحَابَةِ كِتَابَةَ هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ أَنَّ الْمَنْسُوخَ لَا يُكْتَبُ فِي الْمُصْحَفِ وَفِي إِعْلَانِ عُمَرَ بِالرَّجْمِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَسُكُوتِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْحَاضِرِينَ عَنْ مُخَالَفَتِهِ بِالْإِنْكَارِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الرَّجْمِ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْلَدُ مَعَ الرَّجْمِ وَقَدْ تَمْتَنِعُ دَلَالَتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْجَلْدِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ قَوْلُهُ (فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ) هَذَا الَّذِي خَشِيَهُ قَدْ وَقَعَ مِنَ الْخَوَارِجِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَهَذَا مِنْ كَرَامَاتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (وَإِنَّ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوِ الِاعْتِرَافُ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الرَّجْمَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى مَنْ زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ وَسَبَقَ بَيَانُ صِفَةِ الْمُحْصَنِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ بِزِنَاهُ وَهُوَ مُحْصَنٌ يُرْجَمُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ ذُكُورٍ عُدُولٍ هَذَا إذا شهدوا على نفس الزنى وَلَا يُقْبَلُ دُونَ الْأَرْبَعَةِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي صِفَاتِهِمْ وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ الرَّجْمِ عَلَى مَنِ اعترف بالزنى وَهُوَ مُحْصَنٌ يَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِالْحَدِّ وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ تَكْرَارِ إِقْرَارِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَسَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الْحَبَلُ وَحْدَهُ فَمَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وُجُوبُ الْحَدِّ بِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ وَتَابَعَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فَقَالُوا إِذَا حَبِلَتْ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ وَلَا عَرَفْنَا إِكْرَاهَهَا لَزِمَهَا الْحَدُّ إِلَّا أَنْ تَكُونَ غَرِيبَةً طَارِئَةً وَتَدَّعِي أَنَّهُ مِنْ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ قَالُوا وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهَا إلا كراه إِذَا لَمْ تَقُمْ بِذَلِكَ مُسْتَغِيثَةً عِنْدَ الْإِكْرَاهِ قَبْلَ ظُهُورِ الْحَمْلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ لَا حَدَّ عَلَيْهَا بِمُجَرَّدِ الْحَبَلِ سواء كان لَهَا زَوْجٌ أَوْ سَيِّدٌ أَمْ لَا سَوَاءٌ الْغَرِيبَةُ وَغَيْرُهَا وَسَوَاءٌ ادَّعَتِ الْإِكْرَاهَ أَمْ سَكَتَتْ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا مُطْلَقًا إِلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوِ اعتراف لأن الحدود تسقط بالشبهات قوله في الرجل الذي اعترف بالزنى فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ مِنْ جَوَانِبِهِ حَتَّى أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ بِهِ جُنُونٌ فَقَالَ لَا فَقَالَ هَلْ أُحْصِنْتَ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ احْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ الْكُوفِيِّينَ وَأَحْمَدُ وَمُوَافِقُوهُمَا في أن الاقرار

بالزنى لا يثبت ويرجم بِهِ الْمُقِرُّ حَتَّى يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ يَثْبُتُ الْإِقْرَارُ بِهِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَيُرْجَمُ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَدَدًا وَحَدِيثُ الْغَامِدِيَّةِ لَيْسَ فِيهِ إِقْرَارُهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَاشْتَرَطَ بن أَبِي لَيْلَى وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِقْرَارَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعِ مَجَالِسَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (أبك جنون) إنما قَالَهُ لِيَتَحَقَّقَ حَالَهُ فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُصِرُّ عَلَى الْإِقْرَارِ بِمَا يَقْتَضِي قَتْلَهُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ مَعَ أَنَّ لَهُ طَرِيقًا إِلَى سُقُوطِ الْإِثْمِ بِالتَّوْبَةِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ سَأَلَ قَوْمَهُ عَنْهُ فَقَالُوا مَا نَعْلَمُ به بأسا وهذا مبالغة في تحقق حَالِهِ وَفِي صِيَانَةِ دَمِ الْمُسْلِمِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ إِقْرَارَ الْمَجْنُونِ بَاطِلٌ وَأَنَّ الْحُدُودَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَهَذَا كُلُّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَلْ أُحْصِنْتَ) فِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ يَسْأَلُ عَنْ شُرُوطِ الرَّجْمِ مِنَ الْإِحْصَانِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ أَمْ بِالْبَيِّنَةِ وَفِيهِ مُؤَاخَذَةُ الْإِنْسَانِ بِإِقْرَارِهِ قَوْلُهُ (حَتَّى ثَنَى ذَلِكَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ) هُوَ بِتَخْفِيفِ النُّونِ أَيْ كَرَّرَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَفِيهِ التَّعْرِيضُ للمقر بالزنى بِأَنْ يَرْجِعَ وَيُقْبَلُ رُجُوعُهُ بِلَا خِلَافٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ) فيه جوار اسْتِنَابَةِ الْإِمَامِ مَنْ يُقِيمُ الْحَدَّ قَالَ الْعُلَمَاءُ لَا يَسْتَوْفِي الْحَدَّ إِلَّا الْإِمَامُ أَوْ مَنْ فَوَّضَ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي الرَّجْمُ وَلَا يُجْلَدُ مَعَهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِي هَذَا قَوْلُهُ (فَرَجَمْنَاهُ

بِالْمُصَلَّى) قَالَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُصَلَّى الْجَنَائِزِ وَالْأَعْيَادِ إِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ وُقِفَ مَسْجِدًا لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ إِذْ لَوْ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ تُجُنِّبَ الرَّجْمُ فِيهِ وَتَلَطُّخُهُ بِالدِّمَاءِ والميتة قالوا والمراد بالمصلى هنا مُصَلَّى الْجَنَائِزِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ وَهُوَ مَوْضِعُ الْجَنَائِزِ بِالْمَدِينَةِ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُصَلَّى الَّذِي لِلْعِيدِ وَلِغَيْرِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَسْجِدًا هَلْ يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ) هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْقَافِ أَيْ أَصَابَتْهُ بِحَدِّهَا قَوْلُهُ (فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُحْصَنِ إِذَا أَقَرَّ بالزنى فَشَرَعُوا فِي رَجْمِهِ ثُمَّ هَرَبَ هَلْ يُتْرَكُ أَمْ يُتْبَعُ لِيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا يُتْرَكُ وَلَا يُتْبَعُ لِكَيْ أَنْ يُقَالَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ رَجَعَ عَنِ الْإِقْرَارِ تُرِكَ وَإِنْ أَعَادَ رُجِمَ وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُتْبَعُ وَيُرْجَمُ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ بِمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَا تَرَكْتُمُوهُ حَتَّى أَنْظُرَ فِي شَأْنِهِ وَفِي رِوَايَةٍ هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ فَلَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُلْزِمْهُمْ

ذَنْبَهُ مَعَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ بَعْدَ هَرَبِهِ وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالرُّجُوعِ وَقَدْ ثَبَتَ إِقْرَارُهُ فَلَا يَتْرُكُهُ حَتَّى يُصَرِّحَ بِالرُّجُوعِ قَالُوا وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يُتْبَعُ فِي هَرَبِهِ لَعَلَّهُ يُرِيدُ الرُّجُوعَ وَلَمْ نَقُلْ إِنَّهُ سَقَطَ الرَّجْمُ بِمُجَرَّدِ الْهَرَبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (رَجُلٌ قَصِيرٌ أَعْضَلُ) هُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مُشْتَدُّ الْخَلْقِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَعَلَّكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ إِنَّهُ قَدْ زَنَى الْأَخِرُ) مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ الْإِشَارَةُ إِلَى تلقينه الرجوع عن الاقرار بالزنى وَاعْتِذَارِهِ بِشُبْهَةٍ يَتَعَلَّقُ بِهَا كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ فَاقْتَصَرَ في هذه الرواية على لعلك اختصارا وتنبيها وَاكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ وَالْحَالِ عَلَى الْمَحْذُوفِ أَيْ لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تلقين المقر بحد الزنى وَالسَّرِقَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحُدُودَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَالدَّرْءِ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّةِ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَغَيْرِهِمَا لَا يَجُوزُ التَّلْقِينُ فِيهَا وَلَوْ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ وَقَدْ جَاءَ تَلْقِينُ الرُّجُوعِ عَنِ الْإِقْرَارِ بِالْحُدُودِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (إِنَّهُ قَدْ زَنَى الْأَخِرُ) وَهُوَ بِهَمْزَةٍ مَقْصُورَةٍ وَخَاءٍ مَكْسُورَةٍ وَمَعْنَاهُ الْأَرْذَلُ وَالْأَبْعَدُ وَالْأَدْنَى وَقِيلَ اللَّئِيمُ وَقِيلَ الشَّقِيُّ وَكُلُّهُ مُتَقَارِبٌ وَمُرَادُهُ نَفْسُهُ فَحَقَّرَهَا وَعَابَهَا لَا سِيَّمَا وَقَدْ فَعَلَ هَذِهِ الْفَاحِشَةَ وَقِيلَ إِنَّهَا كِنَايَةٌ يُكَنِّي بِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ إِذَا أَخْبَرَ عَنْهُ بِمَا يُسْتَقْبَحُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا كُلَّمَا نَفَرْنَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ خلف أحدهم له نبيب كنبيب التيس ي يَمْنَحُ أَحَدُهُمُ الْكُثْبَةَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إِحْدَاهُنَّ بَدَلَ أَحَدُهُمْ وَنَبِيبُ التَّيْسِ صَوْتُهُ عِنْدَ السِّفَادِ وَيَمْنَحُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالنُّونِ أَيْ يُعْطِي وَالْكُثْبَةُ بِضَمِّ الْكَافِ وَإِسْكَانِ

الْمُثَلَّثَةِ الْقَلِيلُ مِنَ اللَّبَنِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (أُتِيَ بِرَجُلٍ قَصِيرٍ أَشْعَثَ ذِي عَضَلَاتٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالضَّادِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْعَضَلَةُ كُلُّ لَحْمَةٍ صُلْبَةٍ مُكْتَنِزَةٍ قَوْلُهُ (تَخَلَّفَ أَحَدُكُمْ يَنِبُّ) هو بفتح الياء وَكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِلَّا جَعَلْتُهُ نَكَالًا) أَيْ عِظَةً وَعِبْرَةً لِمَنْ بَعْدَهُ بِمَا أَصَبْتُهُ مِنْهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ لِيَمْتَنِعُوا مِنْ تِلْكَ الْفَاحِشَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَاعِزٍ [1693] (أَحَقٌّ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ قَالَ وَمَا بَلَغَكَ عَنِّي قَالَ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ وَقَعْتَ بِجَارِيَةِ آلِ فُلَانٍ قَالَ نَعَمْ فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ) هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالْمَشْهُورُ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ

أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ طَهِّرْنِي قَالَ الْعُلَمَاءُ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَيَكُونُ قَدْ جِيءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْعَاءٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ أَنَّ قَوْمَهُ أَرْسَلُوهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي أَرْسَلَهُ لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ يَا هُزَالُ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ وَكَانَ مَاعِزٌ عِنْدَ هُزَالٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَاعِزٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ لَهُ الَّذِينَ حَضَرُوا مَعَهُ مَا جَرَى لَهُ أَحَقٌّ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ إِلَى آخِرِهِ قَوْلُهُ (فما أوثقناه وَلَا حَفَرْنَا لَهُ) [1694] وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ وَذَكَرَ بَعْدَهُ فِي حَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا أَمَّا قَوْلُهُ فَمَا أَوْثَقْنَاهُ فَهَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَأَمَّا الْحَفْرُ لِلْمَرْجُومِ وَالْمَرْجُومَةِ فَفِيهِ مَذَاهِبُ لِلْعُلَمَاءِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمْ لَا يُحْفَرُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَالَ قَتَادَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ يُحْفَرُ لَهُمَا وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يُحْفَرُ لِمَنْ يُرْجَمُ بِالْبَيِّنَةِ لَا مَنْ يُرْجَمُ بِالْإِقْرَارِ وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَقَالُوا لَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ سَوَاءٌ ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ أَمْ بِالْإِقْرَارِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا أَحَدُهَا يُسْتَحَبُّ الْحَفْرُ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا لِيَكُونَ أستر لها والثاني لا يستحب ولا يكره بل هو إلى خيرة الإمام والثالث وهو الأصح أن ثبت زناها بالبينة استحب وَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ فَلَا لِيُمْكِنَهَا الْهَرَبَ إِنْ رَجَعَتْ فَمَنْ قَالَ بِالْحَفْرِ لَهُمَا احْتَجَّ بِأَنَّهُ حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ وَكَذَا لِمَاعِزٍ فِي رِوَايَةٍ وَيُجِيبُ هَؤُلَاءِ عَنِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي مَاعِزٍ أَنَّهُ لَمْ يَحْفِرْ لَهُ أَنَّ الْمُرَادَ حَفِيرَةٌ عَظِيمَةٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ تَخْصِيصِ الْحَفِيرَةِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ لَا يَحْفِرُ فَاحْتَجَّ بِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى فَمَا أَوْثَقْنَاهُ وَلَا حَفَرْنَا لَهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ

مُنَابِذٌ لِحَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ وَلِرِوَايَةِ الْحَفْرِ لِمَاعِزٍ وَأَمَّا مِنْ قَالَ بِالتَّخْيِيرِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَيَحْمِلُ رِوَايَةَ الْحَفْرِ لِمَاعِزٍ عَلَى أَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ تَرَكَ الْحَفْرَ حَدِيثُ الْيَهُودِيَّيْنِ الْمَذْكُورُ بَعْدَ هَذَا وَقَوْلُهُ جَعَلَ يَجْنَأُ عَلَيْهَا وَلَوْ حُفِرَ لَهُمَا لَمْ يَجْنَأْ عَلَيْهَا وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ حُفْرَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَرَمَيْنَاهُ بِالْعِظَامِ وَالْمَدَرِ وَالْخَزَفِ) هَذَا دَلِيلٌ لِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الرَّجْمَ يَحْصُلُ بِالْحَجَرِ أَوِ الْمَدَرِ أَوِ الْعِظَامِ أَوِ الْخَزَفِ أَوِ الْخَشَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْقَتْلُ وَلَا تَتَعَيَّنُ الْأَحْجَارُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجْمًا بِالْحِجَارَةِ لَيْسَ هُوَ لِلِاشْتِرَاطِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْخَزَفُ قِطَعُ الْفُخَّارِ الْمُنْكَسِرِ قَوْلُهُ (حَتَّى أَتَى عُرْضَ الْحَرَّةِ) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ جَانِبُهَا قَوْلُهُ (فَرَمَيْنَاهُ بجلاميد الحرة أي الحجارة الكبار واحدها جلد بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمِيمِ وَجُلْمُودٌ بِضَمِّ الْجِيمِ قَوْلُهُ حَتَّى سَكَتَ) هُوَ بِالتَّاءِ فِي آخِرِهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ قَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ سَكَنَ بِالنُّونِ وَالْأَوَّلُ الصَّوَابُ وَمَعْنَاهُمَا مَاتَ قَوْلُهُ (فَمَا اسْتَغْفَرَ لَهُ وَلَا سَبَّهُ) أَمَّا عَدَمُ السَّبِّ فَلِأَنَّ الْحَدَّ كَفَّارَةٌ لَهُ مَطْهَرَةٌ لَهُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَأَمَّا عَدَمُ الِاسْتِغْفَارِ

فلئلا يغتر غيره فيقع في الزنى اتِّكَالًا عَلَى اسْتِغْفَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ [1695] (جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي فَقَالَ وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي إِلَى آخِرِهِ) وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ قَالَتْ طَهِّرْنِي قَالَ وَيْحَكِ ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَدَّ يُكَفِّرُ ذَنْبَ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي حُدَّ لَهَا وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَتُهُ وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ إِثْمِ الْمَعَاصِي الْكَبَائِرِ بِالتَّوْبَةِ وَهُوَ بِإِجْمَاعِ المسلمين إلا ما قدمناه عن بن عَبَّاسٍ فِي تَوْبَةِ الْقَاتِلِ خَاصَّةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ قِيلَ فَمَا بَالُ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ لَمْ يَقْنَعَا بِالتَّوْبَةِ وَهِيَ مُحَصِّلَةٌ لِغَرَضِهِمَا وَهُوَ سُقُوطُ الْإِثْمِ بَلْ أَصَرَّا عَلَى الْإِقْرَارِ وَاخْتَارَا الرَّجْمَ فَالْجَوَابُ أَنَّ تَحْصِيلَ الْبَرَاءَةِ بِالْحُدُودِ وَسُقُوطِ الْإِثْمِ مُتَيَقَّنٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا سِيَّمَا وَإِقَامَةُ الْحَدِّ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا التَّوْبَةُ فَيُخَافُ أَنْ لَا تَكُونَ نَصُوحًا وَأَنْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْ شُرُوطِهَا فَتَبْقَى الْمَعْصِيَةُ وَإِثْمُهَا دَائِمًا عَلَيْهِ فَأَرَادَا حُصُولَ الْبَرَاءَةِ بِطَرِيقٍ مُتَيَقَّنٍ دُونَ مَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ احْتِمَالٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَرُوِّينَا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ وَيْحَ كَلِمَةُ رَحْمَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(فيم أطهرك قال من الزنى) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فِيمَ بِالْفَاءِ وَالْيَاءِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَتَكُونُ فِي هُنَا لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ بِسَبَبِ مَاذَا أُطَهِّرُكَ قَوْلُهُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ قال حدثنا يحيى بن يعلى وهو بن الحارث المحاربي عن غيلان وهو بن جَامِعٍ الْمُحَارِبِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ) هَكَذَا فِي النُّسَخِ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى عَنْ غَيْلَانَ قَالَ الْقَاضِي وَالصَّوَابُ مَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ غَيْلَانَ فَزَادَ فِي الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِيهِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ السُّنَنِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ عن غيلان وهو الصواب وقد نبه فِي كِتَابِ السُّنَنِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ غَيْلَانَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ نَبَّهَ عَبْدُ الْغَنِيِّ عَلَى السَّاقِطِ مِنْ هَذَا الْإِسْنَادِ فِي نُسْخَةِ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ مَاهَانَ وَوَقَعَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنَ السُّنَنِ لِأَبِي دَاوُدَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أبي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا غَيْلَانُ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والفضة الْآيَةُ فَهَذَا السَّنَدُ يَشْهَدُ بِصِحَّةِ مَا تَقَدَّمَ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ يَحْيَى بْنُ يَعْلَى سَمِعَ أَبَاهُ وَزَائِدَةَ بْنَ قُدَامَةَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ سَمَاعًا لِيَحْيَى بْنِ يَعْلَى هَذَا مِنْ غَيْلَانَ بَلْ قَالُوا سَمِعَ أَبَاهُ وَزَائِدَةَ قَوْلُهُ (فَقَالَ أَشَرِبَ خَمْرًا فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ) مَذْهَبُنَا الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ صِحَّةُ إِقْرَارِ السَّكْرَانِ وَنُفُوذُ أَقْوَالِهِ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ وَالسُّؤَالُ عَنْ شُرْبِهِ الْخَمْرَ مَحْمُولٌ عِنْدنَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ سَكْرَانَ لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ وَمَعْنَى اسْتَنْكَهَهُ أَيْ شَمَّ رَائِحَةَ فَمِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَجُمْهُورُ الْحِجَازِيِّينَ أَنَّهُ يحد من وجد منه ريح الخمر وَإِنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِشُرْبِهَا وَلَا أَقَرَّ بِهِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا لَا يُحَدُّ بِمُجَرَّدِ رِيحِهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ عَلَى شُرْبِهِ أَوْ إِقْرَارِهِ وَلَيْسَ

فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ قَوْلُهُ (جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ) هِيَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَهِيَ بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ قَوْلُهُ (فقال لها حتى تضعي مافي بَطْنِكِ) فِيهِ أَنَّهُ لَا تُرْجَمُ الْحُبْلَى حَتَّى تَضَعَ سَوَاءٌ كَانَ حَمْلُهَا مِنْ زِنًا أَوْ غَيْرِهِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُقْتَلَ جَنِينُهَا وَكَذَا لَوْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ وَهِيَ حَامِلٌ لَمْ تُجْلَدْ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى تَضَعَ وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُرْجَمُ إِذَا زَنَتْ وَهِيَ مُحْصَنَةٌ كَمَا يُرْجَمُ الرَّجُلُ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُحْصَنَةً لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ وَالْإِجْمَاعَ مُتَطَابِقَانِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرْجَمُ غَيْرُ الْمُحْصَنِ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهَا قِصَاصٌ وَهِيَ حَامِلٌ لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا حَتَّى تَضَعَ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ثُمَّ لَا تُرْجَمُ الْحَامِلُ الزَّانِيَةُ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهَا بَعْدَ وَضْعِهَا حَتَّى تَسْقِيَ وَلَدَهَا اللبأ وَيَسْتَغْنِيَ عَنْهَا بِلَبَنِ غَيْرِهَا وَفِيهِ أَنَّ الْحَمْلَ يُعْرَفُ وَيُحْكَمُ بِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا قَوْلُهُ (فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ) أَيْ قَامَ بِمُؤْنَتِهَا وَمَصَالِحِهَا وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْكَفَالَةِ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الضَّمَانِ لِأَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ الَّتِي لِلَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ (لَمَّا وَضَعَتْ قِيلَ قَدْ وَضَعَتِ الغامدية فقال

النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذًا لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ إِلَيَّ رضاعه يانبي اللَّهِ قَالَ فَرَجَمَهَا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهَا لَمَّا وَلَدَتْ جَاءَتْ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ قَالَتْ هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ قَالَ فَاذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا قَدْ فَطَمْتُهُ وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرَجَمُوهَا فَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ ظَاهِرُهُمَا الِاخْتِلَافُ فَإِنَّ الثَّانِيَةَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ رَجْمَهَا كَانَ بَعْدَ فِطَامِهِ وَأَكْلِهِ الْخُبْزَ وَالْأُولَى ظَاهِرُهَا أَنَّهُ رَجَمَهَا عَقِبَ الْوِلَادَةِ وَيَجِبُ تَأْوِيلُ الْأُولَى وَحَمْلُهَا عَلَى وَفْقِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَالرِّوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ وَالثَّانِيَةُ مِنْهُمَا صَرِيحَةٌ لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهَا وَالْأُولَى لَيْسَتْ صَرِيحَةً فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ الْأُولَى وَيَكُونُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ إِلَيَّ رَضَاعُهُ إِنَّمَا قَالَهُ بَعْدَ الْفِطَامِ وَأَرَادَ بِالرَّضَاعَةِ كَفَالَتُهُ وَتَرْبِيَتُهُ وَسَمَّاهُ رَضَاعًا مَجَازًا وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَالْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تُرْجَمُ حَتَّى تَجِدَ مَنْ تُرْضِعُهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ أَرْضَعَتْهُ حَتَّى تَفْطِمَهُ ثُمَّ رُجِمَتْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إِذَا وَضَعَتْ رُجِمَتْ وَلَا يُنْتَظَرُ حُصُولُ مُرْضِعَةٍ وَأَمَّا هَذَا الْأَنْصَارِيُّ الَّذِي كَفَلَهَا فَقَصَدَ مَصْلَحَةً وَهُوَ الرِّفْقُ بِهَا وَمُسَاعَدَتُهَا عَلَى تَعْجِيلِ طَهَارَتِهَا بِالْحَدِّ لِمَا رَأَى بِهَا من الحرص

التَّامِّ عَلَى تَعْجِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْفِطَامُ قَطْعُ الْإِرْضَاعِ لِاسْتِغْنَاءِ الْوَلَدِ عَنْهُ قَوْلُهُ (قال مالا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي) هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مِنْ إِمَّا وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَبِالْإِمَالَةِ وَمَعْنَاهُ إِذَا أَبَيْتِ أَنْ تَسْتُرِي عَلَى نَفْسِكِ وَتَتُوبِي وَتَرْجِعِي عَنْ قَوْلِكِ فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي فَتُرْجَمِينَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ مَبْسُوطًا قَوْلُهُ (فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ) رُوِيَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُعْجَمَةِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْمُهْمَلَةِ وَمَعْنَاهُ تَرَشَّشَ وَانْصَبَّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ) فِيهِ أَنَّ الْمَكْسَ مِنْ أَقْبَحِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ الْمُوبِقَاتِ وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ مُطَالَبَاتِ النَّاسِ لَهُ وظلاماتهم عِنْدَهُ وَتَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنْهُ وَانْتِهَاكِهِ لِلنَّاسِ وَأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ بِغَيْرِ حَقِّهَا وَصَرْفِهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهَا وَفِيهِ أَنَّ تَوْبَةَ الزَّانِي لَا تُسْقِطُ عَنْهُ حد الزنى وَكَذَا حُكْمُ حَدِّ السَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ

هَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالثَّانِي أَنَّهَا تُسْقِطُ ذَلِكَ وَأَمَّا تَوْبَةُ الْمُحَارِبِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَتُسْقِطُ حَدَّ الْمُحَارَبَةِ بِلَا خلاف عندنا وعند بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ لَا تُسْقِطُ قَوْلُهُ (ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصُلِّيَ عَلَيْهَا ثُمَّ دُفِنَتْ) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَتْ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَقَدْ زَنَتْ أَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فَصَرِيحَةٌ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَيْهَا وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُولَى فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هِيَ بِفَتْحِ الصَّادِ وَاللَّامِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ وَعِنْدَ الطَّبَرِيِّ بِضَمِّ الصَّادِ قَالَ وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ بن أَبِي شَيْبَةَ وَأَبِي دَاوُدَ قَالَ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا عَلَيْهَا قَالَ الْقَاضِي وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْلِمٌ صَلَاتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَاعِزٍ وَقَدْ ذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْجُومِ فَكَرِهَهَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ لِلْإِمَامِ وَلِأَهْلِ الْفَضْلِ دُونَ بَاقِي النَّاسِ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُ الْإِمَامِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَأَهْلُ الْفَضْلِ وَغَيْرُهُمْ وَالْخِلَافُ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ إِنَّمَا هُوَ فِي الْإِمَامِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّي وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالُوا فَيُصَلَّى عَلَى الْفُسَّاقِ وَالْمَقْتُولِينَ فِي الْحُدُودِ وَالْمُحَارَبَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَلَى الْمَرْجُومِ وَقَاتِلِ نَفْسِهِ وقال قتادة لا يصلي على ولد الزنى وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الْإِمَامَ وَأَهْلَ الْفَضْلِ يُصَلُّونَ عَلَى الْمَرْجُومِ كَمَا يُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ وَأَجَابَ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ ضَعَّفُوا رِوَايَةَ الصَّلَاةِ لِكَوْنِ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ لَمْ يَذْكُرُوهَا وَالثَّانِي تَأَوَّلُوهَا عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بالصلاة أو دعا فسمى صلاة على مقتضاها في اللغة وهذان الجوابان فاسدان أما الأول فإن هذه الزيادة ثابتة فِي الصَّحِيحِ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَهَذَا التَّأْوِيلُ مَرْدُودٌ لِأَنَّ التَّأْوِيلَ إِنَّمَا يُصَارُ إليه إذا اضطربت الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ إِلَى ارْتِكَابِهِ وَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَاللَّهُ

أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَلِيِّ الْغَامِدِيَّةِ [1696] (أَحْسِنْ إِلَيْهَا فَإِذَا وَضَعَتْ فَائْتِنِي بِهَا) هَذَا الْإِحْسَانُ لَهُ سَبَبَانِ أَحَدُهُمَا الْخَوْفُ عَلَيْهَا مِنْ أَقَارِبِهَا أَنْ تَحْمِلَهُمُ الْغَيْرَةُ وَلُحُوقُ الْعَارِ بِهِمْ أَنْ يُؤْذُوهَا فَأَوْصَى بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهَا تَحْذِيرًا لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَمَرَ بِهِ رَحْمَةً لها إذ قد ثابت وحرص عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَيْهَا لِمَا فِي نُفُوسِ النَّاسِ مِنَ النُّفْرَةِ مِنْ مِثْلِهَا وَإِسْمَاعِهَا الْكَلَامَ الْمُؤْذِي وَنَحْوَ ذَلِكَ فَنَهَى عَنْ هَذَا كُلِّهِ قَوْلُهُ (فَأَمَرَ بِهَا فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ فَشُكَّتْ وَفِي بَعْضِهَا فَشُدَّتْ بِالدَّالِ بَدَلَ الْكَافِ وَهُوَ مَعْنَى الْأَوَّلِ وَفِي هَذَا اسْتِحْبَابُ جَمْعِ أَثْوَابِهَا عَلَيْهَا وَشَدِّهَا بِحَيْثُ لَا تَنْكَشِفُ عَوْرَتُهَا فِي تَقَلُّبِهَا وَتَكْرَارِ اضْطِرَابِهَا وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا تُرْجَمُ إِلَّا قَاعِدَةً وَأَمَّا الرَّجُلُ فَجُمْهُورُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُرْجَمُ قَائِمًا وَقَالَ مَالِكٌ قَاعِدًا وَقَالَ غَيْرُهُ يُخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ (فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ) وَفِي بَعْضِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا وَفِي حَدِيثِ مَاعِزٍ أَمَرَنَا أَنْ نَرْجُمَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ فِيهَا كُلِّهَا دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَمُوَافِقِيهِمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ حُضُورُ الرَّجْمِ وَكَذَا لَوْ ثَبَتَ بِشُهُودٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحُضُورُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ

وَأَحْمَدُ يَحْضُرُ الْإِمَامُ مُطْلَقًا وَكَذَا الشُّهُودُ إِنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ بِالرَّجْمِ إِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ وَإِنْ ثَبَتَ بِالشُّهُودِ بَدَأَ الشُّهُودُ وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدًا مِمَّنْ رُجِمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ [1697] [1698] (أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلَّا قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللَّهِ) مَعْنَى أَنْشُدُكَ أَسْأَلُكَ رَافِعًا نَشِيدِي وَهُوَ صَوْتِي وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الشِّينِ وَقَوْلُهُ بِكِتَابِ اللَّهِ أَيْ بِمَا تَضَمَّنَهُ كِتَابُ اللَّهِ وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَصْبِرَ عَلَى مَنْ يَقُولُ مِنْ جُفَاةِ الْخُصُومِ احْكُمْ بِالْحَقِّ بَيْنَنَا وَنَحْوَ ذَلِكَ قَوْلُهُ (فَقَالَ الْخَصْمُ الْآخَرُ وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّهُ بِالْإِضَافَةِ أَكْثَرُ فِقْهًا مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَفْقَهُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ لِوَصْفِهِ إِيَّاهَا عَلَى وَجْهِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِأَدَبِهِ وَاسْتِئْذَانِهِ فِي الْكَلَامِ وَحَذَرِهِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي النَّهْيِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَا تُقَدِّمُوا بين يدي الله ورسوله بِخِلَافِ خِطَابِ الْأَوَّلِ فِي قَوْلِهِ أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلَى آخِرِهِ فَإِنَّهُ مِنْ جَفَاءِ الْأَعْرَابِ قَوْلُهُ (إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا) هُوَ بِالْعَيْنِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ أَجِيرًا وَجَمْعُهُ عُسَفَاءُ كَأَجِيرٍ وَأُجَرَاءَ وَفَقِيهٍ وَفُقَهَاءَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِحُكْمِ اللَّهِ وَقِيلَ هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سبيلا وَفَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّبِيلَ بِالرَّجْمِ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ كَمَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَقِيلَ هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى آيَةِ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ مِمَّا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْجَلْدُ قَدْ أَخَذَهُ من قوله تعالى الزانية والزاني وَقِيلَ الْمُرَادُ نَقْضُ صُلْحِهِمَا الْبَاطِلِ عَلَى الْغَنَمِ وَالْوَلِيدَةِ قَوْلُهُ (فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ) فِيهِ جَوَازُ اسْتِفْتَاءِ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَمَنِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينكر

ذَلِكَ عَلَيْهِ وَفِيهِ جَوَازُ اسْتِفْتَاءِ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ أَفْضَلُ مِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ) أَيْ مَرْدُودَةٌ وَمَعْنَاهُ يَجِبُ رَدُّهَا إِلَيْكَ وَفِي هَذَا أَنَّ الصُّلْحَ الْفَاسِدَ يُرَدُّ وَأَنَّ أَخْذَ الْمَالِ فِيهِ بَاطِلٌ يجب رده وأن الحدود لاتقبل الْفِدَاءَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الِابْنَ كَانَ بِكْرًا وَعَلَى أَنَّهُ اعترف وإلا فإقرار الأب عليه لايقبل أَوْ يَكُونُ هَذَا إِفْتَاءً أَيْ إِنْ كَانَ ابْنُكَ زَنَى وَهُوَ بِكْرٌ فَعَلَيْهِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (واغد ياأنيس عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ) أُنَيْسٌ هَذَا صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ وَهُوَ أُنَيْسُ بْنُ الضَّحَّاكِ الْأَسْلَمِيُّ معدود في الشاميين وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ أُنَيْسُ بْنُ مَرْثَدٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَأَنَّهُ أَسْلَمِيٌّ وَالْمَرْأَةُ أَيْضًا أَسْلَمِيَّةٌ وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْثَ أُنَيْسٍ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ عَلَى إِعْلَامِ الْمَرْأَةِ بِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَذَفَهَا بِابْنِهِ فَيُعَرِّفُهَا بِأَنَّ لَهَا عِنْدَهُ حَدُّ الْقَذْفِ فَتُطَالِبُ بِهِ أَوْ تعفو عنه إلا أن تعترف بالزنى فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ بَلْ يَجِبُ عليها حد الزنى وَهُوَ الرَّجْمُ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُحْصَنَةً فَذَهَبَ إِلَيْهَا أنيس فاعترفت بالزنى فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجْمِهَا فَرُجِمَتْ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِأَنَّ ظاهره أنه بعث لإقامة حد الزنى وهذا غير مراد لأن حد الزنى لَا يَحْتَاجُ لَهُ بِالتَّجَسُّسِ وَالتَّفْتِيشِ عَنْهُ بَلْ لَوْ أَقَرَّ بِهِ الزَّانِي اسْتُحِبَّ أَنْ يُلَقَّنَ الرُّجُوعَ كَمَا سَبَقَ فَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا

فِي هَذَا الْبَعْثِ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي إِذَا قُذِفَ إِنْسَانٌ مُعَيَّنٌ فِي مَجْلِسِهِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ لِيُعَرِّفَهُ بِحَقِّهِ مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ أَمْ لَا يَجِبُ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُحْصَنَ يُرْجَمُ وَلَا يُجْلَدُ مَعَ الرجم وقد سبق بيان الخلاف فيه [1699] قوله (إن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ قَدْ زَنَيَا إِلَى قَوْلِهِ فرجما) في هذا دليل لوجوب حد الزنى عَلَى الْكَافِرِ وَأَنَّهُ يَصِحُّ نِكَاحُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الرَّجْمُ إِلَّا عَلَى مُحْصَنٍ فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُ لَمْ يَثْبُتْ إِحْصَانُهُ وَلَمْ يُرْجَمْ وَفِيهِ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرْعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ لَا يُخَاطَبُونَ بِهَا وَقِيلَ إِنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالنَّهْيِ دُونَ الْأَمْرِ وَفِيهِ أَنَّ الْكُفَّارَ إِذَا تَحَاكَمُوا إِلَيْنَا حَكَمَ الْقَاضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ شَرْعِنَا وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَصِحُّ إِحْصَانُ الْكَافِرِ قَالَ وَإِنَّمَا رَجَمَهُمَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا أَهْلَ ذِمَّةٍ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ لِأَنَّهُمَا كَانَا مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ وَلِأَنَّهُ رَجَمَ الْمَرْأَةَ وَالنِّسَاءُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُنَّ مُطْلَقًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَالَ مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا السُّؤَالُ لَيْسَ لِتَقْلِيدِهِمْ وَلَا لِمَعْرِفَةِ الْحُكْمِ مِنْهُمْ فَإِنَّمَا هُوَ لِإِلْزَامِهِمْ بِمَا يَعْتَقِدُونَهُ فِي كِتَابِهِمْ وَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّ الرَّجْمَ فِي التَّوْرَاةِ الْمَوْجُودَةِ فِي أَيْدِيهِمْ لَمْ يُغَيِّرُوهُ كَمَا غَيَّرُوا أَشْيَاءَ أَوْ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ وَلِهَذَا لَمْ يَخْفَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حِينَ كَتَمُوهُ قَوْلُهُ (نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا وَنَحْمِلُهُمَا) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ نَحْمِلُهُمَا بِالْحَاءِ وَاللَّامِ وَفِي بَعْضِهَا نُجَمِّلُهُمَا بِالْجِيمِ وَفِي بَعْضِهَا نُحَمِّمُهُمَا بِمِيمَيْنِ وَكُلُّهُ مُتَقَارِبٌ فَمَعْنَى الْأَوَّلِ نَحْمِلُهُمَا عَلَى الْحَمْلِ وَمَعْنَى الثَّانِي نُجَمِّلُهُمَا جَمِيعًا عَلَى الْجَمَلِ وَمَعْنَى الثَّالِثِ نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا بِالْحُمَمِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَهُوَ الْفَحْمُ وَهَذَا الثَّالِثُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَهُ نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ رجم اليهوديان

بِالْبَيِّنَةِ أَمْ بِالْإِقْرَارِ قُلْنَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالْإِقْرَارِ وَقَدْ جَاءَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهِمَا أَرْبَعَةٌ

أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ مُسْلِمِينَ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا فَلَا اعْتِبَارَ بِشَهَادَتِهِمْ وَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُمَا أقرا بالزنى قَوْلُهُ (رَجَمَ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ [1701] وَامْرَأَتَهُ) أَيْ صاحبته التي زنا

بِهَا وَلَمْ يُرِدْ زَوْجَتَهُ وَفِي رِوَايَةٍ وَامْرَأَةً قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1703] (إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا) التَّثْرِيبُ التَّوْبِيخُ وَاللَّوْمُ عَلَى الذَّنْبِ وَمَعْنَى تَبَيَّنَ زِنَاهَا تَحَقَّقَهُ إِمَّا بِالْبَيِّنَةِ وَإِمَّا بِرُؤْيَةٍ أَوْ عِلْمٍ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ فِي الْحُدُودِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ على وجوب حد الزنى عَلَى الْإِمَاءِ وَالْعَبِيدِ وَفِيهِ أَنَّ السَّيِّدَ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي طَائِفَةٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ لِلْجُمْهُورِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ لَا يُرْجَمَانِ سَوَاءٌ كَانَا مُزَوَّجَيْنِ أَمْ لَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مُزَوَّجَةٍ وَغَيْرِهَا وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُوَبَّخُ الزَّانِيَ بَلْ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَقَطْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ) فِيهِ أَنَّ الزَّانِيَ إِذَا حُدَّ ثُمَّ زَنَى ثَانِيًا يَلْزَمُهُ حَدٌّ آخَرُ فَإِنْ زَنَى ثَالِثَةً لزمه حد آخر فإن حد ثم زنا لَزِمَهُ حَدٌّ آخَرُ وَهَكَذَا أَبَدًا فَأَمَّا إِذَا زَنَى مَرَّاتٍ وَلَمْ يُحَدَّ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَيَكْفِيهِ حَدٌّ وَاحِدٌ لِلْجَمِيعِ وَفِيهِ

تَرْكُ مُخَالَطَةِ الْفُسَّاقِ وَأَهْلِ الْمَعَاصِي وَفِرَاقِهِمْ وَهَذَا الْبَيْعُ الْمَأْمُورُ بِهِ مُسْتَحَبٌّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ هُوَ وَاجِبٌ وَفِيهِ جَوَازُ بَيْعِ الشَّيْءِ النَّفِيسِ بِثَمَنٍ حَقِيرٍ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِهِ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَلِأَصْحَابِ مَالِكٍ فِيهِ خِلَافٌ وَاللَّهُ أعلم وهذا البيع الْمَأْمُورُ بِهِ يَلْزَمُ صَاحِبَهُ أَنْ يُبَيِّنَ حَالَهَا لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ عَيْبٌ وَالْإِخْبَارُ بِالْعَيْبِ وَاجِبٌ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكْرَهُ شَيْئًا وَيَرْتَضِيهِ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَالْجَوَابُ لَعَلَّهَا تَسْتَعِفُّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يُعِفَّهَا بِنَفْسِهِ أَوْ يَصُونَهَا بِهَيْبَتِهِ أَوْ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهَا وَالتَّوْسِعَةِ عَلَيْهَا أَوْ يُزَوِّجُهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ بن شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ قَالَ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا) وفي

الحديث الآخر أن عليا رضي الله تعالى عَنْهُ خَطَبَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَقِيمُوا عَلَى أَرِقَّائِكُمُ الْحَدَّ مَنْ أُحْصِنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصَنْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنَ الرُّوَاةِ قَوْلَهُ وَلَمْ يُحْصَنْ غَيْرُ مَالِكٍ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى تَضْعِيفِهَا وَأَنْكَرَ الْحُفَّاظُ هَذَا عَلَى الطَّحَاوِيِّ قَالُوا بَلْ روى هذه اللفظة أيضا بن عيينة ويحيى بن سعيد عن بن شِهَابٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ فَحَصَلَ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ فِيهَا حُكْمٌ مُخَالِفٌ لِأَنَّ الْأَمَةَ تُجْلَدُ نِصْفَ جَلْدِ الْحُرَّةِ سَوَاءٌ كَانَتِ الْأَمَةُ مُحْصَنَةً بِالتَّزْوِيجِ أَمْ لَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ مَنْ لَمْ يُحْصَنْ وَقَوْلُهُ تَعَالَى فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما على المحصنات من العذاب فِيهِ بَيَانُ مَنْ أُحْصِنَتْ فَحَصَلَ مِنَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَالْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ الْأَمَةَ الْمُحْصَنَةَ بِالتَّزْوِيجِ وَغَيْرَ الْمُحْصَنَةِ تُجْلَدُ وَهُوَ مَعْنَى مَا قَالَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَخَطَبَ النَّاسَ بِهِ فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي التَّقْيِيدِ في قوله تعالى فإذا أحصن مَعَ أَنَّ عَلَيْهَا نِصْفَ جَلْدِ الْحُرَّةِ سَوَاءٌ كَانَتِ الْأَمَةُ مُحْصَنَةً أَمْ لَا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْآيَةَ نَبَّهَتْ عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهَا إِلَّا نِصْفُ جَلْدِ الْحُرَّةِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَنْتَصِفُ وَأَمَّا الرَّجْمُ فَلَا ينتصف

فَلَيْسَ مُرَادًا فِي الْآيَةِ بِلَا شَكٍّ فَلَيْسَ لِلْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ الْمَوْطُوءَةِ فِي النِّكَاحِ حُكْمُ الْحُرَّةِ الْمَوْطُوءَةِ فِي النِّكَاحِ فَبَيَّنَتِ الْآيَةُ هَذَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْأَمَةَ الْمُزَوَّجَةَ تُرْجَمُ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تُرْجَمُ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُزَوَّجَةِ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ عَلَيْهَا نِصْفَ جَلْدِ الْمُزَوَّجَةِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْهَا حَدِيثُ مَالِكٍ هَذَا وَبَاقِي الرِّوَايَاتِ الْمُطْلَقَةِ إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْمُزَوَّجَةَ وَغَيْرَهَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ نِصْفِ الْجَلْدِ عَلَى الْأَمَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُزَوَّجَةً أَمْ لَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ لَمْ تَكُنْ مُزَوَّجَةً مِنَ الْإِمَاءِ وَالْعَبِيدِ ممن قاله بن عباس وطاوس وعطاء وبن جريج وأبو عبيدة قوله [1705] (قال علي زنت أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أجلدها فإذا هي حديث عهد بِنِفَاسٍ فَخَشِيتُ إِنْ أَنَا جَلَدْتُهَا أَنْ أَقْتُلَهَا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحْسَنْتَ) فِيهِ أَنَّ الْجَلْدَ وَاجِبٌ عَلَى الْأَمَةِ الزَّانِيَةِ وَأَنَّ النُّفَسَاءَ وَالْمَرِيضَةَ وَنَحْوَهُمَا يُؤَخَّرُ جَلْدُهُمَا إِلَى الْبُرْءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب حد الخمر قوله (إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي

(بَاب حَدِّ الْخَمْرِ قَوْلُهُ (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ وَفَعَلَهُ [1706] أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخَفُّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ) وَفِي رِوَايَةٍ جَلَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ وَدَنَا النَّاسُ مِنَ الرِّيفِ قَالَ مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ الْخَمْرِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا كَأَخَفِّ الْحُدُودِ قَالَ فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ بِالنِّعَالِ وَالْجَرِيدِ أَرْبَعِينَ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ جَلَدَ أَرْبَعِينَ ثُمَّ قَالَ لِلْجَلَّادِ أَمْسِكْ ثُمَّ قَالَ جَلَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ أَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخَفُّ الْحُدُودِ فَهُوَ بِنَصْبِ أَخَفَّ وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيِ اجْلِدْهُ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ أَوِ اجْعَلْهُ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقَوْلُهُ (أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا) يَعْنِي الْعُقُوبَةَ الَّتِي هِيَ حَدُّ الْخَمْرِ وَقَوْلُهُ أَخَفُّ الْحُدُودِ يَعْنِي)

الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا فِي الْقُرْآنِ وَهِيَ حَدُّ السَّرِقَةِ بقطع اليد وحد الزنى جلد مائة وحد القذف ثمانين فَاجْعَلْهَا ثَمَانِينَ كَأَخَفِّ هَذِهِ الْحُدُودِ وَفِي هَذَا جَوَازُ الْقِيَاسِ وَاسْتِحْبَابُ مُشَاوَرَةِ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي أَصْحَابَهُ وَحَاضِرِي مَجْلِسِهِ فِي الْأَحْكَامِ قَوْلُهُ [1707] (وَكُلٌّ سُنَّةٌ) مَعْنَاهُ أَنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ سُنَّةٌ يُعْمَلُ بِهَا وَكَذَا فِعْلُ عُمَرَ وَلَكِنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ

أَحَبُّ إِلَيَّ وَقَوْلُهُ (وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ) إِشَارَةً إِلَى الْأَرْبَعِينَ الَّتِي كَانَ جَلَدَهَا وَقَالَ لِلْجَلَّادِ أَمْسِكْ وَمَعْنَاهُ هَذَا الَّذِي قَدْ جَلَدْتَهُ وَهُوَ الْأَرْبَعُونَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الثَّمَانِينَ وَفِيهِ أَنَّ فِعْلَ الصَّحَابِيِّ سُنَّةٌ يُعْمَلُ بِهَا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْخَمْرُ فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى شَارِبِهَا سَوَاءٌ شَرِبَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِشُرْبِهَا وَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ هَكَذَا حَكَى الْإِجْمَاعَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ وَخَلَائِقُ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ طَائِفَةٍ شَاذَّةٍ أَنَّهُمْ قَالُوا يُقْتَلُ بَعْدَ جَلْدِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ وَهَذَا الْقَوْلُ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ وَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ قَالَ جَمَاعَةٌ دَلَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى نَسْخِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ نَسَخَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ دَمِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَدْرِ حَدِّ الْخَمْرِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَآخَرُونَ حَدُّهُ أَرْبَعُونَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَبْلُغَ بِهِ ثَمَانِينَ وَتَكُونُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ تَعْزِيرَاتٍ عَلَى تَسَبُّبِهِ فِي إِزَالَةِ عَقْلِهِ وَفِي تَعَرُّضِهِ لِلْقَذْفِ وَالْقَتْلِ وَأَنْوَاعِ الْإِيذَاءِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنِ الْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ قَالُوا حَدُّهُ ثَمَانُونَ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَأَنَّ فِعْلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لِلتَّحْدِيدِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى نَحْوَ أَرْبَعِينَ وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا جَلَدَ أَرْبَعِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ في الرواية الثانية وأما زيادة عمر فهي تعزيرات وَالتَّعْزِيرُ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ إِنْ شَاءَ فَعَلَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ فِي فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ فَرَآهُ عُمَرُ فَفَعَلَهُ وَلَمْ يَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عَلِيٌّ فَتَرَكُوهُ وَهَكَذَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ الزِّيَادَةَ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَأَمَّا الْأَرْبَعُونَ فَهِيَ الْحَدُّ الْمُقَدَّرُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَوْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ حَدًّا لَمْ يَتْرُكْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يَتْرُكْهَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ فِعْلِ عُمَرَ وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكُلٌّ سُنَّةٌ معناه الاقتصار

على الأربعين وبلوغ الثَّمَانِينَ فَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي تَقْتَضِيهِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ ولا يشكل شئ مِنْهَا ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ حَدُّ الْحُرِّ فَأَمَّا الْعَبْدُ فَعَلَى النِّصْفِ مِنَ الْحُرِّ كما في الزنى وَالْقَذْفِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الشَّارِبَ يُحَدُّ سَوَاءٌ سَكِرَ أَمْ لَا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ وَهُوَ مَا سِوَى عَصِيرِ الْعِنَبِ مِنَ الْأَنْبِذَةِ الْمُسْكِرَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ هُوَ حَرَامٌ يُجْلَدُ فِيهِ كَجَلْدِ شَارِبِ الْخَمْرِ الَّذِي هُوَ عَصِيرُ الْعِنَبِ سَوَاءٌ كَانَ يَعْتَقِدُ إِبَاحَتَهُ أَوْ تَحْرِيمَهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَحْرُمُ وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ هُوَ حَرَامٌ يُجْلَدُ بِشُرْبِهِ مَنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ دُونَ مَنْ يَعْتَقِدُ إِبَاحَتَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ فَنُسِبَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِسَبْقِهِ بِهِ وَنَسَبَهُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِفَضِيلَتِهِ وَكَثْرَةِ عِلْمِهِ وَرُجْحَانِهِ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدُ اللَّهِ الدَّانَاجُ) هُوَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَالْجِيمِ ويقال له أيضا الدانا بحذف الجيم والداناه بِالْهَاءِ وَمَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ الْعَالِمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حُضَيْنُ بْنُ الْمُنْذِرِ) هُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ حُضَيْنٌ بِالْمُعْجَمَةِ غَيْرُهُ قَوْلُهُ (فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا حُمْرَانُ أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّأُ فَقَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّأْ حَتَّى شَرِبَهَا ثُمَّ جَلَدَهُ) هَذَا دَلِيلٌ لِمَالِكٍ وَمُوَافِقِيهِ فِي أَنَّ مَنْ تَقَيَّأَ الْخَمْرَ يُحَدُّ حَدَّ الشَّارِبِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ شَرِبَهَا جَاهِلًا كَوْنَهَا خَمْرًا أَوْ مُكْرَهًا عَلَيْهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِلْحُدُودِ وَدَلِيلُ مَالِكٍ هُنَا قَوِيٌّ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اتَّفَقُوا عَلَى جَلْدِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ يُجِيبُ أَصْحَابُنَا عَنْ هَذَا بِأَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلِمَ شُرْبَ الْوَلِيدِ فَقَضَى بِعِلْمِهِ فِي الْحُدُودِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ عُثْمَانَ يَرُدُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يَا عَلِيُّ قُمْ فَاجْلِدْهُ فَقَالَ عَلِيٌّ قُمْ يَا حَسَنُ فَاجْلِدْهُ فَقَالَ حَسَنٌ وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا فَكَأَنَّهُ وَجَدَ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قُمْ فَاجْلِدْهُ فَجَلَدَهُ وَعَلِيٌّ يَعُدُّ حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِينَ فَقَالَ أَمْسِكْ) مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ الْحَدُّ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ الْإِمَامُ لِعَلِيٍّ عَلَى سَبِيلِ التَّكْرِيمِ لَهُ وَتَفْوِيضِ الْأَمْرِ إِلَيْهِ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ قُمْ فَاجْلِدْهُ أَيْ أَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ بِأَنْ تَأْمُرَ مَنْ تَرَى بِذَلِكَ فَقَبِلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ فَقَالَ لِلْحَسَنِ قُمْ فَاجْلِدْهُ فَامْتَنَعَ الْحَسَنُ فَقَالَ لِابْنِ جَعْفَرٍ فَقَبِلَ فَجَلَدَهُ وَكَانَ عَلِيٌّ مَأْذُونًا لَهُ فِي التَّفْوِيضِ إِلَى مَنْ رَأَى كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَوْلُهُ وَجَدَ عَلَيْهِ أَيْ غَضِبَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا الْحَارُّ الشَّدِيدُ الْمَكْرُوهُ وَالْقَارُّ الْبَارِدُ الْهَنِيءُ الطَّيِّبُ وَهَذَا مَثَلٌ مِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ وَلِّ شدتها وأوساخها من تولى هنيئها ولذاتها والضمير عَائِدٌ إِلَى الْخِلَافَةِ وَالْوِلَايَةِ أَيْ كَمَا أَنَّ عُثْمَانَ وَأَقَارِبَهُ يَتَوَلَّوْنَ هَنِيءَ الْخِلَافَةِ وَيَخْتَصُّونَ بِهِ يَتَوَلَّوْنَ نَكِدَهَا وَقَاذُورَاتِهَا وَمَعْنَاهُ لِيَتَوَلَّ هَذَا الْجَلْدَ عُثْمَانُ بِنَفْسِهِ أَوْ بَعْضُ خَاصَّةِ أَقَارِبِهِ الْأَدْنَيْنَ والله أعلم قوله (قال أمسك ثم قَالَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مُعَظِّمًا لِآثَارِ عُمَرَ وَأَنَّ حُكْمَهُ وَقَوْلَهُ سُنَّةٌ وَأَمْرَهُ حَقٌّ وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خِلَافَ مَا يَكْذِبُهُ الشِّيعَةُ عَلَيْهِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ هُنَا فِي مُسْلِمٍ مَا ظَاهِرُهُ أَنَّ عَلِيًّا جلد

الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ أَرْبَعِينَ وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَنَّ عَلِيًّا جَلَدَ ثَمَانِينَ وَهِيَ قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْجَلْدُ فِي الخمر ثمانين وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي قَلِيلِ الْخَمْرِ وَكَثِيرِهَا ثَمَانُونَ جَلْدَةً وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ جَلَدَ الْمَعْرُوفَ بِالنَّجَاشِيِّ ثَمَانِينَ قَالَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَى عُمَرَ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ ثَمَانِينَ كَمَا سَبَقَ عَنْ رِوَايَةِ الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ يُرَجِّحُ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى أَنَّهُ جَلَدَ الْوَلِيدَ ثَمَانِينَ قَالَ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الْأَرْبَعِينَ بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ جَلَدَهُ بِسَوْطٍ لَهُ رَأْسَانِ فَضَرَبَهُ بِرَأْسِهِ أَرْبَعِينَ فَتَكُونُ جُمْلَتُهَا ثَمَانِينَ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَهَذَا أَحَبُّ إلى عائد إلى الثمانين إلى فَعَلَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا يُخَالِفُ بَعْضَ مَا قَالَهُ وَذَكَرْنَا تَأْوِيلَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا كُنْتُ أُقِيمُ عَلَى أَحَدٍ حَدًّا فَيَمُوتُ فَأَجِدُ مِنْهُ في نفسي إِلَّا صَاحِبَ الْخَمْرِ لِأَنَّهُ إِنْ مَاتَ وَدَيْتُهُ لِأَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسُنَّهُ) أَمَّا أَبُو حَصِينٍ هَذَا فَهُوَ بِحَاءِ مَفْتُوحَةٍ وَصَادٍ مَكْسُورَةٍ وَاسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ عَاصِمٍ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ وَأَمَّا عُمَيْرُ بْنُ سَعِيدٍ فَهَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ عُمَيْرُ بْنُ سَعِيدٍ بِالْيَاءِ فِي عُمَيْرُ وَفِي سَعِيدٍ وهَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَجَمِيعِ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْأَسْمَاءِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَوَقَعَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ عُمَيْرُ بْنِ سَعْدٍ بِحَذْفِ الْيَاءِ مِنْ سَعِيدٍ وَهُوَ غَلَطٌ وَتَصْحِيفٌ إِمَّا مِنَ الْحُمَيْدِيِّ وَإِمَّا مِنْ بَعْضِ النَّاقِلِينَ عَنْهُ وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا فِي الْمَذْهَبِ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ بِحَذْفِ الْيَاءِ مِنَ الِاثْنَيْنِ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ وَالصَّوَابُ

(باب قدر أسواط التعزير [1708] قوله صلى الله عليه وسلم (لا

إِثْبَاتُ الْيَاءِ فِيهِمَا كَمَا سَبَقَ وَأَمَّا قَوْلُهُ (إِنْ مَاتَ وَدَيْتُهُ) فَهُوَ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَيْ غَرِمْتُ دِيَتَهُ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَجْهُ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ فَإِنَّهُ إِنْ مَاتَ وَدَيْتُهُ بِالْفَاءِ لَا بِاللَّامِ وَهَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ بِالْفَاءِ وَقَوْلُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسُنَّهُ) مَعْنَاهُ لَمْ يُقَدِّرْ فِيهِ حدا مضبوطا وقد أجمع العلماء علىأن مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَجَلَدَهُ الْإِمَامُ أَوْ جَلَّادُهُ الْحَدَّ الشَّرْعِيَّ فَمَاتَ فَلَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ لَا عَلَى الْإِمَامِ وَلَا عَلَى جَلَّادِهِ وَلَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَأَمَّا مَنْ مَاتَ مِنَ التَّعْزِيرِ فَمَذْهَبُنَا وُجُوبُ ضَمَانِهِ بِالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ وَفِي مَحَلِّ ضَمَانِهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهمَا تَجِبُ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِ الْإِمَامِ وَالثَّانِي تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَفِي الْكَفَّارَةِ عَلَى هَذَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَحَدُهُمَا فِي بَيْتِ الْمَالِ أَيْضًا وَالثَّانِي فِي مَالِ الْإِمَامِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ لَا ضَمَانَ فِيهِ لَا عَلَى الْإِمَامِ وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب قَدْرِ أَسْوَاطِ التَّعْزِيرِ [1708] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله عز وجل) ضبطوه يجلد بوجهين أحدهما بفتح الياء وكسر اللَّامِ وَالثَّانِي بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّعْزِيرِ هَلْ يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ فَمَا دُونَهَا وَلَا تجوز الزِّيَادَةُ أَمْ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَشْهَبُ الْمَالِكِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى جَوَازِ الزِّيَادَةِ ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالطَّحَاوِيُّ لَا ضَبْطَ لِعَدَدِ الضَّرَبَاتِ بَلْ ذَلِكَ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ الْحُدُودِ قَالُوا لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ضرب)

(باب الحدود كفارات لأهلها [1709] قوله صلى الله عليه وسلم

مَنْ نَقَشَ عَلَى خَاتَمِهِ مِائَةً وَضَرَبَ صَبِيًّا أَكْثَرَ مِنَ الْحَدِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَبْلُغُ بِهِ أَرْبَعِينَ وَقَالَ بن أَبِي لَيْلَى خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَعَنْ عُمَرَ لَا يُجَاوِزُ به ثمانين وعن بن أَبِي لَيْلَى رِوَايَةٌ أُخْرَى هُوَ دُونَ الْمِائَةِ وهو قول بن شبرمة وقال بن أبي ذئب وبن أَبِي يَحْيَى لَا يَضْرِبُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي الْأَدَبِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ لَا يَبْلُغُ بِتَعْزِيرِ كُلِّ إِنْسَانٍ أَدْنَى حُدُودِهِ فَلَا يَبْلُغُ بِتَعْزِيرِ الْعَبْدِ عِشْرِينَ وَلَا بِتَعْزِيرِ الْحُرِّ أَرْبَعِينَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يَبْلُغُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعِينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَبْلُغُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عِشْرِينَ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ جَاوَزُوا عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ وَتَأَوَّلَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَلَى أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ مُخْتَصًّا بِزَمَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ يَكْفِي الْجَانِيَ مِنْهُمْ هَذَا الْقَدْرَ وَهَذَا التَّأْوِيلُ ضَعِيفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ) أَخْبَرَنِي عمرو يعني بن الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَابَعَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ وَخَالَفَهُمَا الليث وسعيد بن أبي أيوب وبن لَهِيعَةَ فَرَوَوْهُ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ لَمْ يَذْكُرُوا عَنْ أَبِيهِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مسلم بن ابراهيم فقال بن جُرَيْجٍ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْهُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ الْقَوْلُ قَوْلُ اللَّيْثِ وَمَنْ تَابَعَهُ عَنْ بُكَيْرٍ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ قَوْلُ عَمْرٍو صَحِيحٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا [1709] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تبايعوني على أن لا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَسْرِقُوا ولا تقتلوا)

النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَلَا يَعْضَهُ بَعْضُنَا بَعْضًا فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَتَى مِنْكُمْ حَدًّا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ وَمَنْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَفِي الرِّوَايَةِ الأخرى بايعناه على أن لا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا نَزْنِيَ وَلَا نَسْرِقَ وَلَا نَقْتُلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ وَلَا نَنْتَهِبُ وَلَا نَعْصِيَ فَالْجَنَّةُ إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ فَإِنْ غَشِينَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَانَ قَضَاءُ ذلك الله تَعَالَى أما قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ وَفَى فَبِتَخْفِيفِ الْفَاءِ وَقَوْلُهُ وَلَا يَعْضَهْ هو بفتح الياء والضاد والمعجمة أي لا يستحب وَقِيلَ لَا يَأْتِي بِبُهْتَانٍ وَقِيلَ لَا يَأْتِي بِنَمِيمَةٍ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ وَمَوْضِعُ التَّخْصِيصِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلَى آخِرِهِ الْمُرَادُ بِهِ مَا سِوَى الشِّرْكِ وَإِلَّا فَالشِّرْكُ لَا يُغْفَرُ لَهُ وَتَكُونُ عُقُوبَتُهُ كَفَّارَةً لَهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا تَحْرِيمُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَمِنْهَا الدَّلَالَةُ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ

الْمَعَاصِيَ غَيْرَ الْكُفْرِ لَا يُقْطَعُ لِصَاحِبِهَا بِالنَّارِ إِذَا مَاتَ وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا بَلْ هُوَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّ الْخَوَارِجَ يُكَفِّرُونَ بِالْمَعَاصِي وَالْمُعْتَزِلَةَ يَقُولُونَ لَا يَكْفُرُ وَلَكِنْ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مَبْسُوطَةً بِدَلَائِلِهَا وَمِنْهَا أَنَّ مَنِ ارْتَكَبَ ذَنْبًا يُوجِبُ الْحَدَّ فَحُدَّ سَقَطَ عَنْهُ الْإِثْمُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ اسْتِدْلَالًا بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ وَقَفَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا أَدْرِي الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ قَالَ وَلَكِنَّ حَدِيثَ عُبَادَةَ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ أَصَحُّ إِسْنَادًا وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ قَبْلَ حَدِيثِ عُبَادَةَ فَلَمْ يَعْلَمْ ثُمَّ عَلِمَ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَمِنْ نَفِيسِ الْكَلَامِ وَجَزْلِهِ قَوْلُهُ وَلَا نَعْصِي فَالْجَنَّةُ إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ فَالْجَنَّةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَلَا نَعْصِيَ وَقَدْ يَعْصِي الْإِنْسَانُ بِغَيْرِ الذُّنُوبِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الرِّبَا وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَقَدْ يَتَجَنَّبُ الْمَعَاصِيَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ وَيُعْطَى أَجْرَهُ عَلَى ذَلِكَ وَتَكُونُ لَهُ مَعَاصٍ غَيْرَ ذَلِكَ فَيُجَازَى بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار أي هدر [1710] قوله

(باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار أي هدر [1710] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الخمس) العجماء بالمدهى كُلُّ الْحَيَوَانِ سِوَى الْآدَمِيِّ وَسُمِّيَتِ الْبَهِيمَةُ عَجْمَاءَ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ وَالْجُبَارُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ الْهَدَرُ فَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا أَتْلَفَتْ شَيْئًا بِالنَّهَارِ أَوْ أَتْلَفَتْ بِاللَّيْلِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ مَالِكِهَا أَوْ أَتْلَفَتْ شَيْئًا وَلَيْسَ مَعَهَا أَحَدٌ فَهَذَا غَيْرُ مَضْمُونٌ وَهُوَ مُرَادُ الْحَدِيثِ فَأَمَّا إِذَا كَانَ مَعَهَا سَائِقٌ أَوْ قَائِدٌ أَوْ رَاكِبٌ فَأَتْلَفَتْ بِيَدِهَا أَوْ بِرِجْلِهَا أَوْ فَمِهَا وَنَحْوِهِ وَجَبَ ضَمَانُهُ فِي مَالِ الَّذِي هُوَ مَعَهَا سَوَاءٌ كَانَ مَالِكًا أَوْ مُسْتَأْجِرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا أَوْ غَاصِبًا أَوْ مُودَعًا أَوْ وَكِيلًا أَوْ غَيْرَهُ إِلَّا أَنْ تُتْلِفَ آدَمِيًّا فَتَجِبُ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي مَعَهَا وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ وَالْمُرَادُ بِجُرْحِ الْعَجْمَاءِ إِتْلَافُهَا سَوَاءٌ كَانَ بِجُرْحٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ جِنَايَةَ الْبَهَائِمِ بِالنَّهَارِ لَا ضَمَانَ فِيهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَحَدٌ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا رَاكِبٌ أَوْ سَائِقٌ أَوْ قَائِدٌ فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى ضَمَانِ مَا أَتْلَفَتْهُ وَقَالَ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ لَا ضَمَانَ بِكُلِّ حَالٍ إِلَّا أَنْ يَحْمِلَهَا الَّذِي هُوَ مَعَهَا عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَقْصِدَهُ وَجُمْهُورُهُمْ عَلَى أَنَّ الضَّارِيَةَ مِنَ الدَّوَابِّ كَغَيْرِهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ يَضْمَنُ مَالِكُهَا مَا أَتْلَفَتْ وَكَذَا قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ يَضْمَنُ إِذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالْإِفْسَادِ لِأَنَّ عَلَيْهِ رَبْطُهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَأَمَّا إِذَا أَتْلَفَتْ لَيْلًا فَقَالَ مَالِكٌ يَضْمَنُ صَاحِبُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ)

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ يَضْمَنُ إِنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا ضَمَانَ فِيمَا أَتْلَفَتْهُ الْبَهَائِمُ لَا فِي لَيْلٍ وَلَا فِي نَهَارٍ وَجُمْهُورُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيمَا رَعَتْهُ نَهَارًا وَقَالَ اللَّيْثُ وَسَحْنُونٌ يَضْمَنُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ) فَمَعْنَاهُ أَنَّ الرَّجُلَ يَحْفِرُ مَعْدِنًا فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي مَوَاتٍ فَيَمُرُّ بِهَا مَارٌّ فَيَسْقُطُ فِيهَا فَيَمُوتُ أَوْ يَسْتَأْجِرُ أُجَرَاءَ يَعْمَلُونَ فِيهَا فَيَقَعُ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُونَ فَلَا ضَمَانَ فِي ذَلِكَ وَكَذَا الْبِئْرُ جُبَارٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَحْفِرُهَا فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي مَوَاتٍ فَيَقَعُ فِيهَا إِنْسَانٌ أَوْ غَيْرُهُ وَيَتْلَفُ فَلَا ضَمَانَ وَكَذَا لَوِ اسْتَأْجَرَهُ لِحَفْرِهَا فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ فَأَمَّا إِذَا حَفَرَ الْبِئْرَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَتَلِفَ فِيهَا إِنْسَانٌ فَيَجِبُ ضَمَانُهُ عَلَى عَاقِلَةِ حَافِرِهَا وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِ الْحَافِرِ وَإِنْ تَلِفَ بِهَا غَيْرُ الْآدَمِيِّ وَجَبَ ضَمَانُهُ فِي مَالِ الْحَافِرِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ) فَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِوُجُوبِ الْخُمُسِ فِيهِ وَهُوَ زَكَاةٌ عِنْدَنَا وَالرِّكَازُ هُوَ دفين الْجَاهِلِيَّةِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ العراق هوالمعدن وَهُمَا عِنْدَهُمْ لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَعَطَفَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَأَصْلُ الرِّكَازِ فِي اللُّغَةِ الثُّبُوتُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

كتاب الأقضية

( كتاب الأقضية) (باب اليمين على المدعى عليه قَالَ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقَضَاءُ فِي الْأَصْلِ إِحْكَامُ الشَّيْءِ وَالْفَرَاغُ مِنْهُ وَيَكُونُ الْقَضَاءُ إِمْضَاءَ الْحُكْمِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَقَضَيْنَا إِلَى بني اسرائيل وَسُمِّيَ الْحَاكِمُ قَاضِيًا لِأَنَّهُ يُمْضِي الْأَحْكَامَ وَيَحْكُمُهَا وَيَكُونُ قَضَى بِمَعْنَى أَوْجَبَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سُمِّيَ قَاضِيًا لِإِيجَابِهِ الْحُكْمَ عَلَى مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَسُمِّيَ حَاكِمًا لِمَنْعِهِ الظَّالِمَ مِنَ الظُّلْمِ يُقَالُ حَكَمْتُ الرَّجُلَ وَأَحْكَمْتُهُ إِذَا مَنَعْتُهُ وَسُمِّيَتْ حَكَمَةُ الدَّابَّةِ لِمَنْعِهَا الدَّابَّةَ مِنْ رُكُوبِهَا رَأْسَهَا وَسُمِّيَتِ الْحِكْمَةُ حِكْمَةً لِمَنْعِهَا النَّفْسَ مِنْ هَوَاهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1711] (لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالِهِمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَكَذَا رَوَى هَذَا الحديث البخاري ومسلم في صحيحهما مرفوعا من رواية بن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْأَصِيلِيُّ لَا يصح مرفوعا)

إنما هو قول بن عَبَّاسٍ كَذَا رَوَاهُ أَيُّوبُ وَنَافِعٌ الْجُمَحِيُّ عَنِ بن أبي مليكة عن بن عَبَّاسٍ قَالَ الْقَاضِي قَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ من رواية بن جُرَيْجٍ مَرْفُوعًا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي قُلْتُ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِأَسَانِيدِهِمَا عَنْ نَافِعِ بن عمر الجمحي عن بن أبي مليكة عن بن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْفُوعًا قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صحيح زيادة عن بن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لو يعطى الناس بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَاعِدَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ فَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْإِنْسَانِ فِيمَا يَدَّعِيهِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ بَلْ يَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ أَوْ تَصْدِيقِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ طَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِكْمَةَ فِي كَوْنِهِ لَا يُعْطَى بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أُعْطِيَ بِمُجَرَّدِهَا لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَاسْتُبِيحَ وَلَا يُمْكِنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَصُونَ مَالَهُ وَدَمَهُ وَأَمَّا الْمُدَّعِي فَيُمْكِنُهُ صِيَانَتُهُمَا بِالْبَيِّنَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا أَنَّ الْيَمِينَ تَتَوَجَّهُ عَلَى كُلِّ مَنِ ادُّعِيَ عَلَيْهِ حَقٌّ سَوَاءٌ كان بينه وبين المدعى اختلاطا أَمْ لَا وَقَالَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ إِنَّ الْيَمِينَ لَا تَتَوَجَّهُ إِلَّا عَلَى مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ خُلْطَةٌ لِئَلَّا يَبْتَذِلَ السُّفَهَاءُ أَهْلَ الْفَضْلِ بِتَحْلِيفِهِمْ مِرَارًا فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ فَاشْتُرِطَتِ الْخُلْطَةُ دَفْعًا لِهَذِهِ الْمَفْسَدَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْخُلْطَةِ فَقِيلَ هِيَ مَعْرِفَتُهُ بمعاملته ومدينته أبشاهد أَوْ بِشَاهِدَيْنِ وَقِيلَ تَكْفِي الشُّبْهَةُ وَقِيلَ هِيَ أَنْ تَلِيقَ بِهِ الدَّعْوَى بِمِثْلِهَا عَلَى مِثْلِهِ وَقِيلَ أَنْ يَلِيقَ بِهِ أَنْ يُعَامِلَهُ بِمِثْلِهَا وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ الْبَابِ وَلَا أَصْلَ لِاشْتِرَاطِ الْخُلْطَةِ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إِجْمَاعٍ

(باب وجوب الحكم بشاهد ويمين [1712] قوله (عن بن عباس رضي

(باب وجوب الحكم بشاهد ويمين [1712] قوله (عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ) فِيهِ جَوَازُ الْقَضَاءِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْكُوفِيُّونَ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَكَمُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالْأَنْدَلُسِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ لَا يُحْكَمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ وَقَالَ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ يُقْضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي فِي الْأَمْوَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْأَمْوَالُ وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعَلِيٌّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَفُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ وَسَائِرُ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَمُعْظَمُ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّهُ جَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي هذه المسألة من رواية علي وبن عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُمَارَةَ! بْنِ حَزْمٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شعبة رضي الله عنه قال الحفاظ أصح أحاديث الباب حديث بن عباس قال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا مَطْعَنَ لِأَحَدٍ فِي إِسْنَادِهِ قَالَ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فِي صِحَّتِهِ قَالَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمَا حسان والله أعلم بالصواب) باب بيان أن حكم الحاكم لا يغير الباطن [1713] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ مِنْهُ فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ بِهِ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ فَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ أَنْ يَكُونَ

أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ فَأَحْسَبُ أَنَّهُ صَادِقٌ فَأَقْضِي لَهُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ فَلْيَحْمِلْهَا أَوْ يَذَرْهَا أَمَّا أَلْحَنُ فَهُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَمَعْنَاهُ أَبْلَغُ وَأَعْلَمُ بِالْحُجَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ) مَعْنَاهُ التَّنْبِيهُ عَلَى حَالَةِ الْبَشَرِيَّةِ وَأَنَّ الْبَشَرَ لَا يَعْلَمُونَ مِنَ الْغَيْبِ وَبَوَاطِنِ الْأُمُورِ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يُطْلِعَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ فِي أُمُورِ الْأَحْكَامِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ بِالظَّاهِرِ وَاللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ فَيُحْكَمُ بِالْبَيِّنَةِ وَبِالْيَمِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الظَّاهِرِ مَعَ إِمْكَانِ كَوْنِهِ فِي الْبَاطِنِ خِلَافَ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا كُلِّفَ الْحُكْمَ بِالظَّاهِرِ وَهَذَا نَحْوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ وَفِي حَدِيثِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِيَ وَلَهَا شَأْنٌ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَأَطْلَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَاطِنِ أَمْرِ الْخَصْمَيْنِ فَحَكَمَ بِيَقِينِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى شَهَادَةٍ أَوْ يَمِينٍ لَكِنْ لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أُمَّتَهُ بِاتِّبَاعِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ أَجْرَى لَهُ حُكْمَهُمْ فِي عَدَمِ الِاطَّلَاعِ عَلَى بَاطِنِ الْأُمُورِ لِيَكُونَ حُكْمُ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ حُكْمَهُ فَأَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى أَحْكَامَهُ عَلَى الظَّاهِرِ الَّذِي يَسْتَوِي فِيهِ هُوَ وَغَيْرُهُ لِيَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَتَطِيبُ نُفُوسُ الْعِبَادِ لِلِانْقِيَادِ لِلْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى الْبَاطِنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ قِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظَّاهِرِ مُخَالِفٌ لِلْبَاطِنِ وَقَدِ اتَّفَقَ الْأُصُولِيُّونَ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقَرُّ عَلَى خَطَأٍ فِي الْأَحْكَامِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَقَاعِدَةِ الْأُصُولِيِّينَ لِأَنَّ مُرَادَ الْأُصُولِيِّينَ فِيمَا

حَكَمَ فِيهِ بِاجْتِهَادِهِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ خَطَأٌ فِيهِ خِلَافٌ الْأَكْثَرُونَ عَلَى جَوَازِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ فَالَّذِينَ جَوَّزُوهُ قَالُوا لَا يُقَرُّ عَلَى إِمْضَائِهِ بَلْ يُعْلِمُهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَيَتَدَارَكُهُ وَأَمَّا الَّذِي فِي الْحَدِيثِ فَمَعْنَاهُ إِذَا حَكَمَ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ كَالْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ فَهَذَا إِذَا وَقَعَ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرُهُ بَاطِنَهُ لَا يُسَمَّى الْحُكْمُ خَطَأً بَلِ الْحُكْمُ صَحِيحٌ بِنَاءً عَلَى مَا اسْتَقَرَّ بِهِ التَّكْلِيفُ وَهُوَ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِشَاهِدَيْنِ مَثَلًا فَإِنْ كَانَا شَاهِدَيْ زُورٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَالتَّقْصِيرُ مِنْهُمَا وَمِمَّنْ سَاعَدَهُمَا وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلَا حِيلَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا عَيْبَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا أَخْطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ فَإِنَّ هَذَا الَّذِي حَكَمَ بِهِ لَيْسَ هُوَ حُكْمَ الشَّرْعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُحِيلُ الْبَاطِنَ وَلَا يُحِلُّ حَرَامًا فَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَا زُورٍ لِإِنْسَانٍ بِمَالٍ فَحَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ لَمْ يَحِلَّ لِلْمَحْكُومِ لَهُ ذَلِكَ الْمَالُ وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِقَتْلٍ لَمْ يَحِلَّ لِلْوَلِيِّ قَتْلُهُ مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا وَإِنْ شَهِدَا بِالزُّورِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَمْ يَحِلَّ لِمَنْ عَلِمَ بِكَذِبِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُحِلُّ حُكْمُ الْحَاكِمِ الْفُرُوجَ دُونَ الْأَمْوَالِ فَقَالَ يَحِلُّ نِكَاحُ الْمَذْكُورَةِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصحيح ولا جماع مَنْ قَبْلَهُ وَمُخَالِفٌ لِقَاعِدَةٍ وَافَقَ هُوَ وَغَيْرُهُ عَلَيْهَا وَهِيَ أَنَّ الْأَبْضَاعَ أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ بِهِ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) مَعْنَاهُ إِنْ قَضَيْتُ لَهُ بِظَاهِرٍ يُخَالِفُ الباطن فهو حرام يؤول بِهِ إِلَى النَّارِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلْيَحْمِلْهَا أَوْ يَذَرْهَا) لَيْسَ مَعْنَاهُ التَّخْيِيرَ بَلْ هُوَ التَّهْدِيدُ وَالْوَعِيدُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وكقوله سبحانه اعملوا ما شئتم قَوْلُهُ (سَمِعَ لَجَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ أُمِّ سَلَمَةَ) هِيَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْجِيمِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ جَلَبَةُ خَصْمٍ بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ وَهُمَا صَحِيحَانِ وَالْجَلَبَةُ وَاللَّجَبَةُ اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ وَالْخَصْمُ هُنَا الْجَمَاعَةُ وَهُوَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ) هَذَا التَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمِ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الِاحْتِرَازَ

(باب قضية هند [1714] قوله (يا رسول الله إن أبا سفيان رجل

مِنَ الْكَافِرِ فَإِنَّ مَالَ الذِّمِّيِّ وَالْمُعَاهَدِ وَالْمُرْتَدِّ فِي هَذَا كَمَالِ الْمُسْلِمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب قَضِيَّةِ هِنْدٍ [1714] قَوْلُهُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعْطِينِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ) فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا 1 وُجُوبُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَمِنْهَا 2 وُجُوبُ نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ الْفُقَرَاءِ الصِّغَارِ وَمِنْهَا 3 أَنَّ النَّفَقَةَ مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ لَا بِالْأَمْدَادِ وَمَذْهَبُ أَصْحَابِنَا أَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ مُقَدَّرَةٌ بِالْأَمْدَادِ على الموسر كل يوم مدان وعلىالمعسر مُدٌّ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ مُدٌّ وَنِصْفٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَى أَصْحَابِنَا وَمِنْهَا 4 جَوَازُ سَمَاعِ كَلَامِ الْأَجْنَبِيَّةِ عِنْدَ الْإِفْتَاءِ وَالْحُكْمِ وَكَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ وَمِنْهَا 5 جَوَازُ ذِكْرِ الْإِنْسَانِ بِمَا يَكْرَهُهُ إِذَا كَانَ لِلِاسْتِفْتَاءِ وَالشَّكْوَى وَنَحْوِهِمَا وَمِنْهَا 6 أَنَّ مَنْ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ حَقٌّ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنِ اسْتِيفَائِهِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ قَدْرَ حَقِّهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا ومنع ذلك)

أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَمِنْهَا 7 جَوَازُ إِطْلَاقِ الْفَتْوَى وَيَكُونُ الْمُرَادُ تَعْلِيقَهَا بِثُبُوتِ مَا يَقُولُهُ الْمُسْتَفْتِي وَلَا يَحْتَاجُ الْمُفْتِي أَنْ يَقُولَ إِنْ ثَبَتَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَا وَكَذَا بَلْ يَجُوزُ لَهُ الْإِطْلَاقُ كَمَا أَطْلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ وَمِنْهَا 8 أَنَّ لِلْمَرْأَةِ مَدْخَلًا فِي كَفَالَةِ أَوْلَادِهَا وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِ أَبِيهِمْ قَالَ أَصْحَابُنَا إِذَا امْتَنَعَ الْأَبُ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْوَلَدِ الصَّغِيرِ أَوْ كَانَ غَائِبًا أَذِنَ الْقَاضِي لِأُمِّهِ فِي الْأَخْذِ مِنْ آلِ الْأَبِ أَوِ الِاسْتِقْرَاضِ عَلَيْهِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَى الصَّغِيرِ بِشَرْطِ أَهْلِيَّتِهَا وَهَلْ لَهَا الِاسْتِقْلَالُ بِالْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ بغير اذن القاضي فيه وجهان مَبْنِيَّانِ عَلَى وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا فِي أَنَّ إِذْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهِنْدٍ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ كَانَ إِفْتَاءً أَمْ قَضَاءً وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَانَ إِفْتَاءً وَأَنَّ هَذَا يَجْرِي فِي كُلِّ امْرَأَةٍ أَشْبَهَتْهَا فَيَجُوزُ وَالثَّانِي كَانَ قَضَاءً فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهَا إِلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْهَا 9 اعْتِمَادُ الْعُرْفِ فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا تَحْدِيدٌ شَرْعِيٌّ وَمِنْهَا 10 جَوَازُ خُرُوجِ المزَّوْجَةِ مِنْ بَيْتِهَا لِحَاجَتِهَا إِذَا أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا فِي ذَلِكَ أَوْ عَلِمَتْ رِضَاهُ بِهِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ الْكُوفِيِّينَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ يُقْضَي عَلَيْهِ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَلَا يُقْضَى فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الحديث للمسئلة لِأَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ كَانَتْ بِمَكَّةَ وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ حَاضِرًا بِهَا وَشَرْطُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ أَنْ يَكُونَ غَائِبًا عَنِ الْبَلَدِ أَوْ مُسْتَتِرًا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ أَوْ مُتَعَذِّرًا وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الشَّرْطُ فِي أَبِي سُفْيَانَ مَوْجُودًا فَلَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بَلْ هُوَ إِفْتَاءٌ كما سبق والله أعلم قوله (جَاءَتْ هِنْدٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ

وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُذِلَّهُمُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ وَمَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُعِزَّهُمُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيْضًا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَلَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ خِبَاءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرَادَتْ بِقَوْلِهِا أَهْلُ خِبَاءٍ نَفْسَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَنَّتْ عَنْهُ بِأَهْلِ الْخِبَاءِ إِجْلَالًا لَهُ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ بِأَهْلِ الْخِبَاءَ أَهْلَ بَيْتِهِ وَالْخِبَاءُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ مَسْكَنِ الرَّجُلِ وَدَارِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيْضًا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ فَمَعْنَاهُ وَسَتَزِيدِينَ مِنْ ذَلِكَ وَيَتَمَكَّنُ الْإِيمَانُ مِنْ قَلْبِكِ وَيَزِيدُ حُبُّكِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقْوَى رُجُوعُكِ عَنْ بُغْضِهِ وَأَصْلُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ آضَ يَئِيضُ أَيْضًا إِذَا رَجَعَ قَوْلُهَا فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ (إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ) أَيْ شَحِيحٌ وَبَخِيلٌ وَاخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا

(باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة والنهي عن

الْقَاضِي أَحَدُهُمَا مِسِّيكٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ وَالثَّانِي بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَشْهَرُ فِي رِوَايَاتِ الْمُحَدِّثِينَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَهُمَا جَمِيعًا لِلْمُبَالَغَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ مِنْ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ عِيَالَنَا قَالَ لَهَا لَا إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ لَا حَرَجَ ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ أَيْ لَا تُنْفِقِي إلا بالمعروف أولا حَرَجَ إِذَا لَمْ تُنْفِقِي إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ (بَاب النَّهْيِ عَنْ كَثْرَةِ الْمَسَائِلِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَالنَّهْيِ عَنْ مَنْعٍ وَهَاتِ (وَهُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ أداء حق لزمه أو طلب مالا يستحقه) ق [1715] وله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ) وفي الروايةِ الْأُخْرَى إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ وَمَنْعًا وَهَاتِ وَكَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ المال قال العلماء الرضى وَالسُّخْطُ وَالْكَرَاهَةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى الْمُرَادُ بِهَا أمره ونهيه وثوابه وعقابه أو ارادته الثوات لبعض العباد)

وَالْعِقَابَ لِبَعْضِهِمْ وَأَمَّا الِاعْتِصَامُ بِحَبْلِ اللَّهِ فَهُوَ التَّمَسُّكُ بِعَهْدِهِ وَهُوَ اتِّبَاعُ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ وَحُدُودِهِ وَالتَّأَدُّبِ بِأَدَبِهِ وَالْحَبْلُ يُطْلَقُ عَلَى الْعَهْدِ وَعَلَى الْأَمَانِ وَعَلَى الْوَصْلَةِ وَعَلَى السَّبَبِ وَأَصْلُهُ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ الْحَبْلَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ لِاسْتِمْسَاكِهِمْ بِالْحَبْلِ عِنْدَ شَدَائِدِ أُمُورِهِمْ وَيُوصِلُونَ بِهَا الْمُتَفَرِّقَ فَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْحَبْلِ لِهَذِهِ الْأُمُورِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَفَرَّقُوا فَهُوَ أَمْرٌ بِلُزُومِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَتَأَلُّفِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَهَذِهِ إِحْدَى قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَاعْلَمْ أَنَّ الثلاثة المرضية احداها أن يعبدوه الثانية أن لا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا الثَّالِثَةُ أَنْ يَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ وَلَا يَتَفَرَّقُوا وَأَمَّا قِيلَ وَقَالَ فَهُوَ الخوض في أخبار الناس وحكايات مالا يَعْنِي مِنْ أَحْوَالِهِمْ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ وَاخْتَلَفُوا فِي حَقِيقَةِ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا فِعْلَانِ فقيل مبنى لما لم يسم فاعله وقال فِعْلٌ مَاضٍ وَالثَّانِي أَنَّهُمَا اسْمَانِ مَجْرُورَانِ مُنَوَّنَانِ لِأَنَّ الْقِيلَ والْقَالَ وَالْقَوْلَ وَالْقَالَةَ كُلُّهُ بِمَعْنًى ومنه قوله ومن أصدق من الله قيلا وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ كَثُرَ الْقِيلُ وَالْقَالُ وَأَمَّا كَثْرَةُ السُّؤَالِ فَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْقَطْعُ فِي الْمَسَائِلِ وَالْإِكْثَارُ مِنَ السُّؤَالِ عَمَّا لَمْ يَقَعْ وَلَا تَدْعُو إِلَيْهِ حَاجَةٌ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَكَانَ السَّلَفُ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَيَرَوْنَهُ مِنَ التَّكَلُّفِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَفِي الصَّحِيحِ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ سُؤَالُ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَمَا فِي أَيْدِيهِمْ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ كَثْرَةُ السُّؤَالِ عَنْ أَخْبَارِ النَّاسِ وَأَحْدَاثِ الزمان ومالا يَعْنِي الْإِنْسَانَ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ قَدْ عُرِفَ هَذَا مِنَ النَّهْيِ عَنْ قِيلَ وَقَالَ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ كَثْرَةُ سُؤَالِ الْإِنْسَانِ عَنْ حَالِهِ وَتَفَاصِيلِ أَمْرِهِ فَيَدْخُلُ ذَلِكَ فِي سُؤَالِهِ عَمَّا لَا يَعْنِيهِ وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ حُصُولُ الْحَرَجِ في حق المسؤل فَإِنَّهُ قَدْ لَا يُؤْثِرُ إِخْبَارَهُ بِأَحْوَالِهِ فَإِنْ أَخْبَرَهُ شَقَّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَذَبَهُ فِي الْإِخْبَارِ أَوْ تَكَلَّفَ التَّعْرِيضَ لَحِقَتْهُ الْمَشَقَّةُ وَإِنْ أَهْمَلَ جَوَابَهُ ارْتَكَبَ سُوءَ الْأَدَبِ وَأَمَّا إِضَاعَةُ الْمَالِ فَهُوَ صَرْفُهُ فِي غَيْرِ وُجُوهِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَتَعْرِيضُهُ لِلتَّلَفِ وَسَبَبُ النَّهْيِ أَنَّهُ إِفْسَادٌ وَاللَّهُ لَا يجب الْمُفْسِدِينَ وَلِأَنَّهُ إِذَا أَضَاعَ مَالُهُ تَعَرَّضَ لِمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ وأَمَّا عُقُوقُ الْأُمَّهَاتِ فَحَرَامٌ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى عَدِّهِ مِنَ الْكَبَائِرِ وَكَذَلِكَ عُقُوقُ الْآبَاءِ مِنَ الْكَبَائِرِ وَإِنَّمَا

اقْتَصَرَ هُنَا عَلَى الْأُمَّهَاتِ لِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ آكَدُ مِنْ حُرْمَةِ الْآبَاءِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهُ السَّائِلُ مَنْ أَبَرُّ قَالَ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ ثُمَّ أَبَاكَ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ الْعُقُوقِ يَقَعُ لِلْأُمَّهَاتِ وَيَطْمَعُ الْأَوْلَادُ فِيهِنَّ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حَقِيقَةِ الْعُقُوقِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَأَمَّا وَأْدُ الْبَنَاتِ بِالْهَمْزِ فَهُوَ دَفْنُهُنَّ فِي حَيَاتِهِنَّ فَيَمُتْنَ تَحْتَ التُّرَابِ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ الْمُوبِقَاتِ لِأَنَّهُ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَتَضَمَّنُ أَيْضًا قَطِيعَةَ الرَّحِمِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْبَنَاتِ لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ الَّذِي كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمَنْعًا وَهَاتِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَلَا وَهَاتِ فَهُوَ بِكَسْرِ التَّاءِ مِنْ هَاتِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَمْنَعَ الرَّجُلُ مَا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ مِنَ الْحُقُوقِ أو يطلب مالا يَسْتَحِقُّهُ وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ ثَلَاثًا وَكَرِهَ ثَلَاثًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [593] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ ثَلَاثًا وَنَهَى عَنْ ثَلَاثٍ حَرَّمَ عُقُوقَ الْوَالِدِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ وَلَا وَهَاتِ وَنَهَى عَنْ ثَلَاثٍ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ) هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ إِنَّ النَّهْيَ لَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ خَرَجَ بِدَلِيلٍ آخَرَ وقَوْلُهُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ (عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنِ بن أَشْوَعَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ)

(باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ قوله

هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمْ خَالِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَشْوَعَ وَهُوَ تَابِعِيٌّ سَمِعَ يَزِيدَ بْنَ سَلَمَةَ الْجُعْفِيَّ الصَّحَابِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ التَّابِعِيُّ الثَّالِثُ الشَّعْبِيُّ وَالرَّابِعُ كَاتِبُ الْمُغِيرَةِ وَهُوَ وَرَّادٌ قَوْلُهُ (كَتَبَ الْمُغِيرَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَمَّا بَعْدُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْمُكَاتَبَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَيَبْدَأُ سَلَامٌ عَلَيْكَ كَمَا كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ السَّلَامُ على من اتبع الهدى (باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) هَذَا الْإِسْنَادُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمْ يَزِيدُ فَمَنْ بَعْدَهُ [1716] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ) قَالَ الْعُلَمَاءُ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي)

حَاكِمٍ عَالِمٍ أَهْلٍ لِلْحُكْمِ فَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ أَجْرٌ بِاجْتِهَادِهِ وَأَجْرٌ بِإِصَابَتِهِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ بِاجْتِهَادِهِ وَفِي الْحَدِيثِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ إِذَا أَرَادَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ قَالُوا فَأَمَّا مَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْحُكْمِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْحُكْمُ فَإِنْ حَكَمَ فَلَا أَجْرَ لَهُ بَلْ هُوَ آثِمٌ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ سَوَاءٌ وَافَقَ الْحَقَّ أم لا لأن إصابته اتفاقه لَيْسَتْ صَادِرَةً عَنْ أَصْلٍ شَرْعِيٍّ فَهُوَ عَاصٍ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ سَوَاءٌ وَافَقَ الصَّوَابَ أَمْ لَا وَهِيَ مَرْدُودَةٌ كُلُّهَا وَلَا يُعْذَرُ فِي شئ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فِي السُّنَنِ الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ قَاضٍ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِي النَّارِ قَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَقَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِخِلَافِهِ فَهُوَ فِي النَّارِ وَقَاضٍ قَضَى عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ أَمِ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَهُوَ مَنْ وَافَقَ الْحُكْمَ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَالْآخَرُ مُخْطِئٌ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِعُذْرِهِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ وَقَدِ احْتَجَّتِ الطَّائِفَتَانِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَمَّا الْأَوَّلُونَ الْقَائِلُونَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَقَالُوا قَدْ جُعِلَ لِلْمُجْتَهِدِ أَجْرٌ فَلَوْلَا إِصَابَتُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرٌ وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَقَالُوا سَمَّاهُ مُخْطِئًا ولو كَانَ مُصِيبًا لَمْ يُسَمِّهِ مُخْطِئًا وَأَمَّا الْأَجْرُ فَإِنَّهُ حَصَلَ لَهُ عَلَى تَعَبِهِ فِي الِاجْتِهَادِ قَالَ الْأَوَّلُونَ إِنَّمَا سَمَّاهُ مُخْطِئًا لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَخْطَأَ النَّصَّ أَوِ اجْتَهَدَ فِيمَا لَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي الِاجْتِهَادِ فِي لفروع فَأَمَّا أُصُولُ التَّوْحِيدِ فَالْمُصِيبُ فِيهَا وَاحِدٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ وَلَمْ يُخَالِفْ إِلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَبْتَرِيُّ وَدَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ فَصَوَّبَا الْمُجْتَهِدِينَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا قَالَ الْعُلَمَاءُ الظَّاهِرُ أنهما أراد الْمُجْتَهِدِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ دُونَ الْكُفَّارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب كراهة قضاء القاضي وهو غضبان [1717] قوله صلى الله

(بَاب كَرَاهَةِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ [1717] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَحْكُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ) فِيهِ النَّهْيُ عَنِ الْقَضَاءِ فِي حَالِ الْغَضَبِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَيَلْتَحِقُ بِالْغَضَبِ كُلُّ حَالٍ يَخْرُجُ الْحَاكِمُ فِيهَا عَنْ سَدَادِ النَّظَرِ وَاسْتِقَامَةِ الْحَالِ كَالشِّبَعِ الْمُفْرِطِ وَالْجُوعِ الْمُقْلِقِ وَالْهَمِّ وَالْفَرَحِ الْبَالِغِ وَمُدَافَعَةِ الْحَدَثِ وَتَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِأَمْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكُلُّ هَذِهِ الْأَحْوَالِ يُكْرَهُ لَهُ الْقَضَاءُ فِيهَا خَوْفًا مِنَ الْغَلَطِ فَإِنْ قَضَى فِيهَا صَحَّ قَضَاؤُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ وَقَالَ فِي اللقطة مالك وَلَهَا إِلَى آخِرِهِ وَكَانَ فِي حَالِ الْغَضَبِ والله أعلم)

(باب نقص الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور [1718] قوله

(باب نقص الْأَحْكَامِ الْبَاطِلَةِ وَرَدِّ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ [1718] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هذا ماليس مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ الرَّدُّ هُنَا بِمَعْنَى الْمَرْدُودِ وَمَعْنَاهُ فَهُوَ بَاطِلٌ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي رَدِّ كُلِّ الْبِدَعِ وَالْمُخْتَرَعَاتِ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ زِيَادَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ قَدْ يُعَانِدُ بَعْضُ الْفَاعِلِينَ فِي بِدْعَةٍ سَبَقَ إِلَيْهَا فَإِذَا احْتُجَّ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى يَقُولُ أَنَا مَا أَحْدَثْتُ شَيْئًا فَيُحْتَجُّ عَلَيْهِ بِالثَّانِيَةِ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيحُ بِرَدِّ كُلِّ الْمُحْدَثَاتِ سَوَاءٌ أَحْدَثَهَا الْفَاعِلُ أَوْ سُبِقَ بِإِحْدَاثِهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ إِنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَمَنْ قَالَ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ يَقُولُ هَذَا خَبَرُ وَاحِدٍ وَلَا يَكْفِي فِي إِثْبَاتِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْمُهِمَّةِ وَهَذَا جَوَابٌ فَاسِدٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ فِي ابطال المنكرات واشاعة الاستدلال به) باب بيان خير الشهود [1719] قَوْلُهُ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ الْبَابِ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي

بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بن عثمان عن بن أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ) هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُوهُ وَعَبْدُ الله بن عمرو بن عثمان وبن أبي عمرة وإسم بن أَبِي عَمْرَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُحْصَنٍ الْأَنْصَارِيُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1719] (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قبل أن يسئلها) وَفِي الْمُرَادِ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَأْوِيلَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا تَأْوِيلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِإِنْسَانٍ بِحَقٍّ وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ شَاهِدٌ فَيَأْتِي إِلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ بِأَنَّهُ شَاهِدٌ لَهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ المختصة بهم فما تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَالْوَقْفُ وَالْوَصَايَا الْعَامَّةُ وَالْحُدُودُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَمَنْ عَلِمَ شَيْئًا مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَجَبَ عَلَيْهِ رَفْعُهُ إِلَى الْقَاضِي وَإِعْلَامُهُ بِهِ وَالشَّهَادَةُ قَالَ اللَّهُ تعالى وأقيموا الشهادة لله وَكَذَا فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ يَلْزَمُ مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِإِنْسَانٍ لَا يَعْلَمُهَا أَنْ يُعْلِمَهُ إِيَّاهَا لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ لَهُ عِنْدَهُ وَحُكِيَ تَأْوِيلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَجَازِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ بَعْدَ طَلَبِهَا لَا قَبْلَهُ كَمَا يُقَالُ الْجَوَادُ يُعْطِي قَبْلَ السُّؤَالِ أَيْ يُعْطِي سَرِيعًا عَقِبَ السُّؤَالِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُنَاقَضَةٌ لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي ذَمِّ مَنْ يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَقَدْ تَأَوَّلَ الْعُلَمَاءُ هَذَا تَأْوِيلَاتٍ أَصَحُّهَا تَأْوِيلُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ مَعَهُ شَهَادَةٌ لِآدَمِيٍّ عَالِمٍ بِهَا فَيَأْتِي فَيَشْهَدُ بِهَا قَبْلَ أَنْ تُطْلَبَ مِنْهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى شَاهِدِ الزُّورِ فَيَشْهَدُ بِمَا لَا أَصْلَ لَهُ وَلَمْ يُسْتَشْهَدْ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يَنْتَصِبُ شَاهِدًا وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يَشْهَدُ لِقَوْمٍ بِالْجَنَّةِ أَوْ بالنَّارِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب اختلاف المجتهدين [1720] فيه حديث أبي هريرة في قضاء

(بَابُ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ [1720] فِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَضَاءِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ فِي الْوَلَدَيْنِ اللَّذَيْنِ أَخَذَ الذِّئْبُ أَحَدَهُمَا فَتَنَازَعَتْهُ أُمَّاهُمَا فَقَضَى بِهِ دَاوُدُ لِلْكُبْرَى فَلَمَّا مَرَّتَا بِسُلَيْمَانَ قَالَ أَقْطَعُهُ بَيْنَكُمَا نِصْفَيْنِ فَاعْتَرَفَتْ بِهِ الصُّغْرَى لِلْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ قَالَتِ الْكُبْرَى اقْطَعْهُ فَاسْتَدَلَّ سُلَيْمَانُ بِشَفَقَةِ الصُّغْرَى عَلَى أَنَّهَا أُمُّهُ وَأَمَّا الْكُبْرَى فَمَا كَرِهَتْ ذَلِكَ بَلْ أَرَادَتْهُ لِتُشَارِكَهَا صَاحِبَتُهَا فِي الْمُصِيبَةِ بِفَقْدِ وَلَدِهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ يَحْتَمِلُ أَنَّ دَاوُدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى لِشَبَهٍ رَآهُ فِيهَا أَوْ أَنَّهُ كَانَ فِي شَرِيعَتِهِ التَّرْجِيحُ بِالْكَبِيرِ أَوْ لِكَوْنِهِ كَانَ فِي يَدِهَا وَكَانَ ذَلِكَ مُرَجِّحًا فِي شَرْعِهِ وَأَمَّا سُلَيْمَانُ فَتَوَصَّلَ بِطَرِيقٍ مِنَ الْحِيلَةِ وَالْمُلَاطَفَةِ إِلَى مَعْرِفَةِ بَاطِنِ الْقَضِيَّةِ فَأَوْهَمَهُمَا أَنَّهُ يُرِيدُ قَطْعَهُ لِيَعْرِفَ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهَا قَطْعُهُ فَتَكُونُ هِيَ أُمَّهُ فَلَمَّا أَرَادَتِ الْكُبْرَى قَطْعَهُ عَرَفَ أَنَّهَا لَيْسَتْ أُمَّهُ فَلَمَّا قَالَتِ الصُّغْرَى مَا قَالَتْ عَرَفَ أَنَّهَا أُمُّهُ وَلَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَقْطَعُهُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا أَرَادَ اخْتِبَارَ شَفَقَتِهِمَا لِتَتَمَيَّزَ لَهُ الْأُمُّ فَلَمَّا تَمَيَّزَتْ بِمَا ذَكَرْتُ عَرَفَهَا وَلَعَلَّهُ اسْتَقَرَّ الْكُبْرَى فَأَقَرَّتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِهِ لِلصُّغْرَى فَحَكَمَ لِلصُّغْرَى بِالْإِقْرَارِ لَا بِمُجَرَّدِ الشَّفَقَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَمِثْلُ هَذَا يَفْعَلُهُ الْحُكَّامُ لِيَتَوَصَّلُوا بِهِ إِلَى حَقِيقَةِ الصَّوَابِ بِحَيْثُ إِذَا انْفَرَدَ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ حَكَمَ سُلَيْمَانُ بَعْدَ حُكْمِ دَاوُدَ فِي الْقِصَّةِ الْوَاحِدَةِ وَنَقَضَ حُكْمَهُ وَالْمُجْتَهِدُ لَا يَنْقُضُ حُكْمَ الْمُجْتَهِدِ فَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ مَذْكُورَةٍ أَحَدُهَا أَنَّ دَاوُدَ لَمْ يَكُنْ جَزَمَ بِالْحُكْمِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَتْوَى مِنْ دَاوُدَ لَا حُكْمًا وَالثَّالِثُ لَعَلَّهُ كَانَ فِي شَرْعِهِمْ فَسْخُ الْحُكْمِ إِذَا رَفَعَهُ الْخَصْمُ إِلَى حَاكِمٍ آخَرَ يَرَى خِلَافَهُ وَالرَّابِعُ أَنَّ سُلَيْمَانَ فَعَلَ ذَلِكَ حِيلَةً إِلَى إِظْهَارِ الْحَقِّ وَظُهُورِ الصِّدْقِ فَلَمَّا أَقَرَّتْ بِهِ الْكُبْرَى عَمِلَ بِإِقْرَارِهَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ كَمَا إِذَا اعْتَرَفَ الْمَحْكُومُ لَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّ الْحَقَّ هُنَا لِخَصْمِهِ قَوْلُهُ [1720] (فَقَالَتِ الصُّغْرَى لَا يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا) مَعْنَاهُ لَا تَشُقَّهُ وَتَمَّ)

(باب استحباب إصلاح الحاكم بين الخصمين [1721] ذكر في الباب

الْكَلَامُ ثُمَّ اسْتَأْنَفَتْ فَقَالَتْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ فِي مِثْلِ هَذَا بِالْوَاوِ فَيُقَالُ لَا وَيَرْحَمُكَ اللَّهُ قَوْلُهُ (السِّكِّينُ وَالْمُدْيَةُ) أَمَّا الْمُدْيَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وكسرها وفتحها سميت به لأنها تقطع مَدَى حَيَاةِ الْحَيَوَانِ وَالسِّكِّينُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ لُغَتَانِ وَيُقَالُ أَيْضًا سِكِّينَةٌ لِأَنَّهَا تُسَكِّنُ حَرَكَةَ الْحَيَوَانِ (بَاب اسْتِحْبَابِ إِصْلَاحِ الْحَاكِمِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ [1721] ذَكَرَ فِي الْبَابِ حَدِيثَ الرَّجُلِ الَّذِي بَاعَ الْعَقَارَ فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي فِيهِ جَرَّةَ ذَهَبٍ فَتَنَاكَرَاهُ فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمَا رَجُلٌ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَ أَحَدُهُمَا بِنْتَهُ بن الْآخَرِ وَيُنْفِقَا وَيَتَصَدَّقَا مِنْهُ فِيهِ فَضْلُ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ وَأَنَّ الْقَاضِيَ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِصْلَاحُ بين المتنازعين كما يستحب لغيره وقوله صَلَّى اللَّهُ [1721] عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اشْتَرَى رَجُلٌ عَقَارًا) هُوَ الْأَرْضُ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا وَحَقِيقَةُ الْعَقَارِ الْأَصْلُ سُمِّيَ بِذَلِكَ مِنَ الْعُقْرِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ الْأَصْلُ وَمِنْهُ عُقْرُ الدَّارِ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَالَ الَّذِي شَرَى الْأَرْضَ إِنَّمَا بِعْتُكَ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ شَرَى بغير)

(كتاب اللقطة هي بفتح القاف على اللغة المشهورة التي

أَلِفٍ وَفِي بَعْضِهَا اشْتَرَى بِالْأَلِفِ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَشَرَى هُنَا بِمَعْنَى بَاعَ كَمَا في قوله تعالى وشروه بثمن بخس وَلِهَذَا قَالَ فَقَالَ الَّذِي شَرَى الْأَرْضَ إِنَّمَا بِعْتُكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (كِتَاب اللُّقَطَةِ هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي قَالَهَا الْجُمْهُورُ وَاللُّغَةُ الثَّانِيَةُ لُقْطَةٌ بِإِسْكَانِهَا وَالثَّالِثَةُ لُقَاطَةٌ بِضَمِّ اللام والرابعة لقط بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْقَافِ [1722] قَوْلُهُ (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا قَالَ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ قَالَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أو للذئب قال فضالة الإبل قال مالك وَلَهَا مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا)

تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يَقَعُ اسْمُ الضَّالَّةِ إِلَّا عَلَى الْحَيَوَانِ يُقَالُ ضَلَّ الْإِنْسَانُ وَالْبَعِيرُ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْحَيَوَانِ وَهِيَ الضَّوَالُّ وَأَمَّا الْأَمْتِعَةُ وَمَا سِوَى الْحَيَوَانِ فَيُقَالُ لَهَا لُقَطَةٌ وَلَا يُقَالُ ضَالَّةٌ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ يُقَالُ لِلضَّوَالِّ الْهَوَامِي وَالْهَوَافِي وَاحِدَتُهَا هَامِيَةٌ وَهَافِيَةٌ وَهَمَتْ وَهَفَتْ وَهَمَلَتْ إِذَا ذَهَبَتْ عَلَى وَجْهِهَا بِلَا رَاعٍ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْرِفْ عِفَاصَهَا مَعْنَاهُ تَعْرِفُ لِتَعْلَمَ صِدْقَ وَاصِفِهَا مِنْ كَذِبِهِ وَلِئَلَّا يَخْتَلِطُ بِمَالِهِ وَيَشْتَبِهُ وَأَمَّا الْعِفَاصُ فَبِكَسْرِ الْعَيْنِ وَبِالْفَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وهو الوعاء التي تَكُونُ فِيهِ النَّفَقَةُ جِلْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَيُطْلَقُ الْعِفَاصُ أَيْضًا عَلَى الْجِلْدِ الَّذِي يَكُونُ عَلَى رَأْسِ الْقَارُورَةِ لِأَنَّهُ كَالْوِعَاءِ لَهُ فَأَمَّا الَّذِي يَدْخُلُ فِي فَمِ الْقَارُورَةِ مِنْ خَشَبٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ خِرْقَةٍ مَجْمُوعَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ الصِّمَامُ بِكَسْرِ الصَّادِ يُقَالُ عَفَصْتُهَا عَفْصًا إِذَا شَدَدْتُ الْعِفَاصَ عَلَيْهَا وَأَعْفَصْتُهَا إِعْفَاصًا إِذَا جَعَلْتُ لَهَا عِفَاصًا وَأَمَّا الْوِكَاءُ فَهُوَ الْخَيْطُ الذي يشد به الوعاء يقال أو كيته إِيكَاءً فَهُوَ مُوكًى بِلَا هَمْزٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَشَأْنَكَ بِهَا) هُوَ بِنَصْبِ النُّونِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَعَهَا سِقَاؤُهَا) فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا تَقْوَى عَلَى وُرُودِ الْمِيَاهِ وَتَشْرَبُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ وَتَمْلَأُ كِرْشَهَا بِحَيْثُ يَكْفِيهَا الْأَيَّامَ وَأَمَّا حِذَاؤُهَا

فَبِالْمَدِّ وَهُوَ أَخْفَافُهَا لِأَنَّهَا تَقْوَى بِهَا عَلَى السَّيْرِ وَقَطْعِ الْمَفَاوِزِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ قَوْلِ رَبُّ الْمَالِ وَرَبُّ الْمَتَاعِ وَرَبُّ الْمَاشِيَةِ بِمَعْنَى صَاحِبُهَا الْآدَمِيُّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ إِضَافَتَهُ إلى ماله رُوحٌ دُونَ الْمَالِ وَالدَّارِ وَنَحْوِهِ وَهَذَا غَلَطٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ جَاءَ ربها فأدها إليه وحتى يَلْقَاهَا رَبُّهَا وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِدْخَالُ رَبِّ الصُّرَيْمَةِ وَالْغُنَيْمَةِ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً) فَمَعْنَاهُ إِذَا أَخَذْتَهَا فَعَرِّفْهَا سَنَةً فَأَمَّا الْأَخْذُ فَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ مُسْتَحَبٌّ فِيهِ مَذَاهِبُ وَمُخْتَصَرُ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا عِنْدَهُمْ يُسْتَحَبُّ وَلَا يَجِبُ وَالثَّانِي يَجِبُ وَالثَّالِثُ إِنْ كَانَتِ اللُّقَطَةُ فِي مَوْضِعٍ يَأْمَنُ عَلَيْهَا إِذَا تَرَكَهَا اسْتُحِبَّ الْأَخْذُ وَإِلَّا وَجَبَ وَأَمَّا تَعْرِيفُ سَنَةٍ فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِهِ إِذَا كَانَتِ اللُّقَطَةُ لَيْسَتْ تَافِهَةً وَلَا فِي مَعْنَى التَّافِهَةِ وَلَمْ يُرِدْ حِفْظَهَا عَلَى صَاحِبهَا بَلْ أَرَادَ تَمَلُّكَهَا وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهَا سَنَةً بِالْإِجْمَاعِ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُرِدْ تَمَلُّكَهَا بَلْ أَرَادَ حِفْظَهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَهَلْ يَلْزَمُهُ التَّعْرِيفُ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُهُ بَلْ إِنْ جاء صاحبها وأثبتها دفعها إليه والادام حِفْظُهَا وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّعْرِيفُ لِئَلَّا تَضِيعَ عَلَى صَاحِبِهَا فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَيْنَ هِيَ حَتَّى يَطْلُبَهَا فَوَجَبَ تَعْرِيفُهَا وَأَمَّا الشَّيْءُ الْحَقِيرُ فَيَجِبُ تَعْرِيفُهُ زَمَنًا يُظَنُّ أَنَّ فَاقِدَهُ لَا يَطْلُبُهُ فِي الْعَادَةِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالتَّعْرِيفُ أَنْ يَنْشُدَهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ وَفِي الْأَسْوَاقِ وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ فَيَقُولُ مَنْ ضَاعَ مِنْهُ شَيْءٌ مَنْ ضَاعَ مِنْهُ حَيَوَانٌ مَنْ ضَاعَ مِنْهُ دَرَاهِمُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْعَادَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَيُعَرِّفُهَا أَوَّلًا فِي كُلِّ يَوْمٍ ثُمَّ فِي الْأُسْبُوعِ ثُمَّ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا) مَعْنَاهُ إِنْ جَاءَهَا صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ لَكَ أَنْ تَتَمَلَّكَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا إِذَا عَرَّفَهَا فَجَاءَ صَاحِبُهَا فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ التَّعْرِيفِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا وَقَبْلَ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا الْمُلْتَقِطُ فَأَثْبَتَ أَنَّهُ صَاحِبُهَا أَخَذَهَا بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ فَالْمُتَّصِلَةُ كَالسِّمَنِ فِي الْحَيَوَانِ وَتَعْلِيمِ صَنْعَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْمُنْفَصِلَةُ كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ وَاكْتِسَابِ الْعَبْدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا إِنْ جَاءَ مَنْ يَدَّعِيهَا وَلَمْ يُثْبِتْ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يصدقه الملتقط

لَمْ يَجُزْ لَهُ دَفْعُهَا إِلَيْهِ وَإِنْ صَدَّقَهُ جَازَ لَهُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ هَذَا كُلُّهُ إِذَا جَاءَ قَبْلَ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا الْمُلْتَقِطُ فَأَمَّا إِذَا عَرَّفَهَا سَنَةً وَلَمْ يَجِدْ صَاحِبَهَا فَلَهُ أَنْ يُدِيمَ حِفْظَهَا لصَاحِبِهَا وَلَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَإِنْ أَرَادَ تَمَلُّكَهَا فَمَتَى يَمْلِكُهَا فِيهِ أَوْجُهٌ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهَا لَا يَمْلِكُهَا حَتَّى يَتَلَفَّظَ بِالتَّمَلُّكِ بِأَنْ يَقُولَ تَمَلَّكْتُهَا أَوِ اخْتَرْتُ تَمَلُّكَهَا وَالثَّانِي لَا يَمْلِكُهَا إِلَّا بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَالثَّالِثُ يَكْفِيهِ نِيَّةُ التَّمَلُّكِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى لَفْظٍ وَالرَّابِعُ يَمْلِكُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ السَّنَةِ فَإِذَا تَمَلَّكَهَا وَلَمْ يَظْهَرْ لَهَا صَاحِبٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ كَسْبٌ مِنْ أَكْسَابِهِ لَا مُطَالَبَةَ عَلَيْهِ بِهِ فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا بَعْدَ تَمَلُّكِهَا أَخَذَهَا بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ دُونَ الْمُنْفَصِلَةِ فَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَلِفَتْ بَعْدَ التَّمَلُّكِ لَزِمَ الْمُلْتَقِطَ بَدَلُهَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ دَاوُدُ لَا يَلْزَمُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَضَالَّةُ الْغَنَمِ قَالَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ) مَعْنَاهُ الْإِذْنُ فِي أَخْذِهَا بِخِلَافِ الْإِبِلِ وَفَرَّقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا وَبَيَّنَ الْفَرْقَ بِأَنَّ الْإِبِلَ مُسْتَغْنِيَةٌ عَنْ مَنْ يَحْفَظُهَا لِاسْتِقْلَالِهَا بِحِذَائِهَا وَسِقَائِهَا وَوُرُودِهَا الْمَاءَ وَالشَّجَرَ وَامْتِنَاعِهَا مِنَ الذِّئَابِ وَغَيْرِهَا مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ وَالْغَنَمُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلَكَ أَنْ تَأْخُذَهَا أَنْتَ أَوْ صَاحِبُهَا أَوْ أَخُوكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي يَمُرُّ بِهَا أَوِ الذِّئْبُ فَلِهَذَا جَازَ أَخْذُهَا دُونَ الْإِبِلِ ثُمَّ إِذَا أَخَذَهَا وَعَرَّفَهَا سَنَةً وَأَكَلَهَا ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا لَزِمَتْهُ غَرَامَتُهَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَلْزَمُهُ غَرَامَتُهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ غَرَامَةً وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ وَأَجَابُوا عَنْ دَلِيلِ مَالِكٍ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْغَرَامَةَ وَلَا نَفَاهَا وَقَدْ عُرِفَ وُجُوبُهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا) هَذَا رُبَّمَا أَوْهَمَ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْوِكَاءِ وَالْعِفَاصِ تَتَأَخَّرُ عَلَى تَعْرِيفِهَا سَنَةً وَبَاقِي الرِّوَايَاتِ صَرِيحَةٌ فِي تَقْدِيمِ الْمَعْرِفَةِ عَلَى التَّعْرِيفِ فَيُجَابُ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ هَذِهِ مَعْرِفَةٌ أُخْرَى وَيَكُونُ مَأْمُورًا بِمَعْرِفَتَيْنِ فَيَتَعَرَّفُهَا أَوَّلَ مَا يَلْتَقِطُهَا حَتَّى يَعْلَمَ صِدْقَ وَاصِفِهَا إِذَا وَصَفَهَا وَلِئَلَّا تَخْتَلِطَ وَتَشْتَبِهَ فَإِذَا عَرَّفَهَا سَنَةً وَأَرَادَ تَمَلُّكَهَا اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَتَعَرَّفَهَا أَيْضًا مَرَّةً أُخْرَى تَعَرُّفًا وَافِيًا مُحَقَّقًا لِيَعْلَمَ قَدْرَهَا وَصِفَتَهَا فَيَرُدَّهَا إِلَى صَاحِبِهَا إِذَا جَاءَ بَعْدَ تَمَلُّكِهَا وَتَلَفِهَا وَمَعْنَى اسْتَنْفِقْ بِهَا تَمَلَّكْهَا ثُمَّ أَنْفِقْهَا عَلَى نَفْسِكَ قَوْلُهُ (فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ أَوِ احْمَرَّ وَجْهُهُ ثُمَّ قال مالك وَلَهَا) الْوَجْنَةُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَفِيهَا لُغَةٌ رَابِعَةٌ أُجْنَةٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَهِيَ اللَّحْمُ الْمُرْتَفِعُ مِنَ الْخَدَّيْنِ وَيُقَالُ رَجُلٌ مُوجِنٌ وَوَاجِنٌ أَيْ عَظِيمُ الْوَجْنَةِ وَجَمْعُهَا وَجَنَاتٌ وَيَجِيءُ فِيهَا اللُّغَاتُ الْمَعْرُوفَةُ فِي جَمْعِ قَصْعَةٍ وَحُجْرَةٍ وَكِسْرَةٍ وَفِيهِ جَوَازُ الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ فِي حَالِ الْغَضَبِ وَأَنَّهُ نَافِذٌ لَكِنْ يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي حَقِّنَا وَلَا يُكْرَهُ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ فِي الْغَضَبِ مَا يُخَافُ عَلَيْنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فإن لم يجيء صَاحِبُهَا كَانَتْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إِلَيْهِ مَعْنَاهُ تَكُونُ أَمَانَةً عندك بعد السنة مالم تَتَمَلَّكْهَا فَإِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْكَ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مَنْعَهُ مِنْ تَمَلُّكِهَا بَلْ لَهُ تَمَلُّكُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لِلْأَحَادِيثِ الْبَاقِيَةِ الصَّرِيحَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا فَاسْتَنْفِقْهَا وَقَدْ أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَذَا فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ أَيْ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ صَاحِبِهَا بَلْ مَتَى جَاءَهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ إِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَإِلَّا فَبَدَلَهَا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إِلَيْهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ صَاحِبِهَا

بِالْكُلِّيَّةِ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا بَعْدَ التَّمْلِيكِ ضَمِنَهَا الْمُتَمَلِّكُ إِلَّا دَاوُدَ فَأَسْقَطَ الضَّمَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَفَ عِفَاصَهَا وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ) فِي هَذَا دَلَالَةٌ لِمَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَقُولُ إِذَا جَاءَ مَنْ وَصَفَ اللُّقَطَةَ بِصِفَاتِهَا وَجَبَ دَفْعُهَا إِلَيْهِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ لَا يَجِبُ دَفْعُهَا إِلَيْهِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَتَأَوَّلُونَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إِذَا صَدَّقَهُ جَازَ لَهُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ وَلَا يَجِبُ فَالْأَمْرُ بِدَفْعِهَا بِمُجَرَّدِ تَصْدِيقِهِ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَاتِ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ (عَرِّفْهَا سَنَةً) [1723] وَفِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ

(أمر بتعريفها ثلاث سنين وفي رواية سنة واحدة وفي

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَرَ بِتَعْرِيفِهَا ثَلَاثَ سِنِينَ وَفِي رِوَايَةٍ سَنَةً وَاحِدَةً وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الرَّاوِيَ شَكَّ قَالَ لَا أَدْرِي قَالَ حَوْلٌ أَوْ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَامَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قِيلَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُطْرَحَ الشَّكُّ وَالزِّيَادَةُ وَيَكُونُ الْمُرَادُ سَنَةً فِي رِوَايَةِ الشَّكِّ وَتُرَدُّ الزِّيَادَةُ لِمُخَالَفَتِهَا بَاقِي الْأَحَادِيثِ وَالثَّانِي أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ فَرِوَايَةُ زَيْدٍ فِي التَّعْرِيفِ سَنَةً محمولة على أقل ما يجزئ وَرِوَايَةُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي التَّعْرِيفِ ثَلَاثَ سِنِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْوَرَعِ وَزِيَادَةِ الْفَضِيلَةِ قَالَ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِتَعْرِيفِ سَنَةٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ تَعْرِيفَ ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ إِلَّا ما روى)

عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ

(باب تحريم حلب الماشية بغير إذن مالكها قوله [1726] صلى

[1724] قَوْلُهُ (نَهَى عَنْ لُقَطَةِ الْحَاجِّ) يَعْنِي عَنِ الْتِقَاطِهَا لِلتَّمَلُّكِ وَأَمَّا الْتِقَاطُهَا لِلْحِفْظِ فَقَطْ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ وَقَدْ أَوْضَحَ هَذَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ آوَى ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا) هَذَا دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُ اللُّقَطَةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَرَادَ تَمَلُّكَهَا أَوْ حِفْظَهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالضَّالَّةِ هُنَا ضَالَّةَ الْإِبِلِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا لِلتَّمَلُّكِ بَلْ إِنَّهَا تُلْتَقَطُ لِلْحِفْظِ عَلَى صَاحِبِهَا فَيَكُونُ مَعْنَاهُ مَنْ آوى ضالة فهو ضال مالم يُعَرِّفْهَا أَبَدًا وَلَا يَتَمَلَّكُهَا وَالْمُرَادُ بِالضَّالِّ الْمُفَارِقُ لِلصَّوَابِ وَفِي جَمِيعِ أَحَادِيثِ الْبَابِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْتِقَاطَ اللُّقَطَةِ وَتَمَلُّكَهَا لَا يَفْتَقِرُ إِلَى حكم حاكم ولا إلى إذن السلطان وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَفِيهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب تَحْرِيمِ حَلْبِ الْمَاشِيَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهَا قَوْلُهُ [1726] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ فَتُكْسَرَ)

خِزَانَتُهُ فَيُنْتَقَلُ طَعَامُهُ فَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ فَلَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ) وَفِي رِوَايَاتٍ فَيُنْتَثَلَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فِي آخِرِهِ بَدَلَ الْقَافِ وَمَعْنَى يُنْتَثَلُ يُنْثَرُ كُلُّهُ وَيُرْمَى الْمَشْرُبَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَفِي الرَّاءِ لُغَتَانِ الضَّمُّ وَالْفَتْحُ وَهِيَ كَالْغُرْفَةِ يُخْزَنُ فِيهَا الطَّعَامُ وَغَيْرُهُ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ بِالطَّعَامِ الْمَخْزُونِ الْمَحْفُوظِ فِي الْخِزَانَةِ فِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَخْذُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَفِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا تَحْرِيمُ أَخْذِ مَالِ الْإِنْسَانِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَالْأَكْلِ مِنْهُ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بين اللبن وغيره وسواء المحتاج وَغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ الْمُحْتَاجُ وَغَيْرُهُ إِلَّا الْمُضْطَرَّ الَّذِي لَا يَجِدُ مَيْتَةً وَيَجِدُ طَعَامًا لِغَيْرِهِ فَيَأْكُلُ الطَّعَامَ لِلضَّرُورَةِ وَيَلْزَمُهُ بَدَلُهُ لِمَالِكِهِ عِنْدنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ وَبَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ لَا يَلْزَمُهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ فَإِنْ وَجَدَ مَيْتَةً وَطَعَامًا لِغَيْرِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ لِلْعُلَمَاءِ وَفِي مَذْهَبِنَا الْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَكْلُ الْمَيْتَةِ أَمَّا غَيْرُ الْمُضْطَرِّ إِذَا كَانَ لَهُ إِدْلَالٌ عَلَى صَاحِبِ اللَّبَنِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الطَّعَامِ بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَوْ يَظُنُّ أَنَّ نَفْسَهُ تَطِيبُ بِأَكْلِهِ مِنْهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَلَهُ الْأَكْلُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ هَذَا مَرَّاتٍ وَأَمَّا شُرْبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَهُمَا قَاصِدَانِ الْمَدِينَةَ فِي الْهِجْرَةِ مِنْ لَبَنِ غَنَمِ الرَّاعِي فَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ وَجْهِهِ وَأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا شَرِبَاهُ إِدْلَالًا عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَعْرِفَانِهِ أَوْ أَنَّهُ أُذِنَ لِلرَّاعِي أَنْ يَسْقِيَ مِنْهُ مَنْ مَرَّ بِهِ أَوْ أَنَّهُ كَانَ عَرَّفَهُمْ إِبَاحَةَ ذَلِكَ أَوْ أَنَّهُ مَالُ حَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ

(باب الضيافة ونحوها [48] قوله صلى الله عليه وسلم (من كان

أَيْضًا إِثْبَاتُ الْقِيَاسِ وَالتَّمْثِيلِ فِي الْمَسَائِلِ وَفِيهِ أن اللبن يسمى طعاما فيحنث به مَنْ حَلَفَ لَا يَتَنَاوَلُ طَعَامًا إِلَّا أَنْ يكون لَهُ نِيَّةٌ تُخْرِجُ اللَّبَنَ وَفِيهِ أَنَّ بَيْعَ لَبَنِ الشَّاةِ بِشَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بَاطِلٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَجَوَّزَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب الضِّيَافَةِ وَنَحْوُهَا [48] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ قَالُوا وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامِ فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ) وَقَالَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ وَفِي رِوَايَةٍ الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَجَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ أَخِيهِ حَتَّى يُؤْثِمَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يُؤْثِمُهُ قَالَ يُقِيمُ عِنْدَهُ وَلَا شئ له يقر بِهِ وَفِي رِوَايَةٍ إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى الْأَمْرِ بِالضِّيَافَةِ وَالِاهْتِمَامِ بِهَا وَعَظِيمِ مَوْقِعِهَا وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الضِّيَافَةِ وَأَنَّهَا مِنْ مُتَأَكِّدَاتِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تعالى والجمهور هي سنة ليست بوجبة وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَحْمَدُ هِيَ وَاجِبَةٌ يَوْمًا وَلَيْلَةً قال أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هِيَ وَاجِبَةٌ يَوْمًا وَلَيْلَةً عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَأَهْلِ)

الْقُرَى دُونَ أَهْلِ الْمُدُنِ وَتَأَوَّلَ الْجُمْهُورُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَأَشْبَاهَهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَتَأَكُّدِ حَقِّ الضَّيْفِ كَحَدِيثِ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ أَيْ مُتَأَكِّدُ الِاسْتِحْبَابِ وَتَأَوَّلَهَا الْخَطَّابِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ عَلَى الْمُضْطَرِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ الِاهْتِمَامُ بِهِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَإِتْحَافُهُ بِمَا يُمْكِنُ مِنْ بِرٍّ وَإِلْطَافٍ وَأَمَّا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَيُطْعِمُهُ مَا تَيَسَّرَ وَلَا يَزِيدُ عَلَى عَادَتِهِ وَأَمَّا مَا كَانَ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَمَعْرُوفٌ إِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ قَالُوا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُ حَتَّى يُؤْثِمَهُ مَعْنَاهُ لَا يَحِلُّ لِلضَّيْفِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُ بَعْدَ الثَّلَاثِ حَتَّى يُوقِعَهُ فِي الْإِثْمِ لِأَنَّهُ قَدْ يَغْتَابُهُ لطُولِ مَقَامِهِ أَوْ يُعَرِّضُ لَهُ بِمَا يُؤْذِيهِ أو يظن به مالا يَجُوزُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظن إثم وَهَذَا كُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا أَقَامَ بَعْدَ الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْعَاءٍ مِنَ الْمُضِيفِ أَمَّا إِذَا اسْتَدْعَاهُ وَطَلَبَ زِيَادَةَ إِقَامَتِهِ أَوْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ إِقَامَتَهُ فَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا كَانَ لِكَوْنِهِ يُؤْثِمُهُ وَقَدْ زَالَ هَذَا الْمَعْنَى وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَلَوْ شَكَّ فِي حَالِ الْمُضِيفِ هَلْ تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ وَيَلْحَقُهُ بِهَا حَرَجٌ أَمْ لَا تَحِلُّ الزِّيَادَةُ إِلَّا بِإِذْنِهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ فَقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ مَبْسُوطًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ الْإِمْسَاكُ عَنِ الْكَلَامِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ خير ولا شر لأنه مما لايعنيه ومن حسن إسلام المرء تركه مالا يَعْنِيهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَنْجَرُّ الْكَلَامُ الْمُبَاحُ إِلَى حَرَامٍ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْعَادَةِ وَكَثِيرٌ وَاللَّهُ

أَعْلَمُ [1727] وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا مِنْهُمْ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ) فَقَدْ حَمَلَهُ اللَّيْثُ وَأَحْمَدُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَتَأَوَّلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُضْطَرِّينَ فَإِنَّ ضِيَافَتَهُمْ وَاجِبَةٌ فَإِذَا لَمْ يُضِيفُوهُمْ فَلَهُمْ أن يأخذوا حاجتهم من مال الممتسين وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِنْ أَعْرَاضِهِمْ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَذْكُرُونَ لِلنَّاسِ لُؤْمَهُمْ وَبُخْلَهُمْ وَالْعَيْبَ عَلَيْهِمْ وَذَمَّهُمْ وَالثَّالِثُ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَكَانَتِ الْمُوَاسَاةُ وَاجِبَةً فَلَمَّا اتَّسَعَ الْإِسْلَامُ نُسِخَ ذَلِكَ هَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي وَهُوَ تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ قَائِلُهُ لَا يُعْرَفُ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ مَرَّ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ شُرِطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةُ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَ المسلمين وهذا أيضا ضعيف إنما صار هذا في زمن عمر رضي الله عنه قوله (عن أبي شريح العدوي) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ هُوَ وَاحِدٌ يُقَالُ لَهُ الْعَدَوِيُّ وَالْخُزَاعِيُّ وَالْكَعْبِيُّ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (ولا شئ لَهُ يَقْرِيهِ) هُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَلَا يَقْرُونَنَا بِفَتْحِ أَوَّلِهِ يقال قريت الضيف أقريه قرى

(باب استحباب المواساة بفضول المال [1728] قوله (بينما نحن

(باب استحباب المواساة بفضول المال [1728] قَوْلُهُ (بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ قَالَ فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ) أَمَّا قَوْلُهُ فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ فَهَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا يَصْرِفُ فَقَطْ بِحَذْفِ بَصَرَهُ وَفِي بَعْضِهَا يَضْرِبُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ يَصْرِفُ رَاحِلَتَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْجُودِ وَالْمُوَاسَاةِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الرُّفْقَةِ وَالْأَصْحَابِ وَالِاعْتِنَاءِ بِمَصَالِحِ الْأَصْحَابِ وَأَمْرُ كَبِيرِ الْقَوْمِ أَصْحَابَهُ بِمُوَاسَاةِ الْمُحْتَاجِ وَأَنَّهُ يُكْتَفَى فِي حَاجَةِ الْمُحْتَاجِ بِتَعَرُّضِهِ لِلْعَطَاءِ وَتَعْرِيضِهِ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ أَيْ مُتَعَرِّضًا لِشَيْءٍ يَدْفَعُ به حاجته وفيه مواساة بن السَّبِيلِ وَالصَّدَقَةُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا وَإِنْ كَانَ لَهُ رَاحِلَةٌ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ أَوْ كَانَ مُوسِرًا فِي وَطَنِهِ وَلِهَذَا يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ)

(باب استحباب خلط الأزواد إذا قلت والمواساة فيها

(باب استحباب خلط الأزواد إذا قلت والمواساة فِيهَا [1729] قَوْلُهُ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ فَأَصَابَنَا جَهْدٌ حَتَّى هَمَمْنَا أَنْ نَنْحَرَ بَعْضَ ظَهْرِنَا فَأَمَرَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَمَعْنَا مَزَاوِدَنَا فَبَسَطْنَا لَهُ نِطَعًا فَاجْتَمَعَ زَادُ الْقَوْمِ عَلَى النِّطَعِ قَالَ فَتَطَاوَلْتُ لِأَحْزُرَهُ كَمْ هُوَ فَحَزَرْتُهُ كَرَبْضَةِ الْعَنْزِ وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةٍ قَالَ فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ حَشَوْنَا جربنا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ مِنْ وَضُوءٍ فَجَاءَ رَجُلٌ بِإِدَاوَةٍ فِيهَا نُطْفَةٌ فَأَفْرَغَهَا فِي قَدَحٍ فَتَوَضَّأْنَا كُلُّنَا نُدَغْفِقُهُ دَغْفَقَةً أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةٍ قَالَ ثُمَّ جَاءَ بَعْدُ ثَمَانِيَةٌ فَقَالُوا هَلْ مِنْ طَهُورٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَغَ الْوَضُوءُ) أَمَّا قَوْلُهُ جَهْدٌ فَبِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ الْمَشَقَّةُ وَقَوْلُهُ مَزَاوِدَنَا هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ أَكْثَرِهَا وَفِي بَعْضِهَا أَزْوَادَنَا وَفِي بعضها تزوادنا بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا وَفِي النِّطَعِ لُغَاتٌ سَبَقَتْ أفصحن كَسْرُ النُّونِ وَفَتْحُ الطَّاءِ وَقَوْلُهُ كَرَبْضَةِ الْعَنْزِ أَيْ كَمَبْرَكِهَا أَوْ كَقَدْرِهَا وَهِيَ رَابِضَةٌ قَالَ القاضي الرواية فيه بفتح الراء وحكاه بن دُرَيْدٍ بِكَسْرِهَا قَوْلُهُ (حَشَوْنَا جُرُبَنَا) هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا جَمْعُ جِرَابٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَلْ مِنْ وَضُوءٍ) أَيْ مَا يُتَوَضَّأُ بِهِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا! وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ قَوْلُهُ (فِيهَا نُطْفَةٌ) هُوَ بِضَمِّ النُّونِ أَيْ قَلِيلٌ مِنَ الْمَاءِ قَوْلُهُ (نُدَغْفِقُهُ دَغْفَقَةً) أَيْ نَصُبُّهُ صَبَّا شَدِيدًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَتَانِ ظَاهِرَتَانِ)

(كتاب الجهاد والسير)

لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمَا تَكْثِيرُ الطَّعَامِ وَتَكْثِيرُ الْمَاءِ هَذِهِ الْكَثْرَةَ الظَّاهِرَةَ قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي تَحْقِيقِ الْمُعْجِزَةِ فِي هَذَا أَنَّهُ كُلَّمَا أُكِلَ مِنْهُ جُزْءٌ أَوْ شُرِبَ جُزْءٌ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى جُزْءًا آخَرَ يَخْلُفُهُ قَالَ وَمُعْجِزَاتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا الْقُرْآنُ وَهُوَ مَنْقُولٌ تَوَاتُرًا وَالثَّانِي مِثْلُ تَكْثِيرِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَكَ فِيهِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَقُولَ تَوَاتَرَتْ عَلَى المعنى كتواتر جود حاتم طيئ وَحِلْمِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَلُ فِي ذَلِكَ قِصَّةٌ بِعَيْنِهَا مُتَوَاتِرَةً وَلَكِنْ تَكَاثَرَتْ أَفْرَادُهَا بِالْآحَادِ حَتَّى أَفَادَ مَجْمُوعُهَا تَوَاتُرَ الْكَرَمِ وَالْحِلْمِ وَكَذَلِكَ تَوَاتُرُ انْخِرَاقِ الْعَادَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي أَنْ تَقُولَ إِذَا رَوَى الصَّحَابِيُّ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ الْعَجِيبِ وَأَحَالَ عَلَى حُضُورِهِ فِيهِ مَعَ سَائِرِ الصَّحَابَةِ وَهُمْ يَسْمَعُونَ رِوَايَتَهُ وَدَعْوَاهُ أَوْ بَلَغَهُمْ ذَلِكَ وَلَا يُنْكِرُونَ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ تَصْدِيقًا لَهُ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِصِحَّةِ مَا قَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الْمُوَاسَاةِ فِي الزَّادِ وَجَمْعُهُ عِنْدَ قِلَّتِهِ وَجَوَازُ أَكْلِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الرِّبَا فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ نَحْوِ الْإِبَاحَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مُبِيحٌ لِرُفْقَتِهِ الْأَكْلَ مِنْ طَعَامِهِ وَسَوَاءٌ تَحَقَّقَ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ أكل أكثرمن حِصَّتِهِ أَوْ دُونَهَا أَوْ مِثْلَهَا فَلَا بَأْسَ بِهَذَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِيثَارُ وَالتَّقَلُّلُ لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ فِي الطَّعَامِ قِلَّةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (كِتَاب الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ) (بَاب جَوَازِ الْإِغَارَةِ عَلَى الْكُفَّارِ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ (مِنْ غير تقدم إعلام بِالْإِغَارَةِ) [1730] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ قال حدثنا سليم بن أخضر عن بن عَوْنٍ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ)

عَنِ الدُّعَاءِ قَبْلَ الْقِتَالِ قَالَ فَكَتَبَ إِلَيَّ إِنَّمَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَدْ أَغَارَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى سَبْيَهُمْ وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَحْسِبُهُ قَالَ جُوَيْرِيَةُ أَوْ أَلْبَتَّةَ ابْنَةُ الْحَارِثِ وَحَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ) قَالَ وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَلَمْ يَشُكَّ أَمَّا قَوْلُهُ أَوْ أَلْبَتَّةَ فَمَعْنَاهُ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى قَالَ أَصَابَ يَوْمَئِذٍ بِنْتَ الْحَارِثِ وَأَظُنُّ شَيْخِي سُلَيْمَ بْنَ أَخْضَرَ سَمَّاهَا فِي رِوَايَتِهِ جُوَيْرِيَةَ أَوْ أعلم ذلك وأجزم به وأقوله أَلْبَتَّةَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا جُوَيْرِيَةُ فِيمَا أَحْفَظُهُ إِمَّا ظَنًّا وَإِمَّا عِلْمًا وفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ هِيَ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بِلَا شَكٍّ قَوْلُهُ وَهُمْ غَارُّونَ هُوَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ غَافِلُونَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْإِغَارَةِ عَلَى الْكُفَّارِ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمُ الدَّعْوَةُ مِنْ غَيْرِ إِنْذَارٍ بِالْإِغَارَةِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ حَكَاهَا الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي أَحَدُهَا يَجِبُ الْإِنْذَارُ مُطْلَقًا قال مَالِكٌ وَغَيْرُهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالثَّانِي لَا يَجِبُ مُطْلَقًا وَهَذَا أَضْعَفُ مِنْهُ أَوْ بَاطِلٌ وَالثَّالِثُ يَجِبُ إِنْ لَمْ تَبْلُغْهُمُ الدَّعْوَةُ وَلَا يَجِبُ إِنْ بَلَغَتْهُمْ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وبه قال نافع مولى بن عُمَرَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثور وبن المنذر والجمهور قال بن الْمُنْذِرِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى مَعْنَاهُ فَمِنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ وَحَدِيثُ قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَحَدِيثُ قَتْلِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ اسْتِرْقَاقِ الْعَرَبِ لِأَنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ عَرَبٌ مِنْ خُزَاعَةَ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ

(باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث (ووصيته إياهم

مِنَ الْعُلَمَاءِ لَا يُسْتَرَقُّونَ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ (بَاب تَأْمِيرِ الْإِمَامِ الْأُمَرَاءَ عَلَى الْبُعُوثِ (وَوَصِيَّتِهِ إِيَّاهُمْ بِآدَابِ الْغَزْوِ وَغَيْرِهَا) قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ اغْزُوا باسم اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا) أَمَّا السَّرِيَّةُ فَهِيَ قِطْعَةٌ مِنَ الْجَيْشِ تَخْرُجُ مِنْهُ تُغِيرُ وَتَرْجِعُ إِلَيْهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ هِيَ الْخَيْلُ تَبْلُغُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَنَحْوَهَا قَالُوا سُمِّيَتْ سَرِيَّةً لِأَنَّهَا تَسْرِي فِي اللَّيْلِ وَيَخْفَى ذَهَابُهَا وَهِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ يُقَالُ سَرَى وَأَسْرَى إِذَا ذَهَبَ لَيْلًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تَغْدِرُوا) بِكَسْرِ الدَّالِ وَالْوَلِيدُ الصَّبِيُّ وَفِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ مِنَ الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَهِيَ تَحْرِيمُ الْغَدْرِ وَتَحْرِيمُ الْغُلُولِ وَتَحْرِيمُ قَتْلِ الصِّبْيَانِ إِذَا لَمْ يُقَاتِلُوا وَكَرَاهَةُ الْمُثْلَةِ وَاسْتِحْبَابُ وَصِيَّةِ الْإِمَامِ أُمَرَاءَهُ وَجُيُوشَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَالرِّفْقِ بِأَتْبَاعِهِمْ وَتَعْرِيفِهِمْ مَا يَحْتَاجُونَ فِي غَزْوِهِمْ وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَمَا يَحِلُّ لَهُمْ وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ وَمَا يُكْرَهُ وَمَا يُسْتَحَبُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ)

فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ) قَوْلُهُ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ ثُمَّ ادْعُهُمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنه صواب الرواية ادعهم بِإِسْقَاطِ ثُمَّ وَقَدْ جَاءَ بِإِسْقَاطِهَا عَلَى الصَّوَابِ فِي كِتَابِ أَبِي عُبَيْدٍ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْخِصَالِ الثَّلَاثِ وَلَيْسَتْ غَيْرَهَا وَقَالَ الْمَازِرِيُّ لَيْسَتْ ثُمَّ هُنَا زَائِدَةً بَلْ دَخَلَتْ لِاسْتِفْتَاحِ الْكَلَامِ وَالْأَخْذِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إن فعلوا ذلك فلهم ماللمهاجرين وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ إِذَا أَسْلَمُوا اسْتُحِبَّ لَهُمْ أَنْ يُهَاجِرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ كَانُوا كَالْمُهَاجِرِينَ قَبْلَهُمْ فِي اسْتِحْقَاقِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ وغير ذلك والأفهم أَعْرَابٌ كَسَائِرِ أَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ السَّاكِنِينَ فِي الْبَادِيَةِ مِنْ غَيْرِ هِجْرَةٍ وَلَا غَزْوٍ فَتَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ والفئ وإنما يكون لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الزَّكَاةِ إِنْ كَانُوا بِصِفَةِ اسْتِحْقَاقِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ الصَّدَقَاتُ لِلْمَسَاكِينِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لا حق له في الفئ والفئ لِلْأَجْنَادِ قَالَ وَلَا يُعْطَى أَهْلُ الْفَيْءِ مِنَ الصَّدَقَاتِ وَلَا أَهْلُ الصَّدَقَاتِ مِنَ الْفَيْءِ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ الْمَالَانِ سَوَاءٌ وَيَجُوزُ صَرْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى النَّوْعَيْنِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ قَالَ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الْحُكْمُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بقوله

تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ لَا يُسَلَّمُ لَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ) هَذَا مِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمُوَافِقُوهُمَا فِي جَوَازِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ عَجَمِيًّا كِتَابِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا أَوْ غَيْرِهِمَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ جَمِيعِ الْكُفَّارِ إِلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ ومجوسهم وقال الشافعي لا يقبل إِلَّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ عَرَبًا كَانُوا أَوْ عَجَمًا وَيَحْتَجُّ بِمَفْهُومِ آيَةِ الْجِزْيَةِ وَبِحَدِيثِ سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَيُتَأَوَّلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ أَهْلُ الْكِتَابِ لِأَنَّ اسْمَ الْمُشْرِكِ يُطْلَقُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ وَكَانَ تَخْصِيصُهُمْ مَعْلُومًا عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الْجِزْيَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَقَلُّهَا دِينَارٌ عَلَى الْغَنِيِّ وَدِينَارٌ عَلَى الْفَقِيرِ أَيْضًا فِي كُلِّ سَنَةٍ وَأَكْثَرُهَا مَا يَقَعُ بِهِ التَّرَاضِي وَقَالَ مَالِكٌ هِيَ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا عَلَى أَهْلِ الْفِضَّةِ وقال أبو حنيقة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَأَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَالْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَالْفَقِيرِ اثْنَا عَشَرَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّكُمْ إِنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذمة الله وَذِمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال العلماء الذمة هنا العهد وتخفروا بِضَمِّ التَّاءِ يُقَالُ أَخَفَرْتَ الرَّجُلَ إِذَا نَقَضْتَ عَهْدَهُ وَخَفَرْتَهُ أَمَّنْتُهُ وَحَمَيْتُهُ قَالُوا وَهَذَا نَهْيُ تَنْزِيهٍ أَيْ لَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَنْقُضُهَا مَنْ لَا يَعْرِفُ حَقَّهَا وَيَنْتَهِكُ حُرْمَتَهَا بَعْضُ الْأَعْرَابِ وَسَوَادُ الْجَيْشِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حصن

فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا) هَذَا النَّهْيُ أَيْضًا عَلَى التنَّزِيهِ وَالِاحْتِيَاطِ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ يَقُولُ لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا بَلِ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَقَدْ يُجِيبُ عَنْهُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مصيب بأن المراد أنك لا تأمن أَنْ يَنْزِلَ عَلَيَّ وَحْيٌ بِخِلَافِ مَا حَكَمْتَ وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ هَيْصَمٍ) بفتح الهاء والصاد المهملة قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ [1732] عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا) وَفِي [1733] الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُعَاذٍ وأبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عَنْهُمَا يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا

وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا وَفِي [1734] حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَسَكِّنُوا وَلَا تُنَفِّرُوا إِنَّمَا جَمَعَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بَيْنَ الشَّيْءِ وَضِدِّهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَفْعَلُهُمَا فِي وَقْتَيْنِ فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى يَسِّرُوا لَصَدَقَ ذَلِكَ على من يسر مرة أومرات وَعَسَّرَ فِي مُعْظَمِ الْحَالَاتِ فَإِذَا قَالَ وَلَا تُعَسِّرُوا انْتَفَى التَّعْسِيرُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوبُ وَكَذَا يُقَالُ فِي يَسِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا لأنهما قد يتطاوعان فِي وَقْتٍ وَيَخْتَلِفَانِ فِي وَقْتٍ وَقَدْ يَتَطَاوَعَانِ فِي شَيْءٍ وَيَخْتَلِفَانِ فِي شَيْءٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِالتَّبْشِيرِ بِفَضْلِ اللَّهِ وَعَظِيمِ ثَوَابِهِ وَجَزِيلِ عَطَائِهِ وَسِعَةِ رَحْمَتِهِ وَالنَّهْيُ عَنِ التَّنْفِيرِ بِذِكْرِ التَّخْوِيفِ وَأَنْوَاعِ الْوَعِيدِ مَحْضَةً مِنْ غَيْرِ ضَمِّهَا إِلَى التَّبْشِيرِ وَفِيهِ تَأْلِيفُ مَنْ قَرُبَ إِسْلَامُهُ وَتَرْكُ التَّشْدِيدِ عَلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ مَنْ قَارَبَ الْبُلُوغَ مِنَ الصِّبْيَانِ وَمَنْ بَلَغَ وَمَنْ تَابَ مِنَ الْمَعَاصِي كُلُّهُمْ يُتَلَطَّفُ بِهِمْ وَيُدَرَّجُونَ فِي أَنْوَاعِ الطَّاعَةِ قَلِيلًا قَلِيلًا وَقَدْ كَانَتْ أُمُورُ الْإِسْلَامِ فِي التَّكْلِيفِ عَلَى التَّدْرِيجِ فَمَتَى يُسِّرَ عَلَى الدَّاخِلِ فِي الطَّاعَةِ أَوِ الْمُرِيدِ لِلدُّخُولِ فِيهَا سَهُلَتْ عَلَيْهِ وَكَانَتْ عَاقِبَتُهُ غَالِبًا التَّزَايُدُ منها ومتى عسرت عليه أو شك أن لا يدخل فيها وإن دخل أو شك أَنْ لَا يَدُومَ أَوْ لَا يَسْتَحْلِيَهَا وَفِيهِ أَمْرُ الْوُلَاةِ بِالرِّفْقِ وَاتِّفَاقِ الْمُتَشَارِكِينَ فِي وِلَايَةٍ وَنَحْوِهَا وَهَذَا مِنَ الْمُهِمَّاتِ فَإِنَّ غَالِبَ الْمَصَالِحِ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالِاتِّفَاقِ وَمَتَى حَصَلَ الِاخْتِلَافُ فَاتَ وَفِيهِ وَصِيَّةُ الْإِمَامِ الْوُلَاةَ وَإِنْ كَانُوا أَهْلَ فَضْلٍ وَصَلَاحٍ كَمُعَاذٍ وَأَبِي مُوسَى فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ) هَذَا مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وقال لم

يتابع بن عَبَّادٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدٍ وَقَدْ رَوَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ سَعِيدٍ وَلَا يَثْبُتُ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ هَذَا كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَلَا إِنْكَارَ على مسلم لأن بن عَبَّادٍ ثِقَةٌ وَقَدْ جَزَمَ بِرِوَايَتِهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدٍ وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَمْ يَضُرَّ مُسْلِمًا فَإِنَّ الْمَتْنَ ثَابِتٌ مِنَ الطرق

(باب تحريم الغدر [1736] قوله صلى الله عليه وسلم (لكل غادر

(باب تحريم الغدر [1736] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ) وَفِي رِوَايَةٍ [1737] يُعْرَفُ بِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ اسْتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [1738] وَفِي رِوَايَةٍ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ أَلَا وَلَا غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْرًا مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ اللِّوَاءُ الرَّايَةُ الْعَظِيمَةُ لَا يَمْسِكُهَا إِلَّا صَاحِبُ جَيْشِ الْحَرْبِ أَوْ صَاحِبُ دَعْوَةِ الْجَيْشِ وَيَكُونُ النَّاسُ تَبَعًا لَهُ قَالُوا فَمَعْنَى لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ أَيْ عَلَامَةٌ يُشْهَرُ بِهَا فِي النَّاسِ لِأَنَّ مَوْضُوعَ اللِّوَاءِ الشُّهْرَةُ مَكَانَ الرَّئِيسِ عَلَامَةً لَهُ وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَنْصِبُ الْأَلْوِيَةَ فِي الْأَسْوَاقِ الْحَفِلَةِ لِغَدْرَةِ الْغَادِرِ لِتَشْهِيرِهِ بِذَلِكَ وَأَمَّا الْغَادِرُ فهو الَّذِي يُوَاعِدُ عَلَى أَمْرٍ وَلَا يَفِي بِهِ يُقَالُ غَدَرَ يَغْدِرُ بِكَسْرِ)

الدَّالِ فِي الْمُضَارِعِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بَيَانُ غِلَظِ تَحْرِيمِ الْغَدْرِ لَا سِيَّمَا مِنْ صَاحِبِ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ لِأَنَّ غَدْرَهُ يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ إِلَى خَلْقٍ كَثِيرِينَ وَقِيلَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍ إِلَى الْغَدْرِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي تَعْظِيمِ كَذِبِ الْمَلِكِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَارِدٌ فِي ذَمِّ الْإِمَامِ الْغَادِرِ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ احْتِمَالَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَهُوَ نَهْيُ الْإِمَامِ أَنْ يَغْدِرَ فِي عُهُودِهِ لِرَعِيَّتِهِ وَلِلْكُفَّارِ وَغَيْرِهِمْ أَوْ غَدْرُهُ لِلْأَمَانَةِ الَّتِي قَلَّدَهَا لِرَعِيَّتِهِ وَالْتَزَمَ الْقِيَامَ بِهَا وَالْمُحَافَظَةَ عَلَيْهَا وَمَتَى خَانَهُمْ أَوْ تَرَكَ الشَّفَقَةَ عَلَيْهِمْ أَوِ الرِّفْقَ بِهِمْ فَقَدْ غَدَرَ بِعَهْدِهِ وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نَهْيَ الرَّعِيَّةِ عَنِ الْغَدْرِ بِالْإِمَامِ فَلَا يَشُقُّوا عَلَيْهِ الْعَصَا وَلَا يَتَعَرَّضُوا لِمَا يُخَافُ حُصُولُ فِتْنَةٍ بِسَبَبِهِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ والله أعلم

(باب جواز الخداع في الحرب [1739] [1740] قوله صلى الله عليه وسلم

(باب جواز الخداع في الحرب [1739] [1740] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْحَرْبُ خُدْعَةٌ) فِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ مَشْهُورَاتٍ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَفْصَحَهُنَّ خَدْعَةٌ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ قَالَ ثَعْلَبٌ وَغَيْرُهُ وَهِيَ لُغَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والثَّانِيَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ وَالثَّالِثَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ خِدَاعِ الْكُفَّارِ فِي الْحَرْبِ وَكَيْفَ أَمْكَنَ الْخِدَاعُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَقْضُ عَهْدٍ أَوْ أَمَانٍ فَلَا يَحِلُّ وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْكَذِبِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا فِي الْحَرْبِ قَالَ الطَّبَرِيُّ إِنَّمَا يَجُوزُ مِنَ الْكَذِبِ فِي الْحَرْبِ الْمَعَارِيضُ دُونَ حَقِيقَةِ الْكَذِبِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ هَذَا كَلَامُهُ وَالظَّاهِرُ إِبَاحَةُ حَقِيقَةِ نَفْسِ الْكَذِبِ لَكِنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى التعريض أفضل والله أعلم) باب كراهة تمني لقاء العدو والأمر بالصبر عِنْدَ اللِّقَاءِ [1741] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1742] (لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ إِنَّمَا نَهَى عَنْ تَمَنِّي لِقَاءِ الْعَدُوِّ لِمَا فِيهِ مِنْ صُورَةِ الْإِعْجَابِ وَالِاتِّكَالِ عَلَى النَّفْسِ وَالْوُثُوقِ بِالْقُوَّةِ وَهُوَ نَوْعُ بَغْيٍ وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَنْ بُغِيَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْصُرَهُ وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ قِلَّةَ الِاهْتِمَامِ

بِالْعَدُوِّ وَاحْتِقَارَهُ وَهَذَا يُخَالِفُ الِاحْتِيَاطَ وَالْحَزْمَ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى النَّهْيِ عَنِ التَّمَنِّي فِي صُورَةٍ خَاصَّةٍ وَهِيَ إِذَا شَكَّ فِي الْمَصْلَحَةِ فِيهِ وَحُصُولِ ضَرَرٍ وَإِلَّا فَالْقِتَالُ كُلُّهُ فَضِيلَةٌ وَطَاعَةٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَلِهَذَا تَمَّمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ وَقَدْ كَثُرَتِ الْأَحَادِيثُ فِي الْأَمْرِ بِسُؤَالِ الْعَافِيَةِ وَهِيَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ الْمُتَنَاوِلَةِ لِدَفْعِ جَمِيعِ الْمَكْرُوهَاتِ فِي الْبَدَنِ وَالْبَاطِنِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ الْعَامَّةَ لِي وَلِأَحِبَّائِي وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا) فَهَذَا حَثٌّ عَلَى الصَّبْرِ فِي الْقِتَالِ وَهُوَ آكَدُ أَرْكَانِهِ وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ آدَابَ القتال في قوله تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ ويصدون عن سبيل اللَّهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ فَمَعْنَاهُ ثَوَابُ اللَّهِ وَالسَّبَبُ الْمُوَصِّلُ إِلَى الْجَنَّةِ عِنْدَ الضَّرْبِ بِالسُّيُوفِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَشْيِ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاحْضُرُوا فِيهِ بِصِدْقٍ وَاثْبُتُوا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ قَامَ فِيهِمْ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِلَى آخِرِهِ) وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ انْتَظَرَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ قَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُهُ أَنَّهُ أَمْكَنُ لِلْقِتَالِ فَإِنَّهُ وَقْتُ هُبُوبِ الرِّيحِ وَنَشَاطِ النُّفُوسِ وَكُلَّمَا طَالَ ازْدَادُوا نَشَاطًا وَإِقْدَامًا عَلَى عَدُوِّهِمْ وَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَخَّرَ حَتَّى تَهُبَّ الْأَرْوَاحُ وَتَحْضُرَ الصَّلَاةُ قَالُوا وَسَبَبُهُ

(باب استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو ذكر في

فَضِيلَةُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَالدُّعَاءِ عِنْدَهَا قَوْلُهُ (ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَالِاسْتِنْصَارُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ كِتَابِ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ وَاتِّفَاقُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَلَى رِوَايَتِهِ حُجَّةٌ فِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْإِجَازَةِ وَقَدْ جَوَّزُوا الْعَمَلَ بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْإِجَازَةِ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ وَالْفِقْهِ وَمَنَعَتْ طَائِفَةٌ الرِّوَايَةَ بِهَا وَهَذَا غَلَطٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ بِالنَّصْرِ عِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ ذَكَرَ فِي الْبَابِ دُعَاءَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ) أَيْ أَزْعِجْهُمْ وَحَرِّكْهُمْ بِالشَّدَائِدِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الزِّلْزَالُ)

(باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب [1744] قوله (نهى

وَالزَّلْزَلَةُ الشَّدَائِدُ الَّتِي تُحَرِّكُ النَّاسَ [1743] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تَشَأْ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ التَّسْلِيمُ لِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالرَّدُّ عَلَى غُلَاةِ الْقَدَرِيَّةِ الزَّاعِمِينَ أَنَّ الشَّرَّ غَيْرُ مُرَادٍ وَلَا مُقَدَّرٍ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ وَهَذَا الْكَلَامُ مُتَضَمِّنٌ أَيْضًا لِطَلَبِ النَّصْرِ وَجَاءَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذَا يَوْمَ أُحُدٍ وَجَاءَ بَعْدَهُ أَنَّهُ قَالَهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمَا فَقَالَهُ فِي الْيَوْمَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب تَحْرِيمِ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي الْحَرْبِ [1744] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْعَمَلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَتَحْرِيمِ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ إِذَا لَمْ يُقَاتِلُوا فَإِنْ قَاتَلُوا قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ يُقْتَلُونَ وَأَمَّا شُيُوخُ الْكُفَّارِ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ رَأْيٌ قُتِلُوا وَإِلَّا فَفِيهِمْ وَفِي الرُّهْبَانِ خِلَافٌ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُقْتَلُونَ وَالْأَصَحُّ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ قتلهم)

(باب جواز قتل النساء والصبيان في البيات من غير

(بَاب جَوَازِ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي الْبَيَاتِ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ [1745] قَوْلُهُ (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الذَّرَارِيِّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَبِيتُونَ فَيُصِيبُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ فَقَالَ هُمْ مِنْهُمْ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ بِلَادِنَا سُئِلَ عَنِ الذَّرَارِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَنَقَلَ الْقَاضِي هَذِهِ عَنْ رِوَايَةِ جُمْهُورِ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ وَهِيَ الصَّوَابُ فَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُولَى فَقَالَ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ بَلْ هِيَ تَصْحِيفٌ قَالَ وَمَا بَعْدَهُ هُوَ تَبْيِينُ الْغَلَطِ فِيهِ قُلْتُ وَلَيْسَتْ بَاطِلَةً كَمَا ادَّعَى الْقَاضِي بَلْ لَهَا وَجْهٌ وَتَقْدِيرُهُ سُئِلَ عَنْ حُكْمِ صِبْيَانِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ بِالْقَتْلِ فَقَالَ هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ أَيْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَحْكَامَ آبَائِهِمْ جَارِيَةٌ عَلَيْهِمْ فِي الْمِيرَاثِ وَفِي النِّكَاحِ وَفِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ إِذَا لَمْ يَتَعَمَّدُوا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَأَمَّا الْحَدِيثُ السَّابِقُ فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فَالْمُرَادُ بِهِ إِذَا تَمَيَّزُوا وَهَذَا الْحَدِيثُ الذي ذكرناه من جواز بيانهم وَقَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي الْبَيَاتِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي)

(باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها [1746] قوله (حرق صلى

حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورِ وَمَعْنَى الْبَيَاتُ وَيَبِيتُونَ أَنْ يُغَارَ عَلَيْهِمْ بِاللَّيْلِ بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ الرَّجُلُ مِنَ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيُّ وَأَمَّا الذَّرَارِيُّ فَبِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا لُغَتَانِ التَّشْدِيدُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَالْمُرَادُ بِالذَّرَارِيِّ هُنَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ الْبَيَاتِ وَجَوَازِ الْإِغَارَةِ عَلَى مَنْ بَلَغَتْهُمُ الدَّعْوَةُ مِنْ غَيْرِ إِعْلَامِهِمْ بِذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّ أَوْلَادَ الْكُفَّارِ حُكْمُهُمْ فِي الدُّنْيَا حُكْمُ آبَائِهِمْ وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَفِيهِمْ إِذَا مَاتُوا قَبْلَ الْبُلُوغِ ثلاثة مذاهب الصحيح أنهم في الجنة والثاني فِي النَّارِ وَالثَّالِثُ لَا يُجْزَمُ فِيهِمْ بِشَيْءٍ والله أعلم (باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها [1746] قَوْلُهُ (حَرَّقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَّعَ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) قوله حرق بتشديد الراء والبويرة بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ مَوْضِعُ نَخْلِ بَنِي النضير واللينة الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ هِيَ أَنْوَاعُ الثَّمَرِ كُلُّهَا إِلَّا الْعَجْوَةَ وَقِيلَ كِرَامُ النَّخْلِ وَقِيلَ كُلُّ النَّخْلِ وَقِيلَ كُلُّ الْأَشْجَارِ لِلِينِهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا أَنَّ أَنْوَاعَ نَخْلِ الْمَدِينَةِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ نَوْعًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ قَطْعِ شَجَرِ الْكُفَّارِ وَإِحْرَاقِهِ وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن القاسم ونافع مولى بن عُمَرَ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عنه فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمْ لَا يَجُوزُ)

المستطير المنتشر والسراة بفتح السين أشراف القوم

قَوْلُهُ (وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ ... () الْمُسْتَطِيرُ الْمُنْتَشِرُ وَالسَّرَاةُ بِفَتْحِ السِّينِ أشراف القوم ورؤساؤهم والله أعلم) (باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة [1747] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فَقَالَ لِقَوْمِهِ لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ قَدْ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ وَلَا آخَرُ قَدْ بَنَى بُنْيَانًا وَلَمَّا يَرْفَعْ سَقْفَهَا وَلَا آخَرُ قَدِ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ مُنْتَظِرٌ وِلَادَهَا) أَمَّا الْبُضْعُ فَهُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَهُوَ فَرْجُ الْمَرْأَةِ وَأَمَّا الْخَلِفَاتُ فَبِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَهِيَ الْحَوَامِلُ وَفِي هذا الحديث أن الأمور المهمة ينبغي أن لا تُفَوَّضَ إِلَّا إِلَى أُولِي الْحَزْمِ وَفَرَاغِ الْبَالِ لَهَا وَلَا تُفَوَّضُ إِلَى مُتَعَلِّقِ الْقَلْبِ بِغَيْرِهَا)

لِأَنَّ ذَلِكَ يُضْعِفُ عَزْمَهُ وَيُفَوِّتُ كَمَالَ بَذْلِ وُسْعِهِ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَغَزَا فَأَدْنَى لِلْقَرْيَةِ حِينَ صَلَاةِ الْعَصْرِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فَأَدْنَى بِهَمْزَةِ قَطْعٍ قَالَ الْقَاضِي كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فأدنى رباعي إما أن يكون تعدية لدنى أَيْ قَرُبَ فَمَعْنَاهُ أَدْنَى جُيُوشَهُ وَجُمُوعَهُ لِلْقَرْيَةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَدْنَى بِمَعْنَى حَانَ أَيْ قَرُبَ فَتْحُهَا مِنْ قَوْلِهِمْ أَدْنَتِ النَّاقَةُ إِذَا حَانَ نِتَاجُهَا وَلَمْ يَقُولُوهُ فِي غَيْرِ النَّاقَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَالَ لِلشَّمْسِ أنت مأمورة وأنا مأمور اللهم احْبِسْهَا عَلَيَّ شَيْئًا فَحُبِسَتْ عَلَيْهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ الْقَرْيَةَ) قَالَ الْقَاضِي اخْتُلِفَ فِي حَبْسِ الشَّمْسِ الْمَذْكُورِ هُنَا فَقِيلَ رُدَّتْ عَلَى أَدْرَاجِهَا وَقِيلَ وُقِفَتْ وَلَمْ تُرَدَّ وَقِيلَ أُبْطِئَ بِحَرَكَتِهَا وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ قَالَ وَيُقَالُ إِنَّ الَّذِي حُبِسَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ قَالَ الْقَاضِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُبِسَتْ لَهُ الشَّمْسُ مَرَّتَيْنِ إِحْدَاهُمَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ حِينَ شُغِلُوا عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى غَرَبَتْ فَرَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْهِ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ ذَكَرَ ذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ وَقَالَ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَالثَّانِيَةُ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ حِينَ انْتَظَرَ الْعِيرَ الَّتِي أَخْبَرَ بِوُصُولِهَا مَعَ شُرُوقِ الشَّمْسِ ذَكَرَهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ في زيادته على سيرة بن إِسْحَاقَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَجَمَعُوا مَا غَنِمُوا فَأَقْبَلَتِ النَّارُ لِتَأْكُلَهُ فَأَبَتْ أَنْ تَطْعَمَهُ فَقَالَ فِيكُمْ غُلُولٌ) هَذِهِ كَانَتْ عَادَةَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ فِي الْغَنَائِمِ أَنْ يَجْمَعُوهَا فَتَجِيءَ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتَأْكُلَهَا فَيَكُونَ ذَلِكَ عَلَامَةً لِقَبُولِهَا وَعَدَمِ الْغُلُولِ فَلَمَّا جَاءَتْ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ فَأَبَتْ أَنْ تَأْكُلَهَا عُلِمَ أَنَّ فِيهِمْ غُلُولًا فَلَمَّا رَدُّوهُ جَاءَتْ فَأَكَلَتْهَا وَكَذَلِكَ كَانَ أَمْرُ قُرْبَانِهِمْ إِذَا تُقُبِّلَ جَاءَتْ نَارٌ مِنَ

(باب الأنفال [1748] قوله (عن مصعب بن سعد عن أبيه قال أخذ

السَّمَاءِ فَأَكَلَتْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَوَضَعُوهُ فِي الْمَالِ وَهُوَ بِالصَّعِيدِ) يَعْنِي وَجْهَ الْأَرْضِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ الْغَنَائِمِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا وَأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب الْأَنْفَالِ [1748] قَوْلُهُ (عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَخَذَ أَبِي مِنَ الْخُمُسِ سَيْفًا فَأَتَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَبْ لِي هَذَا فَأَبَى قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال قل الأنفال لله والرسول) فَقَوْلُهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَخَذَ أَبِي هُوَ من تلوين الخطابي وَتَقْدِيرُهُ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ أَبِيهِ بِحَدِيثٍ قَالَ فِيهِ قَالَ أَبِي أَخَذْتُ حُكْمَ الْغَنَائِمِ مِنَ الْخُمُسِ سَيْفًا إِلَى آخِرِهِ قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ وَإِبَاحَتِهَا قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ الْحَدِيثُ وَقَدْ رُوِيَ فِي تَمَامِهِ مَا بَيَّنَهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدٍ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ خُذْ سَيْفَكَ إِنَّكَ سَأَلْتَنِيهِ وَلَيْسَ لِي وَلَا لَكَ وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ لِي وَجَعَلْتُهُ لَكَ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقِيلَ هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لله خمسه وللرسول وَأَنَّ مُقْتَضَى آيَةِ الْأَنْفَالِ وَالْمُرَادَ بِهَا أَنَّ الْغَنَائِمَ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً كُلُّهَا ثُمَّ جَعَلَ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا للغانمين بالآية الأخرى وهذا قول بن عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ وَقِيلَ هِيَ مُحْكَمَةٌ وَأَنَّ التَّنْفِيلَ مِنَ الْخُمُسِ وَقِيلَ هِيَ مُحْكَمَةٌ)

وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُنْفِلَ مِنَ الْغَنَائِمِ مَا شَاءَ لِمَنْ شَاءَ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ وَقِيلَ مُحْكَمَةٌ مَخْصُوصَةٌ وَالْمُرَادُ أَنْفَالُ السَّرَايَا قَوْلُهُ (عَنْ سَعْدٍ قَالَ نَزَلَتْ فِيَّ أَرْبَعُ آيَاتٍ أَصَبْتُ سَيْفًا) لَمْ يَذْكُرْ هُنَا مِنَ الْأَرْبَعِ إِلَّا هَذِهِ الْوَاحِدَةَ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ الْأَرْبَعَ بَعْدَ هَذَا فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ وَهِيَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَتَحْرِيمُ الخمر ولا تطرد الذين يدعون ربهم وَآيَةُ الْأَنْفَالِ قَوْلُهُ (أَأُجْعَلُ كَمَنْ لَا غَنَاءَ له) هو بفتح الغين وبالمد وَهُوَ الْكِفَايَةُ قَوْلُهُ (فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمُ اثْنَا عَشَرَ بَعِيرًا) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ اثْنَا عَشَرَ وَفِي بَعْضِهَا اثْنَيْ عَشَرَ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَجْعَلُ الْمُثَنَّى بِالْأَلِفِ سَوَاءٌ كَانَ مَرْفُوعًا أَوْ مَنْصُوبًا أَوْ مَجْرُورًا وَهِيَ لُغَةُ أَرْبَعِ قَبَائِلَ مِنَ الْعَرَبِ وَقَدْ كَثُرَتْ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ تعالى إن هذان لساحران [1749] قَوْلُهُ (فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمُ اثْنَا عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا وَنُفِّلُوا بَعِيرًا) بَعِيرًا وَفِي رِوَايَةٍ وَنَفَّلَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا بَعِيرًا فِيهِ إِثْبَاتُ النَّفْلِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ النَّفْلِ هَلْ هُوَ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ أَوْ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا أَوْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلشَّافِعِيِّ وَبِكُلٍّ مِنْهَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ

الْعُلَمَاءِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ مِنْ خُمُسِ الخمس وبه قال بن الْمُسَيِّبِ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَآخَرُونَ وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّهُ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَآخَرُونَ وَأَجَازَ النَّخَعِيُّ أَنْ تُنَفَّلَ السَّرِيَّةُ جَمِيعَ مَا غَنِمَتْ دُونَ بَاقِي الْجَيْشِ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ نَفَّلَهُمُ الْإِمَامُ مِنْ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ الْعَتِيدِ دُونَ الْغَنِيمَةِ جَازَ وَالتَّنْفِيلُ إِنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ صَنَعَ صنعا جَمِيلًا فِي الْحَرْبِ انْفَرَدَ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِينَ اسْتَحَقُّوا النَّفْلِ نُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا إِلَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ السَّرِيَّةِ نُفِّلَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءُ الْأَنْفَالُ هِيَ الْعَطَايَا مِنَ الْغَنِيمَةِ غَيْرُ السَّهْمِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْقِسْمَةِ وَاحِدُهَا نَفَلٌ بِفَتْحِ الْفَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ إِسْكَانُهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمُ اثْنَا عَشَرَ بَعِيرًا فَمَعْنَاهُ سَهْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَقَدْ قِيلَ مَعْنَاهُ سُهْمَانُ جَمِيعِ الْغَانِمِينَ اثْنَا عَشَرَ وَهَذَا غَلَطٌ فَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ أَنَّ الِاثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا كَانَتْ سُهْمَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْجَيْشِ وَالسَّرِيَّةِ وَنَفَّلَ السَّرِيَّةَ سِوَى هَذَا بَعِيرًا بَعِيرًا قَوْلُهُ (وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا) وَفِي رِوَايَةٍ نُفِّلُوا بَعِيرًا فَلَمْ يُغَيِّرْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ وَنَفَّلَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا بَعِيرًا وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ أَمِيرَ السَّرِيَّةِ نَفَّلَهُمْ فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَجُوزُ نِسْبَتُهُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ بَعْثِ السَّرَايَا وَمَا غَنِمَتْ تَشْتَرِكُ فِيهِ هِيَ وَالْجَيْشُ إِنِ انْفَرَدَتْ عَنِ الْجَيْشِ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ وَأَمَّا إِذَا خَرَجَتْ مِنَ الْبَلَدِ وَأَقَامَ الْجَيْشُ فِي الْبَلَدِ فَتُخْتَصُّ هِيَ بِالْغَنِيمَةِ وَلَا يُشَارِكُهَا الْجَيْشُ وَفِيهِ إِثْبَاتُ التَّنْفِيلِ لِلتَّرْغِيبِ فِي تَحْصِيلِ مَصَالِحِ الْقِتَالِ ثُمَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ التَّنْفِيلَ يَكُونُ فِي كُلِّ غَنِيمَةٍ سَوَاءٌ الْأُولَى وَغَيْرُهَا وَسَوَاءٌ غَنِيمَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الشَّامِيِّينَ لَا يُنَفَّلُ فِي أَوَّلِ غَنِيمَةٍ

(باب استحقاق القاتل سلب القتيل [1751] قوله (حدثنا يحيى بن

وَلَا يُنَفَّلُ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةٍ قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قد كَانَ يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنَ السَّرَايَا لِأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً سِوَى قَسْمِ عَامَّةِ الْجَيْشِ وَالْخُمُسُ فِي ذَلِكَ وَاجِبٌ كُلِّهِ) قَوْلُهُ كُلِّهِ مَجْرُورٌ تأكيد لِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِوُجُوبِ الْخُمُسِ فِي كُلِّ الْغَنَائِمِ وَرَدٌّ عَلَى مَنْ جَهِلَ فَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فَاغْتَرَّ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذَا فِي جُزْءٍ جَمَعْتُهُ فِي قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ حِينَ دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَيْهِ فِي أَوَّلِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب اسْتِحْقَاقِ الْقَاتِلِ سَلَبَ الْقَتِيلِ [1751] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ جَلِيسًا لِأَبِي قَتَادَةَ قَالَ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ قَالَ مُسْلِمٌ وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ قَالَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ قَالَ مُسْلِمٌ وَحَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ وَاللَّفْظُ لَهُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حُنَيْنٍ إِلَى آخِرِهِ) اعْلَمْ أَنَّ قوله في)

الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ وَقَوْلَهُ فِي الثَّانِي وَسَاقَ الْحَدِيثَ يَعْنِي بِهِمَا الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِي الطَّرِيقِ الثَّالِثِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُمَا وَهُوَ قَوْلُهُ وَحَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ وَهَذَا غَرِيبٌ مِنْ عَادَةِ مُسْلِمٍ فَاحْفَظْ مَا حَقَّقْتُهُ لَكَ فَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ الْكُتَّابِ غَلِطَ فِيهِ وَتَوَهَّمَ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ قَبْلَهُمَا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ الْمَعْرُوفُ مِنْ عَادَةِ مُسْلِمٍ حَتَّى إِنَّ هَذَا الْمُشَارَ إِلَيْهِ تَرْجَمَ لَهُ بَابًا مُسْتَقِلًّا وَتَرْجَمَ لِلطَّرِيقِ الثَّالِثِ بَابًا آخَرَ وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ فَاحْذَرْهُ وَإِذَا تَدَبَّرْتَ الطُّرُقَ الْمَذْكُورَةَ تَيَقَّنْتَ مَا حَقَقْتُهُ لَكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْمُ أَبِي مُحَمَّدٍ هَذَا نَافِعُ بْنُ عَبَّاسٍ الْأَقْرَعُ الْمَدَنِيُّ الْأَنْصَارِيُّ مَوْلَاهُمْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثَةٌ تَابِعِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعُمَرُ وَأَبُو مُحَمَّدٍ قَوْلُهُ (كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ انهزام وخيفة ذهبوا فيه وَهَذَا إِنَّمَا كَانَ فِي بَعْضِ الْجَيْشِ وَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَائِفَةٌ مَعَهُ فَلَمْ يُوَلُّوا وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِذَلِكَ مَشْهُورَةٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي مَوَاضِعِهَا وَقَدْ نَقَلُوا إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ انْهَزَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ قَطُّ أَنَّهُ انْهَزَمَ بِنَفْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْطِنٍ مِنَ الْمَوَاطِنِ بَلْ ثَبَتَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِإِقْدَامِهِ وَثَبَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيعِ الْمَوَاطِنِ قَوْلُهُ (فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) يَعْنِي ظَهَرَ عَلَيْهِ وَأَشْرَفَ عَلَى قَتْلِهِ أَوْ صَرْعِهِ وَجَلَسَ عَلَيْهِ لِقَتْلِهِ قَوْلُهُ (فَضَرَبْتُهُ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ) هُوَ مَا بَيْنَ الْعُنُقِ وَالْكَتِفِ قَوْلُهُ (فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ شِدَّةً كَشِدَّةِ الْمَوْتِ وَيَحْتَمِلُ قَارَبْتُ الْمَوْتَ قَوْلُهُ (ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا وَجَلَسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ والليث والثوري وأبو ثور وأحمد وإسحاق وبن جَرِيرٍ وَغَيْرُهُمْ يَسْتَحِقُّ الْقَاتِلُ سَلَبَ الْقَتِيلِ فِي جميع الحروب

سَوَاءٌ قَالَ أَمِيرُ الْجَيْشِ قَبْلَ ذَلِكَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ أَمْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ قَالُوا وَهَذِهِ فَتْوَى مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإِخْبَارٌ عَنْ حُكْمِ الشَّرْعِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَوْلِ أَحَدٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَمَنْ تَابَعَهُمَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَسْتَحِقُّ الْقَاتِلُ بِمُجَرَّدِ الْقَتْلِ سَلَبَ الْقَتِيلِ بَلْ هُوَ لِجَمِيعِ الْغَانِمِينَ كَسَائِرِ الْغَنِيمَةِ إِلَّا أَنْ يَقُولَ الْأَمِيرُ قَبْلَ الْقِتَالِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى هَذَا وَجَعَلُوا هَذَا إِطْلَاقًا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ بِفَتْوَى وَإِخْبَارِ عَامٍّ وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْقِتَالِ وَاجْتِمَاعِ الْغَنَائِمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إِنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَشْتَرِطُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ أَنْ يَغْزُوَ بِنَفْسِهِ فِي قَتْلِ كَافِرٍ مُمْتَنِعٍ فِي حَالِ الْقِتَالِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَاتِلَ لَوْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ رَضْخٌ وَلَا سَهْمَ لَهُ كَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ اسْتَحَقَّ السَّلَبَ وَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا الْمُقَاتِلُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّامِيُّونَ لَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ إِلَّا فِي قَتِيلٍ قَتَلَهُ قَبْلَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ فَأَمَّا مَنْ قَتَلَ فِي الْتِحَامِ الْحَرْبِ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَخْمِيسِ السَّلَبِ وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا عند أصحابه لا يخمس وهو ظاهر الأحاديث وبه قال أحمد وبن جرير وبن الْمُنْذِرِ وَآخَرُونَ وَقَالَ مَكْحُولٌ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ يُخَمَّسُ وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ لِلشَّافِعِيِّ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخطاب رضي الله عنه واسحاق وبن رَاهَوَيْهِ يُخَمَّسُ إِذَا كَثُرَ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ اخْتَارَهَا إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي أَنَّ الْإِمَامَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ خَمَّسَهُ وَإِلَّا فَلَا وَأَمَّا قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ) فَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِالدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَاللَّيْثِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ السَّلَبَ لَا يُعْطَى إِلَّا لِمَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ يُعْطَى بِقَوْلِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ قَالَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ السَّلَبَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِقَوْلِ وَاحِدٍ وَلَمْ يُحَلِّفْهُ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّهُ الْقَاتِلُ بِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ وَقَدْ صَرَّحَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا تُلْغَى وَقَدْ يَقُولُ الْمَالِكِيُّ هَذَا مَفْهُومٌ وَلَيْسَ هُوَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُ وَيُجَابُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى الْحَدِيثُ فَهَذَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا مَا يَحْتَجُّ بِهِ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ باقرار من هو في يده فضعيف لأن الْإِقْرَارَ إِنَّمَا يَنْفَعُ إِذَا كَانَ الْمَالُ مَنْسُوبًا إِلَى مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ فَيُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ وَالْمَالُ هُنَا مَنْسُوبٌ إِلَى جَمِيعِ الْجَيْشِ وَلَا يُقْبَلُ إِقْرَارُ بَعْضِهِمْ عَلَى الْبَاقِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَاهَا اللَّهِ إِذًا لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ تَعَالَى يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ) هَكَذَا فِي جَمِيعِ رِوَايَاتِ الْمُحَدِّثِينَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لَاهَا اللَّهِ إِذًا بِالْأَلِفِ وَأَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا وَأَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ وَقَالُوا هُوَ تَغْيِيرٌ مِنَ الرُّوَاةِ وَصَوَابُهُ لَاهَا اللَّهِ ذا بغير ألف في أوله وقالوا وها بِمَعْنَى الْوَاوِ الَّتِي يُقْسَمُ بِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا وَاللَّهِ ذَا قَالَ أَبُو عُثْمَانَ الْمَازِرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعْنَاهُ لَاهَا اللَّهِ ذَا يَمِينِي أَوْ ذَا قَسَمِي وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ ذَا زَائِدَةٌ وَفِيهَا لُغَتَانِ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ قَالُوا وَيَلْزَمُ الْجَرُّ بَعْدَهَا كَمَا يَلْزَمُ بَعْدَ الْوَاوِ قَالُوا وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُقَالُ لَاهَا وَاللَّهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ تَكُونُ يَمِينًا قَالَ أَصْحَابُنَا إِنْ نَوَى بِهَا الْيَمِينَ كَانَتْ يَمِينًا وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُتَعَارَفَةً فِي الْأَيْمَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (لَا يَعْمِدُ فَضَبَطُوهُ) بِالْيَاءِ وَالنُّونِ وَكَذَا قَوْلُهُ بَعْدَهُ فَيُعْطِيكَ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ وَكِلَاهُمَا ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ (يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَيْ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُصْرَةً لِدِينِ اللَّهِ وَشَرِيعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولتكون كلمة الله هي العليا) وفي هذا الحديث فضيلة ظاهرة لأبي بكر الصديق في إِفْتَائِهِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتِدْلَالِهِ لِذَلِكَ وَتَصْدِيقِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فِي ذَلِكَ وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَبِي قَتَادَةَ فَإِنَّهُ سَمَّاهُ أَسَدًا مِنْ أُسْدِ اللَّهِ تَعَالَى يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَصَدَّقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ مَنْقَبَةٌ جَلِيلَةٌ مِنْ مَنَاقِبِهِ وَفِيهِ أَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَيْهِ فَقَالَ يُعْطِيكَ سَلَبَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ) أَمَّا بَنُو سَلِمَةَ فَبِكَسْرِ اللَّامِ وَأَمَّا الْمَخْرَفُ فَبِفَتْحِ الميم والراء وهذا هوالمشهور وَقَالَ الْقَاضِي رُوِّينَاهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ كَالْمَسْجِدِ وَالْمَسْكِنِ بِكَسْرِ الْكَافِ وَالْمُرَادُ بِالْمَخْرَفِ هُنَا الْبُسْتَانُ وَقِيلَ السِّكَّةُ مِنَ النَّخْلِ تَكُونُ صَفَّيْنِ يُخْرِفُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ أَيْ يَجْتَنِي وَقَالَ بن وَهْبٍ هِيَ الْجُنَيْنَةُ الصَّغِيرَةُ وَقَالَ غَيْرُهُ هِيَ نَخَلَاتٌ يَسِيرَةٌ وَأَمَّا الْمِخْرَفُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ فَهُوَ الْوِعَاءُ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ مَا يُجْتَنَى مِنَ الثِّمَارِ وَيُقَالُ اخْتَرَفَ الثَّمَرَ إِذَا جَنَاهُ وَهُوَ ثَمَرٌ مَخْرُوفٌ قَوْلُهُ (فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ) هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ بَعْدَ الْأَلِفِ أَيِ اقْتَنَيْتُهُ وَتَأَصَّلْتُهُ وَأَثَلَةُ الشَّيْءِ أَصْلُهُ قَوْلُهُ (لَا تُعْطِهِ أُضَيْبِعَ مِنْ قُرَيْشٍ) قَالَ الْقَاضِي اخْتَلَفَ رُوَاةُ كِتَابِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَرْفِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا رِوَايَةُ السَّمَرْقَنْدِيِّ أُصَيْبِغَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالثَّانِي رِوَايَةُ سائر الرواة أضييع بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهِ رُوَاةُ الْبُخَارِيِّ فَعَلَى الثَّانِي هُوَ تَصْغِيرُ ضَبْعٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَأَنَّهُ لَمَّا وَصَفَ أبا قتادة بأنه أسد صغر هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ وَشَبَّهَهُ بِالضُّبَيْعِ لِضَعْفِ افْتِرَاسِهَا وَمَا تُوصَفُ بِهِ مِنَ الْعَجْزِ وَالْحُمْقِ وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَوَصْفَهُ بِهِ لِتَغَيُّرِ لَوْنِهِ وَقِيلَ حَقَّرَهُ وَذَمَّهُ بِسَوَادِ لَوْنِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ صَاحِبُ لَوْنٍ غَيْرِ مَحْمُودٍ وَقِيلَ وَصَفَهُ بِالْمَهَانَةِ وَالضَّعْفِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْأُصَيْبِغُ نَوْعٌ

مِنَ الطَّيْرِ قَالَ وَيَجُوزُ أَنَّهُ شَبَّهَهُ بِنَبَاتٍ ضَعِيفٍ يُقَالُ لَهُ الصُّيْبِغَا أَوَّلُ مَا يَطْلُعُ مِنَ الْأَرْضِ يَكُونُ مِمَّا يَلِي الشَّمْسَ مِنْهُ أَصْفَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1752] قَوْلُهُ (تَمَنَّيْتُ لَوْ كُنْتُ بَيْنَ أَضْلَعِ مِنْهُمَا) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ أَضْلَعِ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْعَيْنِ وَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَهُوَ الْأَصْوَبُ قَالَ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ أَصْلَحَ بِالصَّادِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ قَالَ وَكَذَا رَوَاهُ مُسَدَّدٌ قُلْتُ وَكَذَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ بَعْضِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ وَأَجْوَدُ مَعَ أَنَّ الِاثْنَيْنِ صَحِيحَانِ وَلَعَلَّهُ قَالَهُمَا جَمِيعًا وَمَعْنَى أَضْلَعَ أَقْوَى قَوْلُهُ (لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ) أَيْ شَخْصِي شَخْصَهُ قَوْلُهُ (حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا) أَيْ لَا أُفَارِقُهُ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُنَا وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَجَلًا قَوْلُهُ (فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَزُولُ فِي النَّاسِ) مَعْنَاهُ لَمْ أَلْبَثْ قَوْلُهُ يَزُولُ هُوَ بِالزَّايِ وَالْوَاوِ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَكَذَا رَوَاهُ الْقَاضِي عَنْ جَمَاهِيرِ شُيُوخِهِمْ قال ووقع عند بعضهم عن بن مَاهَانَ يَرْفُلُ بِالرَّاءِ وَالْفَاءِ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَوْجَهُ وَمَعْنَاهُ يَتَحَرَّكُ وَيُزْعِجُ وَلَا يَسْتَقِرُّ عَلَى حَالَةٍ وَلَا فِي مَكَانٍ وَالزَّوَالُ الْقَلَقُ قَالَ فَإِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فَمَعْنَاهُ يُسْبِلُ ثِيَابَهُ وَدِرْعَهُ وَيَجُرُّهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيُّكُمَا قَتَلَهُ) فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَا قَتَلْتُهُ فَقَالَ هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا قَالَا لَا فنظر في السيفين فقال كلا كما قَتَلَهُ وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَالرَّجُلَانِ مُعَاذُ

بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَمُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا اشْتَرَكَ هَذَانِ الرَّجُلَانِ فِي جِرَاحَتِهِ لَكِنَّ مُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ثَخِنَهُ أَوَّلًا فَاسْتَحَقَّ السَّلَبَ وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلا كما قَتَلَهُ تَطْيِيبًا لِقَلْبِ الْآخَرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ مُشَارَكَةً فِي قَتْلِهِ وَإِلَّا فَالْقَتْلُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ اسْتِحْقَاقُ السَّلَبِ وَهُوَ الْإِثْخَانُ وَإِخْرَاجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُتَمَنِّعًا إِنَّمَا وُجِدَ مِنْ مُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ فَلِهَذَا قَضَى لَهُ بِالسَّلَبِ قَالُوا وَإِنَّمَا أَخَذَ السَّيْفَيْنِ لِيَسْتَدِلَّ بِهِمَا عَلَى حَقِيقَةِ كَيْفِيَّةِ قَتْلِهِمَا فَعَلِمَ أَنَّ بن الْجَمُوحِ أَثْخَنَهُ ثُمَّ شَارَكَهُ الثَّانِي بَعْدَ ذَلِكَ وَبَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ السَّلَبَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي السَّلَبِ هَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ إِنَّمَا أَعْطَاهُ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِي السَّلَبِ يَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ وَقَدْ سَبَقَ الرَّدُّ عَلَى مذهبهم هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَالرَّجُلَانِ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَمُعَاذُ بن عَفْرَاءَ فَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ الْمَاجِشُونِ وَجَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ الَّذِي ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ وَذَكَرَهُ أَيْضًا مِنْ رواية بن مَسْعُودٍ وَأَنَّ ابْنَيْ عَفْرَاءَ ضَرَبَاهُ حَتَّى بَرَدَ وَذَكَرَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا وَذَكَرَ غَيْرُهُمَا أن بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ الَّذِي أَجْهَزَ عَلَيْهِ وَأَخَذَ رَأْسَهُ وَكَانَ وَجَدَهُ وَبِهِ رَمَقٌ وَلَهُ مَعَهُ خَبَرٌ مَعْرُوفٌ قَالَ الْقَاضِي هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ السِّيَرِ قُلْتُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَةَ اشْتَرَكُوا فِي قَتْلِهِ وَكَانَ الْإِثْخَانُ مِنْ مُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَجَاءَ بن مَسْعُودٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَفِيهِ رَمَقٌ فَحَزَّ رَقَبَتَهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ 1 الْمُبَادَرَةُ إِلَى الْخَيْرَاتِ 2 وَالِاشْتِيَاقُ إِلَى الْفَضَائِلِ 3 وَفِيهِ الْغَضَبُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ أَنَّهُ 4 ينبغي أن لا يُحْتَقَرَ أَحَدٌ فَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ مَنْ يُسْتَصْغَرُ عَنِ الْقِيَامِ بِأَمْرٍ أَكْبَرَ مِمَّا فِي النُّفُوسِ وأحق ذلك الْأَمْرِ كَمَا جَرَى لِهَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ وَاحْتَجَّتْ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْقَاتِلِ السَّلَبَ

يَكْفِي فِيهِ قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَجَوَابُ أَصْحَابِنَا عَنْهُ لَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا قَوْلُهُ [1753] (عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلًا مِنَ الْعَدُوِّ فَأَرَادَ سَلَبَهُ فَمَنَعَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهِمْ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لِخَالِدٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ قَالَ! اسْتَكْثَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ادْفَعْهُ إِلَيْهِ فَمَرَّ خَالِدٌ بِعَوْفٍ فَجَرَّ بِرِدَائِهِ فَقَالَ هَلْ أَنْجَزْتُ لَكَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتُغْضِبَ فَقَالَ لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ هل أنتم تاركوا لِي أُمَرَائِي إِلَى آخِرِهِ) هَذِهِ الْقَضِيَّةُ جَرَتْ في غزوة موتة سَنَةَ ثَمَانٍ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ يُسْتَشْكَلُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْقَاتِلَ قَدِ اسْتَحَقَّ السَّلَبَ فَكَيْفَ مَنَعَهُ إِيَّاهُ وَيُجَابُ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَعَلَّهُ أَعْطَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْقَاتِلِ وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ تَعْزِيرًا لَهُ وَلِعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ لِكَوْنِهِمَا أَطْلَقَا أَلْسِنَتَهُمَا فِي خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَانْتَهَكَا حُرْمَةَ الْوَالِي وَمَنْ وَلَّاهُ الْوَجْهُ الثَّانِي لَعَلَّهُ اسْتَطَابَ قَلْبَ صَاحِبِهِ فَتَرَكَهُ صَاحِبُهُ بِاخْتِيَارِهِ وَجَعَلَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَكَانَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ اسْتَطَابَةَ قَلْبِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلْمَصْلَحَةِ فِي إِكْرَامِ الْأُمَرَاءِ قَوْلُهُ (فَاسْتُغْضِبَ فَقَالَ لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ) فِيهِ جَوَازُ الْقَضَاءِ فِي حَالِ الْغَضَبِ وَنُفُوذِهِ وَأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ قَرِيبًا وَاضِحَةً قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (هل أنتم تاركوا إلى أُمَرَائِي) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ تَارِكُوا

بِغَيْرِ نُونٍ وَفِي بَعْضِهَا تَارِكُونَ بِالنُّونِ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ أَيْضًا وَهِيَ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَقَدْ جَاءَتْ بِهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَةِ الْأُمَرَاءِ وَالرَّعِيَّةِ (فَصَفْوُهُ لَكُمْ يَعْنِي الرَّعِيَّةَ وَكَدَرُهُ عَلَيْهِمْ) يَعْنِي عَلَى الْأُمَرَاءِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الصَّفْوُ هُنَا بِفَتْحِ الصَّادِ لَا غَيْرَ وَهُوَ الْخَالِصُ فَإِذَا أَلْحَقُوهُ الْهَاءَ فَقَالُوا الصَّفْوَةُ كَانَتِ الصَّادُ مَضْمُومَةً وَمَفْتُوحَةً وَمَكْسُورَةً ثَلَاثُ لُغَاتٍ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّعِيَّةَ يَأْخُذُونَ صَفْوَ الْأُمُورِ فَتَصِلُهُمْ أَعْطِيَاتُهُمْ بِغَيْرِ نَكَدٍ وَتُبْتَلَى الْوُلَاةُ بِمُقَاسَاةِ الْأُمُورِ وَجَمْعِ الْأَمْوَالِ عَلَى وُجُوهِهَا وَصَرْفِهَا فِي وُجُوهِهَا وَحِفْظِ الرَّعِيَّةِ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ وَالذَّبِّ عَنْهُمْ وَإِنْصَافِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ ثُمَّ مَتَى وَقَعَ عَلَقَةٌ أَوْ عَتَبٌ فِي بَعْضِ ذَلِكَ تَوَجَّهَ عَلَى الْأُمَرَاءِ دُونَ النَّاسِ قَوْلُهُ (غَزْوَةُ مُؤْتَةَ) هِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ ثُمَّ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَيَجُوزُ تَرْكُ الْهَمْزِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ وَهِيَ قَرْيَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي طَرَفِ الشَّامِ عِنْدَ الْكَرْكِ قَوْلُهُ (وَرَافَقَنِي مَدَدِي) يعني رجل

من المدد والذين جاؤا يَمُدُّونَ جَيْشَ مُؤْتَةَ وَيُسَاعِدُونَهُمْ [1754] قَوْلُهُ (فَبَيْنَا نَحْنُ نتضحى) أي نتغذى مَأْخُوذٌ مِنْ الضَّحَاءِ بِالْمَدِّ وَفَتْحِ الضَّادِ وَهُوَ بَعْدَ امْتِدَادِ النَّهَارِ وَفَوْقَ الضُّحَى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ قَوْلُهُ (ثُمَّ انْتَزَعَ طَلَقًا مِنْ حَقَبِهِ) أَمَّا الطَّلَقُ فَبِفَتْحِ الطَّاءِ وَاللَّامِ وَبِالْقَافِ وَهُوَ الْعِقَالُ مِنْ جِلْدٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ مِنْ حَقَبِهِ فَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْقَافِ وَهُوَ حَبْلُ الشَّدِّ عَلَى حَقْوِ الْبَعِيرِ قَالَ الْقَاضِي لَمْ يُرْوَ هَذَا الْحَرْفُ إِلَّا بِفَتْحِ الْقَافِ قَالَ وَكَانَ بَعْضُ شيوخنا يقول صوابه بِإِسْكَانِهَا أَيْ مِمَّا احْتَقَبَ خَلْفَهُ وَجَعَلَهُ فِي حقيبته وهي الرفادة في مؤخر الْقَتَبِ وَوَقَعَ هَذَا الْحَرْفُ فِي سُنَنِ أَبِي داود حقوه وفسره مؤخره قال القاضي والأشبه عندي أن يكون حقوه فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ حُجْزَتُهُ وَحِزَامُهُ وَالْحَقْوُ مَعْقِدُ الْإِزَارِ مِنَ الرَّجُلِ وَبِهِ سُمِّيَ الْإِزَارُ حَقْوًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ السَّمَرْقَنْدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ مِنْ جَعْبَتِهِ بِالْجِيمِ وَالْعَيْنِ فَإِنْ صَحَّ وَلَمْ يَكُنْ تَصْحِيفًا فَلَهُ وَجْهٌ بِأَنْ عَلَّقَهُ بِجَعْبَةِ سِهَامِهِ وَأَدْخَلَهُ فِيهَا قَوْلُهُ (وَفِينَا ضَعْفَةٌ وَرِقَّةٌ) ضَبَطُوهُ عَلَى وَجْهَيْنِ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَرِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ بِفَتْحِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ أَيْ حَالَةُ ضَعْفٍ وَهُزَالٍ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الصَّوَابُ وَالثَّانِي بِفَتْحِ الْعَيْنِ جَمْعُ ضَعِيفٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِينَا ضَعْفٌ بِحَذْفِ الْهَاءِ قَوْلُهُ (خَرَجَ يَشْتَدُّ) أَيْ يَعْدُو وَقَوْلُهُ (ثُمَّ أَنَاخَهُ فَقَعَدَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَثَارَهُ) أَيْ رَكِبَهُ ثُمَّ بَعَثَهُ قَائِمًا قَوْلُهُ (نَاقَةٌ وَرْقَاءُ) أَيْ في لونها

(باب التنفيل وفداء المسلمين بالأسارى [1755] قوله (فلما كان

سَوَادٌ كَالْغُبْرَةِ قَوْلُهُ (فَاخْتَرَطْتُ سَيْفِي) أَيْ سَلَلْتُهُ قَوْلُهُ (فَضَرَبْتُ رَأْسَ الرَّجُلِ فَنَدَرَ) هُوَ بِالنُّونِ أَيْ سَقَطَ قَوْلُهُ (فَاسْتَقْبَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ مَعَهُ فَقَالَ مَنْ قتل الرجل قالوا بن الْأَكْوَعِ قَالَ لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ) فِيهِ اسْتِقْبَالُ السَّرَايَا وَالثَّنَاءُ عَلَى مَنْ فَعَلَ جَمِيلًا وَفِيهِ قَتْلُ الْجَاسُوسِ الْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ وَهُوَ كَذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَمَرَهُمْ بِطَلَبِهِ وَقَتْلِهِ وَأَمَّا الْجَاسُوسُ الْمُعَاهَدُ وَالذِّمِّيُّ فَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ يَصِيرُ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ فَإِنْ رَأَى اسْتِرْقَاقَهُ أَرَقَّهُ وَيَجُوزُ قَتْلُهُ وَقَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ شُرِطَ عَلَيْهِ انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِذَلِكَ وَأَمَّا الْجَاسُوسُ الْمُسْلِمُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى يُعَزِّرُهُ الْإِمَامُ بِمَا يَرَى مِنْ ضَرْبٍ وَحَبْسٍ وَنَحْوِهِمَا وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَجْتَهِدُ فِيهِ الْإِمَامُ وَلَمْ يُفَسِّرِ الِاجْتِهَادَ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ كِبَارُ أَصْحَابِهِ يُقْتَلُ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي تَرْكِهِ بِالتَّوْبَةِ قَالَ الْمَاجِشُونِ إِنْ عُرِفَ بِذَلِكَ قُتِلَ وَإِلَّا عُزِّرَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ الْقَاتِلَ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ وَأَنَّهُ لَا يُخَمَّسُ وَقَدْ سَبَقَ إِيضَاحُ هَذَا كُلِّهِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ مُجَانَسَةِ الْكَلَامِ إِذْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَكَلُّفٌ وَلَا فَوَاتُ مَصْلَحَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب التَّنْفِيلِ وَفِدَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِالْأَسَارَى [1755] قَوْلُهُ (فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَاءِ سَاعَةٌ) هَكَذَا رَوَاهُ جُمْهُورُ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ بعضهم)

بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَاءِ سَاعَةٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ (أَمَرَنَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَرَّسْنَا ثُمَّ شَنَّ الْغَارَةَ) التَّعْرِيسُ النُّزُولُ آخِرَ اللَّيْلِ وَشَنَّ الْغَارَةَ فَرَّقَهَا قَوْلُهُ (وَانْظُرْ إِلَى عُنُقٍ مِنَ النَّاسِ) أَيْ جَمَاعَةٌ قَوْلُهُ (فِيهِمُ الذَّرَارِيُّ) يَعْنِي النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ قَوْلُهُ (وَفِيهِمُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ عَلَيْهَا قَشْعٌ مِنْ أَدَمٍ) هُوَ بِقَافٍ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَفِي الْقَافِ لُغَتَانِ فَتْحُهَا وَكَسْرُهَا وَهُمَا مَشْهُورَتَانِ وَفَسَّرَهُ فِي الْكِتَابِ بِالنِّطْعِ وَهُوَ صَحِيحٌ قَوْلُهُ (فَنَفَّلَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ابْنَتَهَا) فِيهِ جَوَازُ التَّنْفِيلِ وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ التَّنْفِيلُ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ وَقَدْ يُجِيبُ عَنْهُ الْآخَرُونَ بِأَنَّهُ حَسَبَ قِيمَتَهَا لِيُعَوِّضَ أَهْلَ الْخُمُسِ عَنْ حِصَّتِهِمْ قَوْلُهُ (وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْكِنَايَةِ عَنِ الْوِقَاعِ بِمَا يُفْهِمُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا سَلَمَةُ هَبْ لِي الْمَرْأَةَ لِلَّهِ أَبُوكَ فَقُلْتُ هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبَعَثَ بِهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَفَدَى بِهَا نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا أُسِرُوا بِمَكَّةَ) فِيهِ جَوَازُ الْمُفَادَاةِ وَجَوَازُ فِدَاءِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ الْكَافِرَاتِ وَفِيهِ جَوَازُ التفريق

(باب حكم الفيء قوله [1756] صلى الله عليه وسلم (أيما قرية

بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا الْبَالِغِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ عِنْدَنَا وَفِيهِ جَوَازُ اسْتِيهَابِ الْإِمَامِ أَهْلَ جَيْشِهِ بَعْضَ مَا غَنِمُوهُ لِيُفَادِيَ بِهِ مُسْلِمًا أَوْ يَصْرِفَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يَتَأَلَّفُ بِهِ مَنْ فِي تَأَلُّفِهِ مَصْلَحَةٌ كَمَا فَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُنَا وَفِيِ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ وَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ الْإِنْسَانِ لِلْآخَرِ لِلَّهِ أَبُوكَ وَلِلَّهِ دَرُّكَ وَقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُ مَعْنَاهُ وَاضِحًا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ فِي الْفِتْنَةِ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ (بَاب حُكْمِ الْفَيْءِ قَوْلُهُ [1756] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا أَقَمْتُمْ فِيهَا فَسَهْمُكُمْ فِيهَا وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ خُمُسَهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ) قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأُولَى الْفَيْءَ الَّذِي لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ بَلْ جَلَا عَنْهُ أَهْلُهُ أَوْ صَالَحُوا عَلَيْهِ فَيَكُونُ سَهْمُهُمْ فِيهَا أَيْ حَقُّهُمْ مِنَ الْعَطَايَا كَمَا يُصْرَفُ الْفَيْءُ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالثَّانِيَةِ مَا أُخِذَ عَنْوَةً فَيَكُونُ غَنِيمَةً يُخْرَجُ مِنْهُ الْخُمُسُ وَبَاقِيهِ لِلْغَانِمِينَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ أَيْ بَاقِيهَا وَقَدْ يَحْتَجُّ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الْخُمُسَ فِي الْفَيْءِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ أَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ الْخُمْسَ فِي الْفَيْءِ كَمَا أَوْجَبُوهُ كُلُّهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَقَالَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ سِوَاهُ لَا خُمُسَ فِي الْفَيْءِ قال بن الْمُنْذِرِ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَ الشَّافِعِيِّ قَالَ بِالْخُمُسِ فِي الْفَيْءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ [1757] (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ)

يَحْيَى أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَهَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ وَأَكْثَرُهَا عَنْ عَمْرٍو عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ وَكَذَا ذَكَرَهُ خَلَفُ الْوَاسِطِيُّ فِي الْأَطْرَافِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَسَقَطَ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ ذِكْرُ الزُّهْرِيِّ فِي الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ فَقَالَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ بَعْضِ النَّاقِلِينَ عَنْ مُسْلِمٍ قَطْعًا لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ فِي الْإِسْنَادِ الثَّانِي عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَهُ فِي الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ فَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهُ قَوْلُهُ (كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ وَمَا بَقِيَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَمَّا الْكُرَاعُ فَهُوَ الْخَيْلُ وَقَوْلُهُ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ أَيْ يَعْزِلُ لَهُمْ نَفَقَةَ سَنَةٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ يُنْفِقُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ فَلَا تَتِمُّ عَلَيْهِ السَّنَةُ وَلِهَذَا تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عَلَى شَعِيرٍ اسْتَدَانَهُ لِأَهْلِهِ وَلَمْ يَشْبَعْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِكَثْرَةِ جُوعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجُوعِ عِيَالِهِ وَقَوْلُهُ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً هَذَا يُؤَيِّدُ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا خُمُسَ فِي الْفَيْءِ كَمَا سَبَقَ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَوْجَبَهُ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ مِنَ الْفَيْءِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ وَخُمُسُ خُمُسِ الْبَاقِي فَكَانَ لَهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ لِذَوِي الْقُرْبَى واليتامى والمساكين وبن السَّبِيلِ وَيُتَأَوَّلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى هَذَا فَنَقُولُ قَوْلُهُ كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ أَيْ مُعْظَمُهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ ادِّخَارِ قُوتِ سَنَةٍ وَجَوَازُ الِادِّخَارِ لِلْعِيَالِ وَأَنَّ هَذَا لَا يَقْدَحُ فِي التَّوَكُّلِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الِادِّخَارِ فِيمَا يَسْتَغِلُّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ قَرْيَتِهِ كَمَا

جَرَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنَ السُّوقِ وَيَدَّخِرُهُ لقوت عياله فإن كان في وقت ضيق الطعام لم يجز بل يشتري مالا يَضِيقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَقُوتِ أَيَّامٍ أَوْ شَهْرٍ وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ سَعَةٍ اشْتَرَى قُوتَ سَنَةٍ وَأَكْثَرَ هَكَذَا نَقَلَ الْقَاضِي هَذَا التَّفْصِيلَ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ قَوْمٍ إِبَاحَتُهُ مُطْلَقًا وأما مالم يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَالْإِيجَافُ الْإِسْرَاعُ قَوْلُهُ (فَجِئْتُهُ حِينَ تَعَالَى النَّهَارُ) أَيْ ارْتَفَعَ وَهُوَ بِمَعْنَى مَتَعَ النَّهَارُ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَوْلُهُ (فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِهِ جَالِسًا عَلَى سَرِيرٍ مُفْضِيًا إِلَى رُمَالِهِ) هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ مَا يُنْسَجُ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ وَنَحْوِهِ لِيُضْطَجَعَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ مُفْضِيًا إِلَى رُمَالِهِ يَعْنِي لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُمَالِهِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ الرُّمَالِ فِرَاشٌ أَوْ غَيْرُهُ قَوْلُهُ (فَقَالَ لِي يَا مَالِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ يَا مَالِ وَهُوَ تَرْخِيمُ مَالِكٍ بِحَذْفِ الْكَافِ وَيَجُوزُ كَسْرُ اللَّامِ وَضَمُّهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فَمَنْ كَسَرَهَا تَرَكَهَا عَلَى مَا كَانَتْ وَمَنْ ضَمَّهَا جَعَلَهُ اسْمًا مُسْتَقِلًّا قَوْلُهُ (دَفُّ أَهْلِ أَبْيَاتٍ من قومك) الدف المشي بسرعة كأنهم جاؤوا مُسْرِعِينَ لِلضُّرِّ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ وَقِيلَ السَّيْرُ الْيَسِيرُ قَوْلُهُ (وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ) هُوَ بإسكان الضاد بالخاء الْمُعْجَمَتَيْنِ وَهِيَ الْعَطِيَّةُ الْقَلِيلَةُ قَوْلُهُ (فَجَاءَ يَرْفَا) هُوَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْفَاءِ غَيْرُ مَهْمُوزٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ مَنْ هَمَزَهُ وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ فِي بَابِ الْفَيْءِ تُسَمِّيهِ الْيَرْفَا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ حَاجِبُ

عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ (اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا الْكَاذِبِ إِلَى آخِرِهِ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَعْنَاهُ هَذَا الْكَاذِبُ إِنْ لَمْ يُنْصِفْ فَحَذَفَ الْجَوَابَ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذَا اللَّفْظُ الَّذِي وَقَعَ لَا يَلِيقُ ظَاهِرُهُ بِالْعَبَّاسِ وَحَاشَ لِعَلِيٍّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ بَعْضُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فَضْلًا عَنْ كُلِّهَا وَلَسْنَا نَقْطَعُ بِالْعِصْمَةِ إِلَّا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِمَنْ شَهِدَ لَهُ بِهَا لَكِنَّا مَأْمُورُونَ بِحُسْنِ الظَّنِّ بِالصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَنَفْيِ كُلِّ رَذِيلَةٍ عَنْهُمْ وَإِذَا انْسَدَّتْ طُرُقُ تَأْوِيلِهَا نَسَبْنَا الْكَذِبَ إِلَى رُوَاتِهَا قَالَ وَقَدْ حَمَلَ هَذَا الْمَعْنَى بَعْضَ النَّاسِ عَلَى أَنْ أَزَالَ هَذَا اللَّفْظَ مِنْ نُسْخَتِهِ تَوَرُّعًا عَنْ إِثْبَاتِ مِثْلِ هَذَا وَلَعَلَّهُ حَمَلَ الْوَهْمَ عَلَى رُوَاتِهِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَإِذَا كَانَ هَذَا اللَّفْظُ لَا بُدَّ مِنْ إِثْبَاتِهِ وَلَمْ نُضِفِ الْوَهْمَ إِلَى رُوَاتِهِ فَأَجْوَدُ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَدَرَ مِنَ الْعَبَّاسِ عَلَى جِهَةِ الادلال على بن أخيه لأنه بمنزلة ابنه وقال مالا يعتقده وما يعلم براءة ذمة بن أَخِيهِ مِنْهُ وَلَعَلَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ رَدْعَهُ عَمَّا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُخْطِئٌ فِيهِ وَأَنَّ هَذِهِ الْأَوْصَافَ يَتَّصِفُ بِهَا لَوْ كَانَ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ عن قصد وأن عليا كان لا يراها إِلَّا مُوجِبَةً لِذَلِكَ فِي اعْتِقَادِهِ وَهَذَا كَمَا يَقُولُ الْمَالِكِيُّ شَارِبُ النَّبِيذِ نَاقِصُ الدِّينِ وَالْحَنَفِيُّ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَاقِصٍ فَكُلُّ وَاحِدٍ مُحِقٌّ فِي اعْتِقَادِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِأَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ جَرَتْ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ الْخَلِيفَةُ وَعُثْمَانُ وَسَعْدٌ وَزُبَيْرٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذَا الْكَلَامَ مَعَ تَشَدُّدِهِمْ فِي إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِأَنَّهُمْ فَهِمُوا بِقَرِينَةِ الْحَالِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِمَا لَا يَعْتَقِدُ ظَاهِرَهُ مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَكَذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّكُمَا جِئْتُمَا أَبَا بَكْرٍ فَرَأَيْتُمَاهُ كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنًا وَكَذَلِكَ ذَكَرَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ كَذَلِكَ وَتَأْوِيلُ هَذَا عَلَى نَحْوِ مَا سَبَقَ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّكُمَا تَعْتَقِدَانِ أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ نَفْعَلَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ خِلَافَ مَا فَعَلْتُهُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ فَنَحْنُ عَلَى مُقْتَضَى رَأْيِكُمَا لَوْ أَتَيْنَا مَا أَتَيْنَا وَنَحْنُ مُعْتَقِدَانِ مَا تَعْتَقِدَانِهِ لَكُنَّا بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِمَامَ إِنَّمَا يُخَالَفُ إِذَا كَانَ عَلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ

وَيُتَّهَمُ فِي قَضَايَاهُ فَكَانَ مُخَالَفَتُكُمَا لَنَا تُشْعِرُ مَنْ رَآهَا أَنَّكُمْ تَعْتَقِدَانِ ذَلِكَ فِينَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَأَمَّا الِاعْتِذَارُ عَنْ عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي أَنَّهُمَا تَرَدَّدَا إِلَى الْخَلِيفَتَيْنِ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَتَقْرِيرُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ فَأَمْثَلُ مَا فِيهِ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمَا طَلَبَا أَنْ يَقْسِمَاهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ينفقان بها على حسب ما ينفعهما الْإِمَامُ بِهَا لَوْ وَلِيَهَا بِنَفْسِهِ فَكَرِهَ عُمَرُ أَنْ يُوقِعَ عَلَيْهَا اسْمَ الْقِسْمَةِ لِئَلَّا يُظَنَّ لِذَلِكَ مَعَ تَطَاوُلِ الْأَزْمَانِ أَنَّهَا مِيرَاثٌ وَأَنَّهُمَا وَرِثَاهُ لَا سِيَّمَا وَقِسْمَةُ الْمِيرَاثِ بَيْنَ الْبِنْتِ وَالْعَمِّ نِصْفَانِ فَيَلْتَبِسُ ذَلِكَ وَيُظَنُّ أَنَّهُمْ تَمَلَّكُوا ذَلِكَ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ مَا قَالَهُ أَبُو دَاوُدَ أَنَّهُ لَمَّا صَارَتِ الْخِلَافَةُ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُغَيِّرْهَا عَنْ كَوْنِهَا صَدَقَةً وَبِنَحْوِ هَذَا احْتَجَّ السَّفَّاحُ فَإِنَّهُ لَمَّا خَطَبَ أَوَّلَ خُطْبَةٍ قَامَ بِهَا قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مُعَلِّقٌ فِي عُنُقِهِ الْمُصْحَفَ فَقَالَ أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلَّا مَا حَكَمْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ خَصْمِي بِهَذَا الْمُصْحَفِ فَقَالَ مَنْ هُوَ خَصْمُكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي مَنْعِهِ فَدَكٍ قَالَ أَظَلَمَكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَنْ بَعْدَهُ قَالَ عُمَرُ قَالَ أَظَلَمَكَ قَالَ نَعَمْ وَقَالَ فِي عُثْمَانَ كَذَلِكَ قَالَ فَعَلِيٌّ ظَلَمَكَ فَسَكَتَ الرَّجُلُ فَأَغْلَظَ لَهُ السَّفَّاحُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَدْ تَأَوَّلَ قَوْمٌ طَلَبَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِيرَاثَهَا مِنْ أَبِيهَا عَلَى أَنَّهَا تَأَوَّلَتِ الْحَدِيثَ إِنْ كَانَ بَلَغَهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نُورَثُ عَلَى الْأَمْوَالِ الَّتِي لَهَا بَالٌ فَهِيَ الَّتِي لَا تُورَثُ لَا مَا يَتْرُكُونَ مِنْ طَعَامٍ وَأَثَاثٍ وَسِلَاحٍ وَهَذَا التَّأْوِيلُ خِلَافُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَلَيْسَ مَعْنَاهُ إِرْثُهُنَّ مِنْهُ بَلْ لِكَوْنِهِنَّ مَحْبُوسَاتٍ عَنِ الْأَزْوَاجِ بِسَبَبِهِ أَوْ لِعِظَمِ حَقِّهِنَّ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِفَضْلِهِنَّ وَقِدَمِ هِجْرَتِهِنَّ وَكَوْنِهِنَّ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَكَذَلِكَ اخْتُصِصْنَ بِمَسَاكِنِهِنَّ لَمْ يَرِثْهَا وَرَثَتُهُنَّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَفِي تَرْكِ فَاطِمَةَ مُنَازَعَةَ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ احْتِجَاجِهِ عَلَيْهَا بِالْحَدِيثِ التَّسْلِيمُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى قَضِيَّةِ وأنها لَمَّا بَلَّغَهَا الْحَدِيثَ وَبَيَّنَ لَهَا التَّأْوِيلَ تَرَكَتْ رَأْيَهَا ثُمَّ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا وَلَا مِنْ ذُرِّيَّتِهَا بَعْدَ ذَلِكَ طَلَبُ مِيرَاثٍ ثُمَّ وَلِيَ عَلِيٌّ الْخِلَافَةَ فَلَمْ يَعْدِلْ بِهَا عَمَّا فَعَلَهُ أبو بكر وعمر رضي الله عنه فَدَلَّ عَلَى أَنَّ طَلَبَ عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ إِنَّمَا كَانَ طَلَبَ تَوَلِّي الْقِيَامِ بِهَا بِأَنْفُسِهِمَا وَقِسْمَتِهَا بَيْنَهُمَا كَمَا سَبَقَ قَالَ وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ هِجْرَانِ فَاطِمَةَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَعْنَاهُ انْقِبَاضُهَا عَنْ لِقَائِهِ وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْهِجْرَانِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي هُوَ تَرْكُ السَّلَامِ وَالْإِعْرَاضُ عِنْدَ اللِّقَاءِ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (فَلَمْ تُكَلِّمْهُ) يَعْنِي فِي هَذَا الْأَمْرِ أَوْ لِانْقِبَاضِهَا لَمْ تَطْلُبْ مِنْهُ حَاجَةً وَلَا اضْطُرَّتْ إلى لقائه فتكلمه ولم ينقل قط أنهما الْتَقَيَا فَلَمْ تُسَلِّمْ عَلَيْهِ

وَلَا كَلَّمَتْهُ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ جِئْتُمَانِي تُكَلِّمَانِي وَكَلَّمْتُكُمَا فِي وَاحِدَةٍ جِئْتَ يَا عَبَّاسُ تسألني نصيبك من بن أَخِيكَ وَجَاءَنِي هَذَا يَسْأَلُنِي نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا فِيهِ إِشْكَالٌ مَعَ إِعْلَامِ أَبِي بَكْرٍ لَهُمْ قَبْلَ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا نُورَثُ وَجَوَابُهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ إِنَّمَا طَلَبَ الْقِيَامَ وَحْدَهُ عَلَى ذَلِكَ وَيَحْتَجُّ هَذَا بِقُرْبِهِ بِالْعُمُومَةِ وَذَلِكَ بِقُرْبِ امْرَأَتِهِ بِالْبُنُوَّةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا طَلَبَا مَا عَلِمَا مَنْعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنَعَهُمَا مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ وَبَيَّنَ لَهُمَا دَلِيلَ الْمَنْعِ وَاعْتَرَفَا لَهُ بِذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُوَلَّى أَمْرَ كُلِّ قَبِيلَةٍ سَيِّدُهُمْ وَتُفَوَّضُ إِلَيْهِ مَصْلَحَتُهُمْ لأنه أعرف بهم وَأَرْفَقُ بِهِمْ وَأَبْعَدُ مِنْ أَنْ يَأْنَفُوا مِنَ الِانْقِيَادِ لَهُ ولِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَابْعَثُوا حكما من أهله وحكما من أهلها وَفِيهِ جَوَازُ نِدَاءِ الرَّجُلِ بِاسْمِهِ مِنْ غَيْرِ كنية وفِيهِ جَوَازُ احْتِجَابِ الْمُتَوَلِّي فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ لِطَعَامِهِ أَوْ وُضُوئِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَفِيهِ جَوَازُ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَفِيهِ اسْتِشْهَادُ الْإِمَامِ عَلَى مَا يَقُولُهُ بِحَضْرَةِ الْخَصْمَيْنِ الْعُدُولِ لِتَقْوَى حُجَّتُهُ فِي إِقَامَةِ الْحَقِّ وَقَمْعِ الْخَصْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنه عنه اتَّئِدَا) أَيْ اصْبِرَا وَأَمْهِلَا قَوْلُهُ (أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ) أَيْ أَسْأَلُكُمْ بِاللَّهِ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّشِيدِ وَهُوَ رفع الصوت يقال أنشدتك ونشدتك بالله قوله صلى الله عليه وسلم (لا نورث ما تركناه صدقة) هو برفع صدقة وما بِمَعْنَى الَّذِي أَيْ الَّذِي تَرَكْنَاهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ بَعْدَ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَفَعَتْهُ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى هَذَا لِأَنَّ بَعْضَ جَهَلَةِ الشِّيعَةِ يُصَحِّفُهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لَا يُورَثُونَ أَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ فِي الْوَرَثَةِ مَنْ يَتَمَنَّى مَوْتَهُ فَيَهْلِكُ وَلِئَلَّا يُظَنَّ بِهِمُ الرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا لِوَارِثِهمِ فَيَهْلِكَ الظَّانُّ وَيَنْفِرَ النَّاسُ عَنْهُمْ

قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ كَانَ خَصَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَاصَّةٍ لَمْ يَخْصُصْ بِهَا أَحَدًا غَيْرَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَا أفاء الله على رسوله الْآيَةُ) ذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَعْنَى هَذَا احْتِمَالَيْنِ أَحَدُهُمَا تَحْلِيلُ الْغَنِيمَةِ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ وَالثَّانِي تَخْصِيصُهُ بِالْفَيْءِ إِمَّا كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ كَمَا سَبَقَ مِنَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَهَذَا الثَّانِي

أَظْهَرُ لِاسْتِشْهَادِ عُمَرَ عَلَى هَذَا بِالْآيَةِ قَوْلُهُ [1759] (فَهَجَرَتْهُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ) أَمَّا هِجْرَانُهَا فَسَبَقَ تَأْوِيلُهُ وَأَمَّا كَوْنُهَا عَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَقِيلَ ثَلَاثَةً وَقِيلَ شَهْرَيْنِ وَقِيلَ سَبْعِينَ يَوْمًا فَعَلَى الصَّحِيحِ قَالُوا تُوُفِّيَتْ لِثَلَاثٍ مَضَيْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ قَوْلُهُ (إِنَّ عَلِيًّا دَفَنَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَيْلًا) فِيهِ جَوَازُ الدَّفْنِ لَيْلًا وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنَّ النَّهَارَ أَفْضَلُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ قَوْلُهُ (وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ وِجْهَةٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَلَمَّا تُوُفِّيَتِ اسْتَنْكَرَ عَلَيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلَمْ يَكُنْ بَايَعَ تِلْكَ الْأَشْهُرَ) أَمَّا تَأَخُّرُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الْبَيْعَةِ فَقَدْ ذَكَرَهُ عَلِيٌّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَاعْتَذَرَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَعَ هَذَا فَتَأَخُّرُهُ لَيْسَ بِقَادِحٍ فِي الْبَيْعَةِ وَلَا فِيهِ أَمَّا الْبَيْعَةُ فَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا مُبَايَعَةُ كُلِّ النَّاسِ وَلَا كُلِّ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعِقْدِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ مُبَايَعَةُ مَنْ تَيَسَّرَ إِجْمَاعُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ وَوُجُوهِ النَّاسِ وَأَمَّا عَدَمُ الْقَدْحِ فِيهِ فَلِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَأْتِيَ إِلَى الْإِمَامِ فَيَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ وَيُبَايِعَهُ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ إِذَا عَقَدَ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ لِلْإِمَامِ الِانْقِيَادُ لَهُ وأن لا يظهر خلافا ولا يشق لعصا وَهَكَذَا كَانَ شَأْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ الَّتِي قَبْلَ بَيْعَتِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُظْهِرْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ خِلَافًا وَلَا شَقَّ الْعَصَا وَلَكِنَّهُ تَأَخَّرَ عَنِ الْحُضُورِ عِنْدَهُ للعذر

الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ يَكُنِ انْعِقَادُ الْبَيْعَةِ وَانْبِرَامُهَا مُتَوَقِّفًا عَلَى حُضُورِهِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحُضُورُ لِذَلِكَ وَلَا لِغَيْرِهِ فَلَمَّا لَمْ يَجِبْ لَمْ يَحْضُرْ وَمَا نُقِلَ عَنْهُ قَدْحٌ فِي الْبَيْعَةِ وَلَا مُخَالَفَةٌ وَلَكِنْ بَقِيَ فِي نَفْسِهِ عَتَبٌ فَتَأَخَّرَ حُضُورُهُ إِلَى أَنْ زَالَ الْعَتَبُ وَكَانَ سَبَبُ الْعَتَبِ أَنَّهُ مَعَ وَجَاهَتِهِ وَفَضِيلَتِهِ فِي نَفْسِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَقُرْبِهِ مِنَ النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك رَأَى أَنَّهُ لَا يُسْتَبَدُّ بِأَمْرٍ إِلَّا بِمَشُورَتِهِ وَحُضُورِهِ وَكَانَ عُذْرُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ وَاضِحًا لِأَنَّهُمْ رَأَوُا الْمُبَادَرَةَ بِالْبَيْعَةِ مِنْ أَعْظَمِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَخَافُوا مِنْ تَأْخِيرِهَا حُصُولَ خِلَافٍ وَنِزَاعٍ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفَاسِدُ عَظِيمَةٌ وَلِهَذَا أَخَّرُوا دَفْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عَقَدُوا الْبَيْعَةَ لِكَوْنِهَا كَانَتْ أَهَمَّ الْأُمُورِ كَيْلَا يَقَعَ نِزَاعٌ فِي مَدْفِنِهِ أَوْ كَفَنِهِ أَوْ غُسْلِهِ أَوِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُمْ مَنْ يَفْصِلُ الْأُمُورَ فَرَأَوْا تقدم الْبَيْعَةِ أَهَمَّ الْأَشْيَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ ائْتِنَا وَلَا يَأْتِنَا مَعَكَ أَحَدٌ كَرَاهِيَةَ مَحْضَرِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهِ لَا تَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ) أَمَّا كَرَاهَتُهُمْ لِمَحْضَرِ عمر فلما علموا من شدته وصدعه بما يظهر له فخافوا أن ينتصر لأبي بكر رضي الله عنه فيتكلم بكلام يوحش قُلُوبَهُمْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَكَانَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ طَابَتْ عَلَيْهِ وَانْشَرَحَتْ لَهُ فَخَافُوا أَنْ يَكُونَ حُضُورُ عُمَرَ سَبَبًا لِتَغَيُّرِهَا وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ لَا تَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ خَافَ أَنْ يُغْلِظُوا عَلَيْهِ فِي الْمُعَاتَبَةِ وَيَحْمِلُهُمْ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْ ذَلِكَ لِينُ أَبِي بَكْرٍ وَصَبْرِهِ عَنِ الْجَوَابِ عَنْ نَفْسِهِ وَرُبَّمَا رَأَى مِنْ كَلَامِهِمْ مَا غَيَّرَ قَلْبَهُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ خَاصَّةٌ أَوْ عَامَّةٌ وَإِذَا حَضَرَ عُمَرُ امْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا كَوْنُ عُمَرَ حَلَفَ أَلَّا يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَحْدَهُ فَحَنَّثَهُ أَبُو بَكْرٍ وَدَخَلَ وَحْدَهُ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِبْرَارَ الْقَسَمِ إِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهِ الْإِنْسَانُ إذا أمكن

احْتِمَالُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَا تَكُونُ فِيهِ مَفْسَدَةٌ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ الْحَدِيثُ بِإِبْرَارِ الْقَسَمِ قَوْلُهُ (وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ) هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ يُقَالُ نَفِسْتُ عَلَيْهِ بِكَسْرِ الْفَاءِ أَنْفَسُ بِفَتْحِهَا نَفَاسَةً وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْحَسَدِ قَوْلُهُ (وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ فَإِنِّي لَمْ آلُ فِيهَا عَنِ الْحَقِّ) مَعْنَى شَجَرَ الِاخْتِلَافُ وَالْمُنَازَعَةُ وَقَوْلُهُ لَمْ آلُ أَيْ لَمْ أُقَصِّرْ قَوْلُهُ (فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةَ لِلْبَيْعَةِ فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ صَلَاةَ الظُّهْرِ رَقِيَ عَلَى المنبر) هو بكسر القاف يقال رقى يرقى كَعَلِمَ يَعْلَمُ وَالْعَشِيُّ بِحَذْفِ الْهَاءِ هُوَ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ صَلَّى إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ إِمَّا الظُّهْرُ وَإِمَّا الْعَصْرُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ صِحَّةِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَانْعِقَادِ الإجماع عليها

قَوْلُهُ (كَانَتَا لِحُقُوقِهِ الَّتِي تَعْرُوهُ وَنَوَائِبِهِ) مَعْنَاهُ مَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ مِنَ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ وَيُقَالُ عَرَوْتَهُ وَاعْتَرَيْتَهُ وَعَرَرْتَهُ وَاعْتَرَرْتَهُ إِذَا أَتَيْتَهُ تَطْلُبُ مِنْهُ حَاجَةً [1760] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَقْسِمْ وَرَثَتِي دِينَارًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا التَّقْيِيدُ بِالدِّينَارِ هُوَ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ عَلَى مَا سِوَاهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يره وَقَالَ تَعَالَى وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يؤده إليك قَالُوا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَذَا اللَّفْظِ النَّهْيَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَنْهَى عَمَّا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ وَإِرْثُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى الْإِخْبَارِ وَمَعْنَاهُ لَا يَقْتَسِمُونَ شَيْئًا لِأَنِّي لَا أُورَثُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ وَبِهِ قَالَ جماهيرهم وحكى القاضي عن بن عُلَيَّةَ وَبَعْضِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا لَمْ يُورَثْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّهُ أَنْ جَعَلَ مَالَهُ كُلَّهُ صَدَقَةً وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ الْحَدِيثِ ثُمَّ إِنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ لَا يُورَثُونَ وَحَكَى الْقَاضِي عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ عَدَمُ الْإِرْثِ بَيْنَهُمْ مُخْتَصٌّ بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ زَكَرِيَّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آل يعقوب وَزَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ وِرَاثَةُ الْمَالِ وَقَالَ وَلَوْ أَرَادَ وِرَاثَةَ النُّبُوَّةِ لَمْ يَقُلْ وَإِنِّي خِفْتُ الموالي من ورائي إذ لا يخاف الموالي عَلَى النُّبُوَّةِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَالصَّوَابُ مَا حَكَيْنَاهُ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ لَا يُورَثُونَ وَالْمُرَادُ بِقِصَّةِ زَكَرِيَّا وَدَاوُدَ وِرَاثَةُ النُّبُوَّةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْإِرْثِ بَلْ قِيَامُهُ مَقَامَهُ وَحُلُولُهُ مَكَانَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمُؤْنَةُ عَامِلِي

فَقِيلَ هُوَ الْقَائِمُ عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ وَالنَّاظِرُ فِيهَا وَقِيلَ كُلُّ عَامِلٍ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ خَلِيفَةٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ عَامِلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَائِبٌ عَنْهُ فِي أُمَّتِهِ وَأَمَّا مَؤنَةُ نِسَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبَقَ بَيَانُهَا قَرِيبًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي تَفْسِيرِ صَدَقَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَالَ صَارَتْ إِلَيْهِ بِثَلَاثَةِ حُقُوقٍ أَحَدُهَا مَا وُهِبَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ وَصِيَّةُ مُخَيْرِيقٍ الْيَهُودِيِّ لَهُ عِنْدَ إِسْلَامِهِ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَانَتْ سَبْعَ حَوَائِطَ فِي بَنِي النَّضِيرِ وما أعطاه الأنصار من أرضهم وهو مالا يَبْلُغُهُ الْمَاءُ وَكَانَ هَذَا مِلْكًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّانِي حَقُّهُ مِنَ الْفَيْءِ مِنْ أَرْضِ بَنِي النَّضِيرِ حِينَ أَجْلَاهُمْ كَانَتْ لَهُ خَاصَّةً لِأَنَّهَا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَأَمَّا مَنْقُولَاتُ بَنِي النَّضِيرِ فَحَمَلُوا مِنْهَا مَا حَمَلَتْهُ الْإِبِلُ غَيْرَ السِّلَاحِ كَمَا صَالَحَهُمْ ثُمَّ قَسَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَاقِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَتِ الْأَرْضُ لِنَفْسِهِ وَيُخْرِجُهَا فِي نَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ نِصْفُ أَرْضِ فَدَكٍ صَالَحَ أَهْلَهَا بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ أَرْضِهَا وَكَانَ خَالِصًا لَهُ وَكَذَلِكَ ثُلُثُ أَرْضِ وَادِي الْقُرَى أَخَذَهُ فِي الصُّلْحِ حِينَ صَالَحَ أَهْلَهَا الْيَهُودَ وَكَذَلِكَ حِصْنَانِ مِنْ حُصُونِ خَيْبَرَ وَهُمَا الْوَطِيخُ وَالسَّلَالِمُ أَخَذَهُمَا صُلْحًا الثَّالِثُ سَهْمُهُ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ وَمَا افْتَتَحَ فِيهَا عَنْوَةً فَكَانَتْ هَذِهِ كُلُّهَا مِلْكًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً لَا حَقَّ فيها لأحد غيره لكنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَسْتَأْثِرُ بِهَا بَلْ يُنْفِقُهَا عَلَى أَهْلِهِ وَالْمُسْلِمِينَ وَلِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَكُلُّ هَذِهِ صَدَقَاتٌ مُحَرَّمَاتُ التَّمَلُّكِ بَعْدَهُ والله أعلم

(باب كيفية قسمة الغنيمة بين الحاضرين قوله [1762] (أن رسول

(باب كيفية قسمة الغنيمة بين الحاضرين قَوْلُهُ [1762] (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ فِي النَّفْلِ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّجُلِ سَهْمًا وَفِي بَعْضِهَا لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا بِالْأَلِفِ فِي الرَّاجِلِ وَفِي بَعْضِهَا لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَالْمُرَادُ بِالنَّفْلِ هُنَا الْغَنِيمَةُ وَأُطْلِقَ عَلَيْهَا اسْمُ النَّفْلِ لِكَوْنِهَا تُسَمَّى نَفْلًا لُغَةً فَإِنَّ النَّفْلَ فِي اللُّغَةِ الزِّيَادَةُ وَالْعَطِيَّةُ وَهَذِهِ عَطِيَّةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ دُونَ غَيْرِهَا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَهْمِ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ مِنَ الْغَنِيمَةِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ يَكُونُ لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَاحِدٌ وَلِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ سَهْمَانِ بِسَبَبِ فَرَسِهِ وسهم بسبب نفسه ممن قال بهذا بن عباس ومجاهد والحسن وبن سِيرِينَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وإسحاق وأبو عبيد وبن جَرِيرٍ وَآخَرُونَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ فَقَطْ سَهْمٌ لَهَا وَسَهْمٌ لَهُ قَالُوا وَلَمْ يَقُلْ بِقَوْلِهِ هَذَا أَحَدٌ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي مُوسَى وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ هَذَا الْحَدِيثُ وَهُوَ صَرِيحٌ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَى لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّجُلِ سَهْمًا بِغَيْرِ أَلِفٍ فِي الرَّجُلِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ وَمَنْ رَوَى وَلِلرَّاجِلِ رِوَايَتُهُ مُحْتَمِلَةٌ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهَا عَلَى مُوَافَقَةِ الْأُولَى جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَيَرْفَعُ هَذَا الِاحْتِمَالَ مَا وَرَدَ مُفَسَّرًا فِي غَيْرِ هذه الرواية في حديث بن عُمَرَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبِي أُسَامَةَ وَغَيْرِهِمْ بِإِسْنَادِهِمْ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهَمَ لِرَجُلٍ وَلِفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ سَهْمٌ له وسهمان لفرسه ومثله من رواية بن عَبَّاسٍ وَأَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ حَضَرَ بِأَفْرَاسٍ لَمْ يُسْهَمْ إِلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْهُمُ الْحَسَنُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو يُوسُفَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ وَيُرْوَى مِثْلُهُ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ وَمَكْحُولٍ ويحيى الأنصاري وبن وَهْبٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَالِكِيِّينَ قَالُوا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّهُ يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ إِلَّا شَيْئًا رُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ يُسْهَمُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ)

(باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم

(بَاب الْإِمْدَادِ بِالْمَلَائِكَةِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَإِبَاحَةِ الْغَنَائِمِ قَوْلُهُ [1763] (لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ) اعْلَمْ أَنَّ بَدْرًا هُوَ مَوْضِعُ الْغَزْوَةِ الْعُظْمَى الْمَشْهُورَةِ وَهُوَ مَاءٌ مَعْرُوفٌ وَقَرْيَةٌ عَامِرَةٌ عَلَى نَحْوِ أَرْبَعِ مَرَاحِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ قال بن قُتَيْبَةَ بَدْرٌ بِئْرٌ كَانَتْ لِرَجُلٍ يُسَمَّى بَدْرًا فَسُمِّيَتْ بِاسْمِهِ قَالَ أَبُو الْيَقْظَانِ كَانَتْ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ وَكَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بِإِسْنَادِهِ فِي تَارِيخِ دِمَشْقَ فِيهِ ضُعَفَاءُ أَنَّهَا كَانَتْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهَا كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَثَبَتَ فِي صحيح البخاري عن بن مَسْعُودٍ أَنَّ يَوْمَ بَدْرٍ كَانَ يَوْمًا حَارًّا قَوْلُهُ (فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بربه اللهم انجزلي مَا وَعَدْتَنِي) أَمَّا يَهْتِفُ فَبِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ بَعْدَ الْهَاءِ وَمَعْنَاهُ يَصِيحُ وَيَسْتَغِيثُ بِاللَّهِ بِالدُّعَاءِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ في الدعاء ورفع اليدين فيه وأنة لابأس بِرَفْعِ الصَّوْتِ فِي الدُّعَاءِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الأرض)

ضَبَطُوهُ تَهْلِكْ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّهَا فَعَلَى الْأَوَّلِ تُرْفَعُ الْعِصَابَةُ عَلَى أَنَّهَا فَاعِلٌ وَعَلَى الثَّانِي تنصب تكون مَفْعُولَةً وَالْعِصَابَةُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (كَذَاكَ مُنَاشَدَتَكَ رَبِّكَ) الْمُنَاشَدَةُ السُّؤَالُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ النَّشِيدِ وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ هَكَذَا وَقَعَ لِجَمَاهِيرِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ كَذَاكَ بِالذَّالِ وَلِبَعْضِهِمْ كَفَاكَ بِالْفَاءِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ حَسْبُكَ مُنَاشَدَتَكَ رَبِّكَ وَكُلٌّ بِمَعْنًى وَضَبَطُوا مُنَاشَدَتَكَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ قَالَ الْقَاضِي مَنْ رَفَعَهُ جَعَلَهُ فَاعِلًا بِكَفَاكَ وَمَنْ نَصَبَهُ فَعَلَى الْمَفْعُولِ بِمَا فِي حَسْبُكَ وَكَفَاكَ وَكَذَاكَ مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ مِنَ الْكَفِّ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الْمُنَاشَدَةُ إِنَّمَا فَعَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَرَاهُ أَصْحَابُهُ بِتِلْكَ الْحَالِ فَتَقْوَى قُلُوبُهُمْ بِدُعَائِهِ وَتَضَرُّعِهِ مَعَ أَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ وَقَدْ كَانَ وَعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا الْعِيرَ وَإِمَّا الْجَيْشَ وَكَانَتِ الْعِيرُ قَدْ ذَهَبَتْ وَفَاتَتْ فَكَانَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ حُصُولِ الْأُخْرَى لَكِنْ سَأَلَ تَعْجِيلَ ذَلِكَ وَتَنْجِيزَهُ مِنْ غَيْرِ أَذًى يَلْحَقُ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ تَعَالَى أَنِّي مُمِدُّكُمْ بألف من الملائكة مردفين أَيْ مُعِينُكُمْ وَالْإِمْدَادُ الْإِعَانَةُ وَمُرْدِفِينَ مُتَتَابِعِينَ وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ قَوْلُهُ (أَقْدِمْ حَيْزُومُ) هُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ سَاكِنَةً ثُمَّ زَايٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ وَاوٍ ثُمَّ مِيمٍ قَالَ الْقَاضِي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعُذْرِيِّ حَيْزُونُ بِالنُّونِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ لِسَائِرِ الرُّوَاةِ وَالْمَحْفُوظُ وَهُوَ اسْمُ فَرَسِ الْمَلَكِ وَهُوَ مُنَادَى بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ أَيْ يَا حَيْزُومُ وَأَمَّا أَقْدِمْ فضبطوه بوجهين أصحهما وأشهرهما ولم يذكر بن دُرَيْدٍ وَكَثِيرُونَ أَوِ الْأَكْثَرُونَ غَيْرَهُ أَنَّهُ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مَفْتُوحَةٍ وَبِكَسْرِ الدَّالِ مِنَ الْإِقْدَامِ قَالُوا وَهِيَ كَلِمَةُ زَجْرٍ

لِلْفَرَسِ مَعْلُومَةٌ فِي كَلَامِهِمْ وَالثَّانِي بِضَمِّ الدَّالِ وَبِهَمْزَةِ وَصْلٍ مَضْمُومَةٍ مِنَ التَّقَدُّمِ قَوْلُهُ (فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ) الْخَطْمُ الْأَثَرُ عَلَى الْأَنْفِ وَهُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ (هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا) يَعْنِي أَشْرَافَهَا الْوَاحِدُ صِنْدِيدٌ بِكَسْرِ الصَّادِ وَالضَّمِيرُ فِي صَنَادِيدِهَا يَعُودُ عَلَى أَئِمَّةِ الْكُفْرِ أَوْ مَكَّةَ قَوْلُهُ (فَهَوِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بكر) هو بِكَسْرِ الْوَاوِ أَيْ أَحَبَّ ذَلِكَ وَاسْتَحْسَنَهُ يُقَالُ هوى الشيء بكسر الواو يهوى بِفَتْحِهَا هَوًى وَالْهَوَى الْمَحَبَّةُ قَوْلُهُ (وَلَمْ يَهْوَ ما قلت) هكذا هو في بَعْضِ النُّسَخِ وَلَمْ يَهْوَ وَفِي كَثِيرٍ مِنْهَا وَلَمْ يَهْوِي بِالْيَاءِ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ بِإِثْبَاتِ الباء مَعَ الْجَازِمِ وَمِنْهُ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِي وَيَصْبِرْ بِالْيَاءِ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ

(باب ربط الأسير وحبسه وجواز المن عليه قوله [1764] (فجاء

أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالْأَنْبَاءُ تَنْمِي وَقَوْلُهُ تَعَالَى حَتَّى يثخن في الأرض أَيْ يُكْثِرَ الْقَتْلَ وَالْقَهْرَ فِي الْعَدُوِّ (بَاب رَبْطِ الْأَسِيرِ وَحَبْسِهِ وَجَوَازِ الْمَنِّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ [1764] (فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سِوَارِي الْمَسْجِدِ) أَمَّا أُثَالٌ فَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ وَهُوَ مَصْرُوفٌ وَفِي هَذَا جَوَازُ رَبْطِ الْأَسِيرِ وحبسه وجواز إدخال المسجد الكافر وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ جَوَازُهُ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ سَوَاءٌ كَانَ الكافر كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَهُ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ لَا يَجُوزُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَجُوزُ لِكِتَابِيٍّ دُونَ غَيْرِهِ وَدَلِيلُنَا عَلَى الْجَمِيعِ هَذَا الْحَدِيثُ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الحرام فَهُوَ خَاصٌّ بِالْحَرَمِ وَنَحْنُ نَقُولُ لَا يَجُوزُ إِدْخَالُهُ الْحَرَمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ) اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ)

فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ وَأَشَارَ إِلَيْهِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَعْنَاهُ إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ صاحب دم لدمه موقع يشتفى بقتله قَاتِلَهُ وَيُدْرِكُ قَاتِلُهُ بِهِ ثَأْرَهُ أَيْ لِرِيَاسَتِهِ وَفَضِيلَتِهِ وَحُذِفَ هَذَا لِأَنَّهُمْ يَفْهَمُونَهُ فِي عُرْفِهِمْ وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَاهُ تَقْتُلُ مَنْ عَلَيْهِ دَمٌ وَمَطْلُوبٌ بِهِ وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَلَا عَتَبَ عَلَيْكَ فِي قَتْلِهِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ ذَا ذَمٍّ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ ذَا ذِمَامٍ وَحُرْمَةٍ فِي قَوْمِهِ وَمَنْ إِذَا عَقَدَ ذِمَّةً وَفَّى بِهَا قَالَ الْقَاضِي هَذِهِ الرِّوَايَةُ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّهَا تَقْلِبُ الْمَعْنَى فَإِنَّ مَنْ لَهُ حُرْمَةٌ لَا يَسْتَوْجِبُ الْقَتْلَ قُلْتُ وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا عَلَى مَعْنَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ أَيْ تَقْتُلُ رَجُلًا جَلِيلًا يَحْتَفِلُ قَاتِلُهُ بِقَتْلِهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا قَتَلَ ضَعِيفًا مَهِينًا فَإِنَّهُ لَا فَضِيلَةَ فِي قَتْلِهِ وَلَا يُدْرِكُ بِهِ قَاتِلُهُ ثَأْرَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ) فِيهِ جَوَازُ الْمَنِّ عَلَى الْأَسِيرِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ (فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ) قَالَ أَصْحَابُنَا إِذَا أَرَادَ الْكَافِرُ الْإِسْلَامَ بَادَرَ بِهِ وَلَا يُؤَخِّرُهُ لِلِاغْتِسَالِ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي تَأْخِيرِهِ بَلْ يُبَادِرُ بِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ اغْتِسَالَهُ وَاجِبٌ إِنْ كَانَ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ فِي الشِّرْكِ سَوَاءٌ كَانَ اغْتَسَلَ مِنْهَا أَمْ لَا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِنْ كَانَ اغْتَسَلَ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا وَجَبَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ ويَسْقُطُ حُكْمُ الْجَنَابَةِ بِالْإِسْلَامِ كَمَا تَسْقُطُ الذُّنُوبُ وَضَعَّفُوا هَذَا بِالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يُقَالُ يَسْقُطُ أَثَرُ الْحَدَثِ بِالْإِسْلَامِ هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ أَجْنَبَ فِي الْكُفْرِ أَمَّا إِذَا لَمْ يُجْنِبْ أَصْلًا ثُمَّ أَسْلَمَ فَالْغُسْلُ مُسْتَحَبٌّ لَهُ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَآخَرِينَ وَقَالَ أَحْمَدُ وَآخَرُونَ يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ قَوْلُهُ (فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ) هَكَذَا هُوَ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا نَخْلٌ بِالْخَاءِ

الْمُعْجَمَةِ وَتَقْدِيرُهُ انْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ فِيهِ مَاءٌ فَاغْتَسَلَ مِنْهُ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُهُمْ صَوَابُهُ نَجْلٌ بِالْجِيمِ وَهُوَ الْمَاءُ الْقَلِيلُ الْمُنْبَعِثُ وَقِيلَ الْجَارِي قُلْتُ بَلِ الصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ صَحَّتْ بِهِ وَلَمْ يُرْوَ إِلَّا هَكَذَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ) وَكَرَّرَ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ هَذَا مِنْ تَأْلِيفِ الْقُلُوبِ وَمُلَاطَفَةٌ لِمَنْ يُرْجَى إِسْلَامُهُ مِنَ الْأَشْرَافِ الَّذِينَ يَتْبَعُهُمْ عَلَى إِسْلَامِهِمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ قَوْلُهُ (وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى فَبَشَّرَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرِهِ أَنْ يَعْتَمِرَ) يَعْنِي بَشَّرَهُ بِمَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ الْعَظِيمِ بِالْإِسْلَامِ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَمَّا أَمْرُهُ بِالْعُمْرَةِ فَاسْتِحْبَابٌ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ مُسْتَحَبَّةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ لَا سِيَّمَا مِنْ هَذَا الشَّرِيفِ الْمُطَاعِ إِذَا أَسْلَمَ وَجَاءَ مُرَاغِمًا لِأَهْلِ مَكَّةَ فَطَافَ وَسَعَى وَأَظْهَرَ إِسْلَامَهُ وَأَغَاظَهُمْ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قَالَ لَهُ قَائِلٌ أَصَبَوْتَ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ أَصَبَوْتَ وَهِيَ لُغَةٌ وَالْمَشْهُورُ أَصَبَأْتَ بالهمز وعلى

(باب إجلاء اليهود من الحجاز قوله صلى [1765] الله عليه

الْأَوَّلِ جَاءَ قَوْلُهُمْ الصُّبَاةُ كَقَاضٍ وَقُضَاةٍ قَوْلُهُ في حديث بن الْمُثَنَّى (إِلَّا أَنَّهُ قَالَ إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ) هَكَذَا فِي النُّسَخِ الْمُحَقَّقَةِ إِنْ تَقْتُلْنِي بِالنُّونِ وَالْيَاءِ فِي آخِرِهَا وَفِي بَعْضِهَا بِحَذْفِهَا وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ مِثْلَ الْأَوَّلِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ (بَاب إِجْلَاءِ الْيَهُودِ مِنْ الْحِجَازِ قَوْلُهُ صَلَّى [1765] اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْيَهُودِ (أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا فقَالُوا قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ أُرِيدُ) مَعْنَاهُ أُرِيدُ أَنْ تَعْتَرِفُوا أَنِّي بَلَّغْتُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ تَجْنِيسِ الْكَلَامِ وَهُوَ مِنْ بَدِيعِ الْكَلَامِ وَأَنْوَاعِ الْفَصَاحَةِ وَأَمَّا إِخْرَاجُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودَ مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَصَايَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْأَرْضُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) مَعْنَاهُ مُلْكُهَا وَالْحُكْمُ فِيهَا وَإِنَّمَا قَالَ لَهُمْ هَذَا لِأَنَّهُمْ حَارَبُوا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)

كما ذكره بن عُمَرَ فِي رِوَايَتِهِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هذه [1766] قوله (عن بن عُمَرَ أَنَّ يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ وَقُرَيْظَةَ حَارَبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي النَّضِيرِ وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ حَتَّى حَارَبَتْ قريظة بعد ذلك فقتل رجالهم وقسم نساؤهم وَأَوْلَادَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) فِي هَذَا أَنَّ الْمُعَاهَدَ وَالذِّمِّيَّ إِذَا نَقَضَ الْعَهْدَ صَارَ حَرْبِيًّا وَجَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَلِلْإِمَامِ سَبْيُ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ وَلَهُ الْمَنُّ عَلَى مَنْ أَرَادَ وَفِيهِ أَنَّهُ إِذَا مَنَّ عَلَيْهِ ثُمَّ ظَهَرَتْ مِنْهُ مُحَارَبَةٌ انْتَقَضَ عَهْدُهُ وَإِنَّمَا يَنْفَعُ الْمَنُّ فِيمَا مَضَى لَا فِيمَا يُسْتَقْبَلُ وَكَانَتْ قُرَيْظَةُ فِي أَمَانٍ ثُمَّ حَارَبُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَقَضُوا الْعَهْدَ وَظَاهَرُوا قُرَيْشًا عَلَى قِتَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهُمُ الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا إِلَى آخِرِ الْآيَةِ الْأُخْرَى قَوْلُهُ (يَهُودُ بَنِي قَيْنُقَاعَ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَيُقَالُ بِضَمِّ النُّونِ وفتحها وكسرها ثلاث لغات مشهورات

باب جواز قتال من نقض العهد وجواز إنزال أهل الحصن

(باب جواز قتال من نقض العهد وجواز إنزال أهل الحصن (على حكم حاكم عدل أهل للحكم) [1768] قَوْلُهُ (نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ) فِيهِ جَوَازُ التَّحْكِيمِ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي مُهِمَّاتِهِمُ الْعِظَامِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إِلَّا الْخَوَارِجُ فَإِنَّهُمْ أَنْكَرُوا عَلَى عَلِيٍّ التَّحْكِيمَ وَأَقَامَ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ وَفِيهِ جَوَازُ مُصَالَحَةِ أَهْلِ قَرْيَةٍ أَوْ حِصْنٍ عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ مُسْلِمٍ عَدْلٍ صَالِحٍ لِلْحُكْمِ أَمِينٍ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ وَعَلَيْهِ الْحُكْمُ بِمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وإِذَا حَكَمَ بِشَيْءٍ لَزِمَ حُكْمُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَلَا لَهُمُ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَلَهُمُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْحُكْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَأَرْسَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)

إِلَى سَعْدٍ فَأَتَاهُ عَلَى حِمَارٍ فَلَمَّا دَنَا قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ دَنَا مِنَ الْمَسْجِدِ كَذَا هُوَ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ وَأَرَاهُ وَهْمًا إِنْ كَانَ أَرَادَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ جَاءَ مِنْهُ فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَرْسَلَ إِلَى سَعْدٍ نَازِلًا عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَمِنْ هُنَاكَ أَرْسَلَ إِلَى سَعْدٍ لِيَأْتِيَهُ فَإِنْ كَانَ الرَّاوِي أَرَادَ مَسْجِدًا اخْتَطَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُنَاكَ كَانَ يُصَلِّي فِيهِ مُدَّةَ مُقَامِهِ لَمْ يَكُنْ وَهَمًا قَالَ وَالصَّحِيحُ مَا جَاءَ فِي غَيْرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ فَلَمَّا دَنَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فَلَمَّا طَلَعَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كذا وقع في كتاب بن أَبِي شَيْبَةَ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَسْجِدَ تَصْحِيفٌ مِنْ لَفْظِ الرَّاوِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ أَوْ خَيْرِكُمْ) فِيهِ إِكْرَامُ أَهْلِ الْفَضْلِ وَتَلَقِّيهِمْ بِالْقِيَامِ لَهُمْ إِذَا أَقْبَلُوا هَكَذَا احْتَجَّ بِهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ لِاسْتِحْبَابِ الْقِيَامِ قَالَ الْقَاضِي وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْقِيَامِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِيمَنْ يَقُومُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ وَيَمْثُلُونَ قِيَامًا طُولَ جُلُوسِهِ قُلْتُ الْقِيَامُ لِلْقَادِمِ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ مُسْتَحَبٌّ وَقَدْ جَاءَ فِيهِ أَحَادِيثُ وَلَمْ يَصِحَّ فِي النَّهْيِ عَنْهُ شَيْءٌ صَرِيحٌ وَقَدْ جَمَعْتُ كُلَّ ذَلِكَ مَعَ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ فِي جُزْءٍ وَأَجَبْتُ فِيهِ عَمَّا تَوَهَّمَ النَّهْيَ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا فِي الَّذِينَ عَنَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ هَلْ هُمُ الْأَنْصَارُ خَاصَّةً أَمْ جَمِيعُ مَنْ حَضَرَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَعَهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ (إِنَّ هَؤُلَاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُكْمَ فِيهِمْ إِلَى سَعْدٍ قَالَ الْقَاضِي يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُمْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضُوا بِرَدِّ الْحُكْمِ إِلَى سَعْدٍ فَنُسِبَ إِلَيْهِ قَالَ وَالْأَشْهَرُ أَنَّ الْأَوْسَ طَلَبُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَفْوَ عَنْهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا حُلَفَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ يَعْنِي مِنَ الْأَوْسِ يُرْضِيهِمْ بِذَلِكَ فَرَضُوا بِهِ فَرَدَّهُ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْأَوْسِيِّ قَوْلُهُ (وَسَبْيِ ذُرِّيَّتِهِمْ) سَبَقَ أَنَّ الذُّرِّيَّةَ تُطْلَقُ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ مَعًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (لقد

حَكَمْتَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ) الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ الْمَلِكُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتُؤَيِّدُهَا الرِّوَايَاتُ الَّتِي قَالَ فِيهَا لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ قَالَ الْقَاضِي رُوِّينَاهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِكَسْرِ اللَّامِ بِغَيْرِ خِلَافٍ قَالَ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا فَإِنْ صَحَّ الْفَتْحُ فَالْمُرَادُ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَقْدِيرُهُ بِالْحُكْمِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْمَلَكُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى [1769] قَوْلُهُ (رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ له بن الْعَرِقَةِ) هُوَ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمَكْسُورَةٍ ثُمَّ قَافٍ قَالَ الْقَاضِي قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هِيَ أمه قال بن الْكَلْبِيِّ اسْمُ هَذَا الرَّجُلِ حِبَّانُ بِكَسْرِ الْحَاءِ بْنُ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُعَيْصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ قَالَ وَاسْمُ الْعَرِقَةِ قِلَابَةُ بِقَافٍ مَكْسُورَةٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ الْحَارِثِ وَسُمِّيَتْ بِالْعَرِقَةِ لِطِيبِ رِيحِهَا وَكُنْيَتُهَا أُمُّ فَاطِمَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (رَمَاهُ فِي الْأَكْحَلِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هُوَ عِرْقٌ مَعْرُوفٌ قَالَ الْخَلِيلُ إِذَا قُطِعَ فِي الْيَدِ لَمْ يُرْقَأِ الدَّمُ وَهُوَ عِرْقُ الْحَيَاةِ فِي كُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ شُعْبَةٌ لَهَا اسْمٌ قَوْلُهُ (فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ

فِيهِ جَوَازُ النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ وَجَوَازُ مُكْثِ الْمَرِيضِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ جَرِيحًا قَوْلُهُ (إِنَّ سَعْدًا تَحَجَّرَ كَلْمُهُ لِلْبُرْءِ) الْكَلْمُ بِفَتْحِ الْكَافِ الْجُرْحُ وَتَحَجَّرَ أَيْ يَبِسَ قَوْلُهُ (فَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَافْجُرْهَا وَاجْعَلْ مَوْتِي فِيهَا) هَذَا لَيْسَ مِنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ تَمَنَّاهُ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ وَهَذَا إِنَّمَا تَمَنَّى انْفِجَارَهَا لِيَكُونَ شَهِيدًا قَوْلُهُ (فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ لَبَّتِهِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مُشَدَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَهِيَ النَّحْرُ وَفِي بَعْضِ الْأُصُولِ مِنْ لِيتِهِ بِكَسْرِ اللَّامِ وَبَعْدَهَا ياء مثناة من تحت ساكنة والليت صَفْحَةُ الْعُنُقِ وَفِي بَعْضِهَا مِنْ لَيْلَتِهِ قَالَ الْقَاضِي قَالُوا وَهُوَ الصَّوَابُ كَمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ قَوْلُهُ

هكذا هو في معظم النسخ وكذا حكاه القاضي عن المعظم

(فلم يرعهم) أي لم يفجأهم ويأتيهم بَغْتَةً قَوْلُهُ (فَإِذَا سَعْدٌ جُرْحُهُ يَغِذُّ دَمًا) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ يَغِذُّ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْضًا وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جُمْهُورِ الرُّوَاةِ وَفِي بَعْضِهَا يَغْذُ بِإِسْكَانِ الْغَيْنِ وَضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ يَسِيلُ يُقَالُ غَذَّ الْجُرْحُ يَغِذُّ إِذَا دَامَ سَيَلَانُهُ وَغَذَا يَغْذُو سَالَ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَمَا زَالَ يَسِيلُ حَتَّى مَاتَ قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ (أَلَا يَا سَعْدُ سَعْدَ بَنِي مُعَاذٍ ... فَمَا فَعَلَتْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ ... () هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنِ الْمُعْظَمِ وَفِي بَعْضِهَا لِمَا فَعَلَتْ بِاللَّامِ بَدَلَ الْفَاءِ وَقَالَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَالْمَعْرُوفُ فِي السِّيَرِ قَوْلُهُ ... (تَرَكْتُمْ قِدْرَكُمْ لَا شَيْءَ فِيهَا ... وَقِدْرُ الْقَوْمِ حَامِيَةٌ تَفُورُ) ) هَذَا مَثَلٌ لِعَدَمِ النَّاصِرِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ تَرَكْتُمْ قِدْرَكُمْ الْأَوْسَ لِقِلَّةِ حُلَفَائِهِمْ فَإِنَّ حُلَفَاءَهُمْ قُرَيْظَةُ وَقَدْ قُتِلُوا وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ وَقِدْرُ الْقَوْمِ حَامِيَةٌ تَفُورُ الخروج لِشَفَاعَتِهِمْ فِي حُلَفَائِهِمْ بَنِي قَيْنُقَاعَ حَتَّى مَنَّ عليهم

(باب المبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين المتعارضين

النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَهُمْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ وَهُوَ أَبُو حُبَابٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَيْتِ الْآخَرِ قَوْلُهُ (كَمَا ثَقُلَتْ بِمَيْطَانَ الصُّخُورُ) هُوَ اسْمُ جَبَلٍ مِنْ أَرْضِ أَجَازَ فِي دِيَارِ بَنِي مُزَيْنَةَ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ هُوَ بِكَسْرِهَا وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ تَحْتُ وَآخِرُهُ نُونٌ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ مُسْلِمٍ بِمَيْطَارٍ بِالرَّاءِ قال القاضي وفي رواية بن مَاهَانَ بِحَيْطَانَ بِالْحَاءِ مَكَانَ الْمِيمِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ وَإِنَّمَا قَصَدَ هَذَا الشَّاعِرُ تَحْرِيضَ سَعْدٍ عَلَى اسْتِبْقَاءِ بَنِي قُرَيْظَةَ حُلَفَائِهِ وَيَلُومُهُ عَلَى حُكْمِهِ فِيهِمْ وَيُذَكِّرُهُ بِفِعْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَيَمْدَحُهُ بِشَفَاعَتِهِ فِي حُلَفَائِهِمْ بَنِي قَيْنُقَاعَ (بَاب الْمُبَادَرَةِ بِالْغَزْوِ وَتَقْدِيمِ أَهَمِّ الْأَمْرَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ قَوْلُهُ [1770] (نَادَى فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ انْصَرَفَ عَنِ الْأَحْزَابِ أَنْ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الظُّهْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَتَخَوَّفَ نَاسٌ فَوْتَ الْوَقْتِ فَصَلَّوْا دُونَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَقَالَ آخَرُونَ لَا نُصَلِّي إِلَّا حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ فَاتَنَا الْوَقْتُ فَمَا عَنَّفَ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ) هَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الظُّهْرَ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ صَلَاةِ الخوف من رواية بن عمر)

(باب رد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم من الشجر

أَيْضًا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنَ الْأَحْزَابِ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمُ الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ نُصَلِّي وَلَمْ يُرِدْ ذَلِكَ مِنَّا فَذُكِرَ ذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا منهم أما جميعهم بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي كَوْنِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ كَانَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَقَدْ صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ فَقِيلَ لِلَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا الظُّهْرَ لَا تُصَلُّوا الظُّهْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَلِلَّذِينَ صَلَّوْا بِالْمَدِينَةِ لَا تُصَلُّوا الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قِيلَ لِلْجَمِيعِ وَلَا تُصَلُّوا الْعَصْرَ وَلَا الظُّهْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قِيلَ لِلَّذِينَ ذَهَبُوا أَوَّلًا لَا تُصَلُّوا الظُّهْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَلِلَّذِينَ ذَهَبُوا بَعْدَهُمْ لَا تُصَلُّوا الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الْمُبَادَرَةِ بِالصَّلَاةِ عِنْدَ ضِيقِ وَقْتِهَا وَتَأْخِيرِهَا فَسَبَبُهُ أَنَّ أَدِلَّةَ الشَّرْعِ تَعَارَضَتْ عِنْدَهُمْ بِأَنَّ الصَّلَاةَ مَأْمُورٌ بِهَا فِي الْوَقْتِ مَعَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الظُّهْرَ أَوِ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بني قريظة المبادرة بالذهاب إليهم وأن لا يُشْتَغَلَ عَنْهُ بِشَيْءٍ لَا أَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ تَأْخِيرٌ فَأَخَذَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ بِهَذَا الْمَفْهُومِ نَظَرًا إِلَى الْمَعْنَى لَا إِلَى اللَّفْظِ فَصَلَّوْا حِينَ خَافُوا فَوْتَ الْوَقْتِ وَأَخَذَ آخَرُونَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَحَقِيقَتِهِ فَأَخَّرُوهَا وَلَمْ يُعَنِّفِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ فَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ وَالْقِيَاسِ وَمُرَاعَاةِ الْمَعْنَى وَلِمَنْ يَقُولُ بِالظَّاهِرِ أَيْضًا وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُعَنَّفُ الْمُجْتَهِدُ فِيمَا فَعَلَهُ بِاجْتِهَادِهِ إِذَا بَذَلَ وُسْعَهُ فِي الِاجْتِهَادِ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَلِلْقَائِلِ الْآخَرِ أَنْ يَقُولَ لَمْ يُصَرِّحْ بِإِصَابَةِ الطَّائِفَتَيْنِ بَلْ تَرَكَ تَعْنِيفَهُمْ وَلَا خِلَافَ فِي تَرْكِ تَعْنِيفِ الْمُجْتَهِدِ وَإِنْ أَخْطَأَ إِذَا بَذَلَ وُسْعَهُ فِي الِاجْتِهَادِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب رَدِّ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى الْأَنْصَارِ مَنَائِحَهُمْ مِنْ الشَّجَرِ وَالثَّمَرِ (حِينَ اسْتَغْنَوْا عَنْهَا بِالْفُتُوحِ) قَوْلُهُ [1771] (لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ مَكَّةَ المدينة قدموا وليس بأيديهم شئ وَكَانَ الْأَنْصَارُ أَهْلَ الْأَرْضِ)

وَالْعَقَارِ فَقَاسَمَهُمُ الْأَنْصَارُ عَلَى أَنْ أَعْطَوْهُمْ أَنْصَافَ ثمار أموالهم كل عام ويكفوهم العمل والمؤنة ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ خَيْبَرَ وَانْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَةِ رَدَّ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى الْأَنْصَارِ مَنَائِحَهُمُ الَّتِي كَانُوا مَنَحُوهُمْ مِنْ ثِمَارِهِمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ آثَرَهُمُ الْأَنْصَارُ بِمَنَائِحَ مِنْ أَشْجَارِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهَا مَنِيحَةً مَحْضَةً وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهَا بِشَرْطِ أَنْ يَعْمَلَ فِي الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ نِصْفُ الثِّمَارِ وَلَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ أَنْ يَقْبَلَهَا مَنِيحَةً مَحْضَةً هَذَا لِشَرَفِ نُفُوسِهِمْ وَكَرَاهَتِهِمْ أَنْ يَكُونُوا كَلًّا وَكَانَ هَذَا مُسَاقَاةً وَفِي مَعْنَى الْمُسَاقَاةِ فَلَمَّا فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ خَيْبَرُ اسْتَغْنَى الْمُهَاجِرُونَ بِأَنْصِبَائِهِمْ فِيهَا عَنْ تِلْكَ الْمَنَائِحِ فَرَدُّوهَا إِلَى الْأَنْصَارِ فَفِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْأَنْصَارِ فِي مُوَاسَاتِهِمْ وَإِيثَارِهِمْ وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ حُبِّ الْإِسْلَامِ وَإِكْرَامِ أَهْلِهِ وَأَخْلَاقِهِمُ الْجَمِيلَةِ وَنُفُوسِهِمُ الطَّاهِرَةِ وَقَدْ شَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ بِذَلِكَ فَقَالَ تَعَالَى وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ من قبلهم يحبون من هاجر إليهم الْآيَةَ قَوْلُهُ (وَكَانَ الْأَنْصَارُ أَهْلَ الْأَرْضِ وَالْعَقَارِ) أَرَادَ بِالْعَقَارِ هُنَا النَّخْلَ قَالَ الزَّجَّاجُ الْعَقَارُ كل ماله أَصْلٌ قَالَ وَقِيلَ إِنَّ النَّخْلَ خَاصَّةً يُقَالُ لَهُ الْعَقَارُ قَوْلُهُ (وَكَانَتْ أَعْطَتْ أُمُّ أَنَسٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم عذاقا لها) هو بكسر العين جمع عذق بفتحها وهي النخلة ككلب وكلاب وبئر وبئار قوله (فأعطاها رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ أَيْمَنَ) هَذَا دَلِيلٌ لِمَا قَدَّمْنَا عَنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كُلُّ مَا أَعْطَتِ الْأَنْصَارُ عَلَى الْمُسَاقَاةِ بَلْ كَانَ فِيهِ مَا هُوَ منيحة ومواساة

وَهَذَا مِنْهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا أَعْطَتْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِمَارَهَا يَفْعَلُ فِيهَا مَا شَاءَ مِنْ أَكْلِهِ بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَضَيْفِهِ وَإِيثَارِهِ بِذَلِكَ لِمَنْ شَاءَ فَلِهَذَا آثَرَ بِهَا أُمَّ أَيْمَنَ وَلَوْ كَانَتْ إِبَاحَةً لَهُ خَاصَّةً لَمَا أَبَاحَهَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَهُ بِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُبِيحَ ذَلِكَ الشَّيْءَ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمَوْهُوبِ لَهُ نَفْسُ رَقَبَةِ الشَّيْءِ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ قَوْلُهُ (رَدَّ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى الْأَنْصَارِ مَنَائِحَهُمُ الَّتِي كَانُوا مَنَحُوهُمْ مِنْ ثِمَارِهِمْ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ منائح ثمار أي إباحة للثمار لا تمليك لا رقاب النَّخْلِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ هِبَةً لِرَقَبَةِ النَّخْلِ لَمْ يَرْجِعُوا فِيهَا فَإِنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَإِنَّمَا كَانَتْ إِبَاحَةً كَمَا ذَكَرْنَا وَالْإِبَاحَةُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ وَمَعَ هَذَا لَمْ يَرْجِعُوا فِيهَا حَتَّى اتَّسَعَتِ الْحَالُ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ بِفَتْحِ خَيْبَرَ وَاسْتَغْنَوْا عَنْهَا فَرَدُّوهَا عَلَى الْأَنْصَارِ فَقَبِلُوهَا وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم ذلك قوله (قال بن شِهَابٍ وَكَانَ مِنْ شَأْنِ أُمِّ أَيْمَنَ أُمِّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهَا كَانَتْ وَصِيفَةً لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَكَانَتْ مِنَ الْحَبَشَةِ) هذا تصريح من بن شِهَابٍ أَنَّ أُمَّ أَيْمَنَ أُمَّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حَبَشِيَّةٌ وَكَذَا قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ سَبْيِ الْحَبَشَةِ أَصْحَابِ الْفِيلِ وَقِيلَ إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ حَبَشِيَّةً وَإِنَّمَا الْحَبَشِيَّةُ امْرَأَةٌ أُخْرَى وَاسْمُ أُمِّ أَيْمَنَ الَّتِي هِيَ أُمُّ أُسَامَةَ بَرَكَةُ كُنِّيَتْ بِابْنِهَا أَيْمَنَ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَبَشِيِّ صَحَابِيٌّ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ خَيْبَرَ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ

وَغَيْرُهُ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ قِطْعَةٍ مِنْ أَحْوَالِ أُمِّ أَيْمَنَ فِي بَابِ الْقَافَةِ قَوْلُهُ فِي قِصَّةِ أُمِّ أَيْمَنَ إِنَّهَا امْتَنَعَتْ مِنْ رَدِّ تِلْكَ الْمَنَائِحِ حَتَّى عَوَّضَهَا عَشَرَةَ أَمْثَالِهِ إِنَّمَا فَعَلَتْ هَذَا لِأَنَّهَا ظَنَّتْ أَنَّهَا كَانَتْ هِبَةً مُؤَبَّدَةً وَتَمْلِيكًا لِأَصْلِ الرَّقَبَةِ وَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِطَابَةَ قَلْبِهَا فِي اسْتِرْدَادِ ذَلِكَ فَمَا زَالَ يَزِيدُهَا فِي الْعِوَضِ حَتَّى رَضِيَتْ وَكُلُّ هَذَا تَبَرُّعٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِكْرَامٌ لَهَا لِمَا لَهَا مِنْ حَقِّ الْحَضَانَةِ وَالتَّرْبِيَةِ قَوْلُهُ (وَاللَّهِ لَا نُعْطِيكَاهُنَّ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ نُعْطِيكَاهُنَّ بِالْأَلِفِ بَعْدَ الْكَافِ وَهُوَ صَحِيحٌ فَكَأَنَّهُ أَشْبَعَ فَتْحَةَ الْكَافِ فَتَوَلَّدَتْ مِنْهَا أَلِفٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَاللَّهِ مَا نُعْطَاكَهُنَّ وَفِي بَعْضِهَا لَا نُعْطِيكَهُنَّ والله أعلم

(باب جواز الأكل من طعام الغنيمة في دار الحرب فيه

(بَاب جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْ طَعَامِ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِيهِ [1772] حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ (أَنَّهُ أَصَابَ جِرَابًا مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ) وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ رُمِيَ إِلَيْنَا جِرَابٌ فِيهِ طَعَامٌ وَشَحْمٌ أَمَّا الْجِرَابُ فَبِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ الْكَسْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَهُوَ وِعَاءٌ مِنْ جِلْدٍ وَفِي هَذَا إِبَاحَةُ أَكْلِ طَعَامِ الغنيمة في دار الحرب قال القاضي أجمع العلماء على جواز أكل طعام الحربيين ما دام المسلمون فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ قَدْرَ حَاجَاتِهِمْ وَيَجُوزُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَبِغَيْرِ إِذْنِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ اسْتِئْذَانَهُ إِلَّا الزُّهْرِيُّ وَجُمْهُورُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ مَعَهُ مِنْهُ شَيْئًا إِلَى عِمَارَةِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَخْرَجَهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ إِلَى الْمَغْنَمِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَا يَلْزَمُهُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَا غَيْرِهَا فَإِنْ بِيعَ مِنْهُ شَيْءٌ لِغَيْرِ الْغَانِمِينَ كَانَ بَدَلُهُ غَنِيمَتَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُرْكَبَ دَوَابُّهُمْ وَيُلْبَسَ ثِيَابُهُمْ وَيُسْتَعْمَلَ سِلَاحُهُمْ فِي حَالِ الْحَرْبِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى إِذْنِ الْإِمَامِ وَشَرَطَ الْأَوْزَاعِيُّ إِذْنَهُ وَخَالَفَ الْبَاقِينَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ أَكْلِ شُحُومِ ذَبَائِحِ الْيَهُودِ وَإِنْ كَانَتْ شُحُومُهَا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِمْ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وأبو حنيفة والجمهور لا كراهة فيها وقال مالك هي مكروهة وقال أشهب وبن الْقَاسِمِ الْمَالِكِيَّانِ وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ هِيَ مُحَرَّمَةٌ وَحُكِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حل لكم قَالَ الْمُفَسِّرُونَ الْمُرَادُ بِهِ الذَّبَائِحُ وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهَا شَيْئًا لَا لَحْمًا وَلَا شَحْمًا وَلَا غَيْرَهُ وَفِيهِ حِلُّ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يُخَالِفْ إِلَّا الشِّيعَةُ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ إِبَاحَتُهَا سَوَاءٌ سَمَّوْا اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهَا أَمْ لَا وَقَالَ قَوْمٌ لَا يَحِلُّ إِلَّا أَنْ يُسَمُّوا اللَّهَ تَعَالَى فَأَمَّا إِذَا ذَبَحُوا عَلَى اسْمِ الْمَسِيحِ أَوْ كَنِيسَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا تَحِلُّ تِلْكَ)

(باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم (إلى هرقل ملك

الذَّبِيحَةُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم فاستحببت منه) بعني لِمَا رَآهُ مِنْ حِرْصِهِ عَلَى أَخْذِهِ أَوْ لِقَوْلِهِ لَا أُعْطِي الْيَوْمَ أَحَدًا مِنْ هَذَا شيئا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب كُتُبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (إلى هرقل ملك الشام يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ (هِرَقْلَ) بِكَسْرِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَيُقَالُ هِرْقِلُ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ وَهُوَ اسْمُ علم له ولقبه قصير وَكَذَا كُلُّ مَنْ مَلَكَ الرُّومَ يُقَالُ لَهُ قصير [1773] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي سُفْيَانَ انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَعْنِي الصُّلْحَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانَتِ الْحُدَيْبِيَةُ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ قَوْلُهُ (دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ) هُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ اخْتُلِفَ فِي الرَّاجِحَةِ مِنْهُمَا وادعى بن السِّكِّيتِ أَنَّهُ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرَ وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرَ قَوْلُهُ (عَظِيمُ)

بُصْرَى) هِيَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَهِيَ مَدِينَةُ حُورَانَ ذَاتُ قَلْعَةٍ وَأَعْمَالٍ قَرِيبَةٌ مِنْ طَرَفِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي بَيْنَ الشَّامِ وَالْحِجَازِ وَالْمُرَادُ بِعَظِيمِ بُصْرَى أَمِيرُهَا قَوْلُهُ عَنْ هِرَقْلَ (إنَّهُ سَأَلَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْأَلَهُ عَنْهُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا سَأَلَ قَرِيبَ النَّسَبِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ وَأَبْعَدُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ فِي نَسَبِهِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ إِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ أَيْ لَا تَسْتَحْيُوا مِنْهُ فَتَسْكُتُوا عَنْ تَكْذِيبِهِ إِنْ كَذَبَ قَوْلُهُ (وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ عَلَيْهِمْ أَهْوَنَ فِي تَكْذِيبِهِ إِنْ كَذَبَ لِأَنَّ مُقَابَلَتَهُ بِالْكَذِبِ فِي وَجْهِهِ صَعْبَةٌ بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَسْتَقْبِلْهُ قَوْلُهُ (دَعَا بِتَرْجُمَانِهِ) هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَهُوَ الْمُعَبِّرُ عَنْ لُغَةٍ بِلُغَةٍ أُخْرَى وَالتَّاءُ فِيهِ أَصْلِيَّةٌ وَأَنْكَرُوا عَلَى الْجَوْهَرِيِّ كَوْنَهُ جَعَلَهَا زَائِدَةً قَوْلُهُ (لَوْلَا مَخَافَةُ أَنْ يُؤْثَرَ عَلَيَّ الْكَذِبُ لَكَذَبْتُ) مَعْنَاهُ لَوْلَا خِفْتُ أَنَّ رُفْقَتِي يَنْقُلُونَ عَنِّي الْكَذِبَ إِلَى قَوْمِي وَيَتَحَدَّثُونَهُ فِي بِلَادِي لَكَذَبْتُ عَلَيْهِ لِبُغْضِي إِيَّاهُ وَمَحَبَّتِي نَقْصَهُ وَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ الْكَذِبَ قَبِيحٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا هُوَ قَبِيحٌ فِي الْإِسْلَامِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثُرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ وَهُوَ بِضَمِّ الثَّاءِ وَكَسْرِهَا وَقَوْلُهُ (كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ) أَيْ نَسَبُهُ قَوْلُهُ (فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَهَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مِنْ مَالِكٍ

وَرُوِيَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ بكسر الميم وملك بِفَتْحِهَا مَعَ كَسْرِ اللَّامِ وَالثَّانِي مَنْ بِفَتْحِ الميم وملك بِفَتْحِهَا عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ وَتُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ بِحَذْفِ مِنْ قَوْلُهُ (وَمَنْ يَتْبَعُهُ أَشْرَافُ النَّاسِ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ) يَعْنِي بِأَشْرَافِهِمْ كِبَارَهُمْ وَأَهْلَ الْأَحْسَابِ فِيهِمْ قَوْلُهُ (سَخْطَةً لَهُ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَالسَّخَطُ كراهة الشيء وعدم الرضى بِهِ قَوْلُهُ (يَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالًا) هُوَ بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ نُوَبًا نَوْبَةٌ لَنَا وَنَوْبَةٌ لَهُ قَالُوا وَأَصْلُهُ مِنَ الْمُسْتَقِيِينَ بِالسَّجْلِ وَهِيَ الدَّلْوُ الْمَلْأَى يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَجْلٌ قَوْلُهُ (فَهَلْ يَغْدِرُ) هُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَهُوَ تَرْكُ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ قَوْلُهُ وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا يَعْنِي مُدَّةَ الْهُدْنَةِ وَالصُّلْحِ الَّذِي جَرَى يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي أَحْسَابِ قَوْمِهَا) يَعْنِي فِي أَفْضَلِ أَنْسَابِهِمْ وَأَشْرَفِهَا قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ انْتِحَالِهِ الْبَاطِلَ وَأَقْرَبُ إِلَى انْقِيَادِ النَّاسِ لَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الضُّعَفَاءَ هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ فَلِكَوْنِ الْأَشْرَافِ يَأْنَفُونَ مِنْ تَقَدُّمِ مِثْلِهِمْ عَلَيْهِمْ وَالضُّعَفَاءُ لَا يَأْنَفُونَ فَيُسْرِعُونَ إِلَى الِانْقِيَادِ وَاتِّبَاعِ الْحَقِّ وَأَمَّا سُؤَالُهُ عَنِ الرِّدَّةِ فَلِأَنَّ مَنْ دخل على

بَصِيرَةٍ فِي أَمْرٍ مُحَقَّقٍ لَا يَرْجِعُ عَنْهُ بِخِلَافِ مَنْ دَخَلَ فِي أَبَاطِيلَ وَأَمَّا سُؤَالُهُ عَنِ الْغَدْرِ فَلِأَنَّ مَنْ طَلَبَ حَظَّ الدُّنْيَا لَا يُبَالِي بِالْغَدْرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى ذَلِكَ وَمَنْ طَلَبَ الْآخِرَةَ لَمْ يَرْتَكِبْ غَدْرًا وَلَا غَيْرَهُ مِنَ الْقَبَائِحِ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ إِذَا خَالَطَ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ) يَعْنِي انشراح الصدور وأصلها اللُّطْفُ بِالْإِنْسَانِ عِنْدَ قُدُومِهِ وَإِظْهَارُ السُّرُورِ بِرُؤْيَتِهِ يُقَالُ بَشَّ بِهِ وَتَبَشْبَشَ قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ مَعْنَاهُ يَبْتَلِيهِمُ اللَّهُ بِذَلِكَ لِيَعْظُمَ أَجْرُهُمْ بِكَثْرَةِ صَبْرِهِمْ وَبَذْلِهِمْ وُسْعَهُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ (قُلْتُ يَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ) أَمَّا الصِّلَةُ فَصِلَةُ الْأَرْحَامِ وَكُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَذَلِكَ بِالْبِرِّ وَالْإِكْرَامِ وَحُسْنِ الْمُرَاعَاةِ وَأَمَّا الْعَفَافُ الْكَفُّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَخَوَارِمِ الْمُرُوءَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ الْعِفَّةُ الْكَفُّ عَمَّا لَا يحل ولا يحمل يقال عف يعف عفة وَعَفَافًا وَعَفَافَةً وَتَعَفَّفَ وَاسْتَعَفَّ وَرَجُلٌ عَفٌّ وَعَفِيفٌ

وَالْأُنْثَى عَفِيفَةٌ وَجَمْعُ الْعَفِيفِ أَعِفَّةٌ وَأَعِفَّاءُ قَوْلُهُ (إِنْ يَكُنْ مَا يَقُولُ حَقًّا إِنَّهُ نَبِيٌّ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الَّذِي قَالَهُ هِرَقْلُ أَخَذَهُ مِنَ الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ فَفِي التَّوْرَاةِ هَذَا أَوْ نَحْوَهُ مِنْ عَلَامَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَفَهُ بِالْعَلَامَاتِ وَأَمَّا الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ عَلَى النُّبُوَّةِ فَهُوَ الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ الْخَارِقَةُ لِلْعَادَةِ فَهَكَذَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَلَوْ أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ) هَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ وَهُوَ أَصَحُّ فِي الْمَعْنَى وَمَعْنَاهُ لَتَكَلَّفْتُ الْوُصُولَ إِلَيْهِ وَارْتَكَبْتُ الْمَشَقَّةَ فِي ذَلِكَ وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ أُقْتَطَعَ دُونَهُ وَلَا عُذْرَ لَهُ فِي هَذَا لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ صِدْقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا شَحَّ فِي الْمُلْكِ وَرَغِبَ فِي الرِّيَاسَةِ فَآثَرَهَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ هِدَايَتَهُ لَوَفَّقَهُ كَمَا وَفَّقَ النَّجَاشِيَّ وَمَا زَالَتْ عَنْهُ الرِّيَاسَةُ وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَوْفِيقَهُ قَوْلُهُ (ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ إثم الأريسيين ويا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وبينكم) الْآيَةَ فِي هَذَا الْكِتَابِ جُمَلٌ مِنَ الْقَوَاعِدِ وَأَنْوَاعٌ مِنَ الْفَوَائِدِ مِنْهَا 1 دُعَاءُ الْكُفَّارِ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ قِتَالِهِمْ وَهَذَا الدُّعَاءُ وَاجِبٌ وَالْقِتَالُ قَبْلَهُ حَرَامٌ إِنْ لَمْ تَكُنْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَتْ بَلَغَتْهُمْ فَالدُّعَاءُ مُسْتَحَبٌّ هَذَا مَذْهَبُنَا وَفِيهِ خِلَافٌ لِلسَّلَفِ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِهَادِ وَمِنْهَا 2 وُجُوبُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِلَّا فَلَمْ يَكُنْ فِي بَعْثِهِ مَعَ دِحْيَةَ فَائِدَةٌ وَهَذَا إِجْمَاعُ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ وَمِنْهَا 3 اسْتِحْبَابُ تَصْدِيرِ الْكِتَابِ

بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَإِنْ كَانَ الْمَبْعُوثُ إِلَيْهِ كَافِرًا وَمِنْهَا 4 أَنَّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فهو أجزم الْمُرَادُ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا الْكِتَابُ كَانَ ذَا بَالٍ بَلْ مِنَ الْمُهِمَّاتِ الْعِظَامِ وَبَدَأَ فِيهِ بِالْبَسْمَلَةِ دُونَ الْحَمْدِ وَمِنْهَا 5 أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسَافِرَ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ بِالْآيَةِ وَالْآيَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَأَنْ يَبْعَثَ بِذَلِكَ إِلَى الْكُفَّارِ وَإِنَّمَا نَهَى عَنِ الْمُسَافَرَةِ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ أَيْ بِكُلِّهِ أَوْ بِجُمْلَةٍ مِنْهُ وَذَلِكَ أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا خِيفَ وُقُوعُهُ فِي أَيْدِي الْكُفَّارِ وَمِنْهَا 6 أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ وَالْكَافِرِ مَسُّ آيَةٍ أَوْ آيَاتٍ يَسِيرَةٍ مَعَ غَيْرِ الْقُرْآنِ وَمِنْهَا 7 أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْمُكَاتَبَةِ وَالرَّسَائِلِ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ يَبْدَأَ الْكَاتِبُ بِنَفْسِهِ فَيَقُولُ مِنْ زَيْدٍ إِلَى عَمْرٍو وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ صِنَاعَةُ الْكِتَابِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ كَمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ رَوَى فِيهِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً وَآثَارًا قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ قَالَ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا تَصْدِيرُ الْكِتَابِ وَالْعُنْوَانِ قَالَ وَرَخَّصَ جَمَاعَةٌ فِي أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ فَيَقُولَ فِي التَّصْدِيرِ وَالْعُنْوَانِ إِلَى فُلَانٍ مِنْ فُلَانٍ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَبَدَأَ باسم معاوية وعن محمد بن الْحَنَفِيَّةِ وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ وَأَمَّا الْعُنْوَانُ فَالصَّوَابُ أَنْ يَكْتُبَ عَلَيْهِ إِلَى فُلَانٍ وَلَا يَكْتُبَ لِفُلَانٍ لِأَنَّهُ إِلَيْهِ لَا لَهُ إِلَّا عَلَى مَجَازٍ قَالَ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمِنْهَا 8 التَّوَقِّي فِي الْمُكَاتَبَةِ وَاسْتِعْمَالُ الْوَرَعِ فِيهَا فَلَا يُفْرِطُ وَلَا يُفَرِّطُ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ فَلَمْ يَقُلْ مَلِكِ الرُّومِ لِأَنَّهُ لَا مُلْكَ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ إِلَّا بِحُكْمِ دِينِ الْإِسْلَامِ وَلَا سُلْطَانَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِمَنْ وَلَّاهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ وَلَّاهُ مَنْ أَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا يَنْفُذُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْكُفَّارِ مَا تُنْفِذُهُ الضَّرُورَةُ وَلَمْ يَقُلْ إِلَى هِرَقْلَ فَقَطْ بَلْ أَتَى بِنَوْعٍ مِنَ الْمُلَاطَفَةِ فَقَالَ عَظِيمِ الرُّومِ أَيِ الَّذِي يُعَظِّمُونَهُ وَيُقَدِّمُونَهُ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِلَانَةِ الْقَوْلِ لِمَنْ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ تَعَالَى ادْعُ إِلَى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وقال تعالى فقولا له قولا لينا وَغَيْرَ ذَلِكَ وَمِنْهَا 9 اسْتِحْبَابُ الْبَلَاغَةِ وَالْإِيجَازِ وَتَحَرِّي الْأَلْفَاظِ الْجَزْلَةِ فِي الْمُكَاتَبَةِ فَإِنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْلِمْ تَسْلَمْ فِي نِهَايَةٍ مِنَ الِاخْتِصَارِ وَغَايَةٍ مِنَ الْإِيجَازِ وَالْبَلَاغَةِ وَجَمْعِ الْمَعَانِي مَعَ مَا فِيهِ مِنْ بَدِيعِ التَّجْنِيسِ وَشُمُولِهِ لِسَلَامَتِهِ مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا بِالْحَرْبِ وَالسَّبْيِ وَالْقَتْلِ وَأَخْذِ الدِّيَارِ وَالْأَمْوَالِ وَمِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ

10 - أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ فَلَهُ أَجْرَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ هُنَا وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي الصَّحِيحِ ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ منهم رجل من أهل الكتاب الحديث 11 الْبَيَانُ الْوَاضِحُ أَنَّ مَنْ كَانَ سَبَبًا لِضَلَالَةٍ أَوْ سَبَبَ مَنْعٍ مِنْ هِدَايَةٍ كَانَ آثِمًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أثقالهم 12 وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ أَمَّا بَعْدُ فِي الْخُطَبِ وَالْمُكَاتَبَاتِ وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ لِهَذِهِ بَابًا فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ ذَكَرَ فِيهِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ) هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي مُسْلِمٍ الْأَرِيسِيِّينَ وَهُوَ الْأَشْهَرُ فِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ وَفِي كُتُبِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَعَلَى هَذَا اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ عَلَى أَوْجُهٍ أَحَدُهَا بِيَاءَيْنِ بَعْدَ السِّينِ وَالثَّانِي بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ بَعْدَ السِّينِ وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْهَمْزَةُ مَفْتُوحَةٌ وَالرَّاءُ مَكْسُورَةٌ مُخَفَّفَةٌ وَالثَّالِثُ الْإِرِّيسِينَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الراء وبيان وَاحِدَةٍ بَعْدَ السِّينِ وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي مُسْلِمٍ وَفِي أَوَّلِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ إِثْمَ الْيَرِيسِيِّينَ بِيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ فِي أَوَّلِهِ وَبِيَاءَيْنِ بَعْدَ السِّينِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهِمْ عَلَى أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا وَأَشْهَرُهَا أَنَّهُمُ الْأَكَّارُونَ أَيِ الْفَلَّاحُونَ وَالزَّرَّاعُونَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ رَعَايَاكَ الَّذِينَ يَتْبَعُونَكَ وَيَنْقَادُونَ بِانْقِيَادِكَ وَنَبَّهَ بِهَؤُلَاءِ عَلَى جَمِيعِ الرَّعَايَا لِأَنَّهُمُ الْأَغْلَبُ وَلِأَنَّهُمْ أَسْرَعُ انْقِيَادًا فَإِذَا أَسْلَمَ أَسْلَمُوا وَإِذَا امْتَنَعَ امْتَنَعُوا وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةٍ رُوِّينَاهَا فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ وَفِي غَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَكَّارِينَ وَفِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ وَإِلَّا فَلَا يَحُلْ بَيْنَ الْفَلَّاحِينَ وَبَيْنَ الْإِسْلَامِ وَفِي رواية بن وَهْبٍ وَإِثْمُهُمْ عَلَيْكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْفَلَّاحِينَ الزَّرَّاعِينَ خَاصَّةً بَلِ الْمُرَادُ بِهِمْ جَمِيعُ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ الثَّانِي أَنَّهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَهُمْ أَتْبَاعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَرِيسٍ الَّذِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ الْأَرُوسِيَّةُ مِنَ النَّصَارَى وَلَهُمْ مَقَالَةٌ فِي كُتُبِ الْمَقَالَاتِ وَيُقَالُ لَهُمْ الْأَرُوسِيَّونَ الثَّالِثُ أَنَّهُمُ الْمُلُوكُ الَّذِينَ

يَقُودُونَ النَّاسَ إِلَى الْمَذَاهِبِ الْفَاسِدَةِ وَيَأْمُرُونَهُمْ بِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ) وَهُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ بِدَعْوَتِهِ وَهِيَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا أَدْعُوكَ بِدَاعِيَةِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْأُولَى وَمَعْنَاهَا الْكَلِمَةُ الدَّاعِيَةُ إِلَى الْإِسْلَامِ قَالَ الْقَاضِي وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ دَاعِيَةٌ هُنَا بِمَعْنَى دَعْوَةٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ليس لها من دون الله كاشفة أَيْ كَشْفٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى) هَذَا دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ لَا يُبْتَدَأُ الْكَافِرُ بِالسَّلَامِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَبْتَدِئَ كَافِرًا بِالسَّلَامِ وَأَجَازَهُ كَثِيرُونَ مِنَ السَّلَفِ وَهَذَا مَرْدُودٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَسَتَأْتِي فِي مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَجَوَّزَهُ آخَرُونَ لِاسْتِئْلَافٍ أَوْ لِحَاجَةٍ إِلَيْهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَكَثُرَ اللَّغَطُ) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَإِسْكَانِهَا وَهِيَ الْأَصْوَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ قَوْلُهُ (لَقَدْ أمر أمر بن أَبِي كَبْشَةَ) أَمَّا أَمِرَ فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الميم أي عظم وأما قوله بن أَبِي كَبْشَةَ فَقِيلَ هُوَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ كَانَ يَعْبُدُ الشِّعْرَى وَلَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ فِي عِبَادَتِهَا فَشَبَّهُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ لِمُخَالَفَتِهِ إِيَّاهُمْ فِي دِينِهِمْ كَمَا خَالَفَهُمْ أَبُو كَبْشَةَ رُوِّينَا عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ فِي كِتَابِ الْأَنْسَابِ قَالَ لَيْسَ مُرَادُهُمْ بِذَلِكَ عَيْبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَرَادُوا بِذَلِكَ مُجَرَّدَ التَّشْبِيهِ وَقِيلَ إِنَّ أَبَا كَبْشَةَ جَدُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم من قبل أمه قال بن قُتَيْبَةَ وَكَثِيرُونَ وَقِيلَ هُوَ أَبُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى السَّعْدِيُّ حَكَاهُ بن بَطَّالٍ وَآخَرُونَ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ أَبُو الحسن الجرجاني التشابه إنما قالوا بن أَبِي كَبْشَةَ عَدَاوَةً لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَسَبُوهُ إِلَى نَسَبٍ لَهُ غَيْرِ نَسَبِهِ الْمَشْهُورِ إِذْ لَمْ يُمْكِنُهُمُ الطَّعْنُ فِي نَسَبِهِ الْمَعْلُومِ الْمَشْهُورِ قَالَ وَقَدْ كَانَ وَهْبُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ جَدُّهُ أَبُو آمِنَةَ يُكَنَّى أَبَا كَبْشَةَ وَكَذَلِكَ عَمْرُو بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسَدٍ الْأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ أَبُو سَلْمَى أُمِّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ يُدْعَى أَبَا كَبْشَةَ قَالَ وَكَانَ فِي أَجْدَادِهِ أَيْضًا مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ أَبُو كَبْشَةَ وَهُوَ أَبُو قَبِيلَةِ أُمِّ وَهْبِ بن عبد مناف أبو آمِنَةَ أُمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ خُزَاعِيٌّ وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَعْبُدُ الشِّعْرَى وَكَانَ أَبُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ يُدْعَى أَبَا كَبْشَةَ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى السَّعْدِيُّ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ مِثْلَ هَذَا كُلِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ حبيب

البغدادي وزاد بن مَاكُولَا فَقَالَ وَقِيلَ أَبُو كَبْشَةَ عَمُّ وَالِدِ حَلِيمَةَ مُرْضِعَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (إِنَّهُ لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ) بَنُو الْأَصْفَرِ هم الروم قال بن الْأَنْبَارِيِّ سُمُّوا بِهِ لِأَنَّ جَيْشًا مِنَ الْحَبَشَةِ غَلَبَ عَلَى بِلَادِهِمْ فِي وَقْتٍ فَوَطِئَ نِسَاءَهُمْ فَوَلَدْنَ أَوْلَادًا صُفْرًا مِنْ سَوَادِ الْحَبَشَةِ وَبَيَاضِ الرُّومِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيُّ نُسِبُوا إِلَى الْأَصْفَرِ بْنِ الرُّومِ بْنِ عِيصُو بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي هَذَا أَشْبَهُ مِنْ قَوْلِ بن الْأَنْبَارِيِّ قَوْلُهُ (مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ شُكْرًا لِمَا أَبْلَاهُ اللَّهُ) أَمَّا حِمْصُ فَغَيْرُ مصروفة لأنها مؤنثة علم عجمية وَأَمَّا إِيلِيَاءُ فَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ أَشْهَرُهَا إِيلِيَاءُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ بَيْنَهُمَا وَبِالْمَدِّ وَالثَّانِيَةُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهَا بِالْقَصْرِ وَالثَّالِثَةُ إِلْيَاءُ بِحَذْفِ الْيَاءِ الْأُولَى وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَبِالْمَدِّ حَكَاهُنَّ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَآخَرُونَ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي يعلى الموصلي في سند بن عَبَّاسٍ الْإِيلِيَاءُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ قِيلَ مَعْنَاهُ بَيْتُ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ شُكْرًا لِمَا أَبْلَاهُ اللَّهُ فَمَعْنَاهُ شُكْرًا لِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ وَأَنَالَهُ إِيَّاهُ وَيُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ قَالَ اللَّهُ تعالى ونبلوكم بالشر والخير فتنة والله أعلم

(باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الكفار

(بَاب كُتُبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ملوك الكفار (يدعوهم إلى الإسلام قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِيُّ) هُوَ بِكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى مَعْنٍ وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ هُوَ مِنْ وَلَدِ مَعْنِ بْنِ زَائِدَةَ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ مُسْلِمٌ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ مُسْلِمٌ حَدَّثَنِيهِ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ أَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ) هَذِهِ الْأَسَانِيدُ الثَّلَاثَةُ كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ بَصْرِيٌّ بَغْدَادِيٌّ وَلَا يَنْقُضُ هَذَا مَا ذَكَرْتُهُ وَفِي الْإِسْنَادِ الثَّانِي تَصْرِيحُ قَتَادَةَ بِالسَّمَاعِ مِنْ أَنَسٍ فَزَالَ مَا يُخَافُ مِنْ لَبْسِهِ لَوِ اقْتُصِرَ عَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ [1774] إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى وَإِلَى قَيْصَرَ وَإلَى النَّجَاشِيِّ وَإِلَى كُلِ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَمَّا كِسْرَى فَبِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ لَقَبٌ لِكُلِّ مَنْ مَلَكَ)

(باب غزوة حنين حنين واد بين مكة والطائف وراء عرفات

مِنْ مُلُوكِ الْفُرْسِ وَقَيْصَرُ لَقَبُ مَنْ مَلَكَ الروم والنجاشي لكل من ملك الحبشة وخاقان لكل من ملك الترك وفرعون لكل من ملك القبط والعزيز لكل من ملك مصر وتبع لِكُلِّ مَنْ مَلَكَ حِمْيَرَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ مُكَاتَبَةِ الْكُفَّارِ وَدُعَاؤِهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْعَمَلُ بِالْكِتَابِ وَبِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ حُنَيْنٌ وَادٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَرَاءَ عَرَفَاتٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ بِضْعَةَ عَشَرَ مِيلًا وَهُوَ مَصْرُوفٌ كَمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ [1775] قوله (قال بن عَبَّاسٌ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَلَزِمْتُ أَنَا وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نُفَارِقْهُ) أبو سفيان هذا هو بن عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ اسْمُهُ هُوَ كُنْيَتُهُ وَقَالَ آخَرُونَ اسْمُهُ الْمُغِيرَةُ وَمِمَّنْ قَالَهُ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَالزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ وَغَيْرُهُمْ وَفِي هَذَا عَطْفُ الْأَقَارِبِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَذَبُّ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ قَوْلُهُ (وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ بَيْضَاءَ أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نُفَاثَةَ الْجُذَامِيُّ) أَمَّا قَوْلُهُ بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ فَكَذَا قَالَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرِوَايَةٍ أُخْرَى بَعْدَهَا إِنَّهَا بَغْلَةٌ بَيْضَاءُ وَقَالَ فِي آخِرِ الْبَابِ عَلَى بَغْلَتِهِ الشَّهْبَاءِ وَهِيَ وَاحِدَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ لَا يُعْرَفُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةٌ سِوَاهَا وَهِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا دُلْدُلُ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نُفَاثَةَ فَهُوَ بِنُونٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ فَاءٍ مُخَفَّفَةٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ ثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ فَرْوَةُ بْنُ نَعَامَةَ بِالْعَيْنِ وَالْمِيمِ)

وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا فِي إِسْلَامِهِ فَقَالَ الطَّبَرِيُّ أَسْلَمَ وَعَمَّرَ عُمْرًا طَوِيلًا وَقَالَ غَيْرُهُمْ لَمْ يُسْلِمْ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الَّذِي أَهْدَاهَا لَهُ مَلِكُ أَيْلَةَ وَاسْمُ ملك أيله فيما ذكره بن إِسْحَاقَ يَحْنَةُ بْنُ رَوْبَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ قِيلَ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ قَبُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةَ الْكَافِرِ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ هدايا العمال غلول مع حديث بن اللُّتْبِيَّةِ عَامِلِ الصَّدَقَاتِ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّهُ رَدَّ بَعْضَ هَدَايَا الْمُشْرِكِينَ وَقَالَ إِنَّا لَا نَقْبَلُ زَبَدَ الْمُشْرِكِينَ أَيْ رَفْدُهُمْ فَكَيْفَ يُجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَالَ الْقَاضِي رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ نَاسِخَةٌ لِقَبُولِ الْهَدِيَّةِ قَالَ وَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا نَسْخَ بَلْ سَبَبُ الْقَبُولِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْصُوصٌ بِالْفَيْءِ الْحَاصِلِ بِلَا قِتَالٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَقَبِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ طَمِعَ فِي إِسْلَامِهِ وَتَأْلِيفِهِ لِمَصْلَحَةٍ يَرْجُوهَا لِلْمُسْلِمِينَ وَكَافَأَ بَعْضَهُمْ وَرَدَّ هَدِيَّةَ مَنْ لَمْ يَطْمَعْ فِي إِسْلَامِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي قَبُولِهَا مَصْلَحَةٌ لِأَنَّ الْهَدِيَّةَ تُوجِبُ الْمَحَبَّةَ وَالْمَوَدَّةَ وَأَمَّا غَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعُمَّالِ وَالْوُلَاةِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ قَبُولُهَا لِنَفْسِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ فَإِنْ قَبِلَهَا كَانَتْ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يُهْدِهَا إِلَيْهِ إِلَّا لِكَوْنِهِ إِمَامَهُمْ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ هُوَ مُحَاصِرُهُمْ فَهِيَ غَنِيمَةٌ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا قول الأوزاعي ومحمد بن الحسن وبن القاسم وبن حبيب وحكاه بن حَبِيبٍ عَمَّنْ لَقِيَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ لِلْإِمَامِ خَالِصَةٌ بِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَأَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ إِنَّمَا رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَدَايَا الْمُشْرِكِينَ مَا عَلِمَ أَنَّهُ أُهْدِيَ لَهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَقِيلَ مَا كَانَ خِلَافَ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ اسْتِئْلَافُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنِ ادَّعَى النَّسْخَ قَالَ وَحُكْمُ الْأَئِمَّةِ بَعْدُ إِجْرَاؤُهَا مَجْرَى مَالِ الْكُفَّارِ مِنَ الْفَيْءِ أَوِ الْغَنِيمَةِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْحَالِ وَهَذَا مَعْنَى هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ أَيْ إِذَا خَصُّوا بِهَا أَنْفُسَهُمْ لِأَنَّهَا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ بِحُكْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ إِنَّمَا قَبِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدَايَا كُفَّارِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِمَّنْ كَانَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ كَالْمُقَوْقِسِ وَمُلُوكِ الشَّامِ فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقْبَلُ زَبَدُ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ أُبِيحَ لَنَا ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمُنَاكَحَتُهُمْ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَقَالَ أَصْحَابُنَا مَتَى أَخَذَ الْقَاضِي أَوِ الْعَامِلُ هَدِيَّةً مُحَرَّمَةً لَزِمَهُ رَدُّهَا إِلَى مُهْدِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ بَيْضَاءَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ رُكُوبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَغْلَةَ فِي مَوْطِنِ الْحَرْبِ وَعِنْدَ اشْتِدَادِ النَّاسِ هُوَ النِّهَايَةُ فِي الشَّجَاعَةِ وَالثَّبَاتِ

وَلِأَنَّهُ أَيْضًا يَكُونُ مُعْتَمَدًا يَرْجِعُ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِهِ وَبِمَكَانِهِ وَإِنَّمَا فَعَلَ هَذَا عَمْدًا وَإِلَّا فَقَدْ كَانَتْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَاسٌ مَعْرُوفَةٌ وَمِمَّا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ شَجَاعَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقَدُّمُهُ يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ إِلَى جَمْعِ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ فَرَّ النَّاسُ عَنْهُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ حِينَ غَشَوْهُ وَهَذِهِ مُبَالَغَةٌ فِي الثَّبَاتِ وَالشَّجَاعَةِ وَالصَّبْرِ وَقِيلَ فَعَلَ ذَلِكَ مُوَاسَاةً لِمَنْ كَانَ نَازِلًا عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ أَخْبَرَتِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بِشُجَاعَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيعِ الْمَوَاطِنِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ إِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا الَّذِي يُحَاذِي بِهِ وَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَّقُونَ بِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيْ عَبَّاسُ نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ) هِيَ الشَّجَرَةُ الَّتِي بَايَعُوا تَحْتَهَا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ وَمَعْنَاهُ نَادِ أَهْلَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَوْلُهُ (فَقَالَ عَبَّاسٌ وَكَانَ رَجُلًا صَيِّتًا) ذَكَرَ الْحَازِمِيُّ فِي الْمُؤْتَلِفِ أَنَّ الْعَبَّاسَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ يَقِفُ عَلَى سَلْعٍ فَيُنَادِي غِلْمَانَهُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَهُمْ فِي الْغَابَةِ فَيُسْمِعُهُمْ قَالَ وَبَيْنَ سَلْعٍ والْغَابَةِ ثَمَانِيَةُ أَمْيَالٍ قَوْلُهُ (فو الله لَكَأَنَّ عَطَفْتَهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي عَطْفَةَ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلَادِهَا فَقَالُوا يَا لَبَّيْكَ يَا لَبَّيْكَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِرَارَهُمْ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا وَأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلِ الْفِرَارُ مِنْ جَمِيعِهِمْ وَإِنَّمَا فَتَحَهُ عَلَيْهِمْ مَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ مِنْ مُسْلِمَةِ أَهْلِ مَكَّةَ الْمُؤَلَّفَةِ وَمُشْرِكِيهَا الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا أَسْلَمُوا وَإِنَّمَا كَانَتْ هَزِيمَتُهُمْ فَجْأَةً لِانْصِبَابِهِمْ عَلَيْهِمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَرَشْقِهِمْ بِالسِّهَامِ وَلِاخْتِلَاطِ أَهْلِ مَكَّةَ مَعَهُمْ مِمَّنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ وَمِمَّنْ يَتَرَبَّصُ بِالْمُسْلِمِينَ الدَّوَائِرَ وَفِيهِمْ نِسَاءٌ وَصِبْيَانُ خَرَجُوا لِلْغَنِيمَةِ فَتَقَدَّمَ إِخْفَاؤُهُمْ فَلَمَّا رَشَقُوهُمْ بِالنَّبْلِ وَلَّوْا فَانْقَلَبَتْ أُولَاهُمْ عَلَى أُخْرَاهُمْ إِلَى أَنْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى سَكِينَتَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كَمَا ذَكَرَ

اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ فَاقْتَتَلُوا وَالْكُفَّارَ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَهُوَ بِنَصْبِ الْكُفَّارِ أَيْ مَعَ الْكُفَّارِ قَوْلُهُ (وَالدَّعْوَةُ فِي الْأَنْصَارِ) هِيَ بِفَتْحِ الدَّالِ يَعْنِي الِاسْتِغَاثَةَ وَالْمُنَادَاةَ إِلَيْهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ) هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ هُوَ شِبْهُ التَّنُّورِ يُسْجَرُ فِيهِ وَيُضْرَبُ مَثَلًا لِشِدَّةِ الْحَرْبِ الَّتِي يُشْبِهُ حَرُّهَا حَرَّهُ وَقَدْ قَالَ آخَرُونَ الْوَطِيسُ هُوَ التَّنُّورُ نَفْسُهُ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ هِيَ حِجَارَةٌ مُدَوَّرَةٌ إِذَا حَمِيَتْ لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ يَطَأُ عَلَيْهَا فَيُقَالُ الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ وَقِيلَ هُوَ الضَّرْبُ فِي الْحَرْبِ وَقِيلَ هُوَ الْحَرْبُ الَّذِي يَطِيسُ النَّاسُ أَيْ يَدُقُّهُمْ قَالُوا وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْ فَصِيحِ الْكَلَامِ وَبَدِيعِهِ الَّذِي لَمْ يُسْمَعْ مِنْ أَحَدٍ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (فَرَمَاهُمْ بِالْحَصَيَاتِ ثُمَّ قَالَ انْهَزَمُوا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَمَاهُمْ بِحَصَيَاتِهِ فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلًا وَأَمْرَهُمْ مُدْبِرًا) هَذَا فِيهِ مُعْجِزَتَانِ ظَاهِرَتَانِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَاهُمَا فِعْلِيَّةٌ وَالْأُخْرَى خَبَرِيَّةٌ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِهَزِيمَتِهِمْ وَرَمَاهُمْ بِالْحَصَيَاتِ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِهَا وُجُوهَهُمْ فَقَالَ شَاهَتِ الْوُجُوهُ فَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْهُمْ إِنْسَانًا إِلَّا مَلَأَ عَيْنَيْهِ تُرَابًا مِنْ تِلْكَ الْقَبْضَةِ وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ مُعْجِزَتَانِ خَبَرِيَّةٌ وَفِعْلِيَّةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَخَذَ قَبْضَةً مِنْ حَصًى وَقَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ فَرَمَى بِذَا مَرَّةً وَبِذَا مَرَّةً وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَخَذَ قَبْضَةً وَاحِدَةً

مَخْلُوطَةً مِنْ حَصًى وَتُرَابٍ قَوْلُهُ (فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلًا) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مَا زِلْتُ أَرَى قُوَّتَهُمْ ضَعِيفَةً [1776] قَوْلُهُ (قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ يَا أَبَا عُمَارَةَ فَرَرْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَالَ لَا وَاللَّهِ مَا وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهُ خَرَجَ شُبَّانُ أَصْحَابِهِ وَأَخِفَّاؤُهُمْ حُسَّرًا لَيْسَ عَلَيْهِمْ سِلَاحٌ) هَذَا الْجَوَابُ الَّذِي أَجَابَ بِهِ الْبَرَاءُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ بَدِيعِ الْأَدَبِ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ فَرَرْتُمْ كُلُّكُمْ فَيَقْتَضِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَافَقَهُمْ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْبَرَاءُ لَا وَاللَّهِ مَا فَرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ جَرَى لَهُمْ كَذَا وَكَذَا وَأَمَّا قَوْلُهُ شُبَّانُ أَصْحَابِهِ فَهُوَ بِالشِّينِ وَآخِرُهُ نُونٌ جَمْعُ شَابٍّ وَقَوْلُهُ أَخِفَّاؤُهُمْ جَمْعُ خَفِيفٍ وَهُمُ الْمُسَارِعُونَ الْمُسْتَعْجِلُونَ وَوَقَعَ هَذَا الْحَرْفُ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ وَالْهَرَوِيِّ وَغَيْرِهِمْ جُفَاءً بِجِيمٍ مضمومة

وَبِالْمَدِّ وَفَسَّرَهُ بِسُرْعَانِهِمْ قَالُوا تَشْبِيهًا بِجَفَاءِ السَّيْلِ وهو غثاؤه قال القاضي رضي الله تعالى عَنْهُ إِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فَمَعْنَاهَا مَا سَبَقَ مِنْ خُرُوجِ مَنْ خَرَجَ مَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنِ انْضَافَ إِلَيْهِمْ مِمَّنْ لَمْ يَسْتَعِدُّوا وَإِنَّمَا خَرَجَ لِلْغَنِيمَةِ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَمَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ فَشَبَّهَهُ بِغُثَاءِ السَّيْلِ وأما قوله حسرا فهو بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ بِغَيْرِ دُرُوعٍ وَقَدْ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ لَيْسَ عَلَيْهِمْ سِلَاحٌ والحاسر مَنْ لَا دِرْعَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (فَرَشَقُوهُمْ رَشْقًا) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَهُوَ مَصْدَرٌ وَأَمَّا الرِّشْقُ بِالْكَسْرِ فَهُوَ اسْمٌ لِلسِّهَامِ الَّتِي تَرْمِيهَا الْجَمَاعَةُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَضَبَطَ الْقَاضِي الرِّوَايَةَ هُنَا بِالْكَسْرِ وَضَبَطَهُ غَيْرُهُ بِالْفَتْحِ كَمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا وَهُوَ الْأَجْوَدُ وَإِنْ كَانَا جَيِّدَيْنِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ فَرَمَوْهُ بِرِشْقٍ مِنْ نَبْلٍ فَهُوَ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قال أهل اللغة يقال رشقه يرشقه وأرشقه ثُلَاثِيٌّ وَرُبَاعِيٌّ وَالثُّلَاثِيُّ أَشْهَرُ وَأَفْصَحُ قَوْلُهُ (فَنَزَلَ وَاسْتَنْصَرَ) أَيْ دَعَا فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ عِنْدَ قِيَامِ الْحَرْبِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أنا النبي لا كذب أنا بن عَبْدِ الْمُطَّلِبْ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ أَنْكَرَ بَعْضُ النَّاسِ كَوْنَ الرَّجَزِ شِعْرًا لِوُقُوعِهِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى ومَا عَلَّمْنَاهُ الشَّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي له وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَخْفَشِ وَاحْتُجَّ بِهِ عَلَى فَسَادِ مَذْهَبِ الْخَلِيلِ فِي أَنَّهُ شِعْرٌ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا بِأَنَّ الشِّعْرَ هُوَ مَا قُصِدَ إِلَيْهِ وَاعْتَمَدَ الْإِنْسَانُ أَنْ يُوقِعَهُ مَوْزُونًا مُقَفًّى يَقْصِدُهُ إِلَى الْقَافِيَةِ وَيَقَعُ فِي أَلْفَاظِ الْعَامَّةِ كَثِيرٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمَوْزُونَةِ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ إِنَّهَا شِعْرٌ وَلَا صَاحِبُهَا شَاعِرٌ وَهَكَذَا الْجَوَابُ عَمَّا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْمَوْزُونِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَنْ تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وَقَوْلِهِ تَعَالَى نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَا يُسَمِّيهِ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ شِعْرًا لِأَنَّهُ لَمْ تُقْصَدْ تَقْفِيَتُهُ وجعله شعرا

قَالَ وَقَدْ غَفَلَ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ فَأَوْقَعَهُ ذَلِكَ فِي أَنْ قَالَ الرِّوَايَةُ أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبَ بِفَتْحِ الْبَاءِ حِرْصًا مِنْهُ عَلَى أَنْ يُفْسِدَ الرَّوِيَّ فَيَسْتَغْنِيَ عَنِ الِاعْتِذَارِ وَإِنَّمَا الرِّوَايَةُ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي عَنِ الْمَازِرِيِّ قُلْتُ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ عَلِيٍّ السَّعْدِيُّ الصَّقَلِّيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْقَطَّاعِ فِي كتابه الشافي في علم القوافي قد رأي قَوْمٍ مِنْهُمُ الْأَخْفَشُ وَهُوَ شَيْخُ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ بَعْدَ الْخَلِيلِ أَنَّ مَشْطُورَ الرَّجَزِ وَمَنْهُوكَهُ لَيْسَ بِشِعْرٍ كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ وَقَوْلِهِ صَلَّى الله عليه وسلم هل أنت إلا أصبع دَمِيتِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا النَّبِيُّ لَا كذب أنا بن عبد المطلب وأشباه هذا قال بن الْقَطَّاعِ وَهَذَا الَّذِي زَعَمَهُ الْأَخْفَشُ وَغَيْرُهُ غَلَطٌ بَيِّنٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّاعِرَ إِنَّمَا سُمِّيَ شَاعِرًا لِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّهُ شَعَرَ الْقَوْلَ وَقَصَدَهُ وَأَرَادَهُ وَاهْتَدَى إِلَيْهِ وَأَتَى بِهِ كَلَامًا مَوْزُونًا عَلَى طَرِيقَةِ الْعَرَبِ مُقَفًّى فَإِنْ خَلَا مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ أَوْ بَعْضِهَا لَمْ يَكُنْ شِعْرًا وَلَا يَكُونُ قَائِلُهُ شَاعِرًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَلَامًا مَوْزُونًا عَلَى طَرِيقَةِ الْعَرَبِ وَقَصَدَ الشِّعْرَ أَوْ أَرَادَهُ وَلَمْ يُقَفِّهِ لَمْ يُسَمَّ ذَلِكَ الْكَلَامُ شِعْرًا وَلَا قَائِلُهُ شَاعِرًا بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَالشُّعَرَاءِ وَكَذَا لَوْ قَفَّاهُ وَقَصَدَ بِهِ الشِّعْرَ وَلَكِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ مَوْزُونًا لَمْ يَكُنْ شِعْرًا وَكَذَا لَوْ أَتَى بِهِ مَوْزُونًا مُقَفًّى لَكِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الشِّعْرَ لَا يَكُونُ شِعْرًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَأْتُونَ بِكَلَامٍ مَوْزُونٍ مُقَفًّى غَيْرَ أَنَّهُمْ مَا قَصَدُوهُ وَلَا أَرَادُوهُ وَلَا يُسَمَّى شِعْرًا وَإِذَا تُفُقِّدَ ذَلِكَ وُجِدَ كَثِيرًا فِي كَلَامِ النَّاسِ كَمَا قَالَ بَعْضُ السُّؤَّالِ اخْتِمُوا صَلَاتَكُمْ بِالدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرَةٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ الْمَوْزُونَ لَا يَكُونُ شِعْرًا إِلَّا بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ الْقَصْدُ وَغَيْرُهُ مِمَّا سَبَقَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْصِدْ بِكَلَامِهِ ذَلِكَ الشِّعْرَ وَلَا أَرَادَهُ فَلَا يُعَدُّ شِعْرًا وَإِنْ كَانَ مَوْزُونًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنا بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَانْتَسَبَ إِلَى جَدِّهِ دُونَ أَبِيهِ وَافْتَخَرَ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّ الِافْتِخَارَ فِي حَقِّ أَكْثَرِ النَّاسِ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ شُهْرَتُهُ بِجَدِّهِ أَكْثَرَ لِأَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ تُوُفِّيَ شَابًّا فِي حَيَاةِ أَبِيهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَبْلَ اشْتِهَارِ عَبْدِ اللَّهِ وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مَشْهُورًا شُهْرَةً ظاهرة شائعة وكان سيد أهل مكة وكان كثير من الناس يدعون النبي صلى الله عليه وسلم بن عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَنْسُبُونَهُ إِلَى جَدِّهِ لِشُهْرَتِهِ وَمِنْهُ حَدِيثُ هَمَّامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فِي قَوْلِهِ أَيُّكُمُ بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَدْ كَانَ مُشْتَهِرًا عِنْدَهُمْ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بُشِّرَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ سَيَظْهَرُ وَسَيَكُونُ شَأْنُهُ عَظِيمًا وَكَانَ قَدْ أَخْبَرَهَ بِذِلْكَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ وَقِيلَ إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ رَأَى

رُؤْيَا تَدُلُّ عَلَى ظُهُورِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ذَلِكَ مَشْهُورًا عِنْدَهُمْ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْكِيرَهُمْ بِذَلِكَ وَتَنْبِيهَهُمْ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهِ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَأَنَّ الْعَاقِبَةَ لَهُ لِتَقْوَى نُفُوسُهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ أَيْضًا بِأَنَّهُ ثَابِتٌ مُلَازِمٌ لِلْحَرْبِ لَمْ يُوَلِّ مَعَ مَنْ وَلَّى وَعَرَّفَهُمْ مَوْضِعَهُ لِيَرْجِعَ إِلَيْهِ الرَّاجِعُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَيْ أَنَا النَّبِيُّ حَقًّا فَلَا أَفِرُّ وَلَا أَزُولُ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَوْلِ الْإِنْسَانِ فِي الْحَرْبِ أَنَا فلان وأنا بن فلان ومثله قول سلمة أنا بن الْأَكْوَعِ وَقَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ وَقَدْ صَرَّحَ بِجَوَازِهِ عُلَمَاءُ السَّلَفِ وَفِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالُوا وَإِنَّمَا يُكْرَهُ قَوْلُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِافْتِخَارِ كَفِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ الْمِصِّيصِيُّ) هُوَ بِالْجِيمِ وَالنُّونِ وَالْمِصِّيصِيُّ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ الْأُولَى هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَيُقَالُ أَيْضًا بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الصَّادِ قَوْلُهُ (فَرَمَوْهُمْ بِرِشْقٍ مِنْ نَبْلٍ كَأَنَّهَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ يَعْنِي كَأَنَّهَا قِطْعَةٌ مِنْ جَرَادٍ وَكَأَنَّهَا شُبِّهَتْ بِرِجْلِ الْحَيَوَانِ لِكَوْنِهَا قِطْعَةً مِنْهُ قَوْلُهُ (بِرِشْقٍ) هُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا قَوْلُهُ (فَانْكَشَفُوا) أَيِ انْهَزَمُوا وَفَارَقُوا مَوَاضِعَهُمْ وَكَشَفُوهَا قَوْلُهُ (كُنَّا وَاللَّهِ إِذَا احْمَرَّ البأس نتقى به وإن الشجاع منا للذي

يُحَاذِي بِهِ) احْمِرَارُ الْبَأْسِ كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ الْحَرْبِ وَاسْتُعِيرَ ذَلِكَ لِحُمْرَةِ الدِّمَاءِ الْحَاصِلَةِ فِيهَا فِي الْعَادَةِ أَوْ لِاسْتِعَارِ الْحَرْبِ وَاشْتِعَالِهَا كَاحْمِرَارِ الْجَمْرِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ حَمِيَ الْوَطِيسُ وَفِيهِ بَيَانُ شَجَاعَتِهِ

(وعظم وثوقه بالله تعالى قوله (عن سلمة بن الأكوع

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَعِظَمِ وُثُوقِهِ بِاللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ (عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وأَرْجِعُ مُنْهَزِمًا إِلَى قَوْلِهِ مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْهَزِمًا فَقَالَ لَقَدْ رجع بن الْأَكْوَعِ فَزِعًا) قَالَ الْعُلَمَاءُ قَوْلُهُ مُنْهَزِمًا حَالٌ من بن الْأَكْوَعِ كَمَا صَرَّحَ أَوَّلًا بِانْهِزَامِهِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْهَزَمَ وَقَدْ قَالَتِ الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا انْهَزَمَ وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ قَطُّ أَنَّهُ انْهَزَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْطِنٍ مِنَ الْمَوَاطِنِ وَقَدْ نَقَلُوا إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَدَ انْهِزَامَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِ بَلْ كَانَ الْعَبَّاسُ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذَيْنِ بِلِجَامِ بَغْلَتِهِ يَكُفَّانِهَا عَنْ إِسْرَاعِ التَّقَدُّمِ إِلَى الْعَدُوِّ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْبَرَاءُ فِي حَدِيثِهِ السَّابِقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1777] (شَاهَتِ الْوُجُوهُ) أَيْ قَبُحَتْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ) (بَاب عزوة الطَّائِفِ [1778] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْأَعْمَى الشَّاعِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ)

حَاصَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ الطائف) هكذا هو فِي نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمرو بفتح العين وهو بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ الْقَاضِي كَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الْجُلُودِيِّ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْأُصُولِ عَنِ بن مَاهَانَ قَالَ وَقَالَ الْقَاضِي الشَّهِيدُ أَبُو عَلِيٍّ صوابه بن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَذَا ذكره البخاري وكذا صوبه الدارقطني وذكر بن أَبِي شَيْبَةَ الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ثم قال أن بن عُقْبَةَ حَدَّثَ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَدْ ذَكَرَ خَلَفٌ الْوَاسِطِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ في كتاب الأطراف في مسند بن عمر ثم في مسند بن عَمْرٍو وَأَضَافَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إِلَى الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ جَمِيعًا وَأَنْكَرُوا هَذَا عَلَى خَلَفٍ وَذَكَرَهُ أَبُو مسعود الدمشقي في الأطراف عن بن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ فِي مُسْنَدِ بن عُمَرَ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي كُتُبِ الْأَدَبِ عَنْ قُتَيْبَةَ وَأَخْرَجَهُ هُوَ ومسلم جميعا في المغازى عن بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ وَالْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ بن عُيَيْنَةَ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ هَكَذَا وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ بِالشَّكِّ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ الْأَصَحُّ بن عمر بن الخطاب قال وكذا أخرجه بن مسعود في مسند بن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ وَلَيْسَ لِأَبِي العباس هذا في مسند بن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي كتاب السير عن بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَطْ [1778] قَوْلُهُ (حَاصَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ الطَّائِفِ فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَقَالَ إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ أَصْحَابُهُ نَرْجِعُ وَلَمْ نفتتحه فَقَالَ اغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ فَغَدَوْا عَلَيْهِ فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا فَأَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ

معنى الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قصد الشفقة على

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ () مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَدَ الشَّفَقَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَالرِّفْقَ بِهِمْ بِالرَّحِيلِ عَنِ الطَّائِفِ لِصُعُوبَةِ أَمْرِهِ وَشِدَّةِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ فِيهِ وَتَقْوِيَتِهِمْ بِحِصْنِهِمْ مع أنه صلى الله عليه وسلم علم أورجى أَنَّهُ سَيَفْتَحُهُ بَعْدَ هَذَا بِلَا مَشَقَّةٍ كَمَا جَرَى فَلَمَّا رَأَى حِرْصَ أَصْحَابِهِ عَلَى الْمُقَامِ وَالْجِهَادِ أَقَامَ وَجَدَّ فِي الْقِتَالِ فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الْجِرَاحُ رَجَعَ إِلَى مَا كَانَ قَصَدَهُ أَوَّلًا مِنَ الرِّفْقِ بِهِمْ فَفَرِحُوا بِذَلِكَ لِمَا رَأَوْا مِنَ الْمَشَقَّةِ الظَّاهِرَةِ وَلَعَلَّهُمْ نَظَرُوا فَعَلِمُوا أَنَّ رَأْيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَرْكُ وَأَنْفَعُ وَأَحْمَدُ عَاقِبَةً وَأَصْوَبُ مِنْ رَأْيِهِمْ فَوَافَقُوا عَلَى الرَّحِيلِ وَفَرِحُوا فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجُّبًا مِنْ سُرْعَةِ تَغَيُّرِ رَأْيِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ) (بَاب غَزْوَةِ بَدْرٍ قَوْلُهُ [1779] (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاوَرَ أَصْحَابَهُ حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ تَكَلَّمَ عُمَرُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ إِيَّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا لَأَخَضْنَاهَا) قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا قَصَدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتِبَارَ الْأَنْصَارِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَايَعَهُمْ عَلَى أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ لِلْقِتَالِ وَطَلَبِ الْعَدُوِّ وَإِنَّمَا بَايَعَهُمْ عَلَى أَنْ يَمْنَعُوهُ مِمَّنْ يَقْصِدُهُ فَلَمَّا عَرَضَ الْخُرُوجَ لِعِيرِ أَبِي سُفْيَانَ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُمْ يُوَافِقُونَ عَلَى ذَلِكَ فَأَجَابُوهُ أَحْسَنَ جَوَابٍ بِالْمُوَافَقَةِ التَّامَّةِ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ وَغَيْرِهَا وَفِيهِ اسْتِشَارَةُ الْأَصْحَابِ وَأَهْلِ الرَّأْيِ وَالْخِبْرَةِ قَوْلُهُ أَنْ نُخِيضَهَا يَعْنِي الْخَيْلَ وَقَوْلُهُ بَرْكَ الْغِمَادِ أَمَّا بَرْكُ فَهُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَرِوَايَاتِ الْمُحَدِّثِينَ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي)

عَنْ رِوَايَةِ الْمُحَدِّثِينَ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ صَوَابُهُ كَسْرُ الرَّاءِ قَالَ وَكَذَا قَيَّدَهُ شُيُوخُ أَبِي ذَرٍّ فِي الْبُخَارِيِّ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ هُوَ بِالْفَتْحِ لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ قَالَ وَوَقَعَ لِلْأَصِيلِيِّ وَالْمُسْتَمْلِيِّ وَأَبِي مُحَمَّدٍ الْحَمَوِيِّ بِالْكَسْرِ قُلْتُ وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرَ وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ الرَّاءَ سَاكِنَةٌ إِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنِ الْأَصِيلِيِّ أَنَّهُ ضَبَطَهُ بِإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَأَمَّا الْغِمَادُ فَبِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وَمَضْمُومَةٍ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ لَكِنَّ الْكَسْرَ أَفْصَحُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَاتِ الْمُحَدِّثِينَ وَالضَّمُّ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَحَكَى صاحب المشارق والمطالع الوجهين عن بن دُرَيْدٍ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشَّرْحِ ضَبَطْنَاهُ في الصحيحين بالكسر قال وحكى بن دُرَيْدٍ فِيهِ الضَّمَّ وَالْكَسْرَ وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ فِي أَسْمَاءِ الْأَمَاكِنِ هُوَ بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَيُقَالُ بِضَمِّهَا قَالَ وَقَدْ ضَبَطَهُ بن الْفُرَاتِ فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ بِالضَّمِّ لَكِنَّ أَكْثَرَ مَا سَمِعْتُهُ مِنَ الْمَشَايِخِ بِالْكَسْرِ قَالَ وَهُوَ مَوْضِعٌ مِنْ وَرَاءِ مَكَّةَ بِخَمْسِ لَيَالٍ بِنَاحِيَةِ السَّاحِلِ وَقِيلَ بَلْدَتَانِ هَذَا قَوْلُ الْحَازِمِيِّ وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ هُوَ مَوْضِعٌ بِأَقَاصِي هَجَرَ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ بَرْكُ الْغِمَادِ وَسَعَفَاتُ هَجَرَ كِنَايَةٌ يُقَالُ فِيمَا تَبَاعَدَ قَوْلُهُ (وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ انْصَرَفَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَضْرِبُوهُ إِذَا صَدَقَكُمْ وَتَتْرُكُوهُ إِذَا

(باب فتح مكة قوله [1780] (فبعث الزبير على إحدى المجنبتين)

كَذَبَكُمْ) مَعْنَى انْصَرَفَ سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَخْفِيفِهَا إِذَا عَرَضَ أَمْرٌ فِي أَثْنَائِهَا وَهَكَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ تَضْرِبُوهُ وَتَتْرُكُوهُ بِغَيْرِ نُونٍ وَهِيَ لُغَةٌ سَبَقَ بَيَانُهَا مَرَّاتٍ أَعْنِي حَذْفَ النُّونِ بِغَيْرِ نَاصِبٍ وَلَا جَازِمٍ وَفِيهِ جَوَازُ ضَرْبِ الْكَافِرِ الَّذِي لَا عَهْدَ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَسِيرًا وَفِيهِ مُعْجِزَتَانِ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ إِحْدَاهُمَا إِخْبَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَصْرَعِ جَبَابِرَتِهِمْ فَلَمْ يَنْفُذْ أَحَدٌ مَصْرَعَهُ الثَّانِيَةُ إِخْبَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الْغُلَامَ الَّذِي كَانُوا يَضْرِبُونَهُ يَصْدُقُ إِذَا تَرَكُوهُ وَيَكْذِبُ إِذَا ضَرَبُوهُ وَكَانَ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ والله أعلم قوله (فماط أَحَدُهُمْ) أَيْ تَبَاعَدَ (بَاب فَتْحِ مَكَّةَ قَوْلُهُ [1780] (فَبَعَثَ الزُّبَيْرَ عَلَى إِحْدَى الْمُجَنِّبَتَيْنِ) هِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ وَهُمَا الْمَيْمَنَةُ وَالْمَيْسَرَةُ وَيَكُونُ الْقَلْبُ بَيْنَهُمَا وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ على الحسر هو بصم الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ)

أَيِ الَّذِينَ لَا دُرُوعَ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ (فَأَخَذُوا بَطْنَ الْوَادِي) أَيْ جَعَلُوا طَرِيقَهُمْ فِي بَطْنِ الْوَادِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اهْتِفْ لِي بِالْأَنْصَارِ) أَيِ ادْعُهُمْ لِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَأْتِينِي إِلَّا أَنْصَارِيٌّ) ثُمَّ قَالَ فَأَطَافُوا إِنَّمَا خَصَّهُمْ لِثِقَتِهِ بِهِمْ وَرَفْعًا لِمَرَاتِبِهِمْ وَإِظْهَارًا لِجَلَالَتِهِمْ وَخُصُوصِيَّتِهِمْ قَوْلُهُ (وَوَبَّشَتْ قريش أو باشا لَهَا) أَيْ جَمَعَتْ جُمُوعًا مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى وَهُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ (فَمَا شَاءَ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا إِلَّا قَتَلَهُ وَمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ يُوَجِّهُ إِلَيْنَا شَيْئًا) أَيْ لَا يَدْفَعُ أَحَدٌ عَنْ نَفْسِهِ قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو سُفْيَانَ أُبِيحَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أُبِيحَتْ وَفِي الَّتِي بَعْدَهَا أُبِيدَتْ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ أَيِ اسْتُؤْصِلَتْ قُرَيْشٌ بِالْقَتْلِ وَأُفْنِيَتْ وَخَضْرَاؤُهُمْ بِمَعْنَى جَمَاعَتِهِمْ وَيُعَبَّرُ عَنِ الْجَمَاعَةِ الْمُجْتَمِعَةِ بِالسَّوَادِ وَالْخُضْرَةِ وَمِنْهُ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ) اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ عَلَى أَنَّ دُورَ مَكَّةَ مَمْلُوكَةٌ يَصِحُّ بَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا لِأَنَّ أَصْلَ الْإِضَافَةِ إِلَى الْآدَمِيِّينَ تَقْتَضِي الْمِلْكَ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مَجَازٌ وَفِيهِ تَأْلِيفٌ لِأَبِي سُفْيَانَ وَإِظْهَارٌ لِشَرَفِهِ

قَوْلُهُ (فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ وَرَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ وَذَكَرَ نُزُولَ الْوَحْيِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ قَالُوا لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قُلْتُمْ أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ وَرَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ قَالُوا قَدْ كَانَ ذَلِكَ قَالَ كَلَّا إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ هَاجَرْتُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَبْكُونَ وَيَقُولُونَ وَاللَّهِ مَا قُلْنَا الَّذِي قُلْنَا إِلَّا الضِّنَّ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذُرَانِكُمْ) مَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهُمْ رَأَوْا رَأْفَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَهْلِ مَكَّةَ وَكَفَّ الْقَتْلِ عَنْهُمْ فَظَنُّوا أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى سُكْنَى مَكَّةَ وَالْمُقَامِ فِيهَا دَائِمًا وَيَرْحَلُ عَنْهُمْ وَيَهْجُرُ المدينة فشق ذلك عليهم وأوحى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا قَالُوا نَعَمْ قَدْ قُلْنَا هَذَا فَهَذِهِ مُعْجِزَةٌ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ فَقَالَ كَلَّا إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ مَعْنَى كَلَّا هُنَا حَقًّا وَلَهَا مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا حَقًّا وَالْآخَرُ النَّفْيُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا فَيَأْتِينِي الْوَحْيُ وَأُخْبَرُ بِالْمُغَيَّبَاتِ كَهَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَشَبَهِهَا فَثِقُوا بِمَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُخْبِرُكُمْ بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ والآخر لا تفتتنوا بِإِخْبَارِي إِيَّاكُمْ بِالْمُغَيَّبَاتِ وَتُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَاجَرْتُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ

مَمَاتُكُمْ) فَمَعْنَاهُ أَنِّي هَاجَرْتُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى دِيَارِكُمْ لِاسْتِيطَانِهَا فَلَا أَتْرُكُهَا وَلَا أَرْجِعُ عَنْ هِجْرَتِي الْوَاقِعَةِ لِلَّهِ تَعَالَى بَلْ أَنَا مُلَازِمٌ لَكُمْ الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ أَيْ لَا أحي إِلَّا عِنْدَكُمْ وَلَا أَمُوتُ إِلَّا عِنْدَكُمْ وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْمُعْجِزَاتِ فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ هَذَا بكوا واعتذروا وقالوا وَاللَّهِ مَا قُلْنَا كَلَامَنَا السَّابِقَ إِلَّا حِرْصًا عَلَيْكَ وَعَلَى مُصَاحَبَتِكَ وَدَوَامِكَ عِنْدَنَا لِنَسْتَفِيدَ مِنْكَ وَنَتَبَرَّكَ بِكَ وَتَهْدِيَنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ مَا قُلْنَا الَّذِي قُلْنَا إِلَّا الضِّنَّ بِكَ هُوَ بِكَسْرِ الضَّادِ أَيْ شُحًّا بِكَ أَنْ تُفَارِقَنَا وَيَخْتَصَّ بِكَ غَيْرُنَا وَكَانَ بُكَاؤُهُمْ فَرَحًا بِمَا قَالَ لَهُمْ وَحَيَاءً مِمَّا خَافُوا أَنْ يَكُونَ بَلَغَهُ عَنْهُمْ مِمَّا يستحي مِنْهُ قَوْلُهُ (فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقْبَلَ إِلَى الْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ) فِيهِ الِابْتِدَاءُ بِالطَّوَافِ فِي أَوَّلِ دُخُولِ مَكَّةَ سَوَاءٌ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَهَا فِي هَذَا الْيَوْمِ وَهُوَ يَوْمُ الْفَتْحِ غَيْرَ مُحْرِمٍ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ عَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ وَالْأَحَادِيثُ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَخْصِيصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ مَنْ دَخَلَهَا بَعْدَهُ لِحَرْبٍ أَوْ بَغْيٍ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ دُخُولُهَا حَلَالًا فَلَيْسَ كَمَا نُقِلَ بَلْ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَآخَرِينَ أَنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُهَا حَلَالًا لِلْمُحَارِبِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لِمَنْ يَخَافُ مِنْ ظَالِمٍ لَوْ ظَهَرَ لِلطَّوَافِ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ أَصْلًا فَلِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لا يَجُوزُ لَهُ دُخُولُهَا بِغَيْرِ إِحْرَامٍ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِحْرَامُ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ قَوْلُهُ (فَأَتَى عَلَى صَنَمٍ إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ فَجَعَلَ يَطْعَنُهُ بِسِيَةِ قَوْسِهِ) السِّيَةُ بِكَسْرِ السِّينِ وتخفيف الياء

الْمَفْتُوحَةِ الْمُنْعَطِفُ مِنْ طَرَفَيِ الْقَوْسِ وَقَوْلُهُ يَطْعُنُ بِضَمِّ الْعَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا فِي لُغَةٍ وَهَذَا الْفِعْلُ إِذْلَالٌ لِلْأَصْنَامِ وَلِعَابِدِيهَا وَإِظْهَارٌ لِكَوْنِهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه قَوْلُهُ (جَعَلَ يَطْعُنُ فِي عَيْنِهِ وَيَقُولُ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ) وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ كَانَ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ النُّصُبُ الصَّنَمُ وَفِي هَذَا اسْتِحْبَابُ قِرَاءَةِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ عِنْدَ إِزَالَةِ الْمُنْكَرِ قَوْلُهُ (ثُمَّ قَالَ بِيَدَيْهِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى احْصُدُوهُمْ حَصْدًا) هُوَ بِضَمِّ الصَّادِ وَكَسْرِهَا وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا مَنْ يَقُولُ إِنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلُ السِّيَرِ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فُتِحَتْ صُلْحًا وَادَّعَى الْمَازِرِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ انْفَرَدَ بِهَذَا الْقَوْلِ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِقَوْلِهِ أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ قَالُوا وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ فَلَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ آمِنِينَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذَا وَبِحَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حِينَ أَجَارَتْ رَجُلَيْنِ أَرَادَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَتْلَهُمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ فَكَيْفَ يَدْخُلُهَا صُلْحًا وَيَخْفَى ذَلِكَ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى يُرِيدَ قَتْلَ رَجُلَيْنِ دَخَلَا فِي الْأَمَانِ وَكَيْفَ يُحْتَاجُ إِلَى أَمَانِ أُمِّ هَانِئٍ بَعْدَ الصُّلْحِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَهُمْ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم احصدوهم وقتل خَالِدٌ مَنْ قَتَلَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَظْهَرَ مِنْ كُفَّارِ مَكَّةَ قِتَالًا وَأَمَّا أَمَانُ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ وَأَمَانُ أُمِّ هَانِئٍ فَكُلُّهُ مَحْمُولٌ

عَلَى زِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ لَهُمْ بِالْأَمَانِ وَأَمَّا هَمُّ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَتْلِ الرَّجُلَيْنِ فَلَعَلَّهُ تَأَوَّلَ مِنْهُمَا شَيْئًا أَوْ جَرَى مِنْهُمَا قِتَالٌ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَمَا أَشْرَفَ أَحَدٌ يَوْمئِذٍ لَهُمْ إِلَّا أَنَامُوهُ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَشْرَفَ مُظْهِرًا لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قُلْنَا ذَاكَ يَا رَسُولَ الله قال فما اسمي إذا كَلَّا إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ هَذَا وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي نَبِيٌّ لِإِعْلَامِي إِيَّاكُمْ بِمَا تَحَدَّثْتُمْ بِهِ سِرًّا وَالثَّانِي لَوْ فَعَلْتُ هَذَا الَّذِي خِفْتُمْ مِنْهُ وَفَارَقْتُكُمْ وَرَجَعْتُ إِلَى اسْتِيطَانِ مَكَّةَ لَكُنْتُ نَاقِضًا لِعَهْدِكُمْ فِي مُلَازَمَتِكُمْ وَلَكَانَ هَذَا غَيْرَ مُطَابِقٍ لِمَا اشْتُقَّ مِنْهُ اسْمِي وَهُوَ الْحَمْدُ فَإِنِّي كُنْتُ أُوصَفُ حِينَئِذٍ بِغَيْرِ الْحَمْدِ قَوْلُهُ (وَفَدْنَا إِلَى مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِينَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَكَانَ كُلُّ رجل منا بصنع طَعَامًا يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ فَكَانَتْ نَوْبَتِي) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ اشْتَرَاكِ الْمُسَافِرِينَ فِي الْأَكْلِ وَاسْتِعْمَالِهِمْ مكارم الأخلاق وليس هذا من باب المعارضة حتى يشترط فيه المساواة في الطعام وأن لا يَأْكُلَ بَعْضُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْمُرُوءَاتِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ فَيَجُوزُ وَإِنْ تَفَاضَلَ الطَّعَامُ وَاخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُ وَيَجُوزُ وَإِنْ أَكَلَ بَعْضُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ شَأْنُهُمْ إِيثَارَ بَعْضِهِمْ بعضا قوله (فجاؤا إِلَى الْمَنْزِلِ وَلَمْ يُدْرِكْ طَعَامُنَا فَقُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ لَوْ حَدَّثْتَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُدْرِكَ طَعَامُنَا فَقَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ إِلَى آخِرِهِ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الطَّعَامِ وَجَوَازُ

دُعَائِهِمْ إِلَيْهِ قَبْلَ إِدْرَاكِهِ وَاسْتِحْبَابُ حَدِيثِهِمْ فِي حَالِ الِاجْتِمَاعِ بِمَا فِيهِ بَيَانُ أَحْوَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَغَزَوَاتِهِمْ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَنْشَطُ النُّفُوسُ لِسَمَاعِهِ وَكَذَلِكَ غَيْرُهَا مِنَ الْحُرُوبِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ ضُرٌّ فِي دِينٍ وَلَا دُنْيَا وَلَا أَذًى لِأَحَدٍ لِتَنْقَطِعَ بِذَلِكَ مُدَّةُ الِانْتِظَارِ وَلَا يَضْجَرُوا وَلِئَلَّا يَشْتَغِلَ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ فِي غِيبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا مِنَ الْكَلَامِ الْمَذْمُومِ وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إِذَا كَانَ فِي الْجَمْعِ مَشْهُورٌ بِالْفَضْلِ أَوْ بِالصَّلَاحِ أَنْ يُطْلَبَ مِنْهُ الْحَدِيثُ فَإِنْ لَمْ يَطْلُبُوا اسْتُحِبَّ لَهُ الِابْتِدَاءُ بِالْحَدِيثِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْتَدِيهِمْ بِالتَّحْدِيثِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْهُمْ قَوْلُهُ (وَجَعَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْبَيَاذِقَةِ وَبَطْنِ الْوَادِي) الْبَيَاذِقَةُ بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ وَبِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَقَافٍ وَهُمُ الرَّجَّالَةُ قَالُوا وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَأَصْلُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ أَصْحَابُ رِكَابِ الْمَلِكِ وَمَنْ يَتَصَرَّفُ فِي أُمُورِهِ قِيلَ سُمُّوا بِذَلِكَ لِخِفَّتِهِمْ وَسُرْعَةِ حَرَكَتِهِمْ هَكَذَا الرِّوَايَةُ فِي هَذَا الْحَرْفِ هُنَا وَفِي غَيْرِ مُسْلِمٍ أَيْضًا قَالَ الْقَاضِي هَكَذَا رِوَايَتُنَا فِيهِ قَالَ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ السَّاقَةُ وَهُمُ الَّذِينَ يَكُونُونَ آخِرَ الْعَسْكَرِ وَقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيَاذِقَةِ بِأَنَّهُمْ رَجَّالَةٌ وَسَاقَةٌ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ الشَّارِفَةُ وَفَسَّرُوهُ بِالَّذِينَ يُشْرِفُونَ عَلَى مَكَّةَ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوا فِي بَطْنِ الْوَادِي وَالْبَيَاذِقَةُ هُنَا هُمُ الْحُسَّرُ فِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ وَهُمْ رَجَّالَةٌ لَا دُرُوعَ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ (وَقَالَ مَوْعِدُكُمُ الصَّفَا) يَعْنِي قَالَ هَذَا لِخَالِدٍ وَمَنْ مَعَهُ الَّذِينَ أَخَذُوا أَسْفَلَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَأَخَذَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ أَعْلَى مَكَّةَ قَوْلُهُ (فَمَا أَشْرَفَ لَهُمْ أَحَدٌ إِلَّا أَنَامُوهُ) أَيْ مَا ظَهَرَ لَهُمْ أَحَدٌ إِلَّا قَتَلُوهُ فَوَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ أَوْ يَكُونُ بِمَعْنَى أَسْكَنُوهُ بِالْقَتْلِ كَالنَّائِمِ يُقَالُ نَامَتِ الرِّيحُ إِذَا سَكَنَتْ وَضَرَبَهُ

حَتَّى سَكَنَ أَيْ مَاتَ وَنَامَتِ الشَّاةُ وَغَيْرُهَا مَاتَتْ قَالَ الْفَرَّاءُ النَّائِمَةُ الْمَيِّتَةُ هَكَذَا تَأَوَّلَ هذه اللفظة

الْقَائِلُونَ بِأَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَمَنْ قَالَ فُتِحَتْ صُلْحًا يَقُولُ أَنَامُوهُ أَلْقَوْهُ إِلَى الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ إِلَّا مَنْ قَاتَلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1782] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبْرًا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ الْإِعْلَامُ بِأَنَّ قُرَيْشًا يُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ وَلَا يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ كَمَا ارْتَدَّ غَيْرُهُمْ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ حُورِبَ وَقُتِلَ صَبْرًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَا يُقْتَلُونَ ظُلْمًا صَبْرًا فَقَدْ جَرَى عَلَى قُرَيْشٍ بَعْدَ ذَلِكَ مَا هُوَ مَعْلُومٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ مِنْ عُصَاةِ قُرَيْشٍ غَيْرُ مُطِيعٍ كَانَ اسْمُهُ الْعَاصِي فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُطِيعًا) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عُصَاةُ هُنَا جَمْعُ الْعَاصِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ لَا مِنَ الصِّفَاتِ أَيْ مَا أَسْلَمَ مِمَّنْ كَانَ اسْمُهُ الْعَاصِ مِثْلُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ وَالْعَاصِ بْنِ هِشَامٍ أَبُو الْبُخْتُرِيِّ وَالْعَاصِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ وَالْعَاصِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ وَالْعَاصِ بْنِ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَغَيْرِهِمْ سِوَى الْعَاصِ بْنِ الْأَسْوَدِ الْعُذْرِيِّ فَغَيَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَهُ فَسَمَّاهُ مُطِيعًا وَإِلَّا فَقَدْ أَسْلَمَتْ عُصَاةُ قُرَيْشٍ وَعُتَاتُهُمْ كُلُّهُمْ بحمد الله تعالى ولكنه تَرَكَ أَبَا جَنْدَلِ بْنَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ مِمَّنْ أَسْلَمَ وَاسْمُهُ أَيْضًا الْعَاصِ فَإِذَا صَحَّ هَذَا فَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا لِمَا غَلَبَتْ عَلَيْهِ كُنْيَتُهُ وَجُهِلَ اسْمُهُ لَمْ يُعَرِّفْهُ الْمُخْبِرُ بِاسْمِهِ فَلَمْ يَسْتَثْنِهِ كَمَا اسْتَثْنَى مُطِيعَ بْنَ الْأَسْوَدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب صلح الحديبية في الحديبية والجعرانة لغتان

(بَابُ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَالْجِعِرَّانَةِ لُغَتَانِ التَّخْفِيفُ وَهُوَ الْأَفْصَحُ وَالتَّشْدِيدُ وَسَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ قَوْلُهُ [1783] (هَذَا مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى قَاضَى هُنَا فَاصَلَ وَأَمْضَى أَمْرَهُ عَلَيْهِ وَمِنْهُ قَضَى الْقَاضِي أَيْ فَصَلَ الْحُكْمَ وَأَمْضَاهُ وَلِهَذَا سُمِّيَتْ تِلْكَ السَّنَةُ عَامَ الْمُقَاضَاةِ وَعُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ وَعُمْرَةَ الْقَضَاءِ كُلُّهُ مِنْ هَذَا وَغَلَّطُوا مَنْ قَالَ إِنَّهَا سُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ لِقَضَاءِ الْعُمْرَةِ التي صدعنها لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاءُ الْمَصْدُودِ عَنْهَا إِذَا تَحَلَّلَ بِالْإِحْصَارِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ فِي أَوَّلِ الْوَثَائِقِ وَكُتُبِ الْإِمْلَاكِ وَالصَّدَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا هَذَا مَا اشْتَرَى فُلَانٌ أَوْ هَذَا مَا أَصْدَقَ أَوْ وَقَفَ أَوْ أَعْتَقَ وَنَحْوَهُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ وَجَمِيعِ الْبُلْدَانِ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بالاسم الشهور من غير زيادة خلافا لمن قال لابد مِنْ أَرْبَعَةٍ الْمَذْكُورِ وَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَنَسَبِهِ وَفِيهِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْقِدَ الصُّلْحَ عَلَى مَا رَآهُ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ لَا يَظْهَرُ ذَلِكَ لِبَعْضِ النَّاسِ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ وَفِيهِ احْتِمَالُ الْمَفْسَدَةِ الْيَسِيرَةِ لِدَفْعِ أَعْظَمَ مِنْهَا أَوْ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ أَعْظَمَ مِنْهَا إِذَا لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِذَلِكَ قَوْلُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ امْحُهُ فَقَالَ مَا أَنَا بِالَّذِي أَمْحَاهُ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِالَّذِي أَمْحَاهُ وَهِيَ لُغَةٌ فِي أَمْحُوهُ وَهَذَا الَّذِي فَعَلَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ بَابِ الْأَدَبِ الْمُسْتَحَبِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتِيمَ مَحْوِ عَلِيٍّ بِنَفْسِهِ وَلِهَذَا لَمْ يُنْكِرْ)

وَلَوْ حَتَّمَ مَحْوَهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ لِعَلِيٍّ تَرْكُهُ وَلَمَا أَقَرَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُخَالَفَةِ قَوْلُهُ (وَلَا يَدْخُلُهَا بِسِلَاحٍ إِلَّا جُلُبَّانُ السِّلَاحِ) قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ جلبان السلاح هو القراب وما فيه والجلبان بِضَمِّ الْجِيمِ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ ضَبَطْنَاهُ جُلُبَّانُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَاللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قال وكذا رواه الأكثرون وصوبه بن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ وَصَوَّبَهُ هُوَ وَثَابِتٌ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَابِتٌ سِوَاهُ وَهُوَ أَلْطَفُ مِنَ الْجِرَابِ يَكُونُ مِنَ الْأُدُمِ يُوضَعُ فِيهِ السَّيْفُ مُغْمَدًا وَيَطْرَحُ فِيهِ الرَّاكِبُ سَوْطَهُ وَأَدَاتَهُ وَيُعَلِّقُهُ فِي الرَّحْلِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا شَرَطُوا هَذَا لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أن لا يَظْهَرَ مِنْهُ دُخُولُ الْغَالِبِينَ الْقَاهِرِينَ وَالثَّانِي أَنَّهُ إِنْ عَرَضَ فِتْنَةٌ أَوْ نَحْوُهَا يَكُونُ فِي الِاسْتِعْدَادِ بِالسِّلَاحِ صُعُوبَةٌ قَوْلُهُ (اشْتَرَطُوا أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ فَيُقِيمُوا بِهَا ثَلَاثًا) قَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُ هَذَا التَّقْدِيرِ أَنَّ الْمُهَاجِرَ مِنْ مَكَّةَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقِيمَ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهَذَا أَصْلٌ فِي أَنَّ الثَّلَاثَةَ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْإِقَامَةِ وَأَمَّا مَا فَوْقَهَا فَلَهُ حُكْمُ الْإِقَامَةِ وقَدْ رَتَّبَ الْفُقَهَاءُ عَلَى هَذَا قَصْرُ الصَّلَاةِ فِيمَنْ نَوَى إِقَامَةً فِي بَلَدٍ فِي طَرِيقِهِ وَقَاسُوا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلَ كَثِيرَةً قَوْلُهُ (لَمَّا أُحْصِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْبَيْتِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا

أُحْصِرَ عِنْدَ الْبَيْتِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رواية جميع الرواة سوى بن الْحَذَّاءِ فَإِنَّ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الْبَيْتِ وَهُوَ الوجه وأما أحصر وَحُصِرَ فَسَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَرِنِي مَكَانَهَا فَأَرَاهُ مكانها فمحاها وكتب بن عَبْدِ اللَّهِ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ احْتَجَّ بِهَذَا اللَّفْظِ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب ذَلِكَ بِيَدِهِ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ نَحْوَهُ مِنْ رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَقَالَ فِيهِ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِتَابَ فَكَتَبَ وَزَادَ عَنْهُ فِي طَرِيقٍ آخَرَ وَلَا يُحْسِنُ أَنْ يَكْتُبَ فَكَتَبَ قَالَ أَصْحَابُ هَذَا الْمَذْهَبِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى ذَلِكَ عَلَى يَدِهِ إِمَّا بِأَنْ كَتَبَ ذَلِكَ الْقَلَمُ بِيَدِهِ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِمَا يَكْتُبُ أَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّمَهُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ حَتَّى كَتَبَ وَجَعَلَ هَذَا زيادة في معجزته فإنه كان أميا فكما علمه مالم يعلم من العلم وجعله يقرأ مالم يقرأ ويتلو مالم يكن يتلو كذلك علمه أن يكتب مالم يكن يكتب وخط مالم يكن يَخُطَّ بَعْدَ النُّبُوَّةِ أَوْ أَجْرَى ذَلِكَ عَلَى يَدِهِ قَالُوا وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي وَصْفِهِ بِالْأُمِّيَّةِ وَاحْتَجُّوا بِآثَارٍ جَاءَتْ فِي هَذَا عَنِ الشعبي وبعض السلف وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ حَتَّى كَتَبَ قَالَ الْقَاضِي وَإِلَى جَوَازِ هَذَا ذَهَبَ الْبَاجِيُّ وَحَكَاهُ عَنِ السِّمَنَانِيِّ وَأَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى مَنْعِ هَذَا كُلِّهِ قَالُوا وَهَذَا الَّذِي زَعَمَهُ الذَّاهِبُونَ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يُبْطِلُهُ وَصْفُ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كتاب ولا تخطه بيمينك وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسِبُ قَالُوا وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَتَبَ مَعْنَاهُ أَمَرَ بِالْكِتَابَةِ كَمَا يُقَالُ رَجَمَ مَاعِزًا وَقَطَعَ السَّارِقَ وَجَلَدَ الشَّارِبَ أَيْ أَمَرَ بِذَلِكَ وَاحْتَجُّوا

بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقَالَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ اكْتُبْ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ الْقَاضِي وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّهُ لَمْ يَتْلُ وَلَمْ يَخُطَّ أَيْ مِنْ قَبْلِ تَعْلِيمِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَبْلِهِ فَكَمَا جَازَ أَنْ يَتْلُوَ جَازَ أَنْ يَكْتُبَ وَلَا يَقْدَحُ هَذَا فِي كَوْنِهِ أُمِّيًّا إِذْ لَيْسَتِ الْمُعْجِزَةُ مُجَرَّدَ كَوْنِهِ أُمِّيًّا فَإِنَّ الْمُعْجِزَةَ حَاصِلَةٌ بِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلًا كَذَلِكَ ثُمَّ جَاءَ بِالْقُرْآنِ وَبِعُلُومٍ لَا يَعْلَمُهَا الْأُمِّيُّونَ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ ظَاهِرٌ قَالَ وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَكْتُبَ فَكَتَبَ كَالنَّصِّ أَنَّهُ كَتَبَ بِنَفْسِهِ قَالَ وَالْعُدُولُ إِلَى غَيْرِهِ مَجَازٌ وَلَا ضَرُورَةَ إِلَيْهِ قَالَ وَقَدْ طَالَ كَلَامُ كُلِّ فِرْقَةٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَشَنَّعَتْ كُلُّ فِرْقَةٍ عَلَى الْأُخْرَى فِي هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ كُلِّهَا يَوْمُ الثَّالِثِ بِإِضَافَةِ يَوْمٍ إِلَى الثَّالِثِ وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَمَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ جَوَازُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَمَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ تَقْدِيرُ مَحْذُوفٍ منه أي أَيْ يَوْمُ الزَّمَانِ الثَّالِثِ قَوْلُهُ (فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ قَالُوا لِعَلِيٍّ هَذَا آخِرُ يَوْمٍ مِنْ شَرْطِ صَاحِبِكَ فَأْمُرْهُ أَنْ يَخْرُجَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ نَعَمْ فَخَرَجَ) هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ حَذْفٌ وَاخْتِصَارٌ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَمْ يَقَعْ فِي عَامِ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ وَكَانُوا شَارَطُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ أَنْ يَجِيءَ بِالْعَامِ الْمُقْبِلِ فَيَعْتَمِرَ وَلَا يُقِيمَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَجَاءَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَأَقَامَ إِلَى أَوَاخِرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَقَالُوا لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هَذَا الْكَلَامَ فَاخْتَصَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْإِقَامَةَ وَهَذَا الْكَلَامَ كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ بِكَوْنِهِ مَعْلُومًا وَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَاتٍ أُخَرَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ أَحْوَجُوهُمْ إِلَى أَنْ يَطْلُبُوا

مِنْهُمُ الْخُرُوجَ وَيَقُومُوا بِالشَّرْطِ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الطَّلَبَ كَانَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بِيَسِيرٍ وَكَانَ عَزْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ عَلَى الِارْتِحَالِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثَةِ فَاحْتَاطَ الْكُفَّارُ لِأَنْفُسِهِمْ وَطَلَبُوا الِارْتِحَالَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثَةِ بِيَسِيرٍ فَخَرَجُوا عِنْدَ انْقِضَائِهَا وَفَاءً بِالشَّرْطِ لَا أَنَّهُمْ كَانُوا مُقِيمِينَ لَوْ لَمْ يُطْلَبِ ارْتِحَالُهُمْ قَوْلُهُ [1784] (فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ سُهَيْلٌ أَمَّا بِسْمِ اللَّهِ فَمَا نَدْرِي مَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم ولكن اكتب ما نعرف بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ) قَالَ الْعُلَمَاءُ وَافَقَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَرْكِ كِتَابَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَأَنَّهُ كَتَبَ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ وَكَذَا وَافَقَهُمْ فِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَتَرَكَ كِتَابَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا وَافَقَهُمْ فِي رَدِّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ إِلَيْنَا دُونَ مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إِلَيْهِمْ وَإِنَّمَا وَافَقَهُمْ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ لِلْمَصْلَحَةِ الْمُهِمَّةِ الْحَاصِلَةِ بِالصُّلْحِ مَعَ أَنَّهُ لَا مَفْسَدَةَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ أَمَّا الْبَسْمَلَةُ وَبِاسْمِكَ اللَّهُمَّ فَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَكَذَا قَوْلُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ أَيْضًا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ فِي تَرْكِ وَصْفِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَا يَنْفِي ذَلِكَ وَلَا فِي تَرْكِ وَصْفِهِ أَيْضًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُنَا بِالرِّسَالَةِ مَا يَنْفِيهَا فَلَا مَفْسَدَةَ فِيمَا طَلَبُوهُ وَإِنَّمَا كَانَتِ المفسدة تكون لو طلبوا أن يكتب مالا يَحِلُّ مِنْ تَعْظِيمِ آلِهَتِهِمْ

وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا شَرْطُ رَدِّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ وَمَنْعِ مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِمْ فَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِكْمَةَ فِيهِمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إِلَيْهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ سَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا ثُمَّ كَانَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ اللَّهُ لِلَّذِينَ جَاءُونَا مِنْهُمْ وَرَدَّهُمْ إِلَيْهِمْ فَرَجًا وَمَخْرَجًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَهَذَا مِنَ الْمُعْجِزَاتِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْمَصْلَحَةُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى إِتْمَامِ هَذَا الصُّلْحِ مَا ظَهَرَ مِنْ ثَمَرَاتِهِ الْبَاهِرَةِ وَفَوَائِدِهِ الْمُتَظَاهِرَةِ الَّتِي كَانَتْ عَاقِبَتُهَا فَتْحَ مَكَّةَ وَإِسْلَامَ أَهْلِهَا كُلِّهَا وَدُخُولَ النَّاسِ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَبْلَ الصُّلْحِ لَمْ يَكُونُوا يَخْتَلِطُونَ بِالْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَظَاهَرُ عِنْدَهُمْ أُمُورُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا هِيَ وَلَا يَحِلُّونَ بِمَنْ يُعْلِمُهُمْ بِهَا مُفَصَّلَةً فَلَمَّا حَصَلَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ اخْتَلَطُوا بِالْمُسْلِمِينَ وَجَاءُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَذَهَبَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى مَكَّةَ وَحَلُّوا بِأَهْلِهِمْ وَأَصْدِقَائِهِمْ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَسْتَنْصِحُونَهُ وَسَمِعُوا مِنْهُمْ أَحْوَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفَصَّلَةً بِجُزْئِيَّاتِهَا وَمُعْجِزَاتِهِ الظَّاهِرَةَ وَأَعْلَامَ نُبُوَّتِهِ الْمُتَظَاهِرَةَ وَحُسْنَ سِيرَتِهِ وَجَمِيلَ طَرِيقَتِهِ وَعَايَنُوا بِأَنْفُسِهِمْ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ فَمَا زَلَّتْ نُفُوسُهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ حَتَّى بَادَرَ خَلْقٌ مِنْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ فَأَسْلَمُوا بَيْنَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ وَفَتْحِ مَكَّةَ وَازْدَادَ الْآخَرُونَ مَيْلًا إِلَى الْإِسْلَامِ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ لِمَا كَانَ قَدْ تَمَهَّدَ لَهُمْ مِنَ الْمَيْلِ وَكَانَتِ الْعَرَبُ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ فِي الْبَوَادِي يَنْتَظِرُونَ بِإِسْلَامِهِمْ إِسْلَامَ قُرَيْشٍ فَلَمَّا أَسْلَمَتْ قُرَيْشٌ أَسْلَمَتِ الْعَرَبُ فِي الْبَوَادِي قَالَ تَعَالَى إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ في دين الله أفواجا قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ) هُوَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ مُخَفَّفَةٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ هَاءٍ فِي الْوَقْفِ وَالدَّرْجِ عَلَى وَزْنَيْ مِيَاهٍ وَشِيَاهٍ قَوْلُهُ (قَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يَوْمَ صِفِّينَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ إِلَى آخِرِهِ) أَرَادَ بِهَذَا تَصْبِيرَ النَّاسِ عَلَى الصُّلْحِ وَإِعْلَامِهِمْ بِمَا يُرْجَى بَعْدَهُ مِنَ الْخَيْرِ فَإِنَّهُ يُرْجَى مَصِيرُهُ إِلَى خَيْرٍ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ فِي الِابْتِدَاءِ مِمَّا تَكْرَهُهُ النُّفُوسُ كَمَا كَانَ شَأْنُ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ وَإِنَّمَا قَالَ سَهْلٌ هَذَا الْقَوْلَ حين

ظَهَرَ مِنْ أَصْحَابَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَرَاهَةَ التَّحْكِيمِ فَأَعْلَمَهُمْ بِمَا جَرَى يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ كَرَاهَةِ أَكْثَرِ النَّاسِ الصُّلْحَ وَأَقْوَالِهِمْ فِي كَرَاهَتِهِ وَمَعَ هَذَا فَأَعْقَبَ خَيْرًا عَظِيمًا فَقَرَّرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصُّلْحِ مَعَ أَنَّ إِرَادَتَهُمْ كَانَتْ مُنَاجَزَةَ كُفَّارِ مَكَّةَ بِالْقِتَالِ وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قوله (فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا) هِيَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ النَّقِيصَةُ وَالْحَالَةُ النَّاقِصَةُ قَالَ الْعُلَمَاءُ لَمْ يَكُنْ سُؤَالُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَلَامُهُ الْمَذْكُورُ شَكًّا بَلْ طَلَبًا لِكَشْفِ مَا خَفِيَ عَلَيْهِ وَحَثًّا عَلَى إِذْلَالِ الْكُفَّارِ وَظُهُورِ الْإِسْلَامِ كَمَا عُرِفَ مِنْ خُلُقِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقُوَّتِهِ فِي نُصْرَةِ الدِّينِ وَإِذْلَالِ الْمُبْطِلِينَ وَأَمَّا جَوَابُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِعُمَرَ بِمِثْلِ جَوَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مِنَ الدَّلَائِلِ الظَّاهِرَةِ عَلَى عَظِيمِ فَضْلِهِ وَبَارِعِ عِلْمِهِ وَزِيَادَةِ عِرْفَانِهِ وَرُسُوخِهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَزِيَادَتِهِ فِيهِ كُلِّهِ عَلَى غَيْرِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ (فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَتْحِ فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ فأقرأه إياه فقال يا رسول الله

أو فتح هُوَ قَالَ نَعَمْ فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَرَجَعَ) الْمُرَادُ أَنَّهُ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فتحا مبينا وَكَانَ الْفَتْحُ هُوَ صُلْحَ يَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ فَقَالَ عمر أو فتح هُوَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا وَفِيهِ إِعْلَامُ الْإِمَامِ وَالْعَالِمِ كِبَارَ أَصْحَابِهِ بمَا يَقَعُ لَهُ مِنَ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ وَالْبَعْثِ إِلَيْهِمْ لِإِعْلَامِهِمْ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (يَوْمُ أَبِي جَنْدَلٍ) هُوَ يَوْمُ الْحُدَيْبِيَةِ وَاسْمُ أبي جندل العاص بن سهيل بن عمر وقوله أمر بفظعنا أي يشق علينا ونخافه قوله (إلى أَمْرَكُمْ) هَذَا يَعْنِي الْقِتَالَ الْوَاقِعَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الشَّامِ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي حَصِينٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ قَوْلُهُ (عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ قَالَ اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فَتَحْنَا مِنْهُ فِي خُصْمٍ إِلَّا انْفَجَرَ عَلَيْنَا مِنْهُ خُصْمٌ) هَكَذَا وَقَعَ هذا

الْحَدِيثُ فِي نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ كُلِّهَا وَفِيهِ مَحْذُوفٌ وَهُوَ جَوَابُ لَوْ تَقْدِيرُهُ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَرَدَدْتُهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ تَرَى إِذِ المجرمون وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ولو ترى إذ الظالمون موقوفون وَنَظَائِرُهُ فَكُلُّهُ مَحْذُوفُ جَوَابِ لَوْ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ مَا فَتَحْنَا مِنْهُ خُصْمًا فَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ عَائِدٌ إِلَى قَوْلِهِ اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ وَمَعْنَاهُ مَا أَصْلَحْنَا مِنْ رَأْيِكُمْ وَأَمْرِكُمْ هذا ناحية إلا انفتحت أُخْرَى وَلَا يَصِحُّ إِعَادَةُ الضَّمِيرِ إِلَى غَيْرِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ مَا فَتَحْنَا مِنْهُ خُصْمًا فَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ غَلَطٌ أَوْ تَغْيِيرٌ وَصَوَابُهُ مَا سَدَدْنَا مِنْهُ خُصْمًا وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَا سَدَدْنَا وَبِهِ يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ وَيَتَقَابَلُ سَدَدْنَا بِقَوْلِهِ إِلَّا انْفَجَرَ وَأَمَّا الْخُصْمُ فَبِضَمِّ الْخَاءِ وَخُصْمُ كُلِّ شَيْءٍ طَرَفُهُ وَنَاحِيَتُهُ وَشَبَّهَهُ بِخُصْمِ الرَّاوِيَةِ وَانْفِجَارِ الْمَاءِ مِنْ طَرَفِهَا أَوْ بِخُصْمِ الغرارة والخرج وانصباب مافيه بِانْفِجَارِهِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ مُصَالَحَةِ الْكُفَّارِ إِذَا كَانَ فِيهَا مَصْلَحَةٌ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ مُدَّتَهَا لَا تَزِيدُ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْإِمَامُ مُسْتَظْهِرًا عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ مُسْتَظْهِرًا لَمْ يَزِدْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَفِي قَوْلٍ يَجُوزُ دون سنة وقال مالك لاحد لِذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ قَلَّ أَمْ كَثُرَ بحسب رأى الإمام والله أعلم

(باب الوفاء بالعهد [1787] قوله عن حذيفة بن اليمان (خرجت

(باب الوفاء بالعهد [1787] قَوْلُهُ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ (خَرَجْتُ أَنَا وأبي حسيل) إلى آخره هو حُسَيْلٌ بِحَاءٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ سِينٍ مَفْتُوحَةٍ مُهْمَلَتَيْنِ ثُمَّ يَاءٍ ثُمَّ لَامٍ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا حِسْلٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ السِّينِ وَهُوَ وَالِدُ حُذَيْفَةَ وَالْيَمَانُ لَقَبٌ لَهُ وَالْمَشْهُورُ فِي اسْتِعْمَالِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ الْيَمَانِ بِالنُّونِ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ بَعْدَهَا وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالصَّحِيحُ الْيَمَانِيُّ بِالْيَاءِ وَكَذَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي وَشَدَّادُ بْنُ الْهَادِي وَالْمَشْهُورُ لِلْمُحَدِّثِينَ حَذْفُ الْيَاءِ وَالصَّحِيحُ إِثْبَاتُهَا قَوْلُهُ (فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ فَقَالُوا إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا قُلْنَا مَا نُرِيدُهُ مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ فَأَخَذُوا عَلَيْنَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ انْصَرِفَا نَفْي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ) فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْكَذِبِ فِي الْحَرْبِ وَإِذَا أَمْكَنَ التَّعْرِيضُ فِي الْحَرْبِ فَهُوَ أَوْلَى وَمَعَ هَذَا يَجُوزُ الْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ وَفِي الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ وَكَذِبُ الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ وَفِيهِ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ وَقَدِ اخْتَلَفَ العلماء في الأسير يعاهد الكفار أن لا يَهْرَبَ مِنْهُمْ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بَلْ مَتَى أَمْكَنَهُ الْهَرَبُ هَرَبَ وَقَالَ مَالِكٌ يَلْزَمُهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَكْرَهُوهُ فَحَلَفَ لَا يَهْرَبُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ وَأَمَّا قَضِيَّةُ حُذَيْفَةَ وَأَبِيهِ فَإِنَّ الْكُفَّارَ اسْتَحْلَفُوهُمَا لَا يُقَاتِلَانِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةِ بَدْرٍ فَأَمَرَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَفَاءِ وَهَذَا لَيْسَ لِلْإِيجَابِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِتَرْكِ الْجِهَادِ مَعَ الْإِمَامِ وَنَائِبِهِ وَلَكِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَشِيعَ عَنْ أَصْحَابِهِ نَقْضُ الْعَهْدِ وَإِنْ)

(باب غزوة الأحزاب [1788] قوله (كنا عند حذيفة فقال رجل لو

كَانَ لَا يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشِيعَ عَلَيْهِمْ لَا يَذْكُرُ تَأْوِيلًا (بَاب غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ [1788] قَوْلُهُ (كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَقَالَ رَجُلٌ لَوْ أَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلْتُ مَعَهُ وَأَبْلَيْتُ فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ مَا قَالَ) مَعْنَاهُ أَنَّ حُذَيْفَةَ فَهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَالَغَ فِي نُصْرَتِهِ وَلَزَادَ عَلَى الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَأَخْبَرَهُ بِخَبَرِهِ فِي لَيْلَةِ الْأَحْزَابِ وَقَصَدَ زَجْرَهُ عَنْ ظَنِّهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ أَكْثَرَ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ قَوْلُهُ (وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ) هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَهُوَ الْبَرْدُ وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا (قُرِرْتُ) هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ بَرَدْتُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ) هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مَعْنَاهُ لَا تُفَزِّعْهُمْ عَلَيَّ وَلَا تُحَرِّكْهُمْ عَلَيَّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا تُنَفِّرْهُمْ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَالْمُرَادُ لَا تُحَرِّكْهُمْ عَلَيْكَ فَإِنَّهُمْ إِنْ أَخَذُوكَ كَانَ ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَيَّ لِأَنَّكَ رَسُولِي وَصَاحِبِي قوله (فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي)

فِي حَمَّامٍ حَتَّى أَتَيْتُهُمْ) يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَجِدِ الْبَرْدَ الَّذِي يَجِدُهُ النَّاسُ وَلَا مِنْ تِلْكَ الرِّيحِ الشَّدِيدَةِ شَيْئًا بَلْ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْهُ بِبَرَكَةِ إِجَابَتِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَابِهِ فِيمَا وَجَّهَهُ لَهُ وَدُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ اللُّطْفُ بِهِ وَمُعَافَاتُهُ مِنَ الْبَرْدِ حَتَّى عَادَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَجَعَ وَوَصَلَ عَادَ إِلَيْهِ الْبَرْدُ الَّذِي يَجِدُهُ النَّاسُ وَهَذِهِ مِنْ مُعْجِزَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَفْظَةُ الْحَمَّامِ عَرَبِيَّةٌ وَهُوَ مُذَكَّرٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَمِيمِ وَهُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ قَوْلُهُ (فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ أَيْ يُدْفِئُهُ وَيُدْنِيهِ مِنْهَا وَهُوَ الصَّلَا بِفَتْحِ الصَّادِ وَالْقَصْرِ وَالصِّلَاءُ بِكَسْرِهَا وَالْمَدِّ قَوْلُهُ (كَبِدِ الْقَوْسِ) هُوَ مِقْبَضُهَا وَكَبِدُ كُلِّ شَيْءٍ وَسَطُهُ قَوْلُهُ (فَأَلْبَسَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّي فِيهَا) الْعَبَاءَةُ بِالْمَدِّ وَالْعَبَايَةُ بِزِيَادَةِ يَاءٍ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ وَفِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي الصُّوفِ وَهُوَ جَائِزٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ وَسَوَاءٌ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَفِيهِ وَلَا كَرَاهِيَةَ فِي ذَلِكَ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَتِ الشِّيعَةُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الصُّوفِ وَتَجُوزُ فِيهِ وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ قَوْلُهُ (فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ قُمْ يَا نَوْمَانُ) هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَهُوَ كَثِيرُ النَّوْمِ وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي النِّدَاءِ كَمَا اسْتَعْمَلَهُ هُنَا وَقَوْلُهُ (أَصْبَحْتُ) أَيْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ وَأَمِيرِ الْجَيْشِ بَعْثُ الْجَوَاسِيسِ وَالطَّلَائِعِ لِكَشْفِ خَبَرِ الْعَدُوِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب غزوة أحد [1789] قوله (حدثنا هداب بن خالد الأزدي) هكذا

(بَاب غَزْوَةِ أُحُدٍ [1789] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الْأَزْدِيُّ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الأزدي وكذا قاله البخاري في التاريخ وبن أبي حاتم في كتابه وغيرهما وذكره بن عَدِيٍّ وَالسَّمْعَانِيُّ فَقَالَا هُوَ قَيْسِيٌّ فَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَخَاهُ أُمَيَّةَ بْنَ خَالِدٍ فَنَسَبَهُ قَيْسِيًّا وَذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ فَقَالَ الْقَيْسِيُّ الْأَزْدِيُّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَانِ نِسْبَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ لِأَنَّ الْأَزْدَ مِنَ الْيَمَنِ وَقَيْسَ مِنْ مَعَدٍّ قَالَ وَلَكِنْ قَيْسُ هُنَا لَيْسَ قَيْسَ غَيْلَانَ بَلْ قَيْسَ بْنَ يُونَانَ مِنَ الْأَزْدِ فَتَصِحُّ النِّسْبَتَانِ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ هَذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي زِيَادِ بْنِ رَبَاحٍ الْقَيْسِيِّ وَيُقَالُ رِيَاحٌ كَذَا نَسَبَهُ مُسْلِمٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ الْقَيْسِيُّ وَقَالَ فِي النُّذُورِ التَّيْمِيُّ قِيلَ لَعَلَّهُ مِنْ تَيْمِ بْنِ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ فَيَجْتَمِعُ النِّسْبَتَانِ وَإِلَّا فَتَيْمُ قُرَيْشٍ لَا تجْتَمِعُ هِيَ وَقَيْسٌ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ضَبْطِ هَدَّابٍ هَذَا مَرَّاتٍ وَأَنَّهُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ وَأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ هُدْبَةُ بِضَمِّ الْهَاءِ قِيلَ هُدْبَةُ اسْمٌ وَهَدَّابٌ لَقَبٌ وَقِيلَ عَكْسُهُ قَوْلُهُ (فَلَمَّا رَهِقُوهُ) هُوَ بِكَسْرِ الْهَاءِ أَيْ غَشُوهُ وَقَرُبُوا مِنْهُ أَرْهَقَهُ أَيْ غَشِيَهُ قَالَ صَاحِبُ الْأَفْعَالِ رَهِقْتُهُ وَأَرْهَقْتُهُ أَيْ أَدْرَكْتُهُ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ قِيلَ لَا يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ إِلَّا فِي الْمَكْرُوهِ قَالَ وَقَالَ ثَابِتٌ كُلُّ شَيْءٍ دَنَوْتَ مِنْهُ فَقَدْ رَهِقْتَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَعَهُ سَبْعَةُ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَرَجُلَانِ مِنْ قُرَيْشٍ فَقُتِلَتِ السَّبْعَةُ فَقَالَ لِصَاحِبَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا) الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ فِيهِ مَا أنصفنا بإسكان الفاء وأصحابنا مَنْصُوبٌ مَفْعُولٌ بِهِ هَكَذَا ضَبَطَهُ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَمَعْنَاهُ مَا أَنْصَفَتْ قُرَيْشٌ الأنصار لكون)

القرشيين لَمْ يَخْرُجَا لِلْقِتَالِ بَلْ خَرَجَتِ الْأَنْصَارُ وَاحِدًا بعدو أحد وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ مَا أَنْصَفَنَا بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْمُرَادُ عَلَى هَذَا الَّذِينَ فَرُّوا مِنَ الْقِتَالِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُنْصِفُوا لِفِرَارِهِمْ قَوْلُهُ [1790] (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ وَذَكَرَ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ رُوَاةِ كِتَابِ مُسْلِمٍ أَنَّهُمْ جَعَلُوا أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي شَيْبَةَ بَدَلَ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى قَالَ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ (وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ) هِيَ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَهِيَ السِّنُّ الَّتِي تَلِي الثَّنِيَّةَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَلِلْإِنْسَانِ أَرْبَعُ رَبَاعِيَاتٍ وَفِي هَذَا وُقُوعُ الِانْتِقَامِ وَالِابْتِلَاءِ بِالْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ لِيَنَالُوا جَزِيلَ الْأَجْرِ وَلِتَعْرِفَ أُمَمُهُمْ وَغَيْرُهُمْ مَا أَصَابَهُمْ وَيَتَأَسَّوْا بِهِمْ قَالَ الْقَاضِي وَلِيُعْلَمَ أَنَّهُمْ مِنَ الْبَشَرِ تُصِيبُهُمْ مِحَنُ الدُّنْيَا وَيَطْرَأُ عَلَى أَجْسَامِهِمْ مَا يَطْرَأُ عَلَى أَجْسَامِ الْبَشَرِ لِيَتَيَقَّنُوا أَنَّهُمْ مَخْلُوقُونَ مَرْبُوبُونَ وَلَا يُفْتَتَنَ بِمَا ظَهَرَ عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَتَلْبِيسِ الشيطان من أمرهم مالبسه عَلَى النَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ قَوْلُهُ (وَهُشِمَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ لُبْسِ الْبَيْضَةِ وَالدُّرُوعِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَسْبَابِ التَّحَصُّنِ فِي الْحَرْبِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِقَادِحٍ فِي التَّوَكُّلِ قَوْلُهُ (يَسْكُبُ عَلَيْهَا بِالْمِجَنِّ) أَيْ يَصُبُّ عَلَيْهَا بِالتُّرْسِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ الْمُدَاوَاةِ وَمُعَالَجَةِ الْجِرَاحِ وَأَنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي التَّوَكُّلِ لِأَنَّ

النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يموت قَوْلُهُ (دُووِيَ جُرْحُهُ) هُوَ بِوَاوَيْنِ وَيَقَعُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِوَاوٍ وَاحِدَةٍ وَتَكُونُ الْأُخْرَى مَحْذُوفَةً كَمَا حُذِفَتْ مِنْ دَاوُدَ فِي

(باب اشتداد غضب الله على من قتله رسول الله صلى

الْخَطِّ [1792] قَوْلُهُ (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَى نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) فِيهِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحِلْمِ وَالتَّصَبُّرِ وَالْعَفْوِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى قَوْمِهِمْ وَدُعَائِهِمْ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَالْغُفْرَانِ وَعُذْرِهِمْ فِي جِنَايَتِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَهَذَا النَّبِيُّ الْمُشَارُ إِلَيْهِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَدْ جَرَى لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ هَذَا يَوْمَ أُحُدٍ قَوْلُهُ (وَهُوَ يَنْضِحُ الدَّمَ عَنْ جَبِينِهِ) هُوَ بِكَسْرِ الضَّادِ أَيْ يَغْسِلُهُ وَيُزِيلُهُ (بَاب اشْتِدَادِ غَضَبِ اللَّهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ [1793] (اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فَقَوْلُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ يَقْتُلُهُ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ لِأَنَّ مَنْ يَقْتُلُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ قَاصِدًا قَتْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم)

(باب مالقى النبي صلى الله عليه وسلم (من أذى

(باب مالقى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ) قَوْلُهُ [1794] (أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى سَلَا جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ إِلَى آخِرِهِ) السَّلَا بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ مَقْصُورٌ وَهُوَ اللِّفَافَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْوَلَدُ فِي بَطْنِ النَّاقَةِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَهِيَ مِنَ الْآدَمِيَّةِ الْمَشِيمَةُ قَوْلُهُ (فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ) هُوَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشْكَالٌ فَإِنَّهُ يُقَالُ كَيْفَ اسْتَمَرَّ فِي الصَّلَاةِ مَعَ وُجُودِ النَّجَاسَةِ عَلَى ظَهْرِهِ وَأَجَابَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِنَجِسٍ قَالَ لِأَنَّ الْفَرْثَ وَرُطُوبَةَ الْبَدَنِ طَاهِرَانِ وَالسَّلَا مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا النَّجِسُ الدَّمُ وَهَذَا الْجَوَابُ يَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ رَوْثَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَآخَرِينَ نَجَاسَتُهُ وَهَذَا الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا السَّلَا يَتَضَمَّنُ النَّجَاسَةَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا يَنْفَكُّ مِنَ الدَّمِ فِي الْعَادَةِ وَلِأَنَّهُ ذَبِيحَةُ عُبَّادِ الْأَوْثَانِ فَهُوَ نَجِسٌ وَكَذَلِكَ اللَّحْمُ وَجَمِيعُ أَجْزَاءِ هَذَا الْجَزُورِ وَأَمَّا الْجَوَابُ الْمَرْضِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمْ مَا وُضِعَ عَلَى ظَهْرِهِ فَاسْتَمَرَّ فِي سُجُودِهِ اسْتِصْحَابًا لِلطَّهَارَةِ وَمَا نَدْرِي هَلْ كَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ فَرِيضَةً فَتَجِبُ إِعَادَتُهَا عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَنَا أَمْ غَيْرَهَا فَلَا تَجِبُ فَإِنْ وَجَبَتِ الْإِعَادَةُ فالوقت موسع لها فإن قيل يبعد أن لا يُحِسُّ بِمَا وَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ قُلْنَا وَإِنْ أَحَسَّ بِهِ فَمَا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ نَجَاسَةٌ وَاللَّهُ أعلم)

قَوْلُهُ (لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ) هِيَ بِفَتْحِ النُّونِ وَحُكِيَ إِسْكَانُهَا وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَمَعْنَاهُ لَوْ كَانَ لِي قُوَّةٌ تَمْنَعُ أَذَاهُمْ أَوْ كَانَ لِي عَشِيرَةٌ بِمَكَّةَ تَمْنَعُنِي وَعَلَى هَذَا مَنَعَةٌ جَمْعُ مَانِعٍ كَكَاتِبٍ وَكَتَبَةٍ قَوْلُهُ (وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا) فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَكْرِيرِ الدُّعَاءِ ثَلَاثًا وَقَوْلُهُ وَإِذَا سَأَلَ هُوَ الدُّعَاءُ لَكِنْ عَطَفَهُ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ تَوْكِيدًا قَوْلُهُ (ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ بِالْقَافِ واتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بِالتَّاءِ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ بَعْدَ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ عَلَى الصَّوَابِ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَلَطٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْوَلِيدُ بن عقبة بالقاف هو بن أَبِي مُعَيْطٍ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْوَقْتَ مَوْجُودًا أَوْ كَانَ طِفْلًا صَغِيرًا جِدًّا فَقَدْ أُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهُوَ قَدْ! نَاهَزَ الِاحْتِلَامَ لِيَمْسَحَ عَلَى رَأْسِهِ قَوْلُهُ (وَذَكَرَ السَّابِعَ وَلَمْ أَحْفَظْهُ) وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ تَسْمِيَةُ السَّابِعِ أَنَّهُ عُمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ قَوْلُهُ (وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ

لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ) هَذِهِ إِحْدَى دَعَوَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُجَابَةُ وَالْقَلِيبُ هِيَ الْبِئْرُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ وَإِنَّمَا وُضِعُوا فِي الْقَلِيبِ تَحْقِيرًا لَهُمْ وَلِئَلَّا يَتَأَذَّى النَّاسُ بِرَائِحَتِهِمْ وَلَيْسَ هُوَ دَفْنًا لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يَجِبُ دَفْنُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا بَلْ يُتْرَكُ فِي الصَّحْرَاءِ إِلَّا أَنْ يُتَأَذَّى بِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ اعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى بِبَدْرٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَهْلَ السِّيَرِ قَالُوا إِنَّ عُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ وَهُوَ أَحَدُ السَّبْعَةِ كَانَ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ فَاتَّهَمَهُ فِي حَرَمِهِ وَكَانَ جَمِيلًا فَنَفَخَ فِي إِحْلِيلِهِ سِحْرًا فَهَامَ مَعَ الْوُحُوشِ فِي بَعْضِ جَزَائِرِ الْحَبَشَةِ فَهَلَكَ قَالَ الْقَاضِي وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ رَأَى أَكْثَرَهُمْ بِدَلِيلِ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ مِنْهُمْ وَلَمْ يُقْتَلْ بِبَدْرٍ بَلْ حُمِلَ مِنْهَا أَسِيرًا وَإِنَّمَا قَتَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَبْرًا بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ بَدْرٍ بِعِرْقِ الظُّبْيَةِ قُلْتُ الظُّبْيَةُ ظَاءٌ مُعْجَمَةٌ مَضْمُومَةٌ ثُمَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ يَاءٌ مُثَنَّاةٌ تَحْتُ ثُمَّ هَاءٌ هَكَذَا ضَبَطَهُ الْحَازِمِيُّ في كتابه المؤتلف في الأماكن قال قَالَ الْوَاقِدِيُّ هُوَ مِنَ الرَّوْحَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِمَّا يَلِي الْمَدِينَةَ قَوْلُهُ (تَقَطَّعَتْ

أَوْصَالُهُ فَلَمْ يُلْقَ فِي الْبِئْرِ) الْأَوْصَالُ الْمَفَاصِلُ قَوْلُهُ (فَلَمْ يُلْقَ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْقَافِ فَقَطْ وَفِي أَكْثَرهَا فَلَمْ يُلْقَى بِالْأَلِفِ وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى لُغَةٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَقَرِيبًا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ (وَكَانَ يُسْتَحَبُّ ثَلَاثًا) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا يُسْتَحَبُّ بِالْبَاءِ الموحدة

لفظ ما هنا بمعنى الذي أي الذي لقيته محسوب في سبيل

فِي آخِرِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ رُوِيَ بِهَاءٍ وَبِالْمُوَحَّدَةِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ قَالَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَمَعْنَاهُ الْإِلْحَاحُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1795] (فَلَمْ أَسْتَفِقْ إلا بقرن الثعالب) أي لم أوطن لِنَفْسِي وَأَتَنَبَّهْ لِحَالِي وَلِلْمَوْضِعِ الَّذِي أَنَا ذَاهِبٌ إِلَيْهِ وَفِيهِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَ قَرْنِ الثَّعَالِبِ لِكَثْرَةِ هَمِّي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي قرن الثعالب هو قَرْنُ الْمَنَازِلِ وَهُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ نَجْدٍ وَهُوَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ وَأَصْلُ الْقَرْنِ كُلُّ جَبَلٍ صَغِيرٍ يَنْقَطِعُ مِنْ جَبَلٍ كَبِيرٍ قَوْلُهُ (إِنْ شِئْتَ أَطْبَقْتُ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ) هُمَا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِالْخَاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَهُمَا جَبَلَا مَكَّةَ أَبُو قُبَيْسٍ وَالْجَبَلُ الَّذِي يُقَابِلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم [1796] (هل أنت إلا أصبع دميت ... وفي سبيل الله مالقيت ... () لَفْظُ مَا هُنَا بِمَعْنَى الَّذِي أَيْ الَّذِي لَقِيتِهِ مَحْسُوبٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ أَنَّ الرَّجَزَ هَلْ هُوَ شِعْرٌ وَأَنَّ مَنْ قَالَ هُوَ شِعْرٌ قال شرط الشعر أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا وَهَذَا لَيْسَ مَقْصُودًا وَأَنَّ الرواية المعروفة)

دَمِيتِ وَلَقِيتِ بِكَسْرِ التَّاءِ وَأَنَّ بَعْضَهُمْ أَسْكَنَهَا قَوْلُهُ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ فَنُكِبَتْ إِصْبُعُهُ) كَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ فِي غَارٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْكِنَانِيُّ لَعَلَّهُ غَازِيًا فَتَصَحَّفَ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي بَعْضِ الْمُشَاهَدِ وَكَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي إِذْ أَصَابَهُ حَجَرٌ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ يُرَادُ بِالْغَارِ هُنَا الْجَيْشُ وَالْجَمْعُ لَا الْغَارِ الَّذِي هُوَ الْكَهْفُ فَيُوَافِقُ رِوَايَةَ بَعْضِ الْمُشَاهَدِ وَمِنْهُ قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا ظَنُّكَ بِامْرِئٍ بَيْنَ هَذَيْنِ الْغَارَيْنِ أَيْ الْعَسْكَرَيْنِ وَالْجَمْعَيْنِ قَوْلُهُ (وَاشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ لَمْ أَرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ما ودعك ربك وما قلى) قال بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا وَدَّعَكَ أَيْ مَا قَطَعَكَ مُنْذُ أَرْسَلَكَ وَمَا قَلَى أَيْ مَا أَبْغَضَكَ وَسُمِّيَ الْوَدَاعُ وَدَاعًا

(وقال ما الذي غاله في الواد حتى يدعه غاله بالغين

لِأَنَّهُ فِرَاقٌ وَمُتَارَكَةٌ وَقَوْلُهُ مَا قَرِبَكَ هُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالْمُضَارِعُ يَقْرَبُكَ بِفَتْحِهَا وَقَوْلُهُ مَا وَدَّعَكَ هُوَ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ عَلَى الْقِرَاءَاتِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي قَرَأَ بِهَا الْقُرَّاءُ السَّبْعَةُ وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ بِتَخْفِيفِهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ مِنْ وَدَعَهُ يَدَعُهُ مَعْنَاهُ مَا تَرَكَكَ قَالَ الْقَاضِي النَّحْوِيُّونَ يُنْكِرُونَ أَنْ يَأْتِيَ مِنْهُ مَاضٍ أَوْ مَصْدَرٌ قَالُوا وَإِنَّمَا جَاءَ مِنْهُ الْمُسْتَقْبَلُ وَالْأَمْرُ لَا غَيْرَ وَكَذَلِكَ يَذَرُ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ جَاءَ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلُ مِنْهُمَا جَمِيعًا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ ... وَكَأَنَّ مَا قَدَّمُوا لِأَنْفُسِهِمْ ... أَكْثَرُ نَفْعًا مِنَ الَّذِي وَدَعُوا ... (وَقَالَ مَا الَّذِي غَالَهُ فِي الْوَادِ حَتَّى يَدَعَهُ غَالَهُ بِالْغَيْنِ المعجمة أي أخذه قَوْلُهُ [1798] (رَكِبَ حِمَارًا عَلَيْهِ إِكَافٌ تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ فدكية) إلا كاف بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَيُقَالُ وِكَافٌ أَيْضًا وَالْقَطِيفَةُ دِثَارٌ مخمل جَمْعُهَا قَطَائِفُ وَقُطُفٌ وَالْفَدَكِيَّةُ مَنْسُوبَةٌ إِلَى فَدَكٍ بَلْدَةٍ مَعْرُوفَةٍ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ مِنَ الْمَدِينَةِ قَوْلُهُ (وَأَرْدَفَ وَرَاءَهُ أُسَامَةَ وَهُوَ يَعُودُ سعد بن عباد) 1 فِيهِ جَوَازُ الْإِرْدَافِ عَلَى الْحِمَارِ وَغَيْرِهِ مِنَ الدَّوَابِّ إِذَا كَانَ مُطِيقًا وَفِيهِ 2 جَوَازُ الْعِيَادَةِ رَاكِبًا وَفِيهِ 3 أَنَّ رُكُوبَ الْحِمَارِ لَيْسَ بِنَقْصٍ في حق)

الْكِبَارِ قَوْلُهُ (عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ هُوَ مَا ارْتَفَعَ مِنْ غُبَارِ حَوَافِرِهَا) قَوْلُهُ (خَمَّرَ أَنْفَهُ) أَيْ غَطَّاهُ قَوْلُهُ (فَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِيهِ جَوَازُ الِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ مُسْلِمُونَ وَكُفَّارٌ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (أَيُّهَا الْمَرْءُ لَا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا بِأَلِفٍ فِي أَحْسَنَ أَيْ لَيْسَ شَيْءٌ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا وَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ جَمَاهِيرِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ قَالَ وَوَقَعَ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ الْأَحْسَنَ مِنْ هَذَا بِالْقَصْرِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ عِنْدِي أَظْهَرُ وَتَقْدِيرُهُ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا أَنْ تَقْعُدَ فِي بَيْتِكَ وَلَا تَأْتِينَا قَوْلُهُ (فَلَمْ يَزَلْ يُخَفِّضُهُمْ) أَيْ يُسَكِّنُهُمْ وَيُسَهِّلُ الْأَمْرَ بَيْنَهُمْ قَوْلُهُ (وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ) بِضَمِّ الْبَاءِ عَلَى التَّصْغِيرِ قَالَ الْقَاضِي وَرُوِّينَا فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ الْبَحِيرَةِ مُكَبَّرَةً وَكِلَاهُمَا بِمَعْنًى وَأَصْلُهَا الْقَرْيَةُ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَدِينَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيَعْصِبُوهُ بِالْعِصَابَةِ) مَعْنَاهُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَجْعَلُوهُ مَلِكَهُمْ

وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ إِذَا مَلَّكُوا إِنْسَانًا أَنْ يتوجوه ويعصبوا قَوْلُهُ (شَرِقَ بِذَلِكَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ غَصَّ وَمَعْنَاهُ حَسَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان ذلك بسبب نفاقه عفانا اللَّهُ الْكَرِيمُ قَوْلُهُ (وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ) مَعْنَاهُ قَبْلَ أَنْ يُظْهِرَ الْإِسْلَامَ وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ كَافِرًا مُنَافِقًا ظَاهِرَ النِّفَاقِ [1799] قَوْلُهُ (وَهِيَ أَرْضٌ سَبَخَةٌ) هِيَ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْبَاءِ وَهِيَ الْأَرْضُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ لِمُلُوحَةِ أَرْضِهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحِلْمِ وَالصَّفْحِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْأَذَى فِي اللَّهِ تَعَالَى وَدَوَامِ الدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَأَلُّفِ قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب قتل أبي جهل قوله صلى الله عليه وسلم [1800] (من ينظر

(بَاب قَتْلِ أَبِي جَهْلٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1800] (مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْنَا مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ) سَبَبُ السُّؤَالِ عَنْهُ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهُ مَاتَ لِيَسْتَبْشِرَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ وَيَنْكَفَّ شَرُّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ (ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَكَ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَرَكَ بِالْكَافِ وَفِي بَعْضِهَا بَرَدَ بِالدَّالِ فَمَعْنَاهُ بِالْكَافِ سَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ وَبِالدَّالِ مَاتَ يُقَالُ بَرَدَ إِذَا مَاتَ قَالَ الْقَاضِي رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ بَرَدَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْكَافِ قَالَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ مُحَقِّقُونَ الْكَافَ وَأَنَّ ابني عفراء تركاه عفيرا وبهذا كلم بن مَسْعُودٍ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ وَلَهُ مَعَهُ كَلَامٌ آخر كثير مذكور في غير مسلم وبن مَسْعُودٍ هُوَ الَّذِي أَجْهَزَ عَلَيْهِ وَاحْتَزَّ رَأْسَهُ قَوْلُهُ (وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ) أَيْ لَا عَارَ عَلَيَّ فِي قَتْلِكُمْ إِيَّايَ قَوْلُهُ (لَوْ غير أكار قتلني) الأكار الزَّرَّاعُ وَالْفَلَّاحُ وَهُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ نَاقِصٌ وَأَشَارَ أَبُو جَهْلٍ إِلَى ابْنَيْ عَفْرَاءَ اللَّذَيْنِ قَتَلَاهُ وَهُمَا مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ وَنَخِيلٍ وَمَعْنَاهُ لَوْ كَانَ الَّذِي قَتَلَنِي غَيْرَ أَكَّارٍ لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ وَأَعْظَمَ لِشَأْنِي وَلَمْ يَكُنْ عَلَيَّ نَقْصٌ فِي ذَلِكَ) بَاب قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ طَاغُوتِ الْيَهُودِ [1801] ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِيهِ قِصَّةَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ مَعَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ بِالْحِيلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ مُخَادَعَتِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَبَبِ ذَلِكَ وَجَوَابِهِ فَقَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ إِنَّمَا قَتَلَهُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ نَقَضَ عَهْدَ النبي

(وهجاه وسبه وكان عاهده أن لا يعين عليه أحدا ثم جاء

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَهَجَاهُ وَسَبَّهُ وَكَانَ عاهده أن لا يُعِينَ عَلَيْهِ أَحَدًا ثُمَّ جَاءَ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ مُعِينًا عَلَيْهِ قَالَ وَقَدْ أَشْكَلَ قَتْلُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَلَى بَعْضِهِمْ وَلَمْ يَعْرِفِ الْجَوَابَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَالَ الْقَاضِي قِيلَ هَذَا الْجَوَابُ وَقِيلَ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ لَمْ يُصَرِّحْ لَهُ بِأَمَانٍ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِهِ وَإِنَّمَا كَلَّمَهُ فِي أَمْرِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَاشْتَكَى إِلَيْهِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ عَهْدٌ وَلَا أَمَانٌ قَالَ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّ قَتْلَهُ كَانَ غَدْرًا وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ إِنْسَانٌ فِي مَجْلِسِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَمَرَ بِهِ عَلِيٌّ فَضُرِبَ عُنُقُهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْغَدْرُ بَعْدَ أَمَانٍ مَوْجُودٍ وَكَانَ كَعْبٌ قَدْ نَقَضَ عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُؤَمِّنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرُفْقَتُهُ وَلَكِنَّهُ اسْتَأْنَسَ بِهِمْ فَتَمَكَّنُوا مِنْهُ مِنْ غَيْرِ عَهْدٍ وَلَا أَمَانٍ وَأَمَّا تَرْجَمَةُ الْبُخَارِيِّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِبَابِ الْفَتْكِ فِي الْحَرْبِ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ الْحَرْبُ بَلِ الْفَتْكُ هُوَ الْقَتْلُ عَلَى غِرَّةٍ وَغَفْلَةٍ وَالْغِيلَةُ نَحْوُهُ وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَعْضُهُمْ عَلَى جَوَازِ اغْتِيَالِ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ مِنَ الْكُفَّارِ وَتَبْيِيتِهِ مِنْ غَيْرِ دُعَاءٍ إِلَى الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ (ائْذَنْ لِي فَلْأَقُلْ) مَعْنَاهُ ائْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ عَنِّي وَعَنْكَ ما رأيته مصلحة من التعريض وغيره فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّعْرِيضِ وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِكَلَامٍ بَاطِنُهُ صَحِيحٌ وَيَفْهَمُ مِنْهُ الْمُخَاطَبُ غَيْرَ ذَلِكَ فَهَذَا جَائِزٌ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا مالم يَمْنَعْ بِهِ حَقًّا شَرْعِيًّا قَوْلُهُ (وَقَدْ عَنَّانَا) هَذَا مِنَ التَّعْرِيضِ الْجَائِزِ بَلِ الْمُسْتَحَبِّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ فِي الْبَاطِنِ أَنَّهُ أَدَّبَنَا بِآدَابِ الشَّرْعِ التي فيها تعب لكنه تعب في مرضات اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مَحْبُوبٌ لَنَا وَالَّذِي فَهِمَ الْمُخَاطَبُ مِنْهُ الْعَنَاءَ الَّذِي لَيْسَ بِمَحْبُوبٍ قَوْلُهُ (وَأَيْضًا وَاللَّهِ لِتَمَلُّنَّهُ) هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْمِيمِ أي يتضجرن مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ)

هذا الضجر قوله (يسب بن أَحَدِنَا فَيُقَالُ رُهِنَ فِي وَسْقَيْنِ مِنْ تَمْرٍ) هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَعْرُوفَةِ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ يُسَبُّ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ السَّبِّ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ بَعْضِ رواة كِتَابَ مُسْلِمٍ يَشِبُّ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ المعجمة من الشباب والصواب الأول والوسق بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَأَصْلُهُ الْحِمْلُ قَوْلُهُ (نَرْهَنُكَ اللأمة) هي بالهمز وَفَسَّرَهَا فِي الْكِتَابِ بِأَنَّهَا السِّلَاحُ وَهُوَ كَمَا قَالَ قَوْلُهُ (وَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِالْحَارِثِ وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ) أَمَّا الحارث فهو الحارث بن أوس بن أَخِي سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَأَمَّا أَبُو عَبْسٍ فَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَهُوَ جَبْرٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ كما ذكره في الكتاب ويقال بن جَابِرٍ وَهُوَ أَنْصَارِيٌّ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ شَهِدَ بَدْرًا وَسَائِرَ الْمَشَاهِدِ وَكَانَ اسْمُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَبْدَ الْعُزَّى وَهُوَ وَقَعَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَأَبُو عَبْسٍ بِالْوَاوِ وَفِي بَعْضِهَا وَأَبِي عِيسٍ بِالْيَاءِ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ أَيْضًا وَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي يَأْتِيهِ قَوْلُهُ (كَأَنَّهُ صوت دم أي صوت طالب أو سوط سَافِكِ دَمٍ) هَكَذَا فَسَّرُوهُ قَوْلُهُ (فَقَالَ إِنَّمَا هَذَا مُحَمَّدٌ وَرَضِيعُهُ وَأَبُو نَائِلَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ لَنَا شَيْخُنَا الْقَاضِي الشَّهِيدُ صَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدٌ وَرَضِيعُهُ أَبُو نَائِلَةَ وَكَذَا ذَكَرَ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّ أَبَا نَائِلَةَ كَانَ رَضِيعًا لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ قَالَ وَهَذَا عِنْدِي لَهُ وَجْهٌ إِنْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ رَضِيعًا لِمُحَمَّدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب غزوة خيبر [1365] قوله (فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس)

(باب غزوة خيبر [1365] قوله (فصلينا عندها صلاة الْغَدَاةَ بِغَلَسٍ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّبْكِيرِ بِالصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ صَلَاةِ الصُّبْحِ غَدَاةً فَيَكُونُ رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا إِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا فِي كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ وَذَكَرْنَا أَنَّ فِيهِ جَوَازَ الْإِرْدَافِ عَلَى الدَّابَّةِ إِذَا كَانَتْ مُطِيقَةً وَأَنَّ إِجْرَاءَ الْفَرَسِ وَالْإِغَارَةَ لَيْسَ بِنَقْصٍ وَلَا هَادِمٍ لِلْمُرُوءَةِ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ وَفَضِيلَةٌ وَهُوَ مِنْ مَقَاصِدِ الْقِتَالِ قَوْلُهُ (وَانْحَسَرَ الْإِزَارُ عَنْ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي لَأَرَى بَيَاضَ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَذَا مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى أَنَّ الْفَخِذَ لَيْسَتْ عَوْرَةً مِنَ الرَّجُلِ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ آخَرِينَ أَنَّهَا عَوْرَةٌ وَقَدْ جَاءَتْ بِكَوْنِهَا عَوْرَةً أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَتَأَوَّلَ أَصْحَابُنَا حَدِيثَ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هَذَا عَلَى أَنَّهُ انْحَسَرَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ لِضَرُورَةِ الْإِغَارَةِ وَالْإِجْرَاءِ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ اسْتَدَامَ كَشْفُ الْفَخِذِ مَعَ إِمْكَانِ السَّتْرِ وَأَمَّا قَوْلُ أَنَسٍ فَإِنِّي لَأَرَى بَيَاضَ)

فَخِذِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَيْهِ فَجْأَةً لَا أَنَّهُ تَعَمَّدَهُ وَأَمَّا رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَرَ الْإِزَارَ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهُ انْحَسَرَ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَأَجَابَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ عَنْ هَذَا فَقَالَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَنْ يَبْتَلِيَهُ بِانْكِشَافِ عَوْرَتِهِ وَأَصْحَابُنَا يُجِيبُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ إِذَا كَانَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْإِنْسَانِ فَلَا نَقْصَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا يَمْتَنِعُ مِثْلُهُ قَوْلُهُ (اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ اللِّقَاءِ قَالَ الْقَاضِي قِيلَ تَفَاءَلَ بِخَرَابِهَا بِمَا رَآهُ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ آلَاتِ الْخَرَابِ مِنَ الْفُوسِ وَالْمَسَاحِي وَغَيْرِهَا وَقِيلَ أَخَذَهُ مِنَ اسْمِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ) السَّاحَةُ الْفِنَاءُ وَأَصْلُهَا الْفَضَاءُ بَيْنَ الْمَنَازِلِ فَفِيهِ جَوَازُ الِاسْتِشْهَادِ فِي مِثْلِ هَذَا السِّيَاقِ بِالْقُرْآنِ فِي الْأُمُورِ الْمُحَقَّقَةِ وَقَدْ جَاءَ لِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ كَمَا سَبَقَ قَرِيبًا فِي فَتْحِ مَكَّةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَطْعُنُ فِي الْأَصْنَامِ وَيَقُولُ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ قَالَ الْعُلَمَاءُ يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ عَلَى ضَرْبِ الْأَمْثَالِ فِي الْمُحَاوَرَاتِ وَالْمَزْحِ وَلَغْوِ الْحَدِيثِ فَيُكْرَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ (مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ) هُوَ الْجَيْشُ وَقَدْ فَسَّرَهُ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَالُوا سُمِّيَ خَمِيسًا لِأَنَّهُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ مَيْمَنَةٌ وَمَيْسَرَةٌ وَمُقَدِّمَةٌ وَمُؤَخِّرَةٌ وَقَلْبٌ قَالَ الْقَاضِي وَرُوِّينَاهُ بِرَفْعِ الْخَمِيسُ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ مُحَمَّدٌ وَبِنَصَبِهَا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ قَوْلُهُ (أَصَبْنَاهَا عَنْوَةً) هِيَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ قَهْرًا لَا صُلْحًا قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْمَازِرِيُّ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهَا كُلَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنِ بن شِهَابٍ أَنَّ بَعْضَهَا فُتِحَ عَنْوَةً وَبَعْضَهَا صُلْحًا قَالَ وَقَدْ يُشْكِلُ مَا رُوِيَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ قَسَمَهَا نِصْفَيْنِ نِصْفًا لِنَوَائِبِهِ وَحَاجَتِهِ وَنِصْفًا لِلْمُسْلِمِينَ

قَالَ وَجَوَابُهُ مَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ حَوْلَهَا ضِيَاعٌ وَقُرًى أَجْلَى عَنْهَا أَهْلُهَا فَكَانَتْ خَالِصَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا سِوَاهَا لِلْغَانِمِينَ فَكَانَ قَدْرُ الَّذِي خَلَوْا عَنْهُ النِّصْفَ فَلِهَذَا قُسِمَ نِصْفَيْنِ قَالَ الْقَاضِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْإِغَارَةَ عَلَى الْعَدُوِّ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهَا أَوَّلَ النَّهَارِ عِنْدَ الصُّبْحِ لِأَنَّهُ وَقْتُ غِرَّتِهِمْ وَغَفْلَةِ أَكْثَرِهِمْ ثُمَّ يُضِيءُ لَهُمُ النَّهَارُ لِمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ بِخِلَافِ مُلَاقَاةِ الْجُيُوشِ وَمُصَافَفَتِهِمْ وَمُنَاصَبَةِ الْحُصُونِ فَإِنَّ هَذَا يُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ لِيَدُومَ النَّشَاطُ بِبَرْدِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ ضِدِّهِ قوله (وخرجوا بفؤوسهم ومكاتلهم ومرورهم) الفؤس بالهمزة جمع فأس بالهمزة كرأس ورؤس والمكاتل جَمْعُ مِكْتَلٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ الْقُفَّةُ يُقَالُ لَهُ مِكْتَلٌ وَقُفَّةٌ وَزَبِيلٌ وَزَنْبِلٌ وزِنْبِيلٌ وَعِرْقٌ وسفيفة بالسين المهملة وبفاءين والمرور جَمْعُ مَرٍّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَهِيَ الْمَسَاحِي قَالَ الْقَاضِي قِيلَ هِيَ حِبَالُهُمُ الَّتِي يَصْعَدُونَ بِهَا إلى النخل واحدها مر ومر وَقِيلَ مَسَاحِيهِمْ وَاحِدُهَا مَرٌّ لَا غَيْرَ [1802] قَوْلُهُ (أَلَا تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيَّاتِكَ) وَفِي

بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ هُنَيْهَاتِكَ أَيْ أَرَاجِيزِكَ وَالْهَنَةُ يَقَعُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَفِيهِ جَوَازُ إِنْشَاءِ الأراجيز وغيرها من الشعر وسماعها مالم يَكُنْ فِيهِ كَلَامٌ مَذْمُومٌ وَالشِّعْرُ كَلَامٌ حَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ قَوْلُهُ (فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ) فيه استحباب الحدا في الأسفار لتنشط النُّفُوسِ وَالدَّوَابِّ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ وَاشْتِغَالِهَا بِسَمَاعِهِ عَنِ الْإِحْسَاسِ بِأَلَمِ السَّيْرِ قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا) كَذَا الرِّوَايَةُ قَالُوا وَصَوَابُهُ فِي الْوَزْنِ لَاهُمَّ أَوْ تَاللَّهِ أو وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْتَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَوَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ قَوْلُهُ (فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا اقْتَفَيْنَا) قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مُشْكِلَةٌ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ فَدَى الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا يُقَالُ لَهُ سُبْحَانَهُ فَدَيْتُكَ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَكْرُوهٍ يُتَوَقَّعُ حُلُولُهُ بِالشَّخْصِ فَيَخْتَارُ شَخْصٌ آخَرُ أَنْ يَحِلَّ ذَلِكَ بِهِ وَيَفْدِيهِ منه قال ولعل هذا وقع مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَى حَقِيقَةِ مَعْنَاهُ كَمَا يُقَالُ قَاتَلَهُ اللَّهُ وَلَا يُرَادُ بِذَلِكَ حَقِيقَةَ الدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرِبَتْ يَدَاكَ وَتَرِبَتْ يَمِينُكَ وَوَيْلُ أُمِّهِ وَفِيهِ كُلُّهُ ضَرْبٌ مِنَ الِاسْتِعَارَةِ لِأَنَّ الْفَادِيَ مُبَالِغٌ في طلب رضى الْمُفَدَى حِينَ بَذَلَ نَفْسَهُ عَنْ نَفْسِهِ لِلْمَكْرُوهِ فَكَانَ مُرَادُ الشَّاعِرِ أَنِّي أَبْذُلُ نَفْسِي فِي رِضَاكَ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّ الْمَعْنَى وَإِنْ أَمْكَنَ صَرْفُهُ إِلَى جِهَةٍ صَحِيحَةٍ فَإِطْلَاقُ اللَّفْظِ وَاسْتِعَارَتُهُ وَالتَّجَوُّزُ بِهِ يَفْتَقِرُ إِلَى وُرُودِ الشَّرْعِ بِالْإِذْنِ فِيهِ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فدا لَكَ رَجُلًا يُخَاطِبُهُ وَفَصَلَ بَيْنَ الْكَلَامِ فَكَأَنَّهُ قَالَ فَاغْفِرْ ثُمَّ دَعَا إِلَى رَجُلٍ يُنَبِّهُهُ فقال فدالك ثُمَّ عَادَ إِلَى تَمَامِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَقَالَ مَا اقْتَفَيْنَا قَالَ وَهَذَا تَأْوِيلٌ يَصِحُّ مَعَهُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى لَوْلَا أَنَّ فِيهِ تَعَسُّفًا اضْطَرَّنَا إِلَيْهِ تَصْحِيحُ الْكَلَامِ وَقَدْ يَقَعُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ الْفَصْلِ بَيْنَ الْجُمَلِ الْمُعَلَّقِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مَا يُسَهِّلُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ (إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا أَتَيْنَا بِالْمُثَنَّاةِ فِي أَوَّلِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ رُوِيَ بِالْمُثَنَّاةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ فَمَعْنَى الْمُثَنَّاةِ إِذَا صِيحَ بِنَا لِلْقِتَالِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْمَكَارِمِ أَتَيْنَا وَمَعْنَى الْمُوَحَّدَةِ أَبَيْنَا الْفِرَارَ وَالِامْتِنَاعَ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ فِدَاءً لَكَ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَالْفَاءُ مَكْسُورَةٌ حَكَاهُ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ فَأَمَّا في المصدر

فَالْمَدُّ لَا غَيْرَ قَالَ وَحَكَى الْفَرَّاءُ فَدًى لك مفتوح مقصور قال وَرُوِّينَاهُ هُنَا فِدَاءٌ لَكَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ أَيْ لَكَ نَفْسِي فِدَاءٌ أَوْ نفسي فداء لك وبالنصب عَلَى الْمَصْدَرِ وَمَعْنَى اقْتَفَيْنَا اكْتَسَبْنَا وَأَصْلُهُ الِاتِّبَاعُ قَوْلُهُ (وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا) اسْتَغَاثُوا بِنَا وَاسْتَفْزَعُونَا لِلْقِتَالِ قِيلَ هِيَ مِنَ التَّعْوِيلِ عَلَى الشَّيْءِ وهو الاعتماد عليه وقيل مِنَ الْعَوِيلِ وَهُوَ الصَّوْتُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ هَذَا السَّائِقُ قَالُوا عَامِرٌ قَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ وَجَبَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْلَا أَمْتَعْتَنَا بِهِ) مَعْنَى وَجَبَتْ أَيْ ثَبَتَتْ لَهُ الشَّهَادَةُ وَسَيَقَعُ قَرِيبًا وَكَانَ هَذَا مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ أَنَّ مَنْ دَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الدُّعَاءَ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ اسْتُشْهِدَ فَقَالُوا هَلَّا أَمْتَعْتَنَا بِهِ أَيْ وَدِدْنَا أَنَّكَ لَوْ أَخَّرْتَ الدُّعَاءَ لَهُ بِهَذَا إِلَى وَقْتٍ آخَرَ لِنَتَمَتَّعَ بِمُصَاحَبَتِهِ وَرُؤْيَتِهِ مُدَّةً قَوْلُهُ (أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ) أَيْ جُوعٌ شَدِيدٌ قَوْلُهُ (لَحْمُ حُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ) هَكَذَا هُوَ حُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ بِإِضَافَةِ حُمُرٍ وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ تَقْدِيرُهُ حُمُرُ الْحَيَوَانَاتِ الْإِنْسِيَّةِ وَأَمَّا الْإِنْسِيَّةُ فَفِيهَا لُغَتَانِ وَرِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَآخَرُونَ أَشْهَرُهُمَا كَسْرُ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانُ النُّونِ قَالَ الْقَاضِي هَذِهِ رِوَايَةُ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ وَالثَّانِيَةُ فَتْحُهُمَا جَمِيعًا وَهُمَا جَمِيعًا نِسْبَةٌ إِلَى الْإِنْسِ وَهُمُ النَّاسُ لِاخْتِلَاطِهَا بِالنَّاسِ

بِخِلَافِ حُمُرِ الْوَحْشِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا) هَذَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ وَشَرْحُهُ مَعَ بَيَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَمُخْتَصَرُ الْأَمْرِ بِإِرَاقَتِهِ أَنَّ السَّبَبَ الصَّحِيحَ فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِإِرَاقَتِهَا لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ نَهَى لِلْحَاجَةِ إِلَيْهَا وَالثَّالِثُ لِأَنَّهَا أَخَذُوهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ هُمَا لِأَصْحَابِ مَالِكٍ الْقَائِلِينَ بِإِبَاحَةِ لُحُومِهَا وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اكْسِرُوهَا فَقَالَ رَجُلٌ أَوْ يُهْرِيقُوهَا وَيَغْسِلُوهَا قَالَ أَوْ ذَاكَ) فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتَهَدَ فِي ذَلِكَ فَرَأَى كَسْرَهَا ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ أَوْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِغَسْلِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ لَهُ لَأَجْرَانِ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ لَأَجْرَانِ بِالْأَلِفِ وَفِي بَعْضِهَا لَأَجْرَيْنِ بِالْيَاءِ وَهُمَا صَحِيحَانِ لَكِنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْأَشْهَرُ الْأَفْصَحُ وَالْأَوَّلُ لُغَةُ أَرْبَعِ قَبَائِلَ من العرب ومنها قوله تعالى إن هذان لساحران وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا مَرَّاتٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْأَجْرَيْنِ ثَبَتَا لَهُ لِأَنَّهُ جَاهَدَ مُجَاهِدٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي شَرْحِهِ فَلَهُ أَجْرٌ بِكَوْنِهِ جَاهِدًا أَيْ مُجْتَهِدًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى شَدِيدَ الِاعْتِنَاءِ بِهَا وَلَهُ أَجْرٌ آخَرُ بِكَوْنِهِ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَمَّا قَامَ بِوَصْفَيْنِ كَانَ لَهُ أَجْرَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ) هَكَذَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ لَجَاهِدٌ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَتَنْوِينِ الدَّالِ مُجَاهِدٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَنْوِينِ الدَّالِ أَيْضًا وَفَسَّرُوا لَجَاهِدٌ بِالْجَادِّ فِي عِلْمِهِ وَعَمَلِهِ أَيْ إِنَّهُ

لَجَادٌّ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَالْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ الْغَازِي وَقَالَ الْقَاضِي فِيهِ وَجْهٌ آخر أنه جمع اللفظين توكيدا قال بن الْأَنْبَارِيِّ الْعَرَبُ إِذَا بَالَغَتْ فِي تَعْظِيمِ شَيْءٍ اشْتَقَّتْ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ لَفْظًا آخَرَ عَلَى غَيْرِ بِنَائِهِ زِيَادَةً فِي التَّوْكِيدِ وَأَعْرَبُوهُ بِإِعْرَابِهِ فَيَقُولُونَ جَادٌّ مُجِدٌّ وَلَيْلٌ لَائِلٌ وَشِعْرٌ شَاعِرٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ بَعْضُ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ وَبَعْضُ رُوَاةِ مُسْلِمٍ لَجَاهَدَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالدَّالِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ مَجَاهِدَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَنَصْبِ الدَّالِ بِلَا تَنْوِينٍ قَالَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ) ضَبَطْنَا هَذِهِ اللَّفْظَةَ هُنَا فِي مُسْلِمٍ بِوَجْهَيْنِ وَذَكَرَهُمَا الْقَاضِي أَيْضًا الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ جماهير رواة البخاري ومسلم مشى بها بفتح الميم وَبَعْدَ الشِّينِ يَاءٌ وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ مِنَ المشى وبها جَارٌّ وَمَجْرُورٌ وَمَعْنَاهُ مَشَى بِالْأَرْضِ أَوْ فِي الْحَرْبِ وَالثَّانِي مُشَابِهًا بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَنْوِينِ الْهَاءِ مِنَ الْمُشَابَهَةِ أَيْ مُشَابِهًا لِصِفَاتِ الْكَمَالِ فِي الْقِتَالِ أَوْ غَيْرِهِ مِثْلَهُ وَيَكُونُ مُشَابِهًا مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ رَأَيْتُهُ مُشَابِهًا وَمَعْنَاهُ قَلَّ عَرَبِيٌّ يُشْبِهُهُ فِي جَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَضَبَطَهُ بعض رواة البخاري نشأ بها بِالنُّونِ وَالْهَمْزِ أَيْ شَبَّ وَكَبِرَ وَالْهَاءُ عَائِدَةٌ إِلَى الْحَرْبِ أَوِ الْأَرْضِ أَوْ بِلَادِ الْعَرَبِ قَالَ الْقَاضِي هَذِهِ أَوْجُهُ الرِّوَايَاتِ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنِي أبو الطاهر أخبرنا بن وهب أخبرني يونس عن بن شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَنَسَبَهُ غَيْرُ بن وهب فقال بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ قَالَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ صَحِيحِ

مُسْلِمٍ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهَذَا مِنْ فَضَائِلِ مُسْلِمٍ وَدَقِيقِ نَظَرِهِ وَحُسْنِ خِبْرَتِهِ وَعَظِيمِ إِتْقَانِهِ وَسَبَبُ هَذَا أَنَّ أَبَا دَاوُدَ وَالنَّسَائِيَّ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ بن شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ أبو دَاوُدُ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الصَّوَابُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كعب وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ هَذَا هُوَ شَيْخُ أَبِي دَاوُدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عن بن وَهْبٍ قَالَ الْحُفَّاظُ وَالْوَهْمُ فِي هَذَا مِنَ بن وَهْبٍ فَجَعَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ رَاوِيًا عَنْ سَلَمَةَ وَجَعَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ رَاوِيًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ بَلْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَرْوِيهِ عَنْ سَلَمَةَ وَإِنَّمَا عَبْدُ اللَّهِ وَالِدُهُ فَذُكِرَ فِي نَسَبِهِ لِأَنَّ لَهُ رِوَايَةً فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَاحْتَاطَ مُسْلِمٌ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنه

(باب غزوة الأحزاب وهي الخندق [1803] قوله (الملأ قد أبوا

فَلَمْ يَذْكُرْ فِي رِوَايَتِهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَعَبْدَ الله كما رواه بن وَهْبٍ بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلَمْ ينسبه لأن بن وهب لم يَنْسُبْهُ وَأَرَادَ مُسْلِمٌ تَعْرِيفَهُ فَقَالَ قَالَ غَيْرُ بن وَهْبٍ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ فَحَصَلَ تَعْرِيفُهُ مِنْ غَيْرِ إِضَافَةٍ للتعريف إلى بن وَهْبٍ وَحَذَفَ مُسْلِمٌ ذِكْرَ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ رواية بن وَهْبٍ وَهَذَا جَائِزٌ فَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْحَدِيثُ عَنْ رَجُلَيْنِ كَانَ لَهُ حَذْفُ أَحَدِهِمَا وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْآخَرِ فَأَجَازُوا هَذَا الْكَلَامَ إِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فَإِذَا كَانَ عُذْرٌ بِأَنْ كَانَ ذِكْرُ ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ غَلَطًا كَمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَانَ الْجَوَازُ أَوْلَى (بَاب غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ وَهِيَ الْخَنْدَقُ [1803] قَوْلُهُ (الْمَلَأُ قَدْ أَبَوْا عَلَيْنَا) هُمْ أَشْرَافُ الْقَوْمِ وَقِيلَ هُمُ الرِّجَالُ لَيْسَ فِيهِمْ نِسَاءٌ وَهُوَ مَهْمُوزٌ مَقْصُورٌ كَمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَمَعْنَى أَبَوْا عَلَيْنَا امْتَنَعُوا مِنْ إِجَابَتِنَا إِلَى الْإِسْلَامِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الرَّجَزِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْكَلَامِ فِي حَالِ الْبِنَاءِ وَنَحْوِهِ وَفِيهِ عَمَلُ الْفُضَلَاءِ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا وَمُسَاعَدَتُهُمْ فِي أعمال)

البر [1804] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ) أَيْ لَا عَيْشَ بَاقٍ أو لا عيش مطلوب والله أعلم

(باب غزوة ذي قرد وغيرها قوله [1806] (كانت لقاح النبي صلى

(باب غزوة ذي قرد وغيرها قَوْلُهُ [1806] (كَانَتْ لِقَاحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْعَى بِذِي قَرَدٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ والراء بالدال الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ مَاءٌ عَلَى نَحْوِ يَوْمٍ مِنَ الْمَدِينَةِ مِمَّا يَلِي بِلَادَ غَطَفَانَ وَاللِّقَاحُ جَمْعُ لِقْحَةٍ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا وَهِيَ ذَاتُ اللَّبَنِ قَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِالْوِلَادَةِ وَسَبَقَ بَيَانُهَا قَوْلُهُ (فَصَرَخْتُ ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ يَا صَبَاحَاهُ) فِيهِ جَوَازُ مِثْلِهِ لِلْإِنْذَارِ بِالْعَدُوِّ وَنَحْوِهِ قَوْلُهُ (فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَقُولُ)

فيه جواز قول مثل هذا الكلام في القتال وتعريف

أنا بن الْأَكْوَعِ ... وَالْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ ... () فِيهِ جَوَازُ قَوْلِ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ فِي الْقِتَالِ وَتَعْرِيفِ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ إِذَا كَانَ شُجَاعًا لِيُرْعِبَ خَصْمَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ الْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ قَالُوا مَعْنَاهُ الْيَوْمَ يَوْمُ هَلَاكِ اللِّئَامِ وَهُمُ الرُّضَّعُ مِنْ قَوْلِهِمْ لَئِيمٌ رَاضِعٌ أَيْ رَضَعَ اللُّؤْمَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ يَمُصُّ حَلَمَةَ الشَّاةِ وَالنَّاقَةِ لِئَلَّا يُسْمِعَ السُّؤَّالَ وَالضِّيفَانَ صَوْتَ الْحِلَابِ فَيَقْصِدُوهُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ يَرْضَعُ طَرَفَ الْخِلَالِ الَّذِي يُخَلِّلُ بِهِ أَسْنَانَهُ وَيَمُصُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْيَوْمَ يُعْرَفُ مَنْ رَضَعَ كَرِيمَةً فَأَنْجَبَتْهُ أَوْ لَئِيمَةً فَهَجَّنَتْهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْيَوْمَ يُعْرَفُ مَنْ أَرْضَعَتْهُ الْحَرْبُ مِنْ صِغَرِهِ وَتَدَرَّبَ بِهَا وَيُعْرَفُ غَيْرُهُ قَوْلُهُ (حَمَيْتُ الْقَوْمَ الْمَاءَ) أَيْ مَنَعْتُهُمْ إِيَّاهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ) هُوَ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَمَعْنَاهُ فَأَحْسِنْ وَارْفُقْ وَالسَّجَاحَةُ السُّهُولَةُ أَيْ لَا تَأْخُذْ بِالشِّدَّةِ بَلِ ارْفُقْ فَقَدْ حَصَلَتِ النكابة في العدو ولله الحمد قوله [1807] (قدمنا المدينة وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةٍ) هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ وفي)

رِوَايَةٍ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مِائَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةٍ قَوْلُهُ (فَقَعَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَبَا الرَّكِيَّةِ) الْجَبَا بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَقْصُورٌ وَهِيَ مَا حَوْلَ الْبِئْرِ وَأَمَّا الرَّكِيُّ فَهُوَ الْبِئْرُ وَالْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ رَكِيٌّ بِغَيْرِ هَاءٍ وَوَقَعَ هُنَا الرَّكِيَّةُ بِالْهَاءِ وَهِيَ لُغَةٌ حَكَاهَا الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (فَإِمَّا دَعَا وَإِمَّا بَصَقَ فِيهَا فَجَاشَتْ فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ بَسَقَ بِالسِّينِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ يُقَالُ بَزَقَ وَبَصَقَ وَبَسَقَ ثلاث لغات بمعنى والسين قليلة الاستعمال وجاشت أَيِ ارْتَفَعَتْ وَفَاضَتْ يُقَالُ جَاشَ الشَّيْءُ يَجِيشُ جَيَشَانًا إِذَا ارْتَفَعَ وَفِي هَذَا مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَبَقَ مِرَارًا كَثِيرَةً التَّنْبِيهِ عَلَى نَظَائِرِهَا قَوْلُهُ (وَرَآنِي عَزِلًا) ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا فَتْحُ الْعَيْنِ مَعَ كَسْرِ الزَّايِ وَالثَّانِي ضَمُّهُمَا وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْكِتَابِ بِالَّذِي لَا سِلَاحَ مَعَهُ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا أَعْزَلَ وَهُوَ أَشْهَرُ اسْتِعْمَالًا قَوْلُهُ (حَجَفَةٌ أَوْ دَرَقَةٌ) هُمَا شَبِيهَتَانِ بِالتُّرْسِ قَوْلُهُ (اللهم

ابْغِنِي حَبِيبًا) أَيْ أَعْطِنِي قَوْلُهُ (ثُمَّ إِنَّ المشركين راسلونا الصلح) هكذا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ رَاسَلُونَا مِنَ الْمُرَاسَلَةِ وَفِي بَعْضِهَا رَاسُّونَا بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَحَكَى الْقَاضِي فَتْحَهَا أَيْضًا وَهُمَا بِمَعْنَى رَاسَلُونَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ رَسَّ الْحَدِيثَ يَرُسُّهُ إِذَا ابْتَدَأَهُ وَقِيلَ مِنْ رَسَّ بَيْنَهُمْ أَيْ أَصْلَحَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ فَاتَحُونَا مِنْ قَوْلِهِمْ بَلَغَنِي رَسَّ مِنَ الْخَبَرِ أَيْ أَوَّلَهُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَاسَوْنَا بِالْوَاوِ أَيِ اتَّفَقْنَا نَحْنُ وَهُمْ عَلَى الصُّلْحِ وَالْوَاوُ فِيهِ بَدَلٌ مِنَ الْهَمْزَةِ وَهُوَ مِنَ الْأُسْوَةِ قَوْلُهُ (كُنْتُ تَبَعًا لِطَلْحَةَ) أَيْ خَادِمًا أَتْبَعُهُ قَوْلُهُ (أَسْقِي فَرَسَهُ وَأَحُسُّهُ) أَيْ أَحُكُّ ظَهْرَهُ بِالْمِحَسَّةِ لِأُزِيلَ عَنْهُ الْغُبَارَ وَنَحْوَهُ قَوْلُهُ (أَتَيْتُ شَجَرَةً فَكَسَحْتُ شَوْكَهَا) أَيْ كَنَسْتُ مَا تَحْتَهَا مِنَ الشَّوْكِ قَوْلُهُ (قُتِلَ بن زُنَيْمٍ) هُوَ بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ النُّونِ قَوْلُهُ (فَاخْتَرَطْتُ سَيْفِي) أَيْ سَلَلْتُهُ قَوْلُهُ (وَأَخَذْتُ سِلَاحَهُمْ فَجَعَلْتُهُ ضِغْثًا فِي يَدِي) الضِّغْثُ الْحُزْمَةُ قَوْلُهُ (جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْعَبَلَاتِ يُقَالُ لَهُ مِكْرِزٌ) هُوَ بِمِيمٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ كَافٍ ثُمَّ رَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ زَايٍ وَالْعَبَلَاتُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ

وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ الْعَبَلَاتُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْبَاءِ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُمْ أُمَيَّةُ الصُّغْرَى وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِمْ عَبَلِيٌّ تَرُدُّهُ إِلَى الْوَاحِدِ قَالَ لِأَنَّ اسْمَ أُمِّهِمْ عَبْلَةٌ قَالَ الْقَاضِي أُمَيَّةُ الْأَصْغَرُ وَأَخَوَاهُ نَوْفَلٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عبد شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ نُسِبُوا إِلَى أُمٍّ لَهُمْ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ اسْمُهَا عَبْلَةُ بِنْتُ عُبَيْدٍ قَوْلُهُ (عَلَى فَرَسٍ مُجَفَّفٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ الْأُولَى الْمُشَدَّدَةِ أَيْ عَلَيْهِ تِجْفَافٌ بِكَسْرِ التَّاءِ وَهُوَ ثَوْبٌ كَالْجُلِّ يَلْبَسُهُ الْفَرَسُ لِيَقِيَهُ مِنَ السِّلَاحِ وَجَمْعُهُ تَجَافِيفُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دَعُوهُمْ يَكُنْ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ وَثِنَاهُ) أَمَّا الْبَدْءُ فَبِفَتْحِ الْبَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ وَبِالْهَمْزِ أَيِ ابْتِدَاؤُهُ وَأَمَّا ثِنَاهُ فوقع في أكثر النسخ ثناه بثاء مُثَلَّثَةٌ مَكْسُورَةٌ وَفِي بَعْضِهَا ثُنْيَاهُ بِضَمِّ الثَّاءِ وَبِيَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ بَعْدَ النُّونِ وَرَوَاهُمَا جَمِيعًا القاضي وذكر الثاني عن رواية بن مَاهَانَ وَالْأَوَّلُ عَنْ غَيْرِهِ قَالَ وَهُوَ الصَّوَابُ أَيْ عَوْدَةٌ ثَانِيَةٌ قَوْلُهُ (بَنِي لِحْيَانَ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ قَوْلُهُ (لِمَنْ رَقِيَ الْجَبَلَ وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ (فَرَقِيتُ) كِلَاهُمَا بِكَسْرِ الْقَافِ قَوْلُهُ (فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَنِي لِحْيَانَ جَبَلٌ وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ) هَذِهِ اللَّفْظَةُ ضَبَطُوهَا بِوَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بِضَمِّ الْهَاءِ على

الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ وَالثَّانِي بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ هَمُّوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه وخافوا عائلتهم يقال همني الأمر وأهمني وقيل همني إذا بني وأهمني اغمني قَوْلُهُ (وَخَرَجْتُ بِفَرَسٍ لِطَلْحَةَ أُنَدِّيهِ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ أُنَدِّيهِ بِهَمْزَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ نُونٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ دَالٍ مَكْسُورَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي فِي الشَّرْحِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ رُوَاةِ مُسْلِمٍ غَيْرَ هَذَا وَنَقَلَهُ فِي الْمَشَارِقِ عَنْ جَمَاهِيرِ الرُّوَاةِ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي الْحَذَّاءِ فِي مُسْلِمٍ أُبْدِيهِ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَدَلَ النُّونِ وَكَذَا قاله بن قُتَيْبَةَ أَيْ أُخْرِجُهُ إِلَى الْبَادِيَةِ وَأُبْرِزُهُ إِلَى مَوْضِعِ الْكَلَأِ وَكُلُّ شَيْءٍ أَظْهَرْتَهُ فَقَدْ أَبْدَيْتَهُ وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ بِالنُّونِ وَهِيَ رِوَايَةُ جَمِيعِ الْمُحَدِّثِينَ وَقَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِهِ وَالْأَزْهَرِيِّ وَجَمَاهِيرِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يُورِدَ الْمَاشِيَةَ الْمَاءَ فَتُسْقَى قَلِيلًا ثُمَّ تُرْسَلَ فِي الْمَرْعَى ثُمَّ تَرِدَ الْمَاءَ فَتَرِدَ قَلِيلًا ثُمَّ تُرَدَّ إِلَى الْمَرْعَى قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَنْكَرَ بن قُتَيْبَةَ عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ وَالْأَصْمَعِيِّ كَوْنَهُمَا جَعَلَاهُ بِالنُّونِ وَزَعَمَ أَنَّ الصَّوَابَ بِالْبَاءِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أخطأ بن قُتَيْبَةَ وَالصَّوَابُ قَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ قَوْلُهُ (فَأَصُكُّ سَهْمًا فِي رَحْلِهِ حَتَّى خَلَصَ نَصْلُ السَّهْمِ إِلَى كَتِفِهِ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ رحلة بالحاء وكتفه بالتاء بَعْدَهَا فَاءٌ وَكَذَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ وَالْمَطَالِعِ وكذا هو في أكثر الروايات

والأول هو الأظهر وفي بعضها رجله بالجيم وكعبه بِالْعَيْنِ ثُمَّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالُوا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَأَصُكُّهُ بِسَهْمٍ فِي نُغْضِ كَتِفِهِ قَالَ الْقَاضِي فِي الشَّرْحِ هَذِهِ رِوَايَةُ شُيُوخِنَا وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْمَعْنَى لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُصِيبَ أَعْلَى مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ فَيُصِيبَ حِينَئِذٍ إذا أنفذ كَتِفَهُ وَمَعْنَى أَصُكُّ أَضْرِبُ قَوْلُهُ (فَمَا زِلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُ بِهِمْ) أَيْ أَعْقِرُ خَيْلَهُمْ وَمَعْنَى أَرْمِيهِمْ أَيْ بِالنَّبْلِ قَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ هُنَا أُرَدِّيهِمْ بِالدَّالِ قَوْلُهُ (فَجَعَلْتُ أُرَدِّيهِمْ بِالْحِجَارَةِ) أَيْ أَرْمِيهِمْ بِالْحِجَارَةِ الَّتِي تُسْقِطُهُمْ وَتُنْزِلُهُمْ قَوْلُهُ (جَعَلْتُ عَلَيْهِمْ آرَامًا مِنَ الْحِجَارَةِ) هُوَ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَهِيَ الْأَعْلَامُ وَهِيَ حِجَارَةٌ تُجْمَعُ وَتُنْصَبُ فِي الْمَفَازَةِ يُهْتَدَى بِهَا وَاحِدُهَا إِرَمٌ كَعِنَبٍ وَأَعْنَابٍ قَوْلُهُ (وَجَلَسْتُ عَلَى رَأْسِ قَرْنٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ كُلُّ جَبَلٍ صَغِيرٍ مُنْقَطِعٍ عَنِ الْجَبَلِ الْكَبِيرِ قَوْلُهُ (لَقِينَا مِنْ هَذَا الْبَرْحِ) هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ أَيْ شِدَّةٌ قَوْلُهُ (يتخللون الشجر

أَيْ يَدْخُلُونَ مِنْ خِلَالِهَا أَيْ بَيْنَهَا قَوْلُهُ (مَاءٌ يُقَالُ لَهُ ذَا قَرَدٍ) كَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ ذَا بِأَلِفٍ وَفِي بَعْضِهَا ذُو قَرَدٍ بِالْوَاوِ وَهُوَ الْوَجْهُ قَوْلُهُ (فَحَلَّيْتُهُمْ عَنْهُ) هُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَلَامٍ مُشَدَّدَةٍ غَيْرِ مَهْمُوزَةٍ أَيْ طَرَدْتُهُمْ عَنْهُ وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ يَعْنِي أَجْلَيْتُهُمْ عَنْهُ بِالْجِيمِ قال

الْقَاضِي كَذَا رِوَايَتُنَا فِيهِ هُنَا غَيْرُ مَهْمُوزٍ قَالَ وَأَصْلُهُ الْهَمْزُ فَسَهَّلَهُ وَقَدْ جَاءَ مَهْمُوزًا بَعْدَ هَذَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (فَأَصُكُّهُ بِسَهْمٍ فِي نُغْضِ كَتِفِهِ) هُوَ بِنُونٍ مَضْمُومَةٍ ثم غيرن مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ ضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَهُوَ الْعَظْمُ الرَّقِيقُ عَلَى طَرَفِ الْكَتِفِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ تَحَرُّكِهِ وَهُوَ النَّاغِضُ أَيْضًا قَوْلُهُ (يَا ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ أَكْوَعُهُ بُكْرَةَ قُلْتُ نَعَمْ) مَعْنَى ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ فَقَدَتْهُ وَقَوْلُهُ أَكْوَعُهُ هُوَ بِرَفْعِ الْعَيْنِ أَيْ أَنْتَ الْأَكْوَعُ الَّذِي كُنْتَ بُكْرَةَ هَذَا النَّهَارِ وَلِهَذَا قَالَ نَعَمْ وَبُكْرَةَ مَنْصُوبٌ غَيْرُ مَنُونٍ قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ يُقَالُ أَتَيْتُهُ بُكْرَةً بِالتَّنْوِينِ إِذَا أَرَدْتَ أَنَّكَ لَقِيتَهُ بَاكِرًا فِي يَوْمٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ قَالُوا وَإِنْ أَرَدْتَ بُكْرَةَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ قُلْتَ أَتَيْتُهُ بُكْرَةَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ لِأَنَّهَا مِنَ الظُّرُوفِ غَيْرِ الْمُتَمَكِّنَةِ قَوْلُهُ (وَأَرْدَوْا فَرَسَيْنِ عَلَى ثَنِيَّةٍ) قَالَ الْقَاضِي رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْمُعْجَمَةِ قَالَ وَكِلَاهُمَا مُتَقَارِبُ الْمَعْنَى فَبِالْمُعْجَمَةِ مَعْنَاهُ خَلَّفُوهُمَا وَالرَّذِيُّ الضَّعِيفُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَبِالْمُهْمَلَةِ مَعْنَاهُ أَهْلَكُوهُمَا وَأَتْعَبُوهُمَا حتى أسقطوهما تركوهما وَمِنْهُ التَّرْدِيَةُ وَأَرَدَتِ الْفَرَسُ الْفَارِسَ أَسْقَطْتُهُ قَوْلُهُ وَلَحِقَنِي عَامِرٌ بِسَطِيحَةٍ فِيهَا مَذْقَةٌ مِنْ لَبَنٍ السَّطِيحَةُ إِنَاءٌ مِنْ جُلُودٍ سُطِحَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَالْمَذْقَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَلِيلٌ مِنْ لَبَنٍ مَمْزُوجٍ بِمَاءٍ قَوْلُهُ (وَهُوَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي حَلَأْتُهُمْ عَنْهُ) كَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ حَلَأْتُهُمْ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْهَمْزِ وفي بعضها حليتهم عَنْهُ بِلَامٍ مُشَدَّدَةٍ غَيْرِ مَهْمُوزٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا قَوْلُهُ (نَحَرَ نَاقَةً مِنَ

الْإِبِلِ الَّذِي اسْتُنْفِذَتْ مِنَ الْقَوْمِ) كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ الَّذِي وَفِي بَعْضِهَا الَّتِي وَهُوَ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْإِبِلَ مُؤَنَّثَةٌ وَكَذَا أَسْمَاءُ الْجُمُوعِ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّينَ وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ أَيْضًا وَأَعَادَ الضَّمِيرَ إِلَى الْغَنِيمَةِ لَا إِلَى لَفْظِ الْإِبِلِ قَوْلُهُ (ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أَنْيَابُهُ وَقِيلَ أَضْرَاسُهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ خَيْرَ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ وَخَيْرَ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ) هَذَا فِيهِ اسْتِحْبَابُ الثَّنَاءِ عَلَى الشُّجْعَانِ وَسَائِرِ أَهْلِ الْفَضَائِلِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ صَنِيعِهِمُ الْجَمِيلَ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّرْغِيبِ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ فِي الْإِكْثَارِ مِنْ ذَلِكَ الْجَمِيلِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ مَنْ يُأْمَنُ الْفِتْنَةُ عَلَيْهِ بِإِعْجَابٍ وَنَحْوِهِ قَوْلُهُ (ثُمَّ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَيْنِ سَهْمَ الْفَارِسِ وَسَهْمَ الرَّاجِلِ فَجَمَعَهُمَا لِي) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى سَهْمِ الرَّاجِلِ كان نفلا

وَهُوَ حَقِيقٌ بِاسْتِحْقَاقِ النَّفْلِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لبديع صنعه في هذه الغزوة قوله (وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لَا يُسْبَقُ شَدًّا) يَعْنِي عَدْوًا عَلَى الرِّجْلَيْنِ قَوْلُهُ (فَطَفَرْتُ) أَيْ وَثَبْتُ وَقَفَزْتُ قَوْلُهُ (فَرَبَطْتُ عَلَيْهِ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ أَسْتَبْقِي نَفَسِي) مَعْنَى رَبَطْتُ حَبَسْتُ نَفْسِي عَنِ الْجَرْيِ الشَّدِيدِ وَالشَّرَفُ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ وَقَوْلُهُ أَسْتَبْقِي نَفَسِي بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ لِئَلَّا يَقْطَعَنِي الْبَهْرُ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِجَوَازِ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْأَقْدَامِ وَهُوَ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ إِذَا تَسَابَقَا بِلَا عِوَضٍ فَإِنْ تَسَابَقَا عَلَى عِوَضٍ فَفِي صِحَّتِهَا خِلَافٌ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لَا تَصِحُّ قَوْلُهُ (فَجَعَلَ عَمِّي عَامِرٌ يَرْتَجِزُ بالقوم

هَكَذَا قَالَ هُنَا عَمِّي وَقَدْ سَبَقَ فِي حديث أبي الطاهر عن بن وَهْبٍ أَنَّهُ قَالَ أَخِي فَلَعَلَّهُ كَانَ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَكَانَ عَمَّهُ مِنَ النَّسَبِ قَوْلُهُ (يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ) هُوَ بِكَسْرِ الطَّاءِ أَيْ يَرْفَعُهُ مَرَّةً وَيَضَعُهُ أُخْرَى وَمِثْلُهُ خَطَرَ الْبَعِيرُ بِذَنَبِهِ يَخْطِرُ بِالْكَسْرِ إِذَا رَفَعَهُ مَرَّةً وَوَضَعَهُ مَرَّةً قَوْلُهُ (شَاكِ السِّلَاحِ) أَيْ تَامُّ السِّلَاحِ يُقَالُ رَجُلٌ شَاكِي السِّلَاحِ وَشَاكِ السِّلَاحِ وَشَاكٍ فِي السِّلَاحِ مِنَ الشَّوْكَةِ وَهِيَ الْقُوَّةُ وَالشَّوْكَةُ أَيْضًا السِّلَاحُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذات الشوكة تكون لكم قَوْلُهُ (بَطَلٌ مُجَرَّبٌ) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ مجرب بالشجاعة وقهر الفرسان والبطل الشجاع يقال بَطُلَ الرَّجُلُ بِضَمِّ الطَّاءِ يَبْطُلُ بَطَالَةً وَبُطُولَةً أَيْ صَارَ شُجَاعًا قَوْلُهُ (بَطَلٌ مُغَامِرٌ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَرْكَبُ غَمَرَاتِ الْحَرْبِ وَشَدَائِدَهَا وَيُلْقِي نَفْسَهُ فِيهَا قَوْلُهُ (وَذَهَبَ عَامِرٌ يَسْفُلُ لَهُ) أي

يضربه من أسفله هو بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ السِّينِ وَضَمِّ الْفَاءِ قَوْلُهُ (وَهُوَ أَرْمَدُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ رَمِدَ الْإِنْسَانُ بِكَسْرِ الْمِيمِ يَرْمَدُ بِفَتْحِهَا رَمَدًا فَهُوَ رَمِدٌ وَأَرْمَدُ إِذْ هَاجَتْ عَيْنُهُ قَوْلُهُ (أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ) حَيْدَرَةُ اسْمٌ لِلْأَسَدِ وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ سُمِّيَ أَسَدًا فِي أَوَّلِ وِلَادَتِهِ وَكَانَ مَرْحَبٌ قَدْ رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّ أَسَدًا يَقْتُلُهُ فَذَكَّرَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ لِيُخِيفَهُ وَيُضْعِفَ نَفْسَهُ قَالُوا وَكَانَتْ أُمُّ عَلِيٍّ سَمَّتْهُ أَوَّلَ وِلَادَتِهِ أَسَدًا بِاسْمِ جَدِّهِ لِأُمِّهِ أَسَدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ غَائِبًا فَلَمَّا قَدِمَ سَمَّاهُ عَلِيًّا وَسُمِّيَ الْأَسَدُ حَيْدَرَةَ لِغِلَظِهِ وَالْحَادِرُ الْغَلِيظُ الْقَوِيُّ وَمُرَادُهُ أَنَا الأسد على جرأته وإقدامه وقوته قوله (أو فيهم بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ) مَعْنَاهُ

أَقْتُلُ الْأَعْدَاءَ قَتْلًا وَاسِعًا ذَرِيعًا وَالسَّنْدَرَةُ مِكْيَالٌ وَاسِعٌ وَقِيلَ هِيَ الْعَجَلَةُ أَيْ أَقْتُلُهُمْ عَاجِلًا وَقِيلَ مَأْخُوذٌ مِنَ السَّنْدَرَةِ وَهِيَ شَجَرَةُ الصَّنَوْبَرِ يُعْمَلُ مِنْهَا النَّبْلُ وَالْقِسِيُّ قَوْلُهُ (فَضَرَبَ رَأْسَ مَرْحَبٍ) يَعْنِي عَلِيًّا فَقَتَلَهُ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ عَلِيًّا هُوَ قَاتِلُ مَرْحَبٍ وَقِيلَ إِنَّ قاتل مرحب هو محمد بن مسلمة قال بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِهِ الدُّرَرُ فِي مُخْتَصَرِ السير قال محمد بن إسحاق ان محمد بن مَسْلَمَةَ هُوَ قَاتِلُهُ قَالَ وَقَالَ غَيْرُهُ إِنَّمَا كان قاتله عليا قال بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا ثُمَّ رَوَى ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَلَمَةَ وَبُرَيْدَةَ قَالَ بن الْأَثِيرِ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ السِّيَرِ أَنَّ عَلِيًّا هُوَ قَاتِلُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْوَاعًا مِنَ الْعِلْمِ سِوَى مَا سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ مِنْهَا أَرْبَعُ مُعْجِزَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَاهَا تَكْثِيرُ مَاءِ الْحُدَيْبِيَةِ وَالثَّانِيَةُ إِبْرَاءُ عَيْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالثَّالِثَةُ الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ وَقَدْ جَاءَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ مُسْلِمٍ هَذِهِ وَالرَّابِعَةُ إِخْبَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُمْ يَقِرُّونَ فِي غَطَفَانَ وَكَانَ كَذَلِكَ وَمِنْهَا جَوَازُ الصُّلْحِ مَعَ الْعَدُوِّ وَمِنْهَا بَعْثُ الطَّلَائِعِ وَجَوَازُ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْأَرْجُلِ بِلَا عِوَضٍ وَفَضِيلَةُ الشَّجَاعَةِ وَالْقُوَّةِ وَمِنْهَا مَنَاقِبُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَأَبِي قَتَادَةَ وَالْأَحْزَمِ الْأَسْعَدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمِنْهَا جَوَازُ الثَّنَاءِ عَلَى مَنْ فَعَلَ جَمِيلًا وَاسْتِحْبَابُ ذَلِكَ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَصْلَحَةٌ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ قَرِيبًا وَمِنْهَا جَوَازُ عَقْرِ خَيْلِ الْعَدُوِّ فِي الْقِتَالِ وَاسْتِحْبَابُ الرَّجَزِ فِي الْحَرْبِ وَجَوَازُ قَوْلِ الرَّامِي وَالطَّاعِنِ وَالضَّارِبِ خُذْهَا وَأَنَا فُلَانٌ أو بن فُلَانٍ وَمِنْهَا جَوَازُ الْأَكْلِ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَاسْتِحْبَابُ التَّنْفِيلِ مِنْهَا لِمَنْ صَنَعَ صَنِيعًا جَمِيلًا فِي الْحَرْبِ وَجَوَازُ الْإِرْدَافِ عَلَى الدَّابَّةِ الْمُطِيقَةِ وَجَوَازُ الْمُبَارَزَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ كَمَا بَارَزَ عَامِرٌ وَمِنْهَا مَا كَانَتِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَيْهِ مِنْ حُبِّ الشَّهَادَةِ وَالْحِرْصِ عَلَيْهَا وَمِنْهَا القاء

(باب قول الله تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم الآية

النَّفْسِ فِي غَمَرَاتِ الْقِتَالِ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ التَّغْرِيرِ بِالنَّفْسِ فِي الْجِهَادِ فِي الْمُبَارَزَةِ وَنَحْوِهَا وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ مَاتَ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِ الْقِتَالِ يَكُونُ شَهِيدًا سَوَاءٌ مَاتَ بِسِلَاحِهِمْ أَوْ رَمَتْهُ دَابَّةٌ أَوْ غَيْرُهَا أَوْ عَادَ عَلَيْهِ سِلَاحُهُ كَمَا جَرَى لِعَامِرٍ وَمِنْهَا تَفَقُّدُ الْإِمَامِ الْجَيْشَ وَمَنْ رَآهُ بِلَا سِلَاحٍ أَعْطَاهُ سِلَاحًا (بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ الْآيَةَ [1808] قَوْلُهُ (يُرِيدُونَ غِرَّتَهُ) أَيْ غَفْلَتَهُ قَوْلُهُ (فَأَخَذَهُمْ سَلَمًا) ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ وَالثَّانِي بِإِسْكَانِ اللَّامِ مَعَ كَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا قَالَ الْحُمَيْدِيُّ وَمَعْنَاهُ الصُّلْحُ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ هَكَذَا ضَبَطَهُ الْأَكْثَرُونَ قَالَ فِيهِ وَفِي الشَّرْحِ الرِّوَايَةُ الْأُولَى أَظْهَرُ وَمَعْنَاهَا أَسَرَهُمْ وَالسَّلَمُ الْأَسْرُ وَجَزَمَ الْخَطَّابِيُّ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالسِّينِ قَالَ وَالْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِسْلَامُ وَالْإِذْعَانُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ أَيْ الِانْقِيَادَ وَهُوَ مَصْدَرٌ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ والاثنين والجمع قال بن الْأَثِيرِ هَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِالْقِصَّةِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُؤْخَذُوا صُلْحًا وَإِنَّمَا أُخِذُوا قَهْرًا وَأَسْلَمُوا أَنْفُسَهُمْ عَجْزًا قَالَ وَلِلْقَوْلِ الْآخَرِ وَجْهٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجْرِ مَعَهُمْ قِتَالٌ بَلْ عَجَزُوا عَنْ دَفْعِهِمْ وَالنَّجَاةِ مِنْهُمْ فَرَضُوا بِالْأَسْرِ فَكَأَنَّهُمْ قَدْ صُولِحُوا عَلَى ذَلِكَ) بَاب غَزْوَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ [1809] قَوْلُهُ (أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ اتَّخَذَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ خِنْجَرًا) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ يَوْمَ حُنَيْنٍ بِضَمِّ الْحَاءِ

الْمُهْمَلَةِ وَبِالنُّونَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا يَوْمَ خَيْبَرَ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ وَالْخِنْجَرُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَفَتْحِهَا وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي فِي الشَّرْحِ إِلَّا الْفَتْحَ وَذَكَرَهُمَا مَعًا فِي الْمَشَارِقِ وَرَجَّحَ الْفَتْحَ وَلَمْ يَذْكُرِ الْجَوْهَرِيُّ غَيْرَ الْكَسْرِ فَهُمَا لُغَتَانِ وَهِيَ سِكِّينٌ كَبِيرَةٌ ذَاتُ حَدَّيْنِ وَفِي هَذَا الْغَزْوُ بِالنِّسَاءِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَوْلُهَا (بَقَرْتُ بَطْنَهُ) أَيْ شَقَقْتُهُ قَوْلُهَا { (اقْتُلْ مَنْ بَعْدَنَا مِنَ الطُّلَقَاءِ) } هُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَّ عَلَيْهِمْ وَأَطْلَقَهُمْ وَكَانَ فِي إِسْلَامِهِمْ ضَعْفٌ فَاعْتَقَدَتْ أُمُّ سَلِيمٍ أَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ وَأَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا الْقَتْلَ بِانْهِزَامِهِمْ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهَا مَنْ بَعْدَنَا أَيْ مَنْ سِوَانَا [1810] قَوْلُهُ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ فَيَسْقِينَ الْمَاءَ وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى) فِيهِ خُرُوجُ النِّسَاءِ فِي الْغَزْوِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِنَّ فِي السَّقْيِ وَالْمُدَاوَاةِ وَنَحْوِهِمَا وَهَذِهِ الْمُدَاوَاةُ لِمَحَارِمِهِنَّ وَأَزْوَاجِهِنَّ وَمَا كَانَ مِنْهَا لِغَيْرِهِمْ لَا يَكُونُ فِيهِ

مَسُّ بَشَرَةٍ إِلَّا فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ [1811] قَوْلُهُ (أَبُو مَعْمَرٍ الْمِنْقَرِيُّ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَفَتْحِ الْقَافِ مَنْسُوبٌ إِلَى مِنْقَرِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ مُقَاعِسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَنَاةَ بْنِ تميم بن مرة بن أد بْنِ طَلْحَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نذار بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ قَوْلُهُ (مُجَوِّبٌ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ) أَيْ مُتَرِّسٌ عَنْهُ لِيَقِيَهُ سِلَاحَ الْكُفَّارِ قَوْلُهُ (كَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ) أَيْ شَدِيدَ الرَّمْيِ قَوْلُهُ (الْجَعْبَةُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ قَوْلُهُ (أَرَى خَدَمَ سُوقِهَا) هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْوَاحِدَةُ خِدْمَةٌ وَهِيَ الْخَلْخَالُ وَأَمَّا السُّوقُ فَجَمْعُ سَاقٍ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لِلْخَدَمِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَهْيٌ لِأَنَّ هَذَا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ قَبْلَ أَمْرِ النِّسَاءِ بِالْحِجَابِ وَتَحْرِيمِ النَّظَرِ إِلَيْهِنَّ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هُنَا أَنَّهُ تَعَمَّدَ النَّظَرَ إِلَى نَفْسِ السَّاقِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ حَصَلَتْ تِلْكَ النَّظْرَةُ فَجْأَةً بِغَيْرِ قَصْدٍ وَلَمْ يَسْتَدِمْهَا قَوْلُهُ (نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ) هَذَا مِنْ مَنَاقِبِ أَبِي طَلْحَةَ الْفَاخِرَةِ قَوْلُهُ (عَلَى مُتُونِهِمَا) أَيْ عَلَى

(باب النساء الغازيات يرضخ لهن ولا يسهم (والنهي عن

ظُهُورِهِمَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِلَاطُ النِّسَاءِ فِي الْغَزْوِ بِرِجَالِهِنَّ فِي حَالِ الْقِتَالِ لِسَقْيِ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ (بَاب النِّسَاءِ الْغَازِيَاتِ يُرْضَخُ لَهُنَّ وَلَا يُسْهَمُ (وَالنَّهْيِ عَنْ قَتْلِ صِبْيَانِ أَهْلِ الْحَرْبِ) قوله [1812] (فقال بن عَبَّاسٍ لَوْلَا أَنْ أَكْتُمَ عِلْمًا مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ) يَعْنِي إِلَى نَجْدَةَ الْحَرُورِيِّ مِنَ الْخَوَارِجِ معناه أن بن عَبَّاسٍ يَكْرَهُ نَجْدَةً لِبِدْعَتِهِ وَهِيَ كَوْنُهُ مِنَ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ وَلَكِنْ لَمَّا سَأَلَهُ عَنِ الْعِلْمِ لَمْ يُمْكِنْهُ كَتْمُهُ فَاضْطُرَّ إِلَى جَوَابِهِ وَقَالَ لَوْلَا أَنْ أَكْتُمَ عِلْمًا مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ أَيْ لَوْلَا أَنِّي إِذَا تَرَكْتُ الْكِتَابَةَ أَصِيرُ كَاتِمًا لِلْعِلْمِ مُسْتَحِقًّا لِوَعِيدِ كَاتِمِهِ لَمَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ (كَانَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى وَيُحْذَيْنَ مِنَ الْغَنِيمَةِ) وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ فِيهِ حُضُورُ النِّسَاءِ الْغَزْوَ وَمُدَاوَاتُهُنَّ الْجَرْحَى كَمَا سَبَقَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ {وَقَوْلُهُ يُحْذَيْنَ} هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ {أَيْ يُعْطَيْنَ تِلْكَ الْعَطِيَّةَ وَتُسَمَّى الرَّضْخُ وَفِي هَذَا أَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَحِقُّ الرَّضْخَ وَلَا تَسْتَحِقُّ السَّهْمَ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ} وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ تَسْتَحِقُّ السَّهْمَ إِنْ كَانَتْ تُقَاتِلُ أَوْ تُدَاوِي الْجَرْحَى وَقَالَ مَالِكٌ لَا رَضْخَ لَهَا وَهَذَانِ المذهبان مردودان بهذا الحديث الصحيح الصَّرِيحِ قَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا (وَسَأَلْتُ)

عَنِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ هَلْ كَانَ لَهُمْ سَهْمٌ معلوم إذا حضروا البأس وأنهم لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سَهْمٌ مَعْلُومٌ إِلَّا أَنْ يُحْذَيَا مِنْ غَنَائِمِ الْقَوْمِ) فِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ يُرْضَخُ لَهُ وَلَا يُسْهَمُ لَهُ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا رَضْخَ لَهُ كَمَا قَالَ فِي الْمَرْأَةِ وقال الحسن وبن سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ إِنْ قَاتَلَ أُسْهِمَ لَهُ قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ فَلَا تَقْتُلِ الصِّبْيَانَ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ صِبْيَانِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَهُوَ حَرَامٌ إِذَا لَمْ يُقَاتِلُوا وَكَذَلِكَ النساء فإن قاتلوا أجاز قَتْلُهُمْ قَوْلُهُ (وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِي مَتَى يَنْقَضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ فَلَعَمْرِي إِنَّ الرَّجُلَ لَتَنْبُتُ لِحْيَتُهُ وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الْأَخْذِ لِنَفْسِهِ ضَعِيفُ الْعَطَاءِ مِنْهَا فَإِذَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ صَالِحِ مَا يَأْخُذُ النَّاسُ فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ الْيُتْمُ) مَعْنَى هَذَا مَتَى يَنْقَضِي حُكْمُ الْيُتْمِ وَيَسْتَقِلُّ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَأَمَّا نَفْسُ الْيُتْمِ فَيَنْقَضِي بِالْبُلُوغِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُتْمَ بَعْدَ الْحُلُمِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ حُكْمَ الْيُتْمِ لَا يَنْقَطِعُ بِمُجَرَّدِ الْبُلُوغِ وَلَا بِعُلُوِّ السِّنِّ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ الرُّشْدُ فِي دِينِهِ وَمَالِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً زَالَ عَنْهُ حُكْمُ الصِّبْيَانِ وَصَارَ رَشِيدًا يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ وَيَجِبُ تَسْلِيمُهُ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ضَابِطٍ لَهُ وَأَمَّا الْكَبِيرُ إِذَا طَرَأَ تَبْذِيرُهُ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وُجُوبُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حنيفة لا يحجر قال بن الْقَصَّارِ وَغَيْرُهُ الصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَكَأَنَّهُ إِجْمَاعٌ قَوْلُهُ (وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْخُمُسِ لِمَنْ هُوَ وَإِنَّا كُنَّا نَقُولُ هُوَ لَنَا فَأَبَى عَلَيْنَا قَوْمُنَا ذَاكَ) مَعْنَاهُ خُمُسُ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِذَوِي الْقُرْبَى وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فقال الشافعي مثل قول بن عَبَّاسٍ وَهُوَ أَنَّ خُمُسَ الْخُمُسِ مِنَ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ يَكُونُ لِذَوِي الْقُرْبَى وَهُمْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ وَقَوْلُهُ (أَبَى علينا قومنا ذاك) أي رأوا أنه لَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ

إِلَيْنَا بَلْ يَصْرِفُونَهُ فِي الْمَصَالِحِ وَأَرَادَ بِقَوْمِهِ وُلَاةَ الْأَمْرِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَقَدْ صَرَّحَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ فِي رِوَايَةٍ لَهُ بِأَنَّ سُؤَالَ نَجْدَةَ لِابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ المسائل كان في فتنة بن الزبير وكانت فتنة بن الزُّبَيْرِ بَعْدَ بِضْعٍ وَسِتِّينَ سَنَةً مِنَ الْهِجْرَةِ {وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ أَنَّ بن عباس اراد بقوله أبي ذاك عينا قَوْمُنَا مَنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ وَهُمْ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ} قَوْلُهُ (فَلَا تَقْتُلِ الصِّبْيَانَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تَعْلَمُ مَا عَلِمَهُ الْخَضِرُ مِنَ الصَّبِيِّ الَّذِي قَتَلَ) مَعْنَاهُ أَنَّ الصِّبْيَانَ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُمْ وَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِقِصَّةِ الْخَضِرِ وَقَتْلِهِ صَبِيًّا فَإِنَّ الْخَضِرَ مَا قَتَلَهُ إِلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ عَلَى التَّعْيِينِ كَمَا قَالَ فِي آخِرِ الْقِصَّةِ وما فعلته عن أمري فَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ تَعْلَمُ مِنْ صَبِيٍّ ذَلِكَ فَاقْتُلْهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَتْلُ قَوْلُهُ (وَتُمَيِّزُ الْمُؤْمِنَ فَتَقْتُلُ الْكَافِرَ وَتَدَعُ الْمُؤْمِنَ) مَعْنَاهُ مَنْ يَكُونُ إِذَا عَاشَ إِلَى الْبُلُوغِ مُؤْمِنًا وَمَنْ يَكُونُ إِذَا عَاشَ كَافِرًا فَمَنْ عَلِمْتَ أَنَّهُ يَبْلُغُ كَافِرًا فَاقْتُلْهُ كَمَا عَلِمَ الْخَضِرُ أَنَّ ذَلِكَ الصَّبِيَّ لَوْ بَلَغَ لَكَانَ كَافِرًا وَأَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ وَمَعْلُومٌ أَنَّكَ أَنْتَ لَا تَعْلَمُ ذَلِكَ فَلَا تَقْتُلْ

صَبِيًّا قَوْلُهُ (لَوْلَا أَنْ يَقَعَ فِي أُحْمُوقَةٍ مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ) هِيَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ يَعْنِي فِعْلًا مِنْ أَفْعَالِ الْحَمْقَى وَيَرَى رَأْيًا كَرَأْيِهِمْ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ أَرُدَّهُ عَنْ نَتْنٍ يَقَعُ فِيهِ مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ يَعْنِي بِالنَّتْنِ الْفِعْلَ الْقَبِيحَ وَكُلُّ مُسْتَقْبَحٍ يُقَالُ لَهُ النَّتْنُ وَالْخَبِيثُ وَالرِّجْسُ وَالْقَذَرُ وَالْقَاذُورَةُ قَوْلُهُ (لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ اسْمُ الْيُتْمِ حَتَّى يَبْلُغَ وَيُؤْنَسَ مِنْهُ رُشْدٌ) يَعْنِي لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ حُكْمُ الْيُتْمِ كَمَا سَبَقَ وَأَرَادَ بِالِاسْمِ الْحُكْمَ قَوْلُهُ (وَلَا نَعْمَةَ عَيْنٍ) هُوَ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا أَيْ مَسَرَّةُ

عَيْنٍ وَمَعْنَاهُ لَا تُسَرُّ عَيْنُهُ يُقَالُ نَعْمَةُ عَيْنٍ وَنُعْمَةُ عَيْنٍ وَنَعَامَةُ عَيْنٍ وَنُعْمَى عَيْنٍ نعما ونعيم ونعيم عين وَنَعَامُ عَيْنٍ بِمَعْنًى وَأَنْعَمَ اللَّهُ عَيْنَكُ أَيْ أَقَرَّهَا فَلَا يَعْرِضُ لَكَ نَكَدٌ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأُمُورِ قَوْلُهُ (إِذَا حَضَرُوا الْبَأْسَ) بِالْبَاءِ الموحدة وهو الشدة والمراد هنا الحرب

(باب عدد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في

(باب عدد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ فِي الْبَابِ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَجَابِرٍ وَبُرَيْدَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً [1814] وَفِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ قَاتَلَ فِي ثَمَانٍ مِنْهُنَّ قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَغَازِي فِي عَدَدِ غَزَوَاتِهِ صلى الله عليه وسلم وسراياه فذكر بن سَعْدٍ وَغَيْرُهُ عَدَدَهُنَّ مُفَصَّلَاتٍ عَلَى تَرْتِيبِهِنَّ فَبَلَغَتْ سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزَاةً وَسِتًّا وَخَمْسِينَ سَرِيَّةً قَالُوا قَاتَلَ فِي تِسْعٍ مِنْ غَزَوَاتِهِ وَهِيَ بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْمُرَيْسِيعُ وَالْخَنْدَقُ وَقُرَيْظَةُ وَخَيْبَرُ وَالْفَتْحُ وَحُنَيْنٌ وَالطَّائِفُ هَكَذَا عَدُّوا الْفَتْحَ فِيهَا وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ فُتِحَتْ مَكَّةُ عَنْوَةً وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ الْخِلَافِ فِيهَا وَلَعَلَّ بُرَيْدَةَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ قَاتَلَ فِي ثَمَانٍ إِسْقَاطَ غَزَاةَ الْفَتْحِ وَيَكُونُ مَذْهَبُهُ أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ قَوْلُهُ (قُلْتُ فَمَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَالَ ذَاتُ الْعُسَيْرِ أَوِ الْعُشَيْرِ) هَكَذَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ الْعُسَيْرُ أَوْ الْعُشَيْرُ الْعَيْنُ مَضْمُومَةٌ وَالْأَوَّلُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالثَّانِي بِالْمُعْجَمَةِ وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ هِيَ ذَاتُ الْعُشَيْرَةِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ وَجَاءَ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي يَعْنِي مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَسِيرٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ بِحَذْفِ الْهَاءِ قَالَ وَالْمَعْرُوفُ فِيهَا الْعُشَيْرَةُ مُصَغَّرَةٌ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْهَاءِ قَالَ وَكَذَا ذَكَرَهَا أَبُو إِسْحَاقَ {وَهِيَ مِنْ أَرْضِ مَذْحِجٍ} قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ)

هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ بِلَادِنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَفِي بَعْضِهَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَيْضًا الِاخْتِلَافَ فِيهِ قَالَ وَقَالَ عَبْدُ الْغَنِيِّ الصَّوَابُ زُهَيْرٌ وَأَمَّا وُهَيْبٌ فَخَطَأٌ قَالَ لِأَنَّ وُهَيْبًا لَمْ يَلْقَ أَبَا إِسْحَاقَ وَذَكَرَ خَلَفٌ فِي الْأَطْرَافِ فَقَالَ زُهَيْرٌ وَلَمْ يَذْكُرْ وُهَيْبًا قَوْلُهُ [1813] (عَنْ جَابِرٍ لَمْ أَشْهَدْ بَدْرًا وَلَا أُحُدًا) قَالَ الْقَاضِي كَذَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّ جَابِرًا لَمْ يشهدهما وقد ذكر أبوعبيد أنه شهد بدرا قال بن عَبْدِ الْبَرِّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْهُمَا وَقَدْ ذكر بن الْكَلْبِيِّ أَنَّهُ شَهِدَ أُحُدًا قَوْلُهُ (عَنْ جَابِرٍ قَالَ غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً وَلَمْ أَشْهَدْ أُحُدًا وَلَا بَدْرًا) هَذَا صَرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّ غَزَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَكُنْ مُنْحَصِرَةً فِي تِسْعَ عَشْرَةَ بَلْ زَائِدَةً وَإِنَّمَا مُرَادُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَبُرَيْدَةَ بِقَوْلِهِمَا تِسْعَ عَشْرَةَ أَنَّ مِنْهَا تِسْعَ عَشْرَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَابِرٌ فَقَدْ أَخْبَرَ جَابِرٌ أَنَّهَا إِحْدَى وَعِشْرُونَ كَمَا تَرَى وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهَا سَبْعٌ وَعِشْرُونَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ بُرَيْدَةَ سِتَّ عَشْرَةَ غَزْوَةً فَلَيْسَ فيه نفي الزيادة

(باب غزوة ذات الرقاع قوله [1816] (ونحن ستة نفر بيننا بعير

(باب غزوة ذات الرقاع قَوْلُهُ [1816] (وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ) أَيْ يَرْكَبُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا نَوْبَةً فِيهِ جَوَازُ مِثْلِ هَذَا إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمَرْكُوبِ قَوْلُهُ فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْقَافِ أَيْ قَرِحَتْ مِنَ الْحَفَاءِ قَوْلُهُ (فَسُمِّيَتْ ذَاتُ الرِّقَاعِ لِذَلِكَ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهَا وَقَالَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ بِجَبَلٍ هُنَاكَ فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ وَحُمْرَةٌ وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِاسْمِ شَجَرَةٍ هُنَاكَ وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَلْوِيَتِهِمْ رِقَاعٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِالْمَجْمُوعِ {قَوْلُهُ (وَكَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ) فِيهِ استحباب اخفاء)

(باب كراهة الاستعانة في الغزو بكافر إلا لحاجة (أو

الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَمَا يُكَابِدُهُ الْعَبْدُ مِنَ الْمَشَاقِّ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُظْهِرُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا لِمَصْلَحَةٍ مِثْلَ بَيَانِ حُكْمِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِيهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا وُجِدَ لِلسَّلَفِ مِنَ الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ} (بَاب كَرَاهَةِ الِاسْتِعَانَةِ في الغزو بكافر إلا لحاجة (أو كونه حسن الرأي في المسلمين) [1817] قَوْلُهُ (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ قِبَلَ بَدْرٍ فَلَمَّا كَانَ بِحِرَّةِ الْوَبَرَةِ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ قَالَ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِإِسْكَانِهَا وَهُوَ مَوْضِعٌ عَلَى نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ) وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَانَ بِصَفْوَانَ بْنِ أمية قبل)

(كتاب الإمارة)

إِسْلَامِهِ فَأَخَذَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَلَى إِطْلَاقِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ إِنْ كَانَ الْكَافِرُ حَسَنَ الرَّأْيِ فِي الْمُسْلِمِينَ وَدَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ بِهِ اسْتُعِينَ بِهِ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ وَحَمَلَ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ وَإِذَا حَضَرَ الْكَافِرُ بِالْإِذْنِ رُضِخَ لَهُ وَلَا يُسْهَمُ لَهُ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ يُسْهَمُ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ ثُمَّ مَضَى حتى إِذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ حَتَّى إِذَا كُنَّا فَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ مَعَ الْمُوَدِّعِينَ فَرَأَتْ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ بِقَوْلِهِا كُنَّا كَانَ الْمُسْلِمُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (كِتَاب الْإِمَارَةِ) (بَاب النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ وَالْخِلَافَةُ فِي قُرَيْشٍ [1818] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (النَّاسُ [1819] تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ مُسْلِمُهُمْ لِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرُهُمْ لِكَافِرِهِمْ) وَفِي رِوَايَةٍ النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَفِي رِوَايَةٍ [1820] لَا يَزَالُ هَذَا)

الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ اثْنَانِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَأَشْبَاهُهَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ أَنَّ الْخِلَافَةَ مُخْتَصَّةٌ بِقُرَيْشٍ لَا يَجُوزُ عَقْدُهَا لِأَحَدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ وَعَلَى هَذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ فَكَذَلِكَ بَعْدَهُمْ وَمَنْ خَالَفَ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ أَوْ عَرَّضَ بِخِلَافٍ مِنْ غَيْرِهِمْ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالَ الْقَاضِي اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ قُرَشِيًّا هُوَ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً قَالَ وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى الْأَنْصَارِ يَوْمَ السَّقِيفَةِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ عَدَّهَا الْعُلَمَاءُ فِي مَسَائِلِ الْإِجْمَاعِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ فِيهَا قَوْلٌ وَلَا فِعْلٌ يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَا وَكَذَلِكَ مَنْ بَعْدَهُمْ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ قَالَ وَلَا اعْتِدَادَ بِقَوْلِ النَّظَّامِ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ الْخَوَارِجِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ أَنَّهُ يَجُوزُ كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ وَلَا بِسَخَافَةِ ضِرَارِ بْنِ عمرو في قوله أن غير القرشي من النبط وغيرهم يقدم على القرشي لهو أن خَلْعِهِ إِنْ عَرَضَ مِنْهُ أَمْرٌ وَهَذَا الَّذِي قاله من باطل القول وزخرفه مع ماهو عَلَيْهِ مِنْ مُخَالَفَةِ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَمَعْنَاهُ فِي الْإِسْلَامِ وَالْجَاهِلِيَّةِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ رُؤَسَاءَ الْعَرَبِ وَأَصْحَابَ حَرَمِ اللَّهِ وَأَهْلَ حَجِّ بَيْتِ اللَّهِ وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَنْظُرُ إِسْلَامَهُمْ فَلَمَّا أَسْلَمُوا وَفُتِحَتْ مَكَّةُ تَبِعَهُمُ النَّاسُ وَجَاءَتْ وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَدَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا وَكَذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ هُمْ أَصْحَابُ الْخِلَافَةِ وَالنَّاسُ تَبَعٌ لَهُمْ وَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُسْتَمِرٌّ إِلَى آخِرِ الدُّنْيَا مَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ اثْنَانِ وقد ظهر

مَا قَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْ زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْآنَ الْخِلَافَةُ فِي قُرَيْشٍ مِنْ غَيْرِ مُزَاحَمَةٍ لَهُمْ فيها وتبقى كذلك ما بقي اثْنَانِ كَمَا قَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ اسْتَدَلَّ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى فَضِيلَةِ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لَهُمْ لِأَنَّ الْمُرَادَ تَقْدِيمُ قُرَيْشٍ فِي الْخِلَافَةِ فَقَطْ قُلْتُ هُوَ حُجَّةٌ فِي مَزِيَّةِ قُرَيْشٍ عَلَى غَيْرِهِمْ وَالشَّافِعِيُّ قُرَشِيٌّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1821] (إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنان عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ) وَفِي رِوَايَةٍ لا يزال أمر الناس ماضيا ماوليهم اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَزَالُ الْإِسْلَامُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ الْقَاضِي قَدْ تَوَجَّهَ هُنَا سُؤَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا وَهَذَا مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ثَلَاثِينَ سَنَةً إِلَّا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْأَرْبَعَةُ وَالْأَشْهُرُ الَّتِي بُويِعَ فِيهَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ فِي حَدِيثِ الخلافة ثلاثون سنة خلافة النبوة وقد جاءمفسرا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا وَلَمْ يُشْتَرَطْ هَذَا فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ السُّؤَالُ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ وَلِيَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ قَالَ وَهَذَا اعْتِرَاضٌ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقل لا يلي إلا اثنى عَشَرَ خَلِيفَةً وَإِنَّمَا قَالَ يَلِي وَقَدْ وَلِيَ هذا العدد ولا يضركونه وُجِدَ بَعْدَهُمْ غَيْرُهُمْ

هَذَا إِنْ جُعِلَ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ كُلُّ وَالٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مُسْتَحِقَّ الْخِلَافَةِ الْعَادِلِينَ وَقَدْ مَضَى مِنْهُمْ مَنْ عُلِمَ وَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ هَذَا الْعَدَدِ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ قَالَ وَقِيلَ إِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ يَتَّبِعُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ قَالَ الْقَاضِي وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَدْ وُجِدَ إِذَا تَتَبَّعْتَ التَّوَارِيخَ فَقَدْ كَانَ بِالْأَنْدَلُسِ وَحْدَهَا مِنْهُمْ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ بَعْدَ أَرْبَعمِائَةِ وَثَلَاثِينَ سَنَةً ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ يَدَّعِيهَا وَيُلَقَّبُ بِهَا وَكَانَ حِينَئِذٍ فِي مِصْرَ آخَرُ وَكَانَ خَلِيفَةَ الْجَمَاعَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ بِبَغْدَادَ سِوَى مَنْ كَانَ يَدَّعِي ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ قَالَ وَيُعِضِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ بَعْدَ هَذَا سَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ قالوا فما تأمرنا قال فوا بيعة الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ

مَنْ يَعِزُّ الْإِسْلَامُ فِي زَمَنِهِ وَيَجْتَمِعُ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ كَمَا جَاءَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ كُلُّهُمْ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ وَهَذَا قَدْ وُجِدَ قَبْلَ اضْطِرَابِ أَمْرِ بَنِي أُمَيَّةَ وَاخْتِلَافِهِمْ فِي زَمَنِ يَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ وَخَرَجَ عَلَيْهِ بَنُو الْعَبَّاسِ وَيَحْتَمِلُ أَوْجُهًا أُخَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (فَقَالَ كَلِمَةً صَمَّنِيهَا النَّاسُ) هُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ أَصَمُّونِي عَنْهَا فَلَمْ أَسْمَعْهَا لِكَثْرَةِ الْكَلَامِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ صَمَّتَنِيهَا النَّاسُ أَيْ سَكَّتُونِي عَنِ السُّؤَالِ عَنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1822] (عُصَيْبَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ الْبَيْتَ الْأَبْيَضَ بَيْتَ كِسْرَى) هَذَا مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ فَتَحُوهُ بِحَمْدِ اللَّهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ

(باب الاستخلاف وتركه [1823] قوله (راغب وراهب) أي راج وخائف

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْعُصَيْبَةُ تَصْغِيرُ عُصْبَةٍ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ وَكِسْرَى بِكَسْرِ الْكَافِ وَفَتْحِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا أَعْطَى اللَّهُ أَحَدَكُمْ خَيْرًا فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ) هُوَ مِثْلُ حَدِيثِ ابْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَا الْفَرَطُ عَلَى الْحَوْضِ) الْفَرَطُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ السَّابِقُ إِلَيْهِ وَالْمُنْتَظِرُ لِسَقْيِكُمْ مِنْهُ وَالْفَرَطُ وَالْفَارِطُ هُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ الْقَوْمَ إِلَى الْمَاءِ لِيُهَيِّئَ لَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ (عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ أَرْسَلَ إلى بن سَمُرَةَ الْعَدَوِيِّ) كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْعَدَوِيُّ قَالَ الْقَاضِي هَذَا تَصْحِيفٌ فَلَيْسَ هُوَ بِعَدَوِيٍّ إِنَّمَا هُوَ عَامِرِيٌّ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَيُصَحَّفُ بِالْعَدَوِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب الاستخلاف وتركه [1823] قوله (راغب وراهب) أي راج وَخَائِفٌ وَمَعْنَاهُ النَّاسُ صِنْفَانِ أَحَدُهُمَا يَرْجُو وَالثَّانِي يَخَافُ أَيْ رَاغِبٌ فِي حُصُولِ شَيْءٍ مِمَّا عندي أو راهب مني وقيل أَرَادَ أَنِّي رَاغِبٌ فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَاهِبٌ مِنْ عَذَابِهِ فَلَا أُعَوِّلُ عَلَى مَا أَتَيْتُمْ بِهِ عَلَيَّ وَقِيلَ الْمُرَادُ الْخِلَافَةُ أَيِ النَّاسُ فِيهَا ضِرْبَانِ رَاغِبٌ فِيهَا فَلَا أُحِبُّ)

تَقْدِيمَهُ لِرَغْبَتِهِ وَكَارِهٌ لَهَا فَأَخْشَى عَجْزَهُ عَنْهَا قَوْلُهُ (إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي إِلَى آخِرِهِ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أجمعوا علىأن الْخَلِيفَةَ إِذَا حَضَرَتْهُ مُقَدِّمَاتُ الْمَوْتِ وَقَبْلَ ذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ وَيَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ فَإِنْ تَرَكَهُ فَقَدِ اقْتَدَى بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا وَإِلَّا فَقَدِ اقْتَدَى بِأَبِي بَكْرٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى انْعِقَادِ الْخِلَافَةِ بِالِاسْتِخْلَافِ وَعَلَى انْعِقَادِهَا بِعَقْدِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ لِإِنْسَانٍ إِذَا لَمْ يَسْتَخْلِفِ الْخَلِيفَةُ وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ جَعْلِ الْخَلِيفَةِ الْأَمْرَ شُورَى بَيْنَ جَمَاعَةٍ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بِالسِّتَّةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ نَصْبُ خَلِيفَةٍ وَوُجُوبُهُ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنِ الْأَصَمِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجِبُ وَعَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَجِبُ بِالْعَقْلِ لَا بِالشَّرْعِ فَبَاطِلَانِ أَمَّا الْأَصَمُّ فَمَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي بَقَاءِ الصَّحَابَةِ بِلَا خَلِيفَةٍ فِي مُدَّةِ التَّشَاوُرِ يَوْمَ السَّقِيفَةِ وَأَيَّامَ الشُّورَى بَعْدَ وَفَاةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا تَارِكِينَ لِنَصْبِ الْخَلِيفَةِ بَلْ كَانُوا سَاعِينَ فِي النَّظَرِ فِي أَمْرِ مَنْ يُعْقَدُ لَهُ وَأَمَّا الْقَائِلُ الْآخَرُ فَفَسَادُ قَوْلِهِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَلَا يُحَسِّنُهُ وَلَا يُقَبِّحُهُ وَإِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْعَادَةِ لَا بِذَاتِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى خَلِيفَةٍ

وَهُوَ إِجْمَاعُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الْقَاضِي وخالف في ذلك بكر بن أُخْتِ عَبْدِ الْوَاحِدِ فَزَعَمَ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى أبي بكر وقال بن رَاوَنْدِيِّ نَصَّ عَلَى الْعَبَّاسِ وَقَالَتِ الشِّيعَةُ وَالرَّافِضَةُ عَلَى عَلِيٍّ وَهَذِهِ دَعَاوَى بَاطِلَةٌ وَجَسَارَةٌ عَلَى الِافْتِرَاءِ وَوَقَاحَةٌ فِي مُكَابَرَةِ الْحِسِّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى اخْتِيَارِ أَبِي بَكْرٍ وَعَلَى تَنْفِيذِ عَهْدِهِ إِلَى عُمَرَ وَعَلَى تَنْفِيذِ عَهْدِ عُمَرَ بِالشُّورَى وَلَمْ يُخَالِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا أَحَدٌ وَلَمْ يَدَّعِ عَلِيٌّ وَلَا الْعَبَّاسُ وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَصِيَّةً فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَقَدِ اتَّفَقَ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ عَلَى جَمِيعِ هَذَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ ذِكْرِ وَصِيَّةٍ لَوْ كَانَتْ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ وَصِيَّةٌ فَقَدْ نَسَبَ الْأُمَّةَ إِلَى اجْتِمَاعِهَا عَلَى الْخَطَأِ وَاسْتِمْرَارِهَا عَلَيْهِ وَكَيْفَ يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ أَنْ يَنْسِبَ الصَّحَابَةَ إِلَى الْمُوَاطَأَةِ عَلَى الْبَاطِلِ فِي كُلِّ هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ لَنُقِلَ فَإِنَّهُ مِنَ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ قَوْلُهُ (آلَيْتُ أَنْ أَقُولَهَا) أَيْ حَلَفْتُ

(باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها قوله [1652] صلى

(بَاب النَّهْيِ عَنْ طَلَبِ الْإِمَارَةِ وَالْحِرْصِ عَلَيْهَا قَوْلُهُ [1652] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَسَألِ الْإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ أُكِلْتَ عَلَيْهَا) هَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ أَوْ أَكْثَرِهَا أُكِلْتَ بِالْهَمْزِ وَفِي بَعْضِهَا وُكِلْتَ قَالَ الْقَاضِي هُوَ فِي أَكْثَرِهَا بِالْهَمْزِ قَالَ والصواب بالواو أي أسلمت إليها ولم يَكُنْ مَعَكَ إِعَانَةٌ بِخِلَافِ مَا إِذَا حَصَلَتْ بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ قَوْلُهُ [1733] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّا وَاللَّهِ لَا نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ) يُقَالُ حَرَصَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا أَكْثَرُ الناس ولو حرصت بمؤمنين قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّهُ لَا يُوَلَّى مَنْ سَأَلَ الْوِلَايَةَ أَنَّهُ يُوكَلُ إِلَيْهَا وَلَا)

تَكُونُ مَعَهُ إِعَانَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ السَّابِقِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَعَهُ إِعَانَةٌ لَمْ يَكُنْ كُفْئًا وَلَا يُوَلَّى غَيْرُ الْكُفْءِ وَلِأَنَّ فِيهِ تُهْمَةً لِلطَّالِبِ وَالْحَرِيصِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَأَلْقَى لَهُ وِسَادَةً) فِيهِ إِكْرَامُ الضَّيْفِ بِهَذَا وَنَحْوِهِ قَوْلُهُ فِي الْيَهُودِيِّ الَّذِي أَسْلَمَ (ثُمَّ ارْتَدَّ فَقَالَ لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ) فِيهِ وُجُوبُ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي اسْتِتَابَتِهِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ أَمْ مُسْتَحَبَّةٌ وَفِي قَدْرِهَا وَفِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ وَفِي أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجَمَاهِيرُ من السلف والخلف يستتاب ونقل بن الْقَصَّارِ الْمَالِكِيُّ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ وَقَالَ طَاوُسٌ وَالْحَسَنُ وَالْمَاجِشُونُ الْمَالِكِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ لَا يُسْتَتَابُ وَلَوْ تَابَ نَفَعَتْهُ تَوْبَتُهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَسْقُطُ قَتْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ وقال عطاء إن كان ولد مسلما لم يستتب وإن كان ولد كافرا فأسلم ثم ارتد يستتاب واختلفوا في أن الِاسْتِتَابَةُ وَاجِبَةٌ أَمْ مُسْتَحَبَّةٌ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَأَنَّهَا فِي الْحَالِ وَلَهُ قَوْلٌ إِنَّهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَعَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا أَنَّهُ يُسْتَتَابُ شَهْرًا قَالَ الْجُمْهُورُ

(باب كراهة الإمارة بغير ضرورة قوله [1825] (حدثني الليث بن

وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي أَنَّهَا تُقْتَلُ إِذَا لَمْ تَتُبْ وَلَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهَا هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْجَمَاهِيرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ تُسْجَنُ الْمَرْأَةُ وَلَا تُقْتَلُ وَعَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ أَنَّهَا تُسْتَرَقُّ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وفيه أن لِأُمَرَاءِ الْأَمْصَارِ إِقَامَةُ الْحُدُودِ فِي الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ لَا يُقِيمُهُ إِلَّا فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَلَا يُقِيمُهُ عَامِلُ السَّوَادِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَضَاءِ إِذَا كَانَتْ وِلَايَتُهُمْ مُطْلَقَةً لَيْسَتْ مختبصة بِنَوْعٍ مِنَ الْأَحْكَامِ فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ تُقِيمُ الْقُضَاةُ الْحُدُودَ وَيَنْظُرُونَ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ إِلَّا مَا يَخْتَصُّ بِضَبْطِ الْبَيْضَةِ مِنْ إِعْدَادِ الْجُيُوشِ وَجِبَايَةِ الْخَرَاجِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا وِلَايَةَ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ قَوْلُهُ (أَمَّا أَنَا فَأَنَامُ وَأَقُومُ وَأَرْجُو فِي نَوْمَتِي مَا أَرْجُو فِي قَوْمَتِي) مَعْنَاهُ أَنِّي أَنَامُ بِنِيَّةِ الْقُوَّةِ وَإِجْمَاعِ النفس للعبادة وتنشيطها لِلطَّاعَةِ فَأَرْجُو فِي ذَلِكَ الْأَجْرَ كَمَا أَرْجُو فِي قَوْمَتِي أَيْ صَلَوَاتِي (بَاب كَرَاهَةِ الْإِمَارَةِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ قَوْلُهُ [1825] (حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ بَكْرِ بن عمرو عن الحارث بن يزيد الحضرمي عن بن حُجَيْرَةَ الْأَكْبَرِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ) هَكَذَا وَقَعَ هَذَا الْإِسْنَادُ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ بَكْرٍ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ نُسْخَةِ الْجُلُودِيِّ الَّتِي هِيَ طَرِيقُ بلادنا قال ووقع عند بن مَاهَانَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ وَبَكْرٌ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ قَالَهُ عَبْدُ الغني قلت)

وَلَمْ يَذْكُرْ خَلَفٌ الْوَاسِطِيُّ فِي الْأَطْرَافِ غَيْرَهُ واسم بن حُجَيْرَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَهُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مَفْتُوحَةٍ وَاسْمُ أَبِي حَبِيبٍ سُوَيْدٌ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمْ يَزِيدُ وَالثَّلَاثَةُ بَعْدَهُ قَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ الَّذِي بَعْدَهُ [1826] (حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حرب وإسحاق بن إبراهيم كلاهما عن المقرئ قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْقُرَشِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي سَالِمٍ الْجَيْشَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِهِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أبي جعفر في هذا الاسناد فرواه سعيد بن أبي أيوب عنه كما سبق ورواه بن لهيعة عنه عن مسلم بن أبي مريم عَنْ أَبِي سَالِمٍ الْجَيْشَانِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَلَمْ يَحْكُمِ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ بِشَيْءٍ فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ إِسْنَادًا وَمَتْنًا وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ أَحْفَظُ من بن لَهِيعَةَ وَأَمَّا الْمُقْرِئُ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمَذْكُورُ عَقِبَهُ وَاسْمُ أَبِي أَيُّوبَ وَالِدِ سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ مِقْلَاصٌ الْخُزَاعِيُّ الْمِصْرِيُّ وَاسْمُ أَبِي سَالِمٍ الْجَيْشَانِيِّ سُفْيَانُ بْنُ هَانِئٍ مَنْسُوبٌ إِلَى جَيْشَانَ بِفَتْحِ الْجِيمِ قَبِيلَةٌ مِنَ الْيَمَنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَا أَبَا ذَرٍّ إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي اجْتِنَابِ الْوِلَايَاتِ لَا سِيَّمَا لِمَنْ كَانَ فِيهِ ضَعْفٌ عَنِ الْقِيَامِ بِوَظَائِفِ تِلْكَ الْوِلَايَةِ وَأَمَّا الْخِزْيُ والندامة فهو في حَقُّ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهَا أَوْ كَانَ أَهْلًا وَلَمْ يَعْدِلْ فِيهَا فَيُخْزِيهِ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَفْضَحُهُ وَيَنْدَمُ عَلَى مَا فَرَّطَ وَأَمَّا مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ وَعَدَلَ فِيهَا فَلَهُ فَضْلٌ عَظِيمٌ تَظَاهَرَتْ بِهِ

(باب فضيلة الأمير العادل وعقوبة الجائر والحث على

الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ كَحَدِيثِ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ وَالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ هُنَا عَقِبَ هَذَا أَنَّ الْمُقْسِطِينَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ مُنْعَقِدٌ عَلَيْهِ وَمَعَ هَذَا فَلِكَثْرَةِ الْخَطَرِ فِيهَا حَذَّرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا وَكَذَا حَذَّرَ الْعُلَمَاءُ وَامْتَنَعَ مِنْهَا خَلَائِقُ مِنَ السَّلَفِ وَصَبَرُوا عَلَى الْأَذَى حِينَ امْتَنَعُوا (بَاب فَضِيلَةِ الأمير الْعَادِلِ وَعُقُوبَةِ الْجَائِرِ وَالْحَثِّ عَلَى الرِّفْقِ (بِالرَّعِيَّةِ وَالنَّهْيِ عَنْ إِدْخَالِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ) [1827] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا) أَمَّا قَوْلُهُ وَلُوا فَبِفَتْحِ الْوَاوِ وَضَمِّ اللَّامِ الْمُخَفَّفَةِ أَيْ كَانَتْ لَهُمْ عليه ولاية والمقسطون هم العادلون وقد فسره في آخر الحديث والأقساط والقسط بكسر القاف العدل يقال أقسط أقساطا فَهُوَ مُقْسِطٌ إِذَا عَدَلَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وأقسطوا إن الله يحب المقسطين وَيُقَالُ قَسَطَ يَقْسِطُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ السِّينِ قسوطا وَقَسْطًا بِفَتْحِ الْقَافِ فَهُوَ قَاسِطٌ وَهُمْ قَاسِطُونَ إِذَا جَارُوا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فكانوا لجهنم حطبا وَأَمَّا الْمَنَابِرُ فَجَمْعُ مِنْبَرٍ سُمِّيَ بِهِ لِارْتِفَاعِهِ قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا عَلَى مَنَابِرَ حقيقة عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنِ الْمَنَازِلِ الرَّفِيعَةِ قُلْتُ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَيَكُونُ متضمنا للمنازل الرفيعة فهم على منابر حقيقة وَمَنَازِلُهُمْ رَفِيعَةٌ أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ فَهُوَ مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ هَذَا الشَّرْحِ بَيَانُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ نُؤْمِنُ بِهَا وَلَا نَتَكَلَّمُ فِي تَأْوِيلِهِ وَلَا نَعْرِفُ مَعْنَاهُ لَكِنْ نَعْتَقِدُ أَنَّ ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادٍ وَأَنَّ لَهَا مَعْنًى يَلِيقُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ)

السلف وطوائف من المتكلمين والثاني أنها تؤول عَلَى مَا يَلِيقُ بِهَا وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَعَلَى هَذَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِمْ عَنِ الْيَمِينِ الْحَالَةُ الحسنة والمنزلة الرفيعة قال قال بن عَرَفَةَ يُقَالُ أَتَاهُ عَنْ يَمِينِهِ إِذَا جَاءَهُ مِنَ الْجِهَةِ الْمَحْمُودَةِ وَالْعَرَبُ تَنْسِبُ الْفِعْلَ الْمَحْمُودَ وَالْإِحْسَانَ إِلَى الْيَمِينِ وَضِدَّهُ إِلَى الْيَسَارِ قَالُوا واليمين مأخوذة مِنَ الْيُمْنِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ فَتَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْيَمِينِ جَارِحَةً تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا مُسْتَحِيلَةٌ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا فَمَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الْفَضْلَ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ عَدَلَ فِيمَا تَقَلَّدَهُ مِنْ خِلَافَةٍ أَوْ إِمَارَةٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ حِسْبَةٍ أَوْ نَظَرٍ عَلَى يَتِيمٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَقْفٍ وَفِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ حُقُوقِ أَهْلِهِ وَعِيَالِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ [1828] عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شَمَاسَةَ) هُوَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَضَمِّهَا وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ (مَا نَقَمْنَا مِنْهُ شَيْئًا) أَيْ مَا كَرِهْنَا وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا قَوْلُهَا (أَمَا إِنَّهُ لَا يَمْنَعُنِي الَّذِي فَعَلَ فِيَّ محمد بن أَبِي بَكْرٍ أَخِي أَنْ أُخْبِرَكَ) فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ فَضْلُ أَهْلِ الْفَضْلِ وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ لِسَبَبِ عَدَاوَةٍ وَنَحْوِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ قَتْلِ مُحَمَّدٍ هَذَا قِيلَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَقِيلَ بَلْ قُتِلَ أَسِيرًا بَعْدَهَا وَقِيلَ وُجِدَ بَعْدَهَا فِي خَرِبَةٍ فِي جَوْفِ حِمَارٍ مَيِّتٍ فَأَحْرَقُوهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرَ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ

هَذَا مِنْ أَبْلَغِ الزَّوَاجِرِ عَنِ الْمَشَقَّةِ عَلَى النَّاسِ وَأَعْظَمِ الْحَثِّ عَلَى الرِّفْقِ بِهِمْ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ بِهَذَا الْمَعْنَى [1829] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الرَّاعِي هُوَ الْحَافِظُ الْمُؤْتَمَنُ الْمُلْتَزِمُ صَلَاحَ مَا قَامَ عَلَيْهِ وَمَا هُوَ تَحْتَ نَظَرِهِ فَفِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ تَحْتَ نَظَرِهِ شَيْءٌ فَهُوَ مُطَالَبٌ بِالْعَدْلِ فِيهِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَمُتَعَلِّقَاتِهِ قوله

((ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش

[142] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) هَذَا الْحَدِيثُ وَالَّذِي بَعْدَهُ سَبَقَ شَرْحُهُمَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِلًّا لِغِشِّهِمْ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ الْجَنَّةُ وَيَخْلُدُ فِي النَّارِ وَالثَّانِي)

أَنَّهُ لَا يَسْتَحِلُّهُ فَيَمْتَنِعُ مِنْ دُخُولِهَا أَوَّلَ وَهْلَةٍ مَعَ الْفَائِزِينَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ أَيْ وَقْتَ دُخُولِهِمْ بَلْ يُؤَخَّرُ عَنْهُمْ عُقُوبَةً لَهُ إِمَّا فِي النَّارِ وَإِمَّا فِي الْحِسَابِ وَإِمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وُجُوبُ النَّصِيحَةِ عَلَى الْوَالِي لِرَعِيَّتِهِ وَالِاجْتِهَادِ فِي مَصَالِحِهِمْ وَالنَّصِيحَةِ لَهُمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ قَبْلَ حَالَةِ الْمَوْتِ نَافِعَةٌ قَوْلُهُ (لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ بِيَ حَيَاةً مَا حَدَّثْتُكَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَوْلَا أَنِّي فِي الْمَوْتِ لَمْ أُحَدِّثْكَ بِهِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَخَافُهُ عَلَى نَفْسِهِ

(باب غلظ تحريم الغلول [1831] قوله (ذكر رسول الله صلى الله

قَبْلَ هَذَا الْحَالِ وَرَأَى وُجُوبَ تَبْلِيغِ الْعِلْمِ الَّذِي عِنْدَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِئَلَّا يَكُونَ مُضَيِّعًا لَهُ وَقَدْ أُمِرْنَا كُلُّنَا بِالتَّبْلِيغِ [1830] قَوْلُهُ (إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ نُخَالَتِهِمْ) يَعْنِي لَسْتَ مِنْ فُضَلَائِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ وَأَهْلِ الْمَرَاتِبِ مِنْهُمْ بَلْ مِنْ سَقْطِهِمْ وَالنُّخَالَةُ هُنَا اسْتِعَارَةٌ مِنْ نُخَالَةِ الدَّقِيقِ وَهِيَ قُشُورُهُ وَالنُّخَالَةُ وَالْحُقَالَةُ وَالْحُثَالَةُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ قَوْلُهُ (وَهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَةٌ إِنَّمَا كَانَتِ النُّخَالَةُ بَعْدَهُمْ وَفِي غَيْرِهِمْ) هَذَا مِنْ جَزْلِ الْكَلَامِ وَفَصِيحِهِ وَصِدْقِهِ الَّذِي يَنْقَادُ لَهُ كُلُّ مُسْلِمٍ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كُلُّهُمْ هُمْ صَفْوَةُ النَّاسِ وِسَادَاتُ الْأُمَّةِ وَأَفْضَلُ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ وَكُلُّهُمْ عُدُولٌ قُدْوَةٌ لَا نُخَالَةَ فِيهِمْ وَإِنَّمَا جَاءَ التَّخْلِيطُ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ وَفِيمَنْ بَعْدَهُمْ كَانَتِ النُّخَالَةُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ) قَالُوا هُوَ الْعَنِيفُ فِي رعيته لايرفق بِهَا فِي سَوْقِهَا وَمَرْعَاهَا بَلْ يَحْطِمُهَا فِي ذَلِكَ وَفِي سَقْيِهَا وَغَيْرِهِ وَيَزْحَمُ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ بِحَيْثُ يُؤْذِيهَا وَيَحْطِمُهَا (بَاب غِلَظِ تَحْرِيمِ الْغُلُولِ [1831] قَوْلُهُ (ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِغِلَظِ تَحْرِيمِ الْغُلُولِ وَأَصْلُ الْغُلُولِ الْخِيَانَةُ مُطْلَقًا ثُمَّ غَلَبَ اخْتِصَاصُهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ بِالْخِيَانَةِ فِي الْغَنِيمَةِ قَالَ نَفْطَوَيْهِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَيْدِي مغلولة عنه أي محبوسة يقال غل غلولاوأغل إِغْلَالًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ أُلْفِيَنَّ بِضَمِّ الهمزة وبالفاء المكسورة أىلاأجدن أَحَدَكُمْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَمَعْنَاهُ لَا تَعْمَلُوا عَمَلًا أَجِدُكُمْ بِسَبَبِهِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ قَالَ الْقَاضِي وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعُذْرِيِّ لَا أَلْقَيَنَّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْقَافِ وَلَهُ وَجْهٌ كَنَحْوِ مَا سبق لكن المشهور الأول والرغاء بِالْمَدِّ صَوْتُ الْبَعِيرِ وَكَذَا الْمَذْكُورَاتُ بَعْدَ وَصْفِ)

كُلِّ شَيْءٍ بِصَوْتِهِ وَالصَّامِتُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ مِنَ الْمَغْفِرَةِ وَالشَّفَاعَةِ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَيَكُونُ ذَلِكَ أَوَّلًا غَضَبًا عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ ثُمَّ يَشْفَعُ فِي جَمِيعِ الْمُوَحِّدِينَ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي شَفَاعَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ الْعُرُوضِ وَالْخَيْلِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي الْغُلُولِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ غَصْبًا فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالزَّكَاةِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَغْلِيظِ تَحْرِيمِ الْغُلُولِ وَأَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ رَدَّ مَا غَلَّهُ فَإِنْ تَفَرَّقَ الْجَيْشُ وَتَعَذَّرَ إِيصَالُ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ إِلَيْهِ فَفِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ إِلَى الْإِمَامِ أَوِ الْحَاكِمِ كَسَائِرِ الأموال الضائعة وقال بن مسعود وبن عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةُ وَالْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ يَدْفَعُ خُمُسَهُ إِلَى الْإِمَامِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ عُقُوبَةِ الْغَالِّ فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ يُعَزَّرُ عَلَى

(باب تحريم هدايا العمال [1832] قوله (استعمل النبي صلى الله

حَسَبِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ وَلَا يُحَرَّقُ مَتَاعُهُ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ لَا يُحْصَى مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ مَكْحُولٌ وَالْحَسَنُ وَالْأَوْزَاعِيُّ يُحَرَّقُ رَحْلُهُ وَمَتَاعُهُ كُلُّهُ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِلَّا سِلَاحَهُ وَثِيَابَهُ الَّتِي عَلَيْهِ وَقَالَ الْحَسَنُ إِلَّا الْحَيَوَانَ وَالْمُصْحَفَ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي تَحْرِيقِ رَحْلِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَالِمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَلَوْ صَحَّ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ إِذَا كَانَتِ الْعُقُوبَةُ بِالْأَمْوَالِ كَأَخْذِ شَطْرِ الْمَالِ مِنْ مَانِعِ الزَّكَاةِ وَضَالَّةِ الْإِبِلِ وَسَارِقِ التَّمْرِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب تَحْرِيمِ هَدَايَا الْعُمَّالِ [1832] قَوْلُهُ (اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا من الأسد يقال له بن اللُّتْبِيَّةِ) أَمَّا الْأَسْدُ فَبِإِسْكَانِ)

السِّينِ وَيُقَالُ لَهُ الْأَزْدِيُّ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ وَيُقَالُ لَهُمْ الْأَزْدُ وَالْأَسْدُ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ في الرواية الثانية وأما اللُّتْبِيَّةُ فَبِضَمِّ اللَّامِ وَإِسْكَانِ التَّاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ فَتَحَهَا قَالُوا وَهُوَ خَطَأٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِفَتْحِهَا وَكَذَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ هَذَا قَالُوا وَهُوَ خَطَأٌ أَيْضًا وَالصَّوَابُ اللُّتْبِيَّةُ بِإِسْكَانِهَا نِسْبَةً إِلَى بني لتب قبيلة معروفة وإسم بن اللُّتْبِيَّةِ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ هَدَايَا الْعُمَّالِ حَرَامٌ وَغُلُولٌ لِأَنَّهُ خَانَ فِي وِلَايَتِهِ وَأَمَانَتِهِ وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ فِي عُقُوبَتِهِ وَحَمْلِهِ مَا أُهْدِيَ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا ذَكَرَ مِثْلَهُ فِي الْغَالِّ وَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ السَّبَبَ فِي تَحْرِيمِ الْهَدِيَّةِ عَلَيْهِ وَأَنَّهَا بِسَبَبِ الْوِلَايَةِ بِخِلَافِ الْهَدِيَّةِ لِغَيْرِ الْعَامِلِ فَإِنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حُكْمِ مَا يقبضه العالم وَنَحْوِهِ بِاسْمِ الْهَدِيَّةِ وَأَنَّهُ يَرُدُّهُ إِلَى مُهْدِيهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَإِلَى بَيْتِ الْمَالِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوْ شَاةٍ تَيْعِرُ) هُوَ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقُ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ وَمَفْتُوحَةٍ وَمَعْنَاهُ تَصِيحُ وَالْيُعَارُ صَوْتُ الشَّاةِ قَوْلُهُ (ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبِطَيْهِ) هِيَ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِهَا وَالْفَاءُ سَاكِنَةٌ فِيهِمَا وَمِمَّنْ ذَكَرَ اللُّغَتَيْنِ فِي الْعَيْنِ الْقَاضِي هُنَا وَفِي الْمَشَارِقِ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَالْأَشْهَرُ الضَّمُّ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَآخَرُونَ عُفْرَةُ الْإِبِطِ هِيَ الْبَيَاضُ لَيْسَ بِالنَّاصِعِ

بَلْ فِيهِ شَيْءٌ كَلَوْنِ الْأَرْضِ قَالُوا وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ عَفَرِ الْأَرْضِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْفَاءِ وَهُوَ وَجْهُهَا قَوْلُهُ (فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ) فِيهِ مُحَاسَبَةُ الْعُمَّالِ لِيُعْلَمَ مَا قَبَضُوهُ وَمَا صَرَفُوا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا) هَكَذَا هُوَ ببعض النسخ فلا عرفن وَفِي بَعْضِهَا لَا أَعْرِفَنَّ بِالْأَلِفِ عَلَى النَّفْيِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا أَشْهَرُ قَالَ وَالْأَوَّلُ هُوَ رِوَايَةُ أَكْثَرِ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ (بَصَرَ عَيْنِي وَسَمْعَ أُذُنِي) مَعْنَاهُ أَعْلَمُ هَذَا الْكَلَامَ يَقِينًا وَأَبْصَرَتْ عَيْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حين

تَكَلَّمَ بِهِ وَسَمِعَتْهُ أُذُنِي فَلَا شَكَّ فِي عِلْمِي بِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاللَّهِ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) فِيهِ تَوْكِيدُ الْيَمِينِ بِذِكْرِ اسْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ (وَسَلُوا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ كَانَ حَاضِرًا مَعِي) فِيهِ اسْتِشْهَادُ الرَّاوِي وَالْقَائِلِ بِقَوْلِ مَنْ يُوَافِقُهُ لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي نَفْسِ السامع وأبلغ في طمأنينته قوله (وحدثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى الصَّدَقَةِ إِلَى قَوْلِهِ قَالَ عُرْوَةُ فَقُلْتُ لِأَبِي حُمَيْدٍ أَسَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مِنْ فِيهِ إِلَى أُذُنِي) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا حُمَيْدٍ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي هُنَا عَنْ رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ وَوَقَعَ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ النُّسَخِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ وَهَذَا وَاضِحٌ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مُتَّصِلٌ أَيْضًا لِقَوْلِهِ قَالَ عُرْوَةُ فَقُلْتُ لِأَبِي حُمَيْدٍ أَسَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مِنْ فِيهِ إِلَى أُذُنِي فَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ عُرْوَةَ بِأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي حُمَيْدٍ فَاتَّصَلَ الْحَدِيثُ وَمَعَ هَذَا فَهُوَ مُتَّصِلٌ بِالطُّرُقِ الْكَثِيرَةِ السَّابِقَةِ قَوْلُهُ (فَجَاءَ بِسَوَادٍ كَثِيرٍ) أَيْ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ وَأَشْخَاصٍ بَارِزَةٍ مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ وَالسَّوَادُ يَقَعُ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ

(باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية (وتحريمها في

[1833] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَتَمَنَا مِخْيَطًا) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ وَهُوَ الْإِبْرَةُ قَوْلُهُ (عَدِيُّ بْنُ عَمِيرَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ قَالَ الْقَاضِي وَلَا يُعْرَفُ مِنَ الرِّجَالِ أَحَدٌ يُقَالُ لَهُ عُمَيْرَةُ بِالضَّمِّ بَلْ كُلُّهُمْ بِالْفَتْحِ وَوَقَعَ فِي النَّسَائِيِّ الْأَمْرَانِ (بَاب وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ (وَتَحْرِيمِهَا فِي الْمَعْصِيَةِ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِهَا فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَعَلَى تَحْرِيمِهَا فِي الْمَعْصِيَةِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا القاضي)

عِيَاضٌ وَآخَرُونَ [1834] قَوْلُهُ (نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى أَطِيعُوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم في عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِأُولِي الْأَمْرِ مَنْ أَوْجَبَ اللَّهُ طَاعَتَهُ مِنَ الْوُلَاةِ وَالْأُمَرَاءِ هَذَا قَوْلُ جَمَاهِيرِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ هُمُ الْعُلَمَاءُ وَقِيلَ الْأُمَرَاءُ وَالْعُلَمَاءُ وَأَمَّا مَنْ قَالَ الصَّحَابَةُ خَاصَّةً فَقَطْ فَقَدْ أَخْطَأَ [1835] قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أميري فقد

أَطَاعَنِي) وَقَالَ فِي الْمَعْصِيَةِ مِثْلَهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِطَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَاعَةِ الْأَمِيرِ فَتَلَازَمَتِ الطَّاعَةُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1836] (عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ تَجِبُ طَاعَةُ وُلَاةِ الْأُمُورِ فِيمَا يَشُقُّ وَتَكْرَهُهُ النُّفُوسُ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ فَإِنْ كَانَتْ لِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الْبَاقِيَةِ فَتُحْمَلُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُطْلِقَةُ لِوُجُوبِ طَاعَةِ وُلَاةِ

الْأُمُورِ عَلَى مُوَافَقَةِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّهُ لا سمع ولا طاعة في المعصية والأثرة بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالثَّاءِ وَيُقَالُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الثَّاءِ وَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الثَّاءِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهُنَّ فِي الْمَشَارِقِ وَغَيْرِهِ وَهِيَ الِاسْتِئْثَارُ وَالِاخْتِصَاصُ بِأُمُورِ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ أَيْ اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنِ اخْتَصَّ الْأُمَرَاءُ بِالدُّنْيَا وَلَمْ يُوصِلُوكُمْ حَقَّكُمْ مِمَّا عِنْدَهُمْ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِي الْحَثِّ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَسَبَبُهَا اجْتِمَاعُ كَلِمَةِ المسلمين فإن الخلاف سبب لفساد أجوالهم فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ قَوْلُهُ [1837] (إِنَّ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَانِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ) يَعْنِي مَقْطُوعَهَا وَالْمُرَادُ أَخَسُّ الْعَبِيدِ أَيْ أَسْمَعُ وَأُطِيعُ لِلْأَمِيرِ وَإِنْ كَانَ دَنِيءَ النَّسَبِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ مَقْطُوعَ الْأَطْرَافِ فَطَاعَتُهُ وَاجِبَةٌ وَتُتَصَوَّرُ إِمَارَةُ الْعَبْدِ إِذَا وَلَّاهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ أَوْ إِذَا تَغَلَّبَ عَلَى الْبِلَادِ بِشَوْكَتِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَلَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ عَقْدِ الْوِلَايَةِ لَهُ مَعَ الِاخْتِيَارِ بل شرطها

الْحُرِّيَّةُ قَوْلُهُ [1840] (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ جَيْشًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا فَأَوْقَدَ نَارًا وَقَالَ

ادْخُلُوهَا إِلَى قَوْلِهِ لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) هَذَا مُوَافِقٌ لِلْأَحَادِيثِ الْبَاقِيَةِ أَنَّهُ لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ إِنَّمَا هِيَ فِي الْمَعْرُوفِ وَهَذَا الَّذِي فَعَلَهُ هَذَا الْأَمِيرُ قِيلَ أَرَادَ امْتِحَانَهُمْ وَقِيلَ كَانَ مَازِحًا قِيلَ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا إِنَّهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ دَخَلْتُمُوهَا لَمْ تَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) هَذَا مِمَّا عَلِمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَحْيِ وَهَذَا التَّقْيِيدُ بِيَوْمِ القيامة مبين

لِلرِّوَايَةِ الْمُطْلَقَةِ بِأَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا لَوْ دَخَلُوهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ) هَكَذَا هُوَ لِمُعْظَمِ الرُّوَاةِ وَفِي مُعْظَمِ النُّسَخِ بَوَاحًا بِالْوَاوِ وَفِي بَعْضِهَا

بَرَاحًا وَالْبَاءُ مَفْتُوحَةٌ فِيهِمَا وَمَعْنَاهُمَا كُفْرًا ظَاهِرًا وَالْمُرَادُ بِالْكُفْرِ هُنَا الْمَعَاصِي وَمَعْنَى عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ أَيْ تَعْلَمُونَهُ مِنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تُنَازِعُوا وُلَاةَ الْأُمُورَ فِي وِلَايَتِهِمْ وَلَا تَعْتَرِضُوا عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ تَرَوْا مِنْهُمْ مُنْكَرًا مُحَقَّقًا تَعْلَمُونَهُ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَنْكِرُوهُ عَلَيْهِمْ وَقُولُوا بِالْحَقِّ حَيْثُ مَا كُنْتُمْ وَأَمَّا الْخُرُوجُ عَلَيْهِمْ وَقِتَالُهُمْ فَحَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانُوا فَسَقَةً ظَالِمِينَ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ بِمَعْنَى مَا ذَكَرْتُهُ وَأَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ السُّلْطَانُ بِالْفِسْقِ وَأَمَّا الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَنْعَزِلُ وَحُكِيَ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ أَيْضًا فَغَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَسَبَبُ عَدَمِ انْعِزَالِهِ وَتَحْرِيمِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْفِتَنِ وَإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَفَسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ فَتَكُونُ الْمَفْسَدَةُ فِي عَزْلِهِ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي بَقَائِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَةَ لَا تَنْعَقِدُ لِكَافِرٍ وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ انْعَزَلَ قَالَ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ إِقَامَةَ الصَّلَوَاتِ وَالدُّعَاءَ إِلَيْهَا قَالَ وَكَذَلِكَ عِنْدَ جُمْهُورِهِمُ الْبِدْعَةُ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ تَنْعَقِدُ لَهُ وَتُسْتَدَامُ لَهُ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ قَالَ الْقَاضِي فَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ كُفْرٌ وَتَغْيِيرٌ لِلشَّرْعِ أَوْ بِدْعَةٌ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْوِلَايَةِ وَسَقَطَتْ طَاعَتُهُ وَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ عَلَيْهِ وَخَلْعُهُ وَنَصْبُ إِمَامٍ عَادِلٍ إِنْ أَمْكَنَهُمْ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ إِلَّا لِطَائِفَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِمُ الْقِيَامُ بِخَلْعِ الْكَافِرِ وَلَا يَجِبُ فِي الْمُبْتَدِعِ إِلَّا إِذَا ظَنُّوا الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ فَإِنْ تَحَقَّقُوا الْعَجْزَ لَمْ يَجِبِ الْقِيَامُ وَلْيُهَاجِرِ الْمُسْلِمُ عَنْ أَرْضِهِ إِلَى غَيْرِهَا وَيَفِرَّ بِدِينِهِ قَالَ وَلَا تَنْعَقِدُ لِفَاسِقٍ ابْتِدَاءً فَلَوْ طَرَأَ عَلَى الْخَلِيفَةِ فِسْقٌ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ خَلْعُهُ إِلَّا أَنْ تَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ وَحَرْبٌ وَقَالَ جَمَاهِيرُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ لَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ وَالظُّلْمِ وَتَعْطِيلِ الْحُقُوقِ وَلَا يُخْلَعُ وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَلْ يَجِبُ وَعْظُهُ وَتَخْوِيفُهُ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي وَقَدِ ادَّعَى أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ فِي هَذَا الْإِجْمَاعَ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ هَذَا بِقِيَامِ الحسن وبن الزُّبَيْرِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَبِقِيَامِ جَمَاعَةٍ عَظِيمَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ عَلَى الحجاج مع بن الأشعث وتأول هذا القائل قوله أن لا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ فِي أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ قِيَامَهُمْ عَلَى الْحَجَّاجِ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْفِسْقِ بَلْ لِمَا غَيَّرَ مِنَ الشَّرْعِ وَظَاهَرَ مِنَ الْكُفْرِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ إِنَّ هَذَا الْخِلَافَ كَانَ أَوَّلًا ثُمَّ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1709] قَوْلُهُ (بَايَعْنَا عَلَى السَّمْعِ) الْمُرَادُ بِالْمُبَايَعَةِ الْمُعَاهَدَةُ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْبَيْعِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ كَانَ يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى صَاحِبِهِ وَكَذَا هَذِهِ البيعة

(باب الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به) هذا الحديث

تَكُونُ بِأَخْذِ الْكَفِّ وَقِيلَ سُمِّيَتْ مُبَايَعَةً لِمَا فِيهَا مِنَ الْمُعَاوَضَةِ لِمَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى من عَظِيمَ الْجَزَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجنة الْآيَةَ قَوْلُهُ (وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ مَعْنَاهُ نَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فِي كل زمان ومكان الكبار والصفار لَا نُدَاهِنُ فِيهِ أَحَدًا وَلَا نَخَافُهُ هُوَ وَلَا نَلْتَفِتُ إِلَى الْأَئِمَّةِ فَفِيهِ الْقِيَامُ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَإِنْ خَافَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ سَقَطَ الْإِنْكَارُ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ وَوَجَبَتْ كَرَاهَتُهُ بِقَلْبِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ وَحَكَى الْقَاضِي هُنَا في بَعْضِهِمْ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى الْإِنْكَارِ مُطْلَقًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَبَسَطْتُهُ بَسْطًا شافيا (باب الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ) هَذَا الْحَدِيثُ أَوَّلُ الْفَوَاتِ الثَّالِثِ الَّذِي لَمْ يَسْمَعْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ مُسْلِمٍ بَلْ رَوَاهُ عَنْهُ بِالْإِجَازَةِ وَلِهَذَا قَالَ عَنْ مُسْلِمٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْإِمَامُ جُنَّةٌ) أَيْ كَالسِّتْرِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْعَدُوَّ مِنْ أَذَى الْمُسْلِمِينَ وَيَمْنَعُ النَّاسَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَيَحْمِي بَيْضَةَ الْإِسْلَامِ وَيَتَّقِيهِ النَّاسُ وَيَخَافُونَ سَطْوَتَهُ وَمَعْنَى يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ أَيْ يُقَاتَلُ مَعَهُ الْكُفَّارُ وَالْبُغَاةُ وَالْخَوَارِجُ وَسَائِرُ أَهْلِ الْفَسَادِ وَالظُّلْمِ مُطْلَقًا وَالتَّاءُ فِي يُتَّقَى مُبْدَلَةٌ من الواو)

(باب وجوب الوفاء ببيعة الخليفة الأول فالأول قوله

(باب وجوب الوفاء ببيعة الخليفة الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ قَوْلُهُ [1842] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ) أَيْ يَتَوَلَّوْنَ أُمُورَهُمْ كَمَا تَفْعَلُ الْأُمَرَاءُ وَالْوُلَاةُ بِالرَّعِيَّةِ وَالسِّيَاسَةُ الْقِيَامُ عَلَى الشيء بما يصلحه وفي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ قَوْلِ هَلَكَ فُلَانٌ إِذَا مَاتَ وَقَدْ كَثُرَتِ الْأَحَادِيثُ بِهِ وَجَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ قَوْلُهُ تَعَالَى حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَتَكُونُ خُلَفَاءُ فتكثر قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ فُوابَيْعَةَ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ) قَوْلُهُ فَتَكْثُرُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ مِنَ الْكَثْرَةِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ قَالَ الْقَاضِي وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ فَتَكْبُرُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ كَأَنَّهُ مِنْ إِكْبَارِ قَبِيحِ أَفْعَالِهِمْ وَهَذَا تَصْحِيفٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَةٍ بَعْدَ خَلِيفَةٍ فَبَيْعَةُ الْأَوَّلِ صَحِيحَةٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا وَبَيْعَةُ الثَّانِي بَاطِلَةٌ يَحْرُمُ الْوَفَاءُ بِهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ طَلَبُهَا وَسَوَاءٌ عَقَدُوا لِلثَّانِي عَالِمِينَ بِعَقْدِ الأول جَاهِلِينَ وَسَوَاءٌ كَانَا فِي بَلَدَيْنِ أَوْ بَلَدٍ أَوْ أَحَدُهُمَا فِي بَلَدِ الْإِمَامِ الْمُنْفَصِلِ)

وَالْآخَرُ فِي غَيْرِهِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقِيلَ تَكُونُ لِمَنْ عُقِدَتْ لَهُ فِي بَلَدِ الْإِمَامِ وَقِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَهَذَانِ فَاسِدَانِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدَ لِخَلِيفَتَيْنِ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ سَوَاءٌ اتَّسَعَتْ دَارُ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ الْإِرْشَادِ قَالَ أصحابنا لا يجوز عقدها شخصين قَالَ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَقْدُهَا لِاثْنَيْنِ فِي صُقْعٍ وَاحِدٍ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ فَإِنْ بَعُدَ مَا بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ وَتَخَلَّلَتْ بَيْنَهُمَا شُسُوعٌ فَلِلِاحْتِمَالِ فِيهِ مَجَالٌ قَالَ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْقَوَاطِعِ وَحَكَى الْمَازِرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَصْلِ وَأَرَادَ بِهِ إِمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ وَلِظَوَاهِرِ إِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1843] (سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ قَالَ تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ) هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الْإِخْبَارُ مُتَكَرِّرًا وَوُجِدَ مُخْبَرُهُ مُتَكَرِّرًا وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي ظَالِمًا عَسُوفًا فَيُعْطَى حَقَّهُ مِنَ الطَّاعَةِ وَلَا يُخْرَجُ عَلَيْهِ وَلَا يُخْلَعُ بَلْ يُتَضَرَّعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كَشْفِ أَذَاهُ وَدَفْعِ شَرِّهِ وَإِصْلَاحِهِ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا ذِكْرُ اللُّغَاتِ الثَّلَاثِ فِي الْأَثَرَةِ وَتَفْسِيرِهَا وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا اسْتِئْثَارُ الْأُمَرَاءِ بِأَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ

[1844] (وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ) هُوَ مِنَ الْمُنَاضَلَةِ وَهِيَ الْمُرَامَاةُ بِالنُّشَّابِ قَوْلُهُ (وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالشِّينِ وَهِيَ الدَّوَابُّ الَّتِي تَرْعَى وَتَبِيتُ مَكَانَهَا قَوْلُهُ (الصَّلَاةَ جَامِعَةً) هُوَ بِنَصْبِ الصَّلَاةِ عَلَى الْإِغْرَاءِ وَجَامِعَةً عَلَى الْحَالِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا) هَذِهِ اللَّفْظَةُ رُوِيَتْ عَلَى أَوْجُهٍ أَحَدُهَا وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جُمْهُورِ الرُّوَاةِ يُرَقِّقُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِقَافَيْنِ أَيْ يَصِيرُ بَعْضُهَا رَقِيقًا أَيْ خَفِيفًا لِعِظَمِ مَا بَعْدَهُ فَالثَّانِي يَجْعَلُ الْأَوَّلَ رَقِيقًا وَقِيلَ مَعْنَاهُ يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَقِيلَ يَدُورُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ وَيَذْهَبُ وَيَجِيءُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ يَسُوقُ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ بِتَحْسِينِهَا وَتَسْوِيلِهَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي فَيَرْفُقُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبَعْدَهَا فَاءٌ مَضْمُومَةٌ وَالثَّالِثُ فَيَدْفِقُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ السَّاكِنَةِ وَبِالْفَاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ يَدْفَعُ وَيَصُبُّ وَالدَّفْقُ الصَّبُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلْيَأْتِ إلى الناس الذي يجب أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ) هَذَا مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَدِيعِ حِكَمِهِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُهِمَّةٌ فَيَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهَا وَأَنَّ الْإِنْسَانَ يلزم أن لا يَفْعَلَ مَعَ النَّاسِ إِلَّا مَا يُحِبُّ أَنْ يَفْعَلُوهُ مَعَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ) مَعْنَاهُ ادْفَعُوا الثَّانِيَ فَإِنَّهُ خَارِجٌ عَلَى الْإِمَامِ فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إِلَّا بِحَرْبٍ وَقِتَالٍ فَقَاتِلُوهُ فَإِنْ دَعَتِ الْمُقَاتَلَةُ إِلَى قَتْلِهِ جَازَ قَتْلُهُ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ مُتَعَدٍّ فِي قتاله قوله (فقلت له هذا بن عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ وَلَا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إِلَى آخِرِهِ) الْمَقْصُودُ بِهَذَا الْكَلَامِ أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ لَمَّا سَمِعَ كَلَامَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْروِ بْنِ الْعَاصِ وَذِكْرَ الْحَدِيثِ فِي تَحْرِيمِ مُنَازَعَةِ الْخَلِيفَةِ الْأَوَّلِ وَأَنَّ الثَّانِيَ يُقْتَلُ فَاعْتَقَدَ هَذَا الْقَائِلُ هَذَا الْوَصْفَ فِي مُعَاوِيَةَ لِمُنَازَعَتِهِ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَتْ قَدْ سَبَقَتْ بَيْعَةُ عَلِيٍّ فَرَأَى هَذَا أَنَّ نَفَقَةَ مُعَاوِيَةَ عَلَى أَجْنَادِهِ وَأَتْبَاعِهِ فِي حَرْبِ عَلِيٍّ وَمُنَازَعَتِهِ وَمُقَاتَلَتِهِ إِيَّاهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَمِنْ قَتْلِ النَّفْسِ لِأَنَّهُ قِتَالٌ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ مَالًا فِي مُقَاتَلَتِهِ قَوْلُهُ (أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ) هَذَا فِيهِ دَلِيلٌ لِوُجُوبِ طَاعَةِ الْمُتَوَلِّينَ لِلْإِمَامَةِ بِالْقَهْرِ مِنْ غَيْرِ إِجْمَاعٍ وَلَا عَهْدٍ قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ

(باب الأمر بالصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم [1845] [1846] تقدم

الْكَعْبَةِ الصَّائِدِيِّ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِالصَّادِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمِيعِ النُّسَخِ قال وَهُوَ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ الْعَائِذِيِّ بِالْعَيْنِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ قاله بن الحباب والنسابة هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تاريخه والسمعاني في الأنساب فقالا هُوَ الصَّائِدِيُّ وَلَمْ يَذْكُرَا غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدِ اجْتَمَعَ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَالسَّمْعَانِيُّ عَلَى الصَّائِدِيِّ قَالَ السَّمْعَانِيُّ هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى صَائِدٍ بَطْنٍ مِنْ هَمْدَانَ قَالَ وَصَائِدٌ اسْمُ كَعْبِ بْنِ شُرَحْبِيلَ بن شراحبيل بْنِ عَمْرِو بْنِ حُشَمِ بْنِ حَاسِدِ بْنِ حشَيمِ بْنِ حَوَانَ بْنِ نَوْفِ بْنِ هَمْدَانَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ سَهْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَحْبَارِ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ (بَاب الْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عِنْدَ ظُلْمِ الْوُلَاةِ وَاسْتِئْثَارِهِمْ [1845] [1846] تَقَدَّمَ شَرْحُ أَحَادِيثِهِ فِي الْأَبْوَابِ قَبْلَهُ وَحَاصِلُهُ الصَّبْرُ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَأَنَّهُ لَا تَسْقُطُ طَاعَتُهُمْ بِظُلْمِهِمْ والله أعلم)

(باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن (وفي

(باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن (وفي كل حال وتحريم الخروج من الطاعة ومفارقة الجماعة) قَوْلُهُ [1847] (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ نَعَمْ فَقُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَاكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ الدَّخَنُ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَصْلُهُ أَنْ تَكُونَ فِي لَوْنِ الدَّابَّةِ كُدُورَةٌ إلى سواد قالوا والمراد)

هنا أن لا تَصْفُوَ الْقُلُوبُ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ وَلَا يَزُولُ خُبْثُهَا وَلَا تَرْجِعُ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الصفا قَالَ الْقَاضِي قِيلَ الْمُرَادُ بِالْخَيْرِ بَعْدَ الشَّرِّ أَيَّامُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ الْمُرَادُ الْأَمْرُ بَعْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَيَهْتَدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي) الْهَدْيُ الْهَيْئَةُ وَالسِّيرَةُ وَالطَّرِيقَةُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمِ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَؤُلَاءِ مَنْ كَانَ مِنَ الْأُمَرَاءِ يَدْعُو إِلَى بِدْعَةٍ أَوْ ضَلَالٍ آخَرَ كَالْخَوَارِجِ والقزامطة وَأَصْحَابِ الْمِحْنَةِ وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ هَذَا لُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامِهِمْ وَوُجُوبُ طَاعَتِهِ وَإِنْ فَسَقَ وَعَمِلَ الْمَعَاصِيَ مِنْ أَخْذِ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَتَجِبُ طَاعَتُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَفِيهِ مُعْجِزَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ هَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا وَقَدْ وَقَعَتْ كُلُّهَا قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي سَلَّامٍ قَالَ قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا عِنْدِي مُرْسَلٌ لِأَنَّ أَبَا سَلَّامٍ لَمْ يَسْمَعْ حُذَيْفَةَ وَهُوَ كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَكِنَّ الْمَتْنَ صَحِيحٌ متصل بالطريق

الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا أَتَى مُسْلِمٌ بِهَذَا مُتَابِعَةً كَمَا تَرَى وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ إِذَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ مُتَّصِلًا تَبَيَّنَّا بِهِ صِحَّةَ الْمُرْسَلِ وَجَازَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَيَصِيرُ فِي الْمَسْأَلَةِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ [1848] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي قَيْسِ بْنِ رِيَاحٍ) هُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْمُثَنَّاةِ وَهُوَ زِيَادُ بْنُ رِيَاحٍ الْقَيْسِيُّ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ بَعْدَهُ وَقَالَهُ الْبُخَارِيُّ بِالْمُثَنَّاةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ وَقَالَهُ الْجَمَاهِيرُ بِالْمُثَنَّاةِ لَا غَيْرَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً) هِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ عَلَى صِفَةِ مَوْتِهِمْ مِنْ حَيْثُ هُمْ فَوْضَى لَا إِمَامَ لَهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ) هِيَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَالْمِيمُ مَكْسُورَةٌ مُشَدَّدَةٌ وَالْيَاءُ مُشَدَّدَةٌ أَيْضًا قَالُوا هِيَ الْأَمْرُ الْأَعْمَى لَا يَسْتَبِينُ وَجْهُهُ كَذَا قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْجُمْهُورُ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ هَذَا كَتَقَاتُلِ الْقَوْمِ لِلْعَصَبِيَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً) هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الثَّلَاثَةُ بِالْعَيْنِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا وَغَيْرِهَا وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْعُذْرِيِّ بِالْغَيْنِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ

فِي الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ وَمَعْنَاهَا أَنَّهُ يُقَاتِلُ لِشَهْوَةِ نَفْسِهِ وَغَضْبَةٍ لَهَا وَيُؤَيِّدُ الرِّوَايَةَ الْأُولَى الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهَا يَغْضَبُ لِلْعَصَبَةِ وَيُقَاتِلُ لِلْعَصَبَةِ وَمَعْنَاهُ إِنَّمَا يُقَاتِلُ عَصَبِيَّةً لِقَوْمِهِ وَهَوَاهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَتَحَاشَى بِالْيَاءِ وَمَعْنَاهُ لَا يَكْتَرِثُ بِمَا يَفْعَلُهُ فِيهَا وَلَا يَخَافُ وَبَالَهُ

وَعُقُوبَتَهُ [1851] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى يوم القيامة) لا حجة له) أي لاحجة لَهُ فِي فِعْلِهِ وَلَا عُذْرَ لَهُ يَنْفَعُهُ

(باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع [1852] قوله صلى

(بَاب حُكْمِ مَنْ فَرَّقَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مُجْتَمِعٌ [1852] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ) الْهَنَاتُ جَمْعُ هَنَةٍ وَتُطْلَقُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْفِتَنُ وَالْأُمُورُ الْحَادِثَةُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ) فِيهِ الْأَمْرُ بِقِتَالِ مَنْ خَرَجَ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ أَرَادَ تَفْرِيقَ كَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَيُنْهَى عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ قُوتِلَ وَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ شَرُّهُ إِلَّا بِقَتْلِهِ فَقُتِلَ)

(باب إذا بويع لخليفتين قوله صلى الله عليه وسلم [1853] (إذا

كَانَ هَدَرًا فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَاقْتُلُوهُ مَعْنَاهُ إِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ إِلَّا بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ) معناه يفرق جماعتكم كما تفرق العصاة االمشقوقة وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ اخْتِلَافِ الْكَلِمَةِ وَتَنَافُرِ النُّفُوسِ (بَاب إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1853] (إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخِرَ مِنْهُمَا) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ إِلَّا بِقَتْلِهِ وَقَدْ سَبَقَ إِيضَاحُ هَذَا فِي الْأَبْوَابِ السَّابِقَةِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عقدها لخليفتين وقد سبق قريبا نقل الْإِجْمَاعُ فِيهِ وَاحْتِمَالُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ) بَاب وُجُوبِ الْإِنْكَارِ عَلَى الْأُمَرَاءِ فِيمَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ (وَتَرْكِ قِتَالِهِمْ مَا صَلَّوْا وَنَحْوِ ذَلِكَ) قَوْلُهُ [1854] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ

سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ قَالُوا أَفَلَا نقاتلهم قال لا ماصلوا) هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ بِالْإِخْبَارِ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَوَقَعَ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ فَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ فَظَاهِرَةٌ وَمَعْنَاهُ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ الْمُنْكَرَ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ إِثْمِهِ وَعُقُوبَتِهِ وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِنْكَارَهُ بِيَدِهِ ولَا لِسَانِهِ فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ وَلْيَبْرَأْ وَأَمَّا مَنْ رَوَى فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ فَمَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَمَنْ عَرَفَ الْمُنْكَرَ وَلَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ فَقَدْ صَارَتْ لَهُ طَرِيقٌ إِلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ إِثْمِهِ وَعُقُوبَتِهِ بِأَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدَيْهِ أَوْ بِلِسَانِهِ فَإِنْ عَجَزَ فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ مَعْنَاهُ ولَكِنَّ الْإِثْمَ وَالْعُقُوبَةَ عَلَى مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ إِزَالَةِ الْمُنْكَرِ لَا يأثم بمجرد السكوت بل إنما يأثم بالرضى به أو بأن لا يَكْرَهَهُ بِقَلْبِهِ أَوْ بِالْمُتَابَعَةِ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ أفلا نقاتلهم قال لا ماصلوا فَفِيهِ مَعْنَى مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَى الْخُلَفَاءِ

(باب خيار الأئمة وشرارهم قوله [1855] (عن رزيق بن حيان

بمجرد الظلم أو الفسق مالم يغيروا شيئا من قواعد الإسلام (باب خيار الأئمة وشرارهم قوله [1855] (عن رزيق بْنِ حَيَّانَ اخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيمِ الرَّاءِ عَلَى الزاي وتأخيرها على وجهين) ذكره البخاري وبن أبي حاتم والدارقطني وعبد الغني بن سعيد المصري وبن مَاكُولَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْمُؤْتَلِفِ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي مُعْظَمِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ وَالدِّمَشْقِيُّ بِتَقْدِيمِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ مُسْلِمِ بْنِ قَرَظَةَ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالرَّاءِ وَبِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ شَرْحُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ)

وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ) مَعْنَى يُصَلُّونَ أَيْ يَدْعُونَ قَوْلُهُ (فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ فَجَثَا بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَفِي بَعْضِهَا فَجَذَا بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَأَمَّا بِالثَّاءِ فَيُقَالُ مِنْهُ جَثَا على ركبتيه يجثو وجثا يجثى جثوا وَجُثِيًّا فِيهِمَا وَأَجْثَاهُ غَيْرُهُ وَتَجَاثَوْا عَلَى الرُّكَبِ جثى وجثى بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَأَمَّا جَذَا فَهُوَ الْجُلُوسُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ نَاصِبَ الْقَدَمَيْنِ وَهُوَ الْجَاذِي وَالْجَمْعُ جَذَا مِثْلَ نَائِمٍ وَنِيَامٍ قَالَ الْجُمْهُورُ الْجَاذِي أَشَدُّ اسْتِيفَازًا مِنَ الْجَاثِي وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو هُمَا لُغَتَانِ

بَاب اسْتِحْبَابِ مُبَايَعَةِ الْإِمَامِ الْجَيْشَ عِنْدَ إِرَادَةِ الْقِتَالِ وَبَيَانِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ قَوْلُهُ [1856] (كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ) وَفِي رِوَايَةٍ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ [1857] وَفِي رِوَايَةٍ أَلْفًا وَثَلَاثَمِائَةٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثَ فِي صحيحهما وَأَكْثَرُ رِوَايَتِهِمَا أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةٍ وَكَذَا ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ أَكْثَرَ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ أَلْفًا وَأَرْبَعُمِائَةٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ وَكَسْرًا فَمَنْ قَالَ أَرْبَعُمِائَةٍ لَمْ يَعْتَبِرِ الْكَسْرَ وَمَنْ قَالَ خَمْسُمِائَةٍ اعْتَبَرَهُ وَمَنْ قَالَ أَلْفٌ وَثَلَاثُمِائَةٍ تَرَكَ بَعْضَهُمْ لِكَوْنِهِ لَمْ يُتْقِنِ الْعَدَّ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ وَرِوَايَةِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ [1858] (بَايَعْنَاهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ على أن لا نَفِرَّ وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ) وَفِي رِوَايَةِ سَلَمَةَ أَنَّهُمْ بَايَعُوهُ

يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمَوْتِ وَهُوَ مَعْنَى رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ وَفِي رِوَايَةِ مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ الْبَيْعَةُ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْبَيْعَةُ على الاسلام والجهاد وفى حديث بن عمر وعبادة بايعنا على السمع والطاعة وأن لا ننازع الأمر أهله وفى رواية عن بن عُمَرَ فِي غَيْرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ الْبَيْعَةُ عَلَى الصَّبْرِ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ تَجْمَعُ الْمَعَانِيَ كُلَّهَا وَتُبَيِّنُ مَقْصُودَ كُلِّ الرِّوَايَاتِ فَالْبَيْعَةُ عَلَى أن لا نَفِرَّ مَعْنَاهُ الصَّبْرُ حَتَّى نَظْفَرَ بِعَدُوِّنَا أَوْ نُقْتَلَ وَهُوَ مَعْنَى الْبَيْعَةِ عَلَى الْمَوْتِ أَيْ نَصْبِرُ وَإِنْ آلَ بِنَا ذَلِكَ إِلَى الْمَوْتِ لَا أَنَّ الْمَوْتَ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَكَذَا الْبَيْعَةُ عَلَى الْجِهَادِ أَيْ وَالصَّبْرُ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَكَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ يَجِبُ عَلَى الْعَشَرَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَصْبِرُوا لِمِائَةٍ مِنَ الْكُفَّارِ وَلَا يَفِرُّوا مِنْهُمْ وَعَلَى الْمِائَةِ الصَّبْرُ لِأَلْفِ كَافِرٍ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَصَارَ الْوَاجِبُ مصابرة المثلين فقط هذا مذهبنا ومذهب بن عباس ومالك

وَالْجُمْهُورِ أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مُجَرَّدُ الْعَدَدِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ أَمْ يُرَاعَى وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَاعَى لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَأَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ بَايَعْنَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم على أن لا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا إِلَى آخِرِهِ فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فِي لَيْلَةِ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ وَقَبْلَ فَرْضِ الْجِهَادِ قَوْلُهُ (سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ فَقَالَ لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا كُنَّا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ) هَذَا مُخْتَصَرٌ مِنَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي بِئْرِ الْحُدَيْبِيَةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الصَّحَابَةَ لما وصلوا الحديبية وجدوا بئرها إنما تنزه مِثْلَ الشِّرَاكِ فَبَسَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فيها ودعا فيها

بالبركة فجاست فَهِيَ إِحْدَى الْمُعْجِزَاتِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّ السَّائِلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلِمَ أَصْلَ الْحَدِيثِ وَالْمُعْجِزَةِ فِي تَكْثِيرِ الْمَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا جَرَى فِيهَا وَلَمْ يَعْلَمْ عَدَدَهُمْ فَقَالَ جَابِرٌ كُنَّا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَلَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ أَوْ أَكْثَرَ لَكَفَانَا وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ دَعَا عَلَى بِئْرِ الْحُدَيْبِيَةِ أَيْ دَعَا فِيهَا بِالْبَرَكَةِ قَوْلُهُ فِي الشَّجَرَةِ [1859] (إِنَّهَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ مَكَانُهَا فِي العام المقبل) قال العلماء سبب خفائها أن لا يُفْتَتَنَ النَّاسُ بِهَا لِمَا جَرَى تَحْتَهَا مِنَ الْخَيْرِ وَنُزُولِ الرِّضْوَانِ وَالسَّكِينَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَوْ بَقِيَتْ ظَاهِرَةً مَعْلُومَةً لَخِيفَ تَعْظِيمُ الْأَعْرَابِ وَالْجُهَّالِ إِيَّاهَا وَعِبَادَتُهُمْ لَهَا فَكَانَ خَفَاؤُهَا رَحْمَةً مِنَ الله تعالى

(باب تحريم رجوع المهاجر إلى استيطان وطنه [1862] قوله (إن

(باب تحريم رجوع المهاجر إلى استيطان وطنه [1862] قَوْلُهُ (إِنَّ الْحَجَّاجَ قَالَ لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ارْتَدَدْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ تَعَرَّبْتَ قَالَ لَا وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِي فِي الْبَدْوِ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ تَرْكِ الْمُهَاجِرِ هِجْرَتَهُ وَرُجُوعِهِ إِلَى وَطَنِهِ وَعَلَى أَنَّ ارتداد المهاجر أعرابيا من الكبائر قال ولهذا أَشَارَ الْحَجَّاجُ إِلَى أَنْ أَعْلَمَهُ سَلَمَةُ أَنَّ خُرُوجَهُ إِلَى الْبَادِيَةِ إِنَّمَا هُوَ بِإِذْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَلَعَلَّهُ رَجَعَ إِلَى غَيْرِ وَطَنِهِ أَوْ لِأَنَّ الْغَرَضَ فِي مُلَازَمَةِ الْمُهَاجِرِ أَرْضَهُ الَّتِي هَاجَرَ إِلَيْهَا وَفَرْضَ ذَلِكَ عَلَيْهِ إِنَّمَا كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنُصْرَتِهِ أَوْ لِيَكُونَ مَعَهُ أَوْ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ فَلَمَّا كَانَ الْفَتْحُ وَأَظْهَرَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَأَذَلَّ الْكُفْرَ وَأَعَزَّ الْمُسْلِمِينَ سَقَطَ فَرْضُ الْهِجْرَةِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَقَالَ مَضَتِ الْهِجْرَةُ لِأَهْلِهَا أَيِ الَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ لِمُوَاسَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُؤَازَرَتِهِ)

(باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد

وَنُصْرَةِ دِينِهِ وَضَبْطِ شَرِيعَتِهِ قَالَ الْقَاضِي وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِ الْهِجْرَةِ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَاخْتُلِفَ فِي غَيْرِهِمْ فَقِيلَ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَى غَيْرِهِمْ بَلْ كَانَتْ نَدْبًا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرِ الْوُفُودَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْفَتْحِ بِالْهِجْرَةِ وَقِيلَ إِنَّمَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى مَنْ لَمْ يُسْلِمْ كُلُّ أهل بلدة لئلا يبقى فى طلوع أَحْكَامِ الْكُفَّارِ (بَاب الْمُبَايَعَةِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ وَالْخَيْرِ وَبَيَانِ مَعْنَى لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ [1863] قَوْلُهُ (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبَايِعُهُ عَلَى الْهِجْرَةِ فَقَالَ إِنَّ الْهِجْرَةَ قَدْ مَضَتْ لِأَهْلِهَا وَلَكِنْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ وَالْخَيْرِ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْهِجْرَةَ الْمَمْدُوحَةَ الْفَاضِلَةَ الَّتِي لِأَصْحَابِهَا الْمَزِيَّةُ الظَّاهِرَةُ)

إِنَّمَا كَانَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ أُبَايِعُكَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ وَسَائِرِ أَفْعَالِ الْخَيْرِ وَهُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ فَإِنَّ الْخَيْرَ أَعَمُّ مِنَ الْجِهَادِ وَمَعْنَاهُ أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ تَفْعَلَ هَذِهِ الْأُمُورَ [1353] قَوْلِهِ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءُ الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ تَأْوِيلَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ مِنْ مَكَّةَ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ إِسْلَامٍ فَلَا تُتَصَوَّرُ مِنْهَا الْهِجْرَةُ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْهِجْرَةَ الْفَاضِلَةَ الْمُهِمَّةَ الْمَطْلُوبَةَ الَّتِي يَمْتَازُ بِهَا أَهْلُهَا امْتِيَازًا ظَاهِرًا انْقَطَعَتْ بِفَتْحِ مَكَّةَ وَمَضَتْ لِأَهْلِهَا الَّذِينَ هَاجَرُوا قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ قَوِيَ وَعَزَّ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ عِزًّا ظَاهِرًا بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1864] (وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ) مَعْنَاهُ أَنَّ تَحْصِيلَ الْخَيْرِ بِسَبَبِ الْهِجْرَةِ قَدِ انْقَطَعَ بِفَتْحِ مَكَّةَ وَلَكِنْ حَصِّلُوهُ بِالْجِهَادِ وَالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ وَفِي هَذَا الْحَثُّ عَلَى نِيَّةِ الْخَيْرِ مُطْلَقًا وَأَنَّهُ يُثَابُ عَلَى النِّيَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا) مَعْنَاهُ إِذَا طَلَبَكُمُ الْإِمَامُ لِلْخُرُوجِ إلى الجهاد

فَاخْرُجُوا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِهَادَ لَيْسَ فَرْضَ عَيْنٍ بَلْ فَرْضُ كِفَايَةٍ إِذَا فَعَلَهُ مَنْ تَحْصُلُ بِهِمُ الْكِفَايَةُ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنِ الْبَاقِينَ وَإِنْ تَرَكُوهُ كُلُّهُمْ أَثِمُوا كُلُّهُمْ قَالَ أَصْحَابُنَا الْجِهَادُ الْيَوْمَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ الْكُفَّارُ بِبَلَدِ الْمُسْلِمِينَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمُ الْجِهَادُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ كِفَايَةٌ وَجَبَ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ تَتْمِيمُ الْكِفَايَةِ وَأَمَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ كَانَ أَيْضًا فَرْضَ كِفَايَةٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ بِأَنَّهُ كَانَ تَغْزُو السَّرَايَا وَفِيهَا بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَهُ عَنِ الْهِجْرَةِ [1865] (إِنَّ شَأْنَ الْهِجْرَةِ لَشَدِيدٌ فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَهَلْ تُؤْتِي صَدَقَتَهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ من عملك شيئا) أما يترك فَبِكَسْرِ التَّاءِ مَعْنَاهُ لَنْ يُنْقِصَكَ مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِكَ شَيْئًا حَيْثُ كُنْتَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْمُرَادُ بِالْبِحَارِ هُنَا الْقُرَى وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْقُرَى الْبِحَارَ وَالْقَرْيَةَ الْبُحَيْرَةَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْمُرَادُ بِالْهِجْرَةِ الَّتِي سَأَلَ عَنْهَا هَذَا الْأَعْرَابِيُّ مُلَازَمَةُ الْمَدِينَةِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرْكُ أَهْلِهِ وَوَطَنِهِ فَخَافَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أن لا يَقْوَى لَهَا وَلَا يَقُومَ بِحُقُوقِهَا وَأَنْ يَنْكُصَ عَلَى عَقِبَيْهِ فَقَالَ لَهُ إِنَّ شَأْنَ الْهِجْرَةِ الَّتِي سَأَلْتَ عَنْهَا لَشَدِيدٌ وَلَكِنِ اعْمَلْ بِالْخَيْرِ فِي وَطَنِكَ وَحَيْثُ مَا كُنْتَ فَهُوَ يَنْفَعُكَ ولاينقصك اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب كيفية بيعة النساء [1866] قولها (كان المؤمنات إذا

(بَاب كَيْفِيَّةِ بَيْعَةِ النِّسَاءِ [1866] قَوْلُهَا (كَانَ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ يُمْتَحَنَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أيها النبى إذا جاءك المؤمنات إِلَى آخِرِه مَعْنَى يُمْتَحَنَّ يُبَايِعُهُنَّ عَلَى هَذَا الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَقَوْلُهَا (فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ) مَعْنَاهُ فَقَدْ بَايَعَ الْبَيْعَةَ الشَّرْعِيَّةَ قَوْلُهَا (وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ غَيْرَ أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلَامِ) فِيهِ أَنَّ بَيْعَةَ النِّسَاءِ بِالْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ أَخْذِ كَفٍّ وَفِيهِ أَنَّ بَيْعَةَ الرِّجَالِ بِأَخْذِ الْكَفِّ مَعَ الْكَلَامِ وَفِيهِ أَنَّ كَلَامَ الْأَجْنَبِيَّةِ يُبَاحُ سَمَاعُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَأَنَّ صَوْتَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وأنه لايلمس بشرة الأجنبية من غير ضرورة كتطبب وقصد وَحِجَامَةٍ وَقَلْعِ ضِرْسٍ وَكَحْلِ عَيْنٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا تُوجَدُ امْرَأَةٌ تَفْعَلُهُ جَازَ لِلرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ فِعْلُهُ لِلضَّرُورَةِ وَفِي قَطُّ خَمْسُ لُغَاتٍ)

(باب البيعة على السمع والطاعة فيما استطاع [1867] قوله (كنا

فَتْحُ الْقَافِ وَتَشْدِيدُ الطَّاءِ مَضْمُومَةً وَمَكْسُورَةً وَبِضَمِّهِمَا وَالطَّاءُ مُشَدَّدَةٌ وَفَتْحِ الْقَافِ مَعَ تَخْفِيفِ الطَّاءِ سَاكِنَةً وَمَكْسُورَةً وَهِيَ لِنَفْيِ الْمَاضِي قَوْلُهَا فِي الرواية الأخرى (مَا مَسَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ امْرَأَةً قَطُّ إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا فَإِذَا أَخَذَ عَلَيْهَا فَأَعْطَتْهُ قَالَ اذْهَبِي فَقَدْ بَايَعْتُكِ) هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ مَا مَسَّ امْرَأَةً قَطُّ لَكِنْ يَأْخُذُ عَلَيْهَا الْبَيْعَةَ بِالْكَلَامِ فَإِذَا أَخَذَهَا بِالْكَلَامِ قَالَ اذْهَبِي فقد بايعتك وهذا التقدير مضرح بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَلَا بُدَّ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب الْبَيْعَةِ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِيمَا اسْتَطَاعَ [1867] قَوْلُهُ (كُنَّا نُبَايِعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ يَقُولُ لَنَا فِيمَا اسْتَطَعْتَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فِيمَا اسْتَطَعْتَ أَيْ قُلْ فِيمَا اسْتَطَعْتُ وَهَذَا مِنْ كَمَالِ شَفَقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْفَتِهِ بِأُمَّتِهِ يُلَقِّنُهُمْ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ فِيمَا اسْتَطَعْتُ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي عُمُومِ بيعة مالا يُطِيقُهُ وَفِيهِ أَنَّهُ إِذَا رَأَى الْإِنْسَانُ مَنْ يلتزم مالا يُطِيقُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهُ لَا تَلْتَزِمْ مالا تطيق فيترك بَعْضَهُ وَهُوَ مِنْ نَحْوِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ)

(باب بيان سن البلوغ وهو السن الذي يجعل صاحبه من

(باب بيان سن البلوغ وَهُوَ السِّنُّ الَّذِي يَجْعَلُ صَاحِبَهُ مِنَ الْمُقَاتِلِينَ وَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الرِّجَالِ فِي أَحْكَامِ الْقِتَالِ وغير ذلك [1868] قوله (عن بن عُمَرَ أَنَّهُ عُرِضَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد وهو بن أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْهُ وَعُرِضَ عَلَيْهِ يوم الخندق وهو بن خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَهُ) هَذَا دَلِيلٌ لِتَحْدِيدِ الْبُلُوغِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ والأوزاعى وبن وَهْبٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً يَصِيرُ مُكَلَّفًا وَإِنْ لَمْ يَحْتَلِمْ فَتَجْرِي عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ مِنْ وُجُوبِ الْعِبَادَةِ وَغَيْرِهِ وَيَسْتَحِقُّ سَهْمَ الرَّجُلِ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَيُقْتَلُ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَنْدَقَ كَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ وَهَذَا الْحَدِيثِ يَرُدُّهُ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ أُحُدًا كَانَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ فَيَكُونُ الْخَنْدَقُ سَنَةَ أَرْبَعٍ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَهُ بِسَنَةٍ قَوْلُهُ (لَمْ يُجِزْنِي وَأَجَازَنِي) الْمُرَادُ جَعَلَهُ رَجُلًا لَهُ حُكْمُ الرِّجَالِ المقاتلين)

(باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف

(بَاب النَّهْيِ أَنْ يُسَافَرَ بِالْمُصْحَفِ إِلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ إِذَا خِيفَ وُقُوعُهُ بِأَيْدِيهِمْ) [1869] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ فِيهِ النَّهْيُ عَنِ الْمُسَافَرَةِ بِالْمُصْحَفِ إِلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ وَهِيَ خَوْفُ أَنْ يَنَالُوهُ فَيَنْتَهِكُوا حُرْمَتَهُ فَإِنْ أُمِنَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ بِأَنْ يَدْخُلَ فِي جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ الظَّاهِرِينَ عَلَيْهِمْ فَلَا كَرَاهَةَ وَلَا مَنْعَ مِنْهُ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْبُخَارِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ من أصحابنا بالنهى مطلقا وحكى بن الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْجَوَازَ مُطْلَقًا وَالصَّحِيحُ عَنْهُ مَا سَبَقَ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ هِيَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَلِطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فَزَعَمَ أَنَّهَا مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ

(باب المسابقة بين الخيل وتضميرها)

إِلَيْهِمْ كِتَابٌ فِيهِ آيَةٌ أَوْ آيَاتٌ وَالْحُجَّةُ فِيهِ كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ قَالَ الْقَاضِي وَكَرِهَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مُعَامَلَةَ الْكُفَّارِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي فِيهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَذِكْرُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (بَابُ الْمُسَابَقَةِ بَيْنَ الْخَيْلِ وَتَضْمِيرِهَا) فِيهِ ذِكْرُ حَدِيثِ مُسَابَقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْخَيْلِ الْمُضَمَّرَةِ وَغَيْرِ الْمُضَمَّرَةِ وَفِيهِ جَوَازُ الْمُسَابَقَةِ بَيْنَ الْخَيْلِ وَجَوَازُ تَضْمِيرِهَا وَهُمَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِمَا لِلْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ وَتَدْرِيبِ الْخَيْلِ وَرِيَاضَتِهَا وَتَمَرُّنِهَا عَلَى الْجَرْي وَإِعْدَادِهَا لِذَلِكَ لِيُنْتَفَعَ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ فِي الْقِتَالِ كَرًّا وَفَرًّا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أن المسابقة بينهما مُبَاحَةٌ أَمْ مُسْتَحَبَّةٌ وَمَذْهَبُ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ بَيْنَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْخَيْلِ قَوِيِّهَا مَعَ ضَعِيفِهَا وَسَابِقِهَا مَعَ غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا ثَالِثٌ أَمْ لَا فَأَمَّا الْمُسَابَقَةُ بِعِوَضٍ فَجَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مِنْ غَيْرِ الْمُتَسَابِقَيْنِ أَوْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا وَيَكُونَ مَعَهُمَا مُحَلِّلٌ وَهُوَ ثَالِثٌ عَلَى فَرَسٍ مُكَافِئٍ لِفَرَسَيْهِمَا وَلَا يُخْرِجُ الْمُحَلِّلُ مِنْ عِنْدِهِ شَيْئًا لِيَخْرُجَ هَذَا الْعَقْدُ عَنْ صُورَةِ الْقِمَارِ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ عِوَضٍ فِي الْمُسَابَقَةِ [1870] قَوْلُهُ (سَابَقَ بِالْخَيْلِ الَّتِي أُضْمِرَتْ) يُقَالُ أُضْمِرَتْ وَضُمِّرَتْ وَهُوَ أَنْ يُقَلَّلَ عَلَفُهَا مُدَّةً وَتُدْخَلَ بَيْتًا كَنِينًا وَتُجَلَّلَ فِيهِ لِتَعْرَقَ وَيَجِفَّ عَرَقُهَا فَيَجِفَّ لَحْمُهَا وَتَقْوَى عَلَى الْجَرْيِ قَوْلُهُ (مِنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ) هِيَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَفَاءٍ سَاكِنَةٍ وَبِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي وَآخَرُونَ الْقَصْرُ أَشْهَرُ وَالْحَاءُ مَفْتُوحَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِضَمِّهَا قَالَ وَهُوَ خَطَأٌ قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي الْمُؤْتَلِفِ وَيُقَالُ فِيهَا أَيْضًا الْحَيْفَاءُ بِتَقْدِيمِ الْيَاءِ عَلَى الْفَاءِ وَالْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهَا الْحَفْيَاءُ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ بَيْنَ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ وَالْحَفْيَاءِ خَمْسَةُ أَمْيَالٍ أَوْ سِتَّةٌ وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ وَأَمَّا ثَنِيَّةُ الْوَدَاعِ فَهِيَ عِنْدَ الْمَدِينَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْخَارِجَ مِنَ الْمَدِينَةِ يَمْشِي مَعَهُ الْمُوَدِّعُونَ إِلَيْهَا

قَوْلُهُ (مَسْجِدُ بَنِي زُرَيْقٍ) بِتَقْدِيمِ الزَّايِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ قَوْلِ مَسْجِدِ فُلَانٍ وَمَسْجِدِ بَنِي فُلَانٍ وَقَدْ تَرْجَمَ لَهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَذَكَرَهُ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ إسماعيل بن علية عن أيوب عن بن نافع عن نافع عن بن عمر فزاد بن نَافِعٍ قَالَ وَالَّذِي قَالَهُ أَبُو مَسْعُودٍ مَحْفُوظٌ عن الجماعة من أصحاب بن عُلَيَّةَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَرْوِيهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَلِيُّ بن المديني وداود عن بن علية عن أيوب عن بن نافع عن نافع عن بن عُمَرَ وَهَذَا شَاهِدٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَبُو مَسْعُودٍ ورواه جماعة عن زهير عن بن عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ كَمَا رَوَاهُ مسلم من غير ذكر بن نافع قوله

باب فضيلة الخيل وأن الخير معقود بنواصيها

(عن بن عُمَرَ فَجِئْتُ سَابِقًا فَطَفَّفَ بِيَ الْفَرَسُ الْمَسْجِدَ) أى علا وثب إِلَى الْمَسْجِدِ وَكَانَ جِدَارُهُ قَصِيرًا وَهَذَا بَعْدَ مجاوزته الغاية لأن الغاية هي هذا الْمَسْجِدُ وَهُوَ مَسْجِدُ بَنِي زُرَيْقٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب فضيلة الخيل وأن الخير معقود بنواصيها) [1871] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْخَيْلُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الَأجْرُ وَالْغَنِيِمَةُ) وَفِي رِوَايَةٍ الْخَيْرُ مَعْقُوصٌ بِنَوَاصِي الْخَيْلِ وَفِي رِوَايَةٍ الْبَرَكَةُ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ الْمَعْقُودُ وَالْمَعْقُوصُ بِمَعْنًى وَمَعْنَاهُ مَلْوِيٌّ مَضْفُورٌ فِيهَا وَالْمُرَادُ بِالنَّاصِيَةِ هُنَا الشَّعْرُ الْمُسْتَرْسِلُ عَلَى الْجَبْهَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَكَنَّى بِالنَّاصِيَةِ عَنْ جَمِيعِ ذَاتِ الْفَرَسِ يُقَالُ فُلَانٌ مُبَارَكُ النَّاصِيَةِ وَمُبَارَكُ الْغُرَّةِ أَيِ الذَّاتِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ اسْتِحْبَابُ رِبَاطِ الْخَيْلِ وَاقْتِنَائِهَا لِلْغَزْوِ وَقِتَالِ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَأَنَّ فَضْلَهَا وَخَيْرَهَا وَالْجِهَادَ بَاقٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ الشُّؤْمُ قَدْ يَكُونُ فِي الْفَرَسِ فَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ الْخَيْلِ الْمُعَدَّةِ لِلْغَزْوِ وَنَحْوِهِ أَوْ أَنَّ الْخَيْرَ وَالشُّؤْمَ يَجْتَمِعَانِ فِيهَا فإنه فسر الخير بالأجر والمغنم ولايمتنع مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ

الْفَرَسُ مِمَّا يُتَشَاءَمُ بِهِ [1872] قَوْلُهُ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْوِي نَاصِيَةَ فَرَسٍ بِإِصْبَعِهِ) قَالَ الْقَاضِي فِيهِ اسْتِحْبَابُ خِدْمَةِ الرَّجُلِ فَرَسَهُ الْمُعَدَّةَ لِلْجِهَادِ [1873] قَوْلُهُ (عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ) هُوَ بِالْمُوَحَّدَةِ

باب ما يكره من صفات الخيل

وَالْقَافِ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى بَارِقٍ وَهُوَ جَبَلٌ بِالْيَمَنِ تَرَكَتْهُ الْأَزْدُ وَهُمُ الْأَسْدُ بِإِسْكَانِ السِّينِ فَنُسِبُوا إِلَيْهِ وَقِيلَ إِلَى بَارِقِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَدِيٍّ وَيُقَالُ لَهُ عُرْوَةُ بْنُ الْجَعْدِ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَعُرْوَةِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ وَعُرْوَةِ بْنِ عِيَاضِ بْنِ أَبِي الجعد (باب ما يكره من صفات الخيل) [1875] قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ الشِّكَالَ مِنَ الْخَيْلِ) وَفَسَّرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بِأَنْ يَكُونَ فِي رِجْلِهِ الْيُمْنَى بَيَاضٌ وَفِي يَدِهِ الْيُسْرَى أَوْ يَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلِهِ الْيُسْرَى وَهَذَا التَّفْسِيرُ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي الشِّكَالِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَجُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ هُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ ثَلَاثُ قَوَائِمَ محجلة وواحدة

(باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله)

مُطْلَقَةً تَشْبِيهًا بِالشِّكَالِ الَّذِي تُشَكَّلُ بِهِ الْخَيْلُ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي ثَلَاثِ قَوَائِمَ غَالِبًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَقَدْ يَكُونُ الشِّكَالُ ثَلَاثَ قَوَائِمَ مطلقة وواحدة محجلة قال ولاتكون الْمُطْلَقَةُ مِنَ الْأَرْجُلِ أَوِ الْمُحَجَّلَةُ إِلَّا الرِّجْلَ وقال بن دُرَيْدٍ الشِّكَالُ أَنْ يَكُونَ مُحَجَّلًا مِنْ شِقٍّ وَاحِدٍ فِي يَدِهِ وَرِجْلِهِ فَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا قِيلَ الشِّكَالُ مُخَالِفٌ قَالَ الْقَاضِي قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْمُطَرِّزِ قِيلَ الشِّكَالُ بَيَاضُ الرِّجْلِ الْيُمْنَى وَالْيَدِ الْيُمْنَى وَقِيلَ بَيَاضُ الرِّجْلِ الْيُسْرَى وَالْيَدِ الْيُسْرَى وَقِيلَ بَيَاضُ الْيَدَيْنِ وَقِيلَ بَيَاضُ الرِّجْلَيْنِ وَقِيلَ بَيَاضُ الرِّجْلَيْنِ وَيَدٍ وَاحِدَةٍ وَقِيلَ بَيَاضُ الْيَدَيْنِ وَرِجْلٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا كَرِهَهُ لِأَنَّهُ عَلَى صُورَةِ الْمَشْكُولِ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ جُرِّبَ ذَلِكَ الْجِنْسُ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ نَجَابَةٌ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِذَا كَانَ مَعَ ذَلِكَ أَغَرَّ زَالَتِ الْكَرَاهَةُ لِزَوَالِ شَبَهِ الشِّكَالِ (بَاب فَضْلِ الْجِهَادِ وَالْخُرُوجِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [1876] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهَادًا إِلَى قَوْلِهِ أَنْ أُدْخِلَهُ

الْجَنَّةَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى تَكَفَّلَ اللَّهُ وَمَعْنَاهُمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهَذَا الضَّمَانُ وَالْكَفَالَةُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وأموالهم بأن لهم الجنة الْآيَةَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهَادًا فِي سَبِيلِي) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ جِهَادًا بِالنَّصْبِ وَكَذَا قَالَ بَعْدَهُ وَإِيمَانًا بِي وَتَصْدِيقًا وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ وَتَقْدِيرُهُ لَا يُخْرِجُهُ الْمُخْرِجُ وَيُحَرِّكُهُ الْمُحَرِّكُ إِلَّا لِلْجِهَادِ وَالْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ قَوْلُهُ (لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَإِيمَانًا بِي وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِي) مَعْنَاهُ لَا يُخْرِجُهُ إِلَا مَحْضُ الْإِيمَانِ وَالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (وَتَصْدِيقَ كَلِمَتِهِ) أَيْ كَلِمَةُ الشَّهَادَتَيْنِ وَقِيلَ تَصْدِيقُ كَلَامِ اللَّهِ فِي الْإِخْبَارِ بِمَا لِلْمُجَاهِدِ مِنْ عَظِيمِ ثَوَابِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى (فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ) ذَكَرُوا فِي ضَامِنٌ هُنَا وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بِمَعْنَى مَضْمُونٌ كَمَاءٍ دَافِقٍ وَمَدْفُوقٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ بِمَعْنَى ذُو ضَمَانٍ قَوْلُهُ تَعَالَى (أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ) قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَدْخُلَ عِنْدَ مَوْتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الشُّهَدَاءِ أَحْيَاءٌ عند ربهم يرزقون

وَفِي الْحَدِيثِ أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ فِي الْجَنَّةِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ دُخُولَهُ الْجَنَّةَ عِنْدَ دُخُولِ السَّابِقِينَ وَالْمُقَرَّبِينَ بِلَا حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ وَلَا مُؤَاخَذَةٍ بِذَنْبٍ وَتَكُونُ الشَّهَادَةُ مُكَفِّرَةً لِذُنُوبِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَوْلُهُ (أَوْ أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ نَائِلًا مَا نَالَ مِنَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ) قَالُوا مَعْنَاهُ مَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ بِلَا غَنِيمَةٍ إِنْ لَمْ يَغْنَمْ أَوْ مِنَ الْأَجْرِ وَالْغَنِيمَةِ مَعًا إِنْ غَنِمُوا وَقِيلَ إِنَّ أَوْ هُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ أَيْ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ وَكَذَا وَقَعَ بِالْوَاوِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَكَذَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ بِالْوَاوِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ضَمِنَ أَنَّ الْخَارِجَ لِلْجِهَادِ يَنَالُ خَيْرًا بِكُلِّ حَالٍ فَإِمَّا أَنْ يُسْتَشْهَدَ فَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَإِمَّا أَنْ يَرْجِعَ بِأَجْرٍ وَإِمَّا أَنْ يَرْجِعَ بِأَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيده مامن كَلْمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ مِسْكٌ) أَمَّا الْكَلْمُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ فَهُوَ الْجُرْحُ وَيُكْلَمُ بِإِسْكَانِ الْكَافِ أَيْ يُجْرَحُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّهِيدَ لايزول عنه الدم بغسل ولاغيره وَالْحِكْمَةُ فِي مَجِيئِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى هَيْئَتِهِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ شَاهِدَ فَضِيلَتِهِ وَبَذْلِهِ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْيَمِينِ وَانْعِقَادِهَا بِقَوْلِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَنَحْوِ هَذِهِ الصِّيغَةِ مِنَ الْحَلِفِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا الْيَمِينُ تَكُونُ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ أَوْ مَا دَلَّ عَلَى ذَاتِهِ قَالَ الْقَاضِي واليد هنا

بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ وَالْمُلْكِ قَوْلُهُ (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا قَعَدْتُ خِلَافَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ خَلْفَهَا وَبَعْدَهَا وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالرَّأْفَةِ بِهِمْ وَأَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ بَعْضَ مَا يَخْتَارُهُ لِلرِّفْقِ بِالْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتِ الْمَصَالِحُ بَدَأَ بِأَهَمِّهَا وَفِيهِ مُرَاعَاةُ الرِّفْقِ بِالْمُسْلِمِينَ وَالسَّعْيِ فِي زَوَالِ الْمَكْرُوهِ وَالْمَشَقَّةِ عَنْهُمْ قَوْلُهُ (لوددت أن أَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ) فِيهِ فَضِيلَةُ الْغَزْوِ وَالشَّهَادَةِ وَفِيهِ تَمَنِّي الشَّهَادَةِ وَالْخَيْرِ وَتَمَنِّي مَا لايمكن فِي الْعَادَةِ مِنَ الْخَيْرَاتِ وَفِيهِ أَنَّ الْجِهَادَ فرض كفاية لافرض عَيْنٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ) هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى الْإِخْلَاصِ فِي الْغَزْوِ وَأَنَّ الثَّوَابَ الْمَذْكُورَ فِيهِ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ أَخْلَصَ فِيهِ وَقَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا قَالُوا وَهَذَا الْفَضْلُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَفِي إِقَامَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ هُوَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْمُثَلَّثَةِ بَيْنَهُمَا وَمَعْنَاهُ يَجْرِي مُتَفَجِّرًا أَيْ كَثِيرًا وَهُوَ بِمَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَتَفَجَّرُ دَمًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا إِذَا طُعِنَتْ) الضَّمِيرُ فِي كَهَيْئَتِهَا يعود على الجراحة وإذا طُعِنَتْ بِالْأَلِفِ بَعْدَ الذَّالِ كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالْعَرْفُ عَرْفُ الْمِسْكِ) هُوَ

(باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى)

بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ الرِّيحُ (بَاب فَضْلِ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى) [1877] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ وَحُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ) قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ ظَاهِرُ هَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ شُعْبَةَ ترويه عَنْ قَتَادَةَ وَحُمَيْدٍ جَمِيعًا عَنْ أَنَسٍ قَالَ وَصَوَابُهُ أَنَّ أَبَا خَالِدٍ يَرْوِيهِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ وَيَرْوِيهِ أَبُو خَالِدٍ أَيْضًا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ وَهَكَذَا قَالَهُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ الْقَاضِي فَيَكُونُ حُمَيْدٌ مَعْطُوفًا عَلَى شُعْبَةَ لَا عَلَى قتادة قال وقد ذكره بن أَبِي شَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنْ حُمَيْدٍ وَشُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ فَبَيَّنَهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَيْضًا إِيهَامٌ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ حُمَيْدًا يَرْوِيهِ عَنْ قَتَادَةَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ كَذَلِكَ بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ

حُمَيْدًا يَرْوِيهِ عَنْ أَنَسٍ كَمَا سَبَقَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مامن نَفْسٍ تَمُوتُ لَهَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يَسُرُّهَا أنها ترجع إلى الدنيا ولاأن لها الدنيا وما فيها الاالشهيد إِلَى آخِرِهِ) هَذَا مِنْ صَرَائِحِ الْأَدِلَّةِ فِي عَظِيمِ فَضْلِ الشَّهَادَةِ وَاللَّهُ الْمَحْمُودُ الْمَشْكُورُ وَأَمَّا سَبَبُ تَسْمِيَتِهِ شَهِيدًا فَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ لِأَنَّهُ حَيٌّ فَإِنَّ أَرْوَاحَهُمْ شَهِدَتْ وَحَضَرَتْ دَارَ الاسلام وَأَرْوَاحَ غَيْرِهِمْ إِنَّمَا تَشْهَدُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَالَ بن الْأَنْبَارِيِّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَمَلَائِكَتَهُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْجَنَّةِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنَ الثَّوَابِ وَالْكَرَامَةِ وَقِيلَ لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ يَشْهَدُونَهُ فَيَأْخُذُونَ رُوحَهُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ شُهِدَ لَهُ بِالْإِيمَانِ وَخَاتِمَةِ الْخَيْرِ بِظَاهِرِ حَالِهِ وَقِيلَ لِأَنَّ عَلَيْهِ شَاهِدًا بِكَوْنِهِ شَهِيدًا وَهُوَ الدَّمُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ مِمَّنْ يَشْهَدُ عَلَى الْأُمَمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِإِبْلَاغِ الرُّسُلِ الرِّسَالَةَ إِلَيْهِمْ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يُشَارِكُهُمْ غَيْرُهُمْ فِي هَذَا الْوَصْفِ [1878] قَوْلُهُ (مَا يَعْدِلُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ لَا تَسْتَطِيعُوهُ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ لاتستطيعوه وَفِي بَعْضِهَا لَا تَسْتَطِيعُونَهُ

بِالنُّونِ وَهَذَا جَارٍ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ أَيْضًا وَهِيَ لُغَةٌ فَصِيحَةٌ حَذْفُ النُّونُ من غير ناصب ولاجازم وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا وَنَظَائِرُهَا مَرَّاتٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ إِلَى آخِرِهِ) مَعْنَى الْقَانِتِ هُنَا الْمُطِيعُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عَظِيمُ فَضْلِ الْجِهَادِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْقِيَامَ بِآيَاتِ اللَّهِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ وَقَدْ جعل المجاهد مثل من لايفتر عَنْ ذَلِكَ فِي لَحْظَةٍ مِنَ اللَّحَظَاتِ وَمَعْلُومٌ أن هذا لايتأتى لِأَحَدٍ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاتستطيعونه وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1879] قَوْلُهُ (إِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ زَجَرَ الرِّجَالَ الَّذِينَ رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ) فِيهِ كَرَاهَةُ رَفْعِ الصَّوْتِ فى المساجد يوم الجمعة وغيره وأنه لايرفع الصوت بعلم ولاغيره عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ لِلصَّلَاةِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّشْوِيشِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُصَلِّينَ وَالذَّاكِرِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب فضل الغدوة والروحة في سبيل الله)

(بَاب فَضْلِ الْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [1880] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) الْغَدْوَةُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ السَّيْرُ أَوَّلَ النهار إلى الزوال والروحة السير من الزوال إلى آخر النهار وأو هُنَا لِلتَّقْسِيمِ لَا لِلشَّكِّ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الرَّوْحَةَ يَحْصُلُ بِهَا هَذَا الثَّوَابُ وَكَذَا الْغَدْوَةُ وَالظَّاهِرُ أنه لايختص ذَلِكَ بِالْغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ مِنْ بَلْدَتِهِ بَلْ يَحْصُلُ هَذَا الثَّوَابُ بِكُلِّ غَدْوَةٍ أَوْ رَوْحَةٍ فِي طريقه إلى الغزو وكذا غدوه وَرَوْحَةٍ فِي مَوْضِعِ الْقِتَالِ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يُسَمَّى غَدْوَةً وَرَوْحَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ فَضْلَ الْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَثَوَابَهُمَا خَيْرٌ مِنْ نَعِيمِ الدُّنْيَا كُلِّهَا لو ملكها انسان وَتَصَوَّرَ تَنَعُّمَهُ بِهَا كُلِّهَا لِأَنَّهُ زَائِلٌ وَنَعِيمَ الْآخِرَةِ بَاقٍ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ فِي مَعْنَاهُ وَمَعْنَى نَظَائِرِهِ مِنْ تَمْثِيلِ

أمور الآخرة وثوابها بأمور الدنيا أنها خيرمن الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَوْ مَلَكَهَا إِنْسَانٌ وَمَلَكَ جَمِيعَ مَا فِيهَا وَأَنْفَقَهُ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ قَالَ هَذَا الْقَائِلُ وَلَيْسَ تَمْثِيلُ الْبَاقِي بِالْفَانِي عَلَى ظَاهِرِ إِطْلَاقِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1882] قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا بن أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٌ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَكَذَا نَقَلَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ عَنْ رِوَايَةِ الْجُلُودِيِّ قَالَ وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ بن مَاهَانَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مروان فذكر بن أبى شيبة بدل بن أبي عمر قال والصواب الأول

باب بيان ما أعده الله تعالى للمجاهد فى الجنة من

(باب بيان ما أعده الله تعالى للمجاهد فى الجنة من الدرجات) [1884] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأُخْرَى يُرْفَعُ بِهَا الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ قَالَ وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ الدَّرَجَاتِ هُنَا الْمَنَازِلُ الَّتِي بَعْضُهَا أَرْفَعُ مِنْ بَعْضٍ فِي الظَّاهِرِ وَهَذِهِ صِفَةُ مَنَازِلِ الْجَنَّةِ كَمَا جَاءَ فِي أَهْلِ الْغُرَفِ أَنَّهُمْ يَتَرَاءَوْنَ كَالْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ الرِّفْعَةُ بِالْمَعْنَى مِنْ كَثْرَةِ النَّعِيمِ وَعَظِيمِ الْإِحْسَانِ مِمَّا لَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ولابصفة مَخْلُوقٍ وَأَنَّ أَنْوَاعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنَ الْبِرِّ وَالْكَرَامَةِ يَتَفَاضَلُ تَفَاضُلًا كَثِيرًا وَيَكُونُ تَبَاعُدُهُ فِي الْفَضْلِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فِي الْبُعْدِ قَالَ الْقَاضِي وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين)

(بَاب مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كُفِّرَتْ خَطَايَاهُ إِلَّا الدَّيْنَ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنْ تَكْفِيرِ خَطَايَاهُ إِنْ قُتِلَ [1885] (نَعَمْ إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ ثُمَّ أَعَادَهُ فَقَالَ إِلَّا الدَّيْنَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِي ذَلِكَ) فِيهِ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ الْعَظِيمَةُ لِلْمُجَاهِدِ وهى تكفير خطاياه كلها إلاحقوق الْآدَمِيِّينَ وَإِنَّمَا يَكُونُ تَكْفِيرُهَا بِهَذِهِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ أَنْ يُقْتَلَ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مدبر وفيه أن الأعمال لاتنفع إلابالنية وَالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ) لَعَلَّهُ احْتِرَازٌ مِمَّنْ يُقْبِلُ فِي وَقْتٍ وَيُدْبِرُ فِي وَقْتٍ وَالْمُحْتَسِبُ هُوَ الْمُخْلِصُ لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قَاتَلَ لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ لِغَنِيمَةٍ أَوْ لِصِيتٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فليس له هذا الثواب ولاغيره وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا الدَّيْنَ فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى جَمِيعِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَأَنَّ الْجِهَادَ وَالشَّهَادَةَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ لَا يُكَفِّرُ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ وَإِنَّمَا يُكَفِّرُ حُقُوقَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا الدَّيْنَ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِهِ فِي الْحَالِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلاالدين فَإِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1886] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قيس قال

باب فى بيان أن أرواح الشهداء فى الجنة وأنهم احياء

وحدثنا بن عَجْلَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ) الْقَائِلِ وَحَدَّثَنَا بن عَجْلَانَ هُوَ سُفْيَانُ قَوْلُهُ (عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيِّ) الْأَوَّلُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالثَّانِي بِالْمُهْمَلَةِ وَالْقِتْبَانِيُّ بِالْقَافِ مَكْسُورَةً ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مَنْسُوبٌ إِلَى قِتْبَانَ بَطْنٍ مِنْ رعين (باب فى بيان أن أرواح الشهداء فى الجنة وأنهم احياء عند ربهم يرزقون) [1887] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَذَكَرَ إِسْنَادَهَ إِلَى مَسْرُوقٍ قَالَ سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ

عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ ربهم يرزقون قالَ أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ) قَالَ الْمَازِرِيُّ كَذَا جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ غَيْرَ مَنْسُوبٍ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ ينسبه فيقول عبد الله بن عمرو وذكره أبومسعود الدمشقى فى مسند بن مَسْعُودٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قُلْتُ وَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ بِلَادِنَا الْمُعْتَمَدَةِ وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ مَنْسُوبًا فِي مُعْظَمِهَا وَذَكَرَهُ خَلَفٌ الْوَاسِطِيُّ وَالْحُمَيْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي مسند بن مسعود وهوالصواب وَهَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعٌ لِقَوْلِهِ إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشُّهَدَاءِ (أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ) فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ الْجَنَّةَ مَخْلُوقَةٌ مَوْجُودَةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَهِيَ الَّتِي أُهْبِطَ مِنْهَا آدَمُ وَهِيَ الَّتِي يُنَعَّمُ فِيهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي الْآخِرَةِ هَذَا إِجْمَاعُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْمُبْتَدِعَة أَيْضًا وَغَيْرُهُمْ إِنَّهَا لَيْسَتْ مَوْجُودَةً وَإِنَّمَا تُوجَدُ بَعْدَ الْبَعْثِ فِي الْقِيَامَةِ قَالُوا وَالْجَنَّةُ الَّتِي أُخْرِجَ مِنْهَا آدَمُ غَيْرُهَا وَظَوَاهِرُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ تَدُلُّ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ وَفِيهِ إِثْبَاتُ مُجَازَاةِ الْأَمْوَاتِ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ قَبْلَ الْقِيَامَةِ قَالَ الْقَاضِي وَفِيهِ أَنَّ الْأَرْوَاحَ بَاقِيَةٌ لاتفنى فَيُنَعَّمُ الْمُحْسِنُ وَيُعَذَّبُ الْمُسِيءُ وَقَدْ جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَالْآثَارُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ خِلَافًا لِطَائِفَةٍ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ قَالَتْ تَفْنَى قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ هُنَا أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ وَقَالَ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ وَالنَّسَمَةُ تُطْلَقُ عَلَى ذَاتِ الْإِنْسَانِ جِسْمًا وَرُوحًا وَتُطْلَقُ عَلَى الرُّوحِ مفردة وهو المراد بها فى هذا التَّفْسِيرِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ بِالرُّوحِ وَلِعِلْمِنَا بِأَنَّ الْجِسْمَ يَفْنَى وَيَأْكُلُهُ التُّرَابُ وَلِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ حتى

يُرْجِعَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ الْقَاضِي وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ وَقَالَ هُنَا الشُّهَدَاءُ لِأَنَّ هَذِهِ صِفَتُهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى أَحْيَاءٌ عِنْدَ ربهم يرزقون وَكَمَا فَسَّرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَإِنَّمَا يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ كَمَا جاء فى حديث بن عُمَرَ وَكَمَا قَالَ فِي آلِ فِرْعَوْنَ النَّارُ يعرضون عليها غدوا وعشيا قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ بَلِ الْمُرَادُ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَذَابٍ فَيَدْخُلُونَهَا الْآنَ بِدَلِيلِ عُمُومِ الْحَدِيثِ وَقِيلَ بَلْ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَفْنِيَةِ قُبُورِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ وَفِي غَيْرِ مُسْلِمٍ بِطَيْرٍ خُضْرٍ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ بِحَوَاصِلِ طَيْرٍ وَفِي الْمُوَطَّأِ إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَيْرٌ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ قَتَادَةَ فِي صُورَةِ طَيْرٍ أَبْيَضَ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى هَذَا الْأَشْبَهُ صِحَّةُ قَوْلِ مَنْ قَالَ طَيْرٌ أَوْ صُورَةُ طَيْرٍ وَهُوَ أَكْثَرُ مَا جَاءَتْ بِهِ الرواية لاسيما مَعَ قَوْلِهِ تَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ تَحْتَ الْعَرْشِ قَالَ الْقَاضِي وَاسْتَبْعَدَ بَعْضُهُمْ هَذَا وَلَمْ يُنْكِرْهُ آخَرُونَ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُنْكَرُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ بَلْ رِوَايَةُ طَيْرٍ أَوْ جَوْفِ طَيْرٍ أَصَحُّ مَعْنًى وَلَيْسَ لِلْأَقْيِسَةِ وَالْعُقُولِ فِي هَذَا حُكْمٌ وَكُلُّهُ مِنَ الْمُجَوَّزَاتِ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ هَذِهِ الرُّوحَ إِذَا خَرَجَتْ من المؤمن أوالشهيد فِي قَنَادِيلَ أَوْ أَجْوَافِ طَيْرٍ أَوْ حَيْثُ يشاء كان ذلك ووقع ولم يبعد لاسيما مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَرْوَاحَ أَجْسَامٌ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ إِنَّ هَذَا الْمُنَعَّمَ أَوِ الْمُعَذَّبَ مِنَ الْأَرْوَاحِ جُزْءٌ مِنَ الْجَسَدِ تَبْقَى فِيهِ الرُّوحُ وَهُوَ الَّذِي يَتَأَلَّمُ وَيُعَذَّبُ وَيَلْتَذُّ وَيُنَعَّمُ وَهُوَ الذى يقول رب ارجعون وَهُوَ الَّذِي يَسْرَحُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ فَغَيْرُ مُسْتَحِيلٍ أَنْ يُصَوَّرَ هَذَا الْجُزْءُ طَائِرًا أَوْ يُجْعَلَ فِي جَوْفِ طَائِرٍ وَفِي قَنَادِيلَ تَحْتَ الْعَرْشِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُرِيدُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ الْقَاضِي وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الروح ما هي اختلافا لايكاد يُحْصَرُ فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَرْبَابِ الْمَعَانِي وَعِلْمِ الباطن المتكلمين لاتعرف حقيقته ولايصح وَصْفُهُ وَهُوَ مِمَّا جَهِلَ الْعِبَادُ عِلْمَهُ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَغَلَتِ الْفَلَاسِفَةُ فَقَالَتْ بِعَدَمِ الرُّوحِ وَقَالَ جُمْهُورُ الْأَطِبَّاءِ هُوَ الْبُخَارُ اللَّطِيفُ السَّارِي فِي الْبَدَنِ وَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْ شُيُوخِنَا هُوَ الْحَيَاةُ وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ أَجْسَامٌ لَطِيفَةٌ مُشَابِكَةٌ لِلْجِسْمِ يَحْيَى لِحَيَاتِهِ أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى الْعَادَةَ بِمَوْتِ الْجِسْمِ عِنْدَ فِرَاقِهِ وَقِيلَ هُوَ بَعْضُ الْجِسْمِ وَلِهَذَا وُصِفَ بِالْخُرُوجِ وَالْقَبْضِ وَبُلُوغِ الْحُلْقُومِ وَهَذِهِ صِفَةُ الأجسام لاالمعانى وَقَالَ بَعْضُ مُقَدَّمِي أَئِمَّتِنَا هُوَ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُتَصَوَّرٌ عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ دَاخِلَ الْجِسْمِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَغَيْرُهُمْ إِنَّهُ النَّفَسُ الدَّاخِلُ

(باب فضل الحهاد والرباط)

وَالْخَارِجُ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ الدَّمُ هَذَا مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الرُّوحَ أَجْسَامٌ لَطِيفَةٌ مُتَخَلِّلَةٌ فِي الْبَدَنِ فَإِذَا فَارَقَتْهُ مَاتَ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا فِي النَّفْسِ وَالرُّوحِ فَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَهُمَا لَفْظَانِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ وَقِيلَ إِنَّ النَّفْسَ هِيَ النَّفَسُ الدَّاخِلُ وَالْخَارِجُ وَقِيلَ هِيَ الدَّمُ وَقِيلَ هِيَ الْحَيَاةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ تَعَلَّقَ بِحَدِيثِنَا هَذَا وَشِبْهِهِ بَعْضُ الْمَلَاحِدَةِ الْقَائِلِينَ بِالتَّنَاسُخِ وَانْتِقَالِ الْأَرْوَاحِ وَتَنْعِيمِهَا فِي الصُّوَرِ الْحِسَانِ الْمُرَفَّهَةِ وَتَعْذِيبِهَا فِي الصُّوَرِ الْقَبِيحَةِ الْمُسَخَّرَةِ وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا هُوَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ وَهَذَا ضَلَالٌ بَيِّنٌ وَإِبْطَالٌ لِمَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرَائِعُ مِنَ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ يَعْنِي يَوْمَ يَجِيءُ بِجَمِيعِ الْخَلْقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا إِلَخْ) هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي إِكْرَامِهِمْ وَتَنْعِيمِهِمْ إِذْ قَدْ أَعْطَاهُمُ اللَّهُ مَا لايخطر عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ثُمَّ رَغَّبَهُمْ فِي سُؤَالِ الزِّيَادَةِ فَلَمْ يَجِدُوا مَزِيدًا عَلَى مَا أَعْطَاهُمْ فسألوه حين رأوه أنه لابد مِنْ سُؤَالٍ أَنْ يُرْجِعَ أَرْوَاحَهُمْ إِلَى أَجْسَادِهِمْ ليجاهدوا ويبذلوا أَنْفُسَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَسْتَلِذُّوا بِالْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب فَضْلِ الحهاد وَالرِّبَاطِ) [1888] قَوْلُهُ (أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ فَقَالَ رَجُلٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ) قَالَ الْقَاضِي هَذَا عَامٌّ

مَخْصُوصٌ وَتَقْدِيرُهُ هَذَا مِنْ أَفْضَلِ النَّاسِ وَإِلَّا فَالْعُلَمَاءُ أَفْضَلُ وَكَذَا الصِّدِّيقُونَ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَعْبُدُ رَبَّهُ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ بِتَفْضِيلِ الْعُزْلَةِ عَلَى الِاخْتِلَاطِ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الِاخْتِلَاطَ أَفْضَلُ بِشَرْطِ رَجَاءِ السَّلَامَةِ مِنَ الْفِتَنِ وَمَذْهَبُ طَوَائِفَ أَنَّ الِاعْتِزَالَ أَفْضَلَ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاعْتِزَالِ فِي زَمَنِ الْفِتَنِ وَالْحُرُوبِ أَوْ هُوَ فِيمَنْ لَا يَسْلَمُ النَّاسُ مِنْهُ وَلَا يَصْبِرُ عَلَيْهِمْ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْخُصُوصِ وَقَدْ كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَجَمَاهِيرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْعُلَمَاءِ وَالزُّهَّادِ مُخْتَلِطِينَ فَيُحَصِّلُونَ مَنَافِعَ الِاخْتِلَاطِ كَشُهُودِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْجَنَائِزِ وَعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَحِلَقِ الذِّكْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَمَّا الشِّعْبُ فَهُوَ مَا انْفَرَجَ بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْسَ الشِّعْبِ خُصُوصًا بَلِ الْمُرَادُ الِانْفِرَادُ وَالِاعْتِزَالُ وَذَكَرَ الشِّعْبَ مِثَالًا لِأَنَّهُ خَالٍ عَنِ النَّاسِ غَالِبًا وَهَذَا الْحَدِيثُ نَحْوُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ حِينَ سُئِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّجَاةِ فَقَالَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ [1889] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ لَهُمْ رَجُلٌ مُمْسِكٌ

عِنَانَ فَرَسِهِ) الْمَعَاشُ هُوَ الْعَيْشُ وَهُوَ الْحَيَاةُ وَتَقْدِيرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ خَيْرِ أَحْوَالِ عَيْشِهِمْ رَجُلٌ مُمْسِكٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَطِيرُ عَلَى مَتْنِهِ كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزْعَةً طَارَ عَلَى مَتْنِهِ يَبْتَغِي الْقَتْلَ وَالْمَوْتَ مَظَانَّهُ) مَعْنَاهُ يُسَارِعُ عَلَى ظَهْرِهِ وَهُوَ مَتْنُهُ كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً وَهِيَ الصَّوْتُ عِنْدَ حُضُورِ العدو وهى بفتح الهاء وإسكان الياء والفزعة بِإِسْكَانِ الزَّايِ وَهِيَ النُّهُوضُ إِلَى الْعَدُوِّ وَمَعْنَى يَبْتَغِي الْقَتْلَ مَظَانَّهُ يَطْلُبُهُ فِي مَوَاطِنِهِ الَّتِي يُرْجَى فِيهَا لِشِدَّةِ رَغْبَتِهِ فِي الشَّهَادَةِ وَفِي هذا الحديث فضيلة الجهاد والرباط وَالْحِرْصُ عَلَى الشَّهَادَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوْ رَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ فِي رَأْسِ شَعَفَةٍ) الْغُنَيْمَةُ بِضَمِّ الْغَيْنِ تَصْغِيرُ الْغَنَمِ أَيْ قطعة منها والشعفة بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْعَيْنِ أَعْلَى الْجَبَلِ

(باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة)

(بَاب بَيَانِ الرَّجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يَدْخُلَانِ الْجَنَّةَ) [1890] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُسْتَشْهَدُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُسْلِمُ فَيُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُسْتَشْهَدُ) قَالَ الْقَاضِي الضَّحِكُ هُنَا اسْتِعَارَةٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ الضَّحِكُ الْمَعْرُوفُ فِي حَقِّنَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَصِحُّ مِنَ الْأَجْسَامِ وَمِمَّنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ تَغَيُّرُ الْحَالَاتِ وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الرِّضَا بِفِعْلِهِمَا وَالثَّوَابُ عَلَيْهِ وَحَمْدُ فِعْلِهِمَا وَمَحَبَّتُهُ وَتَلَقِّي رُسُلِ اللَّهِ لَهُمَا بِذَلِكَ لِأَنَّ الضَّحِكَ مِنْ أَحَدِنَا إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ مُوَافَقَتِهِ مَا يَرْضَاهُ وَسُرُورِهِ وَبِرِّهِ لِمَنْ يَلْقَاهُ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُنَا ضَحِكُ مَلَائِكَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِينَ يُوَجِّهُهُمْ لِقَبْضِ رُوحِهِ وَإِدْخَالِهِ الْجَنَّةَ كَمَا يُقَالُ قَتَلَ السُّلْطَانُ فُلَانًا أَيْ أَمَرَ بِقَتْلِهِ

باب من قتل كافرا ثم سدد

(باب من قتل كافرا ثم سدد) [1891] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَجْتَمِعُ كَافِرٌ وَقَاتِلُهُ فِي النَّارِ أَبَدًا) وَفِي رِوَايَةٍ لايجتمعان فِي النَّارِ اجْتِمَاعًا يَضُرُّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ قِيلَ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مُؤْمِنٌ قَتَلَ كَافِرًا ثُمَّ سَدَّدَ قَالَ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا مُخْتَصٌّ بِمَنْ قَتَلَ كَافِرًا فِي الْجِهَادِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُكَفِّرًا لِذُنُوبِهِ حَتَّى لَا يُعَاقَبَ عَلَيْهَا أَوْ يَكُونُ بِنِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ أَوْ حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عِقَابُهُ إِنْ عُوقِبَ بِغَيْرِ النَّارِ كَالْحَبْسِ فِي الْأَعْرَافِ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ أَوَّلًا وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ أَوْ يَكُونَ إِنْ عُوقِبَ بِهَا فى غير موضع عقاب الكفار ولايجتمعان فِي إِدْرَاكِهَا قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (اجْتِمَاعًا يَضُرُّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ) فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اجْتِمَاعٌ مَخْصُوصٌ قَالَ وَهُوَ مُشْكِلُ الْمَعْنَى وأوجه مافيه أن يكون معناه ماأشرنا إليه أنهما لايجتمعان فِي وَقْتٍ إِنِ اسْتَحَقَّ الْعِقَابَ فَيُعَيِّرُهُ بِدُخُولِهِ مَعَهُ وَأَنَّهُ لَمْ يَنْفَعْهُ إِيمَانُهُ وَقَتْلُهُ إِيَّاهُ وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ هَذَا فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ لَكِنْ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُؤْمِنٌ قَتَلَ كَافِرًا ثُمَّ سَدَّدَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا سَدَّدَ وَمَعْنَاهُ اسْتَقَامَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمُثْلَى وَلَمْ يَخْلِطْ لَمْ يَدْخُلِ النَّارَ أَصْلًا سَوَاءٌ قَتَلَ كَافِرًا أَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ قَالَ الْقَاضِي وَوَجْهُهُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ ثُمَّ سَدَّدَ عَائِدًا عَلَى الْكَافِرِ الْقَاتِلِ وَيَكُونُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ السَّابِقِ يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يَدْخُلَانِ الْجَنَّةَ وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ تَغَيَّرَ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَأَنَّ صَوَابَهُ مُؤْمِنٌ قَتَلَهُ كَافِرٌ ثُمَّ سَدَّدَ وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ لايجتمعان فِي النَّارِ اجْتِمَاعًا يَضُرُّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَيْ لايدخلانها لِلْعِقَابِ وَيَكُونُ هَذَا اسْتِثْنَاءً مِنِ اجْتِمَاعِ الْوُرُودِ وَتَخَاصُمِهِمْ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ القاضي

باب فضل الصدقة فى سبيل الله تعالى وتضعيفها

(باب فضل الصدقة فى سبيل الله تعالى وتضعيفها) [1892] قَوْلُهُ (جَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ فَقَالَ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُمِائَةِ نَاقَةٍ كُلُّهَا مَخْطُومَةٌ) مَعْنَى مَخْطُومَةٌ أَيْ فِيهَا خِطَامٌ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الزِّمَامِ وَسَبَقَ شَرْحُهُ مَرَّاتٍ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ لَهُ أَجْرُ سَبْعِمِائَةِ نَاقَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَكُونَ لَهُ فِي الْجَنَّةِ بِهَا سَبْعُمِائَةٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَخْطُومَةٌ يَرْكَبُهُنَّ حَيْثُ شَاءَ لِلتَّنَزُّهِ كَمَا جَاءَ فِي خَيْلِ الْجَنَّةِ وَنَجْبِهَا وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب فَضْلِ إِعَانَةِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِمَرْكُوبٍ وَغَيْرِهِ وَخِلَافَتِهِ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ) [1893] قَوْلُهُ (أُبْدِعَ بِي) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بُدِّعَ بى بحذف الهمزة وبتشديد الدَّالِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جُمْهُورِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ قَالَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ وَمَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَآخَرُونَ

بِالْأَلِفِ وَمَعْنَاهُ هَلَكَتْ دَابَّتِي وَهِيَ مَرْكُوبِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ) فِيهِ فَضِيلَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى الْخَيْرِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وَالْمُسَاعَدَةِ لِفَاعِلِهِ وفيه فضيلة تعليم العلم ووظائف العبادات لاسيما لِمَنْ يَعْمَلُ بِهَا مِنَ الْمُتَعَبِّدِينَ وَغَيْرِهِمْ وَالْمُرَادُ بِمِثْلِ أَجْرِ فَاعِلِهِ أَنَّ لَهُ ثَوَابًا بِذَلِكَ الفعل كما أن لفاعله ثوابا ولايلزم أَنْ يَكُونَ قَدْرُ ثَوَابِهِمَا سَوَاءً [1894] قَوْلُهُ (إِنَّ فتى من أسلم قال يارسول اللَّهِ إِنِّي أُرِيدَ الْغَزْوَ وَلَيْسَ مَعِي مَا أَتَجَهَّزُ بِهِ قَالَ ائْتِ فُلَانًا فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ تَجَهَّزَ فَمَرِضَ إِلَى آخِرِهِ) فِيهِ فَضِيلَةُ الدلالة على الخير وفيه أن مانوى الْإِنْسَانُ صَرْفَهُ فِي جِهَةِ بِرٍّ فَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْجِهَةُ يُسْتَحَبُّ لَهُ بَذْلُهُ فِي جِهَةٍ أُخْرَى مِنَ الْبِرِّ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِالنَّذْرِ قَوْلُهُ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1895] (مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا) أَيْ حَصَلَ لَهُ أَجْرٌ بِسَبَبِ الْغَزْوِ وَهَذَا الْأَجْرُ يَحْصُلُ بِكُلِّ جِهَادٍ وَسَوَاءٌ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَلِكُلِّ خَالِفٍ لَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ مِنْ قَضَاءِ حَاجَةٍ لَهُمْ وَإِنْفَاقٍ عَلَيْهِمْ أَوْ مُسَاعَدَتِهِمْ فِي أَمْرِهِمْ وَيَخْتَلِفُ قَدْرُ الثَّوَابِ بِقِلَّةِ ذَلِكَ وَكَثْرَتِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَى مَنْ فَعَلَ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ قَامَ بِأَمْرٍ مِنْ مُهِمَّاتِهِمْ قَوْلُهُ [1896] (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِي لِحْيَانَ مِنْ هُذَيْلٍ فَقَالَ لِيَنْبَعِثْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا) أَمَّا بَنُو لِحْيَانَ فَبِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَشْهَرُ وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ بَنِي لِحْيَانَ كَانُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كُفَّارًا فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ بَعْثًا يَغْزُونَهُمْ وَقَالَ لِذَلِكَ الْبَعْثِ لِيَخْرُجْ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ نِصْفُ عَدَدِهَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا وَأَمَّا كَوْنُ الْأَجْرِ بَيْنَهُمَا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا خَلَفَ الْمُقِيمُ الْغَازِيَ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ كَمَا شَرَحْنَاهُ قَرِيبًا وَكَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي بَاقِي الْأَحَادِيثِ قوله (فى

باب حرمة نساء المجاهدين وإثم من خانهم فيهن

إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِيِّ) هُوَ بِالرَّاءِ وَاسْمُهُ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْنَصْرِيُّ بِالنُّونِ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى شَدَّادِ بْنِ الْهَادِي وَيُقَالُ مَوْلَى مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ وَيُقَالُ مَوْلَى دَوْسٍ وَيُقَالُ لَهُ سَالِمُ سَبَلَاتٍ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ وَهُوَ سَالِمُ الْبُرْدِ بِالرَّاءِ وَآخِرُهُ دَالٌ وَهُوَ سَالِمٌ مَوْلَى النَّصْرِيِّينَ بِالنُّونِ وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى شَدَّادٍ وَهُوَ سَالِمٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ وَهُوَ سَالِمٌ مَوْلَى مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ وَهُوَ سَالِمٌ مَوْلَى الْمَهْرَبَيْنِ وَهُوَ سَالَمٌ مَوْلَى دَوْسٍ وَهُوَ سَالِمٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الدَّوْسِيُّ وَلِسَالِمٍ هَذَا نَظَائِرُ فِي هَذَا وهو أن يكون للانسان أسماء أوصفات وَتَعْرِيفَاتٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ إِنْسَانٍ بِوَاحِدٍ مِنْهَا وَصَنَّفَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْمِصْرِيُّ فِي هذا كتابا حسنا وصنف فيه غيره (باب حرمة نساء المجاهدين وإثم من خانهم فيهن) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1897] (حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ) هَذَا فِي شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا تَحْرِيمُ التَّعَرُّضِ لَهُنَّ بِرِيبَةٍ مِنْ نَظَرٍ مُحَرَّمٍ وَخَلْوَةٍ وَحَدِيثٍ مُحَرَّمٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالثَّانِي فِي بِرِّهِنَّ

(باب سقوط فرض الجهاد عن المعذورين)

وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِنَّ وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِنَّ الَّتِي لَا يَتَرَتَّبُ عليها مفسدة ولايتوصل بِهَا إِلَى رِيبَةٍ وَنَحْوِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يَخُونُ الْمُجَاهِدَ فِي أَهْلِهِ (إِنَّ الْمُجَاهِدَ يَأْخُذُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ حَسَنَاتِهِ مَا شَاءَ فَمَا ظَنُّكُمْ) مَعْنَاهُ مَا تَظُنُّونَ فِي رَغْبَتِهِ فِي أَخْذِ حَسَنَاتِهِ وَالِاسْتِكْثَارِ منها فى ذلك المقام أى لايبقى مِنْهَا شَيْئًا إِنْ أَمْكَنَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب سُقُوطِ فَرْضِ الْجِهَادِ عَنْ الْمَعْذُورِينَ) [1898] قَوْلُهُ (فَجَاءَ بِكَتِفٍ يَكْتُبُهَا) فِيهِ جَوَازُ كِتَابَةِ الْقُرْآنِ فِي الْأَلْوَاحِ وَالْأَكْتَافِ وَفِيهِ طَهَارَةُ عَظْمِ الْمُذَكَّى وَجَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من المؤمنين غير أولى الضرر الْآيَةَ فِيهِ دَلِيلٌ لِسُقُوطِ الْجِهَادِ عَنِ الْمَعْذُورِينَ ولكن لايكون ثَوَابُهُمْ ثَوَابَ الْمُجَاهِدِينَ بَلْ لَهُمْ ثَوَابُ نِيَّاتِهِمْ إِنْ كَانَ لَهُمْ نِيَّةٌ صَالِحَةٌ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَفِيهِ أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضُ

باب ثبوت الجنة للشهيد

كِفَايَةٍ لَيْسَ بِفَرْضِ عَيْنٍ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْضَ عَيْنٍ وَبَعْدَهُ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ فَرْضَ كِفَايَةٍ مِنْ حِينِ شُرِعَ وَهَذِهِ الْآيَةُ ظَاهِرَةٌ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عظيما وقوله تعالى غير أولى الضرر قُرِئَ غَيْرَ بِنَصْبِ الرَّاءِ وَرَفْعِهَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فى السبع قرأ نافع وبن عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ بِنَصْبِهَا وَالْبَاقُونَ بِرَفْعِهَا وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ بِجَرِّهَا فَمَنْ نَصَبَ فَعَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَمَنْ رَفَعَ فَوَصْفٌ لِلْقَاعِدِينَ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُمْ وَمَنْ جَرَّ فَوَصْفٌ لِلْمُؤْمِنِينَ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُمْ قَوْلُهُ (فشكا إليه بن أُمِّ مَكْتُومٍ ضَرَارَتَهُ) أَيْ عَمَاهُ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا ضَرَارَتَهُ بِفَتْحِ الضَّادِ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَشَارِقِ وَالْمَطَالِعِ عَنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ أنه ضبط ضررا به والصواب الأول (باب ثبوت الجنة للشهيد) [1899] (قال رجل أين أنا يارسول اللَّهِ إِنْ قُتِلْتُ قَالَ فِي الْجَنَّةِ فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ كُنَّ فِي يَدِهِ ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ فِيهِ ثُبُوتُ

الجنة للشهيد وفيه المبادرة بالخير وأنه لايشتغل عَنْهُ بِحُظُوظِ النُّفُوسِ [1900] قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ الْمِصِّيصِيُّ) بِالْجِيمِ وَالنُّونِ وَأَمَّا الْمِصِّيصِيُّ فَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَالصَّادِ الْمُشَدَّدَةِ وَيُقَالُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الصَّادِ وَجْهَانِ مَعْرُوفَانِ الْأَوَّلُ أَشْهَرُ مَنْسُوبٌ إِلَى الْمِصِّيصَةِ الْمَدِينَةِ الْمَعْرُوفَةِ قَوْلُهُ (جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّبِيتِ هُوَ بِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ وَهُمْ قَبِيلَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ [1901] قَوْلُهُ (بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُسَيْسَةَ عَيْنًا) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بُسَيْسَةَ بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَضْمُومَةٍ وَبِسِينَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ تَحْتُ سَاكِنَةٌ قَالَ الْقَاضِي هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ قَالَ وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ قَالَ وَالْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ السِّيرَةِ بَسْبَسُ بِبَاءَيْنِ مُوَحَّدَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا سِينٌ سَاكِنَةٌ وَهُوَ بسبس بن عمرو ويقال بن بِشْرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنَ الْخَزْرَجِ وَيُقَالُ حَلِيفٌ لَهُمْ قُلْتُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ اسْمًا لَهُ وَالْآخَرُ لَقَبًا وَقَوْلُهُ (عَيْنًا) أَيْ مُتَجَسِّسًا وَرَقِيبًا قَوْلُهُ (مَا صَنَعَتْ عَيرُ أَبِي سُفْيَانَ) هِيَ الدَّوَابُّ الَّتِي تَحْمِلُ الطَّعَامَ وَغَيْرَهُ مِنَ الْأَمْتِعَةِ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ الْعَيرُ هِيَ الْإِبِلُ وَالدَّوَابُّ تَحْمِلُ

الطعام وغيره من التجارات قال ولاتسمى عيرا إلااذا كَانَتْ كَذَلِكَ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ الْعَيْرُ الْإِبِلُ تَحْمِلُ الْمِيرَةَ وَجَمْعُهَا عِيَرَاتٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْيَاءِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ لَنَا طَلِبَةً فَمَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا فَلْيَرْكَبْ) هِيَ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ شيئا نطلبه والظهر الدَّوَابُّ الَّتِي تُرْكَبُ قَوْلُهُ (فَجَعَلَ رِجَالٌ يَسْتَأْذِنُونَهُ فِي ظُهْرَانِهِمْ) هُوَ بِضَمِّ الظَّاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ أَيْ مَرْكُوبَاتِهِمْ فِي هَذَا اسْتِحْبَابُ التَّوْرِيَةِ فِي الحرب وأن لايبين الْإِمَامُ جِهَةَ إِغَارَتِهِ وَإِغَارَةِ سَرَايَاهُ لِئَلَّا يَشِيعَ ذَلِكَ فَيَحْذَرَهُمُ الْعَدُوُّ قَوْلُهُ (فِي عُلُوِّ الْمَدِينَةِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (لايتقدمن أحد منكم إلى شئ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ) أَيْ قُدَّامَهُ مُتَقَدِّمًا فى ذلك الشئ لئلا يفوت شئ من المصالح التى لاتعلمونها قَوْلُهُ (عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ قَوْلُهُ (بَخٍ بَخٍ) فِيهِ لُغَتَانِ إِسْكَانُ الْخَاءِ وَكَسْرُهَا مُنَوَّنًا وَهِيَ كَلِمَةٌ تُطْلَقُ لِتَفْخِيمِ الْأَمْرِ وَتَعْظِيمِهِ فِي الْخَيْرِ قَوْلُهُ (لَا والله يارسول الله الارجاءة أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ رَجَاءَةَ بِالْمَدِّ وَنَصْبِ التَّاءِ وفى بعضها رجاء بلاتنوين وَفِي بَعْضِهَا بِالتَّنْوِينِ

مَمْدُودَانِ بِحَذْفِ التَّاءِ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ وَمَعْنَاهُ وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُهُ لِشَيْءٍ إِلَّا لِرَجَاءِ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا قَوْلُهُ (فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ) هُوَ بِقَافٍ وَرَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ نُونٍ أَيْ جُعْبَةِ النُّشَّابِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَغَارِبَةِ فِيهِ تَصْحِيفٌ قَوْلُهُ (لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التمرثم قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ) فِيهِ جَوَازُ الِانْغِمَارِ فِي الْكُفَّارِ وَالتَّعَرُّضِ لِلشَّهَادَةِ وَهُوَ جَائِزٌ بِلَا كَرَاهَةٍ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ [1902] قَوْلُهُ (وَهُوَ بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ وَيُقَالُ أَيْضًا بِحَضَرِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالضَّادِ بِحَذْفِ الْهَاءِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ إِنَّ الْجِهَادَ وَحُضُورَ مَعْرَكَةِ الْقِتَالِ طَرِيقٌ إِلَى الْجَنَّةِ وَسَبَبٌ لِدُخُولِهَا قَوْلُهُ (كَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ) هُوَ بِفَتْحِ

الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَبِالنُّونِ وَهُوَ غِمْدُهُ [677] قَوْلُهُ (وَكَانُوا بِالنَّهَارِ يَجِيئُونَ بِالْمَاءِ فَيَضَعُونَهُ فِي الْمَسْجِدِ) مَعْنَاهُ يَضَعُونَهُ فِي الْمَسْجِدِ مُسَبَّلًا لِمَنْ أَرَادَ اسْتِعْمَالَهُ لِطَهَارَةٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَفِيهِ جَوَازُ وَضْعِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ كَانُوا يَضَعُونَ أَيْضًا أَعْذَاقَ التَّمْرِ لِمَنْ أَرَادَهَا فِي الْمَسْجِدِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولاخلاف فِي جَوَازِ هَذَا وَفَضْلِهِ قَوْلُهُ (وَيَحْتَطِبُونَ فَيَبِيعُونَهُ وَيَشْتَرُونَ بِهِ الطَّعَامَ لِأَهْلِ الصُّفَّةِ) أَصْحَابُ الصُّفَّةِ هُمُ الْفُقَرَاءُ الْغُرَبَاءُ الَّذِينَ كَانُوا يَأْوُونَ إِلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ لَهُمْ فِي آخِرِهِ صُفَّةٌ وَهُوَ مَكَانٌ مُنْقَطِعٌ مِنَ الْمَسْجِدِ مُظَلَّلٌ عَلَيْهِ يَبِيتُونَ فِيهِ قَالَهُ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ وَالْقَاضِي وَأَصْلُهُ مِنْ صُفَّةِ الْبَيْتِ وهى شئ كَالظُّلَّةِ قُدَّامَهُ فِيهِ فَضِيلَةُ الصَّدَقَةِ وَفَضِيلَةُ الِاكْتِسَابِ مِنَ الْحَلَالِ لَهَا وَفِيهِ جَوَازُ الصُّفَّةِ فِي الْمَسْجِدِ وَجَوَازُ الْمَبِيتِ فِيهِ بِلَا كَرَاهَةٍ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا) فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلشُّهَدَاءِ وَثُبُوتُ الرِّضَا مِنْهُمْ وَلَهُمْ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى رَضِيَ الله عنهم ورضوا عنه

قَالَ الْعُلَمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِطَاعَتِهِمْ وَرَضُوا عَنْهُ بِمَا أَكْرَمَهُمْ بِهِ وَأَعْطَاهُمْ إِيَّاهُ مِنَ الْخَيْرَاتِ وَالرِّضَى مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِفَاضَةُ الْخَيْرِ وَالْإِحْسَانِ وَالرَّحْمَةِ فَيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ وَهُوَ أَيْضًا بِمَعْنَى إِرَادَتِهِ فَيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ [1903] قَوْلُهُ (لِيَرَانِي اللَّهُ مَا أَصْنَعُ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ لِيَرَانِي بِالْأَلِفِ وَهُوَ صَحِيحٌ ويكون ما أصنع بدلامن الضَّمِيرِ فِي أَرَانِي أَيْ لِيَرَى اللَّهُ مَا أَصْنَعُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ بِيَاءٍ بَعْدَ الرَّاءِ ثُمَّ نُونٍ مُشَدَّدَةٍ وَهَكَذَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَعَلَى هَذَا ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَيَرَيَنَّ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالرَّاءِ أَيْ يَرَاهُ اللَّهُ وَاقِعًا بَارِزًا وَالثَّانِي لَيُرِيَنَّ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ لَيُرِيَنَّ اللَّهُ النَّاسَ ما أصنعه وَيُبْرِزُهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ قَوْلُهُ (فَهَابَ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهَا) مَعْنَاهُ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ الْمُبْهَمَةِ أَيْ قَوْلُهُ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ مَخَافَةَ أَنْ يُعَاهِدَ اللَّهَ عَلَى غَيْرِهَا فَيَعْجَزَ عَنْهُ أَوْ تَضْعُفَ بِنْيَتُهُ عَنْهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَلِيَكُونَ إِبْرَاءً لَهُ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ قَوْلُهُ (وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّةِ أَجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ وَاهًا كَلِمَةُ تَحَنُّنٍ وَتَلَهُّفٍ قَوْلُهُ (أَجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ) مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَدَهُ رِيحَهَا مِنْ مَوْضِعِ الْمَعْرَكَةِ وَقَدْ ثَبَتَتِ الْأَحَادِيثُ أَنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ من مسيرة خمسمائة عام

(باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل

(بَاب مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العليا فهو فِي سَبِيلِ اللَّهُ) [1904] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنِ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْأَعْمَالَ إِنَّمَا تُحْسَبُ بِالنِّيَّاتِ الصَّالِحَةِ وَأَنَّ الْفَضْلَ الَّذِي وَرَدَ فِي الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَخْتَصُّ بِمَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هي العليا قَوْلُهُ (الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ) أَيْ لِيَذْكُرَهُ النَّاسُ بِالشَّجَاعَةِ وَهُوَ بِكَسْرِ الذَّالِ قَوْلُهُ (وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً) هِيَ الْأَنَفَةُ وَالْغَيْرَةُ وَالْمُحَامَاةُ عَنْ عَشِيرَتِهِ

(باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار)

قَوْلُهُ (فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِ وَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ إليه الا أنه كان قائما) فيه أنه لابأس أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَفْتِي وَاقِفًا إِذَا كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ مِنْ ضِيقِ مَكَانٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ طَالِبُ الْحَاجَةِ وَفِيهِ إِقْبَالُ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى مَنْ يُخَاطِبُهُ (بَاب مَنْ قَاتَلَ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ اسْتَحَقَّ النَّارَ) [1905] قَوْلُهُ (تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ لَهُ نَاتِلُ أَهْلِ الشَّامِ أَيُّهَا الشَّيْخُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقَالَ لَهُ نَاتِلٌ الشَّامِّيُّ هُوَ بِالنُّونِ فِي أَوَّلِهِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ تَاءٌ مُثَنَّاةٌ فَوْقُ وَهُوَ نَاتِلُ بْنُ قَيْسٍ الْحِزَامِيُّ الشَّامِيُّ مِنْ أَهْلِ فِلَسْطِينَ وَهُوَ تَابِعِيٌّ وَكَانَ أَبُوهُ صَحَابِيًّا وَكَانَ نَاتِلٌ كَبِيرَ قَوْمِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَازِي وَالْعَالِمِ وَالْجَوَّادِ وَعِقَابِهُمْ عَلَى فِعْلِهِمْ ذَلِكَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَإِدْخَالِهِمُ النَّارَ دَلِيلٌ عَلَى

(باب بيان قدر ثواب من غزا فغنم ومن لم يغنم)

تَغْلِيظِ تَحْرِيمِ الرِّيَاءِ وَشِدَّةِ عُقُوبَتِهِ وَعَلَى الْحَثِّ عَلَى وُجُوبِ الْإِخْلَاصِ فِي الْأَعْمَالِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مخلصين له الدين وفيه أن العمومات الْوَارِدَةَ فِي فَضْلِ الْجِهَادِ إِنَّمَا هِيَ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهَ تَعَالَى بِذَلِكَ مُخْلِصًا وَكَذَلِكَ الثَّنَاءُ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَعَلَى الْمُنْفِقِينَ فِي وُجُوهِ الْخَيْرَاتِ كُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى مُخْلِصًا قَوْلُهُ (تَفَرَّجَ النَّاسُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَيْ تَفَرَّقُوا بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمْ (بَاب بَيَانِ قَدْرِ ثَوَابِ مَنْ غَزَا فَغَنِمَ وَمَنْ لَمْ يَغْنَمْ) [1906] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُصِيبُونَ الْغَنِيمَةَ إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ

أَجْرِهِمْ مِنَ الْآخِرَةِ وَيَبْقَى لَهُمُ الثُّلُثُ وَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فَتَغْنَمُ وَتَسْلَمُ إِلَّا كَانُوا قَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أُجُورِهِمْ وَمَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ تُخْفِقُ وَتُصَابُ إِلَّا تَمَّ أُجُورُهُمْ قَالَ أَهْلُ اللغة الاخفاق أن يغزو فَلَا يَغْنَمُوا شَيْئًا وَكَذَلِكَ كُلُّ طَالِبِ حَاجَةٍ إِذَا لَمْ تَحْصُلْ فَقَدْ أَخْفَقَ وَمِنْهُ أَخْفَقَ الصَّائِدُ إِذَا لَمْ يَقَعْ لَهُ صَيْدٌ وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَالصَّوَابُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ أَنَّ الْغُزَاةَ إِذَا سَلِمُوا أَوْ غَنِمُوا يَكُونُ أَجْرُهُمْ أَقَلَّ مِنْ أَجْرِ مَنْ لَمْ يَسْلَمْ أَوْ سَلِمَ وَلَمْ يَغْنَمْ وَأَنَّ الْغَنِيمَةَ هِيَ فِي مُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنْ أَجْرِ غَزْوِهِمْ فَإِذَا حَصَلَتْ لَهُمْ فَقَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمُ الْمُتَرَتَّبَ عَلَى الْغَزْوِ وَتَكُونُ هَذِهِ الْغَنِيمَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَجْرِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنِ الصَّحَابَةِ كَقَوْلِهِ مِنَّا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا أَيْ يَجْتَنِيهَا فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَأْتِ حَدِيثٌ صَرِيحٌ صَحِيحٌ يُخَالِفُ هَذَا فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَقَدِ اخْتَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَعْنَى هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بَعْدَ حِكَايَتِهِ فِي تَفْسِيرِهِ أَقْوَالًا فَاسِدَةً مِنْهَا قَوْلُ مَنْ زعم أن هذا الحديث ليس بصحيح ولايجوز أَنْ يَنْقُصَ ثَوَابُهُمْ بِالْغَنِيمَةِ كَمَا لَمْ يَنْقُصْ ثَوَابُ أَهْلِ بَدْرٍ وَهُمْ أَفْضَلُ الْمُجَاهِدِينَ وَهِيَ أَفْضَلُ غَنِيمَةٍ قَالَ وَزَعَمَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ أَنَّ أَبَا هَانِئٍ حُمَيْدَ بْنَ هَانِئٍ رَاوِيَةٌ مَجْهُولٌ وَرَجَّحُوا الْحَدِيثَ السَّابِقَ فِي أَنَّ الْمُجَاهِدَ يَرْجِعُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ فَرَجَّحُوهُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ لِشُهْرَتِهِ وَشُهْرَةِ رِجَالِهِ وَلِأَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَذَا فِي مُسْلِمٍ خَاصَّةً وَهَذَا الْقَوْلٌ بَاطِلٌ مِنْ أَوْجُهٍ فَإِنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ رُجُوعُهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ وَلَمْ يَقُلْ إِنَّ الْغَنِيمَةَ تَنْقُصُ الْأَجْرَ أَمْ لَا وَلَا قَالَ أَجْرُهُ كَأَجْرِ مَنْ لَمْ يَغْنَمْ فَهُوَ مُطْلَقٌ وَهَذَا مُقَيَّدٌ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ أَبُو هَانِئٍ مَجْهُولٌ فَغَلَطٌ فَاحِشٌ بَلْ هُوَ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ رَوَى عنه الليث بن سعد وحيوة وبن وَهْبٍ وَخَلَائِقُ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَيَكْفِي فِي تَوْثِيقِهِ احْتِجَاجُ مُسْلِمٍ بِهِ فِي صَحِيحِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ أنه

(باب قوله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنية

لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَلَيْسَ لَازِمًا فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ كَوْنُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَا فِي أَحَدِهِمَا وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي غَنِيمَةِ بَدْرٍ فَلَيْسَ فِي غَنِيمَةِ بَدْرٍ نَصٌّ أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَغْنَمُوا لَكَانَ أَجْرُهُمْ عَلَى قَدْرِ أَجْرِهِمْ وَقَدْ غَنِمُوا فَقَطْ وَكَوْنُهُمْ مَغْفُورًا لَهُمْ مَرَضِيًّا عَنْهُمْ وَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَا يَلْزَمُ أَلَّا تَكُونَ وَرَاءَ هَذَا مَرْتَبَةٌ أُخْرَى هِيَ أَفْضَلُ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ شَدِيدُ الْفَضْلِ عَظِيمُ الْقَدْرِ وَمِنَ الْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ لَعَلَّ الَّذِي تَعَجَّلَ ثُلُثَيْ أَجْرِهِ إِنَّمَا هُوَ فِي غَنِيمَةٍ أُخِذَتْ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ إِذْ لَوْ كَانَتْ عَلَى خِلَافِ وَجْهِهَا لَمْ يَكُنْ ثُلُثُ الْأَجْرِ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الَّتِي أَخْفَقَتْ يَكُونُ لَهَا أَجْرٌ بِالْأَسَفِ عَلَى مَا فَاتَهَا مِنَ الْغَنِيمَةِ فَيُضَاعَفُ ثَوَابُهَا كَمَا يُضَاعَفُ لِمَنْ أُصِيبَ فِي مَالِهِ وَأَهْلِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ فَاسِدٌ مُبَايِنٌ لِصَرِيحِ الْحَدِيثِ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ خَرَجَ بِنِيَّةِ الْغَزْوِ وَالْغَنِيمَةِ مَعًا فَنَقَصَ ثَوَابُهُ وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْغَزْوِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ) [1907] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ) الْحَدِيثَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عِظَمِ مَوْقِعِ هَذَا الْحَدِيثِ وَكَثْرَةِ فَوَائِدِهِ وَصِحَّتِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ هُوَ ثُلُثُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَدْخُلُ فِي سَبْعِينَ بَابًا مِنَ الْفِقْهِ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ رُبْعُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَغَيْرُهُ يَنْبَغِي لِمَنْ صَنَّفَ كِتَابًا أَنْ يَبْدَأَ فِيهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَنْبِيهًا لِلطَّالِبِ عَلَى تَصْحِيحِ النِّيَّةِ وَنَقَلَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا

عَنِ الْأَئِمَّةِ مُطْلَقًا وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ وغيره فابتدؤا به قبل كل شئ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ قَالَ الْحُفَّاظُ وَلَمْ يَصِحَّ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلَا عَنْ عُمَرَ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ وَلَا عَنْ عَلْقَمَةَ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ وَلَا عَنْ مُحَمَّدٍ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَعَنْ يَحْيَى انْتَشَرَ فَرَوَاهُ عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ مِائَتَيْ إِنْسَانٍ أَكْثَرُهُمْ أَئِمَّةٌ وَلِهَذَا قَالَ الْأَئِمَّةُ لَيْسَ هُوَ مُتَوَاتِرًا وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ لِأَنَّهُ فَقَدَ شَرْطَ التَّوَاتُرِ فِي أَوَّلِهِ وَفِيهِ طُرْفَةٌ مِنْ طُرَفِ الْإِسْنَادِ فَإِنَّهُ رَوَاهُ ثَلَاثَةٌ تَابِعِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ يَحْيَى وَمُحَمَّدٌ وَعَلْقَمَةُ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْأُصُولِ وَغَيْرُهُمْ لَفْظَةُ إِنَّمَا مَوْضُوعَةٌ لِلْحَصْرِ تُثْبِتُ الْمَذْكُورَ وَتَنْفِي مَا سِوَاهُ فَتَقْدِيرُ هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ الأعمال تحسب بنية ولاتحسب إِذَا كَانَتْ بِلَا نِيَّةٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أن الطهارة وهى الوضوء والغسل والتيمم لاتصح الا بالنية وكذلك الصلوة والزكوة وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالِاعْتِكَافُ وَسَائِرُ الْعِبَادَاتِ وَأَمَّا إِزَالَةُ النجاسة فالمشهور عندنا أنها لاتفتقر إِلَى نِيَّةٍ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ التُّرُوكِ والتَّرْكُ لايحتاج إِلَى نِيَّةٍ وَقَدْ نَقَلُوا الْإِجْمِاعَ فِيهَا وَشَذَّ بعض أصحابنا فأوجبها وهو باطل وَتَدْخُلُ النِّيَّةُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْقَذْفِ وَمَعْنَى دُخُولِهَا أَنَّهَا إِذَا قَارَنَتْ كِنَايَةً صَارَتْ كَالصَّرِيحِ وان أتى بصريح طلاق ونوى طلقتين أوثلاثا وَقَعَ مَا نَوَى وَإِنْ نَوَى بِصَرِيحٍ غَيْرِ مُقْتَضَاهُ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ولايقبل مِنْهُ فِي الظَّاهِرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (وانما لامرىء مَا نَوَى) قَالُوا فَائِدَةُ ذِكْرِهِ بَعْدَ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ بَيَانُ أَنَّ تَعْيِينَ الْمَنَوِيِّ شَرْطٌ فلو كان على انسان صلوة مقضية لايكفيه أن ينوى الصلوة الْفَائِتَةَ بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ كَوْنَهَا ظُهْرًا أَوْ غَيْرَهَا وَلَوْلَا اللَّفْظُ الثَّانِي لَاقْتَضَى الْأَوَّلُ صِحَّةَ النِّيَّةِ بِلَا تَعْيِينٍ أَوْ أَوْهَمَ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَنْ كَانَ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ ورسوله

(باب استحباب طلب الشهادة في سبيل الله تعالى)

مَعْنَاهُ مَنْ قَصَدَ بِهِجْرَتِهِ وَجْهَ اللَّهِ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ قَصَدَ بِهَا دُنْيَا أَوِ امْرَأَةً فَهِيَ حَظُّهُ وَلَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْهِجْرَةِ وَأَصْلُ الْهِجْرَةِ) 55 التَّرْكُ وَالْمُرَادُ هُنَا تَرْكُ الْوَطَنِ وَذِكْرُ الْمَرْأَةِ مَعَ الدُّنْيَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَاءَ أَنَّ سَبَبَ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ قَيْسٍ فَقِيلَ لَهُ مُهَاجِرُ أُمِّ قَيْسٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى زِيَادَةِ التَّحْذِيرِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ تَنْبِيهًا عَلَى مَزِيَّتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب اسْتِحْبَابِ طَلَبِ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهُ تَعَالَى) [1908] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقًا أُعْطِيَهَا وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ) [1909] وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ مَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى مُفَسَّرٌ مِنَ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَمَعْنَاهُمَا جَمِيعًا أَنَّهُ إِذَا سَأَلَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ أُعْطِيَ مِنْ ثَوَابِ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ كَانَ عَلَى فِرَاشِهِ وَفِيهِ استحباب سؤال الشهادة واستحباب نية الخير

باب ذم من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو

(باب ذم من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو) [1910] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ مَاتَ ولم يغزو ولم يحدث نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فَنُرَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَوْلُهُ نَرَى بِضَمِّ النُّونِ أَيْ نظن وهذا الذى قاله بن الْمُبَارَكِ مُحْتَمَلٌ وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُ إِنَّهُ عَامٌّ وَالْمُرَادُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَشْبَهَ المنافقين المتخلفين عن الجهاد فى هذاالوصف فَإِنَّ تَرْكَ الْجِهَادِ أَحَدُ شُعَبِ النِّفَاقِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ نَوَى فِعْلَ عِبَادَةٍ فمات قبل فعلها لايتوجه عَلَيْهِ مِنَ الذَّمِّ مَا يُتَوَجَّهُ عَلَى مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَنْوِهَا وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ تَمَكَّنَ مِنَ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فَأَخَّرَهَا بِنِيَّةِ أَنْ يَفْعَلَهَا فِي أَثْنَائِهِ فَمَاتَ قَبْلَ فِعْلِهَا أَوْ أَخَّرَ الْحَجَّ بَعْدَ التَّمَكُّنِ إِلَى سَنَةٍ أُخْرَى فَمَاتَ قَبْلَ فِعْلِهِ هَلْ يَأْثَمُ أَمْ لَا وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يَأْثَمُ فِي الحج دون الصلوة لان مدة الصلوة قَرِيبَةٌ فَلَا تُنْسَبُ إِلَى تَفْرِيطٍ بِالتَّأْخِيرِ بِخِلَافِ الحج وقيل يأثم فيهما وقيل لايأثم فِيهِمَا وَقِيلَ يَأْثَمُ فِي الْحَجِّ الشَّيْخُ دُونَ الشَّابِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب ثواب من حبسه عن الغزو مرض أو عذر آخر)

(بَاب ثَوَابِ مَنْ حَبَسَهُ عَنْ الْغَزْوِ مَرَضٌ أَوْ عُذْرٌ آخَرُ) [1911] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا ولا قطعتم واديا الاكانوا معكم حبسهم المرض) وفى رواية الاشركوكم فِي الْأَجْرِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ شَرِكَهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ بِمَعْنَى شَارَكَهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ النِّيَّةِ فِي الْخَيْرِ وَأَنَّ مَنْ نَوَى الْغَزْوَ وَغَيْرَهَ مِنَ الطَّاعَاتِ فَعَرَضَ لَهُ عُذْرٌ مَنَعَهُ حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ نِيَّتِهِ وَأَنَّهُ كُلَّمَا أَكْثَرَ مِنَ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ ذَلِكَ وَتَمَنَّى كَوْنَهُ مَعَ الْغُزَاةِ وَنَحْوِهُمْ كَثُرَ ثَوَابُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب فَضْلِ الْغَزْوِ فِي الْبَحْرِ) [1912] قَوْلُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ وَتَفْلِي رَأْسَهَ وَيَنَامُ عِنْدَهَا) اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واختلفوا فى كيفية ذلك فقال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ كَانَتْ إِحْدَى خَالَاتِهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ كَانَتْ خَالَةً لِأَبِيهِ

أَوْ لِجَدِّهِ لِأَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ كَانَتْ أُمُّهُ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَوْلُهُ (تَفْلِي) بِفَتْحِ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ فِيهِ جَوَازُ فَلْيِ الرَّأْسِ وَقَتْلِ الْقَمْلِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا قَتْلُ الْقَمْلِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُؤْذِيَاتِ مُسْتَحَبٌّ وَفِيهِ جَوَازُ مُلَامَسَةِ الْمَحْرَمِ فِي الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَجَوَازُ الْخَلْوَةِ بِالْمَحْرَمِ وَالنَّوْمِ عِنْدَهَا وَهَذَا كُلُّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَفِيهِ جَوَازُ أَكْلِ الضَّيْفِ عِنْدَ الْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ مِمَّا قَدَّمَتْهُ لَهُ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ وَيَعْلَمَ أَنَّهُ يَكْرَهُ أَكْلَهُ مِنْ طَعَامِهِ قَوْلُهَا (فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ) هَذَا الضَّحِكُ فَرَحًا وَسُرُورًا بِكَوْنِ أُمَّتِهِ تَبْقَى بَعْدَهُ مُتَظَاهِرَةً بِأُمُورِ الْإِسْلَامِ قَائِمَةً بِالْجِهَادِ حَتَّى فِي الْبَحْرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ) الثَّبَجُ بِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ جِيمٍ وَهُوَ ظَهْرُهُ وَوَسَطُهُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَرْكَبُونَ ظَهْرَ الْبَحْرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ) قِيلَ هُوَ صِفَةٌ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ صِفَةٌ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا أَيْ يَرْكَبُونَ مَرَاكِبَ الْمُلُوكِ لِسَعَةِ حَالِهِمْ وَاسْتِقَامَةِ أَمْرِهِمْ وَكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ قَوْلُهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ (ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِيَ مِنْهُمْ وَكَانَ دَعَا لَهَا فِي الْأُولَى قَالَ أَنْتِ مِنَ الْأَوَّلِينَ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رُؤْيَاهُ الثَّانِيَةَ غَيْرُ الْأُولَى وَأَنَّهُ عَرَضَ فِيهَا غَيْرَ الْأَوَّلِينَ وَفِيهِ مُعْجِزَاتٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا إِخْبَارُهُ بِبَقَاءِ أُمَّتِهِ بَعْدَهُ وَأَنَّهُ تَكُونُ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَقُوَّةٌ وَعَدَدٌ وَأَنَّهُمْ يَغْزُونَ وَأَنَّهُمْ يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ وَأَنَّ أُمَّ حَرَامٍ تَعِيشُ إِلَى ذَلِكَ الزَّمَانِ وَأَنَّهَا تَكُونُ مَعَهُمْ وَقَدْ وُجِدَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى كُلُّ ذَلِكَ وَفِيهِ فَضِيلَةٌ

لِتِلْكَ الْجُيُوشِ وَأَنَّهُمْ غُزَاةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مَتَى جَرَتِ الْغَزْوَةُ الَّتِي تُوُفِّيَتْ فِيهَا أُمُّ حَرَامٍ فِي الْبَحْرِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي مُسْلِمٍ أَنَّهَا رَكِبَتِ الْبَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا فَهَلَكَتْ قَالَ الْقَاضِي قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ السِّيَرِ وَالْأَخْبَارِ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنَّ فِيهَا ركبت أم حرام وزوجها إلى قبرص فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا هُنَاكَ فَتُوُفِّيَتْ وَدُفِنَتْ هُنَاكَ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ مَعْنَاهُ فِي زَمَانِ غَزْوِهِ فِي الْبَحْرِ لَا فِي أَيَّامِ خِلَافَتِهِ قَالَ وَقِيلَ بَلْ كَانَ ذَلِكَ فِي خِلَافَتِهِ قَالَ وَهُوَ أَظْهَرُ فِي دَلَالَةِ قَوْلِهِ فِي زَمَانِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ رُكُوبِ الْبَحْرِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَكَرِهَ مَالِكٌ رُكُوبَهَ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُنَّ غَالِبًا التَّسَتُّرُ فِيهِ وَلَا غَضُّ الْبَصَرِ عن المتصرفين فيه ولايؤمن انْكِشَافُ عَوْرَاتِهِنَّ فِي تَصَرُّفِهِنَّ لَا سِيَّمَا فِيمَا صَغُرَ مِنَ السُّفْيَانِ مَعَ ضَرُورَتِهِنَّ إِلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَنْعُ رُكُوبِهِ وَقِيلَ إِنَّمَا مَنَعَهُ الْعُمَرَانِ لِلتِّجَارَةِ وَطَلَبِ الدنيا لا للطاعات وقد روى عن بن عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيُ عَنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ إِلَّا لِحَاجٍّ أَوْ مُعْتَمِرٍ أَوْ غَازٍ وَضَعَّفَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ رُوَاتُهُ مَجْهُولُونَ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْقِتَالَ

فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَوْتَ فِيهِ سَوَاءٌ فِي الْأَجْرِ لِأَنَّ أُمَّ حَرَامٍ مَاتَتْ وَلَمْ تُقْتَلْ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ إِنَّهُمْ شُهَدَاءُ إِنَّمَا يَغْزُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكِنْ قَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا بِقَلِيلٍ حَدِيثَ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى (وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطْعَمَتْهُ) وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَتَزَوَّجَهَا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ بَعْدُ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةً لِعُبَادَةَ حَالَ دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا وَلَكِنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ إِنَّمَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَتُحْمَلُ الْأُولَى عَلَى مُوَافَقَةِ الثَّانِيَةِ وَيَكُونُ قَدْ أَخْبَرَ عَمَّا صار حالا لها بعد ذلك قوله (وحدثناه مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) هَكَذَا

(باب فضل الرباط في سبيل الله عز وجل)

هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ نُسَخِهِمْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ فَزَادَ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ (بَاب فَضْلِ الرِّبَاطِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) [1913] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَهْرَامٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا قَوْلُهُ (شُرَحْبِيلُ بْنِ السَّمِطِ) يُقَالُ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَيُقَالُ بِكَسْرِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ) هَذِهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْمُرَابِطِ وَجَرَيَانُ عَمَلِهِ عليه بَعْدَ مَوْتِهِ فَضِيلَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِهِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ وَقَدْ جَاءَ صَرِيحًا فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الْمُرَابِطَ فَإِنَّهُ يُنَمَّى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ) مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون وَالْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ أَنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمِنَ الْفُتَّانَ) ضَبَطُوا أَمِنَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَمِنَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ مِنْ غَيْرِ وَاوٍ والثانى أو من بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِوَاوٍ وَأَمَّا الْفُتَّانُ فَقَالَ الْقَاضِي رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ بِضَمِّ الْفَاءِ جَمْعُ فَاتِنٍ قَالَ وَرِوَايَةُ الطَّبَرِيِّ بِالْفَتْحِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ أُومِنَ مِنْ فَتَّانِي الْقَبْرِ

(باب بيان الشهداء)

(بَاب بَيَانِ الشُّهَدَاءِ) [1914] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهَ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ) فِيهِ فَضِيلَةُ إِمَاطَةِ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَهُوَ كُلُّ مُؤْذٍ وَهَذِهِ الْإِمَاطَةُ أَدْنَى شُعَبِ الْإِيمَانِ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ الله) وفى رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَذَكَرَ الْمَطْعُونَ وَالْمَبْطُونَ وَالْغَرِقَ وَصَاحِبَ الْهَدْمِ وَصَاحِبَ ذَاتِ الْجَنْبِ وَالْحَرِقَ وَالْمَرْأَةَ تَمُوتُ بِجُمْعٍ [1915] وَفِي رِوَايَةِ لِمُسْلِمٍ مَنْ قُتِلَ فِي سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ لَمْ يُخَرِّجَاهُ فَأَمَّا الْمَطْعُونُ فَهُوَ الَّذِي يَمُوتُ فِي الطَّاعُونِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَأَمَّا الْمَبْطُونُ فَهُوَ صَاحِبُ دَاءِ الْبَطْنِ وَهُوَ الْإِسْهَالُ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ هُوَ الَّذِي بِهِ الِاسْتِسْقَاءُ وَانْتِفَاخُ البطن وقيل

هُوَ الَّذِي تَشْتَكِي بَطْنُهُ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَمُوتُ بِدَاءِ بَطْنِهِ مُطْلَقًا وَأَمَّا الْغَرِقُ فَهُوَ الَّذِي يَمُوتُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ من يموت تحته وصاحب ذَاتِ الْجَنْبِ مَعْرُوفٌ وَهِيَ قُرْحَةٌ تَكُونُ فِي الْجَنْبِ بَاطِنًا وَالْحَرِيقُ الَّذِي يَمُوتُ بِحَرِيقِ النَّارِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ فَهُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا وَالضَّمُّ أَشْهَرُ قِيلَ الَّتِي تَمُوتُ حَامِلًا جَامِعَةً وَلَدَهَا فِي بَطْنِهَا وَقِيلَ هِيَ الْبِكْرُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ فَمَعْنَاهُ بِأَيِّ صِفَةٍ مَاتَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَوْتَاتُ شَهَادَةً بِتَفَضُّلِ اللَّهِ تَعَالَى بِسَبَبِ شِدَّتِهَا وَكَثْرَةِ أَلَمِهَا وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي الصَّحِيحِ مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ صَحِيحٍ مَنْ قُتِلَ دُونَ سَيْفِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِشَهَادَةِ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ غَيْرِ الْمَقْتُولِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنَّهُمْ يَكُونُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ثَوَابُ الشُّهَدَاءِ وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَيُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بَيَانُ هَذَا وَأَنَّ الشُّهَدَاءَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ شَهِيدٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهُوَ الْمَقْتُولُ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ وَشَهِيدٌ فِي الْآخِرَةِ دُونَ أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَهُمْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ هُنَا وَشَهِيدٌ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ وَهُوَ مَنْ غَلَّ فِي الْغَنِيمَةِ أَوْ قُتِلَ مُدْبِرًا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَيَانٍ (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مُقْسِمٍ أَشْهَدُ عَلَى أَخِيكَ أَنَّهُ زَادَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَنْ غَرِقَ فَهُوَ شَهِيدٌ) هَكَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ بِلَادِنَا عَلَى أَخِيكَ بِالْخَاءِ

باب فضل الرمى والحث عليه وذم من علمه ثم نسيه

وَفِي بَعْضِهَا عَلَى أَبِيكَ بِالْبَاءِ وَهَذَا هُوَ الصواب قال القاضي وقع فى رواية بن مَاهَانَ عَلَى أَبِيكَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَفِي رِوَايَةِ الْجُلُودِيِّ عَلَى أَخِيكَ وَهُوَ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ عَلَى أَبِيكَ كَمَا سَبَقَ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ وَإِنَّمَا قاله بن مُقْسِمٍ لِسُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ وَكَذَا ذَكَرَهُ أَيْضًا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب فضل الرمى والحث عليه وذم من علمه ثم نسيه) [1917] قَوْلُهُ (ثُمَامَةَ بْنَ شُفَيٍّ) هُوَ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ فَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُشَدَّدَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قوة أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ قَالَهَا ثَلَاثًا) هَذَا تَصْرِيحٌ بِتَفْسِيرِهَا وَرَدَ لِمَا يَحْكِيهِ الْمُفَسِّرُونَ مِنَ الْأَقْوَالِ سِوَى هَذَا وَفِيهِ وَفِي الْأَحَادِيثِ بَعْدَهُ فَضِيلَةُ الرَّمْيِ وَالْمُنَاضَلَةِ وَالِاعْتِنَاءِ بِذَلِكَ بِنِيَّةِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ الْمُشَاجَعَةُ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ اسْتِعْمَالِ السِّلَاحِ وَكَذَا الْمُسَابَقَةُ بِالْخَيْلِ وَغَيْرِهَا كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَالْمُرَادُ بِهَذَا كُلِّهِ التَّمَرُّنُ عَلَى الْقِتَالِ وَالتَّدَرُّبُ وَالتَّحَذُّقُ فِيهِ وَرِيَاضَةُ الْأَعْضَاءِ بِذَلِكَ [1918] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرَضُونَ وَيَكْفِيكُمُ اللَّهُ فَلَا يَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَلْهُوَ بِأَسْهُمِهِ) الْأَرَضُونَ بِفَتْحِ الرَّاءِ على المشهور

(باب قوله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي

وحكى الجوهرى لغة شاذة بإسكانها ويعجز بِكَسْرِ الْجِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَبِفَتْحِهَا فِي لُغَةٍ ومعناه الندب إلى الرمى [1919] قوله (بن شَمَاسَةَ) بِضَمِّ الشِّينِ وَفَتْحِهَا قَوْلُهُ (لَمْ أُعَانِيهِ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ لَمْ أُعَانِيهِ بِالْيَاءِ وَفِي بَعْضِهَا لَمْ أُعَانِهِ بِحَذْفِهَا وَهُوَ الْفَصِيحُ وَالْأَوَّلُ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ سَبَقَ بَيَانُهَا مَرَّاتٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا أَوْ قَدْ عَصَى) هَذَا تَشْدِيدٌ عَظِيمٌ فِي نِسْيَانِ الرَّمْيِ بَعْدَ عِلْمِهِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً شَدِيدَةً لِمَنْ تركه بلاعذر وسبق تفسير فليس منافى كِتَابِ الْإِيمَانِ (بَاب قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ) [1920] قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (ولا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى

يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ مَعَ مَا يُشْبِهُهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ مِنَ الرِّيحِ الَّتِي تَأْتِي فَتَأْخُذُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَيْ تَقْرُبَ السَّاعَةُ وَهُوَ خُرُوجُ الرِّيحِ وَأَمَّا هَذِهِ الطَّائِفَةُ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ وَقَالَ

أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِنْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ الْحَدِيثِ فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إِنَّمَا أَرَادَ أَحْمَدُ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَمَنْ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَدِيثِ قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ مُفَرَّقَةٌ بَيْنَ أَنْوَاعِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ شُجْعَانٌ مُقَاتِلُونَ وَمِنْهُمْ فُقَهَاءُ وَمِنْهُمْ مُحَدِّثُونَ وَمِنْهُمْ زُهَّادٌ وَآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفَ وَنَاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَمِنْهُمْ أَهْلُ أَنْوَاعٍ أُخْرَى مِنَ الْخَيْرِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونُوا مُجْتَمَعِينَ بَلْ قَدْ يَكُونُونَ مُتَفَرِّقِينَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ فَإِنَّ هَذَا الْوَصْفَ مَا زَالَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْآنَ وَلَا يَزَالُ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ وَفِيهِ دَلِيلُ لِكَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً وَهُوَ أَصَحُّ مَا اسْتُدِلَّ بِهِ لَهُ مِنَ الْحَدِيثِ وَأَمَّا حَدِيثُ لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ فَضَعِيفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ) هُوَ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْوَاوِ أَيْ عَادَاهُمْ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ نَأَى إِلَيْهِمْ وَنَأَوْا إِلَيْهِ أَيْ نَهَضُوا لِلْقِتَالِ قَوْلُهُ (مسلمة بن مُخَلَّدٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَزَالُ أهل

(باب مراعاة مصلحة الدواب في السير والنهي عن

[1925] الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ) قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيُّ الْمُرَادُ بِأَهْلِ الْغَرْبِ الْعَرَبُ وَالْمُرَادُ بِالْغَرْبِ الدَّلْوُ الْكَبِيرُ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِهَا غَالِبًا وَقَالَ آخَرُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْغَرْبُ مِنَ الأرض وقال معاذهم بِالشَّامِ وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ آخِرُهُمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَقِيلَ هُمْ أَهْلُ الشَّامِ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ الْمُرَادُ بِأَهْلِ الْغَرْبِ أَهْلُ الشِّدَّةِ وَالْجَلَدِ وَغَرْبُ كُلِّ شَيْءٍ حَدُّهُ (بَاب مُرَاعَاةِ مَصْلَحَةِ الدَّوَابِّ فِي السَّيْرِ وَالنَّهْيِ عَنْ التَّعْرِيسِ فِي الطَّرِيقِ) [1926] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الْإِبِلَ حَظَّهَا مِنَ الْأَرْضِ وإِذَا سَافَرْتُمْ

بِهَا فِي السَّنَةِ فَبَادِرُوا بِهَا نِقْيَهَا) الْخِصْبُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَهُوَ كَثْرَةُ الْعُشْبِ وَالْمَرْعَى وَهُوَ ضِدُّ الْجَدْبِ وَالْمُرَادُ بِالسَّنَةِ هُنَا الْقَحْطُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ أى بالقحوط ونقيها بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَهُوَ الْمُخُّ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الرِّفْقِ بِالدَّوَابِّ وَمُرَاعَاةُ مَصْلَحَتِهَا فَإِنْ سَافَرُوا فِي الْخِصْبِ قَلَّلُوا السَّيْرَ وَتَرَكُوهَا تَرْعَى فِي بَعْضِ النَّهَارِ وَفِي أَثْنَاءِ السَّيْرِ فَتَأْخُذُ حَظَّهَا مِنَ الْأَرْضِ بِمَا تَرْعَاهُ مِنْهَا وَإِنْ سَافَرُوا فِي الْقَحْطِ عَجَّلُوا السَّيْرَ لِيَصِلُوا الْمَقْصِدَ وَفِيهَا بَقِيَّةٌ مِنْ قُوَّتِهَا وَلَا يُقَلِّلُوا السَّيْرَ فَيَلْحَقَهَا الضَّرَرُ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ مَا تَرْعَى فَتَضْعُفُ وَيَذْهَبُ نِقْيُهَا وَرُبَّمَا كَلَّتْ وَوَقَفَتْ وَقَدْ جَاءَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا عَرَّسْتُمْ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ فَإِنَّهَا طُرُقُ الدَّوَابِّ وَمَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ التَّعْرِيسُ النُّزُولُ فِي أَوَاخِرِ اللَّيْلِ لِلنَّوْمِ وَالرَّاحَةِ هَذَا قَوْلُ الْخَلِيلِ وَالْأَكْثَرِينَ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ هُوَ النُّزُولُ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْحَدِيثِ هُوَ الْأَوَّلُ وَهَذَا أَدَبٌ مِنْ آدَابِ السَّيْرِ وَالنُّزُولِ أَرْشَدَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الْحَشَرَاتِ وَدَوَابَّ الْأَرْضِ مِنْ ذَوَاتِ السُّمُومِ وَالسِّبَاعِ تَمْشِي فِي الليل على الطرق لِسُهُولَتِهَا وَلِأَنَّهَا تَلْتَقِطُ مِنْهَا مَا يَسْقُطُ مِنْ مَأْكُولٍ وَنَحْوِهِ وَمَا تَجِدُ فِيهَا مِنْ رِمَّةٍ وَنَحْوِهَا فَإِذَا عَرَّسَ الْإِنْسَانُ فِي الطَّرِيقِ رُبَّمَا مَرَّ بِهِ مِنْهَا مَا يُؤْذِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَبَاعَدَ عَنِ الطَّرِيقِ

(باب السفر قطعة من العذاب واستحباب تعجيل المسافر

(بَاب السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ وَاسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِ الْمُسَافِرِ إِلَى أَهْلِهِ بَعْدَ قَضَاءِ شُغْلِهِ) [1927] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) مَعْنَاهُ يَمْنَعُهُ كَمَالَهَا وَلَذِيذَهَا لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَالتَّعَبِ وَمُقَاسَاةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالسُّرَى وَالْخَوْفِ وَمُفَارَقَةِ الْأَهْلِ وَالْأَصْحَابِ وَخُشُونَةِ الْعَيْشِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ) النَّهْمَةُ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ هِيَ الْحَاجَةُ وَالْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ تَعْجِيلِ الرُّجُوعِ إِلَى الْأَهْلِ بَعْدَ قَضَاءِ شُغْلِهِ وَلَا يَتَأَخَّرُ بِمَا لَيْسَ لَهُ بِمُهِمٍّ (بَاب كَرَاهَةِ الطُّرُوقِ وَهُوَ الدُّخُولُ لَيْلًا لِمَنْ وَرَدَ مِنْ سَفَرٍ) [1928] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلًا وَكَانَ يَأْتِيهِمْ غَدْوَةً أَوْ عشية) وفى

رِوَايَةٍ إِذَا قَدِمَ أَحَدُكُمْ لَيْلًا فَلَا يَأْتِيَنَّ أَهْلَهُ طُرُوقًا حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَطَالَ الرَّجُلُ الْغَيْبَةَ أن يأتى أهله طروقا وفى الرواية الأخرى نَهَى أَنْ يَطْرُقَ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنَهُمْ أَوْ يطلب عثراتهم أما قوله صلى الله عليه وسلم في الأخيرة يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ فَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ أَيْ فِي اللَّيْلِ وَالطُّرُوقُ بِضَمِّ الطَّاءِ هُوَ الْإِتْيَانُ فِي اللَّيْلِ وَكُلُّ آتٍ فِي اللَّيْلِ فَهُوَ طَارِقٌ وَمَعْنَى تَسْتَحِدُّ الْمُغِيبَةُ أَيْ تُزِيلُ شَعْرَ عَانَتِهَا وَالْمَغِيبَةُ الَّتِي غَابَ زَوْجُهَا وَالِاسْتِحْدَادُ اسْتِفْعَالٌ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْحَدِيدَةِ وَهِيَ الْمُوسَى وَالْمُرَادُ إِزَالَتُهُ كَيْفَ كَانَ وَمَعْنَى يَتَخَوَّنُهُمْ يَظُنُّ خِيَانَتَهُمْ وَيَكْشِفُ أَسْتَارَهُمْ وَيَكْشِفُ هَلْ خَانُوا أَمْ لَا وَمَعْنَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا أَنَّهُ يكوه لِمَنْ طَالَ سَفَرُهُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَى امْرَأَتِهِ لَيْلًا بَغْتَةً فَأَمَّا مَنْ كَانَ سَفَرُهُ قَرِيبًا تَتَوَقَّعُ امْرَأَتُهُ إِتْيَانَهُ لَيْلًا فَلَا بَأْسَ كَمَا قَالَ فِي إِحْدَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ إِذَا أَطَالَ الرَّجُلُ الْغَيْبَةَ وَإِذَا كَانَ فِي قَفْلٍ عَظِيمٍ أَوْ عَسْكَرٍ وَنَحْوِهِمْ وَاشْتُهِرَ قُدُومُهُمْ وَوُصُولُهُمْ وَعَلِمَتِ امْرَأَتُهُ وَأَهْلُهُ أَنَّهُ

قَادِمٌ مَعَهُمْ وَأَنَّهُمُ الْآنَ دَاخِلُونَ فَلَا بَأْسَ بِقُدُومِهِ مَتَى شَاءَ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي نَهَى بِسَبَبِهِ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَتَأَهَّبُوا وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْدَمْ بَغْتَةً وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ مَا جَاءَ فِي [715] الْحَدِيثِ الْآخِرِ أَمْهِلُوا حَتَّى نَدْخُلَ لَيْلًا أَيْ عِشَاءً كَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ فَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ وَهُوَ مَفْرُوضٌ فِي أَنَّهُمْ أَرَادُوا الدُّخُولَ فِي أَوَائِلِ النَّهَارِ بَغْتَةً فَأَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ لِيَبْلُغَ قُدُومُهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ وَتَتَأَهَّبَ النِّسَاءُ وَغَيْرُهُنَّ والله أعلم

(كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان)

(كِتَاب الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَمَا يُؤْكَلُ مِنْ الْحَيَوَانِ) (بَاب الصَّيْدِ بِالْكِلَابِ الْمُعَلَّمَةِ) [1929] قَوْلُهُ (إنِّي أُرْسِلُ كِلَابِي الْمُعَلَّمَةَ إِلَى آخِرِهِ) مَعَ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الِاصْطِيَادِ فِيهَا كُلِّهَا إِبَاحَةُ الِاصْطِيَادِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هُوَ مُبَاحٌ لِمَنِ اصْطَادَ لِلِاكْتِسَابِ وَالْحَاجَةِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ بِالْأَكْلِ وَثَمَنِهِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنِ اصْطَادَ لِلَّهْوِ وَلَكِنْ قَصَدَ تَذْكِيَتَهُ وَالِانْتِفَاعَ بِهِ فَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَجَازَهُ الليث وبن عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ فَإِنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ نِيَّةِ التَّذْكِيَةِ فَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ فَسَادٌ فِي الْأَرْضِ وَإِتْلَافُ نَفْسٍ عَبَثًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ قُلْتُ وَإِنْ قَتَلْنَ قَالَ وَإِنْ قَتَلْنَ مَا لَمْ يُشْرِكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مَعَهَا) وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ فِي هَذَا الْأَمْرِ بِالتَّسْمِيَةِ عَلَى إِرْسَالِ الصَّيْدِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ عَلَى الصَّيْدِ وَعِنْدَ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَمْ سُنَّةٌ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ أَنَّهَا سُنَّةٌ فَلَوْ تَرَكَهَا سَهْوًا أَوْ عَمْدًا حَلَّ الصَّيْدُ وَالذَّبِيحَةُ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَمْ يَحِلَّ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ أَحْمَدَ فِي صَيْدِ الجوارح وهو مروى عن بن سِيرِينَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ إِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا حَلَّتِ الذَّبِيحَةُ وَالصَّيْدُ وَإِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا

فَلَا وَعَلَى مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ تَرْكُهَا وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ بَلْ هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَالصَّحِيحُ الْكَرَاهَةُ وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وانه لفسق وَبِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى حُرِّمَتْ عليكم الميتة إلى قوله إلا ما ذكيتم فَأَبَاحَ بِالتَّذْكِيَةِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ التَّسْمِيَةِ وَلَا وُجُوبِهَا فَإِنْ قِيلَ التَّذْكِيَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالتَّسْمِيَةِ قُلْنَا هِيَ فِي اللُّغَةِ الشَّقُّ وَالْفَتْحُ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لكم وَهُمْ لَا يُسَمُّونَ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قَوْمًا حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ أَمْ لَمْ يَذْكُرُوا فَنَأْكُلُ مِنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمُّوا وَكُلُوا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَهَذِهِ التَّسْمِيَةُ هِيَ الْمَأْمُورُ بِهَا عِنْدَ أَكْلِ كُلِّ طَعَامٍ وَشُرْبِ كُلِّ شَرَابٍ وَأَجَابُوا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَأْكُلُوا مما لم يذكر اسم الله عليه أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب وما أهل به لغير الله ولأن الله تعالى قال وانه لفسق وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَنْ أَكَلَ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ لَيْسَ بِفَاسِقٍ فَوَجَبَ حَمْلُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لِيُجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْآيَاتِ السَّابِقَاتِ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ وَحَمَلَهَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَأَجَابُوا عَنِ الْأَحَادِيثِ فِي التَّسْمِيَةِ أَنَّهَا لِلِاسْتِحْبَابِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ) فِي إِطْلَاقِهِ دَلِيلٌ لِإِبَاحَةِ الصَّيْدِ بِجَمِيعِ الْكِلَابِ الْمُعَلَّمَةِ مِنَ الْأُسُودِ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وقال الحسن البصرى والنخعى وقتادة وأحمد واسحق لَا يَحِلُّ صَيْدُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ لِأَنَّهُ شَيْطَانٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ) فِيهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي حِلِّ مَا قَتَلَهُ الْكَلْبُ الْمُرْسَلُ كَوْنُهُ كَلْبًا مُعَلَّمًا وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْإِرْسَالُ فَلَوْ أَرْسَلَ غَيْرَ مُعَلَّمٍ أَوِ اسْتُرْسِلَ الْمُعَلَّمُ بِلَا إِرْسَالٍ لَمْ يَحِلَّ مَا قَتَلَهُ فَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَلَّمِ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْمُعَلَّمُ إِذَا اسْتُرْسِلَ فَلَا يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ الْأَصَمِّ مِنْ إِبَاحَتِهِ وَإِلَّا مَا حكاه بن الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ يَحِلُّ إِنْ كَانَ صَاحِبُهُ أَخْرَجَهُ لِلِاصْطِيَادِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا لَمْ يُشْرِكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مَعَهَا) فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إِذَا شَارَكَهُ كَلْبٌ آخَرُ وَالْمُرَادُ كَلْبٌ آخَرٌ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَرْسَلَهُ مَنْ لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ أَوْ شَكَكْنَا فِي ذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ فَإِنْ تَحَقَّقْنَا أَنَّهُ إِنَّمَا شَارَكَهُ كَلْبٌ أَرْسَلَهُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ عَلَى ذَلِكَ الصَّيْدِ حَلَّ قَوْلُهُ (قُلْتُ إِنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْدَ فَأُصِيبُ فَقَالَ إِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْهُ وان أصابه

بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَهُوَ وَقِيذٌ فَلَا تَأْكُلْ الْمِعْرَاضُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ خَشَبَةٌ ثَقِيلَةٌ أَوْ عَصًا فِي طَرَفِهَا حَدِيدَةٌ وَقَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ حَدِيدَةٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي تَفْسِيرِهِ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ هُوَ سَهْمٌ لَا رِيشَ فِيهِ وَلَا نَصْلَ وَقَالَ بن دُرَيْدٍ هُوَ سَهْمٌ طَوِيلٌ لَهُ أَرْبَعُ قُذَذٍ رِقَاقٍ فَإِذَا رَمَى بِهِ اعْتَرَضَ وَقَالَ الْخَلِيلُ كَقَوْلِ الْهَرَوِيِّ وَنَحْوُهُ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ وَقِيلَ هُوَ عُودٌ رَقِيقُ الطَّرَفَيْنِ غَلِيظُ الْوَسَطِ إِذَا رُمِيَ بِهِ ذَهَبَ مُسْتَوِيًا وَأَمَّا خَزَقَ فَهُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ وَمَعْنَاهُ نَفَذَ وَالْوَقْذُ وَالْمَوْقُوذُ هُوَ الَّذِي يُقْتَلُ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ مِنْ عَصًا أَوْ حَجَرٍ وَغَيْرِهِمَا وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَالْجَمَاهِيرِ أَنَّهُ إِذَا اصْطَادَ بِالْمِعْرَاضِ فَقَتَلَ الصَّيْدَ بِحَدِّهِ حَلَّ وَإِنْ قَتَلَهُ بِعَرْضِهِ لَمْ يَحِلَّ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ مَكْحُولٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ فُقَهَاءِ الشَّامِ يَحِلُّ مُطْلَقًا وَكَذَا قَالَ هؤلاء وبن أبى ليلى أنه يحل ما قتله بالبندقية وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَالَ الجماهير لا يحل صيد البندقية مُطْلَقًا لِحَدِيثِ الْمِعْرَاضِ لِأَنَّهُ كُلَّهُ رَضٌّ وَوَقْذٌ وَهُوَ مَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَإِنَّهُ وَقِيذٌ أَيْ مَقْتُولٌ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ وَالْمَوْقُوذَةُ الْمَقْتُولَةُ بِالْعَصَا وَنَحْوِهَا وَأَصْلُهُ مِنَ الْكَسْرِ وَالرَّضِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ) هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي مَنْعِ أَكْلِ مَا أَكَلَتْ مِنْهُ الْجَارِحَةُ وَجَاءَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ كُلْ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ إِذَا قَتَلَتْهُ الْجَارِحَةُ الْمُعَلَّمَةُ مِنَ الْكِلَابِ وَالسِّبَاعِ وَأَكَلَتَ مِنْهُ فَهُوَ حَرَامٌ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ بن عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ والحسن والشعبى

وَالنَّخَعِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ واسحق وأبو ثور وبن الْمُنْذِرِ وَدَاوُدُ وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وسلمان الفارسى وبن عُمَرَ وَمَالِكٌ يَحِلُّ وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ لِلشَّافِعِيِّ وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَحَمَلُوا حَدِيثَ عَدِيٍّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِحَدِيثِ عَدِيٍّ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَعَ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل فكلوا مما أمسكن عليكم وَهَذَا مِمَّا لَمْ يُمْسَكْ عَلَيْنَا بَلْ عَلَى نفسه

وَقَدَّمُوا هَذَا عَلَى حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ لِأَنَّهُ أَصَحُّ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ حَدِيثَ أَبِي ثَعْلَبَةِ عَلَى مَا إِذَا أَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ قَتَلَهُ وَخَلَّاهُ وَفَارَقَهُ ثُمَّ عَادَ فَأَكَلَ مِنْهُ فَهَذَا لَا يَضُرُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا جَوَارِحُ الطَّيْرِ إِذَا أَكَلَتْ مِمَّا صَادَتْهُ فَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالرَّاجِحُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ تَحْرِيمُهُ وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ بِإِبَاحَتِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَعْلِيمُهَا ذَلِكَ بِخِلَافِ السِّبَاعِ وَأَصْحَابُنَا يَمْنَعُونَ هَذَا الدَّلِيلَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عليكم فَإِنَّمَا إِبَاحَتُهُ بِشَرْطِ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّهُ أُمْسِكَ عَلَيْنَا وَإِذَا أَكَلَ مِنْهُ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ أَمْسَكَ لَنَا أَمْ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ إِبَاحَتِهِ وَالْأَصْلُ تَحْرِيمُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ غَيْرِ الْمُحَدَّدِ مِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ ذَكَاتَهُ أَخْذُهُ) مَعْنَاهُ إِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ الصَّيْدَ وَقَتْلَهُ إِيَّاهُ ذَكَاةٌ شَرْعِيَّةٌ بِمَنْزِلَةِ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْإِنْسِيِّ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ الْكَلْبُ لَكِنْ تَرَكَهُ وَلَمْ تَبْقَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ أَوْ بَقِيَتْ وَلَمْ يَبْقَ زَمَانٌ يُمَكِّنُ صَاحِبَهُ لِحَاقَهُ وَذَبْحَهُ فَمَاتَ حَلَّ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ أَخْذَهُ قَوْلُهُ سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ وَكَانَ لَنَا جَارًا وَدَخِيلًا وَرَبِيطًا بِالنَّهْرَيْنِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الدَّخِيلُ وَالدَّخَّالُ الَّذِي يُدَاخِلُ الْإِنْسَانَ وَيُخَالِطُهُ فِي أُمُورِهِ وَالرَّبِيطُ هُنَا بِمَعْنَى الْمُرَابِطِ وَهُوَ الْمُلَازِمُ وَالرِّبَاطُ الْمُلَازَمَةُ قَالُوا وَالْمُرَادُ هُنَا رَبْطُ نَفْسِهِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَعَنِ الدُّنْيَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ إِذَا أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ وَجَبَ ذَبْحُهُ وَلَمْ يَحِلَّ إِلَّا بِالذَّكَاةِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَمَا نُقِلَ عَنِ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ خلافه فباطل لاأظنه يَصِحُّ عَنْهُمَا وَأَمَّا إِذَا أَدْرَكَهُ وَلَمْ تَبْقَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بِأَنْ كَانَ قَدْ قَطَعَ حُلْقُومَهُ وَمُرَّيْهِ أَوْ أَجَافَهُ أَوْ خَرَقَ أَمْعَاءَهُ أَوْ أَخْرَجَ حَشْوَتَهُ فَيَحِلُّ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَيُسْتَحَبُّ إِمْرَارُ السِّكِّينِ عَلَى حَلْقِهِ لِيُرِيحَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ كَلْبًا غَيْرَهُ وَقَدْ قَتَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيَّهُمَا قَتَلَهُ) فِيهِ بَيَانُ قَاعِدَةٍ مُهِمَّةٍ وَهِيَ أَنَّهُ إِذَا حَصَلَ الشَّكُّ فِي الذَّكَاةِ الْمُبِيحَةِ لِلْحَيَوَانِ لَمْ يَحِلَّ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُهُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ حَيًّا وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَذَكَّاهُ حَلَّ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ اشْتَرَكَ فِي إِمْسَاكِهِ كَلْبُهُ وَكَلْبُ غَيْرِهِ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ حِينَئِذٍ فِي الْإِبَاحَةِ عَلَى تَذْكِيَةِ الْآدَمِيِّ لَا عَلَى إِمْسَاكِ الْكَلْبِ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْإِبَاحَةُ بِإِمْسَاكِ الْكَلْبِ إِذَا قَتَلَهُ وَحِينَئِذٍ إِذَا كَانَ مَعَهُ كَلْبٌ آخَرُ لَمْ يَحِلَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرْسَلَهُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ قَرِيبًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنْ رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ فَإِنْ غَابَ عَنْكَ

يَوْمًا فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إِلَّا أَثَرَ سَهْمِكَ فَكُلْ إِنْ شِئْتَ) هَذَا دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ إِذَا أَثَّرَ جُرْحُهُ فَغَابَ عَنْهُ فَوَجَدَهُ مَيْتًا وَلَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ غَيْرُ سَهْمِهِ حَلَّ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي الصَّيْدِ وَالسَّهْمِ وَالثَّانِي يَحْرُمُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالثَّالِثُ يَحْرُمُ فِي الْكَلْبِ دُونَ السَّهْمِ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى وَأَقْرَبُ إِلَى الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْمُخَالِفَةُ لَهُ فَضَعِيفَةٌ وَمَحْمُولَةٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَكَذَا الأثر عن بن عَبَّاسٍ كُلْ مَا أَصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ أَيْ كُلْ مَا لَمْ يَغِبْ عَنْكَ دُونَ مَا غَابَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ) هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ [1930] قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ (إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ نَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا ثُمَّ كُلُوا) هَكَذَا رَوَى هَذَا

الْحَدِيثَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ إِنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الْكِتَابِ وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورِهِمُ الْخِنْزِيرَ وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمُ الْخَمْرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَكُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَارْحَضُوهَا بِالْمَاءِ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا قَدْ يُقَالُ هَذَا الْحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِمَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ أَوَانِي الْمُشْرِكِينَ إِذَا غُسِلَتْ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا بَعْدَ الْغُسْلِ سَوَاءٌ وُجِدَ غَيْرُهَا أَمْ لَا وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ اسْتِعْمَالِهَا إِنْ وُجِدَ غَيْرُهَا وَلَا يَكْفِي غَسْلُهَا فِي نَفْيِ الْكَرَاهَةِ وَإِنَّمَا يَغْسِلُهَا وَيَسْتَعْمِلُهَا إِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنِ الْأَكْلِ فِي آنِيَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَطْبُخُونَ فِيهَا لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَيَشْرَبُونَ الْخَمْرَ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَإِنَّمَا نَهَى عَنِ الْأَكْلِ فِيهَا بَعْدَ الْغَسْلِ لِلِاسْتِقْذَارِ وَكَوْنِهَا مُعْتَادَةً لِلنَّجَاسَةِ كَمَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ فِي الْمِحْجَمَةِ الْمَغْسُولَةِ وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ فَمُرَادُهُمْ مُطْلَقُ آنِيَةِ الْكُفَّارِ الَّتِي لَيْسَتْ مُسْتَعْمَلَةً فِي النَّجَاسَاتِ فَهَذِهِ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهَا قَبْلَ غَسْلِهَا فَإِذَا غُسِلَتْ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَلَيْسَ فِيهَا اسْتِقْذَارٌ وَلَمْ يُرِيدُوا نَفْيَ الْكَرَاهَةِ عَنْ آنِيَتِهِمُ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهِ مِنَ النَّجَاسَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَا أَصَبْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ) هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يحل

لا بذكاة [1931] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ) هَذَا الْحَدِيثُ هُوَ أَوَّلُ عَوْدِ سَمَاعِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُفْيَانَ مِنْ مُسْلِمٍ وَالَّذِي قَبْلَهُ هُوَ آخِرُ فَوَاتِهِ الثَّالِثُ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ فِي الْكِتَابِ فَوَاتٌ بَعْدَ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَغَابَ عَنْكَ فَأَدْرَكْتَهُ فَكُلْ مَا لَمْ يُنْتِنْ) وَفِي رِوَايَةٍ فِيمَنْ يُدْرِكُ صَيْدَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَكُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ هَذَا النَّهْيُ عن أكله للنتن محمول على التنزيه لا على التحريم وكذا سائر اللحوم والأطعمة المنتنة يكره أكلها وَلَا يَحْرُمُ إِلَّا أَنْ يُخَافَ مِنْهَا الضَّرَرُ خَوْفًا مُعْتَمَدًا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَحْرُمُ اللَّحْمُ المنتن وهو ضعيف والله أعلم

(باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذى مخلب من

(باب تحريم أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذى مخلب من الطير) [1932] قَوْلُهُ (نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ وَفِي رِوَايَةٍ كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ) الْمِخْلَبُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمِخْلَبُ لِلطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ بِمَنْزِلَةِ الظُّفُرِ لِلْإِنْسَانِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَدَاوُدَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَحْرُمُ أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ وَقَالَ

مَالِكٌ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُرَادُ بِذِي النَّابِ مَا يُتَقَوَّى بِهِ وَيُصْطَادُ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا الْآيَةَ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَالُوا وَالْآيَةُ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُحَرَّمًا إِلَّا الْمَذْكُورَاتِ فِي الْآيَةِ ثُمَّ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِتَحْرِيمِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَوَجَبَ قَبُولُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ [1933] قَوْلُهُ (عَنْ عَبِيدَةَ بْنِ سفيان) هو بفتح العين

باب اباحة ميتات البحر

وكسر الياء [1934] قوله (عن ميمون بن مهران عن بن عَبَّاسٍ) هَكَذَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَقَدْ صَحَّ سَمَاعُ مَيْمُونٍ مِنَ بن عَبَّاسٍ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا قَدْ يُخَالِفُ هَذَا (باب اباحة ميتات البحر) [1935] قَوْلُهُ (بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ) فِيهِ أَنَّ الْجُيُوشَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ أَمِيرٍ يَضْبِطُهَا وَيَنْقَادُونَ لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَمِيرُ أَفْضَلَهُمْ أَوْ مِنْ أَفْضَلِهِمْ قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ لِلرُّفْقَةِ مِنَ النَّاسِ وَإِنْ قَلُّوا أَنْ يُؤَمِّرُوا بَعْضَهُمْ عَلَيْهِمْ وَيَنْقَادُوا لَهُ قَوْلُهُ (نَتَلَقَّى عَيرًا لِقُرَيْشٍ) قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْعَيرَ هِيَ الْإِبِلُ الَّتِي تَحْمِلُ الطَّعَامَ وَغَيْرَهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ صَدِّ أَهْلِ الْحَرْبِ وَاغْتِيَالِهِمْ وَالْخُرُوجِ لِأَخْذِ مَالِهِمْ وَاغْتِنَامِهِ قَوْلُهُ (وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ لم يجد لنا غيره فكان أبو عبيدة يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً نَمُصُّهَا كَمَا يَمُصُّ الصَّبِيُّ ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلَى اللَّيْلِ) أَمَّا الْجِرَابُ فَبِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا الْكَسْرُ أَفْصَحُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَنَمُصُّهَا بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا الْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَسَبَقَ بَيَانُ لُغَاتِهِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَفِي هَذَا بَيَانُ مَا كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالتَّقَلُّلِ مِنْهَا وَالصَّبْرِ عَلَى الْجُوعِ وَخُشُونَةِ الْعَيْشِ وَإِقْدَامِهِمْ عَلَى الْغَزْوِ مع هذا الْحَالِ قَوْلُهُ (وَزَوَّدَنَا جِرَابًا لَمْ يَجِدْ لَنَا غيره فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة

وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَنَحْنُ نَحْمِلُ أَزْوَادَنَا عَلَى رِقَابِنَا وَفِي رِوَايَةٍ فَفَنِيَ زَادُهُمْ فَجَمَعَ أَبُو عُبَيْدَةَ زَادَهُمْ فِي مِزْوَدٍ فَكَانَ يقوتنا حتى كان يصيبنا كل يوم تمرة وفى الموطأ ففنى زادهم وكان مزودى تمرا وَكَانَ يُقَوِّتُنَا حَتَّى كَانَ يُصِيبُنَا كُلَّ يَوْمٍ تَمْرَةً وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لِمُسْلِمٍ كَانَ يُعْطِينَا قَبْضَةً قَبْضَةً ثُمَّ أَعْطَانَا تَمْرَةً تَمْرَةً قَالَ الْقَاضِي الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّدَهُمُ الْمِزْوَدَ زَائِدًا عَلَى مَا كَانَ مَعَهُمْ مِنَ الزَّادِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَغَيْرِهَا مِمَّا وَاسَاهُمْ بِهِ الصَّحَابَةُ وَلِهَذَا قَالَ وَنَحْنُ نَحْمِلُ أَزْوَادَنَا قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يكُنْ فِي زَادِهِمْ تَمْرٌ غَيْرُ هَذَا الْجِرَابِ وَكَانَ مَعَهُمْ غَيْرُهُ مِنَ الزَّادِ وَأَمَّا إِعْطَاءُ أَبِي عُبَيْدَةَ إِيَّاهُمْ تَمْرَةً تَمْرَةً فإنما كان فى الحال الثانى بَعْدَ أَنْ فَنِيَ زَادُهُمْ وَطَالَ لُبْثُهُمْ كَمَا فَسَّرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ فَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مَعْنَاهَا الْإِخْبَارُ عَنْ آخِرِ الْأَمْرِ لَا عَنْ أَوَّلِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ تَمْرَةً تَمْرَةً إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ أَنْ قَسَمَ عَلَيْهِمْ قَبْضَةً قَبْضَةً فَلَمَّا قَلَّ تَمْرُهُمْ قَسَمَهُ عَلَيْهِمْ تَمْرَةً تَمْرَةً ثُمَّ فرغ وفقدوا التمرة ووجدوا أَلَمًا لِفَقْدِهَا وَأَكَلُوا الْخَبَطَ إِلَى أَنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالْعَنْبَرِ قَوْلُهُ (فَجَمَعَ أَبُو عُبَيْدَةَ زَادَنَا فِي مِزْوَدٍ فَكَانَ يُقَوِّتُنَا) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ جَمَعَهُ بِرِضَاهُمْ وَخَلَطَهُ لِيُبَارَكَ لَهُمْ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فِي مَوَاطِنَ وَكَمَا كَانَ الْأَشْعَرِيُّونَ يَفْعَلُونَ وَأَثْنَى عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ يُسْتَحَبُّ لِلرُّفْقَةِ مِنَ الْمُسَافِرِينَ خَلْطُ أَزْوَادِهِمْ لِيَكُونَ أبرك وأحسن فى العشرة وأن لا يَخْتَصَّ بَعْضُهُمْ بِأَكْلٍ دُونَ بَعْضٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ) هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَهُوَ الرَّمْلُ الْمُسْتَطِيلُ الْمُحْدَوْدَبُ قَوْلُهُ (فَإِذَا هِيَ دَابَّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَيْتَةٌ ثُمَّ قَالَ بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وقد اضطررتم فكلوا فأقما عَلَيْهِ شَهْرًا وَنَحْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا) وَذَكَرَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ

أَنَّهُمْ تَزَوَّدُوا مِنْهُ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ حِينَ رَجَعُوا هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا قَالَ فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ فَأَكَلَهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهَ عَنْهُ قَالَ أَوَّلًا بِاجْتِهَادِهِ إِنَّ هَذَا مَيْتَةٌ وَالْمَيْتَةُ حَرَامٌ فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَكْلُهَا ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَقَالَ بَلْ هُوَ حَلَالٌ لَكُمْ وَإِنْ كَانَ مَيْتَةً لِأَنَّكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ وَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَيْتَةَ لِمَنْ كَانَ مُضْطَرًّا غَيْرَ بَاغٍ ولاعاد فَكُلُوا فَأَكَلُوا مِنْهُ وَأَمَّا طَلَبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لَحْمِهِ وَأَكْلِهِ ذَلِكَ فإنما أراد به المبالغة فى تطيب نفوسهم فى حله وأن لَا شَكَّ فِي إِبَاحَتِهِ وَأَنَّهُ يَرْتَضِيهِ لِنَفْسِهِ أَوْ أَنَّهُ قَصَدَ التَّبَرُّكَ بِهِ لِكَوْنِهِ طُعْمَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى خَارِقَةً لِلْعَادَةِ أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِهَا وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِسُؤَالِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ وَمَتَاعِهِ إِدْلَالًا عَلَيْهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنَ السُّؤَالِ الْمَنْهِيِّ عنه انما ذلك فى حق الأجانب للتمول ونحو وَأَمَّا هَذِهِ فَلِلْمُؤَانَسَةِ وَالْمُلَاطَفَةِ وَالْإِدْلَالِ وَفِيهِ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يَجُوزُ بَعْدَهُ وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُفْتِي أَنْ يَتَعَاطَى بَعْضَ الْمُبَاحَاتِ الَّتِي يَشُكُّ فِيهَا الْمُسْتَفْتِي إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَى الْمُفْتِي وَكَانَ فِيهِ طُمَأْنِينَةٌ لِلْمُسْتَفْتِي وَفِيهِ إِبَاحَةُ مَيْتَاتِ الْبَحْرِ كُلِّهَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا مَاتَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِاصْطِيَادٍ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إِبَاحَةِ السَّمَكِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْرُمُ الضُّفْدَعُ لِلْحَدِيثِ فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِهَا قَالُوا وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أصح يَحِلُّ جَمِيعُهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَالثَّانِي لَا يَحِلُّ وَالثَّالِثُ يَحِلُّ مَا لَهُ نَظِيرٌ مَأْكُولٌ فِي الْبَرِّ دُونَ مَا لَا يُؤْكَلُ نَظِيرُهُ فَعَلَى هَذَا تُؤْكَلُ خَيْلُ الْبَحْرِ وَغَنَمُهُ وَظِبَاؤُهُ دُونَ كَلْبِهِ وَخِنْزِيرِهِ وَحِمَارِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْحِمَارُ وَإِنْ كان فى البر مَأْكُولٌ وَغَيْرُهُ وَلَكِنَّ الْغَالِبَ غَيْرُ الْمَأْكُولِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَمِمَّنْ قَالَ بِإِبَاحَةِ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ إِلَّا الضُّفْدَعَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ وعثمان وبن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَبَاحَ مَالِكٌ الضُّفْدَعَ وَالْجَمِيعَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ غَيْرُ السمك وأما السمك الطافئ وَهُوَ الَّذِي يَمُوتُ فِي الْبَحْرِ بِلَا سَبَبٍ فَمَذْهَبُنَا إِبَاحَتُهُ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وأبو أيوب وعطاء مكحول وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَطَاوُسٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ دَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ قال بن عَبَّاسٍ وَالْجُمْهُورُ صَيْدُهُ مَا صِدْتُمُوهُ وَطَعَامُهُ مَا قَذَفَهُ وَبِحَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا وَبِحَدِيثِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَبِأَشْيَاءَ مَشْهُورَةٍ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَلْقَاهُ الْبَحْرُ وَجَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ وما مات فيه فطفا فلا

تأكلوا فحديث ضيعف بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لو لم يعارضه شئ كيف وهو معارض بما ذكرنا وَقَدْ أَوْضَحْتُ ضَعْفَ رِجَالِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ فَإِنْ قِيلَ لَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ الْعَنْبَرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُضْطَرِّينَ قُلْنَا الِاحْتِجَاجُ بِأَكْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ فِي الْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ قَوْلُهُ (ولقد رأيتنا تغترف مِنْ وَقْبِ عَيْنِهِ بِالْقِلَالِ الدُّهْنَ وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الْفِدَرَ كَالثَّوْرِ أَوْ كَقَدْرِ الثَّوْرِ) أَمَّا الْوَقْبُ فبفتح الواو واسكان القاف والباء الموحدة وهو داخل عينه ونقرتها والقلال بِكَسْرِ الْقَافِ جَمْعُ قُلَّةٍ بِضَمِّهَا وَهِيَ الْجَرَّةُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي يُقِلُّهَا الرَّجُلُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَيْ يحملها والفدر بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ هِيَ الْقِطَعُ وَقَوْلُهُ كَقَدْرِ الثَّوْرِ رَوَيْنَاهُ بِوَجْهَيْنِ مَشْهُورَيْنِ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا أَحَدُهُمَا بِقَافٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ دَالٍ سَاكِنَةٍ أَيْ مِثْلُ الثَّوْرِ وَالثَّانِي كَفِدَرِ بِفَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ دَالٍ مَفْتُوحَةٍ جَمْعُ فِدْرَةٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَادَّعَى الْقَاضِي أَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَأَنَّ الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ قَوْلُهُ (ثُمَّ رَحَلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ جَعَلَ عليه رحلا قوله (وتوزدنا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ) هُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ اللَّحْمُ يُؤْخَذُ فَيُغْلَى اعلاء ولا ينضج

وَيُحْمَلُ فِي الْأَسْفَارِ يُقَالٍ وَشَقْتُ اللَّحْمَ فَاتَّشَقَ وَالْوَشِيقَةُ الْوَاحِدَةُ مِنْهُ وَالْجَمْعُ وَشَائِقُ وَوُشُقٌ وَقِيلَ الوشيق الْقَدِيدُ قَوْلُهُ (ثَابَتْ أَجْسَامِنَا) أَيْ رَجَعَتْ إِلَى القوة قوله (فيأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه فتصبه) كذا هو فى النسخ فتصبه وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَأَقَامَهَا فَأَنَّثَهَا وَهُوَ الْمَعْرُوفُ وَوَجْهُ التَّذْكِيرِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْعُضْوَ قَوْلُهُ (وَجَلَسَ فِي حَجَاجِ عَيْنِهِ نَفَرٌ) هُوَ بِحَاءٍ ثُمَّ جِيمٍ مُخَفَّفَةٍ وَالْحَاءُ مَكْسُورَةٌ وَمَفْتُوحَةٌ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَهُوَ بِمَعْنَى وَقْبِ عَيْنِهِ الْمَذْكُورِ فِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ وَقَدْ شَرَحْنَاهُ قَوْلُهُ (إِنَّ رَجُلًا نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ ثَلَاثًا ثُمَّ ثَلَاثًا ثُمَّ نَهَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ) وَهَذَا الرَّجُلُ الَّذِي نَحَرَ الْجَزَائِرَ هُوَ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عبادة رضى الله قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى (فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَأَكَلْنَا مِنْهَا نِصْفَ شَهْرٍ وَفِي الثَّالِثَةِ فَأَكَلَ مِنْهَا الْجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ طَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّ مَنْ رَوَى شَهْرًا هُوَ الْأَصْلُ وَمَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ وَمَنْ رَوَى دُونَهُ لَمْ يَنْفِ الزِّيَادَةَ وَلَوْ نَفَاهَا قَدَّمَ الْمُثْبَتَ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَرَّاتٍ أَنَّ الْمَشْهُورَ الصَّحِيحَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ لَا حُكْمَ لَهُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الزِّيَادَةِ لَوْ لَمْ يُعَارِضْهُ إِثْبَاتُ الزِّيَادَةِ كَيْفَ وَقَدْ عَارَضَهُ فَوَجَبَ قَبُولُ الزِّيَادَةِ وَجَمَعَ الْقَاضِي بينهما

بِأَنَّ مَنْ قَالَ نِصْفَ شَهْرٍ أَرَادَ أَكَلُوا مِنْهُ تِلْكَ الْمُدَّةَ طَرِيًّا وَمَنْ قَالَ شَهْرًا أراد قَدَّدُوهُ فَأَكَلُوا مِنْهُ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ قَدِيدًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (سِيفُ الْبَحْرِ) هُوَ بِكَسْرِ السِّينِ وإسكان المثناة تحت وهو ساحله كما قاله فِي الرِّوَايَتَيْنِ قَبْلَهُ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ وَذَكَرَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ أَخْبَرْنَا أَبُو الْمُنْذِرِ الْقَزَّازُ) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا الْقَزَّازُ بِالْقَافِ وَفِي أَكْثَرِهَا الْبَزَّازُ بِالْبَاءِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَيْضًا اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِيهِ وَالْأَشْهَرُ بِالْقَافِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ السَّمْعَانِيُّ فِي الْأَنْسَابِ وَآخَرُونَ وَذَكَرَهُ خَلَفُ الْوَاسِطِيُّ فِي الْأَطْرَافِ بِالْبَاءِ عَنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَكِنْ عَلَيْهِ تَضْبِيبٌ فَلَعَلَّهُ يُقَالُ بالوجهين فالقزاز بزاز وأبو المنذر هذا اسْمُهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ الْمُثَنَّى كَذَا سماه أحمد بن حنبل فيما ذكره بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ وَاقْتَصَرَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ صَدُوقٌ وَأَمَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِالْكِتَابَةِ عنه وهو من أفراد مسلم

باب تحريم أكل لحم الحمر الانسية

(باب تحريم أكل لحم الحمر الانسية) [1407] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ) أَمَّا الْإِنْسِيَّةُ فَبِإِسْكَانِ النُّونِ مَعَ كَسْرِ الْهَمْزَةِ وَبِفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَسَبَقَ بَيَانُ حُكْمِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَشَرْحُ أَحَادِيثِهِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَأَمَّا الْحُمُرُ الْإِنْسِيَّةُ فَقَدْ وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِهَا وَفِي رِوَايَةٍ [1936] حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَفِي رِوَايَاتٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ الْقُدُورَ تَغْلِي فَأَمَرَ بِإِرَاقَتِهَا وَقَالَ لَا تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِهَا شَيْئًا وَفِي رِوَايَةٍ نُهِينَا عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ نُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا قَالَ أَو ذَاكَ [1940] وَفِي رِوَايَةٍ نَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْهَا فَإِنَّهُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ وَفِي رِوَايَةٍ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ أَوْ نَجَسٌ فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ بِمَا فِيهَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الْجَمَاهِيرُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدِهِمْ بِتَحْرِيمِ لُحُومِهَا لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة وقال بن عَبَّاسٍ لَيْسَتْ بِحَرَامٍ وَعَنْ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ أَشْهَرُهَا أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ كَرَاهِيَةَ تَنْزِيهٍ شَدِيدَةً وَالثَّانِيَةُ حَرَامٌ وَالثَّالِثَةُ مُبَاحَةٌ وَالصَّوَابُ التَّحْرِيمُ كَمَا قَالَهُ الْجَمَاهِيرُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّرِيحَةِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ غَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ قَالَ أَصَابَتْنَا سَنَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي شئ أطعم أهلى إلا شئ مِنْ حُمُرٍ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنَا السَّنَةُ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي مَا أُطْعِمُ أَهْلِي إِلَّا سِمَانَ حُمُرٌ وَإِنَّكَ حَرَّمْتَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَقَالَ أَطْعِمْ أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ حُمُرِكَ فَإِنَّمَا حَرَّمْتُهَا مِنْ أَجْلِ جَوَّالِ الْقَرْيَةِ يَعْنِي بِالْجَوَّالِ

الَّتِي تَأْكُلُ الْجُلَّةَ وَهِيَ الْعَذِرَةُ فَهَذَا الْحَدِيثُ مُضْطَرِبٌ مُخْتَلَفُ الْإِسْنَادِ شَدِيدُ الِاخْتِلَافِ وَلَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى الْأَكْلِ مِنْهَا فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ والله أعلم قوله [1937] (نادى أن اكفؤا الْقُدُورَ) قَالَ الْقَاضِي ضَبَطْنَاهُ بِأَلِفِ الْوَصْلِ وَفَتْحِ الْفَاءِ مِنْ كَفَأْتُ ثُلَاثِيٌ وَمَعْنَاهُ قَلَبْتُ قَالَ وَيَصِحُّ قَطْعُ الْأَلِفِ وَكَسْرُ الْفَاءِ مِنْ أَكْفَأْتُ رُبَاعِيٌّ وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى عِنْدَ كَثِيرِينَ مِنْ أهل اللغة منهم الخليل والكسائى وبن

السكيت وبن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ يُقَالُ كَفَأْتُ وَلَا يُقَالُ أَكْفَأْتُ بِالْأَلِفِ قَوْلُهُ (لُحُومُ الْحُمُرِ نِيئَةٌ وَنَضِيجَةٌ) هُوَ بِكَسْرِ النُّونِ وَبِالْهَمْزِ أَيْ غَيْرُ مَطْبُوخَةٍ [1939] قَوْلُهُ (كَانَ حَمُولَةَ النَّاسِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيِ الَّذِي يَحْمِلُ مَتَاعَهَمْ [1802] قَوْلُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي قُدُورِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا فَقَالَ رَجُلٌ أَوْ نُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا قَالَ أَوْ ذَاكَ) هَذَا صريح فى

نَجَاسَتِهَا وَتَحْرِيمِهَا وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى فَإِنَّهَا رِجْسٌ وَفِي الْأُخْرَى رِجْسٌ أَوْ نَجَسٌ وَفِيهِ وُجُوبُ غَسْلِ مَا أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ وَأَنَّ الْإِنَاءَ النَّجِسَ يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى سَبْعٍ إِذَا كَانَتْ غَيْرَ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ يَجِبُ سَبْعٌ فِي الْجَمِيعِ عَلَى أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْلَقَ الْأَمْرَ بِالْغَسْلِ وَيَصْدُقُ ذَلِكَ عَلَى مَرَّةٍ وَلَوْ وَجَبَتِ الزِّيَادَةُ لَبَيَّنَهَا فَإِنَّ فِي الْمُخَاطَبِينَ مَنْ هُوَ قَرِيبُ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ مِمَّنْ لَا يَفْهَمُ مِنَ الْأَمْرِ بِالْغَسْلِ إِلَّا مُقْتَضَاهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مَرَّةٌ وَأَمَّا أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلًا بِكَسْرِهَا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ بِوَحْيٍ أَوْ بِاجْتِهَادٍ ثُمَّ نُسِخَ وَتَعَيَّنَ الْغَسْلُ وَلَا يَجُوزُ الْيَوْمَ الْكَسْرُ لِأَنَّهُ إِتْلَافُ مَالٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا غُسِلَ الْإِنَاءُ النَّجِسُ فَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب إباحة أكل لحم الخيل)

(باب إباحة أكل لحم الْخَيْلِ) [1941] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ) وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ جَابِرٌ أَكَلْنَا مِنْ خَيْبَرَ الْخَيْلَ وَحُمُرَ الْوَحْشِ وَنَهَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ [1942] وَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ قَالَتْ نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلْنَاهُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إِبَاحَةِ لُحُومِ الْخَيْلِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَبِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وفضالة بن عبيد وأنس بن مالك وأسماء بنت أَبِي بَكْرٍ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَعَطَاءٌ وَشُرَيْحٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ وَدَاوُدُ وَجَمَاهِيرُ المحدثين وغيرهم وكرهها طائفة منهم بن عَبَّاسٍ وَالْحَكَمُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَأْثَمُ بِأَكْلِهِ وَلَا يُسَمَّى حَرَامًا وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَلَمْ يَذْكُرِ الْأَكْلَ وَذَكَرَ الْأَكْلَ مِنَ الْأَنْعَامِ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَبِحَدِيثِ صَالِحِ بْنِ يحيى بن المقدم عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ

وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو داود والنسائى وبن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ صَالِحِ بْنِ يَحْيَى وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَنْسُوخٌ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ الْحَمَّالِ بِالْحَاءِ الْحَافِظِ قال هذا حديث ضعيف قال ولايعرف صالح بن يحيى ولاأبوه وَقَالَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ نَظَرٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا إِسْنَادٌ مُضْطَرِبٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ قَالَ وَصَالِحُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ لَا يُعْرَفُ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ حَدِيثُ الْإِبَاحَةِ أَصَحُّ قَالَ وَيُشْبِهُ إِنْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَحَادِيثِ الْإِبَاحَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَهِيَ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ وَبِأَحَادِيثَ أُخَرَ صَحِيحَةٍ جَاءَتْ بِالْإِبَاحَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي النَّهْيِ حَدِيثٌ وَأَمَّا الْآيَةُ فَأَجَابُوا عَنْهَا بِأَنَّ ذِكْرَ الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْفَعَتَهُمَا مُخْتَصَّةٌ بِذَلِكَ فَإِنَّمَا خُصَّ هَذَانِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنَ الْخَيْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حُرِّمَتْ عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير فَذَكَرَ اللَّحْمَ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْمَقْصُودِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ شَحْمِهِ وَدَمِهِ وَسَائِرِ أَجْزَائِهِ قَالُوا وَلِهَذَا سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ حَمْلِ الْأَثْقَالِ عَلَى الْخَيْلِ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْأَنْعَامِ وتحمل أثقالكم وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ هَذَا تَحْرِيمُ حَمْلِ الْأَثْقَالِ عَلَى الْخَيْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (نَحَرْنَا فَرَسًا) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ذَبَحْنَا فَرَسًا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ نَحَرْنَا كَمَا ذَكَرَ مُسْلِمٌ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ فَمَرَّةً نَحَرُوهَا وَمَرَّةً ذَبَحُوهَا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قَضِيَّةً وَاحِدَةً وَيَكُونَ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ مَجَازًا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا يُصَارُ إِلَى الْمَجَازِ إِلَّا إِذَا تَعَذَّرَتِ الْحَقِيقَةُ وَالْحَقِيقَةُ غَيْرُ مُتَعَذِّرَةٍ بَلْ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ وَهِيَ

(باب إباحة الضب ثبتت هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم

أَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُ الْمَنْحُورِ وَنَحْرُ الْمَذْبُوحِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فَاعِلُهُ مُخَالِفًا الْأَفْضَلَ وَالْفَرَسُ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ إِبَاحَةِ الضَّبِّ ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ [1943] أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الضَّبِّ لَسْتُ بِآكِلِهِ وَلَا مُحَرِّمِهِ وَفِي رِوَايَاتٍ لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ وَفِي رِوَايَةٍ [1944] أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُوا فَإِنَّهُ حَلَالٌ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِي وَفِي رِوَايَةٍ [1945] [1946] أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَهُ مِنْهُ فَقِيلَ أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ فَأَكَلُوهُ بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ يَنْظُرُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ مَعْنَى أَعَافُهُ أَكْرَهُهُ تَقَذُّرًا وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الضَّبَّ حَلَالٌ لَيْسَ بمكروه إلا)

مَا حُكِيَ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ كَرَاهَتِهِ وَإِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ قَالُوا هُوَ

حَرَامٌ وَمَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ وَإِنْ صَحَّ عَنْ أَحَدٍ فَمَحْجُوجٌ بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ قَوْلُهُ (ضَبٌّ مَحْنُوذٌ) أَيْ مَشْوِيٌّ وَقِيلَ الْمَشْوِيُّ عَلَى الرَّضْفِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الْمُحْمَاةُ قَوْلُهُ (إِنَّ خَالِدًا أَخَذَ الضَّبَّ فَأَكَلَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ) هَذَا مِنْ بَابِ الْإِدْلَالِ وَالْأَكْلِ مِنْ بَيْتِ الْقَرِيبِ وَالصَّدِيقِ الَّذِي لَا يَكْرَهُ ذَلِكَ وَخَالِدٌ أَكَلَ هَذَا فِي بَيْتِ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ وَبَيْتِ صَدِيقِهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِئْذَانٍ لَا سِيَّمَا وَالْمُهْدِيَةُ خَالَتُهُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ جَبْرَ قَلْبِ خَالَتِهِ أُمِّ حُفَيْدٍ الْمُهْدِيَةِ قَوْلُهُ فِي مَيْمُونَةَ [1946] (وهى خالته وخالة بن عَبَّاسٍ) يَعْنِي خَالَةَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَخَالَةَ بن عباس وأم خالد لبابة الصغرى وأم بن عَبَّاسٍ لُبَابَةُ الْكُبْرَى وَمَيْمُونَةُ وَأُمُّ حُفَيْدٍ كُلُّهُنَّ أَخَوَاتٌ وَالِدُهُنَّ الْحَارِثُ قَوْلُهُ (قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حفيدة) وفى الرواية الأخر أُمُّ حُفَيْدٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أُمُّ حُفَيْدَةَ بالهاء

وَفِي بَعْضِهَا فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ النَّضْرِ أُمُّ حُمَيْدٍ وَفِي بَعْضِهَا حُمَيْدَةُ وَكُلُّهُ بِضَمِّ الْحَاءِ مُصَغَّرٌ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَالْأَصْوَبُ وَالْأَشْهَرُ أُمُّ حُفَيْدٍ بِلَا هَاءٍ وَاسْمُهَا هُزَيْلَةُ وكذا ذكرها بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ فِي الصَّحَابَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ النِّسْوَةِ الْحُضُورِ) كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ

النُّسَخِ النِّسْوَةُ الْحُضُورُ [1947] قَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَهُوَ إِقْرَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّيْءَ وَسُكُوتُهُ عَلَيْهِ إِذَا فُعِلَ بِحَضْرَتِهِ يَكُونُ دَلِيلًا لِإِبَاحَتِهِ وَيَكُونُ بِمَعْنَى قَوْلِهِ أَذَنْتُ فِيهِ وَأَبَحْتُهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْكُتُ عَلَى بَاطِلٍ وَلَا يُقِرُّ مُنْكَرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1948] قَوْلُهُ (دَعَانَا عَرُوسٌ بِالْمَدِينَةِ) يَعْنِي رَجُلًا تَزَوَّجَ قَرِيبًا وَالْعَرُوسُ يَقَعُ عَلَى

الْمَرْأَةِ وَعَلَى الرَّجُلِ قَوْلُهُ (قُرِّبَ إِلَيْهِمْ خِوَانٌ) هُوَ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ الْكَسْرُ أَفْصَحُ والجمع أخونة وخون وليس الْمُرَادُ بِهَذَا الْخِوَانِ مَا نَفَاهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي قَوْلِهِ مَا أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِوَانٍ قَطُّ بَلْ شَيْءٌ مِنْ نَحْوِ السُّفْرَةِ [1951] قَوْلُهُ إِنَّا بِأَرْضٍ مَضَبَّةٍ) فِيهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ إِحْدَاهُمَا فَتْحُ الْمِيمِ وَالضَّادِ وَالثَّانِيَةُ ضَمُّ الْمِيمِ وَكَسْرُ الضَّادِ والأول أشهر

(باب إباحة الجراد)

وَأَفْصَحُ أَيْ ذَاتُ ضِبَابٍ كَثِيرَةٍ قَوْلُهُ (إِنِّي فِي غَائِطِ مُضِبَّةٍ) الْغَائِطُ الْأَرْضُ الْمُطَمْئِنَةُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَسَخَهُمْ دَوَابَّ يَدِبُّونَ فِي الْأَرْضِ) أَمَّا يَدِبُّونَ فَبِكَسْرِ الدَّالِ وَأَمَّا دَوَابُّ فَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِهَا دَوَابًّا بِالْأَلِفِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْجَارِي عَلَى الْمَعْرُوفِ الْمَشْهُورِ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب إِبَاحَةِ الْجَرَادِ) [1952] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ) هُوَ بِالْفَاءِ وَالرَّاءِ وَهُوَ أَبُو يَعْفُورٍ الْأَصْغَرُ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ نِسْطَاسٍ وَأَمَّا أَبُو يَعْفُورٍ الْأَكْبَرُ فَيُقَالُ لَهُ وَاقِدٌ ويقال وقدان وَسَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَكِتَابِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ (غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ) فِيهِ إِبَاحَةُ الْجَرَادِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إِبَاحَتِهِ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْجَمَاهِيرُ يَحِلُّ سَوَاءٌ مَاتَ بِذَكَاةٍ أَوْ بِاصْطِيَادِ مُسْلِمٍ أَوْ مَجُوسِيٍّ أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ سَوَاءٌ قُطِعَ بعضه

(باب إباحة الأرنب)

أَوْ أُحْدِثَ فِيهِ سَبَبٌ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ لَا يَحِلُّ إِلَّا إِذَا مَاتَ بِسَبَبٍ بِأَنْ يُقْطَعَ بَعْضُهُ أَوْ يُسْلَقَ أَوْ يُلْقَى فِي النَّارِ حَيًّا أَوْ يُشْوَى فَإِنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ فِي وِعَاءٍ لَمْ يَحِلَّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب إِبَاحَةِ الْأَرْنَبِ) [1953] قَوْلُهُ (فَاسْتَنْفَجْنَا أَرْنَبًا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَسَعَوْا عَلَيْهِ فَلَغَبُوا) مَعْنَى اسْتَنْفَجْنَا أَثَرْنَا وَنَفَرْنَا وَمَرُّ الظَّهْرَانِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالظَّاءِ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ قَوْلُهُ (فَلَغَبُوا) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ فِي اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ وَفِي لُغَةٍ ضَعِيفَةٍ بِكَسْرِهَا حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَضَعَّفُوهَا أَيْ أَعْيَوْا وَأَكْلُ الْأَرْنَبِ

(باب إباحة ما يستعان به على الاصطياد والعدو وكراهة

حَلَالٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وبن أَبِي لَيْلَى أَنَّهُمَا كَرِهَاهَا دَلِيلُ الْجُمْهُورِ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ أَحَادِيثَ مِثْلِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي النهى عنها شئ (بَاب إِبَاحَةِ مَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى الِاصْطِيَادِ والعدو وكراهة الخذف ذُكِرَ فِي الْبَابِ [1954] النَّهْيُ عَنِ الْخَذْفِ لِكَوْنِهِ لَا يَنْكَأُ الْعَدُوَّ وَلَا يَقْتُلُ الصَّيْدَ وَلَكِنْ يَفْقَأُ الْعَيْنَ وَيَكْسِرُ السِّنَّ أَمَّا الْخَذْفُ فَبِالْخَاءِ وَالذَّالِ مُعْجَمَتَيْنِ وَهُوَ رَمْيُ الْإِنْسَانِ بِحَصَاةٍ أَوْ نواة ونحوهما يجعلها بين أصبعيه السبابتين أوالابهام وَالسَّبَّابَةِ وَقَوْلُهُ (يَنْكَأُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَبِالْهَمْزِ فِي آخره هكذا هو فى)

باب الأمر باحسان الدبح والقتل وتحديد الشفرة

الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ قَالَ الْقَاضِي كَذَا رَوَيْنَاهُ قَالَ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ يَنْكِي بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ غَيْرِ مَهْمُوزٍ قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ نَكَأْتُ الْقُرْحَةَ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ إِلَّا عَلَى تَجَوُّزٍ وَإِنَّمَا هَذَا مِنَ النِّكَايَةِ يُقَالُ نَكَيْتُ الْعَدُوَّ وَأَنْكَيْتُهُ نِكَايَةً وَنَكَأْتُ بِالْهَمْزِ لُغَةٌ فِيهِ قَالَ فَعَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ تَتَوَجَّهُ رِوَايَةُ شُيُوخِنَا وَيَفْقَأُ الْعَيْنَ مَهْمُوزٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنِ الْخَذْفِ لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ وَيُخَافُ مَفْسَدَتُهُ وَيَلْتَحِقُ بِهِ كُلُّ مَا شَارَكَهُ فِي هَذَا وَفِيهِ أَنَّ مَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَوْ حَاجَةٌ فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ وَتَحْصِيلِ الصَّيْدِ فَهُوَ جَائِزٌ وَمِنْ ذَلِكَ رَمْيُ الطُّيُورِ الْكِبَارِ بِالْبُنْدُقِ إِذَا كَانَ لَا يَقْتُلُهَا غَالِبًا بَلْ تُدْرَكُ حَيَّةً وَتُذَكَّى فَهُوَ جَائِزٌ قَوْلُهُ (أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف ثم تخذف لاأكلمك أَبَدًا) فِيهِ هِجْرَانُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْفُسُوقِ وَمُنَابِذِي السُّنَّةِ مَعَ الْعِلْمِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ هِجْرَانُهُ دَائِمًا وَالنَّهْيُ عَنِ الْهِجْرَانِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ هَجَرَ لِحَظِّ نَفْسِهِ وَمَعَايِشِ الدُّنْيَا وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ وَنَحْوُهُمْ فَهِجْرَانُهُمْ دَائِمًا وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يُؤَيِّدُهُ مَعَ نَظَائِرَ لَهُ كَحَدِيثِ كعب بن مالك وغيره (باب الأمر باحسان الدبح والقتل وتحديد الشفرة) [1955] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ كتب الاحسان على كل شئ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ

باب النهى عن صبر البهائم وهو حبسها لتقتل برمى

فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ) أَمَّا الْقِتْلَةُ فَبِكَسْرِ الْقَافِ وَهِيَ الْهَيْئَةُ وَالْحَالَةُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ فَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ أَوْ أكثرها فأحسنوا الذبح بفتح الذال بغيرها وَفِي بَعْضِهَا الذِّبْحَةَ بِكَسْرِ الذَّالِ وَبِالْهَاءِ كَالْقِتْلَةِ وَهِيَ الْهَيْئَةُ وَالْحَالَةُ أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلْيُحِدَّ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ يُقَالُ أَحَدَّ السِّكِّينَ وَحَدَّدَهَا وَاسْتَحَدَّهَا بِمَعْنًى وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ بِإِحْدَادِ السِّكِّينِ وَتَعْجِيلِ إِمْرَارِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ أن لا يحد السكين بحضرة الذبيحة وأن لا يَذْبَحَ وَاحِدَةً بِحَضْرَةِ أُخْرَى وَلَا يَجُرَّهَا إِلَى مَذْبَحِهَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ عَامٌّ فِي كُلِّ قَتِيلٍ مِنَ الذَّبَائِحِ وَالْقَتْلُ قِصَاصًا وَفِي حَدٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْجَامِعَةِ لِقَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ أعلم (باب النهى عن صبر البهائم وهو حبسها لتقتل برمى ونحوه) [1956] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ) وَفِي

[1957] رِوَايَةٍ لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا قَالَ الْعُلَمَاءُ صَبْرُ الْبَهَائِمِ أَنْ تُحْبَسَ وَهِيَ حَيَّةٌ لِتُقْتَلَ بِالرَّمْيِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ مَعْنَى لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا أَيْ لَا تَتَّخِذُوا الْحَيَوَانَ الْحَيَّ غَرَضًا تَرْمُونَ إِلَيْهِ كَالْغَرَضِ مِنَ الْجُلُودِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي [1958] رِوَايَةِ بن عُمَرَ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا وَلِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ وَإِتْلَافٌ لِنَفْسِهِ وَتَضْيِيعٌ لِمَالِيَّتِهِ وَتَفْوِيتٌ لِذَكَاتِهِ إِنْ كَانَ مُذَكًّى وَلِمَنْفَعَتِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُذَكًّى قَوْلُهُ (نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ طَيْرًا وَالْمُرَادُ بِهِ وَاحِدٌ وَالْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ الْوَاحِدَ يُقَالُ لَهُ طَائِرٌ وَالْجَمْعُ طَيْرٌ وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ إِطْلَاقُ الطَّيْرِ عَلَى الْوَاحِدِ وَهَذَا الْحَدِيثُ جَارٍ عَلَى تِلْكَ اللُّغَةِ قَوْلُهُ (وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نبلهم

(كتاب الأضاحي)

هُوَ بِهَمْزِ خَاطِئَةٍ أَيْ مَا لَمْ يُصِبِ الْمَرْمَى وَقَوْلُهُ خَاطِئَةٍ لُغَةٌ وَالْأَفْصَحُ مُخْطِئَةٌ يُقَالُ لِمَنْ قَصَدَ شَيْئًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ غَلَطًا أَخْطَأَ فهو مخطىء وفى لغة قليلة خطأ فَهُوَ خَاطِئٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ جَاءَ عَلَى اللُّغَةِ الثَّانِيَةِ حَكَاهَا أَبُو عُبَيْدٍ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (كِتَابُ الْأَضَاحِي) (بَابُ وَقْتِهَا) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ فِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ أُضْحِيَةٌ وَإِضْحِيَةٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَجَمْعُهَا أَضَاحِيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَاللُّغَةُ الثَّالِثَةُ ضَحِيَّةٌ وَجَمْعُهَا ضَحَايَا وَالرَّابِعَةُ أَضْحَاةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْجَمْعُ أَضْحَى كَأَرْطَاةٍ وَأَرْطَى وَبِهَا سُمِّيَ يَوْمُ الْأَضْحَى قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ سميت بذلك لأنها تفعل فى الأضحى وَهُوَ ارْتِفَاعُ النَّهَارِ وَفِي الْأَضْحَى لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ لُغَةُ قَيْسٍ وَالتَّأْنِيثُ لُغَةُ تَمِيمٍ قَوْلُهُ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1960] (مَنْ كَانَ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلِ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ نُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ) وَفِي رِوَايَةٍ عَلَى اسْمِ اللَّهِ قَالَ الْكُتَّابُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ إِذَا قِيلَ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَيَّنَ كَتْبُهُ بِالْأَلِفِ وَإِنَّمَا تُحْذَفُ الْأَلِفُ إِذَا كُتِبَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِكَمَالِهَا وَقَوْلُهُ قَبْلِ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ نُصَلِّيَ الْأَوَّلُ بِالْيَاءِ وَالثَّانِي بِالنُّونِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى الْمُوسِرِ فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ هِيَ سُنَّةٌ فِي حَقِّهِ إِنْ تَرَكَهَا بِلَا عُذْرٍ لَمْ يَأْثَمْ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا أَبُو بكر الصديق وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَبِلَالٌ وَأَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَعَطَاءٌ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ وبن الْمُنْذِرِ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ رَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّيْثُ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُوسِرِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُوسِرِ إِلَّا الْحَاجَّ بِمِنًى وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُقِيمِ بِالْأَمْصَارِ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إِنَّمَا يُوجِبُهَا عَلَى مُقِيمٍ يملك نصابا والله أعلم وَأَمَّا وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَذْبَحَهَا بَعْدَ صَلَاتِهِ مَعَ الْإِمَامِ وَحِينَئِذٍ تجْزِيهِ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ بن المنذر وأجمعوا أنها لاتجوز قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا بعد ذلك فقال الشافعى وداود وبن الْمُنْذِرِ وَآخَرُونَ يَدْخُلُ وَقْتُهَا إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَمَضَى قَدْرُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَخُطْبَتَيْنِ فَإِنْ ذَبَحَ بَعْدَ هَذَا الْوَقْتِ أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ صَلَّى الْإِمَامُ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ صَلَّى الضُّحَى أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى وَالْبَوَادِي وَالْمُسَافِرِينَ وَسَوَاءٌ ذَبَحَ الْإِمَامُ أُضْحِيَّتَهُ أَمْ لَا وَقَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَدْخُلُ وَقْتُهَا فِي حَقِّ أَهْلِ الْقُرَى وَالْبَوَادِي إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ الثَّانِي وَلَا يَدْخُلُ فِي حَقِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ حَتَّى يُصَلِّيَ الْإِمَامُ وَيَخْطُبَ فَإِنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهَا إِلَّا بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَخُطْبَتِهِ وَذَبْحِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَجُوزُ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَيَجُوزُ بَعْدَهَا قَبْلَ ذَبْحِ الْإِمَامِ وَسَوَاءٌ عِنْدَهُ أَهْلُ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَنَحْوُهُ عن الحسن

والأوزاعى واسحق بْنِ رَاهَوَيْهِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَا يَجُوزُ بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ قَبْلَ خُطْبَتِهِ وَفِي أَثْنَائِهَا وَقَالَ رَبِيعَةُ فِيمَنْ لَا إِمَامَ لَهُ إِنْ ذَبَحَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَا يُجْزِيهِ وَبَعْدَ طُلُوعِهَا يُجْزِيهِ وَأَمَّا آخِرُ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجُوزُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَهُ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب وجبير بن مطعم وبن عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الْأَسَدِيُّ فَقِيهُ أَهْلِ الشَّامِ وَمَكْحُولٌ وَدَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ تَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ وَيَوْمَيْنِ بَعْدَهُ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وعلى وبن عُمَرَ وَأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ تَجُوزُ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ يَوْمَ النَّحْرِ خَاصَّةً وَلِأَهْلِ الْقُرَى يَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ لَا تَجُوزُ لِأَحَدٍ إِلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ خَاصَّةً وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا تَجُوزُ فِي جَمِيعِ ذِي الْحِجَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ التَّضْحِيَةِ فِي لَيَالِي أَيَّامِ الذَّبْحِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجُوزُ لَيْلًا مَعَ الْكَرَاهَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ لَا تُجْزِيهِ فِي اللَّيْلِ بَلْ تَكُونُ شَاةَ لَحْمٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ) هُوَ بِمَعْنَى رِوَايَةِ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ أَيْ قَائِلًا بِاسْمِ اللَّهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَعْنَاهُ وَقَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أربعة أوجه أحدها أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ فَلْيَذْبَحْ لِلَّهِ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى اللَّامِ وَالثَّانِي مَعْنَاهُ فَلْيَذْبَحْ بِسُنَّةِ اللَّهِ وَالثَّالِثُ بتسمية الله

عَلَى ذَبِيحَتِهِ إِظْهَارًا لِلْإِسْلَامِ وَمُخَالَفَةً لِمَنْ يَذْبَحُ لِغَيْرِهِ وَقَمْعًا لِلشَّيْطَانِ وَالرَّابِعُ تَبَرُّكًا بِاسْمِهِ وَتَيَمُّنًا بِذِكْرِهِ كَمَا يُقَالُ سِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ وَسِرْ بِاسْمِ اللَّهِ وَكَرِهَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُقَالَ افْعَلْ كَذَا عَلَى اسْمِ اللَّهِ قَالَ لأن اسمه سبحانه على كل شئ قال القاضي هذا ليس بشئ قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْقَائِلِ قَوْلُهُ (شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ أَضْحًى ثُمَّ خَطَبَ) قَوْلُهُ أَضْحًى مَصْرُوفٌ وَفِي هَذَا أَنَّ الْخُطْبَةَ لِلْعِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَهُوَ إِجْمَاعُ النَّاسِ الْيَوْمَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ ثُمَّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ [1961] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ) مَعْنَاهُ أَيْ لَيْسَتْ ضَحِيَّةً وَلَا ثَوَابَ فِيهَا بَلْ هِيَ لَحْمٌ لَكَ تَنْتَفِعُ بِهِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمْتَهُ لِأَهْلِكَ قَوْلُهُ (إِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً مِنَ الْمَعْزِ فَقَالَ ضَحِّ بِهَا وَلَا تَصْلُحُ لِغَيْرِكَ) وَفِي رِوَايَةٍ وَلَا تَجْزِي جذعة عن أحد بعدك أما قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَجْزِي فَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ هَكَذَا الرِّوَايَةُ فِيهِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَالْكُتُبِ وَمَعْنَاهُ لَا تَكْفِي مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي

والد عن ولده وَفِيهِ أَنَّ جَذَعَةَ الْمَعْزِ لَا تَجْزِي فِي الأضحية وهذا متفق عليه قوله (يارسول اللَّهِ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ اللَّحْمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ) قَالَ الْقَاضِي كَذَا رَوَيْنَاهُ فِي مُسْلِمٍ مَكْرُوهٌ بِالْكَافِ وَالْهَاءِ مِنْ طَرِيقِ السِّنْجَرِيِّ وَالْفَارِسِيِّ وَكَذَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ رَوَيْنَاهُ فِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْعُذْرِيِّ مَقْرُومٌ بِالْقَافِ وَالْمِيمِ قَالَ وَصَوَّبَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَقَالَ مَعْنَاهُ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ يُقَالُ قَرِمْتُ إِلَى اللَّحْمِ وَقَرِمْتُهُ إِذَا اشْتَهَيْتُهُ قَالَ وَهِيَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ عَرَفْتُ أَنَّهُ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ فَتَعَجَّلْتُ وَأَكَلْتُ وَأَطْعَمْتُ أَهْلِي وَجِيرَانِي وَكَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِنَّ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ الْقَاضِي وَأَمَّا رِوَايَةُ مَكْرُوهٌ فَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا صَوَابُهُ اللَّحَمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ تَرْكُ الذَّبْحِ وَالتَّضْحِيَةِ وَبَقَاءُ أَهْلِهِ فِيهِ بِلَا لَحْمٍ حَتَّى يَشْتَهُوهُ مَكْرُوهٌ وَاللَّحَمُ بِفَتْحِ الْحَاءِ اشْتِهَاءُ اللَّحْمِ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ لِيَ الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ مَعْنَاهُ ذَبْحُ مَا لَا يَجْزِي فِي الْأُضْحِيَّةِ مِمَّا هُوَ لَحْمٌ مَكْرُوهٌ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ هَذَا آخِرُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيُّ مَعْنَاهُ هَذَا يَوْمٌ طَلَبُ اللَّحَمِ فِيهِ مَكْرُوهٌ شَاقٌّ وَهَذَا حَسَنٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عِنْدِي عَنَاقَ لَبَنٍ) الْعَنَاقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَهِيَ الْأُنْثَى مِنَ الْمَعْزِ إِذَا قَوِيَتْ مَا لَمْ تَسْتَكْمِلْ سَنَةً وَجَمْعُهَا أَعْنُقٌ وَعُنُوقٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَنَاقَ لَبَنٍ فَمَعْنَاهُ صَغِيرَةٌ قَرِيبَةٌ مِمَّا تَرْضَعُ قَوْلُهُ (عِنْدِي عَنَاقَ لَبَنٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ) أَيْ أَطْيَبُ لَحْمًا وَأَنْفَعُ لِسِمَنِهَا وَنَفَاسَتِهَا وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الضَّحَايَا طِيبُ اللَّحْمِ لَا كَثْرَتُهُ فَشَاةٌ نَفِيسَةٌ أَفْضَلُ مِنْ شَاتَيْنِ غَيْرِ سَمِينَتَيْنِ بِقِيمَتِهَا وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِّ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّ تَكْثِيرَ الْعَدَدِ فِي الْعَقِّ مَقْصُودٌ فَهُوَ الْأَفْضَلُ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هِيَ خَيْرُ نَسِيكَتَيْكَ) مَعْنَاهُ أَنَّكَ ذَبَحْتَ صُورَةً نَسِيكَتَيْنِ وَهُمَا هَذِهِ وَالَّتِي ذَبَحَهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَهَذِهِ أَفْضَلُ لِأَنَّ هَذِهِ حَصَلَتْ بِهَا التَّضْحِيَةُ وَالْأُولَى وَقَعَتْ شَاةَ لَحْمٍ لَكِنْ لَهُ فِيهَا ثَوَابٌ لَا بِسَبَبِ التَّضْحِيَةِ فَإِنَّهَا لَمْ تَقَعْ أُضْحِيَّةً بَلْ لِكَوْنِهِ

قَصَدَ بِهَا الْخَيْرَ وَأَخْرَجَهَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ فَلِهَذَا دَخَلَهُمَا أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ فَقَالَ هَذِهِ خَيْرُ النَّسِيكَتَيْنِ فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تَتَضَمَّنُ أَنَّ فِي الْأُولَى خَيْرًا أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تَجْزِي جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ) مَعْنَاهُ جَذَعَةُ الْمَعْزِ وَهُوَ مُقْتَضَى سِيَاقِ الْكَلَامِ وَإِلَّا فَجَذَعَةُ الضَّأْنِ تَجْزِي قَوْلُهُ (عِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ) الْمُسِنَّةُ هِيَ الثَّنِيَّةُ وَهِيَ أَكْبَرُ مِنَ الْجَذَعَةِ بِسَنَةٍ فَكَانَتْ هَذِهِ

الْجَذَعَةُ أَجْوَدَ لِطِيبِ لَحْمِهَا وَسِمَنِهَا [1962] قَوْلُهُ (وَذَكَرَ هَنَةً مِنْ جِيرَانِهِ) أَيْ حَاجَةً قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الَّذِي رَخَّصَ لَهُ فِي جَذَعَةِ الْمَعْزِ (لَا أَدْرِي أَبَلَغَتْ رُخْصَتُهُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لَا) هَذَا الشَّكُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ صَرَّحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ السَّابِقِ بِأَنَّهَا لَا تَبْلُغُ غَيْرَهُ وَلَا تَجْزِي أَحَدًا بَعْدَهُ قَوْلُهُ (وَانْكَفَأَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كَبْشَيْنِ فَذَبَحَهُمَا) انْكَفَأَ مَهْمُوزٌ أَيْ مَالَ وَانْعَطَفَ وَفِيهِ إِجْزَاءُ الذَّكَرِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَذْبَحَهَا بِنَفْسِهِ وَهُمَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِمَا وَفِيهِ جَوَازُ التَّضْحِيَةِ بِحَيَوَانَيْنِ قَوْلُهُ (فَقَامَ النَّاسُ إِلَى غُنَيْمَةٍ فَتَوَزَّعُوهَا أَوْ قَالَ فَتَجَزَّعُوهَا) هُمَا بِمَعْنًى وهذا شك من الراوي فى أحد اللَّفْظَتَيْنِ وَقَوْلُهُ غُنَيْمَةٌ بِضَمِّ الْغَيْنِ تَصْغِيرُ الْغَنَمِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيِّ (ثُمَّ خَطَبَ فَأَمَرَ مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَنْ يُعِيدَ ذِبْحًا) أَمَّا ذِبْحًا فَاتَّفَقُوا عَلَى ضَبْطِهِ بِكَسْرِ الذَّالِ أَيْ حَيَوَانًا يُذْبَحُ كقول الله تعالى وفديناه بذبح وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنْ يُعِيدَ فَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ بِالْيَاءِ مِنَ الْإِعَادَةِ

(باب سن الأضحية)

وَفِي كَثِيرٍ مِنْهَا أَنْ يُعِدَّ بِحَذْفِ الْيَاءِ وَلَكِنْ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ مِنَ الْإِعْدَادِ وَهُوَ التَّهْيِئَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب سِنِّ الْأُضْحِيَّةِ) [1963] قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (لا تذبحوا إلامسنة إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُسِنَّةُ هِيَ الثَّنِيَّةُ مِنْ كل شئ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَمَا فَوْقَهَا وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَذَعُ مِنْ غَيْرِ الضَّأْنِ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ يُجْزِي الْجَذَعُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْمَعْزِ وَالضَّأْنِ وَحُكِيَ هَذَا عَنْ عَطَاءٍ وَأَمَّا الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً يُجْزِي سواء وجد غيره أم لاوحكوا عن بن عمر والزهرى أنهما قالا لايجزى وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُمَا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْجُمْهُورُ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَفْضَلِ وتقديره يستحب لكم أن لاتذبحوا إِلَّا مُسِنَّةً فَإِنْ عَجَزْتُمْ فَجَذَعَةَ ضَأْنٍ وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِمَنْعِ جَذَعَةِ الضَّأْنِ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِي بِحَالٍ وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ الْجُمْهُورَ يُجَوِّزُونَ الْجَذَعَ مِنَ الضأن مع وجود غيره وعدمه وبن عُمَرَ وَالزُّهْرِيُّ يَمْنَعَانِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَعَدَمِهِ فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الِاسْتِحْبَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا تُجْزِي الضَّحِيَّةُ بِغَيْرِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ إلا ما حكاه بن الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ قَالَ تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِبَقَرَةِ الْوَحْشِ عَنْ سَبْعَةٍ وَبِالظَّبْيِ عَنْ وَاحِدٍ وَبِهِ قَالَ

دَاوُدُ فِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ مَا لَهُ سَنَةٌ تَامَّةٌ هَذَا هوالأصح عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْأَشْهَرُ عِنْدِ أَهْلِ اللُّغَةِ وغيرهم وقيل ماله سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَقِيلَ سَبْعَةٌ وَقِيلَ ثَمَانِيَةٌ وَقِيلَ بن عَشْرَةٍ حَكَاهُ الْقَاضِي وَهُوَ غَرِيبٌ وَقِيلَ إِنْ كَانَ مُتَوَلِّدًا مِنْ بَيْنِ شَابَّيْنِ فَسِتَّةُ أَشْهُرٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ هَرِمَيْنِ فَثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ أَفْضَلَ الْأَنْوَاعِ الْبَدَنَةُ ثُمَّ الْبَقَرَةُ ثُمَّ الضَّأْنُ ثُمَّ الْمَعْزُ وَقَالَ مَالِكٌ الْغَنَمُ أَفْضَلُ لِأَنَّهَا أَطْيَبُ لَحْمًا حُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْبَدَنَةَ تُجْزِي عَنْ سَبْعَةٍ وَكَذَا الْبَقَرَةُ وأما الشاة فلاتجزى إِلَّا عَنْ وَاحِدٍ بِالِاتِّفَاقِ فَدَلَّ عَلَى تَفْضِيلِ الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِيمَا بَعْدَ الْغَنَمِ فَقِيلَ الْإِبِلُ أَفْضَلُ مِنَ الْبَقَرَةِ وَقِيلَ البقرة أفضل من الابل وهوالأشهر عِنْدَهُمْ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ سَمِينِهَا وَطَيِّبِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي تَسْمِينِهَا فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ اسْتِحْبَابُهُ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ كُنَّا نُسَمِّنُ الْأُضْحِيَّةَ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَرَاهَةَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَشَبَّهَ بِالْيَهُودِ وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ [1964] قَوْلُهُ (فَأَمَرَهُمْ أَلَّا يَنْحَرُوا حَتَّى يَنْحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَالِكٌ فِي أَنَّهُ لَا يُجْزِي الذَّبْحُ إِلَّا بَعْدَ ذَبْحِ الْإِمَامِ كَمَا سَبَقَ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَالْجُمْهُورُ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ زَجْرُهُمْ عَنِ التَّعْجِيلِ الَّذِي قَدْ يُؤَدِّي إِلَى فِعْلِهَا قَبْلَ الْوَقْتِ وَلِهَذَا جَاءَ فِي بَاقِي الْأَحَادِيثِ التَّقْيِيدُ بِالصَّلَاةِ وَأَنَّ مَنْ ضَحَّى بَعْدَهَا أَجْزَأَهُ وَمَنْ لَا فَلَا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ [1965] أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى أَصْحَابِهِ ضَحَايَا فَبَقِيَ عَتُودٌ فَقَالَ ضَحِّ بِهِ أَنْتَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْعَتُودُ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ خَاصَّةً وَهُوَ مَا رَعَى وَقَوِيَ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ مَا بَلَغَ سَنَةً وَجَمْعُهُ أَعْتِدَةٌ وعدان

باب استحباب الضحية وذبحها مباشرة بلا توكيل

بِإِدْغَامِ التَّاءِ فِي الدَّالِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ كَانَتْ هَذِهِ رُخْصَةً لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ كَمَا كَانَ مِثْلُهَا رُخْصَةً لِأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عازب السابق قال البيهقى وقد رَوَيْنَا ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ثُمَّ رَوَى ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَمًا أَقْسِمُهَا ضَحَايَا بَيْنَ أَصْحَابِي فَبَقِيَ عَتُودٌ مِنْهَا فَقَالَ ضَحِّ بِهَا أنت ولارخصة لِأَحَدٍ فِيهَا بَعْدَكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَعَلَى هَذَا يحمل أيضا مارويناه عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ غَنَمًا فَأَعْطَانِي عَتُودًا جَذَعًا فَقَالَ ضَحِّ بِهِ فَقُلْتُ إِنَّهُ جَذَعٌ مِنَ الْمَعْزِ أُضَحِّي بِهِ قَالَ نَعَمْ ضَحِّ بِهِ فَضَحَّيْتُ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيِّ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ جيد حسن وليس فيه رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنَ الْمَعْزِ وَلَكِنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ عَتُودٌ وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مُتَعَيَّنٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ بَعْجَةَ) هُوَ بالباء الموحدة مفتوحة (باب استحباب الضحية وذبحها مباشرة بلا توكيل والتسمية والتكبير) [1966] قَوْلُهُ (ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ وَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ ووضع رجله

على صفاحهما) قال بن الْأَعْرَابِيِّ وَغَيْرُهُ الْأَمْلَحُ هُوَ الْأَبْيَضُ الْخَالِصُ الْبَيَاضِ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ هُوَ الْأَبْيَضُ وَيَشُوبُهُ شَيْءٌ مِنَ السواد وقال أبوحاتم هُوَ الَّذِي يُخَالِطُ بَيَاضَهُ حُمْرَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هو الأسوديعلوه حُمْرَةٌ وَقَالَ الْكِسَائِيُّ هُوَ الَّذِي فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ وَالْبَيَاضُ أَكْثَرُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ الْأَبْيَضُ الَّذِي فِي خَلَلِ صُوفِهِ طَبَقَاتٌ سُودٌ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ هُوَ الْمُتَغَيِّرُ الشَّعْرِ بِسَوَادٍ وَبَيَاضٍ وَقَوْلُهُ أَقْرَنَيْنِ أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَرْنَانِ حَسَنَانِ قَالَ الْعُلَمَاءُ فَيُسْتَحَبُّ الْأَقْرَنُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ تَضْحِيَةِ الْإِنْسَانِ بِعَدَدٍ مِنَ الْحَيَوَانِ وَاسْتِحْبَابُ الْأَقْرَنِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّضْحِيَةِ بِالْأَجْمِ الَّذِي لَمْ يُخْلَقْ لَهُ قَرْنَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي مكسورة القرن فجوزه الشافعى وأبو حنيفة والجمهور سواءكان يدمى أم لاوكرهه مَالِكٌ إِذَا كَانَ يُدْمِي وَجَعَلَهُ عَيْبًا وَأَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ اسْتِحْسَانِهَا وَاخْتِيَارِ أَكْمَلِهَا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْعُيُوبَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ وهو المرض والعجف والعور والعرج البين لاتجزى التضحية بها وكذا ماكان فِي مَعْنَاهَا أَوْ أَقْبَحَ كَالْعَمَى وَقَطْعِ الرِّجْلِ وَشِبْهِهِ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ هَذَا لَمْ يُخَرِّجْهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم فى صحيحهما ولكنه صحيح رواه أبوداود وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَحَسَنَةٍ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مَا أَحْسَنَهُ مِنْ حَدِيثٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَمْلَحَيْنِ فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ اسْتِحْسَانِ لَوْنِ الْأُضْحِيَّةِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا أَفْضَلُهَا الْبَيْضَاءُ ثُمَّ الصَّفْرَاءُ ثُمَّ الْغَبْرَاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا يَصْفُو بَيَاضُهَا ثُمَّ الْبَلْقَاءُ وَهِيَ الَّتِي بَعْضُهَا أَبْيَضُ وَبَعْضُهَا أَسْوَدُ ثم السوداء وأما قوله فى الحديث الآخر يطأفى سَوَادٍ وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ فمعناه أنقوائمه وَبَطْنَهُ وَمَا حَوْلَ عَيْنَيْهِ أَسْوَدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يتولى الانسان ذبح أضحيته بنفسه ولايوكل فى ذبحها الالعذر وَحِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْهَدَ ذَبْحَهَا وَإِنِ اسْتَنَابَ فيها مسلما جاز بلاخلاف وَإِنِ اسْتَنَابَ كِتَابِيًّا كُرِهَ كَرَاهِيَةَ تَنْزِيهٍ وَأَجْزَأَهُ وَوَقَعَتِ التَّضْحِيَةُ عَنِ الْمُوَكِّلِ

هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة الامالكا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُجَوِّزْهَا ويجوز أن يستنيب صبيا أوامرأة حَائِضًا لَكِنْ يُكْرَهُ تَوْكِيلُ الصَّبِيِّ وَفِي كَرَاهَةِ تَوْكِيلِ الْحَائِضِ وَجْهَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْحَائِضُ أَوْلَى بِالِاسْتِنَابَةِ مِنَ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيُّ أَوْلَى مِنَ الْكِتَابِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ وَكَّلَ أَنْ يُوَكِّلَ مُسْلِمًا فَقِيهًا بِبَابِ الذَّبَائِحِ وَالضَّحَايَا لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِشُرُوطِهَا وَسُنَنِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَسَمَّى) فِيهِ إِثْبَاتُ التَّسْمِيَةِ عَلَى الضَّحِيَّةِ وَسَائِرِ الذَّبَائِحِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنْ هَلْ هُوَ شَرْطٌ أَمْ مُسْتَحَبٌّ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ إِيضَاحُهُ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ قَوْلُهُ (وَكَبَّرَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّكْبِيرِ مَعَ التَّسْمِيَةِ فَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ قَوْلُهُ (وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا) أَيْ صَفْحَةِ الْعُنُقِ وَهِيَ جَانِبُهُ وَإِنَّمَا فَعَلَ هَذَا لِيَكُونَ أَثْبَتَ له وأمكن لئلا تضطرب الذبيحة برأسها فتمنعهمن إِكْمَالِ الذَّبْحِ أَوْ تُؤْذِيهِ وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ بِالنَّهْيِ عَنْ هَذَا [1967] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَلُمِّي الْمُدْيَةَ) أَيْ هَاتِيهَا وَهِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا وَهِيَ السِّكِّينُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ) هُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ وبالذال المعجمة

(باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم الاالسن والظفر

أَيْ حَدِّدِيهَا وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي الْأَمْرِ بِإِحْسَانِ الْقِتْلَةِ وَالذَّبْحِ وَإِحْدَادِ الشَّفْرَةِ قَوْلُهُ (وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ ثُمَّ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَحَّى بِهِ) هَذَا الْكَلَامُ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَتَقْدِيرُهُ فَأَضْجَعَهُ وَأَخَذَ فِي ذَبْحِهِ قَائِلًا بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ مُضَحِّيًا به ولفظه ثمهنا متأولة على ماذكرته بِلَا شَكٍّ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ إِضْجَاعِ الْغَنَمِ فِي الذبح وأنها لاتذبح قائمة ولاباركة بَلْ مُضْجَعَةً لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِهَا وَبِهَذَا جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ وَعَمَلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ إِضْجَاعَهَا يَكُونُ عَلَى جَانِبِهَا الْأَيْسَرِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الذَّابِحِ فِي أَخْذِ السِّكِّينِ بِالْيَمِينِ وَإِمْسَاكِ رَأْسِهَا بِالْيَسَارِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ) فِيهِ دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ قَوْلِ الْمُضَحِّي حَالَ الذَّبْحِ مَعَ التَّسْمِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ مَعَهُ اللَّهُمَّ مِنْكَ وَإِلَيْكَ تَقَبَّلْ مِنِّي فَهَذَا مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْحَسَنِ وَجَمَاعَةٍ وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَكَرِهَ مَالِكٌ اللَّهُمَّ مِنْكَ وَإِلَيْكَ وَقَالَ هي بدعةواستدل بِهَذَا مَنْ جَوَّزَ تَضْحِيَةَ الرَّجُلِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَاشْتِرَاكَهُمْ مَعَهُ فِي الثَّوَابِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَكَرِهَهُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَزَعَمَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ أومخصوص وَغَلَّطَهُ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ النَّسْخَ وَالتَّخْصِيصَ لايثبتان بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى (بَاب جَوَازِ الذَّبْحِ بِكُلِّ مَا أنهر الدم الاالسن والظفر وسائرالعظام) [1968] قوله (قلت يارسول اللَّهِ إِنَّا لَاقُو الْعَدُوِّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مدى قال أعجل أوأرن) أَمَّا أَعْجِلْ فَهُوَ بِكَسْرِ

الْجِيمِ وَأَمَّا أَرِنْ فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَرُوِيَ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَكَسْرِ النُّونِ وَرُوِيَ أَرْنِي بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَزِيَادَةِ يَاءٍ وَكَذَا وَقَعَ هُنَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ صوابه أرن على وزن أعجل وهو بمعناه وهومن النشاط والخفة أى أعجل ذبحها لئلاتموت خَنْقًا قَالَ وَقَدْ يَكُونُ أَرِنْ عَلَى وَزْنِ أَطِعْ أَيْ أَهْلِكْهَا ذَبْحًا مِنْ أَرَانَ الْقَوْمُ إِذَا هَلَكَتْ مَوَاشِيهِمْ قَالَ وَيَكُونُ أَرْنِ عَلَى وزن أعط بمعنى أدم الحز ولاتفتر من قولهم رنوت اذاأدمت النَّظَرَ وَفِي الصَّحِيحِ أَرْنِ بِمَعْنَى أَعْجِلْ وَأَنَّ هَذَا شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي هَلْ قَالَ أَرْنِ أَوْ قَالَ أَعْجِلْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَدْ رَدَّ بَعْضُهُمْ عَلَى الْخَطَّابِيِّ قَوْلَهُ إِنَّهُ مِنْ أَرَانَ الْقَوْمَ إِذَا هَلَكَتْ مَوَاشِيهِمْ لِأَنَّ هَذَا لايتعدى وَالْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ مُتَعَدٍّ عَلَى مَا فَسَّرَهُ وَرُدَّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ إِنَّهُ أَأْرَنَ إِذْ لَا تَجْتَمِعُ هَمْزَتَانِ إِحْدَاهُمَا سَاكِنَةٌ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي هَذَا إِيرَنْ بِالْيَاءِ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى أَرْنِي بِالْيَاءِ سَيَلَانُ الدَّمِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ صَوَابُ اللفظة بالهمزة والمشهور بلاهمز وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ) أَمَّا السِّنُّ وَالظُّفُرُ فَمَنْصُوبَانِ بِالِاسْتِثْنَاءِ بِلَيْسَ وَأَمَّا أَنْهَرَهُ فَمَعْنَاهُ أَسَالَهُ وَصَبَّهُ بِكَثْرَةٍ وَهُوَ مُشَبَّهٌ بِجَرْيِ الْمَاءِ فِي النَّهَرِ يُقَالُ نَهَرَ الدَّمَ وَأَنْهَرْتُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ كُلِّهَا وَفِيهِ مَحْذُوفٌ أَيْ وَذُكِرَ اسم الله عليه أومعه وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الذَّكَاةِ مَا يقطع ويجرى الدم ولايكفى رضها ودمغها بما لايجرى الدَّمَ قَالَ الْقَاضِي وَذَكَرَ الْخُشْنِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا أَنْهَزَ بِالزَّايِ وَالنَّهْزُ بِمَعْنَى الدَّفْعِ قَالَ وَهَذَا غَرِيبٌ وَالْمَشْهُورُ بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَذَا ذَكَرَهُ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَالْحِكْمَةُ فِي اشْتِرَاطِ الذَّبْحِ وَإِنْهَارِ الدَّمِ تَمَيُّزُ حَلَالِ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ مِنْ حَرَامِهِمَا وَتَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ لِبَقَاءِ دَمِهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِجَوَازِ الذَّبْحِ بِكُلِّ مُحَدَّدٍ يَقْطَعُ إِلَّا الظُّفُرَ وَالسِّنَّ وَسَائِرَ الْعِظَامِ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ السَّيْفُ وَالسِّكِّينُ وَالسِّنَانُ وَالْحَجَرُ وَالْخَشَبُ وَالزُّجَاجُ وَالْقَصَبُ وَالْخَزَفُ وَالنُّحَاسُ وَسَائِرُ الْأَشْيَاءِ الْمُحَدَّدَةِ فَكُلُّهَا تَحْصُلُ بِهَا الذَّكَاةُ الاالسن وَالظُّفُرَ وَالْعِظَامَ كُلَّهَا أَمَّا الظُّفْرُ فَيَدْخُلُ فِيهِ ظُفْرُ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ كُلِّ الْحَيَوَانَاتِ وَسَوَاءٌ المتصل والمنفصل الطاهر والنجس فكله لاتجوز الذَّكَاةُ بِهِ لِلْحَدِيثِ وَأَمَّا السِّنُّ فَيَدْخُلُ فِيهِ سِنُّ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ الطَّاهِرُ وَالنَّجِسُ وَالْمُتَّصِلُ وَالْمُنْفَصِلُ وَيَلْحَقُ بِهِ سَائِرُ الْعِظَامِ مِنْ كُلِّ الْحَيَوَانِ المتصل منها والمنفصل الطاهر والنجس فكله لاتجوز الذكاة

بِشَيْءٍ مِنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفَهِمْنَا الْعِظَامَ مِنْ بَيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِلَّةَ فِي قَوْلِهِ أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ أَيْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ لِكَوْنِهِ عَظْمًا فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ عَظْمًا فَكُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ العظم لاتجوز الذكاة بهوقد قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي كُلِّ مَا تَضَمَّنَهُ عَلَى مَا شَرَحْتُهُ وَبِهَذَا قَالَ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وأبوثور وَدَاوُدُ وَفُقَهَاءُ الْحَدِيثِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حنيفة وصاحباه لايجوز بِالسِّنِّ وَالْعَظْمِ الْمُتَّصِلَيْنِ وَيَجُوزُ بِالْمُنْفَصِلَيْنِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَاتٌ أَشْهَرُهَا جَوَازُهُ بِالْعَظْمِ دُونَ السِّنِّ كَيْفَ كَانَا وَالثَّانِيَةُ كَمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ وَالثَّالِثَةُ كَأَبِي حَنِيفَةَ والرابعة حكاها عنه بن الْمُنْذِرِ يَجُوزُ بِكُلِّ شَيْءٍ حَتَّى بِالسِّنِّ وَالظُّفُرِ وعن بن جريح جَوَازُ الذَّكَاةِ بِعَظْمِ الْحِمَارِ دُونَ الْقِرْدِ وَهَذَا مع ماقبله بَاطِلَانِ مُنَابِذَانِ لِلسُّنَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَمُوَافِقُوهُمْ لاتحصل الذكاة إلابقطع الحلقوم والمرئ بكمالهما ويستحب قطع الودجين ولايشترط وهذا أصح الروايتين عن أحمد وقال بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَطَعَ الحلقوم والمرئ وَالْوَدَجَيْنِ وَأَسَالَ الدَّمَ حَصَلَتِ الذَّكَاةُ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي قَطْعِ بَعْضِ هَذَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُشْتَرَطُ قطع الحلقوم والمرئ وَيُسْتَحَبُّ الْوَدَجَانِ وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وبن الْمُنْذِرِ يُشْتَرَطُ الْجَمِيعُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا قَطَعَ ثَلَاثَةً مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ أَجْزَأَهُ وَقَالَ مالك يجب قطع الحلقوم والودجين ولايشترط المرئ وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنِ اللَّيْثِ أَيْضًا وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَكْفِي قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ وَعَنْهُ اشْتِرَاطُ قَطْعِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا قَالَ اللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ وعن أبى يوسف ثلاث روايات إحدها كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِيَةُ إِنْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَاثْنَيْنِ مِنَ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ حَلَّتْ وَإِلَّا فَلَا وَالثَّالِثَةُ يشترط قطع الحلقوم والمرئ وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِنْ قَطَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَرْبَعَةِ أَكْثَرَهُ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ فَكُلْ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذَبْحِ الْمَنْحُورِ وَنَحْرِ الْمَذْبُوحِ وَقَدْ جَوَّزَهُ الْعُلَمَاءُ كافة إلاداود فَمَنَعَهُمَا وَكَرِهَهُ مَالِكٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَفِي رِوَايَةٍ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إِبَاحَةُ ذَبْحِ الْمَنْحُورِ دُونَ نَحْرِ الْمَذْبُوحِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ وَفِي الْغَنَمِ الذَّبْحُ وَالْبَقَرُ كالغنم عندنا وعند الجمهور وقيل يتخيربين ذَبْحِهَا وَنَحْرِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ) مَعْنَاهُ فَلَا تَذْبَحُوا بِهِ فإنه يتنجس

بِالدَّمِ وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعِظَامِ لِئَلَّا تَنْجُسَ لِكَوْنِهَا زَادَ إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ وَقَدْ نُهِيتُمْ عن التشبيه بِالْكُفَّارِ وَهَذَا شِعَارٌ لَهُمْ قَوْلُهُ (فَأَصَبْنَا نَهْبَ ابل وغنم فندمنها بعير فرماهرجل بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِهَذِهِ الْإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَإِذَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيْءٌ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا) أَمَّا النَّهْبُ بِفَتْحِ النُّونِ فَهُوَ الْمَنْهُوبُ وكان هذا النهب غنيمة وقوله (فندمنها بَعِيرٌ) أَيْ شَرَدَ وَهَرَبَ نَافِرًا وَالْأَوَابِدُ النُّفُورُ وَالتَّوَحُّشُ وَهُوَ جَمْعُ آبِدَةٍ بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُخَفَّفَةِ وَيُقَالُ مِنْهُ أَبَدَتْ بِفَتْحِ الْبَاءِ تَأْبُدُ بِضَمِّهَا وَتَأْبِدُ بِكَسْرِهَا وَتَأَبَّدَتْ وَمَعْنَاهُ نَفَرَتْ مِنَ الْإِنْسِ وَتَوَحَّشَتْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ

دَلِيلٌ لِإِبَاحَةِ عَقْرِ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَنِدُّ وَيُعْجَزُ عن ذبحه ونحره قال أصحابنا وغيرهم الحيوانالمأكول الذى لاتحل مَيْتَتُهُ ضَرْبَانِ مَقْدُورٌ عَلَى ذَبْحِهِ وَمُتَوَحِّشٌ فَالْمَقْدُورُ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إِلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَةِ كَمَا سَبَقَ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْإِنْسِيِّ وَالْوَحْشِيِّ إِذَا قَدَرَ عَلَى ذَبْحِهِ بِأَنْ أَمْسَكَ الصَّيْدَ أَوْ كَانَ مُتَأَنِّسًا فَلَا يَحِلُّ إِلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَةِ وأما المتوحش كالصيد فجميع أجزائه يذبح مادام مُتَوَحِّشًا فَإِذَا رَمَاهُ بِسَهْمٍ أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ جَارِحَةً فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْهُ وَمَاتَ بِهِ حَلَّ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا إِذَا تَوَحَّشَ إِنْسِيٌّ بِأَنَ نَدَّ بعير أو بقرة أو فرس أوشردت شَاةٌ أَوْ غَيْرُهَا فَهُوَ كَالصَّيْدِ فَيَحِلُّ بِالرَّمْيِ إِلَى غَيْرِ مَذْبَحِهِ وَبِإِرْسَالِ الْكَلْبِ وَغَيْرِهِ مِنَ الجوارح عليه وكذا لوتردى بعير أوغيره فِي بِئْرٍ وَلَمْ يُمْكِنْ قَطْعُ حُلْقُومِهِ وَمَرِيئِهِ فهو كالبعير الناد فى حله بالرمى بلاخلاف عِنْدَنَا وَفِي حِلِّهِ بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لايحل قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّوَحُّشِ مُجَرَّدَ الْإِفْلَاتِ بل متى تيسر لحوقه بعد ولوباستعانة بمن يمسكه ونحوذلك فليس متوحشا ولايحل حينئذ الابالذبح فِي الْمَذْبَحِ وَإِنْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ فِي الْحَالِ جاز رميه ولايكلف الصَّبْرَ إِلَى الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْجِرَاحَةُ فِي فَخِذِهِ أَوْ خَاصِرَتِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ بَدَنِهِ فَيَحِلُّ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَمِمَّنْ قَالَ بِإِبَاحَةِ عَقْرِ النَّادِّ كَمَا ذَكَرْنَا عَلِيُّ بْنُ أبى طالب وبن مسعود وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حنيفة وأحمد وإسحاقوأبو ثور والمزنى وداود والجمهوروقال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ وَمَالِكٌ لَا يَحِلُّ إِلَّا بِذَكَاةٍ فِي حَلْقِهِ كَغَيْرِهِ دَلِيلُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ رَافِعٍ الْمَذْكُورُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحُلَيْفَةُ هَذِهِ مَكَانٌ مِنْ تِهَامَةَ بَيْنَ حَاذَّةَ وَذَاتِ عِرْقٍ وَلَيْسَتْ بِذِي الْحُلَيْفَةِ الَّتِي هِيَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُؤْتَلِفُ فِي أَسْمَاءِ الْأَمَاكِنِ لَكِنَّهُ قَالَ الْحُلَيْفَةُ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ ذِي وَالَّذِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَكَأَنَّهُ يُقَالُ بِالْوَجْهَيْنِ قَوْلُهُ (فَأَصَبْنَا غَنَمًا وَإِبِلًا فَعَجِلَ الْقَوْمُ فَأَغْلَوْا بِهَا الْقُدُورَ فَأَمَرَ بِهَا فَكُفِئَتْ) مَعْنَى كُفِئَتْ أَيْ قُلِبَتْ وَأُرِيقَ مَا فِيهَا وَإِنَّمَا أَمَرَ بِإِرَاقَتِهَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدِ انْتَهَوْا إِلَى دار الاسلام والمحل الذى لايجوز فِيهِ الْأَكْلُ مِنْ مَالِ الْغَنِيمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ فَإِنَّ الْأَكْلَ مِنَ الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ إِنَّمَا يُبَاحُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ الْمَالِكِيُّ إِنَّمَا أُمِرُوا بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ عُقُوبَةً لَهُمْ لِاسْتِعْجَالِهِمْ فِي السَّيْرِ وَتَرْكِهِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فِي أُخْرَيَاتِ الْقَوْمِ مُتَعَرِّضًا لِمَنْ يَقْصِدُهُ مِنْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مِنْ إِرَاقَةِ الْقُدُورِ إِنَّمَا هُوَ إِتْلَافٌ لِنَفْسِ الْمَرَقِ عُقُوبَةً لَهُمْ وَأَمَّا نَفْسُ اللَّحْمِ فَلَمْ يُتْلِفُوهُ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ جُمِعَ ورد إلى المغنم ولايظن أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِتْلَافِهِ لِأَنَّهُ مَالٌ لِلْغَانِمِينَ وَقَدْ نَهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ مَعَ أَنَّ الْجِنَايَةَ بِطَبْخِهِ لَمْ تَقَعْ من جميع مستحقى الغنيمة اذمن جُمْلَتِهِمْ أَصْحَابُ الْخُمُسِ وَمِنَ الْغَانِمِينَ مَنْ لَمْ يَطْبُخْ فَإِنْ قِيلَ فَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُمْ حَمَلُوا اللَّحْمَ إِلَى الْمَغْنَمِ قُلْنَا وَلَمْ يُنْقَلْ أَيْضًا أَنَّهُمْ أَحْرَقُوهُ وَأَتْلَفُوهُ وَإِذَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَقْلٌ صَرِيحٌ وَجَبَ تَأْوِيلُهُ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا بِخِلَافِ إِكْفَاءِ قُدُورِ لَحْمِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ فَإِنَّهُ أَتْلَفَ مَا فِيهَا مِنْ لَحْمٍ وَمَرَقٍ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَجِسَةً وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا إِنَّهَا رِجْسٌ أَوْ نَجَسٌ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَأَمَّا هَذِهِ اللُّحُومُ فكانت طاهرة منتفعا بها بلاشك فلايظن إِتْلَافُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ثُمَّ عَدَلَ عَشْرًا مِنَ الْغَنَمِ بِجَزُورٍ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ قِيمَةَ هَذِهِ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ فَكَانَتِ الْإِبِلُ نَفِيسَةً دُونَ الْغَنَمِ بِحَيْثُ كَانَتْ قِيمَةُ البعير عشر شياه ولايكون هذا مخالفالقاعدة الشَّرْعِ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ فِي إِقَامَةِ الْبَعِيرِ مَقَامَ سَبْعِ شِيَاهٍ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْغَالِبُ فِي قِيمَةِ الشِّيَاهِ وَالْإِبِلِ الْمُعْتَدِلَةِ وَأَمَّا هَذِهِ القسمة فكانت قضية اتفق فيها ماذكرناه مِنْ نَفَاسَةِ الْإِبِلِ دُونَ الْغَنَمِ وَفِيهِ أَنَّ قسمة الغنيمة لايشترط فِيهَا قِسْمَةُ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ قَوْلُهُ (فَنُذَكِّي بِاللِّيطِ) هُوَ بِلَامٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ طَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَهِيَ قُشُورُ الْقَصَبِ وَلِيطُ كُلِّ شَيْءٍ قُشُورُهُ وَالْوَاحِدَةُ لِيطَةٌ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ أَفَنَذْبَحُ بِالْمَرْوَةِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا هَذَا وَهَذَا فَأَجَابَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَوَابٍ جَامِعٍ لِمَا سَأَلُوهُ وَلِغَيْرِهِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا فقال كل ماأنهر الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ قَوْلُهُ (فَرَمَيْنَاهُ بِالنَّبْلِ حَتَّى وَهَصْنَاهُ) هُوَ بِهَاءٍ مَفْتُوحَةٍ مُخَفَّفَةٍ ثُمَّ صَادٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثم نون

(باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد

وَمَعْنَاهُ رَمَيْنَاهُ رَمْيًا شَدِيدًا وَقِيلَ أَسْقَطْنَاهُ إِلَى الْأَرْضِ وَوَقَعَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ رَهَصْنَاهُ بِالرَّاءِ أَيْ حَبَسْنَاهُ (بَاب بَيَانِ مَا كَانَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ فى الاسلام وبيان نسخه وإباحته إلى متى شاء) [1969] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ) قَالَ الْقَاضِي لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ عِلَّةٌ فِي رَفْعِهِ لِأَنَّ الْحُفَّاظَ مِنْ أَصْحَابِ سُفْيَانَ لَمْ يَرْفَعُوهُ وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَرَوَاهُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا مِمَّا وَهِمَ فِيهِ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ وَأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَالْقَعْنَبِيَّ وَأَبَا خَيْثَمَةَ واسحاق وغيرهم رووه عن بن عُيَيْنَةَ مَوْقُوفًا قَالَ وَرَفْعُ الْحَدِيثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ سُفْيَانَ فَقَدْ رَفَعَهُ صَالِحٌ وَيُونُسُ وَمَعْمَرٌ وَالزُّبَيْدِيُّ وَمَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ كُلُّهُمْ رَوَوْهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَرْفُوعًا هَذَا كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْمَتْنُ صَحِيحٌ بِكُلِّ حَالٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَاكُمْ أَنْ تأكلوا لحوم نسككم فوق ثلاث ليال فلاتأكلوا) [1970] وفى حديث بن عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لايأكل أَحَدُكُمْ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ سالم وكان بن عمر لايأكل لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَذَكَرَ [1972] حَدِيثُ جَابِرٍ مِثْلَهُ فِي النَّهْيِ ثُمَّ قَالَ كُلُوا بَعْدُ وَادَّخِرُوا وَتَزَوَّدُوا [1971] وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّهُ دَفَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الْأَضْحَى فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادَّخِرُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَصَدَّقُوا ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ إِنَّمَا كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا وَذَكَرَ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَسَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ وَأَبِي سَعِيدٍ وَثَوْبَانَ وَبُرَيْدَةَ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَخْذِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَقَالَ قَوْمٌ يَحْرُمُ إِمْسَاكُ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ وَالْأَكْلُ مِنْهَا بَعْدَ ثَلَاثٍ وَإِنَّ حُكْمَ التَّحْرِيمِ باق كما قاله على وبن عمر وقال جماهير العلماءيباح الْأَكْلُ وَالْإِمْسَاكُ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَالنَّهْيُ مَنْسُوخٌ بِهَذِهِ الأحاديث المصرحة بالنسخ لاسيما حديث بريدة وهذامن نَسْخِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ هُوَ نَسْخًا بَلْ كَانَ التَّحْرِيمُ لِعِلَّةٍ فَلَمَّا زَالَتْ زَالَ لِحَدِيثِ سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ وَقِيلَ كَانَ النَّهْيُ الأول للكراهة لاللتحريم قَالَ هَؤُلَاءِ وَالْكَرَاهَةُ بَاقِيَةٌ إِلَى الْيَوْمِ وَلَكِنْ لَا يَحْرُمُ قَالُوا وَلَوْ وَقَعَ مِثْلُ تِلْكَ الْعِلَّةِ الْيَوْمَ فَدَفَّتْ دَافَّةٌ وَاسَاهُمُ النَّاسُ وَحَمَلُوا على هذا مذهب على وبن عُمَرَ وَالصَّحِيحُ نَسْخُ النَّهْيِ مُطْلَقًا وَأَنَّهُ لَمْ يبق تحريم ولاكراهة فيباح

الْيَوْمَ الِادِّخَارُ فَوْقَ ثَلَاثٍ وَالْأَكْلُ إِلَى مَتَى شَاءَ لِصَرِيحِ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَعْدَ ثَلَاثٍ) قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الثَّلَاثِ مِنْ يَوْمِ ذَبْحِهَا وَيَحْتَمِلُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَإِنْ تَأَخَّرَ ذَبْحُهَا إِلَى أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَالَ وَهَذَا أَظْهَرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الدَّافَّةُ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ قَوْمٌ يَسِيرُونَ جَمِيعًا سَيْرًا خَفِيفًا وَدَفَّ يَدِفُّ بِكَسْرِ الدال ودافة الأعراب من يردمنهم الْمِصْرَ وَالْمُرَادُ هُنَا مَنْ وَرَدَ مِنْ ضُعَفَاءِ الْأَعْرَابِ لِلْمُوَاسَاةِ قَوْلُهُ (دَفَّ أَبْيَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الْأَضْحَى) هِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَالضَّادُ سَاكِنَةٌ فِيهَا كُلِّهَا وَحُكِيَ فَتْحُهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِنَّمَا تُفْتَحُ إِذَا حُذِفَتِ الْهَاءُ فَيُقَالُ بِحَضَرِ فُلَانٍ قَوْلُهُ (إِنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ

الْأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ وَيَجْمُلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ) قَوْلُهُ يَجْمُلُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ مَعَ كَسْرِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا وَيُقَالُ بِضَمِّ الْيَاءِ مَعَ كَسْرِ الْمِيمِ يُقَالُ جَمَلْتُ الدُّهْنَ أُجْمِلُهُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَأَجْمُلُهُ بِضَمِّهَا جَمْلًا وَأَجْمَلْتُهُ إِجْمَالًا أَيْ أَذَبْتُهُ وَهُوَ بِالْجِيمِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا) هَذَا تَصْرِيحٌ بِزَوَالِ النَّهْيِ عَنِ ادِّخَارِهَا فَوْقَ ثَلَاثٍ وَفِيهِ الْأَمْرُ بِالصَّدَقَةِ مِنْهَا وَالْأَمْرُ بِالْأَكْلِ فَأَمَّا الصَّدَقَةُ مِنْهَا إِذَا كَانَتْ أُضْحِيَّةَ تَطَوُّعٍ فَوَاجِبَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ مِنْهَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ بِمُعْظَمِهَا قَالُوا وَأَدْنَى الْكَمَالِ أَنْ يَأْكُلَ الثُّلُثَ وَيَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ وَيُهْدِي الثُّلُثَ وَفِيهِ قَوْلٌ أَنَّهُ يَأْكُلُ النِّصْفَ وَيَتَصَدَّقُ بِالنِّصْفِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي قَدْرِ أَدْنَى الْكَمَالِ فِي الِاسْتِحْبَابِ فَأَمَّا الْإِجْزَاءُ فيجزيه الصدقة بما يقع عليه الاسم كماذكرنا ولنا وجه أنه لاتجب الصدقة بشيء منها وأماالأكل منها فيستحب ولايجب هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلاما حُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْأَكْلَ منها وهو قول أبى الطيب بن سلمة من أصحابنا حكاه عنه الماوردىلظاهر هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْأَمْرِ بِالْأَكْلِ مَعَ قَوْلِهِ تعالى فكلوا منها وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ هَذَا الْأَمْرَ عَلَى النَّدْبِ أَوِ الْإِبَاحَةِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ وَرَدَ بَعْدَ الْحَظْرِ كقوله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا وَقَدِ اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي الْأَمْرِ الْوَارِدِ بعد الحظر

فَالْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ كما لوورد ابتداء وقال جِمَاعَةٌ مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ إِنَّهُ لِلْإِبَاحَةِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ (قُلْتُ لِعَطَاءٍ قَالَ جَابِرٌ حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ نَعَمْ) ووقع فى البخارى لابدل قَوْلِهِ هُنَا نَعَمْ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ نَسِيَ فِي وقت فقال لاوذكر فى وقت فقال نعم [1973] قوله (وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي نضرة وكذا ذكره أبوعلى الْغَسَّانِيُّ وَالْقَاضِي عَنْ نُسْخَةِ الْجُلُودِيِّ وَالْكِسَائِيِّ قَالَا وفى نسخة بن مَاهَانَ سَعِيدٌ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ مِنْ غَيْرِ ذكر قَتَادَةَ وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ فِي الْأَطْرَافِ وَخَلَفٌ الْوَاسِطِيُّ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فى طريق بن أبى شيبة وبن الْمُثَنَّى (عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) هذا خلاف عادة مسلم فى الاقتصاروكان مُقْتَضَى عَادَتِهِ حَذْفَ أَبِي سَعِيدٍ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَيَقْتَصِرُ عَلَى أَبِي نَضْرَةَ ثُمَّ يَقُولُ ح ويتحول

فَإِنَّ مَدَارَ الطَّرِيقَيْنِ عَلَى أَبِي نَضْرَةَ وَالْعِبَارَةُ فِيهِمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَكَانَ يَنْبَغِي تَرْكُهُ فِي الْأُولَى قَوْلُهُ (إِنَّ لَهُمْ عِيَالًا وَحَشَمًا وَخَدَمًا) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْحَشَمُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالشِّينِ هُمْ اللَّائِذُونَ بِالْإِنْسَانِ يَخْدُمُونَهُ وَيَقُومُونَ بِأُمُورِهِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُمْ خَدَمُ الرَّجُلِ وَمَنْ يَغْضَبُ لَهُ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَغْضَبُونَ لَهُ وَالْحِشْمَةُ الْغَضَبُ وَيُطْلَقُ عَلَى الِاسْتِحْيَاءِ أيضا ومنه قولهم فلان لايحتشم أَيْ لَا يَسْتَحِي وَيُقَالُ حَشَمْتُهُ وَأَحْشَمْتُهُ إِذَا أغضبته واذا أخجلته فاستحيى الْخَجْلَةَ وَكَأَنَّ الْحَشَمَ أَعَمُّ مِنَ الْخَدَمِ فَلِهَذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1974] (إِنَّ ذَلِكَ عَامٌّ كَانَ النَّاسُ فِيهِ بِجَهْدٍ فَأَرَدْتُ أَنْ يفشوا فِيهِمْ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ يَفْشُوَ بِالْفَاءِ وَالشِّينِ أَيْ يَشِيعَ لَحْمُ الْأَضَاحِيِّ فِي النَّاسِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ الْمُحْتَاجُونَ وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ يُعِينُوا بِالْعَيْنِ مِنَ الْإِعَانَةِ قَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ أَشْبَهُ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ أَوْجَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالْجَهْدُ هُنَا بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ الْمَشَقَّةُ وَالْفَاقَةُ [1975] قَوْلُهُ (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم

ضَحِيَّتَهُ ثُمَّ قَالَ يَا ثَوْبَانُ أَصْلِحْ هَذِهِ فَلَمْ أَزَلْ أُطْعِمُهُ مِنْهَا حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ هَذَا فِيهِ تَصْرِيحٌ بِجَوَازِ ادِّخَارِ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ فَوْقَ ثَلَاثٍ وَجَوَازُ التَّزَوُّدِ مِنْهُ وَفِيهِ أَنَّ الادخار والتزود فى الأسفار لايقدح فِي التَّوَكُّلِ وَلَا يُخْرِجُ صَاحِبَهُ عَنِ التَّوَكُّلِ وَفِيهِ أَنَّ الضَّحِيَّةَ مَشْرُوعَةٌ لِلْمُسَافِرِ كَمَا هِيَ مَشْرُوعَةٌ لِلْمُقِيمِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا ضَحِيَّةَ عَلَى الْمُسَافِرِ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ الله تعالى عنه وقال مالك وجماعة لاتشرع لِلْمُسَافِرِ بِمِنًى وَمَكَّةَ [1977] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَنَهَيْتُكُمْ

(باب الفرع والعتيرة)

عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِي فَوْقَ ثَلَاثٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلَّا فِي سِقَاءٍ فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا وَلَا تَشْرَبُوا مسكرا) هذا الحديث مماصرح فِيهِ بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ جَمِيعًا قَالَ الْعُلَمَاءُ يُعْرَفُ نَسْخُ الْحَدِيثِ تَارَةً بِنَصٍّ كَهَذَا وَتَارَةً بِإِخْبَارِ الصَّحَابِيِّ كَكَانَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ وَتَارَةً بِالتَّارِيخِ إِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَتَارَةً بِالْإِجْمَاعِ كَتَرْكِ قَتْلِ شَارِبِ الْخَمْرِ فِي المرة الرابعة والاجماع لاينسخ لَكِنْ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ نَاسِخً أَمَّا زِيَارَةُ الْقُبُورِ فَسَبَقَ بَيَانُهَا فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَأَمَّا الِانْتِبَاذُ فِي الْأَسْقِيَةِ فَسَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَسَنُعِيدُهُ قَرِيبًا فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَذْكُرُ هُنَاكَ اخْتِلَافَ أَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ وَتَأْوِيلَ الْمُؤَوَّلِ مِنْهَا وَأَمَّا لُحُومُ الْأَضَاحِيِّ فَذَكَرْنَا حُكْمَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب الْفَرَعِ والعتيرة) [1976] قوله صلى الله عليه وسلم (لافرع ولاعتيرة) وَالْفَرَعُ أَوَّلُ النِّتَاجِ كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ فَيَذْبَحُونَهُ قال

أَهْلُ اللُّغَةِ وَغَيْرُهُمْ الْفَرَعُ بِفَاءٍ ثُمَّ رَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَيُقَالُ فِيهِ الْفَرَعَةُ بالهاء والعتيرة بعين مهملة مفتوحة ثم تاءمثناة مِنْ فَوْقُ قَالُوا وَالْعَتِيرَةُ ذَبِيحَةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا فِي الْعَشْرِ الْأُوَّلِ مِنْ رَجَبٍ وَيُسَمُّونَهَا الرَّجَبِيَّةُ أَيْضًا وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَفْسِيرِ الْعَتِيرَةِ بِهَذَا وَأَمَّا الْفَرْعُ فَقَدْ فَسَّرَهُ هُنَا بِأَنَّهُ أَوَّلُ النِّتَاجِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَآخَرُونَ هو أول نتاج البهيمة كانوا يذبحونه ولايملكونه رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِي الْأُمِّ وَكَثْرَةِ نَسْلِهَا وَهَكَذَا فَسَّرَهُ كَثِيرُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ هُوَ أَوَّلُ النِّتَاجِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِآلِهَتِهِمْ وَهِيَ طَوَاغِيتُهُمْ وَكَذَا جَاءَ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَقِيلَ هُوَ أَوَّلُ النِّتَاجِ لِمَنْ بَلَغَتْ إِبِلُهُ مِائَةً يَذْبَحُونَهُ وَقَالَ شِمْرٌ قَالَ أَبُو مَالِكٍ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا بَلَغَتْ إِبِلُهُ مِائَةً قَدَّمَ بِكْرًا فَنَحَرَهُ لِصَنَمِهِ وَيُسَمُّونَهُ الْفَرَعَ وَقَدْ صَحَّ الْأَمْرُ بِالْعَتِيرَةِ وَالْفَرَعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَجَاءَتْ بِهِ أَحَادِيثُ مِنْهَا حَدِيثُ نُبَيْشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَادَى رَجُلٌ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّا كُنَّا نَعْتِرُ عَتِيرَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي رَجَبٍ قَالَ اذْبَحُوا لله فى أى شهر كان وبروا لله وَأَطْعِمُوا قَالَ إِنَّا كُنَّا نُفْرِعُ فَرَعًا فِي الجاهلية فما تأمرنا فقال فى كل سائمة فرع تعدوه ما شيتك حَتَّى إِذَا اسْتَحْمَلَ ذَبَحْتَهُ فَتَصَدَّقْتَ بِلَحْمِهِ رَوَاهُ أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة قال بن الْمُنْذِرِ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ أَحَدُ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ السَّائِمَةُ مِائَةٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالفرعةمن كل خمسين واحدة وفى رواية من كل خمسين شاة شاة قال بن الْمُنْذِرِ حَدِيثُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الرَّاوِي أَرَاهُ عَنْ جَدِّهِ قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْفَرَعِ قَالَ الْفَرَعُ حَقٌّ وَأَنْ تَتْرُكُوهُ حَتَّى يَكُونَ بكرا أو بن مخاض أو بن لبون فتعطيه أرملة أوتحمل عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تذبحه فيلزق لحمه بوبره وتكفا إناؤك وَتُوَلِّهِ نَاقَتَكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَرَعُ حَقٌّ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ حِينَ يولد ولاشبع فيه ولهذا قال تذبحه فَيَلْزَقَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ وَفِيهِ أَنَّ ذَهَابَ وَلَدِهَا يَدْفَعُ لَبَنَهَا وَلِهَذَا قَالَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَكْفَأَ يَعْنِي إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَكَأَنَّكَ كَفَأْتَ إناءك وأرقته وأشاربه إلى ذهاب اللين وفيه أنه يُفْجِعَهَا بِوَلَدِهَا وَلِهَذَا قَالَ وَتُوَّلِهِ

ناقتك فأشار بتركه حتى يكون بن مخاض وهو بن سَنَةٍ ثُمَّ يَذْهَبُ وَقَدْ طَابَ لَحْمُهُ وَاسْتَمْتَعَ بلبن أمه ولاتشق عَلَيْهَا مُفَارَقَتُهُ لِأَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْهَا هَذَا كَلَامُ أَبِي عُبَيْدٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ أَوْ قَالَ بِمِنًى وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْعَتِيرَةِ فَقَالَ مَنْ شَاءَ عَتَرَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَعْتِرْ وَمَنْ شَاءَ فَرَّعَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يُفَرِّعْ وَعَنْ أَبِي رَزِينٍ قال يارسول اللَّهِ إِنَّا كُنَّا نَذْبَحُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ذَبَائِحَ فِي رَجَبٍ فَنَأْكُلُ مِنْهَا وَنُطْعِمُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابأس بِذَلِكَ وَعَنْ أَبِي رَمْلَةَ عَنْ مُخْنِفِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ كُنَّا وُقُوفًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ ياأيها النَّاسُ إِنَّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةً وَعَتِيرَةً هَلْ تَدْرِي مَا الْعَتِيرَةُ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى الرَّجَبِيَّةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفُ الْمَخْرَجِ لأن أبارملة مَجْهُولٌ هَذَا مُخْتَصَرُ مَا جَاءَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْفَرَعُ شَيْءٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَطْلُبُونَ بِهِ الْبَرَكَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَذْبَحُ بكر ناقته أوشاته فَلَا يَغْذُوهُ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِيمَا يَأْتِي بَعْدَهُ فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالَ فَرِّعُوا إِنْ شِئْتُمْ أَيِ اذْبَحُوا إِنْ شِئْتُمْ وَكَانُوا يَسْأَلُونَهُ عَمَّا كَانُوا يَصْنَعُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَوْفًا أَنْ يُكْرَهَ فِي الْإِسْلَامِ فَأَعْلَمَهُمْ أنه لاكراهة عَلَيْهِمْ فِيهِ وَأَمَرَهُمُ اسْتِحْبَابًا أَنْ يُغْذُوَهُ ثُمَّ يُحْمَلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَرَعُ حَقٌّ معناه ليس بباطل وهوكلام عَرَبِيٌّ خَرَجَ عَلَى جَوَابِ السَّائِلِ قَالَ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لافرع ولاعتيرة أى لافرع واجب ولاعتيرة وَاجِبَةٌ قَالَ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّهُ أَبَاحَ لَهُ الذَّبْحَ وَاخْتَارَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي العتيرة اذبحوالله فِي أَيِّ شَهْرٍ كَانَ أَيِ اذْبَحُوا إِنْ شِئْتُمْ وَاجْعَلُوا الذَّبْحَ لِلَّهِ فِي أَيِّ شَهْرٍ كان لاأنها فِي رَجَبٍ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ اسْتِحْبَابُ الْفَرَعِ والعتيرة وأجابوا عن حديث لافرع ولاعتيرة بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا جَوَابُ الشَّافِعِيِّ السَّابِقُ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْوُجُوبِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ ماكانوا يَذْبَحُونَ لِأَصْنَامِهِمْ وَالثَّالِثُ أَنَّهُمَا لَيْسَا كَالْأُضْحِيَّةِ فِي الِاسْتِحْبَابِ أَوْ فِي ثَوَابِ إِرَاقَةِ الدَّمِ فَأَمَّا تفرقة اللحم على المساكين فبر وصدقة وقدنص الشَّافِعِيُّ فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ أَنَّهَا إِنْ تَيَسَّرَتْ كُلَّ شَهْرٍ كَانَ حَسَنًا هَذَا تَلْخِيصُ حُكْمِهَا فِي مَذْهَبِنَا وَادَّعَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ جَمَاهِيرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى نَسْخِ الْأَمْرِ بِالْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ وَاللَّهُ أعلم

(باب نهى من ذخل عليه عشر ذى الحجة وهومريد التضحية

(باب نهى من ذخل عليه عشر ذى الحجة وهومريد التَّضْحِيَةِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِهِ أَوْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا) [1977] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحى فلايمس من شعره وبشره شيئا) وفى رواية فلايأخذن شعرا ولايقلمن ظُفُرًا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُدُ وَبَعْضُ أصحاب الشافعى أنه يحرم عليه أخذ شئ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ فِي وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تنزيه وليس بحرام وقال أبو حنيفة لايكره وقال مالك فى رواية لايكره وَفِي رِوَايَةٍ يُكْرَهُ وَفِي رِوَايَةٍ يَحْرُمُ فِي التَّطَوُّعِ دُونَ الْوَاجِبِ وَاحْتَجَّ مَنْ حَرَّمَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْآخَرُونَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يقلده ويبعث به ولايحرم عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ الْبَعْثُ بِالْهَدْيِ أَكْثَرُ مِنْ إِرَادَةِ التَّضْحِيَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لايحرم ذَلِكَ وَحَمَلَ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ أَخْذِ الظُّفُرِ والشعر النهى عن إزالة الظفر بقلم أوكسر أَوْ غَيْرِهِ وَالْمَنْعُ

مِنْ إِزَالَةِ الشَّعْرِ بِحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ أَوْ نَتْفٍ أَوْ إِحْرَاقٍ أَوْ أَخْذِهِ بِنَوْرَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَسَوَاءُ شَعْرُ الْإِبْطِ وَالشَّارِبِ وَالْعَانَةِ وَالرَّأْسِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ شُعُورُ بَدَنِهِ قَالَ إبراهيم المروزى وغيره من أصحابناحكم أَجْزَاءِ الْبَدَنِ كُلِّهَا حُكْمُ الشَّعْرِ وَالظُّفُرِ وَدَلِيلُهُ الرواية السابقة فلايمس مِنْ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ أَنْ يَبْقَى كَامِلَ الْأَجْزَاءِ لِيُعْتِقَ مِنَ النَّارِ وَقِيلَ التَّشَبُّهُ بِالْمُحْرِمِ قَالَ أَصْحَابُنَا هذا غلط لأنه لايعتزل النساء ولايترك الطِّيبَ وَاللِّبَاسَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَتْرُكُهُ الْمُحْرِمُ قَوْلُهُ (عَنْ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ) كَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عُمَرُ بِضَمِّ العين فى كل هذه الطرق والاطريق حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَلْوَانِيِّ فَفِيهَا عَمْرٌو بِفَتْحِ العين والاطريق أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ فَفِيهَا عَمْرًا أَوْ عُمَرَ وَقَالَ الْعُلَمَاءُ الْوَجْهَانِ مَنْقُولَانِ فِي اسْمِهِ قَوْلُهُ (عَمَّارُ بْنُ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيُّ هُوَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَآخِرُهُ تَاءٌ تُكْتَبُ هَاءً قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ) هُوَ بِكَسْرِ الذَّالِ أَيْ حَيَوَانٌ يُرِيدُ ذَبْحَهُ فَهُوَ فِعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَحِمْلٍ بِمَعْنَى مَحْمُولٍ ومنه قوله تعالى

وفديناه بذبح قَوْلُهُ (كُنَّا فِي الْحَمَّامِ قُبَيْلَ الْأَضْحَى فَأَطْلَى فيه أناس فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَمَّامِ إِنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَكْرَهُ هَذَا وَيَنْهَى عَنْهُ فَلَقِيتُ سَعِيدَ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ يَا بن أَخِي هَذَا حَدِيثٌ قَدْ نُسِيَ وَتُرِكَ حَدَّثَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ وَذَكَرَ حَدِيثَهَا السَّابِقَ) أَمَّا قَوْلُهُ فَأَطْلَى فِيهِ أُنَاسٌ فَمَعْنَاهُ أَزَالُوا شَعْرَ الْعَانَةِ بِالنَّوْرَةِ وَالْحَمَّامُ مُذَكَّرٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَمِيمِ وَهُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ وَقَوْلُهُ إِنَّ سَعِيدًا يَكْرَهُ هَذَا يَعْنِي يَكْرَهُ إِزَالَةَ الشَّعْرِ فِي عَشْرِ ذِي الحجة لمن يريد التضحية لاأنه يَكْرَهُ مُجَرَّدَ الْإِطْلَاءِ وَدَلِيلُ مَا ذَكَرْنَاهُ احْتِجَاجُهُ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْإِطْلَاءِ إِنَّمَا فِيهِ النَّهْيُ عَنْ إِزَالَةِ الشَّعْرِ وَقَدْ نقل بن عبد البر عن بن الْمُسَيِّبِ جَوَازَ الْإِطْلَاءِ فِي الْعَشْرِ بِالنَّوْرَةِ فَإِنْ صح هذا عنه فهومحمول على أنه أفتى به انسانا لايريد التَّضْحِيَةَ قَوْلُهُ (عَنْ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمٍ الْجُنْدَعِيِّ) وَفِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ قَالَ اللَّيْثِيُّ الْجُنْدَعِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَبِفَتْحِ الدَّالِ وَضَمِّهَا وَجُنْدَعٌ بَطْنٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله)

(بَاب تَحْرِيمِ الذَّبْحِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَعْنِ فَاعِلِهِ) [1978] قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ) وفى رواية لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ أَمَّا لَعْنُ الْوَالِدِ وَالْوَالِدَةِ فَمِنَ الْكَبَائِرِ وَسَبَقَ ذَلِكَ مَشْرُوحًا وَاضِحًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَالْمُرَادُ بِمَنَارِ الْأَرْضِ بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَامَاتُ حُدُودِهَا وَأَمَّا الْمُحْدِثُ بِكَسْرِ الدَّالِ فَهُوَ مَنْ يَأْتِي بِفَسَادٍ فِي الْأَرْضِ وَسَبَقَ شَرْحُهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ وَأَمَّا لذبح لِغَيْرِ اللَّهِ فَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَذْبَحَ بِاسْمِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَنْ ذَبَحَ لِلصَّنَمِ أَوِ الصليب أو لموسى أولعيسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا أَوْ لِلْكَعْبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فكل هذا حرام ولاتحل هَذِهِ الذَّبِيحَةُ سَوَاءٌ كَانَ الذَّابِحُ مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قَصَدَ مَعَ ذَلِكَ تَعْظِيمَ الْمَذْبُوحِ لَهُ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْعِبَادَةَ لَهُ كَانَ ذَلِكَ كُفْرًا فَإِنْ كَانَ الذَّابِحُ مُسْلِمًا قَبْلَ ذَلِكَ صَارَ بِالذَّبْحِ مُرْتَدًّا وَذَكَرَ الشَّيْخُ ابراهيم المروزى من أصحابنا أن مايذبح عِنْدَ اسْتِقْبَالِ السُّلْطَانِ تَقَرُّبًا إِلَيْهِ أَفْتَى أَهْلُ بُخَارَةَ بِتَحْرِيمِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِّلَ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا إِنَّمَا يَذْبَحُونَهُ اسْتِبْشَارًا بِقُدُومِهِ فَهُوَ كَذَبْحِ الْعَقِيقَةِ لِوِلَادَةِ الْمَوْلُودِ ومثل هذا لايوجب التَّحْرِيمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنَّ عَلِيًّا غَضِبَ حِينَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسِرُّ إِلَيْكَ إِلَى آخِرِهِ فِيهِ إِبْطَالُ مَا تَزْعُمُهُ الرَّافِضَةُ وَالشِّيعَةُ وَالْإِمَامِيَّةُ مِنَ الْوَصِيَّةِ إِلَى عَلِيٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ

مِنَ اخْتِرَاعَاتِهِمْ وَفِيهِ جَوَازُ كِتَابَةِ الْعِلْمِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ الْآنَ وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوَاضِعَ قَوْلُهُ (مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ يَعُمَّ به الناس كافة الاما كَانَ فِي قِرَابِ سَيْفِي) هَكَذَا تُسْتَعْمَلُ كَافَّةً حَالًا وَأَمَّا مَا يَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْمُصَنِّفِينَ مِنَ اسْتِعْمَالِهَا مُضَافَةً وَبِالتَّعْرِيفِ كَقَوْلِهِمْ هَذَا قَوْلُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَمَذْهَبُ الْكَافَّةِ فَهُوَ خَطَأٌ مَعْدُودٌ فِي لَحْنِ الْعَوَامِّ وَتَحْرِيفِهِمْ وَقَوْلُهُ قِرَابُ سَيْفِي هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَهُوَ وِعَاءٌ مِنْ جِلْدٍ أَلْطَفُ مِنَ الْجِرَابِ يَدْخُلُ فِيهِ السَّيْفُ بِغِمْدِهِ وَمَا خَفَّ مِنَ الْآلَةِ وَاللَّهُ أعلم

(كتاب الأشربة)

(كِتَاب الْأَشْرِبَةِ) (بَاب تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَبَيَانِ أَنَّهَا تَكُونُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَمِنْ التَّمْرِ وَالْبُسْرِ وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُسْكِرُ) [1979] قَوْلُهُ (أَصَبْتُ شَارِفًا) هِيَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْفَاءِ وَهِيَ النَّاقَةُ الْمُسِنَّةُ وَجَمْعُهَا شُرُفٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا قَوْلُهُ (أُرِيدُ أَنْ أَحْمِلَ عَلَيْهَا إِذْخِرًا لِأَبِيعَهُ وَمَعِي صَائِغٌ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ فَأَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى وَلِيمَةِ فَاطِمَةَ) أَمَّا قَيْنُقَاعُ فَبِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ فَيَجُوزُ صَرْفُهُ عَلَى إِرَادَةِ الْحَيِّ وَتَرْكُ صَرْفِهِ عَلَى إِرَادَةِ الْقَبِيلَةِ أَوِ الطَّائِفَةِ وَفِيهِ اتِّخَاذُ الْوَلِيمَةِ لِلْعُرْسِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَنْ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ وَمَنْ دُونَهُ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَفِيهِ جَوَازُ الِاسْتِعَانَةِ فِي الْأَعْمَالِ وَالِاكْتِسَابِ بِالْيَهُودِيِّ وَفِيهِ جَوَازُ الِاحْتِشَاشِ لِلتَّكَسُّبِ وَبَيْعِهِ وَأَنَّهُ لاينقص الْمُرُوءَةَ وَفِيهِ جَوَازُ بَيْعِ الْوَقُودِ لِلصَّوَّاغِينَ وَمُعَامَلَتِهِمْ قَوْلُهُ (مَعَهُ قَيْنَةٌ تُغَنِّيهِ) الْقَيْنَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ الْجَارِيَةُ الْمُغَنِّيَةُ قَوْلُهُ (أَلَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ) الشُّرُفُ بِضَمِّ الشِّينِ وَالرَّاءِ وَتَسْكِينِ الرَّاءِ أَيْضًا كَمَا سَبَقَ جَمْعُ

شَارِفٍ وَالنِّوَاءُ بِكَسْرِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَبِالْمَدِّ أى السمانجمع نَاوِيَةٍ بِالتَّخْفِيفِ وَهِيَ السَّمِينَةُ وَقَدْ نَوَتِ النَّاقَةُ تَنْوِي كَرَمَتْ تَرْمِي يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ إِذَا سَمِنَتْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي النِّوَاءِ أَنَّهَا بِكَسْرِ النُّونِ وَبِالْمَدِّ هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَيَقَعُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ النَّوَى بِالْيَاءِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ رواه بن جَرِيرٍ ذَا الشَّرَفِ النَّوَى بِفَتْحِ الشِّينِ وَالرَّاءِ وَبِفَتْحِ النُّونِ مَقْصُورًا قَالَ وَفَسَّرَهُ بِالْبُعْدِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ قَالَ وَهُوَ غَلَطٌ فِي الرِّوَايَةِ وَالتَّفْسِيرِ وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ تَمَامُ هَذَا الشِّعْرِ ... أَلَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ ... وَهُنَّ مُعَقَّلَاتٌ بِالْفَنَاءِ ... ... ضَعِ السِّكِّينَ فِي اللَّبَّاتِ مِنْهَا ... وَضَرِّجْهُنَّ حَمْزَةُ بِالدِّمَاءِ ... وَعَجِّلْ مِنْ أَطَايِبِهَا لِشُرْبٍ ... قَدِيدًا مِنْ طَبِيخٍ أو شواء ... قوله (فجب أسمنتهما) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى اجْتَبَّ وَفِي رِوَايَةِ لِلْبُخَارِيِّ أَجَبَّ وَهَذِهِ غَرِيبَةٌ فِي اللُّغَةِ وَالْمَعْنَى قَطَعَ قَوْلُهُ (وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا) أَيْ شَقَّهَا وَهَذَا الْفِعْلُ الَّذِي جَرَى مِنْ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ شُرْبِهِ الْخَمْرَ وَقَطْعِ أَسْنِمَةِ النَّاقَتَيْنِ وَبَقْرِ خواصرهما وأكل لحمهما وغير ذلك لااثم عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ أَمَّا أَصْلُ الشُّرْبِ وَالسُّكْرِ فَكَانَ مُبَاحًا لِأَنَّهُ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وأما ما قد يقوله بعض من لاتحصيل لَهُ إِنَّ السُّكْرَ لَمْ يَزَلْ مُحَرَّمًا فَبَاطِلٌ لاأصل له ولايعرف أَصْلًا وَأَمَّا بَاقِي الْأُمُورِ فَجَرَتْ مِنْهُ فِي حال عدم التكليف فلااثم عَلَيْهِ فِيهَا كَمَنْ شَرِبَ دَوَاءً لِحَاجَةٍ فَزَالَ بِهِ عَقْلُهُ أَوْ شَرِبَ شَيْئًا يَظُنُّهُ خَلًّا فَكَانَ خَمْرًا أَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ فَشَرِبَهَا وَسَكِرَ فَهُوَ فِي حَالِ السُّكْرِ غَيْرُ مكلف ولااثم عَلَيْهِ فِيمَا يَقَعُ مِنْهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا غَرَامَةُ مَا أَتْلَفَهُ فَيَجِبُ فى ماله

فَلَعَلَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَبْرَأَهُ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِقِيمَةِ مَا أَتْلَفَهُ أَوْ أَنَّهُ أَدَّاهُ إِلَيْهِ حَمْزَةُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدَّاهُ عَنْهُ لِحُرْمَتِهِ عِنْدَهُ وَكَمَالِ حَقِّهِ وَمَحَبَّتِهِ إِيَّاهُ وَقَرَابَتِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ شَيْبَةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرَّمَ حَمْزَةَ النَّاقَتَيْنِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَا أَتْلَفَهُ السَّكْرَانُ مِنَ الْأَمْوَالِ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ كالمجنون فان الضمان لايشترط فيه التكليف ولهذا أوجب اللهتعالى فِي كِتَابِهِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ الدِّيَةَ وَالْكَفَّارَةَ وَأَمَّا هَذَا السَّنَامُ الْمَقْطُوعُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ نَحْرُهُمَا فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ ما أبين منحى فَهُوَ مَيْتٌ وَفِيهِ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ السُّنَنِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ ذَكَّاهُمَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الشِّعْرُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فَإِنْ كَانَ ذَكَّاهُمَا فَلَحْمُهُمَا حَلَالٌ باتفاق العلماء إلاما حكى عن عكرمة واسحاق وداود أنه لايحل ماذبحه سَارِقٌ أَوْ غَاصِبٌ أَوْ مُتَعَدٍّ وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ حِلُّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَّاهُمَا وَثَبَتَ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهُمَا فَهُوَ أَكْلٌ فِي حالة السكر المباح ولااثم فِيهِ كَمَا سَبَقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَهْقِرُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَنَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرُهُمْ الْقَهْقَرَى الرُّجُوعُ إلى وراءووجهه اليك اذا ذهب عنك وقال أبو عمر وهو الاخصار فِي الرُّجُوعِ أَيِ الْإِسْرَاعُ فَعَلَى هَذَا مَعْنَاهُ خرج مسرعا والأول هو المشهور المعروف وَإِنَّمَا رَجَعَ الْقَهْقَرَى خَوْفًا مِنْ أَنْ يَبْدُوَ مِنْ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى

عَنْهُ أَمْرٌ يَكْرَهُهُ لَوْ وَلَّاهُ ظَهْرَهُ لِكَوْنِهِ مَغْلُوبًا بِالسُّكْرِ قَوْلُهُ (أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنَ الصَّوَّاغِينَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ وَفِي بَعْضِ الْأَبْوَابِ مِنَ الْبُخَارِيِّ مِنَ الصَّوَّاغِينَ فَفِيهِ دَلِيلٌ لِصِحَّةِ اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ فِي قَوْلِهِمْ بِعْتُ مِنْهُ ثَوْبًا وَزَوَّجْتُ مِنْهُ وَوَهَبْتُ مِنْهُ جَارِيَةً وَشِبْهِ ذَلِكَ وَالْفَصِيحُ حَذْفُ مِنْ فَإِنَّ الْفِعْلَ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ وَلَكِنَّ اسْتِعْمَالَ مِنْ فِي هَذَا صَحِيحٌ وَقَدْ كَثُرَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَقَدْ جَمَعْتُ مِنْ ذَلِكَ نَظَائِرَ كَثِيرَةً فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ فِي حَرْفِ الْمِيمِ مَعَ النُّونِ وَتَكُونُ مِنْ زَائِدَةً عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي زِيَادَتِهَا فِي الْوَاجِبِ قَوْلُهُ (وَشَارِفَايَ مُنَاخَانِ) هَكَذَا فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ مُنَاخَانِ وَفِي بَعْضِهَا مُنَاخَتَانِ بِزِيَادَةِ التَّاءِ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهِ نُسَخُ الْبُخَارِيِّ وَهُمَا صَحِيحَانِ فَأَنَّثَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَذَكَّرَ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ قَوْلُهُ (فَبَيْنَا أَنَا أجمع لشار فى مَتَاعًا مِنَ الْأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ وَشَارِفَايَ مُنَاخَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَجَمَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ فَإِذَا شَارِفَيَّ قَدِ اجْتُبَّتْ أَسْنِمَتُهُمَا) هَكَذَا فِي بَعْضَ نُسَخِ بِلَادِنَا وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ أَكْثَرِ نُسَخِهِمْ وَسَقَطَتْ لَفْظَةُ وَجَمَعْتُ الَّتِي عَقِبَ قَوْلِهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَكْثَرِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ حَتَّى جَمَعْتُ مَكَانَ حِينَ جَمَعْتُ قَوْلُهُ (فاذا شار فى قَدِ اجْتُبَّتْ أَسْنِمَتُهُمَا) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النسخ فاذا شارفى وفى بعضها فاذاشارفاى وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ أَوْ يَقُولُ فَإِذَا شَارِفَتَايَ إِلَّا أَنْ يَقْرَأَ فَإِذَا شَارِفِي بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ عَلَى لَفْظِ الْإِفْرَادِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ جِنْسَ الشَّارِفِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الشَّارِفَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ الْمَنْظَرَ مِنْهُمَا) هَذَا الْبُكَاءُ وَالْحُزْنُ الَّذِي أَصَابَهُ سَبَبُهُ مَا خَافَهُ مِنْ تَقْصِيرِهِ فِي حَقِّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَجِهَازِهَا وَالِاهْتِمَامِ بِأَمْرِهَا تَقْصِيرُهُ أَيْضًا بِذَلِكَ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ لِمُجَرَّدِ الشَّارِفَيْنِ مِنْ حَيْثُ هما من متاع الدنيابل لما قدمناه

وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنَ الْأَنْصَارِ) وَالشَّرْبُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُمُ الْجَمَاعَةُ الشَّارِبُونَ قَوْلُهُ (فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ فارتداه) هكذا هوفى النُّسَخِ كُلِّهَا فَارْتَدَاهُ وَفِيهِ جَوَازُ لِبَاسِ الرِّدَاءِ وَتَرْجَمَ لَهُ الْبُخَارِيُّ بَابًا وَفِيهِ أَنَّ الْكَبِيرَ اذا خرج من منزله تجمل بثيابه ولايقتصر على مايكون عَلَيْهِ فِي خَلْوَتِهِ فِي بَيْتِهِ وَهَذَا مِنَ الْمُرُوءَاتِ وَالْآدَابِ الْمَحْبُوبَةِ قَوْلُهُ (فَطَفِقَ يَلُومُ حَمْزَةَ) أَيْ جَعَلَ يَلُومُهُ يُقَالُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا حَكَاهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَالْمَشْهُورُ الْكَسْرُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ والأعناق قَوْلُهُ (إِنَّهُ ثَمِلٌ) بِفَتْحِ

الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ سَكْرَانُ [1980] قَوْلُهُ (وما شرابهم إلاالفضيخ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ) قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ الْفَضِيخُ أَنْ يَفْضَخَ الْبُسْرِ وَيَصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَيَتْرُكَهُ حَتَّى يَغْلِيَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ مَا فُضِخَ مِنَ الْبُسْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمَسَّهُ نَارٌ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ تَمْرٌ فَهُوَ خَلِيطٌ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِ جَمِيعِ الْأَنْبِذَةِ الْمُسْكِرَةِ وَأَنَّهَا كُلَّهَا تُسَمَّى خَمْرًا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْفَضِيخُ وَنَبِيذُ التَّمْرِ وَالرُّطَبُ وَالْبُسْرُ وَالزَّبِيبُ وَالشَّعِيرُ وَالذُّرَةُ وَالْعَسَلُ وَغَيْرُهَا وَكُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ وَتُسَمَّى خَمْرًا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجَمَاهِيرُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ إِنَّمَا يَحْرُمُ عَصِيرُ العنب ونقيع الزبيب النئ فأما المطبوخ منهما والنئ والمطبوخ مما سواهما فحلال مالم يُشْرَبْ وَيُسْكِرْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِنَّمَا يَحْرُمُ عَصِيرُ ثَمَرَاتِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ قَالَ فَسُلَافَةُ الْعِنَبِ يَحْرُمُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا إِلَّا أَنْ يُطْبَخَ حَتَّى يَنْقُصَ ثُلُثَاهَا وَأَمَّا نَقِيعُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فَقَالَ يحل مَطْبُوخُهُمَا وَإِنْ مَسَّتْهُ النَّارُ شَيْئًا قَلِيلًا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ لِحَدٍّ كَمَا اعْتُبِرَ فِي سُلَافَةِ العنب قال والنئ منه حرام قال ولكنه لايحد شاربه هذا كله مالم يُشْرَبْ وَيُسْكِرْ فَإِنْ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَبَّهَ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ كَوْنُهَا تَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي جَمِيعِ الْمُسْكِرَاتِ فَوَجَبَ طَرْدُ الْحُكْمِ فِي الْجَمِيعِ فَإِنْ قِيلَ إِنَّمَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْإِسْكَارِ وَذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ قُلْنَا قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَإِنْ لَمْ

يُسْكِرْ وَقَدْ عَلَّلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ تَحْرِيمَهُ كَمَا سَبَقَ فَإِذَا كَانَ مَا سِوَاهُ فِي مَعْنَاهُ وَجَبَ طَرْدُ الْحُكْمِ فِي الْجَمِيعِ وَيَكُونُ التَّحْرِيمُ لِلْجِنْسِ الْمُسْكِرِ وَعُلِّلَ بِمَا يَحْصُلُ مِنَ الْجِنْسِ فِي الْعَادَةِ قَالَ الْمَازِنِيُّ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ آكَدُ مِنْ كُلِّ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ وَلَنَا فِي الِاسْتِدْلَالِ طَرِيقٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ إِذَا شَرِبَ سُلَافَةَ الْعِنَبِ عِنْدَ اعْتِصَارِهَا وَهِيَ حُلْوَةٌ لَمْ تُسْكِرْ فَهِيَ حَلَالٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنِ اشْتَدَّتْ وَأَسْكَرَتْ حَرُمَتْ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ تَخَلَّلَتْ مِنْ غَيْرِ تَخْلِيلِ آدَمِيٍّ حَلَّتْ فَنَظَرْنَا إِلَى مُسْتَبْدَلِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَتَجَدُّدِهَا عِنْدَ تَجَدُّدِ الصِّفَاتِ وَتَبَدُّلِهَا فَأَشْعَرَنَا ذَلِكَ بِارْتِبَاطِ هَذِهِ الأحكام بهذه الصفة وقام ذلك مقام التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ بِالنُّطْقِ فَوَجَبَ جَعْلُ الْجَمِيعِ سَوَاءً فِي الْحُكْمِ وَأَنَّ الْإِسْكَارَ هُوَ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ هَذِهِ إِحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ وَالثَّانِيَةُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْكَثِيرَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَقَوْلِهِ نَهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وحديث كل مسكر خمر وحديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ هُنَا فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ أَسْكَرَ عَنِ الصَّلَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ

فى حديث أنس (أنهم أراقوها بحبر الرَّجُلِ الْوَاحِدِ) فِيهِ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَأَنَّ هَذَا كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ قَوْلُهُ (فَجَرَتْ فِي سكك المدينة) أى طرقها وفى هذه الأحاديث أنها لاتطهر بالتخليل وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وجوزه أبوحنيفة وفيه أنه لايجوز إِمْسَاكُهَا وَقَدِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَوْلُهُ (إِنِّي لَقَائِمٌ أَسْقِيهِمْ وَأَنَا أَصْغَرُهُمْ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لصغير السن خدمة الكبار هذا اذا

تتساووا فِي الْفَضْلِ أَوْ تَقَارَبُوا [1980] قَوْلُهُ (فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ لَنَا فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى تَكَسَّرَتْ) الْمِهْرَاسُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ حَجَرٌ مَنْقُورٌ وَهَذَا الْكَسْرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَجِبُ كَسْرُهَا وَإِتْلَافُهَا كَمَا يَجِبُ إِتْلَافُ الْخَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ هَذَا وَاجِبًا فَلَمَّا ظَنُّوهُ كَسَرُوهَا وَلِهَذَا لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَذَرَهُمْ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمُ الحكم وهو غسلهامن غَيْرِ كَسْرٍ وَهَكَذَا الْحُكْمُ الْيَوْمَ فِي أَوَانِي الْخَمْرِ وَجَمِيعِ ظُرُوفِهِ سَوَاءٌ الْفَخَّارُ وَالزُّجَاجُ وَالنُّحَاسُ والحديد والخشب والجلود فكلها تطهر بالغسل ولايجوز كسرها

(باب تحريم تخليل الخمر)

(باب تحريم تخليل الْخَمْرِ) [1983] قَوْلُهُ (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم سئل عن الخمر تتخذ خلافقال لا) هذا دليل الشافعى والجمهور أنه لايجوز تخليل الخمر ولاتطهر بِالتَّخْلِيلِ هَذَا إِذَا خَلَّلَهَا بِخُبْزٍ أَوْ بَصَلٍ أوخميرة أو غير ذلك مما يلقى فيها فهي بَاقِيَةً عَلَى نَجَاسَتِهَا وَيَنْجُسُ مَا أُلْقِيَ فِيهَا ولايطهر هَذَا الْخَلُّ بَعْدَهُ أَبَدًا لَا بِغَسْلٍ وَلَا بِغَيْرِهِ أَمَّا إِذَا نُقِلَتْ مِنَ الشَّمْسِ إِلَى الظِّلِّ أَوْ مِنَ الظِّلِّ إِلَى الشَّمْسِ فَفِي طَهَارَتِهَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا تَطْهُرُ هَذَا الَّذِي ذكرناه من أنها لاتطهر إِذَا خُلِّلَتْ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةُ تَطْهُرُ وَعَنْ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ أَصَحُّهَا عَنْهُ أَنَّ التَّخْلِيلَ حَرَامٌ فَلَوْ خَلَّلَهَا عَصَى وَطَهُرَتْ وَالثَّانِيَةُ حَرَامٌ وَلَا تَطْهُرُ وَالثَّالِثَةُ حَلَالٌ وَتَطْهُرُ وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا إِذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا خَلًّا طَهُرَتْ وَقَدْ حُكِيَ عَنْ سَحْنُونٍ الْمَالِكِيِّ أَنَّهَا لاتطهر فَإِنْ صَحَّ عَنْهُ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب تَحْرِيمِ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ وبيان أنها ليست بدواء) [1984] قَوْلُهُ (إِنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَمْرِ فَنَهَى أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا

(باب بيان أن جميع ما ينبذ مما يتخذ من النخل والعنب

فَقَالَ إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ فَقَالَ إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ) هَذَا دَلِيلٌ لِتَحْرِيمِ اتِّخَاذِ الْخَمْرِ وَتَخْلِيلِهَا وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ فَيَحْرُمُ التَّدَاوِي بِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ فَكَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُهَا بِلَا سَبَبٍ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّدَاوِي بِهَا وَكَذَا يَحْرُمُ شُرْبُهَا لِلْعَطَشِ وَأَمَّا إِذَا غَصَّ بِلُقْمَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مَا يُسِيغُهَا بِهِ إِلَّا خَمْرًا فَيَلْزَمُهُ الْإِسَاغَةُ بِهَا لِأَنَّ حُصُولَ الشِّفَاءِ بِهَا حِينَئِذٍ مَقْطُوعٌ بِهِ بِخِلَافِ التَّدَاوِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب بَيَانِ أَنَّ جَمِيعَ مَا يُنْبَذُ مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ يُسَمَّى خَمْرًا) [1985] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ الْكَرْمَةِ وَالنَّخْلَةِ وَفِي رِوَايَةٍ الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِذَةَ الْمُتَّخَذَةَ مِنَ التَّمْرِ وَالزَّهْوِ وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِهَا تُسَمَّى خَمْرًا وَهِيَ حَرَامٌ إِذَا كَانَتْ مُسْكِرَةً وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ كَمَا سَبَقَ وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ الْخَمْرِيَّةِ عَنْ نَبِيذِ الذُّرَةِ وَالْعَسَلِ وَالشَّعِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ ثَبَتَ فِي تِلْكَ الْأَلْفَاظِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ بِأَنَّهَا

باب كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين

كُلَّهَا خَمْرٌ وَحَرَامٌ وَوَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَسْمِيَةُ الْعِنَبِ كَرْمًا وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ النَّهْيُ عَنْهُ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ بَلْ لِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ خُوطِبُوا بِهِ لِلتَّعْرِيفِ لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ فى لسانهم الغالب فى استعمالهم (باب كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين) [1986] قوله (إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخلط التمر والزبيب والبسر والتمر) وَفِي رِوَايَةٍ نَهَى أَنْ يُنْبَذَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا وَنَهَى أَنْ يُنْبَذَ الرُّطَبُ وَالْبُسْرُ جَمِيعًا وَفِي رِوَايَةٍ لَا تَجْمَعُوا بَيْنَ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ وَبَيْنَ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ بِنَبْذٍ وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ شرب النبيذ منكم فليشربه زبيبا فردا أوتمرا فردا أو بسرافردا وَفِي رِوَايَةٍ [1988] لَا تَنْتَبِذُوا الزَّهْوَ وَالرُّطَبَ جَمِيعًا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِي النَّهْيِ عَنِ انْتِبَاذِ الْخَلِيطَيْنِ وشربهما وهما تمر وزبيب أوتمر وَرُطَبٌ أَوْ تَمْرٌ وَبُسْرٌ أَوْ رُطَبٌ وَبُسْرٌ أَوْ زَهْوٌ وَوَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَنَحْوُ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ سَبَبُ الْكَرَاهَةِ فِيهِ أَنَّ الْإِسْكَارَ يُسْرِعُ إِلَيْهِ بِسَبَبِ الْخَلْطِ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ فَيَظُنُّ الشَّارِبُ أَنَّهُ لَيْسَ مُسْكِرًا وَيَكُونُ مُسْكِرًا وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الجمهور أن هذا النهى لكراهة التنزيه ولايحرم ذلك مالم يَصِرْ مُسْكِرًا وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ بعض المالكية هو حرام وقال أبوحنيفة وأبو يوسف فى رواية عنه لاكراهة فيه ولابأس بِهِ لِأَنَّ مَا حَلَّ مُفْرَدًا حَلَّ مَخْلُوطًا وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَالُوا مُنَابَذَةٌ

لِصَاحِبِ الشَّرْعِ فَقَدْ ثَبَتَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ فِي النَّهْيِ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا كَانَ مَكْرُوهًا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي أَنَّ النَّهْيَ هَلْ يَخْتَصُّ بِالشُّرْبِ أَمْ يَعُمُّهُ وَغَيْرَهُ والأصح

التَّعْمِيمُ وَأَمَّا خَلْطُهُمَا فِي الِانْتِبَاذِ بَلْ فِي معجون وغيره فلابأس بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1988] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لاتنتبذوا الزَّهْوَ) هُوَ بِفَتْحِ الزَّاي وَضَمِّهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ أَهْلُ الْحِجَازِ يَضُمُّونَ وَالزَّهْوَ هُوَ الْبُسْرُ الْمُلَوَّنُ الَّذِي بَدَا فِيهِ حُمْرَةٌ أَوْ صُفْرَةٌ وَطَابَ وَزَهَتِ النَّخْلُ تَزْهُو زَهْوًا وَأَزْهَتْ تُزْهِي وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ أَزْهَتْ بِالْأَلِفِ وَأَنْكَرَ غَيْرُهُ زهت بلاألف وأثبتهما الجمهور

ورجحوا زهت بحذف الألف وقال بن الْأَعْرَابِيِّ زَهَتْ ظَهَرَتْ وَأَزْهَتِ احْمَرَّتْ أَوِ اصْفَرَّتْ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ قَوْلُهُ (وَهُوَ أَبُو كَثِيرٍ الْغُبَرِيُّ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ [1990] قَوْلُهُ (كَتَبَ إِلَى أَهْلِ جُرَشَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الراء وهو بلد باليمن

باب النهى عن الانتباذ فى المزفت والدباء والحنتم

(باب النهى عن الانتباذ فى المزفت والدباء والحنتم والنقير وبيان أنه منسوخ وأنه اليوم حلال مالم يصر مسكرا) هَذَا الْبَابُ قَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ وَبَيَانُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَحُكْمُ الِانْتِبَاذِ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَأَوْضَحْنَا كُلَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَلَا نُعِيدُ هُنَا إِلَّا ما يحتاج إليه مع مالم يَسْبِقْ هُنَاكَ وَمُخْتَصَرُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ

الِانْتِبَاذُ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَصِيرَ مُسْكِرًا فيها ولانعلم بِهِ لِكَثَافَتِهَا فَتَتْلَفُ مَالِيَّتُهُ وَرُبَّمَا شَرِبَهُ الْإِنْسَانُ ظَانًّا أَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا فَيَصِيرُ شَارِبًا لِلْمُسْكِرِ وَكَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا بِإِبَاحَةِ الْمُسْكِرِ فَلَمَّا طَالَ الزَّمَانُ وَاشْتَهَرَ تَحْرِيمُ الْمُسْكِرِ وَتَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي نُفُوسِهِمْ نُسِخَ ذَلِكَ وَأُبِيحَ لَهُمُ الِانْتِبَاذُ فى كل وعاء بشرط أن لاتشربوا مُسْكِرًا وَهَذَا صَرِيحٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ الْمَذْكُورِ فِي آخِرِ هذه الأحاديث (كنت نهيتكم عن الانتباذ الافى سقاء فاشربوا فى كل وعاء غير أن لاتشربوا مُسْكِرًا) قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ (أَنْهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُقَيَّرِ وَالْحَنْتَمُ الْمَزَادَةُ الْمَجْبُوبَةُ وَلَكِنِ اشْرَبْ فِي سِقَائِكَ وَأَوْكِهِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِبِلَادِنَا وَالْحَنْتَمُ الْمَزَادَةُ الْمَجْبُوبَةُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمَاهِيرِ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَمُعْظَمِ النُّسَخِ قَالَ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالْحَنْتَمُ وَالْمَزَادَةُ الْمَجْبُوبَةُ قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَالْأُولَى تَغْيِيرٌ وَوَهَمٌ قَالَ وَكَذَا ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ وَعَنِ الْحَنْتَمِ وَعَنِ الْمَزَادَةِ الْمَجْبُوبَةِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالْحَنْتَمُ وَالدُّبَّاءُ وَالْمَزَادَةُ الْمَجْبُوبَةُ قَالَ وَضَبَطْنَاهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْكُتُبِ الْمَجْبُوبَةُ بِالْجِيمِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُكَرَّرَةِ قال وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ الْمَخْنُوثَةُ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ نُونٍ وَبَعْدَ الْوَاوِ ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ كَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنَ اخْتِنَاثِ الْأَسْقِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ إِنَّهَا بِالْجِيمِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ وَثَابِتٌ هِيَ الَّتِي قُطِعَ رَأْسُهَا فَصَارَتْ كَهَيْئَةِ الدَّنِّ وَأَصْلُ الْجَبِّ الْقَطْعُ وَقِيلَ هِيَ الَّتِي قُطِعَ رَأْسُهَا وَلَيْسَتْ لَهَا عزلاءمن أَسْفَلِهَا يَتَنَفَّسُ الشَّرَابُ مِنْهَا فَيَصِيرُ شَرَابُهَا مُسْكِرًا ولايدرى بِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَكِنِ اشْرَبْ فِي سِقَائِكَ وَأَوْكِهِ

قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ السِّقَاءَ إِذَا أُوكِيَ أُمِنَتْ مَفْسَدَةُ الْإِسْكَارِ لِأَنَّهُ مَتَى تَغَيَّرَ نَبِيذُهُ وَاشْتَدَّ وَصَارَ مُسْكِرًا شَقَّ الْجِلْدَ الْمُوكَى فَمَا لم يشقه لايكون مُسْكِرًا بِخِلَافِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمَزَادَةِ الْمَجْبُوبَةِ وَالْمُزَفَّتِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَوْعِيَةِ الْكَثِيفَةِ فَإِنَّهُ قَدْ يَصِيرُ فيها مسكرا ولايعلم قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ يعنى بن الْفَضْلِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا الْفَضْلُ بِغَيْرِ مِيمٍ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ مُعْظَمِ نُسَخِ بِلَادِهِمْ وَهُوَ الصَّوَابُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَغَارِبَةِ الْمُفَضَّلُ بِالْمِيمِ وَهُوَ خَطَأٌ

صَرِيحٌ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا فِي بَابِ الِانْتِبَاذِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الصواب

باتفاق نسخ الجميع قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَذَكَرَ الْإِسْنَادَ الثَّانِي إِلَى شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى أَبِي عُمَرَ الْبَهْرَانِيِّ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ نُسَخِ بِلَادِنَا يَحْيَى أَبِي عُمَرَ بِالْكُنْيَةِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ وَقَعَ لِجَمِيعِ شُيُوخِهِمْ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ بِالْبَاءِ وَالنُّونِ نِسْبَةً قَالَ وَلِبَعْضِهِمْ يَحْيَى بْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ وَكِلَاهُمَا وَهَمٌ وَإِنَّمَا هُوَ يَحْيَى بْنُ عُبَيْدٍ أَبُو عُمَرَ الْبَهْرَانِيُّ وَكَذَا جَاءَ بَعْدَ هَذَا فِي بَابِ الِانْتِبَاذِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّوَابِ [1996] باب النهي عَنِ الْجَرِّ) هُوَ بِمَعْنَى الْجِرَارِ الْوَاحِدَةُ جَرَّةٌ وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْجِرَارِ مِنَ الْحَنْتَمِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَنْسُوخٌ كَمَا سَبَقَ

قَوْلُهُ (قُلْتُ يَعْنِي لِابْنِ عَبَّاسٍ وَأَيُّ شَيْءٍ نَبِيذُ الْجَرِّ فَقَالَ كُلُّ شَيْءٍ يُصْنَعُ مِنَ المدر) هذا تصريح من بن عَبَّاسٍ بِأَنَّ الْجَرَّ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْجِرَارِ الْمُتَّخَذَةِ مِنَ الْمَدَرِ الَّذِي هُوَ التُّرَابُ

قَوْلُهُ (وَنَهَى عَنِ النَّقِيرِ وَهِيَ النَّخْلَةُ تُنْسَحُ نَسْحًا أَوْ تُنْقَرُ نَقْرًا) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ وَالنَّسْحُ بِسِينٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَتَيْنِ أَيْ تُقْشَرُ ثُمَّ تُنْقَرُ فَتَصِيرُ نَقِيرًا وَوَقَعَ لِبَعْضِ الرُّوَاةِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ تُنْسَجُ بِالْجِيمِ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ هُوَ تَصْحِيفٌ وَادَّعَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَفِي التِّرْمِذِيِّ بِالْجِيمِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ مُعْظَمُ نسخ مسلم بالحاء قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ سَلَمَةَ) هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مُقَدِّمَةِ هذا الشرح

قوله (ينبذ له فى نور مِنْ حِجَارَةٍ) هُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى تَوْرٍ مِنْ بِرَامٍ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ مِنْ حِجَارَةٍ وَهُوَ قَدَحٌ كَبِيرٌ كَالْقِدْرِ يُتَّخَذُ تَارَةً مِنَ الْحِجَارَةِ وَتَارَةً مِنَ النُّحَاسِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنْبَذُ لَهُ فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِنَسْخِ النَّهْيِ عَنِ الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ الْكَثِيفَةِ كَالدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ تَوْرَ الْحِجَارَةِ أَكْثَفُ مِنْ هَذِهِ كُلِّهَا وَأَوْلَى بِالنَّهْيِ مِنْهَا فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَبَذَ لَهُ فِيهِ دَلَّ عَلَى النَّسْخِ

وَهُوَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ إِلَى آخِرِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (نهيتكم عن النبيذ إلافى سقاء فاشربوا فى الأسقية كلها ولاتشربوا مُسْكِرًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الظُّرُوفِ وإن الظروف أو ظرفا لايحل شيئا ولايحرمه وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الْأَشْرِبَةِ فِي ظُرُوفِ الْأَدَمِ فَاشْرَبُوا فى كل وعاء غير أن لاتشربوا مُسْكِرًا قَالَ الْقَاضِي هَذِهِ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فِيهَا تَغْيِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَصَوَابُهُ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عن الأشربة إلافى ظُرُوفِ الْأَدَمِ فَحَذَفَ لَفْظَةَ إِلَّا الَّتِي لِلِاسْتِثْنَاءِ ولابد مِنْهَا قَالَ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى فِيهَا تَغْيِيرٌ أَيْضًا وَصَوَابُهَا فَاشْرَبُوا فِي الْأَوْعِيَةِ كُلِّهَا لِأَنَّ الْأَسْقِيَةَ وَظُرُوفَ الْأَدَمِ لَمْ تَزَلْ مُبَاحَةً مَأْذُونًا فِيهَا وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ غَيْرِهَا مِنَ

الْأَوْعِيَةِ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى كُنْتُ نهيتكم عن الانتباذ الافى سِقَاءٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّ صَوَابَ الرِّوَايَتَيْنِ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عن الانتباذ الافى سِقَاءٍ فَانْتَبِذُوا وَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ وَمَا سِوَى هَذَا تَغْيِيرٌ مِنَ الرُّوَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ مُعَرِّفِ بْنِ وَاصِلٍ) هُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ وَالْمَطَالِعِ وَيُقَالُ فِيهِ مَعْرُوفٌ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي عِيَاضٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ لَمَّا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيذِ) الْحَدِيثَ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ بِبِلَادِنَا وَمُعْظَمُ النُّسَخِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِفَتْحِ الْعَيْنِ مِنْ عمرو وبواو من الخط وهو بن عمرو بن العاص ووقع فى بعضها بن عمر بضم العين يعنى بن الْخَطَّابِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ نُسَخَهُمْ أَيْضًا اخْتَلَفَتْ فِيهِمْ وَأَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الْغَسَّانِيَّ قَالَ الْمَحْفُوظُ بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ صَاحِبُ بن عيينة وبن أَبِي شَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فى مسند بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ وَنَسَبَهُ إِلَى رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَكَذَا ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (لَمَّا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيذِ فِي الْأَوْعِيَةِ قَالُوا لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَجِدُ فَأَرْخَصَ لَهُمْ فِي الْجَرِّ غَيْرِ الْمُزَفَّتِ) هَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيذِ فِي الْأَوْعِيَةِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَوَقَعَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيذِ فِي الْأَسْقِيَةِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ الْمَدِينِيِّ

باب بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام)

عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ وَلَعَلَّهُ نقص منه فيكون عن النبيذ إلافى الْأَسْقِيَةِ قَالَ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ محمد وأبى بكربن أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ النَّبِيذِ فِي الْأَوْعِيَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ (لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَجِدُ) فَمَعْنَاهُ يَجِدُ أَسْقِيَةَ الْأَدَمِ وَأَمَّا قَوْلُهُ (فَرَخَّصَ لَهُمْ فِي الْجَرِّ غَيْرِ الْمُزَفَّتِ) فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ رَخَّصَ فِيهِ أولاثم رَخَّصَ فِي جَمِيعِ الْأَوْعِيَةِ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ( [2002] [2003] بَاب بَيَانِ أَنَّ كُلَّ مسكر خمر وأن كل خمر حرام) قَدْ سَبَقَ مَقْصُودُ هَذَا الْبَابِ وَذَكَرْنَا دَلَائِلَهُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مَعَ مَذَاهِبِ النَّاسِ فِيهِ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ فَهُوَ حَرَامٌ وَهُوَ خَمْرٌ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَسْمِيَةِ جَمِيعِ هَذِهِ الْأَنْبِذَةِ خَمْرًا لَكِنْ قَالَ أَكْثَرُهُمْ هُوَ مَجَازٌ وَإِنَّمَا حَقِيقَةُ الْخَمْرِ عَصِيرُ الْعِنَبِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ هُوَ حَقِيقَةٌ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [2001] قَوْلُهُ (سُئِلَ عَنِ الْبِتْعِ) هُوَ بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَهُوَ نَبِيذُ الْعَسَلِ وَهُوَ شَرَابُ أَهْلِ الْيَمَنِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيُقَالُ أَيْضًا بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ كَقِمْعٍ وَقِمَعٍ [2001] قَوْلُهُ (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِتْعِ فَقَالَ كُلُّ شراب أسكر فهو حرام) هذامن جَوَامِعِ كَلِمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُفْتِي إِذَا رَأَى بِالسَّائِلِ حَاجَةً إِلَى غَيْرِ مَا سَأَلَ أَنْ يَضُمَّهُ فِي الْجَوَابِ إِلَى الْمَسْئُولِ عَنْهُ وَنَظِيرُ هَذَا

الْحَدِيثِ حَدِيثُ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ [1733] قَوْلُهُ (إِنَّ شَرَابًا يُقَالُ لَهُ الْمِزْرُ مِنَ الشَّعِيرِ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَيَكُونُ مِنَ الذُّرَةِ ومن الشعير ومن الحنطة قَوْلُهُ (وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ بِخَوَاتِمِهِ) أَيْ إِيجَازُ اللَّفْظِ مَعَ تَنَاوُلِهِ الْمَعَانِيَ الْكَثِيرَةَ جِدًّا وقوله (بِخَوَاتِمِهِ) أَيْ كَأَنَّهُ يَخْتِمُ عَلَى الْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا اللَّفْظُ الْيَسِيرُ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا شَيْءٌ عَنْ طَالِبِهِ وَمُسْتَنْبِطِهِ لِعُذُوبَةِ لَفْظِهِ وَجَزَالَتِهِ قَوْلُهُ (يَطْبُخُ حَتَّى يَعْقِدَ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ كسر الْقَافِ يُقَالُ عَقَدَ الْعَسَلَ وَنَحْوَهُ وَأَعْقَدْتُهُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَهُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ) هذا الاسناد استدركه الدارقطنى وقال لم بتابع بن عباد على هذا قال ولايصح

هَذَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ وَقَدْ روى عن بن عُيَيْنَةَ عَنْ مِسْعَرٍ وَلَمْ يَثْبُتْ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ البخارى

من رواية بن والله أعلم

باب عقوبة من شرب الخمر اذا لم يتب منها بمنعه

(باب عقوبة من شرب الخمر اذا لم يتب منها بمنعه إياها فِي الْآخِرَةِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ) وَفِي رِوَايَةٍ حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُحْرَمُ شُرْبَهَا فِي الْجَنَّةِ وَإِنْ دَخَلَهَا فَإِنَّهَا مِنْ فَاخِرِ شَرَابِ الْجَنَّةِ فَيُمْنَعُهَا هَذَا الْعَاصِي بِشُرْبِهَا فِي الدُّنْيَا قِيلَ إِنَّهُ يَنْسَى شَهْوَتَهَا لِأَنَّ الْجَنَّةَ فِيهَا كُلُّ مايشتهى وَقِيلَ لَا يَشْتَهِيهَا وَإِنْ ذَكَرَهَا وَيَكُونُ هَذَا نَقْصُ نَعِيمٍ فِي حَقِّهِ تَمْيِيزًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَارِكِ شُرْبِهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ تُكَفِّرُ الْمَعَاصِي الْكَبَائِرَ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ مُتَكَلِّمُو أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أَنَّ تَكْفِيرَهَا قَطْعِيٌّ أَوْ ظَنِّيٌّ وَهُوَ الْأَقْوَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب إِبَاحَةِ النَّبِيذِ الَّذِي لَمْ يَشْتَدَّ ولم يصر مسكرا) [2004] فيه بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينتبذله أَوَّلَ اللَّيْلِ فَيَشْرَبُهُ إِذَا أَصْبَحَ يَوْمَهُ ذَلِكَ والليلة التى تجئ وَالْغَدَ وَاللَّيْلَةَ الْأُخْرَى وَالْغَدَ إِلَى الْعَصْرِ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ سَقَاهُ الْخَادِمَ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ) وَالْأَحَادِيثُ الْبَاقِيَةُ بِمَعْنَاهُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ

الِانْتِبَاذِ وَجَوَازِ شُرْبِ النَّبِيذِ مَا دَامَ حُلْوًا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَمْ يَغْلِ وَهَذَا جَائِزٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَأَمَّا سَقْيُهُ الْخَادِمَ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَصَبُّهُ فلأنه لايؤمن بَعْدَ الثَّلَاثِ تَغَيُّرُهُ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَنَزَّهُ عَنْهُ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَقَوْلُهُ (سَقَاهُ الْخَادِمَ أَوْ صَبَّهُ) مَعْنَاهُ تَارَةً يَسْقِيهِ الْخَادِمَ وَتَارَةً يَصُبُّهُ وَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ لِاخْتِلَافِ حَالِ النَّبِيذِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ تَغَيُّرٌ ونحوه من مبادئ الإسكار سقاه الخادم ولايريقه لِأَنَّهُ مَالٌ تَحْرُمُ إِضَاعَتُهُ وَيَتْرُكُ شُرْبَهُ تَنَزُّهًا وَإِنْ كَانَ قَدْ ظَهَرَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مبادىء الْإِسْكَارِ وَالتَّغَيُّرِ أَرَاقَهُ لِأَنَّهُ إِذَا أَسْكَرَ صَارَ حراما ونجسا فيراق ولايسقيه الخادم لأن المسكر لايجوز سقيه الخادم كما لايجوز شُرْبُهُ وَأَمَّا شُرْبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل الثلاث فكان حيث لاتغير ولامبادىء تغير ولاشك أَصْلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عائشة (ينبذ غدوة فيشربه عشاء وينبذعشاء فيشربه غدوة) فليس مخالفا لحديث بن عباس فى الشرب إلى ثلاثلأن الشُّرْبَ فِي يَوْمٍ لَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَعَلَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ كَانَ زَمَنَ الْحَرِّ وَحَيْثُ يُخْشَى فَسَادُهُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى يَوْمٍ وحديث بن عَبَّاسٍ فِي زَمَنٍ يُؤْمَنُ فِيهِ التَّغَيُّرُ قَبْلَ الثَّلَاثِ وَقِيلَ حَدِيثُ عَائِشَةَ مَحْمُولٌ عَلَى نَبِيذٍ قليل يفرغ فى يومه وحديث بن عباس فى كثير لايفرغ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ) يُقَالُ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا وَقَدْ سَبَقَ بيانه مرات

قَوْلُهُ (إِلَى مَسَاءِ الثَّالِثَةِ) يُقَالُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ الضَّمُّ أَرْجَحُ قَوْلُهُ (عَنْ زَيْدٍ عن يحيى النخعى) زيد هو بن أَبِي أُنَيْسَةَ وَيَحْيَى النَّخَعِيُّ هُوَ يَحْيَى الْبَهْرَانِيُّ الْمَذْكُورُ فِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ يُقَالُ لَهُ الْبَهْرَانِيُّ النخعى الكوفى [2005] قوله (حدثنا القاسم يعنى بن الْفَضْلِ الْحُدَّانِيَّ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ المهملتين وهومنسوب إِلَى بَنِي حُدَّانَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ بل كان نازلافيهم وَهُوَ مِنْ بَنِي

الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ قَوْلُهَا (وَأُوكِيهِ) أَيْ أَشُدُّهُ بالوكاء وهوالخيط الذى يشدبه رَأْسُ الْقِرْبَةِ قَوْلُهُ (عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ) هُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأُمُّهُ اسْمُهَا خَيْرَةُ وَكَانَتْ مَوْلَاةً لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَى عَنْهَا ابْنَاهَا الْحَسَنُ وَسَعِيدٌ قَوْلِهَا (فِي سِقَاءٍ يُوكَأُ) هَذَا مِمَّا رَأَيْتُهُ يكتب ويضبطفاسدا وصوابه يوكى بالياء غير مهموز ولاحاجة إِلَى ذِكْرِ وُجُوهِ الْفَسَادِ الَّتِي قَدْ يُوجَدُ عَلَيْهَا قَوْلُهَا (وَلَهُ عَزْلَاءُ) هِيَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ الثَّقْبُ الَّذِي يَكُونُ فِي أَسْفَلِ الْمَزَادَةِ وَالْقِرْبَةِ قَوْلُهَا (فَيَشْرَبُهُ عِشَاءً) هُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الشِّينِ وَبِالْمَدِّ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ عَشِيًّا بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَزِيَادَةِ يَاءٍ مُشَدَّدَةٍ [2006] قَوْلُهُ (أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ فى تَوْرٍ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ أَنْقَعَتْ وَهُوَ صَحِيحٌ يُقَالُ أَنْقَعَتْ وَنَقَعَتْ وَأَمَّا التَّوْرُ فَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَهُوَ إِنَاءٌ مِنْ صفر أو حجارة ونحوهما كالاجانة وقد يتوضأمنه [2006] قَوْلُهُ (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دَعَا أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُرْسِهِ فكانت امرأته يومئذ خادمتهم وهى العروس قال سهل تدرون ماسقت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ فِي

تَوْرٍ فَلَمَّا أَكَلَ سَقَتْهُ إِيَّاهُ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْحِجَابِ وَيَبْعُدُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَسْتُورَةَ الْبَشَرَةِ وَأَبُو أُسَيْدٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَاسْمُهُ مَالِكٌ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ قَوْلُهُ (أَمَاثَتْهُ فَسَقَتْهُ تَخُصُّهُ بِذَلِكَ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ بِبِلَادِنَا أَمَاثَتْهُ بِمُثَلَّثَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ يُقَالُ مَاثَّهُ وَأَمَاثَهُ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَقَدْ غَلِطَ مَنْ أَنْكَرَ أَمَاثَهُ وَمَعْنَاهُ عَرَكَتْهُ وَاسْتَخْرَجَتْ قُوَّتَهُ وَأَذَابَتْهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيْ لَيَّنَتْهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَعْنَى الْأَوَّلِ وَحَكَى القاضي عياض أن بعضهم رواه أماثته بِتَكْرِيرِ الْمُثَنَّاةِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ تَخُصُّهُ كَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ تَخُصُّهُ مِنَ التَّخْصِيصِ وَكَذَا رُوِيَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَرَوَاهُ بَعْضُ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ تُتْحِفُهُ مِنَ الْإِتْحَافِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ يُقَالُ أَتْحَفَتْهُ بِهِ إِذَا خَصَّصَتْهُ وَأَطْرَفَتْهُ وَفِي هَذَا جَوَازُ تَخْصِيصِ صَاحِبِ الطَّعَامِ بَعْضَ الْحَاضِرِينَ بِفَاخِرٍ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِذَا لَمْ يَتَأَذَّ الْبَاقُونَ لِإِيثَارِهِمُ الْمُخَصَّصَ لِعِلْمِهِ أَوْ صَلَاحِهِ أو شرفه أوغير ذَلِكَ كَمَا كَانَ الْحَاضِرُونَ هُنَاكَ يُؤْثِرُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُسَرُّونَ بِإِكْرَامِهِ وَيَفْرَحُونَ بِمَا جَرَى وَإِنَّمَا شَرِبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِلَّتَيْنِ إِحْدَاهُمَا إِكْرَامُ صَاحِبِ الشراب واجابته التى

لامفسدة فِيهَا وَفِي تَرْكِهَا كَسْرُ قَلْبِهِ وَالثَّانِيَةُ بَيَانُ الْجَوَازِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [2007] قَوْلُهُ فِي أُجُمِ بَنِي سَاعِدَةَ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْجِيمِ وَهُوَ الْحِصْنُ وَجَمْعُهُ آجَامٌ بِالْمَدِّ كَعُنُقٍ وَأَعْنَاقٍ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْآجَامُ الْحُصُونُ قَوْلُهُ (فَإِذَا امْرَأَةٌ مُنَكِّسَةٌ رَأْسَهَا) يُقَالُ نَكَسَ رَأَسَهُ بِالتَّخْفِيفِ فَهُوَ نَاكِسٌ ونكس بالتشديد فهو تزوجها لأنها طأطأه وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَعَذْتُكِ مِنِّي) مَعْنَاهُ تَرَكْتُكِ وَتَرْكُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوُّجَهَا لأنها لم تعجبه إمالصورتها وَإِمَّا لِخُلُقِهَا وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ نَظَرِ الْخَاطِبِ إِلَى مَنْ يُرِيدُ نِكَاحَهَا وَفِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنِ اسْتَعَاذَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ فَلَمَّا اسْتَعَاذَتْ بِاللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَجِدِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدًّا مِنْ إِعَاذَتِهَا وَتَرْكِهَا ثُمَّ إِذَا تَرَكَ شَيْئًا لِلَّهِ تعالى لايعود فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَأَخْرَجَ لَنَا سَهْلٌ ذَلِكَ الْقَدَحَ فَشَرِبْنَا مِنْهُ قَالَ ثُمَّ اسْتَوْهَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَوَهَبَهُ لَهُ) يَعْنِي الْقَدَحَ الَّذِي شَرِبَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا فِيهِ التَّبَرُّكُ بِآثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما مسه أو لبسه أوكان مِنْهُ فِيهِ سَبَبٌ وَهَذَا نَحْوُ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَأَطْبَقَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ عَلَيْهِ مِنَ التَّبَرُّكِ بِالصَّلَاةِ فِي مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّوْضَةِ الْكَرِيمَةِ وَدُخُولِ الْغَارِ الَّذِي دَخَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْ هَذَا إِعْطَاؤُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا طَلْحَةَ شَعْرَهُ لِيَقْسِمَهُ بَيْنَ النَّاسِ وَإِعْطَاؤُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِقْوَةً

(باب جواز شرب اللبن)

لِتُكَفَّنَ فِيهِ بِنْتُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَجَعَلَهُ الْجَرِيدَتَيْنِ عَلَى الْقَبْرَيْنِ وَجَمَعَتْ بِنْتُ مِلْحَانِ عَرَقَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَمَسَّحُوا بِوُضُوئِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَلَّكُوا وُجُوهَهُمْ بِنُخَامَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشْبَاهُ هَذِهِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ فى الصحيح وكل ذلك واضح لاشك فِيهِ قَوْلُهُ (سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحِي هَذَا الشَّرَابَ كُلَّهُ الْعَسَلَ والنبيذ والماء واللبن) المراد بالنبيذ ههناما سبق تفسيره فى أحاديث الباب وهو مالم يَنْتَهِ إِلَى حَدِّ الْإِسْكَارِ وَهَذَا مُتَعَيَّنٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بابُ جَوَازِ شُرْبِ اللَّبَنِ) [2009] فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ الله عنه (قال لماخرجنا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ مَرَرْنَا بِرَاعٍ وَقَدْ عَطِشَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَبْتُ لَهُ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ) وَفِيهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْكُثْبَةُ بِضَمِّ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَبَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَهُوَ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ وَقَوْلُهُ فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيَتُ مَعْنَاهُ شَرِبَ حَتَّى عَلِمْتُ أَنَّهُ شَرِبَ حَاجَتَهُ وَكِفَايَتَهُ وَقَوْلُهُ

مَرَرْنَا بِرَاعِي هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ بِرَاعِي بالياء وهى لغة قَلِيلَةٌ وَالْأَشْهَرُ بِرَاعٍ وَأَمَّا شُرْبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ وَلَيْسَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا لِأَنَّهُ كَانَ رَاعِيًا لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقَدْ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْكِتَابِ وَالْمُرَادُ بِالْمَدِينَةِ هنامكة وَفِي رِوَايَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَالْجَوَابُ عَنْهُ من أوجه أحدهما أن هذا كان رجلا حربيا لاأمان لَهُ فَيَجُوزُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِهِ وَالثَّانِي يَحْتَمِلُ أنه كان رجلايدل عليه النبى صلى الله عليه وسلم ولايكره شُرْبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لَبَنِهِ وَالثَّالِثُ لَعَلَّهُ كَانَ فِي عُرْفِهِمْ مِمَّا يَتَسَامَحُونَ بِهِ لِكُلِّ أَحَدٍ وَيَأْذَنُونَ لِرُعَاتِهِمْ لِيَسْقُوا مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ كَانَ مُضْطَرًّا قَوْلُهُ (سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ) هُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ بَيْنَهُمَا وَيُقَالُ بِفَتْحِ الشِّينِ حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ عَنِ الْفَرَّاءِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ ضَمُّهَا قَوْلُهُ (فَسَاخَتْ فَرَسُهُ) هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُ نَزَلَتْ فِي الْأَرْضِ وَقَبَضَتْهَا الْأَرْضُ وَكَانَ فِي جِلْدٍ مِنَ الْأَرْضِ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وقوله (فقال ادعوا الله لى ولاأضرك فَدَعَا لَهُ) هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ ادْعُوَا اللَّهَ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي بَعْضِهَا ادْعُ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ وَكِلَاهُمَا ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ فَدَعَا لَهُ ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ كَمَا جَاءَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَفِيهِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [168] قَوْلُهُ (إِنَّ

النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ لَيْلَةَ أسرى به بايلياءبقدحين مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ) قَوْلُهُ بِإِيلِيَاءَ هُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ وَهُوَ بِالْمَدِّ وَيُقَالُ بالقصر ويقال إلياء بحذف الياء الأولى وقدسبق بَيَانُهُ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أُتِيَ بقدحين فقيل له اخترأيهما شِئْتَ كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْبُخَارِيِّ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فَأَلْهَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اخْتِيَارَ اللَّبَنِ لِمَا أَرَادَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ تَوْفِيقِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَاللُّطْفِ بِهَا فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَقَوْلُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ قِيلَ فِي مَعْنَاهُ أَقْوَالٌ الْمُخْتَارُ مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمَ جِبْرِيلَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِ اخْتَارَ اللَّبَنَ كَانَ كَذَا وَإِنِ اخْتَارَ الْخَمْرَ كَانَ كَذَا وَأَمَّا الْفِطْرَةُ فَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْإِسْلَامُ وَالِاسْتِقَامَةُ وَقَدْ

باب استحباب تخمير الاناء وهو تغطيته وإيكاء السقاء

قَدَّمْنَا شَرْحَ هَذَا كُلِّهِ وَبَيَانَ الْفِطْرَةِ وَسَبَبَ اخْتِيَارِ اللَّبَنِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي بَابِ الْإِسْرَاءِ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَقَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ فِيهِ اسْتِحْبَابُ حَمْدِ اللَّهِ عِنْدَ تَجَدُّدِ النِّعَمِ وَحُصُولِ مَا كَانَ الْإِنْسَانُ يَتَوَقَّعُ حُصُولَهُ وَانْدِفَاعِ ماكان يَخَافُ وُقُوعَهُ قَوْلُهُ غَوَتْ أُمَّتُكَ مَعْنَاهُ ضَلَّتْ وانهمكت فى الشر والله أعلم (باب استحباب تخمير الاناء وهو تغطيته وإيكاء السقاء وإغلاق الأبواب وذكر اسم الله تعالى عليها وإطفاء السراج والنار عند النوم وكف الصبيان والمواشى بعد المغرب) [2010] فيه أبوحميد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَتَيْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحِ لَبَنٍ مِنَ النَّقِيعِ لَيْسَ مخمرا فقال ألاخمرته وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ عُودًا وَفِيهِ الْأَحَادِيثُ الْبَاقِيَةُ بِمَا تَرْجَمْنَا عَلَيْهِ قَوْلُهُ (مِنَ النَّقِيعِ رُوِيَ بِالنُّونِ وَالْيَاءِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالصَّحِيحُ الْأَشْهَرُ الَّذِي قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ بِالنُّونِ وَهُوَ مَوْضِعٌ بِوَادِي الْعَقِيقِ وَهُوَ الَّذِي حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ (لَيْسَ مُخَمَّرًا) أَيْ لَيْسَ مُغَطًّى وَالتَّخْمِيرُ التَّغْطِيَةُ وَمِنْهُ الْخَمْرُ لِتَغْطِيَتِهَا عَلَى الْعَقْلِ وَخِمَارُ الْمَرْأَةِ لِتَغْطِيَتِهِ رَأْسَهَا وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ عُودًا) الْمَشْهُورُ فِي ضَبْطِهِ تَعْرُضُ بِفَتْحِ التَّاءِ وضم الراء وهكذا قاله الْأَصْمَعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَمَعْنَاهُ تَمُدُّهُ عَلَيْهِ عَرْضًا أَيْ خِلَافُ الطُّولِ وَهَذَا عِنْدَ عَدَمِ مَا يُغَطِّيهِ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرِّوَايَةِ بَعْدَهُ إِنْ لم يجد أحدكم الاأن

يَعْرُضَ عَلَى إِنَائِهِ عُودًا أَوْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ فَلْيَفْعَلْ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ إِنَّمَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْعُودِ عِنْدَ عَدَمِ مَا يُغَطِّيهِ بِهِ وَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ لِلْأَمْرِ بِالتَّغْطِيَةِ فَوَائِدَ مِنْهَا الْفَائِدَتَانِ اللَّتَانِ وَرَدَتَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَهُمَا صيانته من الشيطان فإن الشيطان لايكشف غطاء ولايحل سِقَاءً وَصِيَانَتُهُ مِنَ الْوَبَاءِ الَّذِي يَنْزِلُ فِي لَيْلَةٍ مِنَ السَّنَةِ وَالْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ صِيَانَتُهُ مِنَ النجاسة والمقذرات والرابعة صيانته مِنَ الْحَشَرَاتِ وَالْهَوَامِّ فَرُبَّمَا وَقَعَ شَيْءٌ مِنْهَا فِيهِ فَشَرِبَهُ وَهُوَ غَافِلٌ أَوْ فِي اللَّيْلِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ وَهُوَ السَّاعِدِيُّ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّمَا أَمَرَ بِالْأَسْقِيَةِ أَنْ تُوكَأَ لَيْلًا وَبِالْأَبْوَابِ أَنْ تغلق ليلا) هذا الذى قاله أبوحميد مِنْ تَخْصِيصِهِمَا بِاللَّيْلِ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ تَفْسِيرَ الصَّحَابِيِّ إِذَا كَانَ خِلَافَ ظَاهِرِ اللفظ ليس بحجة ولايلزم غَيْرُهُ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ مُوَافَقَتَهُ عَلَى تَفْسِيرِهِ وَأَمَّا اذا لم يكن فى ظاهر الحديث مايخالفه بِأَنْ كَانَ مُجْمَلًا فَيَرْجِعُ إِلَى تَأْوِيلِهِ وَيَجِبُ الحمل عليه لأنه اذا كان مجملا لايحل له حمله على شيء إلابتوقيف وكذا لايجوز تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِمَذْهَبِ الرَّاوِي عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ وَالْأَمْرُ بِتَغْطِيَةِ الْإِنَاءِ عَامٌّ فَلَا يُقْبَلُ تَخْصِيصُهُ بمذهب الراوى بل يتمسك بالعموم وقوله فىحديث جَابِرٍ فَجَاءَ بِقَدَحِ نَبِيذٍ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْبَابِ السَّابِقِ أَنَّهُ نَبِيذٌ لَمْ يَشْتَدَّ وَلَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا قَوْلُهُ (عَنِ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ) اسْمُ أَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ تَابِعِيٌّ مَشْهُورٌ سَبَقَ

بَيَانُهُ مَرَّاتٍ [2012] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ) الْمُرَادُ بِالْفُوَيْسِقَةِ الْفَأْرَةُ وَتُضْرِمُ بِالتَّاءِ وَإِسْكَانِ الضَّادِ أَيْ تُحْرِقُ سَرِيعًا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ ضَرِمَتِ النَّارُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَضَرَّمَتْ وَأَضْرَمَتْ أَيْ الْتَهَمَتْ وَأَضْرَمْتُهَا أَنَا وَضَرَمْتُهَا قَوْلُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَلَمْ يَذْكُرْ تَعْرِيضَ الْعُودِ عَلَى الْإِنَاءِ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ وَفِي بَعْضِهَا تَعْرُضَ فَأَمَّا هَذِهِ فَظَاهِرَةٌ وَأَمَّا تَعْرُضَ فَفِيهِ تَسَمُّحٌ فِي الْعِبَارَةِ وَالْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ وَلَمْ يَذْكُرْ عَرْضَ الْعُودِ لِأَنَّهُ الْمَصْدَرُ الْجَارِي عَلَى تَعْرُضَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ وَأَغْلِقُوا الْبَابَ وَاذْكُرُوا

اسم الله فإن الشيطان لايفتح بَابًا مُغْلَقًا وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا) هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ جُمَلٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ وَالْأَدَبِ الْجَامِعَةِ لِمَصَالِحِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا فَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْآدَابِ الَّتِي هِيَ سَبَبٌ لِلسَّلَامَةِ مِنْ إِيذَاءِ الشَّيْطَانِ وَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ أسبابا للسلامة من ايذائه فلايقدر على كشف اناء ولا حل سقاء ولافتح باب ولاايذاء صَبِيٍّ وَغَيْرِهِ إِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ وَهَذَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَمَّى عِنْدَ دُخُولِ بَيْتِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ لامبيت أى لاسلطان لَنَا عَلَى الْمَبِيتِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ الرَّجُلُ عِنْدَ جِمَاعِ أَهْلِهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشيطان وجنب الشيطان مارزقتنا كَانَ سَبَبَ سَلَامَةِ الْمَوْلُودِ مِنْ ضَرَرِ الشَّيْطَانِ وَكَذَلِكَ شِبْهُ هَذَا مِمَّا هُوَ مَشْهُورٌ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَيَلْحَقُ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ وَكَذَلِكَ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ كُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لِلْحَدِيثِ الْحَسَنِ الْمَشْهُورِ فِيهِ قَوْلُهُ (جُنْحُ اللَّيْلِ) هُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَهُوَ ظَلَامُهُ وَيُقَالُ أَجْنَحَ اللَّيْلُ أَيْ أَقْبَلَ ظَلَامُهُ وَأَصْلُ الْجُنُوحِ الْمَيْلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ) أَيِ امْنَعُوهُمْ مِنَ الْخُرُوجِ ذَلِكَ الْوَقْتَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ) أَيْ جِنْسُ الشَّيْطَانِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُخَافُ عَلَى الصِّبْيَانِ ذَلِكَ الْوَقْتَ مِنْ إِيذَاءِ الشياطين لكثرتهم

حِينَئِذٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2013] (لاترسلوا فَوَاشِيكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْفَوَاشِي كُلُّ مُنْتَشِرٍ مِنَ الْمَالِ كَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَسَائِرِ الْبَهَائِمِ وَغَيْرِهَا وَهِيَ جَمْعُ فَاشِيَةٍ لِأَنَّهَا تَفْشُو أَيْ تَنْتَشِرُ فِي الْأَرْضِ وَفَحْمَةُ الْعِشَاءِ ظُلْمَتُهَا وَسَوَادُهَا وَفَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ هُنَا بِإِقْبَالِهِ وَأَوَّلِ ظَلَامِهِ وَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ قَالَ وَيُقَالُ لِلظُّلْمَةِ التى بين صلاتى المغرب والعشاء الفحمةوللتى بين العشاءوالفجر الْعَسْعَسَةُ قَوْلُهُ [2014] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَوْمًا بَدَلُ لَيْلَةً قَالَ اللَّيْثُ فَالْأَعَاجِمُ عِنْدَنَا يَتَّقُونَ ذَلِكَ فِي كَانُونَ الْأَوَّلِ الْوَبَاءُ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ لُغَتَانِ حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ والقصر أشهر

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ جَمْعُ الْمَقْصُورِ أَوْبَاءٌ وَجَمْعُ الْمَمْدُودِ أَوْبِيَةٌ قَالُوا وَالْوَبَاءُ مَرَضٌ عَامٌّ يُفْضِي إِلَى الْمَوْتِ غَالِبًا وَقَوْلُهُ (يَتَّقُونَ ذَلِكَ) أَيْ يَتَوَقَّعُونَهُ ويخافونه وكانون غيره مَصْرُوفٍ لِأَنَّهُ عَلَمٌ أَعْجَمِيٌّ وَهُوَ الشَّهْرُ الْمَعْرُوفُ وأما قوله فى الرواية يوما وفى رِوَايَةٍ لَيْلَةً فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا إِذْ لَيْسَ فِي أَحَدِهِمَا نَفْيُ الْآخَرِ فَهُمَا ثَابِتَانِ [2015] وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لاتتركوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ) هَذَا عَامٌّ تَدْخُلُ فِيهِ نَارُ السِّرَاجِ وَغَيْرُهَا وَأَمَّا الْقَنَادِيلُ الْمُعَلَّقَةُ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ خِيفَ حَرِيقٌ بِسَبَبِهَا دَخَلَتْ فِي الْأَمْرِ بِالْإِطْفَاءِ وَإِنْ أُمِنَ ذلك كما هو الغالب فالظاهر أنه لابأس بِهَا لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّلَ الْأَمْرَ بِالْإِطْفَاءِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ بِأَنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ فَإِذَا انْتَفَتِ الْعِلَّةُ زَالَ الْمَنْعُ قَوْلُهُ (سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْأَشْعَثِيُّ) تَقَدَّمَ مَرَّاتٍ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدِّهِ الْأَعْلَى الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ [2016] قوله (بريدة عَنْ أَبِي بُرْدَةَ) تَقَدَّمَ أَيْضًا مَرَّاتٍ أَنَّهُ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بَاب آدَابِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَأَحْكَامِهِمَا [2017] قَوْلُهُ (عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كنا اذاحضرنا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ طَعَامًا لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعُ يَدَهُ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا الْإِسْنَادُ فِيهِ ثَلَاثَةٌ تَابِعِيُّونَ كُوفِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ الْأَعْمَشُ عَنْ خَيْثَمَةَ وَهُوَ خَيْثَمَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَبْدُ الصالح وأبوحذيفة واسمه سلمة بن صهيب وقيل بن صهيبة وقيل بن صهبان وقيل بن صهبة وقيل بن صُهَيْبَةَ الْهَمْدَانِيُّ الْأَرْحَبِيُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ وَقَوْلُهُ (لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِيهِ بَيَانُ هَذَا الْأَدَبِ وَهُوَ أَنَّهُ يَبْدَأُ الْكَبِيرُ وَالْفَاضِلُ فِي غَسْلِ الْيَدِ لِلطَّعَامِ وَفِي الْأَكْلِ قَوْلُهُ فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا تَدْفَعُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَأَنَّهَا تَطْرُدُ يَعْنِي لِشِدَّةِ سُرْعَتِهَا فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِي الطَّعَامِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهَا ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ كَأَنَّمَا يَدْفَعُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ إِذَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا فَأَخَذْتُ بيدها فجاءبهذا الْأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا ثُمَّ زَادَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي آخِرِ الْحَدِيثِ ثُمَّ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَكَلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا جَوَازُ الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَتَفْصِيلُ الْحَالِ فِي اسْتِحْبَابِهِ وَكَرَاهَتِهِ وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ التَّسْمِيَةِ فِي ابْتِدَاءِ الطَّعَامِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وهذا يستحب حمدالله تَعَالَى فِي آخِرِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَا تُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ فِي أَوَّلِ الشَّرَابِ بَلْ فِي أَوَّلِ كُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ كَمَا ذَكَرْنَا قَرِيبًا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْهَرَ بِالتَّسْمِيَةِ لِيُسْمِعَ غَيْرَهُ وَيُنَبِّهَهُ عَلَيْهَا وَلَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ فِي أَوَّلِ الطعام عامدا أو ناسيا أو جاهلا أومكرها أَوْ عَاجِزًا لِعَارِضٍ آخَرَ ثُمَّ تَمَكَّنَ فِي أَثْنَاءِ أَكْلِهِ مِنْهَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَمِّيَ وَيَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَكَلَ

أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ أوله وآخره رواه أبوداود وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالتَّسْمِيَةُ فِي شُرْبِ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَالْعَسَلِ وَالْمَرَقِ وَالدَّوَاءِ وَسَائِرِ الْمَشْرُوبَاتِ كَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعَامِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ وَتَحْصُلُ التَّسْمِيَةُ بِقَوْلِهِ بِسْمِ اللَّهِ فَإِنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كَانَ حَسَنًا وَسَوَاءٌ فِي اسْتِحْبَابِ التَّسْمِيَةِ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَغَيْرُهُمَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُسَمِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْآكِلِينَ فَإِنْ سَمَّى وَاحِدٌ مِنْهُمْ حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الطَّعَامِ إِذَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِوَاحِدٍ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ الذِّكْرِ عِنْدَ دُخُولِ الْبَيْتِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي كِتَابِ أَذْكَارِ الطَّعَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ يَدِهَا وَفِي بَعْضِهَا يَدِهِمَا فَهَذَا ظَاهِرٌ وَالتَّثْنِيَةُ تَعُودُ إِلَى الْجَارِيَةِ وَالْأَعْرَابِيِّ وَمَعْنَاهُ أَنَّ يَدِي فِي يَدِ الشَّيْطَانِ مَعَ يَدِ الْجَارِيَةِ وَالْأَعْرَابِيِّ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ يَدِهَا بِالْإِفْرَادِ فَيَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَى الْجَارِيَةِ وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْوَجْهَ التَّثْنِيَةُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ رِوَايَةَ الْإِفْرَادِ أَيْضًا مُسْتَقِيمَةٌ فان إثبات يدها لاينفى يَدَ الْأَعْرَابِيِّ وَإِذَا صَحَّتِ الرِّوَايَةُ بِالْإِفْرَادِ وَجَبَ قَبُولُهَا وَتَأْوِيلُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الشَّيْطَانَ يستحل الطعام أن لايذكر اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ) مَعْنَى يَسْتَحِلُّ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَكْلِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ

أَكْلِ الطَّعَامِ إِذَا شَرَعَ فِيهِ إِنْسَانٌ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَشْرَعْ فيه أحد فلايتمكن وَإِنْ كَانَ جَمَاعَةٌ فَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ ثُمَّ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَشِبْهَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي أَكْلِ الشَّيْطَانِ مَحْمُولَةٌ عَلَى ظَوَاهِرِهَا وَأَنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ حَقِيقَةً إذ العقل لايحيله وَالشَّرْعُ لَمْ يُنْكِرْهُ بَلْ أَثْبَتَهُ فَوَجَبَ قَبُولُهُ وَاعْتِقَادُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وقدم مجئ الأعرابى قبل مجئ الْجَارِيَةِ عَكْسَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةُ كَالْأُولَى وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الثَّانِيَةِ قدم مجئ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ قَدَّمَهُ فِي اللَّفْظِ بِغَيْرِ حَرْفِ تَرْتِيبٍ فَذَكَرَهُ بِالْوَاوِ فَقَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ وَجَاءَتْ جارية والواو لاتقتضى تَرْتِيبًا وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُولَى فَصَرِيحَةٌ فِي التَّرْتِيبِ وَتَقْدِيمِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّهُ قَالَ ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ وَثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ فَيَتَعَيَّنَ حَمْلُ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى ويبعد حمله على واقعتين [2018] وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طعامه قال الشيطان لامبيت لكم ولاعشاء وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ) مَعْنَاهُ قَالَ الشَّيْطَانُ لِإِخْوَانِهِ وَأَعْوَانِهِ وَرُفْقَتِهِ وَفِي هَذَا اسْتِحْبَابُ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عند دخول

الْبَيْتِ وَعِنْدَ الطَّعَامِ [2019] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (لاتأكلوا بالشمال فان الشيطان يأكل بالشمال) [2020] وفى رواية بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ وَكَانَ نَافِعٌ يزيد فيها ولايأخذ بها ولايعطى بِهَا فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِالْيَمِينِ وَكَرَاهَتُهُمَا بِالشِّمَالِ وَقَدْ زَادَ نَافِعٌ الْأَخْذَ وَالْإِعْطَاءَ وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ يَمْنَعُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ بِالْيَمِينِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ جراحة

أوغير ذلك فلاكراهة فِي الشِّمَالِ وَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي اجْتِنَابُ الْأَفْعَالِ الَّتِي تُشْبِهُ أَفْعَالَ الشَّيَاطِينِ وَأَنَّ لِلشَّيَاطِينِ يَدَيْنِ [2021] قَوْلُهُ (إِنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ فَقَالَ كُلْ بِيَمِينِكَ قَالَ لَا أَسْتَطِيعُ قَالَ لَا اسْتَطَعْتَ ما منعه إلاالكبر قَالَ فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ) هَذَا الرَّجُلُ هوبسر بضم الباء وبالسين المهملة بن رَاعِي الْعَيْرِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِالْمُثَنَّاةِ الْأَشْجَعِيُّ كَذَا ذكره بن منده وأبو نعيم الأصبهانى وبن مَاكُولَا وَآخَرُونَ وَهُوَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ عَدَّهُ هَؤُلَاءِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَمَّا قَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ قَوْلَهُ مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُنَافِقًا فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْكِبْرِ وَالْمُخَالَفَةِ لَا يَقْتَضِي النِّفَاقَ وَالْكُفْرَ لَكِنَّهُ مَعْصِيَةٌ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ أَمْرَ إِيجَابٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الدُّعَاءِ عَلَى مَنْ خَالَفَ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ بِلَا عُذْرٍ وَفِيهِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي كُلِّ حَالٍ حَتَّى فِي حَالِ الْأَكْلِ وَاسْتِحْبَابُ تَعْلِيمِ الْآكِلِ آدَابَ الْأَكْلِ إِذَا خَالَفَهُ كَمَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ الَّذِي بَعْدَ هَذَا [2022] قَوْلُهُ (عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي

سلمة رضى الله عنه قال كنت فىحجر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي يَا غلام سم الله وكل بيمينك وكل ممايليك) قَوْلُهُ تَطِيشُ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَبَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ تَحْتُ سَاكِنَةٌ أَيْ تَتَحَرَّكُ وَتَمْتَدُّ إِلَى نَوَاحِي الصَّحْفَةِ ولاتقتصر عَلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَالصَّحْفَةُ دُونَ الْقَصْعَةِ وَهِيَ مَا تَسَعُ مَا يُشْبِعُ خَمْسَةً فَالْقَصْعَةُ تُشْبِعُ عَشْرَةً كَذَا قَالَهُ الْكِسَائِيُّ فِيمَا حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ وَقِيلَ الصَّحْفَةُ كَالْقَصْعَةِ وَجَمْعُهَا صِحَافٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ ثَلَاثِ سُنَنٍ مِنْ سُنَنٍ الْأَكْلِ وَهِيَ التَّسْمِيَةُ وَالْأَكْلُ بِالْيَمِينِ وَقَدْ سبق بيانهما والثالثة الأكل ممايليه لِأَنَّ أَكْلَهُ مِنْ مَوْضِعِ يَدِ صَاحِبِهِ سُوءُ عشرة وترك مروءة فقد يتقذره صاحبه لاسيما فِي الْأَمْرَاقِ وَشِبْهِهَا وَهَذَا فِي الثَّرِيدِ وَالْأَمْرَاقِ وَشِبْهِهَا فَإِنْ كَانَ تَمْرًا أَوْ أَجْنَاسًا فَقَدْ نَقَلُوا إِبَاحَةَ اخْتِلَافِ الْأَيْدِي فِي الطَّبَقِ وَنَحْوِهِ وَالَّذِي يَنْبَغِي تَعْمِيمُ النَّهْيِ حَمْلًا لِلنَّهْيِ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى يَثْبُتَ دَلِيلٌ مُخَصِّصٌ قَوْلُهُ (مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ بَيْنَهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ [2023] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اخْتِنَاثِ الْأَسْقِيَةِ) قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَاخْتِنَاثُهَا أَنْ يَقْلِبَ رَأْسَهَا حَتَّى

باب فى الشرب قائما

يَشْرَبَ مِنْهُ الِاخْتِنَاثُ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ وَأَصْلُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ التَّكَسُّرُ وَالِانْطِوَاءُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الرَّجُلُ الْمُتَشَبِّهُ بِالنِّسَاءِ فِي طَبْعِهِ وَكَلَامِهِ وَحَرَكَاتِهِ مُخَنَّثًا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنِ اخْتِنَاثِهَا نَهْيُ تَنْزِيهٍ لا تحريم ثم قيل سببه أنه لايؤمن أَنْ يَكُونَ فِي الْبَقَاءِ مَا يُؤْذِيهِ فَيَدْخُلُ فى جوفه ولايدرى وَقِيلَ لِأَنَّهُ يُقَذِّرُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَقِيلَ إِنَّهُ يُنْتِنُهُ أَوْ لِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ ثَابِتٍ وَهِيَ أُخْتُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فشرب من قربة معلقة لوجهين قَائِمًا فَقُمْتُ إِلَى فِيهَا فَقَطَعْتُهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هذا حديث حسن صحيح وقطع لِفَمِ الْقِرْبَةِ فَعَلَتْهُ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَصُونَ مَوْضِعًا أَصَابَهُ فَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَنْ يُبْتَذَلَ وَيَمَسَّهُ كُلُّ أَحَدٍ وَالثَّانِي أَنْ تَحْفَظَهُ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ وَالِاسْتِشْفَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النهى ليس للتحريم والله أعلم (باب فى الشرب قائما) [2024] فِيهِ حَدِيثُ قَتَادَةَ (عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَجَرَ عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا) وَفِي

رِوَايَةٍ نَهَى عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا قَالَ قَتَادَةُ قلنا فَالْأَكْلُ قَالَ أَشَرُّ أَوْ أَخْبَثُ [2025] وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي عِيسَى الْأَسْوَارِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَجَرَ عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُمْ نَهَى عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا [2026] وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو غَطَفَانَ الْمُرِّيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لايشربن أحدكم قائما فمن نسى فليستقيء [2027] وعن بن عَبَّاسٍ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ وَهُوَ قَائِمٌ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَرِبَ قَائِمًا وَقَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ كَمَا رَأَيْتُمُونِي فعلت على أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَشْكَلَ مَعْنَاهَا عَلَى بَعْضِ العلماء حتى قال فيها أقوالاباطلة وَزَادَ حَتَّى تَجَاسَرَ وَرَامَ أَنْ يُضَعِّفَ بَعْضَهَا وادعى فيها دعاوى باطلة لاغرض لنا فى ذكرها ولاوجه لِإِشَاعَةِ الْأَبَاطِيلِ وَالْغَلَطَاتِ فِي تَفْسِيرِ السُّنَنِ بَلْ نَذْكُرُ الصَّوَابَ وَيُشَارُ إِلَى التَّحْذِيرِ مِنَ الِاغْتِرَارِ بِمَا خَالَفَهُ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِحَمْدِ الله تعالى اشكال ولافيها ضَعْفٌ بَلْ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ وَالصَّوَابُ فِيهَا أَنَّ النَّهْيَ فِيهَا مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَأَمَّا شُرْبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا فَبَيَانٌ للجواز فلا اشكال ولاتعارض وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ نَسْخًا أَوْ غَيْرَهُ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا وَكَيْفَ يُصَارُ إِلَى النَّسْخِ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ لَوْ ثَبَتَ التَّارِيخُ وَأَنَّى لَهُ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ الشُّرْبُ قَائِمًا مَكْرُوهًا وَقَدْ فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْجَوَابُ أَنَّ فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ بيانا للجواز لايكون مَكْرُوهًا بَلِ الْبَيَانَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ يَكُونُ مَكْرُوهًا وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَطَافَ عَلَى بَعِيرٍ مَعَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ ثَلَاثًا وَالطَّوَافَ مَاشِيًا أَكْمَلُ وَنَظَائِرُ هَذَا غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فَكَانَ صَلَّى الله عليه وسلم ينبه على جواز الشئ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ وَيُوَاظِبُ عَلَى الْأَفْضَلِ مِنْهُ وَهَكَذَا كَانَ أَكْثَرُ وُضُوئِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَأَكْثَرُ طَوَافِهِ مَاشِيًا وَأَكْثَرُ شربه جالسا وهذا واضح لايتشكك فِيهِ مَنْ لَهُ أَدْنَى نِسْبَةٍ إِلَى عِلْمٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (فمن نسى فليستقىء) فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالنَّدْبِ فَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ شَرِبَ قَائِمًا أَنْ يَتَقَايَأَهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ فان الأمر اذاتعذر حَمْلُهُ عَلَى الْوُجُوبِ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَأَمَّا قول القاضي عياض لاخلاف بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَنْ شَرِبَ نَاسِيًا ليس عليه ان يتقيأه فأشار بذلك إلى تضعيف الحديث فلايلتفت إِلَى إِشَارَتِهِ وَكَوْنُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يُوجِبُوا

الاستقاءة لايمنع كَوْنَهَا مُسْتَحَبَّةً فَإِنِ ادَّعَى مُدَّعٍ مَنْعَ الِاسْتِحْبَابِ فهو مجازف لايلتفت إِلَيْهِ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ الِاسْتِحْبَابِ وَكَيْفَ تُتْرَكُ هَذِهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ بِالتَّوَهُّمَاتِ وَالدَّعَاوَى وَالتُّرَّهَاتِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ تُسْتَحَبُّ الِاسْتِقَاءَةُ لِمَنْ شَرِبَ قَائِمًا نَاسِيًا أَوْ مُتَعَمِّدًا وَذِكْرُ النَّاسِي فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ الْقَاصِدَ يُخَالِفُهُ بَلْ لِلتَّنْبِيهِ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ إِذَا أَمَرَ بِهِ النَّاسِي وَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ فَالْعَامِدُ الْمُخَاطَبُ الْمُكَلَّفُ أولى وهذا واضح لاشك فيه لاسيما عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ فِي أَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَأَنَّ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رقبة لايمنع وُجُوبَهَا عَلَى الْعَامِدِ بَلْ لِلتَّنْبِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَسَانِيدِ الْبَابِ وَأَلْفَاظِهِ فَقَالَ مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ هَذَانِ الْإِسْنَادَانِ بَصْرِيُّونَ كُلُّهُمْ وَقَدْ سَبَقَ مَرَّاتٍ أَنَّ هَدَّابًا يُقَالُ فِيهِ هُدْبَةُ وَأَنَّ أَحَدَهُمَا اسْمٌ وَالْآخَرُ لَقَبٌ وَاخْتُلِفَ فِيهِمَا وَسَعِيدٌ هَذَا هو بن أبى عروبة وَقَوْلُهُ (قَالَ قَتَادَةُ قُلْنَا يَعْنِي لِأَنَسٍ فَالْأَكْلُ قَالَ أَشَرُّ وَأَخْبَثُ) هَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ أَشَرُّ بِالْأَلِفِ وَالْمَعْرُوفُ فِي الْعَرَبِيَّةِ شَرٌّ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَكَذَلِكَ خَيْرٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَصْحَابُ الجنة يومئذ خير مستقرا وَقَالَ تَعَالَى فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَلَكِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَقَعَتْ هُنَا عَلَى الشَّكِّ فانه قال أشر وأخبث فَشَكَّ قَتَادَةُ فِي أَنَّ أَنَسًا قَالَ أَشَرُّ أَوْ قَالَ أَخْبَثُ فَلَا يَثْبُتُ عَنْ أَنَسٍ أشر بهذه الرواية فان جائت هذه اللفظة بلاشك وَثَبَتَتْ عَنْ أَنَسٍ فَهُوَ عَرَبِيٌّ فَصِيحٌ فَهِيَ لُغَةٌ وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةَ الِاسْتِعْمَالِ وَلِهَذَا نَظَائِرُ مما لايكون مَعْرُوفًا عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ وَجَارِيًا عَلَى قَوَاعِدِهِمْ وَقَدْ صحت به الأحاديث فلاينبغى رَدُّهُ إِذَا ثَبَتَ بَلْ يُقَالُ هَذِهِ لُغَةٌ قَلِيلَةُ الِاسْتِعْمَالِ وَنَحْوُ هَذَا مِنَ الْعِبَارَاتِ وَسَبَبُهُ أَنَّ النَّحْوِيِّينَ لَمْ يُحِيطُوا إِحَاطَةً قَطْعِيَّةً بِجَمِيعِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَلِهَذَا يَمْنَعُ بَعْضُهُمْ مَا يَنْقُلُهُ غيره

عَنِ الْعَرَبِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ (عَنْ أَبِي عِيسَى الْأُسْوَارِيِّ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا وَالَّذِي ذَكَرَهُ السَّمْعَانِيُّ وَصَاحِبَا الْمَشَارِقِ وَالْمَطَالِعِ هُوَ الضَّمُّ فَقَطْ قَالَ أَبُو على الغسانى والسمعانى وغيرهما لايعرف اسمه قال الامام أحمد بن حنبل لانعلم أَحَدًا رَوَى عَنْهُ غَيْرَ قَتَادَةَ وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ هُوَ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى الْأُسْوَارِ وَهُوَ الْوَاحِدُ مِنْ أَسَاوِرَةِ الْفُرْسِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ قال أبو عبيدة هو الْفُرْسَانُ قَالَ وَالْأَسَاوِرَةُ أَيْضًا قَوْمٌ مِنَ الْعَجَمِ بالبصرة نزولها قديما كالأخامرة بالكوفة قوله (أبوغطفان المرى) هو بضم الميم وتشديد الراء

(باب كراهة التنفس في نفس الإناء واستحباب التنفس

ولايعرف اسْمُهُ وَفِيهِ سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ مرات أنه بالمهملة والجيم قَوْلُهُ (وَاسْتَسْقَى وَهُوَ عِنْدَ الْبَيْتِ) مَعْنَاهُ طَلَبَ وَهُوَ عِنْدَ الْبَيْتِ مَا يَشْرَبُهُ وَالْمُرَادُ بِالْبَيْتِ الْكَعْبَةُ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا (بَاب كَرَاهَةِ التَّنَفُّسِ فِي نَفْسِ الْإِنَاءِ وَاسْتِحْبَابِ التَّنَفُّسِ ثَلَاثًا خَارِجَ الْإِنَاءِ) [267] فِيهِ حَدِيثُ (نَهَى أَنْ يُتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ) [2028] وَحَدِيثُ كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا وفى رواية

(باب استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما على يمين

فِي الشَّرَابِ وَيَقُولُ إِنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ مَحْمُولَانِ عَلَى مَا تَرْجَمْنَاهُ لَهُمَا فَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى أَوَّلِ التَّرْجَمَةِ وَالثَّانِي عَلَى آخرها وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَرْوَى) مِنَ الرِّيِّ أَيْ أَكْثَرُ رِيًّا وَأَمْرَأُ وَأَبْرَأُ مَهْمُوزَانِ وَمَعْنَى أَبْرَأُ أَيْ أَبْرَأُ مِنْ أَلَمِ الْعَطَشِ وَقِيلَ أبرأأى أَسْلَمُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ أَذَى يَحْصُلُ بِسَبَبِ الشرب فى نفس واحد ومعنى أمرأأى أَجْمَلُ انْسِيَاغًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي عِصَامٍ عَنْ أَنَسٍ) اسْمُ أَبِي عِصَامٍ خَالِدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي (كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ أَوْ فِي الشَّرَابِ) مَعْنَاهُ فِي أَثْنَاءِ شُرْبِهِ مِنَ الْإِنَاءِ أَوْ فى أثناءشربه الشَّرَابَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب اسْتِحْبَابِ إِدَارَةِ الْمَاءِ واللبن ونحوهما على يمين المبتدى) [2029] فِيهِ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ وعن يساره أبوبكر الصِّدِّيقُ فَشَرِبَ ثُمَّ أَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ وَقَالَ الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقَالَ لَهُ عُمَرُ وأبو بكر عن شماله يارسول اللَّهِ أَعْطِ أَبَا بَكْرٍ فَأَعْطَاهُ أَعْرَابِيًّا عَنْ يَمِينِهِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْأَيْمَنُونَ الْأَيْمَنُونَ الْأَيْمَنُونَ قَالَ أَنَسٌ فَهِيَ سُنَّةٌ فَهِيَ سُنَّةٌ فَهِيَ سُنَّةٌ [2030] وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ وَعَنْ يَسَارَهِ أَشْيَاخٌ فَقَالَ لِلْغُلَامِ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ فَقَالَ الْغُلَامُ لَا وَاللَّهِ لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَدِهِ فِي هذه الأحاديث

بيان هذه السنة الواضحة وهوموافق لِمَا تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ دَلَائِلُ الشَّرْعِ مِنِ اسْتِحْبَابِ التَّيَامُنِ فِي كُلِّ مَا كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِكْرَامِ وَفِيهِ أَنَّ الْأَيْمَنَ فِي الشَّرَابِ وَنَحْوِهِ يُقَدَّمُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَفْضُولًا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَّمَ الْأَعْرَابِيَّ وَالْغُلَامَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنه وأما تقديم الأفاضل والكبار فهوعند التَّسَاوِي فِي بَاقِي الْأَوْصَافِ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ الْأَعْلَمُ وَالْأَقْرَأُ عَلَى الْأَسَنِّ النَّسِيبِ فِي الْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ (شِيبَ) أَيْ خُلِطَ وَفِيهِ جَوَازُ ذلك وانما

نُهِيَ عَنْ شَوْبِهِ إِذَا أَرَادَ بَيْعَهَ لِأَنَّهُ غِشٌّ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي شَوْبِهِ أَنْ يبرد أو يكثر أو للمجموع وَقَوْلُهُ (فَتَلَّهُ فِي يَدِهِ) أَيْ وَضَعَهُ فِيهَا وَقَدْ جَاءَ فِي مُسْنَدِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ هَذَا الْغُلَامَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَمِنَ الْأَشْيَاخِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قِيلَ إِنَّمَا اسْتَأْذَنَ الْغُلَامَ دُونَ الْأَعْرَابِيِّ إِدْلَالًا عَلَى الْغُلَامِ وهو بن عباس وثقة بطيب نفسه بأصل الاستذان لاسيما وَالْأَشْيَاخُ أَقَارِبُهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَفِي بَعْضِ الروايات عمك وبن عَمِّكَ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ وَفَعَلَ ذَلِكَ أَيْضًا تَأَلُّفًا لِقُلُوبِ الْأَشْيَاخِ وَإِعْلَامًا بِوُدِّهِمْ وَإِيثَارِ كَرَامَتِهِمْ إِذَا لَمْ تَمْنَعْ مِنْهَا سُنَّةٌ وَتَضَمَّنَ ذَلِكَ أَيْضًا بَيَانَ هَذِهِ السُّنَّةِ وَهِيَ أَنَّ الأيمن أحق ولايدفع إلى غيره إلابأذنه وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاسْتِئْذَانِهِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الأذن وينبغى له أيضا أن لايأذن إِنْ كَانَ فِيهِ تَفْوِيتُ فَضِيلَةٍ أُخْرَوِيَّةٍ وَمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ كَهَذِهِ الصُّورَةِ وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ من العلماء على أنه لايؤثر فِي الْقُرَبِ وَإِنَّمَا الْإِيثَارُ الْمَحْمُودُ مَا كَانَ فِي حُظُوظِ النَّفْسِ دُونَ الطَّاعَاتِ قَالُوا فَيُكْرَهُ أَنْ يُؤْثِرَ غَيْرَهُ بِمَوْضِعِهِ مِنَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَكَذَلِكَ نَظَائِرُهُ وَأَمَّا الْأَعْرَابِيُّ

فَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ مَخَافَةَ مِنْ إِيحَاشِهِ فِي اسْتِئْذَانِهِ فِي صَرْفِهِ إِلَى أَصْحَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُبَّمَا سَبَقَ إِلَى قَلْبِ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيِّ شئ يَهْلِكُ بِهِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَفَتِهَا وَعَدَمِ تَمَكُّنِهِ فِي مَعْرِفَتِهِ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ النُّصُوصُ عَلَى تَأَلُّفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلْبَ مَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْعِلْمِ مِنْهَا أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالْيَمِينِ فِي الشَّرَابِ ونحوه سنة وهذا مما لاخلاف فِيهِ وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالشَّرَابِ قال بن عبد البر وغيره لايصح هَذَا عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ فِي الشَّرَابِ خَاصَّةً وَإِنَّمَا يقدم الأيمن فالأيمن فى غيره بالقياس لابسنة مَنْصُوصَةٍ فِيهِ وَكَيْفَ كَانَ فَالْعُلَمَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّيَامُنِ فِي الشَّرَابِ وَأَشْبَاهِهِ وَفِيهِ جَوَازُ شُرْبِ اللَّبَنِ الْمَشُوبِ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ سَبَقَ إِلَى مَوْضِعٍ مُبَاحٍ أَوْ مَجْلِسِ الْعَالِمِ وَالْكَبِيرِ فهو أحق به ممن يجئ بعده والله أعلم قَوْلُهُ (عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكُنَّ أمهاتى يحثثنى عَلَى خِدْمَتِهِ) الْمُرَادُ بِأُمَّهَاتِهِ أُمُّهُ أُمُّ سُلَيْمٍ وَخَالَتُهُ أُمُّ حَرَامٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ مَحَارِمِهِ فَاسْتَعْمَلَ لَفْظَ الْأُمَّهَاتِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ يُجَوِّزُ إِطْلَاقَ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَقَوْلُهُ كُنَّ أُمَّهَاتِي عَلَى لُغَةِ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةَ الِاسْتِعْمَالِ وَقَدْ تَقَدَّمَ إِيضَاحُهَا عِنْدَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ وَنَظَائِرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَحَلَبْنَا لَهُ مِنْ شَاةٍ دَاجِنٍ) هِيَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهِيَ الَّتِي تُعْلَفُ فِي الْبُيُوتِ يُقَالُ دَجَنَتْ تَدْجُنُ دجونا ويطلق الداجن أيضا علىكل مَا يَأْلَفُ الْبَيْتَ مِنْ طَيْرٍ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ) ضُبِطَ بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ وَهُمَا صَحِيحَانِ النَّصْبُ عَلَى تَقْدِيرِ أعطى الْأَيْمَنَ وَالرَّفْعُ عَلَى تَقْدِيرِ الْأَيْمَنُ أَحَقُّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْأَيْمَنُونَ وَهُوَ يُرَجِّحُ الرَّفْعَ وَقَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِ أَبَا بَكْرٍ إِنَّمَا قَالَهُ لِلتَّذْكِيرِ بِأَبِي بَكْرٍ مَخَافَةً مِنْ نِسْيَانِهِ واعلاما لذلك الأعرابى الذى على اليمن بِجَلَالَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي طُوَالَةَ) هُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ ضَمَّهَا وفتحها قالوا ولايعرف فِي الْمُحَدِّثِينَ مَنْ يُكْنَى أَبَا طُوَالَةَ غَيْرُهُ وقد ذكره الحاكم أبوأحمد فِي الْكُنَى الْمُفْرَدَةِ قَوْلُهُ (وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنه وجاهه)

باب استحباب لعق الأصابعوالقصعة وأكل اللقمة

هُوَ بِضَمِّ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ أَيْ قُدَّامَهُ مواجهاله قوله (يعقوب بن عبد الرحمن القارىء) هُوَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَارَةِ الْقَبِيلَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب استحباب لعق الأصابعوالقصعة وأكل اللقمة الساقطة بعد مسح مايصيبها مِنْ أَذًى وَكَرَاهَةِ مَسْحِ الْيَدِ قَبْلَ لَعْقِهَا لاحتمال كون بركة الطعام فى ذلك الباقى وأن السنة الأكل بثلاثة أصابع فِيهِ) [2031] [2032] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا أكل أحدكم طعاما فلايمسح يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعٍ وَيَلْعَقُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا وَفِي رِوَايَةٍ يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعٍ فَإِذَا فَرَغَ لَعِقَهَا [2033] وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَعْقِ الْأَصَابِعِ والصحفة وقال انكم لاتدرون فِي أَيِّهِ الْبَرَكَةُ وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلِيَأْخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا من أذى وليأكلها ولايدعها للشيطان ولايمسح يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمُ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ وَذَكَرَ نَحْوَ مَا سَبَقَ وَفِي رِوَايَةٍ وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ وَفِي رِوَايَةٍ وَلْيَسْلُتْ أَحَدُكُمُ الصَّفْحَةَ فِي هذه الأحاديث أنواعمن سُنَنِ الْأَكْلِ مِنْهَا اسْتِحْبَابُ لَعْقِ الْيَدِ مُحَافَظَةً عَلَى بَرَكَةِ الطَّعَامِ وَتَنْظِيفًا لَهَا وَاسْتِحْبَابُ الْأَكْلِ بثلاث أصابع ولايضم اليها الرابعة والخامسة إلالعذر بأن يكون مرقا

وغيره مما لايمكن بِثَلَاثٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْذَارِ وَاسْتِحْبَابُ لَعْقِ الْقَصْعَةِ وَغَيْرِهَا وَاسْتِحْبَابُ أَكْلِ اللُّقْمَةِ السَّاقِطَةِ بَعْدَ مَسْحِ أَذًى يُصِيبُهَا هَذَا إِذَا لَمْ تَقَعْ عَلَى مَوْضِعٍ نَجِسٍ فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى مَوْضِعٍ نجس تنجست ولابد مِنْ غَسْلِهَا إِنْ أَمْكَنَ فَإِنْ تَعَذَّرَ أَطْعَمَهَا حيوانا ولايتركها لِلشَّيْطَانِ وَمِنْهَا إِثْبَاتُ الشَّيَاطِينِ وَأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا إِيضَاحُ هَذَا وَمِنْهَا جَوَازُ مَسْحِ الْيَدِ بِالْمِنْدِيلِ لَكِنَّ

السُّنَّةَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ لَعْقِهَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ) فِيهِ التَّحْذِيرُ مِنْهُ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى مُلَازَمَتِهِ لِلْإِنْسَانِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَأَهَّبَ وَيَحْتَرِزَ مِنْهُ وَلَا

يغتر بما يرينه له وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَلْعَقُهَا أَوْ يلعقها) معناه والله أعلم لايمسح يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَحَتَّى يلعقها غيره ممن لايتقذر ذَلِكَ كَزَوْجَةٍ وَجَارِيَةٍ وَوَلَدٍ وَخَادِمٍ يُحِبُّونَهُ وَيَلْتَذُّونَ بذلك ولايتقذرون وَكَذَا مَنْ كَانَ فِي مَعْنَاهُمْ كَتِلْمِيذٍ يَعْتَقِدُ بَرَكَتَهُ وَيَوَدُّ التَّبَرُّكَ بِلَعْقِهَا وَكَذَا لَوْ أَلْعَقَهَا شاة ونحوها وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لاتدرون فِي أَيِّهِ الْبَرَكَةُ) مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الطعام الذى يحضره الانسان فيه بركة ولايدرى أَنَّ تِلْكَ الْبَرَكَةَ فِيمَا أَكَلَهُ أَوْ فِيمَا بَقِيَ عَلَى أَصَابِعِهِ أَوْ فِي مَا بَقِيَ فِي أَسْفَلِ الْقَصْعَةِ أَوْ فِي اللُّقْمَةِ السَّاقِطَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَافِظَ عَلَى هَذَا كُلِّهِ لِتَحْصُلَ الْبَرَكَةُ وَأَصْلُ الْبَرَكَةِ الزِّيَادَةُ وَثُبُوتُ الْخَيْرِ وَالْإِمْتَاعِ به والمراد هنا واللهأعلم مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّغْذِيَةُ وَتَسْلَمُ عَاقِبَتُهُ مِنْ أَذًى وَيُقَوِّي عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرُ ذلك قَوْلُهُ (إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَوْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ عن أبيه) هذا قد تقدم مثله مرات وذكرنا أنه لايضر الشك فى الراوى اذاكان الشَّكُّ بَيْنُ ثِقَتَيْنِ لِأَنَّ ابْنَيْ كَعْبٍ هَذَيْنِ ثقتان قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلْيُمِطْ مَا كان بها من أذى ولايمسح يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَهَا) أَمَّا يُمِطْ فَبِضَمِّ الْيَاءِ وَمَعْنَاهُ يُزِيلُ وَيُنَحِّي وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ حَكَى أَبُو عُبَيْدٍ مَاطَهُ وَأَمَاطَهُ نَحَّاهُ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ أماطه لاغير ومنه أماطة الأذى ومطت أناعنه أَيْ تَنَحَّيْتُ وَالْمُرَادُ بِالْأَذَى هُنَا الْمُسْتَقْذَرُ مِنْ غُبَارٍ وَتُرَابٍ وَقَذًى وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ نَجَاسَةً فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهَا وَأَمَّا الْمِنْدِيلُ فَمَعْرُوفٌ وهو بكسر الميم قال بن فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ لَعَلَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّدْلِ وَهُوَ النَّقْلُ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّدْلِ وَهُوَ الْوَسَخُ لِأَنَّهُ يُنْدَلُ بِهِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ تَنَدَّلْتُ بِالْمِنْدِيلِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيُقَالُ أَيْضًا تَمَنْدَلْتُ قَالَ وَأَنْكَرَ الْكِسَائِيُّ تَمَنْدَلْتُ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ) هُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَفَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ

وَاسْمُهُ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ مَنْسُوبٌ إِلَى حَفَرَ مَوْضِعٌ بِالْكُوفَةِ قَوْلُهُ (عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ اسْمُ أَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةُ بن نافع) تقدم مرات [2034] قَوْلُهُ (وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ) هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّ اللَّامِ وَمَعْنَاهُ نَمْسَحُهَا وَنَتَتَبَّعُ مَا بَقِيَ فِيهَا مِنَ الطَّعَامِ وَمِنْهُ سَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ [2035] وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ (إِذَا أكل أحدكم طعاما فليلعق أصابعه فانه لايدرى فِي أَيَّتِهِنَّ الْبَرَكَةُ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ وَفِي بَعْضِهَا لَا يَدْرِي أَيَّتَهُمَا وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ أَمَّا رِوَايَةُ فِي أَيَّتِهِنَّ فَظَاهِرَةٌ وَأَمَّا رواية لايدرى أَيَّتَهُنَّ الْبَرَكَةَ فَمَعْنَاهُ أَيَّتُهُنَّ صَاحِبَةُ الْبَرَكَةِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ مَقَامَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب ما يفعل الضيف إذا تبعه غير من دعاه صاحب

(بَاب مَا يَفْعَلُ الضَّيْفُ إِذَا تَبِعَهُ غَيْرُ مَنْ دَعَاهُ صَاحِبُ الطَّعَامِ وَاسْتِحْبَابِ إِذْنِ صَاحِبِ الطعام للتابع) [2036] فيه (أن رجلا منالأنصار يُقَالُ لَهُ أَبُو شُعَيْبٍ صَنَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا ثُمَّ دَعَاهُ خَامِسَ خَمْسَةٍ وَاتَّبَعَهُمْ رَجُلٌ فَلَمَّا بَلَغَ الْبَابَ قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا اتَّبَعَنَا فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ وَإِنْ شئت رجع قال لابل آذن له يارسول اللَّهِ) [2037] وَفِيهِ (أَنَّ جَارًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارِسِيًّا كَانَ طَيِّبَ الْمَرَقِ فَصَنَعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا ثُمَّ جَاءَ يَدْعُوهُ فَقَالَ وَهَذِهِ لِعَائِشَةَ فَقَالَ لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لافعاد يَدْعُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذه لعائشة فقال لاقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا ثُمَّ عَادَ يَدْعُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ قَالَ نَعَمْ فِي الثَّالِثَةِ فَقَامَا يَتَدَافَعَانِ حَتَّى أَتَيَا مَنْزِلَهُ) أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَفِيهِ أَنَّ الْمَدْعُوَّ إِذَا تَبِعَهُ رجل بغير استدعاء ينبغى له أن لايأذن لَهُ وَيَنْهَاهُ وَإِذَا بَلَغَ بَابَ دَارِ صَاحِبِ الطَّعَامِ أَعْلَمَهُ بِهِ لِيَأْذَنَ لَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ وَأَنَّ صَاحِبَ الطَّعَامِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ إِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى حُضُورِهِ مَفْسَدَةٌ بِأَنْ يُؤْذِيَ الْحَاضِرِينَ أَوْ يُشِيعَ عَنْهُمْ مَا يَكْرَهُونَهُ أَوْ يَكُونَ جُلُوسُهُ مَعَهُمْ مُزْرِيًا بِهِمْ لِشُهْرَتِهِ بِالْفِسْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ خِيفَ مِنْ حُضُورِهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَلَطَّفَ فِي رَدِّهِ وَلَوْ أَعْطَاهُ شَيْئًا مِنَ الطَّعَامِ إِنْ كَانَ يَلِيقُ بِهِ لِيَكُونَ رَدًّا جَمِيلًا كَانَ حَسَنًا وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثانى

فِي قِصَّةِ الْفَارِسِيِّ وَهِيَ قَضِيَّةٌ أُخْرَى فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ يَمْنَعُ وُجُوبَ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَيَّرًا بَيْنَ إِجَابَتِهِ وَتَرْكِهَا فَاخْتَارَ أَحَدَ الجائزين وهو تركها الاأن يَأْذَنَ لِعَائِشَةَ مَعَهُ لِمَا كَانَ بِهَا مِنَ الْجُوعِ أَوْ نَحْوِهِ فَكَرِهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاخْتِصَاصَ بِالطَّعَامِ دُونَهَا وَهَذَا مِنْ جَمِيلِ الْمُعَاشَرَةِ وَحُقُوقِ الْمُصَاحَبَةِ وَآدَابِ الْمُجَالَسَةِ الْمُؤَكَّدَةِ فَلَمَّا أَذِنَ لَهَا اخْتَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَائِزَ الْآخَرَ لِتَجَدُّدِ الْمَصْلَحَةِ وَهُوَ حُصُولُ مَا كَانَ يُرِيدُهُ مِنْ إِكْرَامِ جَلِيسِهِ وَإِيفَاءِ حَقِّ مُعَاشَرَتِهِ وَمُوَاسَاتِهِ فِيمَا يَحْصُلُ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ بَيَانُ الْأَعْذَارِ فِي تَرْكِ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ الْإِجَابَةِ وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُوجِبْهَا فِي غَيْرِ وليمة العرس

(باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك

كهذه الصورة وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَامَا يَتَدَافَعَانِ) مَعْنَاهُ يَمْشِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي أَثَرِ صَاحِبِهِ قَالُوا وَلَعَلَّ الْفَارِسِيَّ إِنَّمَا لَمْ يَدْعُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَوَّلًا لِكَوْنِ الطَّعَامِ كَانَ قَلِيلًا فَأَرَادَ تَوْفِيرَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ أَكْلِ الْمَرَقِ وَالطَّيِّبَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ من الرزق وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ كَانَ لِأَبِي شُعَيْبٍ غُلَامٌ لَحَّامٌ أَيْ يَبِيعُ اللَّحْمَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْجِزَارَةِ وَحِلِّ كَسْبِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب جَوَازِ اسْتِتْبَاعِهِ غَيْرَهُ إِلَى دَارِ مَنْ يثق برضاه بذلك ويتحققه تَحَقُّقًا تَامًّا وَاسْتِحْبَابِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الطَّعَامِ) [2038] فِيهِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ مِنَ الْجُوعِ وَذَهَابِهِمْ إِلَى بَيْتِ الْأَنْصَارِيِّ وَإِدْخَالِ امرأته إباهم وَمَجِيءِ الْأَنْصَارِيِّ وَفَرَحِهِ بِهِمْ وَإِكْرَامِهِ لَهُمْ وَهَذَا الْأَنْصَارِيُّ هُوَ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ وَاسْمُ أَبِي الْهَيْثَمِ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثُ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْفَوَائِدِ مِنْهَا قَوْلُهُ (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا قَالَا الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَأَنَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا قُومُوا فَقَامُوا مَعَهُ فَأَتَى رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا فِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكِبَارُ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنَ التَّقَلُّلِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا ابْتُلُوا بِهِ مِنَ الْجُوعِ وَضِيقِ الْعَيْشِ فِي أَوْقَاتٍ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ فَتْحِ الْفُتُوحِ وَالْقُرَى عَلَيْهِمْ وَهَذَا زَعْمٌ بَاطِلٌ فَإِنَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ أسلم بعد فتح خيبر فان قيل لايلزم مِنْ كَوْنِهِ رَوَاهُ أَنْ يَكُونَ أَدْرَكَ الْقَضِيَّةَ فَلَعَلَّهُ سَمِعَهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ غَيْرِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا خِلَافُ الظاهر ولاضرورة إِلَيْهِ بَلِ الصَّوَابُ خِلَافُهُ وَأَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يَتَقَلَّبُ فِي الْيَسَارِ وَالْقِلَّةِ حَتَّى تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَارَةً يُوسَرُ وَتَارَةً يَنْفَدُ مَا عِنْدَهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ وَعَنْ عَائِشَةَ مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ طَعَامٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ تِبَاعًا حَتَّى قُبِضَ وَتُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عَلَى شَعِيرٍ اسْتَدَانَهُ لِأَهْلِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَقْتٍ يُوسَرُ ثُمَّ بَعْدَ قَلِيلٍ يَنْفَدُ مَا عِنْدَهُ لِإِخْرَاجِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ وَإِيثَارِ الْمُحْتَاجِينَ وَضِيَافَةِ الطَّارِقِينَ وَتَجْهِيزِ السَّرَايَا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَكَذَا كَانَ خُلُقُ صَاحِبَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَلْ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَكَانَ أَهْلُ الْيَسَارِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَعَ بِرِّهِمْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وإكرامهم إياه واتحافه بالطرف وغيرهما رُبَّمَا لَمْ يَعْرِفُوا حَاجَتَهُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لكونهم لايعرفون فَرَاغَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْقُوتِ بِإِيثَارِهِ بِهِ وَمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْهُمْ رُبَّمَا كَانَ ضَيِّقَ الْحَالِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا جَرَى لصاحبيه ولايعلم أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِمَ حَاجَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إِزَالَتِهَا إِلَّا بَادَرَ إِلَى إِزَالَتِهَا لَكِنْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْتُمُهَا عَنْهُمْ إِيثَارًا لِتَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ وَحَمْلًا عَنْهُمْ وَقَدْ بَادَرَ أَبُو طَلْحَةَ حِينَ قَالَ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ إِلَى إِزَالَةِ تِلْكَ الْحَاجَةِ وَكَذَا حَدِيثُ جَابِرٍ وَسَنَذْكُرُهُمَا بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَا حَدِيثُ أَبِي شُعَيْبٍ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي سَبَقَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ أَنَّهُ عَرَفَ فِي وَجْهِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُوعَ فَبَادَرَ بِصَنِيعِ الطَّعَامِ وَأَشْبَاهُ هَذَا كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ مَشْهُورَةٌ وَكَذَلِكَ كانوا يؤثرون بعضهم بعضا ولايعلم أحد منهم ضرورة صاحبه الاسعى فِي إِزَالَتِهَا وَقَدْ وَصَفَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بذلك فقال تعالى ويؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة وقال تعالى رحماء

بينهم وَأَمَّا قَوْلُهُمَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَخْرَجَنَا الْجُوعُ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَنَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا) فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمَا لِمَا كَانَا عَلَيْهِ مِنْ مُرَاقَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلُزُومِ طَاعَتِهِ وَالِاشْتِغَالِ بِهِ فَعَرَضَ لَهُمَا هَذَا الْجُوعُ الَّذِي يُزْعِجُهُمَا وَيُقْلِقُهُمَا وَيَمْنَعُهُمَا مِنْ كَمَالِ النَّشَاطِ لِلْعِبَادَةِ وَتَمَامِ التَّلَذُّذِ بِهَا سَعَيَا فِي إِزَالَتِهِ بِالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ سَبَبٍ مُبَاحٍ يَدْفَعَانِهِ بِهِ وَهَذَا مِنْ أَكْمَلِ الطَّاعَاتِ وَأَبْلَغِ أَنْوَاعِ الْمُرَاقَبَاتِ وَقَدْ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ مَعَ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ وَبِحَضْرَةِ طَعَامٍ تَتُوقُ النَّفْسُ إِلَيْهِ وَفِي ثَوْبٍ لَهُ أَعْلَامٌ وَبِحَضْرَةِ الْمُتَحَدِّثِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْغَلُ قَلْبَهُ وَنَهَى الْقَاضِي عَنِ الْقَضَاءِ فِي حَالِ غَضَبِهِ وَجُوعِهِ وَهَمِّهِ وَشِدَّةِ فَرَحِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْغَلُ قَلْبَهُ وَيَمْنَعُهُ كَمَالَ الْفِكْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ (بُيُوتُكُمَا) هُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا فِيهِ جَوَازُ ذِكْرِ الْإِنْسَانِ مَا يَنَالُهُ مِنْ أَلَمٍ وَنَحْوِهِ لاعلى سَبِيلِ التَّشَكِّي وَعَدَمِ الرِّضَا بَلْ لِلتَّسْلِيَةِ وَالتَّصَبُّرِ كفعله صلى الله عليه وسلم هنا ولا لتماس دُعَاءٍ أَوْ مُسَاعَدَةٍ عَلَى التَّسَبُّبِ فِي إِزَالَةِ ذَلِكَ الْعَارِضِ فَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِمَذْمُومٍ إِنَّمَا يُذَمُّ مَا كَانَ تَشَكِّيًا وَتَسَخُّطًا وَتَجَزُّعًا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَنَا) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَأَنَا بِالْفَاءِ وَفِي بَعْضِهَا بِالْوَاوِ وَفِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا بَسْطُ الْكَلَامِ فِيهِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُومُوا فَقَامُوا) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ بِضَمِيرِ الجمع وهو جائز بلاخلاف لَكِنَّ الْجُمْهُورَ يَقُولُونَ إِطْلَاقُهُ عَلَى الِاثْنَيْنِ مَجَازٌ وَآخَرُونَ يَقُولُونَ حَقِيقَةٌ وَقَوْلُهُ (فَأَتَى رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ) هُوَ أَبُو الْهَيْثَمِ مَالِكُ بْنُ التَّيْهَانِ بفتح المثناة فوق وتشديد المثناة تَحْتُ مَعَ كَسْرِهَا وَفِيهِ جَوَازُ الْإِدْلَالِ عَلَى الصَّاحِبِ الَّذِي يُوثَقُ بِهِ كَمَا تَرْجَمْنَا لَهُ وَاسْتِتْبَاعِ جَمَاعَةٍ إِلَى بَيْتِهِ وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ لِأَبِي الْهَيْثَمِ إِذْ جَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلًا لِذَلِكَ وَكَفَى بِهِ شَرَفًا ذَلِكَ وَقَوْلُهُ (فَقَالَتْ مَرْحَبًا وَأَهْلًا) كَلِمَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ لِلْعَرَبِ وَمَعْنَاهُ صَادَفْتَ رَحْبًا وَسَعَةً وَأَهْلًا تَأْنَسُ بِهِمْ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ إِكْرَامِ الضَّيْفِ بِهَذَا الْقَوْلِ وَشِبْهِهِ وَإِظْهَارِ السُّرُورِ بِقُدُومِهِ وَجَعْلِهِ أَهْلًا لِذَلِكَ كُلُّ هَذَا وَشِبْهُهُ إِكْرَامٌ لِلضَّيْفِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهَ وَفِيهِ جَوَازُ سَمَاعِ كَلَامِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَمُرَاجَعَتِهَا الْكَلَامَ لِلْحَاجَةِ وَجَوَازُ إِذْنِ الْمَرْأَةِ فِي دُخُولِ مَنْزِلِ زَوْجِهَا

لمن علمت علما محققا أنه لايكرهه بحيث لايخلو بِهَا الْخَلْوَةَ الْمُحَرَّمَةَ وَقَوْلُهَا (ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا الْمَاءَ) أَيْ يَأْتِينَا بِمَاءٍ عَذْبٍ وَهُوَ الطَّيِّبُ وفيه جوازاستعذابه وَتَطْيِيبِهِ قَوْلُهُ (الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ ضَيْفًا مِنِّي) فِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا اسْتِحْبَابُ حمدالله تَعَالَى عِنْدَ حُصُولِ نِعْمَةٍ ظَاهِرَةٍ وَكَذَا يُسْتَحَبُّ عِنْدَ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ كَانَتْ مُتَوَقَّعَةً وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْوَالِ وَقَدْ جَمَعْتُ فِي ذَلِكَ قِطْعَةً صَالِحَةً فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ إِظْهَارِ الْبِشْرِ وَالْفَرَحِ بِالضَّيْفِ فِي وَجْهِهِ وَحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ يَسْمَعُ عَلَى حُصُولِ هَذِهِ النِّعْمَةِ وَالثَّنَاءِ عَلَى ضَيْفِهِ إِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ فِتْنَةً فَإِنْ خَافَ لَمْ يُثْنِ عَلَيْهِ فِي وَجْهِهِ وَهَذَا طَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَمَنْعِهِ وَقَدْ جَمَعْتُهَا مَعَ بَسْطِ الْكَلَامِ فِيهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَفِيهِ دليل على كمال فَضِيلَةِ هَذَا الْأَنْصَارِيِّ وَبَلَاغَتِهِ وَعَظِيمِ مَعْرِفَتِهِ لِأَنَّهُ أَتَى بِكَلَامٍ مُخْتَصَرٍ بَدِيعٍ فِي الْحُسْنِ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ (فَانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ فَقَالَ كُلُوا مِنْ هَذِهِ) الْعِذْقُ هُنَا بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَهِيَ الْكِبَاسَةُ وَهِيَ الْغُصْنُ مِنَ النَّخْلِ وَإِنَّمَا أَتَى بِهَذَا الْعِذْقِ الْمُلَوَّنِ لِيَكُونَ أَطْرَفَ وَلْيَجْمَعُوا بَيْنَ أَكْلِ الْأَنْوَاعِ فَقَدْ يَطِيبُ لِبَعْضِهِمْ هَذَا وَلِبَعْضِهِمْ هَذَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ الْفَاكِهَةِ عَلَى الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِمَا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْمُبَادَرَةِ إِلَى الضَّيْفِ بِمَا تَيَسَّرَ وَإِكْرَامِهِ بَعْدَهُ بطعام يصنعه له لاسيما إِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ حَاجَتُهُ فِي الْحَالِ إِلَى الطَّعَامِ وَقَدْ يَكُونُ شَدِيدَ الْحَاجَةِ إِلَى التَّعْجِيلِ وَقَدْ يَشُقُّ عَلَيْهِ انْتِظَارُ مَا يُصْنَعُ لَهُ لِاسْتِعْجَالِهِ لِلِانْصِرَافِ وَقَدْ كَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ التَّكَلُّفَ لِلضَّيْفِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَشُقُّ عَلَى صَاحِبِ الْبَيْتِ مَشَقَّةً ظَاهِرَةً لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنَ الْإِخْلَاصِ وَكَمَالِ السُّرُورِ بِالضَّيْفِ وَرُبَّمَا ظَهَرَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَيَتَأَذَّى بِهِ الضَّيْفُ وَقَدْ يُحْضِرُ شَيْئًا يَعْرِفُ الضَّيْفُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يَتَكَلَّفُهُ له فيتأذى الضيف لِشَفَقَتِهِ عَلَيْهِ وَكُلُّ هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ لِأَنَّ أَكْمَلَ إِكْرَامِهِ إِرَاحَةُ خَاطِرِهِ وَإِظْهَارُ السُّرُورِ بِهِ وَأَمَّا فِعْلُ

الْأَنْصَارِيِّ وَذَبْحُهُ الشَّاةَ فَلَيْسَ مِمَّا يَشُقُّ عَلَيْهِ بَلْ لَوْ ذَبَحَ أَغْنَامًا بَلْ جِمَالًا وَأَنْفَقَ أَمْوَالًا فِي ضِيَافَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ مَسْرُورًا بِذَلِكَ مَغْبُوطًا فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ) الْمُدْيَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا هِيَ السِّكِّينُ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهَا مَرَّاتٍ وَالْحَلُوبُ ذَاتُ اللَّبَنِ فَعُولٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَرَكُوبٍ وَنَظَائِرِهِ قَوْلُهُ (فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الشِّبَعِ وَمَا جَاءَ فِي كَرَاهَةِ الشِّبَعِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُقَسِّي الْقَلْبَ وَيُنْسِي أَمْرَ الْمُحْتَاجِينَ وَأَمَّا السُّؤَالُ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمُرَادُ السُّؤَالُ عَنِ الْقِيَامِ بِحَقِّ شُكْرِهِ وَالَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّ السُّؤَالَ هُنَا سُؤَالُ تَعْدَادِ النِّعَمِ وإعلام بالامتنان بها وإظهار الكرامة باسباغها لاسؤال تَوْبِيخٍ وَتَقْرِيعٍ وَمُحَاسَبَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي إِسْنَادِ الطَّرِيقِ الثَّانِي (وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنْبَأَنَا أَبُو هِشَامٍ يَعْنِي الْمُغِيرَةَ بْنَ سَلَمَةَ أَنْبَأَنَا يَزِيدُ أَنْبَأَنَا أَبُو حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ) هَكَذَا وَقَعَ هَذَا الْإِسْنَادُ فِي النُّسَخِ بِبِلَادِنَا وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ وقع هكذا فى رواية بن مَاهَانَ وَفِي رِوَايَةِ الرَّازِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْجُلُودِيِّ وَأَنَّهُ وَقَعَ مِنْ رِوَايَةِ السَّنْجَرِيِّ عَنِ الْجُلُودِيِّ بِزِيَادَةِ رَجُلٍ بَيْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ سَلَمَةَ وَيَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ هُوَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قال أبو على الجيانى ولابد من إثبات عبد الواحد ولايتصل الحديث

إلا به قال وكذلك خرجه أبومسعود الدِّمَشْقِيُّ فِي الْأَطْرَافِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْجَيَّانِيُّ وَمَا وَقَعَ فِي رواية بن مَاهَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ إِسْقَاطِهِ خَطَأٌ بَيِّنٌ قُلْتُ وَنَقَلَهُ خَلَفٌ الْوَاسِطِيُّ فِي الْأَطْرَافِ بِإِسْقَاطِ عَبْدِ الْوَاحِدِ وَالظَّاهِرُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ حَالُ مُغِيرَةَ وَيَزِيدَ أنه لابد مِنْ إِثْبَاتِ عَبْدِ الْوَاحِدِ كَمَا قَالَهُ الْجَيَّانِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي وَهُوَ حَدِيثُ طَعَامِ جَابِرٍ فَفِيهِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْفَوَائِدِ وَجُمَلٌ مِنَ الْقَوَاعِدِ مِنْهَا الدَّلِيلُ الظَّاهِرُ وَالْعِلْمُ الْبَاهِرُ مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَحَادِيثُ آحَادٍ بِمِثْلِ هَذَا حَتَّى زَادَ مَجْمُوعُهَا عَلَى التَّوَاتُرِ وَحَصَلَ الْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ بِالْمَعْنَى الَّذِي اشْتَرَكَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآحَادُ وَهُوَ انْخِرَاقُ الْعَادَةِ بِمَا أَتَى بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَكْثِيرِ الطَّعَامِ الْقَلِيلِ الْكَثْرَةَ الظَّاهِرَةَ وَنَبْعِ الْمَاءِ وَتَكْثِيرِهِ وَتَسْبِيحِ الطَّعَامِ وَحَنِينِ الْجِذْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ وَقَدْ جَمَعَ ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ فِي كُتُبِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ كَالدَّلَائِلِ لِلْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ وَصَاحِبِهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الحليمىوأبى بَكْرٍ الْبَيْهَقِيِّ الْإِمَامِ الْحَافِظِ وَغَيْرِهِمْ بِمَا هُوَ مشهور وأحسنها كتاب البيهقى فلل هـ الحمد على ماأنعم بِهِ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْنَا بِإِكْرَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ [2039] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ) هُوَ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ قَوْلُهُ (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا) هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالْمِيمِ أَيْ رَأَيْتُهُ ضَامِرَ الْبَطْنِ مِنَ الْجُوعِ قَوْلُهُ (فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي) أَيِ انْقَلَبْتُ وَرَجَعْتُ وَوَقَعَ فِي نُسَخٍ فَانْكَفَيْتُ وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ فِي اللُّغَةِ بَلِ الصَّوَابُ انْكَفَأْتُ بِالْهَمْزِ

قَوْلُهُ (فَأَخْرَجَتْ لِي جِرَابًا) وَهُوَ وِعَاءٌ مِنْ جِلْدٍ مَعْرُوفٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا الْكَسْرُ أَشْهَرُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَوْلُهُ (وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ) هي بضم الياء تَصْغِيرُ بَهِيمَةٍ وَهِيَ الصَّغِيرَةُ مِنْ أَوْلَادِ الضَّأْنِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَتُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى كَالشَّاةِ وَالسَّخْلَةِ الصَّغِيرَةِ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا أَنَّ الدَّاجِنَ مَا أَلِفَ الْبُيُوتَ قَوْلُهُ (فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ) فِيهِ جَوَازُ الْمُسَارَرَةِ بِالْحَاجَةِ بِحَضْرَةِ الْجَمَاعَةِ وَإِنَّمَا نَهَى أَنْ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ جَابِرًا قَدْ صنع لكم سورا فحى هلابكم) أَمَّا السُّورُ فَبِضَمِّ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ غَيْرُ مَهْمُوزٍ وَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يُدْعَى إِلَيْهِ وَقِيلَ الطَّعَامُ مُطْلَقًا وَهِيَ لَفْظَةٌ فَارِسِيَّةٌ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَلْفَاظِ غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ فَيَدُلُّ على جوازه وأما حى هَلًا بِتَنْوِينِ هَلَا وَقِيلَ بِلَا تَنْوِينٍ عَلَى وَزْنِ عَلَا وَيُقَالُ حَيْ هَلْ فَمَعْنَاهُ عَلَيْكَ بكذا إو ادع بكذا قاله أبوعبيد وَغَيْرُهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَعْجِلْ بِهِ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ مَعْنَاهُ هَاتِ وَعَجِّلْ بِهِ قَوْلُهُ (وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْدُمُ النَّاسَ) إِنَّمَا فَعَلَ هَذَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم دعاهم فجاؤا تَبَعًا لَهُ كَصَاحِبِ الطَّعَامِ إِذَا دَعَا طَائِفَةً يَمْشِي قُدَّامَهُمْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَالِ لَا يَتَقَدَّمُهُمْ وَلَا يُمَكِّنُهُمْ مِنْ وَطْءِ

عَقِبَيْهِ وَفَعَلَهُ هُنَا لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ قَوْلُهُ (حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي فَقَالَتْ بِكَ وَبِكَ) أَيْ ذَمَّتْهُ وَدَعَتْ عَلَيْهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ بِكَ تَلْحَقُ الْفَضِيحَةُ وَبِكَ يَتَعَلَّقُ الذَّمُّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ جَرَى هَذَا بِرَأْيِكَ وَسُوءِ نَظَرِكَ وَتَسَبُّبِكَ قَوْلُهُ (قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ لِي) مَعْنَاهُ أَنَّى أَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا عِنْدَنَا فَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمَصْلَحَةِ قَوْلُهُ (ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ فِيهَا وَبَارَكَ ثُمَّ قَالَ ادْعِي خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعَكِ) هَذِهِ اللَّفْظَةُ وَهِيَ ادْعِي وَقَعَتْ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ هَكَذَا ادْعِي بِعَيْنٍ ثُمَّ يَاءٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ خِطَابٌ لِلْمَرْأَةِ ولهذا قال فلتخبز معك وفى بعضها اذعونى بِوَاوٍ وَنُونٍ وَفِي بَعْضِهَا ادْعُنِي وَهُمَا أَيْضًا صَحِيحَانِ وَتَقْدِيرُهُ اطْلُبُوا وَاطْلُبْ لِي خَابِزَةً وَقَوْلُهُ عمد بفتح الميم وقوله بَصَقَ هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ وَفِي بَعْضِهَا بَسَقَ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْمَشْهُورُ بَصَقَ وَبَزَقَ وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ بَسَقَ لَكِنَّهَا قَلِيلَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ) أَيِ اغْرِفِي وَالْقَدَحُ الْمِغْرَفَةُ يُقَالُ قَدَحْتُ الْمَرَقَ أَقْدَحُهُ بِفَتْحِ الدَّالِ غَرَفْتُهُ قَوْلُهُ (وَهُمْ أَلْفٌ فَأَقْسَمَ بِاللَّهِ لَأَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ وَإِنَّ عَجِينَتَنَا لَتُخْبَزُ كَمَا هُوَ) قَوْلُهُ تَرْكُوهُ وَانْحَرَفُوا أَيْ شَبِعُوا وَانْصَرَفُوا وَقَوْلُهُ تَغِطُّ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ أَيْ تَغْلِي وَيُسْمَعُ غَلَيَانُهَا وَقَوْلُهُ كَمَا هُوَ يَعُودُ إِلَى الْعَجِينِ وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَمَيْنِ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ أَحَدَهُمَا تَكْثِيرُ الطَّعَامِ الْقَلِيلِ وَالثَّانِي عِلْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ هَذَا الطَّعَامَ الْقَلِيلَ الَّذِي يَكْفِي فِي الْعَادَةِ خَمْسَةَ أَنْفُسٍ أَوْ نَحْوَهُمْ سَيَكْثُرُ فَيَكْفِي أَلْفًا وَزِيَادَةً فَدَعَا لَهُ أَلْفًا قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ صَاعُ شَعِيرٍ وَبُهَيْمَةٌ والله أعلم وأما الحديث الثالث وهو حَدِيثُ أَنَسٍ فِي طَعَامِ أَبِي طَلْحَةَ فَفِيهِ أَيْضًا هَذَانِ الْعَلَمَانِ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةَ وَهُمَا تَكْثِيرُ الْقَلِيلِ وَعِلْمُهُ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ هَذَا الْقَلِيلَ سَيُكَثِّرُهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيَكْفِي هَؤُلَاءِ الْخَلْقَ الْكَثِيرَ فَدَعَاهُمْ لَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَى هُنَا حَدِيثَيْنِ الْأَوَّلَ مِنْ طَرِيقٍ وَالثَّانِي مِنْ طَرِيقٍ وَهُمَا قَضِيَّتَانِ جَرَتْ فِيهِمَا هَاتَانِ الْمُعْجِزَتَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْمُعْجِزَاتِ فَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ وَأُمَّ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَرْسَلَا أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَقْرَاصِ شَعِيرٍ قَالَ أَنَسٌ فَذَهَبْتُ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ أَلِطَعَامٍ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ مَعَهُ قُومُوا فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ فَقَالَتْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلُمِّي مَا عِنْدَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ فَأَمَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفُتَّ وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ عُكَّةً لَهَا فَأَدَمَتْهُ ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلًا أَوْ ثَمَانُونَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2040] (أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ فَقُلْتُ نَعَمْ) وَقَوْلُهُ (أَلِطَعَامٍ فَقُلْتُ نَعَمْ) هَذَانِ عَلَمَانِ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَذَهَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ عَلَمٌ ثَالِثٌ كَمَا سَبَقَ وَتَكْثِيرُ الطَّعَامِ عَلَمٌ رَابِعٌ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثِ جَابِرٍ مِنِ ابْتِلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ وَالِاخْتِبَارُ بِالْجُوعِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَشَاقِّ لِيَصْبِرُوا فَيَعْظُمَ أَجْرُهُمْ وَمَنَازِلُهُمْ وَفِيهِ ما كانوا عليه من كتمان مابهم وَفِيهِ مَا كَانَتِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الِاعْتِنَاءِ بِأَحْوَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ بَعْثِ الْهَدِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَرْتَبَةِ الْمَبْعُوثِ إِلَيْهِ لِأَنَّهَا وَإِنْ قَلَّتْ فَهِيَ خَيْرٌ مِنَ الْعَدَمِ وَفِيهِ جُلُوسُ الْعَالِمِ لِأَصْحَابِهِ يُفِيدُهُمْ وَيُؤَدِّبُهُمْ وَاسْتِحْبَابُ ذَلِكَ فِي الْمَسَاجِدِ وَفِيهِ انْطِلَاقُ صَاحِبِ الطَّعَامِ بَيْنَ يَدَيِ الضِّيفَانِ وَخُرُوجُهُ لِيَتَلَقَّاهُمْ وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ لِأُمِّ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَدَلَالَةٌ عَلَى عَظِيمِ فِقْهِهَا وَرُجْحَانِ عَقْلِهَا لِقَوْلِهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ عَرَفَ الطَّعَامَ فَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمَصْلَحَةِ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْهَا فِي مجئ الجمع العظيم لم يفعلها فلاتحزن مِنْ ذَلِكَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ فَتِّ الطَّعَامِ وَاخْتِيَارُ الثَّرِيدِ عَلَى الْغَمْسِ بِاللُّقَمِ وَقَوْلُهُ (عَصَرَتْ عَلَيْهِ عُكَّةً) هِيَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ وَهِيَ وِعَاءٌ صَغِيرٌ مِنْ جِلْدٍ لِلسَّمْنِ خَاصَّةً وَقَوْلُهُ (فَآدَمَتْهُ) هُوَ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ لُغَتَانِ آدَمَتْهُ وَأَدَمَتْهُ أَيْ جَعَلَتْ فِيهِ إِدَامًا وَإِنَّمَا أَذِنَ لِعَشَرَةٍ عَشَرَةٍ لِيَكُونَ أَرْفَقَ بِهِمْ فَإِنَّ الْقَصْعَةَ الَّتِي فت فيها تلك الأقراص

لايتحلق عليها أكثر من عشرة الابضرر يَلْحَقُهُمْ لِبُعْدِهَا عَنْهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ فَفِيهِ أَنَّ أَنَسًا قَالَ بَعَثَنِي أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَدْعُوَهُ وَقَدْ جَعَلَ طَعَامًا فَأَقْبَلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّاسِ فَنَظَرَ إِلَيَّ فَاسْتَحْيَيْتُ فَقُلْتُ أَجِبْ أَبَا طَلْحَةَ فَقَالَ لِلنَّاسِ قُومُوا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَضِيَّةٌ أخرى بلاشك

وَفِيهَا مَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَزِيَادَةُ هَذَا الْعَلَمِ الْآخَرِ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَهُوَ اخراج ذلك الشئ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ الْكَرِيمَاتِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قوله (وتركوا سؤرا) هو بالهمزأى بَقِيَّةً قَوْلُهُ (فَقَامَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى الْبَابِ حَتَّى أَتَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ له يارسول الله إنما كان شئ يَسِيرٌ قَالَ هَلُمَّهْ فَإِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ فِيهِ الْبَرَكَةَ) أَمَّا قِيَامُ أَبِي طَلْحَةَ فَلِانْتِظَارِ إِقْبَالِ النبى صلى الله عليه وسلم فلماأقبل تلقاه وقوله إنما كان شئ يَسِيرٌ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَهُوَ صَحِيحٌ وكان هنا تامة لاتحتاج خَبَرًا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ فِيهِ الْبَرَكَةَ) فِيهِ عَلَمٌ ظَاهِرٌ من

أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَقَوْلُهُ (ثُمَّ أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلَ أَهْلُ الْبَيْتِ) فِيهِ أَنْ يُسْتَحَبَّ لِصَاحِبِ الطَّعَامِ وَأَهْلِهِ أَنْ يَكُونَ أَكْلُهُمْ بَعْدَ فَرَاغِ الضِّيفَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (يَتَقَلَّبُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقَدْ عَصَبَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا وَأَحَدُهُمَا يُبَيِّنُ الْآخَرَ وَيُقَالُ عَصَّبَ وَعَصَبَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ قَوْلُهُ (فَذَهَبْتُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ وَهُوَ زوج

(باب جواز أكل المرق واستحباب أكل اليقطين وإيثار

أُمِّ سُلَيْمٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَقُلْتُ يَا أَبَتَاهُ) فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْمَجَازِ لِقَوْلِهِ يَا أَبَتَاهُ وَإِنَّمَا هُوَ زَوْجُ أُمِّهِ وَقَوْلُهُ بِنْتُ مِلْحَانَ هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب جَوَازِ أَكْلِ الْمَرَقِ وَاسْتِحْبَابِ أَكْلِ الْيَقْطِينِ وَإِيثَارِ أَهْلِ الْمَائِدَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَإِنْ كَانُوا ضِيفَانًا إِذَا لَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ صَاحِبُ الطَّعَامِ) [2041] فِيهِ حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَّبَ إِلَيْهِ خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ قَالَ أَنَسٌ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ

مِنْ حَوَالَيِ الصَّحْفَةِ فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمئِذٍ) وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا رأيت ذلك جعلت ألقيه إليه ولاأطعمه وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ أَنَسٌ فَمَا صُنِعَ لِي طعام بعد أقدر على أن بصنع فيه دباء الاصنع فِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَإِبَاحَةُ كَسْبِ الْخَيَّاطِ وَإِبَاحَةُ الْمَرَقِ وَفَضِيلَةُ أَكْلِ الدُّبَّاءِ وَأَنَّهُ يستحب أن يحب الدباء وكذلك كل شئ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّهُ وَأَنَّهُ يَحْرِصُ عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الْمَائِدَةِ إِيثَارُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا إِذَا لَمْ يَكْرَهْهُ صَاحِبُ الطَّعَامِ وَأَمَّا تَتَبُّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيِ الصَّحْفَةِ فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ حوالى جانبه وناحيته من الصحفة لامن حوالى جميع جوانبها فقد أمر بالأكل ممايلى الْإِنْسَانَ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهَا وَإِنَّمَا نَهَى ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَقَذَّرَهُ جَلِيسُهُ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لايتقذره أَحَدٌ بَلْ يَتَبَرَّكُونَ بِآثَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ كَانُوا يَتَبَرَّكُونَ بِبُصَاقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُخَامَتِهِ وَيُدَلِّكُونَ بِذَلِكَ وُجُوهَهُمْ وَشَرِبَ بَعْضُهُمْ بَوْلَهُ وَبَعْضُهُمْ دَمَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هو معروف من عَظِيمِ اعْتِنَائِهِمْ بِآثَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي يُخَالِفُهُ فِيهَا غَيْرُهُ وَالدُّبَّاءُ

باب استحباب وضع النوى خارج التمر واستحباب دعاء

هُوَ الْيَقْطِينُ وَهُوَ بِالْمَدِّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وحكى القاضي عياض فيه القصر أيضاالواحدة دباءة أو دباة والله أعلم (باب استحباب وضع النوى خارج التمر واستحباب دعاء الضيف لأهل الطعام وطلب الدعاء من الضيف الصالح واجابته إلى ذلك) [2042] فِيهِ (يَزِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَزَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبى فقربنا له طعاما ورطبة فَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ أُتِيَ بِتَمْرٍ فَكَانَ يَأْكُلُهُ وَيُلْقِي النَّوَى بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ وَيَجْمَعُ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى قَالَ شُعْبَةُ هُوَ ظَنِّيٌّ وَهُوَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِلْقَاءُ النَّوَى بَيْنَ الْإِصْبَعَيْنِ ثُمَّ أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ فَقَالَ أَبِي وَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابَّتِهِ ادْعُ اللَّهَ لَنَا فَقَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِيمَا رزقتهم واغفرلهم وَارْحَمْهُمْ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ذَكَرَهُ وَقَالَ لَمْ يَشُكَّ فِي إِلْقَاءِ النَّوَى بَيْنَ الْإِصْبَعَيْنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ بِضَمِّ الْبَاءِ وَيَزِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَقَوْلُهُ وَوَطْبَةً هَكَذَا رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ وَطْبَةً بِالْوَاوِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ شُعْبَةَ وَالنَّضْرُ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَفَسَّرَهُ النَّضْرُ فَقَالَ الْوَطْبَةُ الْحَيْسُ يَجْمَعُ التَّمْرَ الْبَرْنِيَّ وَالْأَقِطَ الْمَدْقُوقَ وَالسَّمْنَ وَكَذَا ضَبَطَهُ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ وَآخَرُونَ وَهَكَذَا هُوَ عِنْدَنَا فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا رُطَبَةٌ

بِرَاءٍ مَضْمُومَةٍ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ وَقَالَ هَكَذَا جَاءَ فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ نُسَخِ مُسْلِمٌ رُطَبَةٌ بِالرَّاءِ قَالَ وَهُوَ تَصْحِيفٌ مِنَ الرَّاوِي وَإِنَّمَا هُوَ بِالْوَاوِ وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ عَلَى نُسَخِ مُسْلِمٍ هُوَ فِيمَا رَآهُ هُوَ وَإِلَّا فَأَكْثَرُهَا بِالْوَاوِ وَكَذَا نَقَلَهُ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَرْقَانِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ عَنْ نُسَخِ مُسْلِمٍ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ فِي مُسْلِمٍ وَطِئَةٌ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الطَّاءِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَادَّعَى أَنَّهُ الصَّوَابُ وَهَكَذَا ادَّعَاهُ آخَرُونَ وَالْوَطِئَةُ بِالْهَمْزِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ طَعَامٌ يُتَّخَذُ مِنَ التَّمْرِ كالحيس هذا ما ذكروه ولامنافاة بَيْنَ هَذَا كُلِّهِ فَيُقْبَلُ مَا صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي اللُّغَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وقوله ويلقى النوى بين أصبعيه أى يجعله بَيْنَهُمَا لِقِلَّتِهِ وَلَمْ يُلْقِهِ فِي إِنَاءِ التَّمْرِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ بِالتَّمْرِ وَقِيلَ كَانَ يَجْمَعُهُ عَلَى ظَهْرِ الْأُصْبُعَيْنِ ثُمَّ يَرْمِي بِهِ وَقَوْلُهُ قَالَ شُعْبَةُ هُوَ ظَنِّيٌّ وَهُوَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِلْقَاءُ النَّوَى مَعْنَاهُ أَنَّ شُعْبَةَ قَالَ الَّذِي أَظُنُّهُ أَنَّ إِلْقَاءَ النَّوَى مَذْكُورٌ فِي الْحَدِيثِ فَأَشَارَ إِلَى تَرَدُّدٍ فِيهِ وَشَكٍّ وَفِي الطَّرِيقِ الثَّانِي جَزَمَ بِإِثْبَاتِهِ وَلَمْ يَشُكَّ فَهُوَ ثابت بهذه الرواية وأما رواية الشك فلاتضر سَوَاءٌ تَقَدَّمَتْ عَلَى هَذِهِ أَوْ تَأَخَّرَتْ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ فِي وَقْتٍ وَشَكَّ فِي وَقْتٍ فَالْيَقِينُ ثابت ولايمنعه النِّسْيَانُ فِي وَقْتٍ آخَرٍ وَقَوْلُهُ فَشَرِبَهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ فِيهِ أَنَّ الشَّرَابَ ونحوه يدارعلى الْيَمِينِ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي بَابِهِ قَرِيبًا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ طَلَبِ الدُّعَاءِ مِنَ الْفَاضِلِ وَدُعَاءِ الضَّيْفِ بِتَوْسِعَةِ الرِّزْقِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَقَدْ جَمَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الدُّعَاءِ خَيْرَاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب أكل القثاء بالرطب)

(بَاب أَكْلِ الْقِثَّاءِ بِالرُّطَبِ) [2043] فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ) وَالْقِثَّاءُ بِكَسْرِ الْقَافِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَفِيهِ لُغَةٌ بِضَمِّهَا وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ زيادة قال يكسر حرهذا بَرْدُ هَذَا فِيهِ جَوَازُ أَكْلِهِمَا مَعًا وَأَكْلِ الطعامين معا والتوسع فى الأطعمة ولاخلاف بين العلماء فى جواز هذا ومانقل عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِنْ خِلَافِ هَذَا فَمَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ اعْتِيَادِ التَّوَسُّعِ وَالتَّرَفُّهِ وَالْإِكْثَارِ مِنْهُ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب اسْتِحْبَابِ تَوَاضُعِ الْآكِلِ وَصِفَةِ قُعُودِهِ) [2044] فِيهِ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْعِيًا يَأْكُلُ تَمْرًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أُتِيَ بِتَمْرٍ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم يقسمه وهو محتفر يَأْكُلُ مِنْهُ أَكْلًا ذَرِيعًا وَفِي رِوَايَةٍ أَكْلًا حَثِيثًا قَوْلُهُ (مُقْعِيًا) أَيْ جَالِسًا عَلَى أَلْيَتَيْهِ نَاصِبًا سَاقَيْهِ وَمُحْتَفِزٌ هُوَ بِالزَّايِ أَيْ مُسْتَعْجِلٌ مُسْتَوْفِزٌ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ فِي جُلُوسِهِ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ مُقْعِيًا وَهُوَ أَيْضًا مَعْنَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي صحيح البخارى وغيره لاآكل مُتَّكِئًا عَلَى مَا فَسَّرَهُ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ فَإِنَّهُ قال المتكئ هنا المتمكن فِي جُلُوسِهِ مِنَ التَّرَبُّعِ وَشِبْهِهِ الْمُعْتَمِدُ عَلَى الْوِطَاءِ تَحْتَهُ قَالَ وَكُلُّ مَنِ اسْتَوَى قَاعِدًا على وطاء فهو متكئ ومعناه لاآكل أَكْلَ مَنْ يُرِيدُ الِاسْتِكْثَارَ مِنَ الطَّعَامِ وَيَقْعُدُ لَهُ مُتَمَكِّنًا بَلْ أَقْعُدُ مُسْتَوْفِزًا وَآكُلُ قَلِيلًا وقوله أكلاذريعا وَحَثِيثًا هُمَا بِمَعْنًى أَيْ مُسْتَعْجِلًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِاسْتِيفَازِهِ لِشُغْلٍ آخَرَ فَأَسْرَعَ فِي الْأَكْلِ وَكَانَ اسْتِعْجَالُهُ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ وَيَرُدَّ الْجَوْعَةَ ثُمَّ يَذْهَبَ فِي ذَلِكَ الشُّغْلِ وَقَوْلُهُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(باب نهي الآكل مع جماعة عن قران تمرتين ونحوهما فى

يَقْسِمُهُ أَيْ يُفَرِّقُهُ عَلَى مَنْ يَرَاهُ أَهْلًا لِذَلِكَ وَهَذَا التَّمْرُ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبَرَّعَ بِتَفْرِيقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِهَذَا كَانَ يَأْكُلُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب نَهْيِ الْآكِلِ مَعَ جَمَاعَةٍ عَنْ قران تمرتين ونحوهما فى لقمة إلاباذن أَصْحَابِهِ) [2045] فِيهِ شُعْبَةُ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ قال كان بن الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْزُقُنَا التَّمْرَ وَكَانَ أَصَابَ النَّاسَ يَوْمئِذٍ جَهْدٌ فَكُنَّا نَأْكُلُ فَيَمُرُّ علينا بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَنَحْنُ نَأْكُلُ فَيَقُولُ لاتقارنوا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْإِقْرَانِ إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أخاه قال شعبة لاأرى هذه الكلمة إلامن كلمة بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَعْنِي الِاسْتِئْذَانَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَبَلَةَ عَنِ بن عُمَرَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْرِنَ الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ هَذَا النَّهْيُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَهُمْ فَإِذَا أَذِنُوا فَلَا بَأْسَ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ هَذَا النَّهْيَ عَلَى التَّحْرِيمِ أَوْ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَالْأَدَبِ فَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ وَعَنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ لِلْكَرَاهَةِ وَالْأَدَبِ وَالصَّوَابُ التَّفْصِيلُ فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مُشْتَرَكًا بينهم فالقران حرام إلابرضاهم

وَيَحْصُلُ الرِّضَا بِتَصْرِيحِهِمْ بِهِ أَوْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ مِنْ قَرِينَةِ حَالٍ أَوْ إِدْلَالٍ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ بِحَيْثُ يَعْلَمُ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا قَوِيًّا أَنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِهِ وَمَتَى شَكَّ فِي رِضَاهُمْ فَهُوَ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ لِغَيْرِهِمْ أولأحدهم اشْتَرَطَ رِضَاهُ وَحْدَهُ فَإِنْ قَرَنَ بِغَيْرِ رِضَاهُ فحرام ويستحب أن يستأذن الآكلين معه ولايجب وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ لِنَفْسِهِ وَقَدْ ضَيَّفَهُمْ بِهِ فلايحرم عَلَيْهِ الْقِرَانُ ثُمَّ إِنْ كَانَ فِي الطَّعَامِ قِلَّةٌ فَحَسَنٌ أَلَّا يَقْرِنَ لِتَسَاوِيهِمْ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يَفْضُلُ عَنْهُمْ فَلَا بَأْسَ بِقِرَانِهِ لَكِنِ الْأَدَبُ مُطْلَقًا التَّأَدُّبُ فِي الْأَكْلِ وَتَرْكِ الشره الاأن يَكُونَ مُسْتَعْجِلًا وَيُرِيدُ الْإِسْرَاعَ لِشُغْلٍ آخَرَ كَمَا سَبَقَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي زَمَنِهِمْ وَحِينَ كَانَ الطَّعَامُ ضيقا فأما اليوم مع اتساع الحال فلاحاجة إِلَى الْإِذْنِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلِ الصَّوَابُ ماذكرنا من التفصيل فإن الاعتبار بعموم اللفظ لابخصوص السَّبَبِ لَوْ ثَبَتَ السَّبَبُ كَيْفَ وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ أَصَابَ النَّاسَ جَهْدٌ يَعْنِي قِلَّةً وَحَاجَةً وَمَشَقَّةً وَقَوْلُهُ يَقْرِنُ أَيْ يَجْمَعُ وَهُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ وَقَوْلُهُ نَهَى عَنِ الْإِقْرَانِ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَالْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ الْقِرَانُ يُقَالُ قَرَنَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ قَالُوا وَلَا يُقَالُ أَقْرَنَ وَقَوْلُهُ قَالَ شعبة لاأرى هذه الكلمة إلا من كلمة بن عمر يعني بالكلمة الكلام وهذا شَائِعٌ مَعْرُوفٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شُعْبَةُ لَا يُؤَثِّرُ فِي رَفْعِ الِاسْتِئْذَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ نَفَاهُ بِظَنٍّ وَحُسْبَانٍ وَقَدْ أَثْبَتَهُ سُفْيَانُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فثبت

(باب في ادخار التمر ونحوه من الأقوات للعيال)

(بَابٌ فِي ادِّخَارِ التَّمْرِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأَقْوَاتِ لِلْعِيَالِ) [2046] فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ (لايجوع أَهْلُ بَيْتٍ عِنْدَهُمُ التَّمْرُ) وَفِي الرِّوَايةِ الْأُخْرَى بيت لاتمر فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ فِيهِ فَضِيلَةُ التَّمْرِ وَجَوَازُ الادخال لِلْعِيَالِ وَالْحَثُ عَلَيْهِ وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَحْلَاءَ عَنْ أَبِي الرَّجَالِ مُحَمُّدِ بْنِ عَبْدِ الرحمن عن أمهم عائشة أما طجلاء فبتح الطَّاءِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبِالْمَدِّ وَأَمَّا أَبُو الرِّجَالِ فَلَقَبٌ لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ عَشَرَةُ أَوْلَادٍ رِجَالٍ وَأُمُّهُ عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وهذا الاسناد كله مدنيون

باب فضل تمر المدينة

(باب فضل تمر المدينة) [2047] فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَكَلَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِمَّا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حِينَ يُصْبِحُ لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ حَتَّى يُمْسِيَ) [2048] وَفِي الرِّوايَةِ الْأُخْرَى مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لم يضر ذلك اليوم سم ولاسحر وَفِي الرِّوايَةِ الْأُخْرَى إِنَّ فِي عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ شِفَاءً أَوْ إِنَّهَا تِرْيَاقٌ أَوَّلَ الْبُكْرَةِ اللَّابَتَانِ هُمَا الْحَرَّتَانِ وَالْمُرَادُ لَابَتَا الْمَدِينَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا مَرَّاتٍ وَالسُّمٌّ مَعْرُوفٌ وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَالتِّرْيَاقُ بِكَسْرِ التَّاءِ وَضَمِّهَا لغتان ويقال

(باب فضل الكمأة ومداواة العين بها)

درياق وطرياق أيضا كله فَصِيحٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوَّلَ الْبُكْرَةِ) بِنَصْبِ أَوَّلَ عَلَى الظَّرْفِ وَهُوَ بِمَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَنْ تَصَبَّحَ وَالْعَالِيَةُ مَا كَانَ مِنَ الْحَوَائِطِ وَالْقُرَى وَالْعِمَارَاتِ مِنْ جِهَةِ الْمَدِينَةِ العليا مما يلى نجد أَوِ السَّافِلَةِ مِنَ الْجِهَةِ الْأُخْرَى مِمَّا يَلِي تِهَامَةَ قَالَ الْقَاضِي وَأَدْنَى الْعَالِيَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَأَبْعَدُهَا ثَمَانِيَةٌ مِنَ الْمَدِينَةِ وَالْعَجْوَةُ نَوْعٌ جَيِّدٌ مِنَ التَّمْرِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَضِيلَةُ تَمْرِ الْمَدِينَةِ وَعَجْوَتِهَا وَفَضِيلَةُ التَّصَبُّحِ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ مِنْهُ وَتَخْصِيصُ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَعَدَدُ السَّبْعِ من الأمور التى علمها الشارع ولانعلم نَحْنُ حِكْمَتَهَا فَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِهَا وَاعْتِقَادُ فَضْلِهَا وَالْحِكْمَةُ فِيهَا وَهَذَا كَأَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ وَنُصُبِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وأما ماذكره الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ فيه فكلام باطل فلا تلتفت إليه ولاتعرج عَلَيْهِ وَقَصَدْتُ بِهَذَا التَّنْبِيهِ التَّحْذِيرَ مِنَ الِاغْتِرَارِ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب فَضْلِ الْكَمْأَةِ وَمُدَاوَاةِ الْعَيْنِ بِهَا) [2049] فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ) وَفِي رِوَايَةٍ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ تعالى

عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَمَّا الْكَمْأَةُ فَبِفَتْحِ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَفِي الْإِسْنَادِ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ هُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَالْحَسَنُ الْعُرَنِيُّ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبَعْدَهَا نُونٌ مَنْسُوبٌ إِلَى عُرَيْنَةَ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَكَثِيرُونَ شَبَّهَهَا بِالْمَنِّ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ يَحْصُلُ لَهُمْ بِلَا كُلْفَةٍ وَلَا عِلَاجٍ وَالْكَمْأَةُ تَحْصُلُ بِلَا كُلْفَةٍ وَلَا عِلَاجٍ وَلَا زَرْعِ بِزْرٍ وَلَا سقى ولاغيره وَقِيلَ هِيَ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ تعالى على بنى اسرائيل حقيقة عملابظاهر اللَّفْظِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَاؤُهَا شفاء للعين) قبل هُوَ نَفْسُ الْمَاءِ مُجَرَّدًا وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنْ يُخْلَطَ مَاؤُهَا بِدَوَاءٍ وَيُعَالَجَ بِهِ الْعَيْنُ وَقِيلَ إِنْ كَانَ لِبُرُودَةِ مَا فِي الْعَيْنِ مِنْ حَرَارَةٍ فَمَاؤُهَا مُجَرَّدًا شِفَاءٌ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذلك فمركب

باب فضيلة الأسود من الكباث

مَعَ غَيْرِهِ وَالصَّحِيحُ بَلِ الصَّوَابُ أَنَّ مَاءَهَا مُجَرَّدًا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ مُطْلَقًا فَيُعْصَرُ مَاؤُهَا وَيُجْعَلُ فِي الْعَيْنِ مِنْهُ وَقَدْ رَأَيْتُ أَنَا وَغَيْرِي فِي زَمَنِنَا مَنْ كَانَ عَمِيَ وَذَهَبَ بَصَرُهُ حَقِيقَةً فَكَحَّلَ عَيْنَهُ بِمَاءِ الْكَمْأَةِ مُجَرَّدًا فَشُفِيَ وَعَادَ إِلَيْهِ بَصَرُهُ وَهُوَ الشَّيْخُ الْعَدْلُ الْأَيْمَنُ الْكَمَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ صَاحِبُ صَلَاحٍ وَرِوَايَةٍ لِلْحَدِيثِ وَكَانَ اسْتِعْمَالُهُ لِمَاءِ الْكَمْأَةِ اعْتِقَادًا فى الحديث وتبركابه والله أعلم (باب فضيلة الأسود من الكباث) [2050] فِيهِ جَابِرٌ (قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ وَنَحْنُ نَجْنِي الْكَبَاثَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ مِنْهُ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كأنك رعيت الغنم قالنعم وهل من نبى الاوقد رَعَاهَا أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ) الْكَبَاثُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَبَعْدَهَا مُخَفَّفَةٌ مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ أَلِفٌ ثُمَّ مُثَلَّثَةٌ قَالَ

أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ النَّضِيجُ مِنْ ثَمَرِ الْأَرَاكِ وَمَرُّ الظَّهْرَانِ عَلَى دُونِ مَرْحَلَةٍ مِنْ مَكَّةَ مَعْرُوفٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَهُوَ بِفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ رِعَايَةِ الْغَنَمِ قَالُوا وَالْحِكْمَةُ فِي رِعَايَةِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ لَهَا لِيَأْخُذُوا أَنْفُسَهُمْ بِالتَّوَاضُعِ وَتَصْفَى قُلُوبُهُمْ بِالْخَلْوَةِ وَيَتَرَقَّوْا مِنْ سِيَاسَتِهَا بِالنَّصِيحَةِ إِلَى سِيَاسَةِ أُمَمِهِمْ بِالْهِدَايَةِ وَالشَّفَقَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بَاب فَضِيلَةِ الْخَلِّ وَالتَّأَدُّمِ بِهِ [2051] فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نِعْمَ الْإِدَامُ أَوِ الْأُدُمُ الْخَلُّ) وفى رواية نعم الأدم بلاشك [2052] وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ أَهْلَهُ الْأُدُمَ فقالوا ما عندنا إلاخل فَدَعَا بِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ بِهِ وَيَقُولُ نِعْمَ الْأُدُمُ الْخَلُّ وَذَكَرَهُ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى بِزِيَادَةٍ فِي الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ الْخَلِّ وَأَنَّهُ يُسَمَّى أُدُمًا وَأَنَّهُ أُدُمٌ فَاضِلٌ جَيِّدٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الادام

بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَا يُؤْتَدَمُ بِهِ يُقَالُ أَدَمَ الْخُبْزَ يَأْدِمُهُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَجَمْعُ الْإِدَامِ أُدُمٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالدَّالِ كَإِهَابٍ وَأُهُبٍ وَكِتَابٍ وَكُتُبٍ وَالْأَدْمُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ مُفْرَدٌ كَالْإِدَامِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْحَدِيثِ عَلَى الْأَكْلِ تَأْنِيسًا لِلْآكِلِينَ وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ مَعْنَاهُ مَدْحُ الاقتصار فى المأكل ومنع النفس عن مَلَاذِّ الْأَطْعِمَةِ تَقْدِيرُهُ ائْتَدِمُوا بِالْخَلِّ وَمَا فِي معناه مما تخف مؤنته ولايعز وجوده ولاتتأنقوا فِي الشَّهَوَاتِ فَإِنَّهَا مَفْسَدَةٌ لِلدِّينِ مَسْقَمَةٌ لِلْبَدَنِ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ وَالصَّوَابُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُجْزَمَ بِهِ أَنَّهُ مَدْحٌ لِلْخَلِّ نَفْسِهِ وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ فِي الْمَطْعَمِ وَتَرْكِ الشَّهَوَاتِ فَمَعْلُومٌ مِنْ قَوَاعِدَ أُخَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قول جابر فمازلت أُحِبُّ الْخَلَّ مُنْذُ سَمِعْتُهَا مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ كَقَوْلِ أَنَسٍ مَا زِلْتُ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَدْحٌ لِلْخَلِّ نَفْسِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَرَّاتٍ أَنَّ تَأْوِيلَ الرَّاوِي إِذَا لَمْ يُخَالِفِ الظَّاهِرَ يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَالْعَمَلُ بِهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ وَهَذَا كَذَلِكَ بَلْ تَأْوِيلُ الرَّاوِي هُنَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ فَيَتَعَيَّنَ اعْتِمَادُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ أَخَذَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ فِلَقًا مِنْ خُبْزٍ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ فِلَقًا وَهُوَ صَحِيحٌ

وَمَعْنَاهُ أَخْرَجَ الْخَادِمُ وَنَحْوُهُ فِلَقًا وَهِيَ الْكَسْرُ قَوْلُهُ (فَأَخَذَ بِيَدِي) فِيهِ جَوَازُ أَخْذِ الْإِنْسَانِ بِيَدِ صَاحِبِهِ فِي تَمَاشِيهِمَا قَوْلُهُ (فَدَخَلْتُ الْحِجَابَ عَلَيْهَا مَعْنَاهُ دَخَلْتُ الْحِجَابَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الْمَرْأَةُ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ رَأَى بَشَرَتَهَا قَوْلُهُ (فَأَتَى بِثَلَاثَةِ أَقْرِصَةٍ فَوُضِعْنَ عَلَى نَبِيٍّ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ نَبِيٌّ بِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ مُشَدَّدَةٍ وَفَسَّرُوهُ بِمَائِدَةٍ مِنْ خُوصٍ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الرُّوَاةِ أَوِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ بَتِّيٌّ بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ مَكْسُورَةٍ مُشَدَّدَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مثناة من تحت مشددة والبت كساء من وبر أوصوف فَلَعَلَّهُ مِنْدِيلٌ وُضِعَ عَلَيْهِ هَذَا الطَّعَامُ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِضَمِّ الْبَاءِ وَبَعْدَهَا نُونٌ مَكْسُورَةٌ مُشَدَّدَةٌ قَالَ الْقَاضِي الْكِنَانِيُّ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ طَبَقٌ مِنْ خُوصٍ قَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ (يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ) هُوَ بِضَمِّ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى وُحَاظَةَ قَبِيلَةٍ مِنْ حِمْيَرَ هَكَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ شُيُوخِهِمْ قَالَ وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ قوله (إن النبي صلى الله عليه وسلم أَتَى بِثَلَاثَةِ أَقْرِصَةٍ فَجَعَلَ قُدَّامَهُ قُرْصًا وَقُدَّامِي قُرْصًا وَكَسَرَ الثَّالِثَ فَوَضَعَ نِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَنِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيَّ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ مُوَاسَاةِ الْحَاضِرِينَ عَلَى الطَّعَامِ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ جَعْلُ الْخُبْزِ وَنَحْوِهِ بين أيديهم بالسوية وأنه لابأس بِوَضْعِ الْأَرْغِفَةِ وَالْأَقْرَاصِ صِحَاحًا غَيْرَ مَكْسُورَةٍ

(باب إباحة أكل الثوم وأنه ينبغي لمن أراد خطاب

(بَاب إِبَاحَةِ أَكْلِ الثُّومِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ خِطَابَ الْكِبَارِ تَرْكُهُ وَكَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ) [2053] قَوْلُهُ فِي الثُّومِ (فَسَأَلْتُهُ أَحَرَامٌ هُوَ قال لاولكنى أَكْرَهُهُ مِنْ أَجْلِ رِيحِهِ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِإِبَاحَةِ الثُّومِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنْ يُكْرَهُ لِمَنْ أَرَادَ حُضُورَ الْمَسْجِدِ أَوْ حُضُورَ جَمْعٍ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَوْ مُخَاطَبَةَ الْكِبَارِ وَيَلْحَقُ بِالثُّومِ كل ماله رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَوْفَاةً فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ (وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى) مَعْنَاهُ تَأْتِيهِ الْمَلَائِكَةُ وَالْوَحْيُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ إِنِّي أُنَاجِي من لاتناجى وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْرُكُ الثُّومَ دَائِمًا لِأَنَّهُ يَتَوَقَّعُ مَجِيءَ الْمَلَائِكَةِ وَالْوَحْيِ كُلَّ سَاعَةٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي حُكْمِ الثُّومِ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ الْبَصَلُ وَالْكُرَّاثُ وَنَحْوُهَا فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم لافى جَوَابِ قَوْلِهِ أَحَرَامٌ هُوَ وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ يَقُولُ مَعْنَى الْحَدِيثِ لَيْسَ بِحَرَامٍ فِي حَقِّكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ أَكَلَ مِنْهُ وبعث بفضله إلى) العلماءقال الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا إِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْآكِلِ وَالشَّارِبِ أَنْ يُفْضِلَ مِمَّا يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ فَضْلَةً لِيُوَاسِيَ بها من بعده لاسيما إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُتَبَرَّكُ بِفَضْلَتِهِ وَكَذَا إِذَا كَانَ فِي الطَّعَامِ قِلَّةً وَلَهُمْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ ويتأكد هذا فى حق الضيف لاسيما إِنْ كَانَتْ عَادَةُ أَهْلِ الطَّعَامِ أَنْ

يُخْرِجُوا كُلَّ مَا عِنْدَهُمْ وَتَنْتَظِرُ عِيَالُهُمُ الْفَضْلَةَ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَنَقَلُوا أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إِفْضَالَ هَذِهِ الْفَضْلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ قَوْلُهُ (نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّفْلِ وَأَبُو أَيُّوبَ فِي الْعُلْوِ ثُمَّ ذَكَرَ كَرَاهَةَ أَبِي أَيُّوبَ لِعُلْوِهِ وَمَشْيِهِ فَوْقَ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحَوَّلَ إِلَى الْعُلْو) أَمَّا نُزُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلًا فىالسفل فَقَدْ صَرَّحَ بِسَبَبِهِ وَأَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ وَقَاصِدِيهِ وَأَمَّا كَرَاهَةُ أَبِي أَيُّوبَ فَمِنَ الْأَدَبِ الْمَحْبُوبِ الْجَمِيلِ وَفِيهِ إِجْلَالُ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْأَدَبِ مَعَهُمْ وَالسُّفْلُ وَالْعُلْوُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا وَضَمِّهِ لُغَتَانِ وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَوْجُهٍ مِنْهَا نزوله صلى الله عليه وسلم وَمِنْهَا أَدَبُهُ مَعَهُ وَمِنْهَا مُوَافَقَتُهُ فِي تَرْكِ الثُّومِ وَقَوْلُهُ (إِنِّي أَكْرَهُ مَا تَكْرَهُ) وَمِنْ أَوْصَافِ الْمُحِبِّ الصَّادِقِ أَنْ يُحِبَّ مَا أَحَبَّ مَحْبُوبُهُ وَيَكْرَهَ مَا كَرِهَ قَوْلُهُ (فَكَانَ يَصْنَعُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا فَإِذَا جِيءَ بِهِ إِلَيْهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِهِ فَيَتَتَبَّعُ مَوْضِعَ أَصَابِعِهِ) يَعْنِي إِذَا بَعَثَ إِلَيْهِ فَأَكَلَ مِنْهُ حَاجَتَهُ ثُمَّ رَدَّ الْفَضْلَةَ أَكَلَ أَبُو أَيُّوبَ مِنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(باب اكرام الصيف وفضل إيثاره

تَبَرُّكًا فَفِيهِ التَّبَرُّكُ بِآثَارِ أَهْلِ الْخَيْرِ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (فَقِيلَ لَهُ لَمْ يَأْكُلْ فَفَزِعَ) يَعْنِي فَزِعَ لِخَوْفِهِ أَنْ يَكُونَ حَدَثَ مِنْهُ أَمْرٌ أَوْجَبَ الِامْتِنَاعَ مِنْ طَعَامِهِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ فِي رِوَايَةِ حَجَّاجِ بن يزيد أخوزيد الْأَحْوَلِ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ بِبِلَادِنَا أَخُو زَيْدٍ بِالْخَاءِ وَهُوَ غَلَطٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَصَوَابُهُ أَبُو زَيْدٍ بِالْبَاءِ كُنْيَةً لِثَابِتٍ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَلَى الصَّوَابِ عَنْ جَمِيعِ شُيُوخِهِمْ وَنُسَخِ بِلَادِهِمْ وَأَنَّهُ فِي كُلِّهَا أَبُو زَيْدٍ بِالْبَاءِ قَالَ وَوَقَعَ لِبَعْضِهِمْ أَخُو زَيْدٍ وَهُوَ خَطَأٌ مَحْضٌ وَإِنَّمَا هُوَ ثَابِتُ بْنُ زيد أبو زَيْدُ الْأَنْصَارِيُّ الْبَصْرِيُّ الْأَحْوَلُ وَحَكَى الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ ثَابِتُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَالْأَصَحُّ ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ بِالْيَاءِ أَبُو زَيْدٍ وَقَوْلُهُ (فِي أَصْلِ كِتَابِ مُسْلِمٍ الْأَحْوَلُ) مَرْفُوعٌ صِفَةٌ لِثَابِتٍ والله أعلم (باب اكرام الصيف وَفَضْلِ إِيثَارِهِ [2054] ) قَوْلُهُ (إِنِّي مَجْهُودٌ) أَيْ أَصَابَنِي الْجَهْدُ وَهُوَ الْمَشَقَّةُ وَالْحَاجَةُ وَسُوءُ الْعَيْشِ وَالْجُوعُ قوله (إن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَتَاهُ هَذَا الْمَجْهُودُ أَرْسَلَ إِلَى نِسَائِهِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً فَقَالَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَالَّذِي

بعثك بالحق ما عندى إلاماء فَقَالَ مَنْ يُضَيِّفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فقام رجل من الأنصار فقال أنا يارسول اللَّهِ فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ وَذَكَرَ صَنِيعَهُ وَصَنِيعَ امْرَأَتِهِ) هَذَا الْحَدِيثُ مُشْتَمِلٌ عَلَى فَوَائِدَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ مِنَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالصَّبْرِ عَلَى الْجُوعِ وَضِيقِ حَالِ الدُّنْيَا وَمِنْهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لِكَبِيرِ الْقَوْمِ أَنْ يَبْدَأَ فِي مُوَاسَاةِ الضَّيْفِ وَمَنْ يَطْرُقُهُمْ بِنَفْسِهِ فَيُوَاسِيهِ مِنْ مَالِهِ أَوَّلًا بِمَا يَتَيَسَّرُ إِنْ أَمْكَنَهُ ثُمَّ يَطْلُبُ لَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى مِنْ أَصْحَابِهِ وَمِنْهَا الْمُوَاسَاةُ فِي حَالِ الشَّدَائِدِ وَمِنْهَا فَضِيلَةُ إِكْرَامِ الضَّيْفِ وَإِيثَارِهِ وَمِنْهَا مَنْقَبَةٌ لِهَذَا الْأَنْصَارِيِّ وَامْرَأَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَمِنْهَا الِاحْتِيَالُ فِي إِكْرَامِ الضَّيْفِ إِذَا كَانَ يَمْتَنِعُ مِنْهُ رِفْقًا بِأَهْلِ الْمَنْزِلِ لِقَوْلِهِ أَطْفِئِي السِّرَاجَ وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ فَإِنَّهُ لو رأى قلة الطعام وأنهما لايأكلان مَعَهُ لَامْتَنَعَ مِنَ الْأَكْلِ وَقَوْلُهُ (فَانْطَلَقَ بِهِ إلى رحله) إلى مَنْزِلِهِ وَرَحْلُ الْإِنْسَانِ هُوَ مَنْزِلُهُ مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ وَبَرٍ قَوْلُهُ (فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ قَالَتْ لَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي قَالَ فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الصِّبْيَانَ لَمْ يَكُونُوا مُحْتَاجِينَ إِلَى الْأَكْلِ وَإِنَّمَا تَطْلُبُهُ أَنْفُسُهُمْ عَلَى عَادَةِ الصِّبْيَانِ مِنْ غَيْرِ جُوعٍ يَضُرُّهُمْ فَإِنَّهُمْ لَوْ كَانُوا عَلَى حَاجَةٍ بِحَيْثُ يَضُرُّهُمْ تَرْكُ الْأَكْلِ لَكَانَ إِطْعَامُهُمْ وَاجِبًا وَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الضِّيَافَةِ وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَتْرُكَا وَاجِبًا بَلْ أَحْسَنَا وَأَجْمَلَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَمَّا هُوَ وَامْرَأَتُهُ فَآثَرَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِرِضَاهُمَا مَعَ حَاجَتِهِمَا وَخَصَاصَتِهِمَا فَمَدَحَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْزَلَ فِيهِمَا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ولو كان بهم خصاصة فَفِيهِ فَضِيلَةُ الْإِيثَارِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى فَضِيلَةِ الْإِيثَارِ بِالطَّعَامِ وَنَحْوِهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَحُظُوظِ النُّفُوسِ أَمَّا الْقُرُبَاتُ فَالْأَفْضَلُ أن لايؤثر بها لأن الحق فيها لل هـ تعالى

وَاللَّهُ أَعْلَمُ [2055] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ) قَالَ الْقَاضِي الْمُرَادُ بِالْعَجَبِ مِنَ اللَّهِ رِضَاهُ ذَلِكَ قال وقد يكونالمراد عَجِبَتْ مَلَائِكَةُ اللَّهِ وَأَضَافَهُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَشْرِيفًا قَوْلُهُ (أَقْبَلْتُ أَنَا وَصَاحِبَانِ لِي وَقَدْ ذَهَبَتْ أَسْمَاعُنَا وَأَبْصَارُنَا مِنَ الْجَهْدِ فَجَعَلْنَا نَعْرِضُ أَنْفُسَنَا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْبَلُنَا فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقَ بِنَا) أَمَّا قَوْلُهُ الْجَهْدُ فَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ الْجُوعُ وَالْمَشَقَّةُ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَقَوْلُهُ (فَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْبَلُنَا) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ عَرَضُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِمْ كَانُوا مُقِلِّينَ لَيْسَ عندهم

شَيْءٌ يُوَاسُونَ بِهِ قَوْلُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجِيءُ مِنَ اللَّيْلِ فيسلم تسليما لايوقظ نَائِمًا وَيَسْمَعُ الْيَقْظَانَ) هَذَا فِيهِ آدَابُ السَّلَامِ عَلَى الْأَيْقَاظِ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ نِيَامٌ أَوْ مَنْ فِي مَعْنَاهُمْ وَأَنَّهُ يَكُونُ سَلَامًا مُتَوَسِّطًا بين الرفع والمخافتة بحيث يسمع الايقاظ ولايهوش عَلَى غَيْرِهِمْ قَوْلُهُ (مَا بِهِ حَاجَةٌ إِلَى هَذِهِ الْجَرْعَةِ) هِيَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا حَكَاهُمَا بن السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ وَهِيَ الْحَثْوَةُ مِنَ الْمَشْرُوبِ وَالْفِعْلُ مِنْهُ جَرِعْتُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ قَوْلُهُ (وَغَلَتْ فِي بَطْنِي) بَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ دَخَلَتْ وَتَمَكَّنَتْ مِنْهُ قَوْلُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا فَقَالَ اللَّهُمَّ أَطْعِمْ من أطعمنى وأسق من سقانى) فِيهِ الدُّعَاءُ لِلْمُحْسِنِ وَالْخَادِمِ وَلِمَنْ سَيَفْعَلُ خَيْرًا وفيه

مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحِلْمِ وَالْأَخْلَاقِ الْمُرضِيَةِ وَالْمَحَاسِنِ الْمُرْضِيَةِ وَكَرَمِ النَّفْسِ وَالصَّبْرِ وَالْإِغْضَاءِ عَنْ حُقُوقِهِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَلْ عَنْ نصيبه من اللبن قوله فى الأعنز (اذاهن حُفَّلٌ كُلُّهُنَّ) هَذِهِ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ وَآثَارِ بَرَكَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (فَحَلَبْتُ فِيهِ حَتَّى عَلَتْهُ رَغْوَةٌ) هِيَ زَبَدُ اللَّبَنِ الَّذِي يَعْلُوهُ وَهِيَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ مَشْهُورَاتٌ وَرِغَاوَةٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَحُكِيَ ضمها ورغاية بِالضَّمِّ وَحُكِيَ الْكَسْرُ وَارْتَغَيْتُ شَرِبْتُ الرَّغْوَةَ قَوْلُهُ (فَلَمَّا عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَوِيَ وَأَصَبْتُ دَعَوْتَهُ ضَحِكْتُ حَتَّى أُلْقِيتُ إِلَى الْأَرْضِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم احدى سوآتك يامقداد) مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ حُزْنٌ شَدِيدٌ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهِ أَذْهَبَ نَصِيبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعَرَّضَ لِأَذَاهُ فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَوِيَ وَأُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ فَرِحَ وَضَحِكَ حَتَّى سَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ مِنْ كَثْرَةِ ضَحِكِهِ لِذَهَابِ مَا كَانَ بِهِ مِنَ الْحُزْنِ وَانْقِلَابِهِ سُرُورًا بِشُرْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ لِمَنْ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ وَجَرَيَانِ ذَلِكَ عَلَى يَدِ الْمِقْدَادِ وَظُهُورِ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ وَلِتَعَجُّبِهِ مِنْ قُبْحِ فِعْلِهِ أَوَّلًا وَحُسْنِهِ آخِرًا وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى الله عليه وسلم احدى سوآتك يامقداد أى انك فعلت سوءة مِنَ الْفَعَلَاتِ مَا هِيَ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وسلم ما هذه الارحمة مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ إِحْدَاثُ هَذَا اللَّبَنِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ وَخِلَافِ عَادَتِهِ وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى [2056] قَوْلُهُ (جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ مُنْتَفِشُ الشَّعْرِ وَمُتَفَرِّقُهُ قَوْلُهُ (وَأَمَرَ بِسَوَادِ الْبَطْنِ أَنْ يُشْوَى) يَعْنِي الْكَبِدَ قَوْلُهُ (وَايْمُ اللَّهِ مَا مِنَ الثلاثين ومائه الاحز لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُزَّةً مِنْ سَوَادِ بَطْنِهَا إِنْ كَانَ شَاهِدًا أَعْطَاهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا خَبَّأَ لَهُ وَجَعَلَ قَصْعَتَيْنِ فَأَكَلْنَا مِنْهُمَا أَجْمَعُونَ

وَشَبِعْنَا وَفَضَلَ فِي الْقَصْعَتَيْنِ فَحَمَلْتُهُ عَلَى الْبَعِيرِ) الْحُزَّةُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ وَالْقَصْعَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَتَانِ ظَاهِرَتَانِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَاهُمَا تَكْثِيرُ سَوَادِ الْبَطْنِ حَتَّى وَسِعَ هَذَا الْعَدَدَ وَالْأُخْرَى تَكْثِيرُ الصَّاعِ وَلَحْمِ الشَّاةِ حَتَّى أَشْبَعَهُمْ أَجْمَعِينَ وَفَضَلَتْ مِنْهُ فَضْلَةٌ حَمَلُوهَا لِعَدَمِ حَاجَةِ أَحَدٍ إِلَيْهَا وَفِيهِ مُوَاسَاةُ الرُّفْقَةِ فِيمَا يَعْرِضُ لَهُمْ مِنْ طُرْفَةٍ وَغَيْرِهَا وَأَنَّهُ إِذَا غَابَ بَعْضُهُمْ خُبِّئَ نَصِيبُهُ [2057] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَلَاثَةٍ وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ بِسَادِسٍ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَلْيَذْهَبْ بِثَلَاثَةٍ وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَلْيَذْهَبْ بِثَلَاثٍ قَالَ الْقَاضِي هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِسِيَاقِ بَاقِي الْحَدِيثِ قُلْتُ وَلِلَّذِي فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا وَجْهٌ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مُوَافَقَةِ الْبُخَارِيِّ وَتَقْدِيرُهُ فَلْيَذْهَبْ بِمَنْ يُتِمُّ ثَلَاثَةً أَوْ بِتَمَامِ ثَلَاثَةٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدَّرَ فيها أقواتها فى أربعة أيام أَيْ فِي تَمَامِ أَرْبَعَةٍ وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ إِيضَاحُ هَذَا وَذِكْرُ نَظَائِرِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ الْإِيثَارِ وَالْمُوَاسَاةِ وَأَنَّهُ إِذَا حَضَرَ ضِيفَانٌ كَثِيرُونَ فَيَنْبَغِي لِلْجَمَاعَةِ أَنْ يَتَوَزَّعُوهُمْ وَيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَنْ يَحْتَمِلُهُ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِكَبِيرِ الْقَوْمِ أَنْ يَأْمُرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ وَيَأْخُذَ هُوَ مَنْ يُمْكِنُهُ قَوْلُهُ (وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ وَانْطَلَقَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشَرَةٍ) هَذَا مُبَيِّنٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَخْذِ بِأَفْضَلِ الْأُمُورِ وَالسَّبْقِ إِلَى السَّخَاءِ وَالْجُودِ فَإِنَّ عِيَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا قَرِيبًا مِنْ عَدَدِ ضِيفَانِهِ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَأَتَى بِنِصْفِ طعامه أونحوه وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِثُلُثِ طَعَامِهِ أَوْ أَكْثَرَ وَأَتَى الْبَاقُونَ بِدُونِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صُلِّيَتِ الْعِشَاءُ ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى نَعَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ) قَوْلُهُ نَعَسَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَفِي هَذَا جَوَازُ ذَهَابِ مَنْ عِنْدَهُ ضِيفَانٌ إِلَى أَشْغَالِهِ وَمَصَالِحِهِ إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِأُمُورِهِمْ وَيَسُدُّ مَسَدَّهُ كَمَا كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ هُنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْحُبِّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِانْقِطَاعِ إِلَيْهِ وَإِيثَارِهِ فِي لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ عَلَى الْأَهْلِ وَالْأَوْلَادِ وَالضِّيفَانِ وَغَيْرِهِمْ قَوْلُهُ (فِي الْأَضْيَافِ إَنَّهُمُ امْتَنَعُوا مِنَ الْأَكْلِ حَتَّى يَحْضُرَ أبوبكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) هَذَا فَعَلُوهُ أَدَبًا وَرِفْقًا بِأَبِي بَكْرٍ فِيمَا ظَنُّوهُ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ لايحصل له عشاءمن عشائهم قال العلماء والصواب للضيف أن لايمتنع مِمَّا أَرَادَهُ الْمُضِيفُ مِنْ تَعْجِيلِ طَعَامٍ وَتَكْثِيرِهِ وغير ذلك من أموره الاأن يعلم أنه يتكلف ما يشق عليه حياءمنه فَيَمْنَعُهُ بِرِفْقٍ وَمَتَى شَكَّ لَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَمْتَنِعْ فَقَدْ يَكُونُ لِلْمُضِيفِ عُذْرٌ أَوْ غرض فى ذلك لايمكنه إِظْهَارَهُ فَتَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ بِمُخَالَفَةِ الْأَضْيَافِ كَمَا جَرَى فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَذَهَبْتُ فَاخْتَبَأْتُ وَقَالَ يَا غُنْثَرُ فَجَدَّعَ وَسَبَّ) أَمَّا اخْتِبَاؤُهُ فَخَوْفًا مِنْ خِصَامِ أَبِيهِ

لَهُ وَشَتْمِهِ إِيَّاهُ وَقَوْلُهُ فَجَدَّعَ أَيْ دَعَا بِالْجَدَعِ وَهُوَ قَطْعُ الْأَنْفِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَعْضَاءِ والسب الشتم وَقَوْلُهُ يَا غُنْثَرُ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ نُونٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ ثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمَضْمُومَةٍ لُغَتَانِ هَذِهِ هِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي ضَبْطِهِ قَالُوا وَهُوَ الثَّقِيلُ الْوَخِمُ وَقِيلَ هُوَ الْجَاهِلُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْغَثَارَةِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الْجَهْلُ وَالنُّونُ فِيهِ زَائِدَةٌ وَقِيلَ هُوَ السَّفِيهُ وَقِيلَ هُوَ ذُبَابٌ أَزْرَقُ وَقِيلَ هُوَ اللَّئِيمُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْغَثَرِ وَهُوَ اللُّؤْمُ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا هُوَ غَنْثَرُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَالثَّاءِ وَرَوَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَطَائِفَةٌ عَنْتَرُ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَتَاءٍ مُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ قَالُوا وَهُوَ الذُّبَابُ وَقِيلَ هُوَ الْأَزْرَقُ مِنْهُ شَبَّهَهُ به تحقيرا له قوله (كلوا لاهنيئا) إِنَّمَا قَالَهُ لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الْحَرَجِ وَالْغَيْظِ بِتَرْكِهِمُ الْعِشَاءَ بِسَبَبِهِ وَقِيلَ إِنَّهُ لَيْسَ بدعاء انما أخبرأى لم تتهنأوا به فى وقته قوله (والله لاأطعمه أَبَدًا) وَذَكَرَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي الْأَضْيَافِ قالوا والله لانطعمه حَتَّى تَطْعَمَهُ ثُمَّ أَكَلَ وَأَكَلُوا فِيهِ أَنَّ من حلف على يمين فرأى غيرها خيرامنها فَعَلَ ذَلِكَ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَفِيهِ حَمْلُ الْمُضِيفِ الْمَشَقَّةَ عَلَى نَفْسِهِ فِي إِكْرَامِ ضِيفَانِهِ وَإِذَا تَعَارَضَ حِنْثُهُ وَحِنْثُهُمْ حَنَّثَ نَفْسَهُ لِأَنَّ حَقَّهَمْ عَلَيْهِ آكَدُ وَهَذَا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مُخْتَصَرٌ تُوَضِّحُهُ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ وَتُبَيِّنُ مَا حُذِفَ مِنْهُ وَمَا هُوَ مُقَدَّمٌ أَوْ مُؤَخَّرٌ قَوْلُهُ (مَا كُنَّا نَأْخُذُ من لقمة الاربا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا وَأَنَّهُمْ أَكَلُوا مِنْهَا حَتَّى شَبِعُوا وَصَارَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِمَّا كانت بثلاث مرارثم حَمَلُوهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأكل منها الخلق الكثير) فقوله الاربا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ ضَبَطُوهُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ كَرَامَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ إِثْبَاتُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ قَوْلُهُ (فَنَظَرَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هِيَ كَمَا هِيَ أَوْ أَكْثَرُ) وَقَوْلُهُ (لَهِيَ الْآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا) ضَبَطُوهُمَا أَيْضًا بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وبالثاء المثلثة قولها (لاوقرة عَيْنِي لَهِيَ الْآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ قُرَّةُ الْعَيْنِ يُعَبَّرُ بِهَا عَنِ الْمَسَرَّةِ وَرُؤْيَةِ مَا يُحِبُّهُ الْإِنْسَانُ وَيُوَافِقُهُ قِيلَ إِنَّمَا قيل ذلك لأن

عينه تقر لبلوغهأمنيته فَلَا يَسْتَشْرِفُ لِشَيْءٍ فَيَكُونُ مَأْخُوذًا مِنَ الْقَرَارِ وقيل ماخوذ من القر بالضم وهو البردأى عَيْنُهُ بَارِدَةٌ لِسُرُورِهَا وَعَدَمِ مُقْلِقِهَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ أَيْ أَبْرَدَ دَمْعَتَهُ لِأَنَّ دَمْعَةَ الْفَرَحِ بَارِدَةٌ وَدَمْعَةَ الْحُزْنِ حَارَّةٌ وَلِهَذَا يُقَالُ فِي ضِدِّهِ أَسْخَنَ اللَّهُ عَيْنَهُ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ قَالَ الدَّاوُدِيُّ أَرَادَتْ بِقُرَّةِ عَيْنِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْسَمَتْ به ولفظة لافى قولها لاوقرة عَيْنِي زَائِدَةٌ وَلَهَا نَظَائِرُ مَشْهُورَةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا نَافِيَةٌ وَفِيهِ مَحْذُوفٌ أَيْ لَا شَيْءَ غَيْرَ مَا أَقُولُ وَهُوَ وَقُرَّةُ عَيْنِي لَهِيَ أَكْثَرُ منها قوله (ياأخت بَنِي فِرَاسٍ) هَذَا خِطَابٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ لامرأته أم رومان ومعناه يامن هِيَ مِنْ بَنِي فِرَاسٍ قَالَ الْقَاضِي فِرَاسٌ هو بن غنم بن مالك بن كنانة ولاخلاف فِي نَسَبِ أُمِّ رُومَانَ إِلَى غَنْمِ بْنِ مَالِكٍ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ انْتِسَابِهَا إِلَى غَنْمٍ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَاخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ مِنْ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْمٍ أَمْ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ غَنْمٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ كَوْنُهَا مِنْ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْمٍ قَوْلُهُ (فَعَرَّفْنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ فَعَرَّفْنَا بِالْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ جَعَلْنَا عُرَفَاءَ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ فَفَرَّقْنَا بِالْفَاءِ الْمُكَرَّرَةِ فِي أَوَّلِهِ بقاف مِنَ التَّفْرِيقِ أَيْ جَعَلَ كُلَّ رَجُلٍ مِنَ الِاثْنَيْ عَشَرَ مَعَ فِرْقَةٍ فَهُمَا صَحِيحَانِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي هُنَا غَيْرَ الْأَوَّلِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ تَفْرِيقِ الْعُرَفَاءِ عَلَى الْعَسَاكِرِ وَنَحْوِهَا وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ الْعِرَافَةُ حَقٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ مَصْلَحَةِ النَّاسِ وَلِيَتَيَسَّرَ ضَبْطُ الْجُيُوشِ وَنَحْوِهَا عَلَى الْإِمَامِ بِاتِّخَاذِ الْعُرَفَاءِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ الْعُرَفَاءُ فِي النَّارِ فَمَحْمُولٌ عَلَى العرفاء المقصرين فى ولايتهم المرتكبين فيها مالايجوز كَمَا هُوَ مُعْتَادٌ لِكَثِيرٍ مِنْهُمْ قَوْلُهُ فَعَرَّفْنَا اثناعشر رَجُلًا مَعَ كُلِّ وَاحِدِ مِنْهُمْ أُنَاسٌ هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَفِي نَادِرٌ مِنْهَا اثْنَيْ عَشَرَ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ جَارٍ عَلَى لُغَةِ مَنْ جَعَلَ الْمُثَنَّى بِالْأَلِفِ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ وَهِيَ لُغَةُ أَرْبَعِ

قبائل من العرب ومنها قوله تعالى إن هذان لساحران وَغَيْرُ ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ مَرَّاتٍ قَوْلُهُ (افْرُغْ مِنْ أَضْيَافِكَ) أَيْ عَشِّهِمْ وَقُمْ بِحَقِّهِمْ قَوْلُهُ (جِئْنَاهُمْ بِقِرَاهُمْ) هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ مَقْصُورٌ وهو ما يُصْنَعُ لِلضَّيْفِ مِنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ قَوْلُهُ (حَتَّى يَجِيءَ أَبُو مَنْزِلِنَا) أَيْ صَاحِبُهُ قَوْلُهُ (إِنَّهُ رَجُلٌ حَدِيدٌ) أَيْ فِيهِ قُوَّةٌ وَصَلَابَةٌ وَيَغْضَبُ لِانْتِهَاكِ الْحُرُمَاتِ وَالتَّقْصِيرِ فِي حَقِّ ضَيْفِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَوْلُهُ (مَا لَكُمْ أَلَا تَقْبَلُوا مِنَّا قراكم) قال القاضي عياض قوله ألاهو بِتَخْفِيفِ اللَّامِ عَلَى التَّحْضِيضِ وَاسْتِفْتَاحِ الْكَلَامِ هَكَذَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالتَّشْدِيدِ وَمَعْنَاهُ مالكم لَا تَقْبَلُوا قِرَاكُمْ وَأَيُّ شَيْءٍ مَنَعَكُمْ ذَلِكَ وَأَحْوَجَكُمْ إِلَى تَرْكِهِ قَوْلُهُ (أَمَّا الْأُولَى فَمِنَ الشيطان

(باب فضيلة المواساة في الطعام القليل وأن طعام

يَعْنِي يَمِينَهُ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ مَعْنَاهُ اللُّقْمَةُ الْأُولَى فَلِقَمْعِ الشَّيْطَانِ وَإِرْغَامِهِ وَمُخَالَفَتِهِ فِي مُرَادِهِ بِالْيَمِينِ وَهُوَ إِيقَاعُ الْوَحْشَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَضْيَافِهِ فأخزاه أبوبكر بِالْحِنْثِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَرُّوا وَحَنِثْتُ فَقَالَ بَلْ أَنْتَ أَبَرُّهُمْ وَأَخْيَرُهُمْ قَالَ وَلَمْ تَبْلُغْنِي كَفَّارَةٌ) مَعْنَاهُ بَرُّوا فِي أَيْمَانِهِمْ وَحَنِثْتُ فِي يَمِينِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَنْتَ أَبَرُّهُمْ أَيْ أَكْثَرُهُمْ طَاعَةً وَخَيْرٌ مِنْهُمْ لِأَنَّكَ حَنِثْتَ فِي يَمِينِكَ حِنْثًا مَنْدُوبًا إِلَيْهِ مَحْثُوثًا عَلَيْهِ فَأَنْتَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ قَوْلُهُ (وَأَخْيَرُهُمْ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَأَخْيَرُهُمْ بِالْأَلِفِ وَهِيَ لُغَةٌ سَبَقَ بَيَانُهَا مَرَّاتٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَلَمْ تَبْلُغْنِي كَفَّارَةٌ) يَعْنِي لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّهُ كَفَّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ فَأَمَّا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَهَذَا نَصٌّ فِي عَيْنِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عقدتم الأيمان فكفارته اطعام إلخ (بَاب فَضِيلَةِ الْمُوَاسَاةِ فِي الطَّعَامِ الْقَلِيلِ وَأَنَّ طَعَامَ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الثَّلَاثَةَ وَنَحْوِ ذَلِكَ) [2058] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (طَعَامُ الِاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَةِ وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ كَافِي الْأَرْبَعَةِ) [2059] وَفِي رواية جابر

باب المؤمن يأكل فى معى واحد والكافر يأكل فى سبعة

طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ وَطَعَامُ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ) هَذَا فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْمُوَاسَاةِ فِي الطَّعَامِ وَأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا حَصَلَتْ مِنْهُ الْكِفَايَةُ الْمَقْصُودَةُ وَوَقَعَتْ فِيهِ بَرَكَةٌ تَعُمُّ الْحَاضِرِينَ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب المؤمن يأكل فى معى واحد والكافر يأكل فى سبعة أمعاء) [2060] [2061] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ

الْأُخْرَى [2063] أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذَا الْكَلَامَ بعد أن ضاف كَافِرًا فَشَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ ثُمَّ أَسْلَمَ مِنْ الْغَدِ فَشَرِبَ حِلَابَ شَاةٍ وَلَمْ يَسْتَتِمَّ حِلَابَ الثَّانِيَةِ قَالَ الْقَاضِي قِيلَ إِنَّ هَذَا فِي رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَقِيلَ لَهُ عَلَى جِهَةِ التَّمْثِيلِ وَقِيلَ إِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَقْتَصِدُ فِي أَكْلِهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ الْمُؤْمِنُ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ طَعَامِهِ فَلَا يُشْرِكُهُ فِيهِ الشَّيْطَانُ والكافر لايسمى فَيُشَارِكُهُ الشَّيْطَانُ فِيهِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ قَالَ أَهْلُ الطِّبِّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ سَبْعَةُ أَمْعَاءٍ الْمَعِدَةُ ثُمَّ ثَلَاثَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِهَا رِقَاقٌ ثُمَّ ثَلَاثَةٌ غِلَاظٌ فَالْكَافِرُ لِشَرَهِهِ وَعَدَمِ تَسْمِيَتِهِ لَا يَكْفِيهِ إِلَّا مِلْؤُهَا وَالْمُؤْمِنُ لاقصاده وَتَسْمِيَتِهِ يُشْبِعُهُ مِلْءُ أَحَدِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ وَبَعْضِ الْكُفَّارِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالسَّبْعَةِ سَبْعُ صِفَاتٍ الْحِرْصُ وَالشَّرَهُ وَطُولُ الْأَمَلِ وَالطَّمَعُ وَسُوءُ الطَّبْعِ وَالْحَسَدُ وَالسِّمَنُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِ هُنَا تَامُّ الْإِيمَانِ الْمُعْرِضُ عَنِ الشَّهَوَاتِ الْمُقْتَصِرُ عَلَى سَدِّ خُلَّتِهِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ مَعْنَاهُ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ

يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَأَنَّ أَكْثَرَ الْكُفَّارِ يأكلون فى سبعة أمعاء ولايلزم أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ السَّبْعَةِ مِثْلُ مِعَى الْمُؤْمِنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَمَقْصُودُ الْحَدِيثِ التقليل مِنَ الدُّنْيَا وَالْحَثُّ عَلَى الزُّهْدِ فِيهَا وَالْقَنَاعَةُ مَعَ أَنَّ قِلَّةَ الْأَكْلِ مِنْ مَحَاسِنِ أَخْلَاقِ الرجل وكثرة الأكل بضده وأما قول بن عُمَرَ فِي الْمِسْكِينِ الَّذِي أَكَلَ عِنْدَهُ كَثِيرًا لايدخلن هَذَا عَلَيَّ فَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْكُفَّارَ وَمَنْ أَشْبَهَ الْكُفَّارَ كُرِهَتْ مُخَالَطَتُهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ وَلِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَأْكُلُهُ هذا يمكن

باب لايعيب الطعام

أَنْ يَسُدَّ بِهِ خُلَّةَ جَمَاعَةٍ وَأَمَّا الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ الَّذِي شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ فَقِيلَ هُوَ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ وَقِيلَ جَهْجَاهٌ الْغِفَارِيُّ وَقِيلَ نَضْرَةُ بْنُ أَبَى نَضْرَةَ الغفارى والله أعلم (باب لايعيب الطعام [2064] ) قوله (ماعاب رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ كَانَ إِذَا اشْتَهَى شَيْئًا أَكَلَهُ وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ) هَذَا مِنْ آدَابِ الطَّعَامِ الْمُتَأَكَّدَةِ وَعَيْبُ الطَّعَامِ كَقَوْلِهِ مَالِحٌ قَلِيلُ الْمِلْحِ حَامِضٌ رقيق غليظ غير ناضج ونحوذلك وَأَمَّا حَدِيثُ تَرْكِ أَكْلِ الضَّبِّ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ عَيْبِ الطَّعَامِ إِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ بِأَنَّ هذا الطعام الخاص لاأشتهيه وَذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي الْبَابِ اخْتِلَافَ طُرُقِ هَذَا الحديث فرواه أولامن رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي يَحْيَى مَوْلَى آلِ جَعْدَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا الْإِسْنَادَ الثَّانِي وَقَالَ هُوَ مُعَلَّلٌ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا الْإِسْنَادُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُعَلَّلَةِ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ الَّتِي بَيَّنَ مُسْلِمٌ عِلَّتَهَا

كتاب اللباس والزينة

كَمَا وَعَدَ فِي خُطْبَتِهِ وَذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِيهِ وَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ لَمْ يَذْكُرِ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ أَبِي معاوية ولاخرجه مِنْ طَرِيقِهِ بَلْ خَرَّجَهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وعلى كل حال فالمتن صحيح لامطعن فيه والله أعلم ( كتاب اللباس والزينة) (باب تحريم استعمال أوانى الذهب والفضة فى الشرب وغيره على الرجال والنساء [2065] ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ) وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ شَرِبَ فِي إِنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارًا مِنْ جَهَنَّمَ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَاللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى كَسْرِ الْجِيمِ الثَّانِيَةِ من يجر جر وَاخْتَلَفُوا فِي رَاءِ النَّارِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَنَقَلُوا فِيهَا النَّصْبَ وَالرَّفْعَ وَهُمَا مَشْهُورَانِ فِي الرِّوَايَةِ وَفِي كُتُبِ الشَّارِحِينَ وَأَهْلِ الْغَرِيبِ وَاللُّغَةِ وَالنَّصْبُ هُوَ الصَّحِيحُ

الْمَشْهُورُ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ وَرَجَّحَهُ الزَّجَّاجُ وَالْخَطَّابِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الثالثة يجرجر فى بطنه نَارًا مِنْ جَهَنَّمَ وَرَوَيْنَاهُ فِي مُسْنَدِ أَبِي عوانة الاسفرابنى وَفِي الْجَعْدِيَّاتِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي جَوْفِهِ نَارًا كَذَا هو فى الأصول نارمن غَيْرِ ذِكْرِ جَهَنَّمَ وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَعَلَى رِوَايَةِ النَّصْبِ الْفَاعِلُ هُوَ الشَّارِبُ مُضْمَرٌ فِي يُجَرْجِرُ أى يلقيها فى بطنه يجرع مُتَتَابَعٍ يُسْمَعُ لَهُ جَرْجَرَةٌ وَهُوَ الصَّوْتُ لِتَرَدُّدِهِ فِي حَلْقِهِ وَعَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ تَكُونُ النَّارُ فاعله ومعناه تصوت النَّارِ فِي بَطْنِهِ وَالْجَرْجَرَةُ هِيَ التَّصْوِيتُ وَسُمِّيَ المشروب نارا لأنه يؤول إِلَيْهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نارا وَأَمَّا جَهَنَّمُ عَافَانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ بَلَاءٍ فَقَالَ الْوَاحِدِيُّ قَالَ يُونُسُ وَأَكْثَرُ النَّحْوِيِّينَ هي عجمية لاتنصرف لِلتَّعْرِيفِ وَالْعَجَمِيَّةِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِبُعْدِ قَعْرِهَا يُقَالُ بِئْرٌ جِهِنَّامٌ إِذَا كَانَتْ عَمِيقَةَ الْقَعْرِ وَقَالَ بعض اللغويين مشقة مِنَ الْجُهُومَةِ وَهِيَ الْغِلَظُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِغِلَظِ أَمْرِهَا فِي الْعَذَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْحَدِيثِ فَقِيلَ هُوَ إِخْبَارٌ عَنِ الْكُفَّارِ مِنْ مُلُوكِ الْعَجَمِ وَغَيْرِهِمُ الَّذِينَ عَادَتُهُمْ فِعْلُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ هِيَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ أَيْ هُمُ الْمُسْتَعْمِلُونَ لَهَا فِي الدُّنْيَا وَكَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثوب الحرير انما يلبس هذا من لاخلاق له فى الآخرة أى لانصيب قَالَ وَقِيلَ الْمُرَادُ نَهْيُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ وأن

مَنِ ارْتَكَبَ هَذَا النَّهْيَ اسْتَوْجَبَ هَذَا الْوَعِيدَ وَقَدْ يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالصَّوَابُ أَنَّ النَّهْيَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَنْ يَسْتَعْمِلُ إِنَاءَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ لأن الصحيح أن الكفار مخاطبون بغروع الشَّرْعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي إِنَاءِ الذَّهَبِ وَإِنَاءِ الْفِضَّةِ عَلَى الرَّجُلِ وَعَلَى الْمَرْأَةِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَّا مَا حَكَاهُ أصحابنا العراقيون أن للشافعى قولاقديما أنه يكره ولايحرم وَحَكَوْا عَنْ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ تَحْرِيمَ الشُّرْبِ وَجَوَازَ الْأَكْلِ وَسَائِرَ وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ وَهَذَانِ النَّقْلَانِ بَاطِلَانِ أَمَّا قَوْلُ دَاوُدَ فَبَاطِلٌ لِمُنَابَذَةِ صَرِيحِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي النَّهْيِ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ جَمِيعًا وَلِمُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَسَائِرِ الِاسْتِعْمَالِ فِي إِنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ دَاوُدَ وَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ فَهُمَا مَرْدُودَانِ بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ وَهَذَا إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَعْتَدُّ بِقَوْلِ دَاوُدَ فِي الاجماع والخلاف والافالمحققون يقولون لايعتد بِهِ لِإِخْلَالِهِ بِالْقِيَاسِ وَهُوَ أَحَدُ شُرُوطِ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي يُعْتَدُّ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْقَدِيمُ فَقَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ إِنَّ سِيَاقَ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ نَفْسَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الَّذِي اتُّخِذَ مِنْهُ الْإِنَاءُ لَيْسَتْ حَرَامًا وَلِهَذَا لَمْ يَحْرُمِ الْحُلِيُّ عَلَى المرأة هذاكلام صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَهُوَ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا وَهُوَ أَتْقَنُهُمْ لِنَقْلِ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَدِيمِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ من الأصولين أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إِذَا قَالَ قَوْلًا ثُمَّ رَجَعَ عنه لايبقي قولا له ولاينسب إِلَيْهِ قَالُوا وَإِنَّمَا يُذْكَرُ الْقَدِيمُ وَيُنْسَبُ إِلَى الشَّافِعِيِّ مَجَازًا وَبِاسْمِ مَا كَانَ عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ قَوْلٌ لَهُ الْآنَ فَحَصَلَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ إِنَاءِ الذَّهَبِ وَإِنَاءِ الْفِضَّةِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالطَّهَارَةِ والأكل بمعلقة من أحدهما والتجمر بمجمرة منهما والبول غي الْإِنَاءِ مِنْهُمَا وَجَمِيعِ وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ وَمِنْهَا الْمُكْحُلَةُ واميل وطرف العالية وَغَيْرُ ذَلِكَ سَوَاءٌ الْإِنَاءُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَيَسْتَوِي فى التحريم الرجل

والمرأة بلاخلاف وَإِنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي التَّحَلِّي لما يقصد منها من التزين لِلزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ مَاءِ الْوَرْدِ وَالْأَدْهَانِ مِنْ قَارُورَةٍ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قَالُوا فَإِنِ ابْتُلِيَ بِطَعَامٍ فِي إِنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فضة فيخرج الطَّعَامَ إِلَى إِنَاءٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِهِمَا وَيَأْكُلُ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِنَاءٌ آخَرُ فَلْيَجْعَلْهُ عَلَى رَغِيفٍ إِنْ أَمْكَنَ وَإِنِ ابْتُلِيَ بِالدُّهْنِ فى القارورة فِضَّةٍ فَلْيَصُبَّهُ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى ثُمَّ يَصُبَّهُ من اليسرى فى اليمين وَيَسْتَعْمِلْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَحْرُمُ تَزْيِينُ الْحَوَانِيتِ وَالْبُيُوتِ وَالْمَجَالِسِ بِأَوَانِي الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَجَوَّزَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالُوا وَهُوَ غَلَطٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَوْ تَوَضَّأَ أَوِ اغْتَسَلَ مِنْ إِنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ عَصَى بِالْفِعْلِ وَصَحَّ وضوءه وغسله هذامذهبنا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً الاداود فقال لايصح وَالصَّوَابُ الصِّحَّةُ وَكَذَا لَوْ أَكَلَ مِنْهُ أَوْ شرب عصى بالفعل ولايكون الْمَأْكُولُ وَالْمَشْرُوبُ حَرَامًا هَذَا كُلُّهُ فِي حَالِ الاختبار وَأَمَّا إِذَا اضْطَرَّ إِلَى اسْتِعْمَالِ إِنَاءٍ فَلَمْ يجد الاذهبا أَوْ فِضَّةً فَلَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ بلاخلاف صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا قَالُوا كَمَا تُبَاحُ الْمَيْتَةُ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ بَاعَ هذا الاناءصح بَيْعُهُ لِأَنَّهُ عَيْنٌ طَاهِرَةٌ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِأَنْ تُسْبَكَ وَأَمَّا اتِّخَاذُ هَذِهِ الْأَوَانِي مِنْ غيراستعمال فَلِلشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُهُ وَالثَّانِي كَرَاهَتُهُ فَإِنْ كَرِهْنَاهُ اسْتَحَقَّ صَانِعُهُ الْأُجْرَةَ وَوَجَبَ على كاسره أرش النقص ولافلا وأما اناء الزجاج النفيس فلايحرم بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا إِنَاءُ الْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَنَحْوِهَا فَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَوَازُ اسْتِعْمَالِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ حرمها والله أعلم

باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال

(باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء وخاتم الذهب والحرير على الرجل وإباحته للنساء وإباحة العلم ونحوه للرجل مالم يزد على أربع أصابع [2066] ) قَوْلُهُ (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ أَوِ الْمُقْسِمِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَإِجَابَةِ الدَّاعِي وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمَ أَوْ عَنْ تَخَتُّمٍ بِالذَّهَبِ وَعَنْ شُرْبٍ بِالْفِضَّةِ وَعَنِ الْمَيَاثِرِ وَعَنِ الْقَسِّيِّ وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالْإِسْتَبْرَقِ وَالدِّيبَاجِ) وَفِي رِوَايَةٍ وَإِنْشَادِ الضَّالَّةِ بَدَلُ إِبْرَارِ الْقَسَمِ أَوِ الْمُقْسِمِ وَفِي رِوَايَةٍ وَرَدِّ السَّلَامِ بَدَلُ إِفْشَاءِ السَّلَامِ أَمَّا عِيَادَةُ الْمَرِيضِ فَسُنَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَسَوَاءٌ فيه من يعرفه ومن لايعرفه وَالْقَرِيبُ وَالْأَجْنَبِيُّ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَوْكَدِ وَالْأَفْضَلِ مِنْهَا وَأَمَّا اتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ فَسُنَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا وَسَوَاءٌ فِيهِ مَنْ يَعْرِفُهُ وَقَرِيبُهُ وَغَيْرُهُمَا وَسَبَقَ إِيضَاحُهُ فِي الْجَنَائِزِ وَأَمَّا تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَيُقَالُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَةِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ قَالَ اللَّيْثُ التَّشْمِيتُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُ لِلْعَاطِسِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَقَالَ ثَعْلَبٌ يُقَالُ سَمَّتَّ الْعَاطِسَ وَشَمَّتَّهُ إِذَا دَعَوْتَ لَهُ بِالْهُدَى وَقَصْدُ السَّمْتِ الْمُسْتَقِيمُ قَالَ وَالْأَصْلُ فِيهِ السِّينُ الْمُهْمَلَةُ فَقُلِبَتْ شِينًا مُعْجَمَةً وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ تَسْمِيتُ الْعَاطِسِ مَعْنَاهُ هَدَاكَ اللَّهُ إِلَى السَّمْتِ قَالَ وَذَلِكَ لِمَا فِي الْعَاطِسِ مِنَ الِانْزِعَاجِ وَالْقَلِقِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ

الشين المعجمة على اللغتين قال بن الْأَنْبَارِيِّ يُقَالُ مِنْهُ شَمَّتَّهُ وَسَمَّتَّ عَلَيْهِ إِذَا دَعَوْتَ لَهُ بِخَيْرٍ وَكُلُّ دَاعٍ بِالْخَيْرِ فَهُوَ مشمت ومسمت العاطس سنة وهوسنة عَلَى الْكِفَايَةِ إِذَا فَعَلَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ سَقَطَ الْأَمْرُ عَنِ الْبَاقِينَ وَشَرْطُهُ أَنْ يَسْمَعَ قَوْلَ الْعَاطِسِ الْحَمْدُ لِلَّهِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ مَعَ فُرُوعٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا إِبْرَارُ الْقَسَمِ فَهُوَ سُنَّةٌ أَيْضًا مُسْتَحَبَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ وَإِنَّمَا يُنْدَبُ إِلَيْهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَفْسَدَةٌ أَوْ خَوْفُ ضَرَرٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا لَمْ يَبَرَّ قَسَمَهُ كَمَا ثَبَتَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا عَبَرَ الرُّؤْيَا بِحَضْرَةِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا فَقَالَ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُخْبِرَنِّي فَقَالَ لَا تُقْسِمْ وَلَمْ يخبره وأمانصر الْمَظْلُومِ فَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ الْأَمْرُ بِهِ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَخَفْ ضَرَرًا وَأَمَّا إِجَابَةُ الدَّاعِي فَالْمُرَادُ بِهِ الدَّاعِي إِلَى وَلِيمَةٍ وَنَحْوِهَا مِنَ الطَّعَامِ وَسَبَقَ إِيضَاحُ ذَلِكَ بِفُرُوعِهِ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ مِنْ كتاب النكاح وأما افشاءالسلام فَهُوَ إِشَاعَتُهُ وَإِكْثَارُهُ وَأَنْ يَبْذُلَهُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ وَسَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ أَفْشُوا السَّلَامَ وَسَنُوَضِّحُ فُرُوعَهُ فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا رَدُّ السَّلَامِ فَهُوَ فَرْضٌ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ كَانَ السَّلَامُ عَلَى وَاحِدٍ كَانَ الرَّدُّ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى جَمَاعَةٍ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ فِي حَقِّهِمْ إِذَا رَدَّ أَحَدُهُمْ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنِ الْبَاقِينَ وَسَنُوَضِّحُهُ بِفُرُوعِهِ فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا إِنْشَادُ الضالة فهو تعريفها وهو مأموربه وَسَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ وَأَمَّا خَاتَمُ الذَّهَبِ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الرَّجُلِ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا لَوْ كَانَ بَعْضُهُ ذَهَبًا وَبَعْضُهُ فِضَّةً حَتَّى قالأصحابنا لَوْ كَانَتْ سِنُّ الْخَاتَمِ ذَهَبًا أَوْ كَانَ مُمَوَّهًا بِذَهَبٍ يَسِيرٍ فَهُوَ حَرَامٌ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهَا وَأَمَّا لُبْسُ الْحَرِيرِ وَالْإِسْتَبْرَقِ وَالدِّيبَاجِ وَالْقَسِّيِّ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْحَرِيرِ فَكُلُّهُ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ سَوَاءٌ لَبِسَهُ لِلْخُيَلَاءِ أَوْ غَيْرِهَا إِلَّا أَنْ يَلْبَسَهُ لِلْحَكَّةِ فَيَجُوزُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَأَمَّا النِّسَاءُ فَيُبَاحُ لَهُنَّ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ وَخَوَاتِيمِ الذَّهَبِ وَسَائِرِ الْحُلِيِّ مِنْهُ وَمِنَ الْفِضَّةِ سَوَاءٌ الْمُزَوَّجَةُ وَغَيْرُهَا وَالشَّابَّةُ وَالْعَجُوزُ وَالْغَنِيَّةُ وَالْفَقِيرَةُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ وَإِبَاحَتِهِ للنساء هو مذهبنا ومذهب الجماهير وحكى القاضىعن قوم إباحته للرجال

والنساء وعن بن الزُّبَيْرِ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمَا ثُمَّ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى إِبَاحَتِهِ لِلنِّسَاءِ وَتَحْرِيمِهِ عَلَى الرِّجَالِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْمُصَرِّحَةُ بِالتَّحْرِيمِ مَعَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا فِي تَشْقِيقِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَرِيرَ بَيْنَ نِسَائِهِ وَبَيْن الْفَوَاطِمِ خُمُرًا لَهُنَّ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الصِّبْيَانُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ إِلْبَاسُهُمُ الْحُلِيَّ وَالْحَرِيرَ فِي يَوْمِ الْعِيدِ لأنه لاتكليف عَلَيْهِمْ وَفِي جَوَازِ إِلْبَاسِهِمْ ذَلِكَ فِي بَاقِي السَّنَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا جَوَازُهُ وَالثَّانِي تَحْرِيمُهُ وَالثَّالِثُ يَحْرُمُ بَعْدَ سِنِّ التَّمْيِيزِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَعَنْ شُرْبٍ بِالْفِضَّةِ فَقَدْ سَبَقَ إِيضَاحُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَعَنِ الْمَيَاثِرِ) فَهُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ قَبْلَ الرَّاءِ قَالَ الْعُلَمَاءُ هُوَ جَمْعُ مِئْثَرَةٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهِيَ وِطَاءٌ كَانَتِ النِّسَاءُ يَضَعْنَهُ لِأَزْوَاجِهِنَّ عَلَى السُّرُوجِ وَكَانَ مِنْ مَرَاكِبِ الْعَجَمِ وَيَكُونُ مِنَ الْحَرِيرِ وَيَكُونُ مِنَ الصُّوفِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ أَغْشِيَةٌ لِلسُّرُوجِ تُتَّخَذُ مِنَ الْحَرِيرِ وَقِيلَ هِيَ سُرُوجٌ مِنَ الدِّيبَاجِ وَقِيلَ هِيَ شَيْءٌ كَالْفِرَاشِ الصَّغِيرِ تُتَّخَذُ مِنْ حَرِيرٍ تُحْشَى بِقُطْنٍ أَوْ صُوفٍ يَجْعَلُهَا الرَّاكِبُ عَلَى الْبَعِيرِ تَحْتَهُ فَوْقَ الرَّحْلِ وَالْمِئْثَرَةُ مَهْمُوزَةٌ وَهِيَ مِفْعَلةٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ مِنْ الْوَثَارَةِ يُقَالُ وَثُرَ بِضَمِّ الثَّاءِ وَثَارَةً بِفَتْحِ الْوَاوِ فَهُوَ وَثِيرٌ أَيْ وَطِيءٌ لَيِّنٌ وَأَصْلُهَا مِوْثَرَةٌ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ ياء لكسرة ما قبلها كما فى ميزان وميقات وميعادمن الْوَزْنِ وَالْوَقْتِ وَالْوَعْدِ وَأَصْلُهُ مِوْزَانُ وَمِوْقَاتُ وَمِوْعَادُ قَالَ الْعُلَمَاءُ فَالْمِئْثَرَةُ إِنْ كَانَتْ مِنَ الْحَرِيرِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِيمَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ فَهِيَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ جُلُوسٌ عَلَى الْحَرِيرِ وَاسْتِعْمَالٌ لَهُ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى رَحْلٍ أَوْ سَرْجٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَإِنْ كانت مئثرة من غيرالحرير فَلَيْسَتْ بِحِرَامٍ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مَكْرُوهَةً أَيْضًا فان الثوب الأحمر لاكراهة فيه سواء كانت حمراء أم لاوقد ثَبَتَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ حُلَّةً حَمْرَاءَ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ كَرَاهَتَهَا لِئَلَّا يَظُنَّهَا الرَّائِي مِنْ بَعِيدٍ حَرِيرًا وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ الْمُرَادُ بِالْمِئْثَرَةِ جُلُودُ السِّبَاعِ وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْحَدِيثِ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءُ وَاللَّهُ أعلم وأما القسى فهو بفتح القاف وكسرالسين الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ فَتْحِ الْقَافِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَكْسِرُهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَهْلُ الْحَدِيثِ يَكْسِرُونَهَا وأهل مصر

يفتحونها واختلفوا فى تفسيره فالصواب ماذكره مسلم بعد هذا بنحو فراسة فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنِ التَّخَتُّمِ فِي الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَاهُ عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَعَنْ جُلُوسِ عَلَى الْمَيَاثِرِ قَالَ فَأَمَّا الْقَسِّيُّ فَثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ يُؤْتَى بِهَا مِنْ مِصْرَ وَالشَّامِ فِيهَا شُبَهٌ كَذَا هُوَ لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِيهَا حَرِيرٌ أَمْثَالُ الْأُتْرُجِّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ هِيَ ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ بالحرير تعمل بالقس بفتح القاف وهوموضع مِنْ بِلَادِ مِصْرَ وَهُوَ قَرْيَةٌ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ قَرِيبَةٌ مِنْ تِنِّيسَ وَقِيلَ هِيَ ثِيَابُ كَتَّانٍ مَخْلُوطٍ بِحَرِيرٍ وَقِيلَ هِيَ ثِيَابٌ مِنَ الْقَزِّ وَأَصْلُهُ الْقَزِّيُّ بِالزَّايِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَزِّ وَهُوَ رَدِيءُ الْحَرِيرِ فَأُبْدِلَ مِنَ الزَّايِ سِينٌ وَهَذَا الْقَسِّيُّ إِنْ كَانَ حَرِيرُهُ أَكْثَرَ مِنْ كتانه فالنهى عنه للتحريم إلا فَالْكَرَاهَةُ لِلتَّنْزِيهِ وَأَمَّا الْإِسْتَبْرَقُ فَغَلِيظُ الدِّيبَاجِ وَأَمَّا الدِّيبَاجُ فَبِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا جَمْعُهُ دَبَابِيجُ وَهُوَ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبُ الدِّيبَا وَالدِّيبَاجُ وَالْإِسْتَبْرَقُ حَرَامٌ لِأَنَّهُمَا مِنَ الْحَرِيرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ (وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ وَعَنِ الشُّرْبِ) فَالضَّمِيرُ فِي وَزَادَ يَعُودُ إِلَى الشَّيْبَانِيِّ الرَّاوِي عَنْ

أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ [2067] قَوْلُهُ (فَجَاءَ دِهْقَانٌ) هُوَ بِكَسْرِ الدَّال عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا مِمَّنْ حَكَاهُ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ وَالْمَطَالِعِ وَحَكَاهُمَا الْقَاضِي فِي الشَّرْحِ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَوَقَعَ فِي نُسَخِ صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ أَوْ بَعْضِهَا مَفْتُوحًا وَهَذَا غَرِيبٌ وَهُوَ زَعِيمُ فَلَّاحِي الْعَجَمِ وَقِيلَ زَعِيمُ الْقَرْيَةِ وَرَئِيسُهَا وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ وَهُوَ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ قِيلَ النُّونُ فِيهِ أَصْلِيَّةٌ مَأْخُوذٌ مِنَ الدَّهْقَنَةِ وَهِيَ الرِّيَاسَةُ وَقِيلَ زَائِدَةٌ مِنَ الدَّهْقِ وَهُوَ الِامْتِلَاءُ وَذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي دَهْقَنَ لَكِنَّهُ قَالَ إِنْ جَعَلْتَ نُونَهُ أَصْلِيَّةً مِنْ قولهم تدهقن الرجل صرفته لأنه فعلان وَإِنْ جَعَلْتَهُ مِنَ الدَّهْقِ لَمْ تَصْرِفْهُ لِأَنَّهُ فِعْلَانُ قَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنَّهُ سُمِّيَ بِهِ مَنْ جَمَعَ الْمَالَ وَمَلَأَ الْأَوْعِيَةَ مِنْهُ يُقَالُ دَهَقْتُ الْمَاءَ وَأَدْهَقْتُهُ إِذَا أَفْرَغْتُهُ وَدَهِقَ لِي دَهْقَةً مِنْ مَالِهِ أَيْ أَعْطَانِيهَا وَأَدْهَقْتُ الْإِنَاءَ أَيْ مَلَأْتُهُ قَالُوا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الدَّهْقَنَةِ وَالدُّهْمَةِ وَهِيَ لِينُ الطَّعَامِ لِأَنَّهُمْ يُلِينُونَ طَعَامَهُمْ وَعَيْشَهُمْ لِسَعَةِ أَيْدِيهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ وَقِيلَ لِحِذْقِهِ وَدَهَائِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنَّ حُذَيْفَةَ رَمَاهُ باناء الفضة حين جاءه بالشراب فِيهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا رَمَاهُ بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ نَهَاهُ قَبْل ذَلِكَ عَنْهُ) فِيهِ تَحْرِيمُ الشرب فيه وتعزير من ارتكب معصية لاسيما إِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ نَهْيُهُ عَنْهَا كَقَضِيَّةِ الدهقان مع حذيفة وفيه أنه لابأس أَنْ يُعَزِّرَ الْأَمِيرُ بِنَفْسِهِ بَعْضَ مُسْتَحِقِّي التَّعْزِيرِ وَفِيهِ أَنَّ الْأَمِيرَ وَالْكَبِيرَ إِذَا فَعَلَ شَيْئًا صحيحا فى نفس الأمر ولايكون وَجْهُهُ ظَاهِرًا فَيَنْبَغِي

أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى دَلِيلِهِ وَسَبَبِ فِعْلِهِ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّهُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ) أَيْ إِنَّ الْكُفَّارَ إِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُمْ ذَلِكَ فِي الدنيا وأما الآخرة فمالهم فِيهَا مِنْ نَصِيبٍ وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَلَهُمْ فِي الجنة الحرير والذهب وما لاعين رأت ولاأذن سمعت ولاخطر عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ يَقُولُ الْكُفَّارُ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالْفُرُوعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِإِبَاحَتِهِ لَهُمْ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنِ الْوَاقِع فِي الْعَادَةِ أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِمْ كَمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَهُوَ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) إِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ مَوْتِهِ صَارَ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ فِي هَذَا الْإِكْرَامِ فَبَيَّنَ

أَنَّهُ إِنَّمَا هُوَ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَبَعْدَهُ فِي الْجَنَّةِ أَبَدًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ وَيَسْتَمِرُّ فِي الْجَنَّةِ أَبَدًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (ولاتأكلوا فِي صِحَافِهَا) جَمْعُ صَحْفَةٍ وَهِيَ دُونَ الْقَصْعَةِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ الْكِسَائِيُّ أَعْظَمُ الْقِصَاعِ الْجَفْنَةُ ثُمَّ الْقَصْعَةُ تَلِيهَا تُشْبِعُ الْعَشَرَةَ ثُمَّ الصَّحْفَةُ تُشْبِعُ الْخَمْسَةَ ثُمَّ الْمَكِيلَةُ تُشْبِعُ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ ثم الصحيفة تُشْبِعُ الرَّجُلَ [2068] قَوْلُهُ (رَأَى حُلَّةَ سِيَرَاءَ) هِيَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ رَاءٍ ثُمَّ أَلِفٍ مَمْدُودَةٍ وَضَبَطُوا الْحُلَّةَ هُنَا بِالتَّنْوِينِ عَلَى أَنَّ سِيَرَاءَ صِفَةٌ وَبِغَيْرِ تَنْوِينٍ عَلَى الْإِضَافَةِ وَهُمَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَالْمُحَقِّقُونَ وَمُتْقِنُو الْعَرَبِيَّةِ يَخْتَارُونَ الْإِضَافَةَ قَالَ سِيبَوَيْهِ لَمْ تَأْتِ فِعَلَاءُ صِفَةً وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ

يُنَوِّنُونَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ حُلَّةٌ سِيَرَاءُ كَمَا قَالُوا نَاقَةٌ عُشَرَاءُ قَالُوا هِيَ بُرُودٌ يُخَالِطُهَا حَرِيرٌ وَهِيَ مُضَلَّعَةٌ بِالْحَرِيرِ وَكَذَا فَسَّرَهَا فِي الْحَدِيثِ فى سننأبى دَاوُدَ وَكَذَا قَالَهُ الْخَلِيلُ وَالْأَصْمَعِيُّ وَآخَرُونَ قَالُوا كأنها شبهت خطوطها بالستور وقال بن شِهَابٍ هِيَ ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ بِالْقَزِّ وَقِيلَ هِيَ مُخْتَلِفَةُ الْأَلْوَانِ وَقَالَ هِيَ وَشْيٌ مِنْ حَرِيرٍ وَقِيلَ إِنَّهَا حَرِيرٌ مَحْضٌ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى حُلَّةٌ مِنَ إِسْتَبْرَقٍ وَفِي الْأُخْرَى مِنْ دِيبَاجٍ أَوْ حَرِيرٍ وَفِي رِوَايَةٍ حُلَّةُ سُنْدُسٍ فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تُبَيِّنُ أَنَّ هَذِهِ الْحُلَّةَ كَانَتْ حَرِيرًا مَحْضًا وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَلِأَنَّهَا هِيَ الْمُحَرَّمَةُ أَمَّا الْمُخْتَلِطُ مِنْ حَرِيرٍ وَغَيْرِهِ فَلَا يَحْرُمُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَرِيرُ أَكْثَرَ وَزْنًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أهل اللغة الحلة لاتكون إلاثوبان وَتَكُونُ غَالِبًا إِزَارًا وَرِدَاءً وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْحُلَّةِ دَلِيلٌ لِتَحْرِيمِ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ وَإِبَاحَتِهِ لِلنِّسَاءِ وَإِبَاحَةِ هَدِيَّتِهِ وَإِبَاحَةِ ثَمَنِهِ وَجَوَازِ إِهْدَاءِ الْمُسْلِمِ إِلَى الْمُشْرِكِ ثَوْبًا وَغَيْرَهُ وَاسْتِحْبَابِ لِبَاسِ أَنْفَسِ ثِيَابِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَعِنْدَ لِقَاءِ الْوُفُودِ وَنَحْوِهِمْ وَعَرْضِ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ وَالتَّابِعِ عَلَى الْمَتْبُوعِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ من مصالحة التى قد لايذكرها وَفِيهِ صِلَةُ الْأَقَارِبِ وَالْمَعَارِفِ وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا وَجَوَازُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ من لاخلاق له فى الآخرة) قيل معناه من لانصيب له فى الآخرة وقيل من لاحرمة له وقيل من لادين لَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى الْكُفَّارِ وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ يَتَنَاوَلُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ وَاللَّهُ أعلم قوله (فكساها عمر أخاله مُشْرِكًا بِمَكَّةَ) هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رواية للبخارى فِي كِتَابٍ قَالَ أَرْسَلَ

بِهَا عُمَرُ إِلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ فِي مُسْنَدِ أَبِي عَوَانَةَ الْإِسْفَرَايِنِيِّ فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مِنْ أُمِّهِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مُشْرِكًا وفىهذا كله دَلِيلٌ لِجَوَازِ صِلَةِ الْأَقَارِبِ الْكُفَّارِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَجَوَازُ الْهَدِيَّةِ إِلَى الْكُفَّارِ وَفِيهِ جَوَازُ إِهْدَاءِ ثياب الحرير إلى الرجال لأنها لاتتعين لِلُبْسِهِمْ وَقَدْ يُتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ رِجَالَ الْكُفَّارِ يَجُوزُ لَهُمْ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَهَذَا وَهْمٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا فِيهِ الْهَدِيَّةُ إِلَى كَافِرٍ وَلَيْسَ فِيهِ الْإِذْنُ لَهُ فِي لُبْسِهَا وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ وَعَلِيٍّ وأسامة رضى الله عنهم ولايلزم مِنْهُ إِبَاحَةُ لُبْسِهَا لَهُمْ بَلْ صَرَّحَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَعْطَاهُ لِيَنْتَفِعَ بِهَا بِغَيْرِ اللُّبْسِ وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرْعِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الْحَرِيرُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ والله أعلم قوله (رأى عمر عطارد التَّمِيمِيَّ يُقِيمُ بِالسُّوقِ حُلَّةً) أَيْ يَعْرِضُهَا لِلْبَيْعِ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (شَقِّقْهَا خُمُرًا بَيْنَ نِسَائِكَ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا جَمْعُ خِمَارٍ وَهُوَ مَا يُوضَعُ

عَلَى رَأْسِ الْمَرْأَةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ لُبْسِ النِّسَاءِ الْحَرِيرَ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ لِبَعْضِ السَّلَفِ وَزَالَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتَنْتَفِعَ بِهَا) أَيْ تَبِيعَهَا فَتَنْتَفِعَ بِثَمَنِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ التى قبلها وفى حديث بن مُثَنَّى بَعْدَهَا قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ قَالَ لِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي الْإِسْتَبْرَقِ قُلْتُ مَا غَلُظَ مِنَ الدِّيبَاجِ وَخَشُنَ مِنْهُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ وَفِي كِتَابَيِ الْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيِّ قَالَ لِي سَالِمُ مَا الْإِسْتَبْرَقُ قُلْتُ مَا غَلُظَ مِنَ الدِّيبَاجِ وَهَذَا مَعْنَى رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَكِنَّهَا مُخْتَصَرَةٌ وَمَعْنَاهَا قَالَ لِي سَالِمٌ فى الاستبرق ما هو فقلت هو ماغلظ فرواية مسلم صحيحة لاقدح فِيهَا وَقَدْ أَشَارَ الْقَاضِي

إِلَى تَغْلِيطِهَا وَأَنَّ الصَّوَابَ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ وَلَيْسَتْ بغلط بل صحيحة كما أوضحناه [2069] قوله (ومئثرة الأرجوان) تقدم تفسير المئثرة وضبطها وأما الأجوان فَهُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْجِيمِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ المعروف فى روايات الحديث وفى كتب الغريب وفى كتب اللغة وغيرها وكذاصرح بِهِ الْقَاضِّي فِي الْمَشَارِقِ وَفِي شَرْحِ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْهُ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْجِيمِ وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ مِنَ النُّسَّاخِ لامن الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْهُ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَغَيْرُهُمْ هُوَ صِبْغٌ أحمر شديد الحمرة هكذا قاله أبوعبيد والجمهور وقال الفراء هو الحمرة وقال بن فَارِسٍ هُوَ كُلُّ لَوْنٍ أَحْمَرَ وَقِيلَ هُوَ الصُّوفُ الْأَحْمَرُ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ شَجَرٌ لَهُ نور أحمر أحسن مايكون قَالَ وَهُوَ مُعْرَّبٌ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ عَرَبِيٌّ قَالُوا وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ يُقَال هَذَا ثَوْبُ أُرْجُوَانٍ وَهَذِهِ قَطِيفَةُ أُرْجُوَانٍ وَقَدْ يَقُولُونَهُ عَلَى الصِّفَةِ وَلَكِنَّ الْأَكْثَرَ فِي اسْتِعْمَالِهِ إِضَافَةُ الْأُرْجُوَانِ إِلَى مَا بَعْدَهُ ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الرَّاءِ وَالْجِيمِ وَالْوَاوِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَلَا يُغْتَرُّ بِذِكْرِ الْقَاضِي لَهُ فِي الْمَشَارِقِ فِي بَابِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ والجيم ولابذكر بن الْأَثِيرِ لَهُ فِي الرَّاءِ وَالْجِيمِ وَالنُّونِ وَاللَّهُ أعلم قوله (ان اسماء أرسلت إلى بن عُمَرَ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ ثَلَاثَةً الْعَلَمُ فِي الثَّوْبِ وَمِئْثَرَةُ الْأُرْجُوَانِ وَصَوْمُ رَجَبٍ كُلِّهِ فقال بن عمر أما ذَكَرْتُ مِنْ رَجَبٍ فَكَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الْأَبَدِ وأما ماذكرت مِنَ الْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

يقول انما يلبس الحرير من لاخلاق له فحفت أَنْ يَكُونَ الْعَلَمُ مِنْهُ وَأَمَّا مِئْثَرَةُ الْأُرْجُوَانِ فهذه مئثرة عبد الله أرجوان فَهَذِهِ مِئْثَرَةُ عَبْدِ اللَّهِ أُرْجُوَانٌ فَقَالَتْ هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخرجت إلى بجبة طَيَالِسَةٍ كِسْرَوَانِيَّةٍ لَهَا لِبْنَةُ دِيبَاجٍ وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بالدبياج فَقَالَتْ هَذِهِ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ حَتَّى قُبِضَتْ فلما قبضت قبضها وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا فنحن نغسلها للمرمضى يستشفى بها) أما جواب بن عُمَرَ فِي صَوْمِ رَجَبٍ فَإِنْكَارٌ مِنْهُ لِمَا بلغها عَنْهُ مِنْ تَحْرِيمِهِ وَإِخْبَارٌ بِأَنَّهُ يَصُومُ رَجَبًا كُلَّهُ وَأَنَّهُ يَصُومُ الْأَبَدَ وَالْمُرَادُ بِالْأَبَدِ مَا سِوَى أَيَّامِ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ وَهَذَا مَذْهَبُهُ وَمَذْهَبُ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَائِشَةَ وَأَبِي طَلْحَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ من العلماء أنه لايكره صَوْمُ الدَّهْرِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ مَعَ شَرْحِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُ عَنْهُ مِنْ كَرَاهَةِ الْعِلْمِ فَلَمْ يَعْتَرِفْ بِأَنَّهُ كَانَ يُحَرِّمُهُ بَلْ أَخْبَرَ أَنَّهُ تَوَرَّعَ عَنْهُ خَوْفًا مِنْ دُخُولِهِ فِي عموم النهى عن الحرير وأما المئثرة فَأَنْكَرَ مَا بَلَغَهَا عَنْهُ فِيهَا وَقَالَ هَذِهِ مِئْثَرَتِي وَهِيَ أُرْجُوَانٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا حَمْرَاءُ وَلَيْسَتْ مِنْ حَرِيرٍ بَلْ مِنْ صُوفٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مِنْ حَرِيرٍ وَقَدْ تَكُونُ مِنْ صُوفٍ وَأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي النَّهْيِ عَنْهَا مَخْصُوصَةٌ بِالَّتِي هِيَ مِنَ الْحَرِيرِ وَأَمَّا إِخْرَاجُ أَسْمَاءَ جُبَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَكْفُوفَةِ بِالْحَرِيرِ فَقَصَدْتُ بِهَا بَيَانَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُحَرَّمًا وَهَكَذَا الْحُكْمُ عند الشافعى وغيره أن الثوب والحبة وَالْعِمَامَةَ وَنَحْوَهَا إِذَا كَانَ مَكْفُوفَ الطَّرَفِ بِالْحَرِيرِ جَازَ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى أَرْبَعِ أَصَابِعَ فَإِنْ زَادَ فَهُوَ حَرَامٌ لِحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا قَوْلُهُ (جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ) فَهُوَ بِإِضَافَةِ جُبَّةٍ إِلَى طَيَالِسَةٍ وَالطَّيَالِسَةُ جَمْع طَيْلَسَانٍ بِفَتْحِ اللَّامِ

على المشهور قال جماهير أهل اللغة لايجوز فِيهِ غَيْرُ فَتْحِ اللَّامِ وَعَدُّوا كَسْرَهَا فِي تَصْحِيفِ الْعَوَامِّ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ فِي حَرْفِ السِّينِ وَالْيَاءِ فِي تَفْسِيرِ السَّاجِ أَنَّ الطَّيْلَسَانَ يُقَال بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَهَذَا غريب ضعيف وأما قوله (كسروانية) فَهُوَ بِكَسْرِ الْكَافِ وَفَتْحِهَا وَالسِّينُ سَاكِنَةٌ وَالرَّاءُ مَفْتُوحَةٌ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَنَّ جُمْهُورَ الرُّوَاةِ رَوَوْهُ بِكَسْرِ الْكَافِ وَهُوَ نِسْبَةٌ إِلَى كِسْرَى صَاحِبِ الْعِرَاقِ مَلِكِ الْفُرْسِ وَفِيهِ كَسْرُ الْكَافِ وَفَتْحُهَا قَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ الْهَرَوِيُّ فِي مُسْلِمٍ فَقَالَ خِسْرَوَانِيَّةٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّبَرُّكِ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ وَثِيَابِهِمْ وَفِيهِ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْحَرِيرِ الْمُرَادُ بِهِ الثَّوْبُ الْمُتَمَحِّضُ مِنَ الْحَرِيرِ أَوْ مَا أَكْثَرُهُ حَرِيرٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ المراد تحريم كل جزءمنه بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَالذَّهَبِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُمَا وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْجُبَّةِ (إِنَّ لَهَا لِبْنَةً) فَهُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ هَكَذَا ضَبَطَهَا الْقَاضِي وَسَائِرُ الشُّرَّاحِ وَكَذَا هِيَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ قَالُوا وَهِيَ رُقْعَةٌ فِي جَيْبِ الْقَمِيصِ هَذِهِ عِبَارَتُهُمْ كُلِّهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهَا (وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ) فَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ وَهُمَا مَنْصُوبَانِ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَرَأَيْتُ فَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ وَمَعْنَى الْمَكْفُوفِ أَنَّهُ جَعَلَ لَهَا كُفَّةً بِضَمِّ الْكَافِ وَهُوَ مايكف بِهِ جَوَانِبُهَا وَيُعْطَفُ عَلَيْهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الذَّيْلِ وَفِي الْفَرْجَيْنِ وَفِي الْكُمَّيْنِ وَفِي هَذَا جواز لباس الجبة ولباس ماله فرجان وأنه لاكراهة فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي ذُبْيَانَ) هو بضم الذال وكسرها وقوله (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ خَطَبَ فَقَالَ لاتلبسوا نِسَاءَكُمُ الْحَرِيرَ فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاتلبسوا الحرير) هذا مذهب بن الزُّبَيْرِ وَأَجْمَعُوا بَعْدَهُ عَلَى إِبَاحَةِ الْحَرِيرِ لِلنِّسَاءِ كَمَا سَبَقَ وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ إِنَّمَا وَرَدَ فِي لُبْسِ الرِّجَالِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ خِطَابٌ لِلذُّكُورِ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مُحَقِّقِي الْأُصُولِيِّينَ أن النساء لايدخلن فِي خِطَابِ الرِّجَالِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالثَّانِي أَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ قَبْلَ هَذَا وَبَعْدَهُ صَرِيحَةٌ فِي إِبَاحَتِهِ لِلنِّسَاءِ

وَأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَأُسَامَةَ بِأَنْ يَكْسُوَاهُ نِسَاءَهُمَا مَعَ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنه ونحن بأذربيجان ياعتبة بْنَ فَرْقَدٍ) إِلَى آخِرِهِ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَقَالَ هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَسْمَعْهُ أَبُو عُثْمَانَ مِنْ عُمَرَ بَلْ أَخْبَرَ عَنْ كِتَابِ عُمَرَ وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ بَاطِلٌ فَإِنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْمُحَدِّثِينَ وَمُحَقِّقُو الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ جَوَازُ الْعَمَلِ بِالْكِتَابِ وَرِوَايَتِهِ عَنِ الْكَاتِبِ سَوَاءٌ قَالَ فِي الْكِتَابِ أَذِنْتُ لَكَ فِي رِوَايَةِ هَذَا عَنِّي أَوْ أَجَزْتُكَ رِوَايَتَهُ عَنِّي أَوْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا وَقَدْ أَكْثَرَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَائِرُ الْمُحَدِّثِينَ وَالْمُصَنَّفِينَ فِي تَصَانِيفِهِمْ مِنَ الِاحْتِجَاجِ بِالْمُكَاتَبَةِ فَيَقُولُ الرَّاوِي مِنْهُمْ وَمِمَّنْ قَبْلَهُمْ كَتَبَ إِلَيَّ فُلَانٌ كَذَا أَوْ كَتَبَ إِلَيَّ فُلَانٌ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَانٌ أَوْ أَخْبَرَنِي مُكَاتَبَةً وَالْمُرَادُ بِهِ هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وَذَلِكَ مَعْمُولٌ بِهِ عِنْدَهُمْ مَعْدُودٌ فِي الْمُتَّصِلِ لِإِشْعَارِهِ بِمَعْنَى الْإِجَازَةِ وَزَادَ السَّمْعَانِيُّ فَقَالَ هِيَ أَقْوَى مِنَ الْإِجَازَةِ وَدَلِيلُهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْتُبُ إِلَى عُمَّالِهِ وَنُوَّابِهِ وَأُمَرَائِهِ وَيَفْعَلُونَ مَا فِيهَا وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ وَمِنْ ذَلِكَ كِتَابُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا فَإِنَّهُ كَتَبَهُ إِلَى جَيْشِهِ وَفِيهِ خَلَائِقُ مِنَ الصَّحَابَةِ فَدَلَّ عَلَى حُصُولِ الِاتِّفَاقِ مِنْهُ وَمِمَّنْ عِنْدَهُ فِي الْمَدِينَةِ وَمَنْ فِي الْجَيْشِ عَلَى الْعَمَلِ بِالْكِتَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي عُثْمَانُ كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ فَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلرَّاوِي بِالْمُكَاتَبَةِ أَنْ يَقُولَ كَتَبَ إِلَيَّ فُلَانٌ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَانٌ أَوْ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ مُكَاتَبَةً أَوْ فِي كِتَابِهِ أَوْ فِيمَا كَتَبَ بِهِ إلى ونحو هذا ولايجوز أَنْ يُطْلَقَ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا وَلَا أَخْبَرَنَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَجَوَّزَهُ طَائِفَةٌ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَهْلِ الحديث وكبارهم منهم مَنْصُورٌ وَاللَّيْثُ وَغَيْرُهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ) هِيَ إِقْلِيمٌ مَعْرُوفٌ وَرَاءَ الْعِرَاقِ وَفِي ضَبْطِهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَشْهَرُهُمَا وَأَفْصَحُهُمَا وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ أَذْرَبِيجَانُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بِغَيْرِ مَدَّةٍ وَإِسْكَانِ الذَّالِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَآخَرُونَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَالثَّانِي

مَدُّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحُ الذَّالِ وَفَتْحُ الرَّاءِ وَكَسْرُ الْبَاءِ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَشَارِقِ وَالْمَطَالِعِ أَنَّ جَمَاعَةً فَتَحُوا الْبَاءَ عَلَى هَذَا الثَّانِي وَالْمَشْهُورُ كَسْرُهَا قَوْلُهُ (كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ يَا عُتْبَةُ بْنَ فرقد أنه ليس من كدك ولاكد أَبِيكَ فَأَشْبِعِ الْمُسْلِمِينَ فِي رِحَالِهِمْ مِمَّا تَشْبَعُ مِنْهُ فِي رَحْلِكَ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ وَزِيَّ أَهْلِ الشِّرْكِ وَلَبُوسَ الْحَرِيرِ) أَمَّا قَوْلُهُ كَتَبَ إِلَيْنَا فَمَعْنَاهُ كَتَبَ إِلَى أَمِيرِ الْجَيْشِ وَهُوَ عُتْبَةُ بْنُ فَرْقَدٍ لِيَقْرَأَهُ عَلَى الْجَيْشِ فَقَرَأَهُ عَلَيْنَا وَأَمَّا قَوْلُهُ (لَيْسَ مِنْ كَدِّكَ) فَالْكَدُّ التَّعَبُ وَالْمَشَقَّةُ وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّ هَذَا الْمَالَ الَّذِي عِنْدَكَ لَيْسَ هُوَ مِنْ كَسْبِكَ وَمِمَّا تَعِبْتَ فِيهِ وَلَحِقَتْكَ الشِّدَّةُ وَالْمَشَقَّةُ فِي كَدِّهِ وَتَحْصِيلِهِ ولاهو مِنْ كَدِّ أَبِيكَ وَأُمِّكَ فَوَرِثْتَهُ مِنْهُمَا بَلْ هو مال المسلمين فشاركهم فيه ولاتختص عَنْهُمْ بِشَيْءٍ بَلْ أَشْبِعْهُمْ مِنْهُ وَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ أَيْ مَنَازِلِهِمْ كَمَا تَشْبَعُ مِنْهُ فِي الجنس والقدر والصفة ولاتؤخر أرزاقهم عنهم ولاتحوجهم يَطْلُبُونَهَا مِنْكَ بَلْ أَوْصِلْهَا إِلَيْهِمْ وَهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ بِلَا طَلَبٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ وزى العجم) فهوبكسر الزَّايِ وَلَبُوسُ الْحَرِيرِ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّ الْبَاءِ مَا يَلْبَسُ مِنْهُ وَمَقْصُودُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حَثُّهُمْ عَلَى خُشُونَةِ الْعَيْشِ وصلابتهم

فِي ذَلِكَ وَمُحَافَظَتِهِمْ عَلَى طَرِيقَةِ الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ فِي مُسْنَدِ أَبِي عَوَانَةِ الْإِسْفَرَايِنِيِّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ أَمَّا بَعْدَ فَاتَّزِرُوا وَارْتَدُوا وَأَلْقُوا الْخِفَافَ وَالسَّرَاوِيلَاتِ وَعَلَيْكُمْ بِلِبَاسِ أَبِيكُمْ إِسْمَاعِيلَ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ وَزِيَّ الْأَعَاجِمِ وَعَلَيْكُمْ بِالشَّمْسِ فَإِنَّهَا حَمَّامُ الْعَرَبِ وَتَمَعْدَدُوا وَاخْشَوْشِنُوا وَاقْطَعُوا الرَّكْبَ وَابْرُزُوا وَارْمُوا الْأَغْرَاضَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَرُئِيتُهُمَا أَزْرَارَ الطَّيَالِسَةِ حَتَّى رَأَيْتُ الطَّيَالِسَةَ) فَقَوْلُهُ فَرُئِيتُهُمَا هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الرَّاءِ قَوْلُهُ (فَمَا عَتَّمْنَا أَنَّهُ يَعْنِي الْأَعْلَامَ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ عَتَّمْنَا بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ نُونٍ وَمَعْنَاهُ مَا أَبْطَأَنَا فِي مَعْرِفَةِ أنه أر الْأَعْلَامَ يُقَالُ عَتَّمَ الشَّيْءَ إِذَا أَبْطَأَ وَتَأَخَّرَ وَعَتَّمْتُهُ إِذَا أَخَّرْتُهُ وَمِنْهُ حَدِيثُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ غَرَسَ كَذَا وَكَذَا أَوْدِيَةٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاوِلُهُ وَهُوَ يَغْرِسُ فَمَا عَتَّمْتُ مِنْهَا وَاحِدَةً أَيْ مَا أَبْطَأْتُ أَنْ عَلَّقْتُ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ ضَبْطِ اللَّفْظَةِ وَشَرْحِهَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ الذى

صَرَّحَ بِهِ جُمْهُورُ الشَّارِحِينَ وَأَهْلُ غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهِ عَنْ بَعْضِهِمْ تَغْيِيرًا وَاعْتِرَاضًا لاحاجة إِلَى ذِكْرِهِ لِفَسَادِهِ قَوْلُهُ (عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ نَهَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ) هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ وَقَالَ لَمْ يَرْفَعْهُ عن الشعبى إلاقتادة وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ مَوْقُوفًا وَرَوَاهُ بَيَانٌ وَدَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ سُوَيْدٍ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَكَذَا قَالَ شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ سويد وقاله بن عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سُوَيْدٍ وَأَبُو حُصَيْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ سُوَيْدٍ هَذَا كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ انْفَرَدَ بِهَا مُسْلِمٌ لَمْ يَذْكُرْهَا الْبُخَارِيُّ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الثِّقَةَ إِذَا انْفَرَدَ بِرَفْعِ مَا وَقَفَهُ الْأَكْثَرُونَ كَانَ الْحُكْمُ لِرِوَايَتِهِ وَحُكِمَ بِأَنَّهُ مَرْفُوعٌ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ وَمُحَقِّقُو الْمُحَدِّثِينَ وَهَذَا مِنْ ذَاكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِبَاحَةُ الْعَلَمِ مِنَ الْحَرِيرِ فِي الثَّوْبِ إِذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى أَرْبَعِ أَصَابِعَ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ

بِمَنْعِهِ وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ رِوَايَةٌ بِإِبَاحَةِ الْعَلَمِ بلا تقدير بأربع أصابع بل قال يجوزوان عَظُمَ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مَرْدُودَانِ بِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّرِيحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرُّزِّيُّ) هُوَ بِرَاءٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ زَايٍ مُشَدَّدَةٍ قَوْلُهُ (فَأَطَرْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي) أَيْ قَسَمْتُهَا قَوْلُهُ (أَنَّ أُكَيْدِرَ دَوْمَةَ) هِيَ بِضَمِّ الدَّالِ وفتحها لغتان مشهورتان وزعم بن دُرَيْدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا الضَّمُّ وَأَنَّ المحدثين

يفتوحنها وَأَنَّهُمْ غَالِطُونَ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ هُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ أَهْلُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَهَا بِالضَّمِّ وَأَهْلُ اللُّغَةِ يَفْتَحُونَهَا وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا دَوْمًا وَهِيَ مَدِينَةٌ لَهَا حِصْنٌ عَادِيٌّ وَهِيَ فِي بَرِّيَّةٍ فِي أَرْضِ نَخْلٍ وَزَرْعٍ يَسْقُونَ بِالنَّوَاضِحِ وَحَوْلَهَا عُيُونٌ قَلِيلَةٌ وَغَالِبُ زَرْعِهِمُ الشَّعِيرِ وَهِيَ عَنِ الْمَدِينَةِ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَرْحَلَةٍ وَعَنْ دِمَشْق عَلَى نَحْوِ عشر مراحل وعن الكوفة على قدر عشرمراحل أَيْضًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أُكَيْدِرٌ فَهُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَهُوَ أُكَيْدِرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلَكِ الْكِنْدِيُّ قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُبْهَمَاتُ كَانَ نَصْرَانِيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ قَالَ وَقِيلَ بل مات نصرانيا وقال بن منده وأبونعيم الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ إِنَّ أُكَيْدِرًا هَذَا أَسْلَمَ وَأَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةَ سِيَرَاءَ قَالَ بن الْأَثِيرِ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ أَمَّا الْهَدِيَّةُ وَالْمُصَالَحَةُ فَصَحِيحَانِ وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَغَلَطٌ قَالَ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ السِّيَرِ وَمَنْ قَالَ أَسْلَمَ فَقَدْ أَخْطَأَ خَطَأً فَاحِشًا قَالَ وَكَانَ أُكَيْدِرٌ نَصْرَانِيًّا فَلَمَّا صَالَحَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ إِلَى حِصْنِهِ وَبَقِيَ فِيهِ ثُمَّ حَاصَرَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَتَلَهُ مُشْرِكًا نَصْرَانِيًّا يَعْنِي لِنَقْضِهِ الْعَهْدَ قَالَ وَذَكَرَ الْبَلَاذُرِيُّ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَادَ إِلَى دَوْمَةَ فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَدَّ أُكَيْدِرٌ فَلَمَّا سَارَ خَالِدٌ مِنَ الْعِرَاقِ إِلَى الشَّامِ قَتَلَهُ وَعَلَى هَذَا القول لاينبغى أيضا عده فى الصحابة هذا كلام بن الْأَثِيرِ قَوْلُهُ (إِنَّ أُكَيْدِرَ دَوْمَةَ أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَ حَرِيرٍ فَأَعْطَاهُ عَلِيًّا فَقَالَ شَقِّقْهُ خُمُرًا بَيْنَ الْفَوَاطِمِ) أَمَّا الْخُمُرُ فَسَبَقَ أَنَّهُ بِضَمِّ الْمِيمِ جَمْعُ خِمَارٍ وَأَمَّا الْفَوَاطِمُ فَقَالَ الْهَرَوِيُّ وَالْأَزْهَرِيُّ وَالْجُمْهُورُ إِنَّهُنَّ ثَلَاثٌ فَاطِمَةُ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ وَهِيَ

أُمُّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهِيَ أَوَّلُ هَاشِمِيَّةٍ وَلَدَتْ لِهَاشِمِيِّ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ وَذَكَرَ الْحَافِظَانِ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سعيد وبن عَبْدِ الْبَرِّ بِإِسْنَادِهِمَا أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَسَمَهُ بَيْنَ الْفَوَاطِمِ الْأَرْبَعِ فَذَكَرَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الرَّابِعَةُ فَاطِمَةَ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ امْرَأَةَ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِاخْتِصَاصِهَا بِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْمُصَاهَرَةِ وَقُرْبِهَا إِلَيْهِ بِالْمُنَاسَبَةِ وَهِيَ مِنَ الْمُبَايِعَاتِ شَهِدَتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنًا وَلَهَا قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الْغَنَائِمِ تَدُلُّ عَلَى وَرَعِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ أُمُّ عَلِيٍّ كَانَتْ مِنْهُنَّ وَهُوَ مُصَحِّحٌ لِهِجْرَتِهَا كَمَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا مَاتَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ قَبُولِ هَدِيَّةِ الْكَافِرِ وَقَدْ سَبَقَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي هَذَا وَفِيهِ جَوَازُ هَدِيَّةِ الْحَرِيرِ إِلَى الرِّجَالِ وَقَبُولِهِمْ إِيَّاهُ وَجَوَازُ لِبَاسِ النِّسَاءِ لَهُ قَوْلُهُ

(باب إباحة لبس الحرير للرجل إذا كان به حكة أو نحوها)

[2075] (أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُّوجَ حَرِيرٍ فَلَبِسَهُ ثُمَّ صَلَّى فِيهِ فَنَزَعَهُ نزعا شديدا كالكاره له ثم قال لاينبغى هَذَا لِلْمُتَّقِينَ) الْفَرُّوجُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي ضَبْطِهِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْجُمْهُورُ غَيْرَهُ وَحُكِيَ ضَمُّ الْفَاءِ وَحَكَى الْقَاضِي فِي الشَّرْحِ وَفِي الْمَشَارِقِ تَخْفِيفَ الرَّاءِ وَتَشْدِيدَهَا وَالتَّخْفِيفُ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ قَالُوا وَهُوَ قَبَاءٌ لَهُ شِقٌّ مِنْ خَلْفِهِ وَهَذَا اللُّبْسُ المذكور فى هذا الْحَدِيثِ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ وَلَعَلَّ أَوَّلَ النَّهْيِ وَالتَّحْرِيمِ كَانَ حِينَ نَزَعَهُ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ قَبْلَ هَذَا بِأَسْطُرٍ حِينَ صَلَّى فِي قَبَاءٍ دِيبَاجٍ ثُمَّ نَزَعَهُ وَقَالَ نَهَانِي عَنْهُ جِبْرِيلُ فَيَكُونُ هَذَا أَوَّلَ التَّحْرِيمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب إِبَاحَةِ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ بِهِ حِكَّةٌ أَوْ نَحْوُهَا) [2076] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامِّ فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ فِي السَّفَرِ مِنْ حِكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا) وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُمَا شَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَمْلَ فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ فِي غَزَاةٍ لَهُمَا هَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِ

باب النهى عن لبس الرجل الثوب المعصفر

الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لُبْسُ الْحَرِيرِ لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَتْ بِهِ حِكَّةٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الْبُرُودَةِ وَكَذَلِكَ لِلْقَمْلِ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ وقال مالك لايجوز وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دليل لجواز لبس الحرير عندالضرورة كمن فاجأته الحرب ولم يجد غيره وأما قَوْلُهُ لِحِكَّةٍ فَهِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ وهى الجرب أونحوه ثُمَّ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالَّذِي قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ لُبْسُ الْحَرِيرِ لِلْحِكَّةِ وَنَحْوِهَا فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ جَمِيعًا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يختص بالسفر وهو ضعيف (باب النهى عن لبس الرجل الثوب المعصفر) [2077] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى حَدَّثَنِي محمد بن ابراهيم بن الحارث أن بن مَعْدَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ نُفَيْرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أخبره

قَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبِسْهَا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم على ثوبين معصفرين فقال أمك أَمَرَتْكَ بِهَذَا قُلْتُ أَغْسِلُهُمَا قَالَ بَلْ أَحْرِقْهُمَا [2078] وَفِي رِوَايَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَالْمُعَصْفَرِ هَذَا الْإِسْنَادُ الَّذِي ذكرنا فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمْ يَحْيَى بْنُ سعيدالأنصارى وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ وَخَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ وَجُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الثِّيَابِ الْمُعَصْفَرَةِ وَهِيَ الْمَصْبُوغَةِ بِعُصْفُرٍ فَأَبَاحَهَا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَكِنَّهُ قَالَ غَيْرُهَا أَفْضَلُ مِنْهَا وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ أَجَازَ لُبْسَهَا فِي الْبُيُوتِ وَأَفْنِيَةِ الدُّورِ وَكَرِهَهُ فِي الْمَحَافِلِ وَالْأَسْوَاقِ وَنَحْوِهَا وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَحَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ حُلَّةً حَمْرَاءَ وفى الصحيحين عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ النَّهْيُ مُنْصَرِفٌ إِلَى مَا صُبِغَ مِنَ الثِّيَابِ بَعْدَ النَّسْجِ فَأَمَّا مَا صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمَّ نُسِجَ فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي النَّهْيِ وَحَمَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ النَّهْيَ هُنَا عَلَى الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ أو العمرة ليكون موافقا لحديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نُهِيَ الْمُحْرِمُ أَنْ يلبس ثوبا همسه وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ وَأَمَّا الْبَيْهَقِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَتْقَنَ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةِ السُّنَنِ نَهَى الشَّافِعِيُّ الرَّجُلَ عَنِ الْمُزَعْفَرِ وَأَبَاحَ الْمُعَصْفَرَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنَّمَا رَخَّصْتُ فِي الْمُعَصْفَرِ لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَحْكِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيَ عَنْهُ إِلَّا مَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَهَانِي وَلَا أَقُولُ نَهَاكُمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَلَى الْعُمُومِ ثُمَّ ذكر حديث عبد الله بن عمروبن العاص

هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ ثُمَّ أَحَادِيثَ أُخَرَ ثم قال لو بَلَغَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الشَّافِعِيَّ لَقَالَ بِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مَا صَحَّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ إِذَا كَانَ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافَ قَوْلِي فَاعْمَلُوا بِالْحَدِيثِ وَدَعُوا قَوْلِي وَفِي رِوَايَةٍ فَهُوَ مَذْهَبِي قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَنْهَى الرَّجُلَ الْحَلَالَ بِكُلِّ حَالٍ أَنْ يَتَزَعْفَرَ قَالَ وَآمُرُهُ إِذَا تَزَعْفَرَ أَنْ يَغْسِلَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَتَبِعَ السنة فى المزعفر فمتا بعتها فِي الْمُعَصْفَرِ أَوْلَى قَالَ وَقَدْ كَرِهَ الْمُعَصْفَرَ بَعْضُ السَّلَفِ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَرَخَّصَ فِيهِ جَمَاعَةٌ وَالسُّنَّةُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا) مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا مِنْ لِبَاسِ النِّسَاءِ وَزِيِّهِنَّ وَأَخْلَاقِهِنَّ وَأَمَّا الْأَمْرُ بِإِحْرَاقِهِمَا فَقِيلَ هُوَ عُقُوبَةٌ وَتَغْلِيظٌ لِزَجْرِهِ

باب فضل لباس ثياب الحبرة

وَزَجْرِ غَيْرِهِ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ وَهَذَا نظير أمرتلك المرأة التى لعنت الناقة بارسلها وَأَمَرَ أَصْحَابَ بَرِيرَةَ بِبَيْعِهَا وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمُ اشْتِرَاطَ الولاء ونحو ذلك والله أعلم (باب فضل لباس ثياب الحبرة) هَذَانِ الْإِسْنَادَانِ اللَّذَانِ فِي الْبَابِ كُلُّ رِجَالِهِمْ بَصْرِيُّونَ وَسَبَقَ بَيَانُ هَذَا مَرَّاتٍ [2079] قَوْلُهُ (كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِبَرَةَ) هِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَهِيَ ثِيَابٌ مِنْ كَتَّانٍ أَوْ قُطْنٍ مُحَبَّرَةٌ أَيْ مُزَيَّنَةٌ وَالتَّحْبِيرُ التَّزْيِينُ وَالتَّحْسِينُ وَيُقَالُ ثَوْبٌ حِبَرَةٌ عَلَى الْوَصْفِ وَثَوْبُ حِبَرَةٍ عَلَى الاضافة وهو أكثر استعمالاوالحبرة مُفْرَدٌ وَالْجَمْعُ حِبَرٌ وَحِبَرَاتٌ كَعِنَبَةٍ وَعِنَبٍ وَعِنَبَاتٍ وَيُقَالُ ثَوْبٌ حَبِيرٌ عَلَى الْوَصْفِ فِيهِ دَلِيلُ لِاسْتِحْبَابِ لِبَاسُ الْحِبَرَةِ وَجَوَازُ لِبَاسِ الْمُخَطِّطِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب التَّوَاضُعِ فِي اللِّبَاسِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْغَلِيظِ مِنْهُ وَالْيَسِيرِ فِي اللباس والفراش وغيرهما وجواز لبس ثوب الشعر وما فيه أعلام)) فى هذه الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الزَّهَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْإِعْرَاضِ عَنْ مَتَاعِهَا وَمَلَاذِّهَا وَشَهَوَاتِهَا وَفَاخِرِ لِبَاسِهَا وَنَحْوِهِ وَاجْتِزَائِهِ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ أدنى التحزية فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَفِيهِ النَّدْبُ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا وَغَيْرِهِ [2080] قوله (أخرجت

إِلَيْنَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِزَارًا وَكِسَاءً مُلَبَّدًا فَقَالَتْ فِي هَذَا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُلَبَّدُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَهُوَ الْمُرَقَّعُ يُقَالُ لَبَدْتُ الْقَمِيصَ أَلْبُدُهُ بِالتَّخْفِيفِ فِيهِمَا وَلَبَّدْتُهُ أُلَبِّدُهُ بِالتَّشْدِيدِ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي ثَخُنَ وَسَطُهُ حَتَّى صَارَ كَاللَّبَدِ [2081] قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ) أَمَّا الْمِرْطُ فَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ كِسَاءٌ يَكُونُ تَارَةً مِنْ صُوفٍ وَتَارَةً مِنْ شَعْرٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ خَزٍّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هو كساء يؤتزربه وقال النضر لايكون المرط الادرعا ولايلبسه الاالنساء ولايكون الاأخضر وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ مُرَحَّلٌ فَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي رَوَاهُ الْجُمْهُورُ وَضَبَطَهُ الْمُتْقِنُونَ وَحَكَى الْقَاضِي أَنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ بِالْجِيمِ أَيْ عَلَيْهِ صُوَرُ الرِّجَالِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَمَعْنَاهُ عَلَيْهِ صورة رحال الابل ولابأس بهذه الصور

باب جواز اتخاذالأنماط

وَإِنَّمَا يَحْرُمُ تَصْوِيرُ الْحَيَوَانِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَحَّلُ الَّذِي فِيهِ خُطُوطُ وَأَمَّا قَوْلُهُ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ فَقَيَّدْتُهُ بِالْأَسْوَدِ لِأَنَّ الشَّعْرَ قَدْ يَكُونُ أَبْيَضَ [2082] قَوْلُهُ (إِنَّمَا كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ أَدَمًا حَشْوُهُ لِيفٌ) وَفِي رِوَايَةٍ وِسَادَةٌ بَدَلُ فِرَاشٍ وَفِي نُسْخَةٍ وَسَادٌ فِيهِ جَوَازُ اتِّخَاذِ الْفُرُشِ وَالْوَسَائِدِ وَالنَّوْمِ عَلَيْهَا وَالِارْتِفَاقِ بِهَا وَجَوَازُ الْمَحْشُوِّ وَجَوَازُ اتِّخَاذِ ذَلِكَ مِنَ الْجُلُودِ وَهِيَ الأدم والله أعلم (باب جواز اتخاذالأنماط) [2083] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَابِرٍ حِينَ تَزَوَّجَ (أَتَّخَذْتَ أَنْمَاطًا قَالَ وَأَنَّى لَنَا قَالَ أَمَّا إِنَّهَا سَتَكُونُ) الْأَنْمَاطُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ نمط بفتح النون والميم وهو ظِهَارَةُ الْفِرَاشِ وَقِيلَ ظَهْرُ الْفِرَاشِ وَيُطْلَقُ

(باب كراهة مازاد على الحاجة من الفراش واللباس)

أَيْضًا عَلَى بِسَاطٍ لَطِيفٍ لَهُ خَمْلٌ يُجْعَلُ عَلَى الْهَوْدَجِ وَقَدْ يُجْعَلُ سِتْرًا وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا فِي بَابِ الصُّوَرِ قَالَتْ فَأَخَذْتُ نَمَطًا فَسَتَرْتُهُ عَلَى الْبَابِ وَالْمُرَادُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ هُوَ النَّوْعُ الْأَوَّلُ وَفِيهِ جَوَازُ اتِّخَاذِ الْأَنْمَاطِ إِذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ حَرِيرٍ وَفِيهِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ بِإِخْبَارِهِ بِهَا وَكَانَتْ كَمَا أَخْبَرَ قَوْلُهُ (عَنْ جَابِرٍ قَالَ وَعِنْدَ امْرَأَتِي نَمَطٌ فَأَنَا أَقُولُ نَحِّيهِ عَنِّي وَتَقُولُ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا سَتَكُونُ) قَوْلُهُ نَحِّيهِ عَنِّي أَيْ أَخْرِجِيهِ مِنْ بَيْتِي كَأَنَّهُ كَرِهَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لِأَنَّهُ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا وَمُلْهِيَاتِهَا والله أعلم (باب كراهة مازاد عَلَى الْحَاجَةِ مِنْ الْفِرَاشِ وَاللِّبَاسِ) [2084] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ وَفِرَاشٌ لِامْرَأَتِهِ وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أن مازاد عَلَى الْحَاجَةِ فَاتِّخَاذُهُ إِنَّمَا هُوَ لِلْمُبَاهَاةِ وَالِاخْتِيَالِ وَالِالْتِهَاءِ بِزِينَةِ الدُّنْيَا وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ مَذْمُومٌ وَكُلُّ مَذْمُومٍ يُضَافُ إِلَى الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ يَرْتَضِيهِ وَيُوَسْوِسُ بِهِ وَيُحَسِّنُهُ وَيُسَاعِدُ عَلَيْهِ وَقِيلَ إِنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ كَانَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ مَبِيتٌ وَمَقِيلٌ كَمَا أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ الْمَبِيتُ بِالْبَيْتِ الَّذِي لايذكر اللَّهَ تَعَالَى صَاحِبُهُ عِنْدَ دُخُولِهِ عِشَاءً وَأَمَّا تَعْدِيدُ الْفِرَاشِ لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ فَلَا

(باب تحريم جر الثوب خلاء وبيان حد ما يجوز إرخاؤه

بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى فِرَاشٍ عِنْدَ الْمَرَضِ وَنَحْوِهِ وَغَيْرِ ذلك واستدل بعضهم بهذا على أنه لايلزمه النَّوْمُ مَعَ امْرَأَتِهِ وَأَنَّ لَهُ الِانْفِرَادَ عَنْهَا بِفِرَاشٍ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ فِي هَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا وَقْتُ الْحَاجَةِ كَالْمَرَضِ وَغَيْرِهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ النَّوْمُ مَعَ الزَّوْجَةِ لَيْسَ وَاجِبًا لَكِنَّهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَالصَّوَابُ فِي النَّوْمِ مَعَ الزَّوْجَةِ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عُذْرٌ فِي الِانْفِرَادِ فَاجْتِمَاعُهُمَا فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ أَفْضَلُ وَهُوَ ظَاهِرُ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ مَعَ مُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ فَيَنَامُ مَعَهَا فَإِذَا أَرَادَ الْقِيَامَ لوظيفته قام وتركها فيجمع بين وظيفته وقضاءحقها المندوب وعشرتها بالمعروف لاسيما إِنْ عَرَفَ مِنْ حَالِهَا حِرْصَهَا عَلَى هَذَا ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ النَّوْمِ مَعَهَا الْجِمَاعُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب تَحْرِيمِ جَرِّ الثَّوْبِ خلاء وَبَيَانِ حَدِّ مَا يَجُوزُ إِرْخَاؤُهُ إِلَيْهِ وَمَا يستحب) [2085] قوله صلى الله عليه وسلم (لاينظر اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهَ خُيَلَاءَ) وَفِي رواية ان الله لاينظر إِلَى مَنْ يَجُرُّ إِزَارَهُ بَطَرًا [2086] وَفِي رِوَايَةٍ عن بن عُمَرَ مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي إِزَارِي اسْتِرْخَاءٌ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ ارْفَعْ إِزَارَكَ فَرَفَعْتُهُ ثُمَّ قَالَ زِدْ فَزِدْتُ فَمَا زِلْتُ أَتَحَرَّاهَا بَعْدُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ أَيْنَ فَقَالَ أَنْصَافُ السَّاقَيْنِ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْخُيَلَاءُ بِالْمَدِّ وَالْمَخِيلَةُ وَالْبَطَرُ وَالْكِبْرُ وَالزَّهْوُ والتبختر

كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ حَرَامٌ وَيُقَالُ خَالَ الرجل خالاواختال اختيالااذا تَكَبَّرَ وَهُوَ رَجُلٌ خَالٌ أَيْ مُتَكَبِّرٌ وَصَاحِبُ خال أى صاحب كبر ومعنى لاينظر الله إليه أى لا يرحمه ولاينظر إِلَيْهِ نَظَرَ رَحْمَةٍ وَأَمَّا فِقْهُ الْأَحَادِيثِ فَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَاضِحًا بِفُرُوعِهِ وَذَكَرْنَا هناك

الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ أَنَّ الْإِسْبَالَ يَكُونُ فِي الْإِزَارِ والقميص والعمامة وأنه لايجوز إِسْبَالُهُ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ إِنْ كَانَ لِلْخُيَلَاءِ فَإِنْ كان لغيرها فهومكروه وَظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ فِي تَقْيِيدِهَا بِالْجَرِّ خُيَلَاءَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ مَخْصُوصٌ بِالْخُيَلَاءِ وَهَكَذَا نَصَّ الشافعى على الفرق كماذكرنا وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْإِسْبَالِ لِلنِّسَاءِ وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِذْنُ لَهُنَّ فِي إِرْخَاءِ ذُيُولِهِنَّ ذِرَاعًا وَاللَّهُ أعلم وأما القدر المستحب فِيمَا يَنْزِلُ إِلَيْهِ طَرَفُ الْقَمِيصِ وَالْإِزَارِ فَنِصْفُ الساقين كما فى حديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ إِزَارَةُ المؤمن إلى أنصاف ساقيه لاجناح عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ فِي النَّارِ فَالْمُسْتَحَبُّ نِصْفُ الساقين والجائز

باب تحريم التبختر فى المشى مع اعجابه بثيابه

بلا كراهة ماتحته إِلَى الْكَعْبَيْنِ فَمَا نَزَلَ عَنِ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنْ كَانَ لِلْخُيَلَاءِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مَنْعَ تحريم والافمنع تنزيه وأما الأحاديث المطلقة بأن ماتحت الْكَعْبَيْنِ فِي النَّارِ فَالْمُرَادُ بِهَا مَا كَانَ لِلْخُيَلَاءِ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْعُلَمَاءُ وَبِالْجُمْلَةِ يكره كل مازاد عَلَى الْحَاجَةِ وَالْمُعْتَادِ فِي اللِّبَاسِ مِنَ الطُّولِ والسعة والله أعلم قوله (مس بْنُ يَنَّاقَ) هُوَ بِيَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ نُونٍ مُشَدَّدَةٍ وَبِالْقَافِ غَيْرُ مَصْرُوفٍ وَاللَّهُ أعلم (باب تحريم التبختر فى المشى مع اعجابه بثيابه) [2088] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَيْنَمَا رَجُلٌ يمشى قد أعجبته جمته وبرداه اذخسف بِهِ الْأَرْضُ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ

فِي الْأَرْضِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ) وَفِي رِوَايَةٍ بينما رجل يتبختر يمشى فى برديه وقدأعجبته نَفْسُهُ فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ يَتَجَلْجَلُ بِالْجِيمِ أَيْ يَتَحَرَّكُ وَيَنْزِلُ مُضْطَرِبًا قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ سَيَقَعُ هَذَا وَقِيلَ بَلْ هُوَ إِخْبَارٌ عَمَّنْ قَبْلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وهذا هوالصحيح وَهُوَ مَعْنَى إِدْخَالِ الْبُخَارِيِّ لَهُ فِي بَابِ ذكر بنى اسرائيل والله أعلم

باب تحريم خاتم الذهب على الرجال ونسخ ماكان من

(باب تحريم خاتم الذهب على الرجال ونسخ ماكان من إباحته فى أول الاسلام) أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إِبَاحَةِ خَاتَمِ الذَّهَبِ لِلنِّسَاءِ وأجمعوا على تحريمه على الرجال الاما حُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عمربن مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ أَبَاحَهُ وَعَنْ بَعْضٍ أنه مكروه لاحرام وهذان النقلان باطلان فقائلهما محجوج بهذه الأحاديثالتى ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ مَعَ إِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ عَلَى تَحْرِيمِهِ لَهُ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلِّ لِإِنَاثِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَحْرُمُ سَنُّ الْخَاتَمِ إِذَا كَانَ ذَهَبًا وَإِنْ كان باقيه فضة وكذا لوموه خَاتَمَ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ فَهُوَ حَرَامٌ [2089] قَوْلُهُ (نَهَى عن خاتم الذهب) أى فىحق الرِّجَالِ كَمَا سَبَقَ [2090] قَوْلُهُ (رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ) فِيهِ إِزَالَةُ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَعَهُ مِنْ يَدِ الرَّجُلِ يَعْمَدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ) فَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ لِلتَّحْرِيمِ كَمَا سَبَقَ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ هَذَا الْخَاتَمِ حِينَ قالوا له خذه لاآخذه وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيهِ الْمُبَالَغَةُ فِي امْتِثَالِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ وَعَدَمِ التَّرَخُّصِ فِيهِ بِالتَّأْوِيلَاتِ الضَّعِيفَةِ ثُمَّ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ إِنَّمَا تَرَكَ الْخَاتَمَ عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ لِمَنْ أَرَادَ أَخْذَهُ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَخْذُهُ لِمَنْ شَاءَ فَإِذَا أَخَذَهُ جاز تصرفه

فِيهِ وَلَوْ كَانَ صَاحِبُهُ أَخَذَهُ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ الْأَخْذُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَلَكِنْ تَوَرَّعَ عَنْ أَخْذِهِ وَأَرَادَ الصَّدَقَةَ بِهِ عَلَى مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَهُ عَنِ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِكُلِّ وَجْهٍ وَإِنَّمَا نَهَاهُ عَنْ لُبْسِهِ وَبَقِيَ مَا سِوَاهُ مِنْ تَصَرُّفِهِ عَلَى الْإِبَاحَةِ [2091] قَوْلُهُ (فَكَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ) الْفَصُّ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا وَفِي الْخَاتَمِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ فَتْحُ التَّاءِ وَكَسْرُهَا وَخَيْتَامٌ وَخَاتَامٌ قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (والله لاألبسه أَبَدًا فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ) فِيهِ بَيَانُ مَا كَانَتِ الصَّحَابَةُ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْمُبَادَرَةِ إِلَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والاقتداء بأفعاله [2092] قَوْلُهُ (اتَّخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ) الْوَرِقُ الْفِضَّةُ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ خَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ وَكَرِهَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الشَّامِ الْمُتَقَدِّمِينَ لُبْسَهُ لِغَيْرِ ذِي سلطان ورووافيه أَثَرًا وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ خَاتَمُ الْفِضَّةِ لِأَنَّهُ مِنْ شِعَارِ الرِّجَالِ قَالَ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ خَاتَمَ ذَهَبٍ فَلْتُصَفِّرْهُ بزعفران وشبهه وهذاالذى قاله ضعيف أو باطل لاأصل له والصواب أنه لاكراهة فِي لُبْسِهَا خَاتَمَ الْفِضَّةِ قَوْلُهُ (اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ فَكَانَ فِي يَدِهِ ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُمَرَ ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ حَتَّى وقع منه فى بئر أريس نقشه محمدرسول اللَّهِ فِيهِ التَّبَرُّكُ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ وَلُبْسُ لِبَاسِهِمْ وَجَوَازُ لُبْسِ الْخَاتَمِ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يورث اذلو وَرَّثَ لَدُفِعَ الْخَاتَمُ إِلَى وَرَثَتِهِ بَلْ كَانَ الْخَاتَمُ وَالْقَدَحُ وَالسِّلَاحُ وَنَحْوُهَا مِنْ آثَارِهِ الضَّرُورِيَّةِ صدقة للمسلمين يصرفها والى الْأَمْرِ حَيْثُ رَأَى مِنَ الْمَصَالِحِ فَجَعَلَ الْقَدَحَ عِنْدَ أَنَسٍ إِكْرَامًا لَهُ لِخِدْمَتِهِ وَمَنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ بِهِ لَمْ يَمْنَعْهُ وَجَعَلَ بَاقِي الْأَثَاثِ عِنْدَ نَاسٍ مَعْرُوفِينَ وَاتَّخَذَ الْخَاتَمَ عِنْدَهُ لِلْحَاجَةِ الَّتِي اتَّخَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا فَإِنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْخَلِيفَةِ بَعْدَهُ ثُمَّ الْخَلِيفَةِ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثِ وَأَمَّا بِئْرُ أَرِيسٍ فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ

وَهُوَ مَصْرُوفٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ (نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) فَفِيهِ جَوَازُ نَقْشِ الْخَاتَمِ وَنَقْشِ اسْمِ صَاحِبِ الْخَاتَمِ وَجَوَازُ نَقْشِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكٍ والجمهور وعن بن سِيرِينَ وَبَعْضِهِمْ كَرَاهَةُ نَقْشِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا ضَعِيفٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَهُ أَنْ يَنْقُشَ عَلَيْهِ اسْمَ نَفْسِهِ أَوْ يَنْقُشَ عَلَيْهِ كَلِمَةَ حِكْمَةٍ وَأَنْ يَنْقُشَ ذَلِكَ مَعَ ذِكْرِ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لاينقش أَحَدٌ عَلَى نَقْشِ خَاتَمِي هَذَا) سَبَبُ النَّهْيِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا اتَّخَذَ الْخَاتَمَ وَنَقَشَ فِيهِ لِيَخْتِمَ بِهِ كُتُبَهُ إِلَى مُلُوكِ الْعَجَمِ وَغَيْرِهِمْ فَلَوْ نَقَشَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ لَدَخَلَتِ الْمَفْسَدَةُ وَحَصَلَ الْخَلَلُ قَوْلُهُ (وَكَانَ إِذَا لبسه جعل فصه ممايلي بَطْنَ كَفِّهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ لَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ فَيَجُوزُ جَعْلُ فَصِّهِ

فِي بَاطِنِ كَفِّهِ وَفِي ظَاهِرِهَا وَقَدْ عَمِلَ السلف بالوجهين وممن اتخذه فى ظاهرها بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالُوا وَلَكِنَّ الْبَاطِنَ أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ أَصْوَنُ لِفَصِّهِ وَأَسْلَمُ لَهُ وَأَبْعَدُ مِنَ الزَّهْوِ وَالْإِعْجَابِ قَوْلُهُ ((فَصَاغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم خاتما حلقة فِضَّةً) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ حَلْقَةَ فِضَّةٍ بِنَصْبِ حَلْقَةَ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ خَاتَمًا وَلَيْسَ فِيهَا هَاءُ الضَّمِيرِ وَالْحَلْقَةُ سَاكِنَةُ اللَّامِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَفِيهَا لُغَةٌ شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ حَكَاهَا الجوهرى وغيره بفتحها [2093] قوله (عن بن شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَبْصَرَ فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ يَوْمًا وَاحِدًا فَصَنَعَ النَّاسُ الْخَوَاتِمَ مِنْ وَرِقٍ فَلَبِسُوهُ فَطَرَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَهَ فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِمَهُمْ) قَالَ الْقَاضِي قَالَ جَمِيعُ أَهْلِ الْحَدِيثِ هَذَا وَهْمٌ مِنَ بن شِهَابٍ فَوَهْمٌ مِنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ إِلَى خَاتَمِ الْوَرِقِ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ رِوَايَاتِ أَنَسٍ مِنْ غَيْرِ طريق بن شِهَابٍ اتِّخَاذُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَ فِضَّةٍ وَلَمْ يَطْرَحْهُ وَإِنَّمَا طَرَحَ خَاتَمَ الذَّهَبِ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي بَاقِي الْأَحَادِيثِ وَمِنْهُمْ من تأول حديث بن شِهَابٍ وَجَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَقَالَ لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرِيمَ خَاتَمِ الذَّهَبِ اتَّخَذَ خَاتَمَ فِضَّةٍ فَلَمَّا لَبِسَ خَاتَمَ الْفِضَّةِ أَرَاهُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِيُعْلِمَهُمْ إِبَاحَتَهُ ثُمَّ طَرَحَ خَاتَمَ الذَّهَبِ وَأَعْلَمَهُمْ تَحْرِيمَهُ فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ مِنَ الذَّهَبِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِمَهُمْ أَيْ خَوَاتِمَ الذَّهَبِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ هُوَ الصَّحِيحُ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَمْنَعُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَصَنَعَ النَّاسُ الْخَوَاتِمَ مِنَ الْوَرِقِ فَلَبِسُوهُ ثُمَّ قَالَ فَطَرَحَ خَاتَمَهُ فطرحواخواتمهم فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ لَمَّا عَلِمُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْطَنِعُ لِنَفْسِهِ خَاتَمَ فِضَّةٍ اصْطَنَعُوا لِأَنْفُسِهِمْ خَوَاتِيمَ فِضَّةٍ وَبَقِيَتْ مَعَهُمْ خَوَاتِيمُ الذَّهَبِ كَمَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ طَرَحَ خَاتَمَ الذَّهَبِ وَاسْتَبْدَلُوا الْفِضَّةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [2094] قَوْلُهُ (وَكَانَ فَصُّهُ حَبَشِيًّا) قَالَ الْعُلَمَاءُ يَعْنِي حَجَرًا حَبَشِيًّا أَيْ فَصًّا مِنْ جَزْعٍ أَوْ عَقِيقٍ فَإِنَّ مَعْدِنَهُمَا بِالْحَبَشَةِ وَالْيَمَنِ وَقِيلَ لَوْنُهُ حَبَشِيٌّ أَيْ أَسْوَدُ وَجَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدٍ عن أنس أيضا فصه منه قال بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا أَصَحُّ وَقَالَ غَيْرُهُ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَقْتٍ خَاتَمٌ فَصُّهُ مِنْهُ وَفِي وَقْتٍ خَاتَمٌ فَصُّهُ حَبَشِيٌّ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ فَصُّهُ مِنْ عَقِيقٍ قَوْلُهُ (فِي حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى وَسُلَيْمَانَ بْنَ بِلَالٍ عَنْ يُونُسَ عن بن شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِي يَمِينِهِ) [2095] وَفِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ كَانَ خَاتَمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى الْخِنْصَرِ مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى [2078] وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ نَهَانِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَخَتَّمَ فِي أُصْبُعِي هَذِهِ أَوْ هَذِهِ فَأَوْمَأَ إِلَى الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ جَعْلُ خَاتَمِ الرَّجُلِ فِي الْخِنْصَرِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا تَتَّخِذُ خَوَاتِيمَ فِي أَصَابِعَ قَالُوا وَالْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِ فِي الْخِنْصَرِ أَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ الِامْتِهَانِ فِيمَا يتعاطى باليد لكونه طرفا ولأنه لايشغل الْيَدَ عَمَّا تَتَنَاوَلُهُ مِنْ أَشْغَالِهَا بِخِلَافِ غَيْرِ الْخِنْصَرِ وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ جَعْلُهُ فِي الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا لِهَذَا الْحَدِيثِ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَأَمَّا التَّخَتُّمُ فِي الْيَدِ الْيُمْنَى أَوِ الْيُسْرَى فَقَدْ جَاءَ فِيهِ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ وَهُمَا صَحِيحَانِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَمْ يُتَابَعْ سُلَيْمَانُ بْنُ

بِلَالٍ عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ فِي يمينه قال وخالفه الحفاظ عَنْ يُونُسَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ مَعَ تَضْعِيفِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أبى أويس رواتها عن سليمان بن بلالوقد ضَعَّفَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي أُوَيْسٍ أَيْضًا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَلَكِنْ وَثَّقَهُ الْأَكْثَرُونَ وَاحْتَجُّوا بِهِ وَاحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى مِثْلَ رِوَايَةِ سُلَيْمَانِ بْنِ بِلَالٍ فَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ فَقَدِ اتَّفَقَ طَلْحَةُ وَسُلَيْمَانُ عَلَيْهَا وَكَوْنُ الْأَكْثَرِينَ لَمْ يذكروها لايمنع صِحَّتَهَا فَإِنَّ زِيَادَةَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ التَّخَتُّمِ فِي الْيَمِينِ وَعَلَى جَوَازِهِ فى اليسار

باب استحباب لبس النعال وما فى معناها

ولاكراهة فى واحدة منهما واختلفوا أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ فَتَخَتَّمَ كَثِيرُونَ مِنَ السَّلَفِ فِي الْيَمِينِ وَكَثِيرُونَ فِي الْيَسَارِ وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ الْيَسَارَ وَكَرِهَ الْيَمِينَ وَفِي مَذْهَبِنَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا الصَّحِيحُ أَنَّ الْيَمِينَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ زِينَةٌ وَالْيَمِينُ أَشْرَفُ وأحق بالزينة والاكرام وأما ماذكره فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنَ الْقَسِّيِّ وَالْمَيَاثِرِ وَتَفْسِيرِهَا فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ واضحا فى بابه والله أعلم (باب استحباب لبس النعال وما فى معناها) [2096] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَانُوا فِي غَزَاةٍ (اسْتَكْثِرُوا مِنَ النِّعَالِ فَإِنَّ الرَّجُلَ لايزال رَاكِبًا مَا انْتَعَلَ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ شَبِيهٌ بِالرَّاكِبِ فِي خِفَّةِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ وَقِلَّةِ تَعَبِهِ وَسَلَامَةِ رجله ممايعرض في الطريق من خشونة وشوك وأذى ونحوذلك وفيه استحباب الاستظهار فى السفر بالنعال وغيرهما مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُسَافِرُ وَاسْتِحْبَابُ وَصِيَّةِ الْأَمِيرِ أصحابه بذلك

(باب استحباب لبس النعال في اليمنى أولا والخلع من

(باب استحباب لبس النعال فِي الْيُمْنَى أَوَّلًا وَالْخَلْعِ مِنْ الْيُسْرَى أَوَّلًا وَكَرَاهَةِ الْمَشْيِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ) [2097] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيُمْنَى وَإِذَا خَلَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ وَلْيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا أو ليخلعها جميعا) وفى الرواية الأخرى لايمش أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا [2098] وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا انْقَطَعَ شِسْعُ أحدكم فلايمشى فى الأخرى حتى يصلحها وفى رواية ولايمشى فِي خُفٍّ وَاحِدٍ أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُنْعِلْهُمَا فَبِضَمِّ الْيَاءِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا فَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ لِيَخْلَعْهُمَا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ وَالْعَيْنِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ لِيُحْفِهِمَا بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ مِنَ الْحَفَاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ ورواية البخارى أحسن وأما الشِّسْعُ فَبِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ وَهُوَ أَحَدُ سُيُورِ النِّعَالِ وَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُ بَيْنَ الْأُصْبُعَيْنِ وَيَدْخُلُ طَرَفُهُ فِي النَّقْبِ الَّذِي فِي صَدْرِ النَّعْلِ الْمَشْدُودِ فِي الزِّمَامِ وَالزِّمَامُ هُوَ السَّيْرُ الَّذِي يُعْقَدُ فِيهِ الشِّسْعُ وَجَمَعَهُ شُسُوعٌ أَمَّا فِقْهُ الْأَحَادِيثِ فَفِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ أَحَدُهَا يُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِالْيُمْنَى فِي كُلِّ ما كان من باب التكريم والزينة والنطافة وَنَحْوِ ذَلِكَ كَلُبْسِ النَّعْلِ وَالْخُفِّ وَالْمَدَاسِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْكُمِّ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَتَرْجِيلِهِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَالسِّوَاكِ وَالِاكْتِحَالِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْخَلَاءِ وَدَفْعِ الصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الدَّفْعِ الْحَسَنَةِ وَتَنَاوُلِ الْأَشْيَاءِ الْحَسَنَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ الثَّانِيَةُ يُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ باليسار فى كل ماهو ضِدُّ السَّابِقِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَمِنْ ذَلِكَ خَلْعُ النَّعْلِ وَالْخُفِّ وَالْمَدَاسِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْكُمِّ وَالْخُرُوجُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَدُخُولُ الْخَلَاءِ وَالِاسْتِنْجَاءُ وَتَنَاوُلُ أَحْجَارِ الاستنجاء

ومس الذكر والامتخاط والاستنثار وتعاطى المستقذارات وَأَشْبَاهِهَا الثَّالِثَةُ يُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ أو خف واحد أومداس وَاحِدٍ لَا لِعُذْرٍ وَدَلِيلُهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَسَبَبُهُ أَنَّ ذَلِكَ تَشْوِيهٌ وَمِثْلُهُ وَمُخَالِفٌ لِلْوَقَارِ وَلِأَنَّ الْمُنْتَعِلَةَ تَصِيرُ أوفع مِنَ الْأُخْرَى فَيَعْسُرُ مَشْيُهُ وَرُبَّمَا كَانَ سَبَبًا لِلْعِثَارِ وَهَذِهِ الْآدَابُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ مُجْمَعٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا وَأَنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً واذا انقطع شسعه ونحوه فليخلعهما ولايمشى فِي الْأُخْرَى وَحْدَهَا حَتَّى يُصْلِحَهَا وَيُنْعِلَهَا كَمَا هو نص فى الحديث قوله (حدثنا بن إِدْرِيسَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ خَرَجَ إِلَيْنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى جَبْهَتِهِ فَقَالَ إِنَّكُمْ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي رَزِينٍ وَأَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَعْنَاهُ هَكَذَا وَقَعَ هَذَانِ الْإِسْنَادَانِ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْغَسَّانِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ إِنَّمَا يَرْوِيهِ أَبُو رَزِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَذَا وَأَخْرَجَهُ أَبُو مَسْعُودٍ فِي كِتَابِهِ عَنْ مُسْلِمٍ وَذَكَرَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ مُسْهِرٍ انْفَرَدَ بِهَذَا هَذَا آخِرُ ماذكره القاضي وهذا استدراك فاسد لأن أبارزين قَدْ صَرَّحَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى بِسَمَاعِهِ مِنْ أبى هريرة بقوله خرج الينا أبوهريرة إِلَى آخِرِهِ وَاسْمُ أَبِي رَزِينٍ مَسْعُودُ بْنُ مالك الأسدى الكوفى كان عالما

باب النهى عن اشتمال الصماء والاحتباء فى ثوب واحد

(باب النهى عن اشتمال الصماء والاحتباء فى ثوب واحد كاشفا بعض عورته وحكم الاستلقاء على ظهره رافعا إحدى رجليه على الأخرى [2099] ) قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ بِشِمَالِهِ أَوْ يَمْشِيَ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ وَأَنْ يَحْتَبِيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ كَاشِفًا عَنْ فَرْجِهِ) أَمَّا الْأَكْلُ بِالشِّمَالِ فَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِهِ وَسَبَقَ فِي الْبَابِ الْمَاضِي حُكْمُ الْمَشْيِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ وَأَمَّا اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ بِالْمَدِّ فَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ هُوَ أَنْ يَشْتَمِلَ بِالثَّوْبِ حَتَّى يجلل به جسده لايرفع مِنْهُ جَانِبًا فَلَا يَبْقَى مَا يُخْرِجُ مِنْهُ يَدَهُ وَهَذَا يَقُولُهُ أَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ بن قُتَيْبَةَ سُمِّيَتْ صَمَّاءَ لِأَنَّهُ سَدَّ الْمَنَافِذَ كُلَّهَا كالصخرة الصماء التى ليس فيها خرق ولاصدع قال أبوعبيد وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ فَيَقُولُونَ هُوَ أَنْ يَشْتَمِلَ بِثَوْبٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ثُمَّ يَرْفَعُهُ مِنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ فَيَضَعُهُ عَلَى أَحَدِ مَنْكِبَيْهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ فَعَلَى تَفْسِيرِ أَهْلِ اللُّغَةِ يُكْرَهُ الِاشْتِمَالُ الْمَذْكُورُ لِئَلَّا تَعْرِضَ لَهُ حَاجَةٌ مِنْ دَفْعِ بَعْضِ الْهَوَامِّ وَنَحْوِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيَعْسُرُ عَلَيْهِ أَوْ يَتَعَذَّرُ فَيَلْحَقُهُ الضَّرَرُ وَعَلَى تَفْسِيرِ الْفُقَهَاءِ يَحْرُمُ الِاشْتِمَالُ الْمَذْكُورُ إِنِ انْكَشَفَ بِهِ بَعْضُ الْعَوْرَةِ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ وَأَمَّا الِاحْتِبَاءُ بِالْمَدِّ فَهُوَ أَنْ يَقْعُدَ الْإِنْسَانُ عَلَى أَلْيَتَيْهِ وَيُنْصَبَ سَاقَيْهِ وَيَحْتَوِيَ عَلَيْهِمَا بِثَوْبٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ بِيَدِهِ وَهَذِهِ الْقَعْدَةُ يُقَالُ لَهَا الْحُبْوَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ وكسرها

وَكَانَ هَذَا الِاحْتِبَاءُ عَادَةً لِلْعَرَبِ فِي مَجَالِسِهِمْ فَإِنِ انْكَشَفَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ عَوْرَتِهِ فَهُوَ حَرَامٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (نَهَى عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَأَنْ يَرْفَعَ الرَّجُلُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى [2100] (أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدَ وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى) قَالَ الْعُلَمَاءُ أَحَادِيثُ النَّهْيِ عَنِ الِاسْتِلْقَاءِ رَافِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى

الْأُخْرَى مَحْمُولَةٌ عَلَى حَالَةٍ تَظْهَرُ فِيهَا الْعَوْرَةُ أَوْ شَيْءٌ مِنْهَا وَأَمَّا فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَظْهَرُ منها شيء وهذا لابأس به ولاكراهة فِيهِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الِاتِّكَاءِ فِي الْمَسْجِدِ وَالِاسْتِلْقَاءِ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي لَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ هَذَا لِضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ مِنْ تَعَبٍ أَوْ طلب راحة أو نحوذلك قال والافقد عُلِمَ أَنَّ جُلُوسَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجَامِعِ عَلَى خِلَافِ هَذَا بَلْ كَانَ يَجْلِسُ مُتَرَبِّعًا أَوْ مُحْتَبِيًا وَهُوَ كَانَ أَكْثَرَ جُلُوسِهِ أَوِ الْقُرْفُصَاءَ أَوْ مُقْعِيًا وَشِبْهَهَا مِنْ جِلْسَاتِ الْوَقَارِ وَالتَّوَاضُعِ قُلْتُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَأَنَّكُمْ إِذَا أَرَدْتُمُ الِاسْتِلْقَاءَ فَلْيَكُنْ هَكَذَا وَأَنَّ النَّهْيَ الَّذِي نَهَيْتُكُمْ عَنِ الِاسْتِلْقَاءِ لَيْسَ هُوَ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلِ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ يَنْكَشِفُ شَيْءٌ مِنْ عَوْرَتِهِ أَوْ يُقَارِبُ انْكِشَافُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قوله (وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ عَنْ رِوَايَةِ الْجُلُودِيِّ قَالَ وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ مُسْلِمٍ قَالَ وَفِي رواية بن مَاهَانَ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ بَدَلُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ الْغَسَّانِيُّ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي أَعْتَقِدُ صَوَابَهُ لِكَثْرَةِ مَا يَجِيءُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حَمِيدٍ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَقْرُونِينَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَإِنْ كَانَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَيْضًا يَرْوِي عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَهَذَا الَّذِي صَوَّبَهُ الْغَسَّانِيُّ هُوَ الصَّوَابُ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْوَاسِطِيُّ فِي الْأَطْرَافِ عَنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ

(باب نهي الرجل عن التزعفر)

(بَاب نَهْيِ الرَّجُلِ عَنْ التَّزَعْفُرِ) [2101] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ) هَذَا دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي تَحْرِيمِ لُبْسِ الثَّوْبِ الْمُزَعْفَرِ عَلَى الرَّجُلِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ نَهْيِ الرَّجُلِ عَنِ الثَّوْبِ الْمُعَصْفَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب اسْتِحْبَابِ خضاب الشيب بفصرة أَوْ حُمْرَةٍ وَتَحْرِيمِهِ بِالسَّوَادِ) [2102] قَوْلُهُ (أَتَى بِأَبِي قُحَافَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ) [2103] وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لايصبغون فَخَالِفُوهُمْ أَمَّا الثَّغَامَةُ بِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ غَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مُخَفَّفَةٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ نَبْتٌ أَبْيَضُ الزَّهْرِ وَالثَّمَرِ شَبَّهَ بَيَاضَ الشَّيْبِ به وقال بن الْأَعْرَابِيِّ شَجَرَةٌ تَبْيَضُّ كَأَنَّهَا الْمِلْحُ وَأَمَّا أَبُو قُحَافَةَ بِضَمِّ الْقَافِ

وتخفيف الحاء المهملة واسمه عثمان فهو ولد أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَسْلَمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ ويقال صبغ يصبغ بضم الياء وَفَتْحِهَا وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ خِضَابِ الشَّيْبِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِصُفْرَةٍ أَوْ حُمْرَةٍ وَيَحْرُمُ خِضَابُهُ بِالسَّوَادِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَالْمُخْتَارُ التَّحْرِيمُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ الْقَاضِي اخْتَلَفَ السَّلَفُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي الْخِضَابِ وَفِي جِنْسِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ تَرْكُ الْخِضَابِ أَفْضَلُ وَرَوَوْا حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْيِ عَنْ تَغْيِيرِ الشَّيْبِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُغَيِّرْ شَيْبَهُ رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُبَيٍّ وَآخَرِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ الْخِضَابُ أَفْضَلُ وَخَضَّبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَكَانَ أَكْثَرُهُمْ يخضب بالصفرة منهم بن عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَآخَرُونَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَخَضَّبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتْمِ وَبَعْضُهُمْ بِالزَّعْفَرَانِ وَخَضَّبَ جَمَاعَةٌ بِالسَّوَادِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ابْنَيْ عَلِيٍّ وَعُقْبَةَ بْنِ عامر وبن سِيرِينَ وَأَبِي بُرْدَةَ وَآخَرِينَ قَالَ الْقَاضِي قَالَ الطَّبَرَانِيُّ الصَّوَابُ أَنَّ الْآثَارَ الْمَرْوِيَّةَ عَنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَغْيِيرِ الشَّيْبِ وَبِالنَّهْيِ عَنْهُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ فِيهَا تَنَاقُضٌ بَلِ الْأَمْرُ بِالتَّغْيِيرِ لِمَنْ شَيْبُهُ كَشَيْبِ أَبِي قُحَافَةَ وَالنَّهْيُ لِمَنْ لَهُ شَمَطٌ فَقَطْ قَالَ وَاخْتِلَافُ السَّلَفِ فِي فِعْلِ الْأَمْرَيْنِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ بِالْإِجْمَاعِ وَلِهَذَا لَمْ يُنْكِرْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ خِلَافَهُ فِي ذَلِكَ قَالَ ولايجوز أَنْ يُقَالَ فِيهِمَا نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ عَلَى حَالَيْنِ فَمَنْ كَانَ فى موضع عادة أهل الصَّبْغُ أَوْ تَرْكُهُ فَخُرُوجُهُ عَنِ الْعَادَةِ شُهْرَةٌ وَمَكْرُوهٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ نَظَافَةِ الشَّيْبِ فمن كان شَيْبَتُهُ تَكُونُ نَقِيَّةً أَحْسَنَ مِنْهَا مَصْبُوغَةً فَالتَّرْكُ أَوْلَى وَمَنْ كَانَتْ شَيْبَتُهُ تُسْتَبْشَعُ فَالصَّبْغُ أَوْلَى هذا مانقله الْقَاضِي وَالْأَصَحُّ الْأَوْفَقُ لِلسُّنَّةِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ مذهبنا والله أعلم

باب تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه

(باب تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنةبالفرش ونحوه وأن الملائكة عليهم السلام لايدخلون بيتا فيه صورة أو كلب) [2104] قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ تَصْوِيرُ صُورَةِ الْحَيَوَانِ حَرَامٌ شَدِيدُ التَّحْرِيمِ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ لِأَنَّهُ مُتَوَعَّدٌ عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَحَادِيثِ وَسَوَاءٌ صَنَعَهُ بِمَا يُمْتَهَنُ أَوْ بِغَيْرِهِ فَصَنْعَتُهُ حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ فِيهِ مُضَاهَاةً لِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَوَاءٌ مَا كَانَ فى ثوب أو بساط أودرهم أَوْ دِينَارٍ أَوْ فَلْسٍ أَوْ إِنَاءٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ غَيْرِهَا وَأَمَّا تَصْوِيرُ صُورَةِ الشَّجَرِ وَرِحَالِ الْإِبِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ فَلَيْسَ بِحِرَامٍ هَذَا حُكْمُ نَفْسِ التَّصْوِيرِ وَأَمَّا اتِّخَاذُ الْمُصَوَّرِ فِيهِ صُورَةَ حَيَوَانٍ فَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى حَائِطٍ أَوْ ثَوْبًا ملبوسا أو عمامة ونحوذلك مما لايعد مُمْتَهَنًا فَهُوَ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ فِي بِسَاطٍ يُدَاسُ وَمِخَدَّةٍ وَوِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُمْتَهَنُ فَلَيْسَ بِحِرَامٍ وَلَكِنْ هَلْ يَمْنَعُ دُخُولَ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ ذَلِكَ الْبَيْتَ فِيهِ كَلَامٌ نَذْكُرُهُ قَرِيبًا إِنْ شاء الله ولافرق فى هذا كله بين ماله ظل ومالاظل لَهُ هَذَا تَلْخِيصُ مَذْهَبِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَبِمَعْنَاهُ قَالَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ

وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ إِنَّمَا يَنْهَى عَمَّا كَانَ له ظل ولابأس بِالصُّوَرِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا ظِلٌّ وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ فَإِنَّ السِّتْرَ الَّذِي أَنْكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّورَةَ فِيهِ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُ مَذْمُومٌ وَلَيْسَ لِصُورَتِهِ ظِلٌّ مَعَ بَاقِي الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ فِي كُلِّ صُورَةٍ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ النَّهْيُ فِي الصُّورَةِ عَلَى الْعُمُومِ وَكَذَلِكَ استعمال ماهى فِيهِ وَدُخُولُ الْبَيْتِ الَّذِي هِيَ فِيهِ سَوَاءٌ كانت رقما فى ثوب أو غيررقم وَسَوَاءٌ كَانَتْ فِي حَائِطٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ بِسَاطٍ مُمْتَهَنٍ أَوْ غَيْرِ مُمْتَهَنٍ عَمَلًا بِظَاهِرِ الأحاديث لاسيما حَدِيثُ النُّمْرُقَةِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ وَهَذَا مَذْهَبٌ قوى وقال آخَرُونَ يَجُوزُ مِنْهَا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ سَوَاءٌ امْتُهِنَ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ عُلِّقَ فى حائط أم لاوكرهوا مَا كَانَ لَهُ ظِلٌّ أَوْ كَانَ مُصَوَّرًا فِي الْحِيطَانِ وَشِبْهِهَا سَوَاءٌ كَانَ رَقْمًا أَوْ غَيْرَهُ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِ الْبَابِ إلاما كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ وَهَذَا مَذْهَبُ الْقَاسِمِ بن محمد وأجمعوا بِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِ الْبَابِ إِلَّا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ وَهَذَا مَذْهَبُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِ مَا كَانَ لَهُ ظِلٌّ وَوُجُوبُ تَغْيِيرِهِ قَالَ الْقَاضِي إِلَّا ماورد فِي اللَّعِبِ بِالْبَنَاتِ لِصِغَارِ الْبَنَاتِ وَالرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ لَكِنْ كَرِهَ مَالِكٌ شِرَاءَ الرَّجُلِ ذَلِكَ لِابْنَتِهِ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ إِبَاحَةَ اللَّعِبِ لَهُنَّ بِالْبَنَاتِ مَنْسُوخٌ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [2105] قَوْلُهُ (أَصْبَحَ يَوْمًا وَاجِمًا) هُوَ بِالْجِيمِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ السَّاكِتُ الَّذِي يَظْهَرُ عَلَيْهِ الْهَمُّ وَالْكَآبَةُ وَقِيلَ هُوَ الْحَزِينُ يُقَالُ وَجَمَ يَجِمُ وُجُومًا قَوْلُهُ (أَصْبَحَ يَوْمًا وَاجِمًا فَقَالَتْ مَيْمُونَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدِ اسْتَنْكَرْتُ هَيْئَتَكَ مُنْذُ الْيَوْمِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ وَعَدَنِي أَنْ يَلْقَانِيَ اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَلْقَنِي أَمَ وَاللَّهِ مَا أَخْلَفَنِي) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ

لِلْإِنْسَانِ إِذَا رَأَى صَاحِبَهُ وَمَنْ لَهُ حَقٌّ وَاجِمًا أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ سَبَبِهِ فَيُسَاعِدَهُ فِيمَا يُمْكِنُ مُسَاعَدَتُهُ أَوْ يَتَحَزَّنَ مَعَهُ أَوْ يُذَكِّرَهُ بِطَرِيقٍ يَزُولُ بِهِ ذَلِكَ الْعَارِضُ وَفِيهِ التَّنْبِيهُ على الوثوق بوعدالله وَرُسُلِهِ لَكِنْ قَدْ يَكُونُ لِلشَّيْءِ شَرْطٌ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى حُصُولِهِ أَوْ يَتَخَيَّلُ تَوْقِيتَهُ بِوَقْتٍ وَيَكُونُ غير موقت به ونحوذلك وَفِيهِ أَنَّهُ إِذَا تَكَدَّرَ وَقْتُ الْإِنْسَانِ أَوْ تنكدت وظيفته ونحوذلك فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَكِّرَ فِي سَبَبِهِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُنَا حَتَّى اسْتَخْرَجَ الْكَلْبَ وَهُوَ مِنْ نَحْوِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون قَوْلُهُ (ثُمَّ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ فُسْطَاطٍ لَنَا فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً فَنَضَحَ مَكَانَهُ) أَمَّا الْجَرْوُ فَبِكَسْرِ الْجِيمِ وَضَمِّهَا وَفَتْحِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ مَشْهُورَاتٌ وَهُوَ الصَّغِيرُ مِنْ أَوْلَادِ الْكَلْبِ وَسَائِرِ السِّبَاعِ وَالْجَمْعُ أَجْرٍ وَجِرَاءٌ وَجَمْعُ الْجِرَاءِ أَجْرِيَةٌ وَأَمَّا الْفُسْطَاطُ فَفِيهِ سِتُّ لُغَاتٍ فُسْطَاطٌ وَفُسْتَاطٌ بِالتَّاءِ وَفُسَّاطٌ بِتَشْدِيدِ السِّينِ وَضَمِّ الْفَاءِ فِيهِنَّ وَتُكْسَرُ وَهُوَ نَحْوُ الْخِبَاءِ قَالَ الْقَاضِي وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا بَعْضُ حِجَالِ الْبَيْتِ بِدَلِيلِ قَوْلِهَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ تَحْتَ سَرِيرِ عَائِشَةَ وَأَصْلُ الْفُسْطَاطِ عَمُودُ الْأَخْبِيَةِ الَّتِي يُقَامُ عَلَيْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً فَنَضَحَ بِهِ مَكَانَهُ فَقَدِ احْتَجَّ بِهِ جَمَاعَةٌ فِي نَجَاسَةِ الْكَلْبِ قَالُوا وَالْمُرَادُ بِالنَّضْحِ الْغَسْلُ وَتَأَوَّلَتْهُ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ غَسَلَهُ لِخَوْفِ حُصُولِ بَوْلِهِ أوروثه

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2106] (لَا تَدْخُلُ الملائكة بيتا فيه كلب ولاصورة) قَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ بَيْتٍ فِيهِ صُورَةٌ كَوْنُهَا مَعْصِيَةً فَاحِشَةً وَفِيهَا مُضَاهَاةٌ لِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَعْضُهَا فِي صُورَةِ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَبَبُ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ بَيْتٍ فِيهِ كَلْبٌ لِكَثْرَةِ أَكْلِهِ النَّجَاسَاتِ وَلِأَنَّ بَعْضَهَا يُسَمَّى شَيْطَانًا كَمَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ وَالْمَلَائِكَةُ ضِدُّ الشَّيَاطِينِ وَلِقُبْحِ رَائِحَةِ الْكَلْبِ وَالْمَلَائِكَةُ تَكْرَهُ الرَّائِحَةَ الْقَبِيحَةَ وَلِأَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنِ اتِّخَاذِهَا فَعُوقِبَ مُتَّخِذُهَا بِحِرْمَانِهِ دُخُولَ الْمَلَائِكَةِ بَيْتَهُ وَصَلَاتَهَا فِيهِ وَاسْتِغْفَارَهَا لَهُ وَتَبْرِيكَهَا عَلَيْهِ وَفِي بَيْتِهِ ودفعها أذى للشيطان وأما هؤلاء الملائكة لذين لايدخلون بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ صُورَةٌ فَهُمْ مَلَائِكَةٌ يطوفونبالرحمة وَالتَّبْرِيكِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَأَمَّا الْحَفَظَةُ فَيَدْخُلُونَ فِي كُلَّ بيت ولايفارقون بَنِي آدَمَ فِي كُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ باحصاء أعمالهم وكتابتها قال الخطابى وانما لاتدخل الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ صُورَةٌ مِمَّا يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ مِنَ الْكِلَابِ وَالصُّوَرِ فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِحِرَامٍ مِنْ كَلْبِ الصَّيْدِ وَالزَّرْعِ وَالْمَاشِيَةِ وَالصُّورَةِ الَّتِي تُمْتَهَنُ فِي الْبِسَاطِ وَالْوِسَادَةِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا يَمْتَنِعُ دُخُولُ الْمَلَائِكَةِ بِسَبَبِهِ وَأَشَارَ الْقَاضِي إِلَى نَحْوِ مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ كَلْبٍ وَكُلِّ صُورَةٍ وَأَنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ مِنَ الْجَمِيعِ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّ الْجِرْوَ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ السَّرِيرِ كَانَ لَهُ فِيهِ عُذْرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَمَعَ هَذَا امْتَنَعَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ وَعَلَّلَ بِالْجِرْوِ فَلَوْ كَانَ العذر فى وجود الصورة والكلب لايمنعهم لَمْ يَمْتَنِعْ جِبْرِيلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَأَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ حَتَّى أَنَّهُ يَأْمُرُ بِقَتْلِ كَلْبِ الْحَائِطِ الصَّغِيرِ وَيَتْرُكُ كَلْبَ الْحَائِطِ الْكَبِيرَ) الْمُرَادُ بِالْحَائِطِ الْبُسْتَانُ وَفَرَّقَ بَيْنَ

الْحَائِطَيْنِ لِأَنَّ الْكَبِيرَ تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَى حِفْظِ جوانبه ولايتمكن النَّاظُورُ مِنَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ وَالْأَمْرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ مَنْسُوخٌ وَسَبَقَ إِيضَاحُهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ حَيْثُ بَسَطَ مُسْلِمٌ أَحَادِيثَهُ هُنَاكَ قوله (إلارقما فِي ثَوْبٍ) هَذَا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ باباحة ماكان رَقْمًا مُطْلَقًا كَمَا سَبَقَ وَجَوَابُنَا وَجَوَابُ الْجُمْهُورِ عَنْهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى رَقْمٍ عَلَى صُورَةٍ الشَّجَرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ

بِحَيَوَانٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا جَائِزٌ عِنْدَنَا [2107] قَوْلُهُ (عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاتِهِ فَأَخَذْتُ نَمَطًا فَسُتْرَتُهُ عَلَى الْبَابِ فَلَمَّا قَدِمَ فَرَأَى النَّمَطَ عَرَفْتُ الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهِ فَجَذَبَهُ حَتَّى هَتَكَهُ أَوْ قَطَعَهُ وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ الْحِجَارَةَ وَالطِّينَ قَالَتْ فَقَطَعْنَا مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ وَحَشَوْتُهُمَا لِيفًا فَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلَيَّ الْمُرَادُ بِالنَّمَطِ هُنَا بِسَاطٌ لَطِيفٌ لَهُ خَمْلٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي بَابِ اتِّخَاذِ الْأَنْمَاطِ وَقَوْلُهَا (هَتَكَهُ) هوبمعنى قَطَعَهُ وَأَتْلَفَ الصُّورَةَ الَّتِي فِيهِ وَقَدْ صَرَّحَتْ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَاتِ بَعْدَ هَذِهِ بِأَنَّ هَذَا النَّمَطَ كَانَ فِيهِ صُوَرُ الْخَيْلِ ذَوَاتِ الْأَجْنِحَةِ وَأَنَّهُ كَانَ فِيهِ صُورَةٌ فَيَسْتَدِلُّ بِهِ لِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ وَهَتْكِ الصُّوَرِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْغَضَبِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمُنْكَرِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ اتِّخَاذُ الْوَسَائِدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حِينَ جَذَبَ النَّمَطَ وَأَزَالَهُ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يأمرنا أن نكسوا الْحِجَارَةَ وَالطِّينَ فَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَنَّهُ يُمْنَعُ من ستر الحيطان وتنجيد البيوت بالثياب وهومنع كراهة تنزيه لاتحريم هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا هُوَ حَرَامٌ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ لِأَنَّ حقيقة

اللَّفْظِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْنَا بِذَلِكَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مَنْدُوبٍ وَلَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها قالت كانت لَنَا سِتْرٌ فِيهِ تِمْثَالٌ طَائِرٌ وَكَانَ الدَّاخِلُ إِذَا دَخَلَ اسْتَقْبَلَهُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوِّلِي هَذَا فَإِنِّي كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا) هذامحمول عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ اتِّخَاذِ مَا فِيهِ صُورَةٌ فَلِهَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدخل ويراه ولاينكره قَبْلَ هَذِهِ الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةَ قَوْلُهَا (سَتَّرْتُ عَلَى بَابِي دُرْنُوكًا فِيهِ الْخَيْلُ ذَوَاتُ الْأَجْنِحَةِ فَأَمَرَنِي فَنَزَعْتُهُ) أَمَّا قَوْلُهَا سَتَّرْتُ فَهُوَ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ الْأُولَى وَأَمَّا الدُّرْنُوكُ فَبِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا حَكَاهُمَا القاضي وآخرون والمشهور ضمها والنون مضمومة لاغير وَيُقَالُ فِيهِ دُرْمُوكٌ بِالْمِيمِ وَهُوَ سِتْرٌ لَهُ خَمْلٌ وَجَمْعُهُ دَرَانِكُ قَوْلُهَا

(دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُتَسَتِّرَةٌ بِقِرَامٍ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ مُتَسَتِّرَةٌ بِتَاءَيْنِ مُثَنَّاتَيْنِ فَوْقُ بَيْنَهُمَا سِينٌ وَفِي بَعْضِهَا مُسْتَتِرَةٌ بِسِينٍ ثُمَّ تَاءَيْنِ أَيْ مُتَّخِذَةٌ سِتْرًا وَأَمَّا الْقِرَامُ فَبِكَسْرِ الْقَافِ الرقيق الستر وهو قَوْلُهَا (وَقَدْ سَتَّرْتُ سَهْوَةً لِي بِقِرَامٍ) السَّهْوَةُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ هِيَ شَبِيهَةٌ بالرف أوبالطاق يُوضَعُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَسَمِعْتُ غير واحدمن أَهْلِ الْيَمَنِ يَقُولُونَ السَّهْوَةُ عِنْدَنَا بَيْتٌ صَغِيرٌ متحدر فى الأرض وسمكه مرتفع من الْأَرْضِ يُشْبِهُ الْخِزَانَةَ الصَّغِيرَةَ يَكُونُ فِيهَا الْمَتَاعُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَهَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ مَا قِيلَ فِي السَّهْوَةِ وَقَالَ الْخَلِيلُ هِيَ أَرْبَعَةُ أَعْوَادٍ أَوْ ثَلَاثَةٌ يُعْرَضُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ ثم يوضع عليها

شيء من الأمتعةوقال بن الْأَعْرَابِيِّ هِيَ الْكَوَّةُ بَيْنَ الدَّارَيْنِ وَقِيلَ بَيْتٌ صَغِيرٌ يُشْبِهُ الْمِخْدَعَ وَقِيلَ

هِيَ كَالصُّفَّةِ تَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ الْبَيْتِ وَقِيلَ شَبِيهُ دَخْلَةٍ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (اشْتَرَيْتُ نُمْرُقَةً) هِيَ بِضَمِّ النُّونِ وَالرَّاءِ وَيُقَالُ بِكَسْرِهِمَا وَيُقَالُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الرَّاءِ ثلاث لغات ويقال نمرق بلاهاء وَهِيَ وِسَادَةٌ صَغِيرَةٌ وَقِيلَ هِيَ مِرْفَقَةٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ) وَفِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهِئُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى [2108] وَفِي رِوَايَةٍ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ [2110] وَفِي رِوَايَةِ بن عَبَّاسٍ كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ يُجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ وفىرواية مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ [2111] وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة أما قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَيُقَالُ لَهُمْ أحيواما خَلَقْتُمْ) فَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْأُصُولِيُّونَ أَمْرَ تَعْجِيزٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ وأما قوله فى رواية بن عَبَّاسٍ يَجْعَلُ لَهُ فَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ يَجْعَلُ وَالْفَاعِلُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى أُضْمِرَ لِلْعِلْمِ به قال القاضي فى رواية بن عباس يحتمل أَنَّ مَعْنَاهَا أَنَّ الصُّورَةَ الَّتِي صَوَّرَهَا هِيَ تُعَذِّبُهُ بَعْدَ أَنْ يُجْعَلَ فِيهَا رُوحٌ وَتَكُونُ الْبَاءُ فِي بِكُلِّ بِمَعْنَى فِي قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ بِعَدَدِ كُلِّ صُورَةٍ وَمَكَانِهَا شَخْصٌ يُعَذِّبُهُ وَتَكُونُ الْبَاءُ بِمَعْنَى لَامِ السَّبَبِ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ صَرِيحَةٌ فِي تَحْرِيمِ تَصْوِيرِ الْحَيَوَانِ وانه غليظ التحريم وأما

الشجر ونحوه ممالا روح فيه فلا تحرم صنعته ولاالتكسب بِهِ وَسَوَاءٌ الشَّجَرُ الْمُثْمِرُ وَغَيْرُهُ وَهَذَا مَذْهَبُ العلماء كافة الامجاهدا فَإِنَّهُ جَعَلَ الشَّجَرَ الْمُثْمِرَ مِنَ الْمَكْرُوهِ قَالَ الْقَاضِي لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ غَيْرُ مُجَاهِدٍ وَاحْتَجَّ مُجَاهِدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ أَيِ اجْعَلُوهُ حَيَوَانًا ذَا رُوحٍ كَمَا ضَاهَيْتُمْ وَعَلَيْهِ رِوَايَةُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يخلق خلقا كخلقى ويؤيده حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ ان كنت لابد فاعلا فاصنع الشجر وما لانفس له وأما رواية أشد عَذَابًا فَقِيلَ هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ فَعَلَ الصُّورَةَ لِتُعْبَدَ وَهُوَ صَانِعُ الْأَصْنَامِ وَنَحْوِهَا فَهَذَا كَافِرٌ وَهُوَ أَشَدُّ عَذَابًا وَقِيلَ هِيَ فِيمَنْ قَصَدَ الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْحَدِيثِ مِنْ مُضَاهَاةِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ فَهَذَا كَافِرٌ لَهُ مِنْ أَشَدِّ الْعَذَابِ مَا لِلْكُفَّارِ وَيَزِيدُ عَذَابُهُ بِزِيَادَةِ قُبْحِ كُفْرِهِ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الْعِبَادَةَ وَلَا الْمُضَاهَاةَ فَهُوَ فَاسِقٌ صاحب ذنب كبير ولايكفر كَسَائِرِ الْمَعَاصِي [2111] وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوْ حَبَّةً أَوْ شَعِيْرَةً فَالذَّرَّةُ بِفَتْحِ الذَّالِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً فِيهَا رُوحٌ تَتَصَرَّفُ بِنَفْسِهَا كَهَذِهِ الذَّرَّةِ الَّتِي هِيَ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةَ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَيْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً فِيهَا طَعْمٌ تُؤْكَلُ وَتُزْرَعُ وَتَنْبُتُ وَيُوجَدُ فِيهَا مَا يُوجَدُ فِي حَبَّةِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الْحَبِّ الَّذِي يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا أَمْرُ تَعْجِيزٍ كَمَا سبق والله أعلم

باب كراهة قلادة الوتر فى رقبة البعير

وَهُوَ اسْمٌ لِلصَّوْتِ فَأَصْلُ الْجَرَسِ بِالْإِسْكَانِ الصَّوْتُ الْخَفِيُّ أَمَّا فِقْهُ الْحَدِيثِ فَفِيهِ كَرَاهَةُ اسْتِصْحَابِ الكلب والجرس فى الاسفار وأن الملائكة لاتصحب رُفْقَةً فِيهَا أَحَدُهُمَا وَالْمُرَادُ بِالْمَلَائِكَةِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ والاستغفار لاالحفظة وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا قَرِيبًا وَسَبَقَ بَيَانُ الْحِكْمَةِ فِي مُجَانَبَةِ الْمَلَائِكَةِ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَأَمَّا الْجَرَسُ فَقِيلَ سَبَبُ مُنَافَرَةِ الْمَلَائِكَةِ لَهُ أَنَّهُ شَبِيهٌ بِالنَّوَاقِيسِ أَوْ لِأَنَّهُ مِنَ الْمَعَالِيقِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَقِيلَ سَبَبُهُ كَرَاهَةُ صَوْتِهَا وَتُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ الْجَرَسِ عَلَى الْإِطْلَاقِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَآخَرِينَ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُتَقَدِّمِي عُلَمَاءِ الشَّامِ يُكْرَهُ الْجَرَسُ الْكَبِيرُ دون الصغير (باب كراهة قلادة الوتر فى رقبة البعير) قوله صلى الله عليه وسلم [2115] (لايبقين فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قلادة الاقطعت) قَالَ مَالِكٌ أُرَى ذَلِكَ مِنَ الْعَيْنِ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلَادَةٌ فَقِلَادَةٌ الثَّانِيَةُ مَرْفُوعَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى قِلَادَةٍ الْأُولَى وَمَعْنَاهُ أَنَّ الرَّاوِي شَكَّ هَلْ قَالَ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قَالَ قِلَادَةٌ فَقَطْ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالْوَتَرِ وَقَوْلُ مَالِكٍ أُرَى ذَلِكَ مِنَ الْعَيْنِ هُوَ بِضَمِّ هَمْزَةِ أُرَى أَيْ أَظُنُّ أَنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِسَبَبِ رَفْعِ ضَرَرِ الْعَيْنِ وَأَمَّا مَنْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ زِينَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فلابأس الْقَاضِي الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بِالْوَتَرِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْقَلَائِدِ قَالَ وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَقْلِيدِ الْبَعِيرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْإِنْسَانِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ مَا لَيْسَ بِتَعَاوِيذَ مَخَافَةَ الْعَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ قَبْلَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَأَجَازَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لِدَفْعِ مَا أَصَابَهُ مِنْ ضَرَرِ الْعَيْنِ وَنَحْوِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ

(باب النهي عن ضرب الحيوان في وجهه ووسمه فيه)

أَجَازَهُ قَبْلَ الْحَاجَةِ وَبَعْدَهَا كَمَا يَجُوزُ الِاسْتِظْهَارُ بِالتَّدَاوِي قَبْلَ الْمَرَضِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ كَانُوا يُقَلِّدُونَ الْإِبِلَ الْأَوْتَارَ لِئَلَّا تُصِيبَهَا الْعَيْنُ فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بازالتها اعلاما لهم أن الأوتار لاترد شَيْئًا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ لاتقلدوها أَوْتَارَ الْقِسِيِّ لِئَلَّا تَضِيقَ عَلَى أَعْنَاقِهَا فَتَخْنُقَهَا وقال النضر معناه لاتطلبوا الدُّخُولَ الَّتِي وَتَّرْتُمْ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ فَاسِدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب النَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ الْحَيَوَانِ فِي وَجْهِهِ وَوَسْمِهِ فِيهِ) [2116] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضَرْبِ الْحَيَوَانِ فِي الْوَجْهِ وَعَنِ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ [2117] وَفِي رِوَايَةٍ (مَرَّ عَلَيْهِ حِمَارٌ وَقَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ لَعَنَ الله الذى وسمه) وفى رواية

بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [2118] (فَأَنْكَرَ ذَلِكَ قَالَ فوالله لا أسمه إلا أَقْصَى شَيْءٍ مِنَ الْوَجْهِ فَأَمَرَ بِحِمَارٍ لَهُ فَكُوِيَ فِي جَاعِرَتَيْهِ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ كَوَى الْجَاعِرَتَيْنِ) أَمَّا الْوَسْمُ فَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَاتِ وَكُتُبِ الْحَدِيثِ قَالَ الْقَاضِي ضَبَطْنَاهُ بِالْمُهْمَلَةِ قَالَ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُهُ بِالْمُهْمَلَةِ وبالمجمة وَبَعْضُهُمْ فَرَّقَ فَقَالَ بِالْمُهْمَلَةِ فِي الْوَجْهِ وَبِالْمُعْجَمَةِ فِي سَائِرِ الْجَسَدِ وَأَمَّا الْجَاعِرَتَانِ فَهُمَا حَرْفَا الْوَرِكِ الْمُشْرِفَانِ مِمَّا يَلِي الدُّبُرَ وَأَمَّا الْقَائِلُ فوالله لا أسمه إلا أَقْصَى شَيْءٍ مِنَ الْوَجْهُ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي عياض هو العباس بن عبد المطلب كذاذكره فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي تَارِيخِهِ قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ مُشْكِلٌ يُوهَمُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصواب أنه من قَوْلُ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا ذَكَرْنَا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَقَوْلُهُ يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ هُوَ بِظَاهِرٍ فِيهِ بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ كلام بن عَبَّاسٍ وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْقَضِيَّةُ جَرَتْ لَلْعَبَّاسِ وَلِابْنِهِ وَأَمَّا الضَّرْبُ فِي الْوَجْهِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي كُلِّ الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ مِنَ الْآدَمِيِّ وَالْحَمِيرِ وَالْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالْبِغَالِ وَالْغَنَمِ وَغَيْرِهَا لَكِنَّهُ فِي الْآدَمِيِّ أَشَدُّ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ مَعَ أَنَّهُ لَطِيفٌ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَرُبَّمَا شَانَهُ وَرُبَّمَا آذَى بَعْضَ الْحَوَاسِّ وَأَمَّا الْوَسْمُ فِي الْوَجْهِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ لِلْحَدِيثِ وَلِمَا ذَكَرْنَاهُ فَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَوَسْمُهُ حَرَامٌ لِكَرَامَتِهِ ولأنه لاحاجة إليه فلايجوز تَعْذِيبُهُ وَأَمَّا غَيْرُ الْآدَمِيِّ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أصحابنا يكره وقال البغوى من أصحابنا لايجوز فَأَشَارَ إِلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ فَاعِلَهُ وَاللَّعْنُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَأَمَّا وَسْمُ غَيْرِ الْوَجْهِ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فَجَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لَكِنْ يستحب فىنعم الزكاة والجزية ولايستحب فى غيرها ولاينهى عنه قال أهل اللغة الوسم أثركية يُقَالُ بَعِيرٌ مَوْسُومٌ وَقَدْ وَسَمَهُ يَسِمُهُ وَسْمًا وَسِمَةً وَالْمِيسَمُ الشَّيْءُ الَّذِي يُوسَمُ بِهِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ السِّينِ وَجَمْعُهُ مَيَاسِمُ وَمَوَاسِمُ وَأَصْلُهُ كُلُّهُ مِنَ السِّمَةِ وَهِيَ الْعَلَامَةُ وَمِنْهُ مَوْسِمُ الْحَجِّ أَيْ مَعْلَمُ جَمْعِ النَّاسِ وَفُلَانٌ مَوْسُومٌ بِالْخَيْرِ وَعَلَيْهِ سِمَةُ الْخَيْرِ أَيْ عَلَامَتُهُ وَتَوَسَّمْتُ فِيهِ كَذَا أَيْ رَأَيْتُ فِيهِ عَلَامَتَهُ والله أعلم

باب جواز وسم الحيوان غير الآدمى فى غير الوجه

(باب جواز وسم الحيوان غير الآدمى فى غير الوجه وندبه فى نعم الزكاة والجزية) [2119] قَوْلُهُ (عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا وَلَدَتْ أُمُّ سليم قالت لى ياأنس انظر هذا الغلام فلايصيبن شَيْئًا حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَنِّكُهُ فَغَدَوْتُ فَإِذَا هُوَ فى الحائط وعليه خميصة حويتية وَهُوَ يَسِمُ الظَّهْرَ الَّذِي قَدِمَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحَ) وَفِي روايةٍ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فى مربد يسم غما قال شعبة وأكثر علمى أنه قال فى آذنها وَفِي رِوَايَةٍ رَأَيْتُ فِي يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِيسَمَ وَهُوَ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ أَمَّا الْخَمِيصَةُ فَهِيَ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ أَوْ خَزٍّ وَنَحْوِهِمَا مُرَبَّعٌ لَهُ أَعْلَامٌ وَأَمَّا

قَوْلُهُ حُوَيْتِيَّةٌ فَاخْتَلَفَ رُوَاةُ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي ضَبْطِهِ فَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ واومفتوحة ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فوق مكسورة ثم مثناة تحت مشددة وَفِي بَعْضِهِمْ حُوتَنِيَّةٌ بِإِسْكَانِ الْوَاوِ وَبَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ فَوْقُ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ نُونٌ مَكْسُورَةٌ وَقَدْ ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَفِي بَعْضِهَا حُونِيَّةٌ بِإِسْكَانِ الْوَاوِ وَبَعْدَهَا نُونٌ مَكْسُورَةٌ وَفِي بَعْضِهَا حُرَيْثِيَّةٌ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ وَرَاءُ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ مَكْسُورَةٍ مَنْسُوبَةٍ إِلَى بَنِي حُرَيْثٍ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لِجُمْهُورِ رُوَاةِ صَحِيحِهِ وَفِي بَعْضِهَا حَوْنَبِيَّةٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ ثُمَّ نُونٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَفِي بَعْضِهَا خُوَيْثِيَّةٌ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَبَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ حَكَاهُ الْقَاضِي وَفِي بَعْضِهَا جُوَيْنِيَّةٌ بِجِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ وَاوٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ ثُمَّ نُونٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ مُشَدَّدَةٍ وَفِي بَعْضِهَا جَوْنِيَّةٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَبَعْدَهَا نُونٌ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ وَوَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ خَيْبَرِيَّةٌ مَنْسُوبَةٌ إِلَى خَيْبَرَ وَوَقَعَ فِي الصَّحِيحَيْنِ حَوْتَكِيَّةٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِالْكَافِ أَيْ صَغِيرَةٌ وَمِنْهُ رَجُلٌ حَوْتَكِيٌّ أَيْ صَغِيرٌ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى هِيَ مَنْسُوبَةٌ إِلَى الْحُوَيْتِ وَهُوَ قَبِيلَةٌ أَوْ مَوْضِعٌ وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ هذه الروايات كلها تصحيف إلاروايتى جَوْنِيَّةٌ بِالْجِيمِ وَحُرَيْثِيَّةٌ بِالرَّاءِ وَالْمُثَلَّثَةِ فَأَمَّا الْجَوْنِيَّةُ بِالْجِيمِ فَمَنْسُوبَةٌ إِلَى بَنِي الْجَوْنِ قَبِيلَةٍ مِنَ الْأَزْدِ أَوْ إِلَى لَوْنِهَا مِنَ السَّوَادِ أَوِ الْبَيَاضِ أَوِ الْحُمْرَةِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي كُلَّ لَوْنٍ مِنْ هَذِهِ جَوْنًا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وقال بن الْأَثِيرِ فِي نِهَايَةِ الْغَرِيبِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الرِّوَايَةَ الْأُولَى هَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ مُسْلِمٍ ثُمَّ قَالَ وَالْمَحْفُوظُ الْمَشْهُورُ جَوْنِيَّةٌ أَيْ سوداء قال وأما الحويتية فلاأعرفها وَطَالَمَا بَحَثْتُ عَنْهَا فَلَمْ أَقِفْ لَهَا عَلَى مَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ قَالَ شُعْبَةُ وَأَكْثَرُ عِلْمِي رُوِيَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وهما صحيحان والميسم بِكَسْرِ الْمِيمِ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّ وَسْمَ الْآدَمِيِّ حَرَامٌ وَأَمَّا غَيْرُ الْآدَمِيِّ فَالْوَسْمُ فِي وَجْهِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَأَمَّا غَيْرُ الْوَجْهِ فَمُسْتَحَبٌّ فِي نَعَمِ الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ وَجَائِزٌ فِي غَيْرِهَا وَإِذَا وُسِمَ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسِمَ الْغَنَمَ فِي آذَانِهَا وَالْإِبِلَ وَالْبَقَرَ فى أصول أفخاذخا لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ صُلْبٌ فَيَقِلُّ الْأَلَمُ فِيهِ وَيَخِفُّ شَعْرُهُ وَيَظْهَرُ الْوَسْمُ وَفَائِدَةُ الْوَسْمِ تَمْيِيزُ الْحَيَوَانِ بَعْضِهُ مِنْ بَعْضٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْتَبَ فِي مَاشِيَةِ الْجِزْيَةِ جِزْيَةٌ أَوْ صَغَارٌ وَفِي مَاشِيَةِ الزَّكَاةِ زَكَاةٌ أَوْ صَدَقَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ يُسْتَحَبُّ كَوْنُ مِيسَمِ الْغَنَمِ أَلْطَفَ مِنْ مِيسَمِ الْبَقَرِ وَمِيسَمِ الْبَقَرِ أَلْطَفَ مِنْ مِيسَمِ الْإِبِلِ وَهَذَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ مِنِ اسْتِحْبَابِ وَسْمِ نَعَمِ الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ هُوَ

باب كراهة القزع

مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وجماهير العلماء بعدهم ونقل بن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ وَمُثْلَةٌ وَقَدْ نُهِيَ عَنِ الْمُثْلَةِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ وَآثَارٌ كَثِيرَةٌ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلِأَنَّهَا رُبَّمَا شَرَدَتْ فَيَعْرِفُهَا وَاجِدُهَا بِعَلَامَتِهَا فَيَرُدُّهَا وَالْجَوَابُ عَنِ النَّهْيِ عَنِ الْمُثْلَةِ وَالتَّعْذِيبِ أَنَّهُ عَامٌّ وَحَدِيثُ الْوَسْمِ خَاصٌّ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ والله أعلم وأما الْمِرْبَدُ فَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُحْبَسُ فِيهِ الْإِبِلُ وَهُوَ مِثْلُ الْحَظِيرَةِ لِلْغَنَمِ فَقَوْلُهُ هُنَا فِي مِرْبَدٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْحَظِيرَةَ الَّتِي لِلْغَنَمِ فَأُطْلِقَ عَلَيْهَا اسْمُ الْمِرْبَدِ مَجَازًا لِمُقَارَبَتِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ على ظاهره وأنه أدخل الغنم مِرْبَدِ الْإِبِلِ لِيَسِمَهَا فِيهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ يَسِمُ الظَّهْرَ فَالْمُرَادُ بِهِ الْإِبِلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَحْمِلُ الْأَثْقَالَ عَلَى ظُهُورِهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا جَوَازُ الْوَسْمِ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَاسْتِحْبَابُهُ فِي نَعَمِ الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ وَأَنَّهُ ليس فى فعله دناءة ولاترك مُرُوءَةٍ فَقَدْ فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهَا بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّوَاضُعِ وَفِعْلِ الْأَشْغَالِ بِيَدِهِ وَنَظَرِهِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَالِاحْتِيَاطِ فِي حِفْظِ مَوَاشِيهِمْ بِالْوَسْمِ وَغَيْرِهِ وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ تَحْنِيكِ الْمَوْلُودِ وَسَنَبْسُطُهُ فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْهَا حَمْلُ الْمَوْلُودِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ إِلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْفَضْلِ يُحَنِّكُهُ بتمرة ليكون أول مايدخل فِي جَوْفِهِ رِيقُ الصَّالِحِينَ فَيَتَبَرَّكَ بِهِ وَاللَّهُ أعلم (باب كراهة القزع) [2120] قوله (أخبرنى عمر بن نافع عن أبيه عن بن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْقَزَعِ قُلْتُ

لِنَافِعٍ وَمَا الْقَزَعُ قَالَ يُحْلَقُ بَعْضُ رَأْسِ الصَّبِيِّ وَيُتْرَكُ بَعْضٌ) وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ مِنْ كَلَامِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْقَزَعُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالزَّايِ وَهَذَا الَّذِي فَسَّرَهُ بِهِ نَافِعٌ أَوْ عُبَيْدُ اللَّهِ هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ أَنَّ الْقَزَعَ حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ حَلْقُ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الرَّاوِي وَهُوَ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِلظَّاهِرِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ الْقَزَعِ إِذَا كَانَ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِمُدَاوَاةٍ وَنَحْوِهَا وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ فِي الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ مُطْلَقًا وقال بعض أصحابه لابأس بِهِ فِي الْقُصَّةِ وَالْقَفَا لِلْغُلَامِ وَمَذْهَبُنَا كَرَاهَتُهُ مُطْلَقًا لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي كَرَاهَتِهِ أَنَّهُ تَشْوِيهٌ لِلْخَلْقِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ أَذَى الشَّرِّ وَالشَّطَارَةِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ زِيُّ الْيَهُودِ وَقَدْ جَاءَ هَذَا فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب النهي عن الجلوس في الطرقات وإعطاء الطريق حقه)

(بَاب النَّهْيِ عَنْ الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقَاتِ وَإِعْطَاءِ الطَّرِيقِ حَقَّهُ) [2121] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إياكم والجلوس فى الطرقات قالوا يارسول الله مالنا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا قَالَ فَإِذَا أبيتم إلاالمجلس فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ قَالُوا وَمَا حَقُّهُ قَالَ غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ) هَذَا الْحَدِيثُ كَثِيرُ الفوائد وهومن الْأَحَادِيثِ الْجَامِعَةِ وَأَحْكَامُهُ ظَاهِرَةٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَبَ الْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَيَدْخُلُ فِي كَفِّ الْأَذَى اجْتِنَابُ الْغِيبَةِ وَظَنِّ السُّوءِ وَإِحْقَارِ بَعْضِ الْمَارِّينَ وَتَضْيِيقِ الطَّرِيقِ وَكَذَا إِذَا كَانَ الْقَاعِدُونَ مِمَّنْ يَهَابُهُمُ الْمَارُّونَ أَوْ يَخَافُونَ مِنْهُمْ وَيَمْتَنِعُونَ مِنَ الْمُرُورِ فِي أَشْغَالِهِمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ لكونهم لا يجدون طريقا إلاذلك الْمَوْضِعِ (بَاب تَحْرِيمِ فِعْلِ الْوَاصِلَةِ وَالْمُسْتَوْصِلَةِ وَالْوَاشِمَةِ وَالْمُسْتَوْشِمَةِ وَالنَّامِصَةِ وَالْمُتَنَمِّصَةِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ وَالْمُغَيِّرَاتِ خَلْقِ اللَّهِ تعالى) [2122] قوله (جاءت امرأة فقالت يارسول اللَّهِ إِنَّ لِي ابْنَةً عُرَيِّسًا أَصَابَتْهَا حَصْبَةٌ فَتَمَرَّقَ شَعْرُهَا أَفَأَصِلُهُ

فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ) وَفِي رِوَايَةٍ فَتَمَرَّقَ شَعْرُ رَأْسِهَا وَزَوْجُهَا يَسْتَحْسِنُهَا أَفَأَصِلُ شَعْرَهَا يارسول اللَّهِ فَنَهَاهَا [2123] وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا مَرِضَتْ فَتَمَرَّطَ شَعْرُهَا وَفِي رِوَايَةٍ فَاشْتَكَتْ فَتَسَاقَطَ شَعْرُهَا وَأَنَّ زَوْجَهَا يُرِيدُهَا أَمَّا تَمَرَّقَ فَبِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ بِمَعْنَى تَسَاقَطَ وَتَمَرَّطَ كَمَا ذُكِرَ فِي بَاقِي الروايات ولم يذكر القاضي فى الشرح الاالراء الْمُهْمَلَةَ كَمَا ذَكَرْنَا وَحَكَاهُ فِي الْمَشَارِقِ عَنْ جُمْهُورِ الرُّوَاةِ ثُمَّ حَكَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ مَعْنَى الْأَوَّلِ ولكنه لايستعمل فِي الشَّعْرِ فِي حَالِ الْمَرَضِ وَأَمَّا قَوْلُهَا (إِنَّ لِي ابْنَةً عُرَيِّسًا) فَبِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ تَصْغِيرُ عَرُوسٍ وَالْعَرُوسُ يَقَعُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ عِنْدَ الدُّخُولِ بِهَا وَأَمَّا الْحَصْبَةُ فَبِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَيُقَالُ أَيْضًا بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهُنَّ جَمَاعَةٌ وَالْإِسْكَانُ أَشْهَرُ وَهِيَ بَثْرٌ تَخْرُجُ فى الجلد يفول مِنْهُ حَصِبَ جِلْدُهُ بِكَسْرِ الصَّادِ يَحْصِبُ وَأَمَّا الْوَاصِلَةُ فَهِيَ الَّتِي تَصِلُ شَعْرَ الْمَرْأَةِ بِشَعْرٍ آخَرَ وَالْمُسْتَوْصِلَةُ الَّتِي تَطْلُبُ مَنْ يَفْعَلُ بِهَا ذَلِكَ وَيُقَالُ لَهَا مَوْصُولَةٌ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ صَرِيحَةٌ فِي تَحْرِيمِ الْوَصْلِ وَلَعْنِ الْوَاصِلَةِ وَالْمُسْتَوْصِلَةِ مُطْلَقًا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ وَقَدْ فَصَّلَهُ أَصْحَابُنَا فَقَالُوا إِنْ وَصَلَتْ شَعْرَهَا بِشَعْرٍ آدَمِيٍّ فَهُوَ حرام بلاخلاف سَوَاءٌ كَانَ شَعْرَ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ وَسَوَاءٌ شعر المحرم والزوج وغيرهما بلاخلاف لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّهُ يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِشَعْرِ الْآدَمِيِّ وسائرأجزائه لِكَرَامَتِهِ بَلْ يُدْفَنُ شَعْرُهُ وَظُفْرُهُ وَسَائِرُ أَجْزَائِهِ وَإِنْ وَصَلَتْهُ بِشَعْرٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ فَإِنْ كَانَ شعرانجسا وَهُوَ شَعْرُ الْمَيْتَةِ وَشَعْرُ مَا لَا يُؤْكَلُ إِذَا انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ حَرَامٌ أَيْضًا للحديث ولانه

حَمَلَ نَجَاسَةً فِي صَلَاتِهِ وَغَيْرِهَا عَمْدًا وَسَوَاءٌ فى هذين النوعين المزوجةوغيرها مِنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَأَمَّا الشَّعْرُ الطَّاهِرُ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ ولاسيد فَهُوَ حَرَامٌ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أحدها لايجوز لظاهر الأحاديث والثانى لايحرم وَأَصَحُّهَا عِنْدَهُمْ إِنْ فَعَلَتْهُ بِإِذْنِ الزَّوْجِ أَوِ السَّيِّدِ جَازَ وَإِلَّا فَهُوَ حَرَامٌ قَالُوا وَأَمَّا تَحْمِيرُ الْوَجْهِ وَالْخِضَابُ بِالسَّوَادِ وَتَطْرِيفُ الْأَصَابِعِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ أَوْ كَانَ وَفَعَلَتْهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَحَرَامٌ وَإِنْ أَذِنَ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ هَذَا تَلْخِيصُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالطَّبَرِيُّ وَكَثِيرُونَ أَوِ الْأَكْثَرُونَ الْوَصْلُ مَمْنُوعٌ بِكُلِّ شَيْءٍ سَوَاءٌ وَصَلَتْهُ بِشَعْرٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ خِرَقٍ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جابر الذى ذكره مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَجَرَ أَنْ تَصِلَ الْمَرْأَةُ بِرَأْسِهَا شَيْئًا وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ النَّهْيُ مُخْتَصٌّ بِالْوَصْلِ بِالشَّعْرِ وَلَا بَأْسَ بِوَصْلِهِ بِصُوفِ وَخِرَقٍ وَغَيْرِهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ جَمِيعُ ذَلِكَ وَهُوَ مروى عن عائشة ولايصح عَنْهَا بَلِ الصَّحِيحُ عَنْهَا كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ قَالَ الْقَاضِي فَأَمَّا رَبْطُ خُيُوطِ الْحَرِيرِ الْمُلَوَّنَةِ وَنَحْوِهَا مما لايشبه الشعر

فليس بمنهى عنه لأنه ليس بوصل ولاهو في معنى مقصود الوصل وانما هُوَ لِلتَّجَمُّلِ وَالتَّحْسِينِ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ وَصْلَ الشَّعْرِ مِنْ الْمَعَاصِي الْكَبَائِرِ لِلَعْنِ فَاعِلِهِ وَفِيهِ أَنَّ الْمُعِينَ عَلَى الْحَرَامِ يُشَارِكُ فَاعِلَهُ فِي الْإِثْمِ كَمَا أَنَّ الْمُعَاوِنَ فِي الطَّاعَةِ يشارك فى ثوابها والله أعلم وأما قَوْلُهَا وَزَوْجُهَا يَسْتَحْسِنُهَا فَهَكَذَا وَقَعَ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ النُّسَخِ بِإِسْكَانِ الْحَاءِ وَبَعْدَهَا سِينٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ نُونٌ مِنَ الِاسْتِحْسَانِ أَيْ يَسْتَحْسِنُهَا فَلَا يَصْبِرُ عَنْهَا وَيَطْلُبُ تَعْجِيلَهَا إِلَيْهِ وَوَقَعَ فِي كثير منها يستحثنيها بِكَسْرِ الْحَاءِ وَبَعْدَهَا ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ ثُمَّ نُونٌ ثُمَّ يَاءٌ مُثَنَّاةٌ تَحْتُ مِنَ الْحَثِّ وَهُوَ سرعة الشيء وفى بعضها يستحثها بَعْدَ الْحَاءِ ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ فَقَطْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَصْلَ حَرَامٌ سَوَاءٌ كان لمعذورة

أو عروس أوغيرهما [2124] [2125] قَوْلُهُ (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ) أَمَّا الْوَاشِمَةُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ فَفَاعِلَةُ الْوَشْمِ وَهِيَ أَنْ تَغْرِزَ إِبْرَةً أَوْ مِسَلَّةً أَوْ نَحْوَهُمَا فِي ظَهْرِ الْكَفِّ أَوِ الْمِعْصَمِ أَوِ الشَّفَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ بَدَنِ الْمَرْأَةِ حَتَّى يَسِيلَ الدَّمُ ثُمَّ تَحْشُو ذَلِكَ الْمَوْضِعَ بِالْكُحْلِ أَوِ النُّورَةِ فَيَخْضَرُّ وَقَدْ يُفْعَلُ ذَلِكَ بِدَارَاتٍ وَنُقُوشٍ وَقَدْ تُكَثِّرُهُ وَقَدْ تُقَلِّلُهُ وَفَاعِلَةُ هَذَا وَاشِمَةٌ وَقَدْ وَشَمِتْ تَشِمُ وَشْمًا وَالْمَفْعُولُ بِهَا مَوْشُومَةٌ فَإِنْ طَلَبَتْ فِعْلَ ذَلِكَ بِهَا فَهِيَ مُسْتَوْشِمَةٌ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الْفَاعِلَةِ وَالْمَفْعُولِ بِهَا بِاخْتِيَارِهَا وَالطَّالِبَةِ لَهُ وَقَدْ يُفْعَلُ بِالْبِنْتِ وَهِيَ طِفْلَةٌ فَتَأْثَمُ الفاعلة ولاتأثم الْبِنْتُ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهَا حِينَئِذٍ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي وُشِمَ يَصِيرُ نَجِسًا فَإِنْ أَمْكَنَ إِزَالَتُهُ بِالْعِلَاجِ وَجَبَتْ إِزَالَتُهُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الابالجرح فَإِنْ خَافَ مِنْهُ التَّلَفَ أَوْ فَوَاتَ عُضْوٍ أومنفعة عُضْوٍ أَوْ شَيْئًا فَاحِشًا فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ لَمْ تَجِبْ إِزَالَتُهُ فَإِذَا بَانَ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إِثْمٌ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ إِزَالَتُهُ وَيَعْصِي بِتَأْخِيرِهِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا النَّامِصَةُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ فَهِيَ الَّتِي تُزِيلُ الشَّعْرَ مِنَ الْوَجْهِ وَالْمُتَنَمِّصَةُ الَّتِي تَطْلُبُ فِعْلَ ذلك بها وهذا الفعل حرام الااذا نبتت للمرأة لحية أو شوارب فلاتحرم إزالتها بل يستحب عندنا وقال بن جرير لايجوز حلق لحيتها ولا عنفقتها ولاشاربها ولا تغيير شيء من خلقتها بزيادة ولانقص وَمَذْهَبُنَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنِ اسْتِحْبَابِ إِزَالَةِ اللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ وَالْعَنْفَقَةِ وَأَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْحَوَاجِبِ وَمَا فِي أَطْرَافِ الْوَجْهِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ الْمُنْتَمِصَةُ بِتَقْدِيمِ النُّونِ وَالْمَشْهُورُ تَأْخِيرُهَا وَيُقَالُ لِلْمِنْقَاشِ مِنْمَاصٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَأَمَّا الْمُتَفَلِّجَاتُ بِالْفَاءِ وَالْجِيمِ وَالْمُرَادُ مُفَلِّجَاتُ الْأَسْنَانِ بِأَنْ تَبْرُدَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهَا الثَّنَايَا وَالرُّبَاعِيَّاتِ وَهُوَ مِنَ الْفَلَجِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَاللَّامِ وَهِيَ فُرْجَةٌ بَيْنَ الثَّنَايَا وَالرُّبَاعِيَّاتِ وَتَفْعَلُ ذَلِكَ الْعَجُوزُ وَمَنْ قَارَبَتْهَا فِي السِّنِّ إِظْهَارًا لِلصِّغَرِ وَحُسْنِ الْأَسْنَانِ لِأَنَّ هَذِهِ الْفُرْجَةَ اللَّطِيفَةَ بَيْنَ الْأَسْنَانِ تَكُونُ لِلْبَنَاتِ الصِّغَارِ فَإِذَا عَجَزَتِ الْمَرْأَةُ كَبُرَتْ سِنُّهَا وَتَوَحَّشَتْ فَتَبْرُدُهَا بِالْمِبْرَدِ

لِتَصِيرَ لَطِيفَةً حَسَنَةَ الْمَنْظَرِ وَتُوهِمَ كَوْنَهَا صَغِيرَةً وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الْوَشْرُ وَمِنْهُ لَعْنُ الْوَاشِرَةِ وَالْمُسْتَوْشِرَةِ وَهَذَا الْفِعْلُ حَرَامٌ عَلَى الْفَاعِلَةِ وَالْمَفْعُولِ بِهَا لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّهُ تَزْوِيرٌ وَلِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ الْمُتَفَلِّجَاتُ لِلْحُسْنِ فَمَعْنَاهُ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ طَلَبًا لِلْحُسْنِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْحَرَامَ هُوَ الْمَفْعُولُ لطلب الحسن أما لواحتاجت إِلَيْهِ لِعِلَاجٍ أَوْ عَيْبٍ فِي السِّنِّ وَنَحْوِهِ فلابأس والله أعلم قوله (لوكان ذَلِكَ لَمْ نُجَامِعْهَا) قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مَعْنَاهُ لَمْ نُصَاحِبْهَا وَلَمْ نَجْتَمِعْ نَحْنُ وَهِيَ بَلْ كُنَّا نُطَلِّقُهَا وَنُفَارِقُهَا قَالَ الْقَاضِي وَيُحْتَمَلُ أَنَّ معناه لم أطأها وهذا ضعيف والصحيح ماسبق فَيُحْتَجُّ بِهِ فِي أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ مرتكبة معصية كالوصل أو ترك الصلاة

أوغيرهما يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَذَا الْإِسْنَادُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ وَقَالَ الصَّحِيحُ عَنِ الْأَعْمَشِ إِرْسَالُهُ قَالَ وَلَمْ يُسْنِدْهُ عَنْهُ غَيْرُ جَرِيرٍ وَخَالَفَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَغَيْرُهُ فَرَوَوْهُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ مُرْسَلًا قَالَ وَالْمَتْنُ صَحِيحٌ مِنْ رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ يَعْنِي كَمَا ذَكَرَهُ فِي الطُّرُقِ السَّابِقَةِ وَهَذَا الْإِسْنَادُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وهم جرير والأعمش وابراهيموعلقمة وقد رأى جرير رجلامن الصَّحَابَةِ وَسَمِعَ أَبَا الطُّفَيْلِ وَهُوَ صَحَابِيٌّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [2127] قَوْلُهُ (إِنَّ مُعَاوِيَةَ تَنَاوَلَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ قُصَّةً مِنْ شَعْرٍ كَانَتْ فِي يَدَيْ حَرَسِيٍّ) قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ هِيَ شَعْرُ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ الْمُقْبِلُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَقِيلَ شَعْرُ النَّاصِيَةِ وَالْحَرَسِيُّ كَالشُّرْطِيِّ وَهُوَ غُلَامُ الْأَمِيرِ قَوْلُهُ (وَأَخْرَجَ كُبَّةً مِنْ شَعْرٍ) هِيَ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ وَهِيَ شَعْرٌ مَكْفُوفٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ قوله (ياأهل الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ) هَذَا السُّؤَالُ لِلْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ بِإِهْمَالِهِمْ إِنْكَارَ هَذَا الْمُنْكَرِ وَغَفْلَتِهِمْ عَنْ تَغْيِيرِهِ وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ هَذَا اعْتِنَاءُ الْخُلَفَاءِ وَسَائِرِ وُلَاةِ الْأُمُورِ بِإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ وَإِشَاعَةِ إِزَالَتِهِ وَتَوْبِيخِ مَنْ أَهْمَلَ إِنْكَارَهُ مِمَّنْ تَوَجَّهَ ذَلِكَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا هَلَكَتْ بنواسرائيل حين اتخد هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ) قَالَ الْقَاضِي قِيلَ يُحْتَمَلُ

باب النساءالكاسيات العاريات المائلات المميلات

أنه كان محرما عليهم فعوقبوا باستعماله وملكوا بِسَبَبِهِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْهَلَاكَ كَانَ بِهِ وبغير مِمَّا ارْتَكَبُوهُ مِنَ الْمَعَاصِي فَعِنْدَ ظُهُورِ ذَلِكَ فِيهِمْ هَلَكُوا وَفِيهِ مُعَاقَبَةُ الْعَامَّةِ بِظُهُورِ الْمُنْكَرِ (باب النساءالكاسيات العاريات المائلات المميلات) [2128] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا

(باب النهي عن التزوير في اللباس وغيره والتشبع مما

الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لايدخلن الجنة ولايجدن رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا) هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ فَقَدْ وَقَعَ هَذَانِ الصِّنْفَانِ وَهُمَا مَوْجُودَانِ وَفِيهِ ذَمُّ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ قِيلَ مَعْنَاهُ كَاسِيَاتٌ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَارِيَاتٌ مِنْ شُكْرِهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَسْتُرُ بَعْضَ بَدَنِهَا وَتَكْشِفُ بَعْضَهُ إِظْهَارًا بِحَالِهَا وَنَحْوِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَلْبَسُ ثَوْبًا رَقِيقًا يَصِفُ لَوْنَ بَدَنِهَا وَأَمَّا مَائِلَاتٌ فَقِيلَ مَعْنَاهُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَمَا يَلْزَمُهُنَّ حِفْظُهُ مُمِيلَاتٌ أَيْ يُعَلِّمْنَ غَيْرَهُنَّ فِعْلَهُنَّ الْمَذْمُومَ وَقِيلَ مَائِلَاتٌ يَمْشِينَ مُتَبَخْتِرَاتٍ مُمِيلَاتٍ لِأَكْتَافِهِنَّ وَقِيلَ مَائِلَاتٌ يَمْشُطْنَ الْمِشْطَةَ الْمَائِلَةَ وَهِيَ مِشْطَةُ الْبَغَايَا مُمِيلَاتٌ يَمْشُطْنَ غَيْرِهِنَّ تِلْكَ المشطة ومعنى رؤوسهن كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ أَنْ يُكَبِّرْنَهَا وَيُعَظِّمْنَهَا بِلَفِّ عِمَامَةٍ أو عصابة أونحوها (بَاب النَّهْيِ عَنْ التَّزْوِيرِ فِي اللِّبَاسِ وَغَيْرِهِ والتشبع مما لم يعط) [2129] قولها (إن امرأة قالت يارسول الله أقول إن زوجى أعطانى مالم يُعْطِنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المتشبع بما لم يعظ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ الْمُتَكَثِّرُ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ بِأَنْ يَظْهَرَ أَنَّ عِنْدَهُ ماليس عِنْدَهُ يَتَكَثَّرُ بِذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ وَيَتَزَيَّنُ بِالْبَاطِلِ فهومذموم كَمَا يُذَمُّ مَنْ لَبِسَ ثَوْبَيْ زُورٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَآخَرُونَ هُوَ الَّذِي يَلْبَسُ ثِيَابَ أَهْلِ الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ وَالْوَرَعِ وَمَقْصُودُهُ أَنْ يُظْهِرَ لِلنَّاسِ أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَيُظْهِرَ مِنَ التَّخَشُّعِ وَالزُّهْدِ أَكْثَرَ مِمَّا فِي قَلْبِهِ فَهَذِهِ ثياب

زُورٍ وَرِيَاءٍ وَقِيلَ هُوَ كَمَنْ لَبِسَ ثَوْبَيْنِ لِغَيْرِهِ وَأَوْهَمَ أَنَّهُمَا لَهُ وَقِيلَ هُوَ مَنْ يَلْبَسُ قَمِيصًا وَاحِدًا وَيَصِلُ بِكُمَّيْهِ كُمَّيْنِ آخَرَيْنِ فيظهر أن عليه قميصين وحكى الخطابى قولاآخر أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالثَّوْبِ الْحَالَةُ وَالْمَذْهَبُ وَالْعَرَبُ تَكْنِي بِالثَّوْبِ عَنْ حَالِ لَابِسِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ كالكاذب القائل مالم يكن وقولاآخر أَنَّ الْمُرَادَ الرَّجُلُ الَّذِي تُطْلَبُ مِنْهُ شَهَادَةَ زُورٍ فَيَلْبَسُ ثَوْبَيْنِ يَتَجَمَّلُ بِهِمَا فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِحُسْنِ هَيْئَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي اسناد الباب (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَعَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) [2130] وذكر الحديث وبعده عن بن نُمَيْرٍ أَيْضًا عَنْ عَبْدَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ الْحَدِيثَ وَبَعْدَهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَعَنْ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ هَكَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْأَسَانِيدُ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ ووقع فى نسخة بن ماهان رواية بن أبي شيبة وإسحاق عقيب رواية بن نمير عن وكيع ومقدمة على رواية بن نُمَيْرٍ عَنْ عَبْدَةَ وَحْدَهُ وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أن هذا الذى فى نسخة بن مَاهَانَ خَطَأٌ قَالَ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ هَذَا خَطَأٌ قَبِيحٌ قَالَ وَلَيْسَ يُعْرَفُ حَدِيثُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الامن رواية مسلم عن بن نُمَيْرٍ وَمِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ حَدِيثُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ إِنَّمَا يَرْوِيهِ هَكَذَا مَعْمَرٌ وَالْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ وَيَرْوِيهِ غَيْرُهُمَا عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ وَإِخْرَاجُ مُسْلِمٍ حديث هشام عن أبيه عن عائشة لايصح وَالصَّوَابُ حَدِيثُ عَبْدَةَ وَوَكِيعٍ وَغَيْرِهِمَا عَنْ هِشَامٍ عن فاطمة عن أسماء والله أعلم

كتاب الآداب

( كتاب الآداب) (باب النهى عن التكنى بأبى القاسم وبيان ما يستحب من الأسماء) [2131] قَوْلُهُ (نَادَى رَجُلٌ رَجُلًا بِالْبَقِيعِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ أَعْنِكَ إِنَّمَا دَعَوْتُ فُلَانًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسَمَّوْا بِاسْمِي ولاتكنوا بِكُنْيَتِي) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَذَاهِبَ كَثِيرَةٍ وَجَمَعَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَحَدُهَا مَذْهَبُ الشافعى وأهل الظاهر أنه لايحل التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ لِأَحَدٍ أَصْلًا سَوَاءٌ كَانَ اسْمُهُ مُحَمَّدًا أَوْ أَحْمَدَ أَمْ لَمْ يَكُنْ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا النَّهْيَ مَنْسُوخٌ فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ لِهَذَا الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ نُسِخَ قَالُوا فَيُبَاحُ التَّكَنِّي الْيَوْمَ بِأَبِي الْقَاسِمِ لِكُلِّ أَحَدٍ سَوَاءٌ مَنِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالُوا وَقَدِ اشْتُهِرَ أَنَّ جَمَاعَةً تَكَنَّوْا بِأَبِي الْقَاسِمِ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ وَفِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ مَعَ كَثْرَةِ فَاعِلِ ذَلِكَ وَعَدَمِ الانكار الثالث مذهب بن جَرِيرٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ وَإِنَّمَا كَانَ النَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ وَالْأَدَبِ لَا لِلتَّحْرِيمِ الرَّابِعُ أَنَّ النَّهْيَ عن

التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ مُخْتَصٌّ بِمَنِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ أو أحمد ولابأس بالكنية وحدها لمن لايسمى بِوَاحِدٍ مِنَ الِاسْمَيْنِ وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ عَنْ جَابِرٍ الْخَامِسُ أَنَّهُ يَنْهَى عَنِ التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ مُطْلَقًا وَيَنْهَى عَنِ التَّسْمِيَةِ بِالْقَاسِمِ لِئَلَّا يُكَنَّى أَبُوهُ بِأَبِي الْقَاسِمِ وَقَدْ غَيَّرَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ اسْمَ ابْنِهِ عَبْدِ الْمَلِكِ حِينَ بَلَغَهُ هَذَا الْحَدِيثُ فَسَمَّاهُ عَبْدَ الْمَلِكِ وَكَانَ سَمَّاهُ أَوَّلًا الْقَاسِمَ وَفَعَلَهُ بَعْضُ الْأَنْصَارِ أَيْضًا السَّادِسُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ بِمُحَمَّدٍ مَمْنُوعَةٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ كُنْيَةٌ أَمْ لَا وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُسَمُّونَ أَوْلَادَكُمْ مُحَمَّدًا ثُمَّ تَلْعَنُونَهُمْ وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى الْكُوفَةِ لَا تُسَمُّوا أَحَدًا بِاسْمِ نَبِيٍّ وَأَمَرَ جَمَاعَةً بِالْمَدِينَةِ بِتَغْيِيرِ أَسْمَاءِ أَبْنَائِهِمْ مُحَمَّدٍ حَتَّى ذَكَرَ لَهُ جَمَاعَةٌ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَسَمَّاهُمْ بِهِ فَتَرَكَهُمْ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَشْبَهُ أَنَّ فِعْلَ عُمَرَ هَذَا إِعْظَامٌ لِاسْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا يُنْتَهَكَ الِاسْمُ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ تُسَمُّونَهُمْ مُحَمَّدًا ثُمَّ تَلْعَنُونَهُمْ وَقِيلَ سَبَبُ نَهْيِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لِمُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ فَعَلَ اللَّهُ بك يامحمد فَدَعَاهُ عُمَرُ فَقَالَ أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسب بك والله لاتدعى مُحَمَّدًا مَا بَقِيتُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ [2132] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ الْمُلَقَّبُ بِسَبَلَانَ) وَهُوَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ قَوْلُهُ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ) هَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ ثِقَةٌ حَافِظٌ ضَابِطٌ مُجْمَعٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَأَمَّا أخوه عبد الله فضعيف لايجوز الِاحْتِجَاجُ بِهِ فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا الرَّاوِي جَازَ وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْحَدِيثِ اعْتِمَادًا عَلَى عُبَيْدُ اللَّهِ قَوْلُهُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ أحباسمائكم إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ) فِيهِ التَّسْمِيَةُ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ وَتَفْضِيلُهُمَا عَلَى سَائِرِ مَا يُسَمَّى بِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإنما أنا

[2133] فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي (بَابِ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْكُنْيَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بِسَبَبِ وَصْفٍ صَحِيحٍ فِي الْمُكْنَى أَوْ لِسَبَبِ اسم ابنه وقال بن بَطَّالٍ فِي شَرْحِ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَعْنَاهُ

أَنِّي لَمُ أَسْتَأْثِرْ مِنْ مَالِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْئًا دُونَكُمْ وَقَالَهُ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ حِينَ فَاضَلَ فِي الْعَطَاءِ فَقَالَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُعْطِيكُمْ لاأنا وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ فَمَنْ قَسَمْتُ لَهُ شَيْئًا فَذَلِكَ نَصِيبُهُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا وَأَمَّا غَيْرُ أَبِي الْقَاسِمِ مِنَ الْكُنَى فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ على جوازه سواء كان له بن أَوْ بِنْتٌ فَكُنِيَ بِهِ أَوْ بِهَا أَوْ لم يكن له ولد أو صَغِيرًا أَوْ كُنِيَ بِغَيْرِ وَلَدِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُكْنَى الرَّجُلُ أَبَا فُلَانٍ

وَأَبَا فُلَانَةٍ وَأَنْ تُكْنَى الْمَرْأَةُ أُمَّ فُلَانَةٍ وأم فلان وَصَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقول للصغير أخى أنس ياأبا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ولاننعمك عَيْنًا) أَيْ لَا نُقِرُّ عَيْنَكَ بِذَلِكَ وَسَبَقَ شَرْحُ قَرَّتْ عَيْنُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَضِيفَانِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى الله

(باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة وبنافع ونحوه)

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ [2135] (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ) اسْتَدَلَّ بِهِ جَمَاعَةٌ عَلَى جَوَازِ التَّسْمِيَةِ بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَأَجْمَعُ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ إِلَّا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَبَقَ تَأْوِيلُهُ وَقَدْ سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَهُ إِبْرَاهِيمَ وَكَانَ فِي أَصْحَابِهِ خَلَائِقُ مُسَمَّوْنَ بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ التَّسَمِّي بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ قَالَ وَكَرِهَ مَالِكٌ التَّسَمِّي بِجِبْرِيلَ وَيَاسِينَ (بَاب كَرَاهَةِ التَّسْمِيَةِ بِالْأَسْمَاءِ الْقَبِيحَةِ وَبِنَافِعٍ وَنَحْوِهِ) [2136] قَوْلُهُ (نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُسَمِّيَ رَقِيقَنَا بِأَرْبَعَةِ أَسْمَاءٍ أَفْلَحُ ورباح ويسار ونافع) [2137] وفى رواية لاتسمين غُلَامَكَ يَسَارًا وَلَا رَبَاحًا وَلَا نَجِيحًا وَلَا أفلح فانك تقول اثم هو فلايكون

فيقول لاإنما هن أربع فلاتزيدن عَلَيَّ) [2138] وَفِي رِوَايَةِ جَابِرٍ قَالَ (أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْهَى عَنْ أَنْ يُسَمَّى بِيَعْلَى وَبِبَرَكَةَ وَبِأَفْلَحَ وَبِيَسَارٍ وَبِنَافِعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْتُهُ سَكَتَ بَعْدُ عَنْهَا فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ قُبِضَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ تَرَكَهُ) هَكَذَا وَقَعَ هَذَا اللَّفْظُ فِي مُعْظَمِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ الَّتِي بِبِلَادِنَا أَنْ يُسَمَّى بِيَعْلَى وَفِي بَعْضِهَا بِمُقْبِلٍ بَدَلُ يَعْلَى وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ لِلْحُمَيْدِيِّ بِيَعْلَى وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ بِمُقْبِلٍ وَفِي بَعْضِهَا بِيَعْلَى قَالَ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ تَصْحِيفٌ قَالَ وَالْمَعْرُوفُ بِمُقْبِلٍ وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ الْقَاضِي لَيْسَ بِمُنْكَرٍ بَلْ هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الرِّوَايَةِ وَفِي الْمَعْنَى وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنَهِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ عِشْتُ إِنْ شَاءَ الله أنهى أمتى أن يسموانافعا وَأَفْلَحَ وَبَرَكَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَلَا تَزِيدُنَّ عَلَيَّ هُوَ بِضَمِّ الدَّالِ وَمَعْنَاهُ

(باب استحباب تغير الاسم القبيح إلى حسن وتغير اسم

الَّذِي سَمِعْتُهُ أَرْبَعُ كَلِمَاتٍ وَكَذَا رِوَايَتُهُنَّ لَكُمْ فلاتزيدوا عَلَيَّ فِي الرِّوَايَةِ وَلَا تَنْقُلُوا عَنِّي غَيْرَ الْأَرْبَعِ وَلَيْسَ فِيهِ مَنْعُ الْقِيَاسِ عَلَى الْأَرْبَعِ وأن يلحق بها مافى مَعْنَاهَا قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ التَّسْمِيَةُ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَلَا تَخْتَصُّ الْكَرَاهَةُ بِهَا وَحْدَهَا وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لاتحريم وَالْعِلَّةُ فِي الْكَرَاهَةِ مَا بَيَّنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ فَإِنَّكَ تَقُولُ أَثِمَ هو فيقول لافكره لبشاعة الجواب وربماأوقع بَعْضَ النَّاسِ فِي شَيْءٍ مِنَ الطِّيَرَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْهَى عَنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ فَمَعْنَاهُ أَرَادَ أَنْ يَنْهَى عَنْهَا نَهْيَ تَحْرِيمٍ فَلَمْ يَنْهَ وَأَمَّا النَّهْيُ الَّذِي هُوَ لِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ فَقَدْ نَهَى عَنْهُ فِي الْأَحَادِيثِ الْبَاقِيَةِ (بَاب اسْتِحْبَابِ تغير الاسم القبيح إلى حسن وتغير اسْمِ بَرَّةَ إِلَى زَيْنَبَ وَجُوَيْرِيَةَ وَنَحْوِهِمَا) [2139] قَوْلُهُ (ان ابنةلعمر كَانَ يُقَالُ لَهَا عَاصِيَةُ فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيلَةَ) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ [2140] كَانَتْ جُوَيْرِيَةُ اسْمُهَا بَرَّةُ فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَهَا جُوَيْرِيَةَ وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ

يُقَالَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ بَرَّةَ وَذَكَرَ [2141] [2142] فِي الْحَدِيثَيْنِ الْآخَرَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيَّرَ اسْمَ بَرَّةَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ وَبَرَّةَ بِنْتِ جَحْشٍ فَسَمَّاهُمَا زَيْنَبَ وَزَيْنَبَ وَقَالَ لاتزكوا أَنْفُسَكُمُ اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ مَعْنَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَغْيِيرُ الِاسْمِ الْقَبِيحِ أَوِ الْمَكْرُوهِ إِلَى حَسَنٍ وَقَدْ ثَبَتَ أَحَادِيثُ بِتَغْيِيرِهِ

باب تحريم التسمى بملك الاملاك أو بملك الملوك

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَاءَ جَمَاعَةٍ كَثِيرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِلَّةَ فِي النَّوْعَيْنِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا وهى التزكية أو خوف النطير (باب تحريم التسمى بملك الاملاك أو بملك الملوك) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2143] (إِنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ لَا مَالِكَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ سُفْيَانُ مِثْلُ شَاهَانْ شَاهْ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ سَأَلْتُ أَبَا عَمْرٍو عَنْ أَخْنَعَ فَقَالَ أَوْضَعُ) وَفِي رِوَايَةٍ أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ وَأَغْيَظُهُ عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ هَكَذَا جَاءَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ هنا أخنع وأغيظ وأخبث وهذا التفسير الذى فسره أبوعمرو مَشْهُورٌ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ قَالُوا مَعْنَاهُ أَشَدُّ ذلاوصغارا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْمُرَادُ صَاحِبُ الِاسْمِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَغْيَظُ رَجُلٍ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى وَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ أَخْنَعُ بِمَعْنَى أَفْجَرَ يُقَالُ خَنَعَ الرَّجُلُ إِلَى الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ إِلَيْهِ أَيْ دَعَاهَا إِلَى الْفُجُورِ وَهُوَ بِمَعْنَى أَخْبَثَ أَيْ أَكْذَبَ الْأَسْمَاءِ وَقِيلَ أَقْبَحُ وَفِي رِوَايَةِ البخارى أخنأوهو بِمَعْنَى مَا سَبَقَ أَيْ أَفْحَشَ وَأَفْجَرَ وَالْخَنَى الْفُحْشُ وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى أَهْلَكَ لِصَاحِبِهِ الْمُسَمَّى الْخَنَى الْهَلَاكُ يُقَالُ أَخْنَى عَلَيْهِ الدَّهْرُ أَيْ أهلكه قال أبو عبيدوروى أَنْخَعُ أَيْ أَقْتَلُ وَالنَّخَعُ الْقَتْلُ الشَّدِيدُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللَّهِ وَأَغْيَظُهُ عَلَيْهِ فَهَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِتَكْرِيرِ أَغْيَظُ قَالَ الْقَاضِي لَيْسَ تَكْرِيرُهُ وَجْهَ الْكَلَامِ قَالَ وَفِيهِ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ بِتَكْرِيرِهِ أَوْ تَغْيِيرِهِ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ لَعَلَّ أَحَدَهُمَا أَغْنَطُ بِالنُّونِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ أَشَدَّهُ عَلَيْهِ وَالْغَنَطُ شِدَّةُ الْكَرْبِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَغْيَظُ هُنَا مَصْرُوفٌ عَنْ ظَاهِرِهِ والله سبحانه وتعالى لايوصف بِالْغَيْظِ فَيُتَأَوَّلُ هُنَا الْغَيْظُ عَلَى الْغَضَبِ وَسَبَقَ شَرْحُ مَعْنَى الْغَضَبِ وَالرَّحْمَةِ فِي

(باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته وحمله إلى

حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ قَالَ سُفْيَانُ مِثْلُ شَاهَانْ شَاهْ فَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ قَالَ الْقَاضِي وَقَعَ فى روايةشاه شاه قال وزعم بعبضهم أَنَّ الْأَصْوَبَ شَاهْ شَاهَانْ وَكَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ فِي كِسْرَى قَالُوا وَشَاهْ الْمَلِكِ وَشَاهَانْ الْمُلُوكِ وَكَذَا يَقُولُونَ لِقَاضِي الْقُضَاةِ مُوبَذُ موبذان قال القاضي ولاينكر صِحَّةُ مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّجَالُ لِأَنَّ كَلَامَ الْعَجَمِ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الْمُضَافِ والمضاف إليه فيقولون فى غلام زيدزيد غلام فهكذا أكثركلامهم فَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ صَحِيحَةٌ وَأَعْلَمُ أَنَّ التَّسَمِّيَ بِهَذَا الاسم حرم وَكَذَلِكَ التَّسَمِّي بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُخْتَصَّةِ بِهِ كَالرَّحْمَنِ وَالْقُدُّوسِ وَالْمُهَيْمِنِ وَخَالِقِ الْخَلْقِ وَنَحْوِهَا وَأَمَّا قوله قال أحمد بن حنبل سألت أباعمر فَأَبُو عَمْرٍو هَذَا هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ مِرَارٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ عَلَى وَزْنِ قِتَالٍ وَقِيلَ مَرَّارٌ بِفَتْحِهَا وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ كَعَمَّارٍ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا وَتَخْفِيفِ الراء كغزال وهو أبو عمر واللغوى النَّحْوِيُّ الْمَشْهُورُ وَلَيْسَ بِأَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ ذَاكَ تَابِعِيٌّ تُوُفِّيَ قَبْلَ وِلَادَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب اسْتِحْبَابِ تَحْنِيكِ الْمَوْلُودِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ وَحَمْلِهِ إِلَى صَالِحٍ يُحَنِّكُهُ وَجَوَازِ تَسْمِيَتِهِ يوم ولادته واستحباب التسمية بعبد الله وابراهيم وسائر أسماء الانبياء عليهم السلام) اتفق العلماء على استحباب تحنيك المولود عندولادته بِتَمْرٍ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَمَا فِي مَعْنَاهُ وَقَرِيبٌ منه

مِنَ الْحُلْوِ فَيَمْضُغُ الْمُحَنِّكُ التَّمْرَ حَتَّى تَصِيرَ مَائِعَةً بِحَيْثُ تُبْتَلَعُ ثُمَّ يَفْتَحُ فَمَ الْمَوْلُودِ وَيَضَعُهَا فِيهِ لِيَدْخُلَ شَيْءٌ مِنْهَا جَوْفَهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُحَنِّكُ مِنَ الصَّالِحِينَ وَمِمَّنْ يُتَبَرَّكُ بِهِ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا عِنْدَ الْمَوْلُودِ حُمِلَ إِلَيْهِ [2144] قَوْلُهُ (ذَهَبْتُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ حِينَ وُلِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَبَاءَةٍ يَهْنَأُ بَعِيرًا لَهُ فَقَالَ هَلْ مَعَكَ تَمْرٌ فَقُلْتُ نَعَمْ فَنَاوَلْتُهُ تَمَرَاتٍ فَأَلْقَاهُنَّ فِي فِيهِ فَلَاكَهُنَّ ثُمَّ فَغَرَ فَا الصَّبِيِّ فَمَجَّهُ فِيهِ فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَتَلَمَّظُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُبُّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ) أَمَّا الْعَبَاءَةُ فَمَعْرُوفَةٌ وَهِيَ مَمْدُودَةٌ يُقَالُ فِيهَا عَبَايَةٌ بِالْيَاءِ وَجَمْعُ الْعَبَاءَةِ الْعَبَاءُ وَأَمَّا قَوْلُهُ يَهْنَأُ فَبِهَمْزِ آخِرِهِ أَيْ يَطْلِيهِ بِالْقَطَرَانِ وَهُوَ الْهِنَاءُ بِكَسْرِ الْهَاءِ والمد يقال هنأت البعير أهنأه وَمَعْنَى لَاكَهُنَّ أَيْ مَضَغَهُنَّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ اللوك مختص بمضغ الشيء الصلب وفغرفاه بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ فَتَحَهُ وَمَجَّهُ فِيهِ أَيْ طَرَحَهُ فِيهِ وَيَتَلَمَّظُ أَيْ يُحَرِّكُ لسانه ليتتبع مافى فِيهِ مِنْ آثَارِ التَّمْرِ وَالتَّلَمُّظُ وَاللَّمْظُ فِعْلُ ذَلِكَ بِاللِّسَانِ يَقْصِدُ بِهِ فَاعِلُهُ تَنْقِيَةَ الْفَمِ مِنْ بَقَايَا الطَّعَامِ وَكَذَلِكَ مَا عَلَى الشَّفَتَيْنِ وَأَكْثَرُ مَا يُفْعَلُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ يَسْتَطِيبُهُ وَيُقَالُ تَلَمَّظَ يَتَلَمَّظُ تَلَمُّظًا وَلَمَظَ يَلْمُظُ بِضَمِّ الْمِيمِ لَمْظًا بِإِسْكَانِهَا وَيُقَالُ لِذَلِكَ الشَّيْءِ الْبَاقِي فِي الْفَمِ لُمَاظَةٌ بِضَمِّ اللَّامِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُبُّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ رُوِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا فَالْكَسْرُ بِمَعْنَى الْمَحْبُوبِ كَالذِّبْحِ بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ وَعَلَى هَذَا فَالْبَاءُ مَرْفُوعَةٌ أَيْ مَحْبُوبُ الْأَنْصَارِ التَّمْرُ وَأَمَّا مَنْ ضَمَّ الْحَاءَ فَهُوَ مَصْدَرٌ وَفِي الْبَاءِ عَلَى هَذَا وَجْهَانِ النَّصْبُ وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَالرَّفْعُ فَمَنْ نَصَبَ فَتَقْدِيرُهُ انْظُرُوا حُبَّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ فَيُنْصَبُ التَّمْرُ أَيْضًا ومن رفع قال هو مبتدأحذف خَبَرُهُ أَيْ حُبُّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ لَازِمٌ أَوْ هَكَذَا أَوْ عَادَةٌ مِنْ صِغَرِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا تَحْنِيكُ الْمَوْلُودِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ وَهُوَ سُنَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا سَبَقَ

وَمِنْهَا أَنْ يُحَنِّكَهُ صَالِحٌ مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ وَمِنْهَا التَّبَرُّكُ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ وَرِيقِهِمْ وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْهُمْ وَمِنْهَا كَوْنُ التَّحْنِيكِ بِتَمْرٍ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ وَلَوْ حَنَّكُ بِغَيْرِهِ حَصَلَ التَّحْنِيكُ وَلَكِنَّ التَّمْرَ أَفْضَلُ وَمِنْهَا جَوَازُ لُبْسِ الْعَبَاءَةِ وَمِنْهَا التواضع وتعاطى الكبير أشغاله وأنه لاينقص ذَلِكَ مُرُوءَتَهُ وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ التَّسْمِيَةِ بِعَبْدِ اللَّهِ وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ تَفْوِيضِ تَسْمِيَتِهِ إِلَى صَالِحٍ فَيَخْتَارُ لَهُ اسْمًا يَرْتَضِيهِ وَمِنْهَا جَوَازُ تَسْمِيَتِهِ يَوْمَ ولادته والله أعلم قوله فى الرواية الثانية إِنَّ الصَّبِيَّ لَمَّا مَاتَ فَجَاءَ أَبُوهُ أَبُو طَلْحَةَ سَأَلَ أَمَّ سُلَيْمٍ وَهِيَ أُمُّ الصَّبِيِّ مَا فَعَلَ الصَّبِيُّ قَالَتْ هُوَ أَسْكَنُ مِمَّا كَانَ فَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا فَلَمَّا فَرَغَ قَالَتْ وَارُوا الصَّبِيَّ أَيِ ادْفِنُوهُ فَقَدْ مَاتَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنَاقِبُ لأم سليم رضى الله عنهامن عَظِيمِ صَبْرِهَا وَحُسْنِ رِضَاهَا بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَزَالَةِ عَقْلِهَا فِي إِخْفَائِهَا مَوْتَهُ عَلَى أَبِيهِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ لِيَبِيتَ مُسْتَرِيحًا بِلَا حُزْنٍ ثُمَّ عَشَّتْهُ وَتَعَشَّتْ ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ وَعَرَّضَتْ لَهُ بِإِصَابَتِهِ فَأَصَابَهَا وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ الْمَعَارِيضِ عِنْدَ الْحَاجَةِ لِقَوْلِهَا هُوَ أَسْكَنُ مِمَّا كَانَ فَإِنَّهُ كَلَامٌ صَحِيحٌ مَعَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ أَنَّهُ قدهان مَرَضُهُ وَسَهُلَ وَهُوَ فِي الْحَيَاةِ وَشَرْطُ الْمَعَارِيضِ المباحة أن لايضيع بِهَا حَقُّ أَحَدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَعْرَسْتُمُ اللَّيْلَةَ) هُوَ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَالْجُمْهُورُ يُقَالُ أَعْرَسَ الرَّجُلُ إِذَا دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ قالوا ولايقال فِيهِ عَرَّسَ بِالتَّشْدِيدِ وَأَرَادَ هُنَا الْوَطْءَ وَسَمَّاهُ إِعْرَاسًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ فِي الْمَقْصُودِ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ رُوِيَ أَيْضًا أَعَرَّسْتُمْ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ قَالَ وَهِيَ لُغَةٌ يُقَالُ عَرَّسَ بِمَعْنَى أَعْرَسَ قَالَ لَكِنْ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَعْرَسَ أَفْصَحُ مِنْ عَرَّسَ فِي هَذَا وَهَذَا السُّؤَالُ لِلتَّعَجُّبِ مِنْ صَنِيعِهَا وَصَبْرِهَا وَسُرُورًا بِحُسْنِ رِضَاهَا بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ دَعَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمَا بِالْبَرَكَةِ فِي لَيْلَتِهِمَا فاستجاب الله

تَعَالَى ذَلِكَ الدُّعَاءَ وَحَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَجَاءَ مِنْ أَوْلَادِ عَبْدِ اللَّهِ إِسْحَاقُ وَإِخْوَتُهُ التِّسْعَةُ صَالِحِينَ عُلَمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا بن عون عن بن سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ) هَكَذَا وَقَعَ فِي مُسْلِمِ بن سِيرِينَ مُهْمَلًا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ [2145] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّاهُ بِإِبْرَاهِيمَ وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ) فِيهِ التَّحْنِيكُ وَغَيْرُهُ مِمَّا سَبَقَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَفِيهِ جَوَازُ التَّسْمِيَةِ بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ وَذَكَرْنَا أَنَّ الْجَمَاهِيرَ عَلَى ذَلِكَ وَفِيهِ جَوَازُ التَّسْمِيَةِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ وَفِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى

عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنَ التسمية بغيرهما ولذا سمى بن أَبِي أَسِيدٍ الْمَذْكُورَ بَعْدَ هَذَا الْمُنْذِرَ [2146] قَوْلُهَا (مَسَحَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ) مَعْنَى صَلَّى عَلَيْهِ أَيْ دَعَا لَهُ وَمَسَحَهُ تَبَرُّكًا فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ لِلْمَوْلُودِ عِنْدَ تَحْنِيكِهِ وَمَسْحِهِ للتبريك قوله (أن بن الزبير جاء وهو بن سبع سنين أوثمان لِيُبَايِعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرِهِ بِذَلِكَ الزُّبَيْرُ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ مُقْبِلًا إِلَيْهِ ثم بايعه) هذه بيعة تبريك وتشريف لابيعة تَكْلِيفٍ قَوْلُهَا (فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ) أَيْ مُقَارِبَةٌ لِلْوِلَادَةِ قَوْلُهَا (ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ) هُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ أَيْ بَصَقَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَوْلُهُ (وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ) يَعْنِي أَوَّلَ مَنْ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ مِنْ أَوْلَادِ الْمُهَاجِرِينَ وَإِلَّا فَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وُلِدَ قَبْلَهُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وفى هذا الحديث مع ماسبق شَرْحُهُ مَنَاقِبُ كَثِيرَةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَيْهِ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُ وَأَوَّلُ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ بِالْمَدِينَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَلَهِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ) هَذِهِ اللَّفْظَةُ رُوِيَتْ عَلَى وجهين أحدها فلها بفتح الهاء والثانية فلهى بكسرها وبالياءوالأولى لُغَةُ طَيٍّ وَالثَّانِيَةُ لُغَةُ الْأَكْثَرِينَ وَمَعْنَاهُ اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَمَّا مِنَ اللَّهْوِ فَلَهَا بالفتح لاغير يلهو والأشهر فى الرواية هناكسر الْهَاءِ وَهِيَ لُغَةُ أَكْثَرِ الْعَرَبِ كَمَا ذَكَرْنَا وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْغَرِيبِ وَالشُّرَّاحُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ اشْتَغَلَ [2149] قَوْلُهُ (الْمُنْذِرُ بْنُ أَبِي أُسَيْدٍ) الْمَشْهُورُ فِي أَبِي أُسَيْدٍ ضَمُّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحُ السِّينِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْجَمَاهِيرُ غَيْرَهُ قَالَ الْقَاضِي وَحَكَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ

(باب جواز تكنية من لم يولد له وتكنية الصغير)

مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَبِالضَّمِّ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَوَكِيعٌ وَهُوَ الصَّوَابُ وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ قَالُوا وَسَبَبُ تَسْمِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم هذا المولود المنذر لأن بن عم ابيه المنذر بن عمروكان قَدْ اسْتُشْهِدَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ وَكَانَ أَمِيرَهُمْ فَيُقَالُ بِكَوْنِهِ خَلْفًا مِنْهُ قَوْلُهُ (فَأَقْلَبُوهُ) أَيْ رَدُّوهُ وَصَرَفُوهُ فِي جَمِيعِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَأَقْلَبُوهُ بِالْأَلِفِ وَأَنْكَرَهُ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَشُرَّاحُ الْحَدِيثِ وَقَالُوا صَوَابُهُ قَلَبُوهُ بِحَذْفِ الْأَلِفِ قَالُوا يقال قلبت الصبى والشيء صرفته ورددته ولايقال أَقْلَبْتُهُ وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ أَنَّ أَقْلَبُوهُ بِالْأَلِفِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ فَأَثْبَتَهَا لُغَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَاسْتَفَاقَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ انْتَبَهَ مِنْ شُغْلِهِ وَفِكْرِهِ الَّذِي كَانَ فيه والله أعلم (باب جَوَازُ تَكْنِيَةِ مَنْ لَمْ يُولَدْ لَهُ وَتَكْنِيَةِ الصغير) قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ أَحْسَبُهُ قَالَ كَانَ فَطِيمًا قَالَ فَكَانَ إِذَا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآهُ قَالَ أَبَا عمير مافعل النُّغَيْرُ وَكَانَ يَلْعَبُ بِهِ

(باب جواز قوله لغير ابنه يابنى واستحبابه للملاطفة)

أَمَّا النُّغَيْرُ فَبِضَمِّ النُّونِ تَصْغِيرُ النُّغَرِ بِضَمِّهَا وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ طَائِرٌ صَغِيرٌ جَمْعُهُ نِغْرَانٌ وَالْفَطِيمُ بِمَعْنَى الْمَفْطُومِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ جِدًّا مِنْهَا جَوَازُ تَكْنِيَةِ مَنْ لَمْ يُولَدْ لَهُ وَتَكْنِيَةِ الطِّفْلِ وَأَنَّهُ لَيْسَ كذبا وجواز المزاج فيما ليس أثما وجوازتصغير بَعْضِ الْمُسَمَّيَاتِ وَجَوَازُ لَعِبِ الصَّبِيِّ بِالْعُصْفُورِ وَتَمْكِينُ الْوَلِيِّ إِيَّاهُ مِنْ ذَلِكَ وَجَوَازُ السَّجْعِ بِالْكَلَامِ الْحَسَنِ بِلَا كُلْفَةٍ وَمُلَاطَفَةِ الصِّبْيَانِ وَتَأْنِيسِهِمْ وَبَيَانُ ماكان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَكَرَمِ الشَّمَائِلِ وَالتَّوَاضُعِ وَزِيَارَةِ الْأَهْلِ لِأَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَالِدَةُ أَبِي عُمَيْرٍ هِيَ مِنْ مَحَارِمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى جَوَازِ الصيد من حرم المدينة ولادلالة فِيهِ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ صَرَاحَةٌ ولاكناية أَنَّهُ مِنْ حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْكَثِيرَةُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ الْمُصَرِّحَةُ بِتَحْرِيمِ صيد حرم المدينة فلايجوز تركها بمثل هذا ولامعارضتها بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب جَوَازِ قَوْلِهِ لِغَيْرِ ابنه يابنى وَاسْتِحْبَابِهِ لِلْمُلَاطَفَةِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنس [2151] (يابنى ولِلْمُغِيرَةِ أَيْ بُنَيَّ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَكَسْرِهَا وَقُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ الْأَكْثَرُونَ بِالْكَسْرِ وَبَعْضُهُمْ بِإِسْكَانِهَا وَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ جَوَازُ قَوْلِ الْإِنْسَانِ لِغَيْرِ ابْنِهِ مِمَّنْ هُوَ أَصْغَرُ سِنًّا منه يا ابنى ويا بني مصغرا وياولدى وَمَعْنَاهُ تَلَطَّفْ وَإِنَّكَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ وَلَدِي فِي الشَّفَقَةِ وَكَذَا يُقَالُ لَهُ وَلِمَنْ هُوَ فِي مثل سن المتكلم ياأخى لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَإِذَا قَصَدَ التَّلَطُّفَ كَانَ مُسْتَحَبًّا كَمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ

باب الاستئذان

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدَّجَّالِ [2152] (وَمَا يُنْصِبُكَ مِنْهُ) هُوَ مِنَ النَّصَبِ وَهُوَ التَّعَبُ وَالْمَشَقَّةُ أَيْ مَا يَشُقُّ عَلَيْكَ وَيُتْعِبُكَ مِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّهُ لَنْ يَضُرَّكَ) هُوَ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ وَسَيَأْتِي شَرْحُ أَحَادِيثِ الدَّجَّالِ مُسْتَوْعَبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ فى أواخر الكتاب وبالله التوفيق (باب الاستئذان) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2153] (إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الِاسْتِئْذَانَ

مَشْرُوعٌ وَتَظَاهَرَتْ بِهِ دَلَائِلُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ وَيَسْتَأْذِنَ ثَلَاثًا فَيَجْمَعُ بَيْنَ السَّلَامِ وَالِاسْتِئْذَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ السَّلَامِ ثُمَّ الِاسْتِئْذَانُ أَوْ تَقْدِيمُ الِاسْتِئْذَانِ ثُمَّ السَّلَامُ الصَّحِيحُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَقَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ يُقَدِّمُ السَّلَامَ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ وَالثَّانِي يُقَدَّمُ الِاسْتِئْذَانُ وَالثَّالِثُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمَاوَرْدِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا إِنْ وَقَعَتْ عَيْنُ الْمُسْتَأْذِنِ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْزِلِ قَبْلَ دُخُولِهِ قَدَّمَ السَّلَامَ والاقدم الِاسْتِئْذَانَ وَصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَانِ فِي تَقْدِيمِ السَّلَامِ أَمَّا إِذَا اسْتَأْذَنَ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ وَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ أَشْهَرُهَا أَنَّهُ ينصرف ولايعيد الاستئذان والثانىيزيد فِيهِ وَالثَّالِثُ إِنْ كَانَ بِلَفْظِ الِاسْتِئْذَانِ الْمُتَقَدِّمِ لَمْ يُعِدْهُ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ أَعَادَهُ فَمَنْ قَالَ بِالْأَظْهَرِ فَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى مَنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ سَمِعَهُ فَلَمْ يَأْذَنْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قَالَ عُمَرُ أَقِمْ عليه البينة والاأوجعتك فقال أبى بن كعب لايقوم معه الاأصغر الْقَوْمِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ قُلْتُ أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ فَأَذْهَبُ بِهِ) مَعْنَى كَلَامِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْإِنْكَارُ عَلَى عُمَرَ فى انكاره الحديث وأما قوله لايقوم معه الاأصغر الْقَوْمِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ بَيْنَنَا مَعْرُوفٌ لِكِبَارِنَا وَصِغَارِنَا حَتَّى إِنَّ أَصْغَرَنَا يَحْفَظُهُ وَسَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ لَا يُحْتَجُّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَزَعَمَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَدَّ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى هَذَا لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ وَقَدْ أَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ وَدَلَائِلُهُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَرَ وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ لِأَبِي

مُوسَى أَقِمْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ رَدُّ خَبَرِ الْوَاحِدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَبَرُ وَاحِدٍ وَلَكِنْ خَافَ عُمَرُ مُسَارَعَةَ النَّاسِ إِلَى الْقَوْلِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يقول عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُبْتَدِعِينَ أَوِ الْكَاذِبِينَ أَوِ الْمُنَافِقِينَ وَنَحْوِهِمْ مَا لَمْ يَقُلْ وَأَنَّ كُلَّ مَنْ وَقَعَتْ لَهُ قَضِيَّةٌ وَضَعَ فِيهَا حَدِيثًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرَادَ سَدَّ الباب خوفا من غير أبى موسى لاشكا فِي رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى فَإِنَّهُ عِنْدَ عُمَرَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُظَنَّ بِهِ أَنْ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مالم يَقُلْ بَلْ أَرَادَ زَجْرَ غَيْرِهِ بِطَرِيقِهِ فَإِنَّ مَنْ دُونِ أَبِي مُوسَى إِذَا رَأَى هَذِهِ الْقَضِيَّةَ أَوْ بَلَغَتْهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ أَوْ أَرَادَ وَضْعَ حَدِيثٍ خَافَ مِنْ مِثْلِ قَضِيَّةِ أَبِي مُوسَى فَامْتَنَعَ مِنْ وَضْعِ الْحَدِيثِ وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى الرِّوَايَةِ بِغَيْرِ يَقِينٍ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَرُدَّ خَبَرَ أَبِي مُوسَى لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ أَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ إِخْبَارَ رَجُلٍ آخَرَ حَتَّى يَعْمَلَ بِالْحَدِيثِ وَمَعْلُومٌ أن خبر الاثنين خبر واحد وكذا مازاد حَتَّى يَبْلُغَ التَّوَاتُرَ فَمَا لَمْ يَبْلُغِ التَّوَاتُرَ فهو خبر واحد ومما يؤيده أيضا ماذكره مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ قَضِيَّةِ أَبِي مُوسَى هَذِهِ أَنَّ أُبَيًّا رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قال يا بن الخطاب فلاتكونن عَذَابًا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّمَا سَمِعْتُ شَيْئًا فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَثَبَّتَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فلوما اسْتَأْذَنْتَ) أَيْ هَلَّا اسْتَأْذَنْتَ وَمَعْنَاهَا التَّحْضِيضُ عَلَى الاستئذان

قَوْلُهُ (فَهَا وَإِلَّا فَلَأَجْعَلَنَّكَ عِظَةً) أَيْ فَهَاتِ الْبَيِّنَةَ قَوْلُهُ (يَضْحَكُونَ) سَبَبُ ضَحِكِهِمُ التَّعَجُّبُ

مِنْ فَزِعِ أَبِي مُوسَى وَذُعْرِهِ وَخَوْفِهِ مِنَ العقوبة مع أنهم قدأمنوا أَنْ يَنَالَهُ عُقُوبَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِقُوَّةِ حُجَّتِهِ وَسَمَاعِهِمْ مَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (أَلْهَانِي عَنْهُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ) أَيِ التِّجَارَةُ وَالْمُعَامَلَةُ فِي الْأَسْوَاقِ قَوْلُهُ (أقم البينة وإلا أو جعتك) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى

باب كراهة قول المستأذن أبا اذا قيل من هذا

وَاللَّهِ لَأَوْجِعَنَّ ظَهْرَكَ وَبَطْنَكَ أَوْ لَتَأْتِيَنَّ بِمَنْ يشهد وفى رواية لأجعلنك نكالاهذا كُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ تَقْدِيرَهُ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ هذا الوعيد بان أنك تعمدت كذبا والله أعلم (باب كراهة قول المستأذن أبا اذا قيل من هذا) قَوْلُهُ [2155] (اسْتَأْذَنْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقُلْتُ أَنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا أَنَا) زَادَ فِي رِوَايَةٍ كَأَنَّهُ كَرِهَهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ إِذَا اسْتَأْذَنَ فَقِيلَ لَهُ مَنْ أَنْتَ أَوْ مَنْ هَذَا كَرِهَ أَنْ يَقُولَ أَنَا لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ بِقَوْلِهِ أَنَا فَائِدَةٌ وَلَا زِيَادَةٌ بَلِ الْإِبْهَامُ بَاقٍ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فُلَانٌ بِاسْمِهِ وإِنْ قَالَ أَنَا فلان فلابأس كَمَا قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ حِينَ اسْتَأْذَنَتْ فَقَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذِهِ فقالت أنا أم هانئ ولابأس بِقَوْلِهِ أَنَا أَبُو فُلَانٍ أَوْ الْقَاضِي فُلَانٌ أو الشيخ

(باب تحريم النظر في بيت غيره)

فُلَانٌ إِذَا لَمْ يَحْصُلِ التَّعْرِيفُ بِالِاسْمِ لِخَفَائِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ حَدِيثُ أُمِّ فُلَانٍ وَمِثْلُهُ لِأَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالْأَحْسَنُ فِي هَذَا أَنْ يَقُولَ أَنَا فُلَانٌ الْمَعْرُوفُ بِكَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب تَحْرِيمِ النَّظَرِ فِي بَيْتِ غَيْرِهِ) قَوْلُهُ [2156] (إَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ فِي جُحْرٍ فِي بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُنِي لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِذْنُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ) وَفِي رِوَايَةٍ مِدْرًى يُرَجِّلُ بِهِ رَأْسَهُ أَمَّا الْمِدْرَى فَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ

وَبِالْقَصْرِ وَهِيَ حَدِيدَةٌ يُسَوَّى بِهَا شَعْرُ الرَّأْسِ وَقِيلَ هُوَ شِبْهُ الْمِشْطِ وَقِيلَ هِيَ أَعْوَادٌ تُحَدَّدُ تُجْعَلُ شِبْهَ الْمِشْطِ وَقِيلَ هُوَ عُودٌ تُسَوِّي بِهِ الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا وَجَمْعُهُ مَدَارَى وَيُقَالُ فِي الْوَاحِدِ مِدْرَاةٌ أَيْضًا وَمِدْرَايَةٌ أَيْضًا وَيُقَالُ تَدَرَّيْتُ بِالْمِدْرَى وَقَوْلُهُ (يُرَجِّلُ بِهِ رَأْسَهُ) هَذَا يَدُلُّ لِمَنْ قَالَ إِنَّهُ مُشْطٌ أَوْ يُشْبِهُ الْمُشْطَ وَأَمَّا قَوْلُهُ يَحُكُّ بِهِ فَلَا يُنَافِي هَذَا فَكَانَ يَحُكُّ بِهِ وَيُرَجِّلُ بِهِ وَتَرْجِيلُ الشَّعْرِ تَسْرِيحُهُ وَمَشْطُهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّرْجِيلِ وَجَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْمِدْرَى قَالَ الْعُلَمَاءُ فَالتَّرْجِيلُ مُسْتَحَبٌّ لِلنِّسَاءِ مطلقا وللرجل بشرط أن لايفعله كل يوم أوكل يَوْمَيْنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ بَلْ بِحَيْثُ يَخِفُّ الْأَوَّلُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَنْتَظِرُنِي) فَهَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرُ النُّسَخِ أَوْ كَثِيرٍ مِنْهَا وَفِي بَعْضِهَا تَنْظُرُنِي بِحَذْفِ التاء الثانية قال القاضي الأول رواية الجمهورقال وَالصَّوَابُ الثَّانِي وَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ فِي جُحْرٍ هُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ وَهُوَ الْخَرْقُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِذْنُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ مَعْنَاهُ أَنَّ الاستئذان مشروع

وَمَأْمُورٌ بِهِ وَإِنَّمَا جُعِلَ لِئَلَّا يَقَعَ الْبَصَرُ على الحرام فلايحل لاحد أن ينظر فى جحر باب ولاغيره مِمَّا هُوَ مُتَعَرِّضٌ فِيهِ لِوُقُوعِ بَصَرِهِ عَلَى امرأة أجنبية وفى هذا الحديث جوازرمى عين المتطلع بشيء خفيف فلورماه بخفيف ففقأها فلاضمان إِذَا كَانَ قَدْ نَظَرَ فِي بَيْتٍ لَيْسَ فِيهِ امْرَأَةٌ مَحْرَمٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ [2157] (فَقَامَ إِلَيْهِ بِمِشْقَصٍ أَوْ مَشَاقِصَ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْتِلُهُ لِيَطْعَنَهُ) أَمَّا الْمَشَاقِصُ فَجَمْعُ مِشْقَصٍ وَهُوَ نَصْلٌ عَرِيضٌ لِلسَّهْمِ وَسَبَقَ إِيضَاحُهُ فِي الْجَنَائِزِ وَفِي الْأَيْمَانِ وَأَمَّا يَخْتِلُهُ فَبِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ التَّاءِ أَيْ يُرَاوِغُهُ وَيَسْتَغْفِلُهُ وَقَوْلُهُ (لِيَطْعَنَهُ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا الضَّمُّ أَشْهَرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2158] (مِنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ) قال العلماء محمول على مااذا نَظَرَ فِي بَيْتِ الرَّجُلِ فَرَمَاهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأَ عَيْنَهُ وَهَلْ يَجُوزُ رَمْيُهُ قَبْلَ إِنْذَارِهِ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا جَوَازُهُ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَذَفْتُهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتُ عَيْنَهُ هُوَ بِهَمْزِ فَقَأْتُ وَأَمَّا خَذَفْتُهُ فَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ رَمَيْتُهُ بِهَا من بين أصبعيك

باب نظر الفجأة

(باب نظر الفجأة) قَوْلُهُ [2159] (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بصرى) الفجأة بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَبِالْمَدِّ وَيُقَالُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَالْقَصْرِ لُغَتَانِ هِيَ الْبَغْتَةُ وَمَعْنَى نَظَرِ الْفَجْأَةِ أَنْ يَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى الأجنبية من غير قصد فلاإثم عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ ذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصْرِفَ بَصَرَهُ فِي الْحَالِ فَإِنْ صَرَفَ فِي الْحَالِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَإِنِ اسْتَدَامَ النَّظَرَ أَثِمَ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِأَنْ يَصْرِفَ بَصَرَهُ مَعَ قَوْلِهِ تعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْعُلَمَاءُ وَفِي هَذَا حُجَّةٌ أنه لايجب على المرأة أن تستروجهها فِي طَرِيقِهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ لَهَا وَيَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ غَضُّ الْبَصَرِ عَنْهَا فِي جميع الأحوال إلالغرض صَحِيحٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ حَالَةُ الشَّهَادَةِ وَالْمُدَاوَاةِ وَإِرَادَةِ خِطْبَتِهَا أَوْ شِرَاءِ الْجَارِيَةِ أَوِ الْمُعَامَلَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِمَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُبَاحُ فِي جَمِيعِ هَذَا قَدْرُ الْحَاجَةِ دُونَ مَا زَادَ والله أعلم

(كتاب السلام)

(كِتَاب السَّلَامِ) (بَاب يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ) [2160] هَذَا أَدَبٌ مِنْ آدَابِ السَّلَامِ وَاعْلَمْ أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ سُنَّةٌ وَرَدُّهُ وَاجِبٌ فَإِنْ كَانَ الْمُسَلِّمُ جَمَاعَةً فَهُوَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ فِي حَقِّهِمْ إِذَا سَلَّمَ بَعْضُهُمْ حَصَلَتْ سُنَّةُ السَّلَامِ فِي حَقِّ جَمِيعِهِمْ فَإِنْ كَانَ الْمُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً كَانَ الرَّدُّ فَرْضَ كِفَايَةٍ فِي حَقِّهِمْ فَإِذَا رَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنِ الْبَاقِينَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْجَمِيعُ بِالسَّلَامِ وَأَنْ يَرُدَّ الْجَمِيعُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لابد أن يرد الجميع ونقل بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ سُنَّةٌ وَأَنَّ رَدَّهُ فَرْضٌ وَأَقَلُّ السَّلَامِ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَإِنْ كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا فَأَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْكَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ لِيَتَنَاوَلَهُ وَمَلَكَيْهِ وَأَكْمَلُ مِنْهُ أَنْ يَزِيدَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَأَيْضًا وَبَرَكَاتُهُ وَلَوْ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَجْزَأَهُ وَاسْتَدَلَّ الْعُلَمَاءُ لِزِيَادَةِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ سَلَامِ الْمَلَائِكَةِ بَعْدَ ذِكْرِ السَّلَامِ رَحْمَةُ الله وبركاته عليكم أهل البيت وَبِقَوْلِ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ فِي التَّشَهُّدِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الْمُبْتَدِي عَلَيْكُمُ السَّلَامُ فَإِنْ قَالَهُ اسْتَحَقَّ الجواب على الصحيح المشهور وقيل لايستحقه وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لاتقل عَلَيْكَ السَّلَامُ فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا صِفَةُ الرَّدِّ فَالْأَفْضَلُ

(باب من حق الجلوس على الطريق رد السلام)

وَالْأَكْمَلُ أَنْ يَقُولَ وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَيَأْتِي بِالْوَاوِ فَلَوْ حَذَفَهَا جَازَ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ أَوْ عَلَى عَلَيْكُمُ السَّلَامُ أَجْزَأَهُ وَلَوِ اقْتَصَرَ على عليكم لم يجزه بلا خلاف ولوقال وَعَلَيْكُمْ بِالْوَاوِ فَفِي إِجْزَائِهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا قَالُوا وَإِذَا قَالَ الْمُبْتَدِي سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَ الْمُجِيبُ مِثْلُهُ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ كَانَ جَوَابًا وَأَجْزَأَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ وَلَكِنْ بِالْأَلْفِ وَاللَّامِ أَفْضَلُ وَأَقَلُّ السَّلَامِ ابْتِدَاءً وردا أن يسمع صاحبه ولايجزئه دُونَ ذَلِكَ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ وَلَوْ أَتَاهُ سَلَامٌ مِنْ غَائِبٍ مَعَ رَسُولٍ أَوْ فِي وَرَقَةٍ وَجَبَ الرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ وَقَدْ جَمَعْتُ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ نَحْوَ كُرَّاسَتَيْنِ فِي الْفَوَائِدِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالسَّلَامِ وَهَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ مِنْ تَسْلِيمِ الرَّاكِبِ عَلَى الْمَاشِي وَالْقَائِمِ عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلِ عَلَى الْكَثِيرِ وَفِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ وَالصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ كُلُّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ فَلَوْ عَكَسُوا جَازَ وَكَانَ خِلَافَ الْأَفْضَلِ وَأَمَّا مَعْنَى السَّلَامِ فَقِيلَ هُوَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى فقوله السلام عليك أى اسم السلامعليك وَمَعْنَاهُ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَيْ أَنْتَ فِي حِفْظِهِ كَمَا يُقَالُ اللَّهُ مَعَكَ وَاللَّهُ يَصْحَبُكَ وَقِيلَ السَّلَامُ بِمَعْنَى السَّلَامَةِ أَيِ السَّلَامَةُ مُلَازِمَةٌ لَكَ (بَاب مِنْ حَقِّ الْجُلُوسِ عَلَى الطَّرِيقِ رَدُّ السَّلَامِ) [2161] قَوْلُهُ (كُنَّا قُعُودًا بِالْأَفْنِيَةِ نَتَحَدَّثُ) هِيَ جَمْعُ فِنَاءٍ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْمَدِّ وَهُوَ حريم الدار ونحوها وماكان فِي جَوَانِبِهَا وَقَرِيبًا مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اجْتَنِبُوا مَجَالِسَ الصُّعُدَاتِ فَقُلْنَا إِنَّمَا قعدنا لغير مابأس فَقَعَدْنَا نَتَذَاكَرُ وَنَتَحَدَّثُ قَالَ إِمَّا لَا فَأَدُّوا حَقَّهَا غَضُّ الْبَصَرِ وَرَدُّ السَّلَامِ وَحُسْنُ

الْكَلَامِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ أَمَّا الصُّعُدَاتُ فَبِضَمِّ الصَّادِ وَالْعَيْنِ وَهِيَ الطُّرُقَاتُ وَاحِدُهَا صَعِيدٌ كَطَرِيقٍ يُقَالُ صَعِيدٌ وَصُعُدٌ وَصُعْدَانٌ كَطَرِيقٍ وَطُرُقٍ وَطَرَقَاتٍ عَلَى وَزْنِهِ وَمَعْنَاهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إما لافبكسر الْهَمْزَةِ وَبِالْإِمَالَةِ وَمَعْنَاهُ إِنْ لَمْ تَتْرُكُوهَا فَأَدُّوا حَقَّهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ مَبْسُوطًا فى كتاب الحج وقوله قعدنا لغير مابأس لفظة ما زائدة وقد سَبَقَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْجُلُوسُ عَلَى الطُّرُقَاتِ لِلْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ وَقَدْ أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عِلَّةِ النَّهْيِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلْفِتَنِ وَالْإِثْمِ بِمُرُورِ النِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ وَقَدْ يَمْتَدُّ نَظَرٌ إِلَيْهِنَّ أَوْ فكرفيهن أَوْ ظَنُّ سُوءٍ فِيهِنَّ أَوْ فِي غَيْرِهِنَّ مِنَ الْمَارِّينَ وَمِنْ أَذَى النَّاسِ بِاحْتِقَارِ مَنْ يَمُرُّ أَوْ غِيبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ إِهْمَالِ رَدِّ السَّلَامِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَوْ إِهْمَالِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي لَوْ خَلَا فِي بَيْتِهِ سَلِمَ مِنْهَا وَيَدْخُلُ فِي الْأَذَى أَنْ يُضَيِّقَ الطَّرِيقَ عَلَى الْمَارِّينَ أَوْ يَمْتَنِعَ النِّسَاءُ وَنَحْوُهُنَّ مِنَ الْخُرُوجِ فِي أَشْغَالِهِنَّ بِسَبَبِ قُعُودِ الْقَاعِدِينَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ يَجْلِسَ بِقُرْبِ بَابِ دَارِ إِنْسَانٍ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ أَوْ حَيْثُ يَكْشِفُ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ النَّاسُ شَيْئًا يَكْرَهُونَهُ وَأَمَّا حُسْنُ الْكَلَامِ فَيَدْخُلُ فِيهِ حُسْنُ كَلَامِهِمْ فِي حَدِيثِهِمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَلَا يَكُونُ فِيهِ غِيبَةٌ وَلَا نميمة

(باب من حق المسلم للمسلم رد السلام)

وَلَا كَذِبٌ وَلَا كَلَامٌ يُنْقِصُ الْمُرُوءَةَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ الْمَذْمُومِ وَيَدْخُلُ فِيهِ كَلَامُهُمْ لِلْمَارِّ مِنْ رَدَّ السَّلَامِ وَلُطْفِ جَوَابِهِمْ لَهُ وَهِدَايَتِهِ لِلطَّرِيقِ وَإِرْشَادِهِ لِمَصْلَحَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (بَاب مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ رَدُّ السَّلَامِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2162] (خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ رَدُّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَإِذَا استنصحك فانصح له واذا عطس فحمدالله فَشَمِّتْهُ وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَمَعْنَاهُ طَلَبَ مِنْكَ النَّصِيحَةَ فَعَلَيْكَ أَنْ تَنْصَحَهُ وَلَا تُدَاهِنَهُ وَلَا تَغُشَّهُ وَلَا تُمْسِكَ عَنْ بيان النصيحة والله أعلم

باب النهى عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد

(باب النهى عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2163] (إِذَا سَلَّمَ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ) وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يُسَلِّمُونَ عَلَيْنَا فَكَيْفَ نَرُدُّ عَلَيْهِمْ قَالَ قُولُوا وَعَلَيْكُمْ وَفِي رِوَايَةٍ [2164] إِنَّ الْيَهُودَ إِذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقُلْ عَلَيْكَ وَفِي رِوَايَةٍ فَقُلْ وَعَلَيْكَ وَفِي رِوَايَةٍ [2165] إِنَّ رَهْطًا مِنَ الْيَهُودِ اسْتَأْذَنُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَتْ عَائِشَةُ بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ياعائشة إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ قَالَتْ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ وَفِي رِوَايَةٍ قَدْ قُلْتُ عَلَيْكُمْ بحذف الواو وفى الحديث الآخر [2167] لاتبدأوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ إِذَا سَلَّمُوا لكن لايقال لَهُمْ وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ بَلْ يُقَالُ عَلَيْكُمْ فَقَطْ أَوْ وَعَلَيْكُمْ وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ عَلَيْكُمْ وَعَلَيْكُمْ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ وَحَذْفِهَا وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ بِإِثْبَاتِهَا وَعَلَى هَذَا فِي مَعْنَاهُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالُوا عَلَيْكُمُ الْمَوْتُ فَقَالَ وَعَلَيْكُمْ أَيْضًا أَيْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ وَكُلُّنَا نَمُوتُ وَالثَّانِي أَنَّ الْوَاوَ هُنَا للاستئناف لاللعطف والتشريك وتقديره وعليكم ماتستحقونه مِنَ الذَّمِّ وَأَمَّا حَذْفُ الْوَاوِ فَتَقْدِيرُهُ بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ قَالَ الْقَاضِي اخْتَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ منهم بن حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ حَذْفَ الْوَاوِ لِئَلَّا يَقْتَضِيَ التَّشْرِيكَ وَقَالَ غَيْرُهُ بِإِثْبَاتِهَا كَمَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ عَلَيْكُمُ السِّلَامُ بِكَسْرِ السِّينِ أَيِ الْحِجَارَةُ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ عَامَّةُ الْمُحَدِّثِينَ يَرْوُونَ هَذَا

الحرف وعليكم بالواو وكان بن عُيَيْنَةَ يَرْوِيهِ بِغَيْرِ وَاوٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ إِذَا حُذِفَ الْوَاوُ صَارَ كَلَامُهُمْ بِعَيْنِهِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمْ خَاصَّةً وَإِذَا ثَبَتَ الْوَاوُ اقْتَضَى الْمُشَارَكَةَ مَعَهُمْ فِيمَا قَالُوهُ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَالصَّوَابُ أَنَّ إِثْبَاتَ الْوَاوِ وَحَذْفَهَا جَائِزَانِ كَمَا صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ وَأَنَّ الْوَاوَ أَجْوَدُ كَمَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَلَا مَفْسَدَةَ فِيهِ لِأَنَّ السَّامَ الْمَوْتُ وَهُوَ عَلَيْنَا وعليهم ولاضرر فِي قَوْلِهِ بِالْوَاوِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي رَدِّ السَّلَامِ عَلَى الْكُفَّارِ وَابْتِدَائِهِمْ بِهِ فَمَذْهَبُنَا تَحْرِيمُ ابْتِدَائِهِمْ بِهِ وَوُجُوبُ رَدِّهِ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَقُولَ وَعَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكُمْ فَقَطْ وَدَلِيلُنَا فِي الِابْتِدَاءِ قوله صلى الله عليه وسلم لاتبدأوا اليهود ولاالنصارى بِالسَّلَامِ وَفِي الرَّدِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ وَبِهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مَذْهَبِنَا قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَعَامَّةُ السَّلَفِ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى جَوَازِ ابْتِدَائِنَا لَهُمْ بِالسَّلَامِ رُوِيَ ذلك عن بن عباس وأبي أمامة وبن أَبِي مُحَيْرِيزٍ وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا حَكَاهُ الماوردى لكنه قال يقول السلام عليك ولايقول عَلَيْكُمْ بِالْجَمْعِ وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ وَبِإِفْشَاءِ السَّلَامِ وَهِيَ حُجَّةٌ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بحديث لاتبدأو اليهود ولاالنصارى بِالسَّلَامِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ ابْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلَامِ ولايحرم وَهَذَا ضَعِيفٌ أَيْضًا لِأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ فَالصَّوَابُ تَحْرِيمُ ابْتِدَائِهِمْ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُمْ بِهِ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ أَوْ سَبَبٍ وَهُوَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ إِنْ سَلَّمْتَ فَقَدْ سَلَّمَ الصَّالِحُونَ وَإِنْ تَرَكْتَ فَقَدْ تَرَكَ الصَّالِحُونَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ العلماء لايرد عليهم السلام ورواه بن وَهْبٍ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْكُمُ السلام ولكن لايقول وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ عَلَى جَمْعٍ فِيهِمْ مُسْلِمُونَ وَكُفَّارٌ أَوْ مُسْلِمٌ وَكُفَّارٌ وَيَقْصِدُ الْمُسْلِمِينَ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ياعائشة إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ هَذَا مِنْ عَظِيمِ خُلُقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَمَالِ حِلْمِهِ وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى الرِّفْقِ وَالصَّبْرِ وَالْحِلْمِ وَمُلَاطَفَةِ النَّاسِ مَا لَمْ تَدْعُ حَاجَةٌ إِلَى الْمُخَاشَنَةِ قَوْلُهَا عَلَيْكُمُ السَّامُ وَالذَّامُ هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَهُوَ الذَّمُّ ويقال بالهمزة أَيْضًا وَالْأَشْهَرُ تَرْكُ الْهَمْزِ وَأَلِفُهُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ واو والذام والذيم والذم بمعنى العيب وروى الدام بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَمَعْنَاهُ الدَّائِمُ وَمِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهُ روى بالمهملة بن الْأَثِيرِ وَنَقَلَ الْقَاضِي الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ بِالْمُعْجَمَةِ قَالَ وَلَوْ رُوِيَ بِالْمُهْمَلَةِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ والله أعلم

قَوْلُهُ [2166] (فَفَطِنَتْ بِهِمْ عَائِشَةُ فَسَبَّتْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مه ياعائشةفان الله لايحب الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ) مَهْ كَلِمَةُ زَجْرٍ عَنِ الشَّيْءِ وَقَوْلُهُ فَفَطِنَتْ هُوَ بِالْفَاءِ وَبِالنُّونِ بَعْدَ الطَّاءِ مِنَ الْفِطْنَةِ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنِ الْجُمْهُورِ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ فَقَطَّبَتْ بِالْقَافِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وقدتخفيف الطَّاءُ فِي هَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى غَضِبَتْ وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ الْأَوَّلُ وَأَمَّا سَبُّهَا لَهُمْ فَفِيهِ الِانْتِصَارُ مِنَ الظَّالِمِ وَفِيهِ الِانْتِصَارُ لِأَهْلِ الْفَضْلِ مِمَّنْ يُؤْذِيهِمْ وَأَمَّا الْفُحْشُ فَهُوَ الْقَبِيحُ مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَقِيلَ الْفُحْشُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ تَغَافُلِ أَهْلِ الْفَضْلِ عَنْ سَفَهِ الْمُبْطِلِينَ إِذَا لَمْ تَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْكَيِّسُ الْعَاقِلُ هُوَ الْفَطِنُ الْمُتَغَافِلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا لايترك لِلذِّمِّيِّ صَدْرُ الطَّرِيقِ بَلْ يُضْطَرُّ إِلَى أَضْيَقِهِ إِذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَطْرُقُونَ فَإِنْ خَلَتِ الطَّرِيقُ عن الرحمة فلاحرج قالوا وليكن التضييق بحيث لايقع فى وهدة ولايصدمه جِدَارٌ وَنَحْوُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب استحباب السلام على الصبيان)

(بَاب اسْتِحْبَابِ السَّلَامِ عَلَى الصِّبْيَانِ) قَوْلُهُ [2168] (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى غِلْمَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ) وَفِي رِوَايَةٍ مَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ

الْغِلْمَانُ هُمُ الصِّبْيَانُ بِكَسْرِ الصَّادِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَبِضَمِّهَا فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ السَّلَامِ عَلَى الصِّبْيَانِ الْمُمَيِّزِينَ وَالنَّدْبُ إِلَى التَّوَاضُعِ وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ وَبَيَانُ تَوَاضُعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَمَالُ شَفَقَتِهِ عَلَى الْعَالَمِينَ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ السَّلَامِ عَلَى الصِّبْيَانِ وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى رِجَالٍ وَصِبْيَانٍ فَرَدَّ السَّلَامَ صَبِيٌّ مِنْهُمْ هَلْ يَسْقُطُ فَرْضُ الرَّدِّ عَنِ الرِّجَالِ فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا يَسْقُطُ وَمِثْلُهُ الْخِلَافُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ هَلْ يَسْقُطُ فَرْضُهَا بِصَلَاةِ الصَّبِيِّ الْأَصَحُّ سُقُوطُهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ سَلَّمَ الصَّبِيُّ عَلَى رجل لزم الرجل رد السلام هذا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَالَ بعض أصحابنا لايجب وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ وَأَمَّا النِّسَاءُ فَإِنْ كُنَّ جَمِيعًا سَلَّمَ عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً سَلَّمَ عَلَيْهَا النِّسَاءُ وَزَوْجُهَا وَسَيِّدُهَا وَمَحْرَمُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ جَمِيلَةً أَوْ غَيْرَهَا وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَإِنْ كانت عجوزا لاتشتهى اسْتُحِبَّ لَهُ السَّلَامُ عَلَيْهَا وَاسْتُحِبَّ لَهَا السَّلَامُ عَلَيْهِ وَمَنْ سَلَّمَ مِنْهُمَا لَزِمَ الْآخَرَ رَدُّ السَّلَامِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا تُشْتَهَى لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهَا الْأَجْنَبِيُّ وَلَمْ تُسَلِّمْ عَلَيْهِ وَمَنْ سَلَّمَ مِنْهُمَا لَمْ يَسْتَحِقَّ جَوَابًا وَيُكْرَهُ رَدُّ جَوَابِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وقال ربيعة لايسلم الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ وَلَا النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ وهذا غلط وقال الكوفيون لايسلم الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ محرم والله أعلم

باب جواز جعل الأذن رفع حجاب أو غيره من العلامات

(باب جواز جعل الأذن رفع حجاب أو غيره من العلامات) قوله [2169] (عن بن مَسْعُودٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آذنك على أن ترفع الحجاب وأن تسمع سِوَادِي حَتَّى أَنْهَاكَ) السِّوَادُ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالدَّالِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ السِّرَارُ بِكَسْرِ السِّينِ وَبِالرَّاءِ الْمُكَرَّرَةِ وَهُوَ السِّرُّ والمسار ريقال سَاوَدْتُ الرَّجُلَ مُسَاوَدَةً إِذَا سَارَرْتُهُ قَالُوا وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ إِدْنَاءِ سِوَادِكَ مِنْ سِوَادِهِ عِنْدَ الْمُسَارَرَةِ أَيْ شَخْصُكَ مِنْ شَخْصِهِ وَالسِّوَادُ اسْمٌ لكل شخص وفيه دليل لجواز اعتماد الْعَلَامَةَ فِي الْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ فَإِذَا جَعَلَ الْأَمِيرُ وَالْقَاضِي وَنَحْوُهُمَا وَغَيْرُهُمَا رَفْعَ السِتْرَ الَّذِي عَلَى بَابِهِ عَلَامَةً فِي الْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهِ لِلنَّاسِ عَامَّةً أَوْ لِطَائِفَةٍ خَاصَّةً أَوْ لِشَخْصٍ أَوْ جَعَلَ عَلَامَةً غَيْرَ ذَلِكَ جَازَ اعْتِمَادُهَا وَالدُّخُولُ إِذَا وُجِدَتْ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَكَذَا إِذَا جَعْلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ عَلَامَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَدَمِهِ وَمَمَالِيكِهِ وَكِبَارِ أَوْلَادِهِ وَأَهْلِهِ فَمَتَى أَرْخَى حجابه فلادخول عليه إلاباستئذان فَإِذَا رَفَعَهُ جَازَ بِلَا اسْتِئْذَانٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب إِبَاحَةِ الْخُرُوجِ لِلنِّسَاءِ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ) قَوْلُهُ [2170] (وَكَانَتِ امْرَأَةً جَسِيمَةً تَفْرَعُ النِّسَاءَ جِسْمًا لاتخفى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا) فَقَوْلُهُ جَسِيمَةً أَيْ عَظِيمَةَ

الْجِسْمِ وَقَوْلُهُ تَفْرَعُ هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ تَطْوُلُهُنَّ فَتَكُونُ أَطْوَلَ مِنْهُنَّ وَالْفَارِعُ الْمُرْتَفِعُ الْعَالِي وَقَوْلُهُ لاتخفى على من يعرفها يعنى لاتخفى إِذَا كَانَتْ مُتَلَفِّفَةً فِي ثِيَابِهَا وَمِرْطِهَا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَنَحْوِهَا عَلَى مَنْ قَدْ سَبَقَتْ لَهُ مَعْرِفَةُ طُولِهَا لِانْفِرَادِهَا بِذَلِكَ قَوْلُهَا وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى وَفِي يَدِهِ عَرْقٌ هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي عَلَيْهِ بَقِيَّةُ لَحْمٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ هُوَ الْقَذِرَةُ مِنَ اللَّحْمِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ قَالَ هِشَامٌ يَعْنِي الْبَرَازَ هَكَذَا الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ الْبَرَازُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْوَاسِعُ الْبَارِزُ الظَّاهِرُ وَقَدْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ الْبِرَازُ بِكَسْرِ الْبَاءِ هُوَ الْغَائِطُ وَهَذَا أَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا فَإِنَّ مُرَادَ هِشَامٍ بِقَوْلِهِ يَعْنِي الْبَرَازَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ فَقَالَ هِشَامٌ الْمُرَادُ بِحَاجَتِهِنَّ الْخُرُوجُ لِلْغَائِطِ لالكل حَاجَةٍ مِنْ أُمُورِ الْمَعَايِشِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ كُنَّ يَخْرُجْنَ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى الْمَنَاصِعِ وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ مَعْنَى تَبَرَّزْنَ أَرَدْنَ الْخُرُوجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالْمَنَاصِعُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَةِ وَهُوَ جَمْعُ مَنْصَعٍ وَهَذِهِ الْمَنَاصِعُ مَوَاضِعُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَرَاهَا مَوَاضِعَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ أَيْ أَرْضٌ مُتَّسَعَةٌ وَالْأَفْيَحُ بِالْفَاءِ الْمَكَانُ الْوَاسِعُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ تَنْبِيهُ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْكِبَارِ عَلَى مَصَالِحِهِمْ وَنَصِيحَتِهِمْ وَتَكْرَارُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَفِيهِ جَوَازُ تَعَرُّقِ الْعَظْمِ وَجَوَازُ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ إِلَى الْمَوْضِعِ الْمُعْتَادِ لِذَلِكَ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانِ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ مِمَّا أَذِنَ فِيهِ الشَّرْعُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَرْضُ الْحِجَابِ مِمَّا اخْتُصَّ بِهِ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِنَّ بلا خلاف فى الوجه والكفين فلايجوز لَهُنَّ كَشْفُ ذَلِكَ لِشَهَادَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُنَّ إِظْهَارُ شُخُوصِهِنَّ وَإِنْ كُنَّ مُسْتَتِرَاتٍ إلاما دَعَتْ إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ مِنَ الْخُرُوجِ لِلْبَرَازِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وراء حجاب وَقَدْ كُنَّ إِذَا قَعَدْنَ لِلنَّاسِ جَلَسْنَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ وَإِذَا خَرَجْنَ حُجِبْنَ وَسَتَرْنَ أَشْخَاصَهُنَّ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ يَوْمَ وَفَاةِ عُمَرَ وَلَمَّا تُوُفِّيَتْ زَيْنَبُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا جَعَلُوا لَهَا قُبَّةً فَوْقَ نَعْشِهَا تَسْتُرُ شَخْصَهَا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي

(باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها)

(بَاب تَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهَا) قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم [2171] (لايبتن رجل عند امرأة إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَاكِحًا أَوْ ذَا مَحْرَمٍ) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ أَيْ يَكُونَ الدَّاخِلُ زَوْجًا أَوْ ذَا مَحْرَمٍ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فَقَالَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ نَاكِحًا أَوْ ذَاتَ مَحْرَمٍ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَقَالَ ذَاتَ بَدَلُ ذا قال والمراد بالنا كح الْمَرْأَةُ الْمُزَوَّجَةُ وَزَوْجُهَا حَاضِرٌ فَيَكُونُ مَبِيتُ الْغَرِيبِ فِي بَيْتِهَا بِحَضْرَةِ زَوْجِهَا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي اقْتَصَرَ عَلَيْهَا وَالتَّفْسِيرُ غَرِيبَانِ مَرْدُودَانِ وَالصَّوَابُ الرِّوَايَةُ الْأُولَى الَّتِي ذَكَرْتُهَا عَنْ نُسَخِ بِلَادِنَا وَمَعْنَاهُ لايبيتن رَجُلٌ عِنْدَ امْرَأَةٍ إِلَّا زَوْجُهَا أَوْ مَحْرَمٌ لَهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا خُصَّ الثَّيِّبُ لِكَوْنِهَا الَّتِي يُدْخَلُ إِلَيْهَا غَالِبًا وَأَمَّا الْبِكْرُ فَمَصُونَةٌ مُتَصَوِّنَةٌ فِي الْعَادَةِ مُجَانِبَةٌ لِلرِّجَالِ أَشَدَّ مُجَانَبَةٍ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذِكْرِهَا وَلِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ لِأَنَّهُ إِذَا نُهِيَ عَنِ الثَّيِّبِ الَّتِي يَتَسَاهَلُ النَّاسُ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي الْعَادَةِ فَالْبِكْرُ أَوْلَى وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالْأَحَادِيثِ بَعْدَهُ تَحْرِيمُ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَإِبَاحَةُ الْخَلْوَةِ بِمَحَارِمِهَا وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِمَا وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَحْرَمَ هُوَ كُلُّ مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ لِسَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا فَقَوْلُنَا عَلَى التَّأْبِيدِ احْتِرَازٌ مِنْ أُخْتِ امْرَأَتِهِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَنَحْوِهِنَّ وَمِنْ بِنْتِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِالْأُمِّ وَقَوْلنَا لِسَبَبٍ مُبَاحٍ احْتِرَازٌ مِنْ أُمِّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَبِنْتِهَا فانه حرام على التأبيد لكن لالسبب مباح فان وطء الشبهة لايوصف بِأَنَّهُ مُبَاحٌ وَلَا مُحَرَّمٌ وَلَا بِغَيْرِهِمَا مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ الْخَمْسَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِعْلَ مُكَلَّفٍ وَقَوْلنَا لِحُرْمَتِهَا احْتِرَازٌ مِنَ الْمُلَاعَنَةِ فَهِيَ حَرَامٌ على التأبيد لالحرمتها بَلْ تَغْلِيظًا عَلَيْهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2172] (الْحَمْوُ الْمَوْتُ) قَالَ اللَّيْثُ بن

سعد الحمو أخو الزوج وماأشبهه من أقارب الزوج بن الْعَمِّ وَنَحْوُهُ اتَّفَقَ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ الاحماء أقارب زوج المرأة كأبيه وعمه وأخيه وبن أخيه وبن عَمِّهِ وَنَحْوِهِمْ وَالْأُخْتَانِ أَقَارِبُ زَوْجَةِ الرَّجُلِ وَالْأَصْهَارُ يَقَعُ عَلَى النَّوْعَيْنِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْخَوْفَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ وَالشَّرُّ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ وَالْفِتْنَةُ أَكْثَرُ لِتَمَكُّنِهِ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْمَرْأَةِ وَالْخَلْوَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْكَرَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الأجنبى والمراد بالحموهنا أَقَارِبُ الزَّوْجِ غَيْرُ آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ فَأَمَّا الْآبَاءُ والأبناء فمحارم لزوجته تجوزلهم الخلوة بها ولايوصفون بالموت وانما المراد الأخ وبن الْأَخِ وَالْعَمُّ وَابْنُهُ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ وَعَادَةُ النَّاسِ الْمُسَاهَلَةُ فِيهِ وَيَخْلُو بِامْرَأَةِ أَخِيهِ فَهَذَا هُوَ الْمَوْتُ وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنَ الأجنبي لماذكرناه فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ صَوَابُ مَعْنَى الْحَدِيثِ وأما ماذكره الْمَازِرِيُّ وَحَكَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَمْوِ أَبُو الزَّوْجِ وَقَالَ إِذَا نُهِيَ عَنْ أَبِي الزَّوْجِ وَهُوَ مَحْرَمٌ فَكَيْفَ بِالْغَرِيبِ فَهَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ مَرْدُودٌ ولايجوز حمل الحديث عليه فكذا مانقله الْقَاضِي عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ مَعْنَى الْحَمْوِ الموت فليمت ولايفعل هَذَا هُوَ أَيْضًا كَلَامٌ فَاسِدٌ بَلِ الصَّوَابُ ماقدمناه وقال بن الْأَعْرَابِيِّ هِيَ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَبُ كَمَا يُقَالُ الْأَسَدُ الْمَوْتُ أَيْ لِقَاؤُهُ مِثْلُ الْمَوْتِ وَقَالَ القاضي معناه الخلوة بالأحماءمؤدية إِلَى الْفِتْنَةِ وَالْهَلَاكِ فِي الدِّينِ فَجَعَلَهُ كَهَلَاكِ الْمَوْتِ فَوَرَدَ الْكَلَامُ مَوْرِدَ التَّغْلِيظِ قَالَ وَفِي الْحَمِّ أَرْبَعُ لُغَاتٍ إِحْدَاهَا هَذَا حَمُوكَ بِضَمِّ الْمِيمِ فِي الرَّفْعِ وَرَأَيْتُ حَمَاكَ وَمَرَرْتُ بِحَمِيكَ وَالثَّانِيَةُ هَذَا حَمْؤُكَ بِإِسْكَانِ الْمِيمِ وَهَمْزَةٍ مَرْفُوعَةٍ وَرَأَيْتُ حَمْأَكَ وَمَرَرْتُ بِحَمْئِكَ وَالثَّالِثَةُ حَمَا هَذَا حَمَاكَ وَرَأَيْتُ حَمَاكَ وَمَرَرْتُ بِحَمَاكَ كَقَفَا وَقَفَاكَ وَالرَّابِعَةُ حَمٌّ كَأَبٍّ وَأَصْلُهُ حَمَوٌ بِفَتْحِ

الحاء والميم وحماة المرأة أم زوجها لايقال فِيهَا غَيْرُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم [2173] (لايدخلن رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغْيِبَةٍ إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ) الْمُغْيِبَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَهِيَ الَّتِي غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَالْمُرَادُ غَابَ زَوْجُهَا عَنْ مَنْزِلِهَا سَوَاءٌ غَابَ عَنِ الْبَلَدِ بِأَنْ سَافَرَ أَوْ غَابَ عَنِ الْمَنْزِلِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ مُتَعَيِّنٌ قَالَ الْقَاضِي وَدَلِيلُهُ هَذَا الْحَدِيثُ وَأَنَّ الْقِصَّةَ الَّتِي قِيلَ الْحَدِيثُ بِسَبَبِهَا وَأَبُو بَكْرٍ رضى الله عنه غائب عن منزله لاعن الْبَلَدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إِنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ خَلْوَةِ الرَّجُلَيْنِ أَوِ الثَّلَاثَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا تَحْرِيمُهُ فَيُتَأَوَّلُ الْحَدِيثُ عَلَى جَمَاعَةٍ يَبْعُدُ وُقُوعُ الْمُوَاطَأَةِ مِنْهُمْ عَلَى الْفَاحِشَةِ لصلاحهم أو مروءتهم أوغير ذَلِكَ وَقَدْ أَشَارَ الْقَاضِي إِلَى نَحْوِ هَذَا التأويل

(باب بيان أنه يستحب لمن رؤى خاليا بامرأة وكانت

(باب بيان أنه يستحب لمن رؤى خَالِيًا بِامْرَأَةٍ وَكَانَتْ زَوْجَتَهُ أَوْ مَحْرَمًا لَهُ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ فُلَانَةُ لِيَدْفَعَ ظَنَّ السُّوءِ بِهِ) قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ صَفِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَزِيَارَتِهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اعْتِكَافِهِ عِشَاءً فَرَأَى الرَّجُلَيْنِ فَقَالَ [2175] (إِنَّهَا صفية فقالاسبحان اللَّهِ فَقَالَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ) الْحَدِيثُ فِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا بَيَانُ كَمَالِ شَفَقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمَّتِهِ وَمُرَاعَاتِهِ لِمَصَالِحِهِمْ وَصِيَانَةِ قُلُوبِهِمْ وَجَوَارِحِهِمْ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا فَخَافَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يلقى الشيطان فىقلوبهما فَيَهْلِكَا فَإِنَّ ظَنَّ السُّوءِ بِالْأَنْبِيَاءِ كُفْرٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالْكَبَائِرُ غَيْرُ جَائِزَةٍ عَلَيْهِمْ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ ظَنَّ شَيْئًا مِنْ نَحْوِ هَذَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرَ وَفِيهِ جَوَازُ زِيَارَةِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا الْمُعْتَكِفِ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وأنه لايضر اعْتِكَافَهُ لَكِنْ يُكْرَهُ الْإِكْثَارُ مِنْ مُجَالَسَتِهَا وَالِاسْتِلْذَاذِ بِحَدِيثِهَا لِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً إِلَى الْوِقَاعِ أَوْ إِلَى الْقُبْلَةِ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا يُفْسِدُ الِاعْتِكَافَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّحَرُّزِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِسُوءِ ظَنِّ النَّاسِ فِي الْإِنْسَانِ وَطَلَبِ السَّلَامَةِ وَالِاعْتِذَارِ بِالْأَعْذَارِ الصحيحة وأنه متى فعل ماقد ينكر ظاهره مماهو حَقٌّ وَقَدْ يَخْفَى أَنْ

يُبَيِّنَ حَالَهُ لِيَدْفَعَ ظَنَّ السُّوءِ وَفِيهِ الِاسْتِعْدَادُ لِلتَّحَفُّظِ مِنْ مَكَايِدِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَجْرِي مِنَ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ فَيَتَأَهَّبُ الْإِنْسَانُ لِلِاحْتِرَازِ مِنْ وَسَاوِسِهِ وَشَرِّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2174] (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ) قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهُ قُوَّةً وَقُدْرَةً عَلَى الْجَرْيِ فِي بَاطِنِ الْإِنْسَانِ مَجَارِي دَمِهِ وَقِيلَ هُوَ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ لِكَثْرَةِ اغوائه ووسوسته فكانه لايفارق الانسان كما لايفارقه دَمُهُ وَقِيلَ يُلْقِي وَسْوَسَتَهُ فِي مَسَامٍّ لَطِيفَةٍ مِنَ الْبَدَنِ فَتَصِلُ الْوَسْوَسَةُ إِلَى الْقَلْبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يافلان هَذِهِ زَوْجَتِي فُلَانَةٌ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِالتَّاءِ قَبْلَ الْيَاءِ وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَ الْأَشْهَرُ حَذْفُهَا وَبِالْحَذْفِ جَاءَتْ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَالْإِثْبَاتُ كَثِيرٌ أَيْضًا قَوْلُهَا فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ لِيَرُدَّنِي إِلَى منزلى فيه جواز تمشى المعتكف معها مالم يَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رِسْلِكُمَا هُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا لغتان والكسر أفصح وأشهر أى على هينتكما فِي الْمَشْيِ فَمَا هُنَا شَيْءٌ تَكْرَهَانِهِ قَوْلُهُ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ فِيهِ جَوَازُ التَّسْبِيحِ تَعْظِيمًا لِلشَّيْءِ وَتَعَجُّبًا مِنْهُ وَقَدْ كَثُرَ فِي الْأَحَادِيثِ وَجَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نتكلم بهذا سبحانك

باب من أتى مجلسا فوجد فرجة فجلس فيها والاوراءهم

(باب من أتى مجلسا فوجد فرجة فجلس فيها والاوراءهم) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2176] بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فَأَقْبَلَ اثْنَانِ) إِلَى آخِرِهِ فِيهِ اسْتِحْبَابُ جُلُوسِ الْعَالِمِ لِأَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ فِي مَوْضِعٍ بارز ظاهر للناس والمسجد أفضل فيذا كرهم الْعِلْمَ وَالْخَيْرَ وَفِيهِ جَوَازُ حِلَقِ الْعِلْمِ وَالذِّكْرِ فِي الْمَسْجِدِ وَاسْتِحْبَابُ دُخُولِهَا وَمُجَالَسَةِ أَهْلِهَا وَكَرَاهَةُ الِانْصِرَافِ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَاسْتِحْبَابُ الْقُرْبِ مِنْ كَبِيرِ الْحَلْقَةِ لِيَسْمَعَ كَلَامَهُ سَمَاعًا بَيِّنًا وَيَتَأَدَّبَ بِأَدَبِهِ وَأَنَّ قَاصِدَ الْحَلْقَةِ إِنْ رَأَى فرجة دخل فيها والاجلس وراءهم وفيه الثناء على من فعل جميلافانه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْنَى عَلَى الِاثْنَيْنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا فَعَلَ قَبِيحًا وَمَذْمُومًا وَبَاحَ بِهِ جَازَ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَدَخَلَ فِيهَا) الْفُرْجَةُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ وَهِيَ الْخَلَلُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا فَرْجٌ وَمِنْهُ قوله تعالى وما لها من فروج جَمْعُ فَرْجٍ وَأَمَّا الْفُرْجَةُ بِمَعْنَى الرَّاحَةِ مِنَ الْغَمِّ فَذَكَرَ الْأَزْهَرِيُّ فِيهَا فَتْحَ الْفَاءِ وَضَمَّهَا وَكَسْرَهَا وَقَدْ فَرَجَ لَهُ فِي الْحَلْقَةِ وَالصَّفِّ وَنَحْوِهِمَا بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ يَفْرُجُ بِضَمِّهَا وَأَمَّا الْحَلْقَةُ فَبِإِسْكَانِ اللَّامِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ فَتْحَهَا وهىلغة رَدِيئَةٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ) لَفْظَةُ أوى بالقصر وآواه بِالْمَدِّ هَكَذَا الرِّوَايَةُ وَهَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَازِمًا كَانَ مَقْصُورًا وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا كَانَ مَمْدُودًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصخرة وَقَالَ تَعَالَى إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ وقال

فى المتعدى وآويناهما إلى ربوة وقال تعالى ألم يجدك يتيما فآوى قَالَ الْقَاضِي وَحَكَى بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ فِيهِمَا جَمِيعًا لُغَتَيْنِ الْقَصْرَ وَالْمَدَّ فَيُقَالُ أَوَيْتُ إِلَى الرَّجُلِ بِالْقَصْرِ وَالْمَدِّ وَآوَيْتُهُ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَالْمَشْهُورُ الْفَرْقُ كَمَا سَبَقَ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى أَوَى إِلَى اللَّهِ أَيْ لَجَأَ إِلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي وَعِنْدِي أَنَّ مَعْنَاهُ هُنَا دَخَلَ مَجْلِسَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ دَخَلَ مَجْلِسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَجْمَعِ أَوْلِيَائِهِ وَانْضَمَّ إِلَيْهِ وَمَعْنَى آوَاهُ اللَّهُ أَيْ قَبِلَهُ وَقَرَّبَهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ رَحِمَهُ أَوْ آوَاهُ إِلَى جَنَّتِهِ أى كتبهاله قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحَى فَاسْتَحَى اللَّهُ مِنْهُ) أَيْ تَرَكَ الْمُزَاحَمَةَ والتخطى حياءمن اللَّهِ تَعَالَى وَمِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم والحاضرين أواستحياء مِنْهُمْ أَنْ يُعْرِضَ ذَاهِبًا كَمَا فَعَلَ الثَّالِثُ فَاسْتَحَى اللَّهُ مِنْهُ أَيْ رَحِمَهُ وَلَمْ يُعَذِّبْهُ بَلْ غَفَرَ ذُنُوبَهُ وَقِيلَ جَازَاهُ بِالثَّوَابِ قَالُوا وَلَمْ يُلْحِقْهُ بِدَرَجَةِ صَاحِبِهِ الْأَوَّلِ فِي الْفَضِيلَةِ الَّذِي آوَاهُ وَبَسَطَ لَهُ اللُّطْفَ وَقَرَّبَهُ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْ لَمْ يَرْحَمْهُ وَقِيلَ سَخِطَ عَلَيْهِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ ذَهَبَ مُعْرِضًا لَا لِعُذْرٍ وَضَرُورَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الثَّانِي وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحَى هَذَا دَلِيلُ اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْجَمَاعَةِ أَنْ يُقَالَ فِي غَيْرِ الْأَخِيرِ مِنْهُمُ الْآخَرُ فَيُقَالُ حَضَرَنِي ثَلَاثَةٌ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَقُرَشِيٌّ وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَنْصَارِيٌّ وَأَمَّا الآخر فتيمى وقد زعم بعضهم أنه لايستعمل الآخر الافى الْآخَرِ خَاصَّةً وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب تحريم إقامة الإنسان من موضعه المباح الذي سبق

(بَاب تَحْرِيمِ إِقَامَةِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَوْضِعِهِ الْمُبَاحِ الَّذِي سَبَقَ إِلَيْهِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم [2177] (لايقمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يجلس) فيهوفى رِوَايَةٍ وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا وَفِي رِوَايَةٍ وَكَانَ بن عمر إذا قام له رجل عن مجلسه لم يَجْلِسَ فِيهِ وَفِي رِوَايَةٍ وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا هَذَا النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ [2178] فَمَنْ سَبَقَ إِلَى مَوْضِعٍ مباح فى المسجد وغيره يوم الجمعة أوغيره لِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَيَحْرُمُ على غيره اقامته لهذا الحديث الاأن أَصْحَابَنَا اسْتَثْنَوْا مِنْهُ مَا إِذَا أَلِفَ مِنَ الْمَسْجِدِ مَوْضِعًا يُفْتِي فِيهِ أَوْ يَقْرَأَ قُرْآنًا أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَإِذَا حَضَرَ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يقعدفيه وَفِي مَعْنَاهُ مَنْ سَبَقَ إِلَى مَوْضِعٍ مِنَ الشوارع ومقاعد الأسواق لمعاملة وأماقوله وكان بن عمر إذا قام له رجل عن مجلسه لَمْ يَجْلِسْ فِيهِ فَهَذَا

(باب اذا قام من مجلسه ثم عاد فهو أحق به)

وَرَعٌ مِنْهُ وَلَيْسَ قُعُودُهُ فِيهِ حَرَامًا إِذَا قَامَ بِرِضَاهُ لَكِنَّهُ تَوَرَّعَ عَنْهُ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ رُبَّمَا اسْتَحَى مِنْهُ إِنْسَانٌ فَقَامَ لَهُ مِنْ مَجْلِسِهِ مِنْ غَيْرِ طِيبِ قَلْبِهِ فَسَدَّ بن عُمَرَ الْبَابَ لِيَسْلَمَ مِنْ هَذَا وَالثَّانِي أَنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرْبِ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى فَكَانَ بن عُمَرَ يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَرْتَكِبَ أَحَدٌ بِسَبَبِهِ مَكْرُوهًا أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى بِأَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ مَوْضِعِهِ مِنَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَيُؤْثِرَهُ بِهِ وَشِبْهِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يُحْمَدُ الْإِيثَارُ بِحُظُوظِ النُّفُوسِ وَأُمُورِ الدُّنْيَا دُونَ الْقُرْبِ وَاللَّهُ أعلم (باب اذا قام من مجلسه ثم عاد فهو أحق بِهِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2179] (مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَنْ جَلَسَ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ لِصَلَاةٍ مثلاثم فَارَقَهُ لِيَعُودَ بِأَنْ فَارَقَهُ لِيَتَوَضَّأَ أَوْ يَقْضِيَ

(باب منع المخنث من الدخول على النساء الاجانب)

شُغْلًا يَسِيرًا ثُمَّ يَعُودَ لَمْ يَبْطُلِ اخْتِصَاصُهُ بَلْ إِذَا رَجَعَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ قَدْ قَعَدَ فِيهِ غَيْرُهُ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَهُ وَعَلَى الْقَاعِدِ أَنْ يُفَارِقَهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ قَعَدَ فِيهِ مفارقته اذا رجع الأول وقال بعض العلماء هذا مستحب ولايجب وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا ولافرق بَيْنَ أَنْ يَقُومَ مِنْهُ وَيَتْرُكَ فِيهِ سَجَّادَةً ونحوها أم لافهذا أَحَقُّ بِهِ فِي الْحَالَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَحْدَهَا دُونَ غَيْرِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب مَنْعِ الْمُخَنَّثِ من الدخول على النساء الاجانب) قَوْلُهَا [2181] (كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّثٌ فَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ وَهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً قَالَ إِذَا أَقْبَلَتْ

أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أَرَى هذا يعرف ماههنا لايدخل عَلَيْكُنَّ فَحَجَبُوهُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمُخَنَّثُ هُوَ بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ الَّذِي يُشْبِهُ النِّسَاءَ فِي أَخْلَاقِهِ وَكَلَامِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَتَارَةً يَكُونُ هَذَا خُلُقَهُ مِنَ الْأَصْلِ وَتَارَةً بِتَكَلُّفٍ وَسَنُوضِحُهُمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ مَعْنَى قَوْلِهِ تُقْبِلُ بِأَرْبَعِ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ أَيْ أَرْبَعِ عُكَنٍ وَثَمَانِ عُكَنٍ قَالُوا وَمَعْنَاهُ أَنَّ لَهَا أَرْبَعَ عُكَنٍ تقبل بهن من كل ناحية اثنتان وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ طَرَفَانِ فَإِذَا أَدْبَرَتْ صَارَتِ الْأَطْرَافُ ثَمَانِيَةً قَالُوا وَإِنَّمَا ذَكَرَ فَقَالَ بِثَمَانٍ وَكَانَ أَصْلُهُ أَنْ يَقُولَ بِثَمَانِيَةٍ فَإِنَّ الْمُرَادَ الْأَطْرَافُ وَهِيَ مُذَكَّرَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْمُذَكَّرِ وَمَتَى لَمْ يَذْكُرْهُ جَازَ حَذْفُ الْهَاءِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ هُنَاكَ وَاضِحَةً وَأَمَّا دُخُولُ هَذَا الْمُخَنَّثِ أَوَّلًا عَلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ بَيَّنَ سَبَبَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ وَأَنَّهُ مُبَاحٌ دُخُولُهُ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا سَمِعَ مِنْهُ هَذَا الْكَلَامَ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ أُولِي الْإِرْبَةِ فَمَنَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّخُولَ فَفِيهِ مَنْعُ الْمُخَنَّثِ مِنَ الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ وَمَنْعُهُنَّ مِنَ الظُّهُورِ عَلَيْهِ وَبَيَانُ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الرِّجَالِ الْفُحُولِ الرَّاغِبِينَ فِي النِّسَاءِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَكَذَا حُكْمُ الْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ ذَكَرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ هَذَا الْمُخَنَّثِ قَالَ الْقَاضِي الْأَشْهَرُ أَنَّ اسْمَهُ هِيْتٌ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَمُثَنَّاةٍ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ قَالَ وَقِيلَ صَوَابُهُ هَنْبٌ بِالنُّونِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قاله بن دُرُسْتَوَيْهِ وَقَالَ إِنَّمَا سِوَاهُ تَصْحِيفٌ قَالَ وَالْهَنَبُ الْأَحْمَقُ وَقِيلَ مَاتِعٌ بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ مَوْلَى فَاخِتَةَ الْمَخْزُومِيَّةِ وَجَاءَ هَذَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ ذُكِرَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرَّبَ مَاتِعًا هَذَا وَهِيتًا إِلَى الْحِمَى ذَكَرَهُ الواقدى وذكر أبومنصور الْبَادَرْدِيُّ نَحْوَ الْحِكَايَةِ عَنْ مُخَنَّثٍ كَانَ بِالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ أَنَهُ وَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَاهُ إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ والمحفوظأنه هِيْتٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِخْرَاجُهُ وَنَفْيُهُ كَانَ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ أَحَدُهَا الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ وَكَانَ مِنْهُمْ وَيَتَكَتَّمُ بِذَلِكَ وَالثَّانِي وَصْفُهُ النِّسَاءَ وَمَحَاسِنَهُنَّ وَعَوْرَاتَهُنَّ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ وَقَدْ نُهِيَ أَنْ تصف المرأة المرأة لزوجها

فَكَيْفَ إِذَا وَصَفَهَا الرَّجُلُ لِلرِّجَالِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَطَّلِعُ مِنَ النِّسَاءِ وَأَجْسَامِهِنَّ وَعَوْرَاتِهِنَّ عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عليه كثير من النساء فكيف الرجال لاسيما عَلَى مَا جَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ وصفها حتى وصف مابين رجليها أى فرجها وحواليه والله أعلم قَوْلُهُ [2182] (عَنْ أَسْمَاءَ إِنَّهَا كَانَتْ تَعْلِفُ فَرَسَ زوجها الزبير وتكفيه مؤنته وتسوسه وتدق النو لِنَاضِحِهِ وَتَعْلِفُهُ وَتَسْتَقِي الْمَاءَ وَتَعْجِنُ) هَذَا كُلُّهُ من المعروف والمروآت الَّتِي أَطْبَقَ النَّاسُ عَلَيْهَا وَهُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَخْدُمُ زَوْجَهَا بِهَذِهِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْخَبْزِ وَالطَّبْخِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكُلُّهُ تَبَرُّعٌ مِنَ الْمَرْأَةِ وَإِحْسَانٌ مِنْهَا إِلَى زَوْجِهَا وحسن معاشرة وفعل معروف معه ولايجب عليها شيء من ذلك بل لوامتنعت مِنْ جَمِيعِ هَذَا لَمْ تَأْثَمْ وَيَلْزَمُهُ هُوَ تَحْصِيلُ هَذِهِ الْأُمُورِ لَهَا وَلَا يَحِلُّ

لَهُ إِلْزَامُهَا بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا وَإِنَّمَا تَفْعَلُهُ الْمَرْأَةُ تَبَرُّعًا وَهِيَ عَادَةٌ جَمِيلَةٌ اسْتَمَرَّ عَلَيْهَا النِّسَاءُ مِنَ الزَّمَنِ الْأَوَّلِ إِلَى الْآنَ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْئَانِ تَمْكِينُهَا زَوْجَهَا مِنْ نَفْسِهَا وَمُلَازَمَةُ بَيْتِهِ قَوْلُهَا (وَأَخْرُزُ غَرْبَهُ) هُوَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ رَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَهُوَ الدَّلْوُ الْكَبِيرُ قَوْلُهَا (وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقَطَعَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رَأْسِي وَهُوَ عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ قَالَ أَهْلُ اللغة يقال أقطعه اذا أعطاه قطيعةوهي قِطْعَةُ أَرْضٍ سُمِّيَتْ قَطِيعَةً لِأَنَّهَا اقْتَطَعَهَا مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْضِ وَقَوْلُهُ عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ أَيْ مِنْ مَسْكَنِهَا بِالْمَدِينَةِ وَأَمَّا الْفَرْسَخُ فَهُوَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَالْمِيلُ سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَالذِّرَاعُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ إِصْبَعًا مُعْتَرِضَةٌ مُعْتَدِلَةٌ وَالْأُصْبُعُ سِتُّ شَعِيرَاتٍ مُعْتَرِضَاتٍ مُعْتَدِلَاتٍ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِجَوَازِ إِقْطَاعِ الامام فأما الأرض المملوكة لبيت المال فلايملكها أَحَدٌ إِلَّا بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ ثُمَّ تَارَةً يَقْطَعُ رَقَبَتَهَا وَيَمْلِكُهَا الْإِنْسَانُ يَرَى فِيهِ مَصْلَحَةً فَيَجُوزُ وَيَمْلِكُهَا كَمَا يَمْلِكُ مَا يُعْطِيهِ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَغَيْرِهَا إِذَا رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً وَتَارَةً يَقْطَعُهُ مَنْفَعَتُهَا فَيَسْتَحِقُّ الِانْتِفَاعَ بِهَا مُدَّةَ الْإِقْطَاعِ وأما الموات فيجوز لكل أحد احياؤه ولايفتقر إِلَى إِذْنِ الْإِمَامِ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ والجمهور وقال أبو حنيفة لايملك الموات بالاحياء الاباذن الْإِمَامِ وَأَمَّا قَوْلُهَا وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ فَأَشَارَ الْقَاضِي إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَلْتَقِطُهُ مِنَ النَّوَى السَّاقِطِ فِيهَا مِمَّا أَكَلَهُ النَّاسُ وَأَلْقَوْهُ قَالَ فَفِيهِ جَوَازُ الْتِقَاطِ الْمَطْرُوحَاتِ رَغْبَةً عَنْهَا كَالنَّوَى وَالسَّنَابِلِ وَخِرَقِ الْمَزَابِلِ وسقاطتها ومايطرحه النَّاسُ مِنْ رَدِيءِ الْمَتَاعِ وَرَدِيءِ الْخُضَرِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُعْرَفُ أَنَّهُمْ تَرَكُوهُ رَغْبَةً عَنْهُ فَكُلُّ هَذَا يَحِلُّ الْتِقَاطُهُ وَيَمْلِكُهُ الْمُلْتَقِطُ وَقَدْ لَقَطَهُ الصَّالِحُونَ وَأَهْلُ الْوَرَعِ وَرَأَوْهُ مِنَ الْحَلَالِ الْمَحْضِ وَارْتَضَوْهُ لِأَكْلِهِمْ وَلِبَاسِهِمْ قَوْلُهَا (فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم

وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَدَعَانِي وَقَالَ إِخْ إِخْ لِيَحْمِلنِي خَلْفَهُ فَاسْتَحْيَيْتُ وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ) أَمَّا لَفْظَةُ إِخْ إِخْ فَهِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ لِلْبَعِيرِ لِيَبْرُكَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْإِرْدَافِ عَلَى الدَّابَّةِ إِذَا كَانَتْ مُطِيقَةً وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي مَوَاضِعِهَا وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَرَحْمَتُهُمْ وَمُوَاسَاتُهُمْ فِيمَا أَمْكَنَهُ وَفِيهِ جَوَازُ إِرْدَافِ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَيْسَتْ مَحْرَمًا إِذَا وُجِدَتْ فِي طَرِيقٍ قَدْ أَعْيَتْ لَا سِيَّمَا مَعَ جَمَاعَةِ رِجَالٍ صَالِحِينَ وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ مِثْلِ هَذَا وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا خَاصٌّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَقَدْ أَمَرَنَا بِالْمُبَاعَدَةِ مِنْ أَنْفَاسِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَكَانَتْ عَادَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم مباعدتهن ليقتدى بِهِ أُمَّتُهُ قَالَ وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ خُصُوصِيَّةً لَهُ لِكَوْنِهَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُخْتَ عَائِشَةَ وَامْرَأَةَ الزُّبَيْرِ فَكَانَتْ كَإِحْدَى أَهْلِهِ وَنِسَائِهِ مَعَ مَا خُصَّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمْلَكُ لِإِرْبِهِ وَأَمَّا إِرْدَافُ الْمَحَارِمِ فَجَائِزٌ بلاخلاف بِكُلِّ حَالٍ قَوْلُهَا (أَرْسَلَ إِلَيَّ بِخَادِمٍ) أَيْ جَارِيَةٍ تَخْدُمُنِي يُقَالُ

(باب تحريم مناجاة الاثنين دون الثالث بغير رضاه)

لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى خَادِمٌ بِلَا هَاءٍ قَوْلُهَا فِي الْفَقِيرِ الَّذِي اسْتَأْذَنَهَا فِي أَنْ يَبِيعَ فِي ظِلِّ دَارِهَا وَذَكَرْت الْحِيلَةَ فِي اسْتِرْضَاءِ الزُّبَيْرِ هَذَا فِيهِ حُسْنُ الْمُلَاطَفَةِ فِي تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَمُدَارَاةُ أَخْلَاقِ النَّاسِ فِي تَتْمِيمِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب تَحْرِيمِ مُنَاجَاةِ الِاثْنَيْنِ دُونَ الثَّالِثِ بِغَيْرِ رِضَاهُ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2183] (إِذَا كَانَ ثلاثة فلايتناجى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ) [2184] وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحْزِنَهُ قَالَ أَهْلُ اللغة يقال حزنه وأحزنه وقرىء بِهِمَا فِي السَّبْعِ وَالْمُنَاجَاةُ الْمُسَارَّةُ وَانْتَجَى الْقَوْمُ وَتَنَاجَوْا أَيْ سَارَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ النَّهْيُ عَنْ تَنَاجِي اثْنَيْنِ بِحَضْرَةِ ثَالِثٍ وَكَذَا ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ بِحَضْرَةِ وَاحِدٍ وَهُوَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ فَيَحْرُمُ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْمُنَاجَاةُ دُونَ وَاحِدٍ منهم الاأن يأذن ومذهب بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِنَا وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ النَّهْيَ عَامٌّ فِي كُلِّ الْأَزْمَانِ وَفِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّمَا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ الْمُنَاجَاةُ فِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الْخَوْفِ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ هذا الحديث منسوخ وان كان هذا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فَلَمَّا فَشَا الْإِسْلَامُ وَأَمِنَ النَّاسُ سَقَطَ النَّهْيُ وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بحضرة المؤمنين ليحزنوهم أما اذا كانو أربعة فتناجى

باب الطب والمرض والرقى

اثْنَانِ دُونَ اثْنَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِالْإِجْمَاعِ وَاللَّهُ أعلم (باب الطب والمرض والرقى) قوله [2185] (إن جبرائيل رَقَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَذَكَرَ الْأَحَادِيثَ بَعْدَهُ فِي الرُّقَى وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ لَا يَرْقُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَدْ يظن مخالفا لهذه الأحاديث ولامخالفة بَلِ الْمَدْحُ فِي تَرْكِ الرُّقَى الْمُرَادُ بِهَا الرُّقَى الَّتِي هِيَ مِنْ كَلَامِ الْكُفَّارِ وَالرُّقَى المجهولة والتى بغير العربية ومالا يُعْرَفُ مَعْنَاهَا فَهَذِهِ مَذْمُومَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّ مَعْنَاهَا كُفْرٌ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ أَوْ مَكْرُوهٌ وَأَمَّا الرقى بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة فلانهى فِيهِ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ إِنَّ الْمَدْحَ فِي ترك الرقى للأفضيلة وَبَيَانِ التَّوَكُّلِ وَالَّذِي فَعَلَ الرُّقَى وَأَذِنَ فِيهَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ مَعَ أَنَّ تَرْكَهَا أَفْضَلُ وَبِهَذَا قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَحَكَاهُ عَمَّنْ حَكَاهُ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ وَقَدْ نَقَلُوا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ الرُّقَى بِالْآيَاتِ وَأَذْكَارِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْمَازِرِيُّ جَمِيعُ الرُّقَى جَائِزَةٌ إِذَا كَانَتْ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِذِكْرِهِ وَمَنْهِيٌّ عَنْهَا إِذَا كَانَتْ بِاللُّغَةِ الْعَجَمِيَّةِ أَوْ بما لايدرى مَعْنَاهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كُفْرٌ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي رُقْيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَجَوَّزَهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَرِهَهَا مَالِكٌ خَوْفًا أَنْ يَكُونَ مِمَّا بَدَّلُوهُ وَمَنْ جَوَّزَهَا قَالَ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَمْ يُبَدِّلُوا الرُّقَى فَإِنَّهُمْ لَهُمْ غَرَضٌ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِمَّا بَدَّلُوهُ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اعْرِضُوا على رقاكم لابأس بالرقى مالم يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الأخرى يارسول اللَّهِ إِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى فَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ عنه بأجوبة أحدها كان نهى أولاثم نَسَخَ ذَلِكَ وَأَذِنَ فِيهَا وَفَعَلَهَا وَاسْتَقَرَّ الشَّرْعُ عَلَى الْإِذْنِ وَالثَّانِي أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الرُّقَى الْمَجْهُولَةِ كَمَا سَبَقَ وَالثَّالِثُ أَنَّ النَّهْيَ لِقَوْمٍ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ مَنْفَعَتَهَا وَتَأْثِيرَهَا بِطَبْعِهَا كَمَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَزْعُمُهُ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ أَمَّا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ لَمْ يُرِدْ بِهِ حَصْرَ الرُّقْيَةِ الْجَائِزَةِ فِيهِمَا وَمَنْعَهَا فِيمَا عداهما وانما المراد لارقية أَحَقُّ وَأَوْلَى مَنْ رُقْيَةِ الْعَيْنِ وَالْحُمَّةِ لِشِدَّةِ الضَّرَرِ فِيهِمَا قَالَ الْقَاضِي وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ سُئِلَ عَنِ النَّشْرَةِ فَأَضَافَهَا إِلَى الشَّيْطَانِ قَالَ وَالنَّشْرَةُ

مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ عِنْدَ أَهْلِ التَّعْزِيمِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَنْشُرُ عَنْ صَاحِبِهَا أَيْ تُخَلِّي عَنْهُ وَقَالَ الْحَسَنُ هِيَ مِنَ السَّحَرِ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا أَشْيَاءُ خَارِجَةٌ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَذْكَارِهِ وَعَنِ الْمُدَاوَاةِ الْمَعْرُوفَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ الْمُبَاحِ وَقَدِ اخْتَارَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ هَذَا فَكَرِهَ حَلَّ الْمَعْقُودِ عَنِ امْرَأَتِهِ وَقَدْ حَكَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ بِهِ طِبٌّ أَيْ ضَرْبٌ مِنَ الْجُنُونِ أَوْ يُؤْخَذُ عَنِ امْرَأَتِهِ أَيُخَلَّى عَنْهُ أَوْ يُنْشَرُ قال لابأس بِهِ إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ الصَّلَاحَ فَلَمْ يَنْهَ عَمَّا يَنْفَعُ وَمِمَّنْ أَجَازَ النَّشْرَةَ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ الصحيح قال كثيرون أو الأكثرون يجوز الاسترقاءللصحيح لِمَا يَخَافُ أَنْ يَغْشَاهُ مِنَ الْمَكْرُوهَاتِ وَالْهَوَامِّ وَدَلِيلُهُ أَحَادِيثُ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ تَفَلَ فِي كَفِّهِ ويقرأ قل هوالله أَحَدٌ وَالْمُعَوِذِّتَيْنِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهَا وَجْهَهُ وَمَا بَلَغَتْ يَدَهُ مِنْ جَسَدِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ [2186] (بسم اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ) هَذَا تصريح بالرقى بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ تَوْكِيدُ الرُّقْيَةِ وَالدُّعَاءِ وَتَكْرِيرُهُ وَقَوْلُهُ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْسِ نَفْسُ الْآدَمِيِّ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْعَيْنُ فَإِنَّ النَّفْسَ تُطْلَقُ عَلَى الْعَيْنِ وَيُقَالُ رَجُلٌ نَفُوسٌ إِذَا كان يصيب الناس بعبنه كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ وَيَكُونُ قَوْلُهُ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ مِنْ بَابِ التَّوْكِيدِ بِلَفْظٍ مُخْتَلِفٍ أَوْ شَكًّا مِنَ الرَّاوِي فِي لَفْظِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2187] [2188] (الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ وَإِذَا استغلتم فاغسلوا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ أَخَذَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالُوا الْعَيْنُ حَقٌّ وَأَنْكَرَهُ طَوَائِفُ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ أَنَّ كُلَّ مَعْنًى لَيْسَ مُخَالِفًا فى نفسه ولايؤدى إلى قلب حقيقة ولاإفساد دَلِيلٍ فَإِنَّهُ مِنْ مُجَوِّزَاتِ الْعُقُولِ إِذَا أَخْبَرَ الشرع بوقوعه وجب اعتقاده ولايجوز تَكْذِيبُهُ وَهَلْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ تَكْذِيبِهِمْ بِهَذَا وتكذيبهم بما يخبر بِهِ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ قَالَ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الطَّبَائِعِيِّينَ مِنَ الْمُثَبِّتِينَ لِلْعَيْنِ أَنَّ الْعَائِنَ تَنْبَعِثُ مِنْ عَيْنِهِ قُوَّةٌ سُمِّيَّةٌ تَتَّصِلُ بِالْعَيْنِ فيهلك أو يفسد قالوا ولايمتنع هذا كما لايمتنع انْبِعَاثُ قُوَّةٍ سُمِّيَّةٍ مِنَ الْأَفْعَى وَالْعَقْرَبِ تَتَّصِلُ بِاللَّدِيغِ فَيَهْلَكُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحْسُوسٍ لَنَا فَكَذَا الْعَيْنُ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَهَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّا بَيَّنَّا فِي كُتُبِ عِلْمِ الْكَلَامِ أَنَّ لافاعل إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَبَيَّنَّا فَسَادَ الْقَوْلِ بِالطَّبَائِعِ وبينا أن المحدث لايفعل فِي غَيْرِهِ شَيْئًا وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا بَطَلَ مَا قَالُوهُ ثُمَّ نَقُولُ هَذَا الْمُنْبَعِثُ مِنَ الْعَيْنِ إِمَّا جَوْهَرٌ وَإِمَّا عَرَضٌ فَبَاطِلٌ أَنْ يكون عرضا لأنه لايقبل الِانْتِقَالَ وَبَاطِلٌ أَنْ يَكُونَ جَوْهَرًا لِأَنَّ الْجَوَاهِرَ مُتَجَانِسَةٌ فَلَيْسَ بَعْضُهَا بِأَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا لِبَعْضِهَا بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ قَالَ وَأَقْرَبُ طَرِيقَةٍ قَالَهَا مَنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامُ مِنْهُمْ أن قالوا لايبعد أَنْ تَنْبَعِثَ جَوَاهِرُ لَطِيفَةٌ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ مِنَ الْعَيْنِ فَتَتَّصِلُ بِالْمَعِينِ وَتَتَخَلَّلُ مَسَامَّ جِسْمِهِ فَيَخْلُقُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْهَلَاكَ عِنْدَهَا كَمَا يَخْلُقُ الْهَلَاكَ عِنْدَ شُرْبِ السُّمِّ عَادَةً أَجْرَاهَا اللَّهُ تعالى وليست ضرورة ولاطبيعة أَلْجَأَ الْعَقْلُ إِلَيْهَا وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْعَيْنَ إِنَّمَا تَفْسُدُ وَتَهْلَكُ عِنْدَ نَظَرِ الْعَائِنِ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَجْرَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعَادَةَ أَنْ يَخْلُقَ الضَّرَرَ عِنْدَ مُقَابَلَةِ هَذَا الشخص لشخص

آخر وهل ثم جواهر خفية أم لاهذا من مجوزات العقول لايقطع فِيهِ بِوَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ وَإِنَّمَا يُقْطَعُ بِنَفْيِ الْفِعْلِ عَنْهَا وَبِإِضَافَتِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ قَطَعَ مِنْ أَطِبَّاءِ الْإِسْلَامِ بِانْبِعَاثِ الْجَوَاهِرِ فَقَدْ أخطأفى قطعه وانما هو من الجائزات هذا مايتعلق بعلم الأصول أما مايتعلق بِعِلْمِ الْفِقْهِ فَإِنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْوُضُوءِ لِهَذَا الْأَمْرِ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ لَمَّا أُصِيبَ بِالْعَيْنِ عِنْدَ اغْتِسَالِهِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِنَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَصِفَةُ وُضُوءِ الْعَائِنِ عِنْدَ العلماء أن يؤتى بقدح ماء ولايوضع الْقَدَحُ فِي الْأَرْضِ فَيَأْخُذَ مِنْهُ غَرْفَةً فَيَتَمَضْمَضُ بِهَا ثُمَّ يَمُجَّهَا فِي الْقَدَحِ ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْهُ مَاءً يَغْسِلُ وَجْهَهُ ثُمَّ يَأْخُذُ بِشِمَالِهِ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ كَفَّهُ الْيُمْنَى ثُمَّ بِيَمِينِهِ ماء يغسل به مرفقه الأيسر ولايغسل مَا بَيْنَ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَهُ اليمنى ثم اليسرى على الصفةالمتقدمة وَكُلُّ ذَلِكَ فِي الْقَدَحِ ثُمَّ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ وَهُوَ الطَّرَفُ الْمُتَدَلِّي الَّذِي يَلِي حِقْوَهُ الْأَيْمَنَ وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ دَاخِلَةَ الْإِزَارِ كِنَايَةٌ عن الفرج وجمهور العلماء على ماقدمناه فَإِذَا اسْتَكْمَلَ هَذَا صَبَّهُ مِنْ خَلْفِهِ عَلَى رأسه وهذا المعنى لايمكن تَعْلِيلُهُ وَمَعْرِفَةُ وَجْهِهِ وَلَيْسَ فِي قُوَّةِ الْعَقْلِ الاطلاع على أسرار جميع المعلومات فلايدفع هذا بأن لايعقد مَعْنَاهُ قَالَ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْعَائِنُ هَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْوُضُوءِ لِلْمَعِينِ أَمْ لَا وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هَذِهِ وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا وَبِرِوَايَةِ الْمُوَطَّأِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِالْوُضُوءِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَالصَّحِيحُ عِنْدِي الْوُجُوبُ وَيَبْعُدُ الْخِلَافُ فِيهِ إِذَا خَشِيَ عَلَى الْمَعِينِ الْهَلَاكِ وَكَانَ وُضُوءُ الْعَائِنِ مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ بِالْبُرْءِ بِهِ أَوْ كَانَ الشَّرْعُ أَخْبَرَ بِهِ خَبَرًا عَامًّا ولم يكن زوال الهلاك إلابوضوء الْعَائِنِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مِنْ بَابِ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إِحْيَاءُ نَفْسٍ مُشْرِفَةٍ عَلَى الْهَلَاكِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَذْلِ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ فَهَذَا أَوْلَى وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ فِيهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ الْمَازِرِيِّ الَّذِي حَكَيْتُهُ بَقِيَ مِنْ تَفْسِيرِ هَذَا الْغُسْلِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَمَا فَسَّرَهُ بِهِ الزُّهْرِيُّ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَدْرَكَ الْعُلَمَاءَ يَصِفُونَهُ وَاسْتَحْسَنَهُ عُلَمَاؤُنَا وَمَضَى بِهِ الْعَمَلُ أَنَّ غُسْلَ الْعَائِنِ وَجْهَهَ إِنَّمَا هُوَ صَبُّهُ وَأَخْذُهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَكَذَلِكَ بَاقِي أَعْضَائِهِ إِنَّمَا هُوَ صَبُّهُ صَبَّةً عَلَى ذَلِكَ الْوُضُوءِ فِي الْقَدَحِ لَيْسَ عَلَى صِفَةِ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ غَسْلُ دَاخِلَةِ الْإِزَارِ إِنَّمَا هُوَ إِدْخَالُهُ وَغَمْسُهُ فِي الْقَدَحِ ثُمَّ يَقُومُ الَّذِي فِي يَدِهِ الْقَدْحُ فَيَصُبُّهُ عَلَى رَأْسِ الْمَعِينِ مِنْ وَرَائِهِ عَلَى جَمِيعِ جَسَدِهِ ثم يكفأ القدح وراءه على ظ هر الْأَرْضِ وَقِيلَ يَسْتَغْفِلُهُ

بذلك عند صبه عليه هذه رواية بن أبى ذئب وقد جاء عن بن شِهَابٍ مِنْ رِوَايَةِ عُقَيْلٍ مِثْلُ هَذَا إِلَّا أَنَّ فِيهِ الِابْتِدَاءَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ قَبْلَ الْمَضْمَضَةِ وفيه فى غسل القدمين أنه لايغسل جميعهما وَإِنَّمَا قَالَ ثُمَّ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي طَرَفِ قَدَمِهِ الْيُمْنَى مِنْ عِنْدِ أُصُولِ أَصَابِعِهِ وَالْيُسْرَى كَذَلِكَ وَدَاخِلَةُ الْإِزَارِ هُنَا الْمِئْزَرُ وَالْمُرَادُ بِدَاخِلَتِهِ مَا يَلِي الْجَسَدَ مِنْهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ مَوْضِعُهُ مِنَ الْجَسَدِ وَقِيلَ الْمُرَادُ مَذَاكِيرُهُ كَمَا يُقَالُ عَفِيفُ الْإِزَارِ أَيِ الْفَرْجِ وَقِيلَ الْمُرَادُ وَرِكُهُ إِذْ هُوَ مَعْقِدُ الْإِزَارِ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي صِفَتِهِ أَنَّهُ قَالَ لِلْعَائِنِ اغْتَسِلْ لَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ وَفِي رِوَايَةٍ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَغَسَلَ صَدْرَهُ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ قَدَمَيْهِ ظَاهِرَهُمَا فِي الْإِنَاءِ قَالَ وَحَسِبَتْهُ قَالَ وَأَمَرَ فَحَسَا مِنْهُ حَسَوَاتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَنْبَغِي إِذَا عُرِفَ أَحَدٌ بِالْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ أَنْ يُجْتَنَبَ وَيُتَحَرَّزَ مِنْهُ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مَنْعُهُ مِنْ مُدَاخَلَةِ النَّاسِ وَيَأْمُرَهُ بِلُزُومِ بَيْتِهِ فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا رَزَقَهُ مَا يَكْفِيهِ وَيَكُفُّ أَذَاهُ عَنِ النَّاسِ فَضَرَرُهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ آكِلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ الَّذِي مَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يُؤْذِي الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ ضَرَرِ الْمَجْذُومِ الَّذِي مَنَعَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْعُلَمَاءُ بَعْدَهُ الِاخْتِلَاطَ بِالنَّاسِ وَمِنْ ضَرَرِ الْمُؤْذِيَاتِ مِنَ الْمَوَاشِي الَّتِي يُؤْمَرُ بِتَغْرِيبِهَا إِلَى حَيْثُ لايتأذى بِهِ أَحَدٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ صحيح متعين ولايعرف عَنْ غَيْرِهِ تَصْرِيحٌ بِخِلَافِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ النَّشْرَةِ وَالتَّطَبُّبِ بِهَا وَسَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ [2188] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ وَأَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ أَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَكْسُورَةِ وَبِالرَّاءِ وَبِالشِّينِ المعجمة وهو الصواب ولاخلاف فِيهِ فِي شَيْءٍ مِنَ النُّسَخِ وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ قِيلَ إِنَّهُ وَهْمٌ وَصَوَابُهُ أَحْمَدُ بْنُ جَوَّاسٍ بِفَتْحِ الْجِيمٍ وَبِوَاوٍ مُشَدَّدَةٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ هَذَا كَلَامُ القاضي وهو غلط فاحش ولاخلاف أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي مُسْلِمٍ إِنَّمَا هُوَ بِالْخَاءِ المعجمة والراء والشين المعجمة كما سبق وهوالراوى عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورِ فِي صَحِيحِ مسلم هنا وأما بن جَوَّاسٍ بِالْجِيمِ فَهُوَ أَبُو عَاصِمٍ الْحَنَفِيُّ الْكُوفِيُّ رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا فِي غَيْرِ هَذَا الموضع ولكنه لايروى عن مسلم بن ابراهيم ولاهو الْمُرَادُ هُنَا قَطْعًا وَكَانَ سَبَبُ غَلَطِ مَنْ غلط كون

(باب السحر)

أَحْمَدَ بْنِ خِرَاشٍ وَقَعَ مَنْسُوبًا إِلَى جَدِّهِ كَمَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ) فِيهِ إِثْبَاتُ الْقَدَرِ وَهُوَ حَقٌّ بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَقَعُ إِلَّا عَلَى حَسَبِ مَا قدرها الله تعالى وسبق بها علمه فلايقع ضرر العين ولاغيره من الخير والشر إلابقدر اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ صِحَّةُ أَمْرِ الْعَيْنِ وَأَنَّهَا قَوِيَّةُ الضَّرَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب السِّحْرِ) قَوْلُهُ [2189] (مِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ) بِتَقْدِيمِ الزَّايِ قَوْلُهُ (سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيٌّ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشيء ومايفعله) قَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَجُمْهُورِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ عَلَى إِثْبَاتِ السِّحْرِ وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياءالثابتة خِلَافًا لِمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَنَفَى حَقِيقَتَهُ وَأَضَافَ ما يقع منه إلى خيالات باطلة لاحقائق لَهَا وَقَدْ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ وذكر أنه مما يتعلم وذكر مافيه إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ مِمَّا يُكَفَّرُ بِهِ وَأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنُ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَهَذَا كُلُّهُ لَا يمكن فيما لاحقيقة لَهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا مُصَرِّحٌ بِإِثْبَاتِهِ وَأَنَّهُ أَشْيَاءُ دُفِنَتْ وَأُخْرِجَتْ وَهَذَا كُلُّهُ يُبْطِلُ مَا قَالُوهُ فَإِحَالَةُ كَوْنِهِ مِنَ الْحَقَائِقِ مُحَالٌ وَلَا يُسْتَنْكَرُ فِي الْعَقْلِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَخْرِقُ الْعَادَةَ عِنْدَ النُّطْقِ بِكَلَامٍ مُلَفَّقٍ أَوْ تَرْكِيبِ أَجْسَامٍ أَوِ الْمَزْجِ بَيْنَ قُوًى عَلَى تَرْتِيبٍ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا السَّاحِرُ وَإِذَا شَاهَدَ الْإِنْسَانُ بَعْضَ الْأَجْسَامِ مِنْهَا قَاتِلَةٌ كَالسَّمُومِ وَمِنْهَا مُسْقِمَةٌ كَالْأَدْوِيَةِ الْحَادَّةِ وَمِنْهَا مُضِرَّةٌ كَالْأَدْوِيَةِ الْمُضَادَّةِ للمرض لم يستبعد عقله أن ينفر د السَّاحِرُ بِعِلْمِ قُوًى قَتَّالَةٍ أَوْ كَلَامٍ مُهْلِكٍ أَوْ مُؤَدٍّ إِلَى التَّفْرِقَةِ قَالَ وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ هَذَا الْحَدِيثَ بِسَبَبٍ آخَرَ فَزَعَمَ أَنَّهُ يَحُطُّ مَنْصِبَ النُّبُوَّةِ وَيُشَكِّكُ فِيهَا وَأَنَّ تجويزه يمنع الثقة بالشرع وهذا

الَّذِي ادَّعَاهُ هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعَةُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الدَّلَائِلَ الْقَطْعِيَّةَ قَدْ قَامَتْ عَلَى صِدْقِهِ وَصِحَّتِهِ وَعِصْمَتِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّبْلِيغِ وَالْمُعْجِزَةِ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ وَتَجْوِيزُ مَا قَامَ الدَّلِيلُ بِخِلَافِهِ بَاطِلٌ فَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِ أُمُورِ الدُّنْيَا الَّتِي لَمْ يُبْعَثْ بِسَبَبِهَا وَلَا كَانَ مُفَضَّلًا مِنْ أَجْلِهَا وَهُوَ مِمَّا يَعْرِضُ لِلْبَشَرِ فَغَيْرُ بَعِيدٍ أَنْ يُخَيَّلَ إِلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مَا لَا حَقِيقَةَ له وقد قيل انه إنما كان يتخيل إليه أنه وطىء زَوْجَاتِهِ وَلَيْسَ بِوَاطِئٍ وَقَدْ يَتَخَيَّلُ الْإِنْسَانُ مِثْلَ هذا فى المنام فلايبعد تخيله فى اليقظة ولاحقيقة لَهُ وَقِيلَ إِنَّهُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَهُ وما فعله ولكن لايعتقد صِحَّةَ مَا يَتَخَيَّلُهُ فَتَكُونُ اعْتِقَادَاتُهُ عَلَى السَّدَادِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَدْ جَاءَتْ رِوَايَاتُ هَذَا الْحَدِيثِ مُبَيِّنَةً أَنَّ السِّحْرَ إِنَّمَا تَسَلَّطَ عَلَى جَسَدِهِ وَظَوَاهِرِ جَوَارِحِهِ لَا عَلَى عَقْلِهِ وَقَلْبِهِ واعتقاده ويكون معنى قوله فى الحديث حتىيظن أنه يأتى أهله ولايأتيهن وَيُرْوَى يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَيْ يَظْهَرُ لَهُ مِنْ نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن فاذا دنى مِنْهُنَّ أَخَذَتْهُ أَخْذَةُ السِّحْرِ فَلَمْ يَأْتِهِنَّ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَعْتَرِي الْمَسْحُورَ وَكُلُّ مَا جَاءَ فِي الرِّوَايَاتِ مِنْ أَنَّهُ يُخَيَّلُ إليه فعل شيء لم يفعله ونحوه فمحمول على التخيل بالبصر لالخلل تَطَرَّقَ إِلَى الْعَقْلِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يدخل لبسا على الرسالة ولاطعنا لِأَهْلِ الضَّلَالَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ السِّحْرُ ولهم فيه اضطراب فقال بعضهم لايزيد تَأْثِيرُهُ عَلَى قَدْرِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِمَا يَكُونُ عِنْدَهُ وَتَهْوِيلًا بِهِ فِي حَقِّنَا فَلَوْ وَقَعَ بِهِ أَعْظَمُ مِنْهُ لَذَكَرَهُ لِأَنَّ المثل لايضرب عِنْدَ الْمُبَالَغَةِ إِلَّا بِأَعْلَى أَحْوَالِ الْمَذْكُورِ قَالَ وَمَذْهَبُ الْأَشْعَرِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عقلا لأنه لافاعل إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَمَا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ فهو عادة أجراها الله تعالى ولاتفترق الْأَفْعَالُ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ بَعْضُهَا بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ وَلَوْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِقُصُورِهِ عَنْ مَرْتَبَةٍ لوجب المصير إليه ولكن لايوجد شَرْعٌ قَاطِعٌ يُوجِبُ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَائِلُ الْأَوَّلُ وَذِكْرُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْآيَةِ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي مَنْعِ الزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا النظر فى أنه ظاهر أم لاقال فَإِنْ قِيلَ إِذَا جَوَّزَتِ الْأَشْعَرِيَّةُ خَرْقَ الْعَادَةِ عَلَى يَدِ السَّاحِرِ فَبِمَاذَا يَتَمَيَّزُ عَنِ النَّبِيِّ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَادَةَ تَنْخَرِقُ عَلَى يَدِ النَّبِيِّ وَالْوَلِيِّ وَالسَّاحِرِ لَكِنَّ النَّبِيَّ يَتَحَدَّى بِهَا الْخَلْقَ ويستعجزهم عن مثلها ويخبر عنالله تَعَالَى بِخَرْقِ الْعَادَةِ بِهَا لِتَصْدِيقِهِ فَلَوْ كَانَ كَاذِبًا لَمْ تَنْخَرِقِ الْعَادَةُ عَلَى يَدَيْهِ وَلَوْ خَرَقَهَا اللَّهُ عَلَى يَدِ كَاذِبٍ لَخَرَقَهَا عَلَى يَدِ الْمُعَارِضِينَ لِلْأَنْبِيَاءِ وَأَمَّا الْوَلِيُّ وَالسَّاحِرُ فَلَا يَتَحَدَّيَانِ الْخَلْقَ وَلَا يَسْتَدِلَّانِ عَلَى نُبُوَّةٍ وَلَوِ ادَّعَيَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَنْخَرِقِ الْعَادَةُ

لهما وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالسَّاحِرِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ السحر لايظهر الا على فاسق والكرامة لاتظهر عَلَى فَاسِقٍ وَإِنَّمَا تَظْهَرُ عَلَى وَلِيٍّ وَبِهَذَا جَزَمَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَبُو سَعْدٍ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا وَالثَّانِي أَنَّ السِّحْرَ قَدْ يَكُونُ نَاشِئًا بِفِعْلِهَا وبمزجها ومعاناة وعلاج والكرامة لاتفتقر إِلَى ذَلِكَ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ يَقَعُ ذَلِكَ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَدْعِيَهُ أَوْ يَشْعُرَ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ مِنْ فُرُوعِ الْفِقْهِ فَعَمَلُ السِّحْرِ حَرَامٌ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّهُ مِنَ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ وَسَبَقَ هُنَاكَ شَرْحُهُ وَمُخْتَصَرُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ كفرا وقد لايكون كُفْرًا بَلْ مَعْصِيَتُهُ كَبِيرَةٌ فَإِنْ كَانَ فِيهِ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَقْتَضِي الْكُفْرَ كَفَرَ وَإِلَّا فَلَا وَأَمَّا تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ فَحَرَامٌ فَإِنْ تَضَمَّنَ مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ كَفَرَ وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ عُزِّرَ وَاسْتُتِيبَ مِنْهُ وَلَا يُقْتَلُ عِنْدَنَا فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَقَالَ مَالِكٌ السَّاحِرُ كَافِرٌ يُقْتَلُ بِالسِّحْرِ وَلَا يُسْتَتَابُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بَلْ يتحتم قتله والمسئلة مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ لِأَنَّ السَّاحِرَ عِنْدَهُ كَافِرٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَنَا لَيْسَ بِكَافِرٍ وَعِنْدَنَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الْمُنَافِقِ وَالزِّنْدِيقِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَبِقَوْلِ مَالِكٍ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قَتَلَ السَّاحِرُ بِسِحْرِهِ إِنْسَانًا وَاعْتَرَفَ أَنَّهُ مَاتَ بِسِحْرِهِ وَأَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَإِنْ قَالَ مَاتَ به ولكنه قد يقتل وقد لافلا قِصَاصَ وَتَجِبُ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَتَكُونُ الدِّيَةُ فِي ماله لاعلى عاقلته لأن العاقلة لاتحمل ما ثبت باعتراف الجانى قال أصحابنا ولايتصور الْقَتْلُ بِالسِّحْرِ بِالْبَيِّنَةِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ بِاعْتِرَافِ السَّاحِرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دَعَا ثُمَّ دَعَا) هَذَا دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ عِنْدَ حُصُولِ الْأُمُورِ الْمَكْرُوهَاتِ وَتَكْرِيرِهِ وَحُسْنِ الِالْتِجَاءِ إِلَى اللَّهِ

تعالى قوله (ماوجع الرَّجُلِ قَالَ مَطْبُوبٌ) الْمَطْبُوبُ الْمَسْحُورُ يُقَالُ طُبَّ الرَّجُلُ إِذَا سُحِرَ فَكَنَوْا بِالطِّبِّ عَنِ السِّحْرِ كما كنوا بالسليم عن اللديغ قال بن الأنبارى الطب منالأضداد يُقَالُ لِعِلَاجِ الدَّاءِ طِبٌّ وَلِلسِّحْرِ طِبٌّ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَدْوَاءِ وَرَجُلٌ طَبِيبٌ أَيْ حَاذِقٌ سُمِّيَ طَبِيبًا لِحِذْقِهِ وَفِطْنَتِهِ قَوْلُهُ (فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُبِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ) أَمَّا الْمُشَاطَةُ فَبِضَمِّ الميموهى الشَّعْرُ الَّذِي يَسْقُطُ مِنَ الرَّأْسِ أَوِ اللِّحْيَةِ عند تسريحه وأما المشطففيه لُغَاتٌ مُشْطٌ وَمُشُطٌ بِضَمِّ الْمِيمِ فِيهِمَا وَإِسْكَانِ الشِّينِ وَضَمِّهَا وَمِشْطٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ وَمُمَشِّطٌ وَيُقَالُ لَهُ مَشْطَأٌ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ وَمَشْطَاءُ ممدود وممكد ومرجل وقليم بِفَتْحِ الْقَافِ حَكَاهُنَّ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَجُبِّ هَكَذَا فِي أَكْثَرِ نُسَخِ بِلَادِنَا جُبِّ بِالْجِيمِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي بَعْضِهَا جُفِّ بِالْجِيمِ وَالْفَاءِ وَهُمَا بِمَعْنًى وَهُوَ وِعَاءُ طَلْعِ النَّخْلِ وَهُوَ الْغِشَاءُ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ وَيُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَلِهَذَا قَيَّدَهُ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ طَلْعَةِ ذَكَرٍ وَهُوَ بِإِضَافَةِ طَلْعَةٍ إِلَى ذَكَرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ رواية بن عُيَيْنَةَ وَمُشَاقَةٌ بِالْقَافِ بَدَلُ مُشَاطَةٍ وَهِيَ الْمُشَاطَةُ أَيْضًا وَقِيلَ مُشَاقَةُ الْكَتَّانُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (فى بئرذى أَرْوَانَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ ذِي أَرْوَانَ وَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ البخارىوفى مُعْظَمِهَا ذَرْوَانَ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ وَأَصَحُّ وادعى بن قُتَيْبَةَ أَنَّهُ الصَّوَابُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَصْمَعِيُّ وَهُوَ بِئْرٌ بِالْمَدِينَةِ فِي بُسْتَانِ بَنِي زُرَيْقٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ) النُّقَاعَةُ بِضَمِّ النُّونَ الْمَاءِ الَّذِي يُنْقَعُ فِيهِ الْحِنَّاءُ وَالْحِنَّاءُ مَمْدُودٌ قَوْلُهَا (فَقُلْتُ يارسول اللَّهِ أَفَلَا أَحْرَقْتَهُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قُلْتُ يارسول اللَّهِ فَأَخْرِجْهُ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَطَلَبَتْ أَنَّهُ يُخْرِجُهُ ثُمَّ يُحْرِقُهُ وَالْمُرَادُ إِخْرَاجُ السِّحْرِ فَدَفَنَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَافَاهُ وَأَنَّهُ يَخَافُ

(باب السم)

مِنْ إِخْرَاجِهِ وَإِحْرَاقِهِ وَإِشَاعَةِ هَذَا ضَرَرًا وَشَرًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ تَذَكُّرِ السِّحْرِ أَوْ تَعَلُّمِهِ وَشُيُوعِهِ وَالْحَدِيثُ فِيهِ أَوْ إِيذَاءُ فَاعِلِهِ فَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ أَوْ يَحْمِلُ بَعْضَ أَهْلِهِ وَمُحِبِّيهِ وَالْمُتَعَصِّبِينَ لَهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَغَيْرِهِمْ عَلَى سِحْرِ النَّاسِ وَأَذَاهُمْ وَانْتِصَابِهِمْ لِمُنَاكَدَةِ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ هَذَا مِنْ بَابِ تَرْكِ مَصْلَحَةٍ لِخَوْفِ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْهَا وَهُوَ مِنْ أَهَمِّ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ مَرَّاتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب السُّمِّ) قَوْلُهُ [2190] (إِنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَاكَ قَالَتْ أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ قَالَ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكَ قَالَ أَوْ قَالَ عَلَيَّ قَالُوا أَلَا نَقْتُلُهَا قَالَ لَا قَالَ فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى جَعَلَتْ سُمًّا فِي لَحْمٍ أَمَّا السُّمُّ فَبِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْفَتْحُ أَفْصَحُ جَمْعُهُ سِمَامٌ وَسُمُومٌ وَأَمَّا اللَّهَوَاتُ فَبِفَتْحِ اللَّامِ وَالْهَاءِ جَمْعُ لهات بِفَتْحِ اللَّامِ وَهِيَ اللَّحْمَةُ الْحَمْرَاءُ الْمُعَلَّقَةُ فِي أَصْلِ الْحَنَكِ قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَقِيلَ اللَّحْمَاتُ اللَّوَاتِي فى سقف أقصى الفم وقوله مازلت أَعْرِفُهَا أَيِ الْعَلَامَةَ كَأَنَّهُ بَقِيَ لِلسُّمِّ عَلَامَةٌ وأثر من سواد أو غيره وقولهم ألانقتلها هِيَ بِالنُّونِ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بِتَاءِ الْخِطَابِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماكان اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكَ أَوْ قَالَ عَلَيَّ فِيهِ بَيَانُ عِصْمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ وَاللَّهُ يعصمك من الناس وهي معجزة لسول الله صلى الله عليه وسلم وَهِيَ مُعْجِزَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَلَامَتِهِ مِنَ السُّمِّ الْمُهْلِكِ لِغَيْرِهِ وَفِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِأَنَّهَا مَسْمُومَةٌ وَكَلَامِ عُضْوٍ مِنْهُ لَهُ فَقَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الذِّرَاعَ تُخْبِرُنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ الْيَهُودِيَّةُ الْفَاعِلَةُ لِلسُّمِّ اسْمُهَا زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ أُخْتُ مَرْحَبٍ الْيَهُودِيِّ رَوَيْنَا تَسْمِيَتَهَا هَذِهِ فِي مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَدَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَاخْتَلَفَ الْآثَارُ وَالْعُلَمَاءُ هَلْ قَتَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم لافوقع فى صحيح مسلم أنهم قالوا ألانقتلها قال لاومثله عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَعَنْ جَابِرٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قتلها وفى رواية بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَهَا إِلَى أَوْلِيَاءِ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ وَكَانَ أَكَلَ مِنْهَا فَمَاتَ بِهَا فَقَتَلُوهَا وَقَالَ بن سَحْنُونٍ أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَهَا قَالَ الْقَاضِي وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَالْأَقَاوِيلِ أَنَّهُ لم يقتلها أولاحين اطَّلَعَ عَلَى سُمِّهَا وَقِيلَ لَهُ اقْتُلْهَا فَقَالَ لَا فَلَمَّا مَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ مِنْ ذلك سلمها لأوليائه فقتلوها قصاصا فيصح قَوْلُهُمْ لَمْ يَقْتُلْهَا أَيْ فِي الْحَالِ وَيَصِحُّ قَوْلُهُمْ قَتَلَهَا أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

باب استحباب رقية المريض

(باب استحباب رقية المريض) ذَكَرَ فِي الْبَابِ الْأَحَادِيثَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْقِي الْمَرِيضَ وَقَدْ سَبَقَتِ المسأ لة مُسْتَوْفَاةً فِي الْبَابِ السَّابِقِ فِي أَوَّلِ الطِّبِّ قَوْلُهَا [2191] (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اشْتَكَى مِنَّا إِنْسَانٌ مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ أَذْهِبِ الْبَاسَ إِلَى آخِرِهِ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ مَسْحِ الْمَرِيضِ بِالْيَمِينِ وَالدُّعَاءِ لَهُ وَقَدْ جَاءَتْ فِيهِ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ جَمَعْتُهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَهَذَا الْمَذْكُورُ هُنَا مِنْ أَحْسَنِهَا ومعنى

لايغادر سقما أى لايترك وَالسَّقَمُ بِضَمِّ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَبِفَتْحِهِمَا لُغَتَانِ قَوْلُهَا (كَانَ رَسُولُ

[2192] اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ) هِيَ بكسر الواو والنفث نفخ لطيف بلاريق فِيهِ اسْتِحْبَابُ النَّفْثِ فِي الرُّقْيَةِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ وَاسْتَحَبَّهُ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ قَالَ الْقَاضِي وَأَنْكَرَ جَمَاعَةٌ النَّفْثَ وَالتَّفْلَ فِي الرُّقَى وَأَجَازُوا فِيهَا النَّفْخَ بِلَا رِيقٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَالْفَرْقُ إِنَّمَا يَجِيءُ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ قِيلَ إِنَّ النَّفْثَ مَعَهُ رِيقٌ قَالَ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي النَّفْثِ وَالتَّفْلِ فَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَلَا يَكُونَانِ إِلَّا بِرِيقٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ يُشْتَرَطُ فِي التَّفْلِ رِيقٌ يسير ولايكون فِي النَّفْثِ وَقِيلَ عَكْسُهُ قَالَ وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ نَفْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّقْيَةِ فَقَالَتْ كَمَا يَنْفُثُ آكِلُ الزَّبِيبِ لا ريقمعه قال ولااعتبار بما يخرج عليه من بلة ولايقصد ذلك وقد جاء فىحديث الَّذِي رَقَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَجَعَلَ يَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفُلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي وَفَائِدَةُ التَّفْلِ التَّبَرُّكُ بِتِلْكَ الرُّطُوبَةِ وَالْهَوَاءِ وَالنَّفَسِ الْمُبَاشِرَةِ لِلرُّقْيَةِ وَالذِّكْرُ الْحَسَنُ لَكِنْ قَالَ كَمَا يُتَبَرَّكُ بِغُسَالَةِ مَا يُكْتَبُ مِنَ الذِّكْرِ وَالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَكَانَ مَالِكٌ يَنْفُثُ إِذَا رَقَى نَفْسَهُ وَكَانَ يَكْرَهُ الرُّقْيَةَ بِالْحَدِيدَةِ وَالْمِلْحِ وَالَّذِي يَعْقِدُ وَالَّذِي يَكْتُبُ خاتم

سُلَيْمَانَ وَالْعَقْدُ عِنْدَهُ أَشَدُّ كَرَاهَةً لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُشَابَهَةِ السِّحْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الرُّقْيَةِ بِالْقُرْآنِ وَبِالْأَذْكَارِ وَإِنَّمَا رَقَى بِالْمُعَوِّذَاتِ لِأَنَّهُنَّ جَامِعَاتٌ لِلِاسْتِعَاذَةِ مِنْ كُلِّ الْمَكْرُوهَاتِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا فَفِيهَا الِاسْتِعَاذَةُ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ وَمِنْ شر النفاثات فى العقد ومن السواحر ومن شرالحاسدين وَمِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (رَخَّصَ فِي الرُّقْيَةِ مِنْ كُلِّ ذِي حُمَّةٍ) هِيَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ مِيمٍ مُخَفَّفَةٍ وَهِيَ السُّمُّ وَمَعْنَاهُ أَذِنَ فِي الرُّقْيَةِ مِنْ كُلِّ ذَاتِ سُمٍّ قَوْلُهَا (قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُصْبُعِهِ هَكَذَا وَوَضَعَ سُفْيَانُ سبابته

(باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة)

بِالْأَرْضِ ثُمَّ رَفَعَهَا بِاسْمِ اللَّهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا لِيُشْفَى بِهِ سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا) قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ الْمُرَادُ بِأَرْضِنَا هُنَا جُمْلَةُ الْأَرْضِ وَقِيلَ أَرْضُ الْمَدِينَةِ خَاصَّةً لِبَرَكَتِهَا وَالرِّيقَةُ أَقَلُّ مِنَ الرِّيقِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ رِيقِ نَفْسِهِ عَلَى أُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَى التُّرَابِ فَيَعْلَقُ بِهَا مِنْهُ شَيْءٌ فَيَمْسَحُ بِهِ عَلَى الْمَوْضِعِ الْجَرِيحِ أَوِ الْعَلِيلِ وَيَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ فِي حَالِ الْمَسْحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رُقْيَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ الْمُسْلِمَ وَبِالْجَوَازِ قَالَ الشَّافِعِيُّ (بَابُ اسْتِحْبَابِ الرُّقَيْةِ مِنَ الْعَيْنِ وَالنَّمْلَةِ وَالْحُمَّةِ وَالنَّظْرَةِ) [2193] أَمَّا الْحُمَّةُ فَسَبَقَ بَيَانُهَا فِي الْبَابِ قبله والعبن سَبَقَ بَيَانُهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَأَمَّا النَّمْلَةُ فَبِفَتْحِ النون واسكان الميم هي قروح تخرج فى الجنب قال بن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ كَانَتِ الْمَجُوسُ تَزْعُمُ أَنَّ وَلَدَ الرجل من

أخته اذا حط عَلَى النَّمْلَةِ يَشْفِي صَاحِبَهَا وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثُ اسْتِحْبَابُ الرُّقَى لِهَذِهِ الْعَاهَاتِ وَالْأَدْوَاءِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ مَبْسُوطًا وَالْخِلَافُ فِيهِ قَوْلُهُ [2196] (رَخَّصَ فِي الرُّقْيَةِ مِنَ الْعَيْنِ وَالْحُمَّةِ وَالنَّمْلَةِ) لَيْسَ مَعْنَاهُ تَخْصِيصُ جَوَازِهَا بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَأَذِنَ فِيهَا وَلَوْ سُئِلَ عَنْ غَيْرِهَا لَأَذِنَ فِيهِ وَقَدْ أَذِنَ لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ وَقَدْ رَقَى هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ [2197] (رَأَى بِوَجْهِهَا سَفْعَةً فَقَالَ بِهَا نَظْرَةٌ فَاسْتَرَقُوا لَهَا) يَعْنِي بِوَجْهِهَا صُفْرَةٌ أَمَّا السَّفْعَةُ فَبِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ فَاءٍ سَاكِنَةٍ وَقَدْ فَسَّرَهَا فِي الْحَدِيثِ بِالصُّفْرَةِ وَقِيلَ سَوَادٌ وقال بن قُتَيْبَةَ هِيَ لَوْنٌ يُخَالِفُ لَوْنَ الْوَجْهِ وَقِيلَ أَخْذَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ لِعِلَّةٍ فِيهِ قَالَ رَوَاهُ عُقَيْلٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلًا وَأَرْسَلَهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُرْوَةَ قال الدارقطني وأسنده أبو معاوية ولايصح قَالَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ وَلَمْ يَضَعْ شَيْئًا هَذَا كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2198] مَا لِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً) بالضاد المعجمة

أَيْ نَحِيفَةً وَالْمُرَادُ أَوْلَادُ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه

باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار

(باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار) فِيهِ حَدِيثُ [2201] (أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنَّ رَجُلًا رَقَى سَيِّدَ الْحَيِّ) هَذَا الراقى هو أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ الرَّاوِي كَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ (فَأُعْطِيَ قَطِيعًا مِنْ غَنَمٍ) الْقَطِيعُ هُوَ الطَّائِفَةُ مِنَ الْغَنَمِ وَسَائِرِ النَّعَمِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا بَيْنَ الْعَشْرِ وَالْأَرْبَعِينَ وَقِيلَ مَا بَيْنَ خَمْسَ عَشْرَةَ إِلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَجَمْعُهُ أَقْطَاعٌ وَأَقْطِعَةٌ وَقُطْعَانٌ وَقِطَاعٌ وَأَقَاطَيعُ كَحَدِيثٍ وَأَحَادِيثَ وَالْمُرَادُ بِالْقَطِيعِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثُونَ شَاةً كَذَا جَاءَ

مُبَيَّنًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ) فِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا رُقْيَةٌ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ بِهَا عَلَى اللَّدِيغِ وَالْمَرِيضِ وَسَائِرِ أَصْحَابِ الْأَسْقَامِ وَالْعَاهَاتِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خُذُوا مِنْهُمْ وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِجَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الرقية بالفاتحة والذكر وأنها حلال لاكراهة فِيهَا وَكَذَا الْأُجْرَةُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَآخَرِينَ مِنَ السَّلَفِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَمَنَعَهَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَأَجَازَهَا فِي الرُّقْيَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ فَهَذِهِ الْقِسْمَةُ مِنْ باب المروءات والتبرعات ومواساة الأصحاب والرفاق والافجميع الشياه ملك للراقى مختصة به لاحق للباقين فيها عند التنازع فقاسمهم بترعا وَجُودًا وَمُرُوءَةً وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ فَإِنَّمَا قَالَهُ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ وَمُبَالَغَةً فِي تَعْرِيفِهِمْ أَنَّهُ حَلَالٌ لَا شبهة فيه وقد فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْعَنْبَرِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فِي حِمَارِ الْوَحْشِ مِثْلَهُ قَوْلُهُ (وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفُلُ) هُوَ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا وَسَبَقَ بَيَانُ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي التَّفْلِ وَالنَّفْثِ قَوْلُهُ (سَيِّدُ الْحَيِّ سُلَيْمٌ) أَيْ لَدِيغٌ قَالُوا سُمِّيَ بِذَلِكَ تفاؤلا

(باب استحباب وضع يده على موضع الألم مع الدعاء)

بالسلامة وقيل لأنه مستسلم لما به قوله (ماكنا نأبته بِرُقْيَةٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا أَيْ نَظُنُّهُ كَمَا سَبَقَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ هَذَا اللَّفْظِ بِمَعْنَى نَتَّهِمُهُ وَلَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا نَظُنُّهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب اسْتِحْبَابِ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى مَوْضِعِ الْأَلَمِ مَعَ الدُّعَاءِ) [2202] فِيهِ حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَمَقْصُودُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى مَوْضِعِ الْأَلَمِ وَيَأْتِي بِالدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب التعوذ من شيطان الوسوسة في الصلاة)

(بَاب التَّعَوُّذِ مِنْ شَيْطَانِ الْوَسْوَسَةِ فِي الصَّلَاةِ) قَوْلُهُ [2203] (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يُلَبِّسُهَا عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزَبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ وَاتْفُلْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلَاثًا فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي) أَمَّا خِنْزَبٌ فَبِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ نُونٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ زَايٍ مَكْسُورَةٍ وَمَفْتُوحَةٍ وَيُقَالُ أَيْضًا بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالزَّايِ حَكَاهُ الْقَاضِي وَيُقَالُ أَيْضًا بضم الخاء وفتح الزاى حكاه بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ غَرِيبٌ وَفِي هَذَا الحديث استحباب التعوذ من الشيطان عند وَسْوَسَتِهِ مَعَ التَّفْلِ عَنْ الْيَسَارِ ثَلَاثًا وَمَعْنَى يَلْبِسُهَا أَيْ يَخْلِطُهَا وَيُشَكِّكُنِي فِيهَا وَهُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ وَمَعْنَى حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا أَيْ نَكَّدَنِي فِيهَا وَمَنَعَنِي لَذَّتَهَا وَالْفَرَاغَ لِلْخُشُوعِ فيها

بَاب لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ وَاسْتِحْبَابِ التَّدَاوِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2204] (لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فاذا أصيب دواء الداء بريء بِإِذْنِ اللَّهِ) الدَّوَاءُ بِفَتْحِ الدَّالِ مَمْدُودٌ وَحَكَى جَمَاعَاتٌ مِنْهُمُ الْجَوْهَرِيُّ فِيهِ لُغَةً بِكَسْرِ الدَّالِ قال القاضي هي لغة الكلابيين وهو شاذوفى هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى اسْتِحْبَابِ الدَّوَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَجُمْهُورِ السَّلَفِ وَعَامَّةِ الْخَلْفِ قَالَ الْقَاضِي فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ جُمَلٌ مِنْ عُلُومِ الدين والدنيا وصحة علم الطب وجواز التطيب فِي الْجُمْلَةِ وَاسْتِحْبَابُهُ بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ وَفِيهَا رَدٌّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ التَّدَاوِيَ مِنْ غُلَاةِ الصُّوفِيَّةِ وَقَالَ كل شيء بقضاء وقدر فلاحاجة إِلَى التَّدَاوِي وَحُجَّةُ الْعُلَمَاءِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْفَاعِلُ وَأَنَّ التَّدَاوِيَ هُوَ أَيْضًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ وَهَذَا كَالْأَمْرِ بالدعاء وكالأمر بقتال الكفار وبالتحصن ومجانية الْإِلْقَاءِ بِالْيَدِ إِلَى التَّهْلُكَةِ مَعَ أَنَّ الْأَجَلَ لايتغير والمقادير لاتتأخر ولا تتقدم عن أوقاتها ولابد مِنْ وُقُوعِ الْمُقَدَّرَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ ذَكَرَ مُسْلِمٌ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْكَثِيرَةَ فِي الطِّبِّ وَالْعِلَاجِ وَقَدِ اعْتَرَضَ فِي بَعْضِهَا مَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ فَقَالَ الْأَطِبَّاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْعَسَلَ مُسَهِّلٌ فَكَيْفَ يُوصَفُ لِمَنْ بِهِ الْإِسْهَالُ وَمُجْمِعُونَ أَيْضًا أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمَحْمُومِ الْمَاءَ الْبَارِدَ مُخَاطَرَةٌ قَرِيبٌ مِنَ الْهَلَاكِ لِأَنَّهُ يُجَمِّعُ الْمَسَامَّ وَيَحْقِنُ الْبُخَارَ وَيَعْكِسُ الْحَرَارَةَ إِلَى دَاخِلِ الْجِسْمِ فَيَكُونُ سَبَبًا لِلتَّلَفِ وينكرو أيضا مداواة ذات الجنب بالقسط مع مافيه مِنَ الْحَرَارَةِ الشَّدِيدَةِ وَيَرَوْنَ ذَلِكَ خَطَرًا قَالَ المازرى وهذا الذى قال هَذَا الْمُعْتَرِضُ جَهَالَةٌ بَيِّنَةٌ وَهُوَ فِيهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يحيطوا بعلمه وَنَحْنُ نَشْرَحُ الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَنَقُولُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ (لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرِئَ بِإِذْنِ اللَّهِ) فَهَذَا فِيهِ بَيَانٌ واضح لأنه قد علم أن الأطباء يقولونالمرض هُوَ خُرُوجُ الْجِسْمِ عَنِ الْمَجْرَى الطَّبِيعِيِّ وَالْمُدَاوَاةُ رَدُّهُ إِلَيْهِ وَحِفْظُ الصِّحَّةِ بَقَاؤُهُ عَلَيْهِ فَحِفْظُهَا يَكُونُ بِإِصْلَاحِ الْأَغْذِيَةِ وَغَيْرِهَا وَرَدُّهُ يَكُونُ بِالْمُوَافِقِ مِنَ الْأَدْوِيَةِ الْمُضَادَّةِ لِلْمَرَضِ وَبُقْرَاطُ يَقُولُ الْأَشْيَاءُ تُدَاوَى بِأَضْدَادِهَا وَلَكِنْ قَدْ يَدِقُّ وَيَغْمُضُ حَقِيقَةُ الْمَرَضِ وَحَقِيقَةُ طَبْعِ الدَّوَاءِ فَيَقِلُّ الثِّقَةُ بِالْمُضَادَّةِ ومن ها هنا يَقَعُ الْخَطَأُ مِنَ الطَّبِيبِ فَقَطْ فَقَدْ يَظُنُّ الْعِلَّةَ عَنْ مَادَّةٍ حَارَّةٍ فَيَكُونُ عَنْ غَيْرِ مَادَّةٍ أَوْ عَنْ مَادَّةٍ بَارِدَةٍ أَوْ عَنْ مادة حارة دون الحرارة التى ظنها فلايحصل الشِّفَاءُ فَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبَّهَ بآخر كلامه على ماقد يُعَارَضُ بِهِ أَوَّلُهُ فَيُقَالُ قُلْتُ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ وَنَحْنُ نَجِدُ كَثِيرِينَ مِنَ الْمَرْضَى يُدَاوُونَ فَلَا يَبْرَءُونَ فَقَالَ إِنَّمَا ذَلِكَ لِفَقْدِ الْعِلْمِ بحقيقة المداواة لالفقد الدواء وهذا واضح والله أعلم وأما الحديث الآخر وهو قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ) فَهَذَا مِنْ بَدِيعِ الطِّبِّ عِنْدَ أَهْلِهِ لِأَنَّ الْأَمْرَاضَ الْامْتِلَائِيَّةَ دَمَوِيَّةٌ أَوْ صَفْرَاوِيَّةٌ أَوْ سَوْدَاوِيَّةٌ أَوْ بَلْغَمِيَّةٌ فَإِنْ كَانَتْ دَمَوِيَّةً فَشِفَاؤُهَا إِخْرَاجُ الدَّمِ وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ فَشِفَاؤُهَا بِالْإِسْهَالِ بِالْمُسَهِّلِ اللَّائِقِ لِكُلِّ خَلْطٍ مِنْهَا فَكَأَنَّهُ نَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَسَلِ عَلَى الْمُسَهِّلَاتِ وَبِالْحِجَامَةِ

عَلَى إِخْرَاجِ الدَّمِ بِهَا وَبِالْفَصْدِ وَوَضْعِ الْعَلَقِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فِي مَعْنَاهَا [2207] وَذَكَرَ الْكَيَّ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ عَدَمِ نَفْعِ الْأَدْوِيَةِ الْمَشْرُوبَةِ وَنَحْوِهَا فَآخِرُ الطِّبِّ الْكَيُّ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ إِشَارَةٌ إِلَى تَأْخِيرِ الْعِلَاجِ بِالْكَيِّ حَتَّى يَضْطَرَّ إِلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْأَلَمِ الشَّدِيدِ فِي دَفْعِ أَلَمٍ قَدْ يَكُونُ أَضْعَفَ مِنْ أَلَمِ الْكَيِّ وأما مَا اعْتَرَضَ بِهِ الْمُلْحِدُ الْمَذْكُورُ فَنَقُولُ فِي إِبْطَالِهِ إِنَّ عِلْمَ الطِّبِّ مِنْ أَكْثَرِ الْعُلُومِ احيتاجا إلى التفصيل حتى ان المريض يكونالشىء دَوَاءَهُ فِي سَاعَةٍ ثُمَّ يَصِيرُ دَاءً لَهُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تَلِيهَا بِعَارِضٍ يَعْرِضُ مِنْ غَضَبٍ يَحْمِي مِزَاجَهُ فَيُغَيِّرُ عِلَاجَهُ أَوْ هَوَاءٍ يتغير أو غير ذلك مما لاتحصى كثرته فاذا وجد الشفاء بشئ فى حالة بالشخص لم يلزم منه الشفاءبه فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ وَجَمِيعِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَطِبَّاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْمَرَضَ الْوَاحِدَ يَخْتَلِفُ عِلَاجُهُ بِاخْتِلَافِ السن والزمان والعادة والغذاء الْمُتَقَدِّمَةِ وَالتَّدْبِيرِ الْمَأْلُوفِ وَقُوَّةِ الطِّبَاعِ فَإِذَا

عرفت ماذكرناه فَاعْلَمْ أَنَّ الْإِسْهَالَ يَحْصُلُ مِنْ أَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا الْإِسْهَالُ الْحَادِثُ مِنَ التُّخَمِ وَالْهَيْضَاتِ وَقَدْ أجمع الأطباء فى مثل هذا على عِلَاجَهُ بِأَنْ يَتْرُكَ الطَّبِيعَةَ وَفِعْلَهَا وَإِنِ احْتَاجَتْ إلى معين على الاسهال أعينت مادامت الْقُوَّةُ بَاقِيَةً فَأَمَّا حَبْسُهَا فَضَرَرٌ عِنْدَهُمْ وَاسْتِعْجَالُ مَرَضٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْإِسْهَالُ لِلشَّخْصِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ أَصَابَهُ مِنَ امْتِلَاءٍ أَوْ هَيْضَةٍ فَدَوَاؤُهُ تَرْكُ إِسْهَالِهِ عَلَى مَا هُوَ أَوْ تَقْوِيَتُهُ فَأَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشُرْبِ الْعَسَلِ فَرَآهُ إِسْهَالًا فَزَادَهُ عَسَلًا إِلَى أَنْ فَنِيَتِ الْمَادَّةُ فَوَقَفَ الْإِسْهَالُ وَيَكُونُ الْخَلْطُ الَّذِي كَانَ يُوَافِقُهُ شُرْبُ الْعَسَلِ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْعَسَلَ جَارٍ عَلَى صِنَاعَةِ الطِّبِّ وَأَنَّ الْمُعْتَرِضَ عَلَيْهِ جَاهِلٌ لَهَا وَلَسْنَا نَقْصِدُ الاستظهار لتصديق الحديث بقول الأطباء بل لوكذبوه كَذَّبْنَاهُمْ وَكَفَّرْنَاهُمْ فَلَوْ أَوْجَدُوا الْمُشَاهَدَةَ بِصِحَّةِ دَعْوَاهُمْ تَأَوَّلْنَا كَلَامَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ وَخَرَّجْنَاهُ عَلَى مَا يَصِحُّ فَذَكَرْنَا هَذَا الْجَوَابَ

أكحله فكواه

عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تُؤْتَى بِالْمَرْأَةِ الْمَوْعُوكَةِ فَتَصُبُّ الْمَاءَ فِي جَيْبِهَا وَتَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ فَهَذِهِ أَسْمَاءُ رَاوِيَةُ الْحَدِيثِ وَقُرْبُهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْلُومٌ تَأَوَّلَتْ الْحَدِيثَ عَلَى نَحْوِ مَا قلناه فلم يبق للملحد المعترض إلااختراعه الْكَذِبَ وَاعْتِرَاضُهُ بِهِ فَلَا يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ وَأَمَّا إِنْكَارُهُمُ الشِّفَاءَ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ بِالْقُسْطِ فَبَاطِلٌ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ قُدَمَاءِ الْأَطِبَّاءِ إِنَّ ذَاتَ الْجَنْبِ إِذَا حَدَّثَتْ مِنَ الْبَلْغَمِ كَانَ الْقُسْطُ مِنْ عِلَاجِهَا وَقَدْ ذَكَرَ جَالِينُوسُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَنْفَعُ مِنْ وَجَعِ الصَّدْرِ وَقَالَ بَعْضُ قُدَمَاءِ الْأَطِبَّاءِ وَيُسْتَعْمَلُ حَيْثُ يُحْتَاجُ إِلَى إِسْخَانِ عُضْوٍ منالأعضاء وَحَيْثُ يُحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَجْذِبَ الْخَلْطَ مِنْ باطن البدن إلى ظاهره وهتكذا قاله بن سِينَا وَغَيْرُهُ وَهَذَا يُبْطِلُ مَا زَعَمَهُ هَذَا الْمُعْتَرِضُ الْمُلْحِدُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ سَبْعَةُ أَشْفِيَةٍ فَقَدْ أَطْبَقَ الْأَطِبَّاءُ فِي كُتُبِهِمْ عَلَى أَنَّهُ يُدِرُّ الطَّمْثَ وَالْبَوْلَ وَيَنْفَعُ مِنَ السُّمُومِ وَيُحَرِّكُ شَهْوَةَ الْجِمَاعِ وَيَقْتُلُ الدُّودَ وَحُبَّ الْقَرْعِ فِي الْأَمْعَاءِ إِذَا شُرِبَ بِعَسَلٍ وَيُذْهِبُ الْكَلَفَ إِذَا طُلِيَ عَلَيْهِ وَيَنْفَعُ من بدر المعدة والكبدويردهما ومن حمى الورد والربع وغير ذلك صِنْفَانِ بَحْرِيٌّ وَهِنْدِيٌّ وَالْبَحْرِيُّ هُوَ الْقُسْطُ الْأَبْيَضُ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ صِنْفَيْنِ وَنَصَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْبَحْرِيَّ أَفْضَلُ مِنَ الْهِنْدِيِّ وَهُوَ أَقَلُّ حَرَارَةً مِنْهُ وَقِيلَ هُمَا حَارَّانِ يَابِسَانِ فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ وَالْهِنْدِيُّ أَشَدُّ حَرًّا فِي الْجُزْءِ الثَّالِثِ من الحرارة وقال بن سنيا الْقُسْطُ حَارٌّ فِي الثَّالِثَةِ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ فَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذِهِ الْمَنَافِعِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْقُسْطِ فَصَارَ مَمْدُوحًا شَرْعًا وَطِبًّا وَإِنَّمَا عَدَدْنَا مَنَافِعَ الْقُسْطِ مِنْ كُتُبِ الْأَطِبَّاءِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ مِنْهَا عَدَدًا مُجْمَلًا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ من كل داء إلاالسم فَيُحْمَلُ أَيْضًا عَلَى الْعِلَلِ الْبَارِدَةِ عَلَى نَحْوِ ماسبق فِي الْقُسْطِ وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ يَصِفُ بِحَسَبِ مَا شَاهَدَهُ مِنْ غَالِبِ أَحْوَالِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ فِي مَنْفَعَةِ الْحَبَّةِ

السَّوْدَاءِ الَّتِي هِيَ الشُّونِيزُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً وَخَوَاصَّ عَجِيبَةً يَصْدُقُهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها فذكر جالينوس أنها أَنَّهَا تَحِلُّ النَّفْخَ وَتُقِلُّ دِيدَانَ الْبَطْنِ إِذَا أُكِلَ أَوْ وُضِعَ عَلَى الْبَطْنِ وَتَنْفِي الزُّكَامَ إِذَا قُلِيَ وَصُرَّ فِي خِرْقَةٍ وَشُمَّ وَتُزِيلُ العلة التى تقشر منها الجلد ويقلع الثَّآلِيلَ الْمُتَعَلِّقَةَ وَالْمُنَكَّسَةَ وَالْخِيلَانَ وَتُدِرُّ الطَّمْثَ الْمُنْحَبِسَ إِذَا كَانَ انْحِبَاسُهُ مِنْ أَخْلَاطٍ غَلِيظَةٍ لَزِجَةٍ وَيَنْفَعُ الصُّدَاعَ إِذَا طُلِيَ بِهِ الْجَبِينُ وَتَقْلَعُ الْبُثُورَ وَالْجَرَبَ وَتُحَلِّلُ الْأَوْرَامَ الْبَلْغَمِيَّةَ إِذَا تُضُمِّدَ بِهِ مَعَ الْخَلِّ وَتَنْفَعُ مِنَ الْمَاءِ الْعَارِضِ فِي الْعَيْنِ إِذَا اسْتُعِطَ بِهِ مَسْحُوقًا بِدُهْنِ الْأَرَلْيَا وَتَنْفَعُ مِنَ انْتِصَابِ النَّفْسِ وَيُتَمَضْمَضُ بِهِ مِنْ وَجَعِ الْأَسْنَانِ وَتُدِرُّ الْبَوْلَ وَاللَّبَنَ وَتَنْفَعُ من نهشة الرتيلا واذا بخربه طَرَدَ الْهَوَامَّ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ غَيْرُ جَالِينُوسَ خَاصِّيَّتُهُ إِذْهَابُ حُمَّى الْبَلْغَمِ وَالسَّوْدَاءِ وَتَقْتُلُ حَبَّ الْقَرْعِ وَإِذَا عُلِّقَ فِي عُنُقِ الْمَزْكُومِ نَفَعَهُ وينفع من حمى الربع قال ولايبعد مَنْفَعَةُ الْحَارِّ مِنْ أَدْوَاءٍ حَارَّةٍ بِخَوَاصَّ فِيهَا فَقَدْ نَجِدُ ذَلِكَ فِي أَدْوِيَةٍ كَثِيرَةٍ فَيَكُونُ الشُّونِيزُ مِنْهَا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ أَحْيَانًا مُنْفَرِدًا وَأَحْيَانًا مُرَكَّبًا قَالَ الْقَاضِي وَفِي جُمْلَةِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا حَوَاهُ مِنْ عُلُومِ الدِّينِ والدنيا وصحة علم الطب وجواز التطبب في الْجُمْلَةِ وَاسْتِحْبَابِهِ بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ مِنَ الْحِجَامَةِ وَشُرْبِ الْأَدْوِيَةِ وَالسَّعُوطِ وَاللَّدُودِ وَقَطْعِ الْعُرُوقِ وَالرُّقَى قَالَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْزَلَ الدَّوَاءَ الَّذِي أَنْزَلَ الدَّاءَ هَذَا إِعْلَامٌ لَهُمْ وَإِذْنٌ فِيهِ وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِإِنْزَالِهِ إِنْزَالَ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِمُبَاشَرَةِ مَخْلُوقَاتِ الْأَرْضِ مِنْ دَاءٍ وَدَوَاءٍ قال وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْطَةُ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةُ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٌ بِنَارٍ أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى جَمِيعِ ضُرُوبِ الْمُعَافَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَادَ الْمُقَنَّعَ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ قَوْلُهُ (يَشْتَكِي خُرَاجًا) هُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ قَوْلُهُ (أُعَلِّقُ فِيهِ مِحْجَمًا) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَهِيَ الآلة التى تمص ويجمع بها وضع الْحِجَامَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ (شَرْطَةُ مِحْجَمٍ (فَالْمُرَادُ بِالْمِحْجَمِ هُنَا الْحَدِيدَةُ الَّتِي يُشْرَطُ بِهَا مَوْضِعُ الْحِجَامَةِ لِيَخْرُجَ الدَّمُ قَوْلُهُ (فَلَمَّا رَأَى تَبَرُّمَهُ) أَيْ تَضَجُّرَهُ وَسَآمَتَهُ مِنْهُ قَوْلُهُ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ رُمِيَ أُبَيُّ يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَلَى أَكْحَلِهِ فَكَوَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَوْلُهُ أُبَيُّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الباء وبشديد الياء وَهَكَذَا صَوَابُهُ وَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ وَالنُّسَخِ وَهُوَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الْمَذْكُورُ فِي الرِّوَايَةِ التى قبل هذه وصفحه بَعْضُهُمْ فَقَالَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَتَخْفِيفِ الياء وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ لِأَنَّ أَبَا جَابِرٍ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ قَبْلَ الْأَحْزَابِ بِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَأَمَّا الْأَكْحَلُ فَهُوَ عِرْقٌ مَعْرُوفٌ قَالَ الْخَلِيلُ

هُوَ عِرْقُ الْحَيَاةِ يُقَالُ هُوَ نَهَرُ الْحَيَاةِ فَفِي كُلِّ عُضْوٍ شُعْبَةٌ مِنْهُ وَلَهُ فِيهَا اسم متفرد فاذا قطع فى اليد لم يرقأالدم وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ عِرْقٌ وَاحِدٌ يُقَالُ لَهُ فِي الْيَدِ الْأَكْحَلُ وَفِي الْفَخِذِ النَّسَا وَفِي الظَّهْرِ الْأَبْهَرُ وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي أُجْرَةِ الْحَجَّامِ فسبق قوله (فحسمه) أى كواه ليقطع دمع وأضل الْحَسْمِ الْقَطْعُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ) جَهَنَّمَ فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ فَوْرِ جَهَنَّمَ هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ فِيهِمَا وَهُوَ شِدَّةُ حَرِّهَا وَلَهَبِهَا وَانْتِشَارِهَا وَأَمَّا أَبْرِدُوهَا فَبِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَبِضَمِّ الرَّاءِ يُقَالُ بَرَدْتُ الحمى أبردها بردا على وزن قتلتها أقتلها قَتْلًا أَيْ أَسْكَنْتُ حَرَارَتَهَا وَأَطْفَأْتُ لَهَبَهَا كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَأَطْفِئُوهَا بِالْمَاءِ وَهَذَا الذى ذكرناه من كَوْنِهِ بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَضَمِّ الرَّاءِ هُوَ الصَّحِيحُ الْفَصِيحُ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ وَكُتُبِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهَا وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ أَنَّهُ يُقَالُ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَكَسْرِ الرَّاءِ فِي لُغَةٍ قَدْ حكاه الجوهر وَقَالَ هِيَ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ جَهَنَّمَ مَخْلُوقَةٌ الْآنَ مَوْجُودَةٌ قَوْلُهُ (عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا كَانَتْ تُؤْتَى بِالْمَرْأَةِ الْمَوْعُوكَةِ فَتَدْعُو بِالْمَاءِ فَتَصُبُّهُ فِي جَيْبِهَا وَتَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ) وَفِي رِوَايَةٍ صَبَّتِ الْمَاءَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جَيْبِهَا قَالَ الْقَاضِي هَذَا يَرُدُّ قَوْلَ الْأَطِبَّاءِ وَيُصَحِّحُ حُصُولَ الْبُرْءِ بِاسْتِعْمَالِ المحموم الماء وأنه على ظاهره لاعلى ما سبق من تأويل المازرى

قال ولو لاتجربة أسماء والمسلمين لمنفعة لَمَا اسْتَعْمَلُوهُ قَوْلُهَا [2213] (لَدَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ فَأَشَارَ أَنْ لاتلدونى بفقلنا كراهية المريض للدواء فما أفاق لايبقى منكم أحد إلالد غير العباس فانه لم يشدكم) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ اللَّدُودُ بِفَتْحِ اللَّامِ هُوَ الدَّوَاءُ الَّذِي يُصَبُّ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ فَمِ المريض ويسفا أَوْ يَدْخُلُ هُنَاكَ بِأُصْبُعٍ وَغَيْرِهَا وَيُحَنَّكُ بِهِ وَيُقَالُ مِنْهُ لَدَدْتُهُ أَلُدُّهُ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ أَيْضًا أَلَدَدْتُهُ رُبَاعِيًّا وَالْتَدَدْتُ أَنَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيُقَالُ لِلَّدُودِ لَدِيدٌ أَيْضًا وَإِنَّمَا أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَدِّهِمْ عُقُوبَةً لَهُمْ حِينَ خَالَفُوهُ فى إشارته اليهم لاتلدونى ففيه أن الاشارة المفهمة تصريح العبارة فى نحوهذه المسألة وفيه تعزيز الْمُتَعَدِّي بِنَحْوٍ مِنْ فِعْلِهِ الَّذِي تَعَدَّى بِهِ إلا أن يكون فعلا

محرما قَوْلُهَا [2214] (دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِابْنٍ لِي قَدْ أَعْلَقْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْعُذْرَةِ فَقَالَ عَلَامَ تَدْغَرْنَ أَوْلَادَكُنَّ بهذا العلاق عليكن بهذا العلاق عليكن بهذا العود لاهندى فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةُ أَشْفِيَةٍ مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ يُسْعَطُ مِنَ الْعُذْرَةِ وَيُلَدُّ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ) أما قولها أعلقت عليه فكهذا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَلَيْهِ وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَغَيْرِهِ عَلَيْهِ فَأَعْلَقْتُ عَلَيْهِ كَمَا هُنَا وَمَنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَأَعْلَقْتُ عَنْهُ بِالنُّونِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُحَدِّثُونَ يَرْوُونَهُ أَعَلَقْتُ عَلَيْهِ وَالصَّوَابُ عَنْهُ وكذا قال غَيْرُهُ وَحَكَاهُمَا بَعْضُهُمْ لُغَتَيْنِ أَعَلَقْتُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ وَمَعْنَاهُ عَالَجْتُ وَجَعَ لَهَاتِهِ بِأُصْبُعِي وَأَمَّا الْعُذْرَةُ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ هِيَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ وَجَعٌ فِي الْحَلْقِ يَهِيجُ مِنَ الدَّمِ يُقَالُ فِي عِلَاجِهَا عَذَرْتُهُ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَقِيلَ هي قرحة تخرج في الخر الذى يبن الْحَلْقِ وَالْأَنْفِ تَعْرِضُ لَلصِّبْيَانِ غَالِبًا عِنْدَ طُلُوعِ الْعُذْرَةِ وَهِيَ خَمْسَةُ كَوَاكِبَ تَحْتَ الشِّعْرَى الْعَبُورِ وَتُسَمَّى الْعَذَارَى وَتَطْلُعُ فِي وَسَطِ الْحَزِّ وَعَادَةُ النِّسَاءِ فِي مُعَالَجَةِ الْعُذْرَةِ أَنْ تَأْخُذَ الْمَرْأَةُ خِرْقَةً فَتَفْتِلَهَا فَتْلًا شَدِيدًا وَتُدْخِلَهَا فِي أَنْفِ الصَّبِيِّ وَتَطْعَنَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيَنْفَجِرُ مِنْهُ دَمٌ أَسْوَدُ وَرُبَّمَا أَقْرَحَتْهُ وَذَلِكَ الطَّعْنُ يُسَمَّى دَغْرًا وَغَدْرًا فَمَعْنَى تَدْغَرْنَ أَوْلَادَكُنَّ أَنَّهَا تَغْمِزُ حَلْقَ الْوَلَدِ بِأُصْبُعِهَا فَتَرْفَعُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَتَكْبِسُهُ وَأَمَّا الْعَلَاقُ فَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْإِعْلَاقُ وَهُوَ الْأَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ حَتَّى زَعَمَ بعضهم أنه الصواب وأن العلاق لايجوز قالوا والعلاق مَصْدَرُ أَعَلَقْتُ عَنْهُ وَمَعْنَاهُ أَزَلْتُ عَنْهُ الْعَلُوقَ وَهِيَ الْآفَةُ وَالدَّاهِيَةُ وَالْإِعْلَاقُ هُوَ مُعَالَجَةُ عُذْرَةِ الصَّبِيِّ وَهِيَ وَجَعُ حَلْقِهِ كَمَا سَبَقَ قَالَ بن الْأَثِيرِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَلَاقُ هُوَ الِاسْمُ منه وأما ذات الجنبفعلة معروفة والعودالهندى يُقَالُ لَهُ الْقُسْطُ

وَالْكُسْتُ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَلَامَهْ تَدْغَرْنَ أَوْلَادَكُنَّ) هَكَذَا هُوَ فِي جميع النسخ علامه وهى هاء السكت ثبت هُنَا فِي الدَّرْجِ قَوْلُهُ [2215] (وَالْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ الشُّونِيزُ) هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ قَالَ الْقَاضِي وَذَكَرَ الْحَرْبِيُّ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهَا الْخَرْدَلُ قَالَ وَقِيلَ هِيَ الْحَبَّةُ الْخَضْرَاءُ وَهِيَ الْبُطْمُ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْأَخْضَرَ أَسْوَدَ وَمِنْهُ سَوَادُ العراق

لِخُضْرَتِهِ بِالْأَشْجَارِ وَتُسَمِّي الْأَسْوَدَ أَيْضًا أَخْضَرَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2216] (التَّلْبِينَةُ مَجَمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ وَتُذْهِبُ بَعْضَ الْحَزَنِ) أَمَّا مَجَمَّةٌ فَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ وَيُقَالُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ تُرِيحُ فُؤَادَهُ وَتُزِيلُ عَنْهُ الْهَمَّ وَتُنَشِّطُهُ وَالْجَمَامُ الْمُسْتَرِيحُ كَأَهْلِ النَّشَاطِ وَأَمَّا التَّلْبِينَةُ فَبِفَتْحِ التَّاءِ وَهِيَ حَسَاءٌ مِنْ دَقِيقٍ أَوْ نُخَالَةٍ قالوا وربما جعل فيها عسل قال الهرواى وَغَيْرُهُ سُمِّيَتْ تَلْبِينَةً

تَشْبِيهًا بِاللَّبَنِ لِبَيَاضِهَا وَرِقَّتِهَا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّلْبِينَةِ للمخزون قَوْلُهُ [2217] (إِنَّ أَخِي عَرِبَ بَطْنُهُ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مَعْنَاهُ فَسَدَتْ مَعِدَتُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ) الْمُرَادُ قَوْلُهُ تَعَالَى يَخْرُجُ مِنْ بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء لِلنَّاسِ وَهُوَ الْعَسَلُ وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِيهِ شِفَاءٌ يَعُودُ إِلَى الشَّرَابِ الَّذِي هو العسل وهو الصحيح وهو قول بن مسعود وبن عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ مُجَاهِدٌ الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْقُرْآنِ وَهَذَا ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَلِصَرِيحِ هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْآيَةُ عَلَى الْخُصُوصِ أَيْ شِفَاءٌ مِنْ بَعْضِ الْأَدْوَاءِ وَلِبَعْضِ النَّاسِ وَكَانَ دَاءُ هَذَا الْمَبْطُونِ مِمَّا يُشْفَى بِالْعَسَلِ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَلَكِنَّ عِلْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ دَاءَ هَذَا الرَّجُلِ مِمَّا يُشْفَى بِالْعَسَلِ وَاللَّهُ أعلم

(باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها)

(بَاب الطَّاعُونِ وَالطِّيَرَةِ وَالْكَهَانَةِ وَنَحْوِهَا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّاعُونِ [2218] (إِنَّهُ رِجْزٌ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كان قبلكم فاذا سمعتم به بأرضفلا تَقْدُمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ) وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ هَذَا الْوَجَعَ أَوِ السَّقَمَ رِجْزٌ عُذِّبَ بِهِ بَعْضُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ ثُمَّ بَقِيَ بَعْدُ بِالْأَرْضِ فَيَذْهَبُ الْمَرَّةَ وَيَأْتِي الْأُخْرَى فَمَنْ سَمِعَ بِهِ بأرض فلايقدمن عليه ومن وقع بأرض وهو بها فلايخرجنه الْفِرَارُ مِنْهُ وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْوَبَاءَ وَقَعَ بِالشَّامِ أَمَّا الْوَبَاءُ فَمَهْمُوزٌ مَقْصُورٌ وَمَمْدُودٌ لُغَتَانِ الْقَصْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَأَمَّا الطَّاعُونُ فَهُوَ قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي الْجَسَدِ فَتَكُونُ فِي الْمَرَافِقِ أَوِ الْآبَاطِ أَوِ الْأَيْدِي أوالأصابع وَسَائِرِ الْبَدَنِ وَيَكُونُ مَعَهُ وَرَمٌ وَأَلَمٌ شَدِيدٌ وتخرج تلك القروح مع لهيب ويسود ماحواليه أَوْ يَخْضَرُّ أَوْ يَحْمَرُّ حُمْرَةً بَنَفْسَجِيَّةً كَدِرَةً وَيَحْصُلُ مَعَهُ خَفَقَانُ الْقَلْبِ وَالْقَيْءُ وَأَمَّا الْوَبَاءُ فقال الخليل وغيره هو الطَّاعُونِ وَقَالَ هُوَ كُلُّ مَرَضٍ عَامٍّ وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ مَرَضُ الْكَثِيرِينَ مِنَ النَّاسِ فِي جِهَةٍ مِنَ الْأَرْضِ دُونَ سَائِرِ الْجِهَاتِ وَيَكُونُ مُخَالِفًا لِلْمُعْتَادِ مِنْ أَمْرَاضٍ فِي الْكَثْرَةِ وَغَيْرِهَا وَيَكُونُ مَرَضُهُمْ نَوْعًا وَاحِدًا بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَوْقَاتِ فَإِنَّ أَمْرَاضَهُمْ فِيهَا مُخْتَلِفَةٌ قَالُوا وَكُلُّ طَاعُونٍ وَبَاءٌ وَلَيْسَ كُلُّ وَبَاءٍ طَاعُونًا وَالْوَبَاءُ الَّذِي وَقَعَ فِي الشَّامِ فِي زَمَنِ عُمَرَ كَانَ طَاعُونًا وَهُوَ طَاعُونُ عَمَوَاسَ وَهِيَ قَرْيَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِالشَّامِ وَقَدْ سَبَقَ فِي شَرْحِ مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ فِي ذِكْرِ الضُّعَفَاءِ مِنَ الرُّوَاةِ عِنْدَ ذِكْرِهِ طَاعُونَ الْجَارِفِ بَيَانُ الطَّوَاعِينِ وَأَزْمَانِهَا وعددها وأما كنها وَنَفَائِسَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَجَاءَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ عَذَابًا لَهُمْ هَذَا الْوَصْفُ بكونه عَذَابًا مُخْتَصٌّ بِمَنْ كَانَ قَبْلنَا وَأَمَّا هَذِهِ الأمة فهولها رَحْمَةٌ وَشَهَادَةٌ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ الطَّاعُونَ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ فَجَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فى بلده

صابرا يعلم أنه لن يصيبه الاما كتب الله له الاكان لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ شَهَادَةً لِمَنْ صَبَرَ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَنْعُ الْقُدُومِ عَلَى بَلَدِ الطَّاعُونِ وَمَنْعُ الْخُرُوجِ مِنْهُ فِرَارًا مِنْ ذَلِكَ أما الخروج لعارض فلابأس بِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ قَالَ الْقَاضِي هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ قَالَ حتى قالت عائشةالفرار مِنْهُ كَالْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ الْقُدُومَ عَلَيْهِ وَالْخُرُوجَ مِنْهُ فِرَارًا قَالَ وروى

هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنَّهُ نَدِمَ عَلَى رُجُوعِهِ مِنْ سَرْغٍ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَمَسْرُوقٍ وَالْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ أَنَّهُمْ فَرُّوا مِنَ الطَّاعُونِ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِرُّوا عَنْ هَذَا الرِّجْزِ فِي الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ وَرُءُوسِ الْجِبَالِ فَقَالَ مَعَاذٌ بَلْ هُوَ شَهَادَةٌ وَرَحْمَةٌ وَيَتَأَوَّلُ هَؤُلَاءِ النَّهْيَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنِ الدُّخُولِ عَلَيْهِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَهُ غَيْرُ الْمُقَدَّرِ لَكِنْ مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ عَلَى النَّاسِ لِئَلَّا يَظُنُّوا أَنَّ هَلَاكَ الْقَادِمِ إِنَّمَا حَصَلَ بِقُدُومِهِ وَسَلَامَةِ الْفَارِّ انما كانت

بِفِرَارِهِ قَالُوا وَهُوَ مِنْ نَحْوِ النَّهْيِ عَنِ الطِّيَرَةِ وَالْقُرْبِ مِنَ الْمَجْذُومِ وَقَدْ جَاءَ عَنِ بن مَسْعُودٍ قَالَ الطَّاعُونُ فِتْنَةٌ عَلَى الْمُقِيمِ وَالْفَارِّ أَمَّا الْفَارُّ فَيَقُولُ فَرَرْتُ فَنَجَوْتُ وَأَمَّا الْمُقِيمُ فيقول أقمت فمت وانما فر من لميأت أَجَلُهُ وَأَقَامَ مَنْ حَضَرَ أَجَلُهُ وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْقُدُومِ عَلَيْهِ وَالْفِرَارِ مِنْهُ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَهُوَ قَرِيبُ الْمَعْنَى مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لاتتمنوا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الِاحْتِرَازُ مِنَ الْمَكَارِهِ وَأَسْبَابِهَا وَفِيهِ التَّسْلِيمُ لِقَضَاءِ اللَّهِ عِنْدَ حُلُولِ الْآفَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْخُرُوجِ بِشُغْلٍ وَغَرَضٍ غَيْرِ الْفِرَارِ وَدَلِيلُهُ صَرِيحُ الْأَحَادِيثِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي النَّضْرِ (لَا يُخْرِجُكُمْ إِلَّا فِرَارٌ مِنْهُ) وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِرَارٌ بِالرَّفْعِ وَفِي بَعْضِهَا فِرَارًا بِالنَّصْبِ وَكِلَاهُمَا مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةِ وَالْمَعْنَى قَالَ الْقَاضِي وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مُفْسِدَةٌ للمعنى

لِأَنَّ ظَاهِرَهَا الْمَنْعُ مِنَ الْخُرُوجِ لِكُلِّ سَبَبٍ إِلَّا لِلْفِرَارِ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ وَهَذَا ضِدُّ المراد وقال جماعة ان لفظة إلاهنا غَلَطٌ مِنَ الرَّاوِي وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ قَالَ الْقَاضِي وَخَرَّجَ بَعْضُ مُحَقِّقِي الْعَرَبِيَّةِ لِرِوَايَةِ النَّصْبِ وَجْهًا فَقَالَ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ قَالَ وَلَفْظَةُ إِلَّا هنا للإيجاب لا للاستثناء وتقديره لاتخرجوا اذا لم يكن خروجكم إلافرارا مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ كُلَّهَا مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَذَكَرَ فِي الطُّرُقِ الثَّلَاثِ فِي آخِرِ الْبَابِ مَا يُوهِمُ أَوْ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بن أبى وقاص عنالنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ هَذَا وَهْمٌ إِنَّمَا هُوَ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدٍ عَنْ أُسَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ [2219] (حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغٍ لَقِيَهُ أَهْلُ الْأَجْنَادِ) أَمَّا سَرْغٌ فَبِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ رَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ غَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَحَكَى الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَيْضًا فَتْحَ الرَّاءِ وَالْمَشْهُورُ إِسْكَانُهَا وَيَجُوزُ صَرْفُهُ وَتَرْكُهُ وَهِيَ قَرْيَةٌ فِي طَرَفِ الشَّامِ مِمَّا يَلِي الْحِجَازَ وَقَوْلُهُ أهل الاجناد وفى غيره هذه الروايةأمراء الْأَجْنَادِ وَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَادِ هُنَا مُدُنُ الشَّامِ الْخَمْسُ وَهِيَ فِلَسْطِينُ وَالْأُرْدُنُّ وَدِمَشْقُ وَحِمْصٌ وَقِنِّسْرِينُ هَكَذَا فَسَّرُوهُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِلَسْطِينَ اسْمٌ لِنَاحِيَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْأَرْدُنُّ اسْمٌ لِنَاحِيَةِ سِيَّانَ وَطَبَرِيةَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا وَلَا يَضُرُّ إِطْلَاقُ اسْمِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (ادْعُ لِيَ الْمُهَاجِرِينَ

الْأَوَّلِينَ فَدَعَا ثُمَّ دَعَا الْأَنْصَارَ ثُمَّ مَشْيَخَةَ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ) إِنَّمَا رَتَّبَهُمْ هَكَذَا عَلَى حَسَبِ فَضَائِلِهِمْ قَالَ الْقَاضِي الْمُرَادُ بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ مَنْ صَلَّى لِلْقِبْلَتَيْنِ فَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ بعد تحويل القبلة فلايعد فِيهِمْ قَالَ وَأَمَّا مُهَاجِرَةُ الْفَتْحِ فَقِيلَ هُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَ الْفَتْحِ فَحَصَلَ لَهُمْ فَضْلٌ بالهجرة قبل الفتح إذلاهجرة بَعْدَ الْفَتْحِ وَقِيلَ هُمْ مُسْلِمَةُ الْفَتْحِ الَّذِينَ هَاجَرُوا بَعْدَهُ فَحَصَلَ لَهُمُ اسْمٌ دُونَ الْفَضِيلَةِ قال القاضي هذا أظهر لأنهم الذين ينطلق عليهم مشخة قُرَيْشٍ وَكَانَ رُجُوعُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لرجحان طرف الرجوع لكثرة القائلين وَأَنَّهُ أَحْوَطُ وَلَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ تَقْلِيدٍ لِمُسْلِمَةِ الْفَتْحِ لِأَنَّ بَعْضَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَبَعْضَ الْأَنْصَارِ أَشَارُوا بِالرُّجُوعِ وَبَعْضَهُمْ بِالْقُدُومِ عَلَيْهِ وَانْضَمَّ إِلَى المشيرين بالرجوع رأى مشيخة قريش فكثر القائلين به مع مالهم مِنَ السِّنِّ وَالْخِبْرَةِ وَكَثْرَةِ التَّجَارِبِ وَسَدَادِ الرَّأْيِ وحجة الطائفين وَاضِحَةٌ مُبَيَّنَةٌ فِي الْحَدِيثِ وَهُمَا مُسْتَمَدَّانِ مِنْ أَصْلَيْنِ فِي الشَّرْعِ أَحَدُهُمَا التَّوَكُّلُ وَالتَّسْلِيمُ لِلْقَضَاءِ والثانى الاحتياط الحذر ومجانبة أسبابالالقاء بِالْيَدِ إِلَى التَّهْلُكَةِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ إِنَّمَا رَجَعَ عُمَرُ لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كَمَا قَالَ مُسْلِمٌ هُنَا فِي رِوَايَتِهِ عَنِ بن شِهَابٍ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ إِنَّ عُمَرَ إِنَّمَا انْصَرَفَ بِالنَّاسِ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالُوا وَلِأَنَّهُ لَمْ يكن ليرجع

لِرَأْيٍ دُونَ رَأْيٍ حَتَّى يَجِدَ عِلْمًا وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ قَوْلُهُ (إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا) فَقَالُوا أَيْ مُسَافِرٌ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي قَصَدْنَاهَا أَوَّلًا لَا لِلرُّجُوعِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ وَمَذْهَبٌ ضَعِيفٌ بَلِ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَوْ صَرِيحُهُ أَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ الرُّجُوعَ أَوَّلًا بِالِاجْتِهَادِ حِينَ رَأَى الْأَكْثَرِينَ عَلَى تَرْكِ الرُّجُوعِ مَعَ فَضِيلَةِ الْمُشِيرِينَ بِهِ وَمَا فِيهِ مِنَ الِاحْتِيَاطِ ثُمَّ بَلَغَهُ حديث عبد الرحمن فحمدالله تَعَالَى وَشَكَرَهُ عَلَى مُوَافَقَةِ اجْتِهَادِهِ وَاجْتِهَادِ مُعْظَمِ أَصْحَابِهِ نَصَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا قول مسلم انه انما رَجَعَ لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ سَالِمًا لَمْ يَبْلُغْهُ مَا كَانَ عُمَرُ عَزَمَ عَلَيْهِ مِنَ الرُّجُوعِ قَبْلَ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَهُ ويحتمل أنه أراد لم يرجع الابعد حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ) هُوَ بِإِسْكَانِ الصاد فبهما أَيْ مُسَافِرٌ رَاكِبٌ عَلَى ظَهْرِ الرَّاحِلَةِ رَاجِعٌ إِلَى وَطَنِي فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ وَتَأَهَّبُوا لَهُ قَوْلُهُ (فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُ خِلَافَهُ نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لوكان لَكَ إِبِلٌ فَهَبَطْتَ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إِحْدَاهُمَا خَصِيبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصِيبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ) أَمَّا الْعُدْوَةُ فَبِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا وَهِيَ جَانِبُ الْوَادِي وَالْجَدْبَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ ضِدُّ الْخَصِيبَةِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ الْجَدْبَةُ هُنَا بِسُكُونِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا قَالَ وَالْخِصْبَةُ كَذَلِكَ أَمَّا قَوْلُهُ لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا ياأبا عُبَيْدَةَ فَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ وَفِي تَقْدِيرِهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا لَوْ قَالَهُ غَيْرُكَ لَأَدَّبْتُهُ لِاعْتِرَاضِهِ عَلَيَّ فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ وَافَقَنِي عَلَيْهَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَأَهْلُ الْحِلِّ وَالْعَقْدِ فيها والثاني

لَوْ قَالَهَا غَيْرُكَ لَمْ أَتَعَجَّبْ مِنْهُ وَإِنَّمَا أَتَعَجَّبُ مِنْ قَوْلِكَ أَنْتَ ذَلِكَ مَعَ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ عُمَرُ دَلِيلًا وَاضِحًا مِنَ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ الذى لاشك فى صحبه وَلَيْسَ ذَلِكَ اعْتِقَادًا مِنْهُ أَنَّ الرُّجُوعَ يَرُدُّ الْمَقْدُورَ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالِاحْتِيَاطِ وَالْحَزْمِ وَمُجَانَبَةِ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ كَمَا أَمَرَ سبحانه بِالتَّحَصُّنِ مِنْ سِلَاحِ الْعَدُوِّ وَتَجَنُّبِ الْمَهَالِكِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ وَاقِعٌ فَبِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهُ السَّابِقِ فِي عِلْمِهِ وَقَاسَ عُمَرُ عَلَى رَعْيِ الْعُدْوَتَيْنِ لكونه واضحا لاينازع فِيهِ أَحَدٌ مَعَ مُسَاوَاتِهِ لِمَسْأَلَةِ النِّزَاعِ قَوْلُهُ (أَكُنْتَ مُعَجِّزَهُ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ أَيْ تَنْسُبُهُ إِلَى الْعَجْزِ مَقْصُودُ عُمَرَ أَنَّ الناس رعية لى استر عانيها اللَّهُ تَعَالَى فَيَجِبُ عَلِيَّ الِاحْتِيَاطُ لَهَا فَإِنْ تَرَكْتُهُ نُسِبْتُ إِلَى الْعَجْزِ وَاسْتَوْجَبْتُ الْعُقُوبَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا الْمَحَلُّ أَوْ قَالَ هَذَا الْمَنْزِلُ) هُمَا بِمَعْنًى وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا والفتح أقبس فَإِنَّ مَا كَانَ عَلَى وَزْنِ فَعَلَ وَمُضَارِعُهُ يَفْعُلُ بِضَمِّ ثَالِثِهِ كَانَ مَصْدَرُهُ وَاسْمُ الزَّمَانِ والمكان منه مفعلا بالفتح كقعد يقعد مقعدا ونظائره إلاأحرفا شَذَّتْ جَاءَتْ بِالْوَجْهَيْنِ مِنْهَا الْمَحَلُّ قَوْلُهُ فِي الاسناد (عن مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ كَذَا قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ على اختلافهم قَالَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ

مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن الحارث وأما البخارى فلم يخرجه إلامن طَرِيقِ مَالِكٍ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي حَدِيثِ عُمَرَ هَذَا فَوَائِدَ كَثِيرَةً مِنْهَا خُرُوجُ الْإِمَامِ بِنَفْسِهِ فِي وِلَايَتِهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِيُشَاهِدَ أَحْوَالَ رَعِيَّتِهِ وَيُزِيلَ ظُلْمَ الْمَظْلُومِ وَيَكْشِفَ كَرْبَ الْمَكْرُوبِ وَيَسُدَّ خَلَّةَ الْمُحْتَاجِ وَيَقْمَعَ أَهْلَ الْفَسَادِ وَيَخَافَهُ أَهْلُ الْبَطَالَةِ وَالْأَذَى وَالْوُلَاةِ وَيَحْذَرُوا تَجَسُّسَهُ عَلَيْهِمْ وَوُصُولَ قَبَائِحِهِمْ إِلَيْهِ فَيَنْكُفُوا وَيُقِيمَ فِي رَعِيَّتِهِ شَعَائِرَ الْإِسْلَامِ وَيُؤَدِّبَ مَنْ رَآهُمْ مُخِلِّينَ بِذَلِكَ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ وَمِنْهَا تَلَقِّي الْأُمَرَاءِ وَوُجُوهِ النَّاسِ الْإِمَامَ عِنْدَ قُدُومِهِ وَإِعْلَامُهُمْ إِيَّاهُ بِمَا حَدَثَ فِي بِلَادِهِمْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَوَبَاءٍ وَرُخْصٍ وَغَلَاءٍ وَشِدَّةٍ وَرَخَاءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ مُشَاوَرَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالرَّأْيِ فِي الْأُمُورِ الْحَادِثَةِ وَتَقْدِيمُ أَهْلِ السَّابِقَةِ فِي ذَلِكَ وَمِنْهَا تَنْزِيلُ النَّاسِ مَنَازِلَهُمْ وَتَقْدِيمُ أَهْلِ الْفَضْلِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَالِابْتِدَاءُ بِهِمْ فِي الْمَكَارِمِ وَمِنْهَا جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي الْحُرُوبِ وَنَحْوِهَا كَمَا يَجُوزُ فِي الْأَحْكَامِ وَمِنْهَا قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُمْ قَبِلُوا خَبَرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمِنْهَا صِحَّةُ الْقِيَاسِ وَجَوَازُ الْعَمَلِ بِهِ وَمِنْهَا ابْتِدَاءُ الْعَالِمِ بِمَا عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ كَمَا فَعَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهَا اجْتِنَابُ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ وَمِنْهَا مَنْعُ الْقُدُومِ عَلَى الطَّاعُونِ وَمَنْعُ الْفِرَارِ منه والله أعلم

باب لاعدوى ولاطيرة ولاهامة ولاصفر ولانوء ولاغول

(باب لاعدوى ولاطيرة ولاهامة ولاصفر ولانوء ولاغول ولايورد ممرض على مصح) [2220] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أبى هريرة (لاعدوى ولا صفر ولاهامة فقال أعرابى يارسول اللَّهِ فَمَا بَالُ الْإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ فَيَجِيءُ الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ فِيهَا فَيُجْرِبُهَا كُلَّهَا قَالَ فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ) وَفِي روايةلاعدوى ولاطيرة ولاصفر ولاهامة [2221] وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُحَدِّثُ بحديث لاعدوى وَيُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضا أنه قال لايورد ممرض على مصحح ثُمَّ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ اقْتَصَرَ عَلَى رِوَايَةِ حديث لايورد ممرض على مصح وأمسك عن حديث لاعدوى فَرَاجِعُوهُ فِيهِ وَقَالُوا لَهُ إِنَّا سَمِعْنَاكَ تُحَدِّثُهُ فَأَبَى أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ الراوي عن أبى هريرة فلاأدرى أَنَسِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَوْ نَسَخَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَهُمَا صَحِيحَانِ قَالُوا وَطَرِيقُ الْجَمْعِ أن حديث لاعدوى الْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَزْعُمُهُ وتعتقده أن المرض والعاهة تعدى بطبعها لابفعل الله تعالى وأما حديث لايورد

مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ فَأُرْشِدَ فِيهِ إِلَى مُجَانَبَةِ مَا يَحْصُلُ الضَّرَرُ عِنْدَهُ فِي الْعَادَةِ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْرِهِ فَنَفَى فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الْعَدْوَى بِطَبْعِهَا وَلَمْ يَنْفِ حُصُولَ الضَّرَرِ عِنْدَ ذَلِكَ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِعْلِهِ وَأَرْشَدَ فِي الثَّانِي إِلَى الِاحْتِرَازِ مِمَّا يَحْصُلُ عِنْدَهُ الضَّرَرُ بِفِعْلِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ وَقَدَرِهِ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَصْحِيحِ الْحَدِيثَيْنِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ ولايؤثر نسيان أبى هريرة لحديث لاعدوى لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ نِسْيَانَ الرَّاوِي لِلْحَدِيثِ الَّذِي رواه لايقدح فِي صِحَّتِهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ بَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ ثَابِتٌ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وبن عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَكَى الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أن حديث لايورد ممرض على مصح منسوخ بحديث لاعدوى وَهَذَا غَلَطٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّسْخَ يُشْتَرَطُ فِيهِ تَعَذُّرُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ بَلْ قَدْ جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا وَالثَّانِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ التَّارِيخِ وَتَأَخُّرُ النَّاسِخِ وَلَيْسَ ذَلِكَ موجودا هنا وقال آخرون حديث لاعدوى عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ إِيرَادِ الْمُمْرِضِ عَلَى الْمُصِحِّ فَلَيْسَ لِلْعَدْوَى بَلْ لِلتَّأَذِّي بِالرَّائِحَةِ الكريهة وقبح صورته وصورة المجذوم والصواب ماسبق وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2220] (ولاصفر) فِيهِ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا الْمُرَادُ تَأْخِيرُهُمْ تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمِ إِلَى صَفَرَ وَهُوَ النَّسِيءُ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وبهذا

قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَالثَّانِي أَنَّ الصَّفَرَ دَوَابٌّ فِي الْبَطْنِ وَهِيَ دُودٌ وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ فِي الْبَطْنَ دَابَّةً تَهِيجُ عِنْدَ الْجُوعِ وَرُبَّمَا قَتَلَتْ صَاحِبَهَا وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَرَاهَا أَعْدَى مِنَ الْجَرَبِ وَهَذَا التَّفْسِيرُ هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قال مطرف وبن وهب وبن حَبِيبٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَخَلَائِقُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَاوِي الْحَدِيثِ فَيَتَعَيَّنَ اعْتِمَادُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هَذَا وَالْأَوَّلَ جَمِيعًا وَأَنَّ الصَّفَرَيْنِ جَمِيعًا باطلان لاأصل لهما ولاتصريح عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (ولاهامة) فيه تأويلان أحدهما أن العرب كانت تتشاءم باطامة وَهِيَ الطَّائِرُ الْمَعْرُوفُ مِنْ طَيْرِ اللَّيْلِ وَقِيلَ هِيَ الْبُومَةُ قَالُوا كَانَتْ إِذَا سَقَطَتْ عَلَى دار أحدهم رآها ناعية له نفسه أوبعض أَهْلِهِ وَهَذَا تَفْسِيرُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالثَّانِي أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّ عِظَامَ الْمَيِّتِ وَقِيلَ رُوحُهُ تَنْقَلِبُ هَامَةً تَطِيرُ وَهَذَا تَفْسِيرُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ النَّوْعَيْنِ فَإِنَّهُمَا جَمِيعًا بَاطِلَانِ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْطَالَ ذَلِكَ وَضَلَالَةَ

الجاهلية فيما تعتقده من ذلك والهامة بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي لَمْ يَذْكُرُ الْجُمْهُورُ غَيْرَهُ وَقِيلَ بِتَشْدِيدِهَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ الْإِمَامِ فِي اللغة قوله صلى الله عليه وسلم (ولانوء) أى لاتقولوا مطرنا بنوء كذا ولاتعتقدوه وَسَبَقَ شَرْحُهُ وَاضِحًا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم [2222] (ولاغول) قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ كَانَتِ الْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ الغيلان

فِي الْفَلَوَاتِ وَهِيَ جِنْسٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ فَتَتَرَاءَى للناس وتتغول تَغَوُّلًا أَيْ تَتَلَوَّنُ تَلَوُّنًا فَتُضِلُّهُمْ عَنِ الطَّرِيقِ فتهلكهم فأبطل النبى صلىالله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ وَقَالَ آخَرُونَ لَيْسَ الْمُرَادُ بالحديث نفي وجود الغول وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ إِبْطَالُ مَا تَزْعُمُهُ الْعَرَبُ مِنْ تَلَوُّنِ الْغُولِ بِالصُّوَرِ الْمُخْتَلِفَةِ وَاغْتِيَالِهَا قَالُوا وَمَعْنَى لاغول أى لاتستطيع أَنْ تَضِلَّ أَحَدًا وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثٌ آخَرُ لاغول وَلَكِنِ السَّعَالِيَ قَالَ الْعُلَمَاءُ السَّعَالِي بِالسِّينِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُمْ سَحَرَةُ الْجِنِّ أَيْ وَلَكِنْ فِي الْجِنِّ سَحَرَةٌ لَهُمْ تَلْبِيسٌ وَتَخَيُّلٌ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ إِذَا تَغَوَّلَتِ الْغِيلَانُ فَنَادُوا بِالْأَذَانِ أَيِ ارْفَعُوا شَرَّهَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ أَصْلِ وُجُودِهَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ كَانَ لِي تَمْرٌ فِي سَهْوَةٍ وَكَانَتِ الْغُولُ تَجِيءُ فَتَأْكُلُ مِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْبَعِيرَ الْأَوَّلَ الَّذِي جرد من أجر به أى وأنتم تعملون تعترفون أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَوْجَدَ ذَلِكَ من غير ملاصقة لبعير أجرب فاعملوا أَنَّ الْبَعِيرَ الثَّانِي وَالثَّالِثَ وَمَا بَعْدَهُمَا إِنَّمَا جرب بفعل الله تعالى وإرادته لابعدوى تُعْدِي بِطَبْعِهَا وَلَوْ كَانَ الْجَرَبُ بِالْعَدْوَى بِالطَّبَائِعِ لَمْ يَجْرَبِ الْأَوَّلُ لِعَدَمِ الْمُعْدِي فَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ لِإِبْطَالِ قَوْلِهِمْ فِي الْعَدْوَى بطبعها قوله صلى الله عليه وسلم (لايورد مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ) قَوْلُهُ يُورِدُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالْمُمْرِضُ وَالْمُصِحُّ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالصَّادِ وَمَفْعُولُ يُورِدُ محذوف أى لايورد إِبِلَهُ الْمِرَاضَ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُمْرِضُ صَاحِبُ الْإِبِلِ الْمِرَاضِ وَالْمُصِحُّ صَاحِبُ الْإِبِلِ الصِّحَاحِ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ لايورد صَاحِبُ الْإِبِلِ الْمِرَاضِ إِبِلَهُ عَلَى إِبِلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الصِّحَاحِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَصَابَهَا الْمَرَضُ بِفِعْلِ الله تعال وقدره الذى أجرى به العادة لابطبعها فَيَحْصُلُ لِصَاحِبِهَا ضَرَرٌ بِمَرَضِهَا وَرُبَّمَا حَصَلَ لَهُ ضَرَرٌ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ بِاعْتِقَادِ الْعَدْوَى بِطَبْعِهَا فيكفر والله أعلم قوله (كان أبو هرير يُحَدِّثُهُمَا كِلْتَيْهِمَا) كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ كِلْتَيْهِمَا بِالتَّاءِ وَالْيَاءِ مَجْمُوعَتَيْنِ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الكلمتين أو القصتين أو المألتين وَنَحْوِ ذَلِكَ قَوْلُهُ (قَالَ

(باب الطيره والفأل ومايكون فيه الشؤم)

أَبُو الزُّبَيْرِ هَذِهِ الْغُولُ الَّتِي تَغَوَّلُ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا قَالَ أَبُو الزبير وكذا نقله القاضي عن الجمهور قال وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ أَحَدُ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ (أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ الصَّفَرِ هِيَ دَوَابُّ الْبَطْنِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا دَوَابُّ بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ قَالَ وَفِي رِوَايَةِ الْعُذْرِيِّ ذَوَاتُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَلَهُ وَجْهٌ وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ الْمَعْرُوفَ هُوَ الْأَوَّلُ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ صَلَّى الله عليه وسلم لاعدوى فَقِيلَ هُوَ نَهْيٌ عَنْ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ أو يعتقد وقيل هو خبر أى لاتقع عدوى بطبعها (باب الطيره والفأل ومايكون فيه الشُّؤْمِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2223] (لَا طيرة وخيرها الفأل) قيل يارسول اللَّهِ وَمَا الْفَأْلُ قَالَ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ الصَّالِحَةُ يسمعها أحدكم [2224] وفى رواية لاطيرة وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ [2223] وَفِي رِوَايَةٍ وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ أَمَّا الطِّيَرَةُ فَبِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ عَلَى وَزْنِ الْعِنَبَةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَكُتُبِ اللغة والغريب وحكى القاضي وبن الأثير أن منهم من سكنالياء وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ قَالُوا وَهِيَ مَصْدَرُ تَطَيَّرَ طِيَرَةً قالوا ولم يجيء فى المصادر على هذا الوزن إلاتطير طِيَرَةً وَتَخَيَّرَ خِيَرَةً بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَجَاءَ فِي الْأَسْمَاءِ حَرْفَانِ وَهُمَا شَيْءٌ طِيَبَةٌ أَيْ طَيِّبٌ والتولة بكسرالتاء الْمُثَنَّاةِ وَضَمِّهَا وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ السِّحْرِ وَقِيلَ يشبه السحر وقال الأصمعى هو ماتتحبب به المرأة إلى زوجها والتطير التشاءم وَأَصْلُهُ الشَّيْءُ الْمَكْرُوهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ مَرْئِيٍّ وَكَانُوا يَتَطَيَّرُونَ بِالسَّوَانِحِ وَالْبَوَارِحِ فَيُنَفِّرُونَ الظِّبَاءَ وَالطُّيُورَ فَإِنْ أَخَذَتْ ذَاتَ الْيَمِينِ تَبَرَّكُوا بِهِ وَمَضَوْا فِي سَفَرِهِمْ وَحَوَائِجِهِمْ وَإِنْ

أَخَذَتْ ذَاتَ الشِّمَالِ رَجَعُوا عَنْ سَفَرِهِمْ وَحَاجَتِهِمْ وَتَشَاءَمُوا بِهَا فَكَانَتْ تَصُدُّهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ عَنْ مَصَالِحِهِمْ فَنَفَى الشَّرْعُ ذَلِكَ وَأَبْطَلَهُ وَنَهَى عَنْهُ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرٌ بنفع ولاضر فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاطيرة وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ الطِّيَرَةُ شِرْكٌ أَيِ اعْتِقَادُ أَنَّهَا تَنْفَعُ أَوْ تَضُرُّ إِذْ عَمِلُوا بِمُقْتَضَاهَا معتقدين تأثيرها فهو شركلأنهم جَعَلُوا لَهَا أَثَرًا فِي الْفِعْلِ وَالْإِيجَادِ وَأَمَّا الْفَأْلُ فَمَهْمُوزٌ وَيَجُوزُ تَرْكُ هَمْزِهِ وَجَمْعُهُ فُؤُولٌ كَفَلْسٍ وَفُلُوسٍ وَقَدْ فَسَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ الصَّالِحَةِ وَالْحَسَنَةِ وَالطَّيِّبَةِ قَالَ العلماء يكون الفأل فيما يسروفيما يسوء والغالب فى السرور والطيرة ولايكون إلافيما يَسُوءُ قَالُوا وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي السُّرُورِ يُقَالُ تَفَاءَلْتُ بِكَذَا بِالتَّخْفِيفِ وَتَفَأَّلْت بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَالْأَوَّلُ مُخَفَّفٌ مِنْهُ وَمَقْلُوبٌ عَنْهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا أُحِبُّ الْفَأْلَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَمَلَ فَائِدَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَفَضْلَهُ عِنْدَ سَبَبٍ قَوِيٍّ أَوْ ضَعِيفٍ فَهُوَ

عَلَى خَيْرٍ فِي الْحَالِ وَإِنْ غَلِطَ فِي جهة الرجاء فالرجاءله خَيْرٌ وَأَمَّا إِذَا قَطَعَ رَجَاءَهُ وَأَمَلَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ ذَلِكَ شَرٌّ لَهُ وَالطِّيَرَةُ فِيهَا سُوءُ الظَّنِّ وَتَوَقُّعُ الْبَلَاءِ وَمَنْ أَمْثَالِ التَّفَاؤُلِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَرِيضٌ فَيَتَفَاءَلُ بِمَا يَسْمَعُهُ فَيَسْمَعُ مَنْ يَقُولُ يَا سَالِمُ أَوْ يَكُونُ طَالِبَ حَاجَةٍ فَيَسْمَعُ مَنْ يَقُولُ يَا وَاجِدُ فَيَقَعُ فِي قَلْبِهِ رَجَاءُ الْبُرْءِ أَوِ الْوِجْدَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2225] (الشُّؤْمُ فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ) وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ الْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ وَالدَّارِ وَفِي [2226] رِوَايَةٍ إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الْفَرَسِ وَالْمَسْكَنِ وَالْمَرْأَةِ [2227] وَفِي رِوَايَةٍ إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ فَفِي الرَّبْعِ وَالْخَادِمِ وَالْفَرَسِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنَّ الدَّارَ قَدْ يَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى

سُكْنَاهَا سَبَبًا لِلضَّرَرِ أَوِ الْهَلَاكِ وَكَذَا اتِّخَاذُ الْمَرْأَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَوِ الْفَرَسِ أَوِ الْخَادِمِ قَدْ يَحْصُلُ الْهَلَاكُ عِنْدَهُ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَاهُ قَدْ يَحْصُلُ الشُّؤْمُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ إِنْ يَكُنِ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَكَثِيرُونَ هُوَ فِي معنى الاستثناء من الطيرةأى الطِّيَرَةُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ دار يكره سكناها أوامرأة يكره صحبتها أو فرس أوخادم فَلْيُفَارِقِ الْجَمِيعَ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَطَلَاقِ الْمَرْأَةِ وَقَالَ آخَرُونَ شُؤْمُ الدَّارِ ضِيقُهَا وَسُوءُ جِيرَانِهَا وَأَذَاهُمْ وَشُؤْمُ الْمَرْأَةِ عَدَمُ وِلَادَتِهَا

وَسَلَاطَةُ لِسَانِهَا وَتَعَرُّضُهَا لِلرَّيْبِ وَشُؤْمُ الْفَرَسِ أَنْ لايغزى عَلَيْهَا وَقِيلَ حِرَانُهَا وَغَلَاءُ ثَمَنِهَا وَشُؤْمُ الْخَادِمِ سوءخلقه وَقِلَّةُ تَعَهُّدِهِ لِمَا فُوِّضَ إِلَيْهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالشُّؤْمِ هُنَا عَدَمُ الْمُوَافَقَةِ وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْمَلَاحِدَةِ بحديث لاطيرة على هذا فأجاب بن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ هَذَا مَخْصُوصٌ مِنْ حَدِيثِ لَا طِيَرَةَ إِلَّا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْجَامِعُ لِهَذِهِ الْفُصُولِ السابقة فى الأحاديث ثلاثة أقسام أحدها مالم يَقَعِ الضَّرَرُ بِهِ وَلَا اطَّرَدَتْ عَادَةٌ خَاصَّةٌ ولاعامة فهذا لايلتفت إِلَيْهِ وَأَنْكَرَ الشَّرْعُ الِالْتِفَاتَ إِلَيْهِ وَهُوَ الطِّيَرَةُ والثانى ما يقع عنده الضرر عموما الايخصه وزاد لامتكرا كالو باء فلايقدم عليه ولايخرج مِنْهُ وَالثَّالِثُ مَا يَخُصُّ وَلَا يَعُمُّ كَالدَّارِ وَالْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ فَهَذَا يُبَاحُ الْفِرَارُ مِنْهُ وَاللَّهُ أعلم

باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان

(باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [537] (فَلَا تَأْتُوا الكهان) وفى رواية سئل عنالكهان فَقَالَ لَيْسُوا بِشَيْءٍ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَتِ الْكِهَانَةُ فِي الْعَرَبِ ثَلَاثَةُ أَضْرِبٍ أَحَدُهَا يَكُونُ لِلْإِنْسَانِ وَلِيٌّ مِنَ الْجِنِّ يُخْبِرُهُ بِمَا يَسْتَرِقُهُ مِنَ السَّمْعِ مِنَ السَّمَاءِ وَهَذَا الْقِسْمُ بَطَلَ مِنْ حِينِ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّانِي أَنْ يُخْبِرَهُ بِمَا يَطْرَأُ أَوْ يَكُونُ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَمَا خَفِيَ عَنْهُ مِمَّا قَرُبَ أَوْ بَعُدَ وَهَذَا لَا يَبْعُدُ وُجُودُهُ وَنَفَتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَبَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ هذين الضربين وأحالوهما ولااستحالة فى ذلك ولابعد فِي وُجُودِهِ لَكِنَّهُمْ يُصَدِّقُونَ وَيُكَذِّبُونَ وَالنَّهْيُ عَنْ تَصْدِيقِهِمْ وَالسَّمَاعِ مِنْهُمْ عَامٌّ الثَّالِثُ الْمُنَجِّمُونَ وَهَذَا الضَّرْبُ يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ لِبَعْضِ النَّاسِ قُوَّةً مَا لَكِنَّ الْكَذِبَ فِيهِ أَغْلَبُ وَمِنْ هَذَا الْفَنِّ الْعِرَافَةُ وَصَاحِبُهَا عَرَّافٌ وَهُوَ الَّذِي يَسْتَدِلُّ عَلَى الْأُمُورِ بِأَسْبَابٍ وَمُقَدِّمَاتٍ يَدَّعِي مَعْرِفَتَهَا بِهَا وَقَدْ يَعْتَضِدُ بَعْضُ هَذَا الْفَنُّ بِبَعْضٍ فِي ذَلِكَ بِالزَّجْرِ وَالطُّرُقِ وَالنُّجُومِ وَأَسْبَابٍ مُعْتَادَةٍ وَهَذِهِ الْأَضْرُبُ كُلُّهَا تُسَمَّى كِهَانَةً وَقَدْ أَكْذَبَهُمْ كُلَّهُمُ الشَّرْعُ وَنَهَى عَنْ تَصْدِيقِهِمْ وَإِتْيَانِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (ليسوا بشئ) فمعناه بطلان قولهم وأنه لاحقيقة لَهُ وَفِيهِ جَوَازُ إِطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى ماكان باطلا قوله (كما نَتَطَيَّرُ قَالَ ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُهُ أَحَدُكُمْ فِي نفسه فلايصدنكم) مَعْنَاهُ أَنَّ كَرَاهَةَ ذَلِكَ تَقَعُ فِي نُفُوسِكُمْ فى العادة ولكن لاتلتفتوا إليه ولاترجعوا عَمَّا كُنْتُمْ عَزَمْتُمْ عَلَيْهِ قَبْلَ هَذَا وَقَدْ صح

عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال ذكرت الطيرة عندرسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ وَلَا يَرُدُّ مُسْلِمًا فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مايكره فليقل اللهم لايأتى بالحسنات إلا أنت ولايدفع السيئات إلاأنت ولاحول ولاقوة إلابك رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2228] (كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يخط فمن وافق خطه فذلك) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تِلْكَ الْكَلِمَةُ الْحَقُّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيَقْذِفُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ وَيَزِيدُ فِيهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ) أَمَّا يَخْطَفُهَا فَبِفَتْحِ الطَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ كَسْرُهَا وَمَعْنَاهُ اسْتَرَقَهُ وَأَخَذَهُ بِسُرْعَةٍ وَأَمَّا الْكَذْبَةُ فَبِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَالذَّالُ سَاكِنَةٌ فيهما قال القاضي وأنكربعضهم الكسر

إذا أراد الحالة والهيئة وليس هذاموضعها وَمَعْنَى يَقْذِفُهَا يُلْقِيهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْجِنِّ يَخْطَفُهَا فَيَقُرُّهَا فى أذن وليه قرالدجاجة) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِبِلَادِنَا الْكَلِمَةُ مِنَ الْجِنِّ بِالْجِيمِ وَالنُّونِ أَيِ الْكَلِمَةُ الْمَسْمُوعَةُ مِنَ الْجِنِّ أَوِ الَّتِي تَصِحُّ مِمَّا نَقَلَتْهُ الْجِنُّ بِالْجِيمِ وَالنُّونِ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ أَنَّهُ رُوِيَ هَكَذَا وَرُوِيَ أَيْضًا مِنَ الْحَقِّ بِالْحَاءِ وَالْقَافِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَيَقُرُّهَا فَهُوَ بِفَتْحِ الياء وضم القاف وتشديد الراء وقر الدَّجَاجَةِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالدَّجَاجَةُ بِالدَّالِ الدَّجَاجَةُ

المعروفة قال أهل اللغة والغريبالقر تَرْدِيدُ الْكَلَامِ فِي أُذُنِ الْمُخَاطَبِ حَتَّى يَفْهَمَهُ يَقُولُ قَرَرْتُهُ فِيهِ أَقُرُّهُ قَرًّا وَقَرُّ الدَّجَاجَةِ صَوْتُهَا إِذَا قَطَّعَتْهُ يُقَالُ قَرَّتْ تَقُرُّ قَرًّا وَقَرِيرًا فَإِنْ رَدَّدَتْهُ قُلْتُ قَرْقَرَتْ قَرْقَرَةً قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْجِنِّيَّ يَقْذِفُ الْكَلِمَةَ إِلَى وَلِيِّهِ الْكَاهِنِ فَتَسْمَعُهَا الشَّيَاطِينُ كَمَا تُؤْذِنُ الدَّجَاجَةُ بِصَوْتِهَا صَوَاحِبَهَا فَتَتَجَاوَبُ قَالَ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهِيَ أَنْ تَكَوُّنَ الرِّوَايَةُ كَقَرِّ الزُّجَاجَةِ تَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِهِ كَمَا تَقُرُّ الْقَارُورَةُ قَالَ فَذِكْرُ الْقَارُورَةِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الرِّوَايَةِ بِالزُّجَاجَةِ قَالَ الْقَاضِي أَمَّا مُسْلِمٌ فَلَمْ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَةُ فِيهِ أَنَّهُ الدَّجَاجَةُ بِالدَّالِ لَكِنَّ رِوَايَةُ الْقَارُورَةِ تُصَحِّحُ الزُّجَاجَةَ قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ يَكُونَ لِمَا يلقيه إلى وليه حس كحس القارورة عندتحريكها مع اليدأو عَلَى صَفَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ صالح عن بن شِهَابٍ [2229] (وَلَكِنَّهُمْ يَقْرِفُونَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ) هَذِهِ اللَّفْظَةُ ضَبَطُوهَا مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ

عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالرَّاءِ وَالثَّانِي بِالذَّالِ وَوَقَعَ فى رواية الأوزاعى وبن مَعْقِلٍ الرَّاءُ بِاتِّفَاقِ النُّسَخِ وَمَعْنَاهُ يَخْلِطُونَ فِيهِ الْكَذِبَ وَهُوَ بِمَعْنَى يَقْذِفُونَ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ يَرْقَوْنَ قَالَ الْقَاضِي ضَبَطْنَاهُ عَنْ شُيُوخِنَا بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ قَالَ بَعْضُهُمْ صَوَابُهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ قَالَ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ قَالَ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى يَزِيدُونَ يُقَالُ رَقِيَ فُلَانٌ إِلَى الْبَاطِلِ بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ رَفَعَهُ وَأَصْلُهُ من الصعود أى يدعون فيها فوق ماسمعوا قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ يَصِحُّ الرِّوَايَةُ الْأَوْلَى عَلَى تَضْعِيفِ هَذَا الْفِعْلِ وَتَكْثِيرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2230] (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) أَمَّا الْعَرَّافُ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ أَنْوَاعِ الْكُهَّانِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ الْعَرَّافُ هُوَ الَّذِي يَتَعَاطَى مَعْرِفَةَ مَكَانِ الْمَسْرُوقِ وَمَكَانَ الضَّالَّةِ وَنَحْوِهِمَا وَأَمَّا عَدَمُ قَبُولِ صلاته فمعناه أنه لاثواب لَهُ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مُجْزِئَةً فِي سُقُوطِ الفرض عنه ولايحتاج مَعَهَا إِلَى إِعَادَةٍ وَنَظِيرُ هَذِهِ الصَّلَاةُ فِي الأرض المغصوبة مجزئة مسقطة للقضاء ولكن لاثواب فِيهَا كَذَا قَالَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا قَالُوا فَصَلَاةُ الْفَرْضِ وَغَيْرُهَا مِنَ الْوَاجِبَاتِ إِذَا أُتِيَ بِهَا على وجهها الكامل ترتب عليها شيئان سقوطالفرض عَنْهُ وَحُصُولُ الثَّوَابِ فَإِذَا أَدَّاهَا فِي أَرْضٍ مغصوبة حصل الأول دون الثانى ولابدمن هَذَا التَّأْوِيلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ متفقون على أنه لايلزم مَنْ أَتَى الْعَرَّافَ إِعَادَةُ صَلَوَاتِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب اجتناب المجذوم ونحوه)

(بَاب اجْتِنَابِ الْمَجْذُومِ وَنَحْوِهِ) قَوْلُهُ [2231] (كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ) هَذَا مُوَافِقٌ لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ لاعدوى وأنه غير مخالف لحديث لايورد مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ قَالَ الْقَاضِي قَدِ اخْتَلَفَ الْآثَارُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ الْمَجْذُومِ فَثَبَتَ عَنْهُ الْحَدِيثَانِ الْمَذْكُورَانِ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مَعَ الْمَجْذُومِ وَقَالَ لَهُ كُلْ ثقة بالله وتوكلاعليه وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَوْلًى مَجْذُومٌ فَكَانَ يَأْكُلُ فِي صِحَافِي وَيَشْرَبُ فِي أَقْدَاحِي وَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِي قَالَ وَقَدْ ذَهَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ إِلَى الْأَكْلِ مَعَهُ وَرَأَوْا أَنَّ الْأَمْرَ بِاجْتِنَابِهِ مَنْسُوخٌ وَالصَّحِيحُ الَّذِي قاله الأكثرون ويتعين المصير إليه أنه لانسخ بَلْ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَحَمْلُ الْأَمْرِ بِاجْتِنَابِهِ وَالْفِرَارِ مِنْهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ لَا لِلْوُجُوبِ وَأَمَّا الْأَكْلُ مَعَهُ فَفَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمَرْأَةِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ إِذَا وَجَدَتْ زَوْجَهَا مَجْذُومًا أَوْ حَدَثَ بِهِ جُذَامٌ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَأَصْحَابُ مَالِكٍ فِي أَنَّ أَمَتَهُ هَلْ لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا مِنَ اسْتِمْتَاعِهِ إِذَا أَرَادَهَا قَالَ الْقَاضِي قَالُوا وَيُمْنَعُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَالِاخْتِلَاطِ بِالنَّاسِ قَالَ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُمْ إِذَا كَثُرُوا هَلْ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا لِأَنْفُسِهِمْ مَوْضِعًا مُنْفَرِدًا خَارِجًا عَنِ النَّاسِ وَلَا يُمْنَعُوا مِنَ التَّصَرُّفِ فِي مَنَافِعِهِمْ وَعَلَيْهِ أكثر الناس أم لايلزمهم التَّنَحِّي قَالَ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الْقَلِيلِ مِنْهُمْ في أنهم لايمنعون قال ولايمنعون مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مَعَ النَّاسِ وَيُمْنَعُونَ مِنْ غيرها قال ولو استضر أهل قرية فِيهِمْ جَذْمَى بِمُخَالَطَتِهِمْ فِي الْمَاءِ فَإِنْ قَدَرُوا على استنباط ماء بلاضرر أُمِرُوا بِهِ وَإِلَّا اسْتَنْبَطَهُ لَهُمُ الْآخَرُونَ أَوْ اقاموا من يستقى لهم والا فلايمنعون والله أعلم

(كتاب قتل الحيات وغيرها)

(كتاب قَتْلِ الْحَيَّاتِ وَغَيْرِهَا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم [2233] (اقتلوا الحيات وذا الطفيتين والأبترفانهما يَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَلَ وَيَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ) وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ بن عُمَرَ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ فَكُنْتُ لاأترك حَيَّةً أَرَاهَا إِلَّا قَتَلْتُهَا فَبَيْنَا أَنَا أُطَارِدُ حية يوما من ذوات البيوت مربى زيد بن الخطاب أوأبو لُبَابَةَ وَأَنَا أُطَارِدُهَا فَقَالَ مَهْلًا يَا عَبْدَ اللَّهِ فَقُلْتُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَ بِقَتْلِهِنَّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قدنهى عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ وَفِي رِوَايَةٍ نَهَى عَنْ قَتْلِ الْجِنَانِ الَّتِي فِي الْبُيُوتِ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ قَتَلَ حَيَّةً فِي بَيْتِهِ فَمَاتَ فِي الْحَالِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ لِهَذِهِ البيوت عوامر فإذا رأيتم شيئا منها فخرجوا عليها ثلاثا فان ذهب والافاقتلوه فَإِنَّهُ كَافِرٌ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِقَتْلِ الْحَيَّةِ الَّتِي خَرَجَتْ عَلَيْهِمْ وَهُمْ

بغار مني قال المازري لاتقتل حَيَّاتُ مَدِينَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلابانذارها كَمَا جَاءَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَإِذَا أَنْذَرَهَا وَلَمْ تَنْصَرِفْ قَتَلَهَا وَأَمَّا حَيَّاتُ غَيْرِ الْمَدِينَةِ فىجميع الْأَرْضِ وَالْبُيُوتِ وَالدُّورِ فَيُنْدَبُ قَتْلُهَا مِنْ غَيْرِ إِنْذَارٍ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْأَمْرِ بِقَتْلِهَا فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ خَمْسٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ مِنْهَا الْحَيَّةُ وَلَمْ يَذْكُرْ إِنْذَارًا وَفِي حَدِيثِ الْحَيَّةُ الْخَارِجَةُ بِمِنًى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بقتلها ولم يذكر أَنْذَرُوهَا قَالُوا فَأَخَذَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي اسْتِحْبَابِ قَتْلِ الْحَيَّاتِ مُطْلَقًا وَخُصَّتِ الْمَدِينَةُ بِالْإِنْذَارِ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِيهَا وَسَبَبُهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَسْلَمَ طَائِفَةٌ مِنَ الْجِنِّ بِهَا وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى عُمُومِ النَّهْيِ فِي حَيَّاتِ الْبُيُوتِ بِكُلِّ بَلَدٍ حَتَّى تُنْذَرَ وَأَمَّا مَا لَيْسَ فِي الْبُيُوتِ فَيُقْتَلُ مِنْ غَيْرِ إِنْذَارٍ قَالَ مَالِكٌ يُقْتَلُ مَا وُجِدَ مِنْهَا فِي الْمَسَاجِدِ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْأَمْرُ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ مُطْلَقًا مَخْصُوصٌ بِالنَّهْيِ عَنْ جنان البيوت إلاالأبتر وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ كَانَا فِي الْبُيُوتِ أَمْ غَيْرِهَا وَإِلَّا ماظهر مِنْهَا بَعْدَ الْإِنْذَارِ قَالَ وَيُخَصُّ مِنَ النَّهْيِ عن قتل جنان البيوت الأبتر وذوالطفيتين وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا صِفَةُ الْإِنْذَارِ فَقَالَ الْقَاضِي روى بن حَبِيبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَقُولُ أَنْشُدُكُنَّ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُمْ سليمان بن داود أن لاتؤذنا ولاتظهرن لنا وقال مالك يكفى أن يقول أخرج عليك بالله واليوم الآخر أن لاتبدو لَنَا وَلَا تُؤْذِيَنَا وَلَعَلَّ مَالِكًا أَخَذَ لَفْظَ التحريج مما وقع فى صحيح مسلم فخرجوا عَلَيْهَا ثَلَاثًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ذَا الطُّفْيَتَيْنِ) هُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ قَالَ الْعُلَمَاءُ هُمَا الْخَطَّانِ الْأَبْيَضَانِ عَلَى ظَهْرِ الْحَيَّةِ وَأَصْلُ الطُّفْيَةِ خُوصَةُ الْمُقَلِ وَجَمْعُهَا طُفًى شِبْهُ الْخَطَّيْنِ عَلَى ظَهْرِهَا بخوصتى المقل وأما الأبترفهو قَصِيرُ الذَّنَبِ وَقَالَ نَضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ هُوَ صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب لاتنظر إليه حامل إلا ألقت مافى بَطْنِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَلَ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْحَامِلَ إِذَا نَظَرَتْ إِلَيْهِمَا وَخَافَتْ أَسْقَطَتِ الْحَمْلَ غَالِبًا وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ يُرَى ذَلِكَ مِنْ سُمِّهِمَا وَأَمَّا يَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ ذَكَرَهُمَا الْخَطَّابِيُّ وَآخَرُونَ أَحَدُهُمَا مَعْنَاهُ يَخْطَفَانِ الْبَصَرَ وَيَطْمِسَانِهِ بِمُجَرَّدِ نَظَرِهِمَا إِلَيْهِ لِخَاصَّةٍ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي بَصَرَيْهِمَا إِذَا وَقَعَ عَلَى بَصَرِ الْإِنْسَانِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى فِي مُسْلِمٍ يَخْطَفَانِ الْبَصَرَ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى يَلْتَمِعَانِ الْبَصَرَ وَالثَّانِي أَنَّهُمَا يَقْصِدَانِ الْبَصَرَ بِاللَّسْعِ وَالنَّهْشِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَفِي الْحَيَّاتِ نَوْعٌ يُسَمَّى النَّاظِرُ إِذَا وَقَعَ نَظَرُهُ عَلَى عين انسان

مَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (يُطَارِدُ حَيَّةً) أَيْ يَطْلُبُهَا وَيَتَتَبَّعُهَا لِيَقْتُلَهَا قَوْلُهُ (نَهَى عن قتل

الْجِنَانِ) هُوَ بِجِيمٍ مَكْسُورَةٍ وَنُونٍ مَفْتُوحَةٍ وَهِيَ الْحَيَّاتُ جَمْعُ جَانٍّ وَهِيَ الْحَيَّةُ الصَّغِيرَةُ وَقِيلَ الدَّقِيقَةُ الْخَفِيفَةُ وَقِيلَ الدَّقِيقَةُ الْبَيْضَاءُ قَوْلُهُ (يَفْتَحُ خَوْخَةً) هِيَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَهِيَ كَوَّةٌ بَيْنَ دَارَيْنِ أَوْ بَيْتَيْنِ

يَدْخُلُ مِنْهَا وَقَدْ تَكُونُ فِي حَائِطٍ مُنْفَرِدٍ قوله صلى الله عليه وسلم (ويتتبعان مافى بُطُونِ النِّسَاءِ) أَيْ يُسْقِطَانِهِ كَمَا سَبَقَ فِي الرِّوَايَاتِ الْبَاقِيَةِ عَلَى مَا سَبَقَ شَرْحُهُ وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ التَّتَبُّعَ مَجَازًا وَلَعَلَّ فِيهِمَا طَلَبًا لِذَلِكَ جعله الله تعالى خَصِيصَةً فِيهِمَا قَوْلُهُ (عِنْدَ الْأُطُمِ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَهُوَ الْقَصْرُ وَجَمْعُهُ آطَامٌ

كَعُنُقٍ وَأَعْنَاقٍ قَوْلُهُ [2235] (أَمَرَ مُحْرِمًا بِقَتْلِ حَيَّةٍ بِمِنًى) فِيهِ جَوَازُ قَتْلِهَا لِلْمُحْرِمِ وَفِي الْحَرَمِ وأنه لاينذرها فِي غَيْرِ الْبُيُوتِ وَأَنَّ قَتْلَهَا مُسْتَحَبٌّ قَوْلُهُ [2236] (فَكَانَ ذَلِكَ الْفَتَى يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْصَافِ النَّهَارِ فَيَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الِاسْتِئْذَانُ امْتِثَالٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لم يذهبوا حتى يستأذنوه وأنصاف النَّهَارِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ مُنْتَصَفُهُ وَكَأَنَّهُ وَقْتٌ لِآخِرِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَأَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي فَجَمْعُهُ كَمَا قَالُوا ظُهُورُ التُّرْسَيْنِ وَأَمَّا رُجُوعُهُ إِلَى أهله فلطالع حَالَهُمْ وَيَقْضِيَ حَاجَتَهُمْ وَيُؤْنِسَ امْرَأَتَهُ فَإِنَّهَا كَانَتْ عَرُوسًا كَمَا ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ

صلى الله عليه وسلم (فأذنوا ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ) قَالَ الْعُلَمَاءُ

باب استحباب قتل الوزغ

مَعْنَاهُ وَإِذَا لَمْ يَذْهَبْ بِالْإِنْذَارِ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ ليس من عوامر البيوت ولاممن أسلم من الجن بل هو شيطان فلاحرمة عَلَيْكُمْ فَاقْتُلُوهُ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ سَبِيلًا لِلِانْتِصَارِ عَلَيْكُمْ بِثَأْرِهِ بِخِلَافِ الْعَوَامِرِ وَمَنْ أَسْلَمَ والله أعلم (باب استحباب قتل الوزغ) قَوْلُهَا [2237] (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا بِقَتْلِ الْأَوْزَاغِ) وَفِي رِوَايَةٍ [2238] [2239] أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا وَفِي رِوَايَةٍ [2240] مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً لِدُونِ الْأُولَى وَإِنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّالِثَةِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً لِدُونِ الثَّانِيَةِ وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ قَتَلَ وَزَغًا فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ كُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَفِي الثَّانِيَةِ دُونَ ذَلِكَ وَفِي الثَّالِثَةِ دُونَ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ سَبْعِينَ حسنة قال أهل اللغة الوزغ وسام أَبْرَصُ جِنْسٌ فَسَامٌّ أَبْرَصُ هُوَ كِبَارُهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْوَزَغَ مِنَ الْحَشَرَاتِ الْمُؤْذِيَاتِ وَجَمْعُهُ أَوْزَاغٌ وَوِزْغَانٌ وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ وَحَثَّ عَلَيْهِ وَرَغَّبَ فِيهِ لِكَوْنِهِ مِنَ الْمُؤْذِيَاتِ وَأَمَّا سَبَبُ تَكْثِيرِ الثَّوَابِ فِي قَتْلِهِ بِأَوَّلِ ضَرْبَةٍ ثُمَّ مَا يَلِيهَا فَالْمَقْصُودُ بِهِ الْحَثُّ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِقَتْلِهِ وَالِاعْتِنَاءِ بِهِ وتحريس

قَاتِلِهِ عَلَى أَنْ يَقْتُلَهُ بِأَوَّلِ ضَرْبَةٍ فَإِنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَهُ ضَرَبَاتٍ رُبَّمَا انْفَلَتَ وَفَاتَ قَتْلُهُ وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ فُوَيْسِقًا فَنَظِيرُهُ الْفَوَاسِقُ الْخَمْسُ الَّتِي تُقْتَلُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَأَصْلُ الْفِسْقِ الْخُرُوجُ وَهَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ خَرَجَتْ عَنْ خَلْقِ مُعْظَمِ الْحَشَرَاتِ وَنَحْوِهَا بِزِيَادَةِ الضَّرَرِ وَالْأَذَى وَأَمَّا تَقْيِيدُ الْحَسَنَاتِ فِي الضَّرْبَةِ الْأُولَى بِمِائَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِسَبْعِينَ فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ سَبَقَتْ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ تَزِيدُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَفِي رِوَايَاتٍ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ أَحَدُهَا أَنَّ هَذَا مَفْهُومٌ للعدد ولايعمل به عند الأصوليين غيرهم فذكر سبعين لايمنع المائة فلا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمَا الثَّانِي لَعَلَّهُ أَخْبَرَنَا بِسَبْعِينَ ثُمَّ تَصَدَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بِالزِّيَادَةِ فَأَعْلَمَ بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَوْحَى إِلَيْهِ بعد ذلك

(باب النهي عن قتل النمل)

وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قَاتِلِي الْوَزَغِ بِحَسَبِ نياتهم واخلاصهم ويقال أَحْوَالِهِمْ وَنَقْصِهَا فَتَكُونُ الْمِائَةُ لِلْكَامِلِ مِنْهُمْ وَالسَّبْعِينَ لِغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصباح حدثنا إسماعيل يعنى بن زَكَرِيَّا عَنْ سُهَيْلٍ قَالَ حَدَّثَتْنِي أُخْتِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) كَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ أُخْتِي وَفِي بَعْضِهَا أَخِي بِالتَّذْكِيرِ وَفِي بَعْضِهَا أَبِي وَذَكَرَ الْقَاضِي الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ قَالُوا وَرِوَايَةُ أَبِي خَطَأٌ وَهِيَ الْوَاقِعَةُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ بَاهَانَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي داود أخى أوأختى قَالَ الْقَاضِي أُخْتُ سُهَيْلٍ سَوْدَةُ وَأَخَوَاهُ هِشَامٌ وَعَبَّادٌ (بَاب النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النَّمْلِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2241] (أَنَّ نَمْلَةً قَرَصَتْ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فِي أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَهْلَكْتَ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ تُسَبِّحُ وَفِي رِوَايَةٍ فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً قَالَ الْعُلَمَاءُ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ شَرْعَ ذَلِكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِيهِ جَوَازُ قَتْلِ النَّمْلِ وَجَوَازُ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ وَلَمْ يَعْتِبْ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ وَالْإِحْرَاقِ بَلْ فِي الزِّيَادَةِ على نملة واحدة قوله تعالى فهلانملة واحدة فَهَلَّا عَاقَبْتَ نَمْلَةً وَاحِدَةً هِيَ الَّتِي قَرَصَتْكَ لِأَنَّهَا الْجَانِيَةُ وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَيْسَ لَهَا جِنَايَةٌ وأما فى شرعنا فلايجوز الْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ لِلْحَيَوَانِ إِلَّا إِذَا أَحْرَقَ إِنْسَانًا فَمَاتَ بِالْإِحْرَاقِ فَلِوَلِيِّهِ الِاقْتِصَاصُ بِإِحْرَاقِ الْجَانِي وَسَوَاءٌ فِي مَنْعِ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ الْقَمْلُ وَغَيْرُهُ لِلْحَدِيثِ المشهور لايعذب بِالنَّارِ إِلَّا اللَّهُ وَأَمَّا قَتْلُ النَّمْلِ فَمَذْهَبُنَا أنه لايجوز واحتج أصحابنا فيه بحديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ) وَفِي رِوَايَةٍ فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِ الشَّجَرَةِ أَمَّا قَرْيَةُ النَّمْلِ فَهِيَ مَنْزِلُهُنَّ وَالْجَهَازُ بفتح الجيم وكسرها وهو المتاع

باب تحريم قتل الهرة

(باب تحريم قتل الهرة) [2242] [2243] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ) فى رِوَايَةٍ رَبَطَتْهَا وَفِي رِوَايَةٍ تَأْكُلُ مِنْ حَشَرَاتِ الْأَرْضِ مَعْنَاهُ عُذِّبَتْ بِسَبَبِ هِرَّةٍ وَمَعْنَى دَخَلَتْ فيها أى بسببها وخشاش الْأَرْضِ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا حَكَاهُنَّ فِي الْمَشَارِقِ الْفَتْحُ أَشْهَرُ وَرُوِيَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالصَّوَابُ الْمُعْجَمَةُ وَهِيَ هَوَامُّ الْأَرْضِ وَحَشَرَاتُهَا كَمَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِتَحْرِيمِ قَتْلِ الْهِرَّةِ وَتَحْرِيمِ حَبْسِهَا بِغَيْرِ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ وَأَمَّا دُخُولُهَا النَّارَ بِسَبَبِهَا فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهَا كَانَتْ مُسْلِمَةً وَإِنَّمَا دَخَلَتِ النَّارَ بِسَبَبِ الْهِرَّةِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهَا كَافِرَةٌ عُذِّبَتْ بِكُفْرِهَا وَزِيدَ فِي عَذَابِهَا بِسَبَبِ الْهِرَّةِ وَاسْتَحَقَّتْ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مُؤْمِنَةً تُغْفَرُ صَغَائِرُهَا بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ هَذَا كَلَامُ القاضي والصواب ماقدمناه أنها كانت مسلمة وأنها دخلت النار بسببهاكما هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَهَذِهِ الْمَعْصِيَةُ لَيْسَتْ صَغِيرَةً بَلْ صَارَتْ بِإِصْرَارِهَا كَبِيرَةً وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا تَخْلُدُ فِي النَّارِ وَفِيهِ

باب فضل سقى البهائم المحترمة وإطعامها

وُجُوبُ نَفَقَةِ الْحَيَوَانِ عَلَى مَالِكِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب فضل سقى البهائم المحترمة وإطعامها) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2244] (فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ) مَعْنَاهُ فِي الْإِحْسَانِ إِلَى كُلِّ حَيَوَانٍ حَيٍّ بِسَقْيِهِ وَنَحْوِهِ أَجْرٌ وَسُمِّيَ الْحَيُّ ذَا كَبِدٍ رَطْبَةٍ لِأَنَّ الْمَيِّتَ يَجِفُّ جسمه وكبده ففى هذا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَى الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ وَهُوَ مَا لَا يُؤْمَرُ بِقَتْلِهِ فَأَمَّا الْمَأْمُورُ بِقَتْلِهِ فَيُمْتَثَلُ أَمْرُ الشَّرْعِ فِي قَتْلِهِ وَالْمَأْمُورُ بِقَتْلِهِ كَالْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُنَّ وَأَمَّا الْمُحْتَرَمُ فَيَحْصُلُ الثَّوَابُ بِسَقْيِهِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ أَيْضًا بِإِطْعَامِهِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا أَوْ مُبَاحًا وَسَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ) أَمَّا الثَّرَى فَالتُّرَابُ النَّدِيُّ وَيُقَالُ لَهَثَ بِفَتْحِ الهاء وكسرها يلهث بفتحها لاغير لَهْثًا بِإِسْكَانِهَا وَالِاسْمُ اللَّهَثُ بِفَتْحِهَا وَاللُّهَاثُ بِضَمِّ اللام

ورجل لهثان وامرأة لهثى كعطشان وعطشى وهوالذى أخرج لِسَانَهُ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ وَالْحَرِّ قَوْلُهُ (حَتَّى رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ) يُقَالُ رَقِيَ بِكَسْرِ الْقَافِ عَلَى اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ وَحَكَى فَتْحَهَا وَهِيَ لُغَةُ طَيٍّ فِي كُلِّ مَا أَشْبَهَ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2245] (إِنَّ امْرَأَةً بغيا رأت كلبا فى يوم حاريطيف بِبِئْرٍ قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنَ الْعَطَشِ فَنَزَعَتْ له بموقها فعغرلها) أَمَّا الْبَغِيُّ فَهِيَ الزَّانِيَةُ وَالْبِغَاءُ بِالْمَدِّ هُوَ الزنى ومعنى يطيف أى حَوْلَهَا بِضَمِّ الْيَاءِ وَيُقَالُ طَافَ بِهِ وَأَطَافَ إِذَا دَارَ حَوْلَهُ وَأَدْلَعَ لِسَانَهُ وَدَلَعَهُ لُغَتَانِ أى أخرجه لشدة العطش والموق بِضَمِّ الْمِيمِ هُوَ الْخُفُّ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَمَعْنَى نَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا أَيِ اسْتَقَتْ يُقَالُ نَزَعْتُ بالدلوا استقيت به من البئر ونحوها نزعت الدلو أيضا قوله (فشكرالله لَهُ فَغَفَرَ لَهُ) مَعْنَاهُ قَبِلَ عَمَلَهُ وَأَثَابَهُ وغفر له والله أعلم

كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها

( كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها) باب النهي عن سب الدهر قوله سبحانه وتعالى [2246] (يسب بن آدَمَ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدَيَّ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ) وفي رواية قال الله تعالى عزوجل يؤذيني بن آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ والنهار وفي رواية يؤذيني بن آدَمَ يَقُولُ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَلَا يَقُولَنَّ أحدكم ياخيبة الدَّهْرِ فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا وَفِي رِوَايَةٍ لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ أما قَوْلُهُ عز وجل يؤذيني بن آدَمَ فَمَعْنَاهُ يُعَامِلُنِي مُعَامَلَةً تُوجِبُ الْأَذَى فِي حقكم وأما قوله غز وَجَلَّ وَأَنَا الدَّهْرُ فَإِنَّهُ بِرَفْعِ الرَّاءِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَجَمَاهِيرُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الْأَصْبَهَانِيُّ الطَّاهِرِيُّ إِنَّمَا هُوَ الدَّهْرُ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ أَنَا مُدَّةُ الدهر أقلب ليله ونهاره وحكى بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذِهِ

الرِّوَايَةَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ النَّحَّاسُ يَجُوزُ النَّصْبُ أَيْ فَإِنَّ اللَّهَ بَاقٍ مُقِيمٌ أَبَدًا لَا يَزُولُ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّخْصِيصِ قَالَ وَالظَّرْفُ أَصَحُّ وَأَصْوَبُ أَمَّا رِوَايَةُ الرَّفْعِ وَهِيَ الصَّوَابُ فَمُوَافِقَةٌ لِقَوْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَهُوَ مَجَازٌ وَسَبَبُهُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَ شَأْنُهَا أَنْ تَسُبَّ الدَّهْرَ عِنْدَ النَّوَازِلِ وَالْحَوَادِثِ وَالْمَصَائِبِ النَّازِلَةِ بِهَا مِنْ مَوْتٍ أَوْ هَرَمٍ أَوْ تَلَفِ مَالٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ وَنَحْوُ هَذَا مِنْ أَلْفَاظِ سَبِّ الدَّهْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ أَيْ لَا تَسُبُّوا فَاعِلَ النَّوَازِلِ فَإِنَّكُمْ إِذَا سَبَبْتُمْ فَاعِلَهَا وَقَعَ السَّبُّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ هُوَ فَاعِلُهَا وَمُنْزِلُهَا وَأَمَّا الدَّهْرُ الَّذِي هُوَ الزَّمَانُ فَلَا فِعْلَ لَهُ بَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ مِنْ جُمْلَةِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَى فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ أَيْ فَاعِلُ النَّوَازِلِ والحوادث وخالق الكائنات والله آعلم

باب كراهة تسمية العنب كرما قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2247] (لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ لِلْعِنَبِ الْكَرْمُ فَإِنَّ الْكَرْمَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ) وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنَّ الْكَرْمَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ وَفِي رِوَايَةٍ [2248] لَا تَقُولُوا الْكَرْمُ وَلَكِنْ قُولُوا الْعِنَبُ وَالْحَبَلَةُ أَمَّا الْحَبَلَةُ فَبِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِفَتْحِ الْبَاءِ وَإِسْكَانِهَا وَهِيَ شَجَرُ الْعِنَبِ فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كَرَاهَةُ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ كَرْمًا بَلْ يُقَالُ عِنَبٌ أَوْ حَبَلَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُ كَرَاهَةِ ذَلِكَ أَنْ لَفْظَةَ الْكَرْمِ كَانَتِ الْعَرَبُ تُطْلِقُهَا عَلَى شَجَرِ الْعِنَبِ وَعَلَى الْعِنَبِ وَعَلَى الْخَمْرِ الْمُتَّخَذَةِ مِنَ الْعِنَبِ سَمَّوْهَا كَرْمًا لِكَوْنِهَا مُتَّخَذَةً مِنْهُ وَلِأَنَّهَا تَحْمِلُ عَلَى الْكَرَمِ وَالسَّخَاءِ فَكَرِهَ الشَّرْعُ اطلاق هذه

باب حكم اطلاق لفظة العبد والأمة والمولى والسيد

اللَّفْظَةِ عَلَى الْعِنَبِ وَشَجَرِهِ لِأَنَّهُمْ إِذَا سَمِعُوا اللَّفْظَةَ رُبَّمَا تَذَكَّرُوا بِهَا الْخَمْرَ وَهَيَّجَتْ نُفُوسَهُمْ إِلَيْهَا فَوَقَعُوا فِيهَا أَوْ قَارَبُوا ذَلِكَ وَقَالَ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ هَذَا الِاسْمَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ أَوْ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ لِأَنَّ الْكَرْمَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْكَرَمِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقَدْ قَالَ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ فَسُمِّيَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ كَرْمًا لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْهُدَى وَالنُّورِ وَالتَّقْوَى وَالصِّفَاتِ الْمُسْتَحِقَّةِ لِهَذَا الِاسْمِ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ رَجُلٌ كَرْمٌ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَامْرَأَةٌ كَرْمٌ وَرَجُلَانِ كَرْمٌ وَرِجَالٌ كَرْمٌ وَامْرَأَتَانِ كَرْمٌ وَنِسْوَةٌ كرم كله بفتح الراء واسكانها بمعنى كريم وكريمان وَكِرَامٍ وَكَرِيمَاتٍ وُصِفَ بِالْمَصْدَرِ كَضَيْفٍ وَعَدْلٍ وَاللَّهُ أعلم (باب حكم اطلاق لفظة العبد والأمة والمولى والسيد) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2249] (لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ

وَلَكِنْ لِيَقُلْ غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي) وَفِي رِوَايَةٍ وَلَا يَقُلِ الْعَبْدُ رَبِّي وَلَكِنْ لِيَقُلْ سَيِّدِي وَفِي رِوَايَةٍ وَلَا يَقُلِ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ مَوْلَايَ فَإِنَّ مَوْلَاكُمُ اللَّهُ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ اسْقِ رَبَّكَ أَوْ أَطْعِمْ رَبَّكَ وَضِّئْ رَبَّكَ وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ رَبِّي وَلْيَقُلْ سَيِّدِي وَمَوْلَايَ وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ عَبْدِي أَمَتِي وَلْيَقُلْ فَتَايَ فَتَاتِي غُلَامِي قَالَ الْعُلَمَاءُ مَقْصُودُ الْأَحَادِيثِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا نَهْيُ الْمَمْلُوكِ أَنْ يُقَوَّلَ لِسَيِّدِهِ رَبِّي لِأَنَّ الرُّبُوبِيَّةَ إِنَّمَا حَقِيقَتُهَا لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الرَّبَّ هُوَ الْمَالِكُ أَوِ الْقَائِمُ بالشئ ولا يوجد حَقِيقَةُ هَذَا إِلَّا فِي اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا أَوْ رَبَّهَا فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْحَدِيثَ الثَّانِي لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَأَنَّ النَّهْيَ في الأول للأدب وكراهة التنزيه لا للتحريم وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنِ الْإِكْثَارِ مِنَ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَاتِّخَاذِهَا عَادَةً شَائِعَةً وَلَمْ يَنْهَ عَنْ إِطْلَاقِهَا فِي نَادِرٍ مِنَ الْأَحْوَالِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي هَذَا الْجَوَابَ وَلَا نَهْيَ فِي قَوْلِ الْمَمْلُوكِ سَيِّدِي لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَقُلْ سَيِّدِي لِأَنَّ لَفْظَةَ السَّيِّدِ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِاللَّهِ تَعَالَى اخْتِصَاصَ الرَّبِّ وَلَا مُسْتَعْمَلَةٍ فِيهِ كَاسْتِعْمَالِهَا حَتَّى نَقَلَ الْقَاضِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ الدُّعَاءَ بِسَيِّدِي وَلَمْ يَأْتِ تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِالسَّيِّدِ

باب كراهة قول الانسان خبثت نفسي

فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي حَدِيثٍ مُتَوَاتِرٍ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ ابني هذا سيد وقوموا إِلَى سَيِّدِكُمْ يَعْنِي سَعْدَ بْنَ مَعَاذٍ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ اسْمَعُوا مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ يَعْنِي سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَلَيْسَ فِي قَوْلِ الْعَبْدِ سَيِّدِي إِشْكَالٌ وَلَا لُبْسٌ لِأَنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ غَيْرُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَلَا بَأْسَ أَيْضًا بِقَوْلِ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ مَوْلَايَ فَإِنَّ الْمَوْلَى وَقَعَ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ مَعْنًى سَبَقَ بَيَانُهَا مِنْهَا النَّاصِرُ وَالْمَالِكُ قَالَ الْقَاضِي وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ وَأَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ وَلَا يَقُلِ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ مَوْلَايَ فَقَدِ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ عَنِ الْأَعْمَشِ فِي ذِكْرِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَلَمْ يَذْكُرْهَا عَنْهُ آخَرُونَ وَحَذْفُهَا أَصَحُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الثَّانِي يُكْرَهُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَقُولَ لِمَمْلُوكِهِ عَبْدِي وَأَمَتِي بَلْ يَقُولُ غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْعُبُودِيَّةِ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلِأَنَّ فِيهَا تَعْظِيمًا بِمَا لَا يَلِيقُ بِالْمَخْلُوقِ اسْتِعْمَالُهُ لِنَفْسِهِ وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ فَنَهَى عَنِ التَّطَاوُلِ فِي اللَّفْظِ كَمَا نَهَى عَنِ التَّطَاوُلِ فِي الْأَفْعَالِ وَفِي إِسْبَالِ الْإِزَارِ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي فَلَيْسَتْ دَالَّةً عَلَى الْمِلْكِ كَدَلَالَةِ عَبْدِي مَعَ أَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ وَإِنَّمَا هِيَ لِلِاخْتِصَاصِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذْ قال موسى لفتاه وقال لفتيانه وقال لفتيته قالوا سمعنا فتى يذكرهم وأما استعمال الجارية في الحرة الصغيرة فمشهور معروف فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ مَنِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى جِهَةِ التَّعَاظُمِ وَالِارْتِفَاعِ لَا للوصف والتعريف والله أعلم (باب كراهة قول الانسان خبثت نفسي) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2250] [2251] (لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَقِسَتْ نَفْسِي) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ

باب استعمال المسك وأنه أطيب الطيب

وَجَمِيعُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ لَقِسَتْ وَخَبُثَتْ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَإِنَّمَا كُرِهَ لَفْظُ الْخُبْثِ لِبَشَاعَةِ الِاسْمِ وَعِلْمِهِمُ الْأَدَبَ فِي الْأَلْفَاظِ وَاسْتِعْمَالَ حَسَنِهَا وَهِجْرَانَ خَبِيثِهَا قَالُوا وَمَعْنَى لَقِسَتْ غَثَّتْ وقال بن الْأَعْرَابِيِّ مَعْنَاهُ ضَاقَتْ فَإِنَّ قِيلَ فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ فَأَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ جَوَابُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْبِرٌ هُنَاكَ عَنْ صِفَةِ غَيْرِهِ وَعَنْ شَخْصٍ مُبْهَمٍ مَذْمُومِ الْحَالِ لَا يَمْتَنِعُ اطلاق هذا اللفظ عليه والله أعلم (باب استعمال المسك وأنه أطيب الطيب) (وكراهة رد الريحان والطيب) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2252] (وَالْمِسْكُ أَطْيَبُ الطِّيبِ) فِيهِ أَنَّهُ أَطْيَبُ الطِّيبِ وَأَفْضَلُهُ وَأَنَّهُ طَاهِرٌ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَهَذَا كُلُّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَنِ الشِّيعَةِ مَذْهَبًا

بَاطِلًا وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَبِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي اسْتِعْمَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ وَاسْتِعْمَالِ أَصْحَابِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ هُوَ مُسْتَثْنًى مِنَ الْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ أَنَّ مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيْتٌ أَوْ يُقَالُ إِنَّهُ فِي مَعْنَى الْجَنِينِ وَالْبَيْضِ وَاللَّبَنِ وَأَمَّا اتِّخَاذُ الْمَرْأَةِ الْقَصِيرَةِ رِجْلَيْنِ مِنْ خَشَبٍ حَتَّى مَشَتْ بَيْنَ الطَّوِيلَتَيْنِ فَلَمْ تُعْرَفْ فَحُكْمُهُ فِي شَرْعِنَا أنها ان قَصَدَتْ بِهِ مَقْصُودًا صَحِيحًا شَرْعِيًّا بِأَنْ قَصَدَتْ سَتْرَ نَفْسِهَا لِئَلَّا تُعْرَفَ فَتُقْصَدَ بِالْأَذَى أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ قَصَدَتْ بِهِ التَّعَاظُمَ أَوِ التَّشَبُّهَ بِالْكَامِلَاتِ تَزْوِيرًا عَلَى الرِّجَالِ وَغَيْرِهِمْ فَهُوَ حَرَامٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2253] (مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ فَلَا يَرُدُّهُ فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمَحْمِلِ طَيِّبُ الرِّيحِ) الْمَحْمِلُ هُنَا بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ كَالْمَجْلِسِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَمْلُ بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ خَفِيفُ الْحَمْلِ لَيْسَ بِثَقِيلٍ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَرُدُّهُ بِرَفْعِ الدَّالِ عَلَى الْفَصِيحِ الْمَشْهُورِ وَأَكْثَرُ مَا يَسْتَعْمِلُهُ مَنْ لَا يُحَقِّقُ الْعَرَبِيَّةَ بِفَتْحِهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَقَاعِدَتِهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ فِي حَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ حِينَ أَهْدَى الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ وَأَمَّا الرَّيْحَانُ فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ كُلُّ نَبْتٍ مَشْمُومٍ طَيِّبِ الرِّيحِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بَعْدَ حِكَايَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الطِّيبَ كُلَّهُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرُدُّ

الطِّيبَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ كَرَاهَةُ رَدِّ الرَّيْحَانِ لِمَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ إِلَّا لِعُذْرٍ قوله [2254] (كان بن عمر اذا استجمر استجمر بألوة غَيْرَ مُطَرَّاةٍ أَوْ بِكَافُورٍ يَطْرَحُهُ مَعَ الْأَلُوَّةِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا كَانَ يَسْتَجْمِرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الِاسْتِجْمَارُ هُنَا اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ وَالتَّبَخُّرُ بِهِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمِجْمَرِ وَهُوَ الْبَخُورُ وَأَمَّا الْأَلُوَّةُ فَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَسَائِرُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ هِيَ الْعُودُ يَتَبَخَّرُ بِهِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ أَرَاهَا فَارِسِيَّةً مُعَرَّبَةً وَهِيَ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَحَكَى الْأَزْهَرِيُّ كَسْرَ اللَّامِ قَالَ الْقَاضِي وَحُكِيَ عَنِ الْكِسَائِيِّ أَلْيَةٌ قَالَ الْقَاضِي قَالَ غَيْرُهُ وَتُشَدَّدُ وَتُخَفَّفُ وَتُكْسَرُ الْهَمْزَةُ وَتُضَمُّ وَقِيلَ لَوَّةٌ وَلِيَّةٌ وَقَوْلُهُ غَيْرَ مُطَرَّاةٍ أَيْ غَيْرَ مَخْلُوطَةٍ بِغَيْرِهَا مِنَ الطِّيبِ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الطِّيبِ لِلرِّجَالِ كَمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ لِلنِّسَاءِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ مِنَ الطِّيبِ مَا ظَهَرَ رِيحُهُ وَخَفِيَ لَوْنُهُ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِذَا أَرَادَتِ الْخُرُوجَ إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ كُرِهَ لَهَا كُلُّ طِيبٍ لَهُ رِيحٌ وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ لِلرِّجَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ عِنْدَ حُضُورِ مَجَامِعِ الْمُسْلِمِينَ وَمَجَالِسِ الذِّكْرِ وَالْعِلْمِ وَعِنْدَ إِرَادَتِهِ مُعَاشَرَةَ زَوْجَتِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(كتاب الشعر قوله [2255] (عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال

(كِتَاب الشِّعْرِ قَوْلُهُ [2255] (عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَدِفْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ هَلْ مَعَكَ من شعر أمية بن أبي الصلت شيئا قُلْتُ نَعَمْ قَالَ هِيهِ فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ هِيهِ ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ هِيهِ حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ قَالَ إِنْ كَادَ لِيُسْلِمَ) وَفِي رِوَايَةٍ فَلَقَدْ كَادَ يُسْلِمُ فِي شِعْرِهِ أَمَّا الشَّرِيدُ فَبِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مُخَفَّفَةٍ مَكْسُورَةٍ وَهُوَ الشَّرِيدُ بْنُ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيُّ الصَّحَابِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم)

هِيهِ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ الثَّانِيَةِ قَالُوا وَالْهَاءُ الْأُولَى بَدَلٌ مِنَ الْهَمْزَةِ وأصله ايه وهي كلمة للا ستزادة من الحديث المعهود قال بن السِّكِّيتِ هِيَ لِلِاسْتِزَادَةِ مِنْ حَدِيثٍ أَوْ عَمَلٍ مَعْهُودَيْنِ قَالُوا وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكَسْرِ فَإِنْ وَصَلْتَهَا نَوَّنْتَهَا فَقُلْتَ إِيهٍ حَدِّثْنَا أَيْ زِدْنَا من هذا الْحَدِيثِ فَإِنْ أَرَدْتَ الِاسْتِزَادَةَ مِنْ غَيْرِ مَعْهُودٍ نَوَّنْتَ فَقُلْتَ إِيهٍ لِأَنَّ التَّنْوِينَ لِلتَّنْكِيرِ وَأَمَّا إِيهًا بِالنَّصْبِ فَمَعْنَاهُ الْكَفُّ وَالْأَمْرُ بِالسُّكُوتِ وَمَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحْسَنَ شِعْرَ أُمَيَّةَ وَاسْتَزَادَ مِنْ إِنْشَادِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِقْرَارِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالْبَعْثِ فَفِيهِ جَوَازُ إِنْشَادِ الشِّعْرِ الَّذِي لَا فُحْشَ فِيهِ وَسَمَاعِهِ سَوَاءٌ شِعْرُ الْجَاهِلِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ وَأَنَّ الْمَذْمُومَ مِنَ الشِّعْرِ الَّذِي لَا فُحْشَ فِيهِ إِنَّمَا هُوَ الْإِكْثَارُ مِنْهُ وَكَوْنُهُ غَالِبًا عَلَى الْإِنْسَانِ فَأَمَّا يَسِيرُهُ فَلَا بَأْسَ بِإِنْشَادِهِ وَسَمَاعِهِ وَحِفْظِهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيْئًا فَهَكَذَا وَقَعَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ شَيْئًا بِالنَّصْبِ وَفِي بعضها شئ بالرفع وعلى روايا النَّصْبِ يُقَدَّرُ فِيهِ مَحْذُوفٌ أَيْ هَلْ مَعَكَ من شئ فَتَنْشُدَنِي شَيْئًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2256] (أَشْعَرُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَتْ بِهَا الْعَرَبُ كَلِمَةُ لَبِيَدٍ ألا كل شئ ماخلا اللَّهَ بَاطِلٌ) وَفِي رِوَايَةٍ أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيَدٍ أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ وَفِي رِوَايَةٍ أَصْدَقُ بَيْتٍ قَالَهُ الشَّاعِرُ وَفِي رِوَايَةٍ أَصْدَقُ بَيْتٍ قَالَتْهُ الشُّعَرَاءُ الْمُرَادُ بِالْكَلِمَةِ هُنَا الْقِطْعَةُ مِنَ الْكَلَامِ وَالْمُرَادُ بِالْبَاطِلِ الْفَانِي الْمُضْمَحِلُّ وَفِي

هَذَا الْحَدِيثِ مَنْقَبَةٌ لِلَبِيدٍ وَهُوَ صَحَابِيٌّ وَهُوَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2257] [2258] (لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا يَرِيهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا) وَفِي [2259] رِوَايَةٍ بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَرْجِ إِذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يَنْشُدُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذُوا الشَّيْطَانَ أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ يَرِيهِ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مِنَ الْوَرْيِ وَهُوَ دَاءٌ يُفْسِدُ الْجَوْفَ وَمَعْنَاهُ قَيْحًا يَأْكُلُ جَوْفَهُ وَيُفْسِدُهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ بِهَذَا الشِّعْرِ شِعْرٌ هُجِيَ بِهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً هَذَا تَفْسِيرٌ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَذْمُومَ مِنَ الْهِجَاءِ أَنْ يَمْتَلِئَ مِنْهُ دُونَ قَلِيلِهِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْكَلِمَةَ الواحدة من هجاء النبي صلىالله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوجِبَةٌ لِلْكُفْرِ قَالُوا بَلِ الصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ الشِّعْرُ غَالِبًا عَلَيْهِ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَشْغَلُهُ عَنِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا مَذْمُومٌ مِنْ أَيِّ شِعْرٍ كَانَ فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْقُرْآنُ وَالْحَدِيثُ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ هُوَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ فَلَا يَضُرُّ حِفْظُ الْيَسِيرِ مِنَ الشِّعْرِ مَعَ هَذَا لِأَنَّ جَوْفَهُ لَيْسَ مُمْتَلِئًا شِعْرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كَرَاهَةِ الشِّعْرِ مُطْلَقًا قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَإِنْ كَانَ لَا فُحْشَ فِيهِ وَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذُوا الشَّيْطَانَ وَقَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً هُوَ مُبَاحٌ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فُحْشٌ وَنَحْوُهُ قَالُوا وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فَقَدْ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشِّعْرَ وَاسْتَنْشَدَهُ وَأَمَرَ بِهِ حَسَّانَ فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَأَنْشَدَهُ أَصْحَابُهُ بِحَضْرَتِهِ فِي الْأَسْفَارِ وَغَيْرِهَا وَأَنْشَدَهُ الْخُلَفَاءُ وَأَئِمَّةُ الصَّحَابَةِ وَفُضَلَاءُ السَّلَفِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى إِطْلَاقِهِ وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا الْمَذْمُومَ مِنْهُ وَهُوَ الْفُحْشُ وَنَحْوُهُ وَأَمَّا تَسْمِيَةُ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي سَمِعَهُ يَنْشُدُ شَيْطَانًا فَلَعَلَّهُ كَانَ كَافِرًا أَوْ كَانَ الشِّعْرُ هُوَ الْغَالِبُ عليه

(باب تحريم اللعب بالنردشير)

أَوْ كَانَ شِعْرُهُ هَذَا مِنَ الْمَذْمُومِ وَبِالْجُمْلَةِ فَتَسْمِيَتُهُ شَيْطَانًا إِنَّمَا هُوَ فِي قَضِيَّةِ عَيْنٍ تَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الِاحْتِمَالَاتُ الْمَذْكُورَةُ وَغَيْرُهَا وَلَا عُمُومَ لَهَا فَلَا يُحْتَجُّ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (يَسِيرُ بِالْعَرْجِ) هُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْجِيمِ وَهِيَ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ مِنْ عَمَلِ الْفَرْعِ عَلَى نَحْوِ ثَمَانِيَةٍ وَسَبْعِينَ مِيلًا مِنَ الْمَدِينَةِ قَوْلُهُ (عَنْ يُحَنِّسَ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ مَكْسُورَةً وَمَفْتُوحَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب تَحْرِيمِ اللَّعِبِ بِالنَّرْدَشِيرِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2260] (مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ النردشير هو النرد فالنرد عجمي معرب وشير مَعْنَاهُ حُلْوٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ فِي تَحْرِيمِ اللَّعِبِ بِالنَّرْدِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ وَأَمَّا الشِّطْرَنْجُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ حَرَامٌ قَالَ مَالِكٌ هُوَ شَرٌّ مِنَ النَّرْدِ وَأَلْهَى عَنِ الْخَيْرِ وَقَاسُوهُ عَلَى النَّرْدِ وَأَصْحَابُنَا يَمْنَعُونَ الْقِيَاسَ

(كتاب الرؤيا قوله [2261] (كنت أرى الرؤيا أعرى منها غير أني

وَيَقُولُونَ هُوَ دُونَهُ وَمَعْنَى صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَدَمِهِ فِي حَالِ أَكْلِهِ مِنْهُمَا وَهُوَ تَشْبِيهٌ لِتَحْرِيمِهِ بِتَحْرِيمِ أَكْلِهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (كِتَاب الرُّؤْيَا قَوْلُهُ [2261] (كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا أُعْرَى مِنْهَا غَيْرَ أَنِّي لَا أُزَمَّلُ) أَمَّا قَوْلُهُ أُزَمَّلُ فَمَعْنَاهُ أُغَطَّى وَأُلَفُّ كَالْمَحْمُومِ وَأَمَّا أُعْرَى فَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ أجم لِخَوْفِي مِنْ ظَاهِرِهَا فِي مَعْرِفَتِي قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ عُرِيَ الرَّجُلُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ يُعْرَى إِذَا أَصَابَهُ عُرَاءٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ نَفْضُ الْحُمَّى وَقِيلَ رَعْدَةٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ أَمَّا الْحُلْمُ فَبِضَمِّ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَالْفِعْلُ مِنْهُ حَلَمَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَأَمَّا الرُّؤْيَا فَمَقْصُورَةٌ مَهْمُوزَةٌ)

وَيَجُوزُ تَرْكُ هَمْزِهَا كَنَظَائِرِهَا قَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي حَقِيقَةِ الرُّؤْيَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ فِي قَلْبِ النَّائِمِ اعْتِقَادَاتٍ كَمَا يَخْلُقُهَا فِي قَلْبِ الْيَقْظَانِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لَا يَمْنَعُهُ نَوْمٌ وَلَا يَقَظَةٌ فَإِذَا خَلَقَ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَهَا عَلَمًا عَلَى أُمُورٍ أُخَرَ يَخْلُقُهَا فِي ثَانِي الْحَالِ أَوْ كَانَ قَدْ خَلَقَهَا فَإِذَا خَلَقَ فِي قَلْبِ النَّائِمِ الطَّيَرَانَ وَلَيْسَ بِطَائِرٍ فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَمْرًا عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ فَيَكُونُ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ عَلَمًا عَلَى غَيْرِهِ كَمَا يَكُونُ خَلْقُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْغَيْمَ عَلَمًا عَلَى الْمَطَرِ وَالْجَمِيعُ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ يَخْلُقُ الرُّؤْيَا وَالِاعْتِقَادَاتِ الَّتِي جَعَلَهَا عَلَمًا عَلَى مَا يَسَّرَ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الشَّيْطَانِ وَيَخْلُقُ مَا هُوَ عَلَمٌ عَلَى مَا يَضُرُّ بِحَضْرَةِ الشَّيْطَانِ فَيُنْسَبُ إِلَى الشَّيْطَانِ مَجَازًا لِحُضُورِهِ عِنْدَهَا وَإِنْ كَانَ لَا فِعْلَ لَهُ حَقِيقَةً وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ لَا عَلَى أَنَّ الشَّيْطَانَ يَفْعَلُ شَيْئًا فَالرُّؤْيَا اسم للمحبوب والحلم اسم للمكروه هذا كَلَامُ الْمَازِرِيِّ وَقَالَ غَيْرُهُ أَضَافَ الرُّؤْيَا الْمَحْبُوبَةَ إِلَى اللَّهِ إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ بِخِلَافِ الْمَكْرُوهَةِ وَإِنْ كَانَتَا جَمِيعًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَدْبِيرِهِ وَبِإِرَادَتِهِ وَلَا فِعْلَ لِلشَّيْطَانِ فِيهِمَا لَكِنَّهُ يَحْضُرُ الْمَكْرُوهَةَ وَيَرْتَضِيهَا وَيُسَرُّ بِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلْمًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ) أَمَّا حَلَمَ فَبِفَتْحِ اللام كما سبق

بيانه والحلم بضم الحاء واسكان اللام وينفث بضم الفاء وكسرها واليسار بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَفِي رِوَايَةٍ فَلْيَبْصُقْ عَلَى يَسَارِهِ حِينَ يَهُبُّ مِنْ نَوْمِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَفِي رِوَايَةٍ فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشَرِّهَا وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَلْيَبْصُقْ عَلَى يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلَاثًا وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَحَاصِلُهُ ثَلَاثَةٌ أَنَّهُ جَاءَ فَلْيَنْفُثْ وَفَلْيَبْصُقْ وَفَلْيَتْفُلْ وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ فَلْيَنْفُثْ وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الطِّبِّ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَمَنْ قَالَ إِنَّهَا بِمَعْنًى وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْجَمِيعِ النَّفْثُ وَهُوَ نَفْخٌ لَطِيفٌ بِلَا رِيقٍ وَيَكُونُ التَّفْلُ وَالْبَصْقُ مَحْمُولَيْنِ عَلَيْهِ مَجَازًا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنها لا تَضُرَّهُ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ هَذَا سَبَبًا لِسَلَامَتِهِ مِنْ مَكْرُوهٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا كَمَا جَعَلَ الصَّدَقَةَ وِقَايَةً لِلْمَالِ وَسَبَبًا لِدَفْعِ الْبَلَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَيُعْمَلُ بِهَا كُلِّهَا فَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُهُ نَفَثَ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا قَائِلًا أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ وَمِنْ شَرِّهَا وَلْيَتَحَوَّلْ إِلَى جَنْبِهِ الْآخَرِ وَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ فَيَكُونُ قَدْ عَمِلَ بِجَمِيعِ الرِّوَايَاتِ وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهَا أَجْزَأَهُ فِيَّ دَفْعِ ضَرَرِهَا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ قَالَ الْقَاضِي وَأَمَرَ بِالنَّفْثِ ثَلَاثًا طَرْدًا لِلشَّيْطَانِ الَّذِي حَضَرَ رُؤْيَاهُ الْمَكْرُوهَةَ تَحْقِيرًا لَهُ وَاسْتِقْذَارًا وَخَصَّتْ بِهِ الْيَسَارِ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْأَقْذَارِ وَالْمَكْرُوهَاتِ وَنَحْوِهَا وَالْيَمِينُ ضِدُّهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّؤْيَا الْمَكْرُوهَةِ وَلَا يُحَدِّثُ بِهَا أَحَدًا فَسَبَبُهُ أَنَّهُ رُبَّمَا فَسَّرَهَا تَفْسِيرًا مَكْرُوهًا عَلَى ظَاهِرِ صُورَتِهَا وَكَانَ ذَلِكَ مُحْتَمَلًا فَوَقَعَتْ كَذَلِكَ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ الرؤيا على رجل طائر ومعناه أنها اذا كَانَتْ مُحْتَمِلَةً وَجْهَيْنِ فَفُسِّرَتْ بِأَحَدِهِمَا وَقَعَتْ عَلَى قُرْبِ تِلْكَ الصِّفَةِ قَالُوا وَقَدْ يَكُونُ ظَاهِرُ الرُّؤْيَا مَكْرُوهًا وَيُفَسَّرُ بِمَحْبُوبٍ وَعَكْسُهُ وَهَذَا مَعْرُوفٌ لِأَهْلِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّؤْيَا الْمَحْبُوبَةِ الْحَسَنَةِ لَا تُخْبِرْ بِهَا إِلَّا مَنْ تُحِبُّ فَسَبَبُهُ أَنَّهُ إِذَا أَخْبَرَ بِهَا مَنْ لَا يُحِبُّ رُبَّمَا حَمَلَهُ الْبُغْضِ أَوِ الْحَسَدُ عَلَى تَفْسِيرِهَا بِمَكْرُوهٍ فَقَدْ يَقَعُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَإِلَّا فَيَحْصُلُ لَهُ فِي الْحَالِ حُزْنٌ وَنَكَدٌ مِنْ سُوءِ تَفْسِيرِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حِينَ يَهُبُّ مِنْ نَوْمِهِ) أَيْ يَسْتَيْقِظُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ وَرُؤْيَا السُّوءِ) قال

الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الصَّالِحَةِ وَالْحَسَنَةِ حُسْنَ ظَاهِرِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ صِحَّتُهَا قَالَ وَرُؤْيَا السُّوءِ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا سُوءَ الظَّاهِرِ وَسُوءَ التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنْ رَأَى رُؤْيَا حَسَنَةً فَلْيُبَشِّرْهُ وَلَا يُخْبِرْ بِهَا إِلَّا مَنْ يُحِبُّ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ فَلْيُبَشِّرْ بِضَمِّ الْيَاءِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ سَاكِنَةٌ مِنَ الْإِبْشَارِ وَالْبُشْرَى وَفِي بَعْضِهَا بِفَتْحِ الْيَاءِ وَبِالنُّونِ مِنَ النَّشْرِ وَهُوَ الْإِشَاعَةِ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ وَفِي الشَّرْحِ هُوَ تَصْحِيفٌ وَفِي بَعْضِهَا فَلْيَسْتُرْ بِسِينٍ

مُهْمَلَةٍ مِنَ السَّتْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2263] (إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمُ تَكْذِبُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ قِيلَ الْمُرَادُ إِذَا قَارَبَ الزَّمَانُ أَنْ يَعْتَدِلَ لَيْلُهُ وَنَهَارُهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ إِذَا قَارَبَ الْقِيَامَةَ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ غَيْرِ الرُّؤْيَا وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ مَا يُؤَيِّدُ الثَّانِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَلَى إِطْلَاقِهِ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا يَكُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْعِلْمِ وَمَوْتِ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَمَنْ يُسْتَضَاءُ بِقَوْلِهِ وَعَمَلِهِ فَجَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى جَابِرًا وَعِوَضًا وَمُنَبِّهًا لَهُمْ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ غَيْرَ الصَّادِقِ فِي حَدِيثِهِ يَتَطَرَّقُ الْخَلَلُ إِلَى رُؤْيَاهُ وَحِكَايَتِهِ إِيَّاهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ) وَفِي [2263] [2264] رِوَايَةٍ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ رُؤْيَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ

جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ وَفِي [2265] رِوَايَةٍ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ فَحَصَلَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ الْمَشْهُورُ ستة وأربعين والثانية خمسة وأربعين والثالثة سبعين جزءا وفي غير مسلم من رواية بن عَبَّاسٍ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَفِي رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ مِنْ خَمْسِينَ ومن رواية بن عمر سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ وَمِنْ رِوَايَةِ عُبَادَةَ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ قَالَ الْقَاضِي أَشَارَ الطَّبَرِيُّ إِلَى أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ رَاجِعٌ إِلَى اخْتِلَافِ حَالِ الرَّائِي فَالْمُؤْمِنُ الصَّالِحُ تَكُونُ رُؤْيَاهُ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا وَالْفَاسِقُ جُزْءًا مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ الْخَفِيَّ مِنْهَا جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ وَالْجَلِيُّ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَقَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوحَى إِلَيْهِ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنْهَا عَشْرُ سِنِينَ بِالْمَدِينَةِ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ بِمَكَّةَ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَرَى فِي الْمَنَامِ الْوَحْيَ وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا قَالَ الْمَازِرِيُّ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ لِلْمَنَامَاتِ شَبَهًا مِمَّا حَصَلَ لَهُ وَمَيَّزَ بِهِ من النبوة بجزء من ستة وأربعين قَالَ وَقَدْ قَدَحَ بَعْضُهُمْ فِي الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ أَمَدَ رُؤْيَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَبِأَنَّهُ رَأَى بَعْدَ النُّبُوَّةِ مَنَامَاتٍ كَثِيرَةً فَلْتُضَمَّ إِلَى الأشهر الستة وحينئذ تَتَغَيَّرُ النِّسْبَةُ قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذَا الِاعْتِرَاضُ الثَّانِي بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمَنَامَاتِ الْمَوْجُودَةَ بَعْدَ الْوَحْيِ بِأَرْسَالِ الْمَلَكِ مُنْغَمِرَةٌ فِي الْوَحْيِ فَلَمْ تُحْسَبْ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَنَامَ فِيهِ إِخْبَارُ الْغَيْبِ وَهُوَ إِحْدَى ثَمَرَاتِ النُّبُوَّةِ وَهُوَ لَيْسَ فِي حَدِّ النُّبُوَّةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيًّا لِيُشَرِّعَ الشَّرَائِعَ وَيُبَيِّنَ الْأَحْكَامَ وَلَا يُخْبِرُ بِغَيْبٍ أَبَدًا وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي نُبُوَّتِهِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي مَقْصُودِهَا وهذا الجزء من النبوة وهو الاخبار بالغيب اذا وقع لا يكون الا صدقا والله أعلم قال الخطابي هذا الْحَدِيثُ تَوْكِيدٌ لِأَمْرِ الرُّؤْيَا وَتَحْقِيقُ مَنْزِلَتِهَا وَقَالَ وَإِنَّمَا كَانَتْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَكَانَ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ يُوحَى إِلَيْهِمْ فِي مَنَامِهِمْ كَمَا يُوحَى إِلَيْهِمْ فِي الْيَقَظَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الرُّؤْيَا تَأْتِي عَلَى مُوَافَقَةِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّهَا جُزْءٌ

بَاقٍ مِنَ النُّبُوَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَأُحِبُّ الْقَيْدَ وَأَكْرَهُ الْغُلَّ) وَالْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا أُحِبُّ الْقَيْدَ لِأَنَّهُ فِي الرِّجْلَيْنِ وَهُوَ كَفٌّ عَنِ الْمَعَاصِي وَالشُّرُورِ وَأَنْوَاعِ الْبَاطِلِ وَأَمَّا الْغُلُّ فَمَوْضِعُهُ الْعُنُقُ وَهُوَ صِفَةُ أَهْلِ النَّارِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّا جَعَلْنَا في اعناقهم

أغلالا وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأَمَّا أَهْلُ الْعِبَارَةِ فَنَزَّلُوا هَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ مَنَازِلَ فَقَالُوا إِذَا رَأَى الْقَيْدَ فِي رِجْلَيْهِ وَهُوَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ مَشْهَدِ خَيْرٍ أَوْ عَلَى حَالَةٍ حَسَنَةٍ فَهُوَ دَلِيلٌ لِثَبَاتِهِ فِي ذَلِكَ وكذا لورآه صَاحِبُ وِلَايَةٍ كَانَ دَلِيلًا لِثَبَاتِهِ فِيهَا وَلَوْ رَآهُ مَرِيضٌ أَوْ مَسْجُونٌ أَوْ مُسَافِرٌ أَوْ مَكْرُوبٌ كَانَ دَلِيلًا لِثَبَاتِهِ فِيهِ قَالُوا وَلَوْ قَارَنَهُ مَكْرُوهٌ بِأَنْ يَكُونَ مَعَ الْقَيْدِ غُلٌّ غلب

الْمَكْرُوهَ لِأَنَّهَا صِفَةَ الْمُعَذَّبِينَ وَأَمَّا الْغُلُّ فَهُوَ مَذْمُومٌ إِذَا كَانَ فِي الْعُنُقِ وَقَدْ يَدُلُّ للولايات إذا كان معه قرائن كما أن كُلُّ وَالٍ يُحْشَرُ مَغْلُولًا حَتَّى يُطْلِقَهُ عَدْلُهُ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مَغْلُولَ الْيَدَيْنِ دُونَ الْعُنُقِ فَهُوَ حَسَنٌ وَدَلِيلٌ لِكَفِّهِمَا عَنِ الشَّرِّ وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى بُخْلِهِمَا وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ ما نواه من الأفعال قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2266] (مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي) وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِي وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَنْبَغِي لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَمَثَّلَ فِي صُورَتِي وَفِي [2267] رِوَايَةٍ مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ وَفِي رِوَايَةٍ من رآني في المنام فسيراني في اليقظة أَوْ لَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقِظَةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد رآني فقال بن الْبَاقِلَّانِيِّ مَعْنَاهُ أَنَّ رُؤْيَاهُ صَحِيحَةٌ لَيْسَتْ بِأَضْغَاثٍ وَلَا مِنْ تَشْبِيهَاتِ الشَّيْطَانِ وَيُؤَيِّدُ قَوْلَهُ رِوَايَةُ فقد رأى الحق أي الروية الصَّحِيحَةَ قَالَ وَقَدْ يَرَاهُ الرَّائِي عَلَى خِلَافِ صفته المعروفة كمن رَآهُ أَبْيَضَ اللِّحْيَةِ وَقَدْ يَرَاهُ شَخْصَانِ فِي زَمَنٍ وَاحِدِ أَحَدُهُمَا فِي الْمَشْرِقِ وَالْآخَرُ فِي

الْمَغْرِبِ وَيَرَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي مَكَانِهِ وَحَكَى المازرى هذا عن بن الْبَاقِلَّانِيِّ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ بَلِ الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّ مَنْ رَآهُ فَقَدْ أَدْرَكَهُ وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَالْعَقْلُ لَا يُحِيلُهُ حَتَّى يَضْطَرَّ إِلَى صَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَأَمَّا قَوْلُهُ بِأَنَّهُ قَدْ يُرَى عَلَى خِلَافِ صِفَتِهِ أَوْ فِي مَكَانَيْنِ مَعًا فَإِنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ فِي صِفَاتِهِ وَتَخَيُّلٌ لَهَا عَلَى خِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهِ وَقَدْ يَظُنُّ الظَّانُّ بَعْضَ الْخَيَالَاتِ مَرْئِيًّا لِكَوْنِ مَا يَتَخَيَّلُ مُرْتَبِطًا بِمَا يَرَى فِي الْعَادَةِ فَيَكُونُ ذَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْئِيَّةً وَصِفَاتُهُ مُتَخَيَّلَةً غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ وَالْإِدْرَاكُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَحْدِيقُ الْأَبْصَارِ وَلَا قُرْبُ الْمَسَافَةِ وَلَا كَوْنُ الْمَرْئِيِّ مَدْفُونًا فِي الْأَرْضِ وَلَا ظَاهِرًا عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَوْجُودًا وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى فَنَاءِ جِسْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يَقْتَضِي بَقَاءَهُ قَالَ وَلَوْ رَآهُ يَأْمُرُ بِقَتْلِ مَنْ يَحْرُمُ قَتْلُهُ كَانَ هَذَا مِنَ الصِّفَاتِ الْمُتَخَيَّلَةِ لَا الْمَرْئِيَّةِ هَذَا كَلَامُ الْمَازِرِيِّ [2268] قَالَ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد رآني أَوْ فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي الْمُرَادُ بِهِ إِذَا رَآهُ عَلَى صِفَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ لَهُ فِي حَيَاتِهِ فَإِنْ رَأَى عَلَى خِلَافِهَا كَانَتْ رُؤْيَا تَأْوِيلٍ لَا رُؤْيَا حَقِيقَةٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي ضَعِيفٌ بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَرَاهُ حَقِيقَةً سَوَاءٌ كَانَ عَلَى صِفَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ أَوْ غَيْرِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ رُؤْيَةَ النَّاسِ إِيَّاهُ صَحِيحَةٌ وَكُلَّهَا صِدْقٌ وَمُنِعَ الشَّيْطَانُ أَنْ يَتَصَوَّرَ فِي خِلْقَتِهِ لِئَلَّا يَكْذِبَ عَلَى لِسَانِهِ فِي النَّوْمِ كَمَا خَرَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَادَةَ لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ بِالْمُعْجِزَةِ وَكَمَا اسْتَحَالَ أَنْ يَتَصَوَّرَ الشَّيْطَانُ فِي صُورَتِهِ فِي الْيَقَظَةِ وَلَوْ وَقَعَ لَاشْتَبَهَ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ وَلَمْ يُوثَقْ بِمَا جَاءَ بِهِ مَخَافَةً مِنْ هَذَا التَّصَوُّرِ فَحَمَاهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الشَّيْطَانِ ونزغه ووسوسته وإلقائه وكيده قال وكذ حَمَى رُؤْيَتَهُمْ نَفْسَهُمْ قَالَ الْقَاضِي وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ وَصِحَّتِهَا وَإِنْ رَآهُ الْإِنْسَانُ عَلَى صِفَةٍ لَا تَلِيقُ بِحَالِهِ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَرْئِيَّ غَيْرُ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إِذْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التَّجَسُّمُ وَلَا اخْتِلَافُ الْأَحْوَالِ بِخِلَافِ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال بن الْبَاقِلَّانِيِّ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ خَوَاطِرُ في القلب وهي دلالات للرأي عَلَى أُمُورٍ مِمَّا كَانَ أَوْ يَكُونُ كَسَائِرِ المرئيات

وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة أَوْ لَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنْ كَانَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَكَأَنَّمَا رَآنِي فَهُوَ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ رَآنِي أَوْ فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ كَمَا سَبَقَ تَفْسِيرُهُ وَإِنْ كَانَ سَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ فَفِيهِ أَقْوَالٌ أَحَدُهَا الْمُرَادُ بِهِ أَهْلُ عَصْرِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ رَآهُ فِي النَّوْمِ وَلَمْ يَكُنْ هَاجَرَ يُوَفِّقُهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْهِجْرَةِ وَرُؤْيَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَقَظَةِ عِيَانًا وَالثَّانِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَرَى تَصْدِيقَ تِلْكَ الرُّؤْيَا فِي الْيَقَظَةِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ يَرَاهُ فِي الْآخِرَةِ جَمِيعُ أُمَّتِهِ مَنْ رَآهُ فِي الدُّنْيَا وَمَنْ لَمْ يَرَهُ وَالثَّالِثُ يَرَاهُ فِي الْآخِرَةِ رُؤْيَةَ خَاصَّتِهِ فِي الْقُرْبِ مِنْهُ وَحُصُولِ شفاعته

وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي حَلَمْتُ أَنَّ رَأْسِي قُطِعَ فَأَنَا أَتَّبِعُهُ فَزَجَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَا تُخْبِرْ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي الْمَنَامِ) قَالَ الْمَازِرِيُّ يَحْتَمِلُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّ مَنَامَهُ هَذَا من الأضغاث بوحي أوبدلالة مِنَ الْمَنَامِ دَلَّتْهُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْمَكْرُوهِ الَّذِي هُوَ مِنْ تَحْزِينِ الشَّيَاطِينِ وَأَمَّا الْعَابِرُونَ فَيَتَكَلَّمُونَ فِي كُتُبِهِمْ عَلَى قَطْعِ الرَّأْسِ وَيَجْعَلُونَهُ دَلَالَةً عَلَى مُفَارَقَةِ الرَّائِي مَا هُوَ فِيهِ مِنَ النِّعَمِ أَوْ مُفَارَقَةِ مَنْ فَوْقَهُ وَيَزُولُ سُلْطَانُهُ وَيَتَغَيَّرُ حَالُهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فَيَدُلُّ عَلَى عِتْقِهِ أَوْ مَرِيضًا فَعَلَى شِفَائِهِ أَوْ مَدْيُونًا فَعَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ أَوْ مَنْ لَمْ يَحُجَّ فَعَلَى أَنَّهُ يَحُجُّ أَوْ مَغْمُومًا فَعَلَى فَرَحِهِ أَوْ خَائِفًا فَعَلَى أَمْنِهِ

وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ [2269] (أَرَى اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطِفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا بِأَيْدِيهِمْ وَأَرَى سَبَبًا وَاصِلًا) أَمَّا الظُّلَّةُ فَهِيَ السَّحَابَةُ وَتَنْطِفُ بِضَمِّ الطَّاءِ وَكَسْرِهَا أَيْ تقطر قليلا قليلا ويتكففون يأخذون بأكفهم والسبب الحبل والواصل بِمَعْنَى الْمَوْصُولِ وَأَمَّا اللَّيْلَةُ فَقَالَ ثَعْلَبٌ وَغَيْرُهُ يُقَالُ رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى زَوَالِ الشَّمْسِ وَمَنِ الزَّوَالِ إِلَى اللَّيْلِ رَأَيْتُ

الْبَارِحَةَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ فقال بن قُتَيْبَةَ وَآخَرُونَ مَعْنَاهُ أَصَبْتَ فِي بَيَانِ تَفْسِيرِهَا وَصَادَفْتَ حَقِيقَةَ تَأْوِيلِهَا وَأَخْطَأْتَ فِي مُبَادَرَتِكَ بِتَفْسِيرِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ آمُرَكَ بِهِ وَقَالَ آخَرُونَ هذا الذي قاله بن قُتَيْبَةَ وَمُوَافِقُوهُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَقَالَ اعْبُرْهَا وَإِنَّمَا أَخْطَأَ فِي تَرْكِهِ تَفْسِيرَ بَعْضِهَا فَإِنَّ الرَّائِي قَالَ رَأَيْتُ ظُلَّةً تَنْطِفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ فَفَسَّرَهُ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْقُرْآنِ حَلَاوَتِهِ وَلِينِهِ وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرُ الْعَسَلِ وَتَرَكَ تَفْسِيرَ السَّمْنِ وَتَفْسِيرَهُ السُّنَّةُ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الطَّحَاوِيُّ وَقَالَ آخَرُونَ الْخَطَأُ وَقَعَ فِي خَلْعِ عُثْمَانَ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ أَخَذَ بِالسَّبَبِ فَانْقَطَعَ بِهِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى انْخِلَاعِهِ بِنَفْسِهِ وَفَسَّرَهُ الصِّدِّيقُ بِأَنَّهُ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ فَيَنْقَطِعُ بِهِ ثُمَّ يُوصَلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ وَعُثْمَانُ قَدْ خُلِعَ قَهْرًا وَقُتِلَ وَوُلِّيَ غَيْرُهُ فَالصَّوَابُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنْ يُحْمَلَ وَصْلُهُ عَلَى وِلَايَةِ غَيْرِهِ مِنْ قَوْمِهِ وَقَالَ آخَرُونَ الْخَطَأُ في سؤاله ليعبرها قوله (فوالله يارسول اللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّي مَا الَّذِي أَخْطَأْتُ قَالَ لَا تُقْسِمْ) هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ إِبْرَارَ الْمُقْسِمِ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ إِنَّمَا هُوَ إِذَا لَمْ تَكُنْ فِي الْإِبْرَارِ مَفْسَدَةٌ وَلَا مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ فَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْإِبْرَارِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَبَرَّ قَسَمَ أَبِي بَكْرٍ لَمَّا رَأَى فِي إِبْرَارِهِ مِنَ الْمَفْسَدَةِ وَلَعَلَّ الْمَفْسَدَةَ مَا عَلِمَهُ مِنْ سَبَبِ انْقِطَاعِ السَّبَبِ مَعَ عُثْمَانَ وَهُوَ قَتْلُهُ وَتِلْكَ الْحُرُوبُ وَالْفِتَنُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَيْهِ فَكَرِهَ ذِكْرَهَا مَخَافَةً مِنْ شُيُوعِهَا أَوْ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ لَوْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ مُبَادَرَتَهَ وَوَبَّخَهُ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي تَرْكِ تَعْيِينِ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ بِالسَّبَبِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ فِي بَيَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيَانَهُمْ مَفْسَدَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ عَبْرِ الرؤيا وأن

عَابِرَهَا قَدْ يُصِيبُ وَقَدْ يُخْطِئُ وَأَنَّ الرُّؤْيَا لَيْسَتْ لِأَوَّلِ عَابِرٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ إِذَا أَصَابَ وَجْهَهَا وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ إِبْرَارُ الْمُقْسِمِ إِذَا كَانَ فِيهِ مَفْسَدَةٌ أَوْ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ قَالَ الْقَاضِي وَفِيهِ أَنَّ مَنْ قَالَ أُقْسِمُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ أُقْسِمُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي عَجَبٌ فَإِنَّ الَّذِي فِي جَمِيعِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ فَوَاللَّهِ يارسول اللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّي وَهَذَا صَرِيحُ يَمِينٍ وَلَيْسَ فِيهَا أُقْسِمُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي قِيلَ لِمَالِكٍ أَيَعْبُرُ الرَّجُلُ الرُّؤْيَا عَلَى الْخَيْرِ وَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى الشَّرِّ فَقَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَبِالنُّبُوَّةِ يَتَلَعَّبُ هِيَ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ قَوْلُهُ (كَانَ مِمَّا يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا) قَالَ الْقَاضِي مَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ عِنْدَهُمْ كَثِيرًا مَا كان يفعل كذا كأنه قَالَ مِنْ شَأْنِهِ وَفِي الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى عِلْمِ الرُّؤْيَا وَالسُّؤَالِ عَنْهَا وَتَأْوِيلِهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَسُؤَالُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

يُعَلِّمُهُمْ تَأْوِيلَهَا وَفَضِيلَتَهَا وَاشْتِمَالَهَا عَلَى مَا شَاءَ الله تعالى من الاخبار بالغيب قوله [2270] (برطب من رطب بن طَابٍ) هُوَ نَوْعٌ مِنَ الرُّطَبِ مَعْرُوفٌ يُقَالُ له رطب بن طاب وتمر بن طاب وعذق بن طاب وعرجون بن طاب وهي مضاف إلى بن طَابٍ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (وان ديننا قد طاب) أي كمل واستقرت أحكامه وتمهدت قواعده قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2272] (رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ) أَمَّا الْوَهَلُ فَبِفَتْحِ الْهَاءِ وَمَعْنَاهُ وَهْمِي وَاعْتِقَادِي وَهَجَرُ مَدِينَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَهِيَ قَاعِدَةُ الْبَحْرَيْنِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَأَمَّا يَثْرِبُ فَهُوَ اسْمُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَسَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى المدينة وَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَيْبَةَ وَطَابَةَ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ مَبْسُوطًا فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ تَسْمِيَتِهَا يَثْرِبَ لِكَرَاهَةِ لَفْظِ التَّثْرِيبِ وَلِأَنَّهُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْجَاهِلِيَّةِ وَسَمَّاهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَثْرِبَ فَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ وَقِيلَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ

وَقِيلَ خُوطِبَ بِهِ مَنْ يَعْرِفُهَا بِهِ وَلِهَذَا جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْمِهِ الشَّرْعِيِّ فَقَالَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ) أَمَّا هَزَزْتُ وَهَزَزْتُهُ فَوَقَعَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ بِالزَّائِينَ فِيهِمَا وَفِي بَعْضِهَا هَزَّتْ وَهَزَّتْهُ بِزَايٍ وَاحِدَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَإِسْكَانِ التَّاءِ وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَتَفْسِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الرُّؤْيَا بِمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّ سَيْفَ الرَّجُلِ أَنْصَارُهُ الَّذِينَ يَصُولُ بِهِمْ كَمَا يَصُولُ بِسَيْفِهِ وَقَدْ يُفَسَّرُ السَّيْفُ فِي غَيْرِ هَذَا بِالْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَالْعَمِّ أَوِ الْأَخِ أَوِ الزَّوْجَةِ وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى الْوِلَايَةِ أَوِ الْوَدِيعَةِ وَعَلَى لِسَانِ الرَّجُلِ وَحُجَّتِهِ وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى سُلْطَانٍ جَائِرٍ وَكُلُّ ذَلِكَ بِحَسْبِ قَرَائِنَ تَنْضَمُّ تَشْهَدُ لِأَحَدِ هَذِهِ الْمَعَانِي فِي الرَّائِي أَوْ فِي الرُّؤْيَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَرَأَيْتُ فِيهَا أَيْضًا بَقَرًا وَاللَّهُ خَيْرٌ فَإِذَا هُمُ النَّفَرُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ وَإِذَا الخير ماجاء اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ بَعْدُ وَثَوَابُ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ) قَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ زِيَادَةٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَرَأَيْتُ بَقَرًا تُنْحَرُ وَبِهَذِهِ الزِّيَادَةِ يَتِمُّ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَا بِمَا ذَكَرَ فَنَحْرُ الْبَقَرِ هُوَ قَتْلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ الَّذِينَ قُتِلُوا بِأُحُدٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ضَبَطْنَا هَذَا الْحَرْفَ عن جميع الرواة والله خير رفع الهاء والراء على المبتدأ والخبر وبعد يَوْمَ بَدْرٍ بِضَمِّ دَالِ بَعْدُ وَنَصْبِ يَوْمَ قَالَ وَرُوِيَ بِنَصْبِ الدَّالِ قَالُوا وَمَعْنَاهُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ بَعْدَ بَدْرٍ الثَّانِيَةِ مِنْ تَثْبِيتِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ النَّاسَ جَمَعُوا لَهُمْ وخوفوهم فزادهم ذلك ايمانا وقالوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وفضل لم يمسسهم سوء وَتَفَرَّقَ الْعَدُوُّ عَنْهُمْ هَيْبَةً لَهُمْ قَالَ الْقَاضِي قَالَ أَكْثَرُ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ أَيْ صُنْعُ اللَّهِ بِالْمَقْتُولِينَ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْ بَقَائِهِمْ فِي الدُّنْيَا قَالَ الْقَاضِي وَالْأَوْلَى قَوْلُ مَنْ قَالَ

وَاللَّهُ خَيْرٌ مِنْ جُمْلَةِ الرُّؤْيَا وَكَلِمَةٍ أُلْقِيَتْ إليه وسمعها في الرؤيا عند رؤياه الْبَقَرِ بِدَلِيلِ تَأْوِيلِهِ لَهَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ [2273] (أَنَّ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ وَرَدَ الْمَدِينَةَ فِي عَدَدٍ كَثِيرٍ فَجَاءَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا جَاءَهُ تَأَلُّفًا لَهُ وَلِقَوْمِهِ رَجَاءَ إِسْلَامِهِمْ وَلِيُبَلِّغَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ أَنَّ سَبَبَ مَجِيئِهِ إِلَيْهِ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ قَصَدَهُ مِنْ بَلَدِهِ لِلِقَائِهِ فَجَاءَهُ مُكَافَأَةً لَهُ قَالَ وَكَانَ مُسَيْلِمَةُ إِذْ ذَاكَ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَإِنَّمَا ظَهَرَ كُفْرُهُ وَارْتِدَادُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ هُوَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا مَرَّتَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُسَيْلَمَةَ (وَلَنْ أَتَعَدَّى أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ) فَهَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ قَالَ الْقَاضِي هُمَا صَحِيحَانِ فَمَعْنَى الْأَوَّلِ لَنْ أَعْدُوَ أَنَا أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ مِنْ أَنِّي لَا أُجِيبُكَ إِلَى مَا طَلَبْتَهُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي لَك مِنَ الِاسْتِخْلَافِ أَوِ الْمُشَارَكَةِ وَمِنْ أَنِّي أُبَلِّغُ مَا أُنْزِلَ إِلَيَّ وَأَدْفَعُ أَمْرَكَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وَمَعْنَى الثَّانِي وَلَنْ تَعْدُوَ أَنْتَ أَمْرَ اللَّهِ فِي خَيْبَتِكَ فِيمَا أَمَّلْتَهُ مِنَ النُّبُوَّةِ وَهَلَاكِكَ دُونَ ذَلِكَ أَوْ فِيمَا سَبَقَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ فِي شَقَاوَتِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ) أَيْ إِنْ أَدْبَرْتَ عَنْ طَاعَتِي لَيَقْتُلَنَّكَ اللَّهُ وَالْعَقْرُ الْقَتْلُ وَعَقَرُوا النَّاقَةَ قَتَلُوهَا وَقَتَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْيَمَامَةِ وَهَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي) قَالَ الْعُلَمَاءُ كَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ خَطِيبَ رَسُولِ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَاوِبُ الْوُفُودَ عَنْ خُطَبِهِمْ وَتَشَدُّقِهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2274] (فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَالْآخَرُ مُسَيْلَمَةَ صَاحِبَ الْيَمَامَةِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجَانِ بَعْدِي أَيْ يُظْهِرَانِ شَوْكَتَهُمَا أَوْ مُحَارَبَتَهُمَا وَدَعْوَاهُمَا النُّبُوَّةَ وَإِلَّا فَقَدْ كَانَا فِي زَمَنِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَوَضَعَ فِي يَدَيَّ أُسْوَارَيْنِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ سِوَارٌ بكسر السين وضمها وأسوار بضم الهمز ثلاث لغلات وَوَقَعَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أُسْوَارَيْنِ فَيَكُونُ وَضَعَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالضَّادِ وَفِيهِ ضَمِيرُ الْفَاعِلِ أَيْ وَضَعَ الْآتِي بِخَزَائِنِ الْأَرْضِ فِي يَدَيَّ أَسُوَارَيْنِ فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ فَوُضِعَ بِضَمِّ الْوَاوِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِنَصْبِ أَسُوَارَيْنِ وَإِنْ كَانَ يَتَخَرَّجُ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَقَوْلُهُ يَدَيَّ هُوَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى التَّثْنِيَةِ قوله صلى الله عليه سلم (فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنِ انْفُخْهُمَا) هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَنَفْخُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمَا فَطَارَا دليل لانمحاقهما واضمحلال أمرها وَكَانَ كَذَلِكَ وَهُوَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ قَوْلُهُ (أُوتِيتُ خَزَائِنَ الْأَرْضِ) وَفِي بَعْضِ

النُّسَخِ أُتِيتُ بِخَزَائِنِ الْأَرْضِ وَفِي بَعْضِهَا أُتِيتُ خَزَائِنَ الْأَرْضِ وَهَذِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا وَفِي غَيْرِ مُسْلِمٍ مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ الْأَرْضِ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى سُلْطَانِهَا وَمُلْكِهَا وَفَتْحِ بِلَادِهَا وَأَخْذِ خَزَائِنِ أَمْوَالِهَا وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَهُوَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2275] (إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمُ الْبَارِحَةَ رُؤْيَا) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ الْبَارِحَةَ فِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ إِطْلَاقِ الْبَارِحَةِ عَلَى اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَوْلُ ثَعْلَبٍ وَغَيْرِهِ إِنَّهُ لَا يُقَالُ الْبَارِحَةُ إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّ هَذَا حَقِيقَتُهُ وَلَا يُمْتَنَعُ إِطْلَاقُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ مَجَازًا وَيَحْمِلُونَ الْحَدِيثَ عَلَى الْمَجَازِ وَإِلَّا فَمَذْهَبُهُمْ بَاطِلٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ إِقْبَالِ الْإِمَامِ الْمُصَلِّي بَعْدَ سَلَامِهِ عَلَى أَصْحَابِهِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ السُّؤَالِ عَنِ الرُّؤْيَا وَالْمُبَادَرَةِ إِلَى تَأْوِيلِهَا وَتَعْجِيلِهَا أَوَّلَ النَّهَارِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ الذِّهْنَ جُمِعَ قَبْلَ أَنْ يَتَشَعَّبَ بِإِشْغَالِهِ فِي مَعَايِشِ الدُّنْيَا وَلِأَنَّ عَهْدَ الرَّائِي قَرِيبٌ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يُهَوِّشُ الرُّؤْيَا عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهَا مَا يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهُ كَالْحَثِّ عَلَى خَيْرٍ أَوِ التَّحْذِيرِ مِنْ مَعْصِيَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَفِيهِ إِبَاحَةُ الْكَلَامِ فِي الْعِلْمِ وَتَفْسِيرِ الرُّؤْيَا وَنَحْوِهِمَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَفِيهِ أَنَّ اسْتِدْبَارَ الْقِبْلَةِ فِي جُلُوسِهِ لِلْعِلْمِ أَوْ غَيْرِهِ مُبَاحٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(كتاب الفضائل)

(كِتَاب الْفَضَائِلِ) بَاب فَضْلِ نَسَبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَتَسْلِيمِ الْحَجَرِ عَلَيْهِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ [2276] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ) إِلَى آخِرِهِ اسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ غَيْرَ قُرَيْشٍ مِنَ الْعَرَبِ لَيْسَ بِكُفْءٍ لَهُمْ وَلَا غَيْرَ بَنِي هَاشِمٍ كُفُؤٌ لَهُمْ إِلَّا بَنِي الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُمْ هُمْ وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2277] (إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ) فِيهِ مُعْجِزَةٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي هَذَا إِثْبَاتُ التَّمْيِيزِ فِي بَعْضِ الْجَمَادَاتِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْحِجَارَةِ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يسبح)

(باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع

حَقِيقَةً وَيَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ تَمْيِيزًا بِحَسْبِهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَمِنْهُ الْحَجَرُ الَّذِي فَرَّ بِثَوْبِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلَامُ الذِّرَاعِ الْمَسْمُومَةِ وَمَشْيُ إِحْدَى الشَّجَرَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى حِينَ دَعَاهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ (بَاب تَفْضِيلِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَمِيعِ الْخَلَائِقِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2278] (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ) قَالَ الْهَرَوِيُّ السَّيِّدُ هُوَ الَّذِي يَفُوقُ قَوْمَهُ فِي الْخَيْرِ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ الَّذِي يُفْزَعُ إِلَيْهِ فِي النَّوَائِبِ وَالشَّدَائِدِ فَيَقُومُ بِأَمْرِهِمْ وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُمْ مَكَارِهَهُمْ وَيَدْفَعُهَا عَنْهُمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ أَنَّهُ سَيِّدُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَسَبَبُ التَّقْيِيدِ أَنَّ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَظْهَرُ سؤدده لكل أحد ولا يبقى مناع وَلَا مُعَانِدٌ وَنَحْوُهُ بِخِلَافِ الدُّنْيَا فَقَدْ نَازَعَهُ ذَلِكَ فِيهَا مُلُوكُ الْكُفَّارِ وَزُعَمَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَهَذَا التَّقْيِيدُ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ مَعَ أَنَّ الْمُلْكَ لَهُ سُبْحَانَهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَكِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا مَنْ يَدَّعِي الْمُلْكَ أَوْ مَنْ يُضَافُ إِلَيْهِ مَجَازًا فَانْقَطَعَ كُلُّ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ لَمْ يَقُلْهُ فَخْرًا بَلْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْفَخْرِ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ وَإِنَّمَا قَالَهُ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا امْتِثَالُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَأَمَّا بِنِعْمَةِ ربك فحدث وَالثَّانِي أَنَّهُ مِنَ الْبَيَانِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْلِيغُهُ إِلَى أُمَّتِهِ لِيَعْرِفُوهُ وَيَعْتَقِدُوهُ وَيَعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهُ وَيُوَقِّرُوهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا تَقْتَضِي مَرْتَبَتُهُ كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِتَفْضِيلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ لِأَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْآدَمِيِّينَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْآدَمِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ فَجَوَابُهُ مِنْ خمسة أوجه أحدهما أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم)

قَالَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ فَلَمَّا عَلِمَ أَخْبَرَ بِهِ وَالثَّانِي قَالَهُ أَدَبًا وَتَوَاضُعًا وَالثَّالِثُ أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ عَنْ تَفْضِيلٍ يُؤَدِّي إِلَى تَنْقِيصِ الْمَفْضُولِ وَالرَّابِعُ إِنَّمَا نَهَى عَنْ تَفْضِيلٍ يُؤَدِّي إِلَى الْخُصُومَةِ وَالْفِتْنَةِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي سَبَبِ الْحَدِيثِ وَالْخَامِسُ أَنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بِالتَّفْضِيلِ فِي نَفْسِ النُّبُوَّةِ فَلَا تَفَاضُلَ فِيهَا وَإِنَّمَا التَّفَاضُلُ بِالْخَصَائِصِ وَفَضَائِلَ أُخْرَى وَلَا بُدَّ مِنَ اعْتِقَادِ التَّفْضِيلِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بعضهم على بعض قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ) إِنَّمَا ذَكَرَ الثَّانِي لِأَنَّهُ قَدْ يَشْفَعُ اثْنَانِ فَيَشْفَعُ الثَّانِي مِنْهُمَا قَبْلَ الْأَوَّلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب فِي مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي نَبْعِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ وَتَكْثِيرِهِ وَتَكْثِيرِ الطَّعَامِ هَذِهِ كُلُّهَا مُعْجِزَاتٌ ظَاهِرَاتٌ وُجِدَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَاطِنَ مُخْتَلِفَةٍ وَعَلَى أَحْوَالٍ مُتَغَايِرَةٍ وَبَلَغَ مَجْمُوعُهَا التَّوَاتُرَ وَأَمَّا تَكْثِيرُ الْمَاءِ فَقَدْ صَحَّ من رواية أنس وبن مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَكَذَا تَكْثِيرُ الطَّعَامِ وُجِدَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَاطِنَ مُخْتَلِفَةٍ وَعَلَى أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ وَصِفَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الرُّقَى بَيَانُ حَقِيقَةِ الْمُعْجِزَةِ وَالْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَرَامَةِ وَسَبَقَ قَبْلَ ذَلِكَ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ تَكْثِيرِ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ [2279] (فَأَتَى بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَيُقَالُ لَهُ رَحْرَحٌ بِحَذْفِ الْأَلْفِ وَهُوَ الْوَاسِعُ الْقَصِيرُ الْجِدَارِ قَوْلُهُ (فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ) هُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ وَفِي كَيْفِيَّةِ هَذَا النَّبْعِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي وغيره أحدهما ونقله القاضي عن المزتي وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَاءَ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ نَفْسِ أَصَابِعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْبُعُ مِنْ ذَاتِهَا قَالُوا وَهُوَ أَعْظَمُ فِي الْمُعْجِزَةِ مِنْ نَبْعِهِ مِنْ حَجَرٍ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ أَصَابِعِهِ وَالثَّانِي يَحْتَمِلُ

أَنَّ اللَّهَ كَثَّرَ الْمَاءَ فِي ذَاتِهِ فَصَارَ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ لَا مِنْ نَفْسِهَا وَكِلَاهُمَا مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ وَآيَةٌ بَاهِرَةٌ قَوْلُهُ (فَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ) هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ عَلَى الْمَشْهُورِ وهو الماءالذي يُتَوَضَّأُ بِهِ وَسَبَقَ بَيَانُ لُغَاتِهِ فِي كِتَابِ الطهارة قوله (حتى توضؤا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ) هَكَذَا هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ من عند آخرهم وهو صحيح ومن هُنَا بِمَعْنَى إِلَى وَهِيَ لُغَةٌ قَوْلُهُ (كَانُوا زُهَاءَ الثَّلَاثِمِائَةِ) أَمَّا زُهَاءَ فَبِضَمِّ الزَّايِ وَبِالْمَدِّ أَيْ قَدْرَ ثَلَاثِمِائَةٍ وَيُقَالُ أَيْضًا لَهَا بِاللَّامِ وَقَالَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ثَلَاثِمِائَةٍ وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَهَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الثَّمَانِينَ قَالَ الْعُلَمَاءُ هُمَا قَضِيَّتَانِ جَرَتَا فِي وَقْتَيْنِ وَرَوَاهُمَا جَمِيعًا أَنَسٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ الثَّلَاثُمِائَةِ فَهَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الثَّلَاثُمِائَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَسَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ

حذيفة اكتبوا لي كم بلفظ الاسلام قَوْلُهُ (لَا يَغْمُرُ أَصَابِعَهُ) أَيْ لَا يُغَطِّيهَا قَوْلُهُ (وَالْمَسْجِدُ فِيمَا ثَمَّةَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ ثَمَّةَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ ثَمَّ بفتح الثاء وثمة بفتح الهاء بِمَعْنَى هُنَاكَ وَهُنَا فَثَمَّ لِلْبَعِيدِ وَثَمَّةَ لِلْقَرِيبِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2280] (لَوْ تَرَكْتِيهَا مَا زَالَ قَائِمًا) أَيْ مَوْجُودًا حَاضِرًا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ غَزْوَةِ تَبُوكَ [706] (كَانَ يَجْمَعُ الصَّلَاةَ) إِلَى آخِرِهِ هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَفِيهِ هَذِهِ الْمُعْجِزَةُ

الظَّاهِرَةُ فِي تَكْثِيرِ الْمَاءِ وَفِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ قَوْلُهُ (وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ هُنَا تَبِضُّ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَنَقَلَ الْقَاضِي اتِّفَاقَ الرُّوَاةِ هُنَا عَلَى أَنَّهُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُ تَسِيلُ وَاخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِهِ هُنَاكَ فَضَبَطَهُ بعضهم بالمعجمة وبعضهم بالمهملة أي تبرق والشراك بِكَسْرِ الشِّينِ وَهُوَ سَيْرُ النَّعْلِ وَمَعْنَاهُ مَاءٌ قَلِيلٌ جِدًّا قَوْلُهُ (فَجَرَتِ الْعَيْنُ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ) أَيْ كَثِيرِ الصَّبِّ وَالدَّفْعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَدْ مُلِئَ جِنَانًا) أَيْ بَسَاتِينَ وَعُمْرَانًا وَهُوَ جَمْعُ جَنَّةٍ وَهُوَ أَيْضًا مِنَ الْمُعْجِزَاتِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْمَرْأَةِ أَنَّهَا حِينَ عَصَرَتِ الْعُكَّةَ ذَهَبَتْ بَرَكَةُ السَّمْنِ وَفِي حَدِيثِ الرجل حين كان الشَّعِيرَ فَنِيَ وَمِثْلُهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ حِينَ كَالَتِ الشَّعِيرَ فَفَنِيَ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ عَصْرَهَا وَكَيْلَهُ مُضَادَّةٌ لِلتَّسْلِيمِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى رِزْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَضَمَّنُ التَّدْبِيرَ وَالْأَخْذَ بِالْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَتَكَلُّفِ الْإِحَاطَةِ

بِأَسْرَارِ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَضْلِهِ فَعُوقِبَ فَاعِلُهُ بِزَوَالِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيقَةِ [1392] (اخْرُصُوهَا) هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَالضَّمُّ أَشْهَرُ أَيِ احْزِرُوا كَمْ يَجِيءُ مِنْ تَمْرِهَا فِيهِ اسْتِحْبَابُ امْتِحَانِ الْعَالِمِ أَصْحَابَهُ بِمِثْلِ هَذَا التَّمْرِينِ وَالْحَدِيقَةُ الْبُسْتَانُ مِنَ النَّخْلِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ حَائِطٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَتَهُبُّ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَلَا يَقُمْ فِيهَا أَحَدٌ فَمَنْ كَانَ لَهُ بَعِيرٌ فَلْيَشُدَّ عِقَالَهُ فَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَحَمَلَتْهُ الريح حتى ألقته بجبلى طئ) هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ هَذِهِ الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ مِنْ إِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَغِيبِ وَخَوْفِ الضَّرَرِ مِنَ الْقِيَامِ وَقْتَ الرِّيحِ وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَى أُمَّتِهِ وَالرَّحْمَةِ لَهُمْ وَالِاعْتِنَاءِ بِمَصَالِحِهِمْ وتحديرهم مَا يَضُرُّهُمْ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا وَإِنَّمَا أَمَرَ بِشَدِّ عَقْلِ الْجِمَالِ لِئَلَّا يَنْفَلِتَ مِنْهَا شَيْءٌ فَيَحْتَاجُ صَاحِبُهُ إِلَى الْقِيَامِ فِي طَلَبِهِ فيلحقه ضرر الريح وجبلا طئ مَشْهُورَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا أَجَاءُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْجِيمِ وبالهمز والآخر سلمى بفتح السين وطىء بِيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ عَلَى وَزْنِ سَيِّدٍ وهو أبو قبيله من اليمن وهو طئ بْنُ أُدَرَ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأِ بْنِ حِمْيَرَ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَطَيِّئٌ بهمز ولا يهمز لغتان قوله (وجاء رسول بن الْعَلْمَاءِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَبِالْمَدِّ قَوْلُهُ (وَأَهْدَى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاءَ) فِيهِ قَبُولُ هَدِيَّةِ الْكَافِرِ وَسَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا يُعَارِضُهُ فِي الظَّاهِرِ وَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا وَهَذِهِ الْبَغْلَةُ هي دلدل بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم المعروفة

لَكِنْ ظَاهِرُ لَفْظِهِ هُنَا أَنَّهُ أَهْدَاهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَقَدْ كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْبَغْلَةُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ وَحَضَرَ عَلَيْهَا غَزَاةَ حُنَيْنٍ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَكَانَتْ حُنَيْنٌ عَقِبَ فَتْحِ مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ قَالَ الْقَاضِي وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةٌ غَيْرُهَا قَالَ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ أَهْدَاهَا لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَدْ عَطَفَ الْإِهْدَاءَ عَلَى الْمَجِيءِ بِالْوَاوِ وَهِيَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَهَذَا أُحُدٌ وَهُوَ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ) سَبَقَ شَرْحُهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ دَارُ بَنِي النَّجَّارِ) قَالَ الْقَاضِي الْمُرَادُ أَهْلُ

(باب توكله على الله تعالى وعصمة الله تعالى له من

الدُّورِ وَالْمُرَادُ الْقَبَائِلُ وَإِنَّمَا فَضَّلَ بَنِي النَّجَّارِ لِسَبْقِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ وَآثَارِهِمُ الْجَمِيلَةِ فِي الدِّينِ قَوْلُهُ (ثُمَّ دَارِ بَنِي عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ بَنِي عَبْدِ الْحَارِثِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي قَالَ وَهُوَ خَطَأٌ مِنَ الرُّوَاةِ وَصَوَابُهُ بَنِي الْحَارِثِ بِحَذْفِ لَفْظَةِ عَبْدِ قَوْلُهُ (وَكَتَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَحْرِهِمْ) أَيْ بِبَلَدِهِمْ وَالْبِحَارُ الْقُرَى (بَاب تَوَكُّلِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعِصْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ مِنْ النَّاسِ) فِيهِ حَدِيثُ جابر ففيه بَيَانُ تَوَكُّلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اللَّهِ وَعِصْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ مِنَ النَّاسِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وَفِيهِ جَوَازُ الِاسْتِظْلَالِ بِأَشْجَارِ الْبَوَادِي وَتَعْلِيقِ السِّلَاحِ وغيره فيها وجوازا لمن عَلَى الْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ وَإِطْلَاقِهِ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى مُرَاقَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْعَفْوِ وَالْحِلْمِ وَمُقَابَلَةِ السَّيِّئَةِ بِالْحَسَنَةِ قَوْلُهُ [843] (فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ) هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ كُلُّ شَجَرَةٍ ذَاتِ شَوْكٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ رَجُلًا أَتَانِي) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الرَّجُلُ اسمه

غَوْرَثٌ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ وَالْغَيْنُ مَضْمُومَةٌ وَمَفْتُوحَةٌ وَحَكَى الْقَاضِي الْوَجْهَيْنِ ثُمَّ قَالَ الصَّوَابُ الْفَتْحُ قَالَ وَضَبَطَهُ بَعْضُ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالصَّوَابُ الْمُعْجَمَةُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ غُوَيْرِثٌ أَوْ غَوْرَثٌ عَلَى التَّصْغِيرِ وَالشَّكِّ وَهُوَ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ مِثْلُ هَذَا الْخَبَرِ وَسُمِّيَ الرَّجُلُ فِيهِ دُعْثُورًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالسَّيْفُ صَلْتًا فِي يَدِهِ إِلَى قَوْلِهِ فَشَامَ السَّيْفَ) أَمَّا صَلْتًا فَبِفَتْحِ الصَّادِ وَضَمِّهَا أَيْ مَسْلُولًا وَأَمَّا شَامَهُ فَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُ غَمَدَهُ وَرَدَّهُ فِي غِمْدِهِ يُقَالُ شَامَ السَّيْفَ إِذَا سَلَّهُ وَإِذَا أَغْمَدَهُ فَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ وَالْمُرَادُ هنا أغمده

(باب بيان مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم)

(بَاب بَيَانِ مَثَلِ مَا بُعِثَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2282] (إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانُ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ اللَّهُ بِمَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ) أَمَّا الْغَيْثُ فَهُوَ الْمَطَرُ وَأَمَّا الْعُشْبُ وَالْكَلَأُ وَالْحَشِيشُ فَكُلُّهَا أَسْمَاءٌ لِلنَّبَاتِ لَكِنَّ الْحَشِيشَ مُخْتَصٌّ بِالْيَابِسِ وَالْعُشْبُ والكلأ مقصورا مختصان بالرطب والكلأ بِالْهَمْزِ يَقَعُ عَلَى الْيَابِسِ وَالرَّطْبِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وبن فَارِسٍ الْكَلَأُ يَقَعُ عَلَى الْيَابِسِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَأَمَّا الْأَجَادِبُ فَبِالْجِيمِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الأرض التي لا تُنْبِتُ كَلَأً وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي تُمْسِكُ الْمَاءَ فَلَا يُسْرِعُ فِيهِ النُّضُوبُ قَالَ بن بَطَّالٍ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَآخَرُونَ هُوَ جَمْعُ جَدْبٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَمَا قَالُوا فِي حَسَنٍ جَمْعُهُ مَحَاسِنُ وَالْقِيَاسُ أَنَّ مَحَاسِنَ جَمْعُ مُحْسِنٍ وَكَذَا قَالُوا مُشَابِهُ جَمْعُ شَبَهٍ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ مُشَبَّهٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَحَادِبُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالدَّالِ قَالَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَجَارِدُ بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ وَالدَّالِ قَالَ وَهُوَ صَحِيحُ الْمَعْنَى إِنْ

سَاعَدَتْهُ الرِّوَايَةُ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ الْأَجَارِدُ مِنَ الْأَرْضِ مالا يُنْبِتُ الْكَلَأَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا جَرْدَاءُ هَزْرَةٌ لَا يَسْتُرُهَا النَّبَاتُ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا هِيَ أَخَاذَاتٌ بِالْخَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَبِالْأَلْفِ وَهُوَ جَمْعُ أَخَاذَةٍ وَهِيَ الْغَدِيرُ الَّذِي يُمْسِكُ الْمَاءَ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ هَذِهِ الْأَوْجُهَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْخَطَّابِيُّ فَجَعَلَهَا رِوَايَاتٍ مَنْقُولَةً وَقَالَ الْقَاضِي فِي الشَّرْحِ لَمْ يَرِدْ هَذَا الْحَرْفُ فِي مُسْلِمٍ وَلَا فِي غَيْرِهِ إِلَّا بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْجَدْبِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْخِصْبِ قَالَ وَعَلَيْهِ شَرَحَ الشَّارِحُونَ وَأَمَّا الْقِيعَانُ فَبِكَسْرِ الْقَافِ جَمْعُ الْقَاعِ وَهُوَ الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ وَقِيلَ الْمَلْسَاءُ وَقِيلَ الَّتِي لَا نَبَاتَ فِيهَا وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى أَقْوُعٍ وَأَقْوَاعٍ والقيعة بِكَسْرِ الْقَافُ بِمَعْنَى الْقَاعِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ قَاعَةُ الدار ساحتها وأما الفقه في اللغة فهو الفهم يُقَالُ مِنْهُ فَقِهَ بِكَسْرِ الْقَافِ يَفْقَهُ فِقَهًا بِفَتْحِهَا كَفَرِحَ يَفْرَحُ فَرَحًا وَقِيلَ الْمَصْدَرُ فِقْهًا بِإِسْكَانِ الْقَافِ وَأَمَّا الْفِقْهُ الشَّرْعِيُّ فَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَالْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا يُقَالُ مِنْهُ فَقُهَ بِضَمِّ القاف وقال بن دُرَيْدٍ بِكَسْرِهَا كَالْأَوَّلِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ هَذَا الثَّانِي فَيَكُونُ مَضْمُومَ الْقَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَلَى قول بن دُرَيْدٍ بِكَسْرِهَا وَقَدْ رُوِيَ بِالْوَجْهَيْنِ وَالْمَشْهُورُ الضَّمُّ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَهَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ فَكَانَ مِنْهُ نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ بِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ قَافٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ مُشَدَّدَةٍ وَهُوَ بِمَعْنَى طَيِّبَةٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ وَرَوَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ ثَغْبَةٌ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ مُسْتَنْقَعُ الْمَاءِ فِي الْجِبَالِ وَالصُّخُورِ وَهُوَ الثَّغْبُ أَيْضًا وَجَمْعُهُ ثُغْبَانٌ قَالَ الْقَاضِي وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ غَلَطٌ مِنَ النَّاقِلِينَ وَتَصْحِيفٌ وَإِحَالَةٌ لِلْمَعْنَى لِأَنَّهُ إِنَّمَا جُعِلَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى مَثَلًا لِمَا يَنْبُتُ وَالثَّغْبَةُ لَا تُنْبِتُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَقَوْا فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ سَقَى وَأَسْقَى بِمَعْنًى لُغَتَانِ وَقِيلَ سَقَاهُ نَاوَلَهُ لِيَشْرَبَ وَأَسْقَاهُ جَعَلَ لَهُ سَقْيًا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَعَوْا فَهُوَ بِالرَّاءِ مِنَ الرَّعْيِ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ وَزَرَعُوا وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا مَعَانِي الْحَدِيثِ وَمَقْصُودُهُ فَهُوَ تَمْثِيلُ الْهُدَى الَّذِي جَاءَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغَيْثِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَرْضَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ وَكَذَلِكَ النَّاسُ فَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنَ الْأَرْضِ يَنْتَفِعُ بِالْمَطَرِ فَيَحْيَى بَعْدَ أَنْ كَانَ مَيْتًا وَيُنْبِتُ الْكَلَأَ فَتَنْتَفِعُ بِهَا النَّاسُ وَالدَّوَابُّ وَالزَّرْعُ وَغَيْرُهَا وَكَذَا النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنَ النَّاسِ يَبْلُغُهُ الهدى

(باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته)

وَالْعِلْمُ فَيَحْفَظُهُ فَيَحْيَا قَلْبُهُ وَيَعْمَلُ بِهِ وَيُعَلِّمُهُ غَيْرَهُ فَيَنْتَفِعُ وَيَنْفَعُ وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الْأَرْضِ مالا تَقْبَلُ الِانْتِفَاعَ فِي نَفْسِهَا لَكِنْ فِيهَا فَائِدَةٌ وَهِيَ إِمْسَاكُ الْمَاءِ لِغَيْرِهَا فَيَنْتَفِعُ بِهَا النَّاسُ وَالدَّوَابُّ وَكَذَا النَّوْعُ الثَّانِي مِنَ النَّاسِ لَهُمْ قُلُوبٌ حَافِظَةٌ لَكِنْ لَيْسَتْ لَهُمْ أَفْهَامٌ ثَاقِبَةٌ وَلَا رُسُوخَ لَهُمْ فِي الْعَقْلِ يَسْتَنْبِطُونَ بِهِ الْمَعَانِيَ وَالْأَحْكَامَ وَلَيْسَ عِنْدَهُمُ اجْتِهَادٌ فِي الطَّاعَةِ وَالْعَمَلِ بِهِ فَهُمْ يَحْفَظُونَهُ حَتَّى يَأْتِيَ طَالِبٌ مُحْتَاجٌ مُتَعَطِّشٌ لِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ أَهْلٌ لِلنَّفْعِ وَالِانْتِفَاعِ فَيَأْخُذَهُ مِنْهُمْ فَيَنْتَفِعَ بِهِ فَهَؤُلَاءِ نَفَعُوا بِمَا بَلَغَهُمْ وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ مِنَ الْأَرْضِ السِّبَاخُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ وَنَحْوُهَا فَهِيَ لَا تَنْتَفِعُ بِالْمَاءِ وَلَا تُمْسِكُهُ لِيَنْتَفِعَ بِهَا غَيْرُهَا وَكَذَا النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنَ النَّاسِ لَيْسَتْ لَهُمْ قُلُوبٌ حَافِظَةٌ وَلَا أَفْهَامٌ وَاعِيَةٌ فَإِذَا سَمِعُوا الْعِلْمَ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَلَا يَحْفَظُونَهُ لِنَفْعِ غَيْرِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْعِلْمِ مِنْهَا ضَرْبُ الْأَمْثَالِ وَمِنْهَا فَضْلُ الْعِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ وَشِدَّةُ الْحَثِّ عَلَيْهِمَا وَذَمُّ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْعِلْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب شَفَقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمَّتِهِ) وَمُبَالَغَتِهِ فِي تَحْذِيرِهِمْ مِمَّا يَضُرُّهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم [2283] (لأني أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ أَصْلُهُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَرَادَ إِنْذَارَ قَوْمِهِ وَإِعْلَامَهُمْ بِمَا يُوجِبُ الْمَخَافَةَ نَزَعَ ثَوْبَهُ وَأَشَارَ بِهِ إِلَيْهِمْ اذا كان بعيدا منهم ليخبرهم بمادهمهم وَأَكْثَرُ مَا يَفْعَلُ هَذَا رَبِيئَةُ الْقَوْمِ وَهُوَ طَلِيعَتُهُمْ وَرَقِيبُهُمْ قَالُوا وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَبْيَنُ لِلنَّاظِرِ وَأَغْرَبُ وَأَشْنَعُ مَنْظَرًا فَهُوَ أَبْلَغُ فِي اسْتِحْثَاثِهِمْ فِي التَّأَهُّبِ لِلْعَدُوِّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَا النَّذِيرُ الَّذِي أَدْرَكَنِي جَيْشُ الْعَدُوِّ فَأَخَذَ ثِيَابِي فَأَنَا أُنْذِرُكُمْ عُرْيَانًا قَوْلُهُ (فَالنَّجَاءَ) مَمْدُودٌ أَيِ انْجُوا النَّجَاءَ أَوِ اطْلُبُوا النَّجَاءَ

قَالَ الْقَاضِي الْمَعْرُوفُ فِي النَّجَاءِ إِذَا أُفْرِدَ الْمَدُّ وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ فِيهِ الْقَصْرَ أَيْضًا فَإِذَا مَا كَرَّرُوهُ فَقَالُوا النَّجَاءَ النَّجَاءَ فَفِيهِ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ مَعًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَدْلَجُوا فَانْطَلَقُوا عَلَى مُهْلَتِهِمْ) أَمَّا أَدْلَجُوا فَبِإِسْكَانِ الدَّالِ وَمَعْنَاهُ سَارُوا مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ يُقَالُ أَدْلَجْتُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ إِدْلَاجًا كَأَكْرَمْتُ إِكْرَامًا وَالِاسْمُ الدَّلْجَةُ بِفَتْحِ الدَّالِ فَإِنْ خَرَجْتَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قُلْتَ ادَّلَجْتُ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَدَّلِجُ ادِّلَاجًا بِالتَّشْدِيدِ أَيْضًا وَالِاسْمُ الدُّلْجَةُ بِضَمِّ الدَّالِ قال بن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُجِيزُ الْوَجْهَيْنِ فِي كل واحد منهما وأماقوله عَلَى مُهْلَتِهِمْ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مسلم بضم الميم وإسكان الهاء وبتاء بَعْدَ اللَّامِ وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ مَهَلِهِمْ بِحَذْفِ التَّاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَالْهَاءِ وَهُمَا صَحِيحَانِ

قَوْلُهُ (فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ) أَيِ اسْتَأْصَلَهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا) [2284] وَفِي رِوَايَةٍ الدَّوَابُّ وَالْفَرَاشُ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهَا [2285] وَفِي رِوَايَةٍ وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي أَمَّا الْفَرَاشُ فَقَالَ الْخَلِيلُ هُوَ الَّذِي يَطِيرُ كَالْبَعُوضِ وَقَالَ غَيْرُهُ مَا تَرَاهُ كَصِغَارِ الْبَقِّ يَتَهَافَتُ فِي النَّارِ وَأَمَّا الْجَنَادِبُ فَجَمْعُ جُنْدُبٍ وَفِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ جُنْدُبٌ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا وَالْجِيمُ مَضْمُومَةٌ فِيهِمَا وَالثَّالِثَةُ حَكَاهُ الْقَاضِي بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَالْجَنَادِبُ هَذَا الصِّرَارُ الَّذِي يُشْبِهُ الْجَرَادَ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الْجُنْدُبُ عَلَى خِلْقَةِ الْجَرَادِ لَهُ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ كَالْجَرَادَةِ وَأَصْغَرُ مِنْهَا يَطِيرُ وَيُصِرُّ بِاللَّيْلِ صَرًّا شَدِيدًا وَقِيلَ غيره وأما التَّقَحُّمُ فَهُوَ الْإِقْدَامُ وَالْوُقُوعُ فِي الْأُمُورِ الشَّاقَّةِ من غير تثبت والحجز جَمْعُ حُجْزَةٍ وَهِيَ مَعْقِدُ الْإِزَارِ وَالسَّرَاوِيلِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ فَرُوِيَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا اسْمُ فَاعِلٍ بِكَسْرِ الخاء وتنوين الذال والثاني فعل مُضَارِعٍ بِضَمِّ الذَّالِ بِلَا تَنْوِينٍ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَهُمَا صَحِيحَانِ وَأَمَّا تَفَلَّتُونَ فَرُوِيَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا فتح التاء والفاء الْمُشَدَّدَةِ وَالثَّانِي ضَمُّ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْمُخَفَّفَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ يُقَالُ أَفْلَتَ مِنِّي وَتَفَلَّتَ إِذَا نَازَعَكَ الْغَلَبَةَ وَالْهَرَبَ ثُمَّ غَلَبَ وَهَرَبَ وَمَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَ تَسَاقُطَ الْجَاهِلِينَ وَالْمُخَالِفِينَ بِمَعَاصِيهِمْ وَشَهَوَاتِهِمْ في نارالآخرة وَحِرْصِهِمْ عَلَى الْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ مَعَ مَنْعِهِ إِيَّاهُمْ وَقَبْضِهِ عَلَى مَوَاضِعِ الْمَنْعِ مِنْهُمْ بِتَسَاقُطِ الْفَرَاشِ فِي نَارِ الدُّنْيَا لِهَوَاهُ وَضَعْفِ تَمْيِيزِهِ وَكِلَاهُمَا حَرِيصٌ عَلَى هَلَاكِ نَفْسِهِ سَاعٍ فِي ذَلِكَ لِجَهْلِهِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَلِيمٌ عَنْ سَعِيدٍ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَهُوَ سَلِيمُ بن حبان

(في الباب قوله [2286] [2287] صلى الله عليه وسلم (مثلي ومثل

بَاب ذِكْرِ كَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ (فِي الْبَابِ قَوْلُهُ [2286] [2287] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي إِلَى قَوْلِهِ فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ) فِيهِ فَضِيلَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَجَوَازُ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ فِي الْعِلْمِ وغيره واللبنة بفتح اللام)

(باب إذا أراد الله تعالى رحمة أمة قبض نبيها قبلها)

وَكَسْرِ الْبَاءِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُ الْبَاءِ مَعَ فَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا كَمَا فِي نَظَائِرِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى رَحْمَةَ أُمَّةٍ قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا) قَالَ مَسْلَمَةُ [2288] (وَحُدِّثْتُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَمِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ إِلَى آخِرِهِ) قَالَ الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي هَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُنْقَطِعَةِ فِي مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُسَمِّ الَّذِي حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ قُلْتُ وَلَيْسَ هَذَا حَقِيقَةَ انْقِطَاعٍ وَإِنَّمَا هُوَ رِوَايَةُ مَجْهُولٍ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ قال الجلودي حدثنا محمد بن المسيب الارعياني قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ بِإِسْنَادِهِ

(باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته)

(بَاب إِثْبَاتِ حَوْضِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِفَاتِهِ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيثُ الْحَوْضِ صَحِيحَةٌ وَالْإِيمَانُ بِهِ فَرْضٌ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَهُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لَا يُتَأَوَّلُ وَلَا يُخْتَلَفُ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي وَحَدِيثُهُ مُتَوَاتِرُ النَّقْلِ رَوَاهُ خَلَائِقُ مِنَ الصَّحَابَةِ فَذَكَرَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَعُقْبَةَ بن عامر وبن مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَحَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ وَالْمُسْتَوْرِدِ وَأَبِي ذَرٍّ وَثَوْبَانَ وَأَنَسٍ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَرَوَاهُ غَيْرُ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بن زيد وأبي برزة وسويد بن حبلة وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصُّنَابِحِيِّ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَخَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَغَيْرِهِمْ قُلْتُ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ غَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَائِذِ بْنِ عُمَرَ وَآخَرِينَ وَقَدْ جَمَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ الْبَعْثُ وَالنُّشُورُ بِأَسَانِيدِهِ وَطُرُقِهِ الْمُتَكَاثِرَاتِ قَالَ الْقَاضِي وَفِي بَعْضِ هَذَا مَا يَقْتَضِي كَوْنَ الْحَدِيثِ مُتَوَاتِرًا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2289] (أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْفَرَطُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ وَالْفَارِطُ هُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ الْوَارِدَ لِيُصْلِحَ لَهُمْ وَالْحِيَاضُ وَالدِّلَاءُ وَنَحْوُهَا مِنْ أُمُورِ الِاسْتِقَاءِ فَمَعْنَى فرطكم علي الحوض سابقكم إليه كالمهيء لَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2290] (وَمَنْ شرب

لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا) أَيْ شَرِبَ مِنْهُ وَالظَّمَأُ مَهْمُوزٌ مَقْصُورٌ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ وَهُوَ الْعَطَشُ يُقَالُ ظَمِئَ يَظْمَأُ ظَمَأً فَهُوَ ظَمْآنٌ وَهُمْ ظِمَاءٌ بِالْمَدِّ كَعَطِشَ يَعْطَشُ عَطَشًا فَهُوَ عَطْشَانٌ وَهُمْ عِطَاشٌ قَالَ الْقَاضِي ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الشُّرْبَ مِنْهُ يَكُونُ بَعْدَ الْحِسَابِ وَالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يُظْمَأُ بَعْدَهُ قَالَ وَقِيلَ لَا يَشْرَبُ مِنْهُ إِلَّا مَنْ قُدِّرَ لَهُ السَّلَامَةُ مِنَ النَّارِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَقُدِّرَ عَلَيْهِ دُخُولُ النَّارِ لَا يُعَذَّبُ فِيهَا بِالظَّمَأِ بَلْ يَكُونُ عَذَابُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ جَمِيعَ الْأُمَّةِ يَشْرَبُ مِنْهُ إِلَّا مَنِ ارْتَدَّ وَصَارَ كَافِرًا قَالَ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ جَمِيعَ الْأُمَمِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَأْخُذُونَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ ثُمَّ يُعَذِّبُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ شَاءَ مِنْ عُصَاتِهِمْ وَقِيلَ إِنَّمَا يَأْخُذُهُ بِيَمِينِهِ النَّاجُونَ خَاصَّةً قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا مِثْلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وَرَدَ شَرِبَ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْوَارِدِينَ كُلَّهُمْ يَشْرَبُونَ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْهُ الذين يذادون وَيُمْنَعُونَ الْوُرُودَ لِارْتِدَادِهِمْ وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْوُضُوءِ بَيَانُ هَذَا الذَّوْدِ وَالْمَذُودِينَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2291] (سُحْقًا سُحْقًا) أَيْ بُعْدًا لَهُمْ بُعْدًا وَنَصْبُهُ عَلَى الْمَصْدَرِ وَكَرَّرَ لِلتَّوْكِيدِ قوله (حدثنا هارون بن سعيد حدثنا بن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْعَطْفُ عَلَى سَهْلٍ فَالْقَائِلُ وَعَنِ النُّعْمَانِ هُوَ أَبُو حَازِمٍ فَرَوَاهُ عَنْ سَهْلٍ ثُمَّ رَوَاهُ عَنِ النُّعْمَانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2292] (حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ طُولُهُ كَعَرْضِهِ كَمَا قَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ الْوَرِقِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْوَرِقِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَهُوَ الْفِضَّةُ وَالنَّحْوِيُّونَ يَقُولُونَ إِنَّ فِعْلَ التَّعَجُّبِ الَّذِي يُقَالُ فِيهِ هُوَ أَفْعَلُ مِنْ كَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا كَانَ مَاضِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ فَإِنْ زَادَ لَمْ يُتَعَجَّبْ مِنْ فَاعِلِهِ وَإِنَّمَا يُتَعَجَّبُ مِنْ مَصْدَرِهِ فَلَا يُقَالُ مَا أَبْيَضَ زَيْدًا وَلَا زَيْدٌ أَبْيَضُ مِنْ عَمْرٍو وَإِنَّمَا يُقَالُ مَا أَشَدُّ بَيَاضِهِ وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ كَذَا وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ أَشْيَاءُ مِنْ هَذَا الَّذِي أَنْكَرُوهُ فَعَدُّوهُ شَاذًّا لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ وَهِيَ لُغَةٌ وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةَ الِاسْتِعْمَالِ وَمِنْهَا قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ) وَفِي [2300] رِوَايَةٍ فِيهِ أَبَارِيقُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَآنِيَتُهُ أكثر من

عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا وَفِي رِوَايَةٍ وإِنَّ فِيهِ مِنَ الْأَبَارِيقِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ وَفِي رِوَايَةٍ تَرَى فِيهِ أَبَارِيقَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ [2305] وَفِي رِوَايَةٍ كَأَنَّ الْأَبَارِيقَ فِيهِ النُّجُومُ الْمُخْتَارُ الصَّوَابُ أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ لِلْآنِيَةِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهَا أَكْثَرُ عَدَدًا مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ وَلَا مانع عقلي ولا شرعي يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بَلْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ مُؤَكَّدًا كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2306] وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عدد نُجُومِ السَّمَاءِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا إِشَارَةٌ إلى كثرة العدد وغايته الكثيرة مِنْ بَابِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ وَهُوَ بَابٌ مِنَ الْمُبَالَغَةِ مَعْرُوفٌ فِي الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ وَلَا يُعَدُّ كَذِبًا إِذَا كَانَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ فِي حيز الكثرة

وَالْعِظَمِ وَمَبْلَغِ الْغَايَةِ فِي بَابِهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ قَالَ وَمِثْلُهُ كَلَّمْتُهُ أَلْفَ مَرَّةٍ وَلَقِيتُهُ مِائَةَ كَرَّةٍ فَهَذَا جَائِزٌ إِذَا كَانَ كَثِيرًا وَإِلَّا فَلَا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَوْضِ (وَإِنَّ عَرْضَهُ مَا بَيْنَ أيلة إلى الجحفة) وفي [2299] رواية بَيْنَ نَاحِيَتَيْهِ كَمَا بَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ قَالَ الرَّاوِي هُمَا قَرْيَتَانِ بِالشَّامِ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ ثَلَاثِ ليال وفي رواية عرضه مثل طوله مابين عَمَّانَ إِلَى أَيْلَةَ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ مَقَامِي إِلَى عَمَّانَ [2305] [2303] وَفِي رِوَايَةٍ قَدْرُ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَصَنْعَاءَ مِنَ الْيَمَنِ [2298] وَفِي رِوَايَةٍ مَا بَيْنَ نَاحِيَتَيْ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَالْمَدِينَةِ أَمَّا أَيْلَةُ فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَفَتْحِ اللَّامِ وَهِيَ مَدِينَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي عراف الشَّامِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِمَشْقَ وَمِصْرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ نَحْوُ خَمْسَ عَشْرَةَ مرحلة وبينها وبين دمشق نحو ثنتي عَشْرَةَ مَرْحَلَةٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرَ نَحْوُ ثَمَانِ مَرَاحِلٍ قَالَ الْحَازِمِيُّ قِيلَ هِيَ آخِرُ الْحِجَازِ وأول الشام

وَأَمَّا الْجُحْفَةُ فَسَبَقَ بَيَانُهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَهِيَ بِنَحْوِ سَبْعِ مَرَاحِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ وَأَمَّا جَرْبَا فَبِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ رَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ أَلِفٍ مقصورة هذا هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ أَنَّهَا مَقْصُورَةٌ وَكَذَا قَيَّدَهَا الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُؤْتَلِفُ فِي الْأَمَاكِنِ وَكَذَا ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الْقَاضِي وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَوَقَعَ عِنْدَ بَعْضِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ مَمْدُودًا قَالَا وَهُوَ خَطَأٌ وَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ هِيَ بِالْمَدِّ وَقَدْ تُقْصَرُ قَالَ الْحَازِمِيُّ كَانَ أَهْلُ جَرْبَا يَهُودًا كَتَبَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمَانَ لَمَّا قَدَمَ عَلَيْهِ لِحْيَةُ بْنُ رُؤْبَةَ صَاحِبُ أَيْلَةَ بِقَوْمٍ مِنْهُمْ وَمِنْ أَهْلِ أَذْرُحَ يَطْلُبُونَ الْأَمَانَ وَأَمَّا أَذْرُحُ فَبِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ قَالَ الْقَاضِي وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْجِيمِ قَالَا وَهُوَ تَصْحِيفٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَهُوَ كَمَا قَالَا وَهِيَ مَدِينَةٌ فِي طَرَفِ الشَّامِ فِي قِبْلَةِ الشوبك بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ نَحْوُ نِصْفِ يَوْمٍ وَهِيَ فِي طَرَفِ الشَّرَاطِ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ فِي طَرَفِهَا الشَّمَالِيِّ وَتَبُوكُ فِي قِبْلَةِ أَذْرُحَ بَيْنَهُمَا نَحْوُ أَرْبَعِ مَرَاحِلَ وَبَيْنَ تَبُوكَ وَمَدِينَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَرْحَلَةً وَأَمَّا عَمَّانُ فَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَهِيَ بَلْدَةٌ بِالْبَلْقَاءِ مِنَ الشَّامِ قَالَ الْحَازِمِيُّ قَالَ بن الْأَعْرَابِيِّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَعْلَانَ مِنْ عَمَّ يَعُمُّ فَلَا تَنْصَرِفُ مَعْرِفَةً وَتَنْصَرِفُ نَكِرَةً قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَعَّالًا مِنْ عَمَّنَ فَتَنْصَرِفُ مَعْرِفَةً وَنَكِرَةً إِذَا عَنَى بِهَا الْبَلَدَ هَذَا كَلَامُهُ وَالْمَعْرُوفُ فِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهَا تَرْكُ صَرْفِهَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِ عَرْضِ الْحَوْضِ لَيْسَ مُوجِبًا لِلِاضْطِرَابِ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ بَلْ فِي أَحَادِيثَ مُخْتَلِفَةِ الرُّوَاةِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ سَمِعُوهَا فِي مَوَاطِنَ مُخْتَلِفَةٍ ضَرَبَهَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَثَلًا لِبُعْدِ أَقْطَارِ الْحَوْضِ وَسَعَتِهِ وَقَرَّبَ ذَلِكَ مِنَ الْأَفْهَامِ لِبُعْدِ مَا بَيْنَ الْبِلَادِ الْمَذْكُورَةِ لَا عَلَى التَّقْدِيرِ الْمَوْضُوعِ لِلتَّحْدِيدِ بَلْ لِلْإِعْلَامِ بِعِظَمِ هَذِهِ الْمَسَافَةِ فَبِهَذَا تُجْمَعُ الرِّوَايَاتُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي قُلْتُ وَلَيْسَ فِي الْقَلِيلِ مِنْ هَذِهِ مَنْعُ الْكَثِيرِ وَالْكَثِيرُ ثَابِتٌ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَلَا مُعَارَضَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (كُفِّي رَأْسِي) هُوَ بِالْكَافِ أَيِ اجْمَعِيهِ وَضُمِّي شَعْرَهُ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ قَوْلُهَا [2295] (إِنِّي مِنَ النَّاسِ) دَلِيلٌ لِدُخُولِ النِّسَاءِ فِي خِطَابِ النَّاسِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي دُخُولِهِنَّ فِي خِطَابِ الذُّكُورِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُنَّ لَا يَدْخُلْنَ فِيهِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ قَوْلُهُ [2296] (صَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ) أَيْ دَعَا لَهُمْ بِدُعَاءِ صَلَاةِ

الْمَيِّتِ وَسَبَقَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الْآنَ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْحَوْضَ حَوْضٌ حَقِيقِيٌّ عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا سَبَقَ وَأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مَوْجُودٌ الْيَوْمَ وَفِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ لِتَفْخِيمِ الشَّيْءِ وَتَوْكِيدِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2296] (وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ أَوْ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي وَلَكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَتَنَافَسُوا فِيهَا) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ مَفَاتِيحَ فِي اللَّفْظَيْنِ بِالْيَاءِ قَالَ الْقَاضِي وَرُوِيَ مَفَاتِحَ بِحَذْفِهَا فمن أَثْبَتَهَا فَهُوَ جَمْعُ مِفْتَاحٍ وَمَنْ حَذَفَهَا فَجَمْعُ مِفْتَحٍ وَهُمَا لُغَتَانِ فِيهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه سلم فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ بِأَنَّ أُمَّتَهُ تَمْلِكُ خَزَائِنَ الْأَرْضِ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ وَأَنَّهَا لَا تَرْتَدُّ جُمْلَةً وَقَدْ عَصَمَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّهَا تَتَنَافَسُ فِي الدُّنْيَا وَقَدْ وَقَعَ كُلُّ ذَلِكَ قَوْلُهُ (صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ فَكَانَتْ آخِرَ مَا رأيته على المنبر) معناه خزج إِلَى قَتْلَى أُحُدٍ وَدَعَا لَهُمْ دُعَاءَ مُوَدِّعٍ ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ

فَخَطَبَ الْأَحْيَاءَ خُطْبَةَ مُوَدِّعٍ كَمَا قَالَ النَّوَّاسُ بْنُ سَمْعَانَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ وَفِيهِ مَعْنَى الْمُعْجِزَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا أَلَا فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ الْمُصْحِيَةِ آنِيَةُ الْجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا لَمْ يَظْمَأْ آخِرَ مَا عَلَيْهِ يَشْخَبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ) أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ فَهُوَ بِتَخْفِيفِ أَلَا وَهِيَ الَّتِي لِلِاسْتِفْتَاحِ وَخَصَّ اللَّيْلَةَ الْمُظْلِمَةَ المصحية لأن النجوم ترى فيها أكثر والراد بِالْمُظْلِمَةِ الَّتِي لَا قَمَرَ فِيهَا مَعَ أَنَّ النُّجُومَ طَالِعَةٌ فَإِنَّ وُجُودَ الْقَمَرِ يَسْتُرُ كَثِيرًا من النجوم وأما قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آنِيَةُ الْجَنَّةِ فَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِرَفْعِ آنِيَةُ وَبَعْضُهُمْ بِنَصْبِهَا وَهُمَا صَحِيحَانِ فَمَنْ رَفَعَ فَخَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هِيَ آنِيَةُ الْجَنَّةِ وَمَنْ نَصَبَ فَبِإِضْمَارِ أَعْنِي أَوْ نَحْوِهِ وَأَمَّا آخِرَ مَا عَلَيْهِ فَمَنْصُوبٌ وَسَبَقَ نَظِيرُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَأَمَّا يَشْخُبُ فَبِالشِّينِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَالْيَاءُ مَفْتُوحَةٌ وَالْخَاءُ مَضْمُومَةٌ وَمَفْتُوحَةٌ وَالشَّخْبُ السَّيَلَانُ وَأَصْلُهُ مَا خَرَجَ مِنْ تحت يد الحالب عند كل عمرة وَعَصْرَةٍ لِضَرْعِ الشَّاةِ وَأَمَّا الْمِيزَابَانِ فَبِالْهَمْزِ وَيَجُوزُ قَلْبُ الْهَمْزَةِ يَاءً

قَوْلُهُ [2301] (عَنْ مَعْدَانَ الْيَعْمَرِيِّ) بِفَتْحِ مِيمِ الْيَعْمَرِيِّ وَضَمِّهَا مَنْسُوبٌ إِلَى يَعْمَرَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنِّي لَبِعُقْرِ حَوْضِي) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَهُوَ مَوْقِفُ الْإِبِلِ مِنَ الْحَوْضِ إِذَا وَرَدَتْهُ وَقِيلَ مُؤَخَّرُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَذُودُ النَّاسَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ أَضْرِبُ بِعَصَايَ حَتَّى يَرْفَضَّ عَلَيْهِمْ) مَعْنَاهُ أَطْرُدُ النَّاسَ عَنْهُ غَيْرَ أَهْلِ الْيَمَنِ لِيَرْفَضَّ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ وَهَذِهِ كَرَامَةٌ لِأَهْلِ الْيَمَنِ فِي تَقْدِيمِهِمْ فِي الشُّرْبِ مِنْهُ مُجَازَاةً لَهُمْ بِحُسْنِ صَنِيعِهِمْ وَتَقَدُّمِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ وَالْأَنْصَارُ مِنَ الْيَمَنِ فَيَدْفَعُ غَيْرَهُمْ حَتَّى يَشْرَبُوا كَمَا دَفَعُوا فِي الدُّنْيَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْدَاءَهُ وَالْمَكْرُوهَاتِ وَمَعْنَى يَرْفَضَّ عَلَيْهِمْ أَيْ يَسِيلُ عَلَيْهِمْ وَمِنْهُ حَدِيثُ الْبُرَاقِ اسْتَصْعَبَ حَتَّى ارْفَضَّ عَرَقًا أَيْ سَالَ عَرَقُهُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَأَصْلُهُ مِنَ الدَّمْعِ يُقَالُ ارْفَضَّ الدَّمْعُ إِذَا سَأَلَ مُتَفَرِّقًا قَالَ الْقَاضِي وَعَصَاهُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ الْمُكَنَّى عَنْهَا بِالْهِرَاوَةِ فِي وَصْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُتُبِ الْأَوَائِلِ بِصَاحِبِ الْهِرَاوَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْهِرَاوَةُ بِكَسْرِ الْهَاءِ الْعَصَا قَالَ وَلَمْ يَأْتِ لِمَعْنَاهَا فِي صِفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفْسِيرٌ إِلَّا مَا يَظْهَرُ لِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي تَفْسِيرِ الْهِرَاوَةِ بِهَذِهِ الْعَصَا بَعِيدٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِوَصْفِهِ بِالْهِرَاوَةِ تَعْرِيفُهُ بِصِفَةٍ يَرَاهَا النَّاسُ مَعَهُ يَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى صِدْقِهِ وَأَنَّهُ الْمُبَشَّرُ بِهِ الْمَذْكُورُ فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ فَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِعَصًا تَكُونُ فِي الْآخِرَةِ وَالصَّوَابُ فِي تَفْسِيرِ صَاحِبِ الْهِرَاوَةِ مَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يمسك

الْقَضِيبَ بِيَدِهِ كَثِيرًا وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ يَمْشِي وَالْعَصَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَتُغْرَزُ لَهُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا وَهَذَا مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَغُتُّ فِيهِ مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ) أَمَّا يَغُتُّ فَبِفَتْحِ الْيَاءِ وَبِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ وَمَكْسُورَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ مُشَدَّدَةٍ وَهَكَذَا قال ثابت والخطابي والهروي وَصَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَالْجُمْهُورُ وَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنِ الْأَكْثَرِينَ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَمَعْنَاهُ يَدْفُقَانِ فِيهِ الْمَاءَ دَفْقًا مُتَتَابِعًا شَدِيدًا قَالُوا وَأَصْلُهُ مِنْ إِتْبَاعِ الشَّيْءِ الشَّيْءَ وَقِيلَ يَصُبَّانِ فِيهِ دَائِمًا صَبًّا شَدِيدًا وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ يَعُبُّ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَحَكَاهَا الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْعُذْرِيِّ قال وكذا ذكره الْحَرْبِيُّ وَفَسَّرَهُ بِمَعْنَى مَا سَبَقَ أَيْ لَا يَنْقَطِعُ جَرَيَانُهُمَا قَالَ وَالْعَبُّ الشُّرْبُ بِسُرْعَةٍ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ قَالَ الْقَاضِي وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بن مَاهَانَ يَثْعَبُ بِمُثَلَّثَةٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ يَتَفَجَّرُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُدَّانِهِ فَبِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْمِيمِ

أَيْ يَزِيدَانِهِ وَيُكْثِرَانِهِ [2302] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَأَذُودَنَّ عَنْ حَوْضِي رِجَالًا كَمَا تُذَادُ الْغَرِيبَةُ مِنَ الْإِبِلِ) مَعْنَاهُ كَمَا يَذُودُ السَّاقِي النَّاقَةَ الْغَرِيبَةَ عَنْ إِبِلِهِ إِذَا أَرَادَتِ الشُّرْبَ مَعَ إِبِلِهِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ [2303] (قَدْرُ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَصَنْعَاءَ مِنَ الْيَمَنِ وَإِنَّ فِيهِ مِنَ الْأَبَارِيقِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ) وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ كما بالكاف وفي بعضها لما باللام وكعدد بِالْكَافِ وَفِي بَعْضِهَا لِعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ بِاللَّامِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2304] (لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ الْحَوْضَ رِجَالٌ مِمَّنْ صَاحَبَنِي حَتَّى إِذَا رَأَيْتُهُمْ وَرُفِعُوا إِلَيَّ اخْتُلِجُوا دُونِي فَلَأَقُولَنَّ رَبِّ أُصَيْحَابِي أُصَيْحَابِي فَلَيُقَالَنَّ لِي إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ) أَمَّا اخْتُلِجُوا فَمَعْنَاهُ اقْتُطِعُوا وَأَمَّا أُصَيْحَابِي فَوَقَعَ فِي الرِّوَايَاتِ مُصَغَّرًا مُكَرَّرًا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَصْحَابِي أَصْحَابِي مُكَبَّرًا مُكَرَّرًا قَالَ الْقَاضِي هَذَا دَلِيلٌ لِصِحَّةِ تَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَ أَنَّهُمْ أَهْلُ الرِّدَّةِ وَلِهَذَا قَالَ فِيهِمْ سُحْقًا سُحْقًا وَلَا يَقُولُ ذَلِكَ فِي مُذْنِبِي الْأُمَّةِ بَلْ يَشْفَعُ لَهُمْ وَيَهْتَمُّ لِأَمْرِهِمْ قَالَ وَقِيلَ هَؤُلَاءِ صِنْفَانِ أَحَدُهُمَا عُصَاةٌ مُرْتَدُّونَ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ لَا عَنِ الْإِسْلَامِ وَهَؤُلَاءِ مُبَدِّلُونَ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بِالسَّيِّئَةِ وَالثَّانِي مُرْتَدُّونَ إِلَى الْكُفْرِ حَقِيقَةً نَاكِصُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ

وَاسْمُ التَّبْدِيلِ يَشْمَلُ الصِّنْفَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (مابين لابتي حوضي) أي ناحيتيه والله أعلم

باب اكرامه صلى الله عليه وسلم

(باب اكرامه صلى الله عليه وسلم) بقتال الملائكة معه صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ [2306] رَأَيْتُ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ شِمَالِهِ يَوْمَ أُحُدٍ رجلين عليهما ثياب بياض ما رأيتهما قَبْلُ وَلَا بَعْدُ يَعْنِي جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ يُقَاتِلَانِ عَنْهُ كَأَشَدِّ الْقِتَالِ فِيهِ بَيَانُ كَرَامَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِكْرَامِهِ إِيَّاهُ بِإِنْزَالِ الْمَلَائِكَةِ تُقَاتِلُ مَعَهُ وَبَيَانُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُقَاتِلُ وَأَنَّ قِتَالَهُمْ لَمْ يَخْتَصَّ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَهَذَا هو الصواب خلافا لمن زعم اختصاص فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ الثِّيَابِ الْبِيضِ وَأَنَّ رُؤْيَةَ الْمَلَائِكَةِ لَا تَخْتَصُّ بِالْأَنْبِيَاءِ بَلْ يَرَاهُمُ الصَّحَابَةُ وَالْأَوْلِيَاءُ وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الَّذِي رَأَى الْمَلَائِكَةَ والله أعلم

(باب شجاعته صلى الله عليه وسلم قوله [2307] كان رسول الله

(باب شجاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ [2307] كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ إِلَخْ فِيهِ بَيَانُ مَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ جَمِيلِ الصِّفَاتِ وَأَنَّ هَذِهِ صِفَاتُ كَمَالٍ قَوْلُهُ (وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا قَالَ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا أَوْ إِنَّهُ لَبَحْرٌ قَالَ وَكَانَ فَرَسًا يُبَطَّأُ) وَفِي رِوَايَةٍ فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ يُقَالُ لَهُ مَنْدُوبٌ فَرَكِبَهُ فَقَالَ مَا رَأَيْنَا مِنْ فَزَعٍ وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا وَأَمَّا قَوْلُهُ يُبَطَّأُ فَمَعْنَاهُ يُعْرَفُ بِالْبُطْءِ وَالْعَجْزِ وَسُوءِ السَّيْرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَمْ تُرَاعُوا) أَيْ رَوْعًا مُسْتَقِرًّا أَوْ رَوْعًا يَضُرُّكُمْ وَفِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا بَيَانُ)

(باب جوده صلى الله عليه وسلم)

شَجَاعَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شِدَّةِ عَجَلَتِهِ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْعَدُوِّ قَبْلَ النَّاسِ كُلِّهِمْ بِحَيْثُ كَشَفَ الْحَالَ وَرَجَعَ قَبْلَ وُصُولِ النَّاسِ وَفِيهِ بَيَانُ عَظِيمِ بَرَكَتِهِ وَمُعْجِزَتِهِ فِي انْقِلَابِ الْفَرَسِ سَرِيعًا بَعْدَ أَنْ كَانَ يُبَطَّأُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدْنَاهُ بَحْرًا أَيْ وَاسِعَ الْجَرْيِ وَفِيهِ جَوَازُ سَبْقِ الْإِنْسَانِ وَحَدَهُ فِي كَشْفِ أَخْبَارِ الْعَدُوِّ مالم يَتَحَقَّقِ الْهَلَاكُ وَفِيهِ جَوَازُ الْعَارِيَةِ وَجَوَازُ الْغَزْوِ عَلَى الْفَرَسِ الْمُسْتَعَارِ لِذَلِكَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَقَلُّدِ السَّيْفِ فِي الْعُنُقِ وَاسْتِحْبَابُ تَبْشِيرِ النَّاسِ بِعَدَمِ الْخَوْفِ إِذَا ذَهَبَ وَوَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَسْمِيَةُ هَذَا الْفَرَسِ مَنْدُوبًا قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ كَانَ فِي أَفْرَاسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْدُوبٌ فَلَعَلَّهُ صَارَ إِلَيْهِ بَعْدَ أَبِي طَلْحَةَ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا فرسان اتفقا في الاسم (باب جوده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَوْلُهُ [2308] (كَانَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِنَّ جِبْرِيلَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب حسن خلقه صلى الله عليه وسلم

الْقُرْآنَ فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ) أَمَّا قَوْلُهُ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فَرُوِيَ بِرَفْعِ أَجْوَدَ وَنَصْبِهِ وَالرَّفْعُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ وَالرِّيحُ الْمُرْسَلَةُ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْمُرَادُ كَالرِّيحِ فِي إِسْرَاعِهَا وَعُمُومِهَا وَقَوْلُهُ كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ وَالنُّسَخِ قَالَ وَفِي بَعْضِهَا كُلَّ لَيْلَةٍ بَدَلُ سَنَةٍ قَالَ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ لَكِنَّهُ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَتَّى يَنْسَلِخَ بِمَعْنَى كُلِّ لَيْلَةٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا بَيَانُ عِظَمِ جُودِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ إِكْثَارِ الْجُودِ فِي رَمَضَانَ وَمِنْهَا زِيَادَةُ الْجُودِ وَالْخَيْرِ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الصَّالِحِينَ وَعَقِبَ فِرَاقِهِمْ لِلتَّأَثُّرِ بِلِقَائِهِمْ وَمِنْهَا استحباب مدارسة القرآن (باب حسن خلقه صلى الله عليه وسلم) قَوْلُهُ [2309] (خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي أُفًّا قَطُّ وَلَا قَالَ لِشَيْءٍ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا) وَفِي رِوَايَةٍ وَلَا عَابَ عَلَيَّ شَيْئًا وَفِي رِوَايَةٍ [2309] تِسْعَ سِنِينَ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا أَمَّا قَوْلُهُ مَا قَالَ لِي أُفًّا فَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ

فِيهَا عَشْرَ لُغَاتٍ أُفَّ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا وكسرها بلا تنوين وبالتنوين فهذه ست وأف بضم الهمزة وإسكان الفاء وإف بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَأُفِّي وَأُفَّهْ بِضَمِّ هَمْزَتِهِمَا قَالُوا وَأَصْلُ الْأُفِّ وَالتُّفِّ وَسَخُ الْأَظْفَارِ وَتُسْتَعْمَلُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي كُلِّ مَا يُسْتَقْذَرُ وَهِيَ اسْمُ فِعْلٍ تُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالْمُؤَنَّثِ وَالْمُذَكَّرِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ قَالَ اللَّهُ (ولا تقل لهما أف) قال الهروي يقال لكل مايضجر مِنْهُ وَيُسْتَثْقَلُ أُفٍّ لَهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الِاحْتِقَارُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَفَفِ وَهُوَ الْقَلِيلُ وَأَمَّا قَطُّ فَفِيهَا لُغَاتٌ قَطُّ وَقُطُّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّهَا مَعَ تَشْدِيدِ الطَّاءِ الْمَضْمُومَةِ وَقَطِّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الطَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَقَطْ بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ وَقَطِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الطَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ وهي

باب في سخائه صلى الله عليه وسلم

لتوحيد نَفْيِ الْمَاضِي وأما قَوْلُهُ تِسْعَ سِنِينَ وَفِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ عَشْرَ سِنِينَ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا تِسْعَ سِنِينَ وَأَشْهُرٌ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ تَحْدِيدًا لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ وَخَدَمَهُ أَنَسٌ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ الْأُولَى فَفِي رِوَايَةِ التِّسْعِ لَمْ يَحْسِبِ الْكَسْرَ بَلِ اعْتَبَرَ السِّنِينَ الْكَوَامِلَ وَفِي رِوَايَةِ الْعَشْرِ حَسَبَهَا سَنَةً كَامِلَةً وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ كَمَالِ خُلُقِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وحسن عشرته وحلمه وصفحه (باب في سخائه صلى الله عليه وسلم) قَوْلُهُ [2311] (مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ لَا) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بَعْدَهُ فِي إِعْطَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُؤَلَّفَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي هَذَا كُلِّهِ بَيَانُ عَظِيمِ سَخَائِهِ وَغَزَارَةِ جُودِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْنَاهُ مَا سُئِلَ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ قَالَ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ

بْنُ الْمُثَنَّى) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بلادنا محمد بن المثتي وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ الْجُلُودِيِّ وَوَقَعَ في رواية بن مَاهَانَ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ وَخَلَفٌ الْوَاسِطِيُّ قَوْلُهُ [2312] (فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ) أَيْ كَثِيرَةً كَأَنَّهَا تَمْلَأُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَفِي هَذَا مَعَ مَا بَعْدَهُ اعطاء المؤلفة ولاخلاف فِي إِعْطَاءِ مُؤَلَّفَةِ الْمُسْلِمِينَ لَكِنْ هَلْ يُعْطَوْنَ مِنَ الزَّكَاةِ فِيهِ خِلَافٌ الْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُمْ يُعْطَونَ مِنَ الزَّكَاةِ وَمَنْ بَيْتِ الْمَالِ وَالثَّانِي لَا يُعْطَوْنَ مِنَ الزَّكَاةِ بَلْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ خَاصَّةً وَأَمَّا مُؤَلَّفَةُ الْكُفَّارِ فَلَا يُعْطَوْنَ مِنَ الزَّكَاةِ وَفِي إِعْطَائِهِمْ مِنْ غَيْرِهَا خِلَافٌ الْأَصَحُّ عِنْدَنَا لَا يُعْطَوْنَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ عَنِ التَّأَلُّفِ بِخِلَافِ أَوَّلِ الْأَمْرِ وَوَقْتِ قِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ (فَقَالَ أَنَسٌ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الْإِسْلَامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ فَمَا يُسْلِمُ وَفِي بَعْضِهَا فَمَا يُمْسِي وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَمَعْنَى الْأَوَّلِ فَمَا يَلْبَثُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى يَكُونَ الْإِسْلَامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ

أَوَّلًا لِلدُّنْيَا لَا بِقَصْدٍ صَحِيحٍ بِقَلْبِهِ ثُمَّ مِنْ بَرَكَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُورِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَلْبَثْ

(باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان)

إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى يَنْشَرِحَ صَدْرُهُ بِحَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَيَتَمَكَّنَ مِنْ قَلْبِهِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا قَوْلُهُ [2314] (فَحَثَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرَّةً ثُمَّ قَالَ لِي عُدَّهَا فَعَدَدْتُهَا فَإِذَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ فَقَالَ خُذْ مِثْلَيْهَا) يَعْنِي خُذْ مَعَهَا مِثْلَيْهَا فَيَكُونُ الْجَمِيعُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ لِأَنَّ لَهُ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ وَإِنَّمَا حَثَى لَهُ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَدُهُ قَائِمَةٌ مَقَامَ يَدِهِ وَكَانَ لَهُ ثَلَاثُ حَثَيَاتٍ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ إِنْجَازُ الْعِدَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ إِنْجَازُهَا وَالْوَفَاءُ بِهَا مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ وَأَوْجَبَهُ الْحَسَنُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ (بَاب رَحْمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصِّبْيَانَ) [2315] (وَالْعِيَالَ وَتَوَاضُعِهِ وَفَضْلِ ذَلِكَ) قَوْلُهُ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ لِيَ اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيْتُهُ

بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى أُمِّ سَيْفٍ امْرَأَةِ قَيْنٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو سَيْفٍ فَانْطَلَقَ يَأْتِيهِ وَاتَّبَعْتُهُ إِلَى آخِرِهِ) الْقَيْنُ بِفَتْحِ الْقَافِ الْحَدَّادُ وَفِيهِ جَوَازُ تَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ وِلَادَتِهِ وَجَوَازُ التَّسْمِيَةِ بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَتَانِ فِي بَابِهِمَا وَفِيهِ اسْتِتْبَاعُ الْعَالِمِ وَالْكَبِيرِ بَعْضَ أَصْحَابِهِ إِذَا ذَهَبَ إِلَى مَنْزِلِ قَوْمٍ وَنَحْوِهِ وَفِيهِ الْأَدَبُ مَعَ الْكِبَارِ قَوْلُهُ (وَهُوَ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ) أَيْ يَجُودُ بِهَا وَمَعْنَاهُ وَهُوَ فِي النَّزْعِ قَوْلُهُ (فَدَمَعَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى آخِرِهِ) فِيهِ جَوَازُ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْحُزْنِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُخَالِفُ الرِّضَا بِالْقَدَرِ بَلْ هِيَ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا الْمَذْمُومُ النَّدْبُ وَالنِّيَاحَةُ وَالْوَيْلُ وَالثُّبُورُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ الْبَاطِلِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا قَوْلُهُ [2316] (مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ مُسْتَرْضِعًا فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ إِلَى قَوْلِهِ

فَيَأْخُذُهُ فَيُقَبِّلُهُ) أَمَّا الْعَوَالِي فَالْقُرَى الَّتِي عِنْدَ الْمَدِينَةِ وَقَوْلُهُ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَوْجُودُ فِي النُّسَخِ وَالرِّوَايَاتِ قَالَ الْقَاضِي وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِالْعِبَادِ فَفِيهِ بَيَانُ كَرِيمِ خُلُقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَحْمَتِهِ لِلْعِيَالِ وَالضُّعَفَاءِ وَفِيهِ جَوَازُ الِاسْتِرْضَاعِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ رَحْمَةِ الْعِيَالِ وَالْأَطْفَالِ وَتَقْبِيلِهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنَّهُ مَاتَ فِي الثَّدْيِ وَإِنَّ ظِئْرَيْنِ تُكَمِّلَانِ رَضَاعَهُ فِي الْجَنَّةِ) مَعْنَاهُ مَاتَ وَهُوَ فِي سِنِّ رَضَاعِ الثَّدْيِ أَوْ فِي حَالِ تَغَذِّيهِ بلبن الثدي وأما الظئر فَبِكَسْرِ الظَّاءِ مَهْمُوزَةٌ وَهِيَ الْمُرْضِعَةُ وَلَدِ غَيْرِهَا وَزَوْجُهَا ظِئْرٌ لِذَلِكَ الرَّضِيعِ فَلَفْظَةُ الظِّئْرِ تَقَعُ عَلَى الْأُنْثَى وَالذَّكَرِ وَمَعْنَى تُكَمِّلَانِ رَضَاعَهُ أَيْ تُتِمَّانِهِ سَنَتَيْنِ فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ وَلَهُ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ فَتُرْضِعَانِهِ بَقِيَّةَ السَّنَتَيْنِ فَإِنَّهُ تَمَامُ الرَّضَاعَةِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَهَذَا الْإِتْمَامُ لِإِرْضَاعِ إِبْرَاهِيمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَكُونُ عَقِبَ مَوْتِهِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُتَّصِلًا بِمَوْتِهِ فَيُتِمُّ فِيهَا رَضَاعَهُ كَرَامَةً لَهُ وَلِأَبِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي وَاسْمُ أَبِي سَيْفٍ هَذَا الْبَرَاءُ وَاسْمُ أُمِّ سَيْفٍ زَوْجَتِهِ خَوْلَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيَّةُ كُنْيَتُهَا

أُمُّ سَيْفٍ وَأُمُّ بُرْدَةَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2318] (إِنَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ) وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ لَا يَرْحَمُهُ اللَّهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا عَامٌّ يَتَنَاوَلُ رَحْمَةَ الْأَطْفَالِ وَغَيْرِهِمْ [2319] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ) بِفَتْحِ الظَّاءِ وَكَسْرِهَا

(باب كثرة حيائه صلى الله عليه وسلم)

(بَاب كَثْرَةِ حَيَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَوْلُهُ [2320] (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ) الْعَذْرَاءُ الْبِكْرُ لِأَنَّ عُذْرَتَهَا بَاقِيَةٌ وَهِيَ جِلْدَةُ البكارة والخدر ستر يجعل للبكر في جَنْبَ الْبَيْتِ وَمَعْنَى عَرَفْنَا الْكَرَاهَةَ فِي وَجْهِهِ أَيْ لَا يَتَكَلَّمُ بِهِ لِحَيَائِهِ بَلْ يَتَغَيَّرُ وَجْهُهُ فَنَفْهَمُ نَحْنُ كَرَاهَتَهُ وَفِيهِ فَضِيلَةُ الْحَيَاءِ وَهُوَ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ وَهُوَ خَيْرٌ كُلُّهُ وَلَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا كُلُّهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَشَرَحْنَاهُ وَاضِحًا وَهُوَ محثوث عليه مالم يَنْتَهِ إِلَى الضَّعْفِ وَالنَّخْوِ كَمَا سَبَقَ قَوْلُهُ [2321] (لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا) قَالَ الْقَاضِي أَصْلُ الْفُحْشِ الزِّيَادَةُ وَالْخُرُوجُ عَنِ الْحَدِّ قَالَ الطبري الفاحش البذيء قال بن عَرَفَةَ الْفَوَاحِشُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْقَبَائِحُ قَالَ الْهَرَوِيُّ الْفَاحِشُ ذُو الْفُحْشِ وَالْمُتَفَحِّشُ الَّذِي يَتَكَلَّفُ الْفُحْشَ وَيَتَعَمَّدُهُ لِفَسَادِ حَالِهِ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ الْمُتَفَحِّشُ الَّذِي يَأْتِي الْفَاحِشَةَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا) فِيهِ الْحَثُّ عَلَى حُسْنِ الْخُلُقِ وَبَيَانُ فَضِيلَةِ صَاحِبِهِ وَهُوَ صِفَةُ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَوْلِيَائِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ حَقِيقَةُ حُسْنِ الْخُلُقِ بَذْلُ الْمَعْرُوفِ وَكَفُّ الْأَذَى وَطَلَاقَةُ الْوَجْهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هُوَ مُخَالَطَةُ النَّاسِ بِالْجَمِيلِ وَالْبِشْرِ

(باب تبسمه صلى الله عليه وسلم)

وَالتَّوَدُّدُ لَهُمْ وَالْإِشْفَاقُ عَلَيْهِمْ وَاحْتِمَالُهُمْ وَالْحِلْمُ عَنْهُمْ وَالصَّبْرُ عَلَيْهِمْ فِي الْمَكَارِهِ وَتَرْكُ الْكِبْرِ وَالِاسْتِطَالَةِ عَلَيْهِمْ وَمُجَانَبَةُ الْغِلَظِ وَالْغَضَبِ وَالْمُؤَاخَذَةِ قَالَ وَحَكَى الطَّبَرِيُّ خِلَافًا لِلسَّلَفِ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ هَلْ هُوَ غَرِيزَةٌ أَمْ مُكْتَسَبٌ قَالَ الْقَاضِي وَالصَّحِيحُ أن منه ماهو غَرِيزَةٌ وَمِنْهُ مَا يُكْتَسَبُ بِالتَّخَلُّقِ وَالِاقْتِدَاءِ بِغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب تَبَسُّمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَحُسْنِ عِشْرَتِهِ قَوْلُهُ [2322] (كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الذِّكْرِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَمُلَازَمَةُ مَجْلِسِهَا مَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ قَالَ الْقَاضِي هَذِهِ سُنَّةٌ كَانَ السَّلَفُ وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَفْعَلُونَهَا وَيَقْتَصِرُونَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَفِيهِ جَوَازُ الْحَدِيثِ بِأَخْبَارِ الْجَاهِلِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ وَجَوَازُ الضَّحِكِ وَالْأَفْضَلُ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّبَسُّمِ كَمَا فَعَلَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في عَامَّةِ أَوْقَاتِهِ قَالُوا وَيُكْرَهُ إِكْثَارُ الضَّحِكِ وَهُوَ فِي أَهْلِ الْمَرَاتِبِ وَالْعِلْمِ أَقْبَحُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب رحمته صلى الله عليه وسلم النساء والرفق بهن)

(باب رحمته صلى الله عليه وسلم النساء والرفق بِهِنَّ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2323] (يَا أنجشة رويدك سوقك بِالْقَوَارِيرِ وَفِي رِوَايَةٍ وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدًا سَوْقَكُ بِالْقَوَارِيرِ وَفِي رِوَايَةٍ يَا أَنْجَشَةُ لَا تَكْسِرِ الْقَوَارِيرَ يَعْنِي ضَعَفَةَ النِّسَاءِ أَمَّا أَنْجَشَةُ فهمزة مَفْتُوحَةٍ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَبِالْجِيمِ وَبِشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَأَمَّا رُوَيْدَكَ فَمَنْصُوبٌ عَلَى الصِّفَةِ بِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ سق سوقا

رُوَيْدًا وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِالرِّفْقِ بِهِنَّ وَسَوْقُكُ مَنْصُوبٌ بِإِسْقَاطِ الْجَارِّ أَيِ ارْفُقْ فِي سَوْقِكَ بِالْقَوَارِيرِ قَالَ الْعُلَمَاءُ سُمِّيَ النِّسَاءُ قَوَارِيرَ لِضَعْفِ عَزَائِمِهِنَّ تَشْبِيهًا بِقَارُورَةِ الزُّجَاجِ لِضَعْفِهَا وَإِسْرَاعِ الِانْكِسَارِ إِلَيْهَا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِتَسْمِيَتِهِنَّ قَوَارِيرَ عَلَى قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي وَآخَرِينَ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْهَرَوِيُّ وَصَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَآخَرُونَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ أَنْجَشَةُ كَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ وَكَانَ يَحْدُو بِهِنَّ وَيُنْشِدُ شَيْئًا مِنَ الْقَرِيضِ وَالرَّجَزِ وَمَا فِيهِ تَشْبِيبٌ فَلَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَفْتِنَهُنَّ وَيَقَعَ فِي قُلُوبِهِنَّ حِدَاؤُهُ فَأَمَرَهُ بِالْكَفِّ عَنْ ذَلِكَ وَمَنْ أَمْثَالِهِمُ الْمَشْهُورَةِ الغنارقية الزنى قَالَ الْقَاضِي هَذَا أَشْبَهُ بِمَقْصُودِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمُقْتَضَى اللَّفْظِ قَالَ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَبِي قِلَابَةَ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الرِّفْقُ فِي السَّيْرِ لِأَنَّ الْإِبِلَ إِذَا سَمِعَتِ الْحُدَاءَ أَسْرَعَتْ فِي الْمَشْيِ وَاسْتَلَذَّتْهُ فَأَزْعَجَتِ الرَّاكِبَ وَأَتْعَبَتْهُ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَضْعُفْنَ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَرَكَةِ وَيُخَافُ ضَرَرُهُنَّ وسقوطهن وأما وَيْحَكَ فَهَكَذَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ وَوَقَعَ فِي غَيْرِهِ وَيْلَكَ قَالَ الْقَاضِي قَالَ سِيبَوَيْهِ وَيْلٌ كلمة تقال لمن وقع في هلكة وويح زَجْرٌ لِمَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْوُقُوعِ فِي هَلَكَةٍ وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَيْلٌ وَوَيْحٌ وَوَيْسٌ بِمَعْنًى وَقِيلَ وَيْحٌ كَلِمَةٌ لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا يَعْنِي فِي عُرْفِنَا فَيَرْثِي لَهُ وَيَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ وَوَيْلٌ ضِدُّهُ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يُرَادُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ حَقِيقَةُ الدُّعَاءِ وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهَا الْمَدْحُ وَالتَّعَجُّبُ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ جَوَازُ الْحُدَاءِ وَهُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ مَمْدُودٌ وَجَوَازُ السَّفَرِ بِالنِّسَاءِ وَاسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ وَفِيهِ مُبَاعَدَةُ النِّسَاءِ مِنَ الرِّجَالِ وَمِنْ سَمَاعِ كَلَامِهِمْ إلا الوعظ ونحوه

(باب قربه صلى الله عليه وسلم من الناس (وتبركهم به

(باب قربه صلى الله عليه وسلم من الناس (وتبركهم به وتواضعه لهم) قَوْلُهُ [2324] (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَاءَ خَدَمُ الْمَدِينَةِ بِآنِيَتِهِمْ فِيهَا الْمَاءُ فَمَا يُؤْتَى بِإِنَاءٍ إِلَّا غَمَسَ يَدَهُ فِيهَا فَرُبَّمَا جَاءُوهُ فِي الْغَدَاةِ الْبَارِدَةِ فَيَغْمِسُ يَدَهُ فِيهَا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى [2325] (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَلَّاقُ يَحْلِقُهُ وَأَطَافَ بِهِ أَصْحَابُهُ فَمَا يُرِيدُونَ أَنْ تَقَعَ شَعْرَةٌ إِلَّا فِي يَدِ رَجُلٍ) وَفِي الْآخَرِ [2326] (أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي اليك حاجة فقال ياأم فُلَانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا) فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بَيَانُ بُرُوزِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ وَقُرْبِهِ مِنْهُمْ لِيَصِلَ أَهْلُ الْحُقُوقِ إِلَى حُقُوقِهِمْ وَيُرْشِدَ مُسْتَرْشِدَهُمْ لِيُشَاهِدُوا أَفْعَالَهُ وَحَرَكَاتِهِ فَيُقْتَدَى بِهَا وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِوُلَاةِ الْأُمُورِ وَفِيهَا صَبْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَشَقَّةِ فِي نَفْسِهِ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِجَابَتُهُ مَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً أَوْ تَبْرِيكًا بِمَسِّ يَدِهِ وَإِدْخَالِهَا فِي الْمَاءِ كَمَا ذَكَرُوا وَفِيهِ التَّبَرُّكُ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ وَبَيَانُ مَا كَانَتِ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ مِنَ التَّبَرُّكِ بِآثَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبَرُّكِهِمْ بِإِدْخَالِ يَدِهِ الْكَرِيمَةِ فِي الْآنِيَةِ وَتَبَرُّكِهِمْ بِشَعْرِهِ الْكَرِيمِ وَإِكْرَامِهِمْ إِيَّاهُ أَنْ يَقَعَ شَيْءٌ مِنْهُ إِلَّا فِي يَدِ رَجُلٍ سَبَقَ إِلَيْهِ وَبَيَانِ تَوَاضُعِهِ بِوُقُوفِهِ مَعَ الْمَرْأَةِ الضَّعِيفَةِ قَوْلَهُ)

(باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام واختياره من

(خَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ) أَيْ وَقَفَ مَعَهَا فِي طَرِيقٍ مَسْلُوكٍ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهَا وَيُفْتِيَهَا فِي الْخَلْوَةِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنَ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ فَإِنَّ هَذَا كَانَ فِي مَمَرُّ النَّاسِ وَمُشَاهَدَتِهِمْ إِيَّاهُ وَإِيَّاهَا لَكِنْ لَا يَسْمَعُونَ كَلَامَهَا لِأَنَّ مَسْأَلَتَهَا مِمَّا لَا يُظْهِرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب مباعدته صلى الله عليه وسلم لِلْآثَامِ وَاخْتِيَارِهِ مِنْ الْمُبَاحِ أَسْهَلَهُ) (وَانْتِقَامِهِ لِلَّهِ تعالى عند انتهاك حرماته) قولها [2327] (ماخير رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ منه) فيه استحباب الأخذبالأيسر وَالْأَرْفَقِ مَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا قَالَ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَخْيِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُنَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيُخَيِّرُهُ فِيمَا فِيهِ عُقُوبَتَانِ أَوْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ مِنَ الْقِتَالِ وَأَخْذِ الْجِزْيَةِ أَوْ فِي حَقِّ أُمَّتِهِ فِي الْمُجَاهَدَةِ فِي الْعِبَادَةِ أَوِ الِاقْتِصَارِ وَكَانَ يَخْتَارُ الْأَيْسَرَ فِي كُلِّ هَذَا قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهَا مَا لَمْ يَكُنْ إثما فيتصوراذا خَيَّرَهُ الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَأَمَّا إِنْ كَانَ التَّخْيِيرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا قَوْلُهَا (وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ) وَفِي رِوَايَةٍ [2328] مَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أن ينتهك

شيءمن مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ تَعَالَى) مَعْنَى نِيلَ مِنْهُ أُصِيبَ بِأَذًى مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَانْتَهَاكُ حُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ ارْتِكَابُ مَا حَرَّمَهُ قَوْلُهَا (إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ مَعْنَاهُ لَكِنْ إِذَا انْتُهِكَتْ حُرْمَةُ اللَّهِ انْتَصَرَ لِلَّهِ تَعَالَى وَانْتَقَمَ مِمَّنِ ارْتَكَبَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الْعَفْوِ وَالْحِلْمِ وَاحْتِمَالِ الْأَذَى وَالِانْتِصَارِ لِدِينِ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّنْ فَعَلَ مُحَرَّمًا أَوْ نَحْوَهُ وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْأَئِمَّةِ وَالْقُضَاةِ وَسَائِرِ وُلَاةِ الْأُمُورِ التَّخَلُّقُ بِهَذَا الْخُلُقِ الْكَرِيمِ فَلَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ وَلَا يُهْمِلُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي لِنَفْسِهِ وَلَا لِمَنْ لَا يَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ قَوْلُهَا (مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فِيهِ أَنَّ ضَرْبَ الزَّوْجَةِ وَالْخَادِمِ وَالدَّابَّةِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لِلْأَدَبِ فَتَرْكُهُ أفضل

باب طيب ريحه صلى الله عليه وسلم ولين مسه

(باب طيب ريحه صلى الله عليه وسلم ولين مسه) قوله [2329] (صلاة الأولى) يعنى الظهر والوالدان الصِّبْيَانُ وَاحِدُهُمْ وَلِيدٌ وَفِي مَسْحِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصِّبْيَانَ بَيَانُ حُسْنِ خُلُقِهِ وَرَحْمَتِهِ لِلْأَطْفَالِ وَمُلَاطَفَتِهِمْ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بَيَانُ طِيبِ رِيحِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مِمَّا أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْعُلَمَاءُ كَانَتْ هَذِهِ الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ صِفَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يَمَسَّ طِيبًا وَمَعَ هَذَا فَكَانَ يَسْتَعْمِلُ الطِّيبَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ مُبَالَغَةً فِي طِيبِ رِيحِهِ لِمُلَاقَاةِ الْمَلَائِكَةِ وَأَخْذِ الْوَحْيِ الْكَرِيمِ وَمُجَالَسَةِ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ (كَأَنَّمَا أُخْرِجَتْ مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ) هِيَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَهَمْزَةٍ بَعْدَهَا وَيَجُوزُ تَرْكُ الْهَمْزَةِ بِقَلْبِهَا وَاوًا كَمَا فِي نَظَائِرِهَا وَقَدْ ذَكَرَهَا كَثِيرُونَ أَوِ الْأَكْثَرُونَ فِي الْوَاوِ قَالَ الْقَاضِي هِيَ مَهْمُوزَةٌ وَقَدْ يُتْرَكُ هَمْزُهَا وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ هِيَ بِالْوَاوِ وَقَدْ تُهْمَزُ وَهِيَ السَّقْطُ الَّذِي فِيهِ مَتَاعُ الْعَطَّارِ هَكَذَا فَسَّرَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ هِيَ سُلَيْلَةٌ مستديرة

(باب طيب عرقه صلى الله عليه وسلم والتبرك به قوله

مغشاة وأما قوله [2330] (ماشممت) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى أبو عبيد وبن السِّكِّيتِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ فَتْحَهَا قَوْلُهُ (أَزْهَرُ اللَّوْنِ) هُوَ الْأَبْيَضُ الْمُسْتَنِيرُ وَهِيَ أَحْسَنُ الْأَلْوَانِ قَوْلُهُ (كَأَنَّ عَرَقُهُ اللُّؤْلُؤُ) أَيْ فِي الصَّفَاءِ وَالْبَيَاضِ وَاللُّؤْلُؤُ بِهَمْزِ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَبِتَرْكِهِمَا وَبِهَمْزِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَعَكْسُهُ قَوْلُهُ (إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ) هو بالهمز وقد يُتْرَكُ هَمْزُهُ وَزَعَمَ كَثِيرُونَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا يروى بلا همز وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا قَالَ شِمْرٌ أَيْ مَالَ يَمِينًا وَشِمَالًا كَمَا تَكَفَّأَ السَّفِينَةُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ هَذَا صِفَةُ الْمُخْتَالِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يَمِيلَ إِلَى سَمْتِهِ وَقَصْدِ مَشْيِهِ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ في صبب قال القاضي لابعد فِيمَا قَالَهُ شِمْرٌ إِذَا كَانَ خِلْقَةً وَجِبِلَّةً وَالْمَذْمُومُ مِنْهُ مَا كَانَ مُسْتَعْمَلًا مَقْصُودًا (بَاب طيب عرقه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّبَرُّكِ بِهِ قَوْلُهُ [2331] (فَقَالَ عِنْدَنَا فَعَرِقَ) أَيْ نَامَ لِلْقَيْلُولَةِ قَوْلُهُ (تَسْلُتُ الْعَرَقَ) أَيْ تَمْسَحُهُ وَتَتْبَعُهُ بِالْمَسْحِ قَوْلُهُ)

(كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا) قَدْ سَبَقَ أَنَّهَا كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيهِ الدُّخُولُ عَلَى الْمَحَارِمِ وَالنَّوْمُ عِنْدَهُنَّ وَفِي بُيُوتِهِنَّ وَجَوَازُ النَّوْمِ عَلَى الْأُدُمِ وَهِيَ الْأَنْطَاعِ وَالْجُلُودِ قَوْلُهُ (فَفَتَحَتْ عَتِيدَتَهَا) هِيَ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ ثُمَّ مِنْ تَحْتُ وَهِيَ كَالصُّنْدُوقِ الصَّغِيرِ تَجْعَلُ الْمَرْأَةُ فِيهِ مَا يَعِزُّ مِنْ مَتَاعِهَا قَوْلُهُ (فَفَزِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا تَصْنَعِينَ) مَعْنَى فَزِعَ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ قَوْلُهَا [2332] (عَرَقُكَ أَدُوفُ بِهِ طِيبِي) هُوَ بِالدَّالِ المهملة وبالمعجمة

والأكثرون عَلَى الْمُهْمَلَةِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الأكثرين ومعناه غلط وَسَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الايمان قَوْلُهُ (كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ فَقَالَ أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّ عَلَيَّ ثُمَّ يَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُهُ وَأَحْيَانًا مَلَكٌ فِي مِثْلِ صُورَةِ الرَّجُلِ فَأَعِي مَا يَقُولُ) أَمَّا الأحيان فالأزمان ويقع على القليل والكثير ومثل صَلْصَلَةِ هُوَ بِنَصْبِ مِثْلَ وَأَمَّا الصَّلْصَلَةُ فَبِفَتْحِ الصَّادَيْنِ وَهِيَ الصَّوْتُ الْمُتَدَارَكُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أنه صوت متدارك يسمعه ولا يثبته أول مَا يَقْرَعُ سَمْعَهُ حَتَّى يَفْهَمَهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَفَرَّغَ سَمْعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَبْقَى فِيهِ وَلَا فِي قَلْبِهِ مَكَانٌ لِغَيْرِ صَوْتِ الْمَلَكِ وَمَعْنَى وَعَيْتُ جَمَعْتُ وَفَهِمْتُ وَحَفِظْتُ وَأَمَّا يَفْصِمُ فَبِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يُقْلِعُ وَيَنْجَلِي مَا يَتَغَشَّانِي مِنْهُ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْفَصْمُ هُوَ الْقَطْعُ مِنْ غَيْرِ إِبَانَةٍ وَأَمَّا الْقَصْمُ بِالْقَافِ فَقَطْعٌ مَعَ الْإِبَانَةِ وَالِانْفِصَالِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَلَكَ يُفَارِقُ عَلَى أَنْ يَعُودَ وَلَا يُفَارِقُهُ مُفَارَقَةَ قَاطِعٍ لَا يَعُودُ وَرُوِيَ هَذَا الْحَرْفُ أَيْضًا يُفْصَمُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَرُوِيَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ عَلَى أَنَّهُ أَفْصَمَ يُفْصِمُ

رُبَاعِيٌّ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَهِيَ مِنْ أَفْصَمَ الْمَطَرُ إِذَا أَقْلَعَ وَكَفَّ قَالَ الْعُلَمَاءُ ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَالَيْنِ مِنْ أَحْوَالِ الْوَحْيِ وَهُمَا مِثْلُ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَتَمَثُّلُ الْمَلَكِ رَجُلًا وَلَمْ يَذْكُرِ الرُّؤْيَا فِي النَّوْمِ وَهِيَ مِنَ الْوَحْيِ لِأَنَّ مَقْصُودَ السَّائِلِ بَيَانُ مَا يَخْتَصُّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَخْفَى فَلَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَأَمَّا الرُّؤْيَا فَمُشْتَرَكَةٌ مَعْرُوفَةٌ قَوْلُهُ [2334] (كُرِبَ لِذَلِكَ وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ) هُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَمَعْنَى تَرَبَّدَ أَيْ تَغَيَّرَ وَصَارَ كَلَوْنِ الرَّمَادِ وَفِي ظَاهِرِ هَذَا مُخَالَفَةٌ لِمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ فِي حَدِيثِ الْمُحْرِمِ الَّذِي أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَعَلَيْهِ خَلُوقٌ وَأَنَّ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ نَظَرَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالَ نُزُولِ الْوَحْيِ وَهُوَ مُحَمَّرُ الْوَجْهِ وَجَوَابُهُ أَنَّهَا حُمْرَةُ كُدْرَةٍ وَهَذَا مَعْنَى التَّرَبُّدِ وَأَنَّهُ فِي أَوَّلِهِ يَتَرَبَّدُ ثُمَّ يَحْمَرُّ أَوْ بِالْعَكْسِ قَوْلُهُ [2335] (أُتْلِيَ عَنْهُ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ نُسَخِ بِلَادِنَا أُتْلِيَ بِهَمْزَةٍ وَمُثَنَّاةٍ فَوْقُ سَاكِنَةٍ وَلَامٍ وَيَاءٍ وَمَعْنَاهُ ارْتَفَعَ عَنْهُ الْوَحْيُ هَكَذَا فَسَّرَهُ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَغَيْرُهُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أجلى بالجيم وفي رواية بن مَاهَانَ انْجَلَى وَمَعْنَاهُمَا أُزِيلَ عَنْهُ وَزَالَ عَنْهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ انْجَلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ

باب صفة شعره صلى الله عليه وسلم وصفاته وحليته

(باب صفة شعره صلى الله عليه وسلم وصفاته وحليته قَوْلُهُ [2336] (كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدُلُونَ أَشْعَارَهُمْ وَكَانَ المشركون يفرقون رؤسهم وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فَسَدَلَ نَاصِيَتَهُ ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ سَدَلَ يَسْدُلُ وَيُسْدِلُ بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِهَا قَالَ الْقَاضِي سَدْلُ الشَّعْرِ إِرْسَالُهُ قَالَ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ إِرْسَالُهُ عَلَى الْجَبِينِ وَاتِّخَاذُهُ كَالْقُصَّةِ يُقَالُ سَدَلَ شَعْرَهُ وَثَوْبَهُ إِذَا أَرْسَلَهُ وَلَمْ يَضُمَّ جَوَانِبَهُ وَأَمَّا الْفَرْقُ فَهُوَ فَرْقُ الشَّعْرِ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْفَرْقُ سُنَّةٌ لِأَنَّهُ الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِنَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ بِوَحْيٍ لِقَوْلِهِ إِنَّهُ كَانَ يُوَافِقُ أَهْلَ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ قَالَ الْقَاضِي حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ نُسِخَ الْمُسْدَلُ فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ وَلَا اتِّخَاذُ النَّاصِيَةِ وَالْجُمَّةِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ جَوَازُ الْفَرْقِ لَا وُجُوبُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْفَرْقَ كَانَ بِاجْتِهَادٍ فِي مُخَالَفَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا بِوَحْيٍ وَيَكُونُ الْفَرْقُ مُسْتَحَبًّا وَلِهَذَا اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيهِ فَفَرَقَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ وَاتَّخَذَ اللِّمَّةَ آخَرُونَ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَّةٌ فَإِنِ انْفَرَقَتْ فَرَقَهَا وَإِلَّا تَرَكَهَا قَالَ مَالِكٌ فَرْقُ الرَّجُلِ أَحَبُّ إِلَيَّ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ جَوَازُ السَّدْلِ وَالْفَرْقِ وَأَنَّ الْفَرْقَ أَفْضَلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ مُوَافَقَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ شَيْءٍ فَقِيلَ فَعَلَهُ اسْتِئْلَافًا لَهُمْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافَقَةً لَهُمْ عَلَى مُخَالَفَةِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ فَلَمَّا أَغْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَنِ اسْتِئْلَافِهِمْ وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ صَرَّحَ بِمُخَالَفَتِهِمْ فِي غَيْرِ شَيْءٍ مِنْهَا صَبْغُ الشَّيْبِ وَقَالَ آخَرُونَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أُمِرَ بِاتِّبَاعِ شَرَائِعِهِمْ فِيمَا لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا فِيمَا عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يُبَدِّلُوهُ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ)

يَرِدْ شَرْعُنَا بِخِلَافِهِ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ هَذَا دَلِيلٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا لِأَنَّهُ قَالَ يُحِبُّ مُوَافَقَتَهُمْ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ إِلَى خِيرَتِهِ وَلَوْ كَانَ شَرْعًا لَنَا لَتَحَتَّمَ اتِّبَاعُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ [2337] (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعًا) هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ قَوْلُهُ (عَظِيمَ الْجُمَّةِ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ) وَفِي رِوَايَةٍ مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ أَحْسَنَ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ يَضْرِبُ شَعْرُهُ مَنْكِبَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْجُمَّةُ أَكْثَرُ مِنَ الْوَفْرَةِ فَالْجُمَّةُ الشَّعْرُ الَّذِي نَزَلَ إِلَى المنكبين والوفرة مانزل إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنَيْنِ وَاللِّمَّةُ الَّتِي أَلَمَّتْ بِالْمَنْكِبَيْنِ قَالَ الْقَاضِي وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ مَا يَلِي الْأُذُنَ هُوَ الَّذِي يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ وَهُوَ الَّذِي بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ وَمَا خَلْفَهُ هُوَ الَّذِي يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ قَالَ وَقِيلَ بَلْ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ فَإِذَا غَفَلَ عَنْ تَقْصِيرِهَا بَلَغَتِ الْمَنْكِبَ وَإِذَا قَصَّرَهَا كَانَتْ إِلَى أَنْصَافِ الْأُذُنَيْنِ فَكَانَ يُقَصِّرُ وَيُطَوِّلُ بِحَسَبِ ذَلِكَ وَالْعَاتِقُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالْعُنُقِ وَأَمَّا شَحْمَةُ الْأُذُنِ فَهُوَ اللَّيِّنُ مِنْهَا فِي أَسْفَلِهَا وَهُوَ مُعَلَّقُ الْقُرْطِ مِنْهَا وَتُوَضِّحُ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ رِوَايَةَ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ كَانَ

شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فَوْقَ الْوَفْرَةِ وَدُونَ الْجُمَّةِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنَهُمْ خَلْقًا) قَالَ الْقَاضِي ضَبَطْنَاهُ خَلْقًا بِفَتْحِ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ هُنَا لِأَنَّ مُرَادَهُ صِفَاتُ جِسْمِهِ قَالَ وَأَمَّا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فَرَوَيْنَاهُ بِالضَّمِّ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ حُسْنِ مُعَاشَرَتِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَحْسَنَهُ فَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ هَكَذَا تَقُولُهُ الْعَرَبُ وَأَحْسَنُهُ يُرِيدُونَ وَأَحْسَنَهُمْ وَلَكِنْ لَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ وَإِنَّمَا يَقُولُونَ أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَحْسَنُهُ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ أَشْفَقَهُ عَلَى وَلَدٍ وَأَعْطَفَهَ عَلَى زَوْجٍ وحَدِيثُ أَبِي سفيان عندي أحسن نساء العرب وأجمله قَوْلُهُ [2338] (كَانَ شَعَرًا رَجِلًا لَيْسَ بِالْجَعْدِ وَلَا السَّبْطِ) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَهُوَ الَّذِي بَيْنَ الْجُعُودَةِ وَالسُّبُوطَةِ قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ

وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ [2339] (عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَلِيعَ الْفَمِ أَشْكَلَ الْعَيْنِ مَنْهُوسَ الْعَقِبَيْنِ قَالَ قُلْتُ لِسِمَاكٍ مَا ضَلِيعُ الْفَمِ قَالَ عَظِيمُ الْفَمِ قُلْتُ مَا أَشْكَلُ الْعَيْنِ قَالَ طَوِيلُ شَقِّ الْعَيْنِ قُلْتُ مَا مَنْهُوسُ الْعَقِبِ قَالَ قليل لحم العقب) أما قَوْلُهُ فِي ضَلِيعِ الْفَمِ فَكَذَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ قَالُوا وَالْعَرَبُ تَمْدَحُ بِذَلِكَ وَتَذُمُّ صِغَرَ الْفَمِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ثَعْلَبٍ فِي ضَلِيعِ الْفَمِ وَاسِعُ الْفَمِ وَقَالَ شِمْرٌ عَظِيمُ الْأَسْنَانِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي أَشْكَلِ الْعَيْنِ فَقَالَ الْقَاضِي هَذَا وَهْمٌ مِنْ سِمَاكٍ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَغَلَطٌ ظَاهِرٌ وَصَوَابُهُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَنَقَلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَجَمِيعُ أَصْحَابِ الْغَرِيبِ أَنَّ الشُّكْلَةَ حُمْرَةٌ فِي بَيَاضِ الْعَيْنَيْنِ وَهُوَ مَحْمُودٌ وَالشُّهْلَةُ بِالْهَاءِ حُمْرَةٌ فِي سَوَادِ الْعَيْنِ وَأَمَّا الْمَنْهُوسُ فَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ هَكَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالَ صاحب التحرير وبن الْأَثِيرِ رُوِيَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَةِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ وَمَعْنَاهُ قَلِيلُ لَحْمِ الْعَقِبِ كَمَا قَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب شيبه صلى الله عليه وسلم)

قَوْلُهُ [2340] (كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا) هُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُشَدَّدَةِ وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ بِجَسِيمٍ وَلَا نَحِيفٍ وَلَا طَوِيلٍ وَلَا قَصِيرٍ وَقَالَ شِمْرٌ هُوَ نَحْوُ الرَّبَعَةِ وَالْقَصْدُ بِمَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب شَيْبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَوْلُهُ [2341] (سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَضَبَ فَقَالَ لَمْ يَبْلُغِ الْخِضَابَ كَانَ فِي لِحْيَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ) وَفِي رِوَايَةٍ لَمْ يَرَ مِنَ الشَّيْبِ إِلَّا قَلِيلًا وَفِي رِوَايَةٍ لَوْ شِئْتَ أَنْ أَعُدَّ شَمَطَاتٍ كُنَّ فِي رَأْسِهِ وَلَمْ يَخْضِبْ وَفِي رِوَايَةٍ لَمْ يَخْضِبْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ الْبَيَاضُ فِي عَنْفَقَتِهِ وَفِي الصُّدْغَيْنِ وَفِي الرَّأْسِ نَبْذٌ وَفِي رِوَايَةٍ مَا شَانَهُ اللَّهُ بِبَيْضَاءَ [2342] وَفِي رِوَايَةِ أَبِي جُحَيْفَةَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ مِنْهُ بَيْضَاءَ وَوَضَعَ الرَّاوِي بَعْضَ أَصَابِعِهِ عَلَى عَنْفَقَتِهِ [2343] وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْيَضَ قَدْ شَابَ [2344] وَفِي رِوَايَةِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ شَيْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كَانَ إِذَا دَهَنَ رَأْسَهُ لَمْ يُرَ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِذَا لَمْ يَدْهُنْ رُئِيَ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ كَانَ قَدْ شَمِطَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَنَسٍ يُعَدُّ عَدًّا تُوُفِّيَ وَلَيْسَ

فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْرَجَتْ لَهُمْ شَعَرَاتٍ مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُمْرًا مَخْضُوبَةً بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ قَالَ الْقَاضِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ خَضَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ لَا فَمَنَعَهُ الْأَكْثَرُونَ بِحَدِيثِ أَنَسٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ خضب لحديث أم سلمة هذا ولحديث بن عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ قَالَ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ كَلَامِ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ فَقَالَ مَا أَدْرِي فِي هَذَا الَّذِي يُحَدِّثُونَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنَ الطِّيبِ الَّذِي كَانَ يُطَيِّبُ بِهِ شَعْرَهُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَعْمِلُ الطِّيبَ كَثِيرًا وَهُوَ يُزِيلُ سَوَادَ الشَّعْرِ فَأَشَارَ أَنَسٌ إِلَى أَنَّ تَغْيِيرَ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَبْغٍ وَإِنَّمَا هُوَ لِضَعْفِ لَوْنِ سَوَادِهِ بِسَبَبِ الطِّيبِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ تِلْكَ الشَّعَرَاتِ تَغَيَّرَتْ بَعْدَهُ لِكَثْرَةِ تَطْيِيبِ أُمِّ سَلَمَةَ لَهَا إِكْرَامًا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَبَغَ فِي وَقْتٍ وَتَرَكَهُ فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ فَأَخْبَرَ كُلٌّ بما رأى وهوصادق وهذا التأويل كالمتعين فحديث بن عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ تَرْكُهُ وَلَا تَأْوِيلَ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي قَدْرِ شَيْبِهِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهَا أَنَّهُ رَأَى شَيْئًا يَسِيرًا فَمَنْ أَثْبَتَ شَيْبَهُ أَخْبَرَ عَنْ ذَلِكَ الْيَسِيرِ وَمَنْ نَفَاهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَكْثُرْ فِيهِ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَمْ يَشْتَدَّ الشَّيْبُ أَيْ لَمْ يَكْثُرْ وَلَمْ يَخْرُجْ شَعْرُهُ عَنْ سَوَادِهِ وَحُسْنِهِ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَمْ يَرَ مِنَ الشَّيْبِ إِلَّا قَلِيلًا قَوْلُهُ (أَعُدُّ شَمَطَاتِهِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَانَ قَدْ شَمِطَ بِكَسْرِ الْمِيمِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّمَطِ هُنَا ابْتِدَاءُ الشَّيْبِ يُقَالُ مِنْهُ شَمِطَ وَأَشْمَطَ قَوْلُهُ (خَضَبَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ) أَمَّا الْحِنَّاءُ فَمَمْدُودٌ وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَأَمَّا الْكَتَمُ فَبِفَتْحِ

الْكَافِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ الْمُخَفَّفَةِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ هُوَ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَحَكَاهُ غَيْرُهُ وَهُوَ نَبَاتٌ يُصْبَغُ بِهِ الشَّعْرُ يَكْثُرُ بَيَاضُهُ أَوْ حُمْرَتُهُ إِلَى الدُّهْمَةِ قَوْلُهُ (اخْتَضَبَ عُمَرُ بِالْحِنَّاءِ) هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَعْنَاهُ خَالِصًا لَمْ يُخْلَطْ بِغَيْرِهِ قَوْلُهُ (عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يُكْرَهُ أَنْ يَنْتِفَ الرَّجُلُ الشَّعْرَةَ الْبَيْضَاءَ مِنْ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ) هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَصْحَابُ مَالِكٍ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ قَوْلُهُ (وَفِي الرَّأْسِ نَبْذٌ) ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا ضَمُّ النُّونِ وَفَتْحُ الْبَاءِ وَالثَّانِي بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي وَمَعْنَاهُ شَعَرَاتٌ مُتَفَرِّقَةٌ قَوْلُهُ (سَمِعَ أَبَا إِيَاسٍ) هُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ قَوْلُهُ (أَبْرِي النَّبْلَ وَأَرِيشُهَا) أَمَّا أَبْرِي فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَأَمَّا أريشها

(باب إثبات خاتم النبوة وصفته ومحله من جسده صلى

فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْضًا وَكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ أي أجعل للنبل ريشا (بَاب إِثْبَاتِ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ وَصِفَتِهِ وَمَحَلِّهِ مِنْ جسده صلى الله عليه وسلم) قَوْلُهُ (وَرَأَيْتُ الْخَاتَمَ عِنْدَ كَتِفِهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الحمامة يشبه جسده) وَفِي [2345] رِوَايَةٍ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلُ زِرِّ الْحَجَلَةِ

وَفِي [2346] رِوَايَةٍ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عِنْدَ نَاغِضِ كَتِفِهِ الْيُسْرَى جُمْعًا عَلَيْهِ خِيلَانٌ كَأَمْثَالِ الثَّآلِيلِ أَمَّا بَيْضَةُ الْحَمَامَةِ فَهُوَ بيضتها المعروفة واما زر الحجلة فبزاي ثم ياء وَالْحَجَلَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْجِيمِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ بِالْحَجْلَةِ وَاحِدَةُ الْحِجَالِ وَهِيَ بَيْتٌ كَالْقُبَّةِ لَهَا أزرار كباز وَعُرًى هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ بِالْحَجَلَةِ الطَّائِرُ الْمَعْرُوفُ وَزِرُّهَا بَيْضَتُهَا وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ رُوِيَ أَيْضًا بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ عَلَى الزَّايِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ الْبَيْضَ يُقَالُ أَرَزَّتِ الْجَرَادَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ إِذَا كَبَسَتْ ذَنَبَهَا فِي الْأَرْضِ فَبَاضَتْ وَجَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ كَانَتْ بِضْعَةً نَاشِزَةً أَيْ مُرْتَفِعَةً عَلَى جَسَدِهِ وَأَمَّا نَاغِضُ كَتِفِهِ فَبِالنُّونِ وَالْغَيْنِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَالْغَيْنُ مَكْسُورَةٌ وَقَالَ الْجُمْهُورُ النُّغْضُ وَالنَّغْضُ وَالنَّاغِضُ أَعْلَى الْكَتِفِ وَقِيلَ هُوَ الْعَظْمُ الرَّقِيقُ الَّذِي عَلَى طَرَفِهِ وَقِيلَ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ عِنْدَ التَّحَرُّكِ وَأَمَّا قَوْلُهُ جُمْعًا فَبِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ كَجَمْعِ الْكَفِّ وَهُوَ صُورَتُهُ بَعْدَ أَنْ

باب قدر عمره صلى الله عليه وسلم وإقامته بمكة

تَجْمَعَ الْأَصَابِعَ وَتَضُمَّهَا وَأَمَّا الْخِيلَانُ فَبِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ جَمْعُ خَالٍ وَهُوَ الشَّامَةُ فِي الْجَسَدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ مُتَقَارِبَةٌ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّهَا شَاخِصٌ فِي جَسَدِهِ قَدْرَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ وَهُوَ نَحْوُ بَيْضَةِ الْحَجَلَةِ وَزِرُّ الْحَجَلَةِ وَأَمَّا رِوَايَةُ جَمْعُ الْكَفِّ وَنَاشِزٌ فَظَاهِرُهَا الْمُخَالَفَةُ فَتُؤَوَّلُ عَلَى وَفْقِ الرِّوَايَاتِ الْكَثِيرَةِ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ عَلَى هَيْئَةِ جَمْعِ الْكَفِّ لَكِنَّهُ أَصْغَرُ مِنْهُ فِي قَدْرِ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا الْخَاتَمُ هُوَ أَثَرُ شَقِّ الْمَلَكَيْنِ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ لِأَنَّ شَقَّ الْمَلَكَيْنِ إِنَّمَا كَانَ في صدره وبطنه والله اعلم (باب قدر عمره صلى الله عليه وسلم وإقامته بمكة والمدينة) [2348] [2349] ذَكَرَ فِي الْبَابِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ إِحْدَاهَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم توفى وهو بن سِتِّينَ سَنَةٍ وَالثَّانِيَةُ خَمْسٌ وَسِتُّونَ وَالثَّالِثَةُ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ وَهِيَ أَصَحُّهَا وَأَشْهَرُهَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ هُنَا من رواية عائشة وأنس وبن عَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ أَصَحَّهَا ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ وَتَأَوَّلُوا الْبَاقِي عَلَيْهِ فَرِوَايَةُ سِتِّينَ اقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى الْعُقُودِ وَتَرْكِ الْكَسْرِ وَرِوَايَةُ الْخَمْسِ مُتَأَوَّلَةٌ أَيْضًا وَحَصَلَ فِيهَا اشتباه وقد أنكر عروة على بن عَبَّاسٍ قَوْلَهُ (خَمْسٌ وَسِتُّونَ) وَنَسَبَهُ إِلَى الْغَلَطِ وَأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ أَوَّلَ النُّبُوَّةِ وَلَا كَثُرَتْ صُحْبَتُهُ بِخِلَافِ الْبَاقِينَ [2350] [2351] [2352] [2353] وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَبِمَكَّةَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي قَدْرِ إِقَامَتِهِ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ وقيل الْهِجْرَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ فَيَكُونُ عُمْرُهُ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ بُعِثَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةٍ هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عن بن عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رِوَايَةً شَاذَّةً أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةٍ

وَالصَّوَابُ أَرْبَعُونَ كَمَا سَبَقَ وَوُلِدَ عَامَ الْفِيلِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بَعْدَ الْفِيلِ بِثَلَاثِ سِنِينَ وَقِيلَ بِأَرْبَعِ سِنِينَ وَادَّعَى الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَامِ الْفِيلِ وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ وُلِدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي شَهْرِ ربيع الاول وتوفي يوم الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَاخْتَلَفُوا فِي يَوْمِ الْوِلَادَةِ هَلْ هُوَ ثَانِي الشَّهْرِ أَمْ ثَامِنُهُ أَمْ عَاشِرُهُ أَمْ ثَانِي عَشَرِهِ وَيَوْمُ الْوَفَاةِ ثَانِي عَشَرَةَ ضُحًى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ [2347] (لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ) الْمُرَادُ بِالْبَائِنِ زَائِدُ الطُّولِ أَيْ هُوَ بَيْنَ زَائِدِ الطُّولِ وَالْقَصِيرِ وَهُوَ بِمَعْنَى مَا سَبَقَ أَنَّهُ كَانَ مُقَصَّدًا قَوْلُهُ (وَلَا الْأَبْيَضُ الْأَمْهَقُ وَلَا بِالْآدَمِ) الْأَمْهَقُ بِالْمِيمِ هُوَ شَدِيدُ الْبَيَاضِ كَلَوْنِ الْجِصِّ وَهُوَ كَرِيهُ الْمَنْظَرِ وَرُبَّمَا تَوَهَّمَهُ النَّاظِرُ أَبْرَصَ وَالْآدَمُ الْأَسْمَرُ مَعْنَاهُ لَيْسَ بِأَسْمَرَ وَلَا بِأَبْيَضَ كَرِيهِ الْبَيَاضِ بَلْ أَبْيَضُ بَيَاضًا نَيِّرًا كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ وَكَذَا قَالَ في الرواية التي بعده كان أزهر قَوْلُهُ (قُلْتُ لِعُرْوَةَ كَمْ لَبِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ قَالَ عَشْرًا قُلْتُ فان بن عَبَّاسٍ يَقُولُ بِضْعَ عَشْرَةَ قَالَ فَغَفَّرَهُ وَقَالَ إِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا فَغَفَّرَهُ بَالِغَيْنِ وَالْفَاءِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْجُلُودِيِّ وَمَعْنَاهُ دَعَا لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ فَقَالَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ يَقُولُونَهَا غَالِبًا لِمَنْ غَلِطَ فِي شئ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَخْطَأَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ قَالَ القاضي وفي رواية بن مَاهَانَ فَصَغَّرَهُ بِصَادٍ ثُمَّ غَيْنٍ أَيِ اسْتَصْغَرَهُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ هَذَا وَإِدْرَاكِهِ ذَلِكَ وَضَبْطِهِ وَإِنَّمَا أسند فيه إلى قول الشاعر

وليس معه عِلْمٌ بِذَلِكَ وَيُرَجِّحُ الْقَاضِي هَذَا الْقَوْلَ قَالَ وَالشَّاعِرُ هُوَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ حَيْثُ يَقُولُ ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ حِجَّةً يُذَكِّرُ لَوْ يَلْقَى خَلِيلًا مُوَاتِيًا

وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الْبَيْتُ فِي بَعْضِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ هُوَ فِي عَامَّتِهَا قُلْتُ وَأَبُو قَيْسٍ هَذَا هُوَ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنَمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ الْأَنْصَارِيُّ هكذا نسبه بن إِسْحَاقَ قَالَ كَانَ قَدْ تَرَهَّبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَبِسَ الْمُسُوحَ وَفَارَقَ الْأَوْثَانَ وَاغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ وَاتَّخَذَ بَيْتًا لَهُ مَسْجِدًا لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ حَائِضٌ وَلَا جُنُبٌ وَقَالَ أَعْبُدُ رَبَّ إِبْرَاهِيمَ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ وَكَانَ قَوَّالًا بِالْحَقِّ وَكَانَ مُعَظِّمًا لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُ الشِّعْرَ

فِي تَعْظِيمِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَوْلُهُ (سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَخْطُبُ فَقَالَ مَاتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بن ثلاث وستين وأبو بكر وعمر وأنا بن ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَتَقْدِيرُهُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ كَذَلِكَ ثم استأنف فقال وأنا بن ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ أَيْ وَأَنَا مُتَوَقِّعٌ مُوَافَقَتَهُمْ

باب في أسمائه صلى الله عليه وسلم

وَإِنِّي أَمُوتُ فِي سَنَتِي هَذِهِ قَوْلُهُ (يَسْمَعُ الصَّوْتَ وَيَرَى الضَّوْءَ) قَالَ الْقَاضِي أَيْ صَوْتَ الْهَاتِفِ بِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَيَرَى الضَّوْءَ أَيْ نُورَ الْمَلَائِكَةِ وَنُورَ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى رَأَى الْمَلَكَ بِعَيْنِهِ وَشَافَهَهُ بِوَحْيِ اللَّهِ تَعَالَى (باب في أسمائه صلى الله عليه وسلم) ذَكَرَ هُنَا هَذِهِ الْأَسْمَاءَ وَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَاءُ أُخَرُ ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَحْوَذِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَلْفَ اسْمٍ وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْفَ اسْمٍ أَيْضًا ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهَا عَلَى التَّفْصِيلِ بِضْعًا وَسِتِّينَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ رَجُلٌ مُحَمَّدٌ وَمَحْمُودٌ إِذَا كَثُرَتْ خِصَالُهُ الْمَحْمُودَةُ وقال بن فَارِسٍ وَغَيْرُهُ وَبِهِ سُمِّيَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا وَأَحْمَدَ أَيْ أَلْهَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَهُ أَنْ سَمَّوْهُ بِهِ لِمَا عُلِمَ مِنْ جَمِيلِ صِفَاتِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2354] (وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يُمْحَى بِي الْكُفْرُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ مَحْوُ الْكُفْرِ مِنْ مَكَّةَ والمدينة وسائر بلاد العرب ومازوى لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَرْضِ وَوُعِدَ أَنْ يَبْلُغَهُ مُلْكُ أُمَّتِهِ قَالُوا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَحْوُ الْعَامُّ بِمَعْنَى الظُّهُورِ بِالْحُجَّةِ وَالْغَلَبَةِ كَمَا قَالَ

تعالى ليظهره على الدين كله وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ تَفْسِيرُ الْمَاحِي بِأَنَّهُ الَّذِي مُحِيَتْ بِهِ سَيِّئَاتُ مَنِ اتَّبَعَهُ فَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِمَحْوِ الْكُفْرِ هَذَا وَيَكُونُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لهم ما قد سلف وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْإِسْلَامُ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبِي) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى قَدَمِي فَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَاتَّفَقَتِ النُّسَخُ على أنها عَلَى أَنَّهَا عَلَى قَدَمِي لَكِنْ ضَبَطُوهُ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ عَلَى الْإِفْرَادِ وَتَشْدِيدِهَا عَلَى التَّثْنِيَةِ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُولَى فَهِيَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا قَدَمِي كَالثَّانِيَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُمَا يُحْشَرُونَ عَلَى أَثَرِي وَزَمَانِ نُبُوَّتِي وَرِسَالَتِي وَلَيْسَ بَعْدِي نبي وقيل يتبعوني قوله [2355] (والمقفي ونبي التوبة ونبي الرحمة)

(باب علمه صلى الله عليه وسلم بالله تعالى وشدة

أَمَّا الْعَاقِبُ فَفَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بعده نبي اي جاء عقبهم قال بن الْأَعْرَابِيِّ الْعَاقِبُ وَالْعُقُوبُ الَّذِي يَخْلُفُ فِي الْخَيْرِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ وَمِنْهُ عَقِبُ الرَّجُلِ لِوَلَدِهِ وَأَمَّا الْمُقَفِّي فَقَالَ شَمِرٌ هُوَ بِمَعْنَى الْعَاقِبِ وقال بن الْأَعْرَابِيِّ هُوَ الْمُتَّبِعُ لِلْأَنْبِيَاءِ يُقَالُ قَفَوْتُهُ أَقْفُوهُ وقفيته أقفيه اذا اتبعته وقافية كل شئ آخِرُهُ وَأَمَّا نَبِيُّ التَّوْبَةِ وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ وَنَبِيُّ الْمَرْحَمَةِ فَمَعْنَاهَا مُتَقَارِبٌ وَمَقْصُودُهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِالتَّوْبَةِ وَبِالتَّرَاحُمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ نَبِيُّ الْمَلَاحِمِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ بِالْقِتَالِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ الْأَسْمَاءِ مع ان لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَاءُ غَيْرُهَا كَمَا سَبَقَ لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ وموجودة للأمم السالفة (بَاب عِلْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَشِدَّةِ خَشْيَتِهِ قَوْلُهُ (فَغَضِبَ حَتَّى بَانَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْغَبُونَ عَمَّا رُخِّصَ لِي فِيهِ فَوَاللَّهِ)

(باب وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم قوله [2357] (شراج

لَأَنَا أَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً) فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّهْيُ عَنِ التَّعَمُّقِ فِي الْعِبَادَةِ وَذَمُّ التَّنَزُّهِ عَنِ الْمُبَاحِ شَكًّا فِي إِبَاحَتِهِ وَفِيهِ الْغَضَبُ عِنْدَ انْتَهَاكِ حُرُمَاتِ الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ الْمُنْتَهِكُ مُتَأَوِّلًا تَأْوِيلًا بَاطِلًا وَفِيهِ حُسْنُ الْمُعَاشَرَةِ بِإِرْسَالِ التَّعْزِيرِ وَالْإِنْكَارِ فِي الْجَمْعِ وَلَا يُعَيَّنُ فَاعِلُهُ فَيُقَالُ مَا بَالُ أَقْوَامٍ وَنَحْوُهُ وَفِيهِ أَنَّ الْقُرْبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سَبَبٌ لِزِيَادَةِ الْعِلْمِ بِهِ وَشِدَّةِ خَشْيَتِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَاللَّهِ لَأَنَا أَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَتَوَهَّمُونَ أَنَّ سُنَنَهُمْ عَمَّا فَعَلْتُ أَقْرَبُ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنْ فَعَلَ خِلَافَ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَمَا تَوَهَّمُوا بَلْ أَنَا أَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً وَإِنَّمَا يَكُونُ الْقُرْبُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالْخَشْيَةُ لَهُ عَلَى حَسَبِ مَا أَمَرَ لَا بِمُخَيَّلَاتِ النُّفُوسِ وَتَكَلُّفِ أَعْمَالٍ لَمْ يَأْمُرْ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ [2357] (شِرَاجُ الْحَرَّةِ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْجِيمِ هِيَ مَسَايِلُ الْمَاءِ وَاحِدُهَا شَرْجَةٌ وَالْحَرَّةُ هِيَ الْأَرْضُ الْمَلْسَةُ فِيهَا حِجَارَةٌ سُودٌ قَوْلُهُ (سَرِّحِ الْمَاءَ) أَيْ أَرْسِلْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكِ فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ يَا رسول الله ان كان بن)

عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ يَا زُبَيْرُ اسْقِ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ) اما قوله ان كان بن عَمَّتِكَ فَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ فَعَلْتَ هَذَا لكونه بن عَمَّتِكَ وَقَوْلُهُ تَلَوَّنَ وَجْهُهُ أَيْ تَغَيَّرَ مِنَ الْغَضَبِ لَانْتَهَاكِ حُرُمَاتِ النُّبُوَّةِ وَقُبْحِ كَلَامِ هَذَا الْإِنْسَانِ وَأَمَّا الْجَدْرُ فَبِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْجِدَارُ وَجَمْعُ الْجِدَارِ جُدُرٌ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ وَجَمْعُ الْجُدُرِ جُدُورٌ كَفَلْسٍ وَفُلُوسٍ وَمَعْنَى يَرْجِعُ إِلَى الْجَدْرِ أَيْ يَصِيرُ إِلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِالْجَدْرِ أَصْلُ الْحَائِطِ وَقِيلَ أُصُولُ الشَّجَرِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَقَدَّرَهُ الْعُلَمَاءُ أَنْ يَرْتَفِعَ الْمَاءُ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا حَتَّى يَبْتَلَّ كَعْبُ رِجْلِ الْإِنْسَانِ فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ الْأُولَى الَّتِي تَلِي الْمَاءَ أَنْ يَحْبِسَ الْمَاءَ فِي الْأَرْضِ إِلَى هَذَا الْحَدِّ ثُمَّ يُرْسِلَهُ إِلَى جَارِهِ الَّذِي وَرَاءَهُ وَكَانَ الزُّبَيْرُ صَاحِبَ الْأَرْضِ الْأُولَى فَأَدَلَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ اسْقِ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكِ أَيِ اسْقِ شَيْئًا يَسِيرًا دُونَ قَدْرِ حَقِّكَ ثُمَّ أَرْسِلْهُ إِلَى جَارِكِ إِدْلَالًا عَلَى الزُّبَيْرِ وَلِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ يَرْضَى بِذَلِكَ وَيُؤْثِرُ الْإِحْسَانَ إِلَى جَارِهِ فَلَمَّا قَالَ الْجَارُ مَا قَالَ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ حَقِّهِ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ وَاضِحًا فِي بَابِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَوْ صَدَرَ مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ الْأَنْصَارِيُّ الْيَوْمَ مِنْ إِنْسَانٍ مِنْ نِسْبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَوًى كَانَ كُفْرًا وَجَرَتْ عَلَى قَائِلِهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ فَيَجِبُ قَتْلُهُ بِشَرْطِهِ قَالُوا وَإِنَّمَا تَرَكَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ يَتَأَلَّفُ النَّاسَ وَيَدْفَعُ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَى الْمُنَافِقِينَ وَمَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَيَقُولُ يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا وَيَقُولُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين قَالَ الْقَاضِي وَحَكَى الدَّاوُدِيُّ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي خَاصَمَ الزُّبَيْرَ كَانَ مُنَافِقًا وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ إِنَّهُ أَنْصَارِيٌّ لَا يُخَالِفُ هَذَا لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ قَبِيلَتِهِمْ لَا مِنَ الْأَنْصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَقَالَ الزُّبَيْرُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسَبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ فلا وربك لا يؤمنون

الْآيَةَ فَهَكَذَا قَالَ طَائِفَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ تَحَاكَمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَكَمَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَالَ ارْفَعْنِي إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقِيلَ فِي يَهُودِيٍّ وَمُنَافِقٍ اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرْضَ الْمُنَافِقُ بِحُكْمِهِ وطلب الحكم عند الكاهن قال بن جَرِيرٍ يَجُوزُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْجَمِيعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مانهيتكم عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ وَاضِحًا فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَهُوَ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ

(باب توقيره صلى الله عليه وسلم وترك إكثار سؤاله)

(بَابُ تَوْقِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرْكِ إِكْثَارِ سُؤَالِهِ) عَمَّا لَا ضَرُورَةَ إِلَيْهِ أَوْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَكْلِيفٌ وَمَا لَا يَقَعُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مَقْصُودُ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ صَلَّى الله عليه وسلم نهاهمم عَنْ إِكْثَارِ السُّؤَالِ وَالِابْتِدَاءِ بِالسُّؤَالِ عَمَّا لَا يَقَعُ وَكَرِهَ ذَلِكَ لِمَعَانٍ مِنْهَا أَنَّهُ رُبَّمَا كان سببا لتحريم شئ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَلْحَقُهُمْ بِهِ الْمَشَقَّةُ وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَعْظَمُ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عن شئ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَحَرُمَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ فِي الْجَوَابِ مَا يَكْرَهُهُ السَّائِلُ وَيَسُوؤُهُ وَلِهَذَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ قَوْلَهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إن تبدلكم تسؤكم كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا وَمِنْهَا أَنَّهُمْ رُبَّمَا أَحْفَوْهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بالمسألة والحفوة الْمَشَقَّةُ وَالْأَذَى فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِهَلَاكِهِمْ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ سَأَلُوا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ إِلَى آخِرِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2358] (إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شئ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَحَرُمَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ سَأَلَ عَنْ شئ وَنَقَّرَ عَنْهُ أَيْ بَالَغَ فِي الْبَحْثِ عَنْهُ وَالِاسْتِقْصَاءِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمُرَادُ بِالْجُرْمِ هُنَا الْحَرَجُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَا أَنَّهُ الْجُرْمُ الَّذِي هُوَ الْإِثْمُ الْمُعَاقَبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ السُّؤَالَ كَانَ مُبَاحًا وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلوني

هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَصَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجُرْمِ هُنَا الْإِثْمُ وَالذَّنْبُ قَالُوا وَيُقَالُ مِنْهُ جَرَمَ بِالْفَتْحِ وَاجْتَرَمَ وَتَجَرَّمَ إِذَا أَثِمَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَنْ سَأَلَ تَكَلُّفًا أَوْ تَعَنُّتًا فِيمَا لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَيْهِ فَأَمَّا مَنْ سَأَلَ لِضَرُورَةٍ بِأَنْ وَقَعَتْ لَهُ مَسْأَلَةٌ فَسَأَلَ عَنْهَا فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَلَا عُتْبَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَاسْأَلُوا أهل الذكر قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَغَيْرُهُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ عَمِلَ مَا فِيهِ إِضْرَارٌ بِغَيْرِهِ كَانَ آثِمًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2359] (عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا) فِيهِ

أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ عَرْضِهِمَا وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَمْ أَرَ خَيْرًا أَكْثَرَ مِمَّا رَأَيْتُهُ الْيَوْمَ فِي الْجَنَّةِ وَلَا شَرًّا أَكْثَرَ مِمَّا رَأَيْتُهُ الْيَوْمَ فِي النَّارِ وَلَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ وَعَلِمْتُمْ مَا عَلِمْتُ مِمَّا رَأَيْتُهُ الْيَوْمَ وَقَبْلَ الْيَوْمِ لَأَشْفَقْتُمْ إِشْفَاقًا بَلِيغًا وَلَقَلَّ ضَحِكُكُمْ وَكَثُرَ بُكَاؤُكُمْ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي اسْتِعْمَالِ لَفْظَةِ لَوْ فِي مِثْلِ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (غَطَّوْا رؤسهم وَلَهُمْ خَنِينٌ) هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَلِمُعْظَمِ الرُّوَاةِ وَلِبَعْضِهِمْ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ الْقَاضِي وَصَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَآخَرُونَ قَالُوا وَمَعْنَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ صَوْتُ الْبُكَاءِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْبُكَاءِ دُونَ الِانْتِحَابِ قَالُوا وَأَصْلُ الْخَنِينِ خُرُوجُ الصَّوْتِ مِنَ الْأَنْفِ كَالْحَنِينِ بِالْمُهْمَلَةِ مِنَ الْفَمِ وَقَالَ الْخَلِيلُ هُوَ

صَوْتٌ فِيهِ غُنَّةٌ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ إِذَا تَرَدَّدَ بُكَاؤُهُ فَصَارَ فِي كَوْنِهِ غُنَّةٌ فَهُوَ خَنِينٌ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الْخَنِينُ مِثْلُ الْحَنِينِ وَهُوَ شَدِيدُ الْبُكَاءِ قَوْلُهُ (فَلَمَّا أَكْثَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ سَلُونِي بَرَكَ عُمَرُ فَقَالَ رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ عُمَرُ ذَلِكَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا يَعْلَمُ كُلَّ مَا سُئِلَ عَنْهُ مِنَ الْمُغَيِّبَاتِ إِلَّا بِإِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْقَاضِي وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلُونِي إِنَّمَا كَانَ غَضَبًا كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ غَضِبَ ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ سَلُونِي وَكَانَ اخْتِيَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكُ تِلْكَ الْمَسَائِلِ لَكِنْ وَافَقَهُمْ فِي جَوَابِهَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّ السُّؤَالِ وَلِمَا رَآهُ مِنْ حِرْصِهِمْ عَلَيْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا بُرُوكُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ فَإِنَّمَا فَعَلَهُ أَدَبًا وَإِكْرَامًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَفَقَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِئَلَّا يُؤْذُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَهْلَكُوا وَمَعْنَى كَلَامِهِ رَضِينَا بِمَا عِنْدَنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاكْتَفَيْنَا بِهِ عَنِ السُّؤَالِ فَفِيهِ أَبْلَغُ كِفَايَةٍ قَوْلُهُمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ أَمَّا لَفْظَةُ أَوْلَى فَهِيَ تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ وَقِيلَ كَلِمَةُ تَلَهُّفٍ فَعَلَى هَذَا يَسْتَعْمِلُهَا مَنْ نَجَا مِنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهَا لِلتَّهْدِيدِ وَمَعْنَاهَا قَرُبَ مِنْكُمْ مَا تَكْرَهُونَهُ وَمِنْهُ قوله

تَعَالَى أَوْلَى لَك فَأَوْلَى أَيْ قَارَبَكَ مَا تَكْرَهُ فَاحْذَرْهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْوَلِيِّ وَهُوَ الْقُرْبُ وَأَمَّا آنِفًا فَمَعْنَاهُ قَرِيبًا السَّاعَةَ وَالْمَشْهُورُ فِيهِ الْمَدُّ وَيُقَالُ بِالْقَصْرِ وَقُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ الاكثرون بالمد وعرض الْحَائِطِ بِضَمِّ الْعَيْنِ جَانِبُهُ قَوْلُهُ (إِنَّ أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ قَالَتْ لَهُ أَأَمِنْتَ أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ قَدْ قَارَفَتْ بَعْضَ مَا يُقَارِفُ نِسَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ فَتَفْضَحَهَا عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ فَقَالَ ابْنُهَا وَاللَّهِ لَوْ أَلْحَقَنِي بِعَبْدٍ أَسْوَدَ للحقته) اما قولها قارفت فمعناه عملت سوءا والمراد الزنى وَالْجَاهِلِيَّةُ هُمْ مِنْ قَبْلِ النُّبُوَّةِ سُمُّوا بِهِ لِكَثْرَةِ جَهَالَاتِهِمْ وَكَانَ سَبَبُ سُؤَالِهِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ كَانَ يَطْعَنُ فِي نَسَبِهِ عَلَى عَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الطَّعْنِ فِي الْأَنْسَابِ وَقَدْ بُيِّنَ هَذَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ بِقَوْلِهِ كَانَ يُلَاحَى فَيُدْعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَالْمُلَاحَاةُ الْمُخَاصَمَةُ وَالسِّبَابُ وَقَوْلُهَا فَتَفْضَحُهَا مَعْنَاهُ لَوْ كُنْتَ مِنْ زِنَا فَنَفَاكَ عَنْ أَبِيكَ حُذَافَةَ فَضَحْتَنِي وَأَمَّا قَوْلُهُ لَوْ أَلْحَقَنِي بِعَبْدٍ لَلَحِقْتُهُ فَقَدْ يُقَالُ هَذَا لَا يتصور لان الزنى لَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ يحتمل وجهين احدهما أن بن حُذَافَةَ مَا كَانَ بَلَغَهُ هَذَا الْحُكْمُ وَكَانَ يظن ان ولد الزنى يَلْحَقُ الزَّانِي وَقَدْ خَفِيَ هَذَا عَلَى أَكْبَرَ مِنْهُ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ حِينَ خاصم في بن وليدة زمعة فظن انه يلحق أخاه بالزنى وَالثَّانِي أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ الْإِلْحَاقُ بَعْدَ وَطْئِهَا بِشُبْهَةٍ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِيُّ

هُوَ بِكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَ السَّمْعَانِيُّ مَنْسُوبٌ إِلَى مَعْنِ بْنِ زَائِدَةَ وَهَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ قَوْلُهُ (أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ) أَيْ أَكْثَرُوا في الالحاح والمبالغة فيه يقال أَحْفَى وَأَلْحَفَ وَأَلَحَّ بِمَعْنًى قَوْلُهُ (فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْقَوْمَ أَرَمُّوا) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَضْمُومَةِ أَيْ سَكَتُوا وَأَصْلُهُ مِنَ الْمَرَمَّةِ وهي الشفة أَيْ ضَمُّوا شِفَاهَهُمْ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فَلَمْ يَتَكَلَّمُوا وَمِنْهُ رَمَّتِ الشَّاةُ الْحَشِيشَ ضَمَّتْهُ بِشَفَتَيْهَا قَوْلُهُ (أَنْشَأَ رَجُلٌ ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ مَعْنَاهُ ابْتَدَأَ وَمِنْهُ أَنْشَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ أَيِ ابْتَدَأَهُمْ

(باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره صلى الله

(بَابُ وُجُوبِ امْتِثَالِ مَا قَالَهُ شَرْعًا دُونَ مَا ذَكَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْ مَعَايِشِ الدُّنْيَا عَلَى سَبِيلِ الرَّأْيِ فِيهِ حَدِيثُ ابار النخل وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ [2361] (مَا اظن يعني ذَلِكَ شَيْئًا فَخَرَجَ شِيصًا فَقَالَ إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِ اللَّهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ [2362] إِذَا امرتكم بشئ من دينكم فخذوا به واذا امرتكم بشئ مِنْ رَأْيٍ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَفِي رِوَايَةٍ [2363] أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَأْيِي أَيْ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا وَمَعَايِشِهَا لَا عَلَى التَّشْرِيعِ فَأَمَّا مَا قَالَهُ بِاجْتِهَادِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَآهُ شَرْعًا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ وَلَيْسَ إِبَارُ النَّخْلِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ بَلْ مِنَ النَّوْعِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ مَعَ أَنَّ لَفْظَةَ الرَّأْيِ إِنَّمَا أَتَى بِهَا عِكْرِمَةُ عَلَى الْمَعْنَى لِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ قَالَ عِكْرِمَةُ أَوْ نَحْوُ هَذَا فَلَمْ يُخْبِرْ بِلَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَقَّقًا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْقَوْلُ خَبَرًا وَإِنَّمَا كَانَ ظَنًّا كَمَا بَيَّنَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ قَالُوا وَرَأْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمُورِ الْمَعَايِشِ وَظَنُّهُ كَغَيْرِهِ فَلَا يُمْتَنَعُ وُقُوعُ مِثْلِ هَذَا وَلَا نَقْصَ فِي ذَلِكَ وَسَبَبُهُ تَعَلُّقُ هِمَمِهِمْ بِالْآخِرَةِ وَمَعَارِفِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ 0 (يُلَقِّحُونَهُ) هُوَ

بِمَعْنَى يَأْبُرُونَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَمَعْنَاهُ إِدْخَالُ شئ طَلْعِ الذَّكَرِ فِي طَلْعِ الْأُنْثَى فَتَعَلَّقَ بِإِذْنِ الله ويأبرون بِكَسْرِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا يُقَالُ مِنْهُ أَبَرَ يَأْبُرُ وَيَأْبِرُ كَبَذَرَ يَبْذُرُ وَيَبْذِرُ وَيُقَالُ أَبَّرَ يُؤَبِّرُ بِالتَّشْدِيدِ تَأْبِيرًا قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَعْقِرِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ مَنْسُوبٌ إِلَى مَعْقِرَ وَهِيَ نَاحِيَةٌ مِنَ الْيَمَنِ قَوْلُهُ فَنَفَضَتْ أَوْ فَنَقَصَتْ هُوَ بِفَتْحِ الْحُرُوفِ كُلِّهَا وَالْأَوَّلُ بِالْفَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالثَّانِي بِالْقَافِ وَالْمُهْمَلَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ قَالَ الْمَعْقِرِيُّ فَنَفَضَتْ

(باب فضل النظر إليه صلى الله عليه وسلم وتمنيه)

بِالْفَاءِ وَالْمُعْجَمَةُ وَمَعْنَاهُ أَسْقَطَتْ ثَمْرَهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَيُقَالُ لِذَلِكَ الْمُتَسَاقِطِ النَّفَضُ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْفَاءِ بِمَعْنَى الْمَنْفُوضِ كَالْخَبَطِ بِمَعْنَى الْمَخْبُوطِ وَأَنْفَضَ الْقَوْمُ فَنِيَ زَادُهُمْ قَوْلُهُ (فَخَرَجَ شِيصًا) هُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وبصاد مهملة وهو البسر الردئ الَّذِي إِذَا يَبِسَ صَارَ حَشَفًا وَقِيلَ أَرْدَأ البسر وقيل تمر ردئ وَهُوَ مُتَقَارِبٌ (بَاب فَضْلِ النَّظَرِ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَمَنِّيهِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2364] (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ وَلَا يَرَانِي ثُمَّ لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَعَهُمْ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَعْنَى فِيهِ عِنْدِي لَأَنْ يَرَانِي مَعَهُمْ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَهُوَ عِنْدِي مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ قَالَ تَقْدِيرُهُ لَأَنْ يَرَانِي مَعَهُمْ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ لَا يَرَانِي وَكَذَا جَاءَ فِي مُسْنَدِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ لَا يَرَانِي أَيْ رُؤْيَتُهُ إِيَّايَ أَفْضَلُ عِنْدَهُ وَأَحْظَى مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي تَقْدِيمِ لَأَنْ يَرَانِي وَتَأْخِيرِ مِنْ أَهْلِهِ لَا يَرَانِي كَمَا قَالَ وَأَمَّا لَفْظَةُ مَعَهُمْ فَعَلَى ظَاهِرِهَا وَفِي مَوْضِعِهَا وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ يَأْتِي عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ لَأَنْ يَرَانِي فِيهِ لَحْظَةً ثُمَّ لَا يَرَانِي بَعْدَهَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ جَمِيعًا وَمَقْصُودُ الْحَدِيثِ حَثُّهُمْ عَلَى مُلَازَمَةِ مَجْلِسِهِ الْكَرِيمِ وَمُشَاهَدَتِهِ حَضَرًا وَسَفَرًا

(باب فضائل عيسى عليه السلام)

لِلتَّأَدُّبِ بِآدَابِهِ وَتَعَلُّمِ الشَّرَائِعِ وَحِفْظِهَا لِيُبَلِّغُوهَا وَإِعْلَامُهُمْ أَنَّهُمْ سَيَنْدَمُونَ عَلَى مَا فَرَّطُوا فِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ مِنْ مُشَاهَدَتِهِ وَمُلَازَمَتِهِ وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَلْهَانِي عَنْهُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب فَضَائِلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2365] (أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ الْأَنْبِيَاءُ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ) وَفِي رِوَايَةٍ أَنَا أَوْلَى الناس بعيسى بن مَرْيَمَ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ قَالُوا كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلَّاتٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ وَلَيْسَ بَيْنَنَا نَبِيٌّ قَالَ الْعُلَمَاءُ أَوْلَادُ الْعَلَّاتِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ هُمُ الْإِخْوَةُ لِأَبٍ مِنْ أُمَّهَاتٍ شَتَّى وَأَمَّا الْإِخْوَةُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ فَيُقَالُ لَهُمْ أَوْلَادُ الْأَعْيَانِ قَالَ

جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَصْلُ إِيمَانِهِمْ وَاحِدٌ وَشَرَائِعُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ فِي أُصُولِ التَّوْحِيدِ واما فروع الشرائع فوقع فيها الاختلاف واما قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ فَالْمُرَادُ بِهِ أُصُولُ التَّوْحِيدِ وَأَصْلُ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنِ اخْتَلَفَتْ صِفَتُهَا وَأُصُولُ التَّوْحِيدِ وَالطَّاعَةِ جَمِيعًا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنَّا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى فَمَعْنَاهُ أَخَصُّ بِهِ لِمَا ذَكَرَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2366] مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ فَيَسْتَهِلُّ صارخا من نخسة الشيطان الا بن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ) هَذِهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ اخْتِصَاصُهَا بِعِيسَى وَأُمِّهِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ جميع الانبياء يتشاركون فِيهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2367] (صِيَاحُ الْمَوْلُودِ حِينَ يَقَعُ نَزْغَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ) أَيْ حِينَ يَسْقُطُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ وَمَعْنَى

(باب من فضائل إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم)

نَزْغَةٍ نَخْسَةٌ وَطَعْنَةٌ ومِنْهُ قَوْلُهُمُ نَزَغَهُ بِكَلِمَةِ سُوءٍ أَيْ رَمَاهُ بِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2368] (رَأَى عِيسَى رَجُلًا يَسْرِقُ فَقَالَ لَهُ عِيسَى سَرَقْتَ قَالَ كَلَّا وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَقَالَ عِيسَى آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَذَّبْتُ نَفْسِي) قَالَ الْقَاضِي ظَاهِرُ الْكَلَامِ صَدَّقْتُ مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَكَذَّبْتُ مَا ظَهَرَ لي من ظاهر سرقته فلعله اخذ ماله فِيهِ حَقٌّ أَوْ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ أَوْ لَمْ يَقْصِدِ الْغَصْبَ وَالِاسْتِيلَاءَ أَوْ ظَهَرَ لَهُ مِنْ مديده أَنَّهُ أَخَذَ شَيْئًا فَلَمَّا حَلَفَ لَهُ أَسْقَطَ ظَنَّهُ وَرَجَعَ عَنْهُ (بَاب مِنْ فَضَائِلِ إِبْرَاهِيمِ الْخَلِيلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَوْلُهُ [2369] (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا تَوَاضُعًا وَاحْتِرَامًا لِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخُلَّتِهِ وَأُبُوَّتِهِ وإلافنبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ الِافْتِخَارَ وَلَا التَّطَاوُلَ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَهُ بَلْ قَالَهُ بَيَانًا لِمَا أُمِرَ بِبَيَانِهِ وَتَبْلِيغِهِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فَخْرَ لِيَنْفِيَ مَا قَدْ يَتَطَرَّقُ إِلَى بَعْضِ

الْأَفْهَامِ السَّخِيفَةِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ فَإِنْ قِيلَ التَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ هَذَا خَبَرٌ فَلَا يَدْخُلُهُ خَلْفٌ وَلَا نَسْخٌ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يُمْتَنَعُ أَنَّهُ أَرَادَ أَفْضَلَ الْبَرِيَّةِ الْمَوْجُودِينَ فِي عَصْرِهِ وَأَطْلَقَ الْعِبَارَةَ الْمُوهِمَةَ لِلْعُمُومِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّوَاضُعِ وَقَدْ جَزَمَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ بِمَعْنَى هَذَا فَقَالَ الْمُرَادُ أَفْضَلُ بَرِيَّةِ عَصْرِهِ وَأَجَابَ الْقَاضِي عَنِ التَّأْوِيلِ الثَّانِي بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ خَبَرًا فَهُوَ مِمَّا يَدْخُلُهُ النَّسْخُ مِنَ الْأَخْبَارِ لِأَنَّ الْفَضَائِلَ يَمْنَحُهَا اللَّهُ تَعَالَى لِمَنْ يَشَاءُ فَأَخْبَرَ بِفَضِيلَةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَى أَنْ عَلِمَ تَفْضِيلَ نَفْسِهِ فَأَخْبَرَ بِهِ وَيَتَضَمَّنُ هَذَا جَوَازَ التَّفَاضُلِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَيُجَابُ عَنْ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْهُ بِالْأَجْوِبَةِ السَّابِقَةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْفَضَائِلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم [2370] (اختتن ابراهيم النبي وهو بن ثَمَانِينَ سَنَةٍ بِالْقَدُومِ) رُوَاةُ مُسْلِمٍ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَخْفِيفِ الْقَدُومِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ الْخِلَافُ فِي تَشْدِيدِهِ وَتَخْفِيفِهِ قَالُوا وَآلَةُ النَّجَّارِ يُقَالُ لَهَا قَدُومٌ بِالتَّخْفِيفِ لَا غَيْرُ وَأَمَّا الْقَدُومُ مَكَانٌ بِالشَّامِّ فَفِيهِ التَّخْفِيفُ فَمَنْ رَوَاهُ بِالتَّشْدِيدِ اراد القرية ومن رواه بالتخفيف يحتمل الْقَرْيَةُ وَالْآلَةُ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى التَّخْفِيفِ وَعَلَى إِرَادَةِ الآلة وهذا الذي وقع هنا وهو بن ثمانين سنة هوالصحيح ووقع في الموطأ وهو بن مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وهو متأول اومردود وَسَبَقَ بَيَانُ حُكْمِ الْخِتَانِ فِي

أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي خِصَالِ الْفِطْرَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [151] (نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ وَاضِحًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2371] (لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ عليه السلام إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ إِنِّي سَقِيمٌ وَقَوْلُهُ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا وَوَاحِدَةً فِي شَأْنِ سَارَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ إِنْ سَأَلَكِ فَأَخْبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِي فَإِنَّكِ أُخْتِي فِي الْإِسْلَامِ

قَالَ الْمَازِرِيُّ أَمَّا الْكَذِبُ فِيمَا طَرِيقُهُ الْبَلَاغُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ مِنْهُ سَوَاءٌ كثيره وقليله واما مالا يَتَعَلَّقُ بِالْبَلَاغِ وَيُعَدُّ مِنَ الصِّفَاتِ كَالْكَذْبَةِ الْوَاحِدَةِ فِي حَقِيرٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا فَفِي إِمْكَانِ وُقُوعِهِ مِنْهُمْ وَعِصْمَتِهِمْ مِنْهُ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الصَّحِيحُ أَنَّ الْكَذِبَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَلَاغِ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ مِنْهُمْ سَوَاءٌ جَوَّزْنَا الصَّغَائِرَ مِنْهُمْ وَعِصْمَتَهُمْ مِنْهُ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ قَلَّ الْكَذِبُ أَمْ كَثُرَ لِأَنَّ مَنْصِبَ النُّبُوَّةِ يَرْتَفِعُ عَنْهُ وَتَجْوِيزُهُ يَرْفَعُ الْوُثُوقَ بِأَقْوَالِهِمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَاحِدَةً فِي شَأْنِ سَارَةَ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْكَذَبَاتِ الْمَذْكُورَةَ إِنَّمَا هِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى فَهْمِ الْمُخَاطَبِ وَالسَّامِعِ وَأَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَيْسَتْ كَذِبًا مَذْمُومًا لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَرَّى بِهَا فَقَالَ فِي سَارَةَ أُخْتِي فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ وَسَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَأْوِيلَ اللَّفْظَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ كذبا لاتورية فِيهِ لَكَانَ جَائِزًا فِي دَفْعِ الظَّالِمِينَ وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَاءَ ظَالِمٌ يَطْلُبُ إِنْسَانًا مُخْتَفِيًا لِيَقْتُلَهُ أَوْ يَطْلُبُ وَدِيعَةً لِإِنْسَانٍ لِيَأْخُذَهَا غَصْبًا وَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَى مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ إِخْفَاؤُهُ وَإِنْكَارُ الْعِلْمِ بِهِ وَهَذَا كَذِبٌ جَائِزٌ بَلْ وَاجِبٌ لِكَوْنِهِ فِي دَفْعِ الظَّالِمِ فَنَبَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْكَذَبَاتِ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي مُطْلَقِ الْكَذِبِ الْمَذْمُومِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَأَخْرَجَهَا عَنْ كَوْنِهَا كَذِبًا قَالَ وَلَا مَعْنَى لِلِامْتِنَاعِ مِنْ إِطْلَاقِ لَفْظٍ أَطْلَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ أَمَّا إِطْلَاقُ لَفْظِ الْكَذِبِ عَلَيْهَا فَلَا يُمْتَنَعُ لِوُرُودِ الْحَدِيثِ بِهِ وَأَمَّا تَأْوِيلُهَا فَصَحِيحٌ لَا مَانِعَ مِنْهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْوَاحِدَةُ الَّتِي فِي شَأْنِ سَارَةَ هِيَ أَيْضًا فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا سَبَبُ

دَفْعِ كَافِرٍ ظَالِمٍ عَنْ مُوَاقَعَةِ فَاحِشَةٍ عَظِيمَةٍ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ فَقَالَ مَا فِيهَا كَذْبَةٌ إِلَّا بِمَا حَلَّ بِهَا عَنِ الْإِسْلَامِ أَيْ يُجَادِلُ وَيُدَافِعُ قَالُوا وانما خص الثنتين بِأَنَّهُمَا فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لِكَوْنِ الثَّالِثَةِ تَضَمَّنَتْ نَفْعًا لَهُ وَحَظًّا مَعَ كَوْنِهَا فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَكَرُوا فِي قَوْلِهِ إِنِّي سَقِيمٌ أَيْ سَأَسْقُمُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ عُرْضَةٌ لِلْأَسْقَامِ وَأَرَادَ بِذَلِكَ الِاعْتِذَارَ عَنِ الْخُرُوجِ مَعَهُمْ إِلَى عِيدِهِمْ وَشُهُودِ بَاطِلِهِمْ وَكُفْرِهِمْ وَقِيلَ سَقِيمٌ بِمَا قُدِّرَ عَلَيَّ مِنَ الْمَوْتِ وَقِيلَ كَانَتْ تَأْخُذُهُ الْحُمَّى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَأَمَّا قَوْلُهُ بَلْ فعله كبيرهم فقال بن قُتَيْبَةَ وَطَائِفَةٌ جَعَلَ النُّطْقَ شَرْطًا لِفِعْلِ كَبِيرِهِمْ أَيْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ وَقَالَ الْكَسَائِيُّ يُوقَفُ عِنْدَ قَوْلِهِ بَلْ فَعَلَهُ أَيْ فَعَلَهُ فَاعِلُهُ فَأَضْمَرَ ثُمَّ يَبْتَدِئُ فَيَقُولُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ عَنْ ذَلِكَ الْفَاعِلِ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهَا عَلَى ظَاهِرِهَا وَجَوَابُهَا مَا سَبَقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَلَكَ اللَّهُ) أَيْ شَاهِدًا وَضَامِنًا أَنْ لَا أَضُرَّكَ قَوْلُهُ (مَهْيَمَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ بَيْنَهُمَا أَيْ مَا شأنك وماخبرك وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ مَهِيمًا بِالْأَلْفِ وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ قَوْلُهَا (وَأَخْدَمَ خَادِمًا) أَيْ وَهَبَنِي خَادِمًا وَهِيَ هَاجَرَ وَيُقَالُ آجَرَ بِمَدِّ الْأَلْفِ وَالْخَادِمُ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَتِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ) قَالَ كَثِيرُونَ الْمُرَادُ بِبَنِي مَاءِ السَّمَاءِ الْعَرَبُ كُلُّهُمْ لِخُلُوصِ نَسَبِهِمْ وَصَفَائِهِ وَقِيلَ لان اكثرهم اصحاب مواش وَعَيْشَهُمْ مِنَ الْمَرْعَى وَالْخِصْبِ وَمَا يَنْبُتُ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَقَالَ الْقَاضِي الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْأَنْصَارُ خَاصَّةً وَنِسْبَتُهُمْ إِلَى جَدِّهِمْ عَامِرِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَدَدِ وَكَانَ يُعْرَفُ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ بِذَلِكَ وَالْأَنْصَارُ كُلُّهُمْ مِنْ وَلَدِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عامر

(باب من فضائل موسى صلى الله عليه وسلم)

الْمَذْكُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَاب مِنْ فَضَائِلِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَوْلُهُ [339] (إِنَّهُ آدَرُ) بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ رَاءٍ وَهُوَ عَظِيمُ الْخُصْيَتَيْنِ وَجَمَعَ الْحَجَرَ أَيْ ذَهَبَ مُسْرِعًا إِسْرَاعًا بَلِيغًا وَطَفِقَ ضَرْبًا أَيْ جَعَلَ يَضْرِبُ يُقَالُ طَفِقَ يَفْعَلُ كَذَا وَطَفِقَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَجَعَلَ وَأَخَذَ وَأَقْبَلَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَأَمَّا النَّدَبُ فَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَالدَّالِ وَأَصْلُهُ أَثَرُ الْجُرْحِ إِذَا لَمْ يَرْتَفِعْ عَنِ الْجِلْدِ وَقَوْلُهُ (ثَوْبِي حَجَرُ) اي دع ثوبي ياحجر قَوْلُهُ (فَمَا تَوَارَتْ يَدُكَ مِنْ شَعْرَةٍ فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِهَا سَنَةً) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ تَوَارَتْ وَمَعْنَاهُ وَارَتْ وَسَتَرَتْ

قوله (فاغتسل عند مويه) وَهَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَمُعْظَمِ غَيْرِهَا مُوَيْهٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَهُوَ تَصْغِيرُ مَاءٍ وَأَصْلُهُ مَوْهٌ وَالتَّصْغِيرُ يَرُدُّ الْأَشْيَاءَ إِلَى أُصُولِهَا وَقَالَ الْقَاضِي وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مُوَيْهٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَفِي مُعْظَمِهَا مَشْرَبَةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ وَهِيَ حُفْرَةٌ فِي أَصْلِ النَّخْلَةِ يُجْمَعُ الْمَاءُ فِيهَا لِسَقْيِهَا قَالَ الْقَاضِي وَأَظُنُّ الْأَوَّلَ تَصْحِيفًا كَمَا سَبَقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّ فِيهِ مُعْجِزَتَيْنِ ظَاهِرَتَيْنِ لِمُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَاهُمَا مَشْيُ الْحَجْرِ بِثَوْبِهِ إِلَى مَلَأِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالثَّانِيَةُ حُصُولُ النَّدَبِ فِي الْحَجَرِ وَمِنْهَا وُجُودُ التَّمْيِيزِ فِي الْجَمَادِ كَالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ وَمِثْلُهُ تَسْلِيمُ الْحَجَرِ بِمَكَّةَ وَحَنِينُ الْجِذْعِ وَنَظَائِرُهُ وَسَبَقَ قَرِيبًا بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطَةً وَمِنْهَا جَوَازُ الْغُسْلِ عُرْيَانًا فِي الْخَلْوَةٍ وَإِنْ كَانَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ أَفْضَلَ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ومالك وجماهير العلماء وخالفهم بن أَبِي لَيْلَى وَقَالَ إِنَّ لِلْمَاءِ سَاكِنًا وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ وَمِنْهَا مَا ابْتُلِيَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ مِنْ أَذَى السُّفَهَاءِ وَالْجُهَّالِ وَصَبْرِهِمْ عَلَيْهِمْ وَمِنْهَا مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ان الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم وسلامه مُنَزَّهُونَ عَنِ النَّقَائِصِ فِي الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ سَالِمُونَ مِنَ الْعَاهَاتِ وَالْمَعَايِبِ قَالُوا وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَا قَالَهُ مَنْ لَا تَحْقِيقَ لَهُ مِنْ أَهْلِ التَّارِيخِ فِي إِضَافَةِ بَعْضِ الْعَاهَاتِ إِلَى بَعْضِهِمْ بَلْ نَزَّهَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ كُلِّ عيب وكل شئ يُبَغِّضُ الْعُيُونَ أَوْ يُنَفِّرُ الْقُلُوبَ قَوْلُهُ [2372] (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ قَالَ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهِ

فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَلَهُ بِمَا غَطَّتْ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ قَالَ أَيْ رَبِّ ثُمَّ مَهْ قَالَ ثُمَّ الْمَوْتُ قَالَ فَالْآنَ فَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ تَحْتَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى فَقَالَ أَجِبْ رَبَّكَ فَلَطَمَ مُوسَى عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ فَفَقَأَهَا وَذَكَرَ نَحْوَ مَا سَبَقَ أَمَّا قَوْلُهُ صَكَّهُ فَهُوَ بِمَعْنَى لَطَمَهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَفَقَأَ عَيْنَهُ بِالْهَمْزِ وَمَتْنُ الثَّوْرِ ظَهْرُهُ وَرَمْيَةُ حَجَرٍ أَيْ قَدْرَ مَا يَبْلُغُهُ وَقَوْلُهُ ثَمَّ مَهْ هِيَ هَاءُ السَّكْتِ وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ أَيْ ثُمَّ مَاذَا يَكُونُ أَحَيَاةٌ أَمْ مَوْتٌ وَالْكَثِيبُ الرَّمَلُ الْمُسْتَطِيلُ المحدودب ومعنى اجب ربك اي الموت ومعناه جئت لقبض روحك وَأَمَّا سُؤَالُهُ الْإِدْنَاءَ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَلِشَرَفِهَا وَفَضِيلَةِ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمَدْفُونِينَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَإِنَّمَا سَأَلَ الْإِدْنَاءَ وَلَمْ يَسْأَلْ نَفْسَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَبْرُهُ مَشْهُورًا عِنْدَهُمْ فَيَفْتَتِنَ بِهِ النَّاسُ وَفِي هَذَا اسْتِحْبَابُ الدَّفْنِ فِي الْمَوَاضِعِ الْفَاضِلَةِ وَالْمَوَاطِنِ الْمُبَارَكَةِ وَالْقُرْبِ مِنْ مَدَافِنِ الصَّالِحِينَ والله اعلم

قَالَ الْمَازِرِيُّ وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ الْمَلَاحِدَةِ هَذَا الْحَدِيثَ وَأَنْكَرَ تَصَوُّرَهُ قَالُوا كَيْفَ يَجُوزُ عَلَى مُوسَى فَقْءُ عَيْنِ مَلَكِ الْمَوْتِ قَالَ وَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْ هَذَا بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قدأذن اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِي هَذِهِ اللَّطْمَةِ وَيَكُونَ ذَلِكَ امْتِحَانًا لِلْمَلْطُومِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَفْعَلُ في خلقه ماشاء وَيَمْتَحِنُهُمْ بِمَا أَرَادَ وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا عَلَى الْمَجَازِ وَالْمُرَادُ أَنَّ مُوسَى نَاظَرَهُ وَحَاجَّهُ فَغَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ وَيُقَالُ فَقَأَ فُلَانٌ عَيْنَ فُلَانٍ إِذَا غالبه بالحجة ويقال عورت الشئ إِذَا أَدْخَلْتُ فِيهِ نَقْصًا قَالَ وَفِي هَذَا ضَعْفٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ اللَّهُ عَيْنَهُ فَإِنْ قِيلَ أَرَادَ رَدَّ حُجَّتَهُ كَانَ بَعِيدًا وَالثَّالِثُ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَلَكٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَظَنَّ أَنَّهُ رَجُلٌ قَصَدَهُ يُرِيدُ نَفْسَهُ فَدَافَعَهُ عَنْهَا فَأَدَّتِ الْمُدَافَعَةُ إِلَى فَقْءِ عَيْنِهِ لَا أَنَّهُ قَصَدَهَا بِالْفَقْءِ وَتُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ صَكَّهُ وَهَذَا جَوَابُ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَاخْتَارَهُ الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ قَالُوا وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ تَعَمَّدَ فَقْءَ عَيْنِهِ فَإِنْ قِيلَ فَقَدِ اعْتَرَفَ مُوسَى حِينَ جَاءَهُ ثَانِيًا

بِأَنَّهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَتَاهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ بِعَلَامَةٍ عَلِمَ بِهَا أَنَّهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فَاسْتَسْلَمَ بِخِلَافِ الْمَرَّةِ الْأُولَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَالْآنَ مِنْ قَرِيبٍ رب أمتني بالارض المقدسة رميه بحجرهكذا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ أَمِتْنِي بِالْمِيمِ وَالتَّاءِ وَالنُّونِ مِنَ الْمَوْتِ وَفِي بَعْضِهَا أَدْنِنِي بِالدَّالِ وَنُونَيْنِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ) فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَتَأْوِيلُهُ مَبْسُوطًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْفَضَائِلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2373] (يُنْفَخُ فِي الصور فيصعق من في السماوات ومن في الارض الا من شاء اللَّهُ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَحُوسِبَ بِصَعْقَةِ يَوْمِ الطُّورِ أَوْ بُعِثَ قَبْلِي) وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي أَمْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى الصَّعْقُ وَالصَّعْقَةُ الْهَلَاكُ وَالْمَوْتُ وَيُقَالُ مِنْهُ صَعِقَ الْإِنْسَانُ وَصَعِقَ بِفَتْحِ الصَّادِ وَضَمِّهَاِ وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمُ الضَّمَّ وَصَعَقَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِفَتْحِ الصَّادِ وَالْعَيْنِ وَأَصْعَقَتْهُمْ وَبَنُو تَمِيمٍ يَقُولُونَ الصَّاقِعَةُ بِتَقْدِيمِ الْقَافِ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا مِنْ أَشْكَلِ الْأَحَادِيثِ لِأَنَّ مُوسَى قَدْ مَاتَ فَكَيْفَ تُدْرِكُهُ الصَّعْقَةُ

وَإِنَّمَا تَصْعَقُ الْأَحْيَاءَ قَوْلُهُ (مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ حَيًّا وَلَمْ يَأْتِ أَنَّ مُوسَى رَجَعَ إِلَى الْحَيَاةِ وَلَا أَنَّهُ حَيٌّ كَمَا جَاءَ فِي عِيسَى وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذِهِ الصَّعْقَةَ صَعْقَةُ فَزَعٍ بعد البعث حين تنشق السماوات وَالْأَرْضُ فَتَنْتَظِمُ حِينَئِذٍ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَاقَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ أَفَاقَ مِنَ الْغَشْيِ وَأَمَّا الْمَوْتُ فَيُقَالُ بُعِثَ مِنْهُ وَصَعْقَةُ الطُّورِ لَمْ تَكُنْ مَوْتًا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ إِنْ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُ شَخْصٍ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مِنَ الزُّمْرَةِ الَّذِينَ هُمْ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُمُ الْأَرْضُ فَيَكُونُ مُوسَى مِنْ تلك الزمرة

وَهِيَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ زُمْرَةُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى) وَفِي [2376] رِوَايَةٍ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ لِي يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى وَفِي [2377] رِوَايَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ فَلَمَّا عَلِمَ ذَلِكَ قَالَ أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَمْ يَقُلْ هُنَا إِنَّ يُونُسَ أَفْضَلُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَالثَّانِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذَا زَجْرًا عَنْ أَنْ يَتَخَيَّلَ أَحَدٌ مِنَ الْجَاهِلِينَ شَيْئًا مِنْ حَطِّ مَرْتَبَةِ يُونُسَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ مَا فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ مِنْ قِصَّتِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَمَا جَرَى لِيُونُسَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحُطَّهُ مِنَ النُّبُوَّةِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَخَصَّ يُونُسَ بِالذِّكْرِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ ذِكْرِهِ فِي الْقُرْآنِ بِمَا ذكر وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ فَالضَّمِيرُ فِي أَنَا قِيلَ يَعُودُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ يَعُودُ إِلَى الْقَائِلِ أَيْ لَا يَقُولُ ذَلِكَ بَعْضُ الْجَاهِلِينَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي عِبَادَةٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَضَائِلِ فَإِنَّهُ لَوْ بلغ من الفضاء

ما بلغ لم يبلغ درجة النُّبُوَّةَ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ الرِّوَايَةُ الَّتِي قَبْلَهُ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2375] (مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي أَوَاخِرِ كتاب الايمان عند ذكر موسى وعيسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(باب من فضائل يوسف صلى الله عليه وسلم قوله [2378] (قيل يا

(باب من فضائل يوسف صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ [2378] (قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ قَالَ أَتْقَاهُمْ لِلَّهِ قَالُوا لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ قَالَ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ بْنُ نَبِيِّ اللَّهِ بْنِ خَلِيلِ اللَّهِ قَالُوا لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ قَالَ فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تسالوني خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا) هَكَذَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ نَبِيُّ اللَّهِ بْنُ نَبِيِّ اللَّهِ بْنِ خَلِيلِ اللَّهِ وَفِي رِوَايَاتٍ لِلْبُخَارِيِّ كَذَلِكَ وَفِي بَعْضِهَا نَبِيُّ اللَّهِ بْنُ نَبِيِّ اللَّهِ بْنِ نَبِيِّ اللَّهِ بْنِ خَلِيلِ اللَّهِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْأَصْلُ وَأَمَّا الْأُولَى فَمُخْتَصَرَةٌ مِنْهَا فَإِنَّهُ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَسَبَهُ فِي الْأُولَى إِلَى جَدِّهِ وَيُقَالُ يُوسُفُ بِضَمِّ السِّينِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا مَعَ الْهَمْزِ وَتَرْكِهِ فَهِيَ سِتَّةُ أَوْجُهٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَأَصْلُ الْكَرَمِ كَثْرَةُ الْخَيْرِ وَقَدْ جَمَعَ يُوسُفُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ مَعَ شَرَفِ النُّبُوَّةِ مَعَ شَرَفِ النَّسَبِ وَكَوْنُهُ نَبِيًّا بن ثَلَاثَةِ أَنْبِيَاءَ مُتَنَاسِلِينَ أَحَدُهُمْ خَلِيلُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْضَمَّ إِلَيْهِ شَرَفُ عِلْمِ الرُّؤْيَا وَتَمَكُّنِهِ فِيهِ وَرِيَاسَةِ الدُّنْيَا وَمُلْكِهَا بِالسِّيرَةِ الْجَمِيلَةِ وَحِيَاطَتِهِ لِلرَّعِيَّةِ وَعُمُومِ نَفْعِهِ إِيَّاهُمْ وَشَفَقَتِهِ عَلَيْهِمْ وَإِنْقَاذِهِ إِيَّاهُمْ مِنْ تِلْكَ السِّنِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعُلَمَاءُ لَمَّا)

(باب من فضل زكريا صلى الله عليه وسلم)

سُئِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ أَخْبَرَ بِأَكْمَلِ الْكَرَمِ وَأَعَمِّهِ فَقَالَ أَتْقَاهُمْ لِلَّهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَصْلَ الْكَرَمِ كَثْرَةُ الْخَيْرِ وَمَنْ كَانَ مُتَّقِيًا كَانَ كَثِيرَ الْخَيْرِ وَكَثِيرَ الْفَائِدَةِ فِي الدُّنْيَا وَصَاحِبَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَا فِي الْآخِرَةِ فَلَمَّا قَالُوا لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ قَالَ يُوسُفُ الَّذِي جَمَعَ خَيْرَاتِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا وَشَرَفَهُمَا فَلَمَّا قَالُوا لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُ فَهِمَ عَنْهُمْ أَنَّ مُرَادَهُمْ قَبَائِلُ الْعَرَبِ قَالَ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا وَمَعْنَاهُ أَنَّ أَصْحَابَ الْمُرُوءَاتِ وَمَكَارِمِ الأخلاق في الجاهلية اذا اسلموا وفقهوا فَهُمْ خِيَارُ النَّاسِ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ تَضَمَّنَ الْحَدِيثُ فِي الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْكَرَمَ كُلَّهُ عُمُومَهُ وَخُصُوصَهُ وَمُجْمَلَهُ وَمُبَانَهُ إِنَّمَا هُوَ الدِّينُ مِنَ التَّقْوَى وَالنُّبُوَّةِ وَالْإِعْرَاقِ فِيهَا وَالْإِسْلَامِ مَعَ الْفِقْهِ وَمَعْنَى مَعَادِنِ الْعَرَبِ أُصُولُهَا وَفَقُهُوا بِضَمِّ الْقَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا أَيْ صَارُوا فُقَهَاءَ عَالَمِينَ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفِقْهِيَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب من فضل زكريا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم [2379] (كان زكريا نَجَّارًا) فِيهِ جَوَازُ الصَّنَائِعِ وَأَنَّ النِّجَارَةَ لَا تُسْقِطُ الْمُرُوءَةَ وَأَنَّهَا صَنْعَةٌ فَاضِلَةٌ وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِزَكَرِيَّاءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ صَانِعًا يَأْكُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَقَدْ ثَبَتَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ كان يأكل من عمل يده وفي زكريا خَمْسُ لُغَاتٍ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ وَزَكَرِيُّ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ وَزَكَرٌ كَعَلَمٍ (بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ الْخَضِرِ صَلَّى الله عليه وسلم) جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ مَوْجُودٌ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ وَأَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْمَعْرِفَةِ وَحِكَايَاتُهُمْ فِي رُؤْيَتِهِ وَالِاجْتِمَاعِ بِهِ وَالْأَخْذِ عَنْهُ وَسُؤَالِهِ وَجَوَابِهِ وَوُجُودِهِ فِي الْمَوَاضِعِ

الشَّرِيفَةِ وَمَوَاطِنِ الْخَيْرِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَرَ وَأَشْهَرُ مِنْ ان يستر وقال الشيخ ابو عمر بْنُ الصَّلَاحِ هُوَ حَيٌّ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالْعَامَّةُ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ قَالَ وَإِنَّمَا شَذَّ بِإِنْكَارِهِ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ قَالَ الْحِبْرِيُّ الْمُفَسِّرُ وَأَبُو عَمْرٍو هُوَ نَبِيٌّ وَاخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهِ مُرْسَلًا وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ وَكَثِيرُونَ هُوَ وَلِيٌّ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا نَبِيٌّ وَالثَّانِي وَلِيٌّ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَهَذَا غَرِيبٌ بَاطِلٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْخَضِرِ هَلْ هُوَ نَبِيٌّ أَوْ وَلِيٌّ قَالَ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِنُبُوَّتِهِ بِقَوْلِهِ وَمَا فَعَلْتُهُ عن امري فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ نَبِيٌّ أُوحِيَ إِلَيْهِ وَبِأَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْ مُوسَى وَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ وَلِيٌّ أَعْلَمَ مِنْ نَبِيٍّ وَأَجَابَ الْآخَرُونَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيٍّ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ أَنْ يَأْمُرَ الْخَضِرَ بِذَلِكَ وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ الْمُفَسِّرُ الْخَضِرُ نَبِيٌّ مُعَمَّرٌ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ مَحْجُوبٌ عَنِ الْأَبْصَارِ يَعْنِي عَنْ أَبْصَارِ أَكْثَرِ النَّاسِ قَالَ وَقِيلَ إِنَّهُ لَا يَمُوتُ إِلَّا فِي آخِرِ الزَّمَانِ حِينَ يُرْفَعُ الْقُرْآنُ وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فِي أَنَّ الْخَضِرَ كَانَ مِنْ زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ أَمْ بِكَثِيرٍ كُنْيَةُ الْخَضِرِ أَبُو الْعَبَّاسِ وَاسْمُهُ بَلْيَا بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ لَامٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تحت بن مَلْكَانَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَقِيلَ كَلْيَانَ قال بن قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ اسْمُ الْخَضِرِ بَلْيَا بْنُ مَلْكَانَ بْنِ فَالِغَ بْنِ عَابِرَ بْنِ شالِخَ بْنِ أَرْفَخْشَدَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ قَالُوا وَكَانَ أَبُوهُ مِنَ الْمُلُوكِ وَاخْتَلَفُوا فِي لَقَبِهِ الْخَضِرِ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَصَارَتْ خَضْرَاءَ وَالْفَرْوَةُ وَجْهُ الْأَرْضِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا صَلَّى اخْضَرَّ مَا حَوْلَهُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ فَقَدْ صَحَّ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِرُ لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ مِنْ خَلْفِهِ خَضْرَاءَ وَبَسَطْتُ أَحْوَالَهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ [2380] (إِنَّ نَوْفًا الْبِكَالِيَّ) هَكَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ الْكَافِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِهَا وَتَشْدِيدِ الْكَافِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا الثَّانِي هُوَ ضَبْطُ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ قَالَ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي بِكَالٍ بَطْنٍ مِنْ حِمْيَرَ وَقِيلَ مِنْ هَمْدَانَ ونوف هذا هوابن فضالة كذا قاله بن دريد وغيره

وهو بن امرأة كعب الاحبار وقيل بن اخيه والمشهور الاول قاله بن أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَكُنْيَتُهُ أَبُو يَزِيدَ وَقِيلَ أَبُوْ رُشْدٍ وَكَانَ عَالِمًا حَكِيمًا قَاضِيًا وَإِمَامًا لِأَهْلِ دِمَشْقَ قَوْلُهُ (كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْإِغْلَاظِ وَالزَّجْرِ عَنْ مِثْلِ قَوْلِهِ لَا أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَدُوُّ اللَّهِ حَقِيقَةً إِنَّمَا قَالَهُ مُبَالَغَةً فِي إِنْكَارِ قَوْلِهِ لِمُخَالَفَتِهِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ غضب بن عَبَّاسٍ لِشِدَّةِ إِنْكَارِهِ وَحَالَ الْغَضَبِ تُطْلَقُ الْأَلْفَاظُ وَلَا تُرَادُ بِهَا حَقَائِقُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَنَا أَعْلَمُ) أَيْ فِي اعْتِقَادِهِ وَإِلَّا فَكَانَ الْخَضِرُ أَعْلَمُ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ) أَيْ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ أَعْلَمُ فان مخلوقات الله تعالى لا يعلمها الاهو قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ الا هو وَاسْتَدَلَّ الْعُلَمَاءُ بِسُؤَالِ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لِقَاءِ الخضر صلى الله عليهما وسلم على استحباب الِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعِلْمِ بِمَحَلٍّ عَظِيمٍ أَنْ يَأْخُذَهُ مِمَّنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَيَسْعَى إِلَيْهِ فِي تَحْصِيلِهِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ طَلَبِ الْعِلْمِ وَفِي تَزَوُّدِهِ الْحُوتَ وَغَيْرَهُ جَوَازُ التَّزَوُّدِ فِي السَّفَرِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَدَبُ مَعَ الْعَالِمِ وَحُرْمَةُ الْمَشَايِخِ وَتَرْكُ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمْ وَتَأْوِيلُ مَا لَا يُفْهَمُ ظَاهِرُهُ مِنْ أَفْعَالِهِمْ وَحَرَكَاتِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَالْوَفَاءُ بِعُهُودِهِمْ وَالِاعْتِذَارُ عِنْدَ مُخَالَفَةِ عَهْدِهِمْ وَفِيهِ إِثْبَاتُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْخَضِرُ وَلِيٌّ وَفِيهِ جَوَازُ سُؤَالِ الطَّعَامِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَجَوَازُ إِجَارَةِ السَّفِينَةِ وَجَوَازُ رُكُوبِ السَّفِينَةِ وَالدَّابَّةِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ بِرِضَى صَاحِبِهِ لقَوْلِهِ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ وَفِيهِ الْحُكْمُ بِالظَّاهِرِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ لِإِنْكَارِ مُوسَى قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِ مُوسَى لَقَدْ جئت شيئا إمرا وَشَيْئًا نُكْرًا أَيُّهُمَا أَشَدُّ فَقِيلَ إِمْرًا لِأَنَّهُ الْعَظِيمُ وَلِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ خَرْقِ السَّفِينَةِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِي الْعَادَةِ هَلَاكُ الَّذِي فِيهَا وَأَمْوَالِهِمْ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِ الْغُلَامِ فَإِنَّهَا نفس واحد وقيل نكرا اشد لانه قَالَهُ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ حَقِيقَةً وَأَمَّا الْقَتْلُ فِي خَرْقِ السَّفِينَةِ فَمَظْنُونٌ وَقَدْ يَسْلَمُونَ فِي العادةوقد سَلِمُوا فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَلَيْسَ

فِيهِ مَا هُوَ مُحَقَّقٌ إِلَّا مُجَرَّدَ الْخَرْقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ تَعَالَى (إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ) قَالَ قَتَادَةُ هُوَ مَجْمَعُ بَحْرَيْ فَارِسٍ وَالرُّومِ مِمَّا يَلِي الْمَشْرِقَ وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ بَأَفْرِيقِيَّةَ قَوْلُهُ (احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ فَحَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ) الْحُوتُ السَّمَكَةُ وَكَانَتْ سَمَكَةً مَالِحَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَالْمِكْتَلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ المثناة فوق وهو القفة والزنبيل وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَتَفْقِدُهُ بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ يَذْهَبُ مِنْكَ يُقَالُ فَقَدَهُ وَافْتَقَدَهُ وَثَمَّ بِفَتْحِ الثَّاءِ أَيْ هُنَاكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ) وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ مَعْنَى فَتَاهُ صَاحِبُهُ وَنُونٌ مَصْرُوفٌ كَنُوحٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِنَّ فَتَاهُ عَبْدٌ لَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ قَالُوا وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونِ بْنِ إِفْرَاثِيمَ بْنِ يُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جِرْيَةَ الْمَاءِ حَتَّى كَانَ مِثْلَ الطَّاقِ) أَمَّا الْجِرْيَةُ فَبِكَسْرِ الْجِيمِ وَالطَّاقُ عَقْدُ الْبِنَاءِ وَجَمْعُهُ طِيقَانٌ وَأَطْوَاقٌ وَهُوَ الْأَزَجُ وَمَا عُقِدَ أَعْلَاهُ مِنَ الْبِنَاءِ وَبَقِيَ مَا تَحْتَهُ خَالِيًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا) ضَبَطُوهُ بِنَصْبِ لَيْلَتِهِمَا وَجَرِّهَا وَالنَّصَبُ التَّعَبُ قَالُوا لَحِقَهُ النَّصَبُ وَالْجُوعُ لِيَطْلُبَ الْغِذَاءَ فَيَتَذَكَّرَ بِهِ نِسْيَانَ الْحُوتِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْصَبْ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي

أُمِرَ بِهِ قَوْلُهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عجبا قِيلَ إِنَّ لَفْظَةَ عَجَبًا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمَامِ كَلَامِ يُوشَعَ وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ مُوسَى أَيْ قَالَ مُوسَى عَجِبْتُ مِنْ هَذَا عَجَبًا وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَاهُ اتَّخَذَ مُوسَى سَبِيلَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا قَوْلُهُ مَا كُنَّا نَبْغِي أَيْ نَطْلُبُ مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي جِئْنَا نَطْلُبُهُ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي نَفْقِدُ فِيهِ الْحُوتَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَرَأَى رَجُلًا مُسَجًّى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ أَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ) الْمُسَجَّى الْمُغَطَّى وَأَنَّى أَيْ مِنْ أَيْنَ السَّلَامُ

فِي هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ فِيهَا السَّلَامُ قَالَ الْعُلَمَاءُ أَنَّى تَأْتِي بِمَعْنَى أَيْنَ وَمَتَى وَحَيْثُ وَكَيْفَ وَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ أَيْ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَالنَّوْلُ وَالنَّوَالُ الْعَطَاءُ قَوْلُهُ لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا قُرِئَ فِي السَّبْعِ بِضَمِّ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَنَصْبِ أَهْلِهَا وبفتح المثناة تحت ورفع اهلها وجئت شيئا إمرا أَيْ عَظِيمًا كَثِيرَ الشِّدَّةِ وَلَا تُرْهِقْنِي أَيْ تغشني وتحملني قوله أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قرئ في السبع زاكية وزكية قَالُوا وَمَعْنَاهُ طَاهِرَةٌ مِنَ الذُّنُوبِ وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ نَفْسٍ أَيْ بِغَيْرِ قِصَاصٍ لَكَ عَلَيْهَا وَالنُّكْرُ الْمُنْكَرُ وَقُرِئَ فِي السَّبْعِ بِإِسْكَانِ الْكَافِ وَضَمِّهَا وَالْأَكْثَرُونَ بِالْإِسْكَانِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَقَوْلُهُ إِذَا غُلَامٌ يَلْعَبُ فَقَتَلَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ صَبِيًّا لَيْسَ بِبَالِغٍ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ الْغُلَامِ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا وَزَعَمَتْ طَائِفَةٌ أَنَّهُ كَانَ بَالِغًا يَعْمَلُ بِالْفَسَادِ وَاحْتَجَّتْ بِقَوْلِهِ اقتلت نفسا زكية بغير نفس فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَالصَّبِيُّ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَبِقَوْلِهِ كَانَ كَافِرًا في قراءة بن عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ التنبيه عَلَى أَنَّهُ قَتَلَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ شَرْعَهُمْ كَانَ إِيجَابَ الْقِصَاصِ عَلَى الصَّبِيِّ كَمَا أَنَّهُ فِي شَرْعِنَا يُؤَاخَذُ بِغَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَاذٌّ لَا حُجَّةَ فِيهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ سَمَّاهُ بِمَا يَؤُولُ إِلَيْهِ لَوْ عَاشَ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ قَدْ بَلَغْتَ من لدني عذرا فيه ثلاث قراآت فِي السَّبْعِ الْأَكْثَرُونَ بِضَمِّ الدَّالِ

وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَالثَّانِيَةُ بِالضَّمِّ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَالثَّالِثَةُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَإِشْمَامِهَا الضَّمَّ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَمَعْنَاهُ قَدْ بَلَغْتَ إِلَى الْغَايَةِ الَّتِي تُعْذَرُ بِسَبَبِهَا فِي فِرَاقِي قَوْلُهُ تَعَالَى فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا اتيا اهل قرية قال الثعلبي قال بن عباس هي انطاكية وقال بن سِيرِينَ الْأَيْلَةُ وَهِيَ أَبْعَدُ الْأَرْضِ مِنَ السَّمَاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ ينقض هَذَا مِنَ الْمَجَازِ لِأَنَّ الْجِدَارَ لَا يَكُونُ لَهُ حَقِيقَةُ إِرَادَةٍ وَمَعْنَاهُ قَرُبَ مِنَ الِانْقِضَاضِ وَهُوَ السُّقُوطُ وَاسْتَدَلَّ الْأُصُولِيُّونَ بِهَذَا عَلَى وُجُودِ الْمَجَازِ فِي الْقُرْآنِ وَلَهُ نَظَائِرُ مَعْرُوفَةٌ قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ كَانَ طُولُ هَذَا الْجِدَارِ إِلَى السَّمَاءِ مِائَةَ ذِرَاعٍ قَوْلُهُ لَوْ شِئْتَ لتخذت عليه اجرا قُرِئَ بِالسَّبْعِ لَتَخِذْتَ بِتَخْفِيفِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَلَاتَّخَذْتَ بِالتَّشْدِيدِ وَفَتْحِ الْخَاءِ أَيْ لَأَخَذْتَ عَلَيْهِ أُجْرَةً تَأْكُلُ بِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَجَاءَ عُصْفُورٌ حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ ثُمَّ نَقَرَ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ لَفْظُ النَّقْصِ هُنَا لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ عِلْمِي وَعِلْمُكُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى كَنِسْبَةِ مَا نَقَرَهُ هَذَا الْعُصْفُورُ إِلَى مَاءِ الْبَحْرِ هَذَا عَلَى التَّقْرِيبِ إِلَى الْأَفْهَامِ وَإِلَّا فَنِسْبَةُ عِلْمِهِمَا أَقَلُّ وَأَحْقَرُ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ فِي جَنْبِ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَمَا أَخَذَ هَذَا الْعُصْفُورُ بِمِنْقَارِهِ أَيْ فِي جَنْبِ مَعْلُومِ اللَّهِ وَقَدْ يطلق العلم

بِمَعْنَى الْمَعْلُومِ وَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ لِإِرَادَةِ الْمَفْعُولِ كَقَوْلِهِمْ رَغْمَ ضَرْبِ السُّلْطَانِ أَيْ مَضْرُوبِهِ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ إِلَّا هُنَا بِمَعْنَى وَلَا أَيْ وَلَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ وَلَا مِثْلَ مَا أَخْذَ هَذَا الْعُصْفُورُ لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَدْخُلُهُ نَقْصٌ قَالَ الْقَاضِي وَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّكَلُّفِ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ كَمَا بَيَّنَّا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كذب نوف) هوجار عَلَى مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْكَذِبَ هُوَ الْإِخْبَارُ عن الشئ خِلَافِ مَا هُوَ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حتى انتهينا إِلَى الصَّخْرَةِ فَعُمِّيَ عَلَيْهِ) وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَفِي بَعْضِهَا بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَفِي بَعْضِهَا بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِثْلُ الْكَوَّةِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَيُقَالُ بِضَمِّهَا وَهِيَ الطاق

كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ (مُسْتَلْقِيًا عَلَى حُلَاوَةِ الْقَفَا) هِيَ وَسَطُ الْقَفَا وَمَعْنَاهُ لَمْ يَمِلْ إِلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ وَهِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا أَفْصَحُهَا الضَّمُّ وَمِمَّنْ حَكَى الْكَسْرَ صَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ وَيُقَالُ أَيْضًا حَلَاوًا بِالْفَتْحِ وَحُلَاوَى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ وَحَلْوَاءُ بِالْمَدِّ قَوْلُهُ (مَجِيءُ مَا جَاءَ بِكَ) قَالَ الْقَاضِي ضَبَطْنَاهُ مجئ مَرْفُوعٌ غَيْرُ مَنَوَّنٍ عَنْ بَعْضِهِمْ وَعَنْ بَعْضِهِمْ مَنُوَّنًا قَالَ وَهُوَ أَظْهَرُ أَيُّ أَمْرٍ عَظِيمٍ جَاءَ بِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (انْتَحَى عَلَيْهَا) أَيِ اعْتَمَدَ عَلَى السَّفِينَةِ وَقَصَدَ

خَرْقَهَا وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّظَرِ فِي الْمَصَالِحِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأُمُورِ وَأَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتْ مَفْسَدَتَانِ دُفِعَ أَعْظَمُهُمَا بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا كَمَا خَرَقَ السَّفِينَةَ لِدَفْعِ غَصْبِهَا وَذَهَابِ جُمْلَتِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَانْطَلَقَ إِلَى أَحَدِهِمْ بَادِيَ الرَّأْيِ فَقَتَلَهُ) بَادِئُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ فَمَنْ هَمَزَهُ مَعْنَاهُ أَوَّلُ الرَّأْيِ وَابْتِدَاؤُهُ أَيِ انْطَلَقَ إِلَيْهِ مُسَارِعًا إِلَى قَتْلِهِ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْ فَمَعْنَاهُ ظَهَرَ لَهُ رَأْيٌ فِي قَتْلِهِ مِنَ الْبَدْءِ وَهُوَ ظُهُورُ رَأْيٍ لَمْ يَكُنْ قَالَ الْقَاضِي وَيُمَدُّ الْبَدْءُ وَيُقْصَرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى قَالَ وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى أَخِي كَذَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا) قَالَ أَصْحَابُنَا فِيهِ اسْتِحْبَابُ ابْتِدَاءِ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ فِي الدُّعَاءِ وَشِبْهِهِ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ وَأَمَّا حُظُوظُ الدُّنْيَا فَالْأَدَبُ فِيهَا الْإِيثَارُ وَتَقْدِيمُ غَيْرِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِابْتِدَاءِ فِي عُنْوَانِ الْكِتَابِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ كَثِيرُونَ مِنَ السَّلَفِ وَجَاءَ بِهِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِنَفْسِهِ فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ فَيُقَالُ مِنْ فُلَانٍ إِلَى فُلَانٍ وَمِنْهُ حَدِيثُ كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَبْدَأُ بِالْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ فَيَقُولُ إِلَى فُلَانٍ مِنْ فُلَانٍ قَالُوا إِلَّا أَنْ يَكْتُبَ الْأَمِيرُ إِلَى مَنْ دُونَهُ أَوِ السَّيِّدُ إِلَى عَبْدِهِ أَوِ الْوَالِدُ إِلَى وَلَدِهِ وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَكِنْ أَخَذْتُهُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَمَامَةً) هِيَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ

أَيِ اسْتِحْيَاءً لِتَكْرَارِ مُخَالَفَتِهِ وَقِيلَ مَلَامَةً وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَطُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا) قَالَ الْقَاضِي فِي هَذَا حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ لِصِحَّةِ أَصْلِ مَذْهَبِهِمْ فِي الطَّبْعِ وَالرَّيْنِ وَالْأَكِنَّةِ وَالْأَغْشِيَةِ وَالْحُجُبِ وَالسَّدِّ وَأَشْبَاهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي الشَّرْعِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى بِقُلُوبِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا ضِدَّ الْإِيمَانِ وَضِدَّ الْهُدَى وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْعَبْدَ لَا قُدْرَةَ لَهُ إِلَّا مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَسَّرَهُ لَهُ وَخَلَقَهُ لَهُ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ لِلْعَبْدِ فِعْلًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَقُدْرَةً عَلَى الْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَأَنَّ مَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ نِسْبَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَصْحَابِهَا وَحُكْمُهُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعْنَاهَا خَلَقَهُ عَلَامَةً لِذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ وَالْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يشاء من الخير والشر لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون وَكَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الذَّرِّ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي وَهَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَلَا أُبَالِي فَالَّذِينَ قَضَى لَهُمْ بِالنَّارِ طَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَخَتَمَ عَلَيْهَا وَغَشَّاهَا وَأَكَنَّهَا وَجَعَلَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهَا سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهَا سَدًّا وَحِجَابًا مَسْتُورًا وَجَعَلَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضًا لِتَتِمَّ سابقته فيهم وتمضي كلمته لاراد لِحُكْمِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِأَمْرِهِ وَقَضَائِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ أَطْفَالُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ فِيهِمْ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ الصَّحِيحُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَالثَّانِي فِي النَّارِ وَالثَّالِثُ يَتَوَقَّفُ عن الكلام فيهم فلا يحكم لهم بشئ وَتَقَدَّمَتْ دَلَائِلُ الْجَمِيعِ وَلِلْقَائِلَيْنِ بِالْجَنَّةِ أَنْ يَقُولُوا فِي جَوَابِ هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ عَلِمَ اللَّهُ لَوْ بَلَغَ لَكَانَ كَافِرًا قَوْلُهُ (وَكَانَ أَبَوَاهُ قَدْ عَطَفَا عَلَيْهِ فَلَوْ أَدْرَكَ أَرْهَقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا) أَيْ حَمَلَهُمَا عَلَيْهِمَا وَأَلْحَقَهُمَا بِهِمَا وَالْمُرَادُ بِالطُّغْيَانِ هُنَا الزِّيَادَةُ فِي الضَّلَالِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ دَلَائِلِ مَذْهَبِ

أَهْلِ الْحَقِّ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا كَانَ وَبِمَا يَكُونُ وَبِمَا لَا يَكُونُ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قرطاس فلمسوه بايديهم لقال الذين كفروا الْآيَةَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رجلا وللبسنا عليهم وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ قَوْلُهُ تَعَالَى خَيْرًا منه زكاة واقرب رحما قِيلَ الْمُرَادُ بِالزَّكَاةِ الْإِسْلَامُ وَقِيلَ الصَّلَاحُ وَأَمَّا الرُّحْمُ فَقِيلَ مَعْنَاهُ الرَّحْمَةُ لِوَالِدَيْهِ وَبِرُّهُمَا وَقِيلَ الْمُرَادُ يَرْحَمَانِهِ قِيلَ أَبْدَلَهُمَا اللَّهُ بِنْتًا صَالِحَةً وَقِيلَ ابْنًا حَكَاهُ الْقَاضِي قَوْلُهُ (تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ) أَيْ تَنَازَعَا وَتَجَادَلَا وَالْحُرُّ بِالْحَاءِ وَالرَّاءِ وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْقَوَاعِدِ وَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالْآدَابِ وَالنَّفَائِسِ الْمُهِمَّةِ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مُعْظَمِهَا سِوَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْهَا وَمِمَّا لَمْ يَسْبِقْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَى الْعَالِمِ وَالْفَاضِلِ أَنْ يَخْدُمَهُ الْمَفْضُولُ وَيَقْضِيَ لَهُ حَاجَةً وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى تَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَالْآدَابِ بَلْ مِنْ مَرُوءَاتِ الْأَصْحَابِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ وَدَلِيلُهُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ حَمْلُ فَتَاهُ غَدَاءَهُمَا وَحَمْلُ أَصْحَابِ السَّفِينَةِ موسى والخضر

بِغَيْرِ أُجْرَةٍ لِمَعْرِفَتِهِمُ الْخَضِرَ بِالصَّلَاحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْهَا الْحَثُّ عَلَى التَّوَاضُعِ فِي عِلْمِهِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَا يَدَّعِي أَنَّهُ أَعْلَمُ النَّاسِ وَأَنَّهُ إِذَا سُئِلَ عَنْ أَعْلَمِ النَّاسِ يَقُولُ اللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْهَا بَيَانُ أَصْلٍ عَظِيمٍ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ وُجُوبُ التَّسْلِيمِ لِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ لَا تَظْهَرُ حِكْمَتُهُ لِلْعُقُولِ وَلَا يَفْهَمُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ وَقَدْ لَا يَفْهَمُونَهُ كُلُّهُمْ كَالْقَدَرِ مَوْضِعُ الدَّلَالَةِ قَتْلُ الْغُلَامِ وَخَرْقُ السَّفِينَةِ فَإِنَّ صُورَتَهُمَا صُورَةُ الْمُنْكَرِ وَكَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَهُ حِكَمٌ بَيِّنَةٌ لَكِنَّهَا لَا تَظْهَرُ لِلْخَلْقِ فَإِذَا أَعْلَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلِمُوهَا وَلِهَذَا قَالَ وَمَا فعلته عن امري يَعْنِي بَلْ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى

كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم

( كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم) قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْضِيلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ عَلَى بَعْضٍ فقالت طائفة لا نفاضل بَلْ نُمْسِكُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ الْجُمْهُورُ بِالتَّفْضِيلِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَفْضَلُهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَقَالَ الْخَطَّابِيَّةُ أَفْضَلُهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَالَتِ الرَّاوَنْدِيَّةُ أَفْضَلُهُمُ الْعَبَّاسُ وَقَالَتِ الشِّيعَةُ عَلِيٌّ وَاتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ قَالَ جُمْهُورُهُمْ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِتَقْدِيمِ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ تَقْدِيمُ عُثْمَانَ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ أَصْحَابُنَا مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ تَمَامُ الْعَشَرَةِ ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ ثُمَّ أُحُدٍ ثُمَّ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَمِمَّنْ لَهُ مَزِيَّةُ أَهْلُ الْعَقَبَتَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَكَذَلِكَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ وَهُمْ مَنْ صَلَّى إلى القبلتين في قول بن الْمُسَيِّبِ وَطَائِفَةٍ وَفِي قَوْلِ الشَّعْبِيِّ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَفِي قَوْلِ عَطَاءٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أَهْلُ بَدْرٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ منهم بن عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِمَّنْ بَقِيَ بَعْدَهُ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ غير مرضي وَلَا مَقْبُولٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ التَّفْضِيلَ الْمَذْكُورَ قَطْعِيٌّ أَمْ لَا وَهَلْ هُوَ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ أَمْ فِي الظَّاهِرِ خَاصَّةً وَمِمَّنْ قَالَ بِالْقَطْعِ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ قَالَ وَهُمْ فِي الْفَضْلِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الْإِمَامَةِ وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّهُ اجْتِهَادِيٌّ ظَنِّيٌّ أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وذكر بن الْبَاقِلَّانِيِّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ التَّفْضِيلَ هَلْ هو في الظاهر ام فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي عَائِشَةَ وَخَدِيجَةَ أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ وَفِي عَائِشَةَ وَفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَأَمَّا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَخِلَافَتُهُ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَقُتِلَ مَظْلُومًا وَقَتَلَتْهُ فَسَقَةٌ لِأَنَّ مُوجِبَاتِ الْقَتْلِ مَضْبُوطَةٌ وَلَمْ يَجْرِ مِنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا يَقْتَضِيهِ وَلَمْ يُشَارِكْ فِي قَتْلِهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَإِنَّمَا قَتَلَهُ هَمَجٌ وَرُعَاعٌ مِنْ غَوْغَاءِ الْقَبَائِلِ وسفلة

(باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه قوله صلى

الْأَطْرَافِ وَالْأَرْذَالِ تَحَزَّبُوا وَقَصَدُوهُ مِنْ مِصْرَ فَعَجَزَتِ الصَّحَابَةُ الْحَاضِرُونَ عَنْ دَفْعِهِمْ فَحَصَرُوهُ حَتَّى قَتَلُوهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَخِلَافَتُهُ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَكَانَ هُوَ الْخَلِيفَةَ فِي وَقْتِهِ لَا خِلَافَةَ لِغَيْرِهِ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ مِنَ الْعُدُولِ الْفُضَلَاءِ وَالصَّحَابَةِ النُّجَبَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا الْحُرُوبُ الَّتِي جَرَتْ فَكَانَتْ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شُبْهَةٌ اعْتَقَدَتْ تَصْوِيبَ أَنْفُسِهَا بِسَبَبِهَا وَكُلُّهُمْ عُدُولٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمُتَأَوِّلُونَ فِي حُرُوبِهِمْ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يُخْرِجْ شئ مِنْ ذَلِكَ أَحَدًا مِنْهُمْ عَنِ الْعَدَالَةِ لِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ اخْتَلَفُوا فِي مَسَائِلَ مِنْ مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ كَمَا يَخْتَلِفُ الْمُجْتَهِدُونَ بَعْدَهُمْ فِي مَسَائِلَ مِنَ الدِّمَاءِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَقْصُ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَاعْلَمْ أَنَّ سَبَبَ تِلْكَ الْحُرُوبِ أَنَّ الْقَضَايَا كَانَتْ مُشْتَبِهَةً فَلِشِدَّةِ اشْتِبَاهِهَا اخْتَلَفَ اجتهادهم وصاروا ثلاثة اقسام قسم ظهر لهم بِالِاجْتِهَادِ أَنَّ الْحَقَّ فِي هَذَا الطَّرَفِ وَأَنَّ مُخَالِفَهُ بَاغٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ نُصْرَتُهُ وَقِتَالُ الْبَاغِي عَلَيْهِ فِيمَا اعْتَقَدُوهُ فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ يَحِلُّ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ التَّأَخُّرُ عَنْ مُسَاعَدَةِ امام العدل في قتال البغاة في اعتقاده وَقِسْمٌ عَكْسُ هَؤُلَاءِ ظَهَرَ لَهُمْ بِالِاجْتِهَادِ أَنَّ الْحَقَّ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ مُسَاعَدَتُهُ وَقِتَالُ الْبَاغِي عَلَيْهِ وَقِسْمٌ ثَالِثٌ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِمُ الْقَضِيَّةُ وَتَحَيَّرُوا فِيهَا وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ تَرْجِيحُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَاعْتَزَلُوا الْفَرِيقَيْنِ وَكَانَ هَذَا الِاعْتِزَالُ هُوَ الْوَاجِبُ فِي حَقِّهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْإِقْدَامُ عَلَى قِتَالِ مُسْلِمٍ حَتَّى يَظْهَرَ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِذَلِكَ وَلَوْ ظَهَرَ لِهَؤُلَاءِ رُجْحَانُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَأَنَّ الْحَقَّ مَعَهُ لَمَا جَازَ لَهُمُ التَّأَخُّرُ عَنْ نُصْرَتِهِ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ عَلَيْهِ فَكُلُّهُمْ مَعْذُورُونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلِهَذَا اتَّفَقَ أَهْلُ الْحَقِّ وَمَنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَاتِهِمْ وَرِوَايَاتِهِمْ وَكَمَالِ عَدَالَتِهِمْ رَضِيَ الله عنهم اجمعين (بَاب مِنْ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2381] (يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنٍ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا) مَعْنَاهُ ثَالِثُهُمَا بِالنَّصْرِ وَالْمَعُونَةِ)

وَالْحِفْظِ وَالتَّسْدِيدِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ محسنون وَفِيهِ بَيَانُ عَظِيمِ تَوَكُّلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى فِي هَذَا الْمَقَامِ وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهِيَ مِنْ أَجَلِّ مَنَاقِبِهِ وَالْفَضِيلَةُ مِنْ أَوْجُهٍ مِنْهَا هَذَا اللَّفْظُ وَمِنْهَا بَذْلُهُ نَفْسَهُ وَمُفَارَقَتُهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَرِيَاسَتَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ وَمُلَازَمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعَادَاةِ النَّاسِ فِيهِ وَمِنْهَا جَعْلُهُ نَفْسَهُ وِقَايَةً عَنْهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2382] (عَبْدٌ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ زَهْرَةَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَبَكَى وَقَالَ فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَبَكَى مَعْنَاهُ بَكَى كَثِيرًا ثُمَّ بَكَى وَالْمُرَادُ بِزَهْرَةِ الدُّنْيَا نَعِيمُهَا وَأَعْرَاضُهَا وَحُدُودُهَا وَشَبَّهَهَا بِزَهْرَةِ الرَّوْضِ وَقَوْلُهُ فَدَيْنَاكَ دَلِيلٌ لِجَوَازِ التَّفْدِيَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْعَبْدُ الْمُخَيَّرُ فَبَكَى حُزْنًا عَلَى فِرَاقِهِ وَانْقِطَاعِ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْخَيْرِ دَائِمًا وَإِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عَبْدًا وَأَبْهَمَهُ لِيَنْظُرَ فَهْمَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَنَبَاهَةَ أَصْحَابِ الْحِذْقِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَكْثَرُهُمْ جُودًا وَسَمَاحَةً لَنَا بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي هُوَ الِاعْتِدَادُ بِالصَّنِيعَةِ لِأَنَّهُ أَذًى مُبْطِلٌ لِلثَّوَابِ وَلِأَنَّ الْمِنَّةَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبُولِ ذَلِكَ وَفِي غَيْرِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ) وَفِي [2383] رِوَايَةٍ لَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي وَقَدِ اتَّخَذَ اللَّهُ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا قَالَ الْقَاضِي قِيلَ أَصْلُ الْخُلَّةِ الافتقار

وَالِانْقِطَاعُ فَخَلِيلُ اللَّهِ الْمُنْقَطِعُ إِلَيْهِ وَقِيلَ لِقَصْرِهِ حَاجَتَهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ الْخُلَّةُ الِاخْتِصَاصُ وَقِيلَ الِاصْطِفَاءُ وَسُمِّيَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلًا لِأَنَّهُ وَالَى فِي اللَّهِ تَعَالَى وَعَادَى فِيهِ وَقِيلَ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ تَخَلَّقَ بِخِلَالٍ حَسَنَةٍ وَأَخْلَاقٍ كَرِيمَةٍ وَخُلَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ نَصْرُهُ وَجَعْلُهُ إِمَامًا لمن بعده وقال بن فُورَكَ الْخُلَّةُ صَفَاءُ الْمَوَدَّةِ بِتَخَلُّلِ الْأَسْرَارِ وَقِيلَ أَصْلُهَا الْمَحَبَّةُ وَمَعْنَاهُ الْإِسْعَافُ وَالْإِلْطَافُ وَقِيلَ الْخَلِيلُ مَنْ لَا يَتَّسِعُ قَلْبُهُ لِغَيْرِ خَلِيلِهِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ حُبَّ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يُبْقِ فِي قَلْبِهِ مَوْضِعًا لِغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي وَجَاءَ فِي أَحَادِيثَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَا وَأَنَا حَبِيبُ اللَّهِ فَاخْتَلَفَ الْمُتَكَلِّمُونَ هَلِ الْمَحَبَّةُ أَرْفَعُ مِنَ الْخُلَّةِ أَمُ الْخُلَّةُ أَرْفَعُ أَمْ هُمَا سَوَاءٌ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُمَا بِمَعْنًى فَلَا يَكُونُ الْحَبِيبُ إِلَّا خَلِيلًا وَلَا يَكُونُ الْخَلِيلُ إِلَّا حَبِيبًا وَقِيلَ الْحَبِيبُ أَرْفَعُ لِأَنَّهَا صِفَةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ الْخَلِيلُ أَرْفَعُ وَقَدْ ثَبَتَتْ خُلَّةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّهِ تَعَالَى بِهَذَا الْحَدِيثِ وَنَفَى أَنْ يَكُونَ لَهُ خَلِيلٌ غَيْرُهُ وَأَثْبَتَ مَحَبَّتَهُ لِخَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ وَأَبِيهَا وَأُسَامَةَ وَأَبِيهِ وَفَاطِمَةَ وَابْنَيْهَا وَغَيْرِهِمْ وَمَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لِعَبْدِهِ تَمْكِينُهُ مِنْ طَاعَتِهِ وَعِصْمَتُهُ وَتَوْفِيقُهُ وَتَيْسِيرُ أَلْطَافِهِ وَهِدَايَتُهُ وَإِفَاضَةُ رَحْمَتِهِ عَلَيْهِ هَذِهِ مَبَادِيهَا وَأَمَّا غَايَتُهَا فَكَشْفُ الْحُجُبِ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى يَرَاهُ بِبَصِيرَتِهِ فَيَكُونَ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ إِلَى آخِرِهِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ سَمِعْتُ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُخَالِفُ هَذَا لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ يَحْسُنُ فِي حَقِّهِ الِانْقِطَاعُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تُبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ) الْخَوْخَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَهِيَ الْبَابُ الصَّغِيرُ بَيْنَ الْبَيْتَيْنِ أَوِ الدَّارَيْنِ وَنَحْوِهِ وَفِيهِ فضيلة

وَخِصِّيصَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ أَنَّ الْمَسَاجِدَ تُصَانُ عَنْ تَطَرُّقِ النَّاسِ اليها

3 - فِي خَوْخَاتٍ وَنَحْوِهَا إِلَّا مِنْ أَبْوَابِهَا إِلَّا لِحَاجَةٍ مُهِمَّةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ألا اني أبرأالى كل خل من خله) همابكسر الْخَاءِ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَكَسْرُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهُوَ الْخِلُّ بِمَعْنَى الْخَلِيلِ وَأَمَّا قَوْلُهُ مِنْ خِلِّهِ فَبِكَسْرِ الْخَاءِ عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِهِمْ قَالَ وَالصَّوَابُ الْأَوْجَهُ فَتْحُهَا قَالَ وَالْخُلَّةُ وَالْخِلُّ وَالْخِلَالُ وَالْمُخَالَلَةُ وَالْخَلَالَةُ وَالْخَلْوَةُ الْإِخَاءُ وَالصَّدَاقَةُ أَيْ بَرِئْتُ إليه من صداقته المقتضية المخاللة هذاكلام الْقَاضِي وَالْكَسْرُ صَحِيحٌ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ أَيْ أَبْرَأُ إِلَيْهِ مِنْ مُخَالَّتِي إِيَّاهُ وَذَكَرَ بن الْأَثِيرِ أَنَّهُ رُوِيَ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَفَتْحِهَا وَأَنَّهُمَا بِمَعْنَى الْخُلَّةِ بِالضَّمِّ الَّتِي هِيَ الصَّدَاقَةُ قَوْلُهُ [2384] (بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ مَاءٌ لِبَنِي حذام بِنَاحِيَةِ الشَّامِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ بِضَمِّ السين الاولى وكذا ذكره بن الْأَثِيرِ فِي نِهَايَةِ الْغَرِيبِ وَأَظُنُّهُ اسْتَنْبَطَهُ مِنْ كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ فِي الصِّحَاحِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ وَالْمَشْهُورُ وَالْمَعْرُوفُ فَتْحُهَا وَكَانَتْ هَذِهِ الْغَزْوَةُ فِي جُمَادَى الْأُخْرَى سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَكَانَتْ مُؤْتَةُ قَبْلَهَا فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ أَيْضًا قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ كَانَتْ ذَاتُ السَّلَاسِلِ بَعْدَ مُؤْتَةَ فِيمَا ذكره اهل المغازي الا بن إِسْحَاقَ فَقَالَ قَبْلَهَا قَوْلُهُ (أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ عَائِشَةُ قُلْتُ مِنَ الرِّجَالِ قَالَ أَبُوهَا قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ عُمَرُ فَعَدَّ رِجَالًا) هَذَا تَصْرِيحٌ بِعَظِيمِ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَفِيهِ دَلَالَةٌ بَيِّنَةٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي تَفْضِيلِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ

قَوْلُهُ [2385] (سُئِلَتْ عَائِشَةُ مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَخْلِفًا لَوِ اسْتَخْلَفَهُ قَالَتْ أَبُو بَكْرٍ فَقِيلَ لَهَا ثُمَّ مَنْ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ عُمَرُ ثُمَّ قِيلَ لَهَا مَنْ بَعْدَ عُمَرَ قَالَتْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ثُمَّ انْتَهَتْ إِلَى هَذَا) يَعْنِي وَقَفَتْ عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ هَذَا دَلِيلٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ لِلْخِلَافَةِ مَعَ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ لَيْسَتْ بِنَصٍّ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِلَافَتِهِ صَرِيحًا بَلْ أَجْمَعَتِ الصَّحَابَةُ عَلَى عَقْدِ الخلافة له وتقديمه لفضيلته ولوكان هُنَاكَ نَصٌّ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ تَقَعِ الْمُنَازَعَةُ مِنَ الْأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ أَوَّلًا وَلَذَكَرَ حَافِظُ النَّصِّ مَا مَعَهُ وَلَرَجَعُوا إِلَيْهِ لَكِنْ تَنَازَعُوا أَوَّلًا وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَصٌّ ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ

وَأَمَّا مَا تَدَّعِيهِ الشِّيعَةُ مِنَ النَّصِّ عَلَى عَلِيٍّ وَالْوَصِيَّةِ إِلَيْهِ فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى بُطْلَانِ دَعْوَاهُمْ مِنْ زَمَنِ عَلِيٍّ وَأَوَّلُ مَنْ كَذَّبَهُمْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ مَا عِنْدَنَا إِلَّا مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ الْحَدِيثَ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ نَصٌّ لَذَكَرَهُ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ وَلَا أَنَّ أَحَدًا ذَكَرَهُ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [2386] وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا لِلْمَرْأَةِ حِينَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ فَلَمْ أَجِدْكَ قَالَ فَإِنْ لَمْ تجديني فأتي أَبَا بَكْرٍ فَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَلَى خِلَافَتِهِ وَأَمْرٌ بِهَا بَلْ هُوَ إِخْبَارٌ بِالْغَيْبِ الَّذِي أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ [2387] (ادْعِي لِي أَبَاكِ أَبَا بَكْرٍ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولَ قَائِلٌ انا ولا يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ) هَكَذَا هو في بعض النسخ المعتمدة انا ولا بتخفيف اما وَلَا أَيْ يَقُولُ أَنَا أَحَقُّ وَلَيْسَ كَمَا يَقُولُ بَلْ يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ وَفِي بَعْضِهَا أَنَا أَوْلَى أَيْ أَنَا أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ قَالَ الْقَاضِي هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَجْوَدُهَا وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ أَنَا وَلِي بِتَخْفِيفِ النُّونِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ أَنَا أَحَقُّ وَالْخِلَافَةُ لِي وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَا وَلَّاهُ أَيْ أَنَا الَّذِي وَلَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْضُهُمْ أَنَّى ولاه بتشديد النُّونِ أَيْ كَيْفَ وَلَّاهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِفَضْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِخْبَارٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا سَيَقَعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَأْبَوْنَ عَقْدَ الْخِلَافَةِ لِغَيْرِهِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ سَيَقَعُ نِزَاعٌ وَوَقَعَ كُلُّ ذَلِكَ وَأَمَّا طَلَبُهُ لِأَخِيهَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَكْتُبُ الْكِتَابَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُوَجِّهَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهُ وَأَعْهَدَ وَلِبَعْضِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ وَآتِيهِ بِأَلِفٍ مَمْدُودَةٍ وَمُثَنَّاةٍ فَوْقُ وَمُثَنَّاةٍ تَحْتُ مِنَ الْإِتْيَانِ قَالَ الْقَاضِي وَصَوَّبَهُ بَعْضُهُمْ وَلَيْسَ كَمَا صَوَّبَ بَلِ الصَّوَابُ ابْنُهُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالنُّونِ وَهُوَ أَخُو عَائِشَةَ وَتُوَضِّحُهُ رِوَايَةُ

مُسْلِمٍ أَخَاكِ وَلِأَنَّ إِتْيَانَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُتَعَذَّرًا أَوْ مُتَعَسَّرًا وَقَدْ عَجَزَ عَنْ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ وَاسْتَخْلَفَ الصِّدِّيقَ لِيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ وَاسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1028] (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا) قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا إِلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ بِلَا مُحَاسَبَةٍ وَلَا مُجَازَاةٍ عَلَى قَبِيحِ الْأَعْمَالِ وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الْإِيمَانِ يَقْتَضِي دُخُولَ الْجَنَّةِ بِفَضْلِ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَلَامِ الْبَقَرَةِ وَكَلَامِ الذِّئْبِ وَتَعَجُّبِ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ [2388] (فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا) ثُمَّ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ثِقَةً بِهِمَا لِعِلْمِهِ بِصِدْقِ إِيمَانِهِمَا وَقُوَّةِ يَقِينِهِمَا وَكَمَالِ مَعْرِفَتِهِمَا لِعَظِيمِ سُلْطَانِ اللَّهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ فَفِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَفِيهِ جَوَازُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَخَرْقِ الْعَوَائِدِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ قَوْلُهُ (قَالَ الذِّئْبُ مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي) رُوِيَ السَّبُعِ بِضَمِّ الْبَاءِ وَإِسْكَانِهَا الْأَكْثَرُونَ عَلَى الضم قال

الْقَاضِي الرِّوَايَةُ بِالضَّمِّ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ هِيَ سَاكِنَةٌ وَجَعْلُهُ اسْمًا لِلْمَوْضِعِ الَّذِي عِنْدَهُ الْمَحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْ مَنْ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنْكَرَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنْ يَكُونَ هَذَا اسْمًا لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ يُقَالُ سَبَّعْتُ الْأَسَدَ إِذَا دَعَوْتَهُ فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا مَنْ لَهَا يَوْمَ الْفَزَعِ وَيَوْمُ الْقِيَامَةِ يَوْمُ الْفَزَعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْ لَهَا يَوْمَ الْإِهْمَالِ مِنْ أَسَبَعْتَ الرَّجُلَ أَهْمَلْتَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَوْمُ السَّبْعِ بِالْإِسْكَانِ عِيدٌ كَانَ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَشْتَغِلُونَ فِيهِ بِلَعِبِهِمْ فَيَأْكُلُ الذِّئْبُ غَنَمَهُمْ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ يَوْمَ السَّبُعِ أَيْ يَوْمَ يَطْرُدُكَ عَنْهَا السَّبُعُ وَبَقِيتُ أَنَا لها لاراعي لَهَا غَيْرِي لِفِرَارِكَ مِنْهُ فَأَفْعَلُ فِيهَا مَا اشاء هذا كلام القاضي وقال بن الْأَعْرَابِيِّ هُوَ بِالْإِسْكَانِ أَيْ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَوْ يَوْمُ الذُّعْرِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ آخَرُونَ هَذَا لِقَوْلِهِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي وَيَوْمُ الْقِيَامَةِ لَا يَكُونُ الذِّئْبُ رَاعِيهَا وَلَا لَهُ بِهَا تَعَلُّقٌ وَالْأَصَحُّ مَا قَالَهُ آخَرُونَ وَسَبَقَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ مِنْ أَنَّهَا

(باب من فضائل عمر رضي الله عنه قوله [2389] (فتكنفه الناس)

عِنْدَ الْفِتَنِ حِينَ تَتْرُكُهَا النَّاسُ هَمَلًا لَا رَاعِيَ لَهَا نُهْبَةً لِلسِّبَاعِ فَجَعَلَ السَّبُعُ لَهَا رَاعِيًا أَيْ مُنْفَرِدًا بِهَا وَتَكُونُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب مِنْ فَضَائِلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ [2389] (فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ) أَيْ أَحَاطُوا بِهِ وَالسَّرِيرُ هُنَا النَّعْشُ قَوْلُهُ (فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا بِرَجُلٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ لَمْ يَفْجَأْنِي إِلَّا ذَلِكَ وَقَوْلُهُ بِرَجُلٍ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ بِرَجُلٍ بِالْبَاءِ أَيْ لَمْ يَفْجَأْنِي الْأَمْرُ أو الْحَالُ إِلَّا بِرَجُلٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَشَهَادَةُ عَلِيٍّ لَهُمَا وَحُسْنُ ثَنَائِهِ عَلَيْهِمَا وَصِدْقُ مَا كَانَ يَظُنُّهُ بِعُمَرَ قَبْلَ وَفَاتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم)

9 - فِي رُؤْيَا الْمَنَامِ [2390] (وَمَرَّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ قَالُوا مَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الدِّينُ) وَفِي الرَّوَايَةِ الْأُخْرَى [2391] رَأَيْتُ قَدَحًا أُتِيتُ بِهِ فِيهِ لَبَنٌ فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظْفَارِي ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْعِلْمُ قَالَ أَهْلُ الْعِبَارَةِ الْقَمِيصُ فِي النَّوْمِ معناه الدِّينِ وَجَرُّهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ آثَارِهِ الْجَمِيلَةِ وَسُنَنِهِ الْحَسَنَةِ فِي الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لِيُقْتَدَى بِهِ وَأَمَّا تَفْسِيرُ اللَّبَنِ بِالْعِلْمِ فَلِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَثْرَةِ النَّفْعِ وَفِي أَنَّهُمَا سَبَبُ الصَّلَاحِ فَاللَّبَنُ غِذَاءُ الْأَطْفَالِ وَسَبَبُ صَلَاحِهِمْ وَقُوتٌ لَلْأَبَدَانِ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْعِلْمُ سَبَبٌ لِصَلَاحِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2392] (رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ ثم اخذها بن أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ضَعْفٌ ثُمَّ استحالت غربا فاخذها بن الْخَطَّابِ فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ) أَمَّا الْقَلِيبُ فَهِيَ الْبِئْرُ غَيْرُ الْمَطْوِيَّةِ وَالدَّلْوُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَالذَّنُوبُ بِفَتْحِ الذَّالِ الدَّلْوُ الْمَمْلُوءَةُ وَالْغَرْبُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وهي الدلو الْعَظِيمَةُ وَالنَّزْعُ الِاسْتِقَاءُ

وَالضُّعْفُ بِضَمِّ الضَّادِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الضَّمُّ أَفْصَحُ وَمَعْنَى اسْتَحَالَتْ صَارَتْ وَتَحَوَّلَتْ

مِنَ الصِّغَرِ إِلَى الْكِبَرِ وَأَمَّا الْعَبْقَرِيُّ فَهُوَ السيد وقيل الذي ليس فوقه شئ وَمَعْنَى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ أَيْ أَرْوَوْا إِبِلَهُمْ ثُمَّ آوَوْهَا إِلَى عَطَنِهَا وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُسَاقُ إِلَيْهِ بَعْدَ السَّقْيِ لِتَسْتَرِيحَ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْمَنَامُ مِثَالٌ وَاضِحٌ لِمَا جَرَى لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي خِلَافَتِهِمَا وَحُسْنِ سِيرَتِهِمَا وَظُهُورِ آثَارِهِمَا وَانْتِفَاعِ النَّاسِ بِهِمَا وَكُلُّ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ بَرَكَتِهِ وَآثَارِ صُحْبَتِهِ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ صَاحِبَ الْأَمْرِ فَقَامَ بِهِ أَكْمَلَ قِيَامٍ وَقَرَّرَ قَوَاعِدَ الْإِسْلَامِ وَمَهَّدَ أُمُورَهُ وَأَوْضَحَ أُصُولَهُ وَفُرُوعَهُ وَدَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا وَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى اليوم اكملت لكم دينكم ثُمَّ تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَلَفَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَتَيْنِ وَأَشْهُرًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَهَذَا شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالْمُرَادُ ذَنُوبَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَحَصَلَ فِي خِلَافَتِهِ قِتَالُ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَقَطْعُ دَابِرِهِمْ وَاتِّسَاعُ الْإِسْلَامِ ثُمَّ تُوُفِّيَ فَخَلَفَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَاتَّسَعَ الْإِسْلَامُ فِي زمنه وتقرر لهم من احكامه مالم يَقَعْ مِثْلُهُ فَعَبَّرَ بِالْقَلِيبِ عَنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا فِيهَا مِنَ الْمَاءِ الَّذِي بِهِ حَيَاتُهُمْ وَصَلَاحُهُمْ وَشَبَّهَ أَمِيرَهُمْ بِالْمُسْتَقِي لَهُمْ وَسَقْيُهُ هُوَ قِيَامُهُ بِمَصَالِحِهِمْ وَتَدْبِيرُ أُمُورِهِمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي نَزْعِهِ ضُعْفٌ فَلَيْسَ فِيهِ حَطٌّ مِنْ فَضِيلَةِ أَبِي بَكْرٍ وَلَا إِثْبَاتُ فَضِيلَةٍ لِعُمَرَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ مُدَّةِ وِلَايَتِهِمَا وَكَثْرَةِ انْتِفَاعِ النَّاسِ فِي وِلَايَةِ عُمَرَ لِطُولِهَا وَلِاتِّسَاعِ الْإِسْلَامِ وَبِلَادِهِ وَالْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْغَنَائِمِ وَالْفُتُوحَاتِ وَمَصَّرَ الْأَمْصَارَ وَدَوَّنَ الدَّوَاوِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ فَلَيْسَ فِيهِ تَنْقِيصٌ لَهُ وَلَا إِشَارَةٌ إِلَى ذَنْبٍ وَإِنَّمَا هِيَ كَلِمَةٌ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَدْعَمُونَ بِهَا كَلَامَهُمْ وَنِعْمَتِ الدِّعَامَةُ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهَا كَلِمَةٌ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَهَا افْعَلْ كَذَا وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَفِي كُلِّ هَذَا إِعْلَامٌ بِخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَصِحَّةِ وِلَايَتِهِمَا وَبَيَانُ صِفَتِهَا وَانْتِفَاعُ الْمُسْلِمِينَ بِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَجَاءَنِي أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ الدَّلْوَ مِنْ يَدِي لِيُرَوِّحَنِي) قَالَ الْعُلَمَاءُ

فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى نِيَابَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنْهُ وَخِلَافَتِهِ بَعْدَهُ وَرَاحَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَفَاتِهِ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَمَشَاقِّهَا كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ الحديث والدنيا سجن المؤمن ولا كرب على ابيك بعداليوم قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2393] (فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرْيَهُ) أَمَّا يَفْرِي فَبِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَأَمَّا فَرْيَهُ فَرُوِيَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا فَرْيَهُ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَالثَّانِيَةُ كَسْرُ الرَّاءِ وَتَشْدِيدُ الْيَاءِ وَهُمَا لُغَتَانِ صَحِيحَتَانِ وَأَنْكَرَ الْخَلِيلُ التَّشْدِيدَ وَقَالَ هو غلط اتفقوا عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ أَرَ سَيِّدًا يَعْمَلُ عَمَلَهُ وَيَقْطَعُ قَطْعَهُ وَأَصْلُ الْفَرْيِ بِالْإِسْكَانِ الْقَطْعُ يقال فريت الشئ أفريه فريا قطعته للاصلاح فهو مفري وفري وَأْفَرَيْتُهُ إِذَا شَقَقْتُهُ عَلَى جِهَةِ الْإِفْسَادِ وَتَقُولُ الْعَرَبُ تَرَكْتُهُ يَفْرِي الْفَرْيَ إِذَا عَمَلَ الْعَمَلَ فاجاده وَمِنْهُ حَدِيثُ حَسَّانَ لَأَفْرِيَنَّهُمْ فَرْيَ الْأَدِيمِ أَيْ أَقْطَعُهُمْ بِالْهِجَاءِ كَمَا يُقْطَعُ الْأَدِيمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ) سَبَقَ تَفْسِيرُهُ قَالَ الْقَاضِي ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى خِلَافَةِ عُمَرَ خَاصَّةً وَقِيلَ يَعُودُ إِلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ جَمِيعًا لِأَنَّ بِنَظَرِهِمَا وَتَدْبِيرِهِمَا وَقِيَامِهِمَا بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ تَمَّ هَذَا الْأَمْرُ وَضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَمَعَ أَهْلَ الرِّدَّةِ وَجَمَعَ شَمْلَ الْمُسْلِمِينَ وَأَلَّفَهُمْ وَابْتَدَأَ الْفُتُوحَ وَمَهَّدَ الْأُمُورَ وَتَمَّتْ ثَمَرَاتُ ذَلِكَ وَتَكَامَلَتْ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَأَنِّي أَنْزِعُ بِدَلْوِ بَكْرَةٍ) هِيَ بِإِسْكَانِ

الْكَافِ وَفَتْحِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حتى روى الناس) هوبكسر الواو والمخففة

أَيْ أَخَذُوا كِفَايَتَهُمْ قَوْلُهُ [2396] (عَنْ صَالِحٍ عَنِ بن شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرحمن بن سيدان محمد بن سعد أَبِي وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ سَعْدًا قَالَ استاذن عمر) هذاالحديث اجْتَمَعَ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وهم صالح وبن شِهَابٍ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ وَمُحَمَّدٌ وَقَدْ رَأَى عَبْدُ الحميد بن عَبَّاسٍ [2396] [2397] قَوْلُهُ (وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى يَسْتَكْثِرْنَهُ يَطْلُبْنَ كَثِيرًا مِنْ كَلَامِهِ وَجَوَابِهِ بِحَوَائِجِهِنَّ وَفَتَاوِيهِنَّ وَقَوْلُهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فَوْقَ صَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عُلُوَّ أَصْوَاتِهِنَّ إِنَّمَا كَانَ بِاجْتِمَاعِهَا لَا أَنَّ كَلَامَ كُلِّ وَاحِدَةٍ

بِانْفِرَادِهَا أَعْلَى مِنْ صَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قوله (قلن انت أَغْلَظُ وَأَفَظُّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الفظ والغليظ بِمَعْنًى وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ شِدَّةِ الْخُلُقِ وَخُشُونَةِ الْجَانِبِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَيْسَتْ لَفْظَةُ أَفْعَلَ هُنَا لِلْمُفَاضَلَةِ بَلْ هِيَ بِمَعْنَى فَظٌّ غَلِيظٌ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ يَصِحُّ حَمْلُهَا عَلَى الْمُفَاضَلَةِ وَأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي مِنْهَا فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مَا كَانَ مِنْ إِغْلَاظِهِ عَلَى الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى جَاهِدِ الكفار والمنافقين واغلظ عليهم وَكَانَ يَغْضَبُ وَيُغْلِظُ عِنْدَ انْتَهَاكِ حُرُمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضْلُ لين الجانب والحلم والرفق مالم يُفَوِّتْ مَقْصُودًا شَرْعِيًّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَاخْفِضْ جناحك للمؤمنين وَقَالَ تَعَالَى وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفضوا من حولك وقال تعالى بالمؤمنين رؤف رَحِيمٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ) الْفَجُّ الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْمَكَانِ الْمُنْخَرِقِ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ الشَّيْطَانَ مَتَى رَأَى عُمَرَ سَالِكًا فَجًّا هَرَبَ هَيْبَةً مِنْ عُمَرَ وَفَارَقَ ذَلِكَ الْفَجَّ وَذَهَبَ فِي فَجٍّ آخَرَ لِشِدَّةِ خَوْفِهِ مِنْ بَأْسِ عُمَرَ أَنْ يَفْعَلَ فِيهِ شَيْئًا قَالَ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ ضَرَبَ مَثَلًا لِبُعْدِ الشَّيْطَانِ وَإِغْوَائِهِ مِنْهُ وَأَنَّ عُمَرَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ سالك

طَرِيقَ السَّدَادِ خِلَافَ مَا يَأْمُرُ بِهِ الشَّيْطَانُ والصحيح الاول قوله [2398] (عن بن وَهْبٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَإِنَّ عُمَرَ بن الخطاب منهم) قال بن وَهْبٍ تَفْسِيرُ مُحَدَّثُونَ مُلْهَمُونَ هَذَا الْإِسْنَادُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ وَقَالَ الْمَشْهُورُ فِيهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاخْتَلَفَ تَفْسِيرُ الْعُلَمَاءِ لِلْمُرَادِ بِمُحَدَّثُونَ فَقَالَ بن وَهْبٍ مُلْهَمُونَ وَقِيلَ مُصِيبُونَ وَإِذَا ظَنُّوا فَكَأَنَّهُمْ حدثوا بشئ فَظَنُّوا وَقِيلَ تُكَلِّمُهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ مُتَكَلِّمُونَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ يَجْرِي الصَّوَابُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ وَفِيهِ إِثْبَاتُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ قَوْلُهُ [2399] (قَالَ عُمَرُ وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ وَفِي الْحِجَابِ وَفِي أُسَارَى بَدْرٍ) هَذَا مِنْ أَجَلِّ مَنَاقِبِ عُمَرَ وَفَضَائِلِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِلْحَدِيثِ قَبْلَهُ وَلِهَذَا عَقَّبَهُ مُسْلِمٌ بِهِ وَجَاءَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ وَفَسَّرَهَا بِهَذِهِ الثَّلَاثِ وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحِ اجْتَمَعَ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ فِي الْغَيْرَةِ فَقُلْتُ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ بِذَلِكَ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا مُوَافَقَتُهُ فِي مَنْعِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ ونزول الاية

بِذَلِكَ وَجَاءَتْ مُوَافَقَتُهُ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ فَهَذِهِ سِتٌّ وَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَنْفِي زِيَادَةَ الْمُوَافَقَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ [2400] (لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ الله بن ابي بن سلول) هكذا صوابه ان يكتب بن سَلُولَ بِالْأَلْفِ وَيُعْرَبُ بِإِعْرَابِ عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّهُ وَصْفٌ ثَانٍ لَهُ لِأَنَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلُولَ أَيْضًا فَأُبِيٌّ أَبُوهُ وَسَلُولُ أُمُّهُ فَنُسِبَ إِلَى أَبَوَيْهِ جَمِيعًا وَوُصِفَ بِهِمَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَنَظَائِرُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ الْمِقْدَادِ حِينَ قَتَلَ مَنْ أَظْهَرَ الشَّهَادَةَ وَأَوْضَحْنَا هُنَاكَ وُجُوهَهَا قَوْلُهُ (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ قَمِيصَهُ لِيُكَفِّنَ فِيهِ أَبَاهُ الْمُنَافِقَ) قِيلَ إِنَّمَا أَعْطَاهُ قَمِيصَهُ وَكَفَّنَهُ فِيهِ تَطْيِيبًا لِقَلْبِ ابْنِهِ فَإِنَّهُ كَانَ صَحَابِيًّا صَالِحًا وَقَدْ سَأَلَ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ إِلَيْهِ وَقِيلَ مُكَافَأَةً لِعَبْدِ اللَّهِ الْمُنَافِقِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ كَانَ أَلْبَسَ الْعَبَّاسَ حِينَ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ قَمِيصًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ عَظِيمِ مَكَارِمِ أَخْلَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ عَلِمَ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْمُنَافِقِ مِنَ الْإِيذَاءِ وَقَابَلَهُ بِالْحُسْنَى فَأَلْبَسَهُ قَمِيصًا كَفَنًا وَصَلَّى عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ وَفِيهِ تَحْرِيمُ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ وَالْقِيَامِ عَلَى قَبْرِهِ لِلدُّعَاءِ

(باب من فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه)

(بَاب مِنْ فَضَائِلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَوْلُهَا [2401] (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجَعَا فِي بَيْتِهِ كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ أَوْ سَاقَيْهِ فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَقُولُ لَيْسَتِ الْفَخِذُ عَوْرَةً وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي الْمَكْشُوفِ هَلْ هُوَ السَّاقَانِ أَمُ الْفَخِذَانِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْجَزْمُ بِجَوَازِ كَشْفِ الْفَخِذِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ تَدَلُّلِ الْعَالِمِ وَالْفَاضِلِ بِحَضْرَةِ مَنْ يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ فُضَلَاءِ أَصْحَابِهِ وَاسْتِحْبَابُ تَرْكِ ذَلِكَ إِذَا حَضَرَ غَرِيبٌ أَوْ صَاحِبٌ يَسْتَحْي مِنْهُ قَوْلُهُ (دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا تَهْتَشَّ بِالتَّاءِ بَعْدَ الْهَاءِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الطَّارِئَةِ بِحَذْفِهَا وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا فَالْهَاءُ مَفْتُوحَةٌ يُقَالُ هَشَّ يَهَشُّ كَشَمَّ يَشَمُّ وَأَمَّا الْهَشُّ الَّذِي هُوَ خَبْطُ الْوَرَقِ مِنَ الشَّجَرِ فَيُقَالُ مِنْهُ هَشَّ يَهُشُّ بِضَمِّهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَهُشُّ بِهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْهَشَاشَةُ وَالْبَشَاشَةُ بِمَعْنَى طَلَاقَةِ الْوَجْهِ وَحُسْنِ اللِّقَاءِ وَمَعْنَى لَمْ تُبَالِهِ

لَمْ تَكْتَرِثْ بِهِ وَتَحْتَفِلْ لِدُخُولِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا أَسْتَحِي مِمَّنْ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ) هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَةِ أَسْتَحِي بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ اسْتَحْيَى يَسْتَحْيِي بِيَاءَيْنِ وَاسْتَحَى يَسْتَحِي بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ لُغَتَانِ الْأُولَى أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ وَفِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعُثْمَانَ وَجَلَالَتِهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ وَأَنَّ الْحَيَاءَ صِفَةٌ جَمِيلَةٌ مِنْ صِفَاتِ الْمَلَائِكَةِ قَوْلُهُ [2402] (لَابِسٌ مِرْطَ عَائِشَةَ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ وَقَالَ الْخَلِيلُ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ أَوْ كَتَّانٍ او غيره وقال بن الاعرابي وابو زيد هو الازار قولها (مالي لَمْ أَرَكَ فَزِعْتَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ كَمَا فَزِعْتَ لِعُثْمَانَ) أَيِ اهْتَمَمْتَ لَهُمَا وَاحْتَفَلْتَ بِدُخُولِهِمَا هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا فَزِعْتَ بِالزَّايِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ قَالَ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ فَرَغْتَ بِالرَّاءِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُ [2403] (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ) هُوَ بَالِغَيْنِ المعجمة والثاء

الْمُثَلَّثَةِ قَوْلُهُ (فِي حَائِطٍ) هُوَ الْبُسْتَانُ قَوْلُهُ (يَرْكُزُ بِعُودٍ) هُوَ بِضَمِّ الْكَافِ أَيْ يَضْرِبُ بِأَسْفَلِهِ لِيُثَبِّتَهُ فِي الْأَرْضِ قَوْلُهُ (اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ فَقَالَ افْتَحْ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ) وَفِي رِوَايَةٍ أَمَرَنِي أَنْ أَحْفَظَ الْبَابَ وَفِي رِوَايَةٍ لَأَكُوَنَنَّ بَوَّابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَكُونَ بَوَّابًا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لِيُبَشِّرَ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ بِالْجَنَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِحِفْظِ الْبَابِ أَوَّلًا إِلَى أَنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ وَيَتَوَضَّأَ لِأَنَّهَا حَالَةٌ يَسْتَتِرُ فِيهَا ثُمَّ حَفِظَ الْبَابَ أَبُو مُوسَى مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَفَضِيلَةٌ لِأَبِي مُوسَى وَفِيهِ جَوَازُ الثَّنَاءِ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي وَجْهِهِ إِذَا أُمِنَتْ عَلَيْهِ فِتْنَةُ الْإِعْجَابِ وَنَحْوِهِ وَفِيهِ مُعْجِزَةٌ

ظَاهِرَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِخْبَارِهِ بقصة عثمان والبلوى وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ يَسْتَمِرُّونَ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْهُدَى قَوْلُهُ (وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُهُ عِنْدَ مِثْلِ هَذَا الحال قوله 0فخرج وجه ها هنا) الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ وَجَّهَ بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِإِسْكَانِهَا وَحَكَى الْقَاضِي الْوَجْهَيْنِ وَنَقَلَ الْأَوَّلَ عَنِ الْجُمْهُورِ وَرَجَّحَ الثَّانِي لِوُجُودِ خَرَجَ أَيْ قَصَدَ هَذِهِ الْجِهَةَ قَوْلُهُ 0 جَلَسَ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا) أَمَّا أَرِيسٌ فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَصْرُوفٌ وَأَمَّا الْقُفُّ فَبِضَمِّ الْقَافِ وَهُوَ حَافَّةُ الْبِئْرِ وَأَصْلُهُ الْغَلِيظُ الْمُرْتَفِعُ مِنَ الْأَرْضِ قَوْلُهُ (عَلَى رِسْلِكَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ

الْكَسْرُ أَشْهَرُ وَمَعْنَاهُ تَمَهَّلْ وَتَأَنَّ قَوْلُهُ (فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا دَلَّيَا أَرْجُلَهُمَا فِي الْبِئْرِ كَمَا دَلَّاهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا هَذَا فَعَلَاهُ لِلْمُوَافَقَةِ وَلِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي بَقَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَالَتِهِ وَرَاحَتِهِ بِخِلَافِ ما اذا لم يفعلاه فربما استحى مِنْهُمَا فَرَفَعَهُمَا وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِلُّغَةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ دَلَّيْتُ الدَّلْوَ فِي الْبِئْرِ وَدَلَّيْتُ رِجْلِي وَغَيْرَهَا فِيهِ كَمَا يُقَالُ أَدْلَيْتُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَدْلَى دَلْوَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ الْأَوَّلَ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (فَجَلَسَ وِجَاهَتَهُمْ

(باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه)

بِكَسْرِ الْوَاوِ وَضَمِّهَا أَيْ قِبَالَتَهُمْ قَوْلُهُ (قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ) يَعْنِي أَنَّ الثَّلَاثَةَ دُفِنُوا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ وَعُثْمَانَ فِي مَكَانٍ بَائِنٍ عَنْهُمْ وَهَذَا مِنْ بَابِ الْفِرَاسَةِ الصَّادِقَةِ (بَاب مِنْ فَضَائِلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَوْلُهُ [2404] (عَنْ يُوسُفَ بْنِ الْمَاجِشُونِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يُوسُفَ الْمَاجِشُونِ بحذف لفظة بن

وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَهُوَ أَبُو سَلَمَةَ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَاسْمُ أَبِي سَلَمَةَ دِينَارٌ وَالْمَاجِشُونُ لَقَبُ يَعْقُوبَ وَهُوَ لَقَبٌ جَرَى عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَخِيهِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ لَفْظٌ فَارِسِيٌّ وَمَعْنَاهُ الْأَحْمَرُ الْأَبْيَضُ الْمُوَرَّدُ سُمِّيَ يَعْقُوبُ بِذَلِكَ لِحُمْرَةِ وَجْهِهِ وَبَيَاضِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي) قَالَ الْقَاضِي هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا تَعَلَّقَتْ بِهِ الرَّوَافِضُ وَالْإِمَامِيَّةُ وَسَائِرُ فِرَقِ الشِّيعَةِ فِي أَنَّ الْخِلَافَةَ كَانَتْ حَقًّا لِعَلِيٍّ وَأَنَّهُ وَصَّى لَهُ بِهَا قَالَ ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَكَفَّرَتِ الرَّوَافِضُ سَائِرَ الصَّحَابَةِ فِي تَقْدِيمِهِمْ غَيْرَهُ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فَكَفَّرَ عَلِيًّا لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ فِي طَلَبِ حَقِّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَؤُلَاءِ أَسْخَفُ مَذْهَبًا وَأَفْسَدُ عَقْلًا مِنْ أَنْ يُرَدَّ قَوْلُهُمْ أَوْ يُنَاظَرَ وَقَالَ الْقَاضِي وَلَا شَكَّ فِي كُفْرِ مَنْ قَالَ هَذَا لِأَنَّ مَنْ كَفَّرَ الْأُمَّةَ كُلَّهَا وَالصَّدْرَ الْأَوَّلَ فَقَدْ أَبْطَلَ نَقْلَ الشَّرِيعَةِ وَهَدَمَ الْإِسْلَامَ وَأَمَّا مَنْ عَدَا هَؤُلَاءِ الْغُلَاةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَسْلُكُونَ هَذَا الْمَسْلَكَ فَأَمَّا الْإِمَامِيَّةُ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ فَيَقُولُونَ هُمْ مُخْطِئُونَ فِي تَقْدِيمِ غَيْرِهِ لَا كُفَّارٌ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يَقُولُ بِالتَّخْطِئَةِ لِجَوَازِ تَقْدِيمِ الْمَفْضُولِ عندهم وهذا الحديث لاحجة فِيهِ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ بَلْ فِيهِ إِثْبَاتُ فَضِيلَةٍ لِعَلِيٍّ وَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِكَوْنِهِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مِثْلَهُ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ لِاسْتِخْلَافِهِ بَعْدَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِعَلِيٍّ حِينَ اسْتَخْلَفَهُ فِي الْمَدِينَةِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ هَارُونَ الْمُشَبَّهَ بِهِ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً بَعْدَ مُوسَى بَلْ تُوُفِّيَ فِي حَيَاةِ مُوسَى وَقَبْلَ وَفَاةِ مُوسَى بِنَحْوِ أَرْبَعِينَ سَنَةٍ عَلَى مَا هُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأَخْبَارِ وَالْقَصَصِ قَالُوا وَإِنَّمَا اسْتَخْلَفَهُ حِينَ ذَهَبَ لِمِيقَاتِ رَبِّهِ لِلْمُنَاجَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ نَزَلَ حَكَمًا مِنْ حُكَّامِ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَحْكُمُ بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا ينزل نبينا وَقَدْ سَبَقَتِ الْأَحَادِيثُ الْمُصَرِّحَةُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ

(فَوَضَعَ إِصْبَعَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ فَقَالَ نَعَمْ وَإِلَّا فَاسْتَكَّتَا) هُوَ بِتَشْدِيدِ الْكَافِ أَيْ صُمَّتَا قَوْلُهُ (إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا تُرَابٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ الَّتِي فِي ظَاهِرِهَا دَخَلٌ عَلَى صَحَابِيٍّ يَجِبُ تَأْوِيلُهَا قَالُوا وَلَا يَقَعُ فِي رِوَايَاتِ الثِّقَاتِ إِلَّا مَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ فَقَوْلُ مُعَاوِيَةَ هَذَا لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ أَمَرَ سَعْدًا بِسَبِّهِ وَإِنَّمَا سَأَلَهُ عَنِ السَّبَبِ الْمَانِعِ لَهُ مِنَ السَّبِّ كَأَنَّهُ يَقُولُ هَلِ امْتَنَعْتَ تَوَرُّعًا أَوْ خَوْفًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ تَوَرُّعًا وَإِجْلَالًا لَهُ عَنِ السَّبِ فَأَنْتَ مُصِيبٌ مُحْسِنٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ فَلَهُ جَوَابٌ آخَرُ ولَعَلَّ سَعْدًا قَدْ كَانَ فِي طَائِفَةٍ يَسُبُّونَ فَلَمْ يَسُبَّ مَعَهُمْ وَعَجَزَ عَنِ الْإِنْكَارِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ فَسَأَلَهُ هَذَا السُّؤَالَ قَالُوا وَيَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا آخَرَ أَنَّ مَعْنَاهُ

مَا مَنَعَكَ أَنْ تُخَطِّئَهُ فِي رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَتُظْهِرَ لِلنَّاسِ حُسْنَ رَأْيِنَا وَاجْتِهَادِنَا وَأَنَّهُ أَخْطَأَ قَوْلُهُ [2405] (فَتَسَاوَرْتُ لَهَا) هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْوَاوِ ثُمَّ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ تَطَاوَلْتُ لَهَا كَمَا صَرَّحَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَيْ حَرَصْتُ عَلَيْهَا أَيْ أَظْهَرْتُ وَجْهِي وَتَصَدَّيْتُ لِذَلِكَ لِيَتَذَكَّرَنِي قَوْلُهُ (فَمَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ إِلَّا يَوْمئِذٍ) إِنَّمَا كَانَتْ مَحَبَّتُهُ لَهَا لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْإِمَارَةُ مِنْ مَحَبَّتِهِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَمَحَبَّتِهِمَا لَهُ وَالْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2405] (امْشِ وَلَا تَلْتَفِتْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ فَسَارَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَيْئًا ثُمَّ وَقَفَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ فَصَرَخَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَاذَا أُقَاتِلُ النَّاسَ) هَذَا الِالْتِفَاتُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَيْ لَا تَلْتَفِتْ بِعَيْنَيْكَ لَا يَمِينًا وَلَا شِمَالًا بَلِ امْضِ عَلَى جِهَةِ قَصْدِكَ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ الْحَثُّ عَلَى الْإِقْدَامِ وَالْمُبَادَرَةِ إِلَى ذَلِكَ وَحَمَلَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ بِعَيْنِهِ حِينَ احْتَاجَ وفي هذا حمل أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا تَنْصَرِفُ بَعْدَ لِقَاءِ عَدُوِّكَ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَاتٌ ظَاهِرَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلِيَّةٌ وَفِعْلِيَّةٌ فَالْقَوْلِيَّةُ إِعْلَامُهُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ فَكَانَ كَذَلِكَ وَالْفِعْلِيَّةُ بُصَاقُهُ فِي عَيْنِهِ وَكَانَ أَرْمَدَ فَبَرَأَ مِنْ سَاعَتِهِ وَفِيهِ فَضَائِلُ ظَاهِرَةٌ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبَيَانُ شَجَاعَتِهِ وَحُسْنِ مُرَاعَاتِهِ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُبِّهِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَحُبِّهِمَا إِيَّاهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ الدُّعَاءُ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِتَالِ وَقَدْ قَالَ بِإِيجَابِهِ طَائِفَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ آخَرِينَ أَنَّهُمْ إِنْ كَانُوا مِمَّنْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ وَجَبَ إِنْذَارُهُمْ قَبْلَ الْقِتَالِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً

فِي أَوَّلِ الْجِهَادِ وَلَيْسَ فِي هَذَا ذِكْرُ الْجِزْيَةِ وَقَبُولُهَا إِذَا بَذَلُوهَا وَلَعَلَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْجِزْيَةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالِ الْقِتَالِ أَمْ في غيره وحسابه على الله تعالى معناه أَنَّا نَكُفُّ عَنْهُ فِي الظَّاهِرِ وَأَمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ صَادِقًا مُؤْمِنًا بِقَلْبِهِ نَفَعَهُ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ وَنَجَا مِنَ النَّارِ كَمَا نَفَعَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِلَّا فَلَا يَنْفَعُهُ بَلْ يَكُونُ مُنَافِقًا مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَفِيهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْإِسْلَامِ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ أَوْ فِي مَعْنَاهُ كَفَتْهُ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ [2406] (فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَالرِّوَايَاتِ يَدُوكُونَ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْوَاوِ أَيْ يَخُوضُونَ وَيَتَحَدَّثُونَ فِي ذَلِكَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَذْكُرُونَ بِإِسْكَانِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالرَّاءِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ) هِيَ الْإِبِلُ الْحُمْرُ وَهِيَ أَنْفَسُ أَمْوَالِ الْعَرَبِ يضربون بها المثل في نفاسة الشئ وَأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ أَعْظَمُ مِنْهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ أَنَّ تَشْبِيهَ أُمُورِ الْآخِرَةِ بِأَعْرَاضِ الدُّنْيَا إِنَّمَا هُوَ لِلتَّقْرِيبِ مِنَ الْأَفْهَامِ وَإِلَّا فَذَرَّةٌ مِنَ الْآخِرَةِ الْبَاقِيَةِ خَيْرٌ مِنَ الْأَرْضِ بِأَسْرِهَا وَأَمْثَالِهَا مَعَهَا لَوْ تُصُوِّرَتْ وَفِي هَذَا

الْحَدِيثِ بَيَانُ فَضِيلَةِ الْعِلْمِ وَالدُّعَاءُ إِلَى الْهُدَى وَسَنُّ السُّنَنِ الْحَسَنَةِ قَوْلُهُ [2408] (مَاءٌ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ) هُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَهُوَ اسْمٌ لِغَيْضَةٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْحَسَنَةِ عِنْدَهَا غَدِيرٌ مَشْهُورٌ

يُضَافُ إِلَى الْغَيْضَةِ فَيُقَالُ غَدِيرُ خُمٍّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ فَذَكَرَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ سُمِّيَا ثَقَلَيْنِ لِعِظَمِهِمَا وَكَبِيرِ شَأْنِهِمَا وَقِيلَ لِثِقَلِ الْعَمَلِ بِهِمَا قَوْلُهُ (وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَالْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ الزَّكَاةِ وَهِيَ حَرَامٌ عِنْدَنَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَقَالَ مَالِكٌ بَنُو هَاشِمٍ فَقَطْ وَقِيلَ بَنُو قُصَيٍّ وَقِيلَ قُرَيْشٌ كُلُّهَا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقُلْنَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ نِسَاؤُهُ قَالَ لَا هَذَا دَلِيلٌ لِإِبْطَالِ قَوْلِ مَنْ قَالَ هُمْ قُرَيْشٌ كُلُّهَا فَقَدْ كَانَ فِي نِسَائِهِ قُرَشِيَّاتٌ وَهُنَّ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَسَوْدَةُ وَأُمُّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ قَالَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقُلْنَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ نِسَاؤُهُ قَالَ لا فهاتان الروايتان ظاهر هما التَّنَاقُضُ وَالْمَعْرُوفُ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ نِسَاؤُهُ لَسْنَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَتُتَأَوَّلُ الرِّوَايَةُ الْأُولَى عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ انهن من اهل بيته الذين يساكنونه وَيَعُولُهُمْ وَأَمَرَ بِاحْتِرَامِهِمْ وَإِكْرَامِهِمْ وَسَمَّاهُمْ ثَقَلًا وَوَعَظَ فِي حُقُوقِهِمْ وَذَكَرَ فَنِسَاؤُهُ دَاخِلَاتٌ فِي هَذَا كُلِّهِ وَلَا يَدْخُلْنَ فِيمَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى بِقَوْلِهِ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ

فَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَتَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كتاب الله هُوَ حَبْلُ اللَّهِ) قِيلَ الْمُرَادُ بِحَبْلِ اللَّهِ عَهْدُهُ وَقِيلَ السَّبَبُ الْمُوَصِّلُ إِلَى رِضَاهُ وَرَحْمَتِهِ وَقِيلَ هُوَ نُورُهُ الَّذِي يَهْدِي بِهِ قَوْلُهُ (المرأة تكون

(باب في فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه)

مَعَ الرَّجُلِ الْعَصْرَ مِنَ الدَّهْرِ) أَيِ الْقِطْعَةَ مِنْهُ قَوْلُهَا [2409] (فَخَرَجَ وَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ مِنَ الْقَيْلُولَةِ وَهِيَ النَّوْمُ نِصْفَ النَّهَارِ وَفِيهِ جَوَازُ النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ وَاسْتِحْبَابُ مُلَاطَفَةِ الْغَضْبَانِ وَمُمَازَحَتِهِ وَالْمَشْيِ إِلَيْهِ لِاسْتِرْضَائِهِ (بَاب فِي فَضْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَوْلُهَا [2410] (أَرِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ أَيْ سَهِرَ وَلَمْ يَأْتِهِ نَوْمٌ وَالْأَرَقُ السَّهَرُ وَيُقَالُ أَرَّقَنِي الْأَمْرُ بِالتَّشْدِيدِ تَأْرِيقًا أَيْ أَسْهَرَنِي وَرَجُلٌ أَرِقٌ عَلَى وَزْنِ فَرِحٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا يَحْرُسُنِي) فيه جواز

الِاحْتِرَاسِ مِنَ الْعَدُوِّ وَالْأَخْذِ بِالْحَزْمِ وَتَرْكِ الْإِهْمَالِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إِلَى الِاحْتِيَاطِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى والله يعصمك من الناس لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ الِاحْتِرَاسَ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالِانْصِرَافِ عَنْ حِرَاسَتِهِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ كَانَ فِي أَوَّلِ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَزْمَانٍ قَوْلُهَا (حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ) هُوَ بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ صَوْتُ النَّائِمِ الْمُرْتَفِعِ قَوْلُهَا (سَمِعْنَا خَشْخَشَةَ سِلَاحٍ) أَيْ صَوْتَ سِلَاحٍ صَدَمَ بَعْضُهُ بَعْضًا قَوْلُهُ [2411] (سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ مَا جَمَعَ رَسُولُ

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ غَيْرِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ جَعَلَ يَقُولُ ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ سَعْدٍ قَالَ [2412] جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي فِيهِ جَوَازُ التَّفْدِيَةِ بِالْأَبَوَيْنِ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَكَرِهَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ فِي التَّفْدِيَةِ بِالْمُسْلِمِ مِنْ أَبَوَيْهِ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقِيقَةُ فِدَاءٍ وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامٌ وَأَلْطَافٌ وَإِعْلَامٌ بِمَحَبَّتِهِ لَهُ وَمَنْزِلَتِهِ وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالتَّفْدِيَةِ مُطْلَقًا وَأَمَّا قَوْلُهُ مَا جَمَعَ أَبَوَيْهِ لِغَيْرِ سَعْدٍ وَذَكَرَ بَعْدُ أَنَّهُ جَمَعَهُمَا لِلزُّبَيْرِ وَقَدْ جَاءَ جَمْعُهُمَا لِغَيْرِهِمَا أَيْضًا فَيُحْمَلُ قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى نَفْيِ عِلْمِ نَفْسِهِ أَيْ لَا أَعْلَمُهُ جَمَعَهُمَا إِلَّا لِسَعْدِ بْنِ ابي وقاص

وَهُوَ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَفِيهِ فَضِيلَةُ الرَّمْيِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءِ لِمَنْ فَعَلَ خَيْرًا قَوْلُهُ (كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَحْرَقَ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ أَثْخَنَ فِيهِمْ وَعَمِلَ فِيهِمْ نَحْوَ عَمَلِ النَّارِ قَوْلُهُ (فَنَزَعْتُ لَهُ بِسَهْمٍ لَيْسَ فِيهِ نَصْلٌ فَأَصَبْتُ جَنْبَهُ فَسَقَطَ وَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى نَوَاجِذِهِ) فَقَوْلُهُ نَزَعْتُ لَهُ بِسَهْمٍ أَيْ رَمَيْتُهُ بِسَهْمٍ لَيْسَ فِيهِ زَجٌّ وَقَوْلُهُ فَأَصَبْتُ جَنْبَهُ بِالْجِيمِ وَالنُّونِ هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا حَبَّتُهُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مُشَدَّدَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ أَيْ حَبَّةُ قَلْبِهِ وَقَوْلُهُ فَضَحِكَ أَيْ فَرَحًا بِقَتْلِهِ عَدُوَّهُ لَا لِانْكِشَافِهِ وَقَوْلُهُ نَوَاجِذُهُ

بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أَنْيَابُهُ وَقِيلَ أَضْرَاسُهُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وبن بشار قالا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وكيع ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بن بشر عن مسعر ح وحدثنا بن أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مِسْعَرٍ كُلُّهُمْ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَغَيْرُهُمَا) هَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالُوا وَأَسْقَطَ مِنْ رِوَايَتِهِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ بَيْنَ وَكِيعٍ وَمِسْعَرٍ لِأَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي شَيْبَةَ إِنَّمَا رَوَاهُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْمَغَازِي وَغَيْرِهِ مَوْضِعٌ عَنْ وَكِيعٍ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مِسْعَرٍ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ وَكِيعًا لَمْ يُدْرِكْ مسعرا وهذا خطأ ظاهر فقدذكر بن

أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ وَكِيعًا فِيمَنْ رَوَى عَنْ مِسْعَرٍ وَلِأَنَّ وَكِيعًا أَدْرَكَ نَحْوَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنْ حَيَاةِ مِسْعَرٍ مَعَ أَنَّهُمَا كُوفِيَّانِ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا تُوُفِّيَ مِسْعَرٌ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ وُلِدَ وَكِيعٌ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ وَكِيعٌ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ مِسْعَرٍ وكون بن أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مِسْعَرٍ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَنْعُ سَمَاعِهِ مِنْ مِسْعَرٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي نَظَائِرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ [1748] (أَرَدْتُ أَنْ أُلْقِيَهُ فِي الْقَبَضِ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ الْغَنَائِمُ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ أَكْثَرِ هَذَا الْحَدِيثِ مُفَرَّقًا وَالْحَشُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا الْبُسْتَانُ قَوْلُهُ (شَجَرُوا فَاهَا بِعَصًا ثم أوجروها) اي فتحوه ثم صبوا فيها الطعام وانما شَجَرُوهَا بِالْعَصَا لِئَلَّا تُطْبِقَهُ فَيَمْتَنِعَ وُصُولُ الطَّعَامِ جَوْفَهَا وَهَكَذَا صَوَابُهُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْجِيمِ وَالرَّاءِ وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ قَالَ الْقَاضِي وَيُرْوَى شَحَوْا فَاهَا بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَحَذْفِ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ أَيْ أَوْسَعُوهُ وَفَتَحُوهُ وَالشَّحْوُ التَّوْسِعَةُ وَدَابَّةٌ شَحْوٌ وَاسِعَةُ الْخَطْوِ وَيُقَالُ أَوْجَرَهُ وَوَجَرَهُ لُغَتَانِ الْأُولَى أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ قَوْلُهُ (ضَرَبَ أَنْفَهُ فَفَزَرَهُ) هُوَ بِزَايٍ ثُمَّ

باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما

رَاءٍ يَعْنِي شَقَّهُ وَكَانَ أَنْفُهُ مَفْزُورًا أَيْ مَشْقُوقًا قَوْلُهُ [2414] (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ لَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَيَّامِ إِلَى قَوْلِهِ غَيْرُ طَلْحَةَ وَسَعْدٍ عَنْ حَدِيثِهِمَا) مَعْنَاهُ وَهُمَا حدثاني بذلك والله اعلم (باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما) قَوْلُهُ [2415] (نَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرَ) أَيْ دَعَاهُمْ لِلْجِهَادِ وَحَرَّضَهُمْ عَلَيْهِ فَأَجَابَهُ الزُّبَيْرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ) قَالَ الْقَاضِي اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ فَضَبَطَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنَ الثَّانِي كَمُصْرِخِيَّ وَضَبَطَهُ أَكْثَرُهُمْ بِكَسْرِهَا

وَالْحَوَارِيُّ النَّاصِرُ وَقِيلَ الْخَاصَّةُ قَوْلُهُ [2416] (عَنْ عَبْدِ الله بن الزبير قال كنت انا وعمرو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ مَعَ النِّسْوَةِ فِي أُطُمِ حَسَّانَ فَكَانَ يُطَأْطِئُ لِي مَرَّةً فَأَنْظُرُ إِلَى آخِرِهِ) الْأُطُمُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالطَّاءِ الْحِصْنُ وَجَمْعُهُ آطَامٌ كَعُنُقٍ وَأَعْنَاقٍ قَالَ الْقَاضِي وَيُقَالُ فِي الْجَمْعِ أَيْضًا إِطَامٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ والقصر كآكام واكام وَقَوْلُهُ كَانَ يُطَأْطِئُ هُوَ بِهَمْزِ آخِرِهِ وَمَعْنَاهُ يَخْفِضُ لِي ظَهْرَهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لحصول ضبط الصبي وتمييزه وهو بن اربع سنين فان بن الزُّبَيْرِ وُلِدَ عَامَ الْهِجْرَةِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ الْخَنْدَقُ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَيَكُونُ لَهُ فِي وَقْتِ ضَبْطِهِ لِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ دُونَ أَرْبَعِ سِنِينَ وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَا قَالَهُ جُمْهُورُ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَمَاعُ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَ سِنِينَ وَالصَّوَابُ صحته متى حصل التمييز وان كان بن أَرْبَعٍ أَوْ دُونَهَا وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ

لِابْنِ الزُّبَيْرِ لِجَوْدَةِ ضَبْطِهِ لِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ مُفَصَّلَةً فِي هَذَا السِّنِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ [2417] (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى حِرَاءَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اهدأ فما عليك إلا نبي اوصديق أَوْ شَهِيدٌ) هَكَذَا وَقَعَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ بِتَقْدِيمِ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ وَفِي بَعْضِهَا بِتَقْدِيمِ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ كَمَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بِاتِّفَاقِ النُّسَخِ وَقَوْلُهُ (اهْدَأْ) بِهَمْزِ آخِرِهِ اي اسكن وحراء بِكَسْرِ الْحَاءِ وَبِالْمَدِّ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مُذَكَّرٌ مَمْدُودٌ مَصْرُوفٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا إِخْبَارُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ شُهَدَاءُ وَمَاتُوا كُلُّهُمْ غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ شُهَدَاءَ فَإِنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قُتِلُوا ظُلْمًا شُهَدَاءَ فَقَتْلُ الثَّلَاثَةِ مَشْهُورٌ وَقُتِلَ الزُّبَيْرُ بِوَادِي السِّبَاعِ بِقُرْبِ الْبَصْرَةِ مُنْصَرِفًا تَارِكًا لِلْقِتَالِ وَكَذَلِكَ طَلْحَةُ اعْتَزَلَ النَّاسَ تَارِكًا لِلْقِتَالِ فَأَصَابَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ مَنْ قُتِلَ ظُلْمًا فَهُوَ شَهِيدٌ وَالْمُرَادُ شُهَدَاءُ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَعَظِيمِ ثَوَابُ الشُّهَدَاءِ وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَيُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَفِيهِ بَيَانُ فَضِيلَةِ هَؤُلَاءِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ التَّمْيِيزِ فِي الْحِجَازِ وَجَوَازِ التَّزْكِيَةِ وَالثَّنَاءِ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي وَجْهِهِ إِذَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ بِإِعْجَابٍ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا ذِكْرُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الشُّهَدَاءِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ الْقَاضِي إِنَّمَا سُمِّيَ شَهِيدًا لِأَنَّهُ مشهود له بالجنة

(باب من فضائل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه)

(باب من فضائل أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2419] (إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَإِنَّ أَمِينَنَا أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ) قَالَ الْقَاضِي هُوَ بِالرَّفْعِ عَلَى النِّدَاءِ قَالَ وَالْإِعْرَابُ الْأَفْصَحُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الِاخْتِصَاصِ حَكَى سِيبَوَيْهِ اللَّهُمَّ اغْفَرْ لَنَا أَيَّتُهَا الْعِصَابَةَ وَأَمَّا الْأَمِينُ فَهُوَ الثِّقَةُ الْمَرَضِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْأَمَانَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ لَكِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ بَعْضَهُمْ بِصِفَاتٍ غَلَبَتْ عَلَيْهِمْ

(باب من فضائل الحسن والحسين رضي الله عنهما)

وَكَانُوا بِهَا أَخَصَّ قَوْلُهُ [2420] (فَاسْتَشْرَفَ لَهَا النَّاسُ) أَيْ تَطَلَّعُوا إِلَى الْوِلَايَةِ وَرَغِبُوا فِيهَا حِرْصًا عَلَى أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَمِينُ الْمَوْعُودُ فِي الْحَدِيثِ لَا حِرْصًا عَلَى الْوِلَايَةِ مِنْ حَيْثُ هي (باب من فَضَائِلِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَسَنِ [2421] (إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَأَحْبِبْ مَنْ يُحِبَّهُ) فِيهِ حَثٌّ عَلَى حُبِّهِ وَبَيَانٌ لِفَضِيلَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ (فِي طَائِفَةٍ مِنَ النَّهَارِ حَتَّى جَاءَ سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ ثُمَّ انْصَرَفَ حَتَّى أَتَى خِبَاءَ

فَاطِمَةَ فَقَالَ أَثِمَ لُكَعُ أَثِمَ لُكَعُ يَعْنِي حَسَنًا فَظَنَنَّا أَنَّهُ إِنَّمَا تَحْبِسُهُ أُمُّهُ لِأَنْ تُغَسِّلَهُ وَتُلْبِسَهُ سِخَابًا) أَمَّا قَوْلُهُ طَائِفَةٌ مِنَ النَّهَارِ فَالْمُرَادُ قِطْعَةٌ مِنْهُ وَقَيْنُقَاعُ بِضَمِّ النُّونِ وفتحها وكسرها سبق مرات ولكع المراد به هنا الصغير وخباء فَاطِمَةَ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمَدِّ أَيْ بَيْتُهَا والسخاب بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُهُ سُخُبٌ وَهُوَ قِلَادَةٌ مِنَ الْقَرَنْفُلِ وَالْمِسْكِ وَالْعُودِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَخْلَاطِ الطِّيبِ يُعْمَلُ عَلَى هَيْئَةِ السُّبْحَةِ وَيُجْعَلُ قِلَادَةً لِلصِّبْيَانِ وَالْجَوَارِي وَقِيلَ هُوَ خَيْطٌ فِيهِ خَرَزٌ سُمِّيَ سِخَابًا لِصَوْتِ خَرَزِهِ عِنْدَ حَرَكَتِهِ مِنَ السَّخَبِ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْخَاءِ يُقَالُ الصَّخَبُ بِالصَّادِ وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ إِلْبَاسِ الصِّبْيَانِ الْقَلَائِدَ وَالسَّخَبَ وَنَحْوَهَا من الزينة واستحباب تنظيفهم لا سيما عِنْدَ لِقَائِهِمْ أَهْلَ الْفَضْلِ وَاسْتِحْبَابُ النَّظَافَةِ مُطْلَقًا قَوْلُهُ (جَاءَ يَسْعَى حَتَّى اعْتَنَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ مُلَاطَفَةِ الصَّبِيِّ وَمُدَاعَبَتِهِ رَحْمَةً لَهُ وَلُطْفًا وَاسْتِحْبَابُ التَّوَاضُعِ مَعَ الْأَطْفَالِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مُعَانَقَةِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ فَكَرِهَهَا مَالِكٌ وَقَالَ هِيَ بِدْعَةٌ وَاسْتَحَبَّهَا سُفْيَانُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ وَتَنَاظَرَ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَاحْتَجَّ سُفْيَانُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ بِجَعْفَرٍ حِينَ قَدِمَ فَقَالَ مَالِكٌ هُوَ خَاصٌّ بِهِ فَقَالَ سُفْيَانُ مَا يَخُصُّهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَسَكَتَ مَالِكٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَسُكُوتُ مَالِكٍ دَلِيلٌ لِتَسْلِيمِهِ قَوْلَ سُفْيَانَ وَمُوَافَقَتِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ للتخصيص قوله

[2422] (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعًا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ الْعَاتِقُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالْعُنُقِ وَفِيهِ مُلَاطَفَةُ الصِّبْيَانِ وَرَحْمَتُهُمْ وَمُمَاسَّتُهُمْ وَأَنَّ رُطُوبَاتِ وَجْهِهِ وَنَحْوَهَا طَاهِرَةٌ حَتَّى تَتَحَقَّقَ نَجَاسَتُهَا وَلَمْ يُنْقَلْ عَنِ السَّلَفِ التَّحَفُّظُ مِنْهَا وَلَا يَخْلُونَ مِنْهَا غَالِبًا قَوْلُهُ [2423] (لَقَدْ قُدْتُ بِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ بَغْلَتَهُ الشَّهْبَاءَ هَذَا قُدَّامُهُ وَهَذَا خَلْفُهُ) فِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ رُكُوبِ ثَلَاثَةٍ على دابة اذا كانت مطيقة وهذا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بعضهم منع ذلك مطلقا وهو فاسد قَوْلُهُ [2424] (وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ) هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَنَّهُ وَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاةِ كِتَابِ مُسْلِمٍ بِالْحَاءِ وَلِبَعْضِهِمْ بِالْجِيمِ وَالْمُرَحَّلُ بِالْحَاءِ هُوَ الموشي المنقوش عليه صور رجال الْإِبِلِ وَبِالْجِيمِ عَلَيْهِ صُوَرُ الْمَرَاجِلِ وَهِيَ الْقُدُورُ وَأَمَّا الْمِرْطُ فَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ كِسَاءٌ

(باب من فضائل زيد بن حارثة وابنه أسامة رضي الله

جَمْعُهُ مُرُوطٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البيت قيل هوالشك وَقِيلَ الْعَذَابُ وَقِيلَ الْإِثْمُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الرِّجْسُ اسم لكل مستقذر من عمل (باب من فضائل زيد بن حارثة وابنه أسامة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) قَوْلُهُ [2425] (مَا كُنَّا نَدْعُو زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إِلَّا زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حتى نزل في القرآن ادعوهم لآبائهم) قَالَ الْعُلَمَاءُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَبَنَّى زَيْدًا وَدَعَاهُ ابْنَهُ وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ يَتَبَنَّى الرَّجُلُ مَوْلَاهُ أَوْ غَيْرَهُ فَيَكُونُ ابْنًا لَهُ يُوَارِثَهُ وَيَنْتَسِبُ إِلَيْهِ حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ فَرَجَعَ كُلُّ إِنْسَانٍ إِلَى نَسَبِهِ إِلَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فَيُضَافُ إِلَى مَوَالِيهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي

باب من فضائل عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما

الدين ومواليكم قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2426] (وَإِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ) أَيْ حَقِيقًا بِهَا فِيهِ جَوَازُ إِمَارَةِ الْعَتِيقِ وَجَوَازُ تَقْدِيمِهِ عَلَى الْعَرَبِ وَجَوَازُ تَوْلِيَةِ الصَّغِيرِ عَلَى الْكِبَارِ فَقَدْ كَانَ أُسَامَةُ صَغِيرًا جِدًّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بن ثمان عَشْرَةَ سَنَةً وَقِيلَ عِشْرِينَ وَجَوَازُ تَوْلِيَةِ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ لِلْمَصْلَحَةِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَضَائِلُ ظَاهِرَةٌ لِزَيْدٍ وَلِأُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَيُقَالُ طَعَنَ فِي الْإِمْرَةِ وَالْعِرْضِ وَالنَّسَبِ وَنَحْوِهَا يَطْعَنُ بِالْفَتْحِ وَطَعَنَ بِالرُّمْحِ وَأُصْبُعِهُ وَغَيْرِهَا يَطْعُنُ بِالضَّمِّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ لُغَتَانِ فِيهِمَا وَالْإِمْرَةُ بكسر الهمزة الولاية وكذلك الإمارة (باب من فضائل عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما) قَوْلُهُ [2427] (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ لِابْنِ الزبير أتذكر إذتلقينا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا وأنت وبن عباس فحملنا وتركك) معناه قال بن جَعْفَرٍ فَحَمَلَنَا وَتَرَكَكَ وَتُوَضِّحُهُ الرِّوَايَاتُ بَعْدَهُ وَقَدْ تَوَهَّمَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ الْقَائِلَ فَحَمَلَنَا هُوَ بن الزُّبَيْرِ وَجَعَلَهُ خَلْطًا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ صَوَابُهُ

ما ذكرناه وأن القائل فحملنا وتركك بن جَعْفَرٍ قَوْلُهُ [2428] (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدَمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ بِصِبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ) هَذِهِ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ أَنْ يَتَلَقَّى الصِّبْيَانُ الْمُسَافِرَ وَأَنْ يُرْكِبَهُمْ وَأَنْ يُرْدِفَهُمْ ويلاطفهم والله اعلم

باب فضائل خديجة

(باب فضائل خديجة) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2430] (خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَأَشَارَ وَكِيعٌ إِلَى السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) أَرَادَ وَكِيعٌ بِهَذِهِ الْإِشَارَةِ تَفْسِيرَ الضَّمِيرِ فِي نِسَائِهَا وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جَمِيعُ نِسَاءِ الْأَرْضِ أَيْ كُلُّ مَنْ بَيْنِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَيْرُ نِسَاءِ الْأَرْضِ فِي عَصْرِهَا وَأَمَّا التَّفْضِيلُ بَيْنَهُمَا فَمَسْكُوتٌ عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمَا مِنْ خَيْرِ نِسَاءِ الْأَرْضِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2431] (كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ غَيْرُ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ وَآسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ) يُقَالُ كَمَلَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ مَشْهُورَاتٍ الْكَسْرُ ضَعِيفٌ قَالَ الْقَاضِي هَذَا الْحَدِيثُ يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ بِنُبُوَّةِ النِّسَاءِ وَنُبُوَّةِ آسِيَةَ وَمَرْيَمَ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُمَا لَيْسَتَا نَبِيَّتَيْنِ بَلْ هُمَا صِدِّيقَتَانِ وَوَلِيَّتَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَفْظَةُ الْكَمَالِ تُطْلَقُ عَلَى تَمَامِ الشئ وَتَنَاهِيهِ فِي بَابِهِ وَالْمُرَادُ هُنَا التَّنَاهِي فِي جَمِيعِ الْفَضَائِلِ وَخِصَالِ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى قَالَ الْقَاضِي فَإِنْ قُلْنَا هُمَا نَبِيَّتَانِ

فَلَا شَكَّ أَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يُلْحَقُ بِهِمَا وَإِنْ قُلْنَا وَلِيَّتَانِ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُشَارِكَهُمَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ غَيْرُهُمَا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ مِنَ الْقَوْلِ بِنُبُوَّتِهِمَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَقَدْ نَقَلَ جَمَاعَةٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ الثَّرِيدَ من كل طعام أَفْضَلُ مِنَ الْمَرَقِ فَثَرِيدُ اللَّحْمِ أَفْضَلُ مِنْ مرقه بلا ثريد وثريد مالا لَحْمَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ مَرَقِهِ وَالْمُرَادُ بِالْفَضِيلَةِ نَفْعُهُ وَالشِّبَعُ مِنْهُ وَسُهُولَةُ مَسَاغِهِ وَالِالْتِذَاذُ بِهِ وَتَيَسُّرُ تَنَاوُلِهِ وَتَمَكُّنُ الْإِنْسَانِ مِنْ أَخْذِ كِفَايَتِهِ مِنْهُ بِسُرْعَةٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَرَقِ كُلِّهِ وَمِنْ سَائِرِ الْأَطْعِمَةِ وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ زَائِدٌ كَزِيَادَةِ فَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ وَلَيْسَ فِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِتَفْضِيلِهَا عَلَى مَرْيَمَ وَآسِيَةَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ تَفْضِيلُهَا عَلَى نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْلُهُ [2432] (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْكَ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ) هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ كَمَا سبق وخالف فيه الأستاذ أبو إسحاق

[2433] [2434] الإسفرائيني لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يُدْرِكْ أَيَّامَ خَدِيجَةَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ صَحَابِيٍّ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو هُرَيْرَةَ هُنَا سَمَاعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ أَوَّلًا قَدْ أَتَتْكَ مَعْنَاهُ تَوَجَّهَتْ إِلَيْكَ وَقَوْلُهُ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ أَيْ وَصَلَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ أَيْ سَلِّمْ عَلَيْهَا وَهَذِهِ فَضَائِلُ ظَاهِرَةٌ لِخَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَقَوْلُهُ بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ الْمُرَادُ بِهِ قَصَبُ اللُّؤْلُؤِ الْمُجَوَّفِ كَالْقَصْرِ الْمُنِيفِ وَقِيلَ قَصَبٌ مِنْ ذَهَبٍ مَنْظُومٍ بِالْجَوْهَرِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْقَصَبُ مِنَ الْجَوْهَرِ مَا اسْتَطَالَ مِنْهُ فِي تَجْوِيفٍ قَالُوا وَيُقَالُ لِكُلِّ مُجَوَّفٍ قَصَبٌ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مُفَسَّرًا بِبَيْتٍ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُحَيَّاةٍ وَفَسَّرُوهُ بِمُجَوَّفَةٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ الْمُرَادُ بِالْبَيْتِ هُنَا الْقَصْرُ وَأَمَّا الصَّخَبُ فَبِفَتْحِ الصَّادِ وَالْخَاءِ وَهُوَ الصَّوْتُ الْمُخْتَلِطُ الْمُرْتَفِعُ وَالنَّصَبُ الْمَشَقَّةُ وَالتَّعَبُ وَيُقَالُ فِيهِ نُصْبٌ بِضَمِّ النُّونِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ وَبِفَتْحِهِمَا لُغَتَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ كَالْحَزَنِ وَالْحُزْنِ وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ وَأَفْصَحُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَقَدْ نَصِبَ الرَّجُلُ بِفَتْحِ النُّونِ

وَكَسْرِ الصَّادِ إِذَا أَعْيَا قَوْلُهُ [2435] (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ هَلَكَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي بِثَلَاثِ سِنِينَ) تَعْنِي قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لَا قَبْلَ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا كَانَ قَبْلَ الْعَقْدِ بِنَحْوِ سَنَةٍ وَنِصْفٍ قَوْلُهُ (يُهْدِيهَا إِلَى خَلَائِلِهَا) أَيْ صدائقها جميع خَلِيلَةٍ وَهِيَ الصَّدِيقَةُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رُزِقْتُ حُبَّهَا) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ حُبَّهَا فَضِيلَةٌ حَصَلَتْ

(باب فضائل عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها)

قَوْلُهَا [2437] (فَارْتَاحَ لِذَلِكَ أَيْ هَشَّ لِمَجِيئِهَا وَسُرَّ بِهَا لِتَذَكُّرِهِ بِهَا خَدِيجَةَ وَأَيَّامَهَا وَفِي هَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ لِحُسْنِ الْعَهْدِ وَحِفْظِ الْوُدِّ وَرِعَايَةِ حُرْمَةِ الصَّاحِبِ وَالْعَشِيرِ فِي حَيَاتِهِ وَوَفَاتِهِ وَإِكْرَامِ أَهْلِ ذَلِكَ الصَّاحِبِ قَوْلُهَا (عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ) مَعْنَاهُ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ جِدًّا حَتَّى قَدْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهَا مِنَ الْكِبَرِ وَلَمْ يبق لشدقها بياض شئ مِنَ الْأَسْنَانِ إِنَّمَا بَقِيَ فِيهِ حُمْرَةُ لَثَاتِهَا قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْمِصْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ الغيرة مُسَامَحٌ لِلنِّسَاءِ فِيهَا لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِنَّ فِيهَا لِمَا جُبِلْنَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَمْ تُزْجَرْ عَائِشَةُ عَنْهَا قَالَ الْقَاضِي وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ جَرَى مِنْ عَائِشَةَ لِصِغَرِ سِنِّهَا وَأَوَّلِ شَبِيبَتِهَا وَلَعَلَّهَا لَمْ تَكُنْ بَلَغَتْ حِينَئِذٍ (بَاب فضائل عائشة أم المؤمنين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2438] (جَاءَنِي بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ) هِيَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ وَهِيَ الشُّقَقُ الْبِيضُ مِنَ الْحَرِيرِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَقُولُ إِنْ يَكُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ) قَالَ الْقَاضِي إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الرُّؤْيَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَقَبْلَ تَخْلِيصِ أَحْلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

مِنَ الْأَضْغَاثِ فَمَعْنَاهَا إِنْ كَانَتْ رُؤْيَا حَقٍّ وإِنْ كَانَتْ بَعْدَ النُّبُوَّةِ فَلَهَا ثَلَاثَةُ مَعَانٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْمُرَادَ إِنْ تَكُنِ الرُّؤْيَا عَلَى وَجْهِهَا وَظَاهِرِهَا لَا تَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ وَتَفْسِيرٍ فسيمضه اللَّهُ تَعَالَى وَيُنَجِّزُهُ فَالشَّكُّ عَائِدٌ إِلَى أَنَّهَا رُؤْيَا عَلَى ظَاهِرِهَا أَمْ تَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ وَصَرْفٍ عَلَى ظَاهِرِهَا الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الزَّوْجَةُ فِي الدُّنْيَا يُمْضِهَا اللَّهُ فَالشَّكُّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا أَمْ فِي الْجَنَّةِ الثَّالِثُ أَنَّهُ لَمْ يَشُكَّ وَلَكِنْ أُخْبِرَ عَلَى التَّحْقِيقِ وَأَتَى بِصُورَةِ الشَّكِّ كَمَا قَالَ أَأَنْتِ أَمْ أُمُّ سَالِمٍ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْبَدِيعِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَلَاغَةِ يُسَمُّونَهُ تَجَاهُلُ الْعَارِفِ وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ مَزْجَ الشَّكِّ بِالْيَقِينِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ [2439] (إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى إِلَى قَوْلِهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ) قَالَ الْقَاضِي مُغَاضَبَةُ عَائِشَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ مِمَّا سَبَقَ مِنَ الْغَيْرَةِ الَّتِي عُفِيَ عَنْهَا لِلنِّسَاءِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ كَمَا سَبَقَ لِعَدَمِ انْفِكَاكِهِنَّ مِنْهَا حَتَّى قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ يَسْقُطُ عَنْهَا الْحَدُّ إِذَا قَذَفَتْ زَوْجَهَا بِالْفَاحِشَةِ عَلَى جِهَةِ الْغَيْرَةِ قَالَ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَا تَدْرِي الْغَيْرَاءُ أَعْلَى الْوَادِي مِنْ أَسْفَلِهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ عَلَى عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحَرَجِ مَا فِيهِ لِأَنَّ الْغَضَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَجْرَهُ كَبِيرَةٌ عَظِيمَةٌ وَلِهَذَا قَالَتْ لَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَلْبَهَا وَحُبَّهَا كَمَا كَانَ وَإِنَّمَا الْغَيْرَةُ فِي النِّسَاءِ لِفَرْطِ الْمَحَبَّةِ قَالَ الْقَاضِي وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِهَذَا أَنَّ الِاسْمَ غَيْرُ الْمُسَمَّى فِي الْمَخْلُوقِينَ وَأَمَّا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَالِاسْمُ هُوَ الْمُسَمَّى قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا كَلَامُ مَنْ لَا تَحْقِيقَ

عِنْدَهُ مِنْ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ لُغَةً وَلَا نَظَرًا وَلَا شَكَّ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَجَمَاهِيرِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ أَوْ مُخَالِفِيهِمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الِاسْمَ قَدْ يَقَعُ أَحْيَانًا وَالْمُرَادُ بِهِ التَّسْمِيَةُ حَيْثُ كَانَ فِي خَالِقٍ أَوْ مَخْلُوقٍ فَفِي حَقِّ الْخَالِقِ تَسْمِيَةُ الْمَخْلُوقِ لَهُ بِاسْمِهِ وَفِعْلُ الْمَخْلُوقِ ذَلِكَ بِعِبَارَاتِهِ الْمَخْلُوقَةِ وَأَمَّا أَسْمَاؤُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّتِي سَمَّى بِهَا نَفْسَهُ فَقَدِيمَةٌ كَمَا أَنَّ ذَاتَهُ وَصِفَاتَهُ قَدِيمَةٌ وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ لَفْظَةَ الِاسْمِ إِذَا تَكَلَّمَ بِهَا الْمَخْلُوقُ فَتِلْكَ اللَّفْظَةُ وَالْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ الْمُقَطَّعَةُ الْمُنْفَهِمُ مِنْهَا الِاسْمُ أَنَّهَا غَيْرُ الذَّاتِ بَلْ هِيَ التَّسْمِيَةُ وَإِنَّمَا الِاسْمُ الَّذِي هُوَ الذَّاتُ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ مِنْ خَالِقٍ وَمَخْلُوقٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي قَوْلُهُ [2440] (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال الْقَاضِي فِيهِ جَوَازُ اللَّعِبِ بِهِنَّ قَالَ وَهُنَّ مَخْصُوصَاتٌ مِنَ الصُّوَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَدْرِيبِ النِّسَاءِ فِي صِغَرِهِنَّ لِأَمْرِ أَنْفُسِهِنَّ وَبُيُوتِهِنَّ وَأَوْلَادِهِنَّ قَالَ وَقَدْ أَجَازَ الْعُلَمَاءُ بَيْعَهُنَّ وَشِرَاءَهُنَّ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةُ شِرَائِهِنَّ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ الِاكْتِسَابِ بِهَا وتنزيه ذوي المروآت عَنْ تَوَلِّي بَيْعِ ذَلِكَ لَا كَرَاهَةِ اللَّعِبِ قَالَ وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ جَوَازُ اللَّعِبِ بِهِنَّ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ مَنْسُوخٌ بِالنَّهْيِ عَنِ الصُّوَرِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي قَوْلُهَا (وَكَانَتْ تَأْتِينِي صَوَاحِبِي فَكُنَّ يَنْقَمِعْنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان يسر بهن إِلَيَّ) مَعْنَى يَنْقَمِعْنَ يَتَغَيَّبْنَ حَيَاءً مِنْهُ وَهَيْبَةً وَقَدْ يَدْخُلْنَ فِي بَيْتٍ وَنَحْوِهِ وَهُوَ قَرِيبٌ من الاول ويسر بهن بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ يُرْسِلُهُنَّ وَهَذَا

مِنْ لُطْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُسْنِ مُعَاشَرَتِهِ قَوْلُهَا [2442] (يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ) مَعْنَاهُ يَسْأَلْنَكَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُنَّ فِي مَحَبَّةِ الْقَلْبِ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي بَيْنَهُنَّ فِي الْأَفْعَالِ وَالْمَبِيتِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا مَحَبَّةُ الْقَلْبِ فَكَانَ يُحِبُّ عَائِشَةَ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَحَبَّتَهُنَّ لَا تَكْلِيفَ فِيهَا وَلَا يَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ فِيهَا لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْعَدْلِ فِي الْأَفْعَالِ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ يَلْزَمُهُ الْقَسْمُ بَيْنَهُنَّ فِي الدَّوَامِ وَالْمُسَاوَاةِ فِي ذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُ غَيْرُهُ أَمْ لَا يَلْزَمُهُ بَلْ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ مِنْ إِيثَارٍ وَحِرْمَانٍ فَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ طَلَبُ الْمُسَاوَاةِ فِي مَحَبَّةِ الْقَلْبِ لَا الْعَدْلِ فِي الْأَفْعَالِ فَإِنَّهُ كَانَ حَاصِلًا قَطْعًا وَلِهَذَا كَانَ يطاف به

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ عَلَيْهِنَّ حَتَّى ضَعُفَ فَاسْتَأْذَنَهُنَّ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بيت عائشة فأذن له قولها (يناشدنك) أَيْ يَسْأَلْنَكَ قَوْلُهَا (هِيَ الَّتِي تُسَامِينِي) أَيْ تُعَادِلُنِي وَتُضَاهِينِي فِي الْحَظْوَةِ وَالْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ مَأْخُوذٌ مِنَ السُّمُوِّ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ قَوْلُهَا (مَا عَدَا سورة من حد كَانَتْ فِيهَا تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ سَوْرَةً مِنْ حَدٍّ بِفَتْحِ الْحَاءِ بِلَا هَاءٍ وَفِي بَعْضِهَا مِنْ حِدَّةٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَبِالْهَاءِ وَقَوْلُهَا سَوْرَةً هِيَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ وَاوٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ رَاءٍ ثُمَّ تَاءٍ وَالسَّوْرَةُ الثَّوَرَانُ وَعَجَلَةُ الْغَضَبِ وَأَمَّا الْحِدَّةُ فَهِيَ شِدَّةُ الْخُلُقِ وَثَوَرَانُهُ وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّهَا كَامِلَةُ الْأَوْصَافِ إِلَّا أَنَّ فِيهَا شِدَّةَ خُلُقٍ وَسُرْعَةَ غَضَبٍ تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْئَةُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَبِالْهَمْزِ وَهِيَ الرُّجُوعُ أَيْ إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهَا رَجَعَتْ عَنْهُ سَرِيعًا وَلَا تُصِرُّ عَلَيْهِ وَقَدْ صَحَّفَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْحِيفًا قَبِيحًا جِدًّا فَقَالَ مَا عَدَا سودة بالدال

وَجَعَلَهَا سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَذَا مِنَ الْغَلَطِ الْفَاحِشِ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ قَوْلُهَا (ثُمَّ وَقَعَتْ بِي فَاسْتَطَالَتْ عَلَيَّ وَأَنَا أَرْقُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْقُبُ طَرْفَهُ هَلْ يَأْذَنُ لِي فِيهَا فَلَمْ تَبْرَحْ زَيْنَبُ حَتَّى عَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ فَلَمَّا وَقَعْتُ بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا حِينَ أَنْحَيْتُ عَلَيْهَا) أَمَّا أَنْحَيْتُ فَبِالنُّونِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ قَصَدْتُهَا وَاعْتَمَدْتُهَا بِالْمُعَارَضَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَتَّى بُدِّلَ حِينَ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَرَجَّحَ الْقَاضِي حِينَ بِالنُّونِ وَمَعْنَى لَمْ أَنْشَبْهَا لَمْ أُمْهِلْهَا وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ أَنْشَبْهَا أَنْ أَثْخَنْتُهَا عَلْيَهِ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْيَاءِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ واثخنتها بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ قَمَعْتُهَا وَقَهَرْتُهَا وقولها أولا ثم وقعت بي أي استطالت عَلَيَّ وَنَالَتْ مِنِّي بِالْوَقِيعَةِ فِيَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِعَائِشَةَ وَلَا أَشَارَ بعينه ولاغيرها بَلْ لَا يَحِلُّ اعْتِقَادُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهَا انْتَصَرَتْ لِنَفْسِهَا فَلَمْ يَنْهَهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ فَمَعْنَاهُ الْإِشَارَةُ إِلَى كَمَالِ فَهْمِهَا وَحُسْنِ نَظَرِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَوْلُهَا (قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي) السَّحْرُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا وَإِسْكَانِ الْحَاءِ وَهِيَ الرِّئَةُ وَمَا تَعَلَّقَ بِهَا قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ إِنَّمَا هُوَ شَجَرِي بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْجِيمِ وَشَبَّكَ هَذَا الْقَائِلُ أَصَابِعَهُ وَأَوْمَأَ إِلَى أَنَّهَا ضَمَّتْهُ إِلَى نَحْرِهَا مُشَبِّكَةً يَدَيْهَا عَلَيْهِ وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ هو الأول قوله [2443] (فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللَّهُ) أَيْ يَوْمُهَا الْأَصِيلُ بِحِسَابِ الدَّوْرِ وَالْقَسْمِ وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ صار جميع الأيام في بيتها قَوْلُهَا (وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ) هِيَ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وتشديد الحاء وهي غلظ في الصوت قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2444] (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ) وَفِي رِوَايَةٍ الرَّفِيقِ الْأَعْلَى الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى الْأَنْبِيَاءُ السَّاكِنُونَ أَعْلَى عَلِيِّينَ وَلَفْظَةُ رَفِيقٍ تُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ قَالَ اللَّهُ تعالى وحسن أولئك رفيقا وَقِيلَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى يُقَالُ اللَّهُ رَفِيقٌ بِعِبَادِهِ مِنَ الرِّفْقِ وَالرَّأْفَةِ فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ وَأَنْكَرَ الْأَزْهَرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ وَقِيلَ أَرَادَ مرتفق الجنة

قولها (فأشخص بصره إلى السماء) هوبفتح الْخَاءِ أَيْ رَفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَلَمْ يَطْرِفْ قَوْلُهَا [2445] (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَطَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ) أَيْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لَهُمَا فَفِيهِ صِحَّةُ الْإِقْرَاعِ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ وَفِي الْأَمْوَالِ وَفِي الْعِتْقِ وَنَحْوِ

ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ مِمَّا فِي مَعْنَى هَذَا وَبِإِثْبَاتِ الْقُرْعَةِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ سَفَرًا بِبَعْضِ نِسَائِهِ أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ كَذَلِكَ وَهَذَا الْإِقْرَاعُ عِنْدَنَا وَاجِبٌ فِي حَقِّ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي وُجُوبِ الْقَسْمِ فِي حَقِّهِ خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ مَرَّاتٍ فَمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْقَسْمِ يَجْعَلُ إِقْرَاعَهُ وَاجِبًا وَمَنْ لَمْ يُوجِبْهُ يَقُولُ إِقْرَاعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُسْنِ عِشْرَتِهِ وَمَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ قَوْلُهَا (إِنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ لِعَائِشَةَ أَلَّا تَرْكَبِينَ اللَّيْلَةَ بَعِيرِي وَأَرْكَبُ بَعِيرَكِ) قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْمُهَلَّبُ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَسْمَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِهَذَا تَحَيَّلَتْ حَفْصَةُ عَلَى عَائِشَةَ بِمَا فَعَلَتْ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَحَرُمَ ذَلِكَ عَلَى حَفْصَةَ وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فَإِنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ الْقَسْمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ حَدِيثَ الْأُخْرَى فِي غَيْرِ وَقْتِ عِمَادِ الْقَسْمِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِي غَيْرِ وَقْتِ عِمَادِ الْقَسْمِ إِلَى غَيْرِ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ فَيَأْخُذُ الْمَتَاعَ أَوْ يَضَعُهُ أَوْ نَحْوَهُ مِنَ الْحَاجَاتِ وَلَهُ أَنْ يُقَبِّلَهَا وَيَلْمِسَهَا مِنْ غَيْرِ إِطَالَةٍ وَعِمَادُ الْقَسْمِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ هُوَ وَقْتُ النُّزُولِ فَحَالَةُ السَّيْرِ لَيْسَتْ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا قَوْلُهَا (جَعَلَتْ رِجْلَهَا بَيْنَ الْإِذْخِرِ وَتَقُولُ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا الَّذِي فَعَلَتْهُ وَقَالَتْهُ حَمَلَهَا عَلَيْهِ فَرْطُ الْغَيْرَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ أَمْرَ الْغَيْرَةِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا [2447] (إِنَّ جِبْرِيلَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ قَالَتْ فَقُلْتُ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ) فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ بَعْثِ السَّلَامِ وَيَجِبُ عَلَى الرَّسُولِ تَبْلِيغُهُ وَفِيهِ بَعْثُ الْأَجْنَبِيِّ السَّلَامَ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ الصَّالِحَةِ إِذَا لَمْ يُخَفْ تَرَتُّبُ مَفْسَدَةٍ وَأَنَّ الَّذِي يَبْلُغُهُ السَّلَامُ يَرُدُّ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الرَّدُّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ وَكَذَا لَوْ بَلَغَهُ سَلَامٌ فِي وَرَقَةٍ مِنْ غَائِبٍ لَزِمَهُ أَنْ يَرُدَّ السَّلَامَ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ عَلَى الْفَوْرِ إِذَا قَرَأَهُ وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الرَّدِّ أَنْ يَقُولَ وَعَلَيْكَ أَوْ وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ بِالْوَاوِ فَلَوْ قَالَ عَلَيْكُمُ السَّلَامُ أَوْ عَلَيْكُمْ أَجْزَأَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يُجْزِئُهُ وَسَبَقَتْ مَسَائِلُ السَّلَامِ فِي بَابِهِ مُسْتَوْفَاةً وَمَعْنَى يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ

يُسَلِّمُ عَلَيْكِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا عَائِشُ) دَلِيلٌ لِجَوَازِ التَّرْخِيمِ وَيَجُوزُ فَتْحُ الشين وضمها حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ قَوْلُهُ [2448] (أَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ) بِالْجِيمِ وَالنُّونِ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُبْهَمَاتِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا سَمَّى النِّسْوَةَ الْمَذْكُورَاتِ فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ إِلَّا مِنَ الطَّرِيقِ الَّذِي أَذْكُرُهُ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا فَذَكَرَهُ وَفِيهِ أَنَّ الثَّانِيَةَ اسْمُهَا عَمْرَةُ بِنْتُ عَمْرٍو وَاسْمُ الثَّالِثَةِ حنى بِنْتُ نعب وَالرَّابِعَةُ مهدد بِنْتُ أَبِي مرزمة وَالْخَامِسَةُ كَبْشَةُ وَالسَّادِسَةُ هِنْدٌ وَالسَّابِعَةُ حنى بِنْتُ عَلْقَمَةَ وَالثَّامِنَةُ بِنْتُ أَوْسِ بْنِ عَبْدٍ وَالْعَاشِرَةُ كَبْشَةُ بِنْتُ الأرقم والحادية عشر أَمُّ زَرْعٍ بِنْتُ أَكْهَلَ بْنِ سَاعِدٍ قَوْلُهَا (جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا جَلَسْنَ بِزِيَادَةِ نُونِ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا حَدِيثُ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَمَا بَيْنَهُمَا يَجُوزُ فِيهِ إِسْكَانُ الشِّينِ وَكَسْرُهَا وَفَتْحُهَا وَالْإِسْكَانُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ قَوْلُهَا (زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَعْرٍ لَا سَهْلٌ فَيُرْتَقَى وَلَا سَمِينٌ فَيُنْتَقَلُ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَسَائِرُ أَهْلِ الْغَرِيبِ وَالشُّرَّاحُ

الْمُرَادُ بِالْغَثِّ الْمَهْزُولُ وَقَوْلُهَا عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَعْرٍ أَيْ صَعْبُ الْوُصُولِ إِلَيْهِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ قَلِيلُ الْخَيْرِ مِنْ أَوْجُهٍ مِنْهَا كَوْنُهُ كَلَحْمٍ الجمل لَا كَلَحْمِ الضَّأْنِ وَمِنْهَا أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ غث مهزول ردئ وَمِنْهَا أَنَّهُ صَعْبُ التَّنَاوُلِ لَا يُوصَلُ إِلَيْهِ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ هَكَذَا فَسَّرَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهَا عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ أَيْ يَتَرَفَّعُ وَيَتَكَبَّرُ وَيَسْمُو بِنَفْسِهِ فَوْقَ مَوْضِعِهَا كَثِيرًا أَيْ أَنَّهُ يَجْمَعُ إِلَى قِلَّةِ خَيْرِهِ تَكَبُّرَهُ وَسُوءَ الْخُلُقِ قَالُوا وَقَوْلُهَا وَلَا سَمِينٌ فَيُنْتَقَلُ أَيْ تَنْقُلُهُ النَّاسُ إِلَى بُيُوتِهِمْ لِيَأْكُلُوهُ بَلْ يَتْرُكُوهُ رَغْبَةً عَنْهُ لِرَدَاءَتِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ يُحْتَمَلُ سُوءُ عِشْرَتِهِ بِسَبَبِهَا يُقَالُ أَنَقَلْتُ الشئ بِمَعْنَى نَقَلْتُهُ وَرُوِيَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَا سَمِينٌ فَيُنْتَقَى أَيْ يُسْتَخْرَجُ نِقْيُهُ وَالنِّقْيُ بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ هُوَ الْمُخُّ يُقَالُ نَقَوْتُ الْعَظْمَ وَنَقَّيْتُهُ وَانْتَقَيْتُهُ إِذَا اسْتَخْرَجْتَ نِقْيَهُ قَوْلُهَا (قَالَتِ الثَّانِيَةُ زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ إني أخاف أن لا أذره أن أذكره أذكر عجره بجره) فقولها لاأبث خَبَرَهُ أَيْ لَا أَنْشُرُهُ وَأُشِيعُهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ فِيهِ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا لِابْنِ السِّكِّيتِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْهَاءَ عَائِدَةٌ عَلَى خَبَرِهِ فَالْمَعْنَى أَنَّ خَبَرَهُ طَوِيلٌ إِنْ شَرَعْتُ فِي تَفْصِيلِهِ لَا أَقْدِرُ عَلَى إِتْمَامِهِ لِكَثْرَتِهِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْهَاءَ عَائِدَةٌ عَلَى الزَّوْجِ وَتَكُونُ لَا زَائِدَةً كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَا مَنَعَكَ أن لا تسجد وَمَعْنَاهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُطَلِّقَنِي فَأَذَرَهُ وَأَمَّا عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ فَالْمُرَادُ بِهِمَا عُيُوبُهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ أَرَادَتْ بِهِمَا عُيُوبَهُ الْبَاطِنَةَ وَأَسْرَارَهُ الْكَامِنَةَ قالوا وأصل العجر أن يتعقد الْعَصَبُ أَوِ الْعُرُوقُ حَتَّى تَرَاهَا نَاتِئَةً مِنَ الْجَسَدِ وَالْبُجَرُ نَحْوُهَا إِلَّا أَنَّهَا فِي الْبَطْنِ خَاصَّةً وَاحِدَتُهَا بُجْرَةٌ وَمِنْهُ قِيلَ رَجُلٌ أَبْجَرُ إِذَا كَانَ نَاتِئَ السُّرَّةِ عَظِيمَهَا وَيُقَالُ أَيْضًا رَجُلٌ أبْجَرُ إِذَا كَانَ عَظِيمَ الْبَطْنِ وَامْرَأَةٌ بجراء والجمع بجر وقال الهروي قال بن الْأَعْرَابِيِّ الْعُجْرَةُ نَفْخَةٌ فِي الظَّهْرِ فَإِنْ كَانَتْ فِي السُّرَّةِ فَهِيَ بُجْرَةٌ قَوْلُهَا (قَالَتِ الثَّالِثَةُ زَوْجِي الْعَشَنَّقُ إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ) فَالْعَشَنَّقُ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ نُونٍ مُشَدَّدَةٍ ثُمَّ قَافٍ وَهُوَ الطَّوِيلُ وَمَعْنَاهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ طُولٍ بِلَا نَفْعٍ فَإِنْ ذَكَرْتُ عُيُوبَهُ طَلَّقَنِي وَإِنْ سَكَتُّ عَنْهَا عَلَّقَنِي فَتَرَكَنِي لَا عَزْبَاءَ ولا مزوجة

(قَالَتِ الرَّابِعَةُ زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ لَا حَرَّ وَلَا قَرَّ وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَةَ) هَذَا مَدْحٌ بَلِيغٌ وَمَعْنَاهُ لَيْسَ فِيهِ أَذًى بَلْ هُوَ رَاحَةٌ وَلَذَاذَةُ عَيْشٍ كَلَيْلِ تِهَامَةَ لَذِيذٌ مُعْتَدِلٌ لَيْسَ فِيهِ حَرٌّ وَلَا بَرْدٌ مُفْرِطٌ وَلَا أَخَافُ لَهُ غَائِلَةً لِكَرْمِ أَخْلَاقِهِ وَلَا يَسْأَمُنِي وَيَمَلُّ صُحْبَتِي (قَالَتِ الْخَامِسَةُ زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ) هَذَا أَيْضًا مَدْحٌ بَلِيغٌ فَقَوْلُهَا فَهِدَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ تَصِفُهُ إِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ بِكَثْرَةِ النَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ فِي مَنْزِلِهِ عَنْ تَعَهُّدِ مَا ذَهَبَ مِنْ مَتَاعِهِ وَمَا بَقِيَ وَشَبَّهَتْهُ بِالْفَهْدِ لِكَثْرَةِ نَوْمِهِ يُقَالُ أَنْوَمُ مِنْ فَهْدٍ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلُهَا وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ أَيْ لَا يَسْأَلُ عَمَّا كَانَ عَهِدَهُ فِي الْبَيْتِ مِنْ مَالِهِ وَمَتَاعِهِ وَإِذَا خَرَجَ أَسِدَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ السِّينِ وَهُوَ وَصْفٌ لَهُ بِالشَّجَاعَةِ وَمَعْنَاهُ إِذَا صَارَ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ خَالَطَ الْحَرْبَ كَانَ كَالْأَسَدِ يُقَالُ أسد واستأسد قال القاضي وقال بن أَبِي أُوَيْسٍ مَعْنَى فَهِدَ إِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ وَثَبَ عَلَيَّ وُثُوبَ الْفَهِدِ فَكَأَنَّهَا تُرِيدُ ضَرْبَهَا وَالْمُبَادَرَةَ بِجِمَاعِهَا وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ التَّفْسِيرُ الْأَوَّلُ (قَالَتِ السَّادِسَةُ زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ) قَالَ الْعُلَمَاءُ اللَّفُّ فِي الطَّعَامِ الْإِكْثَارُ مِنْهُ مَعَ التَّخْلِيطِ مِنْ صُنُوفِهِ حَتَّى لا يبقى منها شيئا وَالِاشْتِفَافُ فِي الشُّرْبِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ جَمِيعَ مَا فِي الْإِنَاءِ مَأْخُوذٌ مِنَ الشُّفَافَةِ بِضَمِّ الشِّينِ وَهِيَ مَا بَقِيَ فِي الْإِنَاءِ مِنَ الشَّرَابِ فَإِذَا شَرِبَهَا قِيلَ اشْتَفَّهَا وَتَشَافَهَا وَقَوْلُهَا وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَحْسِبُهُ كَانَ بِجَسَدِهَا عَيْبٌ أَوْ دَاءٌ كَنَّتْ بِهِ لِأَنَّ الْبَثَّ الْحُزْنُ فَكَانَ لَا يُدْخِلُ يَدِهِ فِي ثَوْبِهَا لِيَمَسَّ ذَلِكَ فَيَشُقَّ عَلَيْهَا فَوَصَفَتْهُ بِالْمُرُوءَةِ وَكَرَمِ الْخُلُقِ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ قَالَ بن الْأَعْرَابِيِّ هَذَا ذَمٌّ لَهُ أَرَادَتْ وَإِنِ اضْطَجَعَ وَرَقَدَ الْتَفَّ فِي ثِيَابِهِ فِي نَاحِيَةٍ وَلَمْ يُضَاجِعْنِي لِيَعْلَمَ مَا عِنْدِي مِنْ مَحَبَّتِهِ قَالَ وَلَا بَثَّ هُنَاكَ إِلَّا مَحَبَّتَهَا الدُّنُوَّ مِنْ زَوْجِهَا وَقَالَ آخَرُونَ أَرَادَتْ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِدُ أموري ومصالحي قال بن الأنباري رد بن قتيبة على أبي عبيدة تَأْوِيلَهُ لِهَذَا الْحَرْفِ وَقَالَ كَيْفَ تَمْدَحُهُ بِهَذَا وقد ذمته في صدر الكلام قال بن الأنباري ولا رد على أبي عبيد

الأن النسوة تعاقدن أن لا يَكْتُمْنَ شَيْئًا مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ فَمِنْهُنَّ مَنْ كَانَتْ أَوْصَافُ زَوْجِهَا كُلُّهَا حَسَنَةً فَوَصَفَتْهَا وَمِنْهُنَّ مَنْ كَانَتْ أَوْصَافُ زَوْجِهَا قَبِيحَةً فَذَكَرَتْهَا وَمِنْهُنَّ مَنْ كَانَتْ أَوْصَافُهُ فِيهَا حَسَنٌ وَقَبِيحٌ فَذَكَرَتْهُمَا والى قول بن الأعرابي وبن قُتَيْبَةَ ذَهَبَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ (قَالَتِ السَّابِعَةُ زَوْجِي غَيَايَاءُ أَوْ عَيَايَاءُ طَبَاقَاءُ كل داء له داء شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ أَوْ جَمَعَ كُلًّا لَكِ) هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ غَيَايَاءُ بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَوْ عَيَايَاءُ بِالْمُهْمَلَةِ وَفِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِالْمُعْجَمَةِ وَأَنْكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ الْمُعْجَمَةَ وَقَالُوا الصَّوَابُ الْمُهْمَلَةُ وَهُوَ الَّذِي لَا يُلْقِحُ وَقِيلَ هُوَ الْعِنِّينُ الَّذِي تَعِييهِ مُبَاضَعَةُ النِّسَاءِ وَيَعْجِزُ عَنْهَا وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ غَيَايَاءُ بِالْمُعْجَمَةِ صَحِيحٌ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْغَيَايَةِ وَهِيَ الظُّلْمَةُ وَكُلُّ مَا أَظَلَّ الشَّخْصَ وَمَعْنَاهُ لَا يَهْتَدِي إِلَى سَلْكٍ أَوْ أَنَّهَا وَصَفَتْهُ بِثِقَلِ الرُّوحِ وَأَنَّهُ كَالظِّلِّ الْمُتَكَاثِفِ الْمُظْلِمِ الَّذِي لَا إِشْرَاقَ فِيهِ أَوْ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنَّهُ غُطِّيَتْ عَلَيْهِ أُمُورُهُ أَوْ يَكُونُ غَيَايَاءُ مِنْ الْغَيِّ وَهُوَ الِانْهِمَاكُ فِي الشَّرِّ أَوْ مِنَ الْغَيِّ الَّذِي هُوَ الْخَيْبَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا وَأَمَّا طَبَاقَاءُ فَمَعْنَاهُ الْمُطْبَقَةُ عَلَيْهِ أُمُورُهُ حُمْقًا وَقِيلَ الَّذِي يَعْجِزُ عَنِ الْكَلَامِ فَتَنْطَبِقُ شَفَتَاهُ وَقِيلَ هُوَ الْعِيُّ الْأَحْمَقُ الْفَدْمُ وَقَوْلُهَا شَجَّكِ أَيْ جَرَحَكِ فِي الرَّأْسِ فَالشِّجَاجُ جِرَاحَاتُ الرَّأْسِ وَالْجِرَاحُ فِيهِ وَفِي الْجَسَدِ وَقَوْلُهَا فَلَّكِ الْفَلُّ الْكَسْرُ وَالضَّرْبُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا مَعَهُ بَيْنَ شَجِّ رَأْسٍ وَضَرْبٍ وَكَسْرِ عُضْوٍ أَوْ جَمْعٍ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْفَلِّ هُنَا الْخُصُومَةُ وَقَوْلُهَا كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ أَيْ جَمِيعُ أَدْوَاءِ النَّاسِ مُجْتَمِعَةٌ فِيهِ (قَالَتِ الثَّامِنَةُ زَوْجِي الرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ وَالْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ) الزَّرْنَبُ نَوْعٌ مِنَ الطِّيبِ مَعْرُوفٌ قِيلَ أَرَادَتْ طِيبَ رِيحِ جَسَدِهِ وَقِيلَ طِيبُ ثِيَابِهِ فِي النَّاسِ وَقِيلَ لِينُ خُلُقِهِ وَحُسْنُ عِشْرَتِهِ وَالْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ صَرِيحٌ فِي لِينِ الْجَانِبِ وَكَرَمِ الْخُلُقِ (قَالَتِ التَّاسِعَةُ زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ طَوِيلُ النِّجَادِ عَظِيمُ الرَّمَادِ قريب البيت من النادي) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ النَّادِي بِالْيَاءِ وَهُوَ الْفَصِيحُ فِي الْعَرَبِيَّةِ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ فِي الرِّوَايَةِ حَذْفُهَا لِيَتِمَّ السَّجْعُ قَالَ

الْعُلَمَاءُ مَعْنَى رَفِيعِ الْعِمَادِ وَصْفُهُ بِالشَّرَفِ وَسَنَاءِ الذِّكْرِ وَأَصْلُ الْعِمَادِ عِمَادُ الْبَيْتِ وَجَمْعُهُ عُمُدٌ وَهِيَ الْعِيدَانُ الَّتِي تُعْمَدُ بِهَا الْبُيُوتُ أَيْ بَيْتُهُ فِي الْحَسَبِ رَفِيعٌ فِي قَوْمِهِ وَقِيلَ إِنَّ بَيْتَهُ الَّذِي يَسْكُنُهُ رَفِيعُ الْعِمَادِ لِيَرَاهُ الضِّيفَانُ وَأَصْحَابُ الْحَوَائِجِ فَيَقْصِدُوهُ وَهَكَذَا بُيُوتُ الْأَجْوَادِ وَقَوْلُهَا طَوِيلُ النِّجَادِ بِكَسْرِ النُّونِ تَصِفُهُ بِطُولِ الْقَامَةِ وَالنِّجَادُ حَمَائِلُ السَّيْفِ فَالطَّوِيلُ يَحْتَاجُ إِلَى طُولِ حَمَائِلِ سَيْفِهِ وَالْعَرَبُ تَمْدَحُ بِذَلِكَ قَوْلُهَا عَظِيمُ الرَّمَادِ تَصِفُهُ بِالْجُودِ وَكَثْرَةِ الضِّيَافَةِ مِنَ اللُّحُومِ وَالْخُبْزِ فَيَكْثُرُ وَقُودُهُ فَيَكْثُرُ رَمَادُهُ وَقِيلَ لِأَنَّ نَارَهُ لَا تُطْفَأُ بِاللَّيْلِ لِتَهْتَدِيَ بِهَا الضِّيفَانُ وَالْأَجْوَادُ يُعَظِّمُونَ النِّيرَانَ فِي ظَلَامِ اللَّيْلِ وَيُوقِدُونَهَا عَلَى التِّلَالِ وَمَشَارِفِ الْأَرْضِ وَيَرْفَعُونَ الْأَقْبَاسَ عَلَى الْأَيْدِي لِتَهْتَدِيَ بِهَا الضِّيفَانُ وَقَوْلُهَا قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِي قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ النَّادِي وَالنَّادِ وَالنَّدَى وَالْمُنْتَدَى مَجْلِسُ الْقَوْمِ وَصَفَتْهُ بِالْكَرَمِ وَالسُّؤْدُدِ لِأَنَّهُ لَا يُقَرِّبُ الْبَيْتَ مِنَ النَّادِي إِلَّا مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ لِأَنَّ الضِّيفَانَ يَقْصِدُونَ النَّادِي وَلِأَنَّ أَصْحَابَ النَّادِي يَأْخُذُونَ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي مَجْلِسِهِمْ مِنْ بَيْتٍ قَرِيبِ النَّادِي وَاللِّئَامُ يَتَبَاعَدُونَ مِنَ النَّادِي (قَالَتِ الْعَاشِرَةُ زَوْجِي مَالِكٌ فَمَا مَالِكٌ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ قَلِيلَاتُ الْمَسَارِحِ إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكٌ) مَعْنَاهُ أن له إبلا كثيرات فَهِيَ بَارِكَةٌ بِفِنَائِهِ لَا يُوَجِّهُهَا تَسْرَحُ إِلَّا قَلِيلًا قَدْرَ الضَّرُورَةِ وَمُعْظَمُ أَوْقَاتِهَا تَكُونُ بَارِكَةً بِفِنَائِهِ فَإِذَا نَزَلَ بِهِ الضِّيفَانُ كَانَتِ الْإِبِلُ حَاضِرَةً فَيُقْرِيهِمْ مِنْ أَلْبَانِهَا وَلُحُومِهَا وَالْمِزْهَرُ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْعُودُ الَّذِي يَضْرِبُ أَرَادَتْ أَنَّ زَوْجَهَا عَوَّدَ إِبِلَهُ إِذَا نَزَلَ بِهِ الضِّيفَانُ نَحَرَ لَهُمْ مِنْهَا وَأَتَاهُمْ بِالْعِيدَانِ وَالْمَعَازِفِ وَالشَّرَابِ فَإِذَا سَمِعَتِ الْإِبِلُ صَوْتَ الْمِزْهَرِ عَلِمْنَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَهُ الضِّيفَانُ وَأَنَّهُنَّ مَنْحُورَاتٌ هَوَالِكُ هَذَا تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدٍ وَالْجُمْهُورِ وَقِيلَ مَبَارِكُهَا كَثِيرَةٌ لِكَثْرَةِ مَا يُنْحَرُ مِنْهَا لِلْأَضْيَافِ قَالَ هَؤُلَاءِ وَلَوْ كَانَتْ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُونَ لَمَاتَتْ هُزَالًا وَهَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ فَإِنَّهَا تَسْرَحُ وَقْتًا تَأْخُذُ فِيهِ حَاجَتَهَا ثُمَّ تَبْرُكُ بِالْفِنَاءِ وَقِيلَ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ أَيْ مَبَارِكُهَا فِي الْحُقُوقِ وَالْعَطَايَا وَالْحِمَالَاتِ وَالضِّيفَانِ كثيرة ومراعيها قلية لأنها

تصرف في هذه الوجوه قاله بن السِّكِّيتِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ النَّيْسَابُورِيُّ إِنَّمَا هُوَ إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمُزْهِرِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَهُوَ مُوقِدُ النَّارِ لِلْأَضْيَافِ قَالَ وَلَمْ تَكُنِ الْعَرَبُ تَعْرِفُ الْمِزْهَرَ بِكَسْرِ الْمِيمِ الَّذِي هُوَ الْعُودُ إِلَّا مَنْ خَالَطَ الْحَضَرَ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا خَطَأٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَلِأَنَّ الْمِزْهَرَ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَشْهُورٌ فِي أَشْعَارِ الْعَرَبِ وَلِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ لَهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةَ مِنْ غَيْرِ الْحَاضِرَةِ فَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُنَّ مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْيُمْنِ قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْحَادِي عَشْرَةَ وَفِي بَعْضِهَا الْحَادِيَةَ عَشْرَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَوْلُهَا (أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ هُوَ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مِنْ أُذُنَيَّ عَلَى التَّثْنِيَةِ وَالْحُلِيُّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَالنَّوْسُ بِالنُّونِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْحَرَكَةِ من كل شئ مُتَدَلٍّ يُقَالُ مِنْهُ نَاسَ يَنُوسُ نَوْسًا وَأَنَاسَهُ غَيْرُهُ أَنَاسَةً وَمَعْنَاهُ حَلَّانِي قِرَطَةً وَشُنُوفًا فَهيَ تَنَوَّسُ أَيْ تَتَحَرَّكُ لِكَثْرَتِهَا قَوْلُهَا (وَمَلَأَ مِنْ شحم عضدي) وقال العلماءمعناه أَسْمَنَنِي وَمَلَأ بَدَنِي شَحْمًا وَلَمْ تُرِدِ اخْتِصَاصَ الْعَضُدَيْنِ لَكِنْ إِذَا سَمِنَتَا سَمِنَ غَيْرُهُمَا قَوْلُهَا (وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي) هُوَ بِتَشْدِيدِ جِيمِ بَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ أَفْصَحُهُمَا الْكَسْرُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْفَتْحُ ضَعِيفَةٌ وَمَعْنَاهُ فرحني ففرحت وقال بن الْأَنْبَارِيِّ وَعَظَّمَنِي فَعَظُمْتُ عِنْدَ نَفْسِي يُقَالُ فُلَانٌ يتبجحبكذا أَيْ يَتَعَظَّمُ وَيَفْتَخِرُ قَوْلُهَا (وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ) أَمَّا قَوْلُهَا فِي غُنَيْمَةٍ فَبِضَمِّ الْغَيْنِ تَصْغِيرُ الْغَنَمِ أَرَادَتْ أَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا أَصْحَابَ غَنَمٍ لَا أَصْحَابَ خَيْلٍ وَإِبِلٍ لِأَنَّ الصَّهِيلَ أَصْوَاتُ الْخَيْلِ وَالْأَطِيطَ أَصْوَاتُ الْإِبِلِ وَحَنِينِهَا وَالْعَرَبُ لَا تَعْتَدُّ بِأَصْحَابِ الْغَنَمِ وَإِنَّمَا يَعْتَدُّونَ بِأَهْلِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَأَمَّا قَوْلُهَا بِشِقٍّ فَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ وَفَتْحِهَا وَالْمَعْرُوفُ فِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ وَالْمَشْهُورُ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ كَسْرُهَا وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ فَتْحُهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ بِالْفَتْحِ قَالَ وَالْمُحَدِّثُونَ يَكْسِرُونَهُ قَالَ وَهُوَ مَوْضِعٌ وَقَالَ الهروي الصواب الفتح قال بن الْأَنْبَارِيِّ هُوَ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَهُوَ مَوْضِعٌ وَقَالَ بن أبي أويس وبن حَبِيبٍ يَعْنِي بِشِقِّ جَبَلِ لِقِلَّتِهِمْ وَقِلَّةِ غَنَمِهِمْ وَشِقِّ الْجَبَلِ نَاحِيَتُهُ وَقَالَ القبتيني وَيَقِطُونَهُ بِشِقٍّ بِالْكَسْرِ أَيْ بِشَظَفٍ مِنَ الْعَيْشِ وَجَهْدٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا عِنْدِي أَرْجَحُ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ فَحَصَلَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَقَوْلُهَا وَدَائِسٌ هُوَ الَّذِي يَدُوسُ الزَّرْعَ فِي بَيْدَرِهِ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ يُقَالُ دَاسَ

الطعام درسه وقيل الدائس الأبدك قولهاومنق هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْسِرُ النُّونَ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فَتْحُهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ بِفَتْحِهَا قَالَ وَالْمُحَدِّثُونَ يَكْسِرُونَهَا وَلَا أَدْرِي مَا مَعْنَاهُ قَالَ الْقَاضِي رِوَايَتُنَا فِيهِ بِالْفَتْحِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي عبيد قال وقاله بن أَبِي أُوَيْسٍ بِالْكَسْرِ وَهُوَ مِنَ النَّقِيقِ وَهُوَ أَصْوَاتُ الْمَوَاشِي تَصِفُهُ بِكَثْرَةِ أَمْوَالِهِ وَيَكُونُ مُنَقٍّ مِنْ أَنَقَّ إِذَا صَارَ ذَا نَقِيقٍ أَوْ دَخَلَ فِي النَّقِيقِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَتْحُهَا وَالْمُرَادُ بِهِ الَّذِي يُنَقِّي الطَّعَامَ أَيْ يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ وَقُشُورِهِ وَهَذَا أَجْوَدُ مِنْ قَوْلِ الْهَرَوِيِّ هُوَ الَّذِي يُنَقِّيهِ بِالْغِرْبَالِ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ صَاحِبُ زَرْعٍ وَيَدُوسُهُ وَيُنَقِّيهِ قَوْلُهَا (فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلَا أُقَبَّحُ وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ) مَعْنَاهُ لَا يُقَبِّحُ قَوْلِي فَيَرُدُّ بَلْ يَقْبَلُ مِنِّي وَمَعْنَى أَتَصَبَّحُ أَنَامُ الصُّبْحَةَ وَهِيَ بَعْدَ الصَّبَاحِ أَيْ أَنَّهَا مَكْفِيَّةٌ بِمَنْ يَخْدُمُهَا فَتَنَامُ وَقَوْلُهَا فأتقنح هو بالنون بَعْدَ الْقَافِ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِالنُّونِ قَالَ الْقَاضِي لَمْ نَرْوِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ إِلَّا بِالنُّونِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ فَأَتَقَمَّحُ بِالْمِيمِ قَالَ وَهُوَ أَصَحُّ وَقَالَ أبو عبيد هو بالميم قال وَبَعْضُ النَّاسِ يَرْوِيهِ بِالنُّونِ وَلَا أَدْرِي مَا هَذَا وقَالَ آخَرُونَ النُّونُ وَالْمِيمُ صَحِيحَتَانِ فَأَيُّهُمَا مَعْنَاهُ أُرْوَى حَتَّى أَدَعَ الشَّرَابَ مِنَ شِدَّةِ الرِّيِّ وَمِنْهُ قَمَحَ الْبَعِيرُ يَقْمَحُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الْمَاءِ بَعْدَ الرِّيِّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَلَا أَرَاهَا قَالَتْ هَذِهِ إِلَّا لِعِزَّةِ الْمَاءِ عِنْدَهُمْ وَمَنْ قَالَهُ بِالنُّونِ فَمَعْنَاهُ أَقْطَعُ الْمَشْرَبَ وَأَتَمَهَّلُ فِيهِ وَقِيلَ هُوَ الشُّرْبُ بَعْدَ الرِّيِّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ قَنَحَتِ الْإِبِلُ إِذَا تَكَارَهَتْ وَتَقَنَّحْتُهُ أَيْضًا قَوْلُهَا (عُكُومُهَا رَدَاحٌ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ الْعُكُومُ الْأَعْدَالُ وَالْأَوْعِيَةُ الَّتِي فِيهَا الطَّعَامُ وَالْأَمْتِعَةُ وَاحِدُهَا عِكْمٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَرَدَاحٌ أَيْ عِظَامٌ كَبِيرَةٌ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمَرْأَةِ رَدَاحٌ إِذَا كَانَتْ عَظِيمَةَ الْأَكْفَالِ فَإِنْ قِيلَ رَدَاحٌ مُفْرَدَةٌ فَكَيْفَ وَصَفَ بِهَا الْعُكُومَ وَالْجَمْعُ لَا يَجُوزُ وَصْفُهُ بِالْمُفْرَدِ قَالَ الْقَاضِي جَوَابُهُ أَنَّهُ أَرَادَ كُلَّ عِكْمٍ مِنْهَا رَدَاحٌ أَوْ يَكُونُ رَدَاحٌ هُنَا مَصْدَرًا كَالذَّهَابِ قَوْلُهَا (وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ وَاسِعٌ وَالْفَسِيحُ مِثْلُهُ هَكَذَا فَسَّرَهُ الْجُمْهُورُ قَالَ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ كَثْرَةَ الْخَيْرِ وَالنِّعْمَةِ قَوْلُهَا (مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ

شَطْبَةٍ) الْمَسَلُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَشَطْبَةٌ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ طَاءٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ هَاءٍ وَهِيَ مَا شُطِبَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ أَيْ شُقَّ وَهِيَ السَّعَفَةُ لِأَنَّ الْجَرِيدَةَ تُشَقَّقُ مِنْهَا قُضْبَانٌ رِقَاقٌ مُرَادُهَا أَنَّهُ مُهَفْهَفٌ خَفِيفُ اللَّحْمِ كَالشَّطْبَةِ وَهُوَ مِمَّا يُمْدَحُ بِهِ الرَّجُلُ وَالْمَسَلُّ هُنَا مَصْدَرٌ بمعنى المسلول أي ماسل من قشره وقال بن الْأَعْرَابِيِّ وَغَيْرُهُ أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ أَنَّهُ كَالسَّيْفِ سُلَّ مِنْ غِمْدِهِ قَوْلُهَا (وَتُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ) الذِّرَاعُ مُؤَنَّثَةٌ وَقَدْ تُذَكَّرُ وَالْجَفْرَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ وَقِيلَ مِنَ الضَّأْنِ وَهِيَ مَا بَلَغَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَفُصِلَتْ عَنْ أُمِّهَا وَالذَّكَرُ جَفْرٌ لِأَنَّهُ جَفَرَ جَنْبَاهُ أَيْ عَظُمَا قَالَ الْقَاضِي قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ الْجَفْرَةُ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ وَقَالَ بن الانباري وبن دُرَيْدٍ مِنْ أَوْلَادِ الضَّأْنِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ قَلِيلُ الْأَكْلِ وَالْعَرَبُ تَمْدَحُ بِهِ قَوْلُهَا طَوْعُ أَبِيهَا وَطَوْعُ أُمِّهَا أَيْ مُطِيعَةٌ لَهُمَا مُنْقَادَةٌ لِأَمْرِهِمَا قولها وملء كسائها أي ممتلئة الجسم سمينته وَقَالَتْ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى صِفْرُ رِدَائِهَا بِكَسْرِ الصَّادِ وَالصِّفْرُ الْخَالِي قَالَ الْهَرَوِيُّ أَيْ ضَامِرَةُ الْبَطْنِ وَالرِّدَاءُ يَنْتَهِي إِلَى الْبَطْنِ وَقَالَ غَيْرُهُ مَعْنَاهُ أَنَّهَا خَفِيفَةٌ أَعْلَى الْبَدَنِ وَهُوَ مَوْضِعُ الرِّدَاءِ مُمْتَلِئَةٌ أَسْفَلَهُ وَهُوَ مَوْضِعُ الْكِسَاءِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةِ وَمِلْءُ إِزَارِهَا قال القاضي والأولى أن المراد امتلأ مَنْكِبَيْهَا وَقِيَامُ نَهْدَيْهَا بِحَيْثُ يَرْفَعَانِ الرِّدَاءَ عَنْ أَعْلَى جَسَدِهَا فَلَا يَمَسُّهُ فَيَصِيرُ خَالِيًا بِخِلَافِ أَسْفَلِهَا قَوْلُهَا (وَغَيْظُ جَارَتِهَا) قَالُوا الْمُرَادُ بِجَارَتِهَا ضَرَّتُهَا يَغِيظُهَا مَا تَرَى مِنْ حَسَنِهَا وَجَمَالِهَا وَعِفَّتِهَا وَأَدَبِهَا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَعَقْرُ جَارَتِهَا هَكَذَا هُوَ فِي النَّسْخِ عَقْرُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْقَافِ قَالَ الْقَاضِي كَذَا ضَبَطْنَاهُ عَنْ جَمِيعِ شُيُوخِنَا قَالَ وَضَبَطَهُ الْجَيَّانِيُّ عَبْرُ بِضَمِّ العين واسكان الباء الموحدة وكذا ذكر هـ بن الْأَعْرَابِيِّ وَكَأَنَّ الْجَيَّانِيُّ أَصْلَحَهُ مِنْ كِتَابِ الْأَنْبَارِيِّ وَفَسَّرَهُ الْأَنْبَارِيُّ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنَ الِاعْتِبَارِ أَيْ تَرَى مِنْ حُسْنِهَا وَعِفَّتِهَا وَعَقْلِهَا مَا تُعْتَبَرُ بِهِ وَالثَّانِي مِنَ الْعَبْرَةِ وَهِيَ الْبُكَاءُ أَيْ تَرَى مِنْ ذَلِكَ مَا يُبْكِيهَا لِغَيْظِهَا وَحَسَدِهَا وَمَنْ رَوَاهُ بِالْقَافِ فَمَعْنَاهُ تَغَيُّظُهَا فَتَصِيرُ كمعقور وقيل تدهشها من قولهم عقر ذا دَهَشَ قَوْلُهَا (لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا) هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَيْنَ الْمُثَنَّاةِ وَالْمُثَلَّثَةِ أَيْ لَا تشيعه

وَتُظْهِرُهُ بَلْ تَكْتُمُ سِرَّنَا وَحَدِيثَنَا كُلَّهُ وَرُوِيَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ تَنُثُّ وَهُوَ بِالنُّونِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ أَيْ لَا تُظْهِرُهُ قَوْلُهَا (وَلَا تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا) الْمِيرَةُ الطَّعَامُ الْمَجْلُوبُ وَمَعْنَاهُ لَا تُفْسِدُهُ وَلَا تُفَرِّقُهُ وَلَا تَذْهَبُ بِهِ وَمَعْنَاهُ وَصْفُهَا بِالْأَمَانَةِ قَوْلُهَا (وَلَا تَمْلَأُ بيتنا تعشيشا) هو بالعين المهملة أَيْ لَا تَتْرُكُ الْكُنَاسَةَ وَالْقُمَامَةَ فِيهِ مُفَرَّقَةً كَعُشِّ الطَّائِرِ بَلْ هِيَ مُصْلِحَةٌ لِلْبَيْتِ مُعْتَنِيَةٌ بِتَنْظِيفِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا تَخُونُنَا فِي طَعَامِنَا فِي زَوَايَا الْبَيْتِ كَأَعْشَاشِ الطَّيْرِ وَرُوِيَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ تَغْشِيشًا بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ الْغِشِّ قِيلَ فِي الطَّعَامِ وَقِيلَ مِنَ النَّمِيمَةِ أَيْ لَا تَتَحَدَّثُ بِنَمِيمَةٍ قَوْلُهَا (وَالْأَوْطَابُ تُمْخَضُ) هُوَ جَمْعُ وَطْبٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ وَهُوَ جَمْعٌ قَلِيلُ النَّظِيرِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ وَالْوِطَابُ وَهُوَ الْجَمْعُ الْأَصْلِيُّ وَهِيَ سَقِيَّةُ اللَّبَنِ الَّتِي يُمْخَضُ فِيهَا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ جَمْعُ وَطْبَةٍ قَوْلُهَا (يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ أَنَّهَا ذَاتُ كِفْلٍ عَظِيمٍ فَإِذَا اسْتَلْقَتْ عَلَى قَفَاهَا! نَتَأَ الْكِفْلُ بِهَا مِنَ الْأَرْضِ حَتَّى تَصِيرَ تَحْتَهَا فَجْوَةً يَجْرِي فِيهَا الرُّمَّانُ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ بِالرُّمَّانَتَيْنِ هُنَا ثَدْيَاهَا وَمَعْنَاهُ أَنَّ لَهَا نَهْدَيْنِ حَسَنَيْنِ صَغِيرَيْنِ كَالرُّمَّانَتَيْنِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا أَرْجَحُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ رُوِيَ مِنْ تَحْتِ صَدْرِهَا وَمَنْ تَحْتِ دِرْعِهَا وَلِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِرَمْيِ الصِّبْيَانِ الرُّمَّانَ تَحْتَ ظُهُورِ أُمَّهَاتِهِمْ وَلَا جَرَتِ الْعَادَةُ أَيْضًا بِاسْتِلْقَاءِ النِّسَاءِ كَذَلِكَ حَتَّى يُشَاهِدَهُ مِنْهُنَّ الرِّجَالُ قَوْلُهَا (فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سِرِّيًّا رَكِبَ شَرِيًّا) أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى الْقَاضِي عن بن السِّكِّيتِ أَنَّهُ حَكَى فِيهِ الْمُهْمَلَةَ وَالْمُعْجَمَةَ وَأَمَّا الثَّانِي فَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بِلَا خِلَافٍ فَالْأَوَّلُ مَعْنَاهُ سَيِّدًا شَرِيفًا وَقِيلَ سَخِيًّا وَالثَّانِي هُوَ الْفَرَسُ الَّذِي يَسْتَشْرِي فِي سَيْرِهِ أَيْ يُلِحُّ وَيَمْضِي بلا فتور ولا انكسار وقال بن السِّكِّيتِ هُوَ الْفَرَسُ الْفَائِقُ الْخِيَارُ قَوْلُهَا (وَأَخَذَ خَطِّيًّا) هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْأَكْثَرُ غَيْرَهُ وَمِمَّنْ حَكَى الْكَسْرَ أَبُو الْفَتْحِ الْهَمْدَانِيُّ فِي كِتَابِ الِاشْتِقَاقِ قَالُوا وَالْخَطِّيُّ الرُّمْحُ مَنْسُوبٌ إِلَى الْخَطِّ قَرْيَةٍ مِنْ سَيْفِ الْبَحْرِ أَيْ سَاحِلِهِ عِنْدَ عَمَّانَ وَالْبَحْرَيْنِ قَالَ أَبُو الْفَتْحِ قِيلَ لَهَا

الْخَطُّ لِأَنَّهَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ وَالسَّاحِلُ يُقَالُ له الْخَطُّ لِأَنَّهُ فَاصِلٌ بَيْنَ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَسُمِّيَتِ الرِّمَاحُ خَطِّيَّةٌ لِأَنَّهَا تُحْمَلُ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَتُثَقَّفُ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الْخَطَّ مَنْبَتُ الرِّمَاحِ قَوْلُهَا (وَأَرَاحَ عَلَيَّ نِعَمًا ثَرِيًّا) أَيْ أَتَى بِهَا إِلَى مُرَاحِهَا بِضَمِّ الْمِيمِ هُوَ مَوْضِعُ مَبِيتِهَا وَالنَّعَمُ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بَعْضُهَا وَهِيَ الْإِبِلُ وَادَّعَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ النَّعَمَ مُخْتَصَّةٌ بِالْإِبِلِ وَالثَّرِيُّ بِالْمُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْكَثِيرُ مِنَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ وَمِنْهُ الثَّرْوَةُ فِي الْمَالِ وَهِيَ كَثْرَتُهُ قَوْلُهَا (وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا) فَقَوْلُهَا مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ أَيْ مِمَّا يَرُوحُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْعَبِيدِ وَقَوْلُهَا زَوْجًا أَيِ اثْنَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ صِنْفًا وَالزَّوْجُ يَقَعُ عَلَى الصِّنْفِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وكنتم أزواجا ثلاثة قَوْلُهَا فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ ذَابِحَةٍ زَوْجًا هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ ذَابِحَةٍ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مِنْ كُلِّ مَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَغَيْرِهَا وَهِيَ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ قَوْلُهُ (مِيرِي أَهْلَكِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ مِنَ الْمِيرَةِ أَيْ أَعْطِيهِمْ وَافْضُلِي عَلَيْهِمْ وَصِلِيهِمْ قَوْلُهَا فِي الرِّوَايَةِ الثانية ولا تنقث ميرتنا تنقيثا فقولهاتنقث بِفَتْحِ التَّاءِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَضَمِّ الْقَافِ وَجَاءَ قولها تنقيثا مصدرا عَلَى غَيْرِ الْمَصْدَرِ وَهُوَ جَائِزٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَمُرَادُهُ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَقَعَتْ بِالتَّخْفِيفِ كَمَا ضَبَطْنَاهُ وَفِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ تُنَقِّثُ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْقَافِ الْمُشَدَّدَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هُوَ تَطْيِيبٌ لِنَفْسِهَا وَإِيضَاحٌ لِحُسْنِ عِشْرَتِهِ إِيَّاهَا وَمَعْنَاهُ أَنَا لَكَ كَأَبِي زَرْعٍ وَكَانَ زَائِدَةٌ أَوْ لِلدَّوَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وكان الله غفورا رحيما أَيْ كَانَ فِيمَا مَضَى وَهُوَ بَاقٍ كَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي حَدِيثِ أُمِّ زرع هذا فوائد منهااستحباب حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ لِلْأَهْلِ وَجَوَازُ الْإِخْبَارِ عَنِ الْأُمَمِ الخالية وأن المشبه بالشئ لا يلزم كونه مثله في كل شئ وَمِنْهَا أَنَّ كِنَايَاتُ الطَّلَاقِ لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ إِلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ وَمِنْ جُمْلَةِ أَفْعَالِ أَبِي زَرْعٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أُمَّ زَرْعٍ

كَمَا سَبَقَ وَلَمْ يَقَعْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَاقٌ بِتَشْبِيهِهِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ قَالَ الْمَازِرِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ وَفِيهِ أَنَّ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةَ ذَكَرَ بَعْضُهُنَّ أَزْوَاجَهُنَّ بِمَا يَكْرَهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ غِيبَةً لِكَوْنِهِمْ لَا يُعْرَفُونَ بِأَعْيَانِهِمْ أَوْ أَسْمَائِهِمْ وَإِنَّمَا الْغِيبَةُ الْمُحَرَّمَةُ أَنْ يَذْكُرَ إِنْسَانًا بِعَيْنِهِ أَوْ جَمَاعَةً بِأَعْيَانِهِمْ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَى هَذَا الِاعْتِذَارِ لَوْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ امْرَأَةً تَغْتَابُ زَوْجَهَا وَهُوَ مَجْهُولٌ فَأَقَرَّ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا هَذِهِ الْقَضِيَّةُ فَإِنَّمَا حَكَتْهَا عَائِشَةُ عَنْ نِسْوَةٍ مَجْهُولَاتٍ غَائِبَاتٍ لَكِنْ لَوْ وصفت اليوم امرأة زوجها بما يكرهه وهومعروف عِنْدَ السَّامِعِينَ كَانَ غِيبَةً مُحَرَّمَةً فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا لَا يُعْرَفُ بَعْدَ الْبَحْثِ فَهَذَا لَا حَرَجَ فِيهِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَمَا قَدَّمْنَا وَيَجْعَلُهُ كَمَنْ قَالَ فِي الْعَالِمِ مَنْ يَشْرَبُ أَوْ يَسْرِقُ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَفِيمَا قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ احْتِمَالٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ صَدَقَ الْقَائِلُ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ مَجْهُولًا عِنْدَ السَّامِعِ وَمَنْ يَبْلُغُهُ الْحَدِيثُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ غِيبَةً لِأَنَّهُ لَا يَتَأَذَّى إِلَّا بِتَعْيِينِهِ قَالَ وَقَدْ قَالَ ابراهيم لا يكون غيبة مالم يُسَمِّ صَاحِبَهَا بِاسْمِهِ أَوْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ بِمَا يَفْهَمُ بِهِ عَنْهُ وَهَؤُلَاءِ النِّسْوَةُ مَجْهُولَاتُ الْأَعْيَانِ وَالْأَزْوَاجِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُنَّ إِسْلَامٌ فَيُحْكَمَ فِيهِنَّ بِالْغِيبَةِ لَوْ تَعَيَّنَ فَكَيْفَ مَعَ الْجَهَالَةِ وَاللَّهُ أعلم

(باب من فضائل فاطمة رضي الله عنها)

(باب من فضائل فاطمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2449] (إِنَّ بَنِي هَاشِمِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَلَا آذَنُ لَهُمْ ثُمَّ لَا آذَنُ لَهُمْ ثُمَّ لَا آذَنُ لهم إلا أن يحب بن أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ فَإِنَّمَا ابْنَتِي بَضْعَةٌ مِنِّي يَرِيبُنِي مَا رَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنِّي لست أحرم حلالا ولا أحل حراما ولكن وَاَللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ مَكَانًا وَاحِدًا أَبَدًا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِنَّ فَاطِمَةَ مُضْغَةٌ مِنِّي وَأَنَا أَكْرَهُ أن يفتنوها أما البضعة فبفتح الباء لايجوز غَيْرُهُ وَهِيَ قِطْعَةُ اللَّحْمِ وَكَذَلِكَ الْمُضْغَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَأَمَّا يَرِيبُنِي فَبِفَتْحِ الْيَاءِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ الحربي الريب ما رابك من شئ خِفْتَ عُقْبَاهُ وَقَالَ الْفَرَّاءُ رَابَ وَأَرَابَ بِمَعْنًى وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ رَابَنِي الْأَمْرُ تَيَقَّنْتُ مِنْهُ الرِّيبَةَ وَأَرَابَنِي شَكَّكَنِي وَأَوْهَمَنِي وَحُكِيَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ أَيْضًا وَغَيْرِهِ كَقَوْلِ الْفَرَّاءِ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ

تَحْرِيمُ إِيذَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكُلِّ حَالٍ وَعَلَى كُلِّ وَجْهٍ وَإِنْ تَوَلَّدَ ذَلِكَ الْإِيذَاءُ مِمَّا كَانَ أَصْلُهُ مُبَاحًا وَهُوَ حَيٌّ وَهَذَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ قَالُوا وَقَدْ أَعْلَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِبَاحَةِ نِكَاحِ بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ لِعَلِيٍّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلَالًا وَلَكِنْ نَهَى عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِعِلَّتَيْنِ مَنْصُوصَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى أَذَى فَاطِمَةَ فَيَتَأَذَّى حِينَئِذٍ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَهْلِكُ مَنْ أَذَاهُ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ عَلَى عَلِيٍّ وَعَلَى فَاطِمَةَ وَالثَّانِيَةُ خَوْفُ الْفِتْنَةِ عَلَيْهَا بِسَبَبِ الْغَيْرَةِ وَقِيلَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ النَّهْيَ عَنْ جَمْعِهِمَا بَلْ مَعْنَاهُ أَعْلَمُ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أَنَّهُمَا لَا تَجْتَمِعَانِ كَمَا قَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ وَاَللَّهِ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرَّبِيعِ وَيُحْتَمَلُ أن المراد تحريم جمعهما ويكون مَعْنَى لَا أُحَرِّمُ حَلَالًا أَيْ لَا أَقُولُ شَيْئًا يُخَالِفُ حُكْمَ اللَّهِ فَإِذَا أَحَلَّ شَيْئًا لَمْ أُحَرِّمْهُ وَإِذَا حَرَّمَهُ لَمْ أُحَلِّلْهُ وَلَمْ أَسْكُتْ عَنْ تَحْرِيمِهِ لِأَنَّ سُكُوتِي تَحْلِيلٌ لَهُ وَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ الْجَمْعُ بَيْنَ بنت نبي

اللَّهِ وَبِنْتِ عَدُوِّ اللَّهِ قَوْلُهُ (ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ) هُوَ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ

زَوْجُ زَيْنَبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصِّهْرُ يُطْلَقُ عَلَى الزَّوْجِ وَأَقَارِبِهِ وَأَقَارِبِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ من صهرت الشئ وَأَصْهَرْتُهُ إِذَا قَرَّبْتُهُ وَالْمُصَاهَرَةُ مُقَارَبَةٌ بَيْنَ الْأَجَانِبِ وَالْمُتَبَاعِدِينَ قَوْلُهَا [2450] (فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ مَنْ يَلْحَقُ بِهِ مِنْ أَهْلِهِ فَضَحِكْتُ) هَذِهِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ مُعْجِزَتَانِ فَأَخْبَرَ بِبَقَائِهَا بَعْدَهُ وَبِأَنَّهَا أَوَّلُ أَهْلِهِ لَحَاقًا بِهِ وَوَقَعَ كَذَلِكَ

وَضَحِكَتْ سُرُورًا بِسُرْعَةِ لَحَاقِهَا وَفِيهِ إِيثَارُهُمُ الْآخِرَةَ وَسُرُورُهُمْ بِالِانْتِقَالِ إِلَيْهَا وَالْخَلَاصِ مِنَ الدُّنْيَا قَوْلُهَا (فَأَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَذِكْرُ الْمَرَّتَيْنِ شَكٌّ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا كَمَا فِي بَاقِي الروايات قوله صلى الله عليه وسلم (لاأرى الْأَجَلَ إِلَّا قَدِ اقْتَرَبَ فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي فَإِنَّهُ نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ) أُرَى

باب من فضائل أم سلمة رضي الله عنها

بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّ وَالسَّلَفُ الْمُتَقَدِّمُ وَمَعْنَاهُ أَنَا مُتَقَدِّمٌ قُدَّامَكِ فَتَرِدِينَ عَلَيَّ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَمَا تَرْضَيْ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ ترضي وهو لغة والمشهور ترضين (باب من فضائل أم سلمة رضي الله عنها) قَوْلُهُ فِي السُّوقِ [2451] (إِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمَعْرَكَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ مَوْضِعُ الْقِتَالِ لِمُعَارَكَةِ الْأَبْطَالِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِيهَا وَمُصَارَعَتِهِمْ فَشَبَّهَ السُّوقَ وَفِعْلَ الشَّيْطَانِ بِأَهْلِهَا وَنَيْلَهُ مِنْهُمْ بِالْمَعْرَكَةِ لِكَثْرَةِ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْبَاطِلِ كَالْغِشِّ وَالْخِدَاعِ وَالْأَيْمَانِ الْخَائِنَةِ وَالْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَالنَّجْشِ وَالْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَالشِّرَاءِ عَلَى شِرَائِهِ وَالسَّوْمِ عَلَى سَوْمِهِ وَبَخْسِ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ قَوْلُهُ (وَبِهَا تُنْصَبُ رَايَتُهُ) إِشَارَةٌ إِلَى ثُبُوتِهِ هُنَاكَ وَاجْتِمَاعِ أَعْوَانِهِ إِلَيْهِ لِلتَّحْرِيشِ بَيْنَ النَّاسِ وَحَمْلِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْمَفَاسِدِ الْمَذْكُورَةِ وَنَحْوِهَا فَهِيَ مَوْضِعُهُ وَمَوْضِعُ أَعْوَانِهِ وَالسُّوقُ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِقِيَامِ النَّاسِ فِيهَا عَلَى

(باب من فضائل زينب أم المؤمنين رضي الله عنها)

سُوقِهِمْ قَوْلُهُ (أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ رَأَتْ جِبْرِيلَ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ) هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ لِأُمِّ سَلَمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَفِيهِ جَوَازُ رُؤْيَةِ الْبَشَرِ الْمَلَائِكَةَ وَوُقُوعِ ذَلِكَ وَيَرَوْنَهُمْ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى رُؤْيَتِهِمْ عَلَى صُوَرِهِمْ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى جِبْرِيلَ عَلَى صُورَةِ دِحْيَةَ غَالِبًا وَرَآهُ مَرَّتَيْنِ عَلَى صُورَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ قَوْلُهَا (يُخْبِرُ خَبَرَنَا) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَالنُّسَخِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ يُخْبِرُ خَبَرَ جِبْرِيلَ قَالَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ عَلَى الصَّوَابِ (بَاب مِنْ فَضَائِلِ زَيْنَبَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) قَوْلُهَا [2452] (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتَهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا قَالَتْ فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَدًا زَيْنَبُ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَصَدَّقُ) مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُنَّ ظَنَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِطُولِ الْيَدِ طُولُ الْيَدِ الْحَقِيقِيَّةِ وَهِيَ الْجَارِحَةُ فَكُنَّ يَذْرَعْنَ أَيْدِيَهُنَّ بِقَصَبَةٍ فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ جَارِحَةً وَكَانَتْ زَيْنَبُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا فِي الصَّدَقَةِ وَفِعْلِ الْخَيْرِ فَمَاتَتْ زَيْنَبُ أَوَّلُهُنَّ فَعَلِمُوا أَنَّ الْمُرَادَ طُولُ الْيَدِ فِي الصَّدَقَةِ وَالْجُودِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ فُلَانٌ طَوِيلُ

(باب من فضائل أم أيمن رضي الله عنها)

الْيَدِ وَطَوِيلُ الْبَاعِ إِذَا كَانَ سَمْحًا جَوَادًا وَضِدُّهُ قَصِيرُ الْيَدِ وَالْبَاعِ وَجَدُّ الْأَنَامِلِ وَفِيهِ مُعْجِزَةٌ بَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِزَيْنَبَ وَوَقَعَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنَ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظٍ مُتَعَقِّدٍ يُوهِمُ أَنَّ أَسْرَعَهُنَّ لَحَاقًا سَوْدَةُ وَهَذَا الْوَهَمُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ (بَاب مِنْ فَضَائِلِ أُمِّ أَيْمَنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) قَوْلُهُ [2453] (انْطَلَقَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ فَنَاوَلَتْهُ إِنَاءً فِيهِ شَرَابٌ فَلَا أَدْرِي أَصَادَفَتْهُ صَائِمًا أَوْ لَمْ يُرِدْهُ فَجَعَلَتْ تَصْخَبُ عَلَيْهِ وَتَذْمُرُ عَلَيْهِ) قَوْلُهُ تَصْخَبُ أَيْ تَصِيحُ وَتَرْفَعُ صَوْتَهَا إِنْكَارًا لِإِمْسَاكِهِ عَنْ شُرْبِ الشَّرَابِ وَقَوْلُهُ تَذْمُرُ هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ وَيُقَالُ تَذَمَّرُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالذَّالِ وَالْمِيمِ أَيْ تَتَذَمَّرُ وَتَتَكَلَّمُ بِالْغَضَبِ يُقَالُ ذَمَرَ يَذْمُرُ كَقَتَلَ يَقْتُلُ إِذَا غَضِبَ وَإِذَا تَكَلَّمَ بِالْغَضَبِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ الشَّرَابَ عَلَيْهَا إِمَّا لِصِيَامٍ وَإِمَّا لِغَيْرِهِ فَغَضِبَتْ وَتَكَلَّمَتْ بِالْإِنْكَارِ وَالْغَضَبِ وَكَانَتْ تَدِلُّ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهَا حَضَنَتْهُ وَرَبَّتْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ أُمُّ أَيْمَنَ أُمِّي بَعْدَ أُمِّي وَفِيهِ أَنَّ لِلضَّيْفِ الِامْتِنَاعَ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ الَّذِي يُحْضِرُهُ الْمُضِيفُ إِذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ صَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ قَوْلُهُ [2454] (قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(باب فضائل أم سليم أم أنس بن مالك وبلال رضي الله

يَزُورُهَا) فِيهِ زِيَارَةُ الصَّالِحِينَ وَفَضْلُهَا وَزِيَارَةُ الصَّالِحِ لِمَنْ هُوَ دُونَهُ وَزِيَارَةُ الْإِنْسَانِ لِمَنْ كَانَ صَدِيقُهُ يَزُورُهُ وَلِأَهْلِ وُدِّ صَدِيقِهِ وَزِيَارَةُ جَمَاعَةٍ مِنَ الرِّجَالِ لِلْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ وَسَمَاعِ كَلَامِهَا وَاسْتِصْحَابُ الْعَالِمِ وَالْكَبِيرِ صَاحِبًا لَهُ فِي الزِّيَارَةِ وَالْعِيَادَةِ وَنَحْوِهِمَا وَالْبُكَاءُ حُزْنًا عَلَى فِرَاقِ الصَّالِحِينَ وَالْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانُوا قَدِ انْتَقَلُوا إِلَى أَفْضَلَ مِمَّا كانوا عليه والله اعلم (باب فَضَائِلِ أُمِّ سُلَيْمٍ أُمِّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَبِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) قَوْلُهُ [2455] (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدْخُلُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِ إلا على أُمِّ سُلَيْمٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي أَرْحَمُهَا قُتِلَ أَخُوهَا مَعِي) قَدْ قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْجِهَادِ عِنْدَ ذِكْرِ أُمِّ حَرَامٍ أُخْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ أَنَّهُمَا كَانَتَا خَالَتَيْنِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْرَمَيْنِ إِمَّا مِنَ الرَّضَاعِ وَإِمَّا مِنَ النَّسَبِ فَتَحِلُّ لَهُ الْخَلْوَةُ بِهِمَا وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِمَا خَاصَّةً لَا يَدْخُلُ عَلَى غَيْرِهِمَا مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا أَزْوَاجِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ فَفِيهِ جَوَازُ دُخُولِ الْمَحْرَمِ عَلَى مَحْرَمِهِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَنْعِ دُخُولِ الرَّجُلِ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي تَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ أَرَادَ امْتِنَاعَ الْأَمَةِ مِنَ الدُّخُولِ عَلَى الْأَجْنَبِيَّاتِ فِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالتَّوَاضُعِ وَمُلَاطَفَةِ الضُّعَفَاءِ وَفِيهِ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَقَدْ رَتَّبَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا مَسَائِلَ فِي الطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ وَمِثْلُهَ فِي الْقُرْآنِ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2456] (دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْفَةً قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذِهِ الْغُمَيْصَاءُ بِنْتُ مِلْحَانَ أُمِّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أَمَّا الْخَشْفَةُ فَبِخَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ شِينٍ سَاكِنَةٍ مُعْجَمَتَيْنِ وَهِيَ حَرَكَةُ الْمَشْيِ وَصَوْتُهُ وَيُقَالُ أَيْضًا بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْغُمَيْصَاءُ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مَمْدُودَةٌ وَيُقَالُ لَهَا الرُّمَيْصَاءُ أَيْضًا وَيُقَالُ بالسين قال بن عبد البرأم سُلَيْمٍ هِيَ الرُّمَيْصَاءُ وَالْغُمَيْصَاءُ وَالْمَشْهُورُ فِيهِ الْغَيْنُ وَأُخْتُهَا أُمُّ حَرَامٍ الرُّمَيْصَاءُ وَمَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبٌ وَالرَّمْصُ وَالْغَمْصُ قَذًى يَابِسٌ وَغَيْرُ يَابِسٍ يَكُونُ فِي أَطْرَافِ الْعَيْنِ وَهَذَا مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأُمِّ سُلَيْمٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2457] (سَمِعْتُ خَشْخَشَةً أَمَامِي فَإِذَا بِلَالٌ) هِيَ صَوْتُ الْمَشْيِ الْيَابِسِ اذا حك بعضه بعضا قَوْلُهُ [2144] (فِي حَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ مَعَ زَوْجِهَا أَبِي طَلْحَةَ حِينَ مَاتَ ابْنُهُمَا) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَضَرْبُهَا لِمِثْلِ الْعَارِيَةِ دَلِيلٌ لِكَمَالِ عِلْمِهَا وَفَضْلِهَا وَعِظَمِ إِيمَانِهَا وَطُمَأْنِينَتِهَا قَالُوا وَهَذَا الْغُلَامُ الَّذِي تُوُفِّيَ هُوَ أبو عمير صاحب النغير وغابر لَيْلَتِكُمَا أَيْ مَاضِيهَا وَقَوْلُهُ لَا يَطْرُقُهَا طُرُوقًا أي لا

يُدْخِلُهَا فِي اللَّيْلِ قَوْلُهُ (فَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ) هُوَ الطَّلْقُ وَوَجَعُ الْوِلَادَةِ وَفِيهِ اسْتِجَابَةُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَجَاءَ مِنْ وَلَدِهِ عَشَرَةُ رِجَالٍ عُلَمَاءُ أَخْيَارٌ وَفِيهِ كَرَامَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَبِي طَلْحَةَ وَفَضَائِلُ لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَفِيهِ تَحْنِيكِ الْمَوْلُودِ وَأَنَّهُ يُحْمَلُ إِلَى صَالِحٍ لِيُحَنِّكَهُ وَأَنَّهُ يَجُوزُ تَسْمِيَتُهُ فِي يَوْمِ وِلَادَتِهِ وَاسْتِحْبَابُ التَّسْمِيَةِ بِعَبْدِ اللَّهِ وَكَرَاهَةُ الطُّرُوقِ لِلْقَادِمِ من سفر

إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَهْلُهُ بِقُدُومِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَفِيهِ جَوَازُ وَسْمُ الْحَيَوَانِ لِيَتَمَيَّزَ وَلِيُعْرَفَ فَيَرُدَّهَا مَنْ وَجَدَهَا وَفِيهِ تَوَاضُعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووسمه بيده قَوْلُهُ [2458] (لَا أَتَطَهَّرُ طُهُورًا تَامًّا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كَتَبَ اللَّهُ أَنْ أُصَلِّيَ مَعْنَاهُ قَدَّرَ اللَّهُ لِي وَفِيهِ فَضِيلَةُ الصَّلَاةِ عَقِبَ الْوُضُوءِ وَأَنَّهَا سُنَّةٌ وَأَنَّهَا تُبَاحُ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَاسْتِوَائِهَا وَغُرُوبِهَا وَبَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ لِأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ وَهَذَا مذهبنا

(باب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه رضي الله عنهما)

(بَاب مِنْ فَضَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وأمه رضي الله عَنْهُمَا) قَوْلُهُ [2459] (لَمَّا نَزَلَتْ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمنوا وعملوا الصالحات جناح قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل لي أنت منهم) معناه أن بن مَسْعُودٍ مِنْهُمْ قَوْلُهُ [2460] (فَكُنَّا حِينًا وَمَا نَرَى بن مَسْعُودٍ وَأُمَّهُ إِلَّا مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَثْرَةِ دُخُولِهِمْ وَلُزُومِهِمْ لَهُ) أَمَّا قَوْلُهُ كُنَّا فَمَعْنَاهُ مَكَثْنَا وَقَوْلُهُ حِينًا أَيْ زَمَانًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وأصحابه ومحققوا أهل وَغَيْرُهُمْ الْحِينُ يَقَعُ عَلَى الْقِطْعَةِ مِنَ الدَّهْرِ طالت أم قصرت وقوله مَا نُرَى بِضَمِّ النُّونِ أَيْ مَا نَظُنُّ وَقَوْلُهُ كَثْرَةِ بِفَتْحِ الْكَافِ عَلَى الْفَصِيحِ الْمَشْهُورِ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ كَسْرَهَا وَقَوْلُهُ دُخُولُهُمْ وَلُزُومُهُمْ جَمَعَهُمَا وَهُمَا اثْنَانِ هُوَ وَأُمُّهُ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ يَجُوزُ جَمْعُهُمَا

بِالِاتِّفَاقِ لَكِنَّ الْجُمْهُورَ يَقُولُونَ أَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ فَجَمْعُ الِاثْنَيْنِ مَجَازٌ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أَقَلُّهُ اثْنَانِ

فجمعهما حقيقة قوله [2462] (عن بن مَسْعُودٍ قَالَ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يوم القيامة ثُمَّ قَالَ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ تَأْمُرُونَنِي أَنْ أقرأ إلى آخره) فيه مَحْذُوفٌ وَهُوَ مُخْتَصَرٌ مِمَّا جَاءَ فِي غَيْرِ هذه الرواية معناه أن بن مسعود كان مصحفه يخالف مُصْحَفُ الْجُمْهُورِ وَكَانَتْ مَصَاحِفُ أَصْحَابِهِ كَمُصْحَفِهِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَأَمَرُوهُ بِتَرْكِ مُصْحَفِهِ وَبِمُوَافَقَةِ مُصْحَفِ الجمهور وطلبوا مُصْحَفَهُ أَنْ يَحْرُقُوهُ كَمَا فَعَلُوا بِغَيْرِهِ فَامْتَنَعَ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ غُلُّوا مَصَاحِفَكُمْ أَيِ اكْتُمُوهَا وَمَنْ يغلل يأت بما غل يوم القيامة يَعْنِي فَإِذَا غَلَلْتُمُوهَا جِئْتُمْ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَفَى لَكُمْ بِذَلِكَ شَرَفًا ثُمَّ قَالَ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ وَمَنْ هُوَ الَّذِي تَأْمُرُونَنِي أَنْ آخُذَ بِقِرَاءَتِهِ وَأَتْرُكَ مُصْحَفِي الَّذِي أَخَذْتُهُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ [2463] (وَلَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ قَالَ شَقِيقٌ فَجَلَسْتُ فِي حَلَقِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا يَعِيبُهُ) الْحَلَقُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَاللَّامِ وَيُقَالُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَهَا الْحَرْبِيُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَهُوَ جَمْعُ حَلْقَةٍ بِإِسْكَانِ اللَّامِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ فَتْحَهَا أَيْضًا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ فَتْحَهَا ضَعِيفٌ فَعَلَى قَوْلِ الْحَرْبِيِّ هُوَ كَتَمْرٍ وَتَمْرَةٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ ذِكْرِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِالْفَضِيلَةِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوِهِ لِلْحَاجَةِ وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ فَإِنَّمَا هُوَ لِمَنْ زَكَّاهَا وَمَدَحَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ بَلْ لِلْفَخْرِ وَالْإِعْجَابِ وَقَدْ كَثُرَتْ

تَزْكِيَةُ النَّفْسِ مِنَ الْأَمَاثِلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ كَدَفْعِ شَرٍّ عَنْهُ بِذَلِكَ أَوْ تَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ لِلنَّاسِ أَوْ تَرْغِيبٍ فِي أَخْذِ الْعِلْمِ عَنْهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَمِنَ الْمَصْلَحَةِ قَوْلُ يُوسُفُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إني حفيظ عليم وَمِنْ دَفْعِ الشَّرِّ قَوْلُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي وَقْتِ حِصَارِهِ أَنَّهُ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ وَحَفَرَ بِئْرَ رُومَةَ وَمِنَ التَّرْغِيبِ قَوْلُ بن مَسْعُودٍ هَذَا وَقَوْلُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنِّي وَقَوْلُ غَيْرِهِ عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ وَأَشْبَاهُهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الرِّحْلَةِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَالذَّهَابِ إِلَى الْفُضَلَاءِ حَيْثُ كَانُوا وَفِيهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُنْكِرُوا قَوْلَ بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَعْلَمُهُمْ وَالْمُرَادُ أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ بِالسُّنَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْهُمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ يَكُونُ وَاحِدٌ أَعْلَمُ مِنْ آخَرَ بِبَابٍ مِنَ الْعِلْمِ أَوْ بِنَوْعٍ وَالْآخَرُ أَعْلَمُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَقَدْ يَكُونُ وَاحِدٌ أَعْلَمُ مِنْ آخَرَ وَذَاكَ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ بِزِيَادَةِ تَقْوَاهُ وَخَشْيَتِهِ وَوَرَعِهِ وَزُهْدِهِ وَطَهَارَةِ قَلْبِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ الْأَرْبَعَةَ كل منهم أفضل من بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2464] (خُذُوا القرآن من أربعة وذكر منهم بن مَسْعُودٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ ضَبْطًا لِأَلْفَاظِهِ وَأَتْقَنُ لِأَدَائِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ أَفْقَهَ فِي مَعَانِيهِ مِنْهُمْ أَوْ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ تَفَرَّغُوا لِأَخْذِهِ مِنْهُ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشَافَهَةً وَغَيْرُهُمُ اقْتَصَرُوا عَلَى أَخْذِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ أَوْ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ تَفَرَّغُوا لِأَنْ يُؤْخَذَ عَنْهُمْ أَوْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ الْإِعْلَامَ بِمَا يَكُونُ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَقَدُّمِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَتَمَكُّنِهِمْ وَأَنَّهُمْ أَقْعَدُ من غيرهم في ذلك فليؤخذ عنهم

(باب من فضائل أبي بن كعب وجماعة من الأنصار)

(بَاب مِنْ فَضَائِلِ أبي بن كعب وجماعة من الأنصار) رضي الله عَنْهُمْ قَوْلُهُ [2465] (جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبِيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو زَيْدٍ) قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ بَعْضُ الْمَلَاحِدَةِ فِي تَوَاتُرِ الْقُرْآنِ وَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ غَيْرَ الْأَرْبَعَةِ لَمْ يَجْمَعْهُ فَقَدْ يَكُونُ مُرَادُهُ الَّذِينَ عَلِمَهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ أَرْبَعَةٌ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُهُمْ فَلَمْ يَنْفِهِمْ وَلَوْ نَفَاهُمْ كَانَ الْمُرَادُ نَفْيَ عِلْمِهِ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ رَوَى غَيْرُ مُسْلِمٍ حِفْظَ جَمَاعَاتٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ مِنْهُمُ الْمَازِرِيُّ خَمْسَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ مِمَّنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَكَانَتِ الْيَمَامَةُ قَرِيبًا مِنْ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ جَامِعِيهِ يَوْمئِذٍ فَكَيْفَ الظَّنُّ بِمَنْ لَمْ يُقْتَلْ مِمَّنْ حَضَرَهَا وَمَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا وَبَقِيَ بِالْمَدِينَةِ أَوْ بِمَكَّةَ أَوْ غَيْرِهِمَا وَلَمْ يُذْكَرْ فِي هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَنَحْوُهُمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ يَبْعُدُ كُلُّ الْبُعْدِ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْمَعُوهُ مَعَ كَثْرَةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرِ وَحِرْصِهِمْ عَلَى مَا دُونَ ذَلِكَ مِنَ الطَّاعَاتِ وَكَيْفَ نَظُنُّ هَذَا بِهِمْ وَنَحْنُ نَرَى أَهْلَ عَصْرِنَا حَفِظَهُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ أُلُوفٌ مَعَ بُعْدِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرِ عَنْ دَرَجَةِ الصَّحَابَةِ مَعَ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَحْكَامٌ مُقَرَّرَةٌ يَعْتَمِدُونَهَا فِي سَفَرِهِمْ وَحَضَرِهِمْ إِلَّا الْقُرْآنَ وَمَا سَمِعُوهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ نَظُنُّ بِهِمْ إِهْمَالِهِ فَكُلُّ هَذَا وَشِبْهُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَحَدٌ يَجْمَعُ الْقُرْآنَ إِلَّا الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورُونَ الْجَوَابُ

الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْهُ إِلَّا الْأَرْبَعَةُ لَمْ يَقْدَحْ فِي تَوَاتُرِهِ فَإِنَّ أَجْزَاءَهُ حَفِظَ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهَا خَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ يَحْصُلُ التَّوَاتُرُ بِبَعْضِهِمْ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ التَّوَاتُرِ أَنْ يَنْقُلَ جَمِيعُهُمْ جَمِيعَهُ بَلْ إِذَا نَقَلَ كُلَّ جُزْءٍ عَدَدُ التَّوَاتُرِ صَارَتِ الْجُمْلَةُ مُتَوَاتِرَةً بِلَا شَكٍّ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا مُسْلِمٌ وَلَا مُلْحِدٌ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ قَوْلُهُ (قُلْتُ لِأَنَسٍ مَنْ أَبُو زَيْدٍ قَالَ أَحَدُ عُمُومَتِي) أبوزيد هَذَا هُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ النُّعْمَانَ الْأَوْسِيُّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بَدْرِيٌّ يعرف بسعد القارىء اسْتُشْهِدَ بِالْقَادِسِيَّةِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَخَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ فَقَالُوا هُوَ قَيْسُ بْنُ السَّكَنِ الْخَزْرَجِيُّ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ بَدْرِيٌّ قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ جَيْشِ أَبِي عُبَيْدٍ بِالْعِرَاقِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [799] (إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا قال وَسَمَّانِي قَالَ نَعَمْ قَالَ فَبَكَى) وَفِي رِوَايَةٍ فجعل

يَبْكِي أَمَّا بُكَاؤُهُ فَبُكَاءُ سُرُورٍ وَاسْتِصْغَارٍ لِنَفْسِهِ عَنْ تَأْهِيلِهِ لِهَذِهِ النِّعْمَةِ وَإِعْطَائِهِ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ وَالنِّعْمَةُ فِيهَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا كَوْنُهُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَلِهَذَا قَالَ وَسَمَّانِي مَعْنَاهُ نَصَّ عَلَيَّ بِعَيْنِي أَوْ قَالَ اقْرَأْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِكَ قَالَ بَلْ سَمَّاكَ فَتَزَايَدَتِ النِّعْمَةُ وَالثَّانِي قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهَا مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لَهُ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَقِيلَ إِنَّمَا بَكَى خَوْفًا مِنْ تَقْصِيرِهِ فِي شُكْرِ هَذِهِ النِّعْمَةِ وَأَمَّا تَخْصِيصُ هَذِهِ السُّورَةِ بِالْقِرَاءَةِ فَلِأَنَّهَا مَعَ وَجَازَتِهَا جَامِعَةٌ لِأُصُولٍ وَقَوَاعِدَ وَمُهِمَّاتٍ عَظِيمَةٍ وَكَانَ الْحَالُ يقتضي الاختصار وأما الحكمة في أمره بالقرا ءة عَلَى أُبَيٍّ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي هِيَ أَنْ يَتَعَلَّمَ أُبَيٌّ أَلْفَاظَهُ وَصِيغَةَ أَدَائِهِ وَمَوَاضِعَ الْوُقُوفِ وَصُنْعَ النَّغَمِ فِي نَغَمَاتِ الْقُرْآنِ عَلَى أُسْلُوبٍ أَلِفَهُ الشَّرْعُ وَقَدَّرَهُ بِخِلَافِ مَا سِوَاهُ مِنَ النَّغَمِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي غَيْرِهِ وَلِكُلٍّ ضَرْبٌ مِنَ النَّغَمِ مَخْصُوصٌ فِي النُّفُوسِ فَكَانَتِ الْقِرَاءَةُ عَلَيْهِ لِيَتَعَلَّمَ مِنْهُ وَقِيلَ قَرَأَ عَلَيْهِ لِيَسُنَّ عَرْضَ الْقُرْآنِ عَلَى حُفَّاظِهِ الْبَارِعِينَ فِيهِ الْمُجِيدِينَ لِأَدَائِهِ وَلِيَسُنَّ التَّوَاضُعَ فِي أَخْذِ الْإِنْسَانِ الْقُرْآنَ وَغَيْرَهِ مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ أَهْلِهَا وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ فِي النَّسَبِ وَالدِّينِ وَالْفَضِيلَةِ وَالْمَرْتَبَةِ وَالشُّهْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلِيُنَبِّهَ النَّاسَ عَلَى فَضِيلَةِ أُبَيٍّ فِي ذَلِكَ وَيَحُثَّهُمْ عَلَى الْأَخْذِ مِنْهُ وَكَانَ كَذَلِكَ فَكَانَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسًا وَإِمَامًا مَقْصُودًا فِي ذَلِكَ مَشْهُورًا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب من فضائل سعد بن معاذ رضي الله عنه)

(بَاب مِنْ فَضَائِلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2466] [2467] (اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَاهْتِزَازُ الْعَرْشِ تَحَرُّكُهُ فَرَحًا بِقُدُومِ رُوحِ سَعْدٍ وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَرْشِ تَمْيِيزًا حَصَلَ بِهِ هَذَا وَلَا مَانِعَ مِنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَنَّ الْعَرْشَ تَحَرَّكَ لِمَوْتِهِ قَالَ وَهَذَا لَا يُنْكَرُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ لِأَنَّ الْعَرْشَ جِسْمٌ مِنَ الْأَجْسَامِ يَقْبَلُ الْحَرَكَةَ وَالسُّكُونَ قَالَ لَكِنْ لَا تَحْصُلُ فَضِيلَةُ سَعْدٍ بِذَلِكَ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ حَرَكَتَهُ عَلَامَةً لِلْمَلَائِكَةِ عَلَى مَوْتِهِ وَقَالَ آخَرُونَ الْمُرَادُ اهْتِزَازُ أَهْلِ الْعَرْشِ وَهُمْ حَمَلَتُهُ وَغَيْرِهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَالْمُرَادُ بِالِاهْتِزَازِ الِاسْتِبْشَارُ وَالْقَبُولُ وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ فُلَانٌ يَهْتَزُّ لِلْمَكَارِمِ لَا يُرِيدُونَ اضْطِرَابَ جِسْمِهِ وَحَرَكَتَهُ وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ ارْتِيَاحَهُ إِلَيْهَا وَإِقْبَالَهُ عَلَيْهَا وَقَالَ الْحَرْبِيُّ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تعظيم شأن وفاته والعرب تنسب الشئ الْمُعَظَّمَ إِلَى أَعْظَمِ الْأَشْيَاءَ فَيَقُولُونَ أَظْلَمَتْ لِمَوْتِ فُلَانٍ الْأَرْضُ وَقَامَتْ لَهُ الْقِيَامَةُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ الْمُرَادُ اهْتِزَازُ سَرِيرِ الْجِنَازَةِ وَهُوَ النَّعْشُ وَهَذَا الْقَوْلُ بَاطِلٌ يَرُدُّهُ صَرِيحُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ اهْتَزَّ لِمَوْتِهِ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَإِنَّمَا قَالَ هَؤُلَاءِ هَذَا التَّأْوِيلَ لِكَوْنِهِمْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ الَّتِي فِي مُسْلِمٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ [2468] (فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَلْمِسُونَهَا) هُوَ بِضَمِّ

الْمِيمِ وَكَسْرِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْهَا وَأَلْيَنُ) الْمَنَادِيلُ جَمْعُ مِنْدِيلٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ فِي الْمُفْرَدِ وَهُوَ هَذَا الَّذِي يُحْمَلُ فِي اليد قال بن الأعرابي وبن فَارِسٍ وَغَيْرُهُمَا هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ النَّدْلِ وَهُوَ النَّقْلُ لِأَنَّهُ يُنْقَلُ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى وَاحِدٍ وَقِيلَ مِنَ النَّدْلِ وَهُوَ الْوَسَخُ لِأَنَّهُ يُنْدَلُ بِهِ قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ يُقَالُ مِنْهُ تَنَدَّلْتُ بِالْمِنْدِيلِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيُقَالُ أَيْضًا تَمَنْدَلْتُ قَالَ وَأَنْكَرَ الْكَسَائِيُّ قَالَ وَيُقَالُ أَيْضًا تَمَدَّلْتُ وَقَالَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى عَظِيمِ مَنْزِلَةِ سَعْدٍ فِي الْجَنَّةِ وَأَنَّ أَدْنَى ثِيَابِهِ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ هَذِهِ لِأَنَّ الْمِنْدِيلَ أَدْنَى الثِّيَابِ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِلْوَسَخِ وَالِامْتِهَانِ فَغَيْرُهُ أَفْضَلُ وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْجَنَّةِ لِسَعْدٍ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةُ حَرِيرٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ثَوْبُ حَرِيرٍ [2469] وَفِي الْأُخْرَى جُبَّةُ قَالَ الْقَاضِي رِوَايَةُ الْجُبَّةِ بِالْجِيمِ والباء لأنه

(باب من فضائل أبي دجانة سماك بن حرشة رضي الله عنه)

كَانَ ثَوْبًا وَاحِدًا كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَالْأَكْثَرُونَ يَقُولُونَ الْحُلَّةُ لَا تَكُونُ إِلَّا ثَوْبَيْنِ يَحُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَلَا يَصِحُّ الْحُلَّةُ هُنَا وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ الْحُلَّةُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ جَدِيدٌ قَرِيبُ الْعَهْدِ بِحِلِّهِ مِنْ طَيِّهِ فَيَصِحُّ وَقَدْ جَاءَ فِي كُتُبِ السِّيَرِ أنها كانت قباء وأما قوله أَهْدَى أُكَيْدِرَ دَوْمَةَ الْجَنْدَلِ فَسَبَقَ بَيَانُ حَالِ أُكَيْدِرٍ وَاخْتِلَافُهُمْ فِي إِسْلَامِهِ وَنَسَبِهِ وَأَنَّ دَوْمَةَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَضَمِّهَا وَذَكَرْنَا مَوْضِعَهَا فِي كِتَابِ الْمَغَازِي وَسَبَقَ بَيَانُ أَحْكَامِ الْحَرِيرِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب مِنْ فَضَائِلِ أَبِي دجانة سماك بن حرشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) هُوَ بِضَمِّ الدَّالِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ قَوْلُهُ [2470] (فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ) هُوَ بِحَاءٍ ثُمَّ جِيمٍ هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَفِي بَعْضِهَا بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ عَلَى الْحَاءِ وَادَّعَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ قَالَ فَهُمَا لُغَتَانِ وَمَعْنَاهُمَا تَأَخَّرُوا وَكَفُّوا قَوْلُهُ (فَفَلَقَ بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ) أَيْ شق رؤوسهم (بَاب مِنْ فَضَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بن حرام والد جابر رضي الله عنه) قوله [2471] (جئ بِأَبِي مُسَجًّى وَقَدْ مُثِلَ بِهِ) الْمُسَجَّى الْمُغَطَّى وَمُثِلَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الثَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ يُقَالُ

مثل بالقتيل والحيوان يمثل مثلا كقتل يقتل قَتْلًا إِذَا قَطَعَ أَطْرَافَهُ أَوْ أَنْفَهُ أَوْ أُذُنَهُ أَوْ مَذَاكِيرَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَالِاسْمُ الْمُثْلَةُ فَأَمَّا مَثَّلَ بِالتَّشْدِيدِ فَهُوَ لِلْمُبَالَغَةِ وَالرِّوَايَةُ هُنَا بِالتَّخْفِيفِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ) قَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ لِتَزَاحُمِهِمْ عَلَيْهِ لِبِشَارَتِهِ بِفَضْلِ اللَّهِ وَرِضَاهُ عَنْهُ وَمَا أُعِدَّ لَهُ من الكرامة عليه ازْدَحَمُوا عَلَيْهِ إِكْرَامًا لَهُ وَفَرَحًا بِهِ أَوْ أَظَلُّوهُ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ لِئَلَّا يَتَغَيَّرَ رِيحُهُ أَوْ جِسْمُهُ قَوْلُهُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبْكِيهِ أَوْ لَا تَبْكِيهِ مازالت الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ) مَعْنَاهُ سَوَاءٌ بَكَتْ عَلَيْهِ أَمْ لَا فَمَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ أَيْ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ هَذَا وَغَيْرُهُ فَلَا يَنْبَغِي الْبُكَاءُ عَلَى مِثْلِ هَذَا

(باب من فضائل جليبيب رضي الله عنه)

وَفِي هَذَا تَسْلِيَةٌ لَهَا قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا قَالَ القاضي ووقع في نسخة بن مَاهَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ جَابِرٍ بَدَلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ الْجَيَّانِيُّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو السعود الدمشقي قوله (جئ بِأَبِي مُجَدَّعًا) أَيْ مَقْطُوعَ الْأَنْفِ وَالْأُذُنَيْنِ قَالَ الْخَلِيلُ الْجَدْعُ قَطْعُ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب مِنْ فَضَائِلِ جُلَيْبِيبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) هُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ قَوْلُهُ [2472] (كَانَ فِي مَغْزًى لَهُ) أَيْ فِي سَفَرِ غَزْوٍ وَفِي حَدِيثِهِ أَنَّ الشَّهِيدَ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ) مَعْنَاهُ الْمُبَالَغَةُ فِي اتِّحَادِ طَرِيقَتِهِمَا وَاتِّفَاقِهِمَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى

(باب من فضائل أبي ذر رضي الله عنه)

(بَاب مِنْ فَضَائِلِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه) قوله [2473] (فنثا عَلَيْنَا الَّذِي قِيلَ لَهُ) هُوَ بِنُونٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ أَيْ أَشَاعَهُ وَأَفْشَاهُ قَوْلُهُ (فَقَرَّبْنَا صِرْمَتَنَا) هِيَ بِكَسْرِ الصَّادِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الْإِبِلِ وَتُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْقِطْعَةِ مِنَ الْغَنَمِ قَوْلُهُ (فَنَافَرَ أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا فَأَتَيَا الكاهن فخير أنيسا فأتانا أنيس بصرمتنا أو مثلها مَعَهَا) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ فِي شَرْحِ هَذَا الْمُنَافَرَةُ الْمُفَاخَرَةُ وَالْمُحَاكَمَةُ فَيَفْخَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الرَّجُلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ ثُمَّ يَتَحَاكَمَانِ إِلَى رَجُلٍ لِيَحْكُمَ أَيُّهُمَا خَيْرٌ وَأَعَزُّ نَفَرًا وَكَانَتْ هَذِهِ الْمُفَاخَرَةُ فِي الشِّعْرِ أَيُّهُمَا أَشْعَرُ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقَوْلُهُ (نَافَرَ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا) مَعْنَاهُ تَرَاهَنَ هُوَ وَآخَرُ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ وَكَانَ الرَّهْنُ صِرْمَةُ ذَا وَصِرْمَةُ ذَاكَ فَأَيُّهُمَا كَانَ أَفْضَلُ أَخْذَ الصِّرْمَتَيْنِ فَتَحَاكَمَا إِلَى الْكَاهِنِ فَحَكَمَ بِأَنَّ أُنَيْسًا أَفْضَلُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَخَيَّرَ أُنَيْسًا أَيْ جَعَلَهُ الْخِيَارَ وَالْأَفْضَلَ قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَلْقَيْتُ كَأَنِّي

خِفَاءٌ) هُوَ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ الْكِسَاءُ وَجَمْعُهُ أَخْفِيَةٌ كَكِسَاءٍ وَأَكْسِيَةٍ قال القاضي ورواه بعضهم عن بن مَاهَانَ جُفَاءٌ بِجِيمٍ مَضْمُومَةٍ وَهُوَ غُثَاءُ السَّيْلِ وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ هُوَ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ (فَرَاثَ عَلَيَّ) أَيْ أَبْطَأَ قَوْلُهُ (أَقْرَاءُ الشِّعْرِ) أَيْ طُرُقُهُ وَأَنْوَاعُهُ وَهِيَ بِالْقَافِ وَالرَّاءِ وَبِالْمَدِّ قَوْلُهُ (أَتَيْتُ مَكَّةَ فَتَضَعَّفْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ) يَعْنِي نَظَرْتُ إِلَى أَضْعَفِهِمْ فَسَأَلْتُهُ لِأَنَّ الضَّعِيفَ مَأْمُونُ الْغَائِلَةِ غَالِبًا وفي رواية بن مَاهَانَ فَتَضَيَّفْتُ بِالْيَاءِ وَأَنْكَرَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قَالُوا لَا وَجْهَ لَهُ هُنَا قَوْلُهُ (كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ) يَعْنِي مِنْ كَثْرَةِ الدِّمَاءِ الَّتِي سَالَتْ في بصرتهم والنصب الصم وَالْحَجَرُ كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَنْصِبُهُ وَتَذْبَحُ عِنْدَهُ فَيَحْمَرُّ بِالدَّمِ وَهُوَ بِضَمِّ الصَّادِ وَإِسْكَانِهَا وَجَمْعُهُ أَنْصَابٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ قَوْلُهُ (حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي) يَعْنِي انْثَنَتْ لِكَثْرَةِ السِّمَنِ وَانْطَوَتْ قَوْلُهُ (وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ جُوعٍ) هِيَ بِفَتْحِ السِّينِ

الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ رِقَّةُ الْجُوعِ وَضَعْفِهِ وَهُزَالِهِ قَوْلُهُ (فَبَيْنَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانٍ إِذْ ضُرِبَ عَلَى أَسْمِخَتِهِمْ فَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ وَامْرَأَتَيْنِ مِنْهُمْ تَدْعُوَانِ إِسَافًا وَنَائِلَةَ) أَمَّا قَوْلُهُ قَمْرَاءَ فَمَعْنَاهُ مُقْمِرَةٌ طَالِعٌ قَمَرُهَا وَالْإِضْحِيَانُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْحَاءِ وَإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ بَيْنَهُمَا وَهِيَ الْمُضِيئَةُ وَيُقَالُ ليلة أضحيان وإضحياته وَضَحْيَاءُ وَيَوْمٌ ضَحْيَانُ وَقَوْلُهُ عَلَى أَسْمِخَتِهِمْ هَكَذَا هو في جميع النسخ وهو جمع سماخ وَهُوَ الْخَرْقُ الَّذِي فِي الْأُذُنِ يُفْضِي إِلَى الرَّأْسِ يُقَالُ صِمَاخٌ بِالصَّادِ وَسِمَاخٌ بِالسِّينِ الصَّادِ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَالْمُرَادُ بِأَصْمِخَتِهِمْ هُنَا آذَانُهُمْ أَيْ نَامُوا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ أَيْ أَنَمْنَاهُمْ قَوْلُهُ (وَامْرَأَتَيْنِ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ بِالْيَاءِ وَفِي بَعْضِهَا وَامْرَأَتَانِ بِالْأَلِفِ وَالْأَوَّلُ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَرَأَيْتُ امْرَأَتَيْنِ قَوْلُهُ (فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا) أَيْ مَا انتهتا عَنْ قَوْلِهِمَا بَلْ دَامَتَا عَلَيْهِ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ فَمَا تَنَاهَتَا عَلَى قَوْلِهِمَا وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا وَتَقْدِيرُهُ مَا تَنَاهَتَا مِنَ الدَّوَامِ عَلَى قَوْلِهِمَا قَوْلُهُ (فَقُلْتُ هَنٌ مِثْلُ الْخَشَبَةِ غَيْرَ أَنِّي لَا أَكْنِي) الْهَنُ وَالْهَنَةُ بِتَخْفِيفِ نونهما هو كناية عن كل شئ وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ كِنَايَةً عَنِ الْفَرْجِ وَالذَّكَرِ فَقَالَ لَهُمَا وَمَثَّلَ الْخَشَبَةَ بِالْفَرْجِ وَأَرَادَ بِذَلِكَ سَبَّ إِسَافَ وَنَائِلَةَ وَغَيْظَ الْكُفَّارِ بِذَلِكَ قَوْلُهُ (فانطلقتا تولولان وتقولان لو كان ها هنا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا) الْوَلْوَلَةُ الدُّعَاءُ بِالْوَيْلِ وَالْأَنْفَارُ جمع نفر أو نفير وهوالذي يَنْفِرُ عِنْدَ الِاسْتِغَاثَةِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ أَنْصَارُنَا وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَتَقْدِيرُهُ لَوْ كَانَ هُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْصَارِنَا لَانْتَصَرَ لَنَا قَوْلُهُ (كَلِمَةٌ تَمْلَأُ الْفَمَ) أي عظيمة لا شئ أقبح منها كالشئ

الذي يملأ الشئ وَلَا يَسَعُ غَيْرَهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يُمْكِنُ ذِكْرُهَا وَحِكَايَتُهَا كَأَنَّهَا تَسُدُّ فَمَ حَاكِيهَا وَتَمْلَؤُهُ لِاسْتِعْظَامِهَا قَوْلُهُ (فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الاسلام فقال وعليك ورحمة اللَّهِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَعَلَيْكَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ السَّلَامِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا أَنَّهُ إِذَا قَالَ فِي رَدِّ السَّلَامِ وَعَلَيْكَ يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ جَوَابًا وَالْمَشْهُورُ مِنْ أَحْوَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْوَالِ السَّلَفِ رَدُّ السَّلَامِ بِكَمَالِهِ فَيَقُولُ وعليكم السلام ورحمة الله أو ورحمته وبركاته وسبق ايضاحه في بابه قوله (فقد عني صَاحِبُهُ) أَيْ كَفَّنِي يُقَالُ قَدَعَهُ وَأَقْدَعَهُ إِذَا كَفَّهُ وَمَنَعَهُ وَهُوَ بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَمْزَمَ (إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ) هُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ أَيْ تُشْبِعُ شَارِبَهَا كَمَا يُشْبِعُهُ الطَّعَامُ قَوْلُهُ (غَبَرَتْ مَا غَبَرَتْ) أَيْ بَقِيَتْ مَا بَقِيَتْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(أنه قد وجهت لي أرض) أي أريت جِهَتَهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا أُرَاهَا إِلَّا يَثْرِبَ) ضَبَطُوهُ أُرَاهَا بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا وَهَذَا كَانَ قَبْلَ تَسْمِيَةِ الْمَدِينَةِ طَابَةَ وَطَيْبَةَ وَقَدْ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدِيثٌ فِي النَّهْيِ عَنْ تَسْمِيَتِهَا يَثْرِبَ أَوْ أَنَّهُ سَمَّاهَا باسمها المعروف عند الناس حينئذ قوله (مابي رَغْبَةً عَنْ دِينِكُمَا) أَيْ لَا أَكْرَهُهُ بَلْ أَدْخُلُ فِيهِ قَوْلُهُ (فَاحْتَمَلْنَا) يَعْنِي حَمَلْنَا أَنْفُسَنَا وَمَتَاعَنَا عَلَى إِبِلِنَا وَسِرْنَا قَوْلُهُ (إِيْمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الْغِفَارِيُّ) قَوْلُهُ إِيْمَاءُ مَمْدُودٌ وَالْهَمْزَةُ فِي أَوَّلِهِ مَكْسُورَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى الْقَاضِي فَتْحَهَا ايضا وأشار إلى ترجيحه وليس براجح ورحضة بِرَاءٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَاتٍ قَوْلُهُ (شَنِفُوا لَهُ وَتَجَهَّمُوا) هُوَ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ نُونٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ فَاءٍ

أَيْ أَبْغَضُوهُ وَيُقَالُ رَجُلٌ شَنِفٌ مِثَالُ حَذِرٍ أَيْ شَانِئٌ مُبْغِضٌ وَقَوْلُهُ تَجَهَّمُوا أَيْ قَابَلُوهُ بِوُجُوهٍ غَلِيظَةٍ كَرِيهَةٍ قَوْلُهُ (فَأَيْنَ كُنْتَ تَوَجَّهَ) هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْجِيمِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تُوَجِّهُ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ (فَتَنَافَرَا إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْكُهَّانِ) أَيْ تَحَاكَمَا إِلَيْهِ قَوْلُهُ (أَتْحِفْنِي بِضِيَافَتِهِ) أَيْ خُصَّنِي بِهَا وَأَكْرِمْنِي بِذَلِكَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ التُّحْفَةُ بِإِسْكَانِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا هُوَ مَا يُكْرَمُ بِهِ الْإِنْسَانُ وَالْفِعْلُ مِنْهُ أَتْحَفَهُ قَوْلُهُ [2474] (إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ السَّامِيُّ) هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى أُسَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ

وَعَرْعَرَةُ بِعَيْنَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ قَوْلُهُ (فَانْطَلَقَ الْآخَرُ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا الْأَخُ بَدَلَ الْآخَرِ وَهُوَ هُوَ فَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ (مَا شَفَيْتنِي فِيمَا أَرَدْتُ) كَذَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ فِيمَا بِالْفَاءِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِمَّا بِالْمِيمِ وَهُوَ أَجْوَدُ أَيْ مَا بَلَّغْتنِي غَرَضِي وَأَزَلْتُ عَنِّي هَمَّ كَشْفِ هَذَا الْأَمْرِ قَوْلُهُ (وَحَمَلَ شَنَّةً) هِيَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَهِيَ الْقِرْبَةُ الْبَالِيَةُ قَوْلُهُ فَرَآهُ عَلِيٌّ فَعَرَفَ أَنَّهُ غَرِيبٌ (فَلَمَّا رَآهُ تَبِعَهُ) كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ تَبِعَهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَتْبَعُهُ قَالَ الْقَاضِي هِيَ أَحْسَنُ وَأَشْبَهُ بِمَسَاقِ الْكَلَامِ وَتَكُونُ بِإِسْكَانِ التَّاءِ أَيْ قَالَ لَهُ اتْبَعْنِي قَوْلُهُ (احْتَمَلَ قُرَيْبَتَهُ) بِضَمِّ الْقَافِ عَلَى التَّصْغِيرِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قِرْبَتَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَهِيَ الشنة المذكورة قبله قوله (ماأني لِلرَّجُلِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ آنَ وَهُمَا لُغَتَانِ أَيْ مَا حَانَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَمَا بزيادة ألف

(باب من فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه)

الِاسْتِفْهَامِ وَهِيَ مُرَادَةٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَلَكِنْ حُذِفَتْ وَهُوَ جَائِزٌ قَوْلُهُ (فَانْطَلَقَ يَقْفُوهُ) أَيْ يَتْبَعُهُ قَوْلُهُ (لَأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ) هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ مِنْ لَأَصْرُخَنَّ أَيْ لَأَرْفَعَنَّ صَوْتِي بِهَا وَقَوْلُهُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَيُقَالُ بَيْنَ ظَهْرَيْهِمْ (بَاب مِنْ فَضَائِلِ جَرِيرِ بن عبد الله رضي الله عَنْهُ) قَوْلُهُ [2475] (مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلَا رَآنِي إِلَّا ضَحِكَ) مَعْنَاهُ مَا مَنَعَنِي

الدُّخُولَ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَمَعْنَى ضَحِكَ تَبَسَّمَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَفَعَلَ ذَلِكَ إِكْرَامًا وَلُطْفًا وَبَشَاشَةً فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ هَذَا اللُّطْفِ لِلْوَارِدِ وَفِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِجَرِيرٍ قَوْلُهُ [2476] (ذُو الْخَلَصَةَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي أَيْضًا ضَمَّ الْخَاءِ مَعَ فَتْحِ اللَّامِ وَحَكَى أَيْضًا فَتْحَ الْخَاءِ وَسُكُونَ اللَّامِ وَهُوَ بَيْتٌ فِي الْيَمَنِ كَانَ فِيهِ أَصْنَامٌ يَعْبُدُونَهَا قَوْلُهُ (وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ وَالْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ الْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ بِغَيْرِ وَاوٍ هَذَا اللَّفْظُ فِيهِ إِيهَامٌ وَالْمُرَادُ أَنَّ ذَا الْخَلَصَةَ كَانُوا يُسَمُّونَهَا الْكَعْبَةَ الْيَمَانِيَّةَ وَكَانَتِ الكعبة الكريمة التي بمكة تسمى الكعبة الشاميةففرقوا بَيْنَهُمَا لِلتَّمْيِيزِ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ فَيَتَأَوَّلُ اللَّفْظُ عَلَيْهِ وَتَقْدِيرُهُ يُقَالُ لَهُ الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ وَيُقَالُ لِلَّتِي بِمَكَّةَ الشَّامِيَّةُ وَأَمَّا مَنْ رَوَاهُ الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ الْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ بِحَذْفِ الْوَاوِ فَمَعْنَاهُ كَأَنْ يُقَالَ هَذَانِ اللَّفْظَانِ أَحَدُهُمَا لِمَوْضِعٍ وَالْآخَرُ لِلْآخَرِ وَأَمَّا قَوْلُهُ هَلْ أَنْتَ مُرِيحِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ وَالْكَعْبَةِ الْيَمَانِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ذِكْرُ الشَّامِيَّةِ وَهَمٌ وَغَلَطٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَالصَّوَابُ حَذْفُهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَلَيْسَ فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَالْوَهَمُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ بَلْ يُمْكِنُ تَأْوِيلُ هَذَا اللَّفْظِ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ هَلْ أَنْتَ مُرِيحِي مِنْ قَوْلِهِمْ الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ وَالشَّامِيَّةُ وَوُجُودُ هَذَا الْمَوْضِعِ الذي

يَلْزَمُ مِنْهُ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ قَوْلُهُ (فَنَفَرْتُ) أَيْ خَرَجْتُ لِلْقِتَالِ قَوْلُهُ (تُدْعَى كَعْبَةَ الْيَمَانِيَّةِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ وَأَجَازَهُ الْكُوفِيُّونَ وَقَدَّرَ الْبَصْرِيُّونَ فِيهِ حَذْفًا أَيْ كَعْبَةَ الْجِهَةِ الْيَمَانِيَّةِ وَالْيَمَانِيَةُ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ تَشْدِيدِهَا وَسَبَقَ إِيضَاحُهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ قَوْلُهُ (كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ) قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ مَطْلِيٌّ بِالْقَطِرَانِ لِمَا بِهِ مِنَ الْجَرَبِ فَصَارَ أَسْوَدَ لِذَلِكَ يَعْنِي صَارَتْ سَوْدَاءَ مِنْ إِحْرَاقِهَا وَفِيهِ النِّكَايَةُ بِآثَارِ الباطل والمبالغة

(باب من فضائل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما)

فِي إِزَالَتِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ إِرْسَالِ الْبَشِيرِ بِالْفُتُوحِ وَنَحْوِهَا قَوْلُهُ (فَجَاءَ بَشِيرُ جَرِيرٍ أَبُو أَرْطَاةَ حُصَيْنُ بْنُ رَبِيعَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ حُصَيْنُ بِالصَّادِ وَفِي أَكْثَرِهَا حُسَيْنُ بِالسِّينِ وَذَكَرَ الْقَاضِي الْوَجْهَيْنِ قَالَ وَالصَّوَابُ الصاد وهو الموجود في نسخة بن ماهان (باب من فَضَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) قَوْلُهُ [2477] (حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنِ النَّضْرِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ النَّضْرِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جُمْهُورِ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وفي نسخة العذرى أبوبكر بْنِ أَبِي النَّضْرِ قَالَ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ هُوَ أَبُو بَكْرِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ سَمَّاهُ الْحَاكِمُ أَحْمَدَ وَسَمَّاهُ الكلابادي مُحَمَّدًا هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مِمَّنْ قَالَ اسمه أحمد عبد الله بن أحمد الدورقي وَقَالَ السِّرَاجُ سَأَلْتُهُ عَنِ اسْمِهِ فَقَالَ اسْمِي كُنْيَتِي وَهَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ فِي كِتَابِهِ الْكُنَى غَيْرَهَ وَالْمَشْهُورُ فِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم في بن عَبَّاسٍ (اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ) فِيهِ فَضِيلَةُ الْفِقْهِ وَاسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ وَاسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ لِمَنْ عَمِلَ عَمَلًا خَيِّرًا مَعَ الْإِنْسَانِ وَفِيهِ إِجَابَةُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فَكَانَ مِنَ الْفِقْهِ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى

(باب من فضائل بن عمر رضي الله عنهما)

(باب من فضائل بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) قَوْلُهُ [2478] (قِطْعَةُ إِسْتَبْرَقٍ) هُوَ مَا غَلُظَ مِنَ الدِّيبَاجِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَرَى عَبْدَ اللَّهِ رَجُلًا صَالِحًا) هُوَ بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَرَى أَيْ أَعْلَمُهُ وَاعْتَقَدُهُ صَالِحًا وَالصَّالِحُ هُوَ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ قَوْلُهُ [2479] (وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَمُوَافِقِيهِمْ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي النَّوْمِ فِي المسجد قوله (له قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ الْبِئْرِ) هُمَا الْخَشَبَتَانِ اللَّتَانِ عَلَيْهِمَا الْخُطَّافُ وَهِيَ الْحَدِيدَةُ الَّتِي فِي جَانِبِ الْبَكْرَةِ قاله بن دُرَيْدٍ وَقَالَ الْخَلِيلُ هُمَا مَا يُبْنَى حَوْلَ الْبِئْرِ وَيُوضَعُ عَلَيْهِ الْخَشَبَةَ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا الْمِحْوَرُ وَهِيَ الْحَدِيدَةُ الَّتِي تَدُورُ عَلَيْهَا الْبَكْرَةُ قَوْلُهُ (لَمْ تُرَعْ) أَيْ لَا رَوْعَ عَلَيْكَ ولا ضرر

(باب من فضائل أنس بن مالك رضي الله عنه)

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فِيهِ فَضِيلَةُ صَلَاةِ اللَّيْلِ قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ خَالِدِ خَتْنُ الْفِرْيَابِيِّ الْخَتْنُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ أَيْ زَوْجُ ابْنَتِهِ وَالْفِرْيَابِيُّ بكسر الفاء ويقال له الفريابي والفرايابي ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ مَنْسُوبٌ إِلَى فِرْيَابَ مَدِينَةٍ مَعْرُوفَةٍ (بَاب مِنْ فَضَائِلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَائِهِ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [2480] (اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ) وَذَكَرَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَثِّرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ هَذَا مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّتِهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِجَابَةِ دُعَائِهِ وَفِيهِ فَضَائِلُ لِأَنَسٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يُفَضِّلُ الْغَنِيَّ عَلَى الْفَقِيرِ وَمَنْ قَالَ بِتَفْضِيلِ الْفَقِيرِ أَجَابَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ هَذَا قَدْ دَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُبَارَكَ لَهُ فِيهِ وَمَتَى بُورِكَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فِتْنَةٌ وَلَمْ يَحْصُلْ بِسَبَبِهِ ضَرَرٌ وَلَا تَقْصِيرٌ فِي حَقٍّ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تَتَطَرَّقُ إِلَى سَائِرِ الْأَغْنِيَاءِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَفِيهِ هَذَا الْأَدَبُ

البديع وهو أنه إذا دعا بشئ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالدُّنْيَا يَنْبَغِي أَنْ يَضُمَّ إِلَى دُعَائِهِ طَلَبَ الْبَرَكَةِ فِيهِ وَالصِّيَانَةِ وَنَحْوِهِمَا وَكَانَ أَنَسٌ وَوَلَدُهُ رَحْمَةً وَخَيْرًا وَنَفْعًا بِلَا ضَرَرٍ بِسَبَبِ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادَوْنَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ الْيَوْمَ) مَعْنَاهُ وَيَبْلُغُ عَدَدُهُمْ نحو المائة

باب من فضائل عبد الله بن سلام رضي الله عنه

وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ دَفَنَ مِنْ أَوْلَادِهِ قَبْلَ مَقْدَمِ الْحَجَّاجِ بْنِ يوسف مائة وعشرين والله اعلم (باب من فضائل عبد الله بن سلام رضي الله عنه) قَوْلُهُ [2483] (عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِحَيٍّ يَمْشِي أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ) قَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ وعلي فِي الْجَنَّةِ إِلَى آخِرِ الْعَشَرَةَ وَثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِأَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَنَّ عُكَّاشَةَ مِنْهُمْ وَثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ وَغَيْرَهَمْ

وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِقَوْلِ سَعْدٍ فَإِنَّ سَعْدًا قَالَ مَا سَمِعْتُهُ وَلَمْ يَنْفِ أَصْلَ الْإِخْبَارِ بِالْجَنَّةِ لِغَيْرِهِ وَلَوْ نَفَاهُ كَانَ الْإِثْبَاتُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ قَوْلُهُ [2484] (عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ قَوْلُهُ (فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِيهَا ثُمَّ خَرَجَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِيهِمَا ثُمَّ خَرَجَ وَفِي بَعْضِهَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ ظَاهِرَةٌ وَأَمَّا إِثْبَاتُ فِيهَا أَوْ فِيهِمَا فَهُوَ الْمَوْجُودُ لِمُعْظَمِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ وَفِيهِ نَقْصٌ وَتَمَامُهُ مَا ثَبَتَ فِي الْبُخَارِيِّ رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيهِمَا قَوْلُهُ (مَا يَنْبَغِي لأحد أن يقول مالا يَعْلَمُ) هَذَا إِنْكَارٌ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ حَيْثُ قَطَعُوا لَهُ بِالْجَنَّةِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ بَلَغَهُمْ خَبَرُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وقاص بأن بن سَلَامٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَلَمْ يَسْمَعْ هُوَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَرِهَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ تَوَاضُعًا وَإِيثَارًا لِلْخُمُولِ وَكَرَاهَةً لِلشُّهْرَةِ قَوْلُهُ (فَجَاءَنِي مِنْصَفٌ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَيُقَالُ بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْضًا وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ بِالْخَادِمِ والوصيف وهو صحيح قالوا هوالوصيف الصَّغِيرُ الْمُدْرِكُ لِلْخِدْمَةِ قَوْلُهُ (فَرَقِيتُ هُوَ) بِكَسْرِ الْقَافِ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ الصَّحِيحَةِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ جَاءَ بِالرِّوَايَتَيْنِ فِي

3 - مُسْلِمٍ وَالْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِمَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ

قَوْلُهُ (فَإِذَا أَنَا بِجَوَادٍ عَنْ شِمَالِي) الْجَوَادُ جَمْعُ جَادَّةٌ وَهِيَ الطَّرِيقُ الْبَيِّنَةُ الْمَسْلُوكَةُ وَالْمَشْهُورُ فِيهَا جَوَادٌّ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَدْ تُخَفَّفُ قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ قَوْلُهُ (وَإِذَا جَوَادٌ مَنْهَجٌ عَنْ يَمِينِي) أَيْ طُرُقٌ وَاضِحَةٌ بَيِّنَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ وَالنَّهْجُ الطَّرِيقُ الْمُسْتَقِيمُ وَنَهَجَ الْأَمْرَ وَأَنْهَجَ إِذَا وَضَحَ وَطَرِيقٌ مَنْهَجٌ وَمِنْهَاجُ وَنَهِجُ أَيْ بَيِّنٌ وَاضِحٌ قَوْلُهُ (فَزَجَلَ بِي) هُوَ بِالزَّايِ وَالْجِيمِ أَيْ رَمَى بِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه)

(بَاب فَضَائِلِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) هُوَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ عَاشَ هُوَ وَآبَاؤُهُ الثَّلَاثَةُ كُلُّ وَاحِدٍ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً وَعَاشَ حَسَّانُ سِتِّينَ سَنَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَسِتِّينَ فِي الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ [2485] (إِنَّ حَسَّانَ أَنْشَدَ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ بِإِذْنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِيهِ جَوَازُ إِنْشَادِ الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ إِذَا كَانَ مُبَاحًا وَاسْتِحْبَابُهُ إِذَا كَانَ

في ممادح الاسلام وأهله [2486] أوفي هِجَاءِ الْكُفَّارِ وَالتَّحْرِيضِ عَلَى قِتَالِهِمْ أَوْ تَحْقِيرِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَكَذَا كَانَ شِعْرُ حَسَّانَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ لِمَنْ قَالَ شِعْرًا مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَفِيهِ جَوَازُ الِانْتِصَارِ مِنَ الْكُفَّارِ وَيَجُوزُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِهِمْ بِشَرْطِهِ وَرُوحُ الْقُدُسِ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ [2487] (يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ يُدَافِعُ وَيُنَاضِلُ قَوْلُهُ [2488] (يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ لَهُ فَقَالَ حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ) أَمَّا قَوْلُهُ يُشَبِّبُ فَمَعْنَاهُ يَتَغَزَّلُ كَذَا فَسَّرَهُ فِي الْمَشَارِقِ وَحَصَانٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ مُحْصَنَةٌ عَفِيفَةٌ وَرَزَانٌ كَامِلَةُ الْعَقْلِ ورجل رزين وقوله ما تزن أي ماتتهم يُقَالُ زَنَنْتُهُ وَأَزْنَنْتُهُ إِذَا ظَنَنْتُ بِهِ خَيْرًا أو شرا

وَغَرْثَى بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ جَائِعَةٌ وَرَجُلٌ غَرْثَانُ وَامْرَأَةٌ غَرْثَى مَعْنَاهُ لا تغتاب الناس لأنها لَوْ اغْتَابَتْهُمْ شَبِعَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ قَوْلُهُ [2489] (يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِي أَبِي سُفْيَانَ قَالَ كَيْفَ بِقَرَابَتِي مِنْهُ قَالَ وَاَلَّذِي أَكْرَمَكَ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْخَمِيرِ فَقَالَ حَسَّانُ وَإِنَّ سَنَامَ الْمَجْدِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ بَنُو بِنْتِ مَخْزُومٍ وَوَالِدُكَ الْعَبْدُ) وَبَعْدَ هَذَا بَيْتِ لَمْ يَذْكُرْهُ مُسْلِمٌ وَبِذِكْرِهِ تَتِمُّ الْفَائِدَةُ وَالْمُرَادُ وَهُوَ وَمَنْ وَلَدَتْ أَبْنَاءُ زُهْرَةَ مِنْهُمُو كِرَامٌ وَلَمْ يَقْرَبْ عَجَائِزُكَ الْمَجْدَ الْمُرَادُ بِبِنْتِ مَخْزُومٍ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ وَالزُّبَيْرِ وَأَبِي طَالِبٍ وَمُرَادُهُ

بِأَبِي سُفْيَانَ هَذَا الْمَذْكُورُ الْمَهْجُوُّ أَبُو سُفْيَانَ بن الحارث بن عبد المطلب وهو بن عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَقَوْلُهُ وَلَدَتْ أَبْنَاءُ زُهْرَةَ مِنْهُمْ مُرَادُهُ هَالَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أُمُّ حَمْزَةَ وَصْفِيَّةَ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَوَالِدُكُ الْعَبْدُ فَهُوَ سَبٌّ لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ أُمَّ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَالِدِ أَبِي سُفْيَانَ هَذَا هِيَ سُمَيَّةُ بِنْتُ مُوهِبٍ وَمُوهِبٌ غُلَامٌ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَكَذَا أُمُّ أَبِي سُفْيَانَ بن الحارث كانت كذلك وهومراده بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَقْرَبْ عَجَائِزُكَ الْمَجْدَ قَوْلُهُ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْخَمِيرِ الْمُرَادُ بِالْخَمِيرِ الْعَجِينُ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَمَعْنَاهُ لَأَتَلَطَّفَنَّ فِي تَخْلِيصِ نَسَبِكَ مِنْ هَجْوِهِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى جُزْءٌ مِنْ نَسَبِكَ فِي نَسَبِهِمُ الَّذِي نَالَهُ الْهَجْوُ كَمَا أَنَّ الشَّعْرَةَ إِذَا سُلَّتْ مِنَ الْعَجِينِ لَا يَبْقَى مِنْهَا شئ فيه بخلاف ما لو سلت من شئ صلب فانهار بما انْقَطَعَتْ فَبَقِيَتْ مِنْهَا فِيهِ بَقِيَّةٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2490] (اهْجُوَا قُرَيْشًا فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَهُوَ الرَّمْيُ بِهَا وَأَمَّا الرِّشْقُ بِالْكَسْرِ فَهُوَ اسْمٌ لِلنَّبْلِ الَّتِي تُرْمَى دَفْعَةً وَاحِدَةً وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ رَشْقِ النَّبْلِ وَفِيهِ جَوَازُ هَجْوِ الكفار مالم يَكُنْ أَمَانٌ وَأَنَّهُ لَا غِيبَةَ فِيهِ وَأَمَّا أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِجَائِهِمْ وَطَلَبُهُ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَلَمْ يَرْضَ قَوْلَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي حَتَّى أَمَرَ حَسَّانَ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ النِّكَايَةُ فِي الْكُفَّارِ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْجِهَادِ فِي الْكُفَّارِ وَالْإِغْلَاظِ عَلَيْهِمْ وَكَانَ هَذَا الْهَجْوُ أَشَدَّ عَلَيْهِمْ مِنْ رَشْقِ النَّبْلِ فَكَانَ مَنْدُوبًا لِذَلِكَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ كَفِّ أَذَاهُمْ وَبَيَانِ نَقْصِهِمْ وَالِانْتِصَارِ بِهِجَائِهِمُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْعُلَمَاءُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْدَأَ الْمُشْرِكُونَ بِالسَّبِّ وَالْهِجَاءِ مَخَافَةً مِنْ سَبِّهِمُ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يدعون

مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ علم وَلِتَنْزِيهِ أَلْسِنَةِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْفُحْشِ إِلَّا أَنْ تدعو إلى ذلك ضرورة لابتدائهم به فيكف أَذَاهُمْ وَنَحْوَهُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (قَدْ آنَ لَكُمْ) أَيْ حَانَ لَكُمْ (أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الْأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِذَنَبِهِ هُنَا لسانه فشبهه نَفْسَهُ بِالْأَسَدِ فِي انْتِقَامِهِ وَبَطْشِهِ إِذَا اغْتَاظَ وَحِينَئِذٍ يَضْرِبُ بِذَنَبِهِ جَنْبَيْهِ كَمَا فَعَلَ حَسَّانُ بِلِسَانِهِ حِينَ أَدْلَعَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ فَشَبَّهَ نَفْسَهُ بِالْأَسَدِ وَلِسَانَهُ بِذَنَبِهِ قَوْلُهُ (ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانَهُ) أَيْ أَخْرَجَهُ عَنِ الشَّفَتَيْنِ يُقَالُ دَلَعَ لِسَانَهُ وَأَدْلَعَهُ وَدَلَعَ اللِّسَانِ بِنَفْسِهِ قَوْلُهُ لَأَفْرِيَنَّهُمْ بِلِسَانِي فَرْيَ الْأَدِيمِ أَيْ لَأُمَزِّقَنَّ أَعْرَاضَهُمْ تَمْزِيقَ الْجِلْدِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى) أَيْ شَفَى الْمُؤمِنِينَ وَاشْتَفَى هُوَ بِمَا نَالَهُ مِنْ أَعْرَاضِ الْكُفَّارِ وَمَزَّقَهَا وَنَافَحَ عن الاسلام والمسلمين قوله (هجوت محمدا برا تَقِيًّا) وَفِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ حَنِيفًا بَدَلُ تَقِيًّا فَالْبَرُّ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْوَاسِعُ الْخَيْرِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْبِرِّ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهُوَ الِاتِّسَاعُ فِي الْإِحْسَانِ وَهُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ وَقِيلَ البر هنا

بِمَعْنَى الْمُتَنَزِّهُ عَنِ الْمَآثِمَ وَأَمَّا الْحَنِيفُ فَقِيلَ هُوَ الْمُسْتَقِيمُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ الْمَائِلُ إِلَى الْخَيْرِ وَقِيلَ الْحَنِيفُ التَّابِعُ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ) أَيْ خُلُقُهُ قوله (فإن أبي ووالدتي وَعِرْضِي لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ) هَذَا مِمَّا احتج به بن قُتَيْبَةَ لِمَذْهَبِهِ أَنَّ عِرْضَ الْإِنْسَانِ هُوَ نَفْسُهُ لَا أَسْلَافُهُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عِرْضَهُ وَأَسْلَافَهُ بِالْعَطْفِ وَقَالَ غَيْرُهُ عِرْضُ الرَّجُلِ أُمُورُهُ كُلُّهَا الَّتِي يُحْمَدُ بِهَا وَيُذَمُّ مِنْ نَفْسِهِ وَأَسْلَافِهِ وَكُلُّ مَا لَحِقَهُ نَقْصٌ يَعِيبُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وِقَاءُ فَبِكَسْرِ الْوَاوِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ مَا وَقَيْتَ بِهِ الشئ قَوْلُهُ (تُثِيرُ النَّقْعَ) أَيْ تَرْفَعُ الْغُبَارَ وَتُهَيِّجُهُ قَوْلُهُ (مِنْ كَنَفَيْ كَدَاءِ) هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ جَانِبَيْ كَدَاءِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَبِالْمَدِّ هِيَ ثَنِيَّةٌ عَلَى بَابِ مَكَّةَ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي هَذَا الْبَيْتِ إِقْوَاءٌ مُخَالِفٌ لِبَاقِيهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ غَايَتُهَا كَدَاءِ وَفِي بَعْضِهَا مَوْعِدُهَا كَدَاءِ قَوْلُهُ (يُبَارِينَ الْأَعِنَّةَ) وَيُرْوَى يُبَارِعْنَ الْأَعِنَّةَ قَالَ الْقَاضِي الْأَوَّلُ هُوَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا لِصَرَامَتِهَا وَقُوَّةِ نُفُوسِهَا تُضَاهِي أَعِنَّتَهَا بِقُوَّةِ جَبْذِهَا لَهَا وَهِيَ مُنَازَعَتُهَا لَهَا أَيْضًا قَالَ الْقَاضِي وَفِي رواية بن الْحَذَّاءِ يُبَارِينَ الْأَسِنَّةَ وَهِيَ الرِّمَاحُ قَالَ فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فَمَعْنَاهَا أَنَّهُنَّ يُضَاهِينَ قَوَامَهَا وَاعْتِدَالَهَا قَوْلُهُ (مُصْعِدَاتٍ) أَيْ مُقْبِلَاتٍ إِلَيْكُمْ وَمُتَوَجِّهَاتٍ يُقَالُ أَصْعَدَ فِي الْأَرْضِ إِذَا ذَهَبَ فِيهَا مُبْتَدِئًا وَلَا يُقَالُ لِلرَّاجِعِ قَوْلُهُ (عَلَى أَكْتَافِهَا الْأَسَلُ الظِّمَاءُ) أَمَّا أَكْتَافُهَا فَبِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَالْأَسَلُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا لَامٌ هَذِهِ رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ وَالْأَسَلُ الرِّمَاحُ وَالظِّمَاءُ الرِّقَاقُ فَكَأَنَّهَا لِقِلَّةِ مَائِهَا عِطَاشٌ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالظِّمَاءِ الْعِطَاشُ لِدِمَاءِ الْأَعْدَاءِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْأُسْدُ الظِّمَاءُ بِالدَّالِ أَيِ الرِّجَالُ الْمُشْبِهُونَ لِلْأُسْدِ الْعِطَاشِ إِلَى دِمَائِكُمْ قَوْلُهُ (تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ) أَيْ تَظَلُّ خُيُولُنَا مُسْرِعَاتٍ

يَسْبِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا قَوْلُهُ (تُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ) أَيْ تَمْسَحُهُنَّ النِّسَاءُ بِخُمُرِهِنَّ بِضَمِّ الْخَاءِ وَالْمِيمِ جَمْعُ خِمَارٍ أَيْ يُزِلْنَ عَنْهُنَّ الْغُبَارَ وَهَذَا لِعَزَّتِهَا وَكَرَامَتِهَا عِنْدَهُمْ وَحَكَى الْقَاضِي أَنَّهُ رُوِيَ بِالْخَمْرِ بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ خَمْرَةَ وَهُوَ صَحِيحُ الْمَعْنَى لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَعْرُوفُ وَهُوَ الْأَبْلَغُ فِي إِكْرَامِهَا قَوْلُهُ (وَقَالَ اللَّهُ قَدْ يَسَّرْتُ جُنْدًا) أَيْ هَيَّأْتُهُمْ وَأَرْصَدْتُهُمْ قَوْلُهُ (عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ مَقْصُودُهَا وَمَطْلُوبُهَا قَوْلُهُ (لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ) أَيْ مُمَاثِلٌ وَلَا مُقَاوِمٌ والله اعلم

(باب من فضائل أبي هريرة رضي الله عنه)

(باب من فضائل أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَوْلُهُ [2491] (فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ) أَيْ مُغْلَقٌ قَوْلُهُ (خَشْفَ قَدَمِي) أَيْ صَوْتَهُمَا فِي الْأَرْضِ وَخَضْخَضَةُ الْمَاءِ صَوْتُ تَحْرِيكِهِ وَفِيهِ اسْتِجَابَةُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْفَوْرِ بِعَيْنِ الْمَسْئُولِ وَهُوَ مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم واستحباب حمدالله عِنْدَ حُصُولِ النِّعَمِ

قَوْلُهُ [2492] (كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي) أَيْ أُلَازِمُهُ وَأَقْنَعُ بِقُوتِي وَلَا أَجْمَعُ مَالًا لِذَخِيرَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَلَا أَزِيدُ عَلَى قُوتِي وَالْمُرَادُ مِنْ حَيْثُ حَصَلَ الْقُوتُ مِنَ الْوُجُوهِ الْمُبَاحَةِ وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْخِدْمَةِ بِالْأُجْرَةِ قَوْلُهُ (يَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ وَاَللَّهُ الْمَوْعِدُ

مَعْنَاهُ فَيُحَاسِبُنِي إِنْ تَعَمَّدْتُ كَذِبًا وَيُحَاسِبُ مَنْ ظَنَّ بِي السُّوءَ قَوْلُهُ [2492] (يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ يَشْغَلُهُمْ وَحُكِيَ ضَمُّهَا وهو غريب والصفق هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ التَّبَايُعِ وَكَانُوا يُصَفِّقُونَ بِالْأَيْدِي مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَالسُّوقُ مُؤَنَّثَةٌ وَيُذَكَّرُ سُمِّيَتْ بِهِ لِقِيَامِ النَّاسِ فِيهَا عَلَى سُوقِهِمْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَسْطِ ثَوْبِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ [2493] (كُنْتُ أُسَبِّحُ فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي) مَعْنَى أُسَبِّحُ أُصَلِّي نَافِلَةً وَهِيَ السُّبْحَةُ بِضَمِّ السِّينِ قِيلَ الْمُرَادُ هُنَا صَلَاةُ الضُّحَى قَوْلُهُ (لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ) أَيْ يُكْثِرُهُ وَيُتَابِعُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

باب من فضائل حاطب بن أبي بلتعة وأهل بدر رضي الله

(باب من فضائل حاطب بن أبي بلتعة وأهل بدر رضي الله عنهم قَوْلُهُ [2494] (رَوْضَةَ خَاخٍ) هِيَ بِخَاءَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً فِي جَمِيعِ الطَّوَائِفِ وَفِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ وَالْكُتُبِ وَوَقَعَ في البخاري من رواية أبي عوانة حاج بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَالْجِيمِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ غَلَطِ أَبِي عَوَانَةَ وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ بِذَاتِ حَاجٍّ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ وَهِيَ مَوْضِعٌ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ عَلَى طَرِيقِ الْحَجِيجِ وَأَمَّا رَوْضَةُ خَاخٍ فَبَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَقَالَ الصَّائِدِيُّ هِيَ بِقُرْبِ مَكَّةَ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ) الظَّعِينَةُ هُنَا الْجَارِيَةُ وَأَصْلُهَا الْهَوْدَجُ وَسُمِّيَتْ بِهَا الْجَارِيَةُ لِأَنَّهَا تَكُونُ فِيهِ وَاسْمُ هَذِهِ الظَّعِينَةُ سَارَةُ مَوْلَاةٌ لِعِمْرَانَ بْنِ أَبِي صَيْفِيٍّ الْقُرَشِيِّ وَفِي هَذَا مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ هَتْكُ أَسْتَارِ الْجَوَاسِيسِ بِقِرَاءَةِ كُتُبِهِمْ سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَفِيهِ هَتْكُ سِتْرِ الْمَفْسَدَةِ إِذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَوْ كَانَ فِي السِّتْرِ مَفْسَدَةٌ وَإِنَّمَا يُنْدَبُ السِّتْرُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَفْسَدَةٌ وَلَا يَفُوتُ بِهِ مَصْلَحَةٌ وَعَلَى هَذَا تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي النَّدْبِ إِلَى السِّتْرِ وَفِيهِ أَنَّ الْجَاسُوسَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِ الذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ لَا يَكْفُرُونَ بِذَلِكَ وَهَذَا الْجِنْسُ كَبِيرَةٌ قَطْعًا لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِيذَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ كبيرة بلا شك لقوله تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ الْآيَةَ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ الْعَاصِي وَلَا يُعَزَّرُ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَفِيهِ إِشَارَةُ جُلَسَاءِ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ بِمَا يَرَوْنَهُ كَمَا أَشَارَ عُمَرُ بِضَرْبِ عُنُقِ حَاطِبٍ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ أَنَّ الْجَاسُوسَ الْمُسْلِمَ يُعَزَّرُ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يُقْتَلُ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ وَبَعْضُهُمْ يُقْتَلُ وَإِنْ تَابَ)

وَقَالَ مَالِكٌ يَجْتَهِدُ فِيهِ الْإِمَامُ قَوْلُهُ (تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا) هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ تَجْرِي قَوْلُهُ (فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا) هُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ شَعْرِهَا الْمَضْفُورِ وَهُوَ جَمْعُ عَقِيصَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فقد غفرت لَكُمْ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ الْغُفْرَانُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَإِلَّا فَإِنْ تَوَجَّهَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ حَدٌّ أَوْ غَيْرُهُ أُقِيمَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ

وَأَقَامَهُ عُمَرُ عَلَى بَعْضِهِمْ قَالَ وَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِسْطَحًا الْحَدَّ وَكَانَ بَدْرِيًّا قَوْلُهُ (عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَامِّ وَفِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ الْمِقْدَادَ بَدَلَ أَبِي مَرْثَدٍ وَلَا مُنَافَاةَ بَلْ بَعَثَ الْأَرْبَعَةَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ وَأَبَا مَرْثَدٍ قَوْلُهُ [2495] (يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَبْتَ لَا يَدْخُلُهَا فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ) فِيهِ فَضِيلَةُ أَهْلِ بَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ وَفَضِيلَةُ حَاطِبٍ لِكَوْنِهِ مِنْهُمْ وَفِيهِ أَنَّ لفظة الكذب هي الاخبار عن الشئ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا سَوَاءٌ كَانَ الْإِخْبَارُ عَنْ مَاضٍ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ وَخَصَّتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ بِالْعَمْدِ وَهَذَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ وسبقت المسئلةفي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يُسْتَعْمَلُ الْكَذِبُ إِلَّا فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْمَاضِي بخلاف مَا هُوَ مُسْتَقْبَلٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ والله اعلم

(باب من فضائل أصحاب الشجرة)

(بَاب مِنْ فَضَائِلِ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ) أَهْلِ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2496] (لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ مِنَ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ قَطْعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ حَدِيثِ حَاطِبٍ وَإِنَّمَا قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لِلتَّبَرُّكِ لَا لِلشَّكِّ وَأَمَّا قَوْلُ حَفْصَةَ بَلَى وَانْتِهَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا فَقَالَتْ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا واردها فَقَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَالَ ثم ننجي الذين اتقوا فِيهِ دَلِيلٌ لِلْمُنَاظَرَةِ وَالِاعْتِرَاضِ وَالْجَوَابِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِرْشَادِ وَهُوَ مَقْصُودُ حَفْصَةَ لَا أَنَّهَا أَرَادَتْ رَدَّ مَقَالَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُرُودِ فِي الْآيَةِ الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ وَهُوَ جِسْرٌ مَنْصُوبٌ عَلَى جَهَنَّمَ فَيَقَعُ فِيهَا أَهْلُهَا وَيَنْجُو الْآخَرُونَ (بَاب مِنْ فَضَائِلِ أَبِي مُوسَى وَأَبِي عَامِرٍ الْأَشْعَرِيَّيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما في [2497] الحديث الاول فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَبِي مُوسَى وَبِلَالٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ)

الْبِشَارَةِ وَاسْتِحْبَابُ الِازْدِحَامِ فِيمَا يُتَبَرَّكُ بِهِ وَطَلَبُهُ مِمَّنْ هُوَ مَعَهُ وَالْمُشَارَكَةُ فِيهِ قَوْلُهُ [2498] (فَنَزَا منه الماء

هُوَ بِالنُّونِ وَالزَّايِ أَيْ ظَهَرَ وَارْتَفَعَ وَجَرَى وَلَمْ يَنْقَطِعْ قَوْلُهُ (عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ وَقَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَمَا مُرْمَلٌ فَبِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَرِمَالٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا وَهُوَ الَّذِي يُنْسَجُ فِي وَجْهِهِ بِالسَّعَفِ وَنَحْوِهِ وَيُشَدُّ بِشَرِيطٍ وَنَحْوِهِ يُقَالُ مِنْهُ أَرْمَلْتُهُ فَهُوَ مُرْمَلٌ وَحُكِيَ رَمَلْتُهُ فَهُوَ مَرْمُولٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ فَكَذَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَقَالَ الْقَابِسِيُّ الَّذِي أَحْفَظُهُ فِي غَيْرِ هَذَا السَّنَدِ عَلَيْهِ فِرَاشٌ قَالَ وَأَظُنُّ لَفْظَةَ مَا سَقَطَتْ لِبَعْضِ الرُّوَاةِ وَتَابَعَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ مَا سَاقِطَةٌ وَأَنَّ الصَّوَابَ إِثْبَاتُهَا قَالُوا وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ فِي تَخْيِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجَهُ عَلَى رِمَالِ سَرِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبَيْهِ قَوْلُهُ (ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ إِلَى آخِرِهِ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ وَاسْتِحْبَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِيهِ وَأَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ أَنَسٌ أَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ وَإِلَّا فَقَدْ ثَبَتَ الرَّفْعُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ فَوْقَ ثَلَاثِينَ مَوْطِنًا

(باب من فضائل الأشعريين رضي الله عنهم)

(بَاب مِنْ فَضَائِلِ الْأَشْعَرِيِّينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2499] (إِنِّي لَأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الْأَشْعَرِيِّينَ بِالْقُرْآنِ حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل وإن كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِالنَّهَارِ) أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُونَ بِالدَّالِ مِنَ الدُّخُولِ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جُمْهُورِ الرُّوَاةِ فِي مُسْلِمٍ وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ وَوَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاةِ الْكِتَابَيْنِ يَرْحَلُونَ بِالرَّاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الرَّحِيلِ قَالَ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ قُلْتُ وَالْأُولَى صَحِيحَةٌ أَوْ أَصَحُّ وَالْمُرَادُ يَدْخُلُونَ مَنَازِلَهُمْ إِذَا خَرَجُوا لِشُغْلٍ ثُمَّ رَجَعُوا وَفِيهِ دَلِيلٌ لِفَضِيلَةِ الْأَشْعَرِيِّينَ وَفِيهِ أَنَّ الْجَهْرَ بِالْقُرْآنِ فِي اللَّيْلِ فَضِيلَةٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِيذَاءٌ لِنَائِمٍ أَوْ لِمُصَلٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا وَلَا رِيَاءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالرُّفْقَةُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمِنْهُمْ حَكِيمٌ إِذَا لَقِيَ الْخَيْلَ أَوْ قَالَ الْعَدُوَّ قَالَ لَهُمْ إِنَّ أَصْحَابِي يَأْمُرُونَكُمْ أَنْ تَنْظُرُوهُمْ) أَيْ تَنْتَظِرُوهُمْ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى اُنْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفَ شُيُوخُنَا فِي الْمُرَادِ بِحَكِيمٍ هُنَا فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ هُوَ اسْمُ عَلَمٍ لِرَجُلٍ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيُّ هُوَ صِفَةٌ مِنَ الْحِكْمَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2500] (إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ إلى آخره

(باب من فضائل أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه

مَعْنَى أَرْمَلُوا فَنِيَ طَعَامُهُمْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ الْأَشْعَرِيِّينَ وَفَضِيلَةُ الْإِيثَارِ وَالْمُوَاسَاةِ وَفَضِيلَةُ خَلْطِ الازواد في السفر وفضيلة جمعها في شئ عِنْدَ قِلَّتِهَا فِي الْحَضَرِ ثُمَّ يَقْسِمُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْقِسْمَةَ الْمَعْرُوفَةَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ بِشُرُوطِهَا وَمَنْعَهَا فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَاشْتِرَاطَ الْمُوَاسَاةِ وَغَيْرِهَا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ هُنَا إِبَاحَةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَمُوَاسَاتُهُمْ بِالْمَوْجُودِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ) سَبَقَ تَفْسِيرُهُ فِي بَابِ فَضَائِلِ جُلَيْبِيبَ (بَاب مِنْ فَضَائِلِ أَبِي سُفْيَانَ صخر بْنِ حَرْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ [2501] (أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَعْقِرِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِكَسْرِ الْقَافِ مَنْسُوبٌ إِلَى مَعْقِرَ وَهِيَ نَاحِيَةٌ مِنَ الْيَمَنِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو زميل قال حدثني بن عَبَّاسِ قَالَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَنْظُرُونَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ وَلَا يُقَاعِدُونَهُ فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ثَلَاثٌ أَعْطِنِيهِنَّ قَالَ نَعَمْ قَالَ عِنْدِي أَحْسَنُ الْعَرَبِ وَأَجْمَلُهُ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ أُزَوِّجُكَهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ وَمُعَاوِيَةُ تَجْعَلُهُ كَاتِبًا بَيْنَ يَدَيْكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَتُؤَمِّرُنِي حَتَّى أُقَاتِلَ الْكُفَّارَ كَمَا كُنْتُ أُقَاتِلَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ نَعَمْ)

قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ وَلَوْلَا أَنَّهُ طَلَبَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُسْأَلُ شَيْئًا إِلَّا قَالَ نَعَمْ) أَمَّا أَبُو زُمَيْلٍ فَبِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَاسْمُهُ سِمَاكُ بْنُ الْوَلِيدِ الْحَنَفِيُّ الْيَمَامِيُّ ثُمَّ الْكُوفِيُّ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَحْسَنُ الْعَرَبِ وَأَجْمَلُهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنُهُ خَلْقًا وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي فَضَائِلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِثْلُهُ الْحَدِيثُ بَعْدَهُ فِي نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى ولد وأرعاه لزوج قال أبوحاتم السِّجِسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْ وَأَجْمَلُهُمْ وَأَحْسَنُهُمْ وَأَرْعَاهُمْ لَكِنْ لَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ إِلَّا مُفْرَدًا قَالَ النَّحْوِيُّونَ مَعْنَاهُ وَأَجْمَلُ مَنْ هُنَاكَ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الحديث من الاحاديث المشهورةبالاشكال وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ إِنَّمَا أَسْلَمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَهَذَا مَشْهُورٌ لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَزَوَّجَ أُمَّ حَبِيبَةَ قَبْلَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ قَالَ أَبُو عبيدة وخليفة بن خياط وبن الْبَرْقِيِّ وَالْجُمْهُورُ تَزَوَّجَهَا سَنَةَ سِتٍّ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَاخْتَلَفُوا أَيْنَ تَزَوَّجَهَا فَقِيلَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ قُدُومِهَا مِنَ الْحَبَشَةِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ عَقَدَ لَهُ عَلَيْهَا هُنَاكَ فَقِيلَ عُثْمَانُ وَقِيلَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي بِإِذْنِهَا وَقِيلَ النَّجَاشِيُّ لِأَنَّهُ كَانَ أَمِيرَ الْمَوْضِعِ وَسُلْطَانِهِ قَالَ الْقَاضِي وَاَلَّذِي فِي مُسْلِمٍ هُنَا أَنَّهُ زَوَّجَهَا أَبُو سُفْيَانَ غَرِيبٌ جِدًّا وَخَبَرُهَا مَعَ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ وَرَدَ الْمَدِينَةَ فِي حَالِ كُفْرِهِ مَشْهُورٌ ولم يزد القاضي على هذا وقال بن حَزْمٍ هَذَا الْحَدِيثُ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ أُمَّ حَبِيبَةَ قَبْلَ الْفَتْحِ بِدَهْرٍ وَهِيَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ وَأَبُوهَا كافر وفي رواية عن بن حَزْمٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ مَوْضُوعٌ قَالَ وَالْآفَةُ فِيهِ مِنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ الرَّاوِي عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ وَأَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ هذا على بن حَزْمٍ وَبَالَغَ فِي الشَّنَاعَةِ عَلَيْهِ قَالَ وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ جَسَارَتِهِ فَإِنَّهُ كَانَ هَجُومًا عَلَى تَخْطِئَةِ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ وَإِطْلَاقِ اللِّسَانِ فِيهِمْ قَالَ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ نَسَبَ عِكْرِمَةَ بْنَ عَمَّارٍ إِلَى وَضْعِ الْحَدِيثِ وَقَدْ وَثَّقَهُ وَكِيعٌ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمَا وَكَانَ مستجاب الدعوة قال وما توهمه بن حَزْمٍ مِنْ مُنَافَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ لِتَقَدُّمِ زَوَاجِهَا غَلَطٌ مِنْهُ وَغَفْلَةٌ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَأَلَهُ تَجْدِيدَ عَقْدِ النِّكَاحِ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ لِأَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا يَرَى عَلَيْهَا غَضَاضَةً مِنْ رِيَاسَتِهِ وَنَسَبِهِ أن تزوج بنته بِغَيْرِ رِضَاهُ أَوْ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ إِسْلَامَ الْأَبِ فِي مِثْلِ هَذَا

(باب من فضائل جعفر وأسماء بنت عميس)

يَقْتَضِي تَجْدِيدَ الْعَقْدِ وَقَدْ خَفِيَ أَوْضَحُ مِنْ هَذَا عَلَى أَكْبَرِ مَرْتَبَةً مِنْ أَبِي سُفْيَانَ مِمَّنْ كَثُرَ عِلْمُهُ وَطَالَتْ صُحْبَتُهُ هَذَا كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَدَّدَ الْعَقْدَ وَلَا قَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ إِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِهِ فَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ نَعَمْ أَنَّ مَقْصُودَكَ يَحْصُلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَقِيقَةِ عَقْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب من فضائل جعفر وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ) وَأَهْلِ سَفِينَتِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ [2502] (أَنَا وَأَخَوَانٌ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ) هكذا هو في النسخ أصغرهماوالوجه أَصْغَرُ مِنْهُمَا قَوْلُهُ (فَأَسْهَمَ لَنَا أَوْ قَالَ أَعْطَانَا مِنْهَا) هَذَا الْإِعْطَاءُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ بِرِضَا الْغَانِمِينَ وَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ فَشَرِكُوهُمْ فِي سُهْمَانِهِمْ

قَوْلُهَا لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [2503] (كَذَبْتَ) أَيْ أَخْطَأْتَ وَقَدْ اسْتَعْمَلُوا كَذَبَ بِمَعْنَى أَخْطَأَ قَوْلُهَا (وَكُنَّا فِي دَارِ الْبُعَدَاءِ الْبُغَضَاءِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْبُعَدَاءُ فِي النَّسَبِ الْبُغَضَاءُ فِي الدِّينِ لِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ إِلَّا النَّجَاشِيِّ وَكَانَ يَسْتَخْفِي بِإِسْلَامِهِ عَنْ قومه ويورى لَهُمْ قَوْلُهَا (يَأْتُونِي أَرْسَالًا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ أفواجا

(باب من فضائل سلمان وبلال وصهيب رضي الله عنهم)

فَوْجًا بَعْدَ فَوْجٍ يُقَالُ أَوْرَدَ إِبِلِهِ أَرْسَالًا أَيْ مُتَقَطِّعَةً مُتَتَابِعَةً وَأَوْرَدَهَا عِرَاكًا أَيْ مُجْتَمِعَةً والله اعلم (باب من فضائل سلمان وبلال وصهيب رضي الله عَنْهُمْ) قَوْلُهُ [2504] (أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبِلَالٍ فِي نَفَرٍ فَقَالُوا مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا) ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالْقَصْرِ وَفَتْحِ الْخَاءِ وَالثَّانِي بِالْمَدِّ وَكَسْرِهَا وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَهَذَا الْإِتْيَانُ لِأَبِي سُفْيَانَ كَانَ وَهُوَ كَافِرٌ فِي الْهُدْنَةِ بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ وَفِي هَذَا فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِسَلْمَانَ وَرُفْقَتِهِ هَؤُلَاءِ وَفِيهِ مُرَاعَاةُ قُلُوبِ الضُّعَفَاءِ وَأَهْلِ الدِّينِ وَإِكْرَامِهِمْ وَمُلَاطَفَتِهِمْ قَوْلُهُ (يَا إِخْوَتَاهُ أغضبتكم قالوا لا يغفر الله لك ياأخي) أما قولهم ياأخي فَضَبَطُوهُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ عَلَى التَّصْغِيرِ وَهُوَ تَصْغِيرُ تَحْبِيبٍ وَتَرْقِيقٌ وَمُلَاطَفَةٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِفَتْحِهَا قَالَ الْقَاضِي قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ نَهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الصِّيغَةِ وَقَالَ قُلْ عَافَاكَ اللَّهُ رَحِمَكَ اللَّهُ لَا تَزِدْ أَيْ لَا تَقُلْ قَبْلَ الدُّعَاءِ لَا فَتَصِيرُ صُورَتُهُ صُورَةَ نَفْيِ الدُّعَاءِ قَالَ بَعْضُهُمْ قُلْ لَا وَيَغْفِرُ لَكَ اللَّهُ

(باب من فضائل الانصار رضي الله عنهم قوله [2505] (بنو سلمة)

(باب من فضائل الانصار رضي الله عَنْهُمْ قَوْلُهُ [2505] (بَنُو سَلِمَةَ) هُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ قَبِيلَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَوْلُهُ [2508] (فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُمْثَلًا) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَإِسْكَانِ الثَّانِيَةِ وَبِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِهَا كَذَا رُوِيَ بِالْوَجْهَيْنِ وَهُمَا مَشْهُورَانِ قَالَ الْقَاضِي جُمْهُورُ الرُّوَاةِ بِالْفَتْحِ قَالَ وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ قَالَ وَلِبَعْضِهِمْ هُنَا وَفِي الْبُخَارِيِّ)

بِالْكَسْرِ وَمَعْنَاهُ قَائِمًا مُنْتَصِبًا قَالَ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ مُقْبِلًا وَلِلْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مُمْتَنًّا بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقَ وَنُونٍ مِنَ الْمِنَّةِ أَيْ مُتَفَضِّلًا عَلَيْهِمْ قَالَ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ هَذَا وَضَبَطَهُ بَعْضُ المتقنين مُمْتِنًا بِكَسْرِ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ أَيْ قِيَامًا طَوِيلًا قَالَ الْقَاضِي وَالْمُخْتَارُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنِ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ [2509] (جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَلَا بِهَا) هَذِهِ الْمَرْأَةُ إِمَّا مَحْرَمٌ لَهُ كَأُمِّ سُلَيْمٍ وَأُخْتِهَا وَإِمَّا الْمُرَادُ بِالْخَلْوَةِ أَنَّهَا سَأَلَتْهُ سُؤَالًا خَفِيًّا بحضرة ناس ولم تكن خَلْوَةً مُطْلَقَةً وَهِيَ الْخَلْوَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2510] (الْأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ جَمَاعَتِي وَخَاصَّتِي الَّذِينَ أَثِقُ بِهِمْ وَأَعْتَمِدُهُمْ فِي أُمُورِي قَالَ الْخَطَّابِيُّ ضَرَبَ مَثَلًا بِالْكَرِشِ لِأَنَّهُ مُسْتَقَرُّ غِذَاءِ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ بَقَاؤُهُ وَالْعَيْبَةُ وِعَاءٌ مَعْرُوفٌ أَكْبَرُ مِنَ الْمِخْلَاةِ يَحْفَظُ الْإِنْسَانُ فِيهَا ثِيَابَهُ وَفَاخِرَ مَتَاعِهِ وَيَصُونُهَا ضَرَبَهَا مَثَلًا لِأَنَّهُمْ أَهْلُ سِرِّهِ وَخَفِيِّ أَحْوَالِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ النَّاسَ سَيَكْثُرُونَ وَيَقِلُّونَ) أَيْ وَيَقِلُّ الْأَنْصَارُ وَهَذَا مِنَ الْمُعْجِزَاتِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَاعْفُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ) وفي بعض الاصول عن سيئتهم والمراد بذلك فيما

سوى الحدود قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2511] [2512] (خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ) أَيْ خَيْرُ قَبَائِلِهِمْ وَكَانَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ مِنْهَا تَسْكُنُ مَحَلَّةً فَتُسَمَّى تِلْكَ الْمَحَلَّةُ دَارَ بني فلان ولهذاجاء فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ بَنُو فُلَانٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الدَّارِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَتَفْضِيلِهِمْ عَلَى قَدْرِ سَبْقِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَمَآثِرَهِمْ فِيهِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِجَوَازِ تَفْضِيلِ الْقَبَائِلِ وَالْأَشْخَاصِ بِغَيْرِ مُجَازَفَةٍ وَلَا هَوًى وَلَا يَكُونُ هَذَا غِيبَةً قوله (سمعت أبا أسيد خطيبا عند بن عُتْبَةَ) أَمَّا أُسَيْدٌ فَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ فَتْحَهَا وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَخَطِيبًا بِكَسْرِ الطَّاءِ اسْمُ فَاعِلٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ خَطَبَنَا بِفَتْحِهَا فعل ماض قوله (عند بن عُتْبَةَ) بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَامِلُ عَمِّهِ

مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَوْلُهُ (خُلِّفْنَا) أَيْ أُخِّرْنَا فَجُعِلْنَا آخِرَ النَّاسِ وَفِي حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَخِدْمَتِهِ لِأَنَسٍ إِكْرَامًا لِلْأَنْصَارِ دَلِيلٌ لِإِكْرَامِ الْمُحْسِنِ وَالْمُنْتَسِبِ إِلَيْهِ وإِنْ كَانَ أَصْغَرَ سِنًّا وَفِيهِ تَوَاضُعُ جَرِيرٍ وَفَضِيلَتُهُ وَإِكْرَامُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِحْسَانُهُ إِلَى مَنِ انْتَسَبَ إِلَى مَنْ أَحْسَنَ إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب من فضائل غفار وأسلم وجهينة وأشجع ومزينة

(باب من فضائل غفار وأسلم وجهينة وأشجع ومزينة) وتميم ودوس وطىء قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2514] [2515] [2516] [2518] (وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنَ الْمُسَالَمَةِ وَتَرْكُ الْحَرْبِ قِيلَ هُوَ دُعَاءٌ وَقِيلَ خَبَرٌ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ هُوَ مِنْ أَحْسَنِ الْكَلَامِ مَأْخُوذٌ مِنْ سَالَمْتُهُ إِذَا لَمْ تَرَ مِنْهُ مَكْرُوهًا فَكَأَنَّهُ دَعَا لَهُمْ بِأَنْ يَصْنَعَ اللَّهُ بِهِمْ مَا يُوَافِقُهُمْ فَيَكُونُ سَالَمَهَا بِمَعْنَى سَلَّمَهَا وَقَدْ جَاءَ فَاعَلَ بِمَعْنَى فَعَلَ

كَقَاتَلَهُ اللَّهُ أَيْ قَتَلَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2517] (اللَّهُمَّ الْعَنْ بَنِي لِحْيَانَ وَرِعْلًا) لِحْيَانُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ هذيل ورعل بِكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفِيهِ جَوَازُ لعن الكفار

جملة أوالطائفة مِنْهُمْ بِخِلَافِ الْوَاحِدِ بِعَيْنِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم [2519] [2520] (الانصار ومزينة ومن كان من بني عبد الله ومن ذكر مَوَالِيَّ دُونَ النَّاسِ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَاهُمْ) أَيْ وَلِيُّهُمْ وَالْمُتَكَفِّلُ بِهِمْ وَبِمَصَالِحِهِمْ وَهُمْ مَوَالِيهِ أَيْ نَاصِرُوهُ وَالْمُخْتَصُّونَ بِهِ قَالَ الْقَاضِي الْمُرَادُ بِبَنِي عَبْدِ اللَّهِ هُنَا بَنُو عَبْدِ الْعُزَّى مِنْ غَطَفَانَ سَمَّاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ فَسَمَّتْهُمُ الْعَرَبُ بَنِي مُحَوِّلَةَ لتحويل

اسْمِ أَبِيهِمْ قَوْلُهُ [2521] (وَالْحَلِيفَيْنِ أَسَدُ وَغَطَفَانُ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْحِلْفِ أَيِ الْمُتَحَالِفَيْنِ قَوْلُهُ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2522] (إِنَّهُمْ لَأَخْيَرُ مِنْهُمْ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ لَأَخْيَرُ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ تَكَرَّرَتْ فِي الْأَحَادِيثِ وَأَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ يُنْكِرُونَهَا وَيَقُولُونَ الصَّوَابُ خَيْرٌ وَشَرٌّ وَلَا يُقَالُ أَخْيَرُ وَلَا أَشَرُّ وَلَا يُقْبَلُ إِنْكَارُهُمْ فَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةُ الِاسْتِعْمَالِ وَأَمَّا تَفْضِيلُ هَذِهِ الْقَبَائِلِ فَلِسَبْقِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَآثَارِهِمْ فِيهِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي سَيِّدُ بَنِي تَمِيمٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ الضَّبِّيُّ) قَالَ الْقَاضِي كَذَا وَقَعَ هُنَا وَضَبَّةُ لَا تَجْتَمِعُ فِي بَنِي تَمِيمٍ إِنَّمَا ضَبَّةُ بْنُ أُدِّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ وَفِي قُرَيْشٍ أَيْضًا ضَبَّةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ قَالَ وَقَدْ نَسَبَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ كَمَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ قُلْتُ وَفِي هُذَيْلٍ أَيْضًا ضَبَّةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَبِّيًّا

بِالْحِلْفِ أَوْ مَجَازًا لِمُقَارَبَتِهِ فَإِنَّ تَمِيمًا تَجْتَمِعُ هي وضبية قَرِيبًا قَوْلُهُ [2523] (أَوَّلُ صَدَقَةٍ بَيَّضَتْ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُجُوهَ أَصْحَابِهِ صدقة طئ) أي سرتهم وأفرحتهم وطىء بالهمزة على

(باب خيار الناس)

الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ تَرْكُهُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَالْمَلَاحِمُ مَعَارِكُ الْقِتَالِ وَالْتِحَامُهُ (بَاب خِيَارِ النَّاسِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2526] (تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ فَخِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي فَضَائِلِ يُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَقُهُوا بِضَمِّ الْقَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا أَيْ صَارُوا فُقَهَاءَ وَعُلَمَاءَ وَالْمَعَادِنُ الْأُصُولُ وَإِذَا كَانَتِ الْأُصُولُ شَرِيفَةً كانت

الْفُرُوعُ كَذَلِكَ غَالِبًا وَالْفَضِيلَةُ فِي الْإِسْلَامِ بِالتَّقْوَى لكن إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهَا شَرَفُ النَّسَبِ ازْدَادَتْ فَضْلًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ فِي هَذَا الْأَمْرِ أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً حَتَّى يَقَعَ فِيهِ) قَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِسْلَامُ كَمَا كَانَ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَغَيْرِهِ مِنْ مَسْلَمَةِ الْفَتْحِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ كَانَ يَكْرَهُ الْإِسْلَامَ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً لَمَّا دَخَلَ فِيهِ أَخْلَصَ وَأَحَبَّهُ وَجَاهَدَ فِيهِ حَقَّ جِهَادِهِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ فِي ذِي الْوَجْهَيْنِ هُنَا الْوِلَايَاتُ لِأَنَّهُ إِذَا أُعْطِيهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِينَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْوَجْهَيْنِ إِنَّهُ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ فَسَبَبُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ نِفَاقٌ مَحْضٌ وَكَذِبٌ وَخِدَاعٌ وَتَحَيُّلٌ عَلَى اطِّلَاعِهِ عَلَى أَسْرَارِ الطَّائِفَتَيْنِ وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي كُلَّ طَائِفَةٍ بِمَا يُرْضِيهَا وَيُظْهِرُ لَهَا أَنَّهُ مِنْهَا فِي خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَهِيَ مُدَاهَنَةٌ مُحَرَّمَةٌ

(باب من فضائل نساء قريش قوله صلى الله عليه وسلم

(بَاب مِنْ فَضَائِلِ نِسَاءِ قُرَيْشٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2527] (خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ) فِيهِ فَضِيلَةُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ وَفَضْلُ هَذِهِ الْخِصَالِ وَهِيَ الْحَنْوَةُ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ وَحُسْنُ تَرْبِيَتِهِمْ وَالْقِيَامُ عَلَيْهِمْ إِذَا كَانُوا يَتَامَى وَنَحْوُ ذَلِكَ مُرَاعَاةُ حَقِّ الزَّوْجِ فِي مَالِهِ وَحِفْظِهِ وَالْأَمَانَةِ فِيهِ وَحُسْنِ تَدْبِيرِهِ فِي النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا وَصِيَانَتِهِ ونحو ذلك ومعنى ركبن الابل نساءالعرب وَلِهَذَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الْحَدِيثِ لَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ بَعِيرًا قَطُّ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ نِسَاءَ قُرَيْشٍ خَيْرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْعَرَبَ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِمْ فِي الجملة وأما الافراد فيدخل بها الخصوص ومعنى ذَاتُ يَدِهِ أَيْ شَأْنُهُ الْمُضَافُ إِلَيْهِ وَمَعْنَى أَحْنَاهُ أَشْفَقُهُ وَالْحَانِيَةُ عَلَى وَلَدِهَا الَّتِي تَقُومُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ يُتْمِهِمْ فَلَا تَتَزَوَّجُ فَإِنْ تَزَوَّجَتْ فَلَيْسَتْ بِحَانِيَةٍ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ فَضْلِ أَبِي سُفْيَانَ قَرِيبًا بَيَانُ أَحْنَاهُ وأرعاه وأن معناه أحناهن والله اعلم)

باب مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم

(باب مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم) بين أصحابه رضي الله عنهم [2528] ذَكَرَ فِي الْبَابِ الْمُؤَاخَاةَ وَالْحِلْفَ وَحَدِيثَ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ [2529] وَحَدِيثَ أَنَسٍ آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ والانصار في داري بِالْمَدِينَةِ قَالَ الْقَاضِي قَالَ الطَّبَرِيُّ لَا يَجُوزُ الْحِلْفُ الْيَوْمَ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ وَالْمُوَارَثَةَ به وبالمؤاخاة كله منسوخ لقوله تعالى وأولوا

الارحام بعضهم أولى ببعض وَقَالَ الْحَسَنُ كَانَ التَّوَارُثُ بِالْحِلْفِ فَنُسِخَ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ قُلْتُ أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِرْثِ فَيُسْتَحَبُّ فيه المخالفة عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا الْمُؤَاخَاةُ فِي الْإِسْلَامِ وَالْمُحَالَفَةُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّنَاصُرُ فِي الدِّينِ وَالتَّعَاوُنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَإِقَامَةُ الْحَقِّ فَهَذَا بَاقٍ لَمْ يُنْسَخْ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2530] (لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ) فَالْمُرَادُ بِهِ حِلْفُ التَّوَارُثِ وَالْحِلْفُ عَلَى مَا مَنَعَ الشرع منه والله أعلم

باب بيان أن بقاء النبي صلى الله عليه سلم

(باب بيان أن بقاء النبي صلى الله عليه سلم) أمان لأصحابه وبقاء أصحابه أمان للأمة قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2531] (النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْأَمَنَةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَالْأَمْنُ وَالْأَمَانُ بِمَعْنًى وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ النُّجُومَ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً فَالسَّمَاءُ بَاقِيَةٌ فَإِذَا انْكَدَرَتِ النُّجُومُ وَتَنَاثَرَتْ فِي الْقِيَامَةِ وَهَنَتِ السَّمَاءُ فَانْفَطَرَتْ وَانْشَقَّتْ وَذَهَبَتْ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ أَيْ مِنَ الْفِتَنِ وَالْحُرُوبِ وَارْتِدَادِ مَنِ ارْتَدَّ مِنَ الْأَعْرَابِ وَاخْتِلَافِ الْقُلُوبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا أَنْذَرَ بِهِ صَرِيحًا وَقَدْ وَقَعَ كُلُّ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ) مَعْنَاهُ مِنْ ظُهُورِ الْبِدَعِ وَالْحَوَادِثِ فِي الدِّينِ وَالْفِتَنِ فِيهِ وَطُلُوعِ قَرْنِ الشَّيْطَانِ وَظُهُورِ الرُّومِ وَغَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ وَانْتَهَاكِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذِهِ كُلُّهَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَاب فَضْلِ الصَّحَابَةِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2532] (يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ) هُوَ بِفَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ أَيْ جَمَاعَةٌ وَحَكَى الْقَاضِي فِيهِ بِالْيَاءِ مُخَفَّفَةً بِلَا هَمْزٍ وَلُغَةً أُخْرَى فَتْحُ الْفَاءِ حَكَاهَا عَنِ الْخَلِيلِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَضْلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ

وَالْبَعْثُ هُنَا الْجَيْشُ قَوْلُهُ [2533] (عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالسِّينِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي سَلْمَانَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (خير كم قَرْنِي) وَفِي رِوَايَةٍ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ إِلَى آخِرِهِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ خَيْرَ الْقُرُونِ قَرْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ أَصْحَابُهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا

أَنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ سَاعَةً فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَرِوَايَةُ خَيْرُ النَّاسِ عَلَى عُمُومِهَا وَالْمُرَادُ مِنْهُ جُمْلَةُ الْقَرْنِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَفْضِيلُ الصَّحَابِيِّ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَلَا أَفْرَادُ النِّسَاءِ عَلَى مَرْيَمَ وَآسِيَةَ وَغَيْرِهِمَا بَلِ الْمُرَادُ جُمْلَةُ الْقَرْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ قَرْنٍ بِجُمْلَتِهِ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْقَرْنِ هُنَا فَقَالَ الْمُغِيرَةُ قَرْنُهُ أَصْحَابُهُ وَاَلَّذِينَ يَلُونَهُمْ أَبْنَاؤُهُمْ وَالثَّالِثُ أَبْنَاءُ أَبْنَائِهِمْ وَقَالَ شَهْرٌ قَرْنُهُ مَا بَقِيَتْ عَيْنٌ رَأَتْهُ وَالثَّانِي مَا بَقِيَتْ عَيْنٌ رَأَتْ مَنْ رَآهُ ثُمَّ كَذَلِكَ وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْقَرْنُ كُلُّ طَبَقَةٍ مُقْتَرِنِينَ فِي وَقْتٍ وَقِيلَ هُوَ لِأَهْلِ مُدَّةٍ بُعِثَ فِيهَا نَبِيٌّ طَالَتْ مُدَّتُهُ أَمْ قَصُرَتْ وَذَكَرَ الْحَرْبِيُّ الِاخْتِلَافَ فِي قَدْرِهِ بِالسِّنِينَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ إِلَى مِائَةٍ وعشرين ثم قال وليس منه شئ وَاضِحٌ وَرَأَى أَنَّ الْقَرْنَ كُلُّ أُمَّةٍ هَلَكَتْ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا أَحَدٌ وَقَالَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ الْقَرْنُ عَشْرُ سِنِينَ وَقَتَادَةُ سَبْعُونَ وَالنَّخَعِيُّ أَرْبَعُونَ وَزُرَارَةُ بْنُ أَبِي أَوْفَى مِائَةٌ وَعِشْرُونَ وَعَبْدُ الملك بن عمير مائة وقال بن الْأَعْرَابِيِّ هُوَ الْوَقْتُ هَذَا آخِرُ نَقْلِ الْقَاضِي وَالصَّحِيحُ أَنَّ قَرْنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحَابَةُ وَالثَّانِي التَّابِعُونَ وَالثَّالِثُ تَابِعُوهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (ثم يجئ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِيُنُهُ شَهَادَتَهُ) هَذَا ذَمٌّ لِمَنْ يَشْهَدُ وَيَحْلِفُ مَعَ شَهَادَتِهِ وَاحْتَجَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فِي رَدِّ شَهَادَةِ من خلف معها وجمهور

العلماء أنها لاترد وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالشَّهَادَةِ فَتَارَةً تَسْبِقُ هَذِهِ وَتَارَةً هَذِهِ وَفِي الرِّوَايَةِ الاخرى تبدر شهادة أحدهم وهو يعنى تَسْبِقُ قَوْلُهُ يَنْهَوْنَنَا عَنِ الْعَهْدِ وَالشَّهَادَاتِ أَيِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالشَّهَادَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ قَوْلِهِ عَلَى عَهْدِ اللَّهِ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ يَتَخَلَّفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ يَتَخَلَّفُ وَفِي بَعْضِهَا يَخْلُفُ بِحَذْفِ التاء وكلاهما صحيح أي يجئ بَعْدَهُمْ خَلْفٌ بِإِسْكَانِ اللَّامِ هَكَذَا الرِّوَايَةُ وَالْمُرَادُ خَلْفُ سُوءٍ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْخَلْفُ مَا صَارَ عِوَضًا عَنْ غَيْرِهِ وَيُسْتَعْمَلُ فِيمَنْ خَلَفَ بِخَيْرٍ أَوْ بِشَرٍّ لَكِنْ يُقَالُ فِي الْخَيْرِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَإِسْكَانِهَا لُغَتَانِ الْفَتْحُ أَشْهَرُ وَأَجْوَدُ وفي الشر باسكانها عن الْجُمْهُورِ وَحُكِيَ أَيْضًا فَتْحُهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2534] (ثُمَّ يَخْلُفُ قَوْمٌ يُحِبُّونَ السَّمَانَةَ يَشْهَدُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا) وَفِي رِوَايَةٍ وَيَظْهَرُ قَوْمٌ فِيهِمُ السِّمَنُ السَّمَانَةُ بِفَتْحِ السِّينِ هِيَ السمن قال جمهور العلماءفي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ الْمُرَادُ بِالسِّمَنِ هُنَا كَثْرَةُ اللحم ومعناه أنه يكثر ذلك فيهم وليسن مَعْنَاهُ أَنْ يَتَمَحَّضُوا سِمَانًا قَالُوا وَالْمَذْمُومُ مِنْهُ

مَنْ يَسْتَكْسِبُهُ وَأَمَّا مَنْ هُوَ فِيهِ خِلْقَةً فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا وَالْمُتَكَسِّبُ لَهُ هُوَ الْمُتَوَسِّعُ فِي الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ زَائِدًا عَلَى الْمُعْتَادِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالسِّمَنِ هُنَا أَنَّهُمْ يَتَكَثَّرُونَ بِمَا لَيْسَ فِيهِمْ وَيَدَّعُونَ مَا لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الشَّرَفِ وَغَيْرَهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ جَمْعُهُمُ الْأَمْوَالَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَشْهَدُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا) هَذَا الْحَدِيثُ فِي ظَاهِرِهِ مُخَالَفَةٌ لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ خَيْرُ الشُّهُودِ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الذَّمَّ فِي ذَلِكَ لِمَنْ بَادَرَ بِالشَّهَادَةِ فِي حق الآدمي هو عالم بها قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهَا صَاحِبُهَا وَأَمَّا الْمَدْحُ فَهُوَ لِمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةُ الْآدَمِيِّ وَلَا يَعْلَمُ بها صاحبها فيخبره بها ليستشهد بِهَا عِنْدَ الْقَاضِي إِنْ أَرَادَ وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةُ حِسْبَةٍ وَهِيَ الشَّهَادَةُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَأْتِي الْقَاضِيَ وَيَشْهَدُ بِهَا وَهَذَا مَمْدُوحٌ إِلَّا إِذَا كَانَتِ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ وَرَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي السِّتْرِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقِيلَ فِيهِ اقوال ضعيفة منها قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالذَّمِّ مُطْلَقًا وَنَابَذَ حَدِيثَ المدح ومنها مَنْ حَمَلَهُ عَلَى شَهَادَةِ الزُّورِ وَمِنْهَا قَوْلُ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِالْحُدُودِ

وَكُلُّهَا فَاسِدَةٌ وَاحْتَجَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شُبْرُمَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِمَذْهَبِهِ فِي مَنْعِهِ الشَّهَادَةَ عَلَى الْإِقْرَارِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ قَبُولُهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2535] (وَيَخُونُونَ وَلَا يَتَمَنَّوْنَ) هَكَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ يَتَمَنَّوْنَ بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَفِي بَعْضِهَا يُؤْتَمَنُونَ وَمَعْنَاهُ يَخُونُونَ خِيَانَةً ظَاهِرَةً بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مَعَهَا أَمَانَةٌ بِخِلَافِ مَنْ خَانَ بِحَقِيرٍ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَانَ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنِ الْأَمَانَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (وينذرون ولا يوفون) هوبكسر الذَّالِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ وَفِي رِوَايَةٍ يَفُونَ وَهُمَا صَحِيحَانِ يُقَالُ وَفَى وَأَوْفَى فِيهِ وُجُوبُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ وَهُوَ وَاجِبٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ النَّذْرِ مَنْهِيًّا عَنْهُ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَائِلُ لِلنُّبُوَّةِ وَمُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ كُلَّ الْأُمُورِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا وَقَعَتْ كَمَا أَخْبَرَ قَوْلُهُ (سَمِعْتُ أَبَا جَمْرَةَ قَالَ حَدَّثَنِي زَهْدَمُ بْنُ مُضَرِّبٍ) أَمَّا أَبُو جَمْرَةَ فَبِالْجِيمِ وَهُوَ أَبُو جَمْرَةَ نصْرُ بْنُ عِمْرَانَ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ ثُمَّ فِي مَوَاضِعَ وَلَا خلاف أنه المراد

(باب بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم على رأس

هنا وَأَمَّا زَهْدَمُ فَبِزَايٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ هَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُضَرِّبٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ قَوْلُهُ [2536] (عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ عَنْ عَائِشَةَ) هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَهَذَا الْإِسْنَادُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فَقَالَ إِنَّمَا رَوَى الْبَهِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ الْقَاضِي قَدْ صَحَّحُوا رِوَايَتَهُ عَنْ عَائِشَةَ وَقَدْ ذكر البخاري روايته عن عائشة (باب بَيَانِ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم على رأس مائة سنة لا يبقى) نفس منفوسة ممن هو موجود الآن قوله صلى الله عليه وسلم [2537] (أريتكم لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظهر الارض أحد قال بن عُمَرَ وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَبْقَى

مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَنْخَرِمَ ذَلِكَ الْقَرْنُ) وَفِي [2538] [2539] [2538] رِوَايَةِ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ يَقُولُ مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ الْيَوْمَ يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ وَهِيَ حَيَّةٌ يَوْمئِذٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ لَكِنْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ لَمَّا رَجَعَ مِنْ تَبُوكَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ قَدْ فَسَّرَ بَعْضُهَا بَعْضًا وَفِيهَا عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَالْمُرَادُ أَنَّ كل نفس منفوسة كانت تلك اللَّيْلَةَ عَلَى الْأَرْضِ لَا تَعِيشُ بَعْدَهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ سَوَاءٌ قَلَّ أَمْرُهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَمْ لَا وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ عَيْشِ أَحَدٍ يُوجَدُ بَعْدَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَوْقَ مِائَةِ سَنَةٍ وَمَعْنَى نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ أَيْ مَوْلُودَةٍ وَفِيهِ احْتِرَازُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَنْ شَذَّ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ فَقَالَ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَيِّتٌ وَالْجُمْهُورُ عَلَى حَيَاتِهِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ فَضَائِلِهِ وَيَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْبَحْرِ لَا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ أَنَّهَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ قَوْلُهُ (فَوَهَلَ النَّاسُ) بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ غَلِطُوا يُقَالُ وَهَلَ بِفَتْحِ الْهَاءِ يَهِلُ بِكَسْرِهَا وَهْلًا كَضَرِبَ يَضْرِبُ ضَرْبًا أي غلط وذهب وهنه إِلَى خِلَافِ الصَّوَابِ وَأَمَّا وَهِلْتُ بِكَسْرِهَا أَهَلُ بِفَتْحِهَا وَهَلًا كَحَذِرْتُ أَحْذَرُ حَذَرًا فَمَعْنَاهُ فَزِعْتُ وَالْوَهَلُ بِالْفَتْحِ الْفَزَعُ قَوْلُهُ (يَنْخَرِمُ ذَلِكَ الْقَرْنُ) أَيْ يَنْقَطِعُ وَيَنْقَضِي قَوْلُهُ (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاحِبِ السِّقَايَةِ عَنْ جَابِرٍ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قول معتمر بن سلمان سمعت أبي قال حدثنا أبو

ضرة ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَمَامِ الْحَدِيثِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَالْقَائِلُ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ سُلَيْمَانُ والد

باب تحريم سب الصحابة

مُعْتَمِرٍ فَسُلَيْمَانُ يَرْوِيهِ بِإِسْنَادِ مُسْلِمٍ إِلَيْهِ عَنِ اثْنَيْنِ أَبِي نَضْرَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاحِبِ السِّقَايَةِ كلاهما عن جابر والله اعلم (باب تحريم سب الصحابة) قَوْلُهُ [2540] (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي) قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيِّ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيِّ هَذَا وَهَمٌ وَالصَّوَابُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَالنَّاسُ قَالَ وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ يَرْوِيهِ الْأَعْمَشُ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فَرَوَاهُ زَيْدُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاخْتُلِفَ عَلَى أَبِي عَوَانَةَ عَنْهُ فَرَوَاهُ عَفَّانُ وَيَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ كَذَلِكَ وَرَوَاهُ مُسَدَّدٌ وَأَبُو كَامِلٍ وَشَيْبَانُ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ فَقَالُوا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَكَذَا قَالَ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ وَالْخَرَشِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ وَالصَّوَابُ مِنْ رِوَايَاتِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَرَوَاهُ زَائِدَةُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالصَّحِيحُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ والله اعلم

وَاعْلَمْ أَنَّ سَبَّ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَرَامٌ مِنْ فَوَاحِشِ الْمُحَرَّمَاتِ سَوَاءٌ مَنْ لَابَسَ الْفِتَنَ مِنْهُمْ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ فِي تِلْكَ الْحُرُوبِ مُتَأَوِّلُونَ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي أَوَّلِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةَ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ قَالَ الْقَاضِي وَسَبُّ أَحَدِهِمْ مِنَ الْمَعَاصِي الْكَبَائِرِ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُعَزَّرُ وَلَا يُقْتَلُ وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يُقْتَلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2541] (لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ماأدرك مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ النَّصِيفُ النِّصْفُ وَفِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ نِصْفُ بِكَسْرِ النُّونِ وَنُصْفُ بِضَمِّهَا وَنَصْفُ بِفَتْحِهَا وَنَصِيفٌ بِزِيَادَةِ الْيَاءِ حَكَاهُنَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ عَنِ الْخَطَّابِيِّ وَمَعْنَاهُ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ ثَوَابُهُ فِي ذَلِكَ ثَوَابَ نَفَقَةِ أَحَدِ أَصْحَابِي مُدًّا وَلَا نِصْفَ مُدٍّ قَالَ الْقَاضِي وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ بَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةَ عَنِ الْجُمْهُورِ مِنْ تَفْضِيلِ الصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ عَلَى جَمِيعِ مَنْ بَعْدَهُمْ وَسَبَبُ تَفْضِيلِ نَفَقَتِهِمْ أَنَّهَا كَانَتْ فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ وَضِيقِ الْحَالِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ وَلِأَنَّ إِنْفَاقَهُمْ كَانَ فِي نُصْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِمَايَتِهِ وَذَلِكَ مَعْدُومٌ بَعْدَهُ وَكَذَا جِهَادُهُمْ وَسَائِرُ طَاعَتِهِمْ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أولئك أعظم درجة الْآيَةُ هَذَا كُلُّهُ مَعَ مَا كَانَ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الشَّفَقَةِ وَالتَّوَدُّدِ وَالْخُشُوعِ وَالتَّوَاضُعِ وَالْإِيثَارِ وَالْجِهَادِ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَفَضِيلَةِ الصُّحْبَةِ وَلَوْ لَحْظَةً لَا يُوَازِيهَا عَمَلٌ وَلَا تُنَالُ درجتها بشئ وَالْفَضَائِلُ لَا تُؤْخَذُ بِقِيَاسٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ قَالَ الْقَاضِي وَمِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ مُخْتَصَّةٌ بِمَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ وَقَاتَلَ مَعَهُ وَأَنْفَقَ وَهَاجَرَ وَنَصَرَ لَا لِمَنْ رَآهُ مَرَّةً كَوُفُودِ الْأَعْرَابِ أَوْ صَحِبَهُ آخِرًا بَعْدَ الْفَتْحِ وَبَعْدَ إِعْزَازِ الدِّينِ مِمَّنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ هِجْرَةٌ وَلَا أَثَرٌ فِي الدِّينِ وَمَنْفَعَةُ

(باب من فضائل أويس القرني رضي الله عنه قوله [2542] (أسير

الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ والله اعلم (باب من فضائل أويس القرني رضي الله عنه قَوْلُهُ [2542] (أُسَيْرُ بْنُ جَابِرٍ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَيُقَالُ أُسَيْرُ بْنُ عَمْرٍو وَيُقَالُ يُسْرُ بِضَمِّ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَفِي قِصَّةِ أُوَيْسٍ هَذِهِ مُعْجِزَاتٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ كَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ هُنَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ قال بن مَاكُولَا وَيُقَالُ أُوَيْسُ بْنُ عَمْرٍو قَالُوا وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَمْرٍو قَالَ الْقَائِلُ قُتِلَ بِصِفِّينَ وَهُوَ الْقَرَنِيُّ مِنْ بَنِي قَرَنٍ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالرَّاءِ وَهِيَ بَطْنٌ مِنْ مُرَادٍ وَهُوَ قَرَنُ بْنُ ردمان بن ناجبة بْنِ مُرَادٍ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُرَادٌ اسْمُهُ جَابِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أُدَدَ بْنِ صُحْبِ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَّادٍ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ بَطْنٍ من مراد واليه نُسِبَ هُوَ الصَّوَابُ وَلَا خِلَافَ فيهِ وفِي صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى قَرْنِ الْمَنَازِلِ الْجَبَلِ الْمَعْرُوفِ مِيقَاتِ الْإِحْرَامِ لِأَهْلِ نَجْدٍ وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ وَسَبَقَ هُنَاكَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ قَوْلُهُ وَفِيهِمْ رَجُلٌ يَسْخَرُ بِأُوَيْسٍ أَيْ يَحْتَقِرُهُ وَيَسْتَهْزِئُ بِهِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُخْفِي حَالَهُ وَيَكْتُمُ السِّرَّ الَّذِي بَيْنَهُ وبين الله عزوجل ولا يظهر منه شئ يَدُلُّ لِذَلِكَ وَهَذِهِ طَرِيقُ الْعَارِفِينَ وَخَوَاصِّ الْأَوْلِيَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ) وَفِي الرواية)

الْأُخْرَى قَالَ لِعُمَرَ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ هَذِهِ مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأُوَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ طَلَبِ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ أَفْضَلَ مِنْهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ خَيْرُ التَّابِعِينَ وَقَدْ يُقَالُ قَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ أَفْضَلُ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ سَعِيدًا أَفْضَلَ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ كَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَنَحْوِهَا لَا فِي الْخَيْرِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ أَيْضًا قَوْلُهُ (أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ) هُمُ الْجَمَاعَةُ الْغُزَاةُ الَّذِينَ يَمُدُّونَ جُيُوشَ الْإِسْلَامِ فِي الْغَزْوِ وَاحِدُهُمْ مَدَدٌ قَوْلُهُ (أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ المعجمة

(باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر)

وَبِإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْمَدِّ أَيْ ضِعَافِهِمْ وَصَعَالِيكِهِمْ وَأَخْلَاطِهِمُ الَّذِينَ لَا يُؤْبَهُ لَهُمْ وَهَذَا مِنْ إِيثَارِ الْخُمُولِ وَكَتْمِ حَالِهِ قَوْلُهُ (رَثَّ الْبَيْتِ) هُوَ بِمَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَلِيلَ الْمَتَاعِ وَالرَّثَاثَةُ وَالْبَذَاذَةُ بِمَعْنًى وَهُوَ حَقَارَةُ الْمَتَاعِ وَضِيقِ الْعَيْشِ وَفِي حَدِيثِهِ فَضْلُ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَفَضْلُ الْعُزْلَةِ وَإِخْفَاءُ الْأَحْوَالِ (بَاب وَصِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَهْلِ مِصْرَ) قَوْلُهُ [2543] (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُمَاسَةَ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَتَفْتَحُونَ

أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا فَإِذَا رَأَيْتَ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ مِنْهَا) قَالَ فَمَرَّ بِرَبِيعَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنَيْ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ يتنَازعَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَخَرَجَ مِنْهَا وَفِي رِوَايَةٍ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ وَفِيهَا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا أَوْ قَالَ ذِمَّةً وَصِهْرًا قَالَ الْعُلَمَاءُ الْقِيرَاطُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَغَيْرِهِمَا وَكَانَ أَهْلُ مِصْرَ يُكْثِرُونَ مِنَ اسْتِعْمَالِهِ وَالتَّكَلُّمِ بِهِ وَأَمَّا الذِّمَّةُ فَهِيَ الْحُرْمَةُ وَالْحَقُّ وَهِيَ هُنَا بِمَعْنَى الذِّمَامُ وَأَمَّا الرَّحِمُ فَلِكَوْنِ هَاجَرَ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ مِنْهُمْ وَأَمَّا الصِّهْرُ فَلِكَوْنِ مَارِيَةَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ مِنْهُمْ وَفِيهِ مُعْجِزَاتٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا إِخْبَارُهُ بِأَنَّ الْأُمَّةَ تَكُونُ لَهُمْ قُوَّةٌ وَشَوْكَةٌ بَعْدَهُ بِحَيْثُ يَقْهَرُونَ الْعَجَمَ وَالْجَبَابِرَةَ وَمِنْهَا أَنَّهُمْ يَفْتَحُونَ مِصْرَ وَمِنْهَا تَنَازُعُ الرَّجُلَيْنِ فِي مَوْضِعِ اللَّبِنَةِ وَوَقَعَ كُلُّ ذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَمَعْنَى يَقْتَتِلَانِ يَخْتَصِمَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي بَصْرَةَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ) هُوَ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ

(باب فضل أهل عمان [2544] (عمان) في هذا الحديث بضم العين

(بَاب فَضْلِ أَهْلِ عُمَانَ [2544] (عُمَانَ) فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَهِيَ مَدِينَةُ بِالْبَحْرَيْنِ وَحَكَى الْقَاضِي أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ يَعْنِي عَمَّانَ الْبَلْقَاءِ وَهَذَا غَلَطٌ وَفِيهِ الثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ وَفَضْلُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بَاب ذِكْرِ كَذَّابِ ثَقِيفٍ وَمُبِيرِهَا (قَوْلُهُ [2545] (رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَمُرُّ عَلَيْهِ وَالنَّاسُ حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ) قَوْلُهُ عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ هِيَ عَقَبَةٌ بِمَكَّةَ وَأَبُو خُبَيْبٍ بضم الخاء المعجمة كنية بن الزبير كني بأبيه خُبَيْبٍ وَكَانَ أَكْبَرُ أَوْلَادِهِ وَلَهُ ثَلَاثُ كُنًى ذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَآخَرُونَ أَبُو خُبَيْبٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَأَبُو بُكَيْرٍ فِيهِ اسْتِحْبَابُ السَّلَامِ على الميت في قبره وغيره وتكرير السلام ثلاثا كما كرر بن عُمَرَ وَفِيهِ الثَّنَاءُ عَلَى الْمَوْتَى بِجَمِيلِ صِفَاتِهِمُ الْمَعْرُوفَةِ وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ لِابْنِ عُمَرَ لِقَوْلِهِ بِالْحَقِّ فِي الْمَلَأِ وَعَدَمِ اكْتِرَاثِهِ بِالْحَجَّاجِ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَبْلُغُهُ مَقَامُهُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ فلم يمنعه ذلك أن يقول الحق ويشهد لِابْنِ الزُّبَيْرِ بِمَا يَعْلَمُهُ فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ وَبُطْلَانِ مَا أَشَاعَ عَنْهُ الْحَجَّاجُ مِنْ قَوْلِهِ أنه عدو)

الله وظالم ونحوه فأراد بن عمر براءة بن الزُّبَيْرِ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي نَسَبَهُ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ وَأَعْلَمَ النَّاسَ بِمَحَاسِنِهِ وَأَنَّهُ ضِدُّ مَا قَالَهُ الحجاج ومذهب أهل الحق أن بن الزُّبَيْرِ كَانَ مَظْلُومًا وَأَنَّ الْحَجَّاجَ وَرُفْقَتَهُ كَانُوا خَوَارِجَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا) أَيْ عَنِ الْمُنَازَعَةِ الطَّوِيلَةِ قَوْلُهُ فِي وَصْفِهِ (وَصُولًا لِلرَّحِمِ) قَالَ الْقَاضِي هُوَ أَصَحُّ مَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْإِخْبَارِيِّينَ وَوَصَفَهُ بِالْإِمْسَاكِ وَقَدْ عَدَّهُ صَاحِبُ كِتَابِ الْأَجْوَدِ فِيهِمْ وَهُوَ الْمَعْرُوفِ مِنْ أَحْوَالِهِ قَوْلُهُ (وَاَللَّهِ لَأُمَّةٌ أَنْتَ شَرُّهَا أُمَّةُ خَيْرٍ) هَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِنَا لَأُمَّةُ خَيْرٍ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جُمْهُورِ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَفِي أَكْثَرِ نُسَخِ بِلَادِنَا لَأُمَّةُ سُوءٍ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ السَّمَرْقَنْدِيِّ قَالَ وَهُوَ خَطَأٌ وَتَصْحِيفٌ قَوْلُهُ (ثُمَّ نفذ بن عُمَرَ) أَيِ انْصَرَفَ قَوْلُهُ (يَسْحَبُكِ بِقُرُونِكِ) أَيْ يَجُرُّكِ بِضَفَائِرِ شَعْرِكِ قَوْلُهُ (أَرُونِي سِبْتَيَّ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ آخِرِهِ وَهِيَ النَّعْلُ الَّتِي لَا شَعْرَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ (ثُمَّ انْطَلَقَ يَتَوَذَّفُ) هُوَ بِالْوَاوِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ يُسْرِعُ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ مَعْنَاهُ يَتَبَخْتَرُ قَوْلُهُ (ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ) هُوَ بِكَسْرِ النُّونِ قَالَ الْعُلَمَاءُ النِّطَاقُ أَنْ تَلْبَسَ المرأة ثوبها ثم تشد وسطها بشئ وَتَرْفَعَ وَسَطَ ثَوْبِهَا

(باب فضل فارس)

وَتُرْسِلَهُ عَلَى الْأَسْفَلِ تَفْعَلُ ذَلِكَ عِنْدَ مُعَانَاةِ الْأَشْغَالِ لِئَلَّا تَعْثِرَ فِي ذَيْلِهَا قِيلَ سُمِّيَتْ أَسْمَاءُ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُطَارِفُ نِطَاقًا فَوْقَ نِطَاقٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا شَقَّتْ نِطَاقَهَا الْوَاحِدَ نِصْفَيْنِ فَجَعَلَتْ أَحَدَهُمَا نِطَاقًا صَغِيرًا وَاكْتَفَتْ بِهِ وَالْآخَرَ لِسُفْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُنَا وَفِي الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ أَوْضَحُ مِنْ لَفْظِ مُسْلِمٍ قَوْلُهَا لِلْحَجَّاجِ (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا إِخَالُكُ إِلَّا إِيَّاهُ) أَمَّا أَخَالُكَ فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ أَشْهَرُ وَمَعْنَاهُ أَظُنُّكَ وَالْمُبِيرُ الْمُهْلِكُ وَقَوْلُهَا فِي الْكَذَّابِ فَرَأَيْنَاهُ تَعْنِي به المحتار بْنَ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ كَانَ شَدِيدَ الْكَذِبِ وَمِنْ أَقْبَحِهِ ادَّعَى أَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِيهِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ المراد بالكذاب هنا المحتار بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ وَبِالْمُبِيرِ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب فَضْلِ فَارِسَ) فِيهِ [2546] فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُمْ وَجَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي مواضعها

باب قوله صلى الله عليه وسلم

(باب قوله صلى الله عليه وسلم) الناس كابل مائة لا تجد فيها راحلة [2547] قال بن قُتَيْبَةَ الرَّاحِلَةُ النَّجِيبَةُ الْمُخْتَارَةُ مِنَ الْإِبِلِ لِلرُّكُوبِ وَغَيْرِهِ فَهِيَ كَامِلَةُ الْأَوْصَافِ فَإِذَا كَانَتْ فِي إِبِلٍ عُرِفَتْ قَالَ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ النَّاسَ مُتَسَاوُونَ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ فَضْلٌ فِي النَّسَبِ بَلْ هُمْ أَشْبَاهٌ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الرَّاحِلَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْجَمَلُ النَّجِيبُ وَالنَّاقَةُ النَّجِيبَةُ قَالَ وَالْهَاءُ فِيهَا لِلْمُبَالَغَةِ كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ فهامة ونسابة قال والمعنى الذي ذكره بن قُتَيْبَةَ غَلَطٌ بَلْ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الزَّاهِدَ فِي الدُّنْيَا الْكَامِلَ فِي الزُّهْدِ فِيهَا وَالرَّغْبَةِ فِي الْآخِرَةِ قَلِيلٌ جِدًّا كَقِلَّةِ الرَّاحِلَةِ فِي الْإِبِلِ هَذَا كَلَامُ الْأَزْهَرِيِّ وَهُوَ أَجْوَدُ مِنْ كلام بن قُتَيْبَةَ وَأَجْوَدُ مِنْهُمَا قَوْلُ آخَرِينَ أَنَّ مَعْنَاهُ الْمَرْضِيُّ الْأَحْوَالُ مِنَ النَّاسِ الْكَامِلُ الْأَوْصَافُ الْحَسَنُ الْمَنْظَرُ الْقَوِيُّ عَلَى الْأَحْمَالِ وَالْأَسْفَارِ سُمِّيَتْ رَاحِلَةً لِأَنَّهَا تَرْحَلُ أَيْ يُجْعَلُ عَلَيْهَا الرَّحْلُ فَهِيَ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٌ كَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ أَيْ مَرْضِيَّةٍ ونظائره

(كتاب البر والصلة والآداب)

(كِتَاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ) (بَاب بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَأَنَّهُمَا أَحَقُّ بِهِ) قَوْلُهُ [2548] (مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ أُمُّكَ إِلَى آخِرِهِ) الصَّحَابَةُ هُنَا بِفَتْحِ الصَّادِ بِمَعْنَى الصُّحْبَةِ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى بِرِّ الْأَقَارِبِ وَأَنَّ الْأُمَّ أَحَقُّهَمْ بِذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَهَا الْأَبَ ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَسَبَبُ تَقْدِيمِ الْأُمِّ كَثْرَةُ تَعَبِهَا عَلَيْهِ وَشَفَقَتُهَا وَخِدْمَتُهَا وَمُعَانَاةُ الْمَشَاقِّ فِي حَمْلِهِ ثُمَّ وَضْعِهِ ثُمَّ إِرْضَاعِهِ ثُمَّ تَرْبِيَتِهِ وَخِدْمَتِهِ وَتَمْرِيضِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَنَقَلَ الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْأُمَّ تُفَضَّلُ فِي الْبِرِّ عَلَى الْأَبِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ خِلَافًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْجُمْهُورُ بِتَفْضِيلِهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَكُونُ بِرُّهُمَا سَوَاءٌ قَالَ وَنَسَبَ بَعْضُهُمْ هَذَا إِلَى مَالِكٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِصَرِيحِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأُمَّ وَالْأَبَ آكَدُ حُرْمَةً فِي الْبِرِّ

مِمَّنْ سِوَاهُمَا قَالَ وَتَرَدَّدَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْأَجْدَادِ وَالْإِخْوَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ تُقَدَّمَ فِي الْبِرِّ الْأُمُّ ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْأَوْلَادُ ثُمَّ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ ثُمَّ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ ثُمَّ سَائِرُ الْمَحَارِمِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَيُقَدَّمُ مَنْ أَدْلَى بِأَبَوَيْنِ عَلَى مَنْ أَدْلَى بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ بِذِي الرَّحِمِ غَيْرِ الْمَحْرَمِ كَابْنِ الْعَمِّ وَبِنْتِهِ وَأَوْلَادِ الْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَغَيْرِهِمْ ثُمَّ بِالْمُصَاهَرَةِ ثُمَّ بِالْمَوْلَى مِنْ أَعْلَى وَأَسْفَلِ ثُمَّ الْجَارِ وَيُقَدَّمُ الْقَرِيبُ الْبَعِيدُ الدَّارِ عَلَى الْجَارِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْقَرِيبُ فِي بَلَدٍ آخَرَ قُدِّمَ عَلَى الْجَارِ الْأَجْنَبِيِّ وَأَلْحَقُوا الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ بِالْمَحَارِمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَعَمْ وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّ) قَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ مَرَّاتٌ عَنْ مثل هذا وأنه لاتراد بِهِ حَقِيقَةُ الْقَسَمِ بَلْ هِيَ كَلِمَةٌ تَجْرِي على اللسان دعامة للكلام وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ قَوْلُهُ [2549] (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ أَحَيٌّ وَالِدَاكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ) وَفِي رِوَايَةٍ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ

وَالْجِهَادِ أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا هَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ لِعِظَمِ فَضِيلَةِ بِرِّهِمَا وَأَنَّهُ آكَدُ مِنَ الْجِهَادِ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجِهَادُ إِلَّا بِإِذْنِهِمَا إِذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ بِإِذْنِ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا فَلَوْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ لَمْ يُشْتَرَطْ إِذْنِهِمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ وَشَرَطَهُ الثَّوْرِيُّ هَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَحْضُرَ الصَّفَّ وَيَتَعَيَّنِ الْقِتَالَ وَإِلَّا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْأَمْرِ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَأَنَّ عُقُوقَهُمَا حَرَامٌ مِنَ الْكَبَائِرِ وَسَبَقَ بيانه مبسوطا في كتاب الايمان

باب تقديم الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها

(باب تقديم الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها) [2550] فِيهِ قِصَّةُ جُرَيْجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنَّهُ آثَرَ الصَّلَاةَ عَلَى إِجَابَتِهَا فَدَعَتْ عَلَيْهِ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ الصَّوَابُ فِي حَقِّهِ إِجَابَتَهَا لِأَنَّهُ كَانَ فِي صَلَاةِ نَفْلٍ وَالِاسْتِمْرَارُ فِيهَا تَطَوُّعٌ لَا وَاجِبٌ وَإِجَابَةُ الْأُمِّ وَبِرُّهَا وَاجِبٌ وَعُقُوقُهَا حَرَامٌ وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخَفِّفَ الصَّلَاةَ وَيُجِيبَهَا ثُمَّ يَعُودَ لِصَلَاتِهِ فَلَعَلَّهُ خَشِيَ أَنَّهَا تَدْعُوهُ إِلَى مُفَارَقَةِ صَوْمَعَتِهِ وَالْعَوْدِ إِلَى الدُّنْيَا وَمُتَعَلِّقَاتِهَا وَحُظُوظِهَا وَتُضْعِفُ عَزْمَهُ فِيمَا نَوَاهُ وَعَاهَدَ عَلَيْهِ قَوْلُهَا (فَلَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهِ الْمُومِسَاتِ) هِيَ بضم الميم الاولى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ أَيِ الزَّوَانِي الْبَغَايَا الْمُتَجَاهِرَاتِ بِذَلِكَ وَالْوَاحِدَةُ مُومِسَةٌ وَتَجْمَعُ عَلَى مَيَامِيسَ أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 0وَكَانَ رَاعِي ضَأْنٍ يَأْوِي إِلَى دَيْرِهِ) الدَّيْرُ كَنِيسَةٌ مُنْقَطِعَةٌ عَنِ الْعِمَارَةِ تَنْقَطِعُ فِيهَا رُهْبَانُ النَّصَارَى لِتَعَبُّدِهِمْ وَهُوَ بِمَعْنَى الصَّوْمَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ نَحْوَ الْمَنَارَةِ يَنْقَطِعُونَ فِيهَا عَنِ الْوُصُولِ إِلَيْهِمْ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فجاؤوا بفؤوسهم

هو مهموز ممدود جمع فأس بالهمزة وهي هذه المعروفة كرأس ورؤوس وَالْمَسَاحِي جَمْعُ مِسْحَاةٍ وَهِيَ كَالْمِجْرَفَةِ إِلَّا أَنَّهَا مِنْ حَدِيدٍ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ) فَذَكَرَهُمْ وَلَيْسَ فِيهِمُ الصَّبِيُّ الَّذِي كَانَ مَعَ الْمَرْأَةِ فِي حَدِيثِ السَّاحِرِ وَالرَّاهِبِ وَقِصَّةِ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ الْمَذْكُورِ فِي آخِرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ الصَّبِيَّ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَهْدِ بَلْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْ صَاحِبِ الْمَهْدِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا قَوْلُهُ (بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا) أَيْ يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ لِانْفِرَادِهَا بِهِ قَوْلُهُ

(يَا غُلَامُ مَنْ أَبُوكَ قَالَ فُلَانٌ الرَّاعِي) قَدْ يُقَالُ إِنَّ الزَّانِيَ لَا يَلْحَقَهُ الْوَلَدُ وَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَعَلَّهُ كَانَ فِي شَرْعِهِمْ يَلْحَقُهُ وَالثَّانِي الْمُرَادُ مِنْ مَاءِ مَنْ أَنْتَ وَسَمَّاهُ أَبًا مَجَازًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَرَّ رَجُلٌ عَلَى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ وَشَارَةٍ حَسَنَةٍ) الْفَارِهَةُ بِالْفَاءِ النَّشِيطَةُ الْحَادَّةُ الْقَوِيَّةُ وَقَدْ فَرُهْتُ بِضَمِّ الرَّاءِ فَرَاهَةً وَفَرَاهِيَةً وَالشَّارَةُ الْهَيْئَةُ وَاللِّبَاسُ قَوْلُهُ (فَجَعَلَ يَمَصُّهَا) بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَهُنَاكَ تَرَاجَعَا الْحَدِيثَ فَقَالَتْ حَلْقَى) مَعْنَى تَرَاجَعَا الْحَدِيثَ أَقْبَلَتْ عَلَى الرَّضِيعِ تُحَدِّثُهُ وَكَانَتْ أَوَّلًا لَا تَرَاهُ أَهْلًا لِلْكَلَامِ فَلَمَّا تَكَرَّرَ مِنْهُ الْكَلَامَ عَلِمَتْ أَنَّهُ أَهْلٌ لَهُ فَسَأَلَتْهُ وَرَاجَعَتْهُ وَسَبَقَ بَيَانُ حَلْقَى فِي كِتَابِ الْحَجِّ قَوْلُهُ فِي الْجَارِيَةِ الَّتِي نَسَبُوهَا إلى

السَّرِقَةِ وَلَمْ تَسْرِقْ (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا) أَيِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي سَالِمًا مِنَ الْمَعَاصِي كَمَا هِيَ سَالِمَةٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِثْلَهَا فِي النِّسْبَةِ إِلَى بَاطِلٍ تَكُونُ مِنْهُ بَرِيًّا وَفِي حَدِيثِ جُرَيْجٍ هَذَا فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا عِظَمُ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَتَأَكُّدُ حَقِّ الْأُمِّ وَأَنَّ دُعَاءَهَا مُجَابٌ وَأَنَّهُ إذا تعارضت الامور بدئ بأهما وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْعَلُ لِأَوْلِيَائِهِ مَخَارِجَ عِنْدَ ابْتِلَائِهِمْ بِالشَّدَائِدِ غَالِبًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ يتق الله يجعل له مخرجا وَقَدْ يُجْرِي عَلَيْهِمُ الشَّدَائِدَ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ زِيَادَةً فِي أَحْوَالِهِمْ وَتَهْذِيبًا لَهُمْ فَيَكُونُ لُطْفًا وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ الدُّعَاءِ بِالْمُهِمَّاتِ وَمِنْهَا أَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ مَعْرُوفًا فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلنَا فَقَدْ ثَبَتَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ زَعَمَ اخْتِصَاصَهُ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَمِنْهَا إِثْبَاتُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَفِيهِ أَنَّ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ قَدْ تَقَعُ بِاخْتِيَارِهِمْ وَطَلَبِهِمْ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الْمُتَكَلِّمِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا تَقَعُ بِاخْتِيَارِهِمْ وَطَلَبِهِمْ وَفِيهِ أَنَّ الْكَرَامَاتِ قَدْ تَكُونُ بِخَوَارِقِ الْعَادَاتِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِهَا وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ وَادَّعَى أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِمِثْلِ إِجَابَةِ دُعَاءٍ وَنَحْوِهِ وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ وَإِنْكَارٌ لِلْحِسِّ بَلِ الصَّوَابُ جَرَيَانُهَا بِقَلْبِ الْأَعْيَانِ وَإِحْضَارُ الشَّيْءِ من العدم ونحوه قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2551] (رَغِمَ أَنْفُ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ مَعْنَاهُ ذَلَّ وَقِيلَ كُرِهَ وَخُزِيَ وَهُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ الرُّغْمُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا

باب فضل صلة اصدقاء الاب والام ونحوهما

وَكَسْرِهَا وَأَصْلُهُ لَصْقُ أَنْفِهِ بِالرِّغَامِ وَهُوَ تُرَابٌ مُخْتَلَطٌ بِرَمْلٍ وَقِيلَ الرُّغْمُ كُلُّ مَا أَصَابَ الانف مما يؤذيه وفيه الْحَثِّ عَلَى بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَعِظَمِ ثَوَابِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ بِرَّهُمَا عِنْدَ كِبَرِهِمَا وَضَعْفِهِمَا بِالْخِدْمَةِ أَوِ النَّفَقَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ سَبَبٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ فَمَنْ قَصَّرَ فِي ذَلِكَ فَاتَهُ دُخُولُ الْجَنَّةِ وأرغم الله انفه (باب فضل صلة اصدقاء الاب والام ونحوهما) قَوْلُهُ [2552] (إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ) قَالَ الْقَاضِي رَوَيْنَاهُ بِضَمِّ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا أَيْ صَدِيقًا مِنْ أَهْلِ مَوَدَّتِهِ وَهِيَ مَحَبَّتُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ) وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةُ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ تَوَلَّى الْوُدُّ هُنَا مَضْمُومُ الْوَاوِ وَفِي هَذَا فَضْلُ صِلَةِ أَصْدِقَاءِ

(باب تفسير البر والإثم)

الْأَبِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَإِكْرَامِهِمْ وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِبِرِّ الْأَبِ وَإِكْرَامِهِ لِكَوْنِهِ بِسَبَبِهِ وَتَلْتَحِقُ بِهِ أَصْدِقَاءُ الْأُمِّ وَالْأَجْدَادِ وَالْمَشَايِخِ وَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْأَحَادِيثُ فِي إِكْرَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَائِلَ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَوْلُهُ (كَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيْهِ إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ) مَعْنَاهُ كَانَ يَسْتَصْحِبُ حِمَارًا لِيَسْتَرِيحَ عَلَيْهِ إِذَا ضَجِرَ مِنْ رُكُوبِ الْبَعِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب تَفْسِيرِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ) قَوْلُهُ [2553] (عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ) هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ هَذَا وَهَمٌ وَصَوَابُهُ الْكِلَابِيُّ فَإِنَّ النَّوَّاسَ كِلَابِيَّ مَشْهُورٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ الْمَشْهُورُ

أَنَّهُ كِلَابِيٌّ وَلَعَلَّهُ حَلِيفُ لِلْأَنْصَارِ قَالَا وَهُوَ النَّوَّاسُ بْنُ سَمْعَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قُرْطِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي كِلَابٍ كَذَا نَسَبُهُ الْعَلَائِيُّ عن يحيى بن معين وسمعان بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكِ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْبِرُّ يَكُونُ بِمَعْنَى الصِّلَةِ وَبِمَعْنَى اللُّطْفِ وَالْمَبَرَّةِ وَحُسْنِ الصُّحْبَةِ وَالْعِشْرَةِ وَبِمَعْنَى الطَّاعَةِ وهذه الامور هي مجامع حسن الْخُلُقِ وَمَعْنَى حَاكَ فِي صَدْرِكِ أَيْ تَحَرَّكَ فِيهِ وَتَرَدَّدَ وَلَمْ يَنْشَرِحْ لَهُ الصَّدْرُ وَحَصَلَ فِي الْقَلْبِ مِنْهُ الشَّكُّ وَخَوْفُ كَوْنِهِ ذَنْبًا قَوْلُهُ (مَا مَنَعَنِي مِنَ الْهِجْرَةِ إِلَّا الْمَسْأَلَةُ كَانَ أَحَدُنَا إِذَا هَاجَرَ لَمْ يَسْأَلْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شئ) وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ كَالزَّائِرِ مِنْ غَيْرِ نَقْلِهِ إِلَيْهَا مِنْ وَطَنِهِ لِاسْتِيطَانِهَا وَمَا مَنَعَهُ مِنَ الْهِجْرَةِ وَهِيَ الِانْتِقَالِ مِنَ الْوَطَنِ وَاسْتِيطَانِ الْمَدِينَةِ إِلَّا الرَّغْبَةُ فِي سُؤَالِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أُمُورِ الدِّينِ فَإِنَّهُ كَانَ سَمِحَ بِذَلِكَ لِلطَّارِئِينَ دُونَ الْمُهَاجِرِينَ وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَفْرَحُونَ بِسُؤَالِ الْغُرَبَاءِ الطَّارِئِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُمْ يَحْتَمِلُونَ فِي السُّؤَالِ وَيَعْذِرُونَ وَيَسْتَفِيدُ الْمُهَاجِرُونَ الْجَوَابُ كَمَا قَالَ أَنَسٌ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ في كتاب الايمان وكان عجبا أن يجئ الرَّجُلُ الْعَاقِلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَيَسْأَلَهُ وَاَللَّهُ اعلم

(باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها)

(بَاب صِلَةِ الرَّحِمِ وَتَحْرِيمِ قَطِيعَتِهَا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2554] (قَامَتِ الرَّحِمُ فَقَالَتْ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ قَالَ نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ بَلَى قَالَ فَذَلِكَ لَكِ) وَفِي الرواية [2555] الاخرى الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الرَّحِمُ الَّتِي تُوصَلُ وَتُقْطَعُ وَتُبَرُّ إِنَّمَا هِيَ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي لَيْسَتْ بِجِسْمٍ وَإِنَّمَا هِيَ قَرَابَةٌ وَنَسَبٌ تَجْمَعُهُ رَحِمُ وَالِدَةٍ وَيَتَّصِلُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَسُمِّيَ ذَلِكَ الِاتِّصَالُ رَحِمًا وَالْمَعْنَى لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْقِيَامُ وَلَا الْكَلَامُ فَيَكُونُ ذِكْرُ قِيَامِهَا هُنَا وَتَعَلُّقُهَا ضَرْبُ مَثَلٍ وَحُسْنُ اسْتِعَارَةٍ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ تَعْظِيمُ شَأْنِهَا وَفَضِيلَةُ وَاصِلِيهَا وَعَظِيمُ إِثْمِ قَاطِعِيهَا بِعُقُوقِهِمْ لِهَذَا سُمِّيَ الْعُقُوقُ قَطْعًا وَالْعَقُّ الشَّقُّ كَأَنَّهُ قَطَعَ ذَلِكَ السَّبَبَ الْمُتَّصِلَ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ قَامَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَتَعَلَّقَ بِالْعَرْشِ وَتَكَلَّمَ عَلَى لِسَانِهَا بِهَذَا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالْعَائِذُ المستعيذ وهو المعتصم بالشئ الْمُلْتَجِئُ إِلَيْهِ الْمُسْتَجِيرُ بِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَحَقِيقَةُ الصِّلَةِ الْعَطْفُ وَالرَّحْمَةُ فَصِلَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ

وَتَعَالَى عِبَارَةٌ عَنْ لُطْفِهِ بِهِمْ وَرَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ وَعَطْفِهِ بِإِحْسَانِهِ وَنِعَمِهِ أَوْ صِلَتِهِمْ بِأَهْلِ مَلَكُوتِهِ الْأَعْلَى وَشَرْحِ صُدُورِهِمْ لِمَعْرِفَتِهِ وَطَاعَتِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَلَا خِلَافَ أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ فِي الْجُمْلَةِ وَقَطِيعَتَهَا مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ قَالَ وَالْأَحَادِيثُ فِي الْبَابِ تَشْهَدُ لِهَذَا وَلَكِنَّ الصِّلَةَ دَرَجَاتٌ بَعْضُهَا أَرْفَعُ مِنْ بَعْضٍ وَأَدْنَاهَا تَرْكُ الْمُهَاجَرَةِ وَصِلَتُهَا بِالْكَلَامِ وَلَوْ بِالسَّلَامِ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ القدرة والحاجة فمنها واجب ومنها مستحب لووصل بعض الصلة ولم يَصِلْ غَايَتَهَا لَا يُسَمَّى قَاطِعًا وَلَوْ قَصَّرَ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي لَهُ لَا يُسَمَّى وَاصِلًا قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الرَّحِمِ الَّتِي تَجِبُ صِلَتُهَا فَقِيلَ هُوَ كُلُّ رَحِمٍ مَحْرَمٍ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى حَرُمَتْ مُنَاكَحَتُهُمَا فَعَلَى هَذَا لَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَعْمَامِ وَلَا أَوْلَادُ الْأَخْوَالِ وَاحْتَجَّ هَذَا الْقَائِلُ بِتَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا فِي النِّكَاحِ وَنَحْوِهِ وَجَوَازِ ذَلِكَ فِي بَنَاتِ الْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ وَقِيلَ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ رَحِمٍ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فِي الْمِيرَاثِ يَسْتَوِي الْمَحْرَمُ وَغَيْرُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ السَّابِقُ فِي أَهْلِ مِصْرَ فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا وَحَدِيثُ إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَا مَحْرَمِيَّةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2556] (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ) هَذَا الْحَدِيثُ يَتَأَوَّلُ تَأْوِيلَيْنِ سَبَقَا فِي نَظَائِرِهِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ أَحَدُهُمَا حَمْلَهُ عَلَى مَنْ يَسْتَحِلُّ الْقَطِيعَةَ بِلَا سَبَبٍ وَلَا شُبْهَةٍ مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِهَا فَهَذَا كَافِرٌ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَبَدًا وَالثَّانِي

مَعْنَاهُ وَلَا يَدْخُلُهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مَعَ السَّابِقِينَ بَلْ يُعَاقَبُ بِتَأَخُّرِهِ الْقَدْرِ الَّذِي يُرِيدُهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2557] (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) يُنْسَأَ مهموز أي يؤخر والاثر الاجل لانه تابع للحياة في أثرها وبسط الرِّزْقِ تَوْسِيعُهُ وَكَثْرَتُهُ وَقِيلَ الْبَرَكَةُ فِيهِ وَأَمَّا التَّأْخِيرُ فِي الْأَجَلِ فَفِيهِ سُؤَالٌ مَشْهُورٌ وَهُوَ أَنَّ الْآجَالَ وَالْأَرْزَاقَ مُقَدَّرَةٌ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ولا يستقدمون وَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ بِأَجْوِبَةٍ الصَّحِيحُ مِنْهَا أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ بِالْبَرَكَةِ فِي عُمْرِهِ وَالتَّوْفِيقِ لِلطَّاعَاتِ وَعِمَارَةِ أَوْقَاتِهِ بِمَا يَنْفَعَهُ فِي الْآخِرَةِ وَصِيَانَتِهَا عَنِ الضَّيَاعِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يَظْهَرُ لِلْمَلَائِكَةِ وَفِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَظْهَرُ لَهُمْ فِي اللَّوْحِ أَنَّ عُمْرُهُ سِتُّونَ سَنَةً إِلَّا أَنْ يَصِلَ رَحِمَهُ فَإِنْ وَصَلَهَا زِيدَ لَهُ أَرْبَعُونَ وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا سَيَقَعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى يَمْحُو الله ما يشاء ويثبت فيه النسبة إِلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا سَبَقَ بِهِ قدره ولا زِيَادَةَ بَلْ هِيَ مُسْتَحِيلَةٌ وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا ظَهَرَ لِلْمَخْلُوقِينَ تُتَصَوَّرُ الزِّيَادَةُ وَهُوَ مُرَادُ الْحَدِيثِ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمُرَادَ بَقَاءُ ذِكْرِهِ الْجَمِيلَ بَعْدَهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ

(باب تحريم التحاسد والتباغض والتدابر قوله صلى الله

حَكَاهُ الْقَاضِي وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي يَصِلُ قَرَابَتَهُ وَيَقْطَعُونَهُ [2558] (لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذلك) المل بفتح الميم الرماد الحار وتسفهم بضم التاء وكسر السين وتشديد الفاء والظهير الْمُعِينُ وَالدَّافِعُ لِأَذَاهُمْ وَقَوْلُهُ أَحْلُمُ عَنْهُمْ بِضَمِّ اللَّامِ وَيَجْهَلُونَ أَيْ يُسِيئُونَ وَالْجَهْلُ هُنَا الْقَبِيحُ مِنَ الْقَوْلِ وَمَعْنَاهُ كَأَنَّمَا تُطْعِمُهُمُ الرَّمَادَ الْحَارَّ وَهُوَ تَشْبِيهٌ لِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنَ الْأَلَمِ بِمَا يَلْحَقُ آكِلِ الرَّمَادَ الْحَارَّ مِنَ الْأَلَمِ وَلَا شئ عَلَى هَذَا الْمُحْسِنِ بَلْ يَنَالُهُمُ الْإِثْمُ الْعَظِيمُ فِي قَطِيعَتِهِ وَإِدْخَالِهِمُ الْأَذَى عَلَيْهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ إِنَّكَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ تُخْزِيهِمْ وَتُحَقِّرُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ لِكَثْرَةِ إِحْسَانِكَ وَقَبِيحِ فِعْلِهِمْ مِنَ الْخِزْيِ وَالْحَقَارَةِ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ كَمَنْ يُسَفُّ الْمَلُّ وَقِيلَ ذَلِكَ الَّذِي يَأْكُلُونَهُ مِنْ إِحْسَانِكَ كَالْمَلِّ يُحَرِّقُ أَحْشَاءَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب تَحْرِيمِ التَّحَاسُدِ وَالتَّبَاغُضِ وَالتَّدَابُرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2559] (لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ اخوانا)

التَّدَابُرُ الْمُعَادَاةُ وَقِيلَ الْمُقَاطَعَةُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُوَلِّي صَاحِبَهُ دُبُرَهُ وَالْحَسَدُ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ وَهُوَ حَرَامٌ وَمَعْنَى كُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا أَيْ تَعَامَلُوا وَتَعَاشَرُوا مُعَامَلَةَ الْإِخْوَةِ وَمُعَاشَرَتِهِمْ فِي الْمَوَدَّةِ وَالرِّفْقِ وَالشَّفَقَةِ وَالْمُلَاطَفَةِ وَالتَّعَاوُنِ فِي الْخَيْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مَعَ صَفَاءِ الْقُلُوبِ وَالنَّصِيحَةِ بِكُلِّ حَالٍ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَفِي النَّهْيِ عَنِ التَّبَاغُضِ إِشَارَةٌ إِلَى النَّهْيِ عَنِ الْأَهْوَاءِ الْمُضِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّبَاغُضِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِيهِ عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ الْجَهْضَمِيُّ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ وَكَذَا نَقَلَهُ الْجَيَّانِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وغيرهما عن الْحُفَّاظِ وَعَنْ عَامَّةِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ بِالْعَكْسِ قَالُوا وَهُوَ غَلَطٌ قَالُوا وَالصَّوَابُ عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ وَهُوَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ نَصْرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ الْجَهْضَمِيُّ تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ هُوَ وَأَبُوهُ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ مَاتَ الْأَبُ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرَ وَمَاتَ الِابْنُ فِي شَعْبَانَ تِلْكَ السَّنَةِ قَالَ الْقَاضِي قَدِ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ

(باب تحريم الهجرة فوق ثلاثة ايام بلا عذر شرعي)

عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَأَنَّ الصَّوَابَ عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ دُونَ عَكْسِهِ مَعَ أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى عَنْهُمَا إِلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لِنَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ سَمَاعٌ مِنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ وَلَيْسَ هَذَا مَذْهَبَ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِالْمُعَاصَرَةِ وَإِمْكَانِ اللِّقَاءِ قَالَ فَفِي نَفْيِهِمْ لِرِوَايَةِ النُّسَخِ الَّتِي فِيهَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ نَظَرٌ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَاَلَّذِي قَالَهُ الْحُفَّاظُ هُوَ الصَّوَابُ وَهُمْ أَعْرَفُ بِمَا انْتَقَدُوهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سَمَاعِ الِابْنِ مِنْ وَهْبٍ سَمَاعَ الْأَبِ مِنْهُ وَلَا يُقَالُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ فَكِتَابُ مُسْلِمٍ وَقَعَ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ فَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْأَكْثَرُونَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ صَوَّبَهُ الْحُفَّاظُ (بَاب تَحْرِيمِ الهجرة فوق ثلاثة ايام بِلَا عُذْرٍ شَرْعِيٍّ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2560] [2561] [2562] (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ الْهَجْرِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ وَإِبَاحَتُهَا فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ بِنَصِّ الْحَدِيثِ وَالثَّانِي بِمَفْهُومِهِ قَالُوا وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْهَا فِي الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَجْبُولٌ عَلَى الْغَضَبِ وَسُوءِ الْخُلُقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعُفِيَ عَنِ الْهِجْرَةِ فِي الثَّلَاثَةِ لِيَذْهَبَ ذَلِكَ الْعَارِضُ وَقِيلَ إِنَّ الْحَدِيثَ لَا يَقْتَضِي إِبَاحَةَ الْهِجْرَةِ فِي الثَّلَاثَةِ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ لَا يُحْتَجُّ بِالْمَفْهُومِ وَدَلِيلِ الْخِطَابِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 0يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا) وَفِي رِوَايَةٍ فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا هُوَ بِضَمِّ الصَّادِ وَمَعْنَى يَصُدُّ يُعْرِضُ أَيْ يُوَلِّيهِ عُرْضَهُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَهُوَ جَانِبُهُ وَالصُّدُّ بِضَمِّ الصَّادِ وَهُوَ أَيْضًا الْجَانِبُ وَالنَّاحِيَةُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ) أَيْ هُوَ أَفْضَلُهُمَا وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُمَا أَنَّ السَّلَامَ يَقْطَعُ الْهِجْرَةَ وَيَرْفَعُ الاثم فيها ويزيله وقال احمد وبن الْقَاسِمِ الْمَالِكِيُّ إِنْ كَانَ يُؤْذِيهِ لَمْ يَقْطَعِ السَّلَامُ هِجْرَتَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ عَنْهُ هَلْ يَزُولُ إِثْمُ الْهِجْرَةِ وَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَزُولُ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلِّمْهُ وَأَصَحُّهُمَا

باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش ونحوها

يَزُولُ لِزَوَالِ الْوَحْشَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ) قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ الْكُفَّارُ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرْعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِهَا وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَقْبَلُ خِطَابَ الشَّرْعِ وينتفع به (باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش ونحوها) قوله صلى الله عيه وَسَلَّمَ [2563] (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ) الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ ظَنِّ السُّوءِ

قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ تَحْقِيقُ الظَّنِّ وَتَصْدِيقُهُ دُونَ مَا يَهْجِسُ فِي النَّفْسِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُمْلَكُ وَمُرَادُ الْخَطَّابِيِّ أَنَّ الْمُحَرَّمَ مِنَ الظَّنِّ مَا يَسْتَمِرُّ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ وَيَسْتَقِرُّ فِي قَلْبِهِ دُونَ مَا يَعْرِضُ فِي الْقَلْبِ وَلَا يَسْتَقِرُّ فَإِنَّ هَذَا لَا يُكَلَّفُ بِهِ كَمَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ تَجَاوَزَ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّا تَحَدَّثَتْ به الأمة مالم تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمِدْ وَسَبَقَ تَأْوِيلُهُ عَلَى الْخَوَاطِرِ الَّتِي لَا تَسْتَقِرُّ وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنْ سُفْيَانَ أَنَّهُ قَالَ الظَّنُّ الَّذِي يَأْثَمُ بِهِ هُوَ مَا ظَنَّهُ وَتَكَلَّمَ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ لَمْ يَأْثَمْ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْحُكْمُ فِي الشَّرْعِ بِظَنٍّ مُجَرَّدٍ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ عَلَى أَصْلٍ وَلَا نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا) الْأَوَّلُ بِالْحَاءِ وَالثَّانِي بِالْجِيمِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ التَّحَسُّسُ بِالْحَاءِ الِاسْتِمَاعُ لِحَدِيثِ الْقَوْمِ وَبِالْجِيمِ الْبَحْثُ عَنِ الْعَوْرَاتِ وَقِيلَ بِالْجِيمِ التَّفْتِيشُ عَنْ بَوَاطِنِ الْأُمُورِ وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ فِي الشَّرِّ وَالْجَاسُوسُ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ وَالنَّامُوسُ صَاحِبُ سِرِّ الْخَيْرِ وَقِيلَ بِالْجِيمِ أَنْ تَطْلُبُهُ لِغَيْرِكَ وَبِالْحَاءِ أَنْ تَطْلُبَهُ لِنَفْسِكَ قَالَهُ ثَعْلَبٌ وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَهُوَ طَلَبُ مَعْرِفَةِ الْأَخْبَارِ الْغَائِبَةِ وَالْأَحْوَالِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تَنَافَسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا) قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْحَسَدَ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ وَأَمَّا الْمُنَافَسَةُ وَالتَّنَافُسُ فَمَعْنَاهُمَا الرَّغْبَةُ في الشئ وَفِي الِانْفِرَادِ بِهِ وَنَافَسْتُهُ مُنَافَسَةً إِذَا رَغِبْتُ فيما رغب فيه قيل مَعْنَى الْحَدِيثِ التَّبَارِي فِي الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا وَأَسْبَابِهَا وَحُظُوظِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَهْجُرُوا) كَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا

باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه

تَهَاجَرُوا وَهُمَا بِمَعْنًى وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنِ الْهِجْرَةِ وَمُقَاطَعَةِ الْكَلَامِ وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَا تهجروا أي تَتَكَلَّمُوا بِالْهُجْرِ بِضَمِّ الْهَاءِ وَهُوَ الْكَلَامُ الْقَبِيحُ وَأَمَّا النَّهْيُ عَنِ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَالنَّجْشُ فَسَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَقَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّنَاجُشِ هُنَا ذَمُّ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ التَّنَاجُشُ الْمَذْكُورُ فِي الْبَيْعِ وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي السِّلْعَةِ وَلَا رَغْبَةَ لَهُ فِي شِرَائِهَا بَلْ لِيَغُرَّ غَيْرَهُ في شرائها (باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله قَوْلُهُ [2564] (عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ) بِضَمِّ الْكَافِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ) أَمَّا كَوْنُ الْمُسْلِمِ أَخَا الْمُسْلِمِ فَسَبَقَ شَرْحُهُ قَرِيبًا وَأَمَّا لَا يَخْذُلُهُ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ الْخَذْلُ تَرْكُ الْإِعَانَةِ وَالنَّصْرِ وَمَعْنَاهُ إِذَا اسْتَعَانَ بِهِ فِي دَفْعِ ظَالِمٍ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ إِعَانَتَهُ إِذَا أَمْكَنَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ وَلَا يَحْقِرُهُ هُوَ بِالْقَافِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ لَا يَحْتَقِرَهُ فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ وَلَا يَسْتَصْغِرُهُ)

وَيَسْتَقِلُّهُ قَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ لَا يَخْفِرُهُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ أَيْ لَا يَغْدِرُ بِعَهْدِهِ وَلَا يَنْقُضُ أَمَانَهُ قَالَ وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي غَيْرِ كِتَابِ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَرُوِيَ لَا يَحْتَقِرُهُ وَهَذَا يَرُدُّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (التقوى ها هنا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ) وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَامِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ مَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْأَعْمَالَ الظَّاهِرَةَ لَا يَحْصُلُ بِهَا التَّقْوَى وَإِنَّمَا تَحْصُلُ بِمَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ مِنْ عَظَمَةِ الله تعالى وخشيته ومراقبته ومعنى نظرالله هُنَا مُجَازَاتُهُ وَمُحَاسَبَتُهُ أَيْ إِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ على مافي الْقَلْبِ دُونَ الصُّوَرِ الظَّاهِرَةِ وَنَظَرُ اللَّهِ رُؤْيَتُهُ محيط بكل شئ وَمَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي هَذَا كُلِّهِ بِالْقَلْبِ وَهُوَ مِنْ نَحْوِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنْ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةٌ الْحَدِيثَ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَاحْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ لَا فِي الرَّأْسِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي حَدِيثِ أَلَا إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةٌ قَوْلُهُ (جعفر بن برقان) هوبضم الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ

باب النهي عن الشحناء

(باب النهي عن الشحناء) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2565] (تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ) الْحَدِيثَ قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْبَاجِيُّ مَعْنَى فَتْحِهَا كَثْرَةُ الصَّفْحِ وَالْغُفْرَانِ وَرَفْعُ الْمَنَازِلِ وَإِعْطَاءُ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ قَالَ الْقَاضِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ فَتْحَ أَبْوَابِهَا عَلَامَةٌ لِذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا هُوَ بِالرَّاءِ السَّاكِنَةِ وَضَمِّ الْكَافِ وَالْهَمْزَةُ فِي أَوَّلِهِ همزة وَصْلٌ أَيْ أَخِّرُوا يُقَالُ رَكَاهُ يَرْكُوهُ رَكْوًا إِذَا أَخَّرَهُ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَيَجُوزُ أَنْ يَرْوِيهِ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ أَرْكَيْتُ الامر اذا أخرته وذكر غيره أنه روي بِقَطْعِهَا وَوَصْلِهَا وَالشَّحْنَاءُ الْعَدَاوَةُ كَأَنَّهُ

(باب فضل الحب في الله تعالى)

شحن بغضا له لملائه وأنظروا هَذَيْنِ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ أَخِّرُوهُمَا حَتَّى يَفِيئَا أَيْ يرجعا إلى الصلح والمودة (باب فضل الحب في اللَّهُ تَعَالَى) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2566] (إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي) فِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ قَوْلِ الْإِنْسَانِ اللَّهُ يَقُولُ وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ كَافَّةٌ إِلَّا مَا قَدَّمْنَاهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِنْ كَرَاهَةِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يُقَالُ يَقُولُ اللَّهُ بَلْ يُقَالُ قَالَ اللَّهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ جَاءَ بِجَوَازِهِ الْقُرْآنُ في قوله تعالى والله يقول الحق وَأَحَادِيثٌ صَحِيحَةٌ كَثِيرَةٌ قَوْلُهُ تَعَالَى الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي أَيْ بِعَظَمَتِي وَطَاعَتِي لَا لِلدُّنْيَا وَقَوْلُهُ تَعَالَى يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي أَيْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَنْ لَهُ ظِلٌّ مَجَازًا كَمَا فِي الدُّنْيَا وَجَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ ظِلُّ عَرْشِي قَالَ الْقَاضِي ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي ظِلِّهِ مِنَ الْحَرِّ وَالشَّمْسِ وَوَهَجِ الْمَوْقِفِ وَأَنْفَاسِ الْخَلْقِ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ عِيسَى بْنُ دينار معناه كفه من الْمَكَارِهِ وَإِكْرَامُهُ وَجَعْلُهُ فِي كَنَفِهِ وَسِتْرِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ السُّلْطَانُ ظِلُّ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ الظِّلَّ هُنَا عِبَارَةٌ عَنِ الرَّاحَةِ وَالنَّعِيمِ يُقَالُ هُوَ فِي عَيْشٍ ظَلِيلٍ أَيْ طَيِّبٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(باب فضل عيادة المريض)

[2567] (فَأَرْصَدَ اللَّهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا) مَعْنَى أَرْصَدَهُ أقعده يرقبه والمدرجة بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ هِيَ الطَّرِيقُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ يَدْرُجُونَ عَلَيْهَا أَيْ يَمْضُونَ وَيَمْشُونَ قَوْلُهُ (لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةِ تَرُبُّهَا) أَيْ تَقُومُ بِإِصْلَاحِهَا وَتَنْهَضُ إِلَيْهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ قَوْلُهُ (بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَحَبَّةُ اللَّهِ عَبْدَهُ هِيَ رَحْمَتُهُ لَهُ وَرِضَاهُ عَنْهُ وَإِرَادَتُهُ لَهُ الْخَيْرَ وَأَنْ يَفْعَلَ بِهِ فِعْلَ الْمُحِبِّ مِنَ الْخَيْرِ وَأَصْلُ الْمَحَبَّةِ فِي حَقِّ الْعِبَادِ مَيْلُ الْقَلْبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضْلُ الْمَحَبَّةِ فِي اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهَا سَبَبٌ لِحُبِّ اللَّهِ تَعَالَى الْعَبْدَ وَفِيهِ فَضِيلَةُ زِيَارَةِ الصَّالِحِينَ وَالْأَصْحَابِ وَفِيهِ أَنَّ الْآدَمِيِّينَ قَدْ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ (بَاب فَضْلِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2568] (عَائِدُ الْمَرِيضِ فِي مَخْرَفَةِ الْجَنَّةِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ خُرْفَةِ الْجَنَّةِ بِضَمِّ الْخَاءِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا خُرْفَةُ الجنة قال جناها أي يؤول بِهِ ذَلِكَ إِلَى الْجَنَّةِ وَاجْتِنَاءِ ثِمَارِهَا وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى فَضْلِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَسَبَقَ شَرْحُ ذلك واضحا في بابه قوله في أسنايد هذا الحديث

(عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنِ الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْ إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ أَحَادِيثُ أَبِي قِلَابَةَ كُلُّهَا عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ لَيْسَ بَيْنَهُمَا أبو الاشعث الا هذا الحديث قوله عزوجل [2569] (مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي قَالَ يَا رَبُّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِيَ فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتنِي

(باب ثواب المؤمن فيما يصيبه)

عِنْدَهُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا أَضَافَ الْمَرَضَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالْمُرَادُ الْعَبْدُ تَشْرِيفًا لِلْعَبْدِ وَتَقْرِيبًا لَهُ قَالُوا وَمَعْنَى وَجَدْتنِي عِنْدَهُ أَيْ وَجَدْتَ ثَوَابِي وَكَرَامَتِي وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي تَمَامِ الْحَدِيثِ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي لَوْ أَسْقَيْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي أَيْ ثَوَابَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب ثَوَابِ الْمُؤْمِنِ فِيمَا يُصِيبُهُ) مِنْ مَرَضٍ أَوْ حُزْنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا قَوْلُهَا [2570] (مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشَدُّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْوَجَعُ هُنَا

الْمَرَضُ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مَرَضٍ وَجَعًا قَوْلُهُ [2571] (إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا) الْوَعْكُ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ قِيلَ هُوَ الْحُمَّى وَقِيلَ أَلَمُهَا وَمَغَثُهَا وَقَدْ وَعَكَ الرَّجُلُ يُوعَكُ فَهُوَ مَوْعُوكٌ قَوْلُهُ (يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ

هُوَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ قَوْلُهُ [2572] (إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لِلَّذِينَ ضَحِكُوا مِمَّنْ عَثَرَ بِطُنْبِ فُسْطَاطٍ لَا تَضْحَكُوا فِيهِ النَّهْيُ عَنِ الضَّحِكِ مِنْ مِثْلِ هَذَا إِلَّا أَنْ يَحْصُلَ غَلَبَةٌ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ وَأَمَّا تَعَمُّدُهُ فَمَذْمُومٌ لِأَنَّ فِيهِ إِشْمَاتًا بِالْمُسْلِمِ وَكَسْرًا لِقَلْبِهِ والطنب بِضَمِّ النُّونِ وَإِسْكَانِهَا هُوَ الْحَبْلُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْفُسْطَاطُ وَهُوَ الْخِبَاءُ وَنَحْوُهُ وَيُقَالُ فُسْتَاطٌ بِالتَّاءِ بَدَلَ الطَّاءِ وَفُسَّاطٌ بِحَذْفِهَا مَعَ تَشْدِيدِ السِّينِ وَالْفَاءُ مَضْمُومَةٌ وَمَكْسُورَةٌ فِيهِنَّ فَصَارَتْ سِتُّ لغات قوله صلى الله عليه وسلم (مامن مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا كُتِبَتْ له درجة ومحيت عنه بها خطيئة) وفي رواية إلا رفعه الله بها درجة أو حط عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا وَفِي رِوَايَةٍ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ له بها حسنة أو حطت عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ قَلَّمَا يَنْفَكُّ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ ساعة من شئ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ وَفِيهِ تَكْفِيرُ الْخَطَايَا بِالْأَمْرَاضِ والاسقام ومصايب الدُّنْيَا وَهُمُومِهَا وإِنْ قَلَّتْ مَشَقَّتُهَا وَفِيهِ رَفْعُ الدَّرَجَاتِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَزِيَادَةُ الْحَسَنَاتِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا تُكَفِّرُ الْخَطَايَا فَقَطْ وَلَا تَرْفَعُ دَرَجَةً وَلَا تُكْتَبُ

حسنة قال وروي نحوه عن بن مَسْعُودٍ قَالَ الْوَجَعُ لَا يُكْتَبُ بِهِ أَجْرٌ لَكِنْ تُكَفَّرُ بِهِ الْخَطَايَا فَقَطْ وَاعْتَمَدَ عَلَى الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا تَكْفِيرُ الْخَطَايَا وَلَمْ تَبْلُغْهُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ الْمُصَرِّحَةُ بِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَكَتْبِ الْحَسَنَاتِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ الْأَنْبِيَاءِ أَشَدَّ بَلَاءً ثُمَّ الْأَمْثَلَ فَالْأَمْثَلَ أَنَّهُمْ مَخْصُوصُونَ بِكَمَالِ الصَّبْرِ وَصِحَّةِ الِاحْتِسَابِ وَمَعْرِفَةِ أَنَّ ذَلِكَ نِعْمَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِيَتِمَّ لَهُمُ الْخَيْرُ وَيُضَاعَفُ لَهُمُ الْأَجْرُ وَيَظْهَرُ صَبْرُهُمْ وَرِضَاهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا قَصَّ الله بها من خطيئته) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ قَصَّ وَفِي بعضها نقص

وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ مُتَقَارِبُ الْمَعْنَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2573] (مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ وَلَا سَقَمٍ وَلَا حَزَنٍ حَتَّى الْهَمَّ يُهِمُّهُ إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ) الْوَصَبُ الْوَجَعُ اللَّازِمُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى ولهم عذاب واصب أي لازم ثابت والنصب التَّعَبُ وَقَدْ نَصِبَ يَنْصَبُ نَصَبًا كَفَرِحَ يَفْرَحُ فرحا ونصبه غيره وأنصبه لغتان والسقم بِضَمِّ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَفَتْحِهِمَا لُغَتَانِ وَكَذَلِكَ الحزن والحزن فيه اللغتان ويهمه قَالَ الْقَاضِي هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ على مالم يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَضَبَطَهُ غَيْرُهُ يَهُمُّهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْهَاءِ أَيْ يَغُمُّهُ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ [2574] (عن بن مُحَيْصِنٍ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ مُسْلِمٌ هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْصِنٍ) وَهَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ نُسَخِ بِلَادِنَا أَنَّ مُسْلِمًا قَالَ هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنَ وَفِي بَعْضِهَا هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَمُحَيْصِنُ بِالنُّونِ فِي آخِرِهِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَغَارِبَةِ بِحَذْفِهَا وَهُوَ تَصْحِيفٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَارِبُوا) أَيْ اقْتَصِدُوا فَلَا تَغْلُوا وَلَا تُقَصِّرُوا بَلْ تَوَسَّطُوا (وَسَدِّدُوا) أَيْ اقْصِدُوا السَّدَادَ وَهُوَ الصَّوَابُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى النُّكْبَةَ يَنْكُبُهَا) وَهِيَ مِثْلُ الْعَثْرَةِ يَعْثُرُهَا بِرِجْلِهِ

وَرُبَّمَا جُرِحَتْ أُصْبُعُهُ وَأَصْلُ النَّكْبِ الْكَبُّ وَالْقَلْبُ قوله صلى الله عليه وسلم [2575] (مالك ياأم السَّائِبِ تُزَفْزِفِينَ) بِزَاءَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ وَفَاءَيْنِ وَالتَّاءُ مَضْمُومَةٌ قَالَ الْقَاضِي تُضَمُّ وَتُفْتَحُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي ضَبْطِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَادَّعَى الْقَاضِي أَنَّهَا رِوَايَةُ جَمِيعِ رَوَاةِ مُسْلِمٍ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ بِلَادِنَا بِالرَّاءِ وَالْفَاءِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ بِالرَّاءِ وَالْقَافِ مَعْنَاهُ تَتَحَرَّكِينَ حَرَكَةً شَدِيدَةً أَيْ تَرْعَدِينَ [2576] وَفِي حَدِيثِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تُصْرَعُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّرْعَ يُثَابُ عَلَيْهِ أَكْمَلَ ثَوَابِ

(باب تحريم الظلم)

(بَاب تَحْرِيمِ الظُّلْمِ) قَوْلُهُ تَعَالَى [2577] (إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ تَقَدَّسْتُ عَنْهُ وَتَعَالَيْتُ وَالظُّلْمُ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَيْفَ يُجَاوِزُ سُبْحَانَهُ حَدًّا وَلَيْسَ فَوْقَهُ مَنْ يُطِيعُهُ وَكَيْفَ يَتَصَرَّفُ فِي غَيْرِ مُلْكٍ وَالْعَالَمُ كُلُّهُ فِي مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ وَأَصْلُ التَّحْرِيمِ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ فَسَمَّى تَقَدُّسَهُ عَنِ الظُّلْمِ تَحْرِيمًا لِمُشَابَهَتِهِ لِلْمَمْنُوعِ فِي أَصْلِ عَدَمِ الشئ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَجَعَلْتُهُ بَيْنكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا) هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ لَا تَتَظَالَمُوا وَالْمُرَادُ لَا يَظْلِمُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَهَذَا تَوْكِيدٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى يَا عِبَادِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنكُمْ مُحَرَّمًا وَزِيَادَةُ تَغْلِيظٍ فِي تَحْرِيمِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى (كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ) قَالَ الْمَازِرِيُّ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمْ خُلِقُوا عَلَى الضَّلَالِ إِلَّا مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ قَالَ فَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ وَصْفَهُمْ بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُمْ لَوْ تُرِكُوا وَمَا فِي طِبَاعِهِمْ مِنْ إِيثَارِ الشَّهَوَاتِ وَالرَّاحَةِ وَإِهْمَالِ النَّظَرِ لَضَلُّوا وَهَذَا الثَّانِي أَظْهَرُ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْمُهْتَدِيَ هُوَ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ وبهدي اللَّهُ اهْتَدَى وَبِإِرَادَةِ اللَّهِ

تَعَالَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِنَّمَا أَرَادَ هِدَايَةَ بَعْضِ عِبَادِهِ وَهُمُ الْمُهْتَدُونَ وَلَمْ يُرِدْ هِدَايَةَ الْآخَرِينَ وَلَوْ أَرَادَهَا لَاهْتَدَوْا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمُ الْفَاسِدِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَرَادَ هداية الجميع جل الله أن يريد مالا يقع أو يقع مالا يُرِيدُ قَوْلُهُ تَعَالَى (مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ) الْمِخْيَطُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْيَاءِ هُوَ الْإِبْرَةُ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا تَقْرِيبٌ إِلَى الْأَفْهَامِ وَمَعْنَاهُ لَا يُنْقِصُ شَيْئًا أَصْلًا كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ أَيْ لَا يَنْقُصُهَا نَفَقَةٌ لِأَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ لَا يَدْخُلُهُ نَقْصٌ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ النَّقْصُ الْمَحْدُودَ الْفَانِيَ وَعَطَاءُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رَحْمَتِهِ وَكَرَمِهِ وَهُمَا صِفَتَانِ قَدِيمَتَانِ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِمَا نَقْصٌ فَضَرَبَ الْمَثَلَ بِالْمِخْيَطِ فِي الْبَحْرِ لِأَنَّهُ غَايَةُ مَا يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي الْقِلَّةِ وَالْمَقْصُودُ التَّقْرِيبُ إِلَى الْإِفْهَامِ بِمَا شَاهَدُوهُ فَإِنَّ الْبَحْرَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَرْئِيَّاتِ عَيَانًا وَأَكْبَرِهَا وَالْإِبْرَةُ مِنْ أَصْغَرِ الْمَوْجُودَاتِ مَعَ أَنَّهَا صَقِيلَةٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَاءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ تَعَالَى (يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ تُخْطِئُونَ بِضَمِّ التَّاءِ وَرُوِيَ بِفَتْحِهَا وَفَتْحِ الطَّاءِ يقال خطئ

يَخْطَأُ إِذَا فَعَلَ مَا يَأَثَمُ بِهِ فَهُوَ خَاطِئٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إنا كنا خاطئين وَيُقَالُ فِي الْإِثْمِ أَيْضًا أَخْطَأَ فَهُمَا صَحِيحَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2578] [2579] (اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ الْقَاضِي قِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَكُونُ ظُلُمَاتٍ عَلَى صَاحِبِهِ لَا يَهْتَدِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبِيلًا حَتَّى يَسْعَى نُورُ الْمُؤْمِنِينَ بَيْنَ أَيْدِيِهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الظُّلُمَاتِ هُنَا الشَّدَائِدُ وَبِهِ فَسَّرُوا قَوْلَهُ تَعَالَى قُلْ مَنْ يُنْجِيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ والبحر أَيْ شَدَائِدِهِمَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنِ الْأَنْكَالِ وَالْعُقُوبَاتِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) قَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الْهَلَاكَ هُوَ الهلاك الذي أخبر عنهم بِهِ فِي الدُّنْيَا بِأَنَّهُمْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ هَلَاكُ الْآخِرَةِ وَهَذَا الثَّانِي أَظْهَرُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَهْلَكَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ جَمَاعَةُ الشُّحُّ أَشَدُّ الْبُخْلِ وَأَبْلَغُ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْبُخْلِ وَقِيلَ هُوَ الْبُخْلُ مَعَ الْحِرْصِ وَقِيلَ الْبُخْلُ فِي أَفْرَادِ الْأُمُورِ وَالشُّحُّ عَامٌّ وَقِيلَ الْبُخْلُ فِي أَفْرَادِ الْأُمُورِ وَالشُّحُّ بِالْمَالِ وَالْمَعْرُوفِ وقيل الشح الحرص على ماليس عِنْدَهُ وَالْبُخْلُ بِمَا عِنْدَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2580] (مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ) أَيْ أَعَانَهُ عَلَيْهَا ولطف

بِهِ فِيهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةَ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةَ) فِي هَذَا فَضْلُ إِعَانَةِ الْمُسْلِمِ وَتَفْرِيجِ الْكُرَبِ عَنْهُ وَسَتْرِ زَلَّاتِهِ وَيَدْخُلُ فِي كَشْفِ الْكُرْبَةِ وتفريجها من ازالها بماله أوجاهه أو مساعدته والظاهر أنه يدخل فيه من أزالها بإشارته وَرَأْيِهِ وَدَلَالَتِهِ وَأَمَّا السَّتْرُ الْمَنْدُوبُ إِلَيْهِ هُنَا فَالْمُرَادُ بِهِ السَّتْرُ عَلَى ذَوِي الْهَيْئَاتِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَيْسَ هُوَ مَعْرُوفًا بِالْأَذَى وَالْفَسَادِ فَأَمَّا المعروف بذلك فيستحب أن لا يُسْتَرَ عَلَيْهِ بَلْ تُرْفَعَ قَضِيَّتَهُ إِلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ إِنْ لَمْ يَخَفْ مِنْ ذَلِكَ مَفْسَدَةً لِأَنَّ السَّتْرَ عَلَى هَذَا يُطْمِعُهُ فِي الْإِيذَاءِ وَالْفَسَادِ وَانْتَهَاكِ الْحُرُمَاتِ وَجَسَارَةِ غَيْرِهِ عَلَى مِثْلِ فِعْلِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي سَتْرِ مَعْصِيَةٍ وَقَعَتْ وانقضت أما مَعْصِيَةٌ رَآهُ عَلَيْهَا وَهُوَ بَعْدُ مُتَلَبِّسٌ بِهَا فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِإِنْكَارِهَا عَلَيْهِ وَمَنْعُهُ مِنْهَا عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَحِلُّ تَأْخِيرُهَا فَإِنْ عَجَزَ لَزِمَهُ رَفْعُهَا إِلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ إِذَا لَمْ تَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ وَأَمَّا جُرْحُ الرُّوَاةِ وَالشُّهُودِ وَالْأُمَنَاءِ عَلَى الصَّدَقَاتِ وَالْأَوْقَافِ وَالْأَيْتَامِ وَنَحْوِهِمْ فَيَجِبُ جُرْحُهُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلَا يَحِلُّ السَّتْرُ عَلَيْهِمْ إِذَا رَأَى مِنْهُمْ مَا يَقْدَحُ فِي أَهْلِيَّتِهِمْ وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ بَلْ مِنَ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الَّذِي يُسْتَرُ فِيهِ هَذَا السَّتْرُ مَنْدُوبٌ فَلَوْ رَفَعَهُ إِلَى السُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَأْثَمْ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ هَذَا خِلَافُ الْأَوْلَى وَقَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2581] (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا إِلَى آخِرِهِ) مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا حَقِيقَةُ الْمُفْلِسِ وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ وَمَنْ قَلَّ مَالُهُ فَالنَّاسُ يُسَمُّونَهُ

مُفْلِسًا وَلَيْسَ هُوَ حَقِيقَةُ الْمُفْلِسِ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ يَزُولُ وَيَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ وَرُبَّمَا يَنْقَطِعُ بِيَسَارٍ يَحْصُلُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ وَإِنَّمَا حَقِيقَةُ الْمُفْلِسِ هَذَا الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ فَهُوَ الْهَالِكُ الْهَلَاكَ التَّامَّ وَالْمَعْدُومُ الْإِعْدَامَ الْمُقَطَّعَ فَتُؤْخَذُ حَسَنَاتُهُ لِغُرَمَائِهِ فَإِذَا فَرَغَتْ حَسَنَاتُهُ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَوُضِعَ عَلَيْهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ فَتَمَّتْ خَسَارَتُهُ وَهَلَاكُهُ وَإِفْلَاسُهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُعَارِضٌ لِقَوْلِهِ تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ غَلَطٌ مِنْهُ وَجَهَالَةٌ بَيِّنَةٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا عُوقِبَ بِفِعْلِهِ وَوِزْرِهِ وَظُلْمِهِ فَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ حُقُوقٌ لِغُرَمَائِهِ فَدُفِعَتْ إِلَيْهِمْ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَلَمَّا فَرَغَتْ وَبَقِيَتْ بَقِيَّةٌ قُوبِلَتْ عَلَى حَسَبِ مَا اقْتَضَتْهُ حِكْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ وَعَدْلِهِ فِي عِبَادِهِ فَأُخِذَ قَدْرُهَا مِنْ سَيِّئَاتِ خُصُومِهِ فَوُضِعَ عَلَيْهِ فَعُوقِبَ بِهِ فِي النَّارِ فَحَقِيقَةُ الْعُقُوبَةِ إِنَّمَا هِيَ بِسَبَبِ ظُلْمِهِ وَلَمْ يُعَاقَبْ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ وَظُلْمٍ مِنْهُ وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ أَهْلِ السَّنَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2582] 0لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِحَشْرِ الْبَهَائِمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِعَادَتِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا يُعَادُ أَهْلُ التَّكْلِيفِ مِنَ الْآدَمِيِّينَ وَكَمَا يُعَادُ الْأَطْفَالُ وَالْمَجَانِينُ وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ وَعَلَى هَذَا تَظَاهَرَتْ دَلَائِلُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا الْوُحُوشُ حشرت وَإِذَا وَرَدَ لَفْظُ الشَّرْعِ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ إِجْرَائِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ عَقْلٌ وَلَا شَرْعٌ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْحَشْرِ وَالْإِعَادَةِ

باب نصر الاخ ظالما أو مظلوما

فِي الْقِيَامَةِ الْمُجَازَاةُ وَالْعِقَابُ وَالثَّوَابُ وَأَمَّا الْقِصَاصُ مِنَ الْقَرْنَاءِ لِلْجَلْحَاءِ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ قِصَاصِ التكليف إذلا تَكْلِيفَ عَلَيْهَا بَلْ هُوَ قِصَاصُ مُقَابَلَةٍ وَالْجَلْحَاءُ بِالْمَدِّ هِيَ الْجَمَّاءُ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2583] (إن الله عزوجل يُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ) مَعْنَى يُمْلِي يُمْهِلُ وَيُؤَخِّرُ وَيُطِيلُ لَهُ فِي الْمُدَّةِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمُلْوَةِ وَهِيَ الْمُدَّةُ وَالزَّمَانُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا وَمَعْنَى لَمْ يُفْلِتْهُ لَمْ يُطْلِقْهُ وَلَمْ يَنْفَلِتْ مِنْهُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ أَفْلَتَهُ أَطْلَقَهُ وَانْفَلَتَ تَخَلَصَ مِنْهُ (باب نصر الاخ ظالما أو مظلوما) قَوْلُهُ [2584] (اقْتَتَلَ غُلَامَانِ) أَيْ تَضَارَبَا وَقَوْلُهُ فَنَادَى المهاجر يال المهاجرين ونادى الانصاري يال الانصار) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ يَالَ بِلَامٍ مَفْصُولَةٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا يَا لَلْمُهَاجِرِينَ وَيَا لَلْأَنْصَارِ بِوَصْلِهَا وَفِي بَعْضِهَا يَا آلَ الْمُهَاجِرِينَ بِهَمْزَةٍ ثُمَّ لَامٍ مَفْصُولَةٍ وَاللَّامُ مَفْتُوحَةٌ فِي الْجَمِيعِ وَهِيَ لَامُ الِاسْتِغَاثَةِ وَالصَّحِيحُ بِلَامٍ مَوْصُولَةٍ وَمَعْنَاهُ أَدْعُو الْمُهَاجِرِينَ وَأَسْتَغِيثُ بِهِمْ وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ كَرَاهَةٌ مِنْهُ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنَ التَّعَاضُدِ بِالْقَبَائِلِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَمُتَعَلِّقَاتِهَا وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَأْخُذُ حُقُوقَهَا بِالْعَصَبَاتِ وَالْقَبَائِلِ فَجَاءَ الْإِسْلَامُ بِإِبْطَالِ ذَلِكَ وَفَصَلِ الْقَضَايَا بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِذَا اعْتَدَى إِنْسَانٌ عَلَى آخَرَ حَكَمَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَأَلْزَمَهُ مُقْتَضَى عِدْوَانِهِ كَمَا تَقَرَّرَ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فِي آخِرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ لَا بَأْسَ فَمَعْنَاهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ بَأْسٌ مِمَّا كُنْتُ خِفْتُهُ فَإِنَّهُ خَافَ أَنْ يَكُونَ حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ يُوجِبُ فِتْنَةً وَفَسَادًا وَلَيْسَ هُوَ عَائِدًا إِلَى رَفْعِ كَرَاهَةِ الدُّعَاءِ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ قَوْلُهُ 0فَكَسَعَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ) هُوَ بِسِينٍ مُخَفَّفَةٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ ضَرَبَ دُبُرَهُ وَعَجِيزَتَهُ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ سَيْفٍ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ) أَيْ قَبِيحَةٌ كَرِيهَةٌ مُؤْذِيَةٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ) فِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم

مِنَ الْحِلْمِ وَفِيهِ تَرْكُ بَعْضِ الْأُمُورِ الْمُخْتَارَةِ وَالصَّبْرِ عَلَى بَعْضِ الْمَفَاسِدِ خَوْفًا مِنْ أَنْ تَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ أَعْظَمُ مِنْهُ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأَلَّفَ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى جَفَاءِ الْأَعْرَابِ وَالْمُنَافِقِينَ وَغَيْرِهِمْ لِتَقْوَى شَوْكَةُ الْمُسْلِمِينَ وَتَتِمُّ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ وَيَتَمَكَّنُ الْإِيمَانُ مِنْ قُلُوبِ الْمُؤَلَّفَةِ وَيَرْغَبُ غَيْرُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ وَكَانَ يُعْطِيهِمُ الْأَمْوَالَ الْجَزِيلَةَ لِذَلِكَ وَلَمْ يَقْتُلِ الْمُنَافِقِينَ لِهَذَا الْمَعْنَى وَلِإِظْهَارِهِمُ الْإِسْلَامَ وَقَدْ أُمِرَ بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا مَعْدُودِينَ فِي أَصْحَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُجَاهِدُونَ مَعَهُ إِمَّا حَمِيَّةً وَإِمَّا لِطَلَبِ دُنْيَا أَوْ عَصَبِيَّةً لِمَنْ مَعَهُ مِنْ عَشَائِرِهِمْ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ بَقِيَ حُكْمُ الْإِغْضَاءِ عَنْهُمْ وَتَرْكُ قِتَالِهِمْ أَوْ نُسِخَ ذَلِكَ عِنْدَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَنُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَأَنَّهَا نَاسِخَةٌ لِمَا قَبْلَهَا وَقِيلَ قَوْلٌ ثَالِثٌ أنه إنما كان العفو عنهم مالم يظهروا نفاقهم فاذا أظهروه قتلوا (باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2585] (الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرَ [2586] مَثَلُ الْمَؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ إِلَى آخِرَهِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ صَرِيحَةٌ فِي تَعْظِيمِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَحَثِّهِمْ عَلَى التَّرَاحُمِ وَالْمُلَاطَفَةِ وَالتَّعَاضُدِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلَا مَكْرُوهٍ وَفِيهِ جواز التشبيه

باب النهي عن السباب

وَضَرْبِ الْأَمْثَالِ لِتَقْرِيبِ الْمَعَانِي إِلَى الْأَفْهَامِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (تداعى لها سَائِرُ الْجَسَدِ) أَيْ دَعَا بَعْضُهُ بَعْضًا إِلَى الْمُشَارَكَةِ فِي ذَلِكَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَدَاعَتِ الْحِيطَانُ أي تساقطت أو قربت من التساقط (باب النهي عن السباب) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2587] (الْمُسْتَبَّانِ مَا قالا فعلى البادئ مالم يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ) مَعْنَاهُ أَنَّ إِثْمَ السِّبَابِ

(باب استحباب العفو والتواضع)

الْوَاقِعِ مِنَ اثْنَيْنِ مُخْتَصٌّ بِالْبَادِئِ مِنْهُمَا كُلُّهُ إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ الثَّانِي قَدْرَ الِانْتِصَارِ فَيَقُولُ لِلْبَادِئِ أَكْثَرَ مِمَّا قَالَ لَهُ وَفِي هَذَا جَوَازُ الِانْتِصَارِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَقَدْ تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة قال الله تَعَالَى وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عليهم من سبيل وَقَالَ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ ينتصرون وَمَعَ هَذَا فَالصَّبْرُ وَالْعَفْوُ أَفْضَلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عزم الامور وللحديث المذكور بعد هذا مازاد اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَاعْلَمْ أَنَّ سِبَابَ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ حَرَامٌ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَسْبُوبِ أَنْ يَنْتَصِرَ إِلَّا بِمِثْلِ ما سبه مالم يَكُنْ كَذِبًا أَوْ قَذْفًا أَوْ سَبًّا لِأَسْلَافِهِ فَمِنْ صُوَرِ الْمُبَاحِ أَنْ يَنْتَصِرَ بِيَا ظَالِمُ يَا أَحْمَقُ أَوْ جَافِي أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يَنْفَكُّ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ قَالُوا وَإِذَا انْتَصَرَ الْمَسْبُوبُ اسْتَوْفَى ظُلَامَتَهُ وَبَرِئَ الْأَوَّلُ مِنْ حَقِّهِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ إِثْمُ الِابْتِدَاءِ أَوِ الْإِثْمُ الْمُسْتَحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ يَرْتَفِعُ عَنْهُ جَمِيعُ الْإِثْمِ بِالِانْتِصَارِ مِنْهُ وَيَكُونُ مَعْنَى عَلَى الْبَادِئِ أَيْ عَلَيْهِ اللَّوْمُ وَالذَّمُّ لَا الْإِثْمُ (بَاب اسْتِحْبَابِ الْعَفْوِ وَالتَّوَاضُعِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2588] (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ) ذَكَرُوا فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُبَارَكُ فِيهِ وَيَدْفَعُ عَنْهُ الْمَضَرَّاتِ فَيَنْجَبِرُ نَقْصُ الصُّورَةِ بِالْبَرَكَةِ الْخَفِيَّةِ وَهَذَا مُدْرَكٌ بِالْحِسِّ وَالْعَادَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ وَإِنْ نَقَصَتْ صُورَتُهُ كَانَ فِي الثَّوَابِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ جَبْرٌ لِنَقْصِهِ وَزِيَادَةٌ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (وما زادالله عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا) فِيهِ أَيْضًا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ مَنْ عُرِفَ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ سَادَ وَعَظُمَ فِي الْقُلُوبِ وَزَادَ عِزُّهُ وَإِكْرَامُهُ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ أَجْرُهُ فِي الْآخِرَةِ وَعِزُّهُ هُنَاكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا

(باب تحريم الغيبة)

رَفَعَهُ اللَّهُ) فِيهِ أَيْضًا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَرْفَعُهُ فِي الدُّنْيَا وَيُثْبِتُ لَهُ بِتَوَاضُعِهِ فِي الْقُلُوبِ مَنْزِلَةً وَيَرْفَعُهُ اللَّهُ عِنْدَ النَّاسِ وَيُجِلُّ مَكَانَهُ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ ثَوَابُهُ فِي الْآخِرَةِ وَرَفْعُهُ فِيهَا بِتَوَاضُعِهِ فِي الدُّنْيَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ فِي الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ مَوْجُودَةٌ فِي الْعَادَةِ مَعْرُوفَةٌ وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ الْوَجْهَيْنِ مَعًا فِي جَمِيعِهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب تَحْرِيمِ الْغِيبَةِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2589] (الْغِيبَةُ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقَدْ بَهَتَّهُ) يُقَالُ بَهَتَهُ بِفَتْحِ الْهَاءِ مُخَفَّفَةٍ قُلْتُ فِيهِ الْبُهْتَانِ وَهُوَ الباطل والغيبة ذِكْرُ الْإِنْسَانِ فِي غَيْبَتِهِ بِمَا يَكْرَهُ وَأَصْلُ الْبَهْتِ أَنْ يُقَالَ لَهُ الْبَاطِلُ فِي وَجْهِهِ وَهُمَا حَرَامَانِ لَكِنْ تُبَاحُ الْغِيبَةُ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ وَذَلِكَ لِسِتَّةِ أَسْبَابٍ أَحَدُهَا التَّظَلُّمُ فَيَجُوزُ لِلْمَظْلُومِ أَنْ يَتَظَلَّمَ إِلَى السُّلْطَانِ وَالْقَاضِي وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةٌ أَوْ قُدْرَةٌ عَلَى إِنْصَافِهِ مِنْ ظَالِمِهِ فَيَقُولُ ظَلَمَنِي فُلَانٌ أَوْ فَعَلَ بِي كَذَا الثَّانِي الِاسْتِغَاثَةُ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ وَرَدِّ الْعَاصِي إِلَى الصَّوَابِ فَيَقُولُ لِمَنْ يَرْجُو قُدْرَتَهُ فُلَانٌ يَعْمَلُ كَذَا فَازْجُرْهُ عَنْهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ الثَّالِثُ الِاسْتِفْتَاءُ بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُفْتِي ظَلَمَنِي فُلَانٌ أَوْ أَبِي أَوْ أَخِي أَوْ زَوْجِي بِكَذَا فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ وَمَا طَرِيقِي فِي الْخَلَاصِ مِنْهُ وَدَفْعِ ظُلْمِهِ عَنِّي وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَذَا جَائِزٌ لِلْحَاجَةِ وَالْأَجْوَدُ أَنْ يَقُولَ فِي رَجُلٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ وَالِدٍ وَوَلَدٍ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ كَذَا وَمَعَ ذَلِكَ فَالتَّعْيِينُ جَائِزٌ لِحَدِيثِ هِنْدٍ وَقَوْلِهَا إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ الرَّابِعُ تَحْذِيرُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الشَّرِّ وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا جَرْحُ الْمَجْرُوحِينَ مِنَ الرُّوَاةِ وَالشُّهُودِ وَالْمُصَنِّفِينَ وَذَلِكَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ وَاجِبٌ صَوْنًا لِلشَّرِيعَةِ وَمِنْهَا الْإِخْبَارُ بِعَيْبِهِ عِنْدَ الْمُشَاوَرَةِ فِي مواصلته

(باب بشارة من ستر الله تعالى عليه في الدنيا بأن

وَمِنْهَا إِذَا رَأَيْتَ مَنْ يَشْتَرِي شَيْئًا مَعِيبًا أَوْ عَبْدًا سَارِقًا أَوْ زَانِيًا أَوْ شَارِبًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ تَذْكُرَهُ لِلْمُشْتَرِي إِذَا لَمْ يَعْلَمْهُ نَصِيحَةً لَا بِقَصْدِ الْإِيذَاءِ وَالْإِفْسَادِ وَمِنْهَا إِذَا رَأَيْتَ مُتَفَقِّهًا يَتَرَدَّدُ إِلَى فَاسِقٍ أَوْ مُبْتَدِعٍ يَأْخُذُ عَنْهُ عِلْمًا وَخِفْتَ عَلَيْهِ ضَرَرَهُ فَعَلَيْكَ نَصِيحَتَهُ بِبَيَانِ حَالِهِ قَاصِدًا النَّصِيحَةَ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ لَا يَقُومُ بِهَا عَلَى وَجْهِهَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ أَوْ لِفِسْقِهِ فَيَذْكُرُهُ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى حَالِهِ فَلَا يَغْتَرُّ بِهِ وَيَلْزَمُ الِاسْتِقَامَةَ الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ مُجَاهِرًا بِفِسْقِهِ أَوْ بِدْعَتِهِ كَالْخَمْرِ وَمُصَادَرَةِ النَّاسِ وَجِبَايَةِ الْمُكُوسِ وَتَوَلِّي الْأُمُورِ الْبَاطِلَةِ فَيَجُوزُ ذِكْرُهُ بِمَا يُجَاهِرُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِهِ إِلَّا بِسَبَبٍ آخَرَ السَّادِسُ التَّعْرِيفُ فَإِذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِلَقَبٍ كَالْأَعْمَشِ وَالْأَعْرَجِ وَالْأَزْرَقِ وَالْقَصِيرِ وَالْأَعْمَى وَالْأَقْطَعِ وَنَحْوِهَا جَازَ تَعْرِيفُهُ بِهِ وَيَحْرُمُ ذِكْرُهُ بِهِ تَنَقُّصًا وَلَوْ أَمْكَنَ التَّعْرِيفُ بِغَيْرِهِ كَانَ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب بِشَارَةِ مَنْ ستر الله تعالى عليه فِي الدُّنْيَا بِأَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2590] (لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْتُرُ مَعَاصِيَهُ وَعُيُوبَهُ عَنْ إِذَاعَتِهَا فِي أَهْلِ الْمَوْقِفِ وَالثَّانِي تَرْكُ مُحَاسَبَتِهِ عَلَيْهَا وَتَرْكُ ذِكْرِهَا قَالَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ يُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ يَقُولُ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا إِلَا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَسَبَقَ شَرْحُهُ قريبا)

باب مداراة من يتقي فحشه

(باب مداراة من يتقي فحشه) قَوْلُهُ [2591] (أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ائْذَنُوا لَهُ فَلَبِئْسَ بن الْعَشِيرَةِ أَوْ بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ لَهُ الَّذِي قُلْتَ ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ قَالَ يَا عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ) قَالَ الْقَاضِي هَذَا الرَّجُلُ هُوَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَيِّنَ حَالَهُ لِيَعْرِفَهُ النَّاسُ وَلَا يَغْتَرُّ بِهِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ حَالَهُ قَالَ وَكَانَ مِنْهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعده مادل على ضعف ايمانه وارتد مع المرتدين وجئ بِهِ أَسِيرًا إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَوَصْفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِأَنَّهُ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَمَا وَصَفَ وَإِنَّمَا أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ تَأَلُّفًا لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُدَارَاةُ مَنْ يُتَّقَى فُحْشُهُ وَجَوَازُ غِيبَةِ الْفَاسِقِ الْمُعْلِنِ فِسْقَهُ وَمَنْ يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى التَّحْذِيرِ مِنْهُ وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ قَرِيبًا فِي بَابِ الْغِيبَةِ وَلَمْ يَمْدَحْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا ذِكْرُ أَنَّهُ أَثْنَى عَلَيْهِ فِي وَجْهِهِ وَلَا فِي قَفَاهُ إِنَّمَا تألفه بشئ مِنَ الدُّنْيَا مَعَ لِينِ الْكَلَامِ وَأَمَّا بِئْسَ بن الْعَشِيرَةِ أَوْ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ فَالْمُرَادُ بِالْعَشِيرَةِ قَبِيلَتُهُ أَيْ بِئْسَ هَذَا الرَّجُلُ مِنْهَا

(باب فضل الرفق)

(بَاب فَضْلِ الرِّفْقِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2592] (مَنْ يُحْرَمُ الرِّفْقَ يُحْرَمُ الْخَيْرَ) وَفِي رِوَايَةٍ [2593] إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي على الرفق مالا يعطي على العنف ومالا يُعْطِي عَلَى سِوَاهُ وَفِي رِوَايَةٍ [2594] لَا يَكُونُ الرفق في شئ إلا زانه ولا ينزع من شئ إِلَّا شَانَهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَلَيْكَ بِالرِّفْقِ أَمَّا الْعُنْفُ فَبِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا حَكَاهُنَّ الْقَاضِي وَغَيْرُ الضَّمِّ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَهُوَ ضِدُّ الرِّفْقِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَضْلُ الرِّفْقِ وَالْحَثُّ عَلَى التَّخَلُّقِ وَذَمُّ الْعُنْفِ وَالرِّفْقُ سَبَبُ كُلِّ خَيْرٍ وَمَعْنَى يُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ أَيْ يُثِيبُ عَلَيْهِ مالا يُثِيبُ عَلَى غَيْرِهِ وَقَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ يَتَأَتَّى به من الاغراض ويسهل من المطالب مالا يَتَأَتَّى بِغَيْرِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ ففِيهِ تَصْرِيحٌ بِتَسْمِيَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَوَصْفِهِ بِرَفِيقٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ لَا يُوصَفُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَّا بِمَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ أَوْ سَمَّاهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عليه وأما مالم يَرِدْ إِذْنٌ فِي إِطْلَاقِهِ وَلَا وَرَدَ مَنْعٌ فِي وَصْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ فَلَا يُوصَفُ بِحِلٍّ وَلَا

حُرْمَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ قَالَ وَلِلْأُصُولِيِّينَ الْمُتَأَخِّرِينَ خِلَافٌ فِي تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَبَرِ الْآحَادِ فَقَالَ بَعْضُ حُذَّاقِ الْأَشْعَرِيَّةِ يَجُوزُ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ عِنْدَهُ يَقْتَضِي الْعَمَلَ وَهَذَا عِنْدَهُ مِنْ بَابِ الْعَمَلِيَّاتِ لَكِنَّهُ يَمْنَعُ إِثْبَاتَ أَسْمَائِهِ تَعَالَى بِالْأَقْيِسَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ يُعْمَلُ بِهَا فِي الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ وَقَالَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ يَمْنَعُ ذَلِكَ فَمَنْ أَجَازَ ذَلِكَ فَهِمَ مِنْ مَسَالِكِ الصَّحَابَةِ قَبُولَهُمْ ذَلِكَ فِي مِثْلِ هَذَا وَمَنْ مَنَعَ لَمْ يُسَلِّمْ ذَلِكَ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ إِجْمَاعٌ فِيهِ فَبَقِيَ عَلَى الْمَنْعِ قَالَ الْمَازِرِيُّ فَإِطْلَاقُ رَفِيقٍ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِغَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ الْآحَادِ جَرَى فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرْنَا قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَفِيقٌ صِفَةُ فِعْلٍ وَهِيَ مَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الرِّفْقِ لِعِبَادِهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ وَالصَّحِيحُ جَوَازُ تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى رَفِيقًا وَغَيْرَهُ مِمَّا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا وَاضِحًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ فِي بَابِ تَحْرِيمِ الكبر وذكرنا أنه اختيار امام الحرمين

باب النهي عن لعن الدواب وغيرها

(باب النهي عن لعن الدواب وغيرها) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاقَةِ الَّتِي لَعَنَتْهَا الْمَرْأَةُ [2595] (خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ) وَفِي رِوَايَةٍ [2596] لَا تُصَاحِبُنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ إِنَّمَا قَالَ هَذَا زَجْرًا لَهَا وَلِغَيْرِهَا وَكَانَ قَدْ سَبَقَ نَهْيُهَا وَنَهْيُ غَيْرِهَا عَنِ اللَّعْنِ فَعُوقِبَتْ بِإِرْسَالِ النَّاقَةِ وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ مُصَاحَبَتِهِ لِتِلْكَ النَّاقَةِ فِي الطَّرِيقِ وَأَمَّا بَيْعُهَا وَذَبْحُهَا وَرُكُوبُهَا

فِي غَيْرِ مُصَاحَبَتِهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي كَانَتْ جَائِزَةً قَبْلَ هَذَا فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى الْجَوَازِ لِأَنَّ الشَّرْعَ إِنَّمَا وَرَدَ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمُصَاحَبَةِ فَبَقِيَ الْبَاقِي كَمَا كَانَ وَقَوْلُهُ نَاقَةً وَرْقَاءَ بِالْمَدِّ أَيْ يُخَالِطُ بَيَاضُهَا سَوَادٌ وَالذَّكَرُ أَوْرَقُ وَقِيلَ هِيَ الَّتِي لَوْنُهَا كَلَوْنِ الرَّمَادِ قَوْلُهُ (فَقَالَتْ حِلْ) هِيَ كَلِمَةُ زَجْرٍ لِلْإِبِلِ وَاسْتِحْثَاثٍ يُقَالُ حِلْ حِلْ بِإِسْكَانِ اللَّامِ فِيهِمَا قَالَ الْقَاضِي وَيُقَالُ أَيْضًا حِلٍ حِلٍ بِكَسْرِ اللَّامِ فِيهِمَا بِالتَّنْوِينِ وَبِغَيْرِ تَنْوِينٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَأَعْرُوهَا) هُوَ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَبِضَمِّ الرَّاءِ يُقَالُ أَعْرَيْتُهُ وَعَرَّيْتُهُ إِعْرَاءً وَتَعْرِيَةً فَتَعَرَّى وَالْمُرَادُ هُنَا خُذُوا مَا عَلَيْهَا مِنَ الْمَتَاعِ وَرَحْلِهَا وَآلَتِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2597] (لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا وَلَا يَكُونَ اللَّعَّانُونَ شُهَدَاءَ وَلَا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فِيهِ الزَّجْرِ عَنِ اللَّعْنِ وَأَنَّ مَنْ تَخَلَّقَ بِهِ لَا يَكُونُ فِيهِ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ لِأَنَّ اللَّعْنَةَ فِي الدُّعَاءِ يُرَادُ بِهَا الْإِبْعَادُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ الدُّعَاءُ بِهَذَا مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ بَيْنَهُمْ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَجَعَلَهُمْ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَكَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ وَأَنَّ الْمُؤْمِنَ يُحِبُّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ فَمَنْ دَعَا عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ بِاللَّعْنَةِ وَهِيَ الْإِبْعَادُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مِنْ نِهَايَةِ الْمُقَاطَعَةِ وَالتَّدَابُرِ وَهَذَا غَايَةُ مَا يَوَدُّهُ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ وَيَدْعُو عَلَيْهِ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ لِأَنَّ القاتل يقطعه

عَنْ مَنَافِعِ الدُّنْيَا وَهَذَا يَقْطَعُهُ عَنْ نَعِيمِ الْآخِرَةِ وَرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ مَعْنَى لَعْنَ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ فِي الْإِثْمِ وَهَذَا أَظْهَرُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ فَمَعْنَاهُ لَا يَشْفَعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُشَفَّعُ الْمُؤْمِنُونَ فِي إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ وَلَا شُهَدَاءَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا وَأَشْهَرُهَا لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الْأُمَمِ بِتَبْلِيغِ رُسُلِهِمْ إِلَيْهِمُ الرِّسَالَاتِ وَالثَّانِي لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ فِي الدُّنْيَا أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهِمْ لِفِسْقِهِمْ وَالثَّالِثُ لَا يُرْزَقُونَ الشَّهَادَةَ وَهِيَ الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْبَغِي لصديق أن يكون لعانا ولا يكون اللعانون شُفَعَاءَ بِصِيغَةِ التَّكْثِيرِ وَلَمْ يَقُلْ لَاعِنًا وَاللَّاعِنُونَ لِأَنَّ هَذَا الذَّمَّ فِي الْحَدِيثِ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ كَثُرَ مِنْهُ اللَّعْنُ لَا لِمَرَّةٍ وَنَحْوِهَا وَلِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ أَيْضًا اللَّعْنُ الْمُبَاحُ وَهُوَ الَّذِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَهُوَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَشَارِبَ الْخَمْرِ وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَالْمُصَوِّرِينَ وَمَنِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَتَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ وَغَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ وَغَيْرَهُمْ مِمَّنْ هُوَ مَشْهُورٌ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَوْلُهُ [2598] (بَعَثَ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءَ بِأَنْجَادٍ مِنْ عِنْدِهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبَعْدَهَا نُونٌ ثُمَّ جِيمٌ وَهُوَ جَمْعُ نَجَدٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْجِيمِ وهومتاع الْبَيْتِ الَّذِي يُزَيِّنُهُ مِنْ فُرُشٍ وَنَمَارِقَ وَسُتُورٍ وَقَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ بِإِسْكَانِ الْجِيمِ قَالَ وَجَمْعُهُ نُجُودٌ

باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو

حَكَاهُ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ فَهُمَا لُغَتَانِ وَوَقَعَ في رواية بن ماهان بخادم بالخاء المعجمة والمشهور الاول (باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه) أو ليس هو اهلا لذلك كان له زكاة واجرا ورحمة قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2600] [2602] 0اللَّهُمَّ إِنَّمَا أنا بشر فأي المسلمين لعنته أوسببته فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا) وَفِي [2601] رِوَايَةٍ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً وَفِي [2601] [2602] رِوَايَةٍ فأي المؤمنين آذيته شتمته لعنته جلدته

فاجعلها لَهُ صَلَاةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ وَإِنِّي قَدِ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً وَقُرْبَةً وَفِي رِوَايَةٍ [2603] إِنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي فَقُلْتُ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ تَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُبَيِّنَةٌ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَى أُمَّتِهِ وَالِاعْتِنَاءِ بِمَصَالِحِهِمْ وَالِاحْتِيَاطِ لَهُمْ وَالرَّغْبَةِ فِي كُلِّ مَا يَنْفَعُهُمْ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ آخِرًا تُبَيِّنُ المراد بباقي الروايات الطلقة وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ دُعَاؤُهُ عَلَيْهِ رَحْمَةً وَكَفَّارَةً وزكاة ونحو

ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِ والسب واللعن ونحوه وكان مسلما والافقد دَعَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ رَحْمَةً فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَدْعُو عَلَى مَنْ لَيْسَ هُوَ بأهل للدعاء عَلَيْهِ أَوْ يَسُبُّهُ أَوْ يَلْعَنُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاءُ وَمُخْتَصَرُهُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي بَاطِنِ الْأَمْرِ وَلَكِنَّهُ فِي الظَّاهِرِ مُسْتَوْجِبٌ لَهُ فَيَظْهَرُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِحْقَاقَهُ لِذَلِكَ بِأَمَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَيَكُونُ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْمُورٌ بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ وَالثَّانِي أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ سَبِّهِ وَدُعَائِهِ وَنَحْوِهِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بَلْ هُوَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ فِي وَصْلِ كَلَامِهَا بِلَا نِيَّةٍ كَقَوْلِهِ تَرِبَتْ يَمِينُكَ وعَقْرَى حَلْقَى وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا كَبِرَتْ سِنُّكِ وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بطنه ونحو ذلك لا يقصدون بشئ مِنْ ذَلِكَ حَقِيقَةَ الدُّعَاءِ فَخَافَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أن يصادف شئ مِنْ ذَلِكَ إِجَابَةً فَسَأَلَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَرَغِبَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ رَحْمَةً وَكَفَّارَةً وَقُرْبَةً وَطَهُورًا وَأَجْرًا وَإِنَّمَا كَانَ يَقَعُ هَذَا مِنْهُ فِي النَّادِرِ وَالشَّاذِّ مِنَ الْأَزْمَانِ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا لَعَّانًا وَلَا مُنْتَقِمًا لِنَفْسِهِ وَقَدْ سَبَقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ قَالُوا ادْعُ عَلَى دَوْسٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي

فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ) فَقَدْ يُقَالُ ظَاهِرُهُ أَنَّ السَّبَّ وَنَحْوَهُ كان بسبب الغضب وجوابه ماذكره الْمَازِرِيُّ قَالَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَيَّ دُعَاءِهُ وَسَبِّهُ وَجَلْدِهُ كَانَ مِمَّا يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ وَالثَّانِي زَجْرُهُ بِأَمْرٍ آخَرَ فَحَمَلَهُ الْغَضَبُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْمُتَخَيَّرِ فيهما وهوسبه أَوْ لَعْنُهُ وَجَلْدُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَلَيْسَ ذَلِكَ خَارِجًا عَنْ حُكْمِ الشَّرْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَعْنَى اجْعَلْهَا لَهُ صَلَاةً أَيْ رَحْمَةً كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَالصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى الرَّحْمَةُ قَوْلُهُ جَلَدَّهُ قَالَ وَهِيَ لُغَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا هِيَ جَلَدْتُهُ مَعْنَاهُ أَنَّ لُغَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ لِعَامَّةِ الْعَرَبِ جَلَدْتُهُ بِالتَّاءِ وَلُغَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ جَلَدّهُ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ عَلَى إِدْغَامِ الْمِثْلَيْنِ وَهُوَ جَائِزٌ قَوْلُهُ (سَالَمٍ مَوْلَى النَّصْرِيِّيْنِ) بِالنُّونِ وَالصَّادِ

الْمُهْمَلَةِ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٌ قَوْلُهُ [2603] (حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بن عمار قال حدثنا إسحاق بن أَبِي طَلْحَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ نَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ قَوْلُهُ (كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ يَتِيمَةٌ وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ) فَقَوْلُهُ وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ يَعْنِي أُمُّ سُلَيْمٍ هِيَ أُمُّ أَنَسٍ قَوْلُهُ فَقَالَ لِلْيَتِيمَةِ أَنْتِ هِيَهْ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وهي هاء السكت قولها (لا يكبرسني أَوْ قَالَتْ قَرْنِي) بِفَتْحِ الْقَافِ وَهُوَ نَظِيرُهَا فِي الْعُمْرِ قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ لَا يَطُولُ عُمْرُهَا لِأَنَّهُ إِذَا طَالَ عُمْرُهُ طَالَ عُمْرُ قرنه وهذا الذي قاله فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ طُولِ عُمْرِ أَحَدِ الْقَرْنَيْنِ طُولُ عُمْرِ الْآخَرِ فَقَدْ يكون سنهما واحد وَيَمُوتُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم لها لاكبر سِنُّكِ فَلَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الدُّعَاءِ بَلْ هو

جَارٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَلْفَاظِ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ تَلُوثُ خِمَارَهَا) هُوَ بِالْمُثَلَّثَةِ فِي آخِرِهِ أَيْ تُدِيرُهُ عَلَى رَأْسِهَا قَوْلُهُ (عَنْ ابي حمزة القصاب عن بن عَبَّاسٍ) أَبُو حَمْزَةَ هَذَا بِالْحَاءِ وَالزَّايِ اسْمُهُ عِمْرَانُ بْنُ أَبِي عَطَاءٍ الْأَسَدِيُّ الْوَاسِطِيُّ الْقَصَّابُ بياع القصب قالوا وليس له عن بن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير هذا الحديث وله عن بن عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ يَكْرَهُ مُشَارَكَةَ الْمُسْلِمِ الْيَهُودِيَّ وَكُلُّ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَبُو جَمْرَةَ عن بن عَبَّاسٍ فَهُوَ بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ وَهُوَ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ إِلَّا هَذَا الْقَصَّابُ فَلَهُ فِي مُسْلِمٍ هَذَا الْحَدِيثُ وَحْدَهُ لَا ذِكْرَ لَهُ في البخاري قوله [2604] (عن بن عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَارَيْتُ خَلْفَ بَابٍ فَجَاءَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً وَقَالَ اذْهَبِ ادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ) وَفَسَّرَ الرَّاوِي أَيْ قَفَدَنِي أَمَّا حَطَأَنِي فَبِحَاءٍ ثُمَّ طَاءٍ مُهْمَلَتَيْنِ وَبَعْدَهَا همزة

باب ذم ذي الوجهين وتحريم فعله

وقفدني بِقَافٍ ثُمَّ فَاءٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ وَقَوْلُهُ حَطْأَةً بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَهُوَ الضَّرْبُ بِالْيَدِ مَبْسُوطَةٍ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ وَإِنَّمَا فَعَلَ هَذَا بِابْنِ عَبَّاسٍ مُلَاطَفَةً وَتَأْنِيسًا وَأَمَّا دُعَاؤُهُ عَلَى مُعَاوِيَةَ أَنْ لَا يَشْبَعَ حِينَ تَأَخَّرَ فَفِيهِ الْجَوَابَانِ السَّابِقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَرَى عَلَى اللِّسَانِ بِلَا قَصْدٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ عُقُوبَةٌ لَهُ لِتَأَخُّرِهِ وَقَدْ فَهِمَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِ فَلِهَذَا أَدْخَلَهُ فِي هَذَا الباب وجعله غيره من مناقب معاويةلانه فِي الْحَقِيقَةِ يَصِيرُ دُعَاءً لَهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ تَرْكِ الصِّبْيَانَ يَلْعَبُونَ بِمَا لَيْسَ بِحَرَامٍ وَفِيهِ اعْتِمَادُ الصَّبِيِّ فِيمَا يُرْسِلُ فِيهِ مِنْ دُعَاءِ إِنْسَانٍ وَنَحْوِهِ مِنْ حَمْلِ هَدِيَّةٍ وَطَلَبِ حَاجَةٍ وَأَشْبَاهِهِ وَفِيهِ جَوَازُ إِرْسَالِ صَبِيِّ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا وَلَا يُقَالُ هَذَا تَصَرُّفٌ فِي مَنْفَعَةِ الصَّبِيِّ لِأَنَّ هَذَا قَدْرٌ يَسِيرٌ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالْمُسَامَحَةِ بِهِ لِلْحَاجَةِ وَاطَّرَدَ بِهِ الْعُرْفُ وَعَمَلُ الْمُسْلِمِينَ والله اعلم (باب ذم ذي الوجهين وتحريم فعله) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2556] (إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ وَالْمُرَادُ مَنْ يَأْتِي كُلَّ طَائِفَةٍ وَيُظْهِرُ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَمُخَالِفٌ لِلْآخَرِينَ مُبْغِضٌ فَإِنْ أَتَى كُلَّ طائفة بالاصلاح ونحوه فمحمود

(باب تحريم الكذب وبيان ما يباح منه قوله صلى الله

(باب تحريم الكذب وبيان ما يباح منه قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2605] (لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا أَوْ يُنْمِي خَيْرًا) هَذَا الْحَدِيثُ مُبَيِّنٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَمَعْنَاهُ لَيْسَ الْكَذَّابُ الْمَذْمُومُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ بَلْ هَذَا مُحْسِنٌ قوله (قال بن شهاب ولم أسمع يرخص في شئ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ)

الْحَرْبُ وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا) قَالَ الْقَاضِي لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْكَذِبِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَاخْتَلَفُوا في المراد بالكذب المباح فيها ماهو فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ عَلَى إِطْلَاقِهِ وَأَجَازُوا قَوْلَ مَا لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِلْمَصْلَحَةِ وَقَالُوا الْكَذِبُ الْمَذْمُومُ مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ فعله كبيرهم وإني سقيم وَقَوْلُهُ إِنَّهَا أُخْتِي وَقَوْلُ مُنَادِي يُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ قَالُوا وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ ظَالِمٌ قَتْلَ رَجُلٍ هُوَ عِنْدَهُ مُخْتَفٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْكَذِبُ فِي أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَيْنَ هُوَ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمُ الطَّبَرِيُّ لَا يَجُوزُ الْكَذِبُ في شئ أَصْلًا قَالُوا وَمَا جَاءَ مِنَ الْإِبَاحَةِ فِي هَذَا الْمُرَادُ بِهِ التَّوْرِيَةُ وَاسْتِعْمَالُ الْمَعَارِيضِ لَا صَرِيحُ الْكَذِبِ مِثْلَ أَنْ يَعِدَ زَوْجَتَهُ أَنْ يُحْسِنَ إِلَيْهَا وَيَكْسُوَهَا كَذَا وَيَنْوِي إِنْ قَدَّرَ اللَّهُ ذَلِكَ وَحَاصِلُهُ أَنْ يَأْتِي بِكَلِمَاتٍ مُحْتَمَلَةٍ يَفْهَمُ الْمُخَاطَبُ مِنْهَا مَا يُطَيِّبُ قَلْبَهُ وَإِذَا سَعَى فِي الْإِصْلَاحِ نَقَلَ عَنْ هَؤُلَاءِ إِلَى هَؤُلَاءِ كَلَامًا جَمِيلًا وَمِنْ هَؤُلَاءِ إِلَى هَؤُلَاءِ كَذَلِكَ وَوَرَّى وَكَذَا فِي الْحَرْبِ بِأَنْ يَقُولَ لِعَدُوِّهِ مَاتَ إِمَامُكُمُ الْأَعْظَمُ وَيَنْوِي إِمَامَهُمْ فِي الْأَزْمَانِ الْمَاضِيَةِ أَوْ غَدًا يَأْتِينَا مَدَدٌ أَيْ طَعَامٌ وَنَحْوُهُ هَذَا مِنَ الْمَعَارِيضِ الْمُبَاحَةِ فَكُلُّ هذا جائز وتأولوا قصة ابراهيم ويوسف وماجاء مِنْ هَذَا عَلَى الْمَعَارِيضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا كَذِبُهُ لِزَوْجَتِهِ وَكَذِبُهَا لَهُ فَالْمُرَادُ بِهِ فِي إِظْهَارِ الْوُدِّ وَالْوَعْدِ بِمَا لَا يَلْزَمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَأَمَّا الْمُخَادَعَةُ فِي مَنْعِ مَا عَلَيْهِ أو عليها أو أخذ ماليس لَهُ أَوْ لَهَا فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ والله اعلم

(باب تحريم النميمة)

(بَاب تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ) وَهِيَ نَقْلُ كَلَامِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ عَلَى جِهَةِ الْإِفْسَادِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2606] (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ هِيَ النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ) هَذِهِ اللَّفْظَةُ رَوَوْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعِضَهُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى وَزْنِ الْعِدَةِ وَالزِّنَةِ وَالثَّانِي الْعَضْهُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الضَّادِ عَلَى وَزْنِ الْوَجْهِ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَشْهَرُ فِي رِوَايَاتِ بِلَادِنَا وَالْأَشْهَرُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَكُتُبِ غَرِيبِهِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَنَّهُ رِوَايَةُ أَكْثَرِ شُيُوخِهِمْ وَتَقْدِيرُ الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَلَا أُنَبِّئكُمْ مَا الْعَضْهُ الْفَاحِشُ الْغَلِيظُ التَّحْرِيمُ

(باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله)

(بَاب قُبْحِ الْكَذِبِ وَحُسْنِ الصِّدْقِ وَفَضْلِهِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2607] (إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ الْخَالِصِ مِنْ كُلِّ مَذْمُومٍ وَالْبِرُّ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ كُلِّهِ وَقِيلَ الْبِرُّ الْجَنَّةُ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ وَالْجَنَّةَ وَأَمَّا الْكَذِبُ فَيُوصِلُ إِلَى الْفُجُورِ وهوالميل عَنِ الِاسْتِقَامَةِ وَقِيلَ الِانْبِعَاثُ فِي الْمَعَاصِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) وَفِي رِوَايَةٍ لِيَتَحَرَّى الصِّدْقَ وَلِيَتَحَرَّى الْكَذِبَ وَفِي رِوَايَةٍ عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا فِيهِ حَثٌّ عَلَى تَحَرِّي الصِّدْقِ وَهُوَ قَصْدُهُ وَالِاعْتِنَاءِ بِهِ وَعَلَى التَّحْذِيرِ مِنَ الْكَذِبِ وَالتَّسَاهُلِ فِيهِ فَإِنَّهُ إِذَا تَسَاهَلَ فِيهِ كَثُرَ مِنْهُ فَعُرِفَ بِهِ وَكَتَبَهُ اللَّهُ لِمُبَالَغَتِهِ صِدِّيقًا إِنِ اعْتَادَهُ أَوْ كَذَّابًا إِنِ اعْتَادَهُ وَمَعْنَى يُكْتَبُ هُنَا يُحْكَمُ لَهُ بِذَلِكَ وَيَسْتَحِقُّ الْوَصْفَ بِمَنْزِلَةِ الصِّدِّيقِينَ وَثَوَابِهِمْ أَوْ صِفَةِ الْكَذَّابِينَ وَعِقَابِهِمْ وَالْمُرَادُ إِظْهَارُ ذَلِكَ لِلْمَخْلُوقِينَ إِمَّا بِأَنْ يَكْتُبَهُ فِي ذَلِكَ لِيَشْتَهِرَ بِحَظِّهِ مِنَ الصِّفَتَيْنِ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَإِمَّا بِأَنْ يُلْقِيَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ وَأَلْسِنَتِهِمْ كما يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ وَالْبَغْضَاءُ وَإِلَّا فَقَدَرُ اللَّهِ تعالى

باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وبأي شئ يذهب الغضب

وكتابه السابق قد سبق بِكُلِّ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ بِبِلَادِنَا وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَتْنِ الْحَدِيثِ إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ النُّسَخِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْحُمَيْدِيُّ وَنَقَلَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ عن كتاب مسلم في حديث بن مثنى وبن بَشَّارٍ زِيَادَةً وَإِنَّ شَرَّ الرَّوَايَا رَوَايَا الْكَذِبِ وإن الكذب لا يصلح منه جدولا هَزْلٌ وَلَا يَعِدِ الرَّجُلُ صَبِيَّهُ ثُمَّ يُخْلِفْهُ وَذَكَرَ أَبُو مَسْعُودٍ أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي كِتَابِهِ وَذَكَرَهَا أَيْضًا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ وَلَيْسَتْ عِنْدَنَا فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي الرَّوَايَا هُنَا جَمْعُ رَوِيَّةٍ وَهِيَ مَا يَتَرَوَّى فِيهِ الانسان ويستعد به أَمَامَ عَمَلِهِ وَقَوْلُهُ قَالَ وَقِيلَ جَمْعُ رَاوِيَةٍ أي حامل وناقل له والله اعلم (باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وبأي شئ يذهب الغضب) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2608] (مَا تَعُدُّونَ الرَّقُوبُ فِيكُمْ قَالَ قُلْنَا الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ بِالرَّقُوبِ وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ وَلَدِهِ شَيْئًا قَالَ فَمَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ قُلْنَا الَّذِي لَا يصرعه

الرِّجَالُ قَالَ لَيْسَ بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ) أَمَّا الرَّقُوبُ فَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ وَالصُّرَعَةُ بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَأَصْلُهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الَّذِي يَصْرَعُ النَّاسَ كَثِيرًا وَأَصْلُ الرَّقُوبِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الَّذِي لَا يَعِيشُ لَهُ وَلَدٌ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّكُمْ تَعْتَقِدُونَ أَنَّ الرَّقُوبَ الْمَحْزُونَ هُوَ الْمُصَابُ بِمَوْتِ أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ شَرْعًا بَلْ هُوَ مَنْ لَمْ يَمُتْ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِهِ فِي حَيَاتِهِ فَيَحْتَسِبُهُ يُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُ مُصِيبَتِهِ بِهِ وَثَوَابُ صَبْرِهِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ لَهُ فَرَطًا وَسَلَفًا وَكَذَلِكَ تَعْتَقِدُونَ أَنَّ الصُّرَعَةَ الْمَمْدُوحُ الْقَوِيُّ الْفَاضِلُ هُوَ الْقَوِيُّ الَّذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ بَلْ يَصْرَعُهُمْ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ شَرْعًا بَلْ هُوَ مَنْ يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ فَهَذَا هُوَ الْفَاضِلُ الْمَمْدُوحُ الَّذِي قَلَّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّقِ بِخُلُقِهِ وَمُشَارَكَتِهِ فِي فَضِيلَتِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ مَوْتِ الْأَوْلَادِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِمْ وَيَتَضَمَّنُ الدَّلَالَةَ لِمَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ بِتَفْضِيلِ التَّزَوُّجِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي النِّكَاحِ وَفِيهِ كَظْمُ الْغَيْظِ وَإِمْسَاكُ النَّفْسِ عِنْدَ الْغَضَبِ

عَنِ الِانْتِصَارِ وَالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُنَازَعَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي اشْتَدَّ غَضَبُهُ [2610] (إِنِّي لَأَعْرِفُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) فِيهِ أَنَّ الْغَضَبَ فِي غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ نَزْغِ الشَّيْطَانِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْغَضَبِ أَنْ يَسْتَعِيذَ فَيَقُولَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَأَنَّهُ سَبَبٌ لِزَوَالِ الْغَضَبِ وَأَمَّا قَوْلُ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي اشْتَدَّ غَضَبُهُ هَلْ تَرَى بِي مِنْ جُنُونٍ فَهُوَ كَلَامُ مَنْ لَمْ يُفَقَّهْ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَتَهَذَّبْ بِأَنْوَارِ الشَّرِيعَةِ الْمُكَرَّمَةِ وَتَوَهَّمَ أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْمَجْنُونِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْغَضَبَ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ وَلِهَذَا يَخْرُجُ بِهِ الْإِنْسَانُ عَنِ اعْتِدَالِ حَالِهِ وَيَتَكَلَّمُ بِالْبَاطِلِ وَيَفْعَلُ الْمَذْمُومَ وَيَنْوِي الْحِقْدَ وَالْبُغْضَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْقَبَائِحِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْغَضَبِ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قال له أوصني لَا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ لَا تَغْضَبْ فَلَمْ يَزِدْهُ فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى لَا تَغْضَبْ مَعَ تَكْرَارِهِ الطَّلَبَ وَهَذَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ فِي عِظَمِ مَفْسَدَةِ الْغَضَبِ وَمَا يَنْشَأُ مِنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ هَلْ تَرَى بِي مِنْ جُنُونٍ كَانَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ أَوْ مِنْ جُفَاةِ الاعراب والله اعلم

باب خلق الانسان خلقا لا يتمالك

(باب خلق الانسان خلقا لا يتمالك) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2611] (يُطِيفُ بِهِ) قال اهل اللغة طاف بالشئ يَطُوفُ طَوْفًا وَطَوَافًا وَأَطَافَ يُطِيفُ إِذَا اسْتَدَارَ حَوَالَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ) عَلِمَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لَا يَتَمَالَكُ الْأَجْوَفُ صَاحِبُ الْجَوْفِ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي دَاخِلُهُ خَالٍ وَمَعْنَى لَا يَتَمَالَكُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَيَحْبِسُهَا عَنِ الشَّهَوَاتِ وَقِيلَ لَا يَمْلِكُ دَفْعَ الْوَسْوَاسِ عَنْهُ وَقِيلَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَالْمُرَادُ جِنْسُ بَنِي آدَمَ

(باب النهي عن ضرب الوجه)

(بَاب النَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2612] (إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ) وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَلْطِمَنَّ الْوَجْهَ وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا تَصْرِيحٌ بِالنَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ لِأَنَّهُ لَطِيفٌ يَجْمَعُ الْمَحَاسِنَ وَأَعْضَاؤُهُ نَفِيسَةٌ لَطِيفَةٌ وَأَكْثَرُ الْإِدْرَاكِ بِهَا فَقَدْ يُبْطِلُهَا ضَرْبُ الْوَجْهِ وَقَدْ يَنْقُصُهَا وقد يشوه الوجه والشين فيه فاحش لانه بَارِزٌ ظَاهِرٌ لَا يُمْكِنُ سَتْرُهُ وَمَتَى ضَرَبَهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ شَيْنٍ غَالِبًا وَيَدْخُلُ فِي النَّهْيِ إِذَا ضَرَبَ زَوْجَتَهُ أَوْ وَلَدَهُ أَوْ عبده ضرب تأديب فليجتنب الوجه وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ) فَهُوَ مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بَيَانُ حُكْمِهَا وَاضِحًا وَمَبْسُوطًا وَأَنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُمْسِكُ عَنْ تَأْوِيلِهَا وَيَقُولُ نُؤْمِنُ بِأَنَّهَا حَقٌّ وَأَنَّ ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادٍ وَلَهَا مَعْنًى يَلِيقُ بِهَا وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَهُوَ أَحْوَطُ وَأَسْلَمُ وَالثَّانِي أَنَّهَا تُتَأَوَّلُ عَلَى حَسَبِ مَا يَلِيقُ بِتَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ ليس كمثله شئ قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ ثَابِتٌ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَكَأَنَّ مَنْ نَقَلَهُ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي وَقَعَ لَهُ وَغَلِطَ فِي ذَلِكَ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَقَدْ غلط بن قُتَيْبَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَأَجْرَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وقال لِلَّهِ تَعَالَى صُورَةٌ لَا كَالصُّوَرِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ظَاهِرُ الْفَسَادِ لِأَنَّ الصُّورَةَ تُفِيدُ التَّرْكِيبَ وكل مركب محدث والله تعالى ليس بمحدث فليس هُوَ مُرَكَّبًا فَلَيْسَ مُصَوَّرًا قَالَ وَهَذَا كَقَوْلِ الْمُجَسِّمَةِ جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ لَمَّا رَأَوْا أَهْلَ السنة يقولون الباري سبحانه وتعالى شئ لَا كَالْأَشْيَاءِ طَرَدُوا الِاسْتِعْمَالَ فَقَالُوا جِسْمٌ لَا كالاجسام والفرق أن لفظ شئ لَا يُفِيدُ الْحُدُوثَ وَلَا يَتَضَمَّنُ مَا يَقْتَضِيهِ وَأَمَّا جِسْمٌ وَصُورَةٌ فَيَتَضَمَّنَانِ التَّأْلِيفَ وَالتَّرْكِيبَ وَذَلِكَ دليل الحدوث قال العجب من بن قُتَيْبَةَ فِي قَوْلِهِ صُورَةٌ لَا كَالصُّوَرِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ عَلَى رَأْيهِ يَقْتَضِي خَلْقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ فَالصُّورَتَانِ عَلَى رَأْيهِ سَوَاءٌ فَإِذَا قَالَ لَا كَالصُّوَرِ تَنَاقَضَ قَوْلُهُ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا إِنْ أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ صُورَةٌ لَا كَالصُّوَرِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤَلَّفٍ وَلَا مُرَكَّبٍ فَلَيْسَ بصورة حقيقة وَلَيْسَتِ اللَّفْظَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُوَافِقًا عَلَى افْتِقَارِهِ إِلَى التَّأْوِيلِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ الضَّمِيرُ فِي صُورَتِهِ عَائِدٌ عَلَى الْأَخِ الْمَضْرُوبِ وَهَذَا ظَاهِرُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَعُودُ إِلَى آدَمَ وَفِيهِ ضَعْفٌ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَعُودُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَكُونُ الْمُرَادُ إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ وَاخْتِصَاصٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى نَاقَةَ الله وَكَمَا يُقَالُ فِي الْكَعْبَةِ بَيْتُ اللَّهِ وَنَظَائِرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَالِكٍ الْمَرَاغِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) الْمَرَاغِيِّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْمَرَاغَةِ بَطْنٍ مِنَ الْأَزْدِ

(باب الوعيد الشديد لمن عذب الناس بغير حق)

لَا إِلَى الْبَلَدِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْمَرَاغَةِ مِنْ بِلَادِ الْعَجَمِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ ضَبْطِهِ وَأَنَّهُ مُنْتَسِبٌ إِلَى بَطْنٍ مِنَ الْأَزْدِ هُوَ الصَّحِيحُ المشهور ولم يذكر الجمهور غيره وذكر بن جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى مَوْضِعٍ بِنَاحِيَةِ عُمَانَ وَذَكَرَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيُّ أَنَّهُ الْمُرَاغِيُّ بِضَمِّ الْمِيمِ وَلَعَلَّهُ تَصْحِيفٌ مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَشْهُورُ الْفَتْحُ وَهُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ الْجَيَّانِيُّ وَالْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ وَالسَّمْعَانِيُّ فِي الْأَنْسَابِ وَخَلَائِقُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَةِ وَكُتُبِ الْحَدِيثِ قَالَ السَّمْعَانِيُّ وَقِيلَ إِنَّهُ بِكَسْرِ الْمِيمِ قَالَ وَالْمَشْهُورُ الْفَتْحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ لِمَنْ عَذَّبَ النَّاسَ بِغَيْرِ حَقٍّ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2613] (إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّعْذِيبِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ التَّعْذِيبُ بِحَقٍّ كَالْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَوْلُهُ (أُنَاسٍ مِنَ الْأَنْبَاطِ) هُمْ فَلَّاحُو الْعَجَمِ قَوْلُهُ (وَأَمِيرُهُمْ يَوْمئِذٍ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ) هَكَذَا هُوَ في معظم النسخ

عمير بالتصغير بن سَعْدٍ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ وَفِي بَعْضِهَا عُمَيْرُ بْنُ سَعِيدٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَزِيَادَةِ يَاءٍ قَالَ الْقَاضِي الْأَوَّلُ هُوَ الْمَوْجُودُ لِأَكْثَرِ شُيُوخِنَا وَفِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَأَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْأَنْصَارِيُّ الْأَوْسِيُّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَلَّاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِمْصَ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ يُسَبِّحُ وَجَدُّهُ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ أَحَدُ الَّذِينَ جَمَعُوا الْقُرْآنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ أَمِيرُهُمْ عَلَى فِلَسْطِينَ) هِيَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَهِيَ بِلَادُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا حَوْلَهَا قَوْلُهُ (فَأَمَرَ بِهِمْ فَخُلُّوا) ضَبَطُوهُ بالخاء المعجمة والمهملة والمعجمة أشهر وأحسن

باب أمر من مر بسلاح في مسجد أو سوق أو غيرهما

(باب أمر من مر بسلاح في مسجد أو سوق أو غيرهما) من المواضع الجامعة للناس أن يمسك بنصالها قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2614] [2615] (لِلَّذِي يَمُرُّ بِالنَّبْلِ فِي الْمَسْجِدِ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا لِئَلَّا يُصِيبَ بِهَا أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فِيهِ هَذَا الْأَدَبُ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ بِنِصَالِهَا عِنْدَ إِرَادَةِ الْمُرُورِ بَيْنَ النَّاسِ فِي مَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَالنُّصُولُ وَالنِّصَالُ جَمْعُ نَصْلٍ وَهُوَ حَدِيدَةُ السَّهْمِ وَفِيهِ اجْتِنَابُ كُلِّ مَا يُخَافُ مِنْهُ ضَرَرٌ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي مُوسَى سَدَّدْنَاهَا بَعْضُنَا فِي وُجُوهِ بَعْضٍ أَيْ قَوَّمْنَاهَا إِلَى وُجُوهِهِمْ وَهُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ السَّدَادِ وَهُوَ الْقَصْدُ والاستقامة (باب النهي عن الاشارة بالسلاح إلى مسلم) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2616] (مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ

لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ) فِيهِ تَأْكِيدُ حُرْمَةِ الْمُسْلِمِ وَالنَّهْيُ الشَّدِيدُ عَنْ تَرْوِيعِهِ وَتَخْوِيفِهِ وَالتَّعَرُّضِ لَهُ بِمَا قَدْ يُؤْذِيهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ مُبَالَغَةٌ فِي إِيضَاحِ عُمُومِ النَّهْيِ فِي كُلِّ أَحَدٍ سَوَاءٌ مَنْ يُتَّهَمُ فِيهِ وَمَنْ لَا يُتَّهَمُ وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا هَزْلًا وَلَعِبًا أَمْ لَا لِأَنَّ تَرْوِيعَ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْبِقُهُ السِّلَاحُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَلَعْنُ الْمَلَائِكَةِ لَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَرَامٌ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَ هَكَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَفِيهِ مَحْذُوفٌ وَتَقْدِيرُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2617] (لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشيطان ينزع في يده) هكذا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ لَا يُشِيرُ بِالْيَاءِ بَعْدَ الشِّينِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ نَهْيٌ بِلَفْظِ الخبر كقوله تعالى لا تضار والدة وَقَدْ قَدَّمْنَا مَرَّاتٍ أَنَّ هَذَا أَبْلَغُ مِنْ لفظ النهي ولعل الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ ضَبَطْنَاهُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ

(باب فضل إزالة الأذى عن الطريق)

رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا وَمَعْنَاهُ يَرْمِي فِي يَدِهِ وَيُحَقِّقُ ضَرْبَتَهُ وَرَمْيَتَهُ وَرُوِيَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْإِغْرَاءِ أَيْ يَحْمِلُ عَلَى تَحْقِيقِ الضَّرْبِ بِهِ وَيُزَيَّنُ ذَلِكَ (بَاب فَضْلِ إِزَالَةِ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ) هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ ظَاهِرَةٌ فِي فَضْلِ إِزَالَةِ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَذَى شَجَرَةً [2617] تُؤْذِي أَوْ غُصْنَ شَوْكٍ أَوْ حَجَرًا يُعْثَرُ بِهِ أَوْ قَذَرًا أَوْ جِيفَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ وَإِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطريق من شعب الايمان كماسبق فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَفِيهِ التَّنْبِيهُ عَلَى فَضِيلَةِ كُلِّ مَا نَفَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَزَالَ عَنْهُمْ ضَرَرًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ) أَيْ يَتَنَعَّمُ فِي الْجَنَّةِ بِمَلَاذِهَا بِسَبَبِ قَطْعِهِ الشَّجَرَةَ قَوْلُهُ [2618] (عَنْ أَبَانِ بْنِ صَمْعَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الْوَازِعِ) أَمَّا أَبَانٌ فَقَدْ سَبَقَ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ أَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ وَتَرْكُهُ وَالصَّرْفُ أَجْوَدُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَصَمْعَةُ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ قِيلَ إِنَّ أَبَانًا هَذَا هو والد عتبة الغلام الزاهد المشهور وابو الْوَازِعِ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ اسْمُهُ جَابِرُ بْنُ عَمْرٍو الرَّاسِبِيُّ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ

(باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها من الحيوان الذي لا

مُوَحَّدَةٌ وَهِيَ نِسْبَةٌ إِلَى بَنِي رَاسِبٍ قَبِيلَةٍ مَعْرُوفَةٍ نَزَلَتِ الْبَصْرَةَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمِرَّ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ عَامَّةِ الرُّوَاةِ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ أَزِلْهُ وَفِي بَعْضِهَا وَأَمِزِ بِزَايٍ مُخَفَّفَةٍ وَهِيَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ (بَاب تَحْرِيمِ تَعْذِيبِ الْهِرَّةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يُؤْذِي) [2242] فِيهِ حَدِيثُ الْمَرْأَةِ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ قَتْلِ الْحَيَّاتِ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّ خَشَاشَ الْأَرْضِ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا أَيْ هَوَامَّهَا وَحَشَرَاتِهَا وَرُوِيَ عَلَى غَيْرِ هَذَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ

(باب تحريم الكبر قوله صلى الله عليه وسلم [2620] (العز

وَمَعْنَى عُذِّبَتْ فِي هِرَّةٍ أَيْ بِسَبَبِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2619] (مِنْ جَرَّاءِ هِرَّةٍ) أَيْ مِنْ أَجْلِهَا يُمَدُّ وَيُقْصَرُ يُقَالُ مِنْ جَرَّائِكَ وَمِنْ جَرَّاكَ وَجَرِيرِكَ وَأَجْلِكَ بِمَعْنًى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تُرَمْرِمُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ تُرَمْرِمُ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الثَّانِيَةِ وَفِي بَعْضِهَا تُرَمِّمُ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَرَاءٍ وَاحِدَةٍ وَفِي بَعْضِهَا تَرَمَّمُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْمِيمِ أَيْ تَتَنَاوَلُ ذَلِكَ بِشَفَتَيْهَا (بَاب تَحْرِيمِ الْكِبْرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2620] (الْعِزُّ إِزَارُهُ وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فَالضَّمِيرُ فِي إِزَارُهُ وَرِدَاؤُهُ يَعُودُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِلْعِلْمِ بِهِ وَفِيهِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ يُنَازِعُنِي ذَلِكَ أُعَذِّبُهُ وَمَعْنَى يُنَازِعُنِي يَتَخَلَّقُ بِذَلِكَ فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى الْمُشَارِكِ وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ فِي الْكِبْرِ مُصَرِّحٌ بِتَحْرِيمِهِ وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ إِزَارًا وَرِدَاءً فَمَجَازٌ وَاسْتِعَارَةٌ حَسَنَةٌ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ فُلَانٌ شعاره)

(باب النهي عن تقنيط الإنسان من رحمه الله تعالى)

الزُّهْدُ وَدِثَارُهُ التَّقْوَى لَا يُرِيدُونَ الثَّوْبَ الَّذِي هُوَ شِعَارٌ أَوْ دِثَارٌ بَلْ مَعْنَاهُ صِفَتُهُ كَذَا قَالَ الْمَازِرِيُّ وَمَعْنَى الِاسْتِعَارَةِ هُنَا أَنَّ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ يُلْصَقَانِ بِالْإِنْسَانِ وَيَلْزَمَانِهِ وَهُمَا جَمَالٌ لَهُ قَالَ فَضَرَبَ ذَلِكَ مَثَلًا لِكَوْنِ الْعِزِّ وَالْكِبْرِيَاءِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَحَقَّ وَلَهُ أَلْزَمَ وَاقْتَضَاهُمَا جَلَالُهُ وَمِنْ مَشْهُورِ كَلَامِ الْعَرَبِ فُلَانٌ وَاسِعُ الرِّدَاءِ وَغَمِرُ الرِّدَاءِ أَيْ وَاسِعُ الْعَطِيَّةِ (بَاب النَّهْيِ عَنْ تَقْنِيطِ الْإِنْسَانِ مِنْ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2621] (أَنَّ رَجُلًا قَالَ وَاَللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ مَنْ ذَا الَّذِي يتألى على ان لا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ) مَعْنَى يَتَأَلَّى يَحْلِفُ وَالْأَلْيَةُ الْيَمِينُ وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي غُفْرَانِ الذُّنُوبِ بِلَا تَوْبَةٍ إِذَا شَاءَ اللَّهُ غُفْرَانَهَا وَاحْتَجَّتِ الْمُعْتَزِلَةُ بِهِ فِي إِحْبَاطِ الْأَعْمَالِ بِالْمَعَاصِي الْكَبَائِرِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهَا لَا تُحْبَطُ إِلَّا بِالْكُفْرِ وَيُتَأَوَّلُ حُبُوطُ عَمَلِ هَذَا عَلَى أَنَّهُ أُسْقِطَتْ حَسَنَاتُهُ فِي مُقَابَلَةِ سَيِّئَاتِهِ وَسُمِّيَ إِحْبَاطًا مَجَازًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَرَى مِنْهُ أَمْرٌ آخَرُ أَوْجَبَ الْكُفْرَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا وَكَانَ هَذَا حُكْمَهُمْ (بَاب فَضْلِ الضُّعَفَاءِ وَالْخَامِلِينَ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2622] (رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ) الْأَشْعَثُ الْمُلَبَّدُ الشَّعْرِ الْمُغَبَّرُ غير مدهون ولا مرجل) ومدفوع بِالْأَبْوَابِ أَيْ لَا قَدْرَ لَهُ عِنْدَ النَّاسِ فهم يدفعونه

(باب النهي عن قول هلك الناس)

عَنْ أَبْوَابِهِمْ وَيَطْرُدُونَهُ عَنْهُمْ احْتِقَارًا لَهُ لَوْ أقسم على الله لأبره أي لو حلف على وقوع شئ أَوْقَعَهُ اللَّهُ إِكْرَامًا لَهُ بِإِجَابَةِ سُؤَالِهِ وَصِيَانَتِهِ مِنَ الْحِنْثِ فِي يَمِينِهِ وَهَذَا لِعِظَمِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ حَقِيرًا عِنْدَ النَّاسِ وَقِيلَ مَعْنَى الْقَسَمِ هُنَا الدُّعَاءُ وَإِبْرَارُهُ إِجَابَتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب النَّهْيِ عَنْ قَوْلِ هَلَكَ النَّاسُ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2623] (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ) روي أهلكهم على وَجْهَيْنِ مَشْهُورَيْنِ رَفْعُ الْكَافِ وَفَتْحُهَا وَالرَّفْعُ أَشْهَرُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ رَوَيْنَاهَا فِي حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ فِي تَرْجَمَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فَهُوَ مِنْ أَهْلَكِهِمْ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ الرَّفْعُ أَشْهَرُ وَمَعْنَاهَا أَشَدُّهُمْ هَلَاكًا وَأَمَّا رِوَايَةُ الْفَتْحِ فَمَعْنَاهَا هُوَ جَعَلَهُمْ هَالِكِينَ لَا أَنَّهُمْ هَلَكُوا فِي الْحَقِيقَةِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذَا الذَّمَّ إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِزْرَاءِ عَلَى النَّاسِ وَاحْتِقَارِهِمْ وَتَفْضِيلِ نَفْسِهِ عَلَيْهِمْ وَتَقْبِيحِ أَحْوَالِهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ سِرَّ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ قَالُوا فَأَمَّا مَنْ قَالَ ذَلِكَ تَحَزُّنًا لِمَا يَرَى فِي نَفْسِهِ وَفِي النَّاسِ مِنَ النَّقْصِ فِي أَمْرِ الدِّينِ فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ لَا أَعْرِفُ مِنْ أُمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا هَكَذَا فَسَّرَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَتَابَعَهُ النَّاسُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ لا يزال الرجل يعيب الناس وتذكر مَسَاوِيَهُمْ وَيَقُولُ فَسَدَ النَّاسُ وَهَلَكُوا وَنَحْوَ ذَلِكَ فإذا فعل

(باب الوصية بالجار والإحسان إليه)

ذَلِكَ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ أَيْ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُمْ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنَ الْإِثْمِ فِي عَيْبِهِمْ وَالْوَقِيعَةِ فِيهِمْ وَرُبَّمَا أَدَّاهُ ذَلِكَ إِلَى الْعُجْبِ بِنَفْسِهِ وَرُؤْيَتِهِ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب الْوَصِيَّةِ بِالْجَارِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ) [2624] [2625] فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْوَصِيَّةُ بِالْجَارِ وَبَيَانُ عِظَمِ حَقِّهِ وَفَضِيلَةُ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَفِي الْحَدِيثِ (فَأَصِبْهُمْ مِنْهُ بِمَعْرُوفٍ) أَيْ أَعْطِهِمْ مِنْهُ شَيْئًا

(باب استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء)

(بَاب اسْتِحْبَابِ طَلَاقَةِ الْوَجْهِ عِنْدَ اللِّقَاءِ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2626] (وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ) رُوِيَ طَلْقٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أوجه اسكان اللام وكسرها وطليق بِزِيَادَةِ يَاءٍ وَمَعْنَاهُ سَهْلٌ مُنْبَسِطٌ فِيهِ الْحَثُّ عَلَى فَضْلِ الْمَعْرُوفِ وَمَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ حَتَّى طَلَاقَةُ الْوَجْهِ عِنْدَ اللِّقَاءِ (بَاب اسْتِحْبَابِ الشَّفَاعَةِ فِيمَا لَيْسَ بِحَرَامٍ) [2627] فِيهِ اسْتِحْبَابُ الشَّفَاعَةِ لِأَصْحَابِ الْحَوَائِجِ الْمُبَاحَةِ سَوَاءٌ كَانَتِ الشَّفَاعَةُ إِلَى سُلْطَانٍ وَوَالٍ وَنَحْوِهِمَا أَمْ إِلَى وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ وَسَوَاءٌ كَانَتِ الشَّفَاعَةُ إِلَى سُلْطَانٍ فِي كَفِّ ظُلْمٍ أَوْ إِسْقَاطِ تَعْزِيرٍ أَوْ في

(باب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السواء)

تخليص عطاء لمحتاج أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ فِي الْحُدُودِ فَحَرَامٌ وَكَذَا الشَّفَاعَةُ فِي تَتْمِيمِ بَاطِلٍ أَوْ إِبْطَالِ حَقٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهِيَ حَرَامٌ (بَاب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السواء) فِيهِ تَمْثِيلُهُ [2628] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَلِيسَ الصَّالِحَ بِحَامِلِ الْمِسْكِ وَالْجَلِيسَ السُّوءِ بِنَافِخِ الْكِيرِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ مُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الْخَيْرِ وَالْمُرُوءَةِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْوَرَعِ وَالْعِلْمِ وَالْأَدَبِ وَالنَّهْيُ عَنْ مُجَالَسَةِ أَهْلِ الشَّرِّ وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَمَنْ يَغْتَابُ النَّاسَ أَوْ يَكْثُرُ فُجْرُهُ وَبَطَالَتُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْأَنْوَاعِ الْمَذْمُومَةِ وَمَعْنَى (يُحْذِيَكَ) يُعْطِيكَ وَهُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالذَّالِ وَفِيهِ طَهَارَةُ الْمِسْكِ وَاسْتِحْبَابِهِ وَجَوَازُ بَيْعِهِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَمِيعِ هَذَا وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ وَنُقِلَ عَنِ الشِّيعَةِ نَجَاسَتُهُ وَالشِّيعَةُ لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ وَمِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى طَهَارَتِهِ الْإِجْمَاعُ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم واما أن يبتاع مِنْهُ وَالنَّجَسُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَعْمِلُهُ فِي بَدَنِهِ وَرَأْسِهِ وَيُصَلِّي بِهِ وَيُخْبِرُ أَنَّهُ أَطْيَبُ الطِّيبِ ولم يَزَلِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَجَوَازِ بَيْعِهِ قَالَ الْقَاضِي وَمَا رُوِيَ مِنْ كَرَاهَةِ الْعُمَرَيْنِ لَهُ فَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَجَاسَتِهِ وَلَا صَحَّتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُمَا بِالْكَرَاهَةِ بَلْ صَحَّتْ قِسْمَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْمِسْكَ عَلَى نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ والمعروف عن بن عُمَرَ اسْتِعْمَالُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(باب فضل الإحسان إلى البنات)

(بَاب فَضْلِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْبَنَاتِ) فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَضْلُ الْإِحْسَانِ إِلَى الْبَنَاتِ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِنَّ وَالصَّبْرُ عَلَيْهِنَّ وَعَلَى سَائِرِ أُمُورِهِنَّ قَوْلُهُ0ابْنُ بَهْرَامَ) هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2629] (مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْبَنَاتِ بشئ) إِنَّمَا سَمَّاهُ ابْتِلَاءً لِأَنَّ النَّاسَ يَكْرَهُونَهُنَّ فِي العادة قال اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وجهه مسودا وهو كظيم قَوْلُهُ [2630] (إِنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي زِيَادٍ مَوْلَى بن عَيَّاشٍ حَدَّثَهُ عَنْ عِرَاكٍ) هُوَ عَيَّاشٌ بِالْمُثَنَّاةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ زِيَادُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ واسم أَبِي زِيَادٍ مَيْثَرَةُ الْمَدَنِيُّ الْمَخْزُومِيُّ

(باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه)

مولى عبد الله بن عياش بالمعجمة بن أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2631] (مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ) وَمَعْنَى عَالَهُمَا قَامَ عَلَيْهِمَا بِالْمُؤْنَةِ وَالتَّرْبِيَةِ وَنَحْوِهِمَا مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَوْلِ وَهُوَ الْقُرْبُ وَمِنْهُ ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَمَعْنَاهُ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ (بَاب فَضْلِ مَنْ يَمُوتُ لَهُ وَلَدٌ فَيَحْتَسِبَهُ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2632] (لا يموت لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَتَمَسُّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ مَا يَنْحَلُّ بِهِ الْقَسَمُ وَهُوَ الْيَمِينُ وَجَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ قَوْلُهُ تعالى وإن منكم إلا واردها وَبِهَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَالْقَسَمُ مُقَدَّرٌ أَيْ وَاَللَّهِ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا وَقِيلَ الْمُرَادُ قَوْلُهُ تَعَالَى فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ وقال بن قتيبة معناه تقليل مدة ورودها قَالَ وَتَحِلَّةُ الْقَسَمِ تُسْتَعْمَلُ فِي هَذَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَقِيلَ تَقْدِيرُهُ وَلَا تَحِلَّةُ الْقَسَمِ

أَيْ لَا تَمَسُّهُ أَصْلًا وَلَا قَدْرًا يَسِيرًا كَتَحِلَّةِ الْقَسَمِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ مِنْكُمْ إلا واردها الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ وَهُوَ جِسْرٌ مَنْصُوبٌ عَلَيْهَا وَقِيلَ الْوُقُوفُ عِنْدَهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2633] (ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ ثُمَّ سُئِلَ عَنِ الِاثْنَيْنِ) فَقَالَ وَاثْنَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أُوحِيَ بِهِ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ

سُؤَالِهَا أَوْ قَبْلِهُ وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ وَوَاحِدًا قَوْلُهُ [2634] (لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ) أَيْ لَمْ يَبْلُغُوا سِنَّ التَّكْلِيفِ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ الْحِنْثُ وَهُوَ الْإِثْمُ قَوْلُهُ [2635] (صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ) هُوَ بِالدَّالِ وَالْعَيْنِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَاتِ وَاحِدُهُمْ دُعْمُوصٍ بِضَمِّ الدَّالِ أَيْ صِغَارُ أَهْلِهَا وَأَصْلُ الدُّعْمُوصِ دُوَيْبَّةٌ تَكُونُ فِي الْمَاءِ لَا تُفَارِقُهُ أَيْ أَنَّ هَذَا الصَّغِيرَ فِي الْجَنَّةِ لَا يُفَارِقُهَا وَقَوْلُهُ (بِصَنِفَةِ ثَوْبكَ) هُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ النُّونِ وَهُوَ طَرَفُهُ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا صَنِيفَةٌ قوله0فَلَا يَتَنَاهَى) أَوْ قَالَ يَنْتَهِي حَتَّى يُدْخِلُهُ الله وأباه الجنة يتناهى

(باب إذا أحب الله عبدا أمر جبريل فأحبه وأحبه أهل

وَيَنْتَهِي بِمَعْنًى أَيْ لَا يَتْرُكُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2636] (لَقَدْ احْتَظَرْتِ بِحِظَارٍ شَدِيدٍ مِنَ النَّارِ) أَيْ امْتَنَعْتِ بِمَانِعٍ وَثِيقٍ وَأَصْلُ الْحَظْرِ الْمَنْعُ وَأَصْلُ الْحِظَارِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا مَا يُجْعَلُ حَوْلَ الْبُسْتَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ قُضْبَانٍ وغيرها كالحائط وفي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ وَقَدْ نَقَلَ جَمَاعَةٌ فِيهِمْ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ أَمَّا أَوْلَادُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ فَالْإِجْمَاعُ مُتَحَقِّقٌ عَلَى أَنَّهُمْ في الجنة واما أَطْفَالُ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْقَطْعِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ الْإِجْمَاعَ فِي كَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَطْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بهم ذريتهم وَتَوَقَّفَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينِ فِيهَا وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لَهُمْ كَالْمُكَلَّفِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا أَمَرَ جِبْرِيلَ فَأَحَبَّهُ وَأَحَبَّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ) ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ وَذَكَرَ فِي الْبُغْضِ نَحْوَهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ [2637] مَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لِعَبْدِهِ هِيَ إِرَادَتُهُ الْخَيْرَ لَهُ وَهِدَايَتُهُ وَإِنْعَامُهُ عَلَيْهِ

وَرَحْمَتُهُ وَبُغْضُهُ إِرَادَةَ عِقَابِهِ أَوْ شَقَاوَتِهِ وَنَحْوِهِ وَحُبُّ جِبْرِيلَ وَالْمَلَائِكَةِ يُحْتَمَلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا اسْتِغْفَارُهُمْ لَهُ وَثَنَاؤُهُمْ عَلَيْهِ وَدُعَاؤُهُمْ وَالثَّانِي أَنَّ مَحَبَّتَهُمْ عَلَى ظَاهِرِهَا الْمَعْرُوفِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ وَهُوَ مَيْلُ الْقَلْبِ إِلَيْهِ وَاشْتِيَاقُهُ إِلَى لِقَائِهِ وَسَبَبُ حُبِّهِمْ إِيَّاهُ كَوْنُهُ مُطِيعًا لِلَّهِ تَعَالَى مَحْبُوبًا لَهُ وَمَعْنَى يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ أَيِ الْحُبُّ فِي قُلُوبِ النَّاسِ وَرِضَاهُمْ عَنْهُ فَتَمِيلُ إِلَيْهِ الْقُلُوبِ وَتَرْضَى عَنْهُ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ فَتُوضَعُ لَهُ الْمَحَبَّةُ قَوْلُهُ (وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِمِ) أَيْ أَمِيرُ الْحَجِيجِ

(باب الأرواح جنود مجندة)

(بَاب الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2638] (الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ جُمُوعٌ مُجْتَمَعَةٌ أَوْ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ وَأَمَّا تَعَارَفُهَا فَهُوَ لِأَمْرٍ جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ وَقِيلَ إِنَّهَا مُوَافَقَةُ صِفَاتِهَا الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهَا وَتَنَاسُبُهَا فِي شِيَمِهَا وَقِيلَ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مُجْتَمِعَةً ثُمَّ فُرِّقَتْ فِي أَجْسَادِهَا فَمَنْ وَافَقَ بِشِيَمِهِ أَلِفَهُ وَمَنْ بَاعَدَهُ نَافَرَهُ وَخَالَفَهُ وَقَالَ الخطابي وغيره تآلفها هو ماخلقها اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ السَّعَادَةِ أَوِ الشَّقَاوَةِ فِي الْمُبْتَدَأِ وَكَانَتِ الْأَرْوَاحُ قِسْمَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ فَإِذَا تَلَاقَتِ الْأَجْسَادُ فِي الدُّنْيَا ائْتَلَفَتْ وَاخْتَلَفَتْ بِحَسَبِ مَا خُلِقَتْ عَلَيْهِ فَيَمِيلُ الْأَخْيَارُ إِلَى الْأَخْيَارِ وَالْأَشْرَارُ إلى الاشرار والله اعلم

باب المرء مع من أحب

(باب المرء مع من أحب) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي سَأَلَهُ عن الساعة [2639] 0ماأعددت لَهَا قَالَ حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولَهُ قَالَ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) وَفِي [2640] [2641] رِوَايَاتٍ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ فِيهِ فَضْلُ حُبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الْخَيْرِ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ وَمِنْ فَضْلِ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ امْتِثَالُ أَمْرِهِمَا وَاجْتِنَابُ نَهْيهِمَا وَالتَّأَدُّبُ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الِانْتِفَاعِ بِمَحَبَّةِ الصَّالِحِينَ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَهُمْ إِذْ لَوْ عَمِلَهُ لَكَانَ مِنْهُمْ وَمِثْلَهُمْ وَقَدْ صُرِّحَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا بِذَلِكَ فَقَالَ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ لَمَّا نَفْيِ لِلْمَاضِي الْمُسْتَمِرِّ فَيَدُلُّ عَلَى نَفْيهِ فِي الْمَاضِي وَفِي الْحَالِ بِخِلَافِ لَمْ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْمَاضِي فَقَطْ ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مَعَهُمْ أَنْ تَكُونَ مَنْزِلَتُهُ وَجَزَاؤُهُ مِثْلَهُمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قَوْلُهُ (مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَثِيرِ) ضَبَطُوهُ فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُمَا صَحِيحَانِ وَقَوْلُهُ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَثِيرَ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ ولا صدقة

أي غير الفرائض معناه ماأعددت لها كثير نافلة من صلاة ولاصيام وَلَا صَدَقَةٍ قَوْلُهُ (عِنْدَ سُدَّةِ

الْمَسْجِدِ) هِيَ الظِّلَالُ الْمُسَقَّفَةُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنْ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ بَلْ ذَكَرَهُ مُتَابَعَةً وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَذْكُرُ فِي الْمُتَابَعَةِ بَعْضَ الضُّعَفَاءِ والله اعلم

(باب إذا أثني على الصالح فهي بشرى ولا تضره)

(بَاب إِذَا أُثْنِيَ عَلَى الصَّالِحِ فَهِيَ بُشْرَى وَلَا تَضُرُّهُ) قَوْلُهُ [2642] (أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ قَالَ تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ) وَفِي رِوَايَةٍ وَيُحِبُّهُ النَّاسُ عَلَيْهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ هَذِهِ الْبُشْرَى الْمُعَجَّلَةُ لَهُ بِالْخَيْرِ وَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى رِضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ وَمَحَبَّتِهِ لَهُ فَيُحَبِّبُهُ إِلَى الْخَلْقِ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ يُوضِعُ لَهُ الْقَبُولَ فِي الْأَرْضِ هَذَا كُلُّهُ إِذَا حَمِدَهُ النَّاسُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ مِنْهُ لِحَمْدِهِمْ وَإِلَّا فَالتَّعَرُّضُ مَذْمُومٌ (كِتَاب الْقَدَرِ) (بَاب كَيْفِيَّةِ خَلْقِ الْآدَمِيِّ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَكِتَابَةِ رِزْقِهِ) وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقَاوَتِهِ وَسَعَادَتِهِ قَوْلُهُ [2643] (حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ

فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ تَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ تَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سَعِيدٌ) أَمَّا قَوْلُهُ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ فَمَعْنَاهُ الصَّادِقُ فِي قَوْلِهِ الْمَصْدُوقُ فِيمَا يَأْتِي مِنَ الْوَحْيِ الكريم وأما قوله إن أحدكم فبكسر الْهَمْزَةِ عَلَى حِكَايَةِ لَفْظِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ بِكَتْبِ رِزْقِهِ هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فِي أَوَّلِهِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ أَرْبَعٍ وَقَوْلُهُ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ مَرْفُوعٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَهُوَ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ إِرْسَالَهُ يَكُونُ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هذه يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم باربعين او خمسة واربعين ليلة فيقول يارب أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَفِي رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ إِنَّ النُّطْفَةَ تَقَعُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ يَتَسَوَّرُ عَلَيْهَا الْمَلَكُ وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ مَلَكًا مُوَكَّلًا بِالرَّحِمِ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا بِإِذْنِ اللَّهِ لِبِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةِ أَنَسٍ إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ نُطْفَةٌ أَيْ رَبِّ عَلَقَةٌ أَيْ رَبِّ مُضْغَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ طَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ لِلْمَلَكِ ملازمة ومراعاة لحال النطفة وأنه يقول يارب هَذِهِ عَلَقَةٌ هَذِهِ مُضْغَةٌ فِي أَوْقَاتِهَا فَكُلُّ وَقْتٍ يَقُولُ فِيهِ مَا صَارَتْ إِلَيْهِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَعْلَمُ سُبْحَانَهُ وَلِكَلَامِ الْمَلَكِ وَتَصَرُّفِهِ أَوْقَاتٌ أَحَدُهَا حِينَ يَخْلُقُهَا اللَّهُ تَعَالَى نُطْفَةً ثُمَّ يَنْقُلُهَا عَلَقَةً وَهُوَ أَوَّلُ عِلْمِ الْمَلَكِ بِأَنَّهُ وَلَدٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ نُطْفَةٍ تَصِيرُ وَلَدًا وَذَلِكَ عَقِبَ الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى وَحِينَئِذٍ يَكْتُبُ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقَاوَتَهُ أَوْ سَعَادَتَهُ ثُمَّ لِلْمَلَكِ فِيهِ تَصَرُّفٌ آخَرَ فِي وَقْتٍ آخَرَ وَهُوَ تَصْوِيرُهُ

وخلق سمعه وبصره وجلده ولحمه وَعَظْمِهِ وَكَوْنُهُ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ وَهِيَ مُدَّةُ الْمُضْغَةِ وَقَبْلَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْأَرْبَعِينَ وَقَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ لِأَنَّ نَفْخِ الرُّوحِ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ صُورَتِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ فَإِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ثم قال يارب أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى فَيَقْضِي رَبُّكُ مَا شَاءَ ويكتب الملك ثم يقول يارب أجله فيقول ربك ماشاء ويكتب الملك وذكر رزقه فقال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ لَيْسَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلِ الْمُرَادُ بِتَصْوِيرِهَا وَخَلْقُ سَمْعِهَا إِلَى آخِرِهِ أَنَّهُ يَكْتُبُ ذَلِكَ ثُمَّ يَفْعَلُهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ لِأَنَّ التَّصْوِيرَ عَقِبَ الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْعَادَةِ وَإِنَّمَا يَقَعُ فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ وَهِيَ مُدَّةُ الْمُضْغَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلْقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فكسونا العظام لحما ثم يكون للملك فيه تصوير آخر وهووقت نَفْخِ الرُّوحِ عَقِبَ الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ حِينَ يَكْمُلُ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ نَفْخَ الرُّوحِ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَهُ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ فَيُؤْذَنُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيَكْتُبُ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ فَقَوْلُهُ ثُمَّ يُبْعَثُ بِحَرْفِ ثُمَّ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ كَتْبِ الْمَلَكِ هَذِهِ الْأُمُورِ إِلَى مَا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ وَالْأَحَادِيثُ الْبَاقِيَةُ تَقْتَضِي الْكَتْبَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى وَجَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَهُ ثم يُبْعَثُ إِلَيْهِ الْمُلْكُ فَيُؤْذَنُ فَيَكْتُبُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَمُتَعَلِّقٌ بِهِ لَا بِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ وَيَكُونُ قَوْلُهُ ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَهُ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ مُعْتَرِضًا بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَالْمُرَادُ بِإِرْسَالِ الْمَلَكِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمْرُهُ بِهَا وَبِالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ موكل بالرحم وانه يقول يارب نطفة يارب عَلَقَةٌ قَالَ الْقَاضِي وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقًا قَالَ يارب أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ لَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُضْغَةِ بَلِ ابْتِدَاءٌ لِلْكَلَامِ وَإِخْبَارٌ عَنْ حَالَةٍ أُخْرَى فَأَخْبَرَ أَوَّلًا بِحَالِ الْمَلَكِ مَعَ النُّطْفَةِ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ إِظْهَارَ خَلْقِ النُّطْفَةِ عَلَقَةً كَانَ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ الْمُرَادُ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرَ مِنَ الرِّزْقِ وَالْأَجَلِ

وَالشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ وَالْعَمَلِ وَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ أَنَّهُ يُظْهِرُ ذَلِكَ لِلْمَلَكِ وَيَأْمُرُهُ بِإِنْفَاذِهِ وَكِتَابَتِهِ وَإِلَّا فَقَضَاءُ اللَّهِ تَعَالَى سَابِقٌ عَلَى ذَلِكَ وَعِلْمُهُ وَإِرَادَتُهُ لِكُلِّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْأَزَلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَوَاَلَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ إِلَخْ) الْمُرَادُ بِالذِّرَاعِ التَّمْثِيلُ لِلْقُرْبِ مِنْ مَوْتِهِ وَدُخُولِهِ عَقِبَهُ وَأَنَّ تِلْكَ الدَّارُ مَا بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَصِلَهَا إِلَّا كَمَنْ بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعٍ مِنَ الْأَرْضِ ذِرَاعٌ وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا قَدْ يَقَعُ فِي نَادِرٍ مِنَ النَّاسِ لَا أَنَّهُ غَالِبٌ فِيهِمْ ثُمَّ أَنَّهُ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ انْقِلَابُ النَّاسِ مِنَ الشَّرِّ إِلَى الْخَيْرِ فِي كَثْرَةٍ وَأَمَّا انْقِلَابُهُمْ مِنَ الْخَيْرِ إِلَى الشَّرِّ فَفِي غَايَةِ النُّدُورِ وَنِهَايَةِ الْقِلَّةِ وَهُوَ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي وَغَلَبَتْ غَضَبِي وَيَدْخُلُ فِي هَذَا مَنِ انْقَلَبَ إِلَى عَمَلِ النَّارِ بِكُفْرٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ فِي التَّخْلِيدِ وَعَدَمِهِ فَالْكَافِرُ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ وَالْعَاصِي الَّذِي مَاتَ مُوَحِّدًا لَا يُخَلَّدُ فِيهَا كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِإِثْبَاتِ الْقَدَرِ وَأَنَّ التَّوْبَةَ تَهْدِمُ الذنوب قبلها وأن من مات على شئ حُكِمَ لَهُ بِهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ إِلَّا أَنَّ أَصْحَابَ الْمَعَاصِي غَيْرَ الْكُفْرِ

فِي الْمَشِيئَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ [2644] (عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (فيقول يارب أَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ فَيُكْتَبَانِ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى فَيُكْتَبَانِ) يُكْتَبَانِ فِي

الْمَوْضِعَيْنِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَمَعْنَاهُ يُكْتَبُ أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ [2645] (دَخَلْتُ عَلَى أَبِي سَرِيحَةَ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ النُّطْفَةَ تَقَعُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ يَتَصَوَّرُ عَلَيْهَا الْمَلَكُ) هكذا هو جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا يَتَصَوَّرُ بِالصَّادِ وَذَكَرَ الْقَاضِي يتسور بالسين قال والمراد بيتسور يَنْزِلُ وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ مِنْ تَسَوَّرْتُ الدَّارَ إِذَا نزلت فيها من أعلاها ولا يكون التسورالا مِنْ فَوْقٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الصَّادُ الْوَاقِعَةُ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا مُبَدَّلَةٌ مِنَ السِّينِ وَاَللَّهُ اعلم

قَوْلُهُ [2647] (فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ) أَمَّا نَكَّسَ فَبِتَخْفِيفِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِهَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ يُقَالُ نَكَسَهُ ينكسه فهو ناكس كقتله يقتله فهوقاتل وَنَكَّسَهُ يُنَكِّسُهُ تَنْكِيسًا فَهُوَ مُنَكِّسٌ أَيْ خَفَضَ رَأْسُهُ وَطَأْطَأَ إِلَى الْأَرْضِ عَلَى هَيْئَةِ الْمَهْمُومِ وَقَوْلُهُ يَنْكُتُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْكَافِ وَآخِرِهِ تاء مُثَنَّاةٌ فَوْقُ أَيْ يَخُطُّ بِهَا خَطًّا يَسِيرًا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَهَذَا فِعْلُ الْمُفَكِّرِ الْمَهْمُومِ والمخصرة بِكَسْرِ الْمِيمِ مَا أَخَذَهُ الْإِنْسَانُ بِيَدِهِ وَاخْتَصَرَهُ مِنْ عَصًا لَطِيفَةٍ وَعُكَّازٍ لَطِيفٍ وَغَيْرِهِمَا وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا دَلَالَاتٌ ظَاهِرَةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ الْقَدَرِ وَأَنَّ جَمِيعَ الْوَاقِعَاتِ

بقضاء الله تعالى وقدره خيرها وشرها نفعها وَضَرِّهَا وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ قِطْعَةٌ صَالِحَةٌ مِنْ هَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون فَهُوَ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْمَالِكِ فِي مُلْكِهِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا عِلَّةَ لِأَفْعَالِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ سَبِيلُ مَعْرِفَةِ هَذَا الْبَابِ التَّوْقِيفُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ دُونَ مَحْضِ الْقِيَاسِ وَمُجَرَّدِ الْعُقُولِ فَمَنْ عَدَلَ عَنِ التَّوْقِيفِ فِيهِ ضَلَّ وَتَاهَ فِي بِحَارِ الْحَيْرَةِ وَلَمْ يَبْلُغْ شِفَاءَ النَّفْسِ وَلَا يَصِلْ إِلَى مَا يَطْمَئِنُّ بِهِ الْقَلْبُ لِأَنَّ الْقَدَرَ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي ضُرِبَتْ مِنْ دُونِهَا الْأَسْتَارُ اختص اللَّهُ بِهِ وَحَجَبَهُ عَنْ عُقُولِ الْخَلْقِ وَمَعَارِفِهِمْ لِمَا عَلِمَهُ مِنَ الْحِكْمَةِ وَوَاجِبُنَا أَنْ نَقِفَ حَيْثُ حَدَّ لَنَا وَلَا نَتَجَاوَزَهُ وَقَدْ طَوَى اللَّهُ تَعَالَى عِلْمَ الْقَدَرِ عَلَى الْعَالَمِ فَلَمْ يعلمه نبي مرسل ولاملك مُقَرَّبٌ وَقِيلَ إِنَّ سِرَّ الْقَدَرِ يَنْكَشِفُ لَهُمْ إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ وَلَا يَنْكَشِفُ قَبْلَ دُخُولِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِ الْعَمَلِ وَالِاتِّكَالِ عَلَى مَا سَبَقَ بِهِ الْقَدَرُ بَلْ تَجِبُ الْأَعْمَالُ وَالتَّكَالِيفُ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ يَسَّرَهُ اللَّهُ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ يَسَّرَهُ اللَّهُ

لعملهم كما قَالَ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَلِلْعُسْرَى وَكَمَا صَرَّحَتْ بِهِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ قَوْلُهُ [2648] (جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ) أَيْ مَضَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ وَسَبَقَ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَتَمَّتْ كِتَابَتُهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَجَفَّ القلم الذي

كُتِبَ بِهِ وَامْتَنَعَتْ فِيهِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَكِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْحُهُ وَقَلَمُهُ وَالصُّحُفُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْأَحَادِيثِ كُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ ذَلِكَ وَصِفَتُهُ فَعِلْمُهَا إلى الله تعالى ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ [2650] (مَا يَعْمَلُ النَّاسُ وَيَكْدَحُونَ فيه

أي يسعون والكدح هوالسعي فِي الْعَمَلِ سَوَاءٌ كَانَ لِلْآخِرَةِ أَمْ لِلدُّنْيَا قَوْلُهُ 0لِأَحْزُرَ عَقْلَكَ) أَيْ لِأَمْتَحِنَ عَقْلَكَ وَفَهْمَكَ ومعرفتك والله اعلم

(باب حجاج آدم وموسى صلى الله عليهما وسلم قوله صلى

(باب حجاج آدم وموسى صلى الله عليهما وسلم قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2652] (احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ الْتَقَتْ أَرْوَاحُهُمَا فِي السَّمَاءِ فَوَقَعَ الْحِجَاجُ بَيْنَهُمَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا بِأَشْخَاصِهِمَا وَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتَمَعَ بِالْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَصَلَّى بِهِمْ قَالَ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْيَاهُمْ كَمَا جَاءَ فِي الشُّهَدَاءِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ جَرَى فِي حَيَاةِ مُوسَى سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُرِيَهُ آدَمَ فَحَاجَّهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَالَ مُوسَى يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ) وَفِي رِوَايَةٍ أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ أَهْبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِكَ إِلَى الْأَرْضِ مَعْنَى خَيَّبْتَنَا أَوْقَعْتَنَا فِي الْخَيْبَةِ وَهِيَ الْحِرْمَانُ وَالْخُسْرَانُ وَقَدْ خَابَ يَخِيبُ وَيَخُوبُ وَمَعْنَاهُ كُنْتَ سَبَبَ خَيْبَتِنَا وَإِغْوَائِنَا بِالْخَطِيئَةِ الَّتِي تَرَتَّبَ عَلَيْهَا إِخْرَاجُكَ مِنَ الْجَنَّةِ ثُمَّ تَعَرُّضُنَا نَحْنُ لِإِغْوَاءِ الشَّيَاطِينِ وَالْغَيُّ الِانْهِمَاكُ فِي الشَّرِّ وَفِيهِ جَوَازُ اطلاق الشئ عَلَى سَبَبِهِ وَفِيهِ ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ مِنْ قَبْلِ آدَمَ هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ قَوْلُهُ (اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ) فِي الْيَدِ هُنَا الْمَذْهَبَانِ السَّابِقَانِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَمَوَاضِعَ فِي أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ أَحَدُهُمَا الْإِيمَانُ بِهَا وَلَا يُتَعَرَّضُ لِتَأْوِيلِهَا مَعَ أَنَّ ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادٍ وَالثَّانِي تَأْوِيلُهَا عَلَى الْقُدْرَةِ وَمَعْنَى اصْطَفَاكَ أَيْ اخْتَصَّكَ وَآثَرَكَ بِذَلِكَ قَوْلُهُ (أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرِ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ)

يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً) الْمُرَادُ بِالتَّقْدِيرِ هُنَا الْكِتَابَةُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَفِي صُحُفِ التَّوْرَاةِ وَأَلْوَاحِهَا أَيْ كَتَبَهُ عَلَيَّ قَبْلَ خَلْقِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ فَقَالَ بِكَمْ وَجَدْتَ اللَّهَ كَتَبَ التَّوْرَاةَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ قَالَ مُوسَى بِأَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ أَتَلُومُنِي عَلَى أَنْ عَمِلْتُ عَمَلًا كَتَبَ اللَّهُ عَلَيَّ أَنْ أَعْمَلُهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُصَرِّحَةٌ بِبَيَانِ الْمُرَادِ بِالتَّقْدِيرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ حَقِيقَةُ الْقَدَرِ فَإِنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا قَدَّرَهُ عَلَى عِبَادِهِ وَأَرَادَ مِنْ خَلْقِهِ أَزَلِيٌّ لَا أَوَّلَ لَهُ وَلَمْ يَزَلْ سُبْحَانَهُ مُرِيدًا لِمَا أَرَادَهُ مِنْ خَلْقِهِ مِنْ طَاعَةٍ وَمَعْصِيَةٍ وَخَيْرٍ وَشَرٍّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى) هَكَذَا الرِّوَايَةُ فِي جَمِيعِ كُتُبِ الْحَدِيثِ بِاتِّفَاقِ النَّاقِلِينَ وَالرُّوَاةِ وَالشُّرَّاحِ

وَأَهْلِ الْغَرِيبِ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى بِرَفْعِ آدَمَ وَهُوَ فَاعِلٌ أَيْ غَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ وَظَهَرَ عَلَيْهِ بِهَا وَمَعْنَى كَلَامِ آدَمَ أَنَّكَ يَا مُوسَى تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا كُتِبَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أخلق وقدر علي فلابد مِنْ وُقُوعِهِ وَلَوْ حَرَصْتُ أَنَا وَالْخَلَائِقُ أَجْمَعُونَ عَلَى رَدِّ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْهُ لَمْ نَقْدِرْ فَلِمَ تَلُومُنِي عَلَى ذَلِكَ وَلِأَنَّ اللَّوْمَ عَلَى الذَّنْبِ شَرْعِيِّ لَا عَقْلِيِّ وَإِذْ تَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى آدَمَ وَغَفَرَ لَهُ زَالَ عَنْهُ اللَّوْمُ فَمَنْ لَامَهُ كَانَ مَحْجُوجًا بِالشَّرْعِ فَإِنْ قِيلَ فَالْعَاصِي مِنَّا لَوْ قَالَ هَذِهِ الْمَعْصِيَةُ قَدَّرَهَا اللَّهُ عَلَيَّ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ اللَّوْمُ وَالْعُقُوبَةُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِيمَا قَالَهُ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْعَاصِي بَاقٍ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ جَارٍ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَاللَّوْمِ وَالتَّوْبِيخِ وَغَيْرِهَا وَفِي لَوْمِهِ وَعُقُوبَتِهِ زَجْرٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ وَهُوَ محتاج إلى الزجر مالم يَمُتْ فَأَمَّا آدَمُ فَمَيِّتٌ خَارِجٌ عَنْ دَارِ التَّكْلِيفِ وَعَنِ الْحَاجَةِ إِلَى الزَّجْرِ فَلَمْ يَكُنْ

فِي الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لَهُ فَائِدَةٌ بَلْ فِيهِ إِيذَاءٌ وَتَخْجِيلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ [2653] (كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلِفَ سَنَةٍ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ تَحْدِيدُ وَقْتِ الْكِتَابَةِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ غَيْرِهِ لَا أَصْلُ التَّقْدِيرِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَزَلِيٌّ لَا أَوَّلَ لَهُ وَقَوْلُهُ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ أَيْ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء)

(بَاب تَصْرِيفِ اللَّهِ تَعَالَى الْقُلُوبَ كَيْفَ شَاءَ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2654] (إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ هَذَا مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَفِيهَا الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ قَرِيبًا أَحَدُهُمَا الْإِيمَانُ بِهَا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِتَأْوِيلٍ وَلَا لِمَعْرِفَةِ الْمَعْنَى بَلْ يُؤْمَنُ بِأَنَّهَا حَقٌّ وَأَنَّ ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ليس كمثله شئ وَالثَّانِي يُتَأَوَّلُ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهَا فَعَلَى هَذَا الْمُرَادُ الْمَجَازُ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ فِي قَبْضَتِي وَفِي كَفِّي لَا يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ حَالٌّ فِي كَفِّهِ بَلِ الْمُرَادُ تَحْتَ قُدْرَتِي وَيُقَالُ فُلَانٌ بَيْنَ إِصْبَعِي أُقَلِّبُهُ كَيْفَ شِئْتُ أَيْ أَنَّهُ مِنِّي عَلَى قَهْرِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ كَيْفَ شِئْتُ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَصَرِّفٌ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَغَيْرِهَا كَيْفَ شَاءَ لا يمتنع عليه منها شئ ولا يفوته ما أراده كما لايمتنع عَلَى الْإِنْسَانِ مَا كَانَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ فَخَاطَبَ الْعَرَبَ بِمَا يَفْهَمُونَهُ وَمَثَّلَهُ بِالْمَعَانِي الْحِسِّيَّةِ تَأْكِيدًا لَهُ فِي نُفُوسِهِمْ فَإِنَّ قِيلَ فَقُدْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَاحِدَةٌ وَالْإِصْبَعَانِ لِلتَّثْنِيَةِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ أَنَّ هَذَا مَجَازٌ وَاسْتِعَارَةٌ فَوَقَعَ التَّمْثِيلُ بحسب ما اعتادوه غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ التَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (باب كل شئ بِقَدَرٍ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2655] (كُلُّ شئ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزُ وَالْكَيْسُ أَوْ قَالَ الْكَيْسُ والعجز) قال

باب قدر على بن آدم حظه من الزنى وغيره

الْقَاضِي رَوَيْنَاهُ بِرَفْعِ الْعَجْزُ وَالْكَيْسُ عَطْفًا عَلَى كُلُّ وَبِجَرِّهِمَا عَطْفًا عَلَى شَيْءٍ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْعَجْزَ هُنَا عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ وَقِيلَ هُوَ تَرْكُ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ وَالتَّسْوِيفُ بِهِ وَتَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِهِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ الْعَجْزُ عَنِ الطَّاعَاتِ وَيُحْتَمَلُ الْعُمُومُ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْكَيْسُ ضِدُّ الْعَجْزِ وَهُوَ النَّشَاطُ وَالْحِذْقُ بِالْأُمُورِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْعَاجِزَ قَدْ قَدَّرَ عَجْزَهُ وَالْكَيِّسُ قَدْ قَدَّرَ كَيْسَهُ قَوْلُهُ [2656] (جَاءَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ يُخَاصِمُونَ فِي الْقَدَرِ فَنَزَلَتْ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سقر إنا كل شئ خلقناه بقدر المراد بالقدر هنا القدر المعروف وهو ما قدر الله وقضاه وسبق به علمه وارادته وأشار الباجي إلى خلاف هذا وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَالْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِإِثْبَاتِ الْقَدَرِ وَأَنَّهُ عَامٌّ فِي كل شئ فَكُلُّ ذَلِكَ مُقَدَّرٌ فِي الْأَزَلِ مَعْلُومٌ لِلَّهِ مراد له (باب قدر على بن آدم حظه من الزنى وغيره) قوله [2657] (ما رأيت شيئا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الله كتب على بن آدم حظه من الزنى أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَا اللِّسَانِ النُّطْقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ كتب على بن آدم نصيبه من الزنى مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَى وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ

معنى الحديث أن بن آدم قدر عليه نصيب من الزنى فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ زِنَاهُ حَقِيقِيًّا بِإِدْخَالِ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ الْحَرَامِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ زِنَاهُ مجازا بالنظر الحرام اوالاستماع إلى الزنى وَمَا يَتَعَلَّقُ بِتَحْصِيلِهِ أَوْ بِالْمَسِّ بِالْيَدِ بِأَنْ يَمَسَّ أَجْنَبِيَّةً بِيَدِهِ أَوْ يُقَبِّلُهَا أَوْ بِالْمَشْيِ بالرجل إلى الزنى اوالنظر أَوِ اللَّمْسِ أَوِ الْحَدِيثِ الْحَرَامِ مَعَ أَجْنَبِيَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ بِالْفِكْرِ بِالْقَلْبِ فَكُلُّ هَذِهِ انواع من الزنى الْمَجَازِيِّ وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ يُكَذِّبُهُ معناه أنه قد يحقق الزنى بالفرج وقد لا يحققه بأن لا يُولِجُ الْفَرْجُ فِي الْفَرْجِ وَإِنْ قَارَبَ ذَلِكَ والله اعلم واما قول بن عَبَّاسٍ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَمَعْنَاهُ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إن ربك واسع المغفرة وَمَعْنَى الْآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ الْمَعَاصِي غَيْرَ اللَّمَمِ يُغْفَرُ لَهُمُ اللَّمَمُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عنه نكفر عنكم سيئاتكم فَمَعْنَى الْآيَتَيْنِ أَنَّ اجْتِنَابَ الْكَبَائِرَ يُسْقِطُ الصَّغَائِرَ وهي اللمم وفسره بن عَبَّاسٍ بِمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ النَّظَرِ وَاللَّمْسِ وَنَحْوهِمَا وَهُوَ كَمَا قَالَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي تَفْسِيرِ اللَّمَمِ وَقِيلَ أَنْ يُلِمَّ بالشئ وَلَا يَفْعَلُهُ وَقِيلَ الْمَيْلُ إِلَى الذَّنْبِ وَلَا يُصِرُّ عَلَيْهِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بظاهر واصل اللمم والالمام الميل إلى الشئ وطلبه من غير مداومة والله اعلم

باب معنى كل مولود يولد علىالفطرة

(باب معنى كل مولود يولد علىالفطرة) وحكم موتى اطفال الكفار وأطفال المسلمين قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2658] (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ثُمَّ يَقُولُ ابو هريرة اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عليها لا تبديل لخلق الله الآية) وفي رواية مامن مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا وَهُوَ عَلَى الْمِلَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ لَيْسَ مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا عَلَى هَذِهِ الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعَبِّرُ عَنْهُ لِسَانُهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ صَغِيرًا قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ [2660] وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ الْغُلَامَ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ طُبِعَ كَافِرًا وَلَوْ عَاشَ لَأَرْهَقَ أَبَوَيْهِ طُغْيَانًا وَكُفْرًا [2661] وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ تُوُفِّي صَبِيٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَتْ طُوبَى لَهُ عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ لَمْ يَعْمَلِ السُّوءَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ قَالَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ أَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا وَتَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضُ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا وَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ نَهَاهَا عَنِ الْمُسَارَعَةِ إِلَى الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا دَلِيلٌ قَاطِعٌ كَمَا أَنْكَرَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي قَوْلِهِ أَعْطِهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا قَالَ أَوْ مُسْلِمًا الْحَدِيثَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ فَلَمَّا عَلِمَ قَالَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم مامن مُسْلِمٍ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [2660] وَأَمَّا أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ فَفِيهِمْ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ قال

الْأَكْثَرُونَ هُمْ فِي النَّارِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ وَتَوَقَّفَتْ طَائِفَةٌ فِيهِمْ وَالثَّالِثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا حَدِيثُ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنَّةِ وَحَوْلَهُ أَوْلَادُ النَّاسِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ قَالَ [2659] وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا وَلَا! يَتَوَجَّهُ عَلَى الْمَوْلُودِ التَّكْلِيفِ وَيَلْزَمُهُ قَوْلُ الرَّسُولِ حَتَّى يَبْلُغَ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْفِطْرَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فقال المازري قيل هي ما أخذ عليهم فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ وَأَنَّ الْوِلَادَةَ تَقَعُ عَلَيْهَا حتى يحصل التغيير بِالْأَبَوَيْنِ وَقِيلَ هِيَ مَا قُضِي عَلَيْهِ مِنْ سَعَادَةٍ أَوْ شَقَاوَةٍ يَصِيرُ إِلَيْهَا وَقِيلَ هِيَ ما هئ لَهُ هَذَا كَلَامُ الْمَازِرِيِّ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْفَرَائِضُ وَقبْلَ الْأَمْرِ بِالْجِهَادِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ كَأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُهَوِّدَهُ أَبَوَاهُ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ لَمْ يَرِثْهُمَا وَلَمْ يَرِثَاهُ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَهُمَا كَافِرَانِ وَلَمَا جَازَ أن يسبى فَلَمَّا فُرِضَتِ الْفَرَائِضُ وَتَقَرَّرَتِ السُّنَنُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ يُولَدُ عَلَى دِينِهِمَا وَقَالَ بن الْمُبَارَكِ يُولَدُ عَلَى مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ مِنْ سَعَادَةٍ أَوْ شَقَاوَةٍ فَمَنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا وُلِدَ عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَصِيرُ كَافِرًا وُلِدَ عَلَى الْكُفْرِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِقْرَارِ بِهِ فَلَيْسَ أَحَدٌ يُولَدُ إِلَّا وَهُوَ يُقِرُّ بِأَنَّ لَهُ صَانِعًا وَإِنْ سَمَّاهُ بِغَيْرِ اسْمِهِ أَوْ عَبَدَ مَعَهُ غَيْرَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ مُتَهَيِّئًا لِلْإِسْلَامِ فَمَنْ كَانَ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا اسْتَمَرَّ عَلَى الْإِسْلَامِ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ أَبَوَاهُ كَافِرَيْنِ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُهُمَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَهَذَا مَعْنَى يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ أَيْ يَحْكُمُ لَهُ بِحُكْمِهِمَا فِي الدُّنْيَا فَإِنْ بَلَغَ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ حُكْمُ الْكُفْرِ وَدِينِهِمَا فَإِنْ كَانَتْ سَبَقَتْ لَهُ سَعَادَةٌ أَسْلَمَ وَإِلَّا مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَهَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَمِ النَّارِ أَمْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ فَفِيهِ الْمَذَاهِبُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ قَرِيبًا الْأَصَحُّ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُمْ فِي النَّارِ وَحَقِيقَةُ لَفْظِهِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَوْ بَلَغُوا وَلَمْ يَبْلُغُوا إِذِ التَّكْلِيفُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْبُلُوغِ وَأَمَّا غُلَامُ الْخَضِرِ فَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ قَطْعًا لِأَنَّ أَبَوَيْهِ كَانَا مُؤْمِنَيْنِ فَيَكُونُ هُوَ مُسْلِمًا فَيَتَأَوَّلُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ لَكَانَ كَافِرًا لَا أَنَّهُ كَافِرٌ فِي الْحَالِ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ فِي الْحَالِ أَحْكَامُ الْكُفَّارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم

(كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً) فَهُوَ بِضَمِّ التَّاءِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَرَفْعِ الْبَهِيمَةِ وَنَصْبِ بَهِيمَةٍ وَمَعْنَاهُ كَمَا تَلِدُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً (جَمْعَاءُ) بِالْمَدِّ أَيْ مُجْتَمِعَةُ الْأَعْضَاءِ سَلِيمَةٌ مِنْ نَقْصٍ لَا تُوجَدُ فِيهَا جَدْعَاءُ بِالْمَدِّ وَهِيَ مَقْطُوعَةُ الْأُذُنِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْأَعْضَاءِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْبَهِيمَةَ تَلِدُ الْبَهِيمَةَ كَامِلَةَ الْأَعْضَاءِ لَا نَقْصَ فِيهَا وَإِنَّمَا يَحْدُثُ فِيهَا الْجَدْعُ وَالنَّقْصُ بَعْدَ وِلَادَتِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ زهير بن حرب (مامن مَوْلُودٍ إِلَّا يُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ يُلِدَ بِضَمِّ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَكَسْرِ اللَّامِ عَلَى وَزْنِ ضُرِبَ حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ السَّمَرْقَنْدِيِّ قَالَ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى إِبْدَالِ الْوَاوِ يَاءً لِانْضِمَامِهَا قَالَ وَقَدْ ذَكَرَ الْهِجْرِيُّ فِي نَوَادِرِهِ يُقَالُ وُلِدَ وَيُلِدَ بمعنى قال

القاضي ورواه غير السَّمَرْقَنْدِيُّ يُولَدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُلُّ إِنْسَانٍ تَلِدُهُ أُمُّهُ يَلْكُزُهُ الشَّيْطَانُ فِي حِضْنَيْهِ إِلَّا مَرْيَمَ وَابْنَهَا) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فِي حِضْنَيْهِ بِحَاءٍ مُهْمَلةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ ضَادٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ يَاءِ تَثْنِيَةُ حِضْنٍ وَهُوَ الْجَنْبُ وَقِيلَ الخاصرة قال القاضي ورواه بن مَاهَانَ خُصْيَيْهِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْأُنْثَيَانِ قَالَ الْقَاضِي وَأَظُنُّ هَذَا وَهَمًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ إِلَّا مَرْيَمَ وَابْنَهَا وَسَبَقَ شَرْحُ هَذَا الحديث في كتاب الفضائل وسبق ذكر الغلام

الذي قتله الخضر في فضائل الخضر قوله0عن رقبة بن مسقلة) هكذا هو في جميع النسخ مسقلة بالسين وهو صحيح يقال بالسين والصاد وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ بَيَانٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ اللَّهَ عَلِمَ مَا كَانَ وَمَا يكون ما لَا يَكُونُ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ نَظَائِرِهِ مِنَ القرآن والحديث

باب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها

(باب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها) لا تزيد ولا تنقص عما سبق به القدر قَوْلُهُ [2663] (قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ وَبِأَخِي

مُعَاوِيَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سألت الله عزوجل لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ وَلَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ) أَمَّا حِلِّهِ فَضَبَطْنَاهُ بِوَجْهَيْنِ فَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا فِي الْمَوَاضِعِ الْخَمْسَةِ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ جَمِيعَ الرُّوَاةِ عَلَى الْفَتْحِ وَمُرَادُهُ رُوَاةُ بِلَادِهِمْ وَإِلَّا فَالْأَشْهَرُ عِنْدَ رُوَاةِ بِلَادِنَا الْكَسْرُ وَهُمَا لُغَتَانِ وَمَعْنَاهُ وُجُوبُهُ وَحِينُهُ يُقَالُ حَلَّ الْأَجَلُ يَحِلُّ حِلًّا وَحَلًّا وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْآجَالَ وَالْأَرْزَاقَ مُقَدَّرَةٌ لَا تَتَغَيَّرُ عَمَّا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلِمَهُ فِي الْأَزَلِ فَيَسْتَحِيلُ زِيَادَتُهَا وَنَقْصُهَا حَقِيقَةً عَنْ ذَلِكَ وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ صِلَةِ الرَّحِمِ تُزِيدُ فِي الْعُمْرِ وَنَظَائِرِهِ فَقَدْ سَبَقَ تَأْوِيلُهُ فِي بَابِ صِلَةِ الْأَرْحَامِ وَاضِحًا قَالَ الْمَازِرِيُّ هُنَا قَدْ تَقَرَّرَ بِالدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالْآجَالِ وَالْأَرْزَاقِ وَغَيْرِهَا وَحَقِيقَةُ الْعِلْمِ مَعْرِفَةُ الْمَعْلُومِ على ماهو عَلَيْهِ فَإِذَا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ زَيْدًا يَمُوتُ سِنُّهُ خَمْسُمِائَةٌ اسْتَحَالَ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا لِئَلَّا يَنْقَلِبَ الْعِلْمُ جَهْلًا فَاسْتَحَالَ أَنَّ الْآجَالَ الَّتِي عَلِمَهَا اللَّهُ تَعَالَى تَزِيدُ وَتَنْقُصُ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ الزِّيَادَةِ أَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ وَكَّلَهُ اللَّهُ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ وَأَمَرَهُ فِيهَا بِآجَالٍ مَمْدُودَةٍ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ أَوْ يُثْبِتُهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ يَنْقُصُ مِنْهُ وَيَزِيدُ عَلَى حَسَبِ مَا سَبَقَ بِهِ عِلْمُهُ فِي الْأَزَلِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ ويثبت وعلى ماذكرناه يُحْمَلُ قَوْلُهُ تَعَالَى ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مسمى عنده وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الْمَقْتُولَ مَاتَ بِأَجَلِهِ وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ قُطِعَ أَجَلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ قِيلَ مَا الْحِكْمَةُ فِي نَهْيِهَا عَنِ الدُّعَاءِ بِالزِّيَادَةِ فِي الْأَجَلِ لِأَنَّهُ مَفْرُوغٌ مِنْهُ وَنَدْبِهَا إِلَى الدُّعَاءِ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنَ الْعَذَابِ مَعَ أَنَّهُ مَفْرُوغٌ مِنْهُ أَيْضًا كَالْأَجَلِ فَالْجَوَابُ أن الجميع مفروع مِنْهُ لَكِنِ الدُّعَاءَ بِالنَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ

النَّارِ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَنَحْوِهِمَا عِبَادَةٌ وَقَدْ أَمَرَ الشَّرْعُ بِالْعِبَادَاتِ فَقِيلَ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَمَا سَبَقَ لَنَا مِنَ الْقَدَرِ فَقَالَ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَأَمَّا الدعاء بطول الأجل فليس عبادة وكمالا يَحْسُنُ تَرْكُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالذِّكْرِ اتِّكَالًا عَلَى الْقَدَرِ فَكَذَا الدُّعَاءُ بِالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ وَنَحْوِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنَّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ مَسْخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْمَسْخِ وَجَاءَ كَانُوا بِضَمِيرِ الْعُقَلَاءِ مَجَازًا لِكَوْنِهِ جَرَى فِي الْكَلَامِ مَا يَقْتَضِي مُشَارَكَتَهَا لِلْعُقَلَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى رَأَيْتُهُمْ لي ساجدين وكل في فلك يسبحون

باب الايمان للقدر والاذعان له

(باب الايمان للقدر والاذعان له) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2664] (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ) وَالْمُرَادُ بِالْقُوَّةِ هُنَا عَزِيمَةُ النَّفْسِ وَالْقَرِيحَةُ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ فَيَكُونُ صَاحِبُ هَذَا الْوَصْفِ أَكْثَرَ إِقْدَامًا عَلَى الْعَدُوِّ فِي الْجِهَادِ وَأَسْرَعَ خُرُوجًا إِلَيْهِ وَذَهَابًا فِي طَلَبِهِ وَأَشَدَّ عَزِيمَةً فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْأَذَى فِي كُلِّ ذَلِكَ وَاحْتِمَالِ الْمَشَاقِّ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَرْغَبَ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْأَذْكَارِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَأَنْشَطَ طَلَبًا لَهَا وَمُحَافَظَةً عَلَيْهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ فَمَعْنَاهُ فِي كُلٍّ مِنَ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ خَيْرٌ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِيمَانِ مَعَ مَا يَأْتِي بِهِ الضَّعِيفُ مِنَ الْعِبَادَاتِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ) أَمَّا احْرِصْ فَبِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَعْجِزْ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَحُكِي فَتْحُهُمَا جَمِيعًا وَمَعْنَاهُ احْرِصْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالرَّغْبَةِ فِيمَا عِنْدَهُ وَاطْلُبِ الْإِعَانَةَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ وَلَا تَعْجِزْ وَلَا تَكْسَلْ عَنْ طَلَبِ الطَّاعَةِ وَلَا عَنْ طَلَبِ الْإِعَانَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنْ أَصَابَكَ شئ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ

(كتاب العلم)

الشَّيْطَانِ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا النَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ قَالَهُ مُعْتَقِدًا ذَلِكَ حَتْمًا وَأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ تُصِبْهُ قَطْعًا فَأَمَّا مَنْ رَدَّ ذَلِكَ إِلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا ماشاء اللَّهُ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْغَارِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ رَفَعَ رَأْسَهُ لَرَآنَا قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا لَا حُجَّةٌ فِيهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ مُسْتَقْبَلٍ وَلَيْسَ فِيهِ دَعْوَى لِرَدِّ قدر بعد وقوعه قال وكذا جميع ماذكره الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ مِنَ اللَّوِّ كَحَدِيثِ لَوْلَا حِدْثَانُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَأَتْمَمْتُ الْبَيْتَ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ ولوكنت راجما بغير بينة لرجمت هذه ولولا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ وَشِبْهِ ذَلِكَ فَكُلُّهُ مُسْتَقْبَلٌ لَا اعْتِرَاضَ فِيهِ عَلَى قَدَرٍ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنِ اعْتِقَادِهِ فِيمَا كَانَ يَفْعَلُ لَوْلَا الْمَانِعُ وَعَمَّا هُوَ فِي قُدْرَتِهِ فَأَمَّا مَا ذَهَبَ فَلَيْسَ فِي قُدْرَتِهِ قَالَ الْقَاضِي فَاَلَّذِي عِنْدِي فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ النَّهْيَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعُمُومِهِ لَكِنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ أَيْ يُلْقِي فِي الْقَلْبِ مُعَارَضَةَ الْقَدَرِ وَيُوَسْوِسُ بِهِ الشَّيْطَانُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي قُلْتُ وَقَدْ جَاءَ مِنَ اسْتِعْمَالِ لَوْ فِي الْمَاضِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ عَنْ إِطْلَاقِ ذَلِكَ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَيَكُونُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ فَأَمَّا من قاله تأسفا على مافات من طاعة الله تعالى أو ماهو مُتَعَذَّرٌ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَنَحْوِ هَذَا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ أَكْثَرُ الِاسْتِعْمَالِ الْمَوْجُودِ فِي الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (كِتَاب الْعِلْمِ) (بَاب النَّهْيِ عَنْ اتِّبَاعِ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ مُتَّبِعِيهِ) وَالنَّهْيِ عَنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ [2665] (حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ) هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ الْأُولَى وَأَمَّا التَّاءُ الثَّانِيَةُ فَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ

فَتْحُهَا وَلَمْ يَذْكُرِ السَّمْعَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَنْسَابِ وَالْحَازِمِيُّ فِي الْمُؤْتَلِفِ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْمُحَقِّقِينَ وَالْأَكْثَرُونَ غَيْرَهُ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ أَنَّهَا مَضْمُومَةٌ كَالْأُولَى قَالَ وَضَبَطَهَا الْبَاجِيُّ بِالْفَتْحِ قَالَ السَّمْعَانِيُّ هِيَ بَلْدَةٌ مِنْ كُوَرِ الْأَهْوَازِ مِنْ بِلَادِ خُورِسْتَانَ يَقُولُ لَهَا النَّاسُ شَتَرُ بِهَا قَبْرُ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الصَّحَابِيِّ أَخِي أَنَسٍ قَوْلُهَا (تَلَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وأخر متشابهات إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ) قَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ وَالْأُصُولِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ فِي الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى إِذَا لَمْ يَرِدْ تَوْقِيفٌ فِي تَفْسِيرِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ بِمَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَتَنَاسُبُ اللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعِ وَلَا يُنَاسِبُهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ الْمُتَشَابِهُ الْحُرُوفُ الْمُقَطَّعَةُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ وَالْمُحْكَمُ مَا سِوَاهُ وَلَا قَوْلُهُمْ الْمُحْكَمُ مَا يَعْرِفُهُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وَالْمُتَشَابِهُ مَا انْفَرَدَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ وَلَا قَوْلُهُمْ الْمُحْكَمُ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَالْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَالْمُتَشَابِهُ الْقَصَصُ وَالْأَمْثَالُ فَهَذَا أَبْعَدُ الْأَقْوَالِ قَالَ بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّ الْمُحْكَمَ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمَكْشُوفُ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ إِشْكَالٌ وَاحْتِمَالٌ وَالْمُتَشَابِهُ مَا يَتَعَارَضُ فِيهِ الِاحْتِمَالِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُحْكَمَ مَا انْتَظَمَ تَرْتِيبُهُ مُفِيدًا إِمَّا ظَاهِرًا وَإِمَّا بِتَأْوِيلٍ وَأَمَّا الْمُتَشَابِهِ فَالْأَسْمَاءُ الْمُشْتَرَكَةُ كَاَلْقُرْءِ وكالذي بيده عقدة النكاح وكاللمس فَالْأَوَّلُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالثَّانِي

بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالزَّوْجِ وَالثَّالِثُ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالْمَسِّ باليد ونحوها قال ويطلق على ماورد فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا يُوهِمُ ظَاهِرُهُ الْجِهَةَ وَالتَّشْبِيهَ وَيَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ هَلْ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ وَتَكُونُ الْوَاوُ فِي وَالرَّاسِخُونَ عَاطِفَةً أَمْ لَا وَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ الا الله ثُمَّ يَبْتَدِئُ قَوْلَهُ تَعَالَى وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يقولون آمنا به وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ مُحْتَمَلٌ وَاخْتَارَهُ طَوَائِفُ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ وَأَنَّ الرَّاسِخِينَ يَعْلَمُونَهُ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُخَاطِبَ اللَّهُ عِبَادَهُ بِمَا لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا لَا يُفِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ التَّحْذِيرُ مِنْ مُخَالَطَةِ أَهْلِ الزَّيْغِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَمَنْ يَتَّبِعُ الْمُشْكِلَاتِ لِلْفِتْنَةِ فَأَمَّا مَنْ سَأَلَ عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيْهِ مِنْهَا لِلِاسْتِرْشَادِ وَتَلَطَّفَ فِي ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ وَجَوَابُهُ وَاجِبٌ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا يُجَابُ بَلْ يُزْجَرُ وَيُعَزَّرُ كَمَا عَزَّرَ عُمَرُ بن الخطاب رضي الله عنه صبيع بن عسل حِينَ كَانَ يَتْبَعُ الْمُتَشَابِهَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ [2666] (هَجَّرْتُ يَوْمًا) أَيْ بَكَّرْتُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ باختلافهم في الكتاب) و [2667] في رواية اقرؤوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ فَقُومُوا الْمُرَادُ بِهَلَاكِ مَنْ قَبْلَنَا هُنَا هَلَاكُهُمْ فِي الدِّينِ بِكُفْرِهِمْ وَابْتِدَاعِهِمْ فَحَذَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مِثْلِ فِعْلِهِمْ وَالْأَمْرُ بِالْقِيَامِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الْقُرْآنِ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى اخْتِلَافٍ لَا يَجُوزُ او اختلاف

يُوقِعُ فِيمَا لَا يَجُوزُ كَاخْتِلَافٍ فِي نَفْسِ الْقُرْآنِ أَوْ فِي مَعْنًى مِنْهُ لَا يُسَوَّغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ أَوِ اخْتِلَافٍ يُوقِعُ فِي شَكٍّ او شبهة اوفتنة وخصومة اوشجار وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي اسْتِنْبَاطِ فُرُوعِ الدِّينِ مِنْهُ وَمُنَاظَرَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْفَائِدَةِ وَإِظْهَارِ الْحَقِّ وَاخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْهُ بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ وَفَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هَذَا مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ إِلَى الْآنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2668] (أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ) هُوَ بِفَتْحِ الخاء وكسر الصاد والألد شَدِيدُ الْخُصُومَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ لَدِيدَيِ الْوَادِي وَهُمَا جَانِبَاهُ لِأَنَّهُ كُلَّمَا اُحْتُجَّ عَلَيْهِ بِحُجَّةٍ أَخَذَ فِي جَانِبِ آخَرَ وَأَمَّا الْخَصِمُ فَهُوَ الْحَاذِقُ بِالْخُصُومَةِ وَالْمَذْمُومُ هُوَ الْخُصُومَةُ بِالْبَاطِلِ فِي رَفْعِ حق او اثبات بَاطِلٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2669] (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ إِلَخْ) السَّنَنُ بِفَتْحِ السِّينِ وَالنُّونِ وَهُوَ الطَّرِيقُ وَالْمُرَادُ بِالشِّبْرِ

وَالذِّرَاعِ وَجُحْرِ الضَّبِّ التَّمْثِيلُ بِشِدَّةِ الْمُوَافَقَةِ لَهُمْ وَالْمُرَادُ الْمُوَافَقَةُ فِي الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتِ لَا فِي الْكُفْرِ وَفِي هَذَا مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ) قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَقْطُوعَةِ فِي مُسْلِمٍ وَهِيَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ هَذَا آخِرُهَا قَالَ الْقَاضِي قَلَّدَ الْمَازِرِيُّ أَبَا عَلِيٍّ الْغَسَّانِيَّ الْجَيَّانِيَّ فِي تَسْمِيَتِهِ هَذَا مَقْطُوعًا وَهِيَ تسمية باطلة وانما هذا عند اهل الصنعة من باب رواية المجهول وانما المقطوع ما حذف منه راو قلت وتسمية هذا الثاني ايضا مقطوعا مجاز وانما هو منقطع ومرسل عند الاصوليين والفقهاء وانما حقيقة الْمَقْطُوعُ عِنْدَهُمُ الْمَوْقُوفُ عَلَى التَّابِعِيِّ فَمَنْ بَعْدَهُ قَوْلًا لَهُ أَوْ فِعْلًا أَوْ نَحْوَهُ وَكَيْفَ كَانَ فَمَتْنُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ بِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الثَّانِي مُتَابَعَةً وَقَدْ سَبَقَ ان المتابعة يحتمل فيها مالا يُحْتَمَلُ فِي الْأُصُولِ وَقَدْ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ هُنَا اتِّصَالُ هَذَا الطَّرِيقِ الثَّانِي من جهة ابي إسحاق إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ رَاوِي الْكِتَابِ عَنْ مُسْلِمٍ وهو من زياداته وعالي اسناده قال ابو إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا بن أَبِي مَرْيَمَ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى آخِرِهِ فَاتَّصَلَتِ الرواية وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2670] (هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ) أَيِ الْمُتَعَمِّقُونَ الْغَالُونَ الْمُجَاوِزُونَ الْحُدُودَ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ

(باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر

(بَاب رَفْعِ الْعِلْمِ وَقَبْضِهِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ وَالْفِتَنِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ) قَوْلُهُ [2671] (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخٍ إِلَخْ) هَذَا الْإِسْنَادُ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَثْبُتُ الْجَهْلُ وتشرب الخمر ويظهر الزنى) هَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ يَثْبُتُ الْجَهْلُ مِنَ الثُّبُوتِ وَفِي بَعْضِهَا يُبَثُّ بِضَمِّ الْيَاءِ وَبَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ مُثَلَّثَةٌ مُشَدَّدَةٌ أَيْ يُنْشَرُ وَيَشِيعُ وَمَعْنَى تُشْرَبُ الْخَمْرُ شُرْبًا فاشيا ويظهر الزنى أَيْ يَفْشُو وَيَنْتَشِرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرواية الثانية وأشراط السَّاعَةِ عَلَامَاتُهَا وَاحِدُهَا شَرَطٌ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالرَّاءِ ويقل الرِّجَالُ بِسَبَبِ الْقَتْلِ وَتَكْثُرُ النِّسَاءُ فَلِهَذَا يَكْثُرُ الجهل والفساد ويظهر الزنى والخمر ويتقارب الزَّمَانُ أَيْ يَقْرُبُ مِنَ الْقِيَامَةِ وَيُلْقَى الشُّحُّ هُوَ بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ أَيْ يُوضَعُ فِي الْقُلُوبِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ يُلَقَّى بِفَتْحِ اللَّامِ

وَتَشْدِيدِ الْقَافِ أَيْ يُعْطَى وَالشُّحُّ هُوَ الْبُخْلُ بِأَدَاءِ الْحُقُوقِ وَالْحِرْصُ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ وَقَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ

فِيهِ مَبْسُوطًا فِي بَابِ تَحْرِيمِ الظُّلْمِ وَفِي رِوَايَةٍ وَيَنْقُصُ الْعِلْمُ هَذَا يَكُونُ قَبْلَ قَبْضِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2673] (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤسا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا) هَذَا الْحَدِيثُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَبْضِ

الْعِلْمِ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ الْمُطْلَقَةِ لَيْسَ هُوَ مَحْوُهُ مِنْ صُدُورِ حُفَّاظِهِ وَلَكِنْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَمُوتُ حَمَلَتُهُ وَيَتَّخِذُ النَّاسُ جُهَّالًا يَحْكُمُونَ بِجَهَالَاتِهِمْ فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتخذ الناس رؤسا جهالا ضبطناه في البخاري رؤسا بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِالتَّنْوِينِ جَمْعُ رَأْسٍ وَضَبَطُوهُ فِي مُسْلِمٍ هُنَا بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي رُؤَسَاءَ بِالْمَدِّ جَمْعُ رَئِيسٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وفيه التحذير من

اتخاذ الجهال رؤساء قوله (أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو ما أَحْسِبُهُ إِلَّا قَدْ صَدَقَ أَرَاهُ لَمْ يَزِدْ فِيهِ شَيْئًا وَلَمْ يَنْقُصْ) لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا اتَّهَمَتْهُ لَكِنَّهَا خَافَتْ أَنْ يَكُونَ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَوْ قَرَأَهُ مِنْ كُتُبِ الْحِكْمَةِ فَتَوَهَّمَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَرَّرَهُ مَرَّةً أُخْرَى وَثَبَتَ عَلَيْهِ غَلَبَ عَلَى ظَنّهَا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهَا أَرَاهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى حِفْظِ الْعِلْمِ وَأَخْذِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَاعْتِرَافُ الْعَالِمِ لِلْعَالِمِ بِالْفَضِيلَةِ

(باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو

(بَاب مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً أَوْ سَيِّئَةً وَمَنْ دَعَا إِلَى هُدًى أَوْ ضَلَالَةٍ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1017] (مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً) الْحَدِيثُ وَفِي الحديث الآخر [2674] من دعا إلى هدى ومن دعا إلى ضلالة هَذَانِ الْحَدِيثَانِ صَرِيحَانِ فِي الْحَثِّ عَلَى اسْتِحْبَابِ سَنِّ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ وَتَحْرِيمِ سَنِّ الْأُمُورِ السَّيِّئَةِ وَأَنَّ مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ كُلِّ مَنْ يَعْمَلُ بِهَا إِلَى

يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ كُلِّ مَنْ يَعْمَلُ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّ مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِثْلُ أُجُورِ مُتَابِعِيهِ أَوْ إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ آثَامِ تَابِعِيهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْهُدَى وَالضَّلَالَةُ هُوَ الَّذِي ابْتَدَأَهُ أَمْ كَانَ مَسْبُوقًا إِلَيْهِ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ تَعْلِيمُ عِلْمٍ أَوْ عِبَادَةٍ أَوْ أَدَبٍ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 0فَعَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ) مَعْنَاهُ إِنْ سَنَّهَا سَوَاءٌ كَانَ الْعَمَلُ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ موته والله اعلم

كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار

( كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار) (باب الحث على ذكر الله تعالى [2675] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي) قَالَ الْقَاضِي قِيلَ مَعْنَاهُ بِالْغُفْرَانِ لَهُ إِذَا اسْتَغْفَرَ وَالْقَبُولِ إِذَا تَابَ وَالْإِجَابَةِ إِذَا دَعَا وَالْكِفَايَةِ إِذَا طَلَبَ الْكِفَايَةَ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الرَّجَاءُ وَتَأْمِيلُ الْعَفْوِ وَهَذَا أَصَحُّ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي أَيْ مَعَهُ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّوْفِيقِ وَالْهِدَايَةِ وَالرِّعَايَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى وهو معكم أينما كنتم فمعناه بالعلم والاحاطة قوله تعالى إن ذ كرني فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي قَالَ الْمَازِرِيُّ النَّفْسُ تُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى مَعَانٍ مِنْهَا الدَّمُ وَمِنْهَا نَفْسُ الْحَيَوَانِ وَهُمَا مُسْتَحِيلَانِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهَا الذَّاتُ وَاَللَّهُ تَعَالَى لَهُ ذَاتٌ حَقِيقَةٌ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي نَفْسِي وَمِنْهَا الْغَيْبُ وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي ولا أعلم ما فى نفسك أَيْ مَا فِي غَيْبِي فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا مُرَادُ الْحَدِيثِ أَيْ إِذَا ذَكَرَنِي خَالِيًا أَثَابَهُ اللَّهُ وَجَازَاهُ عَمَّا عَمِلَ)

بِمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ هم خَيْرٍ مِنْهُمْ هَذَا مِمَّا اسْتَدَلَّتْ بِهِ الْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ على كثير ممن خلقنا تفضيلا فَالتَّقْيِيدُ بِالْكَثِيرِ احْتِرَازٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَمَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ والملائكةمن الْعَالَمِينَ وَيُتَأَوَّلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الذَّاكِرِينَ غالبا يكونون طائفة لانبى فيهم فاذا ذكره الله تعالى فِي خَلَائِقَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ كَانُوا خَيْرًا مِنْ تِلْكَ الطَّائِفَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَيَسْتَحِيلُ إِرَادَةُ ظَاهِرِهِ وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ مَرَّاتٍ وَمَعْنَاهُ مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِطَاعَتِي تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بِرَحْمَتِي وَالتَّوْفِيقِ وَالْإِعَانَةِ وَإِنْ زَادَ زِدْتُ فَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي وَأَسْرَعَ فِي طَاعَتِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً أَيْ صَبَبْتُ عَلَيْهِ الرَّحْمَةَ وَسَبَقْتُهُ بِهَا وَلَمْ أُحْوِجْهُ إِلَى الْمَشْيِ الْكَثِيرِ فِي الْوُصُولِ إِلَى الْمَقْصُودِ وَالْمُرَادُ أَنَّ جَزَاءَهُ يكون تضعيفه

عَلَى حَسَبِ تَقَرُّبِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي رِوَايَةِ محمد بن جعفر وَإِذَا تَلَقَّانِي بِبَاعٍ جِئْتُهُ أَتَيْتُهُ هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ جِئْتُهُ أَتَيْتُهُ وَفِي بَعْضِهَا جِئْتُهُ بِأَسْرَعِ فَقَطْ وَفِي بَعْضِهَا أَتَيْتُهُ وَهَاتَانِ ظَاهِرَتَانِ وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ أَيْضًا وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِلتَّوْكِيدِ وَهُوَ حَسَنٌ لَا سِيَّمَا عِنْدَ اخْتِلَافِ اللَّفْظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [2676] قَوْلُهُ جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ هُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ قَالُوا وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ هَكَذَا الرِّوَايَةُ فِيهِ الْمُفَرِّدُونَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَهَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ مُتْقِنِي شُيُوخِهِمْ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ رُوِيَ بِتَخْفِيفِهَا وَإِسْكَانِ الْفَاءِ يُقَالُ فَرَدَ الرَّجُلُ وَفَرَّدَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَأَفْرَدَ وَقَدْ فَسَّرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ تَقْدِيرُهُ وَالذَّاكِرَاتُهُ فَحُذِفَتِ الْهَاءُ هُنَا كَمَا حذفت فى القرآن لمناسبة رؤس الْآي وَلِأَنَّهُ مَفْعُولٌ يَجُوزُ حَذْفُهُ وَهَذَا التَّفْسِيرُ هو مراد الحديث قال بن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ وَأَصْلُ الْمُفَرِّدِينَ الَّذِينَ هَلَكَ أَقْرَانُهُمْ وَانْفَرَدُوا عَنْهُمْ فَبَقُوا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ هُمُ الَّذِينَ اهْتَزُّوا فِي ذِكْرِ الله أى لهجوابه وقال بن الْأَعْرَابِيُّ يُقَالُ فَرَّدَ الرَّجُلُ إِذَا تَفَقَّهَ وَاعْتَزَلَ وخلا بمراعاة الأمر والنهى

(باب فى اسماء الله تعالى وفضل من أحصاها [2677] قوله صلى

(باب فى اسماء الله تعالى وفضل من أحصاها [2677] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى إِذْ لَوْ كَانَ غَيْرُهُ لَكَانَتِ الْأَسْمَاءُ لِغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلِلَّهِ الأسماءالحسنى قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَشْهَرَ أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اللَّهُ لِإِضَافَةِ هَذِهِ الأسماءاليه وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ اسْمُهُ الْأَعْظَمُ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرِيُّ وَإِلَيْهِ يُنْسَبُ كُلُّ اسم له فيقال الرؤف وَالْكَرِيمُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُقَالُ من أسماء الرؤف أَوِ الْكَرِيمِ اللَّهُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ فِيهِ حَصْرٌ لِأَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَسْمَاءٌ غَيْرَ هَذِهِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ وَإِنَّمَا مَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ فَالْمُرَادُ الْإِخْبَارُ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِإِحْصَائِهَا لَا الْإِخْبَارِ بِحَصْرِ الْأَسْمَاءِ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَسْأَلُكَ بِكُلٍّ اسْمٍ سَمَّيْتَ بِهِ نفسك أواستأثرت بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ لِلَّهِ تَعَالَى أَلِفُ اسْمٍ قال بن الْعَرَبِيِّ وَهَذَا قَلِيلٌ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا تَعْيِينُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ فَقَدْ جَاءَ فِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ فِي بَعْضِ أَسْمَائِهِ خِلَافٌ وَقِيلَ إِنَّهَا مَخْفِيَّةُ التَّعْيِينِ كَالِاسْمِ الْأَعْظَمِ وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَنَظَائِرِهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ فَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِإِحْصَائِهَا فَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ مَعْنَاهُ حَفِظَهَا وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَنْ حَفِظَهَا وَقِيلَ أَحْصَاهَا عَدَّهَا)

(باب العزم فى الدعاء ولا يقل إن شئت [2678] قوله صلى الله

فِي الدُّعَاءِ بِهَا وَقِيلَ أَطَاقَهَا أَيْ أَحْسَنَ الْمُرَاعَاةَ لَهَا وَالْمُحَافَظَةَ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ وَصَدَّقَ بِمَعَانِيهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْعَمَلُ بِهَا وَالطَّاعَةُ بِكُلِّ اسْمِهَا وَالْإِيمَانُ بِهَا لَا يَقْتَضِي عَمَلًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ حِفْظُ الْقُرْآنِ وَتِلَاوَتُهُ كُلُّهُ لِأَنَّهُ مُسْتَوْفٍ لَهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ الْوِتْرُ الْفَرْدُ وَمَعْنَاهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الْوَاحِدُ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا نَظِيرٌ وَمَعْنَى يُحِبُّ الْوِتْرَ تَفْضِيلُ الْوِتْرِ فِي الْأَعْمَالِ وَكَثِيرٍ مِنَ الطَّاعَاتِ فَجَعَلَ الصَّلَاةَ خَمْسًا وَالطَّهَارَةَ ثَلَاثًا وَالطَّوَافَ سَبْعًا وَالسَّعْيَ سَبْعًا وَرَمْيَ الْجِمَارِ سَبْعًا وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ ثَلَاثًا وَالِاسْتِنْجَاءَ ثَلَاثًا وَكَذَا الْأَكْفَانُ وَفِي الزَّكَاةِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَخَمْسُ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ وَنِصَابُ الْإِبِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَجَعَلَ كَثِيرًا مِنْ عَظِيمِ مَخْلُوقَاتِهِ وِتْرًا مِنْهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُونَ وَالْبِحَارُ وَأَيَّامُ الْأُسْبُوعِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَقِيلَ إِنَّ مَعْنَاهُ مُنْصَرِفٌ إِلَى صِفَةِ مَنْ يَعْبُدِ اللَّهَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالتَّفَرُّدِ مُخْلِصًا لَهُ والله أعلم (باب العزم فى الدعاء وَلَا يَقُلْ إِنْ شِئْتَ [2678] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمْ فِي الدُّعَاءِ وَلَا يَقُلْ اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي فَإِنَّ اللَّهَ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنَّ اللَّهَ صَانِعٌ مَا شَاءَ لَا مُكْرِهَ له وفى رواية ليعزم الرغب)

فان الله لايتعاظمه شَيْءٌ أَعْطَاهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ عَزْمُ الْمَسْأَلَةِ الشِّدَّةُ فى طلبها والحزم مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ فِي الطَّلَبِ وَلَا تَعْلِيقَ عَلَى مَشِيئَةٍ وَنَحْوِهَا وَقِيلَ هُوَ حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِجَابَةِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الْجَزْمِ فِي الطَّلَبِ وَكَرَاهَةُ التَّعْلِيقِ عَلَى الْمَشِيئَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُ كَرَاهَتِهِ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ اسْتِعْمَالُ الْمَشِيئَةِ إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْإِكْرَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ وَقِيلَ سَبَبُ الْكَرَاهَةِ أَنَّ فِي هَذَا اللَّفْظِ صُورَةُ الِاسْتِعْفَاءِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَالْمَطْلُوبِ مِنْهُ قَوْلُهُ عن عطاء بن مثنى هُوَ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ بَاب كَرَاهَةِ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ [2680] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لايتمنين أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي فِيهِ التَّصْرِيحُ بِكَرَاهَةِ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ فَاقَةٍ أَوْ مِحْنَةٍ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَشَاقِّ الدُّنْيَا فَأَمَّا إِذَا خَافَ ضررا فى دينه

أوفتنة فِيهِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ لِمَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ فَعَلَ هَذَا الثَّانِي خَلَائِقُ مِنَ السَّلَفِ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ فِي أَدْيَانِهِمْ وَفِيهِ أَنَّهُ إِنْ خَافَ وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى حَالِهِ فِي بَلْوَاهُ بِالْمَرَضِ وَنَحْوهِ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي إن كانت الحياة خيرا لى إِلَخْ وَالْأَفْضَلُ الصَّبْرُ وَالسُّكُونُ لِلْقَضَاءِ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ وَأَنَسٌ يَوْمئِذٍ حَيٌّ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّضْرَ حَدَّثَ بِهِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ [2682] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَمَلُهُ وَفِي كَثِيرٍ مِنْهَا أَمَلُهُ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَجْوَدُ وَهُوَ الْمُتَكَرِّرُ فِي الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

بَاب مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ [2683] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا هَدَّابُ هَذَا الْإِسْنَادُ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ إِلَّا عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ فشامى قوله صلىالله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ فَكُلُّنَا يَكْرَهُ الْمَوْتَ قَالَ لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ فَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَأَنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ هَذَا الْحَدِيثُ يُفَسِّرُ آخِرُهُ أَوَّلَهُ وَيُبَيِّنُ الْمُرَادَ بِبَاقِي الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ الْمُعْتَبَرَةَ

هِيَ الَّتِي تَكُونُ عِنْدَ النَّزْعِ فِي حَالَةٍ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا غَيْرُهَا فَحِينَئِذٍ يُبَشَّرُ كُلُّ إِنْسَانٍ بِمَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ وَمَا أعدله وَيُكْشَفُ لَهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَهْلُ السَّعَادَةِ يُحِبُّونَ الموت ولقاء الله لينتقلوا إلى ما أعدلهم وَيُحِبُّ اللَّهُ لِقَاءَهُمْ أَيْ فَيُجْزِلُ لَهُمُ الْعَطَاءَ وَالْكَرَامَةَ وَأَهْلُ الشَّقَاوَةِ يَكْرَهُونَ لِقَاءَهُ لِمَا عَلِمُوا مِنْ سُوءٍ مَا يَنْتَقِلُونَ إِلَيْهِ وَيَكْرَهُ اللَّهُ لِقَاءَهُمْ أَيْ يُبْعِدُهُمْ عَنْ رَحْمَتِهِ وَكَرَامَتِهِ وَلَا يُرِيدُ ذَلِكَ بِهِمْ وَهَذَا مَعْنَى كَرَاهَتِهِ سُبْحَانَهُ لِقَاءَهُمْ وَلَيْسَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ سَبَبَ كَرَاهَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِقَاءَهُمْ كَرَاهَتُهُمْ ذَلِكَ وَلَا

باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى وحسن

أَنَّ حُبَّهُ لِقَاءَ الْآخَرِينَ حُبُّهُمْ ذَلِكَ بَلْ هُوَ صِفَةٌ لَهُمْ [2685] قَوْلُهَا إِذَا شَخَصَ الْبَصَرُ وَحَشْرَجَ الصَّدْرُ وَاقْشَعَرَّ الْجِلْدُ وَتَشَنَّجَتِ الْأَصَابِعُ أَمَّا شَخَصَ فَبِفَتْحِ الشِّينِ وَالْخَاءِ وَمَعْنَاهُ ارْتِفَاعُ الْأَجْفَانِ إِلَى فَوْقُ وَتَحْدِيدُ النَّظَرِ وَأَمَّا الْحَشْرَجَةُ فَهِيَ تردد النفس فى الصدور وأما اقشعرار الْجِلْدُ فَهُوَ قِيَامُ شَعْرِهِ وَتَشَنُّجُ الْأَصَابِعِ تَقَبُّضُهَا (باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى وحسن الظن به قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا أَوْ بُوعًا الْبَاعُ وَالْبُوعُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَالْبَوعُ بِفَتْحِهَا)

كُلُّهُ بِمَعْنًى وَهُوَ طُولُ ذِرَاعَيِ الْإِنْسَانِ وَعَضُدَيْهِ وَعَرْضُ صَدْرِهِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَهُوَ قَدْرُ أَرْبَعِ أَذْرُعٍ وَهَذَا حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَالْمُرَادُ بِهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمَجَازِ كَمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الذِّكْرِ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ الْحَدِيثَيْنِ بَعْدَهُ [2687] قَوْلُهُ تَعَالَى فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا أو أزيد معناه أن التضعيف بعشرة أمثالهالا بد بفضل الله ورحمته ووعده الذى لايخلف وَالزِّيَادَةُ بَعْدُ بِكَثْرَةِ التَّضْعِيفِ إِلَى سَبْعمِائَةِ ضِعْفٍ وَإِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ يَحْصُلُ لِبَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ عَلَى حَسَبِ مَشِيئَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ مَا يُقَارِبُ مِلْأَهَا وَحُكِي كَسْرُ الْقَافِ نَقَلَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ والله أعلم

بَاب كَرَاهَةِ الدُّعَاءِ بِتَعْجِيلِ الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا [2688] قَوْلُهُ عَادَ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ مِثْلُ الْفَرْخِ أَيْ ضَعُفَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنِ الدُّعَاءِ بِتَعْجِيلِ الْعُقُوبَةِ وَفِيهِ فَضْلُ الدعاء باللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَفِيهِ جَوَازُ التَّعَجُّبِ بِقَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَقَدْ سَبَقَتْ نَظَائِرُهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَالدُّعَاءِ لَهُ وَفِيهِ كَرَاهَةُ تَمَنِّي الْبَلَاءِ لِئَلَّا يَتَضَجَّرُ مِنْهُ وَيَسْخَطُهُ وَرُبَّمَا شَكَا وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ

(باب فضل مجالس الذكر [2689] قوله صلى الله عليه وسلم إن

الْحَسَنَةِ فِي الدُّنْيَا أَنَّهَا الْعِبَادَةُ وَالْعَافِيَةُ وَفِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ وَالْمَغْفِرَةُ وَقِيلَ الْحَسَنَةُ تَعُمُّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ (بَاب فَضْلِ مَجَالِسِ الذَّكَرِ [2689] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَائِكَةً سَيَّارَةً فُضُلًا يَبْتَغُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ أَمَّا السَّيَّارَةُ فَمَعْنَاهُ سَيَّاحُونَ فِي الْأَرْضِ وَأَمَّا فُضُلًا فَضَبَطُوهُ عَلَى أَوْجُهٍ أَحَدُهَا وَهُوَ أَرْجَحُهَا وَأَشْهَرُهَا فِي بِلَادِنَا فُضُلًا بِضَمِّ الْفَاءِ وَالضَّادِ وَالثَّانِيَةُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الضَّادِ وَرَجَّحَهَا بَعْضُهُمْ وَادَّعَى أَنَّهَا أَكْثَرُ وَأَصْوَبُ وَالثَّالِثَةُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الضَّادِ قَالَ الْقَاضِي هَكَذَا الرِّوَايَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ شُيُوخِنَا فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالرَّابِعَةُ فُضُلٌ بِضَمِّ الْفَاءِ وَالضَّادِ وَرَفْعِ اللَّامِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالْخَامِسَةُ فُضَلَاءَ بِالْمَدِّ جَمْعُ فَاضِلَ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ عَلَى جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ زَائِدُونَ عَلَى الْحَفَظَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُرَتَّبِينَ مع الخلائق فهؤلاء السيارة لاوظيفة لهم وانما مَقْصُودُهُمْ حِلَقُ الذِّكْرِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْتَغُونَ فَضَبَطُوهُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ التَّتَبُّعِ وَهُوَ الْبَحْثُ عَنِ الشَّيْءِ وَالتَّفْتِيشُ وَالثَّانِي يَبْتَغُونَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ الا بتغاء وَهُوَ الطَّلَبُ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا هَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ بِلَادِنَا حَفَّ بِالْفَاءِ وَفِي بَعْضِهَا حَضَّ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ حَثَّ عَلَى الْحُضُورِ وَالِاسْتِمَاعِ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ رُوَاتِهِمْ وَحَطَّ بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي قَالَ وَمَعْنَاهُ أَشَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ بِالنُّزُولِ وَيُؤَيِّدُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ فِي الْبُخَارِيِّ هَلُمُّوا إلى)

حَاجَتِكُمِ وَيُؤَيِّدُ الرِّوَايَةَ الْأُولَى وَهِيَ حَفَّ قَوْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ يَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ وَيُحْدِقُونَ بِهِمْ وَيَسْتَدِيرُونَ حَوْلَهُمْ وَيَحُوفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَوْلُهُ وَيَسْتَجِيرُونَكَ مِنْ نَارِكَ أَيْ يَطْلُبُونَ الْأَمَانَ مِنْهَا قَوْلُهُ عَبْدٌ خَطَّاءٌ أَيْ كَثِيرُ الْخَطَايَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ الذِّكْرِ وَفَضِيلَةُ مَجَالِسِهِ وَالْجُلُوسِ مَعَ أَهْلِهِ وان لم يشاركهم وفضل مجالسة الصَّالِحِينَ وَبَرَكَتِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى ضَرْبَانِ ذِكْرٌ بِالْقَلْبِ وَذِكْرٌ بِاللِّسَانِ وَذِكْرُ الْقَلْبِ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ أَرْفَعُ الْأَذْكَارِ وَأَجَلُّهَا الْفِكْرُ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَلَالِهِ وَجَبَرُوتِهِ وَمَلَكُوتِهِ وَآيَاتِهِ فِي سمواته وَأَرْضِهِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ وَالْمُرَادُ بِهِ هَذَا وَالثَّانِي ذِكْرُهُ بِالْقَلْبِ عِنْدَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَيَمْتَثِلُ مَا أُمِرَ بِهِ وَيَتْرُكُ مَا نُهِيَ عَنْهُ وَيَقِفُ عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيْهِ وَأَمَّا ذكر اللسان مجردا فهو أضعف الأ ذكار وَلَكِنْ فِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الأحاديث قال وذكر بن جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ اخْتِلَافَ السَّلَفِ فِي ذِكْرِ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ قَالَ الْقَاضِي وَالْخِلَافُ عِنْدِي إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي مُجَرَّدِ ذِكْرِ الْقَلْبِ تَسْبِيحًا وَتَهْلِيلًا وَشِبْهَهُمَا وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُهُمْ لَا أَنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي الذِّكْرِ الْخَفِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ والا فذلك

(باب فضل الدعاء باللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي

لايقاربه ذكر اللسان فكيف يفاضله وانما الخلاف فى ذِكْرُ الْقَلْبِ بِالتَّسْبِيحِ الْمُجَرَّدِ وَنَحْوِهِ وَالْمُرَادُ بِذِكْرِ اللِّسَانِ مَعَ حُضُورِ الْقَلْبِ فَإِنْ كَانَ لَاهِيًا فَلَا وَاحْتَجَّ مَنْ رَجَّحَ ذِكْرَ الْقَلْبِ بِأَنَّ عمل السر أفضل ومن رجح ذكر اللِّسَانَ قَالَ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِ أَكْثَرُ فَإِنْ زَادَ بِاسْتِعْمَالِ اللِّسَانِ اقْتَضَى زِيَادَةَ أَجْرٍ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا هَلْ تَكْتُبُ الْمَلَائِكَةُ ذِكْرَ الْقَلْبِ فقيل تكتبه وَيَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ عَلَامَةً يَعْرِفُونَهُ بِهَا وقيل لا يكتبونه لأنه لايطلع عَلَيْهِ غَيْرُ اللَّهِ قُلْتُ الصَّحِيحُ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَهُ وَأَنَّ ذِكْرَ اللِّسَانِ مَعَ حُضُورِ الْقَلْبِ أَفْضَلُ مِنَ الْقَلْبِ وَحْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب فَضْلِ الدعاء باللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [2690] ذُكِرَ فِي الحديث أنها كانت أكثر دعاءالنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا جَمَعَتْهُ مِنْ خَيْرَاتِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ قَرِيبًا والله أعلم)

باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء [2691] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ قَالَ فِي يَوْمٍ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلِ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ هَذَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذَا التَّهْلِيلَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ فِي الْيَوْمِ كان له هذا الأجر المذكور فى الحديث على المائة ويكون له ثواب آخر على الزيادة وليس هذا من الحدود التى نهى عن اعتدائها وَمُجَاوَزَةُ أَعْدَادِهَا وَإِنَّ زِيَادَتَهَا لَا فَضْلَ فِيهَا أَوْ تُبْطِلُهَا كَالزِّيَادَةِ فِي عَدَدِ الطَّهَارَةِ وَعَدَدِ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الزِّيَادَةَ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ لَا مِنْ نَفْسِ التَّهْلِيلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الزِّيَادَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنَ التَّهْلِيلِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَظَاهِرُ إِطْلَاقِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُحَصِّلُ هَذَا الْأَجْرَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ هَذَا التَّهْلِيلَ مِائَةَ مَرَّةٍ فِي يَوْمِهِ سَوَاءٌ قَالَهُ مُتَوَالِيَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً فِي مَجَالِسَ أَوْ بَعْضَهَا أَوَّلَ النَّهَارِ وَبَعْضَهَا آخِرَهُ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مُتَوَالِيَةً فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لِيَكُونَ حِرْزًا لَهُ فِي جَمِيعِ نَهَارِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ التَّهْلِيلِ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَفِي حَدِيثِ التَّسْبِيحِ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ

كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ظَاهِرُهُ أَنَّ التَّسْبِيحَ أَفْضَلُ وَقَدْ قَالَ فِي حَدِيثِ التَّهْلِيلِ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا إِنَّ التَّهْلِيلَ المذكور أفضل ويكون ما فيه من زيادةالحسنات وَمَحْوِ السَّيِّئَاتِ وَمَا فِيهِ مِنْ فَضْلِ عِتْقِ الرِّقَابِ وَكَوْنُهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ زَائِدًا عَلَى فَضْلِ التَّسْبِيحِ وَتَكْفِيرِ الْخَطَايَا لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ فَقَدْ حَصَلَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ تَكْفِيرُ جَمِيعِ الْخَطَايَا مَعَ مَا يَبْقَى لَهُ مِنْ زِيَادَةِ عِتْقِ الرِّقَابِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَمَعَ مَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ مِائَةِ دَرَجَةٍ وَكَوْنِهِ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ بَعْدَ هَذَا إِنَّ أَفْضَلَ الذِّكْرِ التَّهْلِيلُ مَعَ الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَفْضَلُ مَا قُلْتُهُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْحَدِيثَ وَقِيلَ إِنَّهُ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ وَهِيَ كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مَعْنَى التَّسْبِيحِ التَّنْزِيهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنَ الشَّرِيكِ وَالْوَلَدِ وَالصَّاحِبَةِ وَالنَّقَائِصِ مُطْلَقًا وَسِمَاتِ الْحُدُوثِ مُطْلَقًا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ التَّهْلِيلِ عَشْرَ مَرَّاتٍ حَدَّثَنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

أَبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ رَبِيعِ بْنِ خثيم عن عمرو بن ميمون عن بن أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمُ الشَّعْبِيُّ وَرَبِيعٌ وعمرو وبن أبى ليلى واسم بن أبى ليلى هذا عبد الرحمن وأما بن أَبِي السَّفَرِ فَبِفَتْحِ الْفَاءِ وَسَكَّنَهَا بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ [2696] قَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ

كَبَّرْتُ كَبِيرًا أَوْ ذَكَرْتُ كَبِيرًا [2698] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ فَيُكْتَبُ لَهُ أَلِفُ حَسَنَةٍ أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلِفُ خَطِيئَةٍ هَكَذَا هُوَ فِي عَامَّةِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَوْ يُحَطُّ بِأَوْ وَفِي بَعْضِهَا وَيُحَطُّ بِالْوَاوِ وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ كَذَا هُوَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ أَوْ يُحَطُّ بِأَوْ وَقَالَ الْبُرْقَانِيُّ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ وَأَبُو عَوَانَةَ وَيَحْيَى الْقَطَّانُ عَنْ يَحْيَى الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ جِهَتِهِ فَقَالُوا وَيُحَطُّ بِالْوَاوِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر [2699] فيه

(بَاب فَضْلِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَعَلَى الذِّكْرِ [2699] فيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً إِلَى آخِرِهِ وَهُوَ حَدِيثٌ عَظِيمٌ جَامِعٌ لِأَنْوَاعٍ مِنَ الْعُلُومِ وَالْقَوَاعِدِ وَالْآدَابِ وَسَبَقَ شَرْحُ أَفْرَادِ فُصُولِهِ وَمَعْنَى نَفَّسَ الْكُرْبَةَ أَزَالَهَا وَفِيهِ فَضْلُ قَضَاءِ حَوَائِجِ الْمُسْلِمِينَ وَنَفْعِهِمْ بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ عِلْمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ مُعَاوَنَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ بِمَصْلَحَةٍ أَوْ نَصِيحَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَفَضْلُ السِّتْرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ وَفَضْلُ إِنْظَارِ الْمُعْسِرِ وَفَضْلُ الْمَشْيِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ بِشَرْطِ أَنْ يُقْصَدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تعالى وان كَانَ هَذَا شَرْطًا فِي كُلِّ عِبَادَةٍ لَكِنَّ عَادَةَ الْعُلَمَاءِ يُقَيِّدُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِهِ لِكَوْنِهِ قَدْ يَتَسَاهَلُ فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ وَيَغْفُلُ عَنْهُ بَعْضُ الْمُبْتَدِئِينِ وَنَحْوُهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ قِيلَ الْمُرَادُ بِالسَّكِينَةِ هُنَا الرَّحْمَةُ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِعَطْفِ الرَّحْمَةِ عليه وقيل الطمأنينة والوقار هو أَحْسَنُ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِفَضْلِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِي الْمَسْجِدِ)

وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَيُلْحَقُ بِالْمَسْجِدِ فِي تَحْصِيلِ هذه الفضيلة الاجتماع فى مدرسة وَرِبَاطٍ وَنَحْوِهِمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الَّذِي بَعْدَهُ فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْمَوَاضِعِ وَيَكُونُ التَّقْيِيدُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ لَا سِيَّمَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَلَا يَكُونَ لَهُ مَفْهُومٌ يُعْمَلُ بِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ مَعْنَاهُ مَنْ كَانَ عَمَلُهُ نَاقِصًا لَمْ يُلْحِقْهُ بِمَرْتَبَةِ أصحاب الأعمال فينبغى أن

(باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه [2702] قوله صلى

لايتكل عَلَى شَرَفِ النَّسَبِ وَفَضِيلَةِ الْآبَاءِ وَيُقَصِّرَ فِي الْعَمَلِ [2701] قَوْلُهُ لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ هِيَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِهَا وَهِيَ فُعْلَةٌ وَفُعَلَةٌ مِنَ الْوَهَمِ وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ وَاتَّهَمْتَهُ بِهِ اذا ظننت به ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ مَعْنَاهُ يُظْهِرُ فَضْلَكُمْ لَهُمْ وَيُرِيهِمْ حُسْنَ عَمَلِكُمْ وَيُثْنِي عَلَيْكُمْ عِنْدَهُمْ وَأَصْلُ الْبَهَاءِ الْحُسْنُ وَالْجَمَالُ وَفُلَانٌ يُبَاهِي بِمَالِهِ أَيْ يَفْخَرُ وَيَتَجَمَّلُ بِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ وَيُظْهِرُ حُسْنَهُمْ (بَاب اسْتِحْبَابِ الِاسْتِغْفَارِ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ [2702] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْغَيْنُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْغَيْمُ بِمَعْنًى وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يَتَغَشَّى الْقَلْبَ قَالَ الْقَاضِي قِيلَ الْمُرَادُ الْفَتَرَاتُ وَالْغَفَلَاتُ عَنِ الذِّكْرِ الَّذِي كَانَ شَأْنُهُ الدَّوَامَ عَلَيْهِ فَإِذَا فتَرَ عَنْهُ أَوْ غَفَلَ عَدَّ ذَلِكَ ذَنْبًا وَاسْتَغْفَرَ مِنْهُ قَالَ وَقِيلَ هُوَ هَمُّهُ بِسَبَبِ أُمَّتِهِ وَمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَحْوَالِهَا بَعْدَهُ فَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ وَقِيلَ سَبَبُهُ)

(باب التوبة قوله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس

اشْتِغَالُهُ بِالنَّظَرِ فِي مَصَالِحِ أُمَّتِهِ وَأُمُورِهِمْ وَمُحَارَبَةُ الْعَدُوِّ وَمُدَارَاتُهُ وَتَأْلِيفُ الْمُؤَلَّفَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَيَشْتَغِلُ بذلك من عظيم مقامه فيراه ذنبا بالنسبةالى عَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ مِنْ أَعْظَمِ الطَّاعَاتِ وَأَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فَهِيَ نُزُولٌ عَنْ عَالِي دَرَجَتِهِ وَرَفِيعِ مَقَامِهِ مِنْ حُضُورِهِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى وَمُشَاهَدَتِهِ وَمُرَاقَبَتِهِ وَفَرَاغِهِ مِمَّا سِوَاهُ فَيَسْتَغْفِرُ لِذَلِكَ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الْغَيْنَ هُوَ السَّكِينَةُ الَّتِي تَغْشَى قَلْبَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فانزل السكينة عليهم وَيَكُونُ اسْتِغْفَارُهُ إِظْهَارًا لِلْعُبُودِيَّةِ وَالِافْتِقَارِ وَمُلَازَمَةِ الْخُشُوعِ وَشُكْرًا لِمَا أَوْلَاهُ وَقَدْ قَالَ الْمُحَاشِيُّ خَوْفُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ خَوْفُ إِعْظَامٍ وَإِنْ كَانُوا آمِنِينَ عَذَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الْغَيْنَ حَالُ خَشْيَةٍ وَإِعْظَامٍ يَغْشَى الْقَلْبَ وَيَكُونُ اسْتِغْفَارُهُ شُكْرًا كَمَا سَبَقَ وَقِيلَ هُوَ شَيْءٌ يَعْتَرِي الْقُلُوبَ الصَّافِيَةَ مِمَّا تَتَحَدَّثُ بِهِ النَّفْسُ فهو شها والله أعلم (باب التوبة قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ هَذَا الْأَمْرُ بِالتَّوْبَةِ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المؤمنون وَقَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلى الله)

(باب استحباب خفض الصوت بالذكر إلافى المواضع التى

توبة نصوحا وَقَدْ سَبَقَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ بَيَانُ سَبَبِ اسْتِغْفَارِهِ وَتَوْبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ أَحْوَجُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِلتَّوْبَةِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ أَنْ يُقْلِعَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَأَنْ يَنْدَمَ عَلَى فِعْلِهَا وَأَنْ يعزم عزما جازما أن لايعود إِلَى مِثْلِهَا أَبَدًا فَإِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ تَتَعَلَّقُ بِآدَمِيٍّ فَلَهَا شَرْطٌ رَابِعٌ وَهُوَ رَدُّ الظُّلَامَةِ إِلَى صَاحِبِهَا أَوْ تَحْصِيلُ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ وَالتَّوْبَةُ أَهَمُّ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ أَوَّلُ مَقَامَاتِ سَالِكِي طريق الآخرة [2703] قوله صلىالله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا حَدٌّ لِقَبُولِ التَّوْبَةِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إِنَّ لِلتَّوْبَةِ بَابًا مَفْتُوحًا فَلَا تَزَالُ مَقْبُولَةً حَتَّى يُغْلَقَ فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا أُغْلِقَ وَامْتَنَعَتِ التَّوْبَةُ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ تَابَ قَبْلَ ذَلِكَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكِ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا وَمَعْنَى تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَبِلَ تَوْبَتَهُ وَرَضِيَ بِهَا وَلِلتَّوْبَةِ شَرْطٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَتُوبَ قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْغَرْغَرَةِ وَهِيَ حَالَةُ النَّزْعِ فَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا غَيْرُهَا وَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ وَلَا غَيْرُهَا (بَاب اسْتِحْبَابِ خَفْضِ الصَّوْتِ بالذكر إلافى المواضع التى ورد الشرع برفعه فيها كالتلبية وغيرها وإستحباب الاكثار من قول لاحول ولاقوة إلا بالله [2704] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ حِينَ جَهَرُوا بِالتَّكْبِيرِ أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ انكم ليس)

تدعون أصم ولاغائبا إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ ارْبَعُوا بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَبِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَعْنَاهُ ارْفُقُوا بِأَنْفُسِكُمْ وَاخْفِضُوا أَصْوَاتَكُمْ فَإِنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ إِنَّمَا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ لِبُعْدِ مَنْ يُخَاطِبُهُ لِيُسْمِعَهُ وَأَنْتُمْ تدعون الله تعالى وليس هو بأصم ولاغائب بَلْ هُوَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ وَهُوَ مَعَكُمْ بِالْعِلْمِ وَالْإِحَاطَةِ فَفِيهِ النَّدْبُ إِلَى خَفْضِ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ إِذَا لَمْ تَدْعُ حَاجَةٌ إِلَى رَفْعِهِ فَإِنَّهُ إِذَا خَفَضَهُ كَانَ أَبْلَغَ فِي تَوْقِيرِهِ وَتَعْظِيمِهِ فان دعت حاجةالى الرَّفْعِ رَفَعَ كَمَا جَاءَتْ بِهِ أَحَادِيثُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الأخرى الذى تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَةِ أَحَدِكُمْ هُوَ بِمَعْنَى مَا سَبَقَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مجاز كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد وَالْمُرَادُ تَحْقِيقُ سَمَاعِ الدُّعَاءِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاَللَّهِ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ سبب ذلك أنها كلمةاستسلام وَتَفْوِيضٍ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَاعْتِرَافٍ بِالْإِذْعَانِ لَهُ وأنه لاصانع غيره ولاراد لأمره وأن العبد لايملك شَيْئًا مِنَ الْأَمْرِ وَمَعْنَى الْكَنْزِ هُنَا أَنَّهُ ثَوَابٌ مُدَّخَرٌ فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ ثَوَابٌ نَفِيسٌ كَمَا أَنَّ الْكَنْزَ أَنْفَسُ أَمْوَالِكُمْ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْحَوْلُ الْحَرَكَةُ وَالْحِيلَةُ أَيْ لَا حَرَكَةَ وَلَا اسْتِطَاعَةَ وَلَا حِيلَةَ إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا حَوْلَ فِي دَفْعِ شَرٍّ وَلَا قُوَّةَ فِي تَحْصِيلِ خَيْرٍ إِلَّا بِاللَّهِ وَقِيلَ لَا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إلا بعصمته ولاقوة على طاعته

إلا بمعونته وحكى هذا عن بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكُلُّهُ مُتَقَارِبٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَيُعَبَّرُ عَنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ بِالْحَوْقَلَةِ وَالْحَوْلَقَةِ وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَبِالثَّانِي جَزَمَ الْجَوْهَرِيُّ وَيُقَالُ أَيْضًا لَا حَيْلَ وَلَا قُوَّةَ فى لغة غريبة حكاها الجوهرى وغيره

باب الدعوات والتعوذ قَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهِ بَيَانُ تَعَوُّذِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَغَسْلِ الخطايا بالماء والثلج وأمااستعاذته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى وَفِتْنَةِ الْفَقْرِ فَلِأَنَّهُمَا حَالَتَانِ تُخْشَى الْفِتْنَةُ فِيهِمَا بالتسخط وقلةالصبر وَالْوُقُوعِ فِي حَرَامٍ أَوْ شُبْهَةٍ لِلْحَاجَةِ وَيُخَافُ فِي الْغِنَى مِنَ الْأَشَرِ وَالْبَطَرِ وَالْبُخْلِ بِحُقُوقِ الْمَالِ أَوْ إِنْفَاقِهِ فِي إِسْرَافٍ وَفِي بَاطِلٍ أَوْ فِي مَفَاخِرَ وَأَمَّا الْكَسَلُ فَهُوَ عَدَمُ انْبِعَاثِ النَّفْسِ لِلْخَيْرِ وَقِلَّةُ الرَّغْبَةِ مَعَ إِمْكَانِهِ وَأَمَّا الْعَجْزُ فَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَقِيلَ هُوَ تَرْكُ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ وَالتَّسْوِيفُ بِهِ وَكِلَاهُمَا تُسْتَحَبُّ الْإِعَاذَةُ مِنْهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا اسْتَعَاذَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْفَقْرِ الَّذِي هُوَ فَقْرُ النَّفْسِ لَا قِلَّةُ الْمَالِ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ تَكُونُ اسْتِعَاذَتُهُ مِنْ فَقْرِ الْمَالِ وَالْمُرَادُ الْفِتْنَةُ فِي عَدَمِ احْتِمَالِهِ وَقِلَّةِ الرِّضَا بِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِتْنَةُ الْقَبْرِ وَلَمْ يَقُلْ الْفَقْرُ وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ بفضل الفقر وأما استعاذته صلى الله عليه وسلم من الْهَرَمِ فَالْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِعَاذَةُ مِنَ الرَّدِّ إِلَى أرذل العمر

كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَسَبَبُ ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنَ الْخَرَفِ وَاخْتِلَالِ الْعَقْلِ وَالْحَوَاسِّ وَالضَّبْطِ وَالْفَهْمِ وَتَشْوِيهِ بَعْضِ الْمَنظِرِ وَالْعَجْزِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالتَّسَاهُلِ فِي بَعْضِهَا وأما استعاذته صلى الله عليه وسلم من الْمَغْرَمِ وَهُوَ الدَّيْنُ فَقَدْ فَسَّرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَمْطُلُ الْمَدِينُ صَاحِبَ الدَّيْنِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَغِلُ بِهِ قَلْبُهُ وَرُبَّمَا مات قبل وفاته فَبَقِيَتْ ذِمَّتُهُ مُرْتَهَنَةٌ بِهِ وَأَمَّا اسْتِعَاذَتُهُ صَلَّى الله

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ فَلِمَا فِيهِمَا مِنَ التَّقْصِيرِ عَنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِزَالَةِ الْمُنْكَرِ وَالْإِغْلَاظِ عَلَى الْعُصَاةِ وَلِأَنَّهُ بِشَجَاعَةِ النَّفْسِ وَقُوَّتِهَا الْمُعْتَدِلَةِ تَتِمُّ الْعِبَادَاتُ وَيَقُومُ بِنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَالْجِهَادِ وَبِالسَّلَامَةِ مِنَ الْبُخْلِ يَقُومُ بِحُقُوقِ الْمَالِ وَيَنْبَعِثُ لِلْإِنْفَاقِ وَالْجُودِ وَلِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَيَمْتَنِعُ مِنَ الطَّمَعِ فِيمَا لَيْسَ لَهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَاسْتِعَاذَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِتَكْمُلَ صِفَاتُهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ وَشَرْعِهِ أَيْضًا تَعْلِيمًا وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ كُلِّ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَأَهْلُ الْفَتَاوَى فِي الْأَمْصَارِ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الزُّهَّادِ وَأَهْلُ الْمَعَارِفِ إلى أن ترك الدعاءأفضل اسْتِسْلَامًا لِلْقَضَاءِ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ إِنْ دَعَا لِلْمُسْلِمِينَ فَحَسَنٌ وَإِنْ دَعَا لِنَفْسِهِ فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ إِنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ باعث للدعاء استحب والافلا وَدَلِيلُ الْفُقَهَاءِ ظَوَاهِرُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فِي الْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ وَفِعْلِهِ وَالْأخْبَارِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ بِفِعْلِهِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ذِكْرُ الْمَأْثَمِ وَهُوَ الْإِثْمُ وَفِيهَا فِتْنَةُ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ أَيْ فِتْنَةُ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ [2707] قَوْلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ وَمِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ وَمِنْ شَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ وَمِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ أَمَّا دَرَكُ الشَّقَاءِ فَالْمَشْهُورِ فِيهِ فَتْحُ الرَّاءِ وَحَكَى الْقَاضِي

وَغَيْرُهُ أَنَّ بَعْضَ رُوَاةِ مُسْلِمٍ رَوَاهُ سَاكِنَهَا وهى لغة وجهد الْبَلَاءِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَضَمِّهَا الْفَتْحُ أَشْهَرُ وَأَفْصَحُ فَأَمَّا الِاسْتِعَاذَةُ مِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ فَيَدْخُلُ فِيهَا سُوءُ الْقَضَاءِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْبَدَنِ وَالْمَالِ وَالْأَهْلِ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْخَاتِمَةِ وَأَمَّا دَرَكُ الشَّقَاءِ فَيَكُونُ أَيْضًا فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا وَمَعْنَاهُ أَعُوذُ بِكَ أَنْ يُدْرِكَنِي شَقَاءٌ وَشَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ هِيَ فَرَحُ الْعَدُوِّ بِبَلِيَّةٍ تَنْزِلُ بِعَدُوِّهِ يُقَالُ مِنْهُ شَمِتَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَشَمَتَ بِفَتْحِهَا فَهُوَ شَامِتٌ وَأَشْمَتَهُ غَيْرُهُ وَأَمَّا جَهْدُ البلاء فروى عن بن عمرانه فَسَّرَهُ بِقِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَةِ الْعِيَالِ وَقَالَ غَيْرُهُ هِيَ الْحَالُ الشَّاقَّةُ [2709] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ قِيلَ مَعْنَاهُ الكاملات التى لا يدخل فيها نقص ولاعيب وَقِيلَ النَّافِعَةُ الشَّافِيَةُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْكَلِمَاتِ هُنَا القرآن والله أعلم

باب الدعا عند النوم [2710] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ ثُمَّ قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ إِلَى آخِرِهِ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ مَعْنَاهُ إِذَا أَرَدْتَ النَّوْمَ فِي مَضْجَعِكَ فَتَوَضَّأْ وَالْمَضْجَعُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثُ سُنَنٍ مُهِمَّةٍ مُسْتَحَبَّةٍ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ إِحْدَاهَا الوضوء عند ارادة النوم فان كان متوضأ كَفَاهُ ذَلِكَ الْوُضُوءُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ النَّوْمُ عَلَى طَهَارَةٍ مَخَافَةَ أَنْ يَمُوتَ فِي لَيْلَتِهِ وَلِيَكُونَ أَصْدَقَ لِرُؤْيَاهُ وَأَبْعَدَ مِنْ تَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ

بِهِ فِي مَنَامِهِ وَتَرْوِيعِهِ إِيَّاهُ الثَّانِيَةُ النَّوْمُ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ وَلِأَنَّهُ أَسْرَعُ إلى الانتباه الثالثة ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى لِيَكُونَ خَاتِمَةُ عَمَلِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ أَيْ اسْتَسْلَمْتُ وَجَعَلْتُ نَفْسِي مُنْقَادَةً لَكَ طائعة لحكمك قال العلماءالوجه وَالنَّفْسُ هُنَا بِمَعْنَى الذَّاتِ كُلِّهَا يُقَالُ سَلَّمَ وَأَسْلَمَ وَاسْتَسْلَمَ بِمَعْنًى وَمَعْنَى أَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ أى توكلت عليك واعتمدتك فىأمرى كُلِّهِ كَمَا يَعْتَمِدُ الْإِنْسَانُ بِظَهْرِهِ إِلَى مَا يُسْنِدُهُ وَقَوْلُهُ رَغْبَةً وَرَهْبَةً أَيْ طَمَعًا فِي ثَوَابِكَ وَخَوْفًا مِنْ عَذَابِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ أَيْ الْإِسْلَامِ وأن أصبحت أصبت خيرا أَيْ حَصَلَ لَكَ ثَوَابُ هَذِهِ السُّنَنِ وَاهْتِمَامُكُ بِالْخَيْرِ وَمُتَابَعَتُكُ أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ فَرَدَّدْتُهُنَّ لِأَسْتَذْكِرُهُنَّ فَقُلْتُ آمَنْتُ بِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ قَالَ قُلْ آمَنْتُ بِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَبَبِ إِنْكَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَدِّهِ اللَّفْظَ فَقِيلَ إِنَّمَا رَدَّهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ آمَنْتُ بِرَسُولِكَ يَحْتَمِلُ غَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ وَاخْتَارَ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ سَبَبَ الْإِنْكَارِ أَنَّ هَذَا ذِكْرٌ وَدُعَاءٌ فَيَنْبَغِي فِيهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى اللَّفْظِ الْوَارِدِ بِحُرُوفِهِ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ الْجَزَاءُ بِتِلْكَ الْحُرُوفِ وَلَعَلَّهُ أُوحِي إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ فَيَتَعَيَّنُ أَدَاؤُهَا بِحُرُوفِهَا وَهَذَا الْقَوْلُ حَسَنٌ وَقِيلَ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فِيهِ جَزَالَةٌ مِنْ حَيْثُ صَنْعَةِ الْكَلَامِ وَفِيهِ جَمْعُ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ فَإِذَا قال رسولك الذى أرسلت فان هذان الأمران مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَكْرِيرِ لَفْظِ رَسُولٍ وأرسلت وأهل البلاغة يعيبو وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ شَرْحِ خُطْبَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الرِّسَالَةِ النُّبُوَّةُ ولاعكسه وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِمَنْعِ الرِّوَايَةِ

بِالْمَعْنَى وَجُمْهُورُهُمْ عَلَى جَوَازِهَا مِنَ الْعَارِفِ وَيُجِيبُونَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمَعْنَى هُنَا مُخْتَلِفٌ ولاخلاف فِي الْمَنْعِ إِذَا اخْتَلَفَ الْمَعْنَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ أَيْ انْضَمَمْتَ إِلَيْهِ وَدَخَلْتَ فِيهِ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بَعْدُ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ بَعْدَ هَذَا كَانَ اذا أوى إلى فراشه قال الحمد لله الذى أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فأما أويت وأوى إلى فراشك فمقصور وأما قوله وَآوَانَا فَمَمْدُودٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْفَصِيحُ الْمَشْهُورُ وَحُكِي بِالْقَصْرِ فِيهِمَا وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَقِيلَ معنى آوانا هنا رحمنا قوله فكم ممن لا مؤوى لَهُ أَيْ لَا رَاحِمَ وَلَا عَاطِفَ عَلَيْهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا وَطَنَ لَهُ وَلَا سَكَنَ يأوى إليه [2711] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَبِاسْمِكَ أَحْيَا قِيلَ مَعْنَاهُ بِذِكْرِ اسْمِكَ أَحْيَا مَا حَيِيتُ وَعَلَيْهِ أَمُوتُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ بِكَ أَحْيَا أَيْ أَنْتَ تحبينى وأنت تميتنى والاسم هنا والمسمى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الذى أحيانا بعد ما أماتنا واليه النشور المراد بأماتنا النوم وأماالنشور الْإِحْيَاءُ لِلْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَنَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِعَادَةِ الْيَقِظَةِ بَعْدَ النَّوْمِ الَّذِي هُوَ كَالْمَوْتِ عَلَى إِثْبَاتِ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ قال العلماء وحكمة الدعاء عند إرادةالنوم أَنْ تَكُونَ خَاتِمَةَ أَعْمَالِهِ كَمَا سَبَقَ وَحِكْمَتُهُ إِذَا أَصْبَحَ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ عَمَلِهِ بِذِكْرِ التَّوْحِيدِ وَالْكَلِمِ الطَّيِّبِ [2712] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ خَلَقْتَ نَفْسِي وَأَنْتَ تَتَوَفَّاهَا لَكَ مماتها ومحياها أى حياتها وموتها وجميع أمورهالك

وَبِقُدْرَتِكَ وَفِي سُلْطَانِكَ [2713] قَوْلُهُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ أَيْ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ لِأَنَّهَا كُلُّهَا فِي سُلْطَانِهِ وَهُوَ آخِذٌ بِنَوَاصِيهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّيْنِ هُنَا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقُ الْعِبَادِ كُلُّهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ وَأَمَّا مَعْنَى الظَّاهِرِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ فَقِيلَ هُوَ مِنَ الظُّهُورِ بِمَعْنَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَكَمَالِ الْقُدْرَةِ وَمِنْهُ ظَهَرَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ وَقِيلَ الظاهر بالدلائل القطعية والباطن نجب عَنْ خَلْقِهِ وَقِيلَ الْعَالِمُ بِالْخَفِيَّاتِ وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ سبحانه وتعالى بِالْآخِرِ فَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ معناه الباقى بِصِفَاتِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَغَيْرِهِمَا الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي الْأَزَلِ وَيَكُونُ كَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الْخَلَائِقِ وَذَهَابِ عُلُومِهِمْ وَقَدَرِهِمْ وَحَوَاسِّهِمْ وَتَفَرُّقِ أَجْسَامِهِمْ فقال وتعلقت المتزلة بِهَذَا الِاسْمِ فَاحْتَجُّوا بِهِ لِمَذْهَبِهِمْ فِي فَنَاءِ الأجسام وذهابها بِالْكُلِّيَّةِ قَالُوا وَمَعْنَاهُ الْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ خَلْقِهِ

وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ خِلَافُ ذَلِكَ وَأَنَّ الْمُرَادَ الْآخِرُ بِصِفَاتِهِ بَعْدَ ذَهَابِ صِفَاتِهِمْ وَلِهَذَا يُقَالُ آخِرُ مَنْ بَقِيَ مِنْ بَنِي فُلَانٍ فُلَانٌ يُرَادُ حَيَاتُهُ وَلَا يُرَادُ فَنَاءُ أَجْسَامِ مَوْتَاهُمْ وعدمها هذا كلام بن الباقلانى [2714] قوله صلى الله علنه وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَأْخُذْ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ فَلْيَنْفُضْ بِهَا فِرَاشَهُ وَلْيُسَمِّ اللَّهَ تعالى فانه لا يعلم ما خلفه بعده عَلَى فِرَاشِهِ دَاخِلَةُ الْإِزَارِ طَرَفُهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يستحب

(باب فى الأدعية [2716] قوله صلى الله عليه وسلم اللهم إني

أَنْ يَنْفُضَ فِرَاشَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ لِئَلَّا يَكُونَ فِيهِ حَيَّةٌ أَوْ عَقْرَبٌ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنَ الْمُؤْذِيَاتِ وَلْيَنْفُضْ وَيَدُهُ مَسْتُورَةٌ بِطَرَفِ إِزَارِهِ لِئَلَّا يَحْصُلَ فِي يَدِهِ مَكْرُوهٌ إِنْ كان هناك (باب فى الأدعية [2716] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ وَمِنْ شر مالم أَعْمَلْ قَالُوا مَعْنَاهُ مِنْ شَرِّ مَا اكْتَسَبْتُهُ مِمَّا قَدْ يَقْتَضِي عُقُوبَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ يَقْتَضِي فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ لَمْ أَكُنْ)

قَصَدْتُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ تَعْلِيمُ الْأُمَّةِ الدُّعَاءِ [2717] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ مَعْنَاهُ لَكَ انْقَدْتُ وَبِكَ صَدَّقْتُ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَقَدْ سَبَقَ إِيضَاحُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ أَيْ فَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ أىأقبلت بِهِمَّتِي وَطَاعَتِي وَأَعْرَضْتُ عَمَّا سِوَاكَ وَبِكَ خَاصَمْتُ أَيْ بِكَ أَحْتَجُّ وَأُدَافِعُ وَأُقَاتِلُ [2718] قَوْلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ وَأَسْحَرَ يَقُولُ سَمِعَ سَامِعٌ بحمدالله وَحُسْنِ بَلَائِهِ رَبَّنَا صَاحِبْنَا وَأَفْضِلْ عَلَيْنَا عَائِذًا بِاَللَّهِ مِنَ النَّارِ أَمَّا أَسْحَرَ فَمَعْنَاهُ قَامَ فِي السَّحَرِ أَوْ انْتَهَى فِي سَيْرِهِ إِلَى السَّحَرِ وَهُوَ آخِرُ اللَّيْلِ وَأَمَّا سَمِعَ سَامِعٌ فَرُوِيَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا فَتْحُ الْمِيمِ مِنْ سَمِعَ وَتَشْدِيدِهَا وَالثَّانِي كَسْرُهَا مَعَ تَخْفِيفِهَا وَاخْتَارَ الْقَاضِي هُنَا وَفِي الْمَشَارِقِ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ التَّشْدِيدَ وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ رِوَايَةَ أَكْثَرِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ قَالَا وَمَعْنَاهُ بَلَّغَ سَامِعٌ قَوْلِي هَذَا لِغَيْرِهِ وَقَالَ مِثْلَهُ تَنْبِيهًا عَلَى الذِّكْرِ فِي السَّحَرِ وَالدُّعَاءِ فِي ذَلِكَ وَضَبَطَهُ الْخَطَّابِيُّ وَآخَرُونَ بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى حَمْدِنَا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ وَحُسْنِ بَلَائِهِ وَقَوْلُهُ رَبُّنَا صَاحِبْنَا وَأَفْضِلْ عَلَيْنَا أَيْ احْفَظْنَا وَحُطْنَا وَاكْلَأْنَا وَأَفْضِلْ عَلَيْنَا بِجَزِيلِ نِعَمِكَ وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ مَكْرُوهٍ وَقَوْلُهُ عَائِذًا بِاَللَّهِ مِنَ النَّارِ

مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ أَقُولُ هَذَا فِي حَالِ اسْتِعَاذَتِي وَاسْتِجَارَتِي بِاَللَّهِ مِنْ النَّارِ [2719] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي إِلَى قَوْلِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي أَيْ أَنَا مُتَّصِفٌ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ اغْفِرْهَا إلى قِيلَ قَالَهُ تَوَاضُعًا وَعَدَّ عَلَى نَفْسِهِ فَوَاتَ الْكَمَالِ ذُنُوبًا وَقِيلَ أَرَادَ مَا كَانَ عَنْ سَهْوٍ وَقِيلَ مَا كَانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَغْفُورٌ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ فَدَعَا بِهَذَا وَغَيْرِهِ تَوَاضُعًا لِأَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْإِسْرَافُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ) يُقَدِّمُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ إلى رحمته بتوفيقه

ويوخر مَنْ يَشَاءُ عَنْ ذَلِكَ لِخِذْلَانِهِ [2721] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى) أَمَّا الْعَفَافُ وَالْعِفَّةُ فَهُوَ التنزه عما لايباح وَالْكَفُّ عَنْهُ وَالْغِنَى هُنَا غِنَى النَّفْسِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنِ النَّاسِ وَعَمَّا فِي أَيْدِيهِمْ [2722] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا ينفع ومن قلب لايخشع ومن نفس لاتشبع) هَذَا الْحَدِيثُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَدْعِيَةِ الْمَسْجُوعَةِ دَلِيلٌ لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ السَّجْعَ الْمَذْمُومَ فِي الدعاء هوالمتكلف فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الْخُشُوعَ وَالْخُضُوعَ وَالْإِخْلَاصَ وَيُلْهِي عَنِ الضَّرَاعَةِ وَالِافْتِقَارِ وَفَرَاغِ الْقَلْبِ فَأَمَّا مَا حَصَلَ بِلَا تَكَلُّفٍ وَلَا إِعْمَالِ فِكْرٍ لِكَمَالِ الْفَصَاحَةِ ونحو ذلك أوكان مَحْفُوظًا فَلَا بَأْسَ بِهِ بَلْ هُوَ حَسَنٌ ومعنى نفس لاتشبع اسْتِعَاذَةٌ مِنَ الْحِرْصِ وَالطَّمَعِ وَالشَّرَهِ وَتَعَلُّقُ النَّفْسِ بِالْآمَالِ الْبَعِيدَةِ وَمَعْنَى زَكِّهَا طَهِّرْهَا وَلَفْظَةُ خَيْرُ لَيْسَتْ لِلتَّفْضِيلِ بَلْ مَعْنَاهُ لَا مُزَكِّي لَهَا الا

أَنْتَ كَمَا قَالَ أَنْتَ وَلِيُّهَا [2723] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَسُوءِ الْكِبَرِ) قَالَ الْقَاضِي رَوَيْنَاهُ الْكِبَرِ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا فَالْإِسْكَانُ بِمَعْنَى التَّعَاظُمِ عَلَى النَّاسِ وَالْفَتْحُ بِمَعْنَى الْهَرَمِ وَالْخَرَفِ وَالرَّدِّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمْرِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ قال القاضي وهذا أظهر وأشهر بما قَبْلَهُ قَالَ وَبِالْفَتْحِ ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ وَبِالْوَجْهَيْنِ ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَصَوَّبَ الْفَتْحَ وَتُعَضِّدُهُ رِوَايَةُ النَّسَائِيِّ

وَسُوءِ الْعُمُرِ [2724] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَغَلَبَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ) أَيْ قَبَائِلَ الْكُفَّارِ الْمُتَحَزِّبِينَ عَلَيْهِمْ وَحْدَهُ أَيْ مِنْ غَيْرِ قِتَالِ الْآدَمِيِّينَ بَلْ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَا شَيْءَ بَعْدَهُ) أَيْ سِوَاهُ [2725] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُلْ اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي وَاذْكُرْ بِالْهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ وَالسَّدَادِ سَدَادِ السَّهْمِ) أَمَّا السَّدَادُ هُنَا بِفَتْحِ السِّينِ وَسَدَادُ السَّهْمِ تَقْوِيمُهُ وَمَعْنَى سَدِّدْنِي وَفِّقْنِي وَاجْعَلْنِي مُنْتَصِبًا فِي جَمِيعِ أُمُورِي مُسْتَقِيمًا وَأَصْلُ السَّدَادِ الِاسْتِقَامَةُ وَالْقَصْدُ فِي الْأُمُورِ وَأَمَّا الْهُدَى هُنَا فَهُوَ الرَّشَادُ وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَمَعْنَى اذْكُرْ بِالْهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقِ

(باب التسبيح أول النهار وعند النوم [2726] قوله (وهي في

والسداد سداد السهم أى تذكر ذلك فِي حَالِ دُعَائِكَ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لِأَنَّ هَادِيَ الطريق لايزيغ عَنْهُ وَمُسَدَّدَ السَّهْمِ يَحْرِصُ عَلَى تَقْوِيمِهِ وَلَا يَسْتَقِيمُ رَمْيُهُ حَتَّى يُقَوِّمُهُ وَكَذَا الدَّاعِي يَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ عَلَى تَسْدِيدِ عِلْمِهِ وَتَقْوِيمِهِ وَلُزُومِهِ السُّنَّةَ وَقِيلَ لِيَتَذَكَّرَ بِهَذَا لَفْظِ السَّدَادَ وَالْهُدَى لئلا ينساه (باب التسبيح أول النهار وعند النوم [2726] قَوْلُهُ (وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا) أَيْ مَوْضِعِ صَلَاتِهَا قَوْلُهُ (سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ قِيلَ مَعْنَاهُ مِثْلُهَا فِي الْعَدَدِ وقيل مثلها فى أنها لا تنفد وَقِيلَ فِي الثَّوَابِ وَالْمِدَادُ هُنَا مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَدَدِ وَهُوَ مَا كَثَّرْتَ بِهِ الشَّيْءَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَاسْتِعْمَالُهُ هُنَا مَجَازٌ لِأَنَّ كَلِمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُحْصَرُ بِعَدٍّ وَلَا غَيْرِهِ وَالْمُرَادُ الْمُبَالَغَةُ بِهِ فِي الْكَثْرَةِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا مَا يَحْصُرُهُ الْعَدُّ الْكَثِيرُ مِنْ عَدَدِ الْخَلْقِ ثُمَّ زِنَةُ الْعَرْشِ ثُمَّ ارْتَقَى إِلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِهَذَا أى ما لايحصيه عَدٌّ كَمَا لَا تُحْصَى)

كَلِمَاتُ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي رِشْدِينَ) هُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَهُوَ كُرَيْبٌ الْمَذْكُورُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى [2727] قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ عَلَى صَدْرِي) كَذَا هُوَ فِي نُسَخِ مُسْلِمٍ قَدَمُهُ مُفْرَدَةٌ وَفِي الْبُخَارِيِّ قَدَمَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ وَهِيَ زيادة ثقة لاتخالف الأولى قوله

(باب استحباب الدعاء عند صياح الديك [2729] قوله صلى الله

(قِيلَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا تَرَكْتُهُنَّ لَيْلَةَ صِفِّينَ قَالَ وَلَا لَيْلَةَ صَفَّيْنِ) مَعْنَاهُ لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْهُنَّ ذَلِكَ الْأَمْرُ وَالشُّغْلُ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ وَلَيْلَةُ صِفِّينَ هِيَ لَيْلَةُ الْحَرْبِ الْمَعْرُوفَةُ بِصِفِّينَ وَهِيَ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْفُرَاتِ كَانَتْ فِيهِ حَرْبٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الشام (باب استحباب الدعاء عند صياح الديك [2729] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا سَمِعْتُمِ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَسَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّهَا رأت ملكا)

(باب دعاء الكرب [2730] فيه حديث بن عباس وهو حديث جليل

قَالَ الْقَاضِي سَبَبُهُ رَجَاءُ تَأْمِينِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الدُّعَاءِ وَاسْتِغْفَارِهِمْ وَشَهَادَتِهِمْ بِالتَّضَرُّعِ وَالْإِخْلَاصِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ عِنْدَ حُضُورِ الصَّالِحِينَ وَالتَّبَرُّكِ بِهِمْ (بَاب دعاء الكرب [2730] فيه حديث بن عَبَّاسٍ وَهُوَ حَدِيثٌ جَلِيلٌ يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهِ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ عِنْدَ الْكُرَبِ وَالْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ قَالَ الطَّبَرِيُّ كَانَ السَّلَفُ يَدْعُونَ بِهِ وَيُسَمُّونَهُ دُعَاءَ الْكَرْبِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا ذِكْرٌ وَلَيْسَ فِيهِ دُعَاءٌ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ مَشْهُورَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا الذِّكْرَ يُسْتَفْتَحُ بِهِ الدُّعَاءِ)

(قوله (كان إذا حزبه أمر) هو بحاء مهملة ثم زاي

ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ وَالثَّانِي جَوَابُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَقَالَ أَمَا عَلِمْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى من شغله ذكرى عن مسئلتى أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ وَقَالَ الشَّاعِرُ ... إِذَا أَثْنَى عَلَيْكَ الْمَرْءُ يَوْمًا ... كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ ... (قَوْلُهُ (كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ) هُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ زَايٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ أَيْ نَابَهُ وَأَلَمَّ بِهِ أَمْرٌ شَدِيدٌ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَهَذِهِ الْفَضَائِلُ المذكورة فى هذه الأذكارإنما هِيَ لِأَهْلِ الشَّرَفِ فِي الدِّينِ وَالطَّهَارَةِ مِنَ الْكَبَائِرِ دُونَ الْمُصِرِّينَ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَحَادِيثُ عَامَّةٌ قُلْتُ الصَّحِيحُ أَنَّهَا لاتختص وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) (بَاب فَضْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ [2731] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَسْرِيِّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ اسْمُهُ حِمْيَرُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَبِالرَّاءِ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ الْأَشْهَرُ وَقِيلَ حُمَيْدُ بْنُ بَشِيرٍ يُقَالُ الْعَنَزِيُّ الْجَسْرِيُّ مَنْسُوبٌ إلى بنى جسروهم بَطْنٌ مِنْ بَنِي عَنَزَةَ وَهُوَ جَسْرُ بْنُ تَيْمِ بْنِ الْقَدَمِ بْنِ عَنَزَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ ضِرَارِ)

(باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب)

بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ كَذَا ذَكَرَهُ السَّمْعَانِيُّ وَآخَرُونَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ أَفْضَلُ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى كَلَامِ الْآدَمِيِّ وَإِلَّا فَالْقُرْآنُ أَفْضَلُ وَكَذَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ الْمُطْلَقِ فَأَمَّا الْمَأْثُورُ فِي وَقْتٍ أَوْ حَالٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالِاشْتِغَالُ بِهِ أَفْضَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب فَضْلِ الدُّعَاءِ لِلْمُسْلِمِينَ بِظَهْرِ الْغَيْبِ) [2732] قَوْلُهُ (عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ كَرِيزٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (مامن عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ وَلَكَ بِمِثْلٍ) وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ وَفِي رِوَايَةٍ دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِ الْغَيْبِ فَمَعْنَاهُ فِي غَيْبَةِ الْمَدْعُوِّ لَهُ وَفِي سِرِّهِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِخْلَاصِ قَوْلُهُ (بِمِثْلٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الثَّاءِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ قَالَ الْقَاضِي وَرَوَيْنَاهُ بِفَتْحِهَا أَيْضًا يُقَالُ هُوَ مِثْلُهُ وَمَثِيلُهُ بِزِيَادَةِ الْيَاءِ أى عديله سواء وفى هذا فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب ولو دعا لجماعة من المسلمين حصلت هَذِهِ الْفَضِيلَةُ وَلَوْ دَعَا لِجُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ فَالظَّاهِرُ حُصُولُهَا أَيْضًا وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ إِذَا أَرَادَ أن يدعو لنفسه يدعولأخيه الْمُسْلِمِ بِتِلْكَ الدَّعْوَةِ لِأَنَّهَا تُسْتَجَابُ وَيَحْصُلُ لَهُ مِثْلُهَا قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سَرْوَانَ الْمُعَلِّمُ) هَكَذَا رَوَاهُ عَامَّةُ الرُّوَاةِ وَجَمِيعُ نُسَخِ بِلَادِنَا سَرْوَانَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ

وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ عَامَّةِ شُيُوخِهِمْ وَقَالَ وعن بن مَاهَانَ أَنَّهُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَالْحَاكِمُ يُقَالَانِ جَمِيعًا فِيهِ وَهُمَا صَحِيحَانِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فردان بالفاء وهوأنصارى عِجْلِيٌّ قَوْلُهُ (حَدَّثَتْنِي أُمُّ الدَّرْدَاءَ قَالَتْ حَدَّثَنِي سَيِّدِي) تَعْنِي زَوْجَهَا أَبَا الدَّرْدَاءَ فَفِيهِ جَوَازُ تَسْمِيَةِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا سَيِّدَهَا وَتَوْقِيرُهُ وَأُمُّ الدَّرْدَاءَ هَذِهِ هِيَ الصُّغْرَى التَّابِعِيَّةُ وَاسْمُهَا هُجَيْمَةُ وَقِيلَ جهيمة

(باب استحباب حمدالله تعالى بعد الأكل والشرب)

(باب استحباب حمدالله تَعَالَى بَعْدَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ) [2734] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا وَيَشْرَبُ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا) الْأَكْلَةُ هُنَا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهِيَ المرةالواحدة من الأكل كالغداء والعشاء وفيه استحباب حمدالله تَعَالَى عَقِبَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ صِفَةَ التَّحْمِيدِ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُودَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا وَجَاءَ غَيْرُ ذَلِكَ ولواقتصر عَلَى الْحَمْدِ لِلَّهِ حَصَّلَ أَصْلُ السُّنَّةِ (بَاب بَيَانِ أَنَّهُ يُسْتَجَابُ لِلدَّاعِي مَا لَمْ يَعْجَلْ (فَيَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي) [2735] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يعجل فيقول دَعَوْتُ فَلَا أَوْ فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِي) وَفِي رواية لايزال يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ قِيلَ يَا رسول الله)

كتاب الرقاق

ما الا ستعجال قَالَ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ حَسِرَ وَاسْتَحْسَرَ إِذَا أَعْيَا وَانْقَطَعَ عَنِ الشَّيْءِ وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَنِ الدعاء ومنه قوله تعالى لايستكبرون عن عبادته ولايستحسرون أى لاينقطعون عَنْهَا فَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي إِدَامَةُ الدُّعَاءِ وَلَا يستبطئ الاجابة ( كتاب الرقاق) باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء (وبيان الفتنة بالنساء) [2736] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا أَصْحَابُ الجد محبوسون) هوبفتح الْجِيمِ قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ أَصْحَابُ الْبَخْتِ وَالْحَظِّ فِي الدُّنْيَا وَالْغِنَى وَالْوَجَاهَةِ بِهَا وَقِيلَ الْمُرَادُ أَصْحَابُ الْوِلَايَاتِ وَمَعْنَاهُ مَحْبُوسُونَ لِلْحِسَابِ

وَيَسْبِقُهُمُ الْفُقَرَاءُ بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إلاأصحاب النار فقد أمربهم إِلَى النَّارِ) مَعْنَاهُ مَنِ اسْتَحَقَّ مِنْ أَهْلِ الْغِنَى النَّارَ بِكُفْرِهِ أَوْ مَعَاصِيهِ وَفِي هَذَا

الْحَدِيثِ تَفْضِيلُ الْفَقْرِ عَلَى الْغِنَى وَفِيهِ فَضِيلَةُ الْفُقَرَاءِ وَالضُّعَفَاءِ [2739] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفَجْأَةِ نِقْمَتِكَ) الْفَجْأةُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ مَقْصُورَةٌ عَلَى وَزْنِ ضَرْبَةٍ وَالْفُجَاءَةُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمَدِّ لُغَتَانِ وَهِيَ الْبَغْتَةُ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَدْخَلَهُ مُسْلِمٌ بَيْنَ أَحَادِيثِ النِّسَاءِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَيْهَا كُلَّهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ أَحَدِ حُفَّاظِ الْإِسْلَامِ وَأَكْثَرِهِمْ حِفْظًا وَلَمْ يَرْوِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِ مُسْلِمٍ تُوُفِّي بَعْدَ مُسْلِمٍ بِثَلَاثِ سِنِينَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ قوله

(باب قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأعمال

[2742] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَمَعْنَاهُ تَجَنَّبُوا الِافْتِتَانَ بِهَا وَبِالنِّسَاءِ وَتَدْخُلُ فِي النِّسَاءِ الزَّوْجَاتُ وغيرهن وأكثرهن فتنة الزوجات ودوام فِتْنَتِهِنَّ وَابْتِلَاءِ أَكْثَرِ النَّاسِ بِهِنَّ وَمَعْنَى الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا حُسْنُهَا لِلنُّفُوسِ وَنَضَارَتُهَا وَلَذَّتُهَا كَالْفَاكِهَةِ الْخَضْرَاءِ الْحُلْوَةِ فَإِنَّ النُّفُوسَ تَطْلُبُهَا طَلَبًا حَثِيثًا فَكَذَا الدُّنْيَا وَالثَّانِي سُرْعَةُ فَنَائِهَا كَالشَّيْءِ الْأَخْضَرِ فِي هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ وَمَعْنَى مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا جَاعِلُكُمْ خُلَفَاءَ مِنَ الْقُرُونِ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ فَيَنْظُرُ هَلْ تَعْمَلُونَ بِطَاعَتِهِ أَمْ بِمَعْصِيَتِهِ وَشَهَوَاتِكُمْ (بَاب قِصَّةِ أَصْحَابِ الْغَارِ الثَّلَاثَةِ وَالتَّوَسُّلِ بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ [2743] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جبل) الغار النقب فى الجبل وأووا بقصر الهمزة)

وَيَجُوزُ فَتْحُهَا فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ سَبَقَ بَيَانُهَا قَرِيبًا قَوْلُهُ (انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يُفَرِّجُهَا) اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِهَذَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْعُوَ فِي حَالِ كَرْبِهِ وَفِي دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ وَغَيْرِهِ بِصَالِحِ عَمَلِهِ وَيَتَوَسَّلُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهِ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ فَعَلُوهُ فَاسْتُجِيبَ لَهُمْ وَذَكَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَعْرِضِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَجَمِيلِ فَضَائِلِهِمْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضْلُ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَفَضْلِ خِدْمَتِهِمَا وَإِيثَارِهِمَا عَمَّنْ سِوَاهُمَا مِنَ الْأَوْلَادِ وَالزَّوْجَةِ وَغَيْرِهِمْ وَفِيهِ فَضْلُ الْعَفَافِ وَالِانْكِفَافِ عن المحرمات لاسيما بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَالْهَمِّ بِفِعْلِهَا وَيُتْرَكُ لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا وَفِيهِ جَوَازُ الْإِجَارَةِ وَفَضْلُ حُسْنِ الْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَالسَّمَاحَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ قَوْلُهُ (فَإِذَا أَرَحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ) مَعْنَاهُ إِذَا رَدَدْتُ الْمَاشِيَةَ مِنَ الْمَرْعِي إِلَيْهِمْ وَإِلَى مَوْضِعِ مَبِيتِهَا وَهُوَ مُرَاحُهَا بِضَمِّ الْمِيمِ يُقَالُ أَرَحْتُ الْمَاشِيَةَ وَرَوَّحْتُهَا بِمَعْنًى قَوْلُهُ (نَأَى بِي ذَاتَ يوم الشجر) وفى بعض ناءبى فالأول يجعل الْهَمْزَةِ قَبْلَ الْأَلِفِ وَبِهِ قَرَأَ أَكْثَرُ الْقُرَّاءِ السبعة والثانى عَكْسُهُ وَهُمَا لُغَتَانِ وَقِرَاءَتَانِ وَمَعْنَاهُ بَعُدَ وَالثَّانِي الْبُعْدُ قَوْلُهُ (فَجِئْتُ بِالْحِلَابِ) هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وهو الإناء الذى يحلب فيه يسع حلبة ناقة ويقال له المحلب بكسر الميم قال القاضي وقد يريد بالحلاب هنااللبن الْمَحْلُوبُ قَوْلُهُ (وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ) أَيْ يَصِيحُونَ وَيَسْتَغِيثُونَ مِنَ الْجُوعِ قَوْلُهُ (فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي) أى

حَالِي اللَّازِمَةُ وَالْفُرْجَةُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا فَرْجٌ سَبَقَ بَيَانُهَا مَرَّاتٍ قَوْلُهُ (وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا) أَيْ جَلَسْتُ مَجْلِسَ الرَّجُلُ للوقاع قولها (لاتفتح الخاتم الابحقه) الْخَاتَمُ كِنَايَةٌ عَنْ بَكَارَتِهَا وَقَوْلُهُ بِحَقِّهِ أَيْ بنكاح لابزنا قَوْلُهُ (بِفَرَقِ أُرْزٍ) الْفَرَقُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا لُغَتَانِ الْفَتْحُ أَجْوَدُ وَأَشْهَرُ وَهُوَ إِنَاءٌ يَسَعُ ثَلَاثَةَ آصَعٍ وَسَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ قَوْلُهُ (فَرَغِبَ عَنْهُ) أَيْ كَرِهَهُ

وسخطه وتركه وقوله (لاأغبق قبلهما أهلا ولا مالا) فقوله لاأغبق بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْبَاءِ أَيْ مَا كُنْتُ أُقَدِّمُ عَلَيْهِمَا أَحَدًا فِي شُرْبِ نَصِيبِهِمَا عِشَاءً مِنَ اللَّبَنِ وَالْغَبُوقُ شُرْبُ الْعِشَاءِ وَالصَّبُوحُ شُرْبُ أول النهاريقال مِنْهُ غَبَقْتُ الرَّجُلَ بِفَتْحِ الْبَاءِ أَغْبُقُهُ بِضَمِّهَا مَعَ فَتْحِ الْهَمْزَةِ غَبْقًا فَاغْتَبَقَ أَيْ سَقَيْتُهُ عِشَاءً فَشَرِبَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ ضَبْطِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَكُتُبِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَالشُّرُوحِ وَقَدْ يُصَحِّفُهُ بَعْضُ مَنْ لَا أنس لَهُ فَيَقُولُ أُغْبِقُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَهَذَا غَلَطٌ قَوْلُهُ (أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ) أَيْ وَقَعَتْ فِي سَنَةٍ قَحْطٍ قَوْلُهُ فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ) أَيْ ثَمَنَهُ قَوْلُهُ (حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ فارتجعت) هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْجِيمِ أَيْ كَثُرَتْ حَتَّى ظَهَرَتْ حَرَكَتُهَا وَاضْطِرَابُهَا وَمَوْجُ بَعْضِهَا فِي بعض لكثرتها والارتعاج والإضطراب وَالْحَرَكَةُ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يُجِيزُ بَيْعَ الْإِنْسَانِ مَالَ غَيْرِهِ والتصرف فيه بغير اذن

كتاب التوبة

( كتاب التوبة) أَصْلُ التَّوْبَةِ فِي اللُّغَةِ الرُّجُوعُ يُقَالُ تَابَ وَثَابَ بِالْمُثَلَّثَةِ وَآبَ بِمَعْنَى رَجَعَ وَالْمُرَادُ بِالتَّوْبَةِ هُنَا الرُّجُوعُ عَنِ الذَّنْبِ وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ أَنَّ لَهَا ثَلَاثَةَ أَرْكَانٍ الْإِقْلَاعُ وَالنَّدَمُ عَلَى فِعْلِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ وَالْعَزْمُ عَلَى أن لايعود إِلَيْهَا أَبَدًا فَإِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ لِحَقِّ آدَمِيٍّ فَلَهَا رُكْنٌ رَابِعٌ وَهُوَ التَّحَلُّلُ مِنْ صَاحِبِ ذَلِكَ الْحَقِّ وَأَصْلُهَا النَّدَمُ وَهُوَ رُكْنُهَا الْأَعْظَمُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي واجبة وأنها واجبة على الفور لايجوز تأخيرها سواء كانت المعصية صغيرة أوكبيرة وَالتَّوْبَةُ مِنْ مُهِمَّاتِ الْإِسْلَامِ وَقَوَاعِدِهِ الْمُتَأَكِّدَةِ وَوُجُوبُهَا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِالشَّرْعِ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ بِالْعَقْلِ وَلَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ قَبُولُهَا إِذَا وُجِدَتْ بِشُرُوطِهَا عَقْلًا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقْبَلُهَا كَرَمًا وَفَضْلًا وَعَرَفْنَا قَبُولَهَا بِالشَّرْعِ وَالْإِجْمَاعِ خِلَافًا لَهُمْ وَإِذَا تَابَ مِنْ ذَنْبٍ ثُمَّ ذَكَرَهُ هَلْ يَجِبُ تَجْدِيدُ النَّدَمِ فِيهِ خِلَافٌ لِأَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ قَالَ بن الْأَنْبَارِيِّ يَجِبُ وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَجِبُ وَتَصِحُّ التَّوْبَةَ مِنْ ذَنْبٍ وَإِنْ كَانَ مُصِرًّا عَلَى ذَنْبٍ آخَرَ وَإِذَا تَابَ تَوْبَةً

صَحِيحَةً بِشُرُوطِهَا ثُمَّ عَاوَدَ ذَلِكَ الذَّنْبَ كُتِبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الذَّنْبُ الثَّانِي وَلَمْ تَبْطُلْ تَوْبَتُهُ هذا مذهب أهل السنة فى المسئلتين وَخَالَفَتِ الْمُعْتَزِلَةُ فِيهِمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ تَكَرَّرَتِ التَّوْبَةُ وَمُعَاوَدَةُ الذَّنْبِ صَحَّتْ ثُمَّ تَوْبَةُ الْكَافِرِ مِنْ كُفْرِهِ مَقْطُوعٌ بِقَبُولِهَا وَمَا سِوَاهَا مِنْ أَنْوَاعِ التَّوْبَةِ هَلْ قَبُولُهَا مَقْطُوعٌ بِهِ أَمْ مَظْنُونٌ فِيهِ خِلَافٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَاخْتَارَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ مَظْنُونٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [2675] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ اللَّهُ تعالى أنا تعالى عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا) إِلَخْ هَذَا الْقَدْرُ مِنَ الْحَدِيثِ سَبَقَ شَرْحُهُ وَاضِحًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الذِّكْرِ وَوَقَعَ فِي النُّسَخِ هُنَا حَيْثُ يَذْكُرُنِي بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَوَقَعَ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ هُنَاكَ حِينَ بِالنُّونِ وَكِلَاهُمَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِالنُّونِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ ظَاهِرُ الْمَعْنَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ فَرَحُ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ رِضَاهُ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ الْفَرَحُ يَنْقَسِمُ عَلَى وُجُوهٍ مِنْهَا السُّرُورُ وَالسُّرُورُ يُقَارِبُهُ الرِّضَا بِالْمَسْرُورِ بِهِ قَالَ

فَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْضَى تَوْبَةَ عَبْدِهِ أَشَدَّ مِمَّا يَرْضَى وَاجِدُ ضَالَّتِهِ بِالْفَلَاةِ فَعَبَّرَ عَنِ الرِّضَا بِالْفَرَحِ تَأْكِيدًا لِمَعْنَى الرِّضَا فِي نَفْسِ السَّامِعِ وَمُبَالَغَةً فِي تَقْرِيرِهِ [2744] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي أَرْضِ دَوِّيَّةٍ مُهْلِكَةٍ) أَمَّا دَوِّيَّةٍ فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا بِفَتْحِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَالْيَاءِ جَمِيعًا وَذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَرْضٍ دَاوِيَّةٍ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ وَهِيَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْضًا وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الدَّوِّيَّةُ الْأَرْضُ الْقَفْرُ وَالْفَلَاةُ الْخَالِيَةُ قَالَ الْخَلِيلُ هِيَ الْمَفَازَةُ قَالُوا وَيُقَالُ دَوِّيَّةٌ وَدَاوِيَّةٌ فَأَمَّا الدَّوِّيَّةُ فَمَنْسُوبٌ إِلَى الدو بتشديد الواو وهى البرية التى لانبات بِهَا وَأَمَّا الدَّاوِيَّةُ فَهِي عَلَى إِبْدَالِ إِحْدَى الْوَاوَيْنِ أَلِفًا كَمَا قِيلَ فِي النَّسَبِ إِلَى طَيٍّ طَائِيُّ وَأَمَّا الْمَهْلَكَةُ فَهِي بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا وَهِيَ مَوْضِعُ خَوْفِ الْهَلَاكِ وَيُقَالُ لَهَا مَفَازَةٌ قِيلَ إِنَّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ فَوَزَ الرَّجُلُ إِذَا هَلَكَ وَقِيلَ عَلَى سَبِيلِ التَّفَاؤُلِ بِفَوْزِهِ وَنَجَاتِهِ مِنْهَا كَمَا يُقَالُ لِلَّدِيغِ سَلِيمٌ [2744] قَوْلُهُ (دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ أَعُودُهُ وهو مريض فحدثنا بحديثين حَدِيثًا عَنْ نَفْسِهِ وَحَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ قَوْلُهُ الْمُؤْمِنُ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ وَالْفَاجِرُ يَرَى

ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ (مِنْ رَجُلٍ بِدَاوِيَّةٍ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ مِنْ رَجُلٍ بِالنُّونِ وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ الْقَاضِي وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا مَرَّ رَجُلٌ بِالرَّاءِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ لِأَنَّ مَقْصُودَ مُسْلِمٍ أَنْ يُبَيِّنَ الْخِلَافَ فِي دَوِّيَّةِ وَدَاوِيَّةِ وَأَمَّا لَفْظَةُ مِنْ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهَا فِي الرِّوَايَتَيْنِ وَلَا مَعْنَى لِلرَّاءِ هُنَا [2745] قَوْلُهُ (حَمَلَ زَادَهُ وَمَزَادَهُ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ قَالَ الْقَاضِي كَأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ لِلْمَزَادَةِ وَهِيَ الْقِرْبَةُ الْعَظِيمَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يزاد فيها من جلدآخر قَوْلُهُ (وَانْسَلَّ بَعِيرُهُ) أَيْ ذَهَبَ فِي خُفْيَةٍ قَوْلُهُ (فَسَعَى شَرَفًا فَلَمْ يَرَ شَيْئًا) قَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالشَّرَفِ هُنَا الطَّلْقَ وَالْغَلْوَةَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الشَّرَفُ مِنَ الْأَرْضِ لِيَنْظُرَ مِنْهُ هَلْ يَرَاهَا قَالَ وَهَذَا أَظْهَرُ [2746] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم

(مَرَّ بِجِذْلِ شَجَرَةٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ أَصْلُ الشَّجَرَةِ الْقَائِمِ قَوْلُهُ (قُلْنَا شَدِيدًا) أَيْ نَرَاهُ فَرَحًا شَدِيدًا أَوْ يَفْرَحُ فَرَحًا شَدِيدًا قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يحيى وجعفر بن حميد) هكذا صوابه بن حُمَيْدٍ وَقَدْ صُحِّفَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ الْحَافِظُ وَلَيْسَ لِمُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَعْفَرٍ هَذَا غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ رِوَايَةِ هَدَّابِ بْنِ خَالِدٍ (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ إِذَا اسْتَيْقَظَ عَلَى بَعِيرِهِ قَدْ أَضَلَّهُ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ إِذَا اسْتَيْقَظَ عَلَى بَعِيرِهِ وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ رُوَاةُ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ وَهَمٌ وَصَوَابُهُ إِذَا سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ أَيْ وَقَعَ عَلَيْهِ وَصَادَفَهُ مِنْ غَيْرِ

(باب سقوط الذنوب بالا ستغفار توبة [2748] قوله (عن محمد بن

قَصْدٍ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الاخر عن بن مَسْعُودٍ قَالَ فَأَرْجِعُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَفِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ فَنَامَ نَوْمَةً فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا يُصَحِّحُ رِوَايَةَ اسْتَيْقَظَ قال ولكن وَجْهَ الْكَلَامِ وَسِيَاقَهُ يَدُلُّ عَلَى سَقَطٍ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (أَضَلَّهُ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ) أَيْ فقده (باب سقوط الذنوب بالا ستغفار تَوْبَةً [2748] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَاصِّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا قَاصِّ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ من القصص قال القاضي عِيَاضُ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ قَاضِي بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْيَاءِ وَالْوَجْهَانِ مَذْكُورَانِ فِيهِ مِمَّنْ ذَكَرَهُمَا الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَرُوِيَ عَنْهُ قَالَ كُنْتُ قَاصًّا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ أَمِيرٌ بِالْمَدِينَةِ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّهُ قَالَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ كُنْتُ كَتَمْتُ عَنْكُمْ شَيْئًا) إِنَّمَا كَتَمَهُ أَوَّلًا مَخَافَةَ اتِّكَالِهِمْ عَلَى سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تعالى وانهما كهم فِي الْمَعَاصِي وَإِنَّمَا)

باب فضل دوام الذكر والفكر فى أمور الآخرة

حَدَّثَ بِهِ عِنْدَ وَفَاتِهِ لِئَلَّا يَكُونَ كَاتِمًا لِلْعِلْمِ وَرُبَّمَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَحْفَظُهُ غَيْرُهُ فَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ فِي الحديث الآ خر فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا أَيْ خَشْيَةَ الْإِثْمِ بِكِتْمَانِ الْعِلْمِ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ فى كتاب الايمان والله أعلم (باب فضل دوام الذكر والفكر فى أمور الآخرة والمراقبة وجواز ترك ذلك فى بعض الأوقات والاشتغال بالدنيا [2750] قَوْلُهُ (قَطَنُ بْنُ نُسَيْرٍ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ السِّينِ قَوْلُهُ (عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيْدِيِّ) ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا ضَمُّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الباء الْمُشَدَّدَةِ وَالثَّانِي كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بِإِسْكَانِ الْيَاءِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي إِلَّا هَذَا الثَّانِي وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي أُسَيْدٍ بَطْنٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ قَوْلُهُ (وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَذَكَرَهُ الْقَاضِي)

عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِمْ كَذَلِكَ وَعَنْ أَكْثَرِهِمْ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَشْهَرُ فِي الرِّوَايَةِ وَأَظْهَرُ فِي الْمَعْنَى وَقَدْ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ عَنْ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ قَوْلُهُ (يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ) قَالَ الْقَاضِي ضَبَطْنَاهُ رَأْيُ عَيْنٍ بِالرَّفْعِ أَيْ كَأَنَّا بحال من يراها بعينه قَالَ وَيَصِحُّ النَّصْبُ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ نَرَاهَا رَأْيَ عَيْنٍ قَوْلُهُ (عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ) هُوَ بِالْفَاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ حَاوَلْنَا ذَلِكَ وَمَارَسْنَاهُ وَاشْتَغَلْنَا بِهِ أَيْ عَالَجْنَا مَعَايِشَنَا وَحُظُوظَنَا وَالضَّيْعَاتُ جَمْعُ ضَيْعَةٍ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ مَعَاشُ الرَّجُلِ مِنْ مَالٍ أَوْ حِرْفَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ وَرَوَى الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَرْفَ عانسنا بالنون قال ومعناه لاعبنا ورواه بن قُتَيْبَةَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ وَمَعْنَاهُ عَانَقْنَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ وَهُوَ أَعَمُّ قَوْلُهُ (نَافَقَ حَنْظَلَةُ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ خَافَ أَنَّهُ مُنَافِقٌ حَيْثُ كَانَ يَحْصُلُ لَهُ الْخَوْفُ فِي مَجْلِسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَظْهَرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ مَعَ الْمُرَاقَبَةِ وَالْفِكْرِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى الْآخِرَةِ فَإِذَا خَرَجَ اشتغل

بِالزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ وَمَعَاشِ الدُّنْيَا وَأَصْلُ النِّفَاقِ إِظْهَارُ مَا يَكْتُمُ خِلَافَهُ مِنَ الشَّرِّ فَخَافَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نِفَاقًا فَأَعْلَمَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاقٍ وَأَنَّهُمْ لَا يكلفون الدوام على ذلك سَاعَةً وَسَاعَةً أَيْ سَاعَةً كَذَا وَسَاعَةً كَذَا قَوْلُهُ (فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَافَقَ حَنْظَلَةُ فَقَالَ مَهْ) قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ الِاسْتِفْهَامُ أَيْ مَا تَقُولُ وَالْهَاءُ هُنَا هِيَ هَاءُ السَّكْتِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لِلْكَفِّ وَالزَّجْرِ وَالتَّعْظِيمِ لِذَلِكَ

باب سعة رحمة الله تعالى وأنها تغلب غضبه

(باب سعة رحمة الله تعالى وأنها تغلب غضبه)) [2751] قَوْلُهُ تَعَالَى (إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي) وَفِي رِوَايَةٍ سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي قَالَ الْعُلَمَاءُ غَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى وَرِضَاهُ يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنَى الْإِرَادَةِ فَإِرَادَتُهُ الْإِثَابَةَ لِلْمُطِيعِ وَمَنْفَعَةَ الْعَبْدِ تُسَمَّى رِضًا وَرَحْمَةً وَإِرَادَتُهُ عِقَابَ الْعَاصِي وَخِذْلَانَهُ تُسَمَّى غَضَبًا وَإِرَادَتُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى صِفَةٌ لَهُ قَدِيمَةٌ يُرِيدُ بِهَا جَمِيعَ الْمُرَادَاتِ قَالُوا وَالْمُرَادُ بِالسَّبْقِ وَالْغَلَبَةِ هُنَا كَثْرَةُ الرَّحْمَةِ وَشُمُولُهَا كَمَا يُقَالُ غَلَبَ عَلَى فُلَانٍ الْكَرَمُ وَالشَّجَاعَةُ إِذَا كَثُرَا مِنْهُ [2752] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ إِلَى آخِرِهِ) هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مِنْ أَحَادِيثِ الرَّجَاءِ وَالْبِشَارَةِ لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ الْعُلَمَاءُ لِأَنَّهُ إِذَا حَصَلَ لِلْإِنْسَانِ مِنْ رَحْمَةٍ وَاحِدَةٍ فِي هَذِهِ الدَّارِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْأَكْدَارِ الْإِسْلَامُ وَالْقُرْآنُ وَالصَّلَاةُ وَالرَّحْمَةُ فِي قَلْبِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فَكَيْفَ الظَّنُّ بمائة

رَحْمَةٍ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ وَهِيَ دَارُ الْقَرَارِ وَدَارُ الْجَزَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا جَمِيعًا جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي جَعَلَ اللَّهُ الرُّحْمَ بِحَذْفِ الْهَاءِ وَبِضَمِّ الرَّاءِ قَالَ وَرَوَيْنَاهُ بِضَمِّ الرَّاءِ

وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَمَعْنَاهُ الرَّحْمَةُ [2754] قَوْلُهُ (فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَبْتَغِي) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ تَبْتَغِي مِنَ الِابْتِغَاءِ وَهُوَ الطَّلَبُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهَذَا وَهَمٌ وَالصَّوَابُ مَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ تَسْعَى بِالسِّينِ مِنَ السعى قلت كلاهما صواب لاوهم فِيهِ فَهِي سَاعِيَةٌ وَطَالِبَةٌ مُبْتَغِيَةٌ لِابْنِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ [2756] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي الرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً أَوْصَى بَنِيهِ أَنْ يُحَرِّقُوهُ وَيَذِرُّوهُ فِي الْبَحْرِ وَالْبَرِّ وَقَالَ فَوَاَللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا قَالَ

مِنْ خَشْيَتِكَ يَا رَبِّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ فَغَفَرَ لَهُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثُ فقالت طائفة لايصح حَمْلُ هَذَا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ نَفْيَ قُدْرَةِ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّاكَّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَافِرٌ وَقَدْ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ إِنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ هَذَا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْكَافِرُ لَا يَخْشَى اللَّهَ تَعَالَى وَلَا يُغْفَرَ لَهُ قَالَ هَؤُلَاءِ فَيَكُونُ لَهُ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ لَئِنْ قَدَّرَ عَلَيَّ الْعَذَابَ أَيْ قَضَاهُ يُقَالُ مِنْهُ قَدَرَ بِالتَّخْفِيفِ وَقَدَّرَ بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالثَّانِي إِنَّ قَدَرَ هُنَا بِمَعْنَى ضَيَّقَ عَلَيَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدَرَ عَلَيْهِ رزقه وهوأحد الْأَقْوَالِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَظَنَّ أَنْ لَنْ نقدر عليه وَقَالَتْ طَائِفَةٌ اللَّفْظُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَكِنْ قَالَهُ هذا الرجل وهو غير ضابط لكلامه ولاقاصد لِحَقِيقَةِ مَعْنَاهُ وَمُعْتَقِدٍ لَهَا بَلْ قَالَهُ فِي حَالَةٍ غَلَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الدَّهْشُ وَالْخَوْفُ وَشِدَّةُ الْجَزَعِ بِحَيْثُ ذَهَبَ تَيَقُّظُهُ وَتَدَبُّرُ مَا يَقُولُهُ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْغَافِلِ وَالنَّاسِي وَهَذِهِ الْحَالَةِ لايؤاخذ فِيهَا وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ الْقَائِلِ الْآخَرِ الَّذِي غَلَبَ عَلَيْهِ الْفَرَحُ حِينَ وَجَدَ رَاحِلَتَهُ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ فَلَمْ يَكْفُرْ بِذَلِكَ الدَّهْشِ وَالْغَلَبَةِ وَالسَّهْوِ وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ فَلَعَلِّي أَضِلُّ اللَّهَ أَيْ أَغِيبُ عَنْهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ هَذَا مِنْ مَجَازِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَبَدِيعِ اسْتِعْمَالِهَا يُسَمُّونَهُ مَزْجَ الشَّكِّ بِالْيَقِينِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنَّا أواياكم لعلى هدى فَصُورَتُهُ صُورَةُ شَكٍّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْيَقِينِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ هَذَا الرَّجُلُ جَهِلَ صِفَةً مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَكْفِيرِ جَاهِلِ الصِّفَةِ قَالَ الْقَاضِي وَمِمَّنْ كَفَّرَهُ بِذَلِكَ بن جرير الطبرى وقاله أبوالحسن الْأَشْعَرِيُّ أَوَّلًا وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَكْفُرُ بِجَهْلِ الصِّفَةِ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنِ اسْمِ الْإِيمَانِ بخلاف حجدها وَإِلَيْهِ رَجَعَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ اعْتِقَادًا يَقْطَعُ بِصَوَابِهِ وَيَرَاهُ دِينًا وَشَرْعًا وَإِنَّمَا يَكْفُرُ مَنِ اعتقد أن

مَقَالَتَهُ حَقٌّ قَالَ هَؤُلَاءِ وَلَوْ سُئِلَ النَّاسُ عن الصفات لوجد العالم بها قليلاوقالت طَائِفَةٌ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ فِي زَمَنِ فَتْرَةٍ حِينَ يَنْفَعُ مُجَرَّدِ التَّوْحِيدِ وَلَا تَكْلِيفَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رسولا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجُوزُ أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنٍ شَرْعُهُمْ فِيهِ جَوَازُ الْعَفْوِ عَنِ الْكَافِرِ بِخِلَافِ شَرْعِنَا وَذَلِكَ مِنْ مُجَوَّزَاتِ الْعُقُولِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَإِنَّمَا مَنَعْنَاهُ فِي شَرْعِنَا بِالشَّرْعِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ به) وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَدِلَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقِيلَ إِنَّمَا وَصَّى بِذَلِكَ تَحْقِيرًا لِنَفْسِهِ وَعُقُوبَةً لَهَا لِعِصْيَانِهَا وَإِسْرَافِهَا رَجَاءَ أَنْ يَرْحَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ بَالَغَ وَعَلَا فِي الْمَعَاصِي والسرف مجاوزة الحد قوله ان بن شِهَابٍ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الْمَرْأَةِ الَّتِي دَخَلَتِ النَّارَ وَعُذِّبَتْ بِسَبَبِ هِرَّةٍ حبستها حتى ماتت جوعا ثم قال بن شِهَابٍ لِئَلَّا يَتَّكِلَ رَجُلٌ وَلَا يَيْأَسْ رَجُلٌ معناه أن

بن شِهَابٍ لَمَّا ذَكَرَ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ خَافَ أَنَّ سَامِعَهُ يَتَّكِلُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ سَعَةِ الرَّحْمَةِ وَعِظَمِ الرَّجَاءِ فَضَمَّ إِلَيْهِ حَدِيثَ الْهِرَّةِ الَّذِي فِيهِ مِنَ التَّخْوِيفِ ضِدَّ ذَلِكَ لِيَجْتَمِعَ الْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِئَلَّا يَتَّكِلَ ولاييأس وَهَكَذَا مُعْظَمُ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ وَكَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ يُسْتَحَبُّ لِلْوَاعِظِ أَنْ يَجْمَعَ فِي مَوْعِظَتِهِ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ لئلا يقنط أحد ولايتكل قَالُوا وَلْيَكُنِ التَّخْوِيفُ أَكْثَرَ لِأَنَّ النُّفُوسَ إِلَيْهِ أَحْوَجُ لِمَيْلِهَا إِلَى الرَّجَاءِ وَالرَّاحَةِ وَالِاتِّكَالِ وَإِهْمَالِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْهِرَّةِ فَسَبَقَ شَرْحُهُ فِي مَوْضِعِهِ [2757] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ رَجُلًا فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَاشَهُ اللَّهُ مَالًا وَوَلَدًا) هَذِهِ اللَّفْظَةُ رُوِيَتْ بِوَجْهَيْنِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَحَدُهُمَا رَاشَهُ بِأَلِفٍ سَاكِنَةٍ غَيْرِ مَهْمُوزَةٍ وَبِشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَالثَّانِي رَأَسَهُ بِهَمْزَةٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ وَمَعْنَاهُ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا وَوَلَدًا قَالَ وَلَا وَجْهَ لِلْمُهْمَلَةِ هُنَا وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ وَلَا وَجْهَ لَهُ هُنَا قَوْلُهُ (فَإِنِّي لَمْ أَبْتَهِرْ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلِبَعْضِ الرُّوَاةِ أَبْتَئِرُ بِهَمْزَةٍ بعدالتاء وَفِي أَكْثَرِهَا لَمْ أَبْتَهِرْ بِالْهَاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْهَاءُ مُبْدَلَةٌ مِنَ الْهَمْزَةِ وَمَعْنَاهُمَا لَمْ أُقَدِّمْ خَيْرًا وَلَمْ أَدَّخِرْهُ وَقَدْ فَسَّرَهَا قَتَادَةُ فِي الْكِتَابِ وَفِي رِوَايَةٍ لَمْ يَبْتَئِرْ هَكَذَا هُوَ فى جميع النسخ وفى رواية ماامتأر بِالْمِيمِ مَهْمُوزٌ أَيْضًا وَالْمِيمُ مُبْدَلَةٌ مِنَ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَوْلُهُ (وَإِنَّ اللَّهَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُعَذِّبَنِي) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ بِبِلَادِنَا وَنَقَلَ اتِّفَاقُ الرُّوَاةِ

وَالنُّسَخِ عَلَيْهِ هَكَذَا بِتَكْرِيرِ إِنْ وَسَقَطَتْ لَفْظَةَ أَنْ الثَّانِيَةَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ إِنِ الْأُولَى شَرْطِيَّةٌ وَتَقْدِيرُهُ إِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ عَذَّبَنِي وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ وَهِيَ إِثْبَاتُ أَنَّ الثَّانِيَةِ مَعَ الْأُولَى فَاخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِهِ فَقَالَ الْقَاضِي هَذَا الْكَلَامُ فِيهِ تَلْفِيقٌ قَالَ فَإِنْ أُخِذَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَنَصَبَ اسْمَ اللَّهِ وجعل تقدير فِي مَوْضِعِ خَبَرِ إِنَّ اسْتَقَامَ اللَّفْظُ وَصَحَّ الْمَعْنَى لَكِنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا لِمَا سَبَقَ مِنْ كَلَامِهِ الَّذِي ظَاهِرُهُ الشَّكُّ فِي الْقُدْرَةِ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ صَوَابُهُ حَذْفُ أَنَّ الثَّانِيَةِ وَتَخْفِيفُ الْأُولَى وَرَفْعُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَكَذَا ضَبَطْنَاهُ عَنْ بَعْضِهِمْ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَقِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ بِإِثْبَاتِ إِنْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَالْأُولَى مُشَدَّدَةٌ وَمَعْنَاهُ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُعَذِّبَنِي وَيَكُونُ هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ تأول الرواية الأولى على أنه أراد بقدر ضَيَّقَ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ نَفْيُ حَقِيقَةِ الْقُدْرَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا ذَكَرَ هَذَا الْقَائِلُ لَكِنْ يَكُونُ قَوْلُهُ هُنَا مَعْنَاهُ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُعَذِّبَنِي إِنْ دَفَنْتُمُونِي بِهَيْئَتِي فَأَمَّا إِنْ سَحَقْتُمُونِي وَذَرَّيْتُمُونِي فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَيَّ وَيَكُونُ جَوَابُهُ كَمَا سَبَقَ وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ الرِّوَايَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَخَذَ مِنْهُمْ مِيثَاقًا فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ وَرَبِّي) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَرَبِّي عَلَى الْقَسَمِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْقَسَمِ مِنَ الْمُخْبِرِ بِذَلِكَ عَنْهُمْ لِتَصْحِيحِ خَبَرِهِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَأَخَذَ مِنْهُمْ مِيثَاقًا وَرَبِّي فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ الْقَاضِي بَلْ هُمَا مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَعْنَى وَالْقَسَمِ قَالَ وَجَدْتُهُ فِي بَعْضِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ لِأَحَدٍ مِنْ شيوخنا الا للتميمى من طريق بن الْحَذَّاءِ فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَذُرِّيَ قَالَ فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فَهِي وَجْهَ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ أَنْ يَذُرُّوهُ وَلَعَلَّ الذَّالَ سَقَطَتْ لِبَعْضِ النُّسَّاخِ وَتَابَعَهُ الْبَاقُونَ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالرِّوَايَاتُ الثَّلَاثُ الْمَذْكُورَاتُ صَحِيحَاتُ الْمَعْنَى ظَاهِرَاتٌ فَلَا وَجْهَ لِتَغْلِيطِ شَيْءٍ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَمَا تَلَافَاهُ غَيْرُهَا) أَيْ مَا تَدَارَكُهُ

(باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب

وَالتَّاءُ فِيهِ زَائِدَةٌ قَوْلُهُ (إِنَّ رَجُلًا مِنَ الناس رغسه الله مالاوولدا) هُوَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْمُخَفَّفَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ أعطاه ما لا وَبَارَكَ لَهُ فِيهِ (بَاب قَبُولِ التَّوْبَةِ مِنْ الذُّنُوبِ وَإِنْ تَكَرَّرَتْ الذُّنُوبُ وَالتَّوْبَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ فِي أَوَّلِ كِتَابِ التَّوْبَةِ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ ظَاهِرَةٌ فِي الدَّلَالَةِ لَهَا وَأَنَّهُ لَوْ تَكَرَّرَ الذَّنْبُ مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَتَابَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَسَقَطَتْ ذُنُوبُهُ وَلَوْ تَابَ عَنِ الْجَمِيعِ تَوْبَةً وَاحِدَةً بَعْدَ جَمِيعِهَا صَحَّتْ تَوْبَتُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلَّذِي تَكَرَّرَ ذَنْبُهُ [2758] اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ مَعْنَاهُ مَا دُمْتَ تُذْنِبُ ثُمَّ تَتُوبُ غَفَرْتُ لَكَ وَهَذَا جَارٍ عَلَى الْقَاعِدَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ)

(باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش [2760] قد سبق تفسير

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنهار ليتوب مسيءالليل حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَلَا يَخْتَصُّ قبولها بوقت وقد سبقت المسألة فبسط اليداستعارة فِي قَبُولِ التَّوْبَةِ قَالَ الْمَازِرِيُّ الْمُرَادُ بِهِ قَبُولُ التَّوْبَةِ وَإِنَّمَا وَرَدَ لَفْظُ بَسْطِ الْيَدِ لِأَنَّ الْعَرَبَ إِذَا رَضِيَ أَحَدُهُمِ الشَّيْءَ بَسَطَ يَدَهُ لِقَبُولِهِ وَإِذَا كَرِهَهُ قَبَضَهَا عَنْهُ فَخُوطِبُوا بأمر حسي يفهمونه وهو مجازفان يَدَ الْجَارِحَةَ مُسْتَحِيلَةٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى (بَاب غَيْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَحْرِيمِ الْفَوَاحِشِ [2760] قَدْ سبق تفسير غيرة الله تعالىفى حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَفِي غَيْرِهِ وَسَبَقَ بَيَانُ لَا شَيْءَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ)

وَالْغَيْرَةُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَهِيَ فِي حَقِّنَا الْأَنَفَةُ وَأَمَّا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ فَسَّرَهَا هُنَا فِي حَدِيثِ عَمْرٍو النَّاقِدِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ أَيْ غَيْرَتُهُ مَنْعُهُ وَتَحْرِيمُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ولاأحد أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى) حَقِيقَةُ هَذَا مَصْلَحَةٍ لِلْعِبَادِ لِأَنَّهُمْ يُثْنُونَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَيُثِيبُهُمْ فَيَنْتَفِعُونَ وَهُوَ سُبْحَانَهُ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ لَا يَنْفَعُهُ مَدْحُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُ تَرْكُهُمْ ذَلِكَ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى فَضْلِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَسْبِيحِهِ وَتَهْلِيلِهِ وَتَحْمِيدِهِ وَتَكْبِيرِهِ وَسَائِرِ

الْأَذْكَارِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْعُذْرَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ) قَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ الِاعْتِذَارُ أَيْ اعْتِذَارُ الْعِبَادِ إِلَيْهِ مِنْ تَقْصِيرِهِمْ وَتَوْبَتِهِمْ مِنْ مَعَاصِيهِمْ فَيَغْفِرُ لَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى وهو الذى يقبل التوبة عن عباده [2761] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(باب قوله تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات [2763] قوله في

(وَاَللَّهُ أَشَدُّ غَيْرًا) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ غَيْرًا بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ مَنْصُوبٌ بِالْأَلِفِ هو الْغَيْرَةُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْغَيْرَةُ وَالْغَيْرُ وَالْغَارُ بِمَعْنًى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب قَوْله تَعَالَى إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [2763] قَوْلُهُ فِي الَّذِي أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ (إِنَّ الحسنات يذهبن السيئات) إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْحَسَنَاتِ تُكَفِّرُ السَّيِّئَاتِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْحَسَنَاتِ هُنَا فَنَقَلَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهَا الصلوات الخمس واختاره بن جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ هِيَ قَوْلُ الْعَبْدِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ المراد الحسنات مطلقاوقد سَبَقَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ مَا يُكَفِّرُ مِنَ الْمَعَاصِي بِالصَّلَاةِ وَسَبَقَ فِي مَوَاضِعَ قَوْلُهُ تعالى وزلفا من الليل هِيَ سَاعَتُهُ وَيَدْخُلُ فِي صَلَاةِ طَرَفَيِ النَّهَارِ الصُّبْحُ وَالظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَفِي زُلَفًا مِنَ)

الليل الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ قَوْلُهُ (أَصَابَ مِنْهَا دُونَ الْفَاحِشَةِ) أى دون الزنى فِي الْفَرْجِ قَوْلُهُ (عَالَجْتُ امْرَأَةً وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا) مَعْنَى عَالَجَهَا أَيْ تَنَاوَلَهَا وَاسْتَمْتَعَ بِهَا وَالْمُرَادُ بِالْمَسِّ الْجِمَاعِ وَمَعْنَاهُ اسْتَمْتَعْتُ بِهَا بِالْقُبْلَةِ وَالْمُعَانَقَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ جميع أنواع الاستمتاع إلاالجماع قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً) هَكَذَا تُسْتَعْمَلُ كَافَّةً حَالٌ أَيْ كُلُّهُمْ

ولا يضاف فيقال كافة الناس ولاالكافة بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي تَصْحِيفِ الْعَوَامِّ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ [2764] قَوْلُهُ (أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ هَلْ حَضَرْتَ الصَّلَاةَ معنا قال نعم قال قد غفرلك) هَذَا الْحَدُّ مَعْنَاهُ مَعْصِيَةٌ مِنَ الْمَعَاصِي الْمُوجِبَةِ للتعزير وهى هنا من الصغائرلأنها كَفَّرَتْهَا الصَّلَاةُ وَلَوْ كَانَتْ كَبِيرَةٌ مُوجِبَةٌ لِحَدٍّ أَوْ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لَهُ لَمْ تَسْقُطْ بِالصَّلَاةِ فقدأجمع العلماء على أن المعاصى الموجبة للحدود لاتسقط حُدُودُهَا بِالصَّلَاةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِهِمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِّ الْمَعْرُوفِ قَالَ وَإِنَّمَا لَمْ يَحُدَّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَسِّرْ مُوجِبَ الْحَدِّ وَلَمْ يَسْتَفْسِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ إِيثَارًا لِلسَّتْرِ بَلِ اسْتُحِبَّ تَلْقِينُ الرُّجُوعِ عَنِ الْإِقْرَارِ بِمُوجِبِ الْحَدِّ صَرِيحًا

(باب قبول توبة القاتل وان كثرهم قتله)

(باب قبول توبة القاتل وان كثرهم قَتْلُهُ) [2766] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ رجلاقتل تِسْعًا وَتِسْعِينَ نَفْسًا ثُمَّ قَتَلَ تَمَامَ الْمِائَةِ ثُمَّ أَفْتَاهُ الْعَالِمُ بِأَنَّ لَهُ تَوْبَةٌ) هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى صِحَّةِ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ عَمْدًا وَلَمْ يُخَالِفْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا بن عَبَّاسٍ وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِنْ خِلَافِ هَذَا فَمُرَادُ قَائِلِهِ الزَّجْرُ عَنْ سبب التوبة لاأنه يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ تَوْبَتِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِيهِ وهو وَإِنْ كَانَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلَنَا وَفِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ خِلَافٌ فَلَيْسَ مَوْضِعَ الْخِلَافِ وَإِنَّمَا مَوْضِعُهُ إِذَا لَمْ يَرِدْ شَرْعُنَا بِمُوَافَقَتِهِ وَتَقْرِيرِهِ فَإِنْ وَرَدَ كان شرعا لنا

بلاشك وَهَذَا قَدْ وَرَدَ شَرْعُنَا بِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخر ولا يقتلون إلى قوله إلامن تاب الْآيَةَ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها فَالصَّوَابُ فِي مَعْنَاهَا أَنَّ جَزَاءَهُ جَهَنَّمُ وَقَدْ يجازى به وقد يجازى بغيره وقد لايجازى بَلْ يُعْفَى عَنْهُ فَإِنْ قَتَلَ عَمْدًا مُسْتَحِلًّا له بغير حق ولاتأويل فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ يَخْلُدُ بِهِ فِي جَهَنَّمَ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ بَلْ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ فَهُوَ فَاسِقٌ عَاصٍ مُرْتَكِبُ كَبِيرَةٍ جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا لَكِنْ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى ثم أخبر أنه لايخلد مَنْ مَاتَ مُوَحِّدًا فِيهَا فَلَا يَخْلُدُ هَذَا ولكن قد يعفى عنه فلايدخل النار أصلا وقد لايعفى عَنْهُ بَلْ يُعَذَّبُ كَسَائِرِ الْعُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ ثُمَّ يَخْرُجُ مَعَهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَلَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُجَازَى بِعُقُوبَةٍ مَخْصُوصَةٍ أَنْ يَتَحَتَّمَ ذَلِكَ الْجَزَاءُ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ إِخْبَارٌ بِأَنَّهُ يُخَلَّدُ فِي جَهَنَّمِ وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّهَا جَزَاؤُهُ أَيْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُجَازَى بِذَلِكَ وَقِيلَ إِنَّ الْمُرَادَ مَنْ قَتَلَ مستحلا وقيل وَرَدَتِ الْآيَةُ فِي رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بالخلود طول المدة لاالدوام وقيل معناه هَذَا جَزَاؤُهُ إِنْ جَازَاهُ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا ضعيفة أوفاسدة لِمُخَالَفَتِهَا حَقِيقَةَ لَفْظِ الْآيَةِ وَأَمَّا هَذَا الْقَوْلُ فَهُوَ شَائِعٌ عَلَى أَلْسِنَةِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إِذَا عُفِي عَنْهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهَا كَانَتْ جَزَاءً وَهِيَ جَزَاءٌ لَهُ لَكِنْ تَرَكَ اللَّهُ مُجَازَاتَهُ عَفْوًا عَنْهُ وَكَرَمًا فَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ فِيهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ ولاترجع إِلَى أَرْضكِ فَإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا اسْتِحْبَابُ مُفَارَقَةِ التَّائِبِ الْمَوَاضِعَ الَّتِي أَصَابَ بِهَا الذُّنُوبَ وَالْأَخْدَانَ الْمُسَاعِدِينَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَمُقَاطَعَتِهِمْ مَا دَامُوا عَلَى حَالِهِمْ وَأَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهِمْ صُحْبَةَ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُتَعَبِّدِينَ الْوَرِعِينَ وَمَنْ يَقْتَدِي بِهِمْ وَيَنْتَفِعُ بِصُحْبَتِهِمْ وَتَتَأَكَّدُ بِذَلِكَ تَوْبَتُهُ قَوْلُهُ (فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ) هُوَ

بِتَخْفِيفِ الصَّادِ أَيْ بَلَغَ نِصْفَهَا قَوْلُهُ (نَأَى بِصَدْرِهِ) أَيْ نَهَضَ وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْأَلِفِ عَلَى الْهَمْزَةِ وَعَكْسُهُ وَسَبَقَ فِي حَدِيثِ أَصْحَابِ الْغَارِ وَأَمَّا قِيَاسُ الْمَلَائِكَةِ مَا بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ وَحُكْمُ الْمَلَكِ الَّذِي جَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ بِذَلِكَ فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُمْ عِنْدَ اشْتِبَاهِ أَمْرِهِ عَلَيْهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ فِيهِ أَنْ يُحَكِّمُوا رَجُلًا مِمَّنْ يَمُرُّ بِهِمْ فَمَرَّ الْمَلَكُ فِي صُورَةِ رجل فحكم بذلك

باب سعة رحمة الله تعالى على المؤمنين وفداء كل مسلم بكافر مِنْ النَّارِ [2767] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَيَقُولُ هَذَا فَكَاكُكَ مِنَ النَّارِ) وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَمُوتُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا أَدْخَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ النَّارَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا وَفِي رِوَايَةٍ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ فَيَغْفِرُهَا اللَّهُ لَهُمْ وَيَضَعُهَا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الْفَكَاكُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا الْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَهُوَ الْخَلَاصُ وَالْفِدَاءُ وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِكُلِّ أَحَدٍ مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ فَالْمُؤْمِنُ إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ خَلَفَهُ الْكَافِرُ فِي النار لاستحقاقه ذلك بكفره ومعنى فَكَاكُكَ مِنَ النَّارِ أَنَّكَ كُنْتَ مُعَرَّضًا لِدُخُولِ النَّارِ وَهَذَا فَكَاكُكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ لَهَا عَدَدًا يَمْلَؤُهَا فَإِذَا دَخَلَهَا الْكُفَّارُ بِكُفْرِهِمْ وَذُنُوبِهِمْ صَارُوا فِي مَعْنَى الْفَكَاكِ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا رواية يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بِذُنُوبٍ فَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ تِلْكَ الذُّنُوبَ لِلْمُسْلِمِينَ وَيُسْقِطُهَا عَنْهُمْ وَيَضَعُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِثْلَهَا بِكُفْرِهِمْ وَذُنُوبِهِمْ فَيُدْخِلُهُمُ النَّارَ بِأَعْمَالِهِمْ لا بذنوب المسلمين ولا بدمن هَذَا التَّأْوِيلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزرأخرى وَقَوْلُهُ وَيَضَعُهَا مَجَازٌ وَالْمُرَادُ يَضَعُ عَلَيْهِمْ مِثْلَهَا بِذُنُوبِهِمْ كَمَا ذَكَرْنَاهُ لَكِنْ لَمَّا أَسْقَطَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنِ الْمُسْلِمِينَ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَبْقَى عَلَى الْكُفَّارِ سَيِّئَاتِهِمْ صَارُوا فِي مَعْنَى مَنْ حَمَلَ إِثْمَ الْفَرِيقَيْنِ لِكَوْنِهِمْ حَمَلُوا الْإِثْمَ الْبَاقِي وَهُوَ إِثْمُهُمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ آثَامًا كَانَ لِلْكُفَّارِ سَبَبٌ فِيهَا بِأَنْ سَنُّوهَا فَتَسْقُطُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ بِعَفْوِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُوضَعُ عَلَى الْكُفَّارِ مِثْلُهَا لِكَوْنِهِمْ سَنُّوهَا وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ كُلِّ مَنْ يَعْمَلُ بِهَا

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَاسْتَحْلَفَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ) إِنَّمَا اسْتَحْلَفَهُ لِزِيَادَةِ الاستيشاق وَالطُّمَأْنِينَةِ وَلِمَا حَصَلَ لَهُ مِنَ السُّرُورِ بِهَذِهِ الْبِشَارَةِ الْعَظِيمَةِ لِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ وَلِأَنَّهُ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ فِيهِ شَكٌّ وَخَوْفٌ غَلَطٌ أَوْ نِسْيَانٌ أَوْ اشْتِبَاهٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ أَمْسَكَ عَنِ الْيَمِينِ فَإِذَا حَلَفَ تَحَقَّقَ انْتِفَاءُ هَذِهِ الْأُمُورِ وَعَرَفَ صِحَّةَ الْحَدِيثِ وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُمَا قَالَا هَذَا الْحَدِيثُ أَرْجَى حَدِيثٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ كَمَا قَالَا لِمَا فِيهِ مِنَ التَّصْرِيحِ بِفِدَاءِ كُلِّ مُسْلِمٍ وَتَعْمِيمِ الْفِدَاءِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ [2768] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُدْنَى الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفُهُ

باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه

فَيُقَرِّرَهُ بِذُنُوبِهِ) إِلَى آخِرِهِ أَمَّا كَنَفُهُ فَبِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ وَهُوَ سَتْرُهُ وَعَفْوُهُ وَالْمُرَادُ بِالدُّنُوِّ هُنَا دنو كرامة واحسان لادنو مَسَافَةٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَهٌ عَنِ الْمَسَافَةِ وَقُرْبِهَا (باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه) [2769] قَوْلُهُ (وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ) أَيْ تَبَايَعْنَا عَلَيْهِ وَتَعَاهَدْنَا وَلَيْلَةُ الْعَقَبَةِ هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْصَارَ

فيها على الاسلام وأن يودوه وَيَنْصُرُوهُ وَهِيَ الْعَقَبَةُ الَّتِي فِي طَرَفِ مِنًى التى يُضَافُ إِلَيْهَا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَقَبَةِ مَرَّتَيْنِ فِي سَنَتَيْنِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ وَفِي الثَّانِيَةِ سَبْعِينَ كُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ) أَيْ أَشْهَرُ عِنْدَ النَّاسِ بِالْفَضِيلَةِ قَوْلُهُ (وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا) أَيْ بَرِّيَّةً طَوِيلَةً قَلِيلَةَ الْمَاءِ يُخَافُ فِيهَا الْهَلَاكَ وَسَبَقَ قَرِيبًا بَيَانُ الْخِلَافِ فِي تَسْمِيَتِهَا مَفَازَةً وَمَفَازًا قَوْلُهُ (فَجَلَا لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرُهُمْ) هُوَ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ أَيْ كَشَفَهُ وَبَيَّنَهُ وَأَوْضَحَهُ وَعَرَّفَهُمْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ غَيْرِ تَوْرِيَةٍ يُقَالُ جَلَوْتُ الشَّيْءَ كَشَفْتُهُ قَوْلُهُ (لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ) الْأُهْبَةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ أَيْ لِيَسْتَعِدُّوا بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي سَفَرِهِمْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِمْ أي بمقصدهم قوله يريد بذلك الديوان) هوبكسر الدَّالِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِي فَتْحُهَا وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعْرَبٌ وَقِيلَ عَرَبِيٌّ قَوْلُهُ (فَقَلَّ رَجُلٍ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ يَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ سَيَخْفَى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى) قَالَ الْقَاضِي هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ وَصَوَابُهُ أَلَّا يَظُنَّ أَنَّ ذَلِكَ سَيَخْفَى لَهُ بِزِيَادَةِ أَلَّا وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(فَأَنَا إِلَيْهَا أَصْعَرُ) أَيْ أَمِيلُ قَوْلُهُ (حَتَّى اسْتَمَرَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ) بِكَسْرِ الْجِيمِ قَوْلُهُ (وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جِهَازِي شَيْئًا) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا أى أهبة سفرى قوله (تفارة الغزو) أى تقدم الغزاته سبقوا وَفَاتُوا قَوْلُهُ (رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ) أى متهمابه وَهُوَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ (وَلَمْ يَذْكُرْنِي حَتَّى بَلَغَ تَبُوكًا) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ تَبُوكَا بِالنَّصْبِ وَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْبُخَارِيِّ وَكَأَنَّهُ صَرَفَهَا لِإِرَادَةِ الْمَوْضِعِ دُونَ الْبُقْعَةِ قَوْلُهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ أَيْ جَانِبَيْهِ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى إِعْجَابِهِ بِنَفْسِهِ وَلِبَاسِهِ قَوْلُهُ (فَقَالَ لَهُ مَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِئْسَ مَا قلت) هذا دليل لردغيبة الْمُسْلِمِ الَّذِي لَيْسَ بِمُتَهَتِّكٍ فِي الْبَاطِلِ وَهُوَ مِنْ مُهِمَّاتِ الْآدَابِ وَحُقُوقِ الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ (رَأَى رَجُلًا مُبَيِّضًا يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ) الْمُبَيِّضُ

بكسر الباء هُوَ لَابِسٌ الْبَيَاضَ وَيُقَالُ هُمُ الْمُبَيِّضَةُ وَالْمُسَوِّدَةُ بالكسر فيهما أى لا بسوا الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ وَيَزُولُ بِهِ السَّرَابُ أَيْ يَتَحَرَّكُ وَيَنْهَضُ وَالسَّرَابُ هُوَ مَا يَظْهَرُ لِلْإِنْسَانِ فِي الْهَوَاجِرِ فِي الْبَرَارِيِّ كَأَنَّهُ مَاءٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُنَّ أَبَا خَيْثَمَةَ) قِيلَ مَعْنَاهُ أَنْتَ أَبُو خَيْثَمَةَ قَالَ ثَعْلَبُ الْعَرَبُ تَقُولُ كُنْ زَيْدًا أَيْ أَنْتَ زَيْدٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّ كُنْ هُنَا لِلتَّحَقُّقِ وَالْوُجُودِ أَيْ لِتُوجَدْ يَا هَذَا الشَّخْصُ أَبَا خَيْثَمَةَ حَقِيقَةً وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ تَقْدِيرُهُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ أَبَا خَيْثَمَةَ وَأَبُو خَيْثَمَةَ هَذَا اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَيْثَمَةَ وَقِيلَ مالك بْنُ قَيْسٍ قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ يُكْنَى أَبَا خَيْثَمَةَ إِلَّا اثْنَانِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ الْجُعْفِيُّ قَوْلُهُ (لَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ) أَيْ عَابُوهُ وَاحْتَقَرُوهُ قَوْلُهُ (تَوَجَّهَ قَافِلًا) أَيْ رَاجِعًا قَوْلُهُ (حَضَرَنِي بَثِّي) أَيْ أَشَدُّ الْحُزْنِ قَوْلُهُ (قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلَ) فَقَوْلُهُ أَظَلَّ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أَقْبَلَ وَدَنَا قُدُومُهُ كَأَنَّهُ أَلْقَى عَلَيَّ ظِلَّهُ وَزَاحَ أَيْ زَالَ قَوْلُهُ (فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ) أَيْ عَزَمْتُ عَلَيْهِ يُقَالُ

أَجْمَعَ أَمْرَهُ وَعَلَى أَمْرِهِ وَعَزَمَ عَلَيْهِ بِمَعْنًى قَوْلُهُ (لَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا) أَيْ فَصَاحَةً وَقُوَّةً فِي الْكَلَامِ وَبَرَاعَةً بِحَيْثُ أَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ مَا يُنْسَبُ إِلَيَّ إِذَا أَرَدْتُ قَوْلُهُ (تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ) هُوَ بِفَتْحِ الضَّادِ أَيِ الْغَضْبَانِ قوله (ليوشكن) هو بكسر الشين أى ليسر عن قَوْلُهُ (تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ) هُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ أَيْ تَغْضَبُ قَوْلُهُ (إِنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عُقْبَى اللَّهِ) أَيْ أَنْ يُعْقِبَنِي خَيْرًا وَأَنْ يُثَبِّتَنِي عَلَيْهِ قَوْلُهُ (فَوَاَللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونَنِي) هُوَ بِهَمْزٍ بَعْدَ الْيَاءٍ ثُمَّ نُونٍ ثم موحدة

أَيْ يَلُومُونَنِي أَشَدَّ اللَّوْمِ قَوْلُهُ (فِي الرَّجُلَيْنِ صَاحِبَيْ كَعْبٍ هُمَا مُرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ الْعَامِرِيُّ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ الْعَامِرِيُّ وَأَنْكَرَهُ الْعُلَمَاءُ وَقَالُوا هُوَ غَلَطٌ إِنَّمَا صَوَابُهُ الْعَمْرِيُّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَكَذَا نسبه محمد بن إسحاق وبن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ قَالَ الْقَاضِي هُوَ الصَّوَابُ وَإِنْ كَانَ الْقَابِسِيُّ قَدْ قَالَ لَا أَعْرِفُهُ إِلَّا الْعَامِرِيَّ فَاَلَّذِي غَيَّرَهُ الْجُمْهُورُ أَصَحُّ وَأَمَّا قَوْلُهُ مُرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فَكَذَا وقع فى نسخ مسلم وكذا نقله القاضي عن نسخ مسلم ووقع فى البخارى بن الربيع قال بن عَبْدِ الْبَرِّ يُقَالُ بِالْوَجْهَيْنِ وَمُرَارَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ الْمُكَرَّرَةِ قَوْلُهُ (وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ) هُوَ بِقَافٍ ثُمَّ فَاءٍ مَنْسُوبٌ إِلَى وَاقِفٍ بَطْنٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَامِرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ وَاقِفٍ وَاسْمُ وَاقِفٍ مَالِكُ بْنُ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ الْأَنْصَارِيُّ قَوْلُهُ (وَنَهَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ) قَالَ الْقَاضِي هُوَ بِالرَّفْعِ وَمَوْضِعُهُ نَصْبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ قَالَ سِيبَوَيْهِ نَقْلًا عَنِ العرب اللهم اغفرلنا أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ وَهَذَا مِثْلُهُ وَفِي هَذَا هِجْرَانُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْمَعَاصِي قَوْلُهُ (حَتَّى تَنَكَّرَتْ لِي فِي نَفْسِي الْأَرْضُ فَمَا هِيَ بِالْأَرْضِ الَّتِي أَعْرِفُ) مَعْنَاهُ تَغَيَّرَ عَلَيَّ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْأَرْضِ فَإِنَّهَا تَوَحَّشَتْ عَلَيَّ وَصَارَتْ كَأَنَّهَا أَرْضٌ لَمْ أَعْرِفْهَا لِتَوَحُّشِهَا عَلَيَّ قَوْلُهُ (فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا) أَيْ خَضَعَا قَوْلُهُ (أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ

أَيْ أَصْغَرَهُمْ سِنًّا وَأَقْوَاهُمْ قَوْلُهُ (تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ) مَعْنَى تَسَوَّرْتُهُ عَلَوْتُهُ وَصَعِدْتُ سُورَهُ وَهُوَ أَعْلَاهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ دُخُولِ الْإِنْسَانِ بُسْتَانَ صَدِيقِهِ وَقَرِيبِهِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ ويعرف أنه لايكره لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ أنه ليس له هناك زوجة مكشوفة ونحوذلك قَوْلُهُ (فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَوَاَللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ) لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ كَلَامِهِمْ وَفِيهِ أَنَّهُ لايسلم عَلَى الْمُبْتَدِعَةِ وَنَحْوِهِمْ وَفِيهِ أَنَّ السَّلَامَ كَلَامٌ وأن من حلف لايكلم إنسانا فسلم عليه أورد عَلَيْهِ السَّلَامَ حَنِثَ قَوْلُهُ (أَنْشُدُكَ بِاَللَّهِ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الشِّينِ أَيْ أَسْأَلُكَ اللَّهَ وَأَصْلُهُ مِنَ النَّشِيدِ وَهُوَ الصَّوْتُ قَوْلُهُ (اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) قَالَ الْقَاضِي لَعَلَّ أَبَا قَتَادَةَ لَمْ يَقْصِدْ بِهَذَا تَكْلِيمَهُ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ كَلَامِهِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ لَمَّا نَاشَدَهُ اللَّهُ فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ مُظْهِرًا لِاعْتِقَادِهِ لَا لِيَسْمَعَهُ وَلَوْ حَلَفَ رَجُلٌ لَا يُكَلِّمُ رَجُلًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ يُرِيدُ إِسْمَاعَهُ وَجَوَابَهُ حَنِثَ قَوْلُهُ (نَبَطِيٌّ مِنْ نَبَطِ أَهْلِ الشَّامِ) يُقَالُ النَّبَطُ وَالْأَنْبَاطُ وَالنَّبِيطُ وَهُمْ فَلَّاحُو الْعَجَمِ قَوْلُهُ (وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ

بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ) المضيعة فيها لغتان إحداهما كسرالضاد وإسكان الياء والثانية باسكان الضاد وفتح الياءأى فى موضع رحال يُضَاعُ فِيهِ حَقُّكَ وَقَوْلُهُ نُوَاسِكَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ نُوَاسِيكَ بِزِيَادَةِ يَاءٍ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْ وَنَحْنُ نُوَاسِيكَ وَقَطَعَهُ عَنْ جَوَابِ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ نُشَارِكُكَ فِيمَا عِنْدَنَا قَوْلُهُ (فَتَيَامَمْتُ بِهَا التَّنُّورُ فَسَجَرْتُهَا) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِبِلَادِنَا وَهِيَ لُغَةٌ فِي تَيَمَّمْتُ وَمَعْنَاهُمَا قَصَدْتُ وَمَعْنَى سجرتها أى أحرقتها وأنث الضميرلأنه أَرَادَ مَعْنَى الْكِتَابِ وَهُوَ الصَّحِيفَةُ قَوْلُهُ (وَاسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ) أَيْ أَبْطَأَ قَوْلُهُ (فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ

الطَّلَاقَ فَلَمْ يَقَعْ قَوْلُهُ (وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ) يَعْنِي أَنِّي قَادِرٌ عَلَى خِدْمَةِ نَفْسِي وَأَخَافُ أَيْضًا عَلَى نَفْسِي مِنْ حِدَّةِ الشَّبَابِ إِنْ أَصَبْتُ امْرَأَتِي وَقَدْ نُهِيتُ عَنْهَا قَوْلُهُ (فَكَمُلَ لَنَا خَمْسُونَ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا قَوْلُهُ (وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ) أَيْ بمااتسعت وَمَعْنَاهُ ضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ مَعَ أَنَّهَا مُتَّسِعَةٌ وَالرَّحْبُ السَّعَةُ قَوْلُهُ (سَمِعْتُ صَارِخًا أَوْفَى عَلَى سلع) أى صعده وارتفع عليه وسلع بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَهُوَ جَبَلٌ بِالْمَدِينَةِ مَعْرُوفٌ قَوْلُهُ (يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ) وَقَوْلُهُ (فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا) فِيهِ دَلِيلٌ لا ستحباب التَّبْشِيرِ وَالتَّهْنِئَةِ لِمَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوِ انْدَفَعَتْ عَنْهُ كُرْبَةٌ شَدِيدَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَهَذَا الِاسْتِحْبَابُ عَامٌّ فِي كُلِّ نِعْمَةٍ حَصَلَتْ وَكُرْبَةٍ انْكَشَفَتْ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ أوالدنيا قَوْلُهُ (فَخَرَرْتُ سَاجِدًا) دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي اسْتِحْبَابِ سُجُودِ الشُّكْرِ بِكُلِّ نِعْمَةٍ ظَاهِرَةٍ حَصَلَتْ أو نعمة ظَاهِرَةٍ انْدَفَعَتْ قَوْلُهُ (فَآذَنَ النَّاسَ) أَيْ أَعْلَمَهُمْ قَوْلُهُ فَنَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُمَا إِيَّاهُ بِبِشَارَتِهِ) فيه استحباب

إِجَازَةِ الْبَشِيرِ بِخُلْعَةٍ وَإِلَّا فَبِغَيْرِهَا وَالْخُلْعَةُ أَحْسَنُ وَهِيَ الْمُعْتَادَةُ قَوْلُهُ (وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا) فِيهِ جواز العاريةوجواز إِعَارَةِ الثَّوْبِ لِلُّبْسِ قَوْلُهُ (فَانْطَلَقْتُ أَتَأَمَّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا) أَتَأَمَّمُ أَقْصِدُ وَالْفَوْجُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (فَقَامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي) فِيهِ اسْتِحْبَابُ مُصَافَحَةِ الْقَادِمِ وَالْقِيَامِ لَهُ إِكْرَامًا وَالْهَرْوَلَةِ إِلَى لِقَائِهِ بَشَاشَةً وَفَرَحًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ) مَعْنَاهُ سِوَى يَوْمِ إِسْلَامِكَ إِنَّمَا لَمْ يَسْتَثْنِهِ لِأَنَّهُ معلوم لابد مِنْهُ قَوْلُهُ (إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْسِكْ بَعْضَ مالك فهو خيرلك) مَعْنَى أَنْخَلِعَ مِنْهُ أُخْرِجُ مِنْهُ وَأَتَصَدَّقُ بِهِ وفيه استحباب الصدقة شكرا للنعم المتجددة

لاسيما ما عظم منها وانماأمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الصَّدَقَةِ ببعضه خوفا من تضرره بالفقر وخوفا أن لايصبر عَلَى الْإِضَاقَةِ وَلَا يُخَالِفُ هَذَا صَدَقَةَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَإِنَّهُ كَانَ صَابِرًا رَاضِيًا فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَالَ أَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي فَأَثْبَتَ لَهُ مَالًا مَعَ قوله أولانزعت ثَوْبَيَّ وَاَللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي الْأَرْضُ وَالْعَقَارُ وَلِهَذَا قَالَ فَإِنِّي أَمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ وَأَمَّا قَوْلُهُ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا فَالْمُرَادُ به من الثياب ونحوهما مِمَّا يُخْلَعُ وَيَلِيقُ بِالْبَشِيرِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَخْصِيصِ الْيَمِينِ بِالنِّيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا فَإِذَا حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ وَنَوَى نَوْعًا لَمْ يَحْنَثْ بنوع آخر من المال أولا يَأْكُلُ وَنَوَى تَمْرًا لَمْ يَحْنَثْ بِالْخُبْزِ قَوْلُهُ فَوَاَللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي) أَيْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ وَالْبَلَاءُ وَالْإِبْلَاءُ يَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ لَكِنْ إِذَا أُطْلِقَ كَانَ لِلشَّرِّ غَالِبًا فَإِذَا أُرِيدَ الْخَيْرُ قُيِّدَ كَمَا قَيَّدَهُ هُنَا فَقَالَ أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي قَوْلُهُ (وَاَللَّهِ مَا تَعَمَّدْتُ كَذِبَةً) هِيَ بِإِسْكَانِ الذَّالِ وَكَسْرِهَا قَوْلُهُ (مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ

إِذْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ وَكَثِيرٍ مِنْ رِوَايَاتِ البخارى قال العلماء لفضة لافى قوله أن لاأكون زَائِدَةٌ وَمَعْنَاهُ أَنْ أَكُونَ كَذَبْتُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك وَقَوْلُهُ فَأَهْلِكَ بِكَسْرِ اللَّامِ عَلَى الْفَصِيحِ الْمَشْهُورِ وَحُكِي فَتْحُهَا وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (وَإِرْجَاؤُهُ أمرنا) أى تأخيره قوله (فى رواية بن أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

كَعْبِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ) كَذَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بِضَمِّ الْعَيْنِ مُصَغَّرٌ وَكَذَا قَالَهُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا رِوَايَةِ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ مُصَغَّرٌ وَقَالَ قَبْلَهُمَا فِي رِوَايَةِ يُونُسَ الْمَذْكُورِ أَوَّلَ الْحَدِيثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ مُكَبَّرٌ وَكَذَا قَالَ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ مُكَبَّرٌ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ الصَّوَابُ رِوَايَةُ مَنْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ مُكَبَّرٌ وَلَمْ يَذْكُرِ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ إِلَّا رِوَايَةَ عَبْدِ اللَّهِ مُكَبَّرٌ مَعَ تَكْرَارِهِ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (قَلَّمَا يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا) أَيْ أَوْهَمَ غَيْرَهَا وَأَصْلُهُ مِنْ وَرَاءَ كَأَنَّهُ جَعَلَ الْبَيَانَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ قَوْلُهُ (وَكَانَ أَوْعَاهُمْ لِأَحَادِيثِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ أَحْفَظَهُمْ قَوْلُهُ (لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ غَيْرَ غَزْوَتَيْنِ) الْمُرَادُ بِهِمَا غَزْوَةُ بَدْرٍ وَغَزْوَةُ تَبُوكَ كَمَا صرح به

فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ (وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَاسٍ كَثِيرٍ يَزِيدُونَ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ) هَكَذَا وَقَعَ هُنَا زِيَادَةٌ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَهَا وَقَدْ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ كَانُوا سَبْعِينَ أَلْفًا وقال بن إِسْحَاقَ كَانُوا ثَلَاثِينَ أَلْفًا وَهَذَا أَشْهَرُ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بَعْضُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ أَبَا زُرْعَةَ عَدَّ التابع والمتبوع وبن إِسْحَاقَ عَدَّ الْمَتْبُوعَ فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي حَدِيثِ كَعْبٍ هَذَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَائِدَ كَثِيرَةً إِحْدَاهَا إِبَاحَةُ الْغَنِيمَةِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ لِقَوْلِهِ خَرَجُوا يُرِيدُونَ عِيرَ قُرَيْشٍ الثَّانِيَةُ فَضِيلَةُ أَهْلِ بَدْرٍ وَأَهْلِ الْعَقَبَةِ الثَّالِثَةُ جَوَازُ الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ فِي غَيْرِ الدَّعْوَى عِنْدَ الْقَاضِي الرَّابِعَةُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِأَمِيرِ الْجَيْشِ إِذَا أَرَادَ غَزْوَةً أَنْ يُوَرِّيَ بِغَيْرِهَا لِئَلَّا يَسْبِقَهُ الْجَوَاسِيسُ وَنَحْوُهُمْ بِالتَّحْذِيرِ إِلَّا إِذَا كَانَتْ سُفْرَةً بَعِيدَةَ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَرِّفَهُمُ الْبُعْدَ لِيَتَأَهَّبُوا الْخَامِسَةُ التَّأَسُّفُ عَلَى مَا فَاتَ مِنَ الْخَيْرِ وتمنى المتأسف أنه كان فعله لقوله فياليتنى فَعَلْتُ السَّادِسَةُ رَدُّ غِيبَةِ الْمُسْلِمِ لِقَوْلِ مُعَاذٍ بِئْسَ مَا قُلْتَ السَّابِعَةُ فَضِيلَةُ الصِّدْقِ وَمُلَازَمَتِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَشَقَّةٌ فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ خَيْرٌ وَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَالْبِرُّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ الثَّامِنَةُ اسْتِحْبَابُ صَلَاةِ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ رَكْعَتَيْنِ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّتِهِ أَوَّلَ قُدُومِهِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ التَّاسِعَةُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ إِذَا كَانَ مَشْهُورًا يَقْصِدُهُ النَّاسُ لِسَلَامٍ عَلَيْهِ أَنْ يقعد لهم فى مجلس بارزهين الْوُصُولِ إِلَيْهِ الْعَاشِرَةُ الْحُكْمُ بِالظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ وَقَبُولُ مَعَاذِيرَ الْمُنَافِقِينَ وَنَحْوِهِمْ مَا لَمْ يترتب على ذلك مفسدة الحادية عشر اسْتِحْبَابُ هِجْرَانِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْمَعَاصِي الظَّاهِرَةِ وَتَرْكِ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ وَمُقَاطَعَتِهِمْ تَحْقِيرًا لَهُمْ وَزَجْرًا الثَّانِيَةَ عشر اسْتِحْبَابُ بُكَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ إِذَا وَقَعَتْ مِنْهُ معصية الثالثة عشر أَنَّ مُسَارَقَةَ النَّظَرِ فِي الصَّلَاةِ وَالِالْتِفَاتَ لَا يبطلهاالرابعة عشر أَنَّ السَّلَامَ يُسَمَّى كَلَامًا وَكَذَلِكَ رَدُّ السَّلَامِ وَأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ إِنْسَانًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ يَحْنَثُ الْخَامِسَةَ عشر وُجُوبُ إِيثَارِ طَاعَةِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَوَدَّةِ الصَّدِيقِ وَالْقَرِيبِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا فَعَلَ أَبُو قَتَادَةَ حِينَ سَلَّمَ عَلَيْهِ كَعْبٌ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حِينَ نُهِيَ عَنْ كلامه السادسة عشر

أَنَّهُ إِذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ إِنْسَانًا فَتَكَلَّمَ وَلَمْ يَقْصِدْ كَلَامَهُ بَلْ قَصَدَ غَيْرَهُ فَسَمِعَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثِ الْحَالِفُ لِقَوْلِهِ اللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ كلامه كما سبق السابعة عشر جَوَازُ إِحْرَاقِ وَرَقَةٍ فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى لِمَصْلَحَةٍ كَمَا فَعَلَ عُثْمَانُ وَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِالْمَصَاحِفِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُصْحَفِهِ الَّذِي أَجْمَعَتِ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ وَكَانَ ذَلِكَ صِيَانَةً فَهِي حَاجَةٌ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْ حَدِيثِ كَعْبٍ أَنَّهُ أَحْرَقَ الْوَرَقَةَ وَفِيهَا لَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هوان الثامنة عشر إِخْفَاءُ مَا يُخَافُ مِنْ إِظْهَارِهِ مَفْسَدَةٌ وَإِتْلَافٌ التاسعة عشر أَنَّ قَوْلَهُ لِامْرَأَتِهِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ لَيْسَ بِصَرِيحِ طلاق ولايقع بِهِ شَيْءٌ إِذَا لَمْ يَنْوِ الْعِشْرُونَ جَوَازُ خِدْمَةِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا بِرِضَاهَا وَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ فَأَمَّا إِلْزَامُهَا بِذَلِكَ فَلَا الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ اسْتِحْبَابُ الْكِنَايَاتِ فِي أَلْفَاظِ الِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّسَاءِ وَنَحْوِهَا الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ الْوَرَعُ وَالِاحْتِيَاطُ بِمُجَانَبَةِ مَا يُخَافُ مِنْهُ الْوُقُوعُ فِي مَنْهِيٍّ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْذِنْ فِي خِدْمَةِ امْرَأَتِهِ لَهُ وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ شَابٌّ أَيْ لَا يَأْمَنُ مُوَاقَعَتَهَا وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ اسْتِحْبَابُ سُجُودِ الشُّكْرِ عِنْدَ تجدد نعمة ظاهرة أواندفاع بَلِيَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ لَا يُشْرَعُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ اسْتِحْبَابُ التَّبْشِيرِ بِالْخَيْرِ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ اسْتِحْبَابُ تَهْنِئَةِ مَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ خَيْرًا ظَاهِرًا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ شَرًّا ظَاهِرًا السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ اسْتِحْبَابُ إِكْرَامِ الْمُبَشِّرِ بِخُلْعَةٍ أَوْ نَحْوِهَا السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ أَنَّهُ يجوز تخصيص اليمين بالنية فاذا حلف لامال لَهُ وَنَوَى نَوْعًا لَمْ يَحْنَثْ بِنَوْعٍ مِنَ الْمَالِ غَيْرِهِ وَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ وَنَوَى خُبْزًا لَمْ يَحْنَثْ بِاللَّحْمِ وَالتَّمْرِ وَسَائِرِ الْمَأْكُولِ ولايحنث إِلَّا بِذَلِكَ النَّوْعِ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا وَنَوَى كَلَامًا مَخْصُوصًا لَمْ يَحْنَثْ بِتَكْلِيمِهِ إِيَّاهُ غَيْرَ ذَلِكَ الْكَلَامِ الْمَخْصُوصِ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَدَلِيلُهُ مِنْ هذا الحديث قوله فى الثوبين والله ماأملك غَيْرَهُمَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ فِي سَاعَةٍ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً ثُمَّ قَالَ فَإِنِّي أَمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ جَوَازُ الْعَارِيَّةِ التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ جَوَازُ اسْتِعَارَةِ الثِّيَابِ لِلُّبْسِ الثَّلَاثُونَ اسْتِحْبَابُ اجْتِمَاعِ النَّاسِ عند امامهم وكبيرهم فى الأمورالمهمة مِنْ بِشَارَةٍ وَمَشُورَةٍ وَغَيْرِهِمَا الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ اسْتِحْبَابُ الْقِيَامِ لِلْوَارِدِ إِكْرَامًا لَهُ إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ بِأَيِّ نَوْعٍ كَانَ وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ أَحَادِيثُ جَمَعْتُهَا فِي جُزْءٍ مُسْتَقِلٍّ بِالتَّرْخِيصِ فِيهِ وَالْجَوَابِ عَمَّا يُظَنُّ بِهِ مُخَالِفًا لِذَلِكَ الثَّانِيَة وَالثَّلَاثُونَ اِسْتِحْبَاب الْمُصَافَحَة عِنْد التَّلَاقِي وَهِيَ سنة بلاخلاف الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ اسْتِحْبَابُ سُرُورِ الْإِمَامِ وَكَبِيرِ الْقَوْمِ بِمَا يَسُرُّ أَصْحَابَهُ وَأَتْبَاعَهُ

(باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف)

الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَصَلَتْ لَهُ نِعْمَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوِ انْدَفَعَتْ عَنْهُ كُرْبَةٌ ظَاهِرَةٌ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ صَالِحٍ مِنْ مَالِهِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى إِحْسَانِهِ وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ سُجُودُ الشُّكْرِ وَالصَّدَقَةُ جَمِيعًا وَقَدِ اجْتَمَعَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ أنه يستحب لمن خاف أن لايصبر على الاضاقة أن لايتصدق بِجَمِيعِ مَالِهِ بَلْ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لَهُ السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ رَأَى مَنْ يُرِيدُ أن يتصدق بكل ماله ويخاف عليه أن لايصير عَلَى الْإِضَاقَةِ أَنْ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَيُشِيرَ عَلَيْهِ بِبَعْضِهِ السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تَابَ بِسَبَبٍ مِنَ الْخَيْرِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى ذَلِكَ السَّبَبِ فَهُوَ أَبْلَغُ فِي تَعْظِيمِ حُرُمَاتِ اللَّهِ كَمَا فَعَلَ كَعْبٌ فِي الصِّدْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ وَقَبُولِ تَوْبَةِ الْقَاذِفِ) [2770] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى) هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَلَيْسَ لَهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ذِكْرٌ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ أَكْثَرَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَوْلُهُ (عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ إِلَى قَوْلِهِ وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ إِلَى قَوْلِهِ وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الزُّهْرِيُّ من جمعه الحديث عنهم جائز لامنع مِنْهُ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ أَنَّ بَعْضَ الْحَدِيثِ عَنْ بَعْضِهِمْ وَبَعْضَهُ عَنْ بَعْضِهِمْ وَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ أَئِمَّةٌ حُفَّاظٌ ثِقَاتٌ مِنْ أَجَلِّ التَّابِعِينَ فَإِذَا

تَرَدَّدَتِ اللَّفْظَةُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بَيْنَ كَوْنِهَا عَنْ هَذَا أَوْ ذَاكَ لَمْ يَضُرَّ وَجَازَ الِاحْتِجَاجُ بِهَا لِأَنَّهُمَا ثِقَتَانِ وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ حَدَّثَنِي زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو وَهُمَا ثِقَتَانِ مَعْرُوفَانِ بِالثِّقَةِ عِنْدَ الْمُخَاطَبِ جَازَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ قَوْلُهُ (وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتُ اقْتِصَاصًا) أَيْ أَحْفَظُ وَأَحْسَنُ إِيرَادًا وَسَرْدًا لِلْحَدِيثِ قَوْلُهَا (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ) هَذَا دَلِيلٌ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ فِي الْعَمَلِ بِالْقُرْعَةِ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ وَفِي الْعِتْقِ وَالْوَصَايَا وَالْقِسْمَةِ ونحوذلك وَقَدْ جَاءَتْ فِيهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ مَشْهُورَةٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ عَمِلَ بِهَا ثَلَاثَةٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ يُونُسُ وَزَكَرِيَّا وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال بن الْمُنْذِرِ اسْتِعْمَالُهَا كَالْإِجْمَاعِ قَالَ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ رَدَّهَا وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِبْطَالُهَا وحكى عنه إجازتها قال بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْقِيَاسُ تَرْكُهَا لَكِنْ عَمِلْنَا بِهَا لِلْآثَارِ وَفِيهِ الْقُرْعَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ عِنْدَ إِرَادَةِ السَّفَرِ بِبَعْضِهِنَّ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ بَعْضِهِنَّ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّ لَهُ السَّفَرَ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ بِلَا قُرْعَةٍ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ أَنْفَعَ لَهُ فِي طَرِيقِهِ وَالْأُخْرَى أَنْفَعُ لَهُ فِي بَيْتِهِ وَمَالِهِ

قَوْلُهَا (آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ) رُوِيَ بِالْمَدِّ وَتَخْفِيفِ الذَّالِ وَبِالْقَصْرِ وَتَشْدِيدِهَا أَيْ أَعْلَمَ قَوْلُهَا (وَعِقْدِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ) أَمَّا الْعِقْدُ فَمَعْرُوفٌ نَحْوَ الْقِلَادَةِ وَالْجَزْعُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ وَهُوَ خَرَزٌ يَمَانِيٌّ وَأَمَّا ظَفَارِ فَبِفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكَسْرِ تَقُولُ هَذِهِ ظَفَارِ وَدَخَلْتُ ظَفَارِ وَإِلَى ظفار بكسر الراء بلاتنوين فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا وَهِيَ قَرْيَةٌ فِي الْيَمَنِ قَوْلُهَا (وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِي كَانُوا يَرْحَلُونَ لِي فحملوا هو دجى فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي) هَكَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ لِي بِاللَّامِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِي بِالْبَاءِ وَاللَّامُ أَجْوَدُ وَيَرْحَلُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُخَفَّفَةِ أَيْ يَجْعَلُونَ الرَّحْلَ عَلَى الْبَعِيرِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهَا فَرَحَلُوهُ بِتَخْفِيفِ الحاء والرهط هم جماعة دون عشرة والهودج بِفَتْحِ الْهَاءِ مَرْكَبٌ مِنْ مَرَاكِبِ النِّسَاءِ قَوْلُهَا (وَكَانَتِ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يُهَبَّلْنَ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمَ إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ) فَقَوْلُهَا يُهَبَّلْنَ ضَبَطُوهُ عَلَى أَوْجُهٍ أَشْهَرُهَا ضَمُّ الْيَاءِ وَفَتْحُ الْهَاءِ وَالْبَاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ يَثْقُلْنَ بِاللَّحْمِ وَالشَّحْمِ وَالثَّانِي يَهْبَلْنَ بِفَتْحِ الْيَاءِ والباء وإسكان الهاء بينهما والثالث بفتح الياء وضم الباء الموحدة وَيَجُوزُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ هَبِلَهُ اللَّحْمُ وَأَهْبَلَهُ اذا أثقله وكثرلحمه وَشَحْمُهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لَمْ يَثْقُلْنَ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ أَيْضًا الْمُرَادُ بِقَوْلِهَا وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللحم ويأكلن الْعُلْقَةَ بِضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ الْقَلِيلَ وَيُقَالُ لَهَا أيضا البلغة

قَوْلُهَا (فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي) أَيْ قَصَدْتُهُ قَوْلُهَا (وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ) هُوَ بِفَتْحِ الطَّاءِ بِلَا خِلَافٍ كَذَا ضَبَطَهُ أَبُو هِلَالٍ الْعَسْكَرِيُّ وَالْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ وَآخَرُونَ قَوْلُهَا عَرَّسَ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ فَادَّلَجَ) التَّعْرِيسُ النُّزُولُ آخِرُ اللَّيْلِ فِي السَّفَرِ لِنَوْمٍ أَوِ اسْتِرَاحَةٍ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ هُوَ النُّزُولُ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ قَوْلُهَا (ادَّلَجَ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ وَهُوَ سَيْرُ آخِرِ اللَّيْلِ قَوْلُهَا (فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ) أَيْ شَخْصَهُ قَوْلُهَا (فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ) أَيْ انْتَبَهْتُ مِنْ نَوْمِي بِقَوْلِهِ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ قَوْلُهَا (خَمَّرْتُ وَجْهِيَ) أَيْ غَطَّيْتُهُ قَوْلُهَا (نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ) الْمُوغِرُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ النَّازِلُ فِي وَقْتِ الْوَغْرَةِ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الْغَيْنِ وَهِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ كَمَا فَسَّرَهَا فِي الْكِتَابِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَذَكَرَ هُنَاكَ أَنَّ مِنْهُمْ من رواه موعرين بالعين المهملة وهو ضعيف ونحر الظَّهِيرَةِ وَقْتُ الْقَائِلَةِ وَشِدَّةِ الْحَرِّ قَوْلُهَا (وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ) أَيْ مُعْظَمَهُ وَهُوَ بِكَسْرِ الكاف على القراءة المشهورة وقرىء فىالشواذ بِضَمِّهَا وَهِيَ لُغَةٌ قَوْلُهَا (وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كبره عبد الله بن أبى بن سلول) هكذاصوابه بن سلول برفع بن وكتابته بالألف

صِفَةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَتَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ الْمِقْدَادِ مَعَ نَظَائِرِهِ قَوْلُهَا (وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قول أهل الافك) أى يخوضون فيه والإفك بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي فَتْحَهُمَا جَمِيعًا قَالَ هُمَا لُغَتَانِ كنجس ونجس وهو الكذب قولها (وهويريبنى أنى لاأعرف مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ) يَرِيبُنِي بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ يُقَالُ رَابَهُ وَأَرَابَهُ إِذَا أَوْهَمَهُ وشككه واللطف بِضَمِّ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا مَعًا لُغَتَانِ وَهُوَ الْبِرُّ وَالرِّفْقُ قَوْلُهَا (ثُمَّ يَقُولُ كَيْفَ تِيكُمْ) هِيَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمُؤَنَّثَةِ كَذَلِكُمْ فى المذكر قولها (خرجت بعد ما نَقَهْتُ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ يُقَالُ نَقَهَ يَنْقَهُ نُقُوهًا فَهُوَ نَاقِهٌ كَكَلَحَ يَكْلَحُ كُلُوحًا فَهُوَ كَالِحٌ وَنَقِهَ يَنْقَهُ نَقَهًا فَهُوَ نَاقِهٌ كَفَرِحَ يَفْرَحُ فَرَحًا والجمع نقه بضم النون وبشديد الْقَافِ وَالنَّاقِهُ هُوَ الَّذِي أَفَاقَ مِنَ الْمَرَضِ وَيَبْرَأُ مِنْهُ وَهُوَ قَرِيبُ عَهْدٌ بِهِ لَمْ يَتَرَاجَعْ إِلَيْهِ كَمَالُ صِحَّتِهِ قَوْلُهَا (وَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ) أَمَّا مِسْطَحٌ فَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَأَمَّا الْمَنَاصِعُ فَبِفَتْحِهَا وَهِيَ مَوَاضِعُ خَارِجِ الْمَدِينَةِ كَانُوا يَتَبَرَّزُونَ فِيهَا قَوْلُهَا (قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ) هِيَ جَمْعُ كَنِيفٍ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْكَنِيفُ السَّاتِرُ مُطْلَقًا قَوْلُهَا (وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي التَّنَزُّهِ) ضَبَطُوا الْأُوَلِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا ضَمُّ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفُ الْوَاوِ وَالثَّانِي الْأَوَّلُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَكِلَاهُمَا

صَحِيحٌ وَالتَّنَزُّهُ طَلَبُ النَّزَاهَةِ بِالْخُرُوجِ إِلَى الصَّحْرَاءِ قَوْلُهَا (وَهِيَ بِنْتُ أَبِي رُهْمٍ وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ) أَمَّا رُهْمٌ فَبِضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الهاء وأثاثه بهمزة مضمومة وثاء مثلثة مكررة ومسطح لقب واسمه عامر وقيل عوف كنيته أبوعباد وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ تُوُفِّي سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ وَقِيلَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَاسْمُ أُمِّ مِسْطَحٍ سَلْمَى قَوْلُهَا (فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ) أَمَّا عَثَرَتْ فَبِفَتْحِ الثَّاءِ وَأَمَّا تَعِسَ فَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَاقْتَصَرَ الْجَوْهَرِيُّ عَلَى الْفَتْحِ وَالْقَاضِي عَلَى الْكَسْرِ وَرَجَّحَ بَعْضُهُمُ الْكَسْرَ وَبَعْضُهُمُ الْفَتْحَ وَمَعْنَاهُ عَثَرَ وَقِيلَ هَلَكَ وَقِيلَ لَزِمَهُ الشَّرُّ وَقِيلَ بَعُدَ وَقِيلَ سَقَطَ بِوَجْهِهِ خَاصَّةً وَأَمَّا الْمِرْطُ فَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ قَوْلُهَا (أَيْ هَنْتَاهُ) هِيَ بِإِسْكَانِ النُّونِ وَفَتْحِهَا الْإِسْكَانُ أَشْهَرُ قَالَ صَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ وَتُضَمُّ الْهَاءُ الْأَخِيرَةُ وَتُسَكَّنُ وَيُقَالُ فِي التَّثْنِيَةِ هَنْتَانِ وَفِي الْجَمْعِ هَنَاتُ وَهَنَوَاتُ وَفِي الْمُذَكَّرِ هَنٌ وَهَنَانٌ وَهَنُونَ وَلَكَ أَنْ تُلْحِقَهَا الهاء لبيان الحركة فتقول ياهنه وَأَنْ تُشْبِعَ حَرَكَةَ النُّونِ فَتَصِيرُ أَلِفًا فَتَقُولُ يَا هَنَاهْ وَلَكَ ضَمُّ الْهَاءَ فَتَقُولُ يَا هَنَاهُ أَقْبِلْ قَالُوا وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ تَخْتَصُّ بِالنِّدَاءِ وَمَعْنَاهُ يَا هَذِهِ وَقِيلَ يَا امْرَأَةُ وَقِيلَ يَا بَلْهَاءُ كَأَنَّهَا نُسِبَتْ إِلَى قِلَّةِ الْمَعْرِفَةِ بِمَكَايِدِ النَّاسِ وَشُرُورِهِمْ وَمِنَ الْمَذْكُورِ حَدِيثُ الصَّبِيِّ بن مَعْبَدٍ قُلْتُ يَا هَنَاهُ إِنِّي حَرِيصٌ عَلَى الجهاد

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (قَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا) الْوَضِيئَةُ مَهْمُوزَةٌ مَمْدُودَةٌ هِيَ الْجَمِيلَةُ الْحَسَنَةُ والوضاءةالحسن ووقع فى رواية بن مَاهَانَ حَظِيَّةُ مِنَ الْحُظْوَةِ وَهِيَ الْوَجَاهَةُ وَارْتِفَاعُ الْمَنْزِلَةِ وَالضَّرَايِرُ جَمْعُ ضَرَّةٍ وَزَوْجَاتُ الرَّجُلِ ضَرَايِرُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ تَتَضَرَّرُ بِالْأُخْرَى بِالْغَيْرَةِ وَالْقَسْمِ وَغَيْرِهِ وَالِاسْمُ مِنْهُ الضِّرُّ بِكَسْرِ الضَّادِ وَحُكِي ضَمُّهَا وَقَوْلُهَا إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ أَكْثَرْنَ الْقَوْلَ فِي عَيْبِهَا وَنَقْصِهَا قَوْلُهَا (لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ) هُوَ بالهمزة أى لاينقطع قَوْلُهَا (وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ) أَيْ لَا أَنَامُ قَوْلُهَا اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ أَيْ أَبْطَأَ وَلَبِثَ وَلَمْ يَنْزِلْ قَوْلُهَا (وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ الصَّوَابُ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ رَآهُ مَصْلَحَةً وَنَصِيحَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اعْتِقَادِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ رَأَى انْزِعَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْأَمْرِ وَتَقَلُّقَهُ فَأَرَادَ رَاحَةَ خَاطِرِهِ وَكَانَ ذَلِكَ أَهَمَّ مِنْ غَيْرِهِ قَوْلُهَا

(وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنَ فَتَأْكُلُهُ) فَقَوْلُهَا أَغْمِصُهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ أَعِيبُهَا وَالدَّاجِنُ الشَّاةُ الَّتِي تَأْلَفُ الْبَيْتَ وَلَا تَخْرُجُ لِلْمَرْعَى وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِمَّا تَسْأَلُونَ عَنْهُ أَصْلًا وَلَا فِيهَا شَيْءٌ مِنْ غَيْرِهِ إِلَّا نَوْمُهَا عَنِ الْعَجِينِ قَوْلُهَا (فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الْمِنْبَرِ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بن سلول) أما أبى منون وبن سَلُولٍ بِالْأَلِفِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَأَمَّا اسْتَعْذَرَ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ مَنْ يَعْذِرُنِي فِيمَنْ آذَانِي فِي أَهْلِي كَمَا بَيَّنَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثُ وَمَعْنَى مَنْ يَعْذِرُنِي مَنْ يَقُومُ بِعُذْرِي إِنْ كَافَأْتُهُ عَلَى قَبِيحِ فِعَالِهِ وَلَا يَلُومُنِي وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَنْ يَنْصُرُنِي وَالْعَذِيرُ النَّاصِرُ قَوْلُهَا (فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ) قَالَ القاضي عياض هَذَا مُشْكِلٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ أَحَدٌ وَهُوَ قَوْلُهَا فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ وَكَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ وَهِيَ غَزْوَةٌ بَنِي الْمُصْطَلِقِ سَنَةَ سِتٍّ فيما ذكره بن إِسْحَاقَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ مَاتَ فِي إِثْرِ غَزَاةِ الْخَنْدَقِ مِنَ الرَّمْيَةِ الَّتِي أَصَابَتْهُ وَذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعٍ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِ السِّيَرِ الاشيئا قاله الواقدى

وَحْدَهُ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا ذَكَرَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِي هَذَا وَهَمٌ وَالْأَشْبَهُ أنه غيره ولهذا لم يذكره بن إِسْحَاقَ فِي السِّيَرِ وَإِنَّمَا قَالَ إِنَّ الْمُتَكَلِّمَ أَوَّلًا وَآخِرًا أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ غَزْوَةَ الْمُرَيْسِيعِ كَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَهِيَ سَنَةُ الْخَنْدَقِ وقد ذكر البخارى اختلاف بن إسحاق وبن عُقْبَةَ قَالَ الْقَاضِي فَيُحْتَمَلُ أَنَّ غَزَاةَ الْمُرَيْسِيعِ وَحَدِيثَ الْإِفْكِ كَانَا فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ قَبْلَ قِصَّةِ الْخَنْدَقِ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ الْمُرَيْسِيعَ كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ قَالَ وَكَانَتِ الْخَنْدَقُ وَقُرَيْظَةُ بَعْدَهَا وَذَكَرَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَيْسِيعُ قَبْلَ الْخَنْدَقِ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا لِذِكْرِ سَعْدٍ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ وَكَانَتْ فِي الْمُرَيْسِيعِ فَعَلَى هَذَا يَسْتَقِيمُ فِيهِ ذِكْرُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَهُوَ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَوْلُ غير بن إِسْحَاقَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْمُرَيْسِيعِ أَصَحُّ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهُوَ صَحِيحٌ قَوْلُهَا (وَلَكِنِ اجْتَهَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ) هَكَذَا هُوَ هُنَا لِمُعْظَمِ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ اجْتَهَلَتْهُ بِالْجِيمِ وَالْهَاءِ أَيْ اسْتَخَفَّتْهُ وَأَغْضَبَتْهُ وحملته على الجهل وفى رواية بن ماهان هنااحتملته بِالْحَاءِ وَالْمِيمِ وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ وَصَالِحٍ وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمَعْنَاهُ أَغْضَبَتْهُ فَالرِّوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ قَوْلُهَا (فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ) أَيْ تَنَاهَضُوا لِلنِّزَاعِ وَالْعَصَبِيَّةِ كَمَا قَالَتْ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه

وَسَلَّمَ (وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ) مَعْنَاهُ إِنْ كُنْتِ فَعَلْتِ ذَنْبًا وَلَيْسَ ذَلِكَ لَكِ بِعَادَةٍ وَهَذَا أَصْلُ اللَّمَمِ قَوْلُهَا (قَلَصَ دَمْعِي) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ أَيْ ارْتَفَعَ لاستعظام ما يعيينى مِنَ الْكَلَامِ قَوْلُهَا لِأَبَوَيْهَا (أَجِيبَا عَنِّي) فِيهِ تَفْوِيضُ الْكَلَامِ إِلَى الْكِبَارِ لِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِمَقَاصِدِهِ وَاللَّائِقِ بِالْمَوَاطِنِ مِنْهُ وَأَبَوَاهَا يَعْرِفَانِ حَالَهَا وَأَمَّا قول أبويها لاندرى مَا نَقُولُ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي

سَأَلَهَا عَنْهُ لَا يَقِفَانِ مِنْهُ عَلَى زَائِدٍ عَلَى مَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ نُزُولِ الْوَحْيِ مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِهَا وَالسَّرَائِرُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهَا (مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسَهُ) أَيْ مَا فَارَقَهُ قَوْلُهَا (فَأَخَذَهُ ما كان يأخذه من البر حاء) هِيَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ وَهِيَ الشِّدَّةُ قَوْلُهَا (حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانَ مِنَ الْعَرَقِ) مَعْنَى لَيَتَحَدَّرُ لينصب والجمان بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَهُوَ الدَّرُّ شَبَّهَتْ قَطَرَاتُ عَرَقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَبَّاتِ اللُّؤْلُؤِ فِي الصَّفَاءِ وَالْحُسْنِ قَوْلُهَا (فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ كُشِفَ وَأُزِيلَ قَوْلُهَا (فَقَالَتْ لِي أُمِّي قُومِي فَقُلْتُ وَاَللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي) مَعْنَاهُ قَالَتْ لَهَا أُمُّهَا قُومِي فَاحْمَدِيهِ وَقَبِّلِي رَأْسَهُ وَاشْكُرِيهِ لِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي بَشَّرَكِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ مَا قَالَتْ إِدْلَالًا عَلَيْهِ وَعَتْبًا لِكَوْنِهِمْ شَكُّوا فِي حَالِهَا مَعَ عِلْمِهِمْ بِحُسْنِ طَرَائِقِهَا وَجَمِيلِ أَحْوَالِهَا وَارْتِفَاعِهَا عَنْ

هَذَا الْبَاطِلِ الَّذِي افْتَرَاهُ قَوْمٌ ظَالِمُونَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ وَلَا شُبْهَةَ فِيهِ قَالَتْ وَإِنَّمَا أَحْمَدُ رَبِّي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي وأنعم على بما لَمْ أَكُنْ أَتَوَقَّعُهُ كَمَا قَالَتْ وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (ولا يأتل أولوا الفضل منكم) أى لايحلفوا والالية اليمين وسسبق بَيَانُهَا قَوْلُهَا (أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي) أَيْ أَصُونُ سَمْعِي وَبَصَرِي مِنْ أَنْ أَقُولَ سَمِعْتُ وَلَمْ أَسْمَعْ وَأَبْصَرْتُ وَلَمْ أُبْصِرْ قَوْلُهَا وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي أَيْ تُفَاخِرُنِي وَتُضَاهِينِي بِجَمَالِهَا وَمَكَانِهَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ السُّمُوِّ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ قَوْلُهَا (وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا) أَيْ جَعَلَتْ تَتَعَصَّبُ لَهَا فَتَحْكِي مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْإِفْكِ وَطَفِقَ الرجل بكسرالفاء عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِي فَتْحُهَا وَسَبَقَ بَيَانُهُ

قوله (ما كشفت من كَنَفِ أُنْثَى قَطُّ) الْكَنَفُ هُنَا بِفَتْحِ الْكَافِ وَالنُّونِ أَيْ ثَوْبِهَا الَّذِي يَسْتُرُهَا وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ جِمَاعِ النِّسَاءِ جَمِيعُهُنَّ وَمُخَالَطَتِهِنَّ قَوْلُهُ (وَفِي حَدِيثِ يَعْقُوبَ مُوعِرِينَ) يَعْنِي بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَقَوْلُهُ فِي تَفْسِيرِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْوَغْرَةُ شِدَّةُ الْحَرِّ هِيَ بِإِسْكَانِ الْغَيْنِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهْلِي) هُوَ بِبَاءٍ موحدة

مفتوحة مخففة وَمُشَدَّدَةٍ رَوَوْهُ هُنَا بِالْوَجْهَيْنِ التَّخْفِيفُ أَشْهَرُ وَمَعْنَاهُ اتهموها والأبن بفتح الهمزة يقال أبنه يأبنه وَيَأْبُنُهُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا إِذَا اتَّهَمَهُ وَرَمَاهُ بخلة سوء فهو مأبون قالواوهو مُشْتَقٌّ مِنَ الْأُبَنِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَهِيَ الْعُقَدُ فِي الْقِسِيِّ تُفْسِدُهَا وَتُعَابُ بِهَا قوله (حتى أسقطوا لهابه فَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نسخ بلادنا أسقطوا لهابه بِالْبَاءِ الَّتِي هِيَ حَرْفُ الْجَرِّ وَبِهَاءٍ ضَمِيرِ الْمُذَكَّرِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْجُلُودِيِّ قَالَ وفى رواية بن مَاهَانَ لَهَاتِهَا بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ قَالَ الْجُمْهُورُ هذا غَلَطٌ وَتَصْحِيفٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَمَعْنَاهُ صَرَّحُوا لَهَا بِالْأَمْرِ وَلِهَذَا قَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ اسْتِعْظَامًا لِذَلِكَ وَقِيلَ أَتَوْا بِسِقْطٍ مِنَ الْقَوْلِ فِي سُؤَالِهَا وَانْتِهَارِهَا يُقَالُ أَسْقَطَ وَسَقَطَ فِي كَلَامِهِ إِذَا أَتَى فِيهِ بِسَاقِطٍ وَقِيلَ إِذَا أَخْطَأَ فِيهِ وعلى رواية بن مَاهَانَ إِنْ صَحَّتْ مَعْنَاهَا أَسْكَتُوهَا وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهَا لَمْ تَسْكُتْ بَلْ قَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَاَللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَّا مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَّهَبِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ الْخَالِصَةُ قولها (وأماالمنافق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَهُوَ

الذى كان يستوشيه) أى يستخرجه بالبحث والمسئلة ثُمَّ يُفْشِيهِ وَيُشِيعُهُ وَيُحَرِّكُهُ وَلَا نَدَعُهُ بِحْمَدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ فَوَائِدَ كَثِيرَةً إِحْدَاهَا جَوَازُ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ قِطْعَةً مُبْهَمَةً مِنْهُ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِعْلَ الزُّهْرِيِّ وَحْدَهُ فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَبُولِهِ مِنْهُ وَالِاحْتِجَاجِ بِهِ الثَّانِيَةُ صِحَّةُ الْقُرْعَةِ بَيْنَ النِّسَاءِ وَفِي الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ مَعَ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ الثَّالِثَةُ وُجُوبُ الْإِقْرَاعِ بَيْنَ النِّسَاءِ عِنْدَ إِرَادَةِ السَّفَرِ بِبَعْضِهِنَّ الرَّابِعَةُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاءَ مُدَّةِ السَّفَرِ لِلنِّسْوَةِ الْمُقِيمَاتِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا وَحُكْمُ الْقَصِيرِ حُكْمُ الطَّوِيلِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَخَالَفَ فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْخَامِسَةُ جَوَازُ سَفَرِ الرَّجُلِ بِزَوْجَتِهِ السَّادِسَةُ جَوَازُ غَزْوِهِنَّ السَّابِعَةُ جَوَازُ رُكُوبِ النِّسَاءِ فِي الْهَوَادِجِ الثَّامِنَةُ جَوَازُ خِدْمَةِ الرِّجَالِ لَهُنَّ فِي تِلْكَ الْأَسْفَارِ التَّاسِعَةُ أَنَّ ارْتِحَالَ الْعَسْكَرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرِ الْأَمِيرِ الْعَاشِرَةُ جواز خروج المرأة لحاجةالانسان بِغَيْرِ إِذْنِ الزَّوْجِ وَهَذَا مِنَ الْأُمُورِ الْمُسْتَثْنَاةِ الحادية عشر جَوَازُ لُبْسِ النِّسَاءِ الْقَلَائِدَ فِي السَّفَرِ كَالْحَضَرِ الثانية عشر أن من يركب المرأة على الْبَعِيرَ وَغَيْرَهُ لَا يُكَلِّمُهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا إِلَّا لِحَاجَةٍ لِأَنَّهُمْ حَمَلُوا الْهَوْدَجَ وَلَمْ يكلموا من يظنونها فيه الثالثة عشر فضيلة الاقتصار فى الأكل للنساء وغيرهن وأن لايكثر مِنْهُ بِحَيْثُ يُهْبِلُهُ اللَّحْمُ لِأَنَّ هَذَا كَانَ حَالُهُنَّ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا كَانَ فِي زَمَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ الْكَامِلُ الْفَاضِلُ الْمُخْتَارُ الرَّابِعَةَ عشر جَوَازُ تَأَخُّرِ بَعْضِ الْجَيْشِ سَاعَةً وَنَحْوَهَا لِحَاجَةٍ تَعْرِضُ لَهُ عَنِ الْجَيْشِ إِذَا لَمْ يَكُنْ ضرورة إلى الاجتماع الخامسة عشر إِعَانَةُ الْمَلْهُوفِ وَعَوْنُ الْمُنْقَطِعِ وَإِنْقَاذُ الضَّائِعِ وَإِكْرَامُ ذَوِي الْأَقْدَارِ كَمَا فَعَلَ صَفْوَانُ رَضِيَ اللَّهُ عنه فى هذا كله السادسة عشر حسن الأدب مع الأجنبيات لاسيما فِي الْخَلْوَةِ بِهِنَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فِي بَرِّيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا فَعَلَ صَفْوَانُ مِنْ إِبْرَاكِهِ الجمل من غير كلام ولاسؤال وَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَمْشِي قُدَّامَهَا لَا بِجَنْبِهَا ولا وراءها السابعة عشر اسْتِحْبَابُ الْإِيثَارِ بِالرُّكُوبِ وَنَحْوِهِ كَمَا فَعَلَ صَفْوَانُ الثامنة عشر اسْتِحْبَابُ الِاسْتِرْجَاعِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ سَوَاءً كَانَتْ فِي الدِّينِ أَوِ الدُّنْيَا وَسَوَاءَ كَانَتْ فِي نَفْسِهِ أو من يعز عليه التاسعة عشر تَغْطِيَةُ الْمَرْأَةِ وَجْهَهَا عَنْ نَظَرِ

الْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ كَانَ صَالِحًا أَوْ غَيْرَهُ الْعِشْرُونَ جَوَازُ الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْتَرَ عَنِ الْإِنْسَانِ مَا يُقَالُ فِيهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذِكْرِهِ فَائِدَةٌ كَمَا كَتَمُوا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا هَذَا الْأَمْرَ شَهْرًا وَلَمْ تَسْمَعْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا بِعَارِضٍ عَرَضَ وَهُوَ قَوْلُ أُمِّ مِسْطَحٍ تَعِسَ مِسْطَحٌ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ اسْتِحْبَابُ مُلَاطَفَةِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ وَحُسْنُ الْمُعَاشَرَةِ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ أَنَّهُ إِذَا عَرَضَ عَارِضٌ بِأَنْ سَمِعَ عَنْهَا شَيْئًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ يُقَلِّلُ مِنَ اللُّطْفِ وَنَحْوِهِ لِتَفْطِنَ هِيَ أَنَّ ذَلِكَ لِعَارِضٍ فَتَسْأَلَ عَنْ سَبَبِهِ فَتُزِيلَهُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ اسْتِحْبَابُ السُّؤَالِ عَنِ الْمَرِيضِ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ إِذَا أَرَادَتِ الْخُرُوجَ لِحَاجَةٍ أَنْ تَكُونَ مَعَهَا رَفِيقَةٌ تَسْتَأْنِسُ بِهَا وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا أَحَدٌ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ كَرَاهَةُ الْإِنْسَانِ صَاحِبَهُ وَقَرِيبَهُ إِذَا آذَى أَهْلَ الْفَضْلِ أَوْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْقَبَائِحِ كَمَا فَعَلَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي دُعَائِهَا عَلَيْهِ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ فَضِيلَةُ أَهْلِ بَدْرٍ وَالذَّبُّ عَنْهُمْ كَمَا فَعَلَتْ عَائِشَةُ فِي ذَبِّهَا عَنْ مسطح الثامنة والعشرون أن الزوجة لاتذهب إِلَى بَيْتِ أَبَوَيْهَا إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ جَوَازُ التَّعَجُّبِ بِلَفْظِ التَّسْبِيحِ وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ الثَّلَاثُونَ اسْتِحْبَابُ مُشَاوَرَةِ الرجل بطانته وأهله وأصدقاءه فيما ينوبه مِنَ الْأُمُورِ الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ جَوَازُ الْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ عَنِ الْأُمُورِ الْمَسْمُوعَةِ عَمَّنْ لَهُ بِهِ تَعَلُّقٌ أَمَّا غَيْرُهُ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَهُوَ تَجَسُّسٌ وَفُضُولٌ الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ خُطْبَةُ الْإِمَامِ النَّاسَ عِنْدَ نزول أمر مهم الثالثة والثلاثون اشتكاءولى الْأَمْرِ إِلَى الْمُسْلِمِينِ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ بِأَذًى فِي نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَاعْتِذَارُهُ فِيمَا يُرِيدُ أَنْ يُؤْذِيَهُ بِهِ الرَّابِعَةَ وَالثَّلَاثُونَ فَضَائِلُ ظَاهِرَةٌ لِصَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطِّلِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِشَهَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِمَا شَهِدَ وَبِفِعْلِهِ الْجَمِيلِ فِي إِرْكَابِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَحُسْنِ أَدَبِهِ فِي جُمْلَةِ الْقَضِيَّةِ الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ فَضِيلَةٌ لِسَعْدِ بْنِ معاذوأسيد بْنِ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ الْمُبَادَرَةُ إِلَى قَطْعِ الْفِتَنِ وَالْخُصُومَاتِ وَالْمُنَازَعَاتِ وَتَسْكِينِ الْغَضَبِ السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ قَبُولُ التَّوْبَةِ وَالْحَثُّ عَلَيْهَا الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ تَفْوِيضُ الْكَلَامِ إِلَى الْكِبَارِ دُونَ الصِّغَارِ لِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ جَوَازُ الِاسْتِشْهَادِ بآيات القرآن العزيز ولاخلاف أَنَّهُ جَائِزٌ الْأَرْبَعُونَ اسْتِحْبَابُ الْمُبَادَرَةِ بِتَبْشِيرِ مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوِ انْدَفَعَتْ عَنْهُ بَلِيَّةٌ ظَاهِرَةٌ الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ بَرَاءَةُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِنَ الْإِفْكِ وَهِيَ بَرَاءَةٌ قَطْعِيَّةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فَلَوْ تَشَكَّكَ فِيهَا إِنْسَانٌ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ صَارَ كَافِرًا مُرْتَدًّا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قال بن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ لَمْ تَزْنِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ

(باب براءة حرم النبي صلى الله عليه وسلم من الريبة

عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَهَذَا إِكْرَامٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لهم الثانية والأربعون تجديد شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ تَجَدُّدِ النِّعَمِ الثَّالِثَةُ وَالْأَرْبَعُونَ فَضَائِلُ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فى قوله تعالى ولا يأتل أولوا الفضل منكم الْآيَةُ الرَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ اسْتِحْبَابُ صِلَةِ الْأَرْحَامِ وَإِنْ كَانُوا مُسِيئِينَ الْخَامِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ الْعَفْوُ وَالصَّفْحُ عَنِ الْمُسِيءِ السَّادِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ اسْتِحْبَابُ الصَّدَقَةِ وَالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ الْخَيْرَاتِ السَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَرَأَى خَيْرًا مِنْهَا أَنْ يَأْتِيَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ الثَّامِنَةُ وَالْأَرْبَعُونَ فَضِيلَةُ زَيْنَبٍ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا التَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ التَّثْبِيتُ فِي الشَّهَادَةِ الْخَمْسُونَ إِكْرَامُ الْمَحْبُوبِ بِمُرَاعَاةِ أَصْحَابِهِ وَمَنْ خَدَمَهُ أَوْ أَطَاعَهُ كَمَا فَعَلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِمُرَاعَاةِ حَسَّانَ وَإِكْرَامِهِ إِكْرَامًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ أَنَّ الْخُطْبَةَ تُبْتَدَأُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ الثَّانِيَةُ وَالْخَمْسُونَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْخُطَبِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّهَادَتَيْنِ أَمَّا بَعْدُ وَقَدْ كَثُرَتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الثَّالِثَةُ وَالْخَمْسُونَ غَضَبُ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ انْتَهَاكِ حُرْمَةِ أَمِيرِهِمْ وَاهْتِمَامُهُمْ بِدَفْعِ ذَلِكَ الرَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ جَوَازُ سَبِّ الْمُتَعَصِّبِ لِمُبْطِلٍ كَمَا سَبَّ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ لِتَعَصُّبِهِ لِلْمُنَافِقِ وَقَالَ إِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ وَأَرَادَ أَنَّكَ تَفْعَلُ فِعْلَ الْمُنَافِقِينَ وَلَمْ يُرِدِ النِّفَاقَ الْحَقِيقِيَّ (بَاب بَرَاءَةِ حَرَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الرِّيبَةِ [2771] ذَكَرَ فِي الْبَابِ حَدِيثَ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُتَّهَمُ بِأُمِّ وَلَدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَذْهَبَ يَضْرِبَ عُنُقَهُ فَذَهَبَ فَوَجَدَهُ يَغْتَسِلُ فِي رَكِيِّ وَهُوَ الْبِئْرُ فَرَآهُ مَجْبُوبًا فَتَرَكَهُ قِيلَ لَعَلَّهُ)

كَانَ مُنَافِقًا وَمُسْتَحِقًّا لِلْقَتْلِ بِطَرِيقٍ آخَرَ وَجَعَلَ هذا محركا لقتله بنفاقه وغيره لا بالزنى وَكَفَّ عَنْهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اعْتِمَادًا على أن القتل بالزنى وقد علم انتفاء الزنى والله أعلم

(كتاب صفات المنافقين وأحكامهم)

(كِتَاب صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَأَحْكَامِهِمْ) [2772] قَوْلُهُ (حَتَّى يَنْفَضُّوا) أَيْ يَنْفَرِدُوا قَالَ زُهَيْرٌ وَهِيَ قِرَاءَةُ مَنْ خَفَضَ حَوْلِهِ يَعْنِي قِرَاءَةَ مَنْ يَقْرَأُ مِنْ حَوْلِهِ بِكَسْرِ مِيمِ مِنْ وَبِجَرِّ حَوْلِهِ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنِ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ مَنْ حَوْلِهِ بِالْفَتْحِ قوله (لووا رؤسهم) قُرِئَ فِي السَّبْعِ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِهَا كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ بِضَمِّ الشِّينِ وَبِإِسْكَانِهَا الضَّمُّ لِلْأَكْثَرِينَ وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ هَذَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَ أَمْرًا يَتَعَلَّقُ بِالْإِمَامِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ كِبَارِ وُلَاةِ الْأُمُورِ وَيُخَافُ ضَرَرَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُبَلِّغَهُ إِيَّاهُ لِيَحْتَرِزَ مِنْهُ وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ لِزَيْدٍ وَأَمَّا حَدِيثُ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ الْمُنَافِقِ وَإِلْبَاسِهِ قَمِيصَهُ

وَاسْتِغْفَارِهِ لَهُ وَنَفْثِهِ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ فَسَبَقَ شَرْحُهُ وَالْمُخْتَصَرُ مِنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ هَذَا كُلَّهُ إِكْرَامًا لِابْنِهِ وَكَانَ صَالِحًا وَقَدْ صَرَّحَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَاتِهِ بِأَنَّ ابْنَهُ سَأَلَ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ أَيْضًا مِنْ مَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُسْنِ مُعَاشَرَتِهِ لِمَنِ انْتَسَبَ إِلَى صُحْبَتِهِ وَكَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ قبل نزول قوله سبحانه وتعالى ولاتصل على أحد منهم مات أبدا ولاتقم على قبره

صَرَّحَ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقِيلَ أَلْبَسَهُ الْقَمِيصَ مُكَافَأَةً بِقَمِيصٍ كَانَ أَلْبَسَهُ الْعَبَّاسَ [2775] قَوْلُهُ (قَلِيلُ فِقْهِ قُلُوبِهِمْ كَثِيرُ شَحْمِ بُطُونِهِمْ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْفِطْنَةَ قَلَّمَا تَكُونُ مَعَ السِّمَنِ قوله تعالى فمالكم فى المنافقين فئتين قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ مَعْنَاهُ أَيُّ شَيْءٍ لَكُمْ فِي الاخْتِلَافِ فِي أَمْرِهِمْ وَفِئَتَيْنِ مَعْنَاهُ فِرْقَتَيْنِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ عَلَى الْحَالِ قَالَ سيبويه اذا قلت مالك قَائِمًا مَعْنَاهُ لِمَ قُمْتَ وَنَصَبْتَهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَيُّ شَيْءٍ يَحْصُلُ لَكَ فِي هَذَا الْحَالِ وقال الفراء

هو مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ مَحْذُوفَةٍ فَقَوْلُكَ مالك قَائِمًا تَقْدِيرُهُ لِمَ كُنْتَ قَائِمًا [2779] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي أَصْحَابِي اثْنَا عَشَرَ منافقا فيهم ثمانية لايدخلون الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ثَمَانِيَةٌ مِنْهُمْ تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ سِرَاجٌ مِنَ النَّارِ يَظْهَرُ فِي أَكْتَافِهِمْ حَتَّى يَنْجُمَ مِنْ صُدُورِهِمْ) أما قوله صلى الله عليه وسلم في أَصْحَابِي فَمَعْنَاهُ الَّذِينَ يُنْسَبُونَ إِلَى صُحْبَتِي كَمَا قال فى الرواية الثانية فى أمتى وسم الْخِيَاطِ بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا الْفَتْحُ أَشْهَرُ وَبِهِ قَرَأَ الْقُرَّاءُ السَّبْعَةُ وَهُوَ ثَقْبُ الْإِبْرَةِ ومعناه لايدخلون الجنة أبدا كما لايدخل الْجَمَلُ فِي ثَقْبِ الْإِبْرَةِ أَبَدًا وَأَمَّا الدُّبَيْلَةُ فبدال مهملة ثم الْجِيمِ وَرُوِيَ تَكْفِيهِمُ الدُّبَيْلَةُ بِحَذْفِ الْكَافِ الثَّانِيَةِ وَرُوِيَ تَكْفِتُهُمْ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ بَعْدَ الْفَاءِ مِنَ الْكَفْتِ وَهُوَ الْجَمْعُ وَالسَّتْرُ أَيْ تَجْمَعُهُمْ فِي قُبُورِهِمْ وَتَسْتُرُهُمْ قَوْلُهُ (كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبَةِ وَبَيْنَ حُذَيْفَةَ بَعْضُ مَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ أَنْشُدُكَ بِاَللَّهِ كَمْ كَانَ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ أَخْبِرْهُ اذا سألك قال كنا نخبرأنهم أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَإِنْ كُنْتَ مِنْهُمْ فَقَدْ كَانَ الْقَوْمُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْهُمْ حَرْبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) وَهَذِهِ الْعَقَبَةُ لَيْسَتِ العقبة المشهورة

بِمِنًى الَّتِي كَانَتْ بِهَا بَيْعَةُ الْأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَإِنَّمَا هَذِهِ عَقَبَةٌ عَلَى طَرِيقِ تَبُوكَ اجْتَمَعَ الْمُنَافِقُونَ فِيهَا لِلْغَدْرِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ تَبُوكَ فَعَصَمَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ [2780] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ يَصْعَدُ الثَّنِيَّةَ ثَنِيَّةَ الْمُرَارِ) هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى الْمُرَارِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَفِي الثَّانِيَةِ الْمُرَارِ أَوِ الْمَرَارِ بِضَمِّ الْمِيمِ أَوْ فَتْحِهَا عَلَى الشَّكِّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِضَمِّهَا أَوْ كَسْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْمُرَارُ شَجَرٌ مُرٌّ وَأَصْلُ الثَّنِيَّةِ الطَّرِيقُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَهَذِهِ الثَّنِيَّةِ عِنْدَ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ الْحَازِمِيُّ قال بن إِسْحَاقَ هِيَ مَهْبِطُ الْحُدَيْبِيَةِ قَوْلُهُ (لَأَنْ أَجِدَ ضَالَّتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي صَاحِبُكُمْ قَالَ وَكَانَ الرَّجُلُ يَنْشُدُ ضَالَّةً لَهُ) يَنْشُدُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الشِّينِ أَيْ يَسْأَلُ عَنْهَا قَالَ الْقَاضِي

قِيلَ هَذَا الرَّجُلُ هُوَ الْجَدُّ بْنُ قِيسٍ الْمُنَافِقُ قَوْلُهُ (فَنَبَذَتْهُ الْأَرْضُ) أَيْ طَرَحَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا عِبْرَةً لِلنَّاظِرِينَ [2781] وَقَوْلُهُ (قَصَمَ اللَّهُ عُنُقَهُ) أَيْ أَهْلَكَهُ [2782] قَوْلُهُ (هَاجَتْ رِيحٌ تَكَادُ أَنْ تَدْفِنَ الرَّاكِبَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ تَدْفِنُ بِالْفَاءِ وَالنُّونِ أَيْ تُغَيِّبُهُ عَنِ النَّاسِ وَتَذْهَبُ بِهِ لِشِدَّتِهَا [2783] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الرَّاكِبَيْنِ الْمُقَفِّيَيْنِ) أَيْ الْمُوَلِّيَيْنِ أَقْفِيَتُهُمَا مُنْصَرِفَيْنِ قَوْلُهُ (لِرَجُلَيْنِ حِينَئِذٍ مِنْ أَصْحَابِهِ) سَمَّاهُمَا من أصحابه لا ظهارهما الاسلام والصحبة لاأنهما مِمَّنْ نَالَتْهُ فَضِيلَةُ الصُّحْبَةِ [2784] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَثَلُ الْمُنَافِقِ مَثَلُ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ تُعِيرُ إِلَى هَذِهِ مَرَّةً وَإِلَى هَذِهِ مَرَّةً) الْعَائِرَةُ الْمُتَرَدِّدَةُ الْحَائِرَةُ لَا تَدْرِي لِأَيِّهِمَا تَتْبَعُ وَمَعْنَى تُعِيرُ أَيْ تُرَدَّدُ وَتَذْهَبُ وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ تَكِرُّ فِي هَذِهِ مَرَّةً وَفِي هَذِهِ مَرَّةً أَيْ تَعْطِفُ عَلَى هَذِهِ وَعَلَى هَذِهِ وَهُوَ نَحْوُ تُعِيرُ وَهُوَ بكسر الكاف

(كتاب صفة القيامة والجنة والنار)

(كِتَاب صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ) [2785] قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (لايزن عند الله جناح بعوضة) أى لايعدله فى القدر والمنزلة أى لاقدر له وفيه ذم السمن والحبر بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَهُوَ الْعَالِمُ [2786] قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكَ السَّمَاوَاتِ عَلَى أُصْبُعٍ وَالْأَرْضِينَ عَلَى أُصْبُعٍ إِلَى قَوْلِهِ ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ) هَذَا مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَقَدْ سَبَقَ فِيهَا الْمَذْهَبَانِ التَّأْوِيلُ وَالْإِمْسَاكُ عَنْهُ مَعَ الْإِيمَانِ بِهَا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهَا غَيْرَ مُرَادٍ فَعَلَى قَوْلِ الْمُتَأَوِّلِينَ يَتَأَوَّلُونَ الْأَصَابِعَ هُنَا عَلَى الِاقْتِدَارِ أَيْ خَلَقَهَا مَعَ عِظَمِهَا بِلَا تَعَبٍ وَلَا مَلَلٍ وَالنَّاسُ يَذْكُرُونَ الْإِصْبَعَ فِي مِثْلِ هَذَا لِلْمُبَالَغَةِ وَالِاحْتِقَارِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ بِأُصْبُعِي أَقْتُلُ زيدا أى

لَا كُلْفَةَ عَلَيَّ فِي قَتْلِهِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَصَابِعَ بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ وَهَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ يَدَ الْجَارِحَةِ مُسْتَحِيلَةٌ قَوْلُهُ (فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجُّبًا مِمَّا قَالَ الْحَبْرُ تَصْدِيقًا لَهُ ثُمَّ قَرَأَ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه) ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَّقَ الْحَبْرَ فِي قَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبِضُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِينَ وَالْمَخْلُوقَاتِ بِالْأَصَابِعِ ثُمَّ قَرَأَ الْآيَةَ الَّتِي فِيهَا الْإِشَارَةُ إِلَى نَحْوِ مَا يَقُولُ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينِ لَيْسَ ضَحِكُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعَجُّبُهُ وتلاوته للآية تَصْدِيقًا لِلْحَبْرِ بَلْ هُوَ رَدٌّ لِقَوْلِهِ وَإِنْكَارٌ وَتَعَجُّبٌ مِنْ سُوءِ اعْتِقَادِهِ فَإِنَّ مَذْهَبَ الْيَهُودِ التَّجْسِيمُ فَفُهِمَ مِنْهُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ تَصْدِيقًا لَهُ

إِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي عَلَى مَا فُهِمَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ [2788] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَطْوِي اللَّهُ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ) وفى رواية أن بن مقسم نظر إلى بن عمر كيف يحكي رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَأْخُذُ اللَّهُ سَمَوَاتِهِ وَأَرْضِيهِ بِيَدَيْهِ وَيَقُولُ أَنَا اللَّهُ وَيَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا أَنَا الْمَلِكُ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ من أسفل شيء منه قال

العلماءالمراد بِقَوْلِهِ يَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ولهذا قال ان بن مقسم نظر إلى بن عمر كيف يحكي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا إِطْلَاقُ الْيَدَيْنِ لِلَّهِ تَعَالَى فَمُتَأَوَّلٌ عَلَى الْقُدْرَةِ وَكَنَّى عَنْ ذَلِكَ بِالْيَدَيْنِ لِأَنَّ أَفْعَالِنَا تَقَعُ بِالْيَدَيْنِ فَخُوطِبْنَا بِمَا نَفْهَمُهُ لِيَكُونَ أَوْضَحَ وَأَوْكَدَ فِي النُّفُوسِ وَذَكَرَ الْيَمِينَ وَالشِّمَالَ حَتَّى يَتِمَّ الْمِثَالُ لِأَنَّا نَتَنَاوَلُ بِالْيَمِينِ مَا نُكْرِمُهُ وَبِالشِّمَالِ مَا دُونَهُ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ فِي حَقِّنَا يَقْوَى لِمَا لَا يَقْوَى لَهُ الشمال ومعلوم أن السماوات أَعْظَمُ مِنَ الْأَرْضِ فَأَضَافَهَا إِلَى الْيَمِينِ وَالْأَرَضِينَ إِلَى الشِّمَالِ لِيُظْهِرَ التَّقْرِيبَ فِي الِاسْتِعَارَةِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُوصَفُ بِأَنَّ شَيْئًا أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ وَلَا أَثْقَلَ مِنْ شَيْءٍ هَذَا مُخْتَصَرُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ فِي هَذَا قَالَ الْقَاضِي وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ يَقْبِضُ وَيَطْوِي وَيَأْخُذُ كُلُّهُ بِمَعْنَى الْجَمْعِ لِأَنَّ السَّمَاوَاتِ مَبْسُوطَةٌ وَالْأَرَضِينَ مَدْحُوَّةٌ وَمَمْدُودَةٌ ثُمَّ يَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى مَعْنَى الرَّفْعِ وَالْإِزَالَةِ وَتَبْدِيلِ الْأَرْضِ غَيْرِ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ فَعَادَ كُلُّهُ إِلَى ضَمِّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَرَفْعِهَا وَتَبْدِيلِهَا بِغَيْرِهَا قَالَ وَقَبْضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ وَبَسْطَهَا تَمْثِيلٌ لِقَبْضِ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ وَجَمْعِهَا بَعْدَ بَسْطِهَا وَحِكَايَةٌ لِلْمَبْسُوطِ وَالْمَقْبُوضِ وَهُوَ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُونَ لَا إِشَارَةً إِلَى الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الْقَابِضُ وَالْبَاسِطُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا تَمْثِيلَ لِصِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى السَّمْعِيَّةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْيَدِ الَّتِي لَيْسَتْ بِجَارِحَةٍ وَقَوْلُهُ فِي الْمِنْبَرِ (يَتَحَرَّكَ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ أَسْفَلِهِ إِلَى أَعْلَاهُ لِأَنَّ بِحَرَكَةِ الْأَسْفَلِ يَتَحَرَّكُ الْأَعْلَى ويحتمل

(باب ابتداء الخلق وخلق آدم عليه السلام [2789] قوله صلى

أَنَّ تَحَرُّكَهُ بِحَرَكَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْإِشَارَةِ قَالَ الْقَاضِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِنَفْسِهِ هَيْبَةً لَسَمْعِهِ كَمَا حَنَّ الْجِذْعُ ثُمَّ قَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا وَرَدَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ مُشْكِلٍ وَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَلَا نُشَبِّهُ شَيْئًا بِهِ وَلَا نُشَبِّهُهُ بِشَيْءٍ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَمَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَتَ عَنْهُ فَهُوَ حَقٌّ وَصِدْقٌ فَمَا أَدْرَكْنَا عِلْمَهُ فَبِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا خَفِيَ عَلَيْنَا آمَنَّا بِهِ وَوَكَّلْنَا عِلْمَهُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَحَمَلْنَا لَفْظَهُ عَلَى مَا احْتُمِلَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ الَّذِي خُوطِبْنَا بِهِ وَلَمْ نَقْطَعْ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ بَعْدَ تَنْزِيهِهِ سُبْحَانَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ قَوْلُهُ (وَالشَّجَرُ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ) الثَّرَى هُوَ التُّرَابُ النَّدِيُّ قَوْلُهُ (بَدَتْ نَوَاجِذُهُ) بالذال المعجمة أى أنيابه (باب ابتداء الخلق وخلق آدم عَلَيْهِ السَّلَام [2789] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خُلِقَ الْمَكْرُوهُ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ) كَذَا رَوَاهُ ثَابِتُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ وَهُوَ مَا يَقُومُ بِهِ الْمَعَاشُ وَيَصْلُحُ بِهِ التَّدْبِيرُ كَالْحَدِيدِ وَغَيْرِهِ مِنْ جَوَاهِرِ الْأَرْضِ وَكُلُّ شَيْءٍ يَقُومُ بِهِ صَلَاحُ شَيْءٍ فَهُوَ تِقْنُهُ وَمِنْهُ إِتْقَانُ الشَّيْءِ وَهُوَ إِحْكَامُهُ قُلْتُ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَكِلَاهُمَا خُلِقَ يَوْمَ)

(باب في البعث والنشور وصفة الأرض يوم القيامة [2790] قوله

الثُّلَاثَاءِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ) كَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ النُّورُ بِالرَّاءِ وَرِوَايَاتُ ثَابِتِ بْنِ قَاسِمٍ النُّونُ بِالنُّونِ فِي آخِرِهِ قَالَ الْقَاضِي وَكَذَا رَوَاهُ بَعْضُ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَهُوَ الْحُوتُ وَلَا مُنَافَاةَ أَيْضًا فَكِلَاهُمَا خُلِقَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهُنَّ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَجَمْعُهُ أَرْبَعَاوَاتُ وَحُكِيَ أَيْضًا أَرَابِيعُ (بَاب فِي الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَصِفَةِ الْأَرْضِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [2790] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لِأَحَدٍ) الْعَفْرَاءُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ بَيْضَاءُ إِلَى حمرة والنقى بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَتَشْدِيدُ الْيَاءِ هُوَ الدَّقِيقُ الْحُورِيُّ وَهُوَ الدَّرْمَكُ وَهُوَ الْأَرْضُ الْجَيِّدَةُ قَالَ الْقَاضِي كَأَنَّ النَّارَ غَيَّرَتْ بَيَاضَ وَجْهِ الْأَرْضِ إِلَى الْحُمْرَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لِأَحَدٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ أَيْ لَيْسَ بِهَا عَلَامَةٌ سُكْنَى أو بناء ولا أثر)

(باب نزل أهل الجنة [2792] قوله صلى الله عليه وسلم (تكون

(باب نزل أهل الجنة [2792] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَكْفَأهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ) أَمَّا النُّزُلُ فَبِضَمِّ النُّونِ وَالزَّايِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُ الزَّايِ وَهُوَ مَا يُعَدُّ لِلضَّيْفِ عِنْدَ نُزُولِهِ وَأَمَّا الْخُبْزَةُ فَبِضَمِّ الْخَاءِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هِيَ الظُّلْمَةُ الَّتِي تُوضَعُ فِي الْمَلَّةِ وَيَكْفَأُهَا بِالْهَمْزَةِ وَرُوِيَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ يتكفأها بِالْهَمْزِ أَيْضًا وَخُبْزَةُ الْمُسَافِرِ هِيَ الَّتِي يَجْعَلُهَا فى الملة ويتكفأها بِيَدَيْهِ أَيْ يُمِيلُهَا مِنْ يَدٍ إِلَى يَدٍ حَتَّى تَجْتَمِعَ وَتَسْتَوِيَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُنْبَسِطَةً كَالرُّقَاقَةِ وَنَحْوِهَا وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي الْيَدِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَتَأْوِيلِهَا قَرِيبًا مَعَ الْقَطْعِ بِاسْتِحَالَةِ الْجَارِحَةِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْعَلُ الْأَرْضَ كَالظُّلْمَةِ وَالرَّغِيفِ الْعَظِيمِ وَيَكُونُ ذَلِكَ طَعَامًا نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قَوْلُهُ (إِدَامُهُمْ بَالَامُ وَنُونٌ قَالُوا وَمَا هَذَا قَالَ ثَوْرٌ وَنُونٌ يَأْكُلُ مِنْ زَائِدِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفًا) أَمَّا النُّونُ فَهُوَ الْحُوتُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا بالام فبباء)

(باب سؤال اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح

مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَبِتَخْفِيفِ اللَّامِ وَمِيمٍ مَرْفُوعَةٍ غَيْرِ مُنَوَّنَةٍ وَفِي مَعْنَاهَا أَقْوَالٌ مُضْطَرِبَةٌ الصَّحِيحُ مِنْهَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهَا لَفْظَةٌ عِبْرَانِيَّةٌ مَعْنَاهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ ثَوْرٌ وَفَسَّرَهُ بِهَذَا ولهذاسألوا الْيَهُودِيَّ عَنْ تَفْسِيرِهَا وَلَوْ كَانَتْ عَرَبِيَّةٌ لَعَرَفَتْهَا الصَّحَابَةُ وَلَمْ يَحْتَاجُوا إِلَى سُؤَالِهِ عَنْهَا فَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي بَيَانِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ لَعَلَّ الْيَهُودِيَّ أَرَادَ التَّعْمِيَةَ عَلَيْهِمْ فَقَطَعَ الْهِجَاءَ وَقَدَّمَ أَحَدَ الْحَرْفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَهِيَ لَامُ أَلِفٍ وَيَاءٍ يُرِيدُ لِأَي عَلَى وَزْنِ لَعَا وَهُوَ الثَّوْرُ الْوَحْشِيُّ فَصَحَّفَ الرَّاوِي الْيَاءَ الْمُثَنَّاةَ فَجَعَلَهَا مُوَحَّدَةً قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا أَقْرَبُ مَا يَقَعُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا زَائِدَةُ الْكَبِدِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ الْمُنْفَرِدَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ فِي الْكَبِدِ وَهِيَ أَطْيَبُهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ يَأْكُلُ مِنْهَا سَبْعُونَ أَلْفًا فَقَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنَّهُمُ السَّبْعُونَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِلَا حِسَابٍ فَخُصُّوا بِأَطْيَبِ النُّزُلِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَبَّرَ بِالسَّبْعِينَ أَلْفًا عَنِ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ وَلَمْ يُرِدِ الْحَصْرَ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ وَهَذَا مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [2793] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ بَايَعَنِي عَشْرَةٌ مِنَ الْيَهُودِ لَمْ يَبْقَ عَلَى ظَهْرِهَا يَهُودِيٌّ إِلَّا أَسْلَمَ) قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ الْمُرَادُ عَشْرَةٌ مِنْ أَحْبَارِهِمْ (بَاب سُؤَالِ الْيَهُودِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرُّوحِ وقوله تعالى يسألونك عن الروح [2794] قَوْلُهُ (كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حرث وهو متكىء عَلَى عَسِيبٍ) فَقَوْلُهُ فِي)

حَرْثِ بِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ وَهُوَ مَوْضِعُ الزَّرْعِ وَهُوَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي نَخْلِ وَاتَّفَقَتْ نُسَخُ صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَلَى أَنَّهُ حَرْثٌ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعِ وَرَوَاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي بَابِ وَمَا أوتيتم من العلم إلا قليلا خَرِبٌ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ خَرَابٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْأَوَّلُ أَصْوَبُ وَلِلْآخَرِ وَجْهٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ فِيهِ الْوَصْفَانِ وَأَمَّا الْعَسِيبُ فهو جريدة النخل وقوله (متكىء عَلَيْهِ) أَيْ مُعْتَمِدٌ قَوْلُهُ (سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ فَقَالُوا مَا رَابَكُمْ إِلَيْهِ لَا يَسْتَقْبِلُكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ) هَكَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ مَا رَابَكُمْ إِلَيْهِ أَيْ مَا دَعَاكُمْ إِلَى سُؤَالِهِ أَوْ مَا شَكَّكُمْ فِيهِ حَتَّى احْتَجْتُمْ إِلَى سُؤَالِهِ أَوْ مَا دَعَاكُمْ إِلَى سُؤَالٍ تَخْشَوْنَ سُوءَ عُقْبَاهُ قَوْلُهُ (فَأَسْكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ سَكَتَ وَقِيلَ أَطْرَقَ وَقِيلَ أَعْرَضَ عنه قوله (فلما نزل الوحى قال يسئلونك عَنِ الرُّوحِ) وَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَكْثَرِ أَبْوَابِهِ قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ وَهَمٌ وَصَوَابُهُ مَا سبق فى رواية بن مَاهَانَ فَلَمَّا انْجَلَى عَنْهُ وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوْضِعٍ وَفِي مَوْضِعٍ فَلَمَّا صَعِدَ الْوَحْيُ وقال وهذا وَجْهُ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ قَبْلَ ذَلِكَ نُزُولُ الْوَحْيِ عَلَيْهِ قُلْتُ وَكُلُّ الرِّوَايَاتِ صَحِيحَةٌ وَمَعْنَى رِوَايَةُ مُسْلِمٍ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ الْوَحْيُ وَتَمَّ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قليلا هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أُوتِيتُمْ عَلَى وَفْقِ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ وَفِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ ومسلم وما أوتوا مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا قَالَ الْمَازِرِيُّ الْكَلَامُ فِي الرُّوحِ وَالنَّفْسِ مِمَّا يَغْمُضُ وَيَدِقُّ وَمَعَ هَذَا فَأَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ الْكَلَامَ وَأَلَّفُوا

فيه التآليف قال أبوالحسن الأشعرى هو النفس الداخل والخارج وقال بن الْبَاقِلَانِيُّ هُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْأَشْعَرِيُّ وَبَيْنَ الْحَيَاةِ وَقِيلَ هُوَ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُشَارِكٌ لِلْأَجْسَامِ الظَّاهِرَةِ وَالْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لا يعلم الروح إلاالله تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ ربى وَقَالَ الْجُمْهُورُ هِيَ مَعْلُومَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِيهَا عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَقِيلَ هِيَ الدَّمُ وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لاتعلم وَلَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهَا وَإِنَّمَا أَجَابَ بِمَا فِي الآية الكريمة

باب قوله تعالى إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى

لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ إِنْ أَجَابَ بِتَفْسِيرِ الرُّوحِ فَلَيْسَ بِنَبِيٍّ وَفِي الرُّوحِ لُغَتَانِ التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كُنْتُ قَيْنًا فِي الجاهلية) أى حدادا (باب قوله تعالى إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى [2797] قَوْلُهُ (هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ) أَيْ يَسْجُدُ وَيُلْصِقُ وَجْهَهُ بِالْعَفَرِ وَهُوَ التُّرَابُ قَوْلُهُ (فَمَا)

(باب الدخان [2798] قوله (إن قاصا عند أبواب كنودة) هو باب

فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكِصُ عَلَى عَقِبَيْهِ) أَمَّا فَجِئَهُمْ فَبِكَسْرِ الْجِيمِ وَيُقَالُ أَيْضًا فَجَأَهُمْ لُغَتَانِ وَيَنْكِصُ بِكَسْرِ الْكَافِ رَجَعَ عَلَى عَقِبَيْهِ يَمْشِي عَلَى وَرَائِهِ قَوْلُهُ (إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لخندقا من نار وهو لا وَأَجْنِحَةً كَأَجْنِحَةِ الْمَلَائِكَةِ) وَلِهَذَا الْحَدِيثِ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ فِي عِصْمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبِي جَهْلٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَرَادَ بِهِ ضَرَرًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب الدُّخَانِ [2798] قَوْلُهُ (إِنَّ قَاصًّا عِنْدَ أَبْوَابِ كنودة) هُوَ بَابٌ بِالْكُوفَةِ قَوْلُهُ (فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كل شيء)

السَّنَةُ الْقَحْطُ وَالْجَدْبُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بالسنين وحصت بِحَاءٍ وَصَادٍ مُشَدَّدَةٍ مُهْمَلَتَيْنِ أَيْ اسْتَأْصَلَتْهُ قَوْلُهُ (أَفَيَكْشِفُ عَذَابَ الْآخِرَةِ) هَذَا اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ عَلَى من يقول ان الدخان يكون يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثانية فقال بن مَسْعُودٍ هَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قال إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَشْفَ الْعَذَابِ ثُمَّ عَوْدَهُمْ لَا يَكُونُ فِي الْآخِرَةِ إِنَّمَا هُوَ

فِي الدُّنْيَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَسِنِي يُوسُفَ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ قَوْلُهُ (فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ وَحُكِي ضَمُّهَا قَوْلُهُ (فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرِ اللَّهَ لِمُضَرَ) هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمِ اسْتَغْفِرِ اللَّهَ لِمُضَرَ وَفِي الْبُخَارِيِّ اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُهُمْ اسْتَسْقِ هو الصواب اللائق بالحال لأنهم كفار لايدعى لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ قُلْتُ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَمَعْنَى اسْتَسْقِ اُطْلُبْ لَهُمُ الْمَطَرَ وَالسُّقْيَا وَمَعْنَى اسْتَغْفِرْ ادْعُ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الِاسْتِغْفَارُ قَوْلُهُ

(باب انشقاق القمر [2800] قال القاضي انشقاق القمر من أمهات

(مَضَتْ آيَةُ الدُّخَانِ وَالْبَطْشَةِ وَاللِّزَامِ وَآيَةُ الرُّومِ) وَفَسَّرَهَا كُلَّهَا فِي الْكِتَابِ إِلَّا اللِّزَامَ وَالْمُرَادُ بِهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا أَيْ يَكُونُ عَذَابُهُمْ لَازِمًا قَالُوا وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَهِيَ الْبَطْشَةُ الْكُبْرَى (بَابُ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ [2800] قَالَ الْقَاضِي انْشِقَاقُ الْقَمَرِ مِنْ أُمَّهَاتِ مُعْجِزَاتِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوَاهَا عِدَّةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَعَ ظَاهِرِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَسِيَاقِهَا قَالَ الزَّجَّاجُ وَقَدْ أَنْكَرَهَا بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ الْمُضَاهِينَ الْمُخَالِفِي الْمِلَّةِ وَذَلِكَ لَمَّا أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَهُ وَلَا إِنْكَارَ لِلْعَقْلِ فِيهَا لِأَنَّ الْقَمَرَ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى يَفْعَلُ فِيهِ مَا يَشَاءُ كَمَا يُفْنِيهِ وَيُكَوِّرُهُ فِي آخِرِ أَمْرِهِ وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الْمَلَاحِدَةِ لَوْ وَقَعَ هَذَا لَنُقِلَ مُتَوَاتِرًا وَاشْتَرَكَ أَهْلُ الْأَرْضِ كُلُّهُمْ فِي مَعْرِفَتِهِ وَلَمْ يَخْتَصَّ بِهَا أَهْلُ مَكَّةَ فَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّ هَذَا)

الِانْشِقَاقَ حَصَلَ فِي اللَّيْلِ وَمُعْظَمُ النَّاسِ نِيَامٌ غَافِلُونَ وَالْأَبْوَابُ مُغْلَقَةٌ وَهُمْ مُتَغَطُّونَ بِثِيَابِهِمْ فَقَلَّ مَنْ يَتَفَكَّرُ فِي السَّمَاءِ أَوْ يَنْظُرُ إِلَيْهَا إِلَّا الشَّاذُّ النَّادِرُ وَمِمَّا هُوَ مُشَاهَدٌ مُعْتَادٌ أَنْ كُسُوفَ الْقَمَرِ وَغَيْرَهُ مِنَ الْعَجَائِبِ وَالْأَنْوَارِ الطَّوَالِعِ وَالشُّهُبِ الْعِظَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْدُثُ فِي السَّمَاءِ فِي اللَّيْلِ يَقَعُ وَلَا يَتَحَدَّثُ بِهَا إِلَّا الْآحَادُ وَلَا عِلْمَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَكَانَ هَذَا الِانْشِقَاقُ آيَةً حَصَلَتْ فِي اللَّيْلِ لِقَوْمٍ سَأَلُوهَا وَاقْتَرَحُوا رُؤْيَتَهَا فَلَمْ يَتَنَبَّهْ غَيْرُهُمْ لَهَا قَالُوا وَقَدْ يَكُونُ الْقَمَرُ كَانَ حِينَئِذٍ فِي بَعْضِ الْمَجَارِي وَالْمَنَازِلِ الَّتِي تَظْهَرُ لِبَعْضِ الْآفَاقِ دُونَ بَعْضٍ كَمَا يَكُونُ ظَاهِرًا لِقَوْمٍ غَائِبًا عَنْ قَوْمٍ كَمَا يَجِدُ الْكُسُوفَ أَهْلُ بَلَدٍ دُونَ بَلَدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قوله

(وحدثنا محمد بن بشار حدثنا بن أبى عدى كلاهما عن شعبة باسناد بن مُعَاذٍ) هَكَذَا هُوَ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ بِإِسْنَادِ بن مُعَاذٍ وَفِي بَعْضِهَا بِإِسْنَادَيْ مُعَاذٍ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُ هَذَا أَشْبَهُ بِالصِّحَّةِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ لِمُعَاذٍ إِسْنَادَيْنِ قَبْلَ هَذَا وَالْأَوَّلُ أَيْضًا صَحِيحٌ لِأَنَّ الاسنادين من رواية بن معاذ عن أبيه

(باب فى الكفار [2804] قال صلى الله عليه وسلم (لاأحد أصبر

(باب فى الكفار [2804] قال صلى الله عليه وسلم (لاأحد أَصْبَرَ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّهُ يُشْرَكُ بِهِ وَيُجْعَلُ لَهُ الْوَلَدُ ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاسِعُ الْحِلْمِ حَتَّى عَلَى الْكَافِرِ الذى يكسب إِلَيْهِ الْوَلَدَ وَالنِّدَّ قَالَ الْمَازِرِيُّ حَقِيقَةُ الصَّبْرِ مَنْعُ النَّفْسِ مِنَ الِانْتِقَامِ أَوْ غَيْرِهِ فَالصَّبْرُ نَتِيجَةُ الِامْتِنَاعِ فَأُطْلِقَ اسْمُ الصَّبْرِ عَلَى الِامْتِنَاعِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي وَالصَّبُورُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي لَا يُعَاجِلُ الْعُصَاةَ بِالِانْتِقَامِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْحَلِيمِ فِي أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالْحَلِيمُ هُوَ الصَّفُوحُ مع القدرةعلى الانتقام)

(باب طلب الكافر الفداء بملء الأرض ذهبا [2805] قوله صلى

(باب طلب الكافر الفداء بملء الأرض ذهبا [2805] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا لَوْ كَانَتْ لَكَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا أَكُنْتَ مُفْتَدِيًا بِهَا فَيَقُولُ نَعَمْ فَيَقُولُ قَدْ أَرَدْتُ مِنْكُمْ أَهْوَنَ من هذا وأنت فى صلب آدم أن لا تُشْرِكَ إِلَى قَوْلِهِ فَأَبَيْتَ إِلَّا الشِّرْكَ) وَفِي رِوَايَةٍ فَيُقَالُ قَدْ سُئِلْتُ أَيْسَرَ مِنْ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ فَيُقَالُ كَذَبْتَ قَدْ سُئِلْتَ أَيْسَرَ مِنْ ذَلِكَ الْمُرَادُ أَرَدْتُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى طَلَبْتُ مِنْكَ وَأَمَرْتُكَ وَقَدْ أَوْضَحَهُ فِي الرِّوَايَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِقَوْلِهِ قَدْ سُئِلْتَ أَيْسَرَ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ أَرَدْتُ عَلَى ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنْ يُرِيدَ اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا فَلَا يَقَعُ وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُرِيدٌ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا وَمِنْهَا الْإِيمَانُ وَالْكُفْرُ فَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُرِيدٌ لِإِيمَانِ الْمُؤْمِنِ وَمُرِيدٌ لِكُفْرِ الْكَافِرِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّهُ أَرَادَ إِيمَانَ الْكَافِرِ وَلَمْ يُرِدْ كُفْرَهُ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْبَاطِلِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ إِثْبَاتُ الْعَجْزِ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وَأَنَّهُ وَقَعَ)

فِي مُلْكِهِ مَا لَمْ يُرِدْهُ وَأَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ فَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيلَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَيُقَالُ لَهُ كَذَبْتَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يُقَالَ لَهُ لَوْ رَدَدْنَاكَ إِلَى الدُّنْيَا وَكَانَتْ لَكَ كُلُّهَا أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهَا فَيَقُولُ نَعَمْ فَيُقَالُ لَهُ كَذَبْتَ قَدْ سُئِلْتَ أَيْسَرَ مِنْ ذَلِكَ فَأَبَيْتَ وَيَكُونُ هَذَا مِنْ مَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عنه وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِيُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا به من سوء العذاب يوم القيامة أَيْ لَوْ كَانَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ وَأَمْكَنَهُمْ الِافْتِدَاءُ لَافْتَدَوْا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ اللَّهُ يَقُولُ وَقَدْ أَنْكَرَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَقَالَ يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ يَقُولُ وَإِنَّمَا يُقَالُ قَالَ اللَّهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا فَسَادَ هَذَا الْمَذْهَبِ وَبَيَّنَّا أَنَّ الصَّوَابَ جَوَازُهُ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ فِي قَوْلِهِ تعالى والله يقول الحق وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِثْلُ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة وتعجيل

[2807] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً) الصَّبْغَةُ بِفَتْحِ الصَّادِ أَيْ يُغْمَسُ غَمْسَةً وَالْبُؤْسُ بِالْهَمْزِ هُوَ الشِّدَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب جَزَاءِ الْمُؤْمِنِ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَتَعْجِيلِ حَسَنَاتِ الْكَافِرِ فِي الدُّنْيَا) [2808] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ

وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ الْكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً أُطْعِمَ بِهَا طُعْمَةً مِنَ الدُّنْيَا وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ فِي الْآخِرَةِ وَيُعْقِبُهُ رِزْقًا فِي الدُّنْيَا عَلَى طَاعَتِهِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ الَّذِي مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ لَا ثَوَابَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُجَازَى فِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا مُتَقَرِّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَصَرَّحَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنْ يُطْعَمَ فِي الدُّنْيَا بِمَا عَمِلَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ أَيْ بِمَا فَعَلَهُ مُتَقَرِّبًا بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا لَا يَفْتَقِرُ صِحَّتُهُ إِلَى النِّيَّةِ كَصِلَةِ الرَّحِمِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالضِّيَافَةِ وَتَسْهِيلِ الْخَيْرَاتِ وَنَحْوِهَا وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُدَّخَرُ لَهُ حَسَنَاتُهُ وَثَوَابُ أَعْمَالِهِ إِلَى الْآخِرَةِ وَيُجْزَى بها مع ذلك أيضا فى الدنيا ولامانع مِنْ جَزَائِهِ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فَيَجِبُ اعْتِقَادُهُ قَوْلُهُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً مَعْنَاهُ لَا يَتْرُكَ مُجَازَاتِهِ بِشَيْءٍ مِنْ حَسَنَاتِهِ وَالظُّلْمُ يُطْلَقُ بِمَعْنَى النَّقْصِ وَحَقِيقَةُ الظُّلْمِ مُسْتَحِيلَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَمَعْنَى أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ صَارَ إِلَيْهَا وَأَمَّا إِذَا فَعَلَ الْكَافِرُ مِثْلَ هَذِهِ الْحَسَنَاتِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وقد سبقت المسألة فى كتاب الايمان

باب مثل المؤمن كالزرع والمنافق والكافر كالأرزة

(باب مثل المؤمن كالزرع والمنافق والكافر كالأرزة) [2809] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ الزَّرْعِ لَا تَزَالُ الرِّيحُ تُمِيلُهُ وَلَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ الْبَلَاءُ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ شجرة الأرزلا تَهْتَزُّ حَتَّى تَسْتَحْصِدَ) وَفِي رِوَايَةٍ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ تُفِيئُهَا الرِّيحُ تَصْرَعُهَا مَرَّةً وَتَعْدِلُهَا أُخْرَى حَتَّى تَهِيجَ وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَمَثَلِ الْأَرْزَةِ الْمُجْذِبَةِ عَلَى أَصْلِهَا لَا يُفِيئُهَا شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً أَمَّا الْخَامَةُ فَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفُ الْمِيمِ وَهِيَ الطَّاقَةُ وَالْقَصَبَةُ اللَّيِّنَةُ مِنَ الزَّرْعِ وَأَلِفُهَا مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ وَأَمَّا تُمِيلُهَا وَتُفِيئُهَا فَمَعْنًى وَاحِدٌ وَمَعْنَاهُ تُقَلِّبُهَا الرِّيحُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَمَعْنَى تَصْرَعُهَا تَخْفِضُهَا وتعدلها بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ أَيْ تَرْفَعُهَا وَمَعْنَى تَهِيجُ تَيْبَسُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تستحصد بفتح أوله وكسرالصاد كذا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وَعَنْ بَعْضِهِمْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الصَّادِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَالْأَوَّلُ

أجود أى لاتتغير حَتَّى تَنْقَلِعَ مَرَّةً وَاحِدَةً كَالزَّرْعِ الَّذِي انْتَهَى يُبْسُهُ وَأَمَّا الْأَرْزَةُ فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَرَاءٍ سَاكِنَةٍ ثم زاى هذا هو المشهورفى ضَبْطِهَا وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَاتِ وَكُتُبِ الْغَرِيبِ وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ وَصَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ أَنَّهَا تُقَالُ أَيْضًا بِفَتْحِ الرَّاءِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ الْآرِزَةُ بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى وَزْنِ فَاعِلَةٍ وَأَنْكَرَهَا أَبُو عُبَيْدٍ وَقَدْ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْآرِزَةُ

باب مثل المؤمن مثل النخلة

بِالْمَدِّ هِيَ الثَّابِتَةُ وَهَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ هُنَا فَإِنْكَارُ أَبِي عُبَيْدٍ مَحْمُولٌ عَلَى إِنْكَارِ رِوَايَتِهَا كَذَلِكَ لَا إِنْكَارَ لِصِحَّةِ مَعْنَاهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ شَجَرٌ مَعْرُوفٌ يُقَالُ لَهُ الْأَرْزَنُ يُشْبِهُ شَجَرَ الصَّنَوْبَرِ بِفَتْحِ الصَّادِ يَكُونُ بِالشَّامِ وَبِلَادِ الْأَرْمَنِ وَقِيلَ هُوَ الصَّنَوْبَرُ وَأَمَّا الْمُجْذَبَةُ فَبِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ جِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وَهِيَ الثَّابِتَةُ الْمُنْتَصِبَةُ يُقَالُ مِنْهُ جَذَبَ يَجْذِبُ وَأَجْذِبُ يَجْذِبُ وَالِانْجِعَافُ الِانْقِلَاعُ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ كَثِيرُ الْآلَامِ فِي بَدَنِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ وَذَلِكَ مُكَفِّرٌ لِسَيِّئَاتِهِ وَرَافِعٌ لِدَرَجَاتِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَقَلِيلُهَا وَإِنْ وَقَعَ بِهِ شَيْءٌ لَمْ يُكَفِّرْ شَيْئًا مِنْ سَيِّئَاتِهِ بَلْ يَأْتِي بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كاملة (باب مثل المؤمن مثل النخلة) [2811] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مِثْلُ الْمُسْلِمِ فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شجرة الْبَوَادِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ ثُمَّ قَالُوا حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ هِيَ النَّخْلَةُ قَالَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ فَقَالَ لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَ هِيَ النَّخْلَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا) أَمَّا قَوْلُهُ لَأَنْ تَكُونَ فَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ

النُّسَخِ الْبَوَادِي وَفِي بَعْضِهَا الْبَوَادِ بِحَذْفِ الْيَاءِ وَهِيَ لُغَةٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا اسْتِحْبَابُ إِلْقَاءِ الْعَالِمِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ أَفْهَامَهُمْ وَيُرَغِّبَهُمْ فِي الْفِكْرِ وَالِاعْتِنَاءِ وَفِيهِ ضَرْبُ الْأَمْثَالِ وَالْأَشْبَاهِ وَفِيهِ تَوْقِيرُ الْكِبَارِ كَمَا فَعَلَ بن عُمَرَ لَكِنْ إِذَا لَمْ يَعْرِفِ الْكِبَارُ الْمَسْأَلَةَ فَيَنْبَغِي لِلصَّغِيرِ الَّذِي يَعْرِفُهَا أَنْ يَقُولَهَا وَفِيهِ سُرُورُ الْإِنْسَانِ بِنَجَابَةِ وَلَدِهِ وَحُسْنِ فَهْمِهِ وَقَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَ هِيَ النَّخْلَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو لِابْنِهِ وَيَعْلَمُ حُسْنَ فَهْمِهِ وَنَجَابَتِهِ وَفِيهِ فَضْلُ النَّخْلِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَشَبَّهَ النَّخْلَةَ بِالْمُسْلِمِ فِي كَثْرَةِ خَيْرِهَا وَدَوَامِ ظِلِّهَا وَطِيبِ ثَمَرِهَا وَوُجُودِهِ عَلَى الدَّوَامِ فَإِنَّهُ مِنْ حِينِ يَطْلُعُ ثَمَرُهَا لايزال يُؤْكَلُ مِنْهُ حَتَّى يَيْبَسَ وَبَعْدَ أَنْ يَيْبَسَ يُتَّخَذُ مِنْهُ مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْ خَشَبِهَا وَوَرَقِهَا وَأَغْصَانِهَا فَيُسْتَعْمَلُ جُذُوعًا وَحَطَبًا وَعِصِيًّا وَمَخَاصِرَ وَحُصْرًا وَحِبَالًا وَأَوَانِيَ وَغَيْرَ ذَلِكَ ثُمَّ آخِرُ شَيْءٍ مِنْهَا نَوَاهَا وَيُنْتَفَعُ بِهِ عَلَفًا لِلْإِبِلِ ثُمَّ جَمَالُ نَبَاتِهَا وَحُسْنُ هَيْئَةِ ثَمَرِهَا فَهِي مَنَافِعُ كُلُّهَا وَخَيْرٌ وَجَمَالٌ كَمَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ خَيْرٌ كُلُّهُ مِنْ كَثْرَةِ طَاعَاتِهِ وَمَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ وَيُوَاظِبُ عَلَى صَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ وَقِرَاءَتِهِ وَذِكْرِهِ وَالصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي وَجْهِ التَّشْبِيهِ قِيلَ وَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّهُ إِذَا قَطَعَ رَأْسَهَا مَاتَتْ بِخِلَافِ بَاقِي الشَّجَرِ وقيل لأنها لاتحمل حَتَّى تُلَقَّحَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي) أَيْ ذَهَبَتْ أَفْكَارُهُمْ إِلَى أَشْجَارِ الْبَوَادِي وَكَانَ كُلُّ إِنْسَانٍ يُفَسِّرُهَا بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ شَجَرِ الْبَوَادِي وَذَهِلُوا عَنِ النَّخْلَةِ قوله (قال بن عُمَرَ وَأُلْقِي فِي نَفْسِي أَوْ رُوعِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَجَعَلْتُ أُرِيدُ أَنْ

أَقُولَهَا فَإِذَا أَسْنَانُ الْقَوْمِ فَأَهَابُ أَنْ أَتَكَلَّمَ) الرُّوعُ هُنَا بِضَمِّ الرَّاءِ وَهُوَ النَّفْسُ وَالْقَلْبُ وَالْخَلَدُ وَأَسْنَانُ الْقَوْمِ يَعْنِي كِبَارُهُمْ وَشُيُوخُهُمْ قَوْلُهُ (فَأُتِي بِجُمَّارٍ) هُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَهُوَ الَّذِي يُؤْكَلُ مِنْ قَلْبِ النَّخْلِ يَكُونُ لَيِّنًا قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَيْفٌ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا (هَكَذَا صَوَابُهُ سَيْفٌ قَالَ الْقَاضِي وَوَقَعَ فِي نُسْخَةٍ سُفْيَانَ وَهُوَ غَلَطٌ بَلْ هُوَ سَيْفٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَكِيعٌ يَقُولُ هُوَ سَيْفٌ أَبُو سليمان وبن الْمُبَارَكَ يَقُولُ سَيْفُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَيَحْيَى بْنُ الْقَطَّانِ يَقُولُ سَيْفُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَتَحَاتَّ وَرَقُهَا) أَيْ لَا يَتَنَاثَرَ وَيَتَسَاقَطَ قَوْلُهُ لَا يَتَحَاتَّ وَرَقُهَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ لَعَلَّ مُسْلِمًا قَالَ وَتُؤْتِي وكذا وجدت عند غيرى أيضا ولاتؤتى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُفْيَانَ صَاحِبِ مُسْلِمٍ ورواية غيره أيضا من مسلم لايتحات ورقها ولاتؤتى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ وَاسْتَشْكَلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ هذا لقوله ولاتؤتى أُكُلَهَا خِلَافُ بَاقِي الرِّوَايَاتِ فَقَالَ لَعَلَّ مُسْلِمًا رواه وتؤتى باسقاط لاوأكون أنا وغيرى غلطنا فى اثبات لاقال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَلَيْسَ

(باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس وأن مع

هُوَ بِغَلَطٍ كَمَا تَوَهَّمَهُ إِبْرَاهِيمُ بَلِ الَّذِي فى مسلم صحيح باثبات لاوكذا رواه البخارى باثبات لاووجهه أن لفظة لاليست متعلقة بتؤتى بل متعلقة بمحذوف تقديره لايتحات ورقها ولامكرر أى لايصيبها كذا ولاكذا لَكِنْ لَمْ يَذْكُرِ الرَّاوِي تِلْكَ الْأَشْيَاءَ الْمَعْطُوفَةَ ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ (بَاب تَحْرِيشِ الشَّيْطَانِ وَبَعْثِهِ سَرَايَاهُ لِفِتْنَةِ النَّاسِ وَأَنَّ مَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ قَرِينًا [2812] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ) هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَمَعْنَاهُ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ أَهْلُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنَّهُ سَعَى فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ بِالْخُصُومَاتِ وَالشَّحْنَاءِ وَالْحُرُوبِ وَالْفِتَنِ وَنَحْوِهَا [2813] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ عَرْشَ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ)

يَفْتِنُونَ النَّاسَ) الْعَرْشُ هُوَ سَرِيرُ الْمُلْكِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَرْكَزَهُ الْبَحْرُ وَمِنْهُ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فِي نَوَاحِي الْأَرْضِ قَوْلُهُ (فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ) هُوَ بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَهِيَ نِعْمَ الْمَوْضُوعَةُ لِلْمَدْحِ فَيَمْدَحُهُ لِإِعْجَابِهِ بِصُنْعِهِ وَبُلُوغِهِ الْغَايَةَ الَّتِي أَرَادَهَا قَوْلُهُ (فَيَلْتَزِمُهُ) أَيْ يَضُمُّهُ إِلَى نَفْسِهِ وَيُعَانِقُهُ [2814] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (ما منكم من أحد إلاوقد وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ قَالُوا وَإِيَّاكَ قَالَ وَإِيَّايَ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ) فَأَسْلَمَ بِرَفْعِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا وَهُمَا رِوَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فَمَنْ رَفَعَ قَالَ مَعْنَاهُ أَسْلَمُ أَنَا مِنْ شَرِّهِ وَفِتْنَتِهِ وَمَنْ فَتَحَ قَالَ إِنَّ الْقَرِينَ أَسْلَمَ مِنَ الاسلام وصار مؤمنا لايأمرنى إِلَّا بِخَيْرٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَرْجَحِ مِنْهُمَا فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ الرَّفْعُ وَرَجَّحَ

الْقَاضِي عِيَاضُ الْفَتْحَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِقَوْلِهِ صَلَّى الله عليه وسلم فلا يأمرنى الابخير وَاخْتَلَفُوا عَلَى رِوَايَةِ الْفَتْحِ قِيلَ أَسْلَمَ بِمَعْنَى اسْتَسْلَمَ وَانْقَادَ وَقَدْ جَاءَ هَكَذَا فِي غَيْرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَاسْتَسْلَمَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ صَارَ مُسْلِمًا مُؤْمِنًا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ قَالَ الْقَاضِي وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْتَمِعَةٌ عَلَى عِصْمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّيْطَانِ فِي جِسْمِهِ وَخَاطِرِهِ وَلِسَانِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّحْذِيرِ مِنْ فِتْنَةِ الْقَرِينِ وَوَسْوَسَتِهِ وَإِغْوَائِهِ فَأَعْلَمَنَا بِأَنَّهُ مَعَنَا لِنَحْتَرِزَ مِنْهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ [2815] قَوْلُهُ (حدثنا بن وهب قال أخبرنى أبو صخر عن بْنِ قُسَيْطٍ) هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَاسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ الْمَدَنِيُّ أَبُو عَبْدٍ التَّابِعِيُّ وَاسْمُ أَبِي صَخْرٍ هَذَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ الْخَرَّاطُ الْمَدَنِيُّ سَكَنَ مِصْرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى)

(بَاب لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ بَلْ بِرَحْمَةِ اللَّهُ تَعَالَى) [2816] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَنْ يُنْجِي أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ قَالَ رَجُلٌ وَلَا إِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ولااياى إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ وَلَكِنْ سَدِّدُوا) وَفِي رِوَايَةٍ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٌ وَفِي رواية بمغفرة ورحمة وفى رواية الاأن يَتَدَارَكَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أهل السنة أنه لايثبت بالعقل ثواب ولاعقاب ولا أيجاب ولاتحريم ولاغيرها من أنواع التكليف ولاتثبت هذه كلها ولا

غيرها الابالشرع وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَيْضًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ تَعَالَى اللَّهُ بَلِ الْعَالَمُ مُلْكُهُ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ فِي سُلْطَانِهِ يَفْعَلُ فيهما ما يشاء فلوا عَذَّبَ الْمُطِيعِينَ وَالصَّالِحِينَ أَجْمَعِينَ وَأَدْخَلَهُمُ النَّارَ كَانَ عَدْلًا مِنْهُ وَإِذَا أَكْرَمَهُمْ وَنَعَّمَهُمْ وَأَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ فَهُوَ فَضْلٌ مِنْهُ وَلَوْ نَعَّمَ الْكَافِرِينَ وَأَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ أَخْبَرَ وَخَبَرُهُ صِدْقٌ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ هَذَا بَلْ يَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ وَيُعَذِّبُ الْمُنَافِقِينَ وَيُخَلِّدُهُمْ فى النار عدلامنه وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَيُثْبِتُونَ الْأَحْكَامَ بِالْعَقْلِ وَيُوجِبُونَ ثَوَابَ الْأَعْمَالِ وَيُوجِبُونَ الْأَصْلَحَ وَيَمْنَعُونَ خِلَافَ هَذَا فِي خَبْطٍ طَوِيلٍ لَهُمْ تَعَالَى اللَّهُ عَنِ اخْتِرَاعَاتِهِمُ الْبَاطِلَةِ الْمُنَابِذَةِ لِنُصُوصِ الشَّرْعِ وَفِي ظَاهِرِ هَذِهِ الأحاديث دلالة لأهل الحق أنه لايستحق أَحَدٌ الثَّوَابَ وَالْجَنَّةَ بِطَاعَتِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا

كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كنتم تعملون وَنَحْوُهُمَا مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ يُدْخَلُ بِهَا الْجَنَّةُ فَلَا يُعَارِضُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ بَلْ مَعْنَى الْآيَاتِ أَنَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ بِسَبَبِ الْأَعْمَالِ ثُمَّ التَّوْفِيقِ لِلْأَعْمَالِ وَالْهِدَايَةِ لِلْإِخْلَاصِ فِيهَا وَقَبُولِهَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَضْلِهِ فَيَصِحُّ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِمُجَرَّدِ الْعَمَلِ وَهُوَ مُرَادُ الْأَحَادِيثِ وَيَصِحُّ أَنَّهُ دَخَلَ بِالْأَعْمَالِ أَيْ بِسَبَبِهَا وَهِيَ مِنَ الرَّحْمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَعْنَى يَتَغَمَّدُنِي بِرَحْمَتِهِ يُلْبِسُنِيهَا وَيُغَمِّدُنِي بِهَا وَمِنْهُ أَغْمَدْتُ السَّيْفَ وَغَمَدْتُهُ اذا جعلته

(باب إكثارالأعمال والاجتهاد فى العبادة [2819] قوله (ان صلى

فِي غِمْدِهِ وَسَتَرْتُهُ بِهِ وَمَعْنَى سَدِّدُوا وَقَارِبُوا اطْلُبُوا السَّدَادَ وَاعْمَلُوا بِهِ وَإِنَّ عَجَزْتُمْ عَنْهُ فَقَارِبُوهُ أَيْ اقْرَبُوا مِنْهُ وَالسَّدَادُ الصَّوَابُ وَهُوَ بين الافراط والتفريط فلا تغلوا ولا تفصروا (باب إكثارالأعمال والاجتهاد فى العبادة [2819] قوله (ان صلى الله عليه وسلم حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ فَقِيلَ لَهُ أَتُكَلَّفُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَفَلَا أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا) وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى تَفَطَّرَتْ رِجْلَاهُ مَعْنَى تَفَطَّرَتْ تَشَقَّقَتْ قَالُوا وَمِنْهُ فَطَّرَ الصَّائِمُ وَأَفْطَرَهُ لِأَنَّهُ خَرَقَ صَوْمَهُ وَشَقَّهُ قَالَ الْقَاضِي الشُّكْرُ مَعْرِفَةُ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِ وَالتَّحَدُّثُ بِهِ وَسُمِّيَتِ الْمُجَازَاةُ عَلَى فِعْلِ الْجَمِيلِ شُكْرًا لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَشُكْرُ الْعَبْدِ اللَّهَ تَعَالَى اعْتِرَافُهُ بِنِعَمِهِ وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ وَتَمَامُ مُوَاظَبَتِهِ عَلَى طَاعَتِهِ وَأَمَّا شُكْرُ اللَّهِ تَعَالَى)

(باب الاقتصاد فى الموعظة [2821] قوله (ما يمنعنى أن أخرج

أَفْعَالَ عِبَادِهِ فَمُجَازَاتُهُ إِيَّاهُمْ عَلَيْهَا وَتَضْعِيفُ ثَوَابِهَا وَثَنَاؤُهُ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَهُوَ الْمُعْطِي وَالْمُثْنِي سُبْحَانَهُ وَالشَّكُورُ مِنْ أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بهذا المعنى والله أعلم (باب الاقتصاد فى الموعظة [2821] قوله (ما يمنعنى أن أخرج عليكم الاكراهية أَنْ أُمِلَّكُمْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الْأَيَّامِ مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا) السَّآمَةُ بِالْمَدِّ الْمَلَلُ وَقَوْلُهُ أُمِلُّكُمْ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أُوقِعُكُمْ فِي الْمَلَلِ)

وَهُوَ الضَّجَرُ وَأَمَّا الْكَرَاهِيَةُ فَبِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَمَعْنَى يَتَخَوَّلنَا يَتَعَاهَدُنَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي تَفْسِيرِهَا قال القاضي وقيل يصلحنا وقال بن الْأَعْرَابِيِّ مَعْنَاهُ يَتَّخِذُنَا خَوَلًا وَقِيلَ يُفَاجِئُنَا بِهَا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ يَدْلُلْنَا وَقِيلَ يَحْبِسُنَا كَمَا يَحْبِسُ الْإِنْسَانُ خَوَلَهُ وَهُوَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ إِلَّا أَبَا عَمْرٍو فَقَالَ هِيَ بِالْمُهْمَلَةِ أَيْ يَطْلُبُ حَالَاتِهِمْ وَأَوْقَاتِ نَشَاطِهِمْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الِاقْتِصَادُ فِي الْمَوْعِظَةِ لِئَلَّا تَمَلَّهَا القلوب فيفوت مقصودها

كتاب الجنة وصفة نعيمها واهلها

( كتاب الجنة وصفة نعيمها واهلها) ( [2822] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ) هَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ حفت ووقع فى البخارى حفت ووقع فيه أَيْضًا حُجِبَتْ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا مِنْ بَدِيعِ الْكَلَامِ وَفَصِيحِهِ وَجَوَامِعِهِ الَّتِي أُوتِيَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّمْثِيلِ الْحَسَنِ ومعناه لايوصل الْجَنَّةَ إِلَّا بِارْتِكَابِ الْمَكَارِهِ وَالنَّارَ بِالشَّهَوَاتِ وَكَذَلِكَ هُمَا مَحْجُوبَتَانِ بِهِمَا فَمَنْ هَتَكَ الْحِجَابَ وَصَلَ إِلَى الْمَحْجُوبِ فَهَتْكُ حِجَابِ الْجَنَّةِ بِاقْتِحَامِ الْمَكَارِهِ وَهَتْكُ حِجَابِ النَّارِ بِارْتِكَابِ الشَّهَوَاتِ فَأَمَّا الْمَكَارِهُ فَيَدْخُلُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا وَالصَّبْرُ عَلَى مَشَاقِّهَا وَكَظْمُ الْغَيْظِ وَالْعَفْوُ وَالْحِلْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالْإِحْسَانُ إِلَى الْمُسِيءِ وَالصَّبْرُ عَنِ الشَّهَوَاتِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَأَمَّا الشَّهَوَاتُ الَّتِي النَّارُ مَحْفُوفَةٌ بِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا الشَّهَوَاتُ الْمُحَرَّمَةُ كَالْخَمْرِ وَالزِّنَا وَالنَّظَرِ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْغِيبَةِ وَاسْتِعْمَالِ الْمَلَاهِي وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا الشَّهَوَاتُ الْمُبَاحَةُ فَلَا تَدْخُلُ فِي هَذِهِ لَكِنْ يُكْرَهُ الْإِكْثَارُ مِنْهَا مَخَافَةَ أَنْ يَجُرَّ إِلَى الْمُحَرَّمَةِ أَوْ يُقَسِّي الْقَلْبَ أَوْ يَشْغَلَ عَنِ الطَّاعَاتِ أَوْ يُحْوَجَ إِلَى الِاعْتِنَاءِ بتحصيل الدنيا)

للصرف فيها ونحوذلك [2824] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاعين رأت ولاأذن سمعت ولاخطر عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ذُخْرًا بَلْهَ مَا أَطْلَعَكُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَطْلَعْتُكُمْ عَلَيْهِ هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ذخرافى جَمِيعِ النُّسَخِ وَأَمَّا رِوَايَةُ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ الْأَيْلِيِّ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَهَا فَفِيهَا ذِكْرٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَذُخْرًا كَالْأَوَّلِ فِي بَعْضِهَا قَالَ الْقَاضِي هَذِهِ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ أَبْيَنُ كَالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قال والأولى رواية الفارسى فأمابله فَبِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَمَعْنَاهَا دَعْ عَنْكَ مَا أَطْلَعَكُمْ عَلَيْهِ فَاَلَّذِي لَمْ يُطْلِعْكُمْ عليه اعظم وكانه اضر ب عنه استقلالاله فى جنب مالم يُطْلِعْ عَلَيْهِ وَقِيلَ مَعْنَاهَا غَيْرُ وَقِيلَ مَعْنَاهَا كَيْفَ [2826] [2827] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظلها مائة سنة لايقطعها) وَفِي رِوَايَةٍ يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادُ الْمُضَمَّرُ السَّرِيعُ مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْمُرَادُ بِظِلِّهَا كَنَفُهَا وَذَرَاهَا وَهُوَ مَا يَسْتُرُ أَغْصَانَهَا وَالْمُضَمَّرُ بِفَتْحِ الضَّادِ وَالْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ الَّذِي ضُمِّرَ لِيَشْتَدَّ جَرْيُهُ وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ صِفَةُ التَّضْمِيرِ قَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ بَعْضُهُمُ الْمُضَمِّرُ بِكَسْرِ الميم الثانية صفة للراكب المضمر لفرسه

وَالْمَعْرُوفُ هُوَ الْأَوَّلُ [2829] قَوْلُهُ تَعَالَى (أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي) قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ أُنْزِلُهُ بِكُمْ وَالرِّضْوَانُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا قُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ وَالْكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ فِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ قُرِئَ بِهِنَّ فِي السَّبْعِ الْأَكْثَرُونَ دُرِّيٌّ بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ بِلَا هَمْزٍ وَالثَّانِيَةُ بِضَمِّ الدَّالِ مَهْمُوزٌ مَمْدُودٌ وَالثَّالِثَةُ بِكَسْرِ الدَّالِ مَهْمُوزٌ مَمْدُودٌ وَهُوَ الْكَوْكَبُ الْعَظِيمُ قِيلَ سُمِّيَ دُرِّيًّا لِبَيَاضِهِ كَالدُّرِّ وَقِيلَ لِإِضَاءَتِهِ وَقِيلَ لِشَبَهِهِ بِالدُّرِّ فِي كَوْنِهِ أَرْفَعُ مِنْ بَاقِي النُّجُومِ كَالدُّرِّ أَرْفَعُ الجواهر [2831] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ أَهْلَ الجنة

لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ مِنَ الْأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ) هَكَذَا هُوَ فى عامةالنسخ مِنَ الْأُفُقِ قَالَ الْقَاضِي لَفْظَةُ مِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الْأُفُقِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أن من فى رواية مسلم لانتهاءالغاية وَقَدْ جَاءَتْ كَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ رَأَيْتُ الْهِلَالَ مِنْ خَلَلِ السَّحَابِ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا صَحِيحٌ وَلَكِنْ حَمْلُهُمْ لَفْظَةَ مِنْ هُنَا عَلَى انْتِهَاءِ الْغَايَةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ هِيَ عَلَى بَابِهَا أَيْ كَانَ ابْتِدَاءُ رُؤْيَتِهِ إِيَّاهُ رُؤْيَتَهُ مِنْ خَلَلِ السَّحَابِ وَمِنَ الْأُفُقِ قَالَ وَقَدْ جَاءَ فِي رواية عن بن مَاهَانَ عَلَى الْأُفُقِ الْغَرْبِيِّ وَمَعْنَى الْغَابِرِ الذَّاهِبُ الْمَاشِي أَيْ الَّذِي تَدَلَّى لِلْغُرُوبِ وَبَعُدَ عَنِ الْعُيُونِ وَرُوِيَ فِي غَيْرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ الْغَارِبُ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ وَهُوَ بِمَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَرُوِيَ الْعَازِبُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ وَمَعْنَاهُ الْبَعِيدُ فِي الأفق

وكلها راجعة إلى معنى واحد [2833] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمْعَةٍ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا) الْمُرَادُ بِالسُّوقِ مَجْمَعٌ لَهُمْ يَجْتَمِعُونَ كَمَا يَجْتَمِعُ النَّاسُ فِي الدُّنْيَا فِي السُّوقِ وَمَعْنَى يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ أَيْ فِي مِقْدَارِ كُلِّ جُمْعَةٍ أَيْ أُسْبُوعٍ وَلَيْسَ هُنَاكَ حَقِيقَةً أُسْبُوعٌ لِفَقْدِ الشَّمْسِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالسُّوقُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وهو أفصح وريح الشَّمَالِ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْمِيمِ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ هَكَذَا الرِّوَايَةُ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ هِيَ الشَّمَالُ وَالشَّمْأَلُ باسكان الميم مهموز والشأملة بِهَمْزَةٍ قَبْلَ الْمِيمِ وَالشَّمَلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَالشَّمُولُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَضَمِّ الْمِيمِ وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي مِنْ دُبُرِ الْقِبْلَةِ قَالَ الْقَاضِي وَخَصَّ رِيحَ الْجَنَّةِ بِالشَّمَالِ لِأَنَّهَا رِيحُ الْمَطَرِ عِنْدَ الْعَرَبِ كَانَتْ

تَهُبُّ مِنْ جِهَةِ الشَّامِ وَبِهَا يَأْتِي سَحَابُ الْمَطَرِ وَكَانُوا يَرْجُونَ السَّحَابَةَ الشَّامِيَّةَ وَجَاءَتْ فِي الْحَدِيثِ تَسْمِيَةُ هَذِهِ الرِّيحِ الْمُثِيرَةِ أَيِ الْمُحَرِّكَةِ لِأَنَّهَا تُثِيرُ فِي وُجُوهِهِمْ مَا تُثِيرُهُ مِنْ مسك أرض الجنة وغيره من نعيمها [2834] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ هِيَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ ليلة البدر والتى تليها على أضوء كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ مَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ) الزُّمْرَةُ الْجَمَاعَةُ وَالدُّرِّيُّ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَبَيَانُهُ قَرِيبًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (زَوْجَتَانِ) هَكَذَا فِي الرِّوَايَاتِ بِالتَّاءِ وَهِيَ لُغَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ فِي الْأَحَادِيثِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ وَالْأَشْهَرُ حَذْفُهَا وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَأَكْثَرُ الْأَحَادِيثَ قَوْلُهُ (وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ) هَكَذَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا أَعْزَبُ بِالْأَلِفِ وَهِيَ لُغَةٌ وَالْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ عَزَبَ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَنَّ جَمِيعَ رُوَاتِهِمْ رَوَوْهُ وَمَا فى الجنة عزب بغير ألف الاالعذرى

فَرَوَاهُ بِالْأَلِفِ قَالَ الْقَاضِي وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَالْعَزَبُ من لازوجة لَهُ وَالْعُزُوبُ الْبُعْدُ وَسُمِّي عَزَبًا لِبُعْدِهِ عَنِ النِّسَاءِ قَالَ الْقَاضِي ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النِّسَاءَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّهُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ قَالَ فَيَخْرُجُ مِنْ مَجْمُوعِ هَذَا أَنَّ النِّسَاءَ أَكْثَرُ وَلَدِ آدَمَ قال وهذا كله فى الآدميات والافقد جَاءَ لِلْوَاحِدِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الْحُورِ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ) أَيْ عَرَقُهُمْ (وَمَجَامِرُهُمُ الْأَلُوَّةُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ اللَّامِ أَيْ الْعُودُ الْهِنْدِيُّ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَبْسُوطًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَخْلَاقُهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ) قَدْ ذَكَرَ مسلم فى الكتاب اختلاف بن أَبِي شَيْبَةَ وَأَبِي كُرَيْبٍ فِي ضَبْطِهِ فَإِنَّ بن أبى شيبة يرويه بضم الحاء واللام وأبو كريب بفتح الحاء وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ رُوَاةُ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَيُرَجَّحُ الضَّمُّ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ وَقَدْ يُرَجَّحُ الْفَتْحُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَمَامِ الْحَدِيثِ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ أَوْ عَلَى طُولِهِ قوله صلى الله عليه وسلم (ولا يمتخطون

وَلَا يَتْفِلُونَ) هُوَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا حَكَاهُمَا الجوهرى وغيره وفى رواية لايبصقون وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَبْزُقُونَ وَكُلُّهُ بِمَعْنًى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا) أَيْ قَدْرَهُمَا [2835] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ) مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ يَتَنَعَّمُونَ بِذَلِكَ وَبِغَيْرِهِ من ملاذ وأنواع نعيمها تنعما دائما لاآخر له ولاانقطاع أَبَدًا وَإِنَّ تَنَعُّمَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى هَيْئَةِ تَنَعُّمِ أهل الدنيا الاما بَيْنَهُمَا مِنَ التَّفَاضُلِ فِي اللَّذَّةِ وَالنَّفَاسَةِ الَّتِي لايشارك نعيم الدنيا الافى التَّسْمِيَةِ وَأَصْلِ الْهَيْئَةِ وَإِلَّا فِي أَنَّهُمْ لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَتَمَخَّطُونَ وَلَا يَبْصُقُونَ وَقَدْ دَلَّتْ دَلَائِلُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فِي هَذِهِ الأحاديث

الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ دَائِمٌ لَا انْقِطَاعَ لَهُ أَبَدًا [2836] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لايبأس) وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا أَيْ لَا يُصِيبُكُمْ بَأْسٌ وَهُوَ شِدَّةُ الْحَالِ وَالْبَأْسُ وَالْبُؤْسُ وَالْبَأْسَاءُ وَالْبُؤَسَاءُ بِمَعْنًى وينعم وتنعم بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْعَيْنِ أَيْ يَدُومُ

لَكُمُ النَّعِيمُ [2838] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي الْجَنَّةِ خَيْمَةٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلًا فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ) وَفِي رِوَايَةٍ طُولُهَا فِي السَّمَاءِ سِتُّونَ مِيلًا أَمَّا الْخَيْمَةُ فَبَيْتٌ مُرَبَّعٌ مِنْ بُيُوتِ الْأَعْرَابِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ هَكَذَا هُوَ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ مُجَوَّفَةٍ بِالْفَاءِ قَالَ الْقَاضِي وَفِي رِوَايَةِ السَّمَرْقَنْدِيِّ مُجَوَّبَةٍ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ الْمَثْقُوبَةُ وَهِيَ بِمَعْنَى الْمُجَوَّفَةِ والزاويةالجانب وَالنَّاحِيَةِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلًا وَفِي الثَّانِيَةِ طُولُهَا فِي السَّمَاءِ سِتُّونَ مِيلًا ولامعارضة بَيْنَهُمَا فَعَرْضُهَا فِي مِسَاحَةِ

أَرْضِهَا وَطُولُهَا فِي السَّمَاءِ أَيْ فِي الْعُلُوِّ مُتَسَاوِيَانِ [2839] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ) اعْلَمْ أَنَّ سَيْحَانَ وَجَيْحَانَ غَيْرُ سَيْحُونَ وَجَيْحُونَ فَأَمَّا سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ الْمَذْكُورَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اللَّذَانِ هُمَا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فِي بِلَادِ الأرمن فجيحان نهر المصيصة وسيحان نهر إذنه وَهُمَا نَهْرَانِ عَظِيمَانِ جِدًّا أَكْبَرْهُمَا جَيْحَانُ فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي مَوْضِعِهِمَا وَأَمَّا قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ فى صحاحه جيحان نهر بالشام فَغَلَطٌ أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَجَازَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ بِبِلَادِ الْأَرْمَنِ وَهِيَ مُجَاوِرَةٌ لِلشَّامِ قَالَ الْحَازِمِيُّ سَيْحَانُ نَهْرٌ عِنْدَ الْمُصَيِّصَةِ قَالَ وَهُوَ غَيْرُ سَيْحُونَ وَقَالَ صَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ نَهْرَانُ بِالْعَوَاصِمِ عِنْدَ الْمُصَيِّصَةِ وَطُرْسُوسُ وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ جَيْحُونَ بِالْوَاوِ نَهْرٌ وَرَاءَ خُرَاسَانَ عِنْدَ بَلْخٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَيْحَانَ وَكَذَلِكَ سَيْحُونُ غَيْرُ سَيْحَانَ وَأَمَّا قَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضُ هَذِهِ الْأَنْهَارُ الْأَرْبَعَةُ أَكْبَرُ أَنْهَارِ بلاد الاسلام

فَالنِّيلُ بِمِصْرَ وَالْفُرَاتُ بِالْعِرَاقِ وَسَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَيُقَالُ سَيْحُونَ وَجَيْحُونَ بِبِلَادِ خُرَاسَانَ فَفِي كَلَامِهِ إِنْكَارٌ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا قَوْلُهُ الْفُرَاتُ بِالْعِرَاقِ وَلَيْسَ بِالْعِرَاقِ بَلْ هُوَ فَاصِلٌ بَيْنَ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ وَالثَّانِي قَوْلُهُ سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَيُقَالُ سَيْحُونُ وَجَيْحُونُ فَجَعَلَ الْأَسْمَاءَ مُتَرَادِفَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ سَيْحَانُ غَيْرُ سَيْحُونَ وَجَيْحَانُ غَيْرُ جَيْحُونَ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ كما سبق الثالث أَنَّهُ بِبِلَادِ خُرَاسَانَ وَأَمَّا سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ بِبِلَادِ الْأَرْمَنِ بِقُرْبِ الشَّامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا كَوْنُ هَذِهِ الْأَنْهَارُ مِنْ مَاءِ الْجَنَّةِ فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي عِيَاضُ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِيمَانَ عَمَّ بِلَادَهَا أَوِ الْأَجْسَامُ الْمُتَغَذِّيَةِ بِمَائِهَا صَائِرَةٌ إِلَى الْجَنَّةِ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهَا عَلَى ظَاهِرِهَا وَأَنَّ لَهَا مَادَّةٌ مِنَ الْجَنَّةِ وَالْجَنَّةُ مَخْلُوقَةٌ موجودة اليوم عندأهل السنة وقد ذكر مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ أَنَّ الْفُرَاتَ وَالنِّيلَ يَخْرُجَانِ مِنَ الْجَنَّةِ وَفِي البخارى من أصل سدرة المنتهى [2840] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ) قِيلَ مِثْلُهَا فِي رِقَّتِهَا وَضَعْفِهَا كَالْحَدِيثِ الْآخَرِ أَهْلُ الْيَمَنِ أَرَقُّ قُلُوبًا وَأَضْعَفُ أَفْئِدَةً وَقِيلَ فِي الْخَوْفِ وَالْهَيْبَةِ وَالطَّيْرُ أَكْثَرُ الْحَيَوَانِ خَوْفًا وَفَزَعًا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عباده العلماء وَكَأَنَّ الْمُرَادَ قَوْمٌ غَلَبَ عَلَيْهِمُ الْخَوْفُ كَمَا جَاءَ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنَ السَّلَفِ فِي شِدَّةِ خَوْفِهِمْ وَقِيلَ الْمُرَادُ مُتَوَكِّلُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِي سَلِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) هَكَذَا وَقَعَ هَذَا الْإِسْنَادُ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ فَزَادَ الزُّهْرِيَّ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَالصَّوَابُ هُوَ الْأَوَّلُ قَالَ وَكَذَلِكَ خَرَّجَهُ أَبُو مَسْعُودٍ فِي الْأَطْرَافِ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ لِسَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ رِوَايَةً عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فىكتاب الْعِلَلِ لَمْ يُتَابِعْ أَبُو النَّضْرِ عَلَى وَصْلِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ مُرْسَلًا كَذَا رَوَاهُ يَعْقُوبُ وَسَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ وَالْمُرْسَلُ الصَّوَابُ هَذَا كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالصَّحِيحُ أن هذا الذى ذكره لايقدح فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ فَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ الْحَدِيثَ إِذَا رُوِيَ مُتَّصِلًا وَمُرْسَلًا كَانَ مَحْكُومًا

(باب جهنم أعاذنا الله منها [2842] قوله (حدثنا عمر بن حفص

بِوَصْلِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ لِأَنَّ مَعَ الْوَاصِلِ زِيَادَةٌ عُلِمَ حِفْظُهَا وَلَمْ يَحْفَظْهَا مَنْ أَرْسَلَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [2841] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ وَبَيَانُ تَأْوِيلِهِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الضَّمِيرَ فِي صورته عائد إلى آدم وأن المرادأنه خُلِقَ فِي أَوَّلِ نَشْأَتِهِ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي الْأَرْضِ وَتُوُفِّيَ عَلَيْهَا وَهِيَ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا وَلَمْ يَنْتَقِلْ أَطْوَارًا كَذُرِّيَّتِهِ وَكَانَتْ صُورَتُهُ فِي الْجَنَّةِ هِيَ صُورَتُهُ فِي الْأَرْضِ لَمْ تَتَغَيَّرْ قَوْلُهُ (قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ وَهُمْ نَفَرٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَذَهَبَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ) فِيهِ أَنَّ الْوَارِدَ عَلَى جُلُوسٍ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ وَأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَلَوْ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَفَاهُ وَأَنَّ رَدَّ السَّلَامِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ زِيَادَةً عَلَى الِابْتِدَاءِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ فِي الرَّدِّ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب جهنم أعاذنا الله منها [2842] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ خَالِدٍ الْكَاهِلِيِّ عَنْ شَقِيقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْحَدِيثَ) هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ وَقَالَ رَفْعُهُ وَهَمٌ رواه الثورى ومروان وغيرهما عن)

العلاءابن خالد مؤقوفا قُلْتُ وَحَفْصٌ ثِقَةٌ حَافِظٌ إِمَامٌ فَزِيَادَتُهُ الرَّفْعَ مَقْبُولَةٌ كَمَا سَبَقَ نَقْلُهُ عَنِ الْأَكْثَرِينَ وَالْمُحَقِّقِينَ [2844] قَوْلُهُ (سَمِعَ وَجْبَةً) هِيَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَهِيَ السَّقْطَةُ قَوْلُهُ (فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ هَذَا وَقَعَ فِي أَسْفَلِهَا فَسَمِعْتُمْ وَجْبَتَهَا) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَهُوَ صَحِيحٌ فِيهِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ أَيْ هَذَا حَجَرٌ وَقَعَ أَوْ هَذَا حِينُ

وَنَحْوِ ذَلِكَ [2845] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ يَعْنِي النَّارُ إِلَى حُجْزَتِهِ) هِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَهِيَ مَعْقِدُ الازار والسراويل وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى تَرْقُوتِهِ هِيَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْقَافِ وَهِيَ الْعَظْمُ الَّذِي بَيْنَ ثَغْرَةِ النَّحْرِ وَالْعَاتِقِ وَفِي رِوَايَةٍ حَقْوَيْهِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَهُمَا

معقد الازار والمراد هنا ما يخاذى ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْ جَنْبَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَحَاجَّتِ النَّارُ وَالْجَنَّةُ) إِلَى آخِرِهِ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ فِي النَّارِ وَالْجَنَّةِ تَمْيِيزًا تُدْرَكَانِ بِهِ فتحاجتا ولايلزم مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ التَّمْيِيزُ فِيهِمَا دَائِمًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَالَتِ الْجَنَّةُ فَمَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَعَجَزُهُمْ) أَمَّا سَقَطُهُمْ فَبِفَتْحِ السِّينِ والقاف أى ضعفاؤهم والمتحقرون منهم وأما عجزهم فبفتح الْعَيْنِ وَالْجِيمِ جَمْعُ عَاجِزٍ أَيْ الْعَاجِزُونَ عَنْ طَلَبِ الدُّنْيَا وَالتَّمَكُّنِ فِيهَا وَالثَّرْوَةِ وَالشَّوْكَةِ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ فَفِيهَا لَا يدخلنى الاضعاف النَّاسِ وَغِرَّتُهُمْ فَرُوِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْقَاضِي وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي النُّسَخِ إِحْدَاهَا غَرَثُهُمْ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ قَالَ الْقَاضِي هَذِهِ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ مِنْ شُيُوخِنَا وَمَعْنَاهَا أَهْلُ الْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ وَالْجُوعِ وَالْغَرَثُ الْجُوعُ وَالثَّانِي عَجَزَتُهُمْ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَجِيمٍ وَزَايٍ وَتَاءٍ جَمْعُ عَاجِزٍ كَمَا سَبَقَ وَالثَّالِثُ غِرَّتُهُمْ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وَرَاءٍ مُشَدَّدَةٍ وَتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ وَهَكَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا أَيْ الْبُلْهُ الْغَافِلُونَ الَّذِينَ لَيْسَ بِهِمْ فَتْكٌ وَحِذْقٌ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَهُوَ نَحْوُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْهُ قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ سَوَادُ الناس وعامتهم من أهل الايمان الذين لايفطنون لِلسُّنَّةِ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِمِ الْفِتْنَةُ أَوْ يُدْخِلُهُمْ فِي البدعة أو غيرها فهم ثابتوا الايمان وصحيحوا الْعَقَائِدِ وَهُمْ أَكْثَرُ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَمَّا الْعَارِفُونَ وَالْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ وَالصَّالِحُونَ الْمُتَعَبِّدُونَ فَهُمْ قَلِيلُونَ وَهُمْ أَصْحَابُ الدَّرَجَاتِ قَالَ وَقِيلَ مَعْنَى الضُّعَفَاءِ هُنَا وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَهْلُ الْجَنَّةُ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ أَنَّهُ الْخَاضِعُ لِلَّهِ تَعَالَى الْمُذِلُّ نَفْسَهُ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ضِدُّ المتجبر المستكبر

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَتَقُولُ قَطْ قط فهنالك تمتلىء وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ) مَعْنَى يُزْوَى يُضَمُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فَتَجْتَمِعُ وَتَلْتَقِي عَلَى مَنْ فِيهَا وَمَعْنَى قَطْ حَسْبِي أَيْ يَكْفِينِي هَذَا وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ قَطْ قَطْ بِإِسْكَانِ الطَّاءِ فِيهِمَا وَبِكَسْرِهَا مُنَوَّنَةٌ وَغَيْرُ مُنَوَّنَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم فأما النار فلا تمتلىء حَتَّى يَضَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رِجْلَهُ) وَفِي الرواية التى بعدها لاتزال جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حَتَّى يَضَعَ فِيهَا رَبُّ الْعِزَّةِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدَمَهُ فَتَقُولُ قَطْ قَطْ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَيَضَعُ قَدَمَهُ عَلَيْهَا هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ مَشَاهِيرِ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَقَدْ سَبَقَ مَرَّاتٍ بَيَانُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا عَلَى مَذْهَبَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وطائفة من المتكلمين أنه لايتكلم فِي تَأْوِيلِهَا بَلْ نُؤْمِنُ أَنَّهَا حَقٌّ عَلَى مَا أَرَادَ اللَّهُ وَلَهَا مَعْنَى يَلِيقُ بِهَا وَظَاهِرُهَا غَيْرُ مُرَادٍ وَالثَّانِي

وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهَا تُتَأَوَّلُ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهَا فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْقَدَمِ هُنَا الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ شَائِعٌ فِي اللُّغَةِ وَمَعْنَاهُ حَتَّى يَضَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مَنْ قَدَّمَهُ لَهَا مِنْ أَهْلِ الْعَذَابِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي هَذَا تأويل النضر بن شميل ونحوه عن بن الْأَعْرَابِيِّ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ قَدَمُ بَعْضِ الْمَخْلُوقِينِ فَيَعُودُ الضَّمِيرُ فِي قَدَمِهِ إِلَى ذَلِكِ الْمَخْلُوقِ الْمَعْلُومِ الثَّالِثُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ فِي الْمَخْلُوقَاتِ مَا يُسَمَّى بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا يَضَعُ اللَّهُ فِيهَا رِجْلَهُ فَقَدْ زَعَمَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنِ فَوْرَكَ أَنَّهَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَلَكِنْ قَدْ رَوَاهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَتَأْوِيلُهَا كَمَا سَبَقَ فِي الْقَدَمِ وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُرَادَ بِالرِّجْلِ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ كَمَا يُقَالُ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ أَيْ قِطْعَةٌ مِنْهُ قَالَ الْقَاضِي أَظْهَرُ التَّأْوِيلَاتِ أَنَّهُمْ قَوْمٌ اسْتَحَقُّوهَا وَخُلِقُوا لَهَا قَالُوا ولابد مِنْ صَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ الْعَقْلِيِّ عَلَى اسْتِحَالَةِ الْجَارِحَةِ عَلَى اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ولايظلم اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا) قَدْ سَبَقَ مَرَّاتٍ بَيَانُ أَنَّ الظُّلْمَ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تعالى فمن عذبه بذنب أو بلاذنب فَذَلِكَ عَدْلٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ ينشىء لَهَا خَلْقًا) هَذَا دَلِيلٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الثَّوَابَ لَيْسَ مُتَوَقِّفًا عَلَى الْأَعْمَالِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُخْلَقُونَ حِينَئِذٍ وَيُعْطَوْنَ فِي الْجَنَّةِ مَا يُعْطَوْنَ بِغَيْرِ عَمَلٍ وَمِثْلُهُ أَمْرُ الْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينَ الَّذِينَ لَمْ يَعْمَلُوا طَاعَةً قَطُّ فَكُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَضْلِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ

دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ سَعَةِ الْجَنَّةِ فَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ لِلْوَاحِدِ فِيهَا مِثْلُ الدُّنْيَا وَعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا ثُمَّ يَبْقَى فِيهَا شَيْءٌ لِخَلْقٍ يُنْشِئُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى [2849] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُذْبَحُ ثُمَّ يُقَالُ خلود فلاموت) قَالَ الْمَازِرِيُّ الْمَوْتُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ عَرَضٌ يُضَادُّ الْحَيَاةِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ لَيْسَ بِعَرَضٍ بَلْ مَعْنَاهُ عَدَمُ الْحَيَاةِ وَهَذَا خَطَأ لِقَوْلِهِ تعالى خلق الموت

والحياة فَأَثْبَتَ الْمَوْتَ مَخْلُوقًا وَعَلَى الْمَذْهَبَيْنِ لَيْسَ الْمَوْتُ بِجِسْمٍ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيُتَأَوَّلُ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ هَذَا الْجِسْمَ ثم يذبح مثالا لأن الموت لايطرأ عَلَى أَهْلِ الْآخِرَةِ وَالْكَبْشُ الْأَمْلَحُ قِيلَ هُوَ الأبيض الخالص قاله بن الْأَعْرَابِيُّ وَقَالَ الْكِسَائِيُّ هُوَ الَّذِي فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ وَبَيَاضُهُ أَكْثَرُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي الضَّحَايَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَشْرَئِبُّونَ) بِالْهَمْزِ أى يرفعون رؤسهم إلى المنادى

[2851] [2852] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضِرْسُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ وَغِلَظِ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ وَمَا بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ) مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ هَذَا كُلُّهُ لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ فِي إِيلَامِهِ وَكُلُّ هَذَا مَقْدُورٌ لِلَّهِ تَعَالَى يَجِبُ الْإِيمَانِ بِهِ لِإِخْبَارِ الصَّادِقِ بِهِ [2853] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ (كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعَّفٍ) ضَبَطُوا قَوْلَهُ مُتَضَعَّفٍ

بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا الْمَشْهُورُ الْفَتْحُ وَلَمْ يَذْكُرِ الأكثرون غيره ومعناه يستضعفه الناس ويحتقرو وَيَتَجَبَّرُونَ عَلَيْهِ لِضَعْفِ حَالِهِ فِي الدُّنْيَا يُقَالُ تَضَعَّفَهُ وَاسْتَضْعَفَهُ وَأَمَّا رِوَايَةُ الْكَسْرِ فَمَعْنَاهَا مُتَوَاضِعٌ مُتَذَلِّلٌ خَامِلٌ وَاضِعٌ مِنْ نَفْسِهِ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ يَكُونُ الضَّعْفُ هُنَا رِقَّةُ الْقُلُوبِ وَلِينُهَا وَإِخْبَاتُهَا لِلْإِيمَانِ وَالْمُرَادُ أَنَّ أَغْلَبَ أَهْلِ الْجَنَّةِ هَؤُلَاءِ كَمَا أَنَّ مُعْظَمَ أَهْلِ النَّارِ الْقِسْمُ الْآخَرُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِاسْتِيعَابَ فِي الطَّرَفَيْنِ وَمَعْنَى الْأَشْعَثِ مُتَلَبِّدُ الشَّعْرِ مُغَبَّرُهُ الَّذِي لَا يَدْهُنُهُ وَلَا يُكْثِرُ غَسْلَهُ وَمَعْنَى مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ أَنَّهُ لايؤذن لَهُ بَلْ يُحْجَبُ وَيُطْرَدُ لِحَقَارَتِهِ عِنْدَ النَّاسِ قوله صلى الله عليه وسلم (لوأقسم عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ) مَعْنَاهُ لَوْ حَلَفَ يَمِينًا طَمَعًا فِي كَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى بِإِبْرَارِهِ لَأَبَرَّهُ وَقِيلَ لَوْ دَعَاهُ لَأَجَابَهُ يُقَالُ أَبْرَرْتُ قَسَمَهُ وَبَرَرْتُهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ النَّارِ (كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ) وَفِي رِوَايَةٍ كُلُّ جَوَّاظٍ زَنِيمٍ متكبرا أَمَّا الْعُتُلُّ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالتَّاءِ

فَهُوَ الْجَافِي الشَّدِيدُ الْخُصُومَةِ بِالْبَاطِلِ وَقِيلَ الْجَافِي الْفَظُّ الْغَلِيظُ وَأَمَّا الْجَوَّاظُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَبِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ فَهُوَ الْجَمُوعُ الْمَنُوعُ وَقِيلَ كَثِيرُ اللَّحْمِ الْمُخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ وَقِيلَ الْقَصِيرُ الْبَطِينِ وَقِيلَ الْفَاخِرُ بِالْخَاءِ وَأَمَّا الزَّنِيمُ فَهُوَ الدَّعِيُّ فِي النَّسَبِ الْمُلْصَقِ بِالْقَوْمِ وَلَيْسَ مِنْهُمْ شُبِّهَ بِزَنَمَةِ الشَّاةِ وَأَمَّا الْمُتَكَبِّرُ وَالْمُسْتَكْبِرُ فَهُوَ صَاحِبُ الْكِبْرِ وَهُوَ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ [2855] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ (عَزِيزٌ عَارِمٌ) الْعَارِمُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ الشِّرِّيرُ الْمُفْسِدُ الخبيث وقيل القوى الشرس وقد عرم بضم الراء وفتحها وكسرها عرامة بفتح العين وعراما بضمها فهو عارم وعرم وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ لِغَيْرِ ضَرُورَةِ التَّأْدِيبِ وَفِيهِ النَّهْيُ عَنِ الضَّحِكِ مِنَ الضَّرْطَةِ يَسْمَعُهَا مِنْ غَيْرِهِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَغَافَلَ عَنْهَا وَيَسْتَمِرَّ عَلَى حَدِيثِهِ وَاشْتِغَالِهِ بِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ وَلَا غَيْرِهِ وَيُظْهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ وَفِيهِ حُسْنُ الْأَدَبِ وَالْمُعَاشَرَةِ [2856] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيِّ بْنِ قَمْعَةَ بْنِ خِنْدِفَ أَبَا بَنِي كَعْبٍ هَؤُلَاءِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِيِّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ

أَمَّا قَمْعَةُ ضَبَطُوهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَشْهَرُهَا قِمَّعَةُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ وَالثَّانِي كَسْرُ الْقَافِ وَالْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ رواية الباجي عن بن مَاهَانَ وَالثَّالِثُ فَتْحُ الْقَافِ مَعَ إِسْكَانِ الْمِيمِ وَالرَّابِعُ فَتْحُ الْقَافِ وَالْمِيمِ جَمِيعًا وَتَخْفِيفُ الْمِيمِ قَالَ الْقَاضِي وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ وَأَمَّا خِنْدِفُ فَبِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي كَسْرُ الْخَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَآخِرُهَا فَاءٌ وَهِيَ اسْمُ الْقَبِيلَةِ فَلَا تَنْصَرِفُ وَاسْمُهَا لَيْلَى بِنْتُ عِمْرَانَ بْنِ الْجَافِّ بْنِ قُضَاعَةَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَبَا بَنِي كَعْبٍ) كَذَا ضَبَطْنَاهُ أَبَا بِالْبَاءِ وَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرِ مِنْ نُسَخِ بِلَادِنَا وَفِي بَعْضِهَا أَخَا بِالْخَاءِ وَنَقَلَ الْقَاضِي هَذَا عَنْ أَكْثَرِ رواة الجلودي قال والأول رواية بن مَاهَانَ وَبَعْضُ رُوَاةِ الْجُلُودِيِّ قَالَ وَهُوَ الصَّوَابُ قال وكذا ذكر الحديث بن أَبِي خَيْثَمَةَ وَمُصْعَبُ الزُّبَيْرِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّ كَعْبًا هُوَ أَحَدُ بُطُونِ خُزَاعَةَ وَابْنَهُ وَأَمَّا لُحَيُّ فَبِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَأَمَّا قُصْبَهُ فَبِضَمِّ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ يَعْنِي أَمْعَاءَهُ وَقَالَ أَبُو عَبِيدٍ الْأَمْعَاءُ وَاحِدُهَا قَصَبٌ أَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ فَقَالَ الْقَاضِي الْمَعْرُوفُ فِي نَسَبِ بن خُزَاعَةَ عَمْرُو بْنُ لُحَيِّ بْنِ قَمْعَةَ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَهُوَ قَمْعَةُ بْنُ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ وَإِنَّمَا عَامِرٌ عَمُّ أَبِيهِ أَبِي قَمْعَةَ وَهُوَ مُدْرِكَةُ بْنُ إِلْيَاسَ هَذَا قَوْلُ نُسَّابِ الْحِجَازِيِّينَ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُمْ مِنَ الْيَمَنِ مِنْ وَلَدِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ وَأَنَّهُ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ وَاسْمُهُ رَبِيعَةُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ وَقَدْ

يَحْتَجُّ قَائِلٌ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ [2128] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لايدخلن الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ من مسيرة كذاوكذا) هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ فَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا أَصْحَابُ السِّيَاطِ فَهُمْ غِلْمَانُ وَالِي الشُّرْطَةِ أَمَّا الْكَاسِيَاتُ فَفِيهِ أَوْجُهٌ أَحَدُهَا مَعْنَاهُ كَاسِيَاتٌ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَارِيَاتٌ مِنْ شُكْرِهَا وَالثَّانِي كَاسِيَاتٌ مِنَ الثِّيَابِ عَارِيَاتٌ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ

وَالِاهْتِمَامِ لِآخِرَتِهِنَّ وَالِاعْتِنَاءِ بِالطَّاعَاتِ وَالثَّالِثُ تَكْشِفُ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهَا إِظْهَارًا لِجَمَالِهَا فَهُنَّ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ وَالرَّابِعُ يَلْبَسْنَ ثِيَابًا رِقَاقًا تَصِفُ مَا تَحْتَهَا كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ فِي الْمَعْنَى وَأَمَّا مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ فَقِيلَ زَائِغَاتٌ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يَلْزَمُهُنَّ مِنْ حِفْظِ الْفُرُوجِ وَغَيْرِهَا وَمُمِيلَاتٌ يُعَلِّمْنَ غَيْرَهُنَّ مِثْلَ فِعْلِهِنَّ وَقِيلَ مَائِلَاتٌ مُتَبَخْتِرَاتٌ فِي مِشْيَتِهِنَّ مُمِيلَاتٌ أَكْتَافُهُنَّ وَقِيلَ مَائِلَاتٌ يَتَمَشَّطْنَ الْمِشْطَةَ الْمَيْلَاءِ وَهِيَ مِشْطَةُ الْبَغَايَا مَعْرُوفَةٌ لَهُنَّ مُمِيلَاتٌ يُمَشِّطْنَ غَيْرَهُنَّ تِلْكَ الْمِشْطَةِ وَقِيلَ مَائِلَاتٌ إِلَى الرِّجَالِ مُمِيلَاتٌ لَهُمْ بِمَا يُبْدِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وغيرها وأما رؤوسهن كأسنمة البخت فمعناه يعظمن رؤوسهن بِالْخُمُرِ وَالْعَمَائِمِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُلَفُّ عَلَى الرَّأْسِ حَتَّى تُشْبِهُ أَسْنِمَةَ الْإِبِلِ الْبُخْتِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ يَطْمَحْنَ إِلَى الرِّجَالِ وَلَا يَغْضُضْنَ عنهم ولا ينكسن رؤوسهن وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّ الْمَائِلَاتِ تُمَشِّطْنَ الْمِشْطَةَ الْمَيْلَاءِ قَالَ وَهِيَ ضَفْرُ الْغَدَائِرِ وَشَدُّهَا إِلَى فَوْقُ وَجَمْعُهَا فِي وَسَطِ الرَّأْسِ فَتَصِيرُ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّشْبِيهِ بِأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ إِنَّمَا هُوَ لِارْتِفَاعِ الْغَدَائِرِ فَوْقَ رؤوسهن وَجَمْعُ عَقَائِصِهَا هُنَاكَ وَتُكْثِرُهَا بِمَا يُضَفِّرْنَهُ حَتَّى تَمِيلَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ جَوَانِبِ الرَّأْسِ كَمَا يميل السنام قال بن دُرَيْدٍ يُقَالُ نَاقَةٌ مَيْلَاءُ إِذَا كَانَ سَنَامُهَا يَمِيلُ إِلَى أَحَدِ شِقَّيْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لايدخلن الْجَنَّةَ) يُتَأَوَّلُ التَّأْوِيلَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي نَظَائِرِهِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ اسْتَحَلَّتْ حَرَامًا مِنْ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهَا بِتَحْرِيمِهِ فَتَكُونُ كَافِرَةٌ مُخَلَّدَةٌ فى النار لاتدخل الجنة أبدا والثانى يحمل على أنها لاتدخلها أَوَّلَ الْأَمْرِ مَعَ الْفَائِزِينَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

(باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة [2858] قوله صلى

(باب فناء الدنيا وبيان الحشر يَوْمَ الْقِيَامَةِ [2858] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاَللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ وَأَشَارَ يَحْيَى بِالسَّبَّابَةِ فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ) وَفِي رِوَايَةٍ وَأَشَارَ إِسْمَاعِيلُ بِالْإِبْهَامِ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا بالابهام وهى الأصبع العظمى المعروفة كذا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ الرُّوَاةِ إِلَّا السَّمَرْقَنْدِيَّ فَرَوَاهُ الْبِهَامُ قَالَ وَهُوَ تَصْحِيفٌ قَالَ الْقَاضِي وَرِوَايَةُ السَّبَّابَةِ أَظْهَرُ مِنْ رِوَايَةِ الْإِبْهَامِ وَأَشْبَهُ بالتمثيل لأن العادة الاشارة بها لا بِالْإِبْهَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَشَارَ بِهَذِهِ مَرَّةً وَهَذِهِ مَرَّةً وَالْيَمُّ الْبَحْرُ وَقَوْلُهُ بِمَ تَرْجِعُ ضَبَطُوا تَرْجِعُ بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَالْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَمَنْ رَوَاهُ بِالْمُثَنَّاةِ تَحْتُ أَعَادَ الضَّمِيرَ إِلَى أَحَدِكُمِ وَالْمُثَنَّاةُ فَوْقُ أَعَادَهُ عَلَى الْأُصْبُعِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَمَعْنَاهُ لَا يَعْلَقُ بِهَا كَثِيرُ شَيْءٍ مِنَ الْمَاءِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ مَا الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآخِرَةِ فِي قِصَرِ مُدَّتِهَا وَفَنَاءِ لَذَّاتِهَا ودوام الآخرة ودوام)

لذاتها ونعيمها إلاكنسبة الْمَاءِ الَّذِي يَعْلَقُ بِالْأُصْبُعِ إِلَى بَاقِي الْبَحْرِ [2859] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا) الْغُرْلُ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ مَعْنَاهُ غَيْرُ مَخْتُونِينَ جَمْعُ أَغْرَلَ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُخْتَنْ وَبَقِيَتْ مَعَهُ غُرْلَتُهُ وَهِيَ قُلْفَتُهُ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي تُقْطَعُ فِي الْخِتَانِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ الْأَغْرَلُ وَالْأَرْغَلُ وَالْأَغْلَفُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ فِي الثَّلَاثَةِ وَالْأَقْلَفُ وَالْأَعْرَمُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَجَمْعُهُ غُرَلٌ وَرُغَلٌ وَغُلَفٌ وَقُلَفٌ وَعُرَمٌ وَالْحُفَاةُ جَمْعُ حَافٍ وَالْمَقْصُودُ أنهم يحشرون كما خلقوا لاشىء مَعَهُمْ وَلَا يُفْقَدُ مِنْهُمْ شَيْءٌ حَتَّى الْغُرْلَةُ تَكُونُ مَعَهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي إِلَى آخِرِهِ) هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةِ تُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ هُنَاكَ الْمُرَادُ بِهِ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ [2861] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَعَشْرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَتَحْشُرُ بَقِيَّتُهُمُ النَّارُ تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا) قَالَ الْعُلَمَاءُ وَهَذَا الْحَشْرُ فِي آخِرِ الدُّنْيَا قُبَيْلَ الْقِيَامَةِ

(باب في صفة يوم القيامة أعاننا الله على أهواله)

وَقُبَيْلَ النَّفْخِ فِي الصُّورِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى الله عليه وسلم بَقِيَّتُهُمُ النَّارُ تَبِيتُ مَعَهُمْ وَتَقِيلُ وَتُصْبِحُ وَتُمْسِي وَهَذَا آخِرُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ كَمَا ذَكَرَ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا فِي آيَاتِ السَّاعَةِ قَالَ وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ تَرْحَلُ الناس وفى رواية تطرد الناس إلى محشر هم وَالْمُرَادُ بِثَلَاثِ طَرَائِقَ ثَلَاثُ فِرَقٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنِ الْجِنِّ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا أَيْ فِرَقًا مُخْتَلِفَةَ الْأَهْوَاءِ (بَاب فِي صِفَةِ يوم القيامة أعاننا الله على أهواله) [2862] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَقُومُ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ) وَفِي رِوَايَةٍ فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ قَالَ الْقَاضِي وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ عَرَقُ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ عَرَقُ نَفْسِهِ خَاصَّةً وَسَبَبُ كَثْرَةِ العرق تراكم الأهوال ودنو الشمس من رؤسهم ورحمة بعضهم بعضا

باب الصفات التى يعرف بها فى الدنيا أهل الجنة وأهل

(باب الصفات التى يعرف بها فى الدنيا أهل الجنة وأهل النَّارِ) [2865] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ) مَعْنَى نَحَلْتُهُ أَعْطَيْتُهُ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّ مَالٍ أَعْطَيْتُهُ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي فَهُوَ لَهُ حَلَالٌ وَالْمُرَادُ إِنْكَارُ مَا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ السَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْبَحِيرَةِ وَالْحَامِي وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَنَّهَا لَمْ تصرحوا حَرَامًا بِتَحْرِيمِهِمْ وَكُلُّ مَالٍ مَلَكَهُ الْعَبْدُ فَهُوَ لَهُ حَلَالٌ حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ) أَيْ مُسْلِمِينَ وَقِيلَ طَاهِرِينَ مِنَ الْمَعَاصِي وَقِيلَ مُسْتَقِيمِينَ مُنِيبِينَ لِقَبُولِ الْهِدَايَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ حِينَ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ فِي الذَّرِّ وَقَالَ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالوا بلى قَوْلُهُ تَعَالَى (وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا فَاجْتَالَتْهُمْ بِالْجِيمِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وعن رواية الحافظ أبى على الغسانى فاجتالتهم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَوْضَحُ أَيْ اسْتَخَفُّوهُمْ فَذَهَبُوا بِهِمْ وَأَزَالُوهُمْ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ وَجَالُوا مَعَهُمْ فِي الْبَاطِلِ كَذَا فَسَّرَهُ الْهَرَوِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ شَمِرُ اجْتَالَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ ذَهَبَ بِهِ وَاجْتَالَ أَمْوَالَهُمْ سَاقَهَا وَذَهَبَ بِهَا قَالَ الْقَاضِي وَمَعْنَى فَاخْتَالُوهُمْ بِالْخَاءِ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ أَيْ يَحْبِسُونَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَيَصُدُّونَهُمْ عَنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وعجمهم الابقايا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) الْمَقْتُ أَشَدُّ الْبُغْضِ وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْمَقْتِ وَالنَّظَرِ مَا قَبْلَ بَعْثَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ بِبَقَايَا أَهْلِ الْكِتَابِ الْبَاقُونَ عَلَى التَّمَسُّكِ بِدِينِهِمُ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ تَبْدِيلٍ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِي بِكَ) مَعْنَاهُ لِأَمْتَحِنَكَ بِمَا يَظْهَرُ مِنْكَ مِنْ قِيَامِكَ بِمَا أَمَرْتُكَ بِهِ مِنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْجِهَادِ فِي اللَّهِ حَقِّ جِهَادِهِ وَالصَّبْرِ فِي اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَبْتَلِي بِكَ مَنْ أَرْسَلْتُكَ إِلَيْهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يُظْهِرُ إِيمَانَهُ وَيُخْلِصُ فِي طَاعَاتِهِ وَمَنْ يَتَخَلَّفُ وَيَتَأَبَّدُ بِالْعَدَاوَةِ وَالْكُفْرِ وَمَنْ يُنَافِقُ وَالْمُرَادُ أَنْ يَمْتَحِنَهُ لِيَصِيرَ ذَلِكَ وَاقِعًا بَارِزًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا يُعَاقِبُ الْعِبَادَ عَلَى مَا وَقَعَ منهم لاعلى مَا يَعْلَمُهُ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَإِلَّا فَهُوَ سُبْحَانَهُ عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُقُوعِهَا وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ أَيْ نَعْلَمُهُمْ فَاعِلِينَ ذَلِكَ مُتَّصِفِينَ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تقرأه نائما ويقظان) أما قوله تعالى لايغسله الماء فمعناه محفوظ فى الصدور لايتطرق إِلَيْهِ الذَّهَابُ بَلْ يَبْقَى عَلَى مَرِّ الْأَزْمَانِ وأما قوله تعالى تقرأه نَائِمًا وَيَقْظَانَ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ يَكُونُ مَحْفُوظًا لك فى حالتى النوم واليقظة وقيل تقرأه فِي يُسْرٍ وَسُهُولَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقُلْتُ رَبِّ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً) هِيَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ يَشْدَخُوهُ وَيَشُجُّوهُ كَمَا يُشْدَخُ الْخُبْزُ أَيْ يُكْسَرُ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ) بِضَمِّ النُّونِ أَيْ نُعِينُكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٍ مُتَصَدِّقٍ مُوَفَّقٍ وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ) فَقَوْلُهُ وَمُسْلِمٍ مَجْرُورٌ مَعْطُوفٌ عَلَى ذِي قُرْبَى وَقَوْلُهُ مُقْسِطٍ أَيْ عَادِلٍ قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم

(الضعيف الذى لازبر له الذين هم فيكم تبعا لايبتغون أَهْلًا وَلَا مَالًا) فَقَوْلُهُ زَبْرَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ لَا عَقْلَ لَهُ يَزْبُرُهُ ويمنعه مما لاينبغى وقيل هو الذى لامال لَهُ وَقِيلَ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَعْتَمِدُهُ وقوله لايتبعون بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مُخَفَّفٌ وَمُشَدَّدٌ مِنَ الِاتِّبَاعِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَبْتَغُونَ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لايطلبون قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالْخَائِنُ الَّذِي لايخفى له طمع وإن دق الاخانة) معنى لا يخفى لايظهر قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ خَفَيْتَ الشَّيْءَ إِذَا أَظْهَرْتَهُ وَأَخْفَيْتَهُ إِذَا سَتَرْتَهُ وَكَتَمْتَهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ هُمَا لُغَتَانِ فِيهِمَا جَمِيعًا قَوْلُهُ (وَذَكَرَ الْبُخْلَ وَالْكَذِبَ) هِيَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ أَوِ الْكَذِبِ بِأَوْ وَفِي بَعْضِهَا وَالْكَذِبَ بِالْوَاوِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا وَقَالَ القاضي روايتنا عن جميع شيوخنا بالواو والا بن أَبِي جَعْفَرِ عَنِ الطَّبَرِيِّ فَبِأَوْ وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَلَعَلَّهُ الصَّوَابُ وَبِهِ تَكُونُ الْمَذْكُورَاتُ خَمْسَةً وَأَمَّا الشِّنْظِيرُ فَبِكَسْرِ الشِّينِ وَالظَّاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ

(باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات

وَإِسْكَانِ النُّونِ بَيْنَهُمَا وَفَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ الفحاش وهو السىء الخلق قوله (فيكون ذلك ياأبا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ وَاَللَّهِ لَقَدْ أَدْرَكْتُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَى آخِرِهِ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَائِلُ لَهُ قَتَادَةُ وَقَوْلُهُ لَقَدْ أَدْرَكْتُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَعَلَّهُ يريد أواخر أمرهم وآثار الجاهلية والافمطرف صَغِيرٌ عَنْ إِدْرَاكِ زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ حَقِيقَةً وَهُوَ يَعْقِلُ (بَاب عَرْضِ مَقْعَدِ الْمَيِّتِ مِنْ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ عَلَيْهِ وَإِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ وَالتَّعَوُّذِ مِنْهُ اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ إِثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غدوا وعشيا الْآيَةَ وَتَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ)

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فى مواطن كثيرة ولايمتنع فِي الْعَقْلِ أَنْ يُعِيدَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَيَاةَ فِي جُزْءٍ مِنَ الْجَسَدِ وَيُعَذِّبُهُ وَإِذَا لَمْ يَمْنَعْهُ الْعَقْلُ وَوَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَجَبَ قَبُولُهُ وَاعْتِقَادُهُ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ هُنَا أَحَادِيثَ كَثِيرَةً فِي إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ وَسَمَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَ مَنْ يُعَذَّبُ فِيهِ وَسَمَاعِ الْمَوْتَى قَرْعَ نِعَالِ دَافِنِيهِمْ وَكَلَامِهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْقَلِيبِ وَقَوْلِهُ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ وَسُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ الْمَيِّتَ وَإِقْعَادِهِمَا إِيَّاهُ وَجَوَابِهُ لَهُمَا وَالْفَسْحِ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَعَرْضِ مَقْعَدِهِ عَلَيْهِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ وَسَبَقَ مُعْظَمُ شَرْحِ هَذَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَكِتَابِ الْجَنَائِزِ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ إِثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ كَمَا ذَكَرْنَا خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ وَمُعْظَمِ الْمُعْتَزِلَةِ وَبَعْضُ الْمُرْجِئَةِ نَفَوْا ذَلِكَ ثُمَّ الْمُعَذَّبُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ الْجَسَدُ بِعَيْنِهِ أَوْ بَعْضُهُ بَعْدَ إِعَادَةِ الرُّوحِ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى جُزْءٍ مِنْهُ وَخَالَفَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بن كرام وطائفة فقالوا لايشترط إِعَادَةُ الرُّوحِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ الْأَلَمَ وَالْإِحْسَاسَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْحَيِّ قَالَ أصحابنا ولايمنع من ذلك كون الميت قد تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ كَمَا نُشَاهِدُ فِي الْعَادَةِ أَوْ أَكَلَتْهُ السِّبَاعُ أَوْ حِيتَانُ الْبَحْرِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَكَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعِيدُهُ لِلْحَشْرِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ فَكَذَا يُعِيدُ الْحَيَاةَ إِلَى جُزْءٍ مِنْهُ أَوْ أَجْزَاءٍ وَإِنْ أَكَلَتْهُ السِّبَاعُ وَالْحِيتَانُ فَإِنْ قِيلَ فَنَحْنُ نُشَاهِدُ الْمَيِّتَ عَلَى حَالِهِ فِي قَبْرِهِ فَكَيْفَ يسأل ويقعد ويضرب بمطارق من حديد ولايظهر لَهُ أَثَرٌ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ بَلْ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْعَادَةِ وَهُوَ النَّائِمُ فانه يجد لذة وآلاما لانحس نَحْنُ شَيْئًا مِنْهَا وَكَذَا يَجِدُ الْيَقْظَانُ لَذَّةً وآلما لما يسمعه أو يفكر فيه ولايشاهد ذلك جليسه مِنْهُ وَكَذَا كَانَ جِبْرَائِيلُ يَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم فيخبره بالوحى الكريم ولايدركه الْحَاضِرُونَ وَكُلُّ هَذَا ظَاهِرٌ جَلِيٌّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا إِقْعَادُهُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِالْمَقْبُورِ دُونَ الْمَنْبُوذِ وَمَنْ أَكَلَتْهُ السِّبَاعُ وَالْحِيتَانُ وَأَمَّا ضَرْبُهُ بِالْمَطَارِقِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُوَسَّعَ لَهُ فِي قَبْرِهِ فَيُقْعَدُ وَيُضْرَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [2866] قَوْلُهُ (مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ) هذا تنعيم

للمؤمن وتعذيب للكافر [2867] قوله (حادث بِهِ بَغْلَتُهُ) أَيْ مَالَتْ عَنِ الطَّرِيقِ وَنَفَرَتْ وقرع النعال

وخفقها هو ضربها وَصَوْتُهَا فِيهَا [2870] قَوْلُهُ (مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ) يَعْنِي بِالرَّجُلِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا يَقُولُهُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ التى ليس فيها تعظيم امتحانا للمسؤل لِئَلَّا يَتَلَقَّنَ تَعْظِيمَهُ مِنْ عِبَارَةِ السَّائِلِ ثُمَّ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [2870] قَوْلُهُ (يُفْسَحُ لَهُ فى قبره ويملأ عليه خضراالى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) الْخَضِرُ ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ وَالثَّانِي بِضَمِّ

الْخَاءِ وَفَتْحِ الضَّادِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَمَعْنَاهُ يمْلَأُ نِعَمًا غَضَّةً نَاعِمَةً وَأصْلُهُ مِنْ خَضِرَةِ الشَّجَرِ هَكَذَا فَسَّرُوهُ قَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْفَسْحُ لَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُ يُرْفَعُ عن بصره ما يجاوره من الحجب الكثيفة بحيث لاتناله ظلمة القبر ولاضيقة إِذَا رُدَّتْ إِلَيْهِ رُوحُهُ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ضَرْبِ الْمَثَلِ وَالِاسْتِعَارَةِ لِلرَّحْمَةِ وَالنَّعِيمِ كَمَا يُقَالُ سَقَى اللَّهُ قَبْرَهُ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[2872] قَوْلُهُ فِي رُوحِ الْمُؤْمِنِ (ثُمَّ يَقُولُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الْأَجَلِ ثُمَّ قَالَ فِي رُوحِ الْكَافِرِ فَيُقَالُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الْأَجَلِ) قَالَ الْقَاضِي الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ انْطَلِقُوا بِرُوحِ الْمُؤْمِنِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَالْمُرَادُ بِالثَّانِي انْطَلِقُوا بِرُوحِ الْكَافِرِ إِلَى سِجِّينٍ فَهِيَ مُنْتَهَى الْأَجَلِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ إِلَى انْقِضَاءِ أَجَلِ الدُّنْيَا قَوْلُهُ (فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَيْطَةً كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ) الرَّيْطَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَهُوَ ثَوْبٌ رَقِيقٌ وَقِيلَ هِيَ الْمُلَاءَةُ وَكَانَ سَبَبُ رَدِّهَا عَلَى الْأَنْفِ بِسَبَبِ مَا ذَكَرَ مِنْ نَتْنِ رِيحِ رُوحِ الْكَافِرِ [2873] قَوْلُهُ (حَدِيدُ الْبَصَرِ) بِالْحَاءِ أَيْ نَافِذُهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ قوله

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظَّاهِرَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلَى بدر (ماأنتم بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ) قَالَ الْمَازِرِيُّ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ الْمَيِّتُ يَسْمَعُ عَمَلًا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ أَنْكَرَهُ الْمَازِرِيُّ وَادَّعَى أَنَّ هَذَا خَاصٌّ فِي هَؤُلَاءِ وَرَدَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضُ وَقَالَ يُحْمَلُ سَمَاعُهُمْ عَلَى مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ سَمَاعُ الْمَوْتَى فِي أَحَادِيثَ عَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَتِهِ التى لامدفع لَهَا وَذَلِكَ بِإِحْيَائِهِمْ أَوْ إِحْيَاءِ جُزْءٍ مِنْهُمْ يَعْقِلُونَ بِهِ وَيَسْمَعُونَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُ اللَّهُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ أَحَادِيثُ

السَّلَامِ عَلَى الْقُبُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [2874] قَوْلُهُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَسْمَعُوا وَأَنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا) هَكَذَا هُوَ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ كَيْفَ يَسْمَعُوا وَأَنَّى يُجِيبُوا مِنْ غَيْرِ نُونٍ وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةَ الِاسْتِعْمَالِ وَسَبَقَ بَيَانُهَا مَرَّاتٍ وَمِنْهَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ فِي كتاب الايمان لاتدخلوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَقَوْلُهُ جَيَّفُوا أَيْ أَنْتَنُوا وَصَارُوا جِيَفًا يُقَالُ جَيَّفَ الْمَيِّتُ وَجَافَ وَأَجَافَ وَأَرْوَحَ وَأَنْتَنَ بِمَعْنًى قَوْلُهُ (فَسُحِبُوا فَأُلْقُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ الْقَلِيبُ وَالطَّوِيُّ بِمَعْنًى وَهِيَ الْبِئْرُ الْمَطْوِيَّةُ بِالْحِجَارَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا السَّحْبُ إلى القليب ليس دفنا لهم ولاصيانة وَحُرْمَةً بَلْ لِدَفْعِ رَائِحَتِهِمُ الْمُؤْذِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

بَاب إِثْبَاتِ الْحِسَابِ [2876] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذِّبَ) معنى نوقش استقصى عليه قال الْقَاضِي وَقَوْلُهُ عُذِّبَ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ نَفْسَ الْمُنَاقَشَةِ وَعَرْضَ الذُّنُوبِ وَالتَّوْقِيفَ عَلَيْهَا هُوَ التَّعْذِيبُ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّوْبِيخِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُفْضٍ إِلَى الْعَذَابِ بِالنَّارِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ

(باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت [2877] قوله

فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى هَلَكَ مَكَانَ عُذِّبَ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ التَّقْصِيرَ غَالِبٌ فِي الْعِبَادِ فَمَنِ اُسْتُقْصِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُسَامَحْ هَلَكَ وَدَخَلَ النَّارَ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْفُو وَيَغْفِرُ مَا دُونَ الشِّرْكِ لِمَنْ يَشَاءُ قَوْلُهُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ) هَذَا مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَقَالَ اختلف العلماء عن بن أَبِي مُلَيْكَةَ فَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ عَائِشَةَ وَرُوِيَ عَنْهُ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْهَا وَهَذَا اسْتِدْرَاكٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ الْقَاسِمِ عن عائشة وسمعه أيضا منها بلاواسطة فرواه بالوجهين وقد سبقت نظائر هذا (باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت [2877] قوله صلى الله عليه وسلم (لايموتن أحدكم الاوهو يحسن بالله الظن) وفى رواية الاوهو يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا تَحْذِيرٌ مِنَ الْقُنُوطِ وَحَثٌّ عَلَى الرَّجَاءِ عِنْدَ الْخَاتِمَةِ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ)

قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ يَرْحَمُهُ وَيَعْفُو عَنْهُ قَالُوا وَفِي حَالَةِ الصِّحَّةِ يَكُونُ خَائِفًا رَاجِيًا وَيَكُونَانِ سَوَاءً وَقِيلَ يَكُونُ الْخَوْفُ أَرْجَحَ فَإِذَا دَنَتْ أَمَارَاتُ الْمَوْتِ غَلَّبَ الرَّجَاءَ أَوْ مَحْضَهُ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْخَوْفِ الِانْكِفَافُ عَنِ الْمَعَاصِي وَالْقَبَائِحِ وَالْحِرْصُ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْأَعْمَالِ وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ أَوْ مُعْظَمُهُ فِي هَذَا الْحَالِ فَاسْتُحِبَّ إِحْسَانُ الظَّنِّ الْمُتَضَمِّنُ لِلِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِذْعَانِ لَهُ وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ بعث كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ وَلِهَذَا عَقَّبَهُ مُسْلِمٌ لِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ يُبْعَثُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا وَمِثْلُهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ بَعْدَهُ ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى نِيَّاتِهِمْ

كتاب الفتن وأشراط الساعة

( كتاب الفتن وأشراط الساعة) قوله في رواية بن أبى شيبة وسعيد بن عمرو وزهير وبن أَبِي عُمَرَ (عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ حَبِيبَةَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ) جَحْشٍ هَذَا الْإِسْنَادُ اجْتَمَعَ فِيهِ أَرْبَعُ صَحَابِيَّاتِ زَوْجَتَانِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وربيبتان له بعضهن عن بعض ولايعلم حَدِيثٌ اجْتَمَعَ فِيهِ أَرْبَعُ صَحَابِيَّاتٍ بَعْضِهِنَّ عَنْ بَعْضٍ غَيْرَهُ وَأَمَّا اجْتِمَاعُ أَرْبَعَةِ صَحَابَةٍ أَوْ أَرْبَعَةِ تَابِعِيِّينَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ فَوَجَدْتُ مِنْهُ أَحَادِيثَ قَدْ جَمَعْتُهَا فِي جُزْءٍ وَنَبَّهْتُ فِي هذا الشرح على ما مر مِنْهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَحَبِيبَةُ هَذِهِ هِيَ بِنْتُ أُمِّ حَبِيبَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ وَلَدَتْهَا مِنْ زَوْجِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ الَّذِي كَانَتْ عِنْدَهُ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2880] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَعَقَدَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ عَشَرَةً

هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ ووقع بعدهفي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَهُ وَعَقَدَ وُهَيْبٌ بِيَدِهِ تِسْعِينَ فَأَمَّا رِوَايَةُ سُفْيَانَ وَيُونُسَ فَمُتَّفِقَتَانِ فِي الْمَعْنَى وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمُخَالِفَةٌ لَهُمَا لِأَنَّ عَقْدَ التِّسْعِينَ أَضْيَقُ مِنَ الْعَشَرَةِ قَالَ الْقَاضِي لَعَلَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مُتَقَدِّمٌ فَزَادَ قَدْرَ الْفَتْحِ بَعْدَ هَذَا القدر قال أو يكون المراد التقريب بالتمثيل لاحقيقة التَّحْدِيدِ وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ غَيْرُ مَهْمُوزَيْنِ وَمَهْمُوزَانِ قُرِئَ فِي السَّبْعِ بِالْوَجْهَيْنِ الْجُمْهُورُ بِتَرْكِ الْهَمْزِ قَوْلُهُ (أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ) قَالَ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالْبَاءِ وَفَسَّرَهُ الْجُمْهُورُ بِالْفُسُوقِ والفجور وقيل المراد الزنى خاصة وقيل أولاد الزنى والظاهر أنه المعاصى مطلقا ويهلك بِكَسْرِ اللَّامِ عَلَى اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ وَحُكِيَ فتحها وهو ضعيف اوفاسد

وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْخَبَثَ إِذَا كَثُرَ فَقَدْ يَحْصُلُ الْهَلَاكُ الْعَامُّ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ صَالِحُونَ [2882] قَوْلُهُ (دَخَلَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَسَأَلَاهَا عَنْ الْجَيْشِ الَّذِي يُخْسَفُ بِهِ وكان ذلك فى أيام بن الزُّبَيْرِ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْكَتَّانِيُّ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ تُوُفِّيَتْ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَتَيْنِ سنة تسع وخمسين ولم تدرك أيام بن الزُّبَيْرِ قَالَ الْقَاضِي قَدْ قِيلَ إِنَّهَا تُوُفِّيَتْ أَيَّامَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِي أَوَّلِهَا فَعَلَى هذايستقيم

ذكرها لأن بن الزُّبَيْرِ نَازَعَ يَزِيدَ أَوَّلَ مَا بَلَغَتْهُ بَيْعَتُهُ عِنْدَ وَفَاةِ مُعَاوِيَةَ ذَكَرَ ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَمِمَّنْ ذَكَرَ وَفَاةَ أُمِّ سَلَمَةَ أَيَّامَ يَزِيدَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ بَعْدَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصَةَ وَقَالَ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ يُسَمِّهَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هِيَ عَائِشَةُ قَالَ ورواه سالم بن أَبِي الْجَعْدِ عَنْ حَفْصَةَ أَوْ أُمِّ سَلَمَةَ وَقَالَ وَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَهُوَ أَيْضًا مَحْفُوظٌ عَنْ حَفْصَةَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَمِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ تُوُفِّيَتْ أَيَّامَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ) وَفِي رِوَايَةٍ ببيداء المدينة قال العلماء كل أرض ملساء لاشىء بِهَا وَبَيْدَاءُ الْمَدِينَةِ الشَّرَفُ الَّذِي قُدَّامَ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَيْ إِلَى جِهَةِ مَكَّةَ [2883] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيَؤُمَّنَّ هَذَا الْبَيْتَ جَيْشٌ) أَيْ يَقْصِدُونَهُ قَوْلُهُ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ) هِيَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا أَيْ لَيْسَ لَهُمْ مَنْ يَجْمَعُهُمْ وَيَمْنَعُهُمْ قَوْلُهُ عَنْ (عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَيُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ هو بفتح الهاء غيره مَصْرُوفٍ [2884] قَوْلُهُ (عَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامِهِ) هُوَ بِكَسْرِ الْبَاءِ قيل معناه اضطرب بجسمه وقيل

حَرَّكَ أَطْرَافَهُ كَمَنْ يَأْخُذُ شَيْئًا أَوْ يَدْفَعُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِيهِمُ الْمُسْتَبْصِرُ والمجبور وبن السَّبِيلِ يَهْلِكُونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى وَيَبْعَثُهُمُ اللَّهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ) أَمَّا الْمُسْتَبْصِرُ فَهُوَ الْمُسْتَبِينُ لِذَلِكَ الْقَاصِدُ لَهُ عَمْدًا وَأَمَّا الْمَجْبُورُ فَهُوَ الْمُكْرَهُ يُقَالُ أَجْبَرْتُهُ فَهُوَ مُجْبَرٌ هَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَيُقَالُ أَيْضًا جَبَرْتُهُ فَهُوَ مَجْبُورٌ حَكَاهَا الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ وَجَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى هذه اللغة وأما بن السَّبِيلِ فَالْمُرَادُ بِهِ سَالِكُ الطَّرِيقِ مَعَهُمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ وَيَهْلِكُونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا أَيْ يَقَعُ الْهَلَاكُ فِي الدُّنْيَا عَلَى جَمِيعِهِمْ وَيَصْدُرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَصَادِرَ شَتَّى أَيْ يُبْعَثُونَ مُخْتَلِفِينَ عَلَى قَدْرِ نِيَّاتِهِمْ فَيُجَازَوْنَ بِحَسَبِهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ التَّبَاعُدُ مِنْ أَهْلِ الظُّلْمِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ مُجَالَسَتِهِمْ وَمُجَالَسَةِ الْبُغَاةِ وَنَحْوِهِمْ مِنَ الْمُبْطِلِينَ لِئَلَّا يَنَالَهُ مَا يُعَاقَبُونَ بِهِ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُهُمْ فِي ظاهر عقوبات الدنيا [2885] قوله (إن النبي صلى الله عليه وسلم أَشْرَفَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ قَالَ هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى إِنِّي لَأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ) الْأُطُمُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالطَّاءِ هُوَ الْقَصْرُ وَالْحِصْنُ وَجَمْعُهُ آطام ومعنى أشرف علاوارتفع وَالتَّشْبِيهُ بِمَوَاقِعِ الْقَطْرِ

فِي الْكَثْرَةِ وَالْعُمُومِ أَيْ إِنَّهَا كَثِيرَةٌ وَتَعُمُّ الناس لاتختص بِهَا طَائِفَةٌ وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى الْحُرُوبِ الْجَارِيَةِ بَيْنَهُمْ كَوَقْعَةِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ وَالْحَرَّةِ وَمَقْتَلِ عُثْمَانَ وَمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَفِيهِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2886] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ وَمَنْ وجد منها ملجأ فليعذبه) وَفِي رِوَايَةٍ سَتَكُونُ فِتْنَةٌ النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْيَقْظَانِ وَالْيَقْظَانُ فِيهَا خَيْرٌ

مِنَ الْقَائِمِ أَمَّا تَشَرَّفَ فَرُوِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ مَشْهُورَيْنِ أَحَدُهُمَا بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَالشِّينِ وَالرَّاءِ والثانى يشرف بضم الياء واسكان الشين وكسرالراء وَهُوَ مِنَ الْإِشْرَافِ لِلشَّيْءِ وَهُوَ الِانْتِصَابُ وَالتَّطَلُّعُ إِلَيْهِ وَالتَّعَرُّضُ لَهُ وَمَعْنَى تَسْتَشْرِفْهُ تَقْلِبْهُ وَتَصْرَعْهُ وَقِيلَ هُوَ مِنَ الْإِشْرَافِ بِمَعْنَى الْإِشْفَاءِ عَلَى الْهَلَاكِ وَمِنْهُ أَشْفَى الْمَرِيضُ عَلَى الْمَوْتِ وَأَشْرَفَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ وَجَدَ منها ملجأ أى عاصما وموضعا يلتجىء إليه ويعتزل فليعذبه أى فَلْيَعْتَزِلْ فِيهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ إِلَى آخِرِهِ فَمَعْنَاهُ بَيَانُ عَظِيمِ خَطَرِهَا وَالْحَثُّ عَلَى تجنبها والهرب منها ومن التثبث فِي شَيْءٍ وَأَنَّ شَرَّهَا وَفِتْنَتَهَا يَكُونُ عَلَى حَسَبِ التَّعَلُّقِ بِهَا [2887] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (يعمد على سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ) قِيلَ الْمُرَادُ كَسْرُ السَّيْفِ حَقِيقَةً عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ لِيَسُدَّ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ

هَذَا الْقِتَالِ وَقِيلَ هُوَ مَجَازٌ وَالْمُرَادُ تَرْكُ الْقِتَالِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَالْأَحَادِيثُ قَبْلَهُ وبعده مما يحتج به من لايرى الْقِتَالَ فِي الْفِتْنَةِ بِكُلِّ حَالٍ وَقَدْ اخْتَلَفَ العلماء فى قتال الفتنة فقالت طائفة لايقاتل فِي فِتَنِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ دَخَلُوا عَلَيْهِ بَيْتَهُ وَطَلَبُوا قَتْلَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمُدَافَعَةُ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ الطَّالِبَ مُتَأَوِّلٌ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي بَكْرَةَ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ وَقَالَ بن عُمَرَ وَعِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وغيرهما لايدخل فِيهَا لَكِنْ إِنْ قُصِدَ دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ فَهَذَانِ الْمَذْهَبَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى تَرْكِ الدُّخُولِ فِي جَمِيعِ فِتَنِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ مُعْظَمُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعَامَّةِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ يَجِبُ نَصْرُ الْمُحِقِّ فِي الْفِتَنِ وَالْقِيَامُ مَعَهُ بِمُقَاتَلَةِ الْبَاغِينَ كَمَا قَالَ تعالى فقاتلوا التى تبغى الْآيَةَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَتُتَأَوَّلُ الْأَحَادِيثُ عَلَى مَنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ المُحِقُّ أَوْ عَلَى طائفتين ظالمتين لاتأويل لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُونَ لَظَهَرَ الْفَسَادُ وَاسْتَطَالَ أَهْلُ الْبَغْيِ وَالْمُبْطِلُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [2888] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ) مَعْنَى تَوَاجَهَا ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ وَجْهَ صَاحِبِهِ أَيْ ذَاتَهُ وَجُمْلَتَهُ وَأَمَّا كَوْنُ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لاتأويل لَهُ وَيَكُونُ قِتَالُهُمَا عَصَبِيَّةً وَنَحْوَهَا ثُمَّ كَوْنُهُ فِي النَّارِ مَعْنَاهُ مُسْتَحِقٌّ لَهَا وَقَدْ يُجَازَى بِذَلِكَ وَقَدْ يَعْفُو اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ وَقَدْ سَبَقَ تَأْوِيلُهُ مَرَّاتٍ وَعَلَى هَذَا يُتَأَوَّلُ كُلُّ مَا جَاءَ مِنْ نَظَائِرِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الدِّمَاءَ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَيْسَتْ بِدَاخِلَةٍ فِي هَذَا الْوَعِيدِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَقُّ إِحْسَانُ الظَّنِّ بِهِمْ وَالْإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ وَتَأْوِيلُ قِتَالِهِمْ وَأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ مُتَأَوِّلُونَ لَمْ يَقْصِدُوا مَعْصِيَةً ولامحض الدُّنْيَا بَلِ اعْتَقَدَ كُلُّ فَرِيقٍ أَنَّهُ الْمُحِقُّ وَمُخَالِفُهُ بَاغٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِ قِتَالُهُ لِيَرْجِعَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ وَكَانَ بَعْضُهُمْ مُصِيبًا وَبَعْضُهُمْ مُخْطِئًا مَعْذُورًا فِي الْخَطَأِ لِأَنَّهُ لِاجْتِهَادٍ وَالْمُجْتَهِدُ إِذَا أَخْطَأَ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ الْمُحِقُّ الْمُصِيبُ فِي تِلْكِ الْحُرُوبِ هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَكَانَتِ الْقَضَايَا مُشْتَبِهَةٌ حَتَّى إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ تَحَيَّرُوا فِيهَا فَاعْتَزَلُوا الطَّائِفَتَيْنِ وَلَمْ يُقَاتِلُوا وَلَمْ يَتَيَقَّنُوا الصَّوَابَ ثُمَّ تَأَخَّرُوا عَنْ مُسَاعَدَتِهِ مِنْهُمْ قَوْلُهُ (أرأريت إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ فَضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ أَوْ يَجِيءُ سَهْمٌ فَيَقْتُلنِي قَالَ يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ وَيَكُونُ مِنْ أصحاب النار)

مَعْنَى يَبُوءُ بِهِ يَلْزَمُهُ وَيَرْجِعُ وَيَحْتَمِلُهُ أَيْ يَبُوءُ الَّذِي أَكْرَهَكَ بِإِثْمِهِ فِي إِكْرَاهِكِ وَفِي دُخُولِهِ فِي الْفِتْنَةِ وَبِإِثْمِكَ فِي قَتْلِكِ غَيْرَهُ ويكون أصحاب النار أى مستحقالها وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ رَفْعُ الْإِثْمِ عَنِ الْمُكْرَهِ على الحضور هناك وأما القتل فال يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ بَلْ يَأْثَمُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِيهِ الاجماع قال أصحابنا وكذا الاكراه على الزنى لايرفع الْإِثْمُ فِيهِ هَذَا إِذَا أُكْرِهَتِ الْمَرْأَةُ حَتَّى مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا فَأَمَّا إِذَا رُبِطَتْ وَلَمْ يُمْكِنْهَا مُدَافَعَتَهُ فَلَا إِثْمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الْمَقْتُولَ فِي النَّارِ لِأَنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبَهُ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ مَنْ نَوَى الْمَعْصِيَةَ وَأَصَرَّ عَلَى النِّيَّةِ يَكُونُ آثِمًا وان لم يفعلها ولاتكلم وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَهُمَا عَلَى جُرُفِ جَهَنَّمَ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ جُرُفِ بِالْجِيمِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا وَفِي بَعْضِهَا حَرْفِ بِالْحَاءِ وَهُمَا مُتَقَارِبَتَانِ وَمَعْنَاهُ عَلَى طَرَفِهَا قَرِيبٌ مِنَ السُّقُوطِ فِيهَا قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا غُنْدَرُ عَنْ شعبة ح وحدثنا بن مثنى وبن بَشَّارٍ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادِهِ مَرْفُوعًا هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ لَمْ يَرْفَعْهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فَإِنَّ شُعْبَةَ

إِمَامٌ حَافِظٌ فَزِيَادَتُهُ الرَّفْعَ مَقْبُولَةٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لاتقوم السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ) هَذَا مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَقَدْ جَرَى هَذَا فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ [2889] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ قَدْ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وان أمتى سيبلغ ملكها مازوى لِي مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ) أَمَّا زُوِيَ فَمَعْنَاهُ جُمِعَ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ مُعْجِزَاتٌ ظَاهِرَةٌ وَقَدْ وَقَعَتْ كُلُّهَا بِحَمْدِ اللَّهِ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِالْكَنْزَيْنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمُرَادُ كَنْزَيْ كسرى وقيصر ملكى العراق الشام فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مُلْكَ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَكُونُ مُعْظَمُ امْتِدَادِهِ فِي جِهَتَيِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَهَكَذَا وَقَعَ وَأَمَّا فِي جِهَتَيِ الْجَنُوبِ وَالشِّمَالِ فَقَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَصَلَوَاتُ اللَّهِ وسلامه على رسوله الصادق الذى لاينطق عن الهوى ان هو الاوحى يُوحَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَسْتَبِيحَ بيضتهم) أى جماعتهم وأصلهم والبيضه

أيضا العزو الملك قَوْلُهُ (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أن لاأهلكهم بسنة عامة) أى لاأهلكهم بِقَحْطٍ يَعُمُّهُمْ بَلْ إِنْ وَقَعَ قَحْطٌ فَيَكُونُ فِي نَاحِيَةٍ يَسِيرَةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ عَلَى جَمِيعِ نِعَمِهِ [2890] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ

إِلَى آخِرِهِ) هَذَا أَيْضًا مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَةِ [2892] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ) أَمَّا عِلْبَاءُ فَبِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ لَامٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ ألف ممدودة وأحمر آخِرُهُ رَاءٌ وَأَبُو زَيْدٍ هُوَ عَمْرُو بْنُ أخطب بالخاء المعجمة الصحابى المشهور [144] قَوْلُهُ (عَنْ حُذَيْفَةَ كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَذَكَرَ حَدِيثَ الْفِتْنَةِ) وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْإِيمَانِ [2893] قَوْلُهُ (قال جندب

جئت يوم الجرعة فاذارجل جَالِسٌ) الْجَرَعَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ وَأَجْوَدُ وَهِيَ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْكُوفَةِ عَلَى طَرِيقِ الْحِيرَةِ وَيَوْمُ الْجَرَعَةِ يَوْمٌ خَرَجَ فِيهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ يَتَلَقَّوْنَ وَالِيًا وَلَّاهُ عَلَيْهِمْ عُثْمَانَ فَرَدُّوهُ وَسَأَلُوا عُثْمَانَ أَنْ يُوَلِّيَ عَلَيْهِمْ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ فَوَلَّاهُ قَوْلُهُ (بِئْسَ الْجَلِيسُ لِي أَنْتَ مُنْذُ الْيَوْمَ تَسْمَعُنِي أُخَالِفُكَ) وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا الْمُعْتَمَدَةِ أُخَالِفُكَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَقَالَ الْقَاضِي رِوَايَةُ شُيُوخِنَا كَافَّةً بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْحَلِفِ الَّذِي هُوَ الْيَمِينُ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْمُعْجَمَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَالَ لَكِنَّ المهملة أظهر لتكرر الايمان بينهما [2894] قوله صلى الله عليه وسلم (لاتقوم السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَكَسْرِ السين

أَيْ يَنْكَشِفُ لِذَهَابِ مَائِهِ [2895] قَوْلُهُ (فِي ظِلِّ أُجُمِ حَسَّانَ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْجِيمِ وَهُوَ الْحِصْنُ وَجَمْعُهُ آجَامُ كَأُطُمٍ وَآطَامُ فِي الْوَزْنِ والمعنى قوله (لايزال النَّاسُ مُخْتَلِفَةٌ أَعْنَاقُهُمْ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِالْأَعْنَاقِ هُنَا الرُّؤَسَاءُ وَالْكُبَرَاءُ وَقِيلَ الْجَمَاعَاتُ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ يَكُونُ

الْمُرَادُ بِالْأَعْنَاقِ نَفْسَهَا وَعَبَّرَ بِهَا عَنْ أَصْحَابِهَا لاسيما وَهِيَ الَّتِي بِهَا التَّطَلُّعُ وَالتَّشَوُّفُ لِلْأَشْيَاءِ [2896] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا وَمَنَعَتِ الشَّامُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا وَمَنَعَتْ مِصْرُ أَرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ) أَمَّا الْقَفِيزُ فَمِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هو ثمانية مكاكيك والمكوك صاع ونصف وهوخمس كَيْلَجَاتٍ وَأَمَّا الْمُدْيُ فَبِضَمِّ الْمِيمِ عَلَى وَزْنِ قُفْلِ وَهُوَ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ لِأَهْلِ الشَّامِ قَالَ الْعُلَمَاءُ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ مَكُّوكًا وَأَمَّا الْإِرْدَبُّ فَمِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ لِأَهْلِ مِصْرَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ يَسَعُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ صَاعًا وَفِي مَعْنَى مَنَعَتِ الْعِرَاقُ وَغَيْرِهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ أَحَدُهُمَا لِإِسْلَامِهِمْ فَتَسْقُطُ عَنْهُمُ الْجِزْيَةُ وَهَذَا قَدْ وُجِدَ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَشْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَجَمَ وَالرُّومَ يَسْتَوْلُونَ عَلَى الْبِلَادِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَيَمْنَعُونَ حُصُولَ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ هَذَا بَعْدَ هذا بورقات عن جابر قال يوشك أن لايجىء اليهم قفيز ولادرهم قُلْنَا مِنْ أَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِنْ قِبَلِ الْعَجَمِ يَمْنَعُونَ ذَاكَ وَذَكَرَ فِي مَنْعِ الرُّومِ ذَلِكَ بِالشَّامِ مِثْلَهُ وَهَذَا قَدْ وُجِدَ فِي زَمَانِنَا فِي الْعِرَاقِ وَهُوَ الْآنَ مَوْجُودٌ وَقِيلَ لانهم يرتدون فى آخر الزمان فيمنعون مالزمهم مِنَ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْكُفَّارَ الَّذِينَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةُ تَقْوَى

شَوْكَتُهُمْ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَيَمْتَنِعُونَ مِمَّا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ مِنَ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ فَهُوَ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ الْآخَرِ بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لاتقوم السَّاعَةُ حَتَّى تَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ) الْأَعْمَاقُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَدَابِقُ بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْجُمْهُورُ غَيْرَهُ وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ الْفَتْحَ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ وَهُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ مَعْرُوفٍ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْأَغْلَبُ عَلَيْهِ التَّذْكِيرُ وَالصَّرْفُ لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ اسْمُ نَهْرٍ قَالَ وقد يؤنث ولا يصرف والاعماق وَدَابِقُ مَوْضِعَانِ بِالشَّامِ بِقُرْبِ حَلَبَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَتِ الرُّومُ خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سُبُوا مِنَّا) رُوِيَ سُبُوا عَلَى وَجْهَيْنِ فَتْحِ السِّينِ وَالْبَاءِ وَضَمِّهِمَا قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ الضَّمُّ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ قَالَ وَهُوَ الصَّوَابُ قُلْتُ كِلَاهُمَا صَوَابٌ لِأَنَّهُمْ سُبُوا أَوَّلًا ثم سبوا الكفار وهذاموجود فِي زَمَانِنَا بَلْ مُعْظَمُ عَسَاكِرِ الْإِسْلَامِ فِي بِلَادِ الشَّامِ وَمِصْرَ سُبُوا ثُمَّ هُمُ الْيَوْمَ بحمدالله يَسْبُونَ الْكُفَّارَ وَقَدْ سَبَوْهُمْ فِي زَمَانِنَا مِرَارًا كَثِيرَةً يَسْبُونَ فِي الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ الْكُفَّارِ أُلُوفًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى إِظْهَارِ الْإِسْلَامِ وَإِعْزَازِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لايتوب الله عليهم) أى لايلهمهم التَّوْبَةَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ) هِيَ بِضَمِّ الْقَافِ وَإِسْكَانِ السِّينِ وَضَمِّ الطَّاءِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ نُونٌ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَنَقَلَهُ القاضي فى المشارق عن المتقين والأكثرين وعن

بَعْضِهِمْ زِيَادَةُ يَاءٍ مُشَدَّدَةٍ بَعْدَ النُّونِ وَهِيَ مدينة مشهورة من أعظم مدائن الروم [2897] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا وَقِيلَ بِالْفَتْحِ اسْمٌ لَهُ وَبِالضَّمِّ لَقَبٌ وَكَانَ يَكْرَهُ الضَّمَّ قَوْلُهُ حَدَّثَنِي أَبُو شُرَيْحٍ أَنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ أَنَّ الْمُسْتَوْرِدَ

بْنَ شَدَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ) هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ وَقَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ لَمْ يُدْرِكِ المستورد فالحديث مرسل قلت لااستدراك عَلَى مُسْلِمٍ فِي هَذَا لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْحَدِيثَ مَحْذُوفَهُ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ مُتَّصِلًا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الثَّانِي مُتَابَعَةً وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي الْمُتَابَعَةِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الْأُصُولِ وَسَبَقَ أَيْضًا أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَالْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ إِذَا رُوِيَ مِنْ جِهَةٍ أخرى متصلااحتج بِهِ وَكَانَ صَحِيحًا وَتَبَيَّنَّا بِرِوَايَةِ الِاتِّصَالِ صِحَّةَ رِوَايَةِ الْإِرْسَالِ وَيَكُونَانِ صَحِيحَيْنِ بِحَيْثُ لَوْ عَارَضَهُمَا صَحِيحٌ جَاءَ مِنْ طَرِيقٍ وَاحِدٍ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ قدمنا هما عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ (وَأَجْبَرُ النَّاسِ عِنْدَ مُصِيبَةٍ) هَكَذَا فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ وَأَجْبَرُ بِالْجِيمِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ وَفِي رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ وَأَصْبَرُ بِالصَّادِ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِمُطَابَقَةِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ وَهَذَا بِمَعْنَى أَجْبَرَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَخْبَرُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ

ولعل معناه أخبرهم بعلاجها والخروج منها [2899] قَوْلُهُ (عَنْ يُسَيْرِ بْنِ عَمْرٍو) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخٍ عَنْ أُسَيْرِ بِهَمْزَةٍ مَضْمُومَةٍ وَهُمَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي اسْمِهِ [2899] قَوْلُهُ (فَجَاءَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ هِجِّيرَى إِلَّا يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَالْجِيمِ الْمُشَدَّدَةِ مَقْصُورُ الْأَلِفِ أَيْ شَأْنُهُ وَدَأْبُهُ ذَلِكَ وَالْهِجِّيرَى بِمَعْنَى الْهَجِيرِ قَوْلُهُ (فَيَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ) الشُّرْطَةُ بِضَمِّ الشِّينِ طَائِفَةٌ مِنَ الْجَيْشِ تُقَدَّمُ لِلْقِتَالِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَيَشْتَرِطُ فَضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا فَيَشْتَرِطُ بِمُثَنَّاةٍ تَحْتُ ثُمَّ شِينٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ وَالثَّانِي فَيَشْتَرَّطُ بِمُثَنَّاةٍ تَحْتُ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ ثُمَّ شِينٍ مَفْتُوحَةٍ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ قَوْلُهُ (فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ) أَيْ يَرْجِعُ قَوْلُهُ (نَهَدَ إِلَيْهِمْ بَقِيَّةُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ) هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْهَاءِ أَيْ نَهَضَ وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ (فَيَجْعَلُ اللَّهُ الدَّيْرَةَ عَلَيْهِمْ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَالْيَاءِ

أَيِ الْهَزِيمَةَ وَرَوَاهُ بَعْضُ رُوَاةِ مُسْلِمٍ الدَّائِرَةَ بِالْأَلِفِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَهُوَ بِمَعْنَى الدَّيْرَةِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الدَّائِرَةُ هُمُ الدَّوْلَةُ تَدُورُ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَقِيلَ هِيَ الْحَادِثَةُ قَوْلُهُ (حَتَّى إِنَّ الطَّائِرَ ليمر بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخرميتا) جَنَبَاتِهِمْ بِجِيمٍ ثُمَّ نُونٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ أَيْ نَوَاحِيهِمْ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ رُوَاتِهِمْ بِجُثْمَانِهِمْ بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ شُخُوصِهِمْ وَقَوْلُهُ فَمَا يَخَلِّفُهُمْ هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ يُجَاوِزُهُمْ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ رُوَاتِهِمْ فَمَا يَلْحَقُهُمْ أَيْ يلحق

آخِرَهُمْ وَقَوْلُهُ (إِذْ سَمِعُوا بِبَأْسٍ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا بِبَأْسٍ هُوَ أَكْبَرُ بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ فِي بَأْسِ وَفِي أَكْبَرِ وَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ مُحَقِّقِي رُوَاتِهِمْ وَعَنْ بَعْضِهِمْ بِنَاسٍ بِالنُّونِ أَكْثَرُ بِالْمُثَلَّثَةِ قَالُوا وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ سمعوا بأمر أكبر من ذلك [2900] قَوْلُهُ لَا يَغْتَالُونَهُ أَيْ يَقْتُلُونَهُ غِيلَةً وَهِيَ الْقَتْلُ فِي غَفْلَةٍ وَخَفَاءٍ وَخَدِيعَةٍ قَوْلُهُ (لَعَلَّهُ نُجِّيَ مَعَهُمْ) أَيْ يُنَاجِيهِمْ وَمَعْنَاهُ يُحَدِّثُهُمْ قَوْلُهُ (فَحَفِظْتُ مِنْهُ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ) هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ معجزات لرسول

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَبَقَ بَيَانُ جزيرة العرب قَوْلُهُ (عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ هُوَ بِفَتْحِ الهمزة وكسر السين [2901] قوله (عن بن عُيَيْنَةَ عَنْ فُرَاتٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ) هَذَا الْإِسْنَادُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ وَلَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ فُرَاتٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ قَالَ وَرَوَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ مَوْقُوفًا هَذَا كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ مسلم رواية بن رفيع موقوفة كما قال ولايقدح هَذَا فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ رُفَيْعٍ ثِقَةٌ حَافِظٌ مُتَّفَقٌ عَلَى تَوْثِيقِهِ فَزِيَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ (لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ فَذَكَرَ الدُّخَانَ وَالدَّجَّالَ) هَذَا الْحَدِيثُ يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّ الدُّخَانَ دُخَانٌ يَأْخُذُ بِأَنْفَاسِ الْكُفَّارِ وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنُ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ وَأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ وَإِنَّمَا يَكُونُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِ السَّاعَةِ وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ قَوْلُ مَنْ قَالَ هَذَا وانكار بن مَسْعُودٍ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا نَالَ قُرَيْشًا مِنَ الْقَحْطِ حَتَّى كَانُوا يَرَوْنَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ وَقَدْ وافق بن مسعود جماعة وقال بالقول الآخر حذيفة وبن عُمَرَ وَالْحَسَنُ وَرَوَاهُ حُذَيْفَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا دُخَانَانِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْآثَارِ وَأَمَّا الدَّابَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرض قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هِيَ دَابَّةٌ عَظِيمَةٌ تَخْرُجُ مِنْ صدع فى الصفا وعن

بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهَا الْجَسَّاسَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمِ) وَفِي رِوَايَةٍ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قُعْرَةِ عَدَنٍ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ قُعْرَةِ بِالْهَاءِ وَالْقَافُ مَضْمُومَةٌ وَمَعْنَاهُ مِنْ أَقْصَى قَعْرِ أَرْضِ عَدَنٍ وَعَدَنُ مَدِينَةٌ مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ بِالْيَمَنِ قَالَ الّمَاوَرْدِيُّ سُمِّيَتْ عَدَنًا مِنَ الْعُدُونِ وَهِيَ الْإِقَامَةُ لِأَنَّ تُبَّعًا كَانَ يَحْبِسُ فِيهَا أَصْحَابَ الْجَرَائِمَ وَهَذِهِ النَّارُ الْخَارِجَةُ مِنْ قَعْرِ عَدَنٍ وَالْيَمَنِ هِيَ الْحَاشِرَةُ لِلنَّاسِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الذى بعده لاتقوم السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى فَقَدْ جَعَلَهَا الْقَاضِي عياض حاشرة قال ولعلهما نَارَانِ يَجْتَمِعَانِ لِحَشْرِ النَّاسِ قَالَ أَوْ يَكُونُ أبتداءخروجها مِنَ الْيَمَنِ وَيَكُونُ ظُهُورُهَا وَكَثْرَةُ قُوَّتِهَا بِالْحِجَازِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ نَارَ الْحِجَازِ مُتَعَلِقَةٌ بِالْحَشْرِ بَلْ هِيَ آيَةٌ مِنْ أَشْرِاطِ السَّاعَةِ مُسْتَقِلَّةٌ وَقَدْ خَرَجَتْ فِي زَمَانِنَا نَارٌ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَكَانَتْ نَارًا عَظِيمَةً جِدًّا مِنْ جَنْبِ الْمَدِينَةِ الشَّرْقِيِّ وَرَاءَ الْحَرَّةِ تَوَاتَرَ الْعِلْمُ بِهَا عِنْدَ جَمِيعِ الشَّامِ وَسَائِرِ الْبُلْدَانِ وَأَخْبَرَنِي مَنْ حَضَرَهَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْحَاءِ المهملة قوله

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَرْحَلُ النَّاسَ) هُوَ بفتح التاء واسكان الراء وفتح الحاء المهملةالمخففة هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَهَكَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ وَكَذَا نَقَلَ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَتِهِمْ وَمَعْنَاهُ تَأْخُذُهُمْ بِالرَّحِيلِ وَتُزْعِجُهُمْ

وَيَجْعَلُونَ يَرْحَلُونَ قُدَّامَهَا وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ رَحْلِهَا الناس وحشرهم إياهم [2902] قوله صلى الله عليه وسلم (لاتقوم السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى) هَكَذَا الرِّوَايَةُ تُضِيءُ أَعْنَاقَ وَهُوَ مَفْعُولُ تُضِيءُ يُقَالُ أَضَاءَتِ النَّارُ وَأَضَاءَتْ غَيْرُهَا وَبُصْرَى بِضَمِّ الْبَاءِ مَدِينَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِالشَّامِ وَهِيَ مَدِينَةُ حُورَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دِمَشْقَ نَحْوُ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ [2903] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (تبلغ المساكن اهاب أويهاب) أَمَّا إِهَابُ فَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَأَمَّا يَهَابُ فَبِيَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتٌ مَفْتُوحَةٌ وَمَكْسُورَةٌ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي فى الشرح والمشارق

الاالكسر وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِهِمْ نَهَابَ بِالنُّونِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَمْيَالٍ مِنْهَا [2905] قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (الاان الفتنة ها هُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ [2904] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَتِ السَّنَةُ أَنْ لاتمطروا) وَالْمُرَادُ بِالسَّنَةِ هُنَا الْقَحْطُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين

[2906] قوله صلى الله عليه وسلم (لاتقوم السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ حَوْلَ ذى الخلصة

وَكَانَتْ صَنَمًا تَعْبُدُهَا دَوْسٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِتَبَالَةَ) أَمَّا قَوْلُهُ أَلَيَاتُ فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ وَمَعْنَاهُ أعجازهن جمع ألية كجفنة وجفنات والمراد يضطر بن مِنَ الطَّوَافِ حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ أَيْ يَكْفُرُونَ وَيَرْجِعُونَ إِلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَتَعْظِيمِهَا وَأَمَّا تَبَالَةُ فَبِمُثَنَّاةٍ فَوْقُ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مُخَفَّفَةٌ وَهِيَ مَوْضِعٌ بِالْيَمَنِ وَلَيْسَتْ تَبَالَةُ الَّتِي يُضْرَبُ بِهَا الْمَثَلُ وَيُقَالُ أَهْوَنُ عَلَى الْحُجَّاجِ مِنْ تَبَالَةَ لِأَنَّ تِلْكَ بِالطَّائِفِ وَأَمَّا ذُو الْخَلَصَةِ فَبِفَتْحِ الْخَاءِ وَاللَّامِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ حَكَى الْقَاضِي فِيهِ فِي الشَّرْحِ وَالْمَشَارِقِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا هَذَا وَالثَّانِي بِضَمِّ الْخَاءِ وَالثَّالِثُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ قَالُوا وَهُوَ بَيْتُ صَنَمٍ بِبِلَادِ دَوْسٍ [2907] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قوله

[2908] (حدثنا مروان عن يزيد وهو بْنِ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حديث لايدرى الْقَاتِلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ) وَفِي الرِّوَايَةِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبَانَ قَالَ هُوَ يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ لَمْ يَذْكُرِ الْأَسْلَمِيَّ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَيَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ هُوَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ وَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ ومراده وفى رواية بن أَبَانَ قَالَ عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ هُوَ يَزِيدُ بن كَيْسَانَ وَظَاهِرُ اللَّفْظِ يُوهِمُ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ كَيْسَانَ يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ وَهَذَا غَلَطٌ بَلْ يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ هُوَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ يَعْنِي أَبَا إِسْمَاعِيلَ وَهَذَا يُوَضِّحُ التَّأْوِيلَ الذى ذكرناه وقد أوضحه الْأَئِمَّةُ بِدَلَائِلِهِ كَمَا ذَكَرْتُهُ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ كَيْسَانَ

يُكَنَّى أَبَا إِسْمَاعِيلَ وَأَنَّ بَشِيرَ بْنَ سُلَيْمَانَ يُكَنَّى أَبَا إِسْمَاعِيلَ الْأَسْلَمِيَّ وَكِلَاهُمَا يَرْوِي عَنْ أَبِي حَازِمٍ فَقَدْ اشْتَرَكَا فِي أَحَادِيثَ عَنْهُ منها هذا الحديث رواه مسلم أولاعن يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ رِوَايَةِ أبى إسماعيل الأسلمى الافى رواية بن أَبَانَ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ أَبِي إِسْمَاعِيلَ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرِ الْأَسْلَمِيَّ فِي نَسَبِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [2909] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ) هُمَا تَصْغِيرُ سَاقَيِ الْإِنْسَانِ لِرِقَّتِهِمَا وَهِيَ صِفَةُ سوق السودان غالبا ولايعارض هذا قوله تعالى حرما آمنا لِأَنَّ مَعْنَاهُ آمِنًا إِلَى قُرْبِ الْقِيَامَةِ وَخَرَابِ الدُّنْيَا وَقِيلَ يُخَصُّ مِنْهُ قِصَّةُ ذِي

السُّوَيْقَتَيْنِ قَالَ الْقَاضِي الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ [2911] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَمْلِكُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْجَهْجَاهُ) بِهَاءَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا الْجَهْجَا بِحَذْفِ الْهَاءِ الَّتِي بَعْدَ الْأَلِفِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ [2912] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ) أَمَّا الْمَجَانُّ فَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ جَمْعُ مِجَنٍّ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ التُّرْسُ وَأَمَّا الْمُطْرَقَةُ فَبِإِسْكَانِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ هَذَا هُوَ الْفَصِيحُ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ وَفِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَحُكِي فَتْحُ الطَّاءِ وَتَشْدِيدُ الرَّاءِ وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ قَالَ الْعُلَمَاءُ هِيَ الَّتِي أُلْبِسَتِ الْعَقِبُ وَأَطْرَقَتْ بِهِ طَاقَةً فَوْقَ طَاقَةٍ قَالُوا وَمَعْنَاهُ تَشْبِيهُ وُجُوهِ التُّرْكِ فِي عَرْضِهَا وَتَنَوُّرِ وجناتها

بِالتِّرْسَةِ الْمُطْرَقَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ذُلْفَ الْآنُفِ) هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ لُغَتَانِ الْمَشْهُورُ الْمُعْجَمَةُ وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِيهِ صَاحِبَا المشارق والمطالع قالارواية الجمهور بالمعجمة وبعضهم بالمهملة والصواب الْمُعْجَمَةُ وَهُوَ بِضَمِّ الذَّالِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ جَمْعُ أَذْلَفَ كَأَحْمَرَ وَحُمْرٍ وَمَعْنَاهُ فُطْسُ الْأُنُوفِ قِصَارُهَا مَعَ انْبِطَاحٍ وَقِيلَ هُوَ غِلَظٌ فِي أَرْنَبَةِ الْأَنْفِ وَقِيلَ تَطَامُنٌ فِيهَا وَكُلُّهُ مُتَقَارِبٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَلْبَسُونَ الشَّعْرَ وَيَمْشُونَ فِي الشَّعْرِ) مَعْنَاهُ يَنْتَعِلُونَ الشَّعْرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى نِعَالُهُمِ الشَّعْرُ وَقَدْ وُجِدُوا فِي زَمَانِنَا هَكَذَا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى حُمْرُ الْوُجُوهِ أَيْ بِيضُ الْوُجُوهِ مَشُوبَةٌ بِحُمْرَةٍ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ صِغَارُ الْأَعْيُنِ وَهَذِهِ كُلُّهَا مُعْجِزَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ وُجِدَ قِتَالُ هَؤُلَاءِ التُّرْكِ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِمُ الَّتِي ذَكَرَهَا صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِغَارُ الْأَعْيُنِ حُمْرُ الْوُجُوهِ ذُلْفُ الْآنُفِ عِرَاضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ يَنْتَعِلُونَ الشَّعْرَ فَوُجِدُوا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ كُلِّهَا فِي زَمَانِنَا وَقَاتَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ مَرَّاتٍ وَقِتَالُهُمُ الْآنَ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْكَرِيمَ إِحْسَانَ الْعَاقِبَةِ لِلْمُسْلِمِينَ فِي أَمْرِهِمْ وَأَمْرِ غَيْرِهِمْ وَسَائِرِ أَحْوَالِهِمْ وَإِدَامَةِ اللُّطْفِ بِهِمْ وَالْحِمَايَةِ وَصَلَّى الله على رسوله الذى لاينطق عن الهوى ان هو الاوحى يُوحَى [2913] قَوْلُهُ (يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ لَا يَجِيءَ إِلَيْهِمْ قَفِيزٌ إِلَى آخِرِهِ) قَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ قَبْلَ هَذَا بِأَوْرَاقٍ وَيُوشِكُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَمَعْنَاهُ يُسْرِعُ قَوْلُهُ (ثُمَّ أَسْكَتَ هُنَيَّةً) أَمَّا أَسْكَتَ فَهُوَ بِالْأَلِفِ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُمْ رَوَوْهُ بِحَذْفِهَا وَإِثْبَاتِهَا وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الْأَكْثَرِينَ حَذَفُوهَا وَسَكَتَ وَأَسْكَتَ لُغَتَانِ بِمَعْنَى صَمَتَ وَقِيلَ أَسْكَتَ بِمَعْنَى أَطْرَقَ وَقِيلَ بِمَعْنَى أَعْرَضَ وَقَوْلُهُ هُنَيَّةً بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ بِلَا هَمْزٍ قَالَ الْقَاضِي رَوَاهُ لَنَا الصَّدَفِيُّ بِالْهَمْزَةِ وَهُوَ غَلَطٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي المال حثيا ولايعده عددا

وَفِي رِوَايَةٍ يَحْثُو الْمَالَ حَثْيًا قَالَ أَهْلُ اللغة يقال حثيت أحثى حثيا وحثوث أحثوا حَثْوًا لُغَتَانِ وَقَدْ جَاءَتِ اللُّغَتَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَجَاءَ مَصْدَرُ الثَّانِيَةِ عَلَى فِعْلِ الْأُولَى وَهُوَ جَائِزٌ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَاَللَّهُ أنبتكم من الأرض نباتا وانبت هُوَ الْحَفْنُ بِالْيَدَيْنِ وَهَذَا الْحَثْوُ الَّذِي يَفْعَلُهُ هَذَا الْخَلِيفَةُ يَكُونُ

لِكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَالْغَنَائِمِ وَالْفُتُوحَاتِ مَعَ سَخَاءِ نَفْسِهِ [2915] قوله صلى الله عليه وسلم (بؤس بن سُمَيَّةَ تَقْتُلُكَ فِئَةٌ بَاغِيَةٌ) وَفِي رِوَايَةٍ وَيْسَ أو ياويس وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ لِعَمَّارٍ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ أَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُولَى فَهُوَ بُؤْسَ بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَضْمُومَةٍ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَالْبُؤْسُ وَالْبَأْسَاءُ الْمَكْرُوهُ وَالشِّدَّةُ والمعنى يابؤس بن سمية ماأشده وَأَعْظَمَهُ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فَهِيَ وَيْسَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ويح كلمة ترحم وويس تَصْغِيرُهَا أَيْ أَقَلُّ مِنْهَا فِي ذَلِكَ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَيْحُ يُقَالُ لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ لايستحقها فيترحم بها عليه ويرثى له وويل لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَيْحُ وَوَيْسُ بِمَعْنَى وَيْلُ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيْحُ بَابُ رَحْمَةٍ وَوَيْلُ بَابُ عَذَابٍ وَقَالَ وَيْحُ كَلِمَةُ زَجْرٍ لِمَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَكَةِ وَوَيْلُ لِمَنْ وَقَعَ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْفِئَةُ الطَّائِفَةُ وَالْفِرْقَةُ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مُحِقًّا مُصِيبًا وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى بُغَاةٌ لَكِنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِمْ لِذَلِكِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا هَذَا الْبَابُ وَفِيهِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَوْجُهٍ مِنْهَا أَنَّ عَمَّارًا يَمُوتُ قَتِيلًا وَأَنَّهُ يَقْتُلُهُ مُسْلِمُونَ وَأَنَّهُمْ بُغَاةٌ وَأَنَّ الصَّحَابَةَ يُقَاتِلُونَ وَأَنَّهُمْ يَكُونُونَ فِرْقَتَيْنِ بَاغِيَةٍ وَغَيْرِهَا وَكُلُّ هَذَا قَدْ وَقَعَ مِثْلُ فَلَقِ الصُّبْحِ صَلَّى اللَّهُ وسلم على رسوله الذى

لاينطق عن الهوى إن هو إلاوحى يُوحَى [2917] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُهْلِكُ أُمَّتِي هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يَدِ أُغَيْلِمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ هَذِهِ الرِّوَايَةِ تُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِرِوَايَةِ مُسْلِمِ طَائِفَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2918] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَدْ مَاتَ كسرى فلاكسرى بَعْدَهُ وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ الله) قال الشافعى وسائر العلماء معناه لايكون كسرى بالعراق ولاقيصر بِالشَّامِ كَمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَّمَنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِانْقِطَاعِ مُلْكِهِمَا فِي هَذَيْنِ الْإِقْلِيمَيْنِ فَكَانَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا كِسْرَى فَانْقَطَعَ مُلْكُهُ وَزَالَ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ وَتَمَزَّقَ مُلْكُهُ كُلَّ مُمَزَّقٍ وَاضْمَحَلَّ بِدَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا قَيْصَرُ فَانْهَزَمَ مِنَ الشَّامِ وَدَخَلَ أَقَاصِي بِلَادِهِ فَافْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ بِلَادَهُمَا وَاسْتَقَرَّتْ لِلْمُسْلِمِينَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَأَنْفَقَ الْمُسْلِمُونَ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ

مُعْجِزَاتٌ ظَاهِرَةٌ وَكِسْرَى بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَفِي رِوَايَةٍ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَتُقَسِّمُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةٍ كَنْزًا لِكِسْرَى الَّذِي فِي الْأَبْيَضِ أَيِ الَّذِي فِي قَصْرِهِ الْأَبْيَضِ أَوْ قُصُورِهِ وَدُورِهِ الْبِيضِ [2920] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ الَّتِي بَعْضُهَا فِي الْبَرِّ وَبَعْضُهَا فِي الْبَحْرِ (يَغْزُوهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَاقَ) قَالَ الْقَاضِي كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ أُصُولِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ بَنِي إِسْحَاقَ قَالَ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمَعْرُوفُ الْمَحْفُوظُ

مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ وَسِيَاقُهُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ الْعَرَبَ وَهَذِهِ

الْمَدِينَةُ هِيَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ [2922] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (الاالغرقد فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ) وَالْغَرْقَدُ نَوْعٌ مِنْ شَجَرِ الشَّوْكِ مَعْرُوفٌ بِبِلَادِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُنَاكَ يَكُونُ قَتْلُ الدَّجَّالِ وَالْيَهُودِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الدِّينَوَرِيُّ إِذَا عَظُمَتِ الْعَوْسَجَةُ صَارَتْ غَرْقَدَةً [157] قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لاتقوم السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ) مَعْنَى يُبْعَثُ يَخْرُجُ وَيَظْهَرُ وَسَبَقَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ تَفْسِيرَ الدَّجَّالِ وَأَنَّهُ مِنَ الدَّجْلِ وَهُوَ التَّمْوِيهُ وَقَدْ قِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَقَدْ وُجِدَ مِنْ

(باب ذكر بن صياد [2924] يقال له بن صياد وبن صائد وسمي

هؤلاءخلق كَثِيرُونَ فِي الْأَعْصَارِ وَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَلَعَ آثَارَهُمْ وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ (بَاب ذكر بن صياد [2924] يقال له بن صياد وبن صَائِدٍ وَسُمِّيَ بِهِمَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَاسْمُهُ صَافٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَقِصَّتُهُ مُشْكِلَةٌ وَأَمْرُهُ مُشْتَبَهٌ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ الْمَشْهُورُ أم غيره ولاشك فِي أَنَّهُ دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ ولاغيره وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ بِصِفَاتِ الدَّجَّالِ وَكَانَ فِي بن صَيَّادٍ قَرَائِنُ مُحْتَمِلَةٌ فَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم لايقطع بأنه الدجال ولاغيره وَلِهَذَا قَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنْ يَكُنْ هُوَ فَلَنْ تَسْتَطِيعَ قَتْلَهُ وَأَمَّا احْتِجَاجُهُ هو بأنه مسلم والدجال كافر وبأنه لايولد للدجال وقد ولدله هو وأن لايدخل مكة والمدينة وان بن صَيَّادٍ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى مَكَّةَ فَلَا دَلَالَةَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ صِفَاتِهِ وَقْتَ فِتْنَتِهِ وَخُرُوجِهِ فِي الْأَرْضِ وَمِنَ اشْتِبَاهِ قِصَّتِهِ وَكَوْنِهِ أَحَدَ)

الدَّجَاجِلَةِ الْكَذَّابِينَ قَوْلُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ) وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ صَادِقٌ وَكَاذِبٌ وَأَنَّهُ يَرَى عَرْشًا فَوْقَ الماء وأنه لايكره أَنْ يَكُونَ هُوَ الدَّجَّالُ وَأَنَّهُ يَعْرِفُ مَوْضِعَهُ وَقَوْلُهُ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ وَأَعْرِفُ مَوْلِدَهُ وَأَيْنَ هُوَ الْآنَ وَانْتِفَاخُهُ حَتَّى مَلَأَ السِّكَّةَ وَأَمَّا إِظْهَارُهُ الْإِسْلَامَ وَحَجُّهُ وَجِهَادُهُ وَإِقْلَاعُهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي أَنَّهُ غَيْرَ الدَّجَّالِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي أَمْرِهِ بَعْدَ كِبَرِهِ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ تَابَ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ وَأَنَّهُمْ لَمَّا أَرَادُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ كَشَفُوا عَنْ وَجْهِهِ حَتَّى رَآهُ النَّاسُ وَقِيلَ لهم اشهدوا قال وكان بن عُمَرَ وَجَابِرٌ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمَا يَحْلِفَانِ أَنَّ بن صياد هو الدجال لايشكان فِيهِ فَقِيلَ لِجَابِرٍ إِنَّهُ أَسْلَمَ فَقَالَ وَإِنْ أَسْلَمَ فَقِيلَ إِنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ فَقَالَ وَإِنْ دَخَلَ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ فقدنا بن صَيَّادٍ يَوْمَ الْحَرَّةِ وَهَذَا يُعَطِّلُ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى أَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّ بن صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ وَأَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ باسناد صحيح عن بن عمر أنه كان يقول والله ماأشك أن بن صَيَّادٍ هُوَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَمْرِ بن صياد اختلافا كثيرا هل هو الدجال قال وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ غَيْرَهُ احْتَجَّ بِحَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي قِصَّةِ الْجَسَّاسَةِ الَّذِي ذَكَرَهُ

مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ تُوَافِقَ صفة بن صَيَّادٍ صِفَةَ الدَّجَّالِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ بِالدَّجَّالِ عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ قطن وليس كما قال وكان أمر بن صَيَّادٍ فِتْنَةً ابْتَلَى اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عِبَادَهُ فَعَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا الْمُسْلِمِينَ وَوَقَاهُمْ شَرَّهَا قَالَ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَكْثَرُ مِنْ سُكُوتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ عُمَرَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ كَالْمُتَوَقِّفِ فِي أَمْرِهِ ثُمَّ جَاءَهُ الْبَيَانُ أَنَّهُ غَيْرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ تَمِيمٍ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيِّ وَقَدْ اخْتَارَ أَنَّهُ غَيْرَهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ صَحَّ عَنْ عُمَرَ وعن بن عُمَرَ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ الدَّجَّالُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ لَمْ يَقْتُلْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَنَّهُ ادَّعَى بِحَضْرَتِهِ النُّبُوَّةَ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ وَاخْتَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الْجَوَابَ وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ فِي أَيَّامِ مُهَادَنَةِ الْيَهُودِ وَحُلَفَائِهِمْ وَجَزَمَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ بِهَذَا الْجَوَابِ الثَّانِي قَالَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ كَتَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَهُودِ كتاب صلح على أن لايهاجوا ويتركوا على أمرهم وكان بن صياد منهم أودخيلا فِيهِمْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَأَمَّا امْتِحَانُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا خَبَّأَهُ لَهُ مِنْ آيَةِ الدُّخَانِ فَلِأَنَّهُ كَانَ يَبْلُغُهُ مَا يَدَّعِيهِ مِنَ الْكِهَانَةِ وَيَتَعَاطَاهُ مِنَ الْكَلَامِ فِي الْغَيْبِ فَامْتَحَنَهُ لِيَعْلَمَ حَقِيقَةَ حَالِهِ وَيُظْهِرُ إِبْطَالَ حَالِهِ لِلصَّحَابَةِ وَأَنَّهُ كَاهِنٌ سَاحِرٌ يَأْتِيهِ الشَّيْطَانُ فَيُلْقِي عَلَى لِسَانِهِ مَا يُلْقِيهِ الشَّيَاطِينُ إِلَى الْكَهَنَةِ فَامْتَحَنَهُ بِإِضْمَارِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَارْتَقِبْ يَوْمَ تأتى السماء بدخان مبين وَقَالَ خَبَّأْتُ لَكَ خَبِيئًا فَقَالَ هُوَ الدُّخُّ أَيِ الدُّخَانُ وَهِيَ لُغَةٌ فِيهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْسَأْ فَلَنْ تعدو قدرك أى لاتجاوز قَدْرَكَ وَقَدْرَ أَمْثَالِكَ مِنَ الْكُهَّانِ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ مِنْ إِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ كَلِمَةً وَاحِدَةً مِنْ جُمْلَةٍ كَثِيرَةٍ بِخِلَافِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ يُوحِي اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِمْ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ مَا يُوحِي فَيَكُونُ وَاضِحًا كَامِلًا وَبِخِلَافِ مَا يُلْهِمُهُ اللَّهُ الْأَوْلِيَاءَ مِنَ الْكَرَامَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَبَّأْتُ لَكَ خَبِيئًا) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَهَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جُمْهُورِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ خَبِيئًا بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ خَبَّأَ بِمُوَحَّدَةٍ فَقَطْ سَاكِنَةٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ (هُوَ الدُّخُّ) هُوَ بِضَمِّ الدَّالِ

وَتَشْدِيدِ الْخَاءِ وَهِيَ لُغَةٌ فِي الدُّخَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَحَكَى صَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ فِيهِ فَتْحَ الدَّالِ وَضَمَّهَا وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْحَدِيثِ ضَمُّهَا فَقَطْ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالدُّخِّ هُنَا الدُّخَانُ وَأَنَّهَا لُغَةٌ فِيهِ وَخَالَفَهُمُ الْخَطَّابِيُّ فقال لامعنى لِلدُّخَانِ هُنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَا يُخَبَّأُ فِي كف أوكم كَمَا قَالَ بَلِ الدُّخُّ بَيْتٌ مَوْجُودٌ بَيْنَ النَّخِيلِ وَالْبَسَاتِينِ قَالَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى خَبَّأْتُ أَضْمَرْتُ لَكَ اسْمَ الدُّخَانِ فَيَجُوزُ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَضْمَرَ لَهُ آيَةَ الدُّخَانِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى فَارْتَقِبْ يوم تأتى السماء بدخان مبين قَالَ الْقَاضِي قَالَ الدَّاوُدِيُّ وَقِيلَ كَانَتْ سُورَةُ الدُّخَانِ مَكْتُوبَةً فِي يَدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ كَتَبَ الْآيَةَ فِي يَدِهِ قَالَ الْقَاضِي وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ أَنَّهُ لَمْ يَهْتَدِ مِنَ الْآيَةِ الَّتِي أَضْمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا لِهَذَا اللَّفْظِ النَّاقِصِ عَلَى عَادَةِ الْكُهَّانِ إِذَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ إِلَيْهِمْ بِقَدْرِ مَا يَخْطَفُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ الشِّهَابُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ أَيِ الْقَدْرَ الَّذِي يُدْرِكُ الْكُهَّانُ من الاهتداء إلى بعض الشيء وما لايبين مِنْ تَحْقِيقِهِ وَلَا يَصِلُ بِهِ إِلَى بَيَانِ وَتَحْقِيقِ أُمُورِ الْغَيْبِ وَمَعْنَى اخْسَأْ اقْعُدْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ

[2925] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لُبِسَ عَلَيْهِ) هُوَ بِضَمِّ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ أَيْ خُلِطَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى خُلِطَ عَلَيْكَ الْأَمْرُ أَيْ يَأْتِيهِ بِهِ شَيْطَانٌ فَخُلِطَ [2927] قَوْلُهُ (فَلَبَسَنِي) بِالتَّخْفِيفِ أَيْضًا أَيْ جَعَلَنِي أَلْتَبِسُ فِي أَمْرِهِ وَأَشُكُّ فِيهِ قَوْلُهُ (فَأَخَذَتْنِي مِنْهُ ذَمَامَةٌ) هُوَ

ذَمَامَةٌ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مِيمٍ مُخَفَّفَةٍ أَيْ حَيَاءٌ وَإِشْفَاقٌ مِنَ الذَّمِّ وَاللَّوْمِ قَوْلُهُ (حتى كاد أن يأخذ فى قوله) هوبتشديد فِيَّ وَقَوْلُهُ مَرْفُوعٌ وَهُوَ فَاعِلُ يَأْخُذَ أَيْ يُؤَثِّرَ فِيَّ وَأُصَدِّقُهُ فِي دَعْوَاهُ قَوْلُهُ (فَجَاءَ بِعُسٍّ) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَهُوَ الْقَدَحُ الْكَبِيرُ وجمعه عساس بكسر العين وأعساس قوله

(تبالك سَائِرَ الْيَوْمِ) أَيْ خُسْرَانًا وَهَلَاكًا لَكَ فِي بَاقِي الْيَوْمِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ مَتْرُوكِ الْإِظْهَارِ [2928] قَوْلُهُ (فِي تُرْبَةِ الْجَنَّةِ) هِيَ دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ مِسْكٌ خَالِصٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّهَا فِي الْبَيَاضِ دَرْمَكَةٌ وَفِي الطِّيبِ مِسْكٌ وَالدَّرْمَكُ هُوَ الدَّقِيقُ الْحَوَارِيُّ الْخَالِصُ الْبَيَاضُ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ الرِّوَايَتَيْنِ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأل بن صياد عن تربة الجنة أو بن صَيَّادِ سَأَلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَظْهَرُ [2929] قَوْلُهُ (إِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه حلف

بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ بن صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ) اسْتَدَلَّ بِهِ جَمَاعَةٌ عَلَى جواز اليمين بالظن وأنه لايشترط فِيهَا الْيَقِينُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا حَتَّى لَوْ رَأَى بِخَطِّ أَبِيهِ الْمَيِّتِ أَنَّ لَهُ عِنْدَ زَيْدٍ كَذَا وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ خَطُّهُ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ جَازَ الْحَلِفُ عَلَى استحقاقه [2930] قوله فى رواية حرملة (عن بن وهب عن يونس عن بن شهاب عن سالم عن بن عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ انْطَلَقَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَحَكَى الْقَاضِي أَنَّهُ سَقَطَ فِي نسخة بن ماهان ذكر بن عمر وصار عنده منقطعا قال هو غيره والصواب رواية الجمهور متصلا بذكر بن عُمَرَ قَوْلُهُ (عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَنِي مَغَالَةَ وَفِي بعضها بن مَغَالَةَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمَغَالَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْحَلْوَانِيِّ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ أَنَّهُ أُطُمُ بَنِي مُعَاوِيَةَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ هُوَ الْأَوَّلُ قَالَ الْقَاضِي وَبَنُو مَغَالَةَ كُلُّ مَا كَانَ عَلَى يَمِينِكِ إِذَا وَقَفْتَ آخِرَ الْبَلَاطِ مُسْتَقْبِلٌ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأُطُمُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالطَّاءِ هُوَ الْحِصْنُ جَمْعُهُ آطَامٌ قَوْلُهُ (فَرَفَضَهُ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ بِلَادِنَا فَرَفَضَهُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَقَالَ

الْقَاضِي رِوَايَتُنَا فِيهِ عَنِ الْجَمَاعَةِ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ الرُّفَصُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الضَّرْبُ بِالرِّجْلِ مِثْلُ الرَّفْسِ بِالسِّينِ قَالَ فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَهُوَ مَعْنَاهُ قَالَ لَكِنْ لَمْ أَجِدْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي أُصُولِ اللُّغَةِ قَالَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْقَاضِي التَّمِيمِيِّ فَرَفَضَهُ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَهُوَ وَهَمٌ قَالَ وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ فرقصه بالقاف والصاد المهملة ولاوجه لَهُ وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ فَرَفَضَهُ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ قَالَ وَرَوَاهُ الْخَطَّابِيُّ فِي غَرِيبِهِ فَرَصَهُ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ ضَغَطَهُ حَتَّى ضُمَّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى بُنْيَانٌ مرصوص قُلْتُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى رَفَضَهُ بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ تَرَكَ سُؤَالَهُ الْإِسْلَامَ لِيَأْسِهِ مِنْهُ حِينَئِذٍ ثُمَّ شَرَعَ فِي سُؤَالِهِ عَمَّا يَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [2931] قَوْلُهُ (وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنَ بن صَيَّادٍ شَيْئًا) هُوَ بِكَسْرِ التَّاءِ أَيْ يَخْدَعُ بن صياد ويستغفله لِيَسْمَعَ شَيْئًا مِنْ كَلَامِهِ

وَيَعْلَمَ هُوَ وَالصَّحَابَةُ حَالَهُ فِي أَنَّهُ كَاهِنٌ أَمْ سَاحِرٌ وَنَحْوُهُمَا وَفِيهِ كَشْفُ أَحْوَالِ مَنْ تُخَافُ مَفْسَدَتُهُ وَفِيهِ كَشْفُ الْإِمَامِ الْأُمُورَ الْمُهِمَّةَ بِنَفْسِهِ قَوْلُهُ (إِنَّهُ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا زَمْزَمَةٌ) الْقَطِيفَةُ كِسَاءٌ مُخْمَلٌ سَبَقَ بَيَانُهَا مَرَّاتٍ وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي مُعْظَمِ نُسَخِ مُسْلِمٍ زَمْزَمَةٌ بِزَاءَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا بِرَاءَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ بِالْوَجْهَيْنِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنْ جُمْهُورِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ بِالْمُعْجَمَتَيْنِ وَأَنَّهُ فِي بَعْضِهَا رَمْزَةٌ بِرَاءٍ أَوَّلًا وَزَايٍ آخِرًا وحذف الميم الثانية وهو صوت خفى لايكاد يفهم أو لا يفهم قوله (فثار بن صَيَّادٍ) أَيْ نَهَضَ مِنْ مَضْجَعِهِ وَقَامَ [169] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا مِنْ نَبِيٍّ الاوقد أنذره قومه لقد أنذره نُوحٌ قَوْمَهُ) هَذَا الْإِنْذَارُ لِعِظَمِ فِتْنَتِهِ وَشِدَّةِ أَمْرِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَعَلَّمُوا أَنَّهُ أَعْوَرُ) اتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَلَى ضَبْطِهِ تَعْلَّمُوا بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ وَكَذَا

نَقَلَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَنْهُمْ قَالُوا وَمَعْنَاهُ اعْلَمُوا وَتَحَقَّقُوا يُقَالُ تَعْلَّمْ بِفَتْحٍ مُشَدَّدٍ بِمَعْنَى اعْلَمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ) قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ وَلَوْ كَانَتْ مُسْتَحِيلَةٌ كَمَا يَزْعُمُ الْمُعْتَزِلَةُ لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ بِالْمَوْتِ مَعْنًى وَالْأَحَادِيثُ بِمَعْنَى هَذَا كَثِيرَةٌ سَبَقَتْ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ جُمْلَةٌ مِنْهَا مَعَ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَسَبَقَ هُنَاكَ تَقْرِيرُ الْمَسْأَلَةِ قَالَ الْقَاضِي وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحِيلَةٍ فِي الدُّنْيَا بَلْ مُمْكِنَةٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي وُقُوعِهَا وَمَنْ مَنَعَهُ تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى لاتدركه الأبصار عَلَى مَذْهَبِ مَنْ تَأَوَّلَهُ فِي الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَلِلسَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ثُمَّ الْأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالنُّظَّارِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ وَقَالَ أَكْثَرُ مَانِعِيهَا فِي الدُّنْيَا سَبَبُ الْمَنْعِ ضَعْفُ قُوَى الْآدَمِيِّ فِي الدُّنْيَا عَنِ احْتِمَالِهَا كَمَا لَمْ يَحْتَمِلْهَا مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [2930] قَوْلُهُ (نَاهَزَ الْحُلُمَ) أَيْ قارب

الْبُلُوغَ [2932] قَوْلُهُ (فَانْتَفَخَ حَتَّى مَلَأَ السِّكَّةَ) السِّكَّةُ بِكَسْرِ السِّينِ الطَّرِيقُ وَجَمْعُهَا سِكَكٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَصْلُ السِّكَّةِ الطَّرِيقُ الْمُصْطَفَّةُ مِنَ النَّخْلِ قَالَ وَسُمِّيَتِ الْأَزِقَّةُ سِكَكًا لِاصْطِفَافِ الدُّورِ فِيهَا قَوْلُهُ (فَلَقِيتُهُ لُقْيَةً أُخْرَى) قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ رُوِّينَاهُ لُقْيَةً بِضَمِّ اللَّامِ قَالَ ثَعْلَبٌ وَغَيْرُهُ يَقُولُونَهُ بِفَتْحِهَا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ وَالرِّوَايَةِ بِبِلَادِنَا الْفَتْحُ قَوْلُهُ (وَقَدْ نَفَرَتْ عَيْنُهُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْفَاءِ أَيْ وَرِمَتْ ونتأت وذكر القاضي أنه روى على أوجه آخَرَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَصْحِيفٌ

(باب ذكر الدجال قد سبق في شرح خطبة الكتاب بيان

(باب ذكر الدجال قَدْ سَبَقَ فِي شَرْحِ خُطْبَةِ الْكِتَابِ بَيَانُ اشْتِقَاقِهِ وَغَيْرِهِ وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ بَيَانُ تَسْمِيَتِهِ الْمَسِيحَ وَاشْتِقَاقُهُ وَالْخِلَافُ فِي ضَبْطِهِ قَالَ الْقَاضِي هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فِي قِصَّةِ الدَّجَّالِ حُجَّةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ فِي صِحَّةِ وُجُودِهِ وَأَنَّهُ شَخْصٌ بِعَيْنِهِ ابْتَلَى اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ وَأَقْدَرَهُ عَلَى أَشْيَاءَ مِنْ مَقْدُورَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ إِحْيَاءِ الْمَيِّتِ الَّذِي يَقْتُلُهُ وَمِنْ ظُهُورِ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَالْخِصْبِ مَعَهُ وَجَنَّتِهِ وَنَارِهِ وَنَهَرَيْهِ وَاتِّبَاعِ كُنُوزِ الْأَرْضِ لَهُ وَأَمْرِهِ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ فَتُمْطِرَ وَالْأَرْضَ أَنْ تُنْبِتَ فَتُنْبِتَ فَيَقَعُ كُلُّ ذَلِكَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتِهِ ثُمَّ يُعْجِزُهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذلك فلايقدر على قتل ذلك الرجل ولاغيره وَيُبْطِلُ أَمْرَهُ وَيَقْتُلُهُ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَجَمِيعِ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالنُّظَّارِ خِلَافًا لِمَنْ أَنْكَرَهُ وَأَبْطَلَ أَمْرَهُ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ وَخِلَافًا لِلْبُخَارِيِّ الْمُعْتَزِلِيِّ وَمُوَافِقِيهِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ فِي أَنَّهُ صَحِيحُ الْوُجُودِ وَلَكِنَّ الذى يدعى مخارف وخيالات لاحقائق لَهَا وَزَعَمُوا أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَقًّا لَمْ يَوْثُقْ بِمُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ جَمِيعِهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ النبوة)

فَيَكُونَ مَا مَعَهُ كَالتَّصْدِيقِ لَهُ وَإِنَّمَا يَدَّعِي الْإِلَهِيَّةَ وَهُوَ فِي نَفْسِ دَعْوَاهُ مُكَذِّبٌ لَهَا بِصُورَةِ حَالِهِ وَوُجُودِ دَلَائِلِ الْحُدُوثِ فِيهِ وَنَقْصِ صُورَتِهِ وَعَجْزِهِ عَنْ إِزَالَةِ الْعَوَرِ الَّذِي فِي عَيْنَيْهِ وَعَنْ إِزَالَةِ الشَّاهِدِ بِكُفْرِهِ الْمَكْتُوبِ بَيْنَ عينيه ولهذه الدلائل وغيرها لايغتر به الارعاع مِنَ النَّاسِ لِسَدِّ الْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ رَغْبَةً فِي سَدِّ الرَّمَقِ أَوْ تَقِيَّةً وَخَوْفًا مِنْ أَذَاهُ لِأَنَّ فِتْنَتَهُ عَظِيمَةٌ جِدًّا تَدْهَشُ الْعُقُولَ وَتُحَيِّرُ الألباب مع سرعة مروره فى الأمر فلايمكث بِحَيْثُ يَتَأَمَّلُ الضُّعَفَاءُ حَالَهُ وَدَلَائِلَ الْحُدُوثِ فِيهِ وَالنَّقْصِ فَيُصَدِّقُهُ مَنْ صَدَّقَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلِهَذَا حَذَّرَتِ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ مِنْ فِتْنَتِهِ وَنَبَّهُوا عَلَى نَقْصِهِ وَدَلَائِلِ إِبْطَالِهِ وَأَمَّا أَهْلُ التَّوْفِيقِ فَلَا يَغْتَرُّونَ بِهِ ولايخدعون لِمَا مَعَهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الدَّلَائِلِ الْمُكَذِّبَةِ لَهُ مَعَ مَا سَبَقَ لَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ بِحَالَهِ وَلِهَذَا يَقُولُ لَهُ الَّذِي يَقْتُلُهُ ثُمَّ يحييه ما ازددت فيك الابصيرة هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ [169] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتعالى ليس بأعور ألاوإن الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِئَةٌ) أَمَّا طَافِئَةُ

فَرُوِيَتْ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَالْمَهْمُوزَةُ هِيَ الَّتِي ذَهَبَ نُورُهَا وَغَيْرُ الْمَهْمُوزَةِ الَّتِي نَتَأَتْ وَطَفَتْ مُرْتَفِعَةٌ وَفِيهَا ضَوْءٌ وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بَيَانُ هَذَا كُلِّهِ وَبَيَانُ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةِ أَعْوَرَ الْعَيْنِ الْيُمْنَى وَفِي رِوَايَةٍ الْيُسْرَى وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْعَوَرُ فِي اللُّغَةِ الْعَيْبُ وَعَيْنَاهُ مَعِيبَتَانِ عَوَرًا وأن احداهما طافئة بالهمز لاضوء فِيهَا وَالْأُخْرَى طَافِيَةٌ بِلَا هَمْزَةٍ ظَاهِرَةٍ نَاتِئَةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ وَالدَّجَّالُ أَعْوَرُ فَبَيَانٌ لعلامة بينة تدل على كذب الدجال دلائل قَطْعِيَّةً بَدِيهِيَّةً يُدْرِكُهَا كُلُّ أَحَدٍ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى كَوْنِهِ جِسْمًا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الدلائل القطعية لكون بعض العوام لايهتدى إِلَيْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ [2933] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ ثُمَّ تَهَجَّاهَا فَقَالَ كَ فَ رَ يَقْرَأُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ) وَفِي رِوَايَةٍ يَقْرَأُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرُ كَاتِبٍ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ هَذِهِ الْكِتَابَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا وَأَنَّهَا كِتَابَةٌ حَقِيقَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ آيَةً وَعَلَامَةً مِنْ جُمْلَةِ الْعَلَامَاتِ الْقَاطِعَةِ بِكُفْرِهِ وَكَذِبِهِ وَإِبْطَالِهِ وَيُظْهِرُهَا اللَّهُ تَعَالَى لِكُلِّ مُسْلِمٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ وَيُخْفِيهَا عَمَّنْ أَرَادَ شقاوته وفتنتة ولاامتناع فِي ذَلِكَ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهِ خِلَافًا

منهم من قال هي كتابة حقيقة كَمَا ذَكَرْنَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ مَجَازٌ وَإِشَارَةٌ إِلَى سِمَاتِ الْحُدُوثِ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ يقرأه كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ وَهَذَا مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ [2934] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ فَجَنَّتُهُ نَارٌ وَنَارُهُ جَنَّةٌ) وَفِي رِوَايَةٍ نَهْرَانِ وَفِي رِوَايَةٍ مَاءٌ وَنَارٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ فِتْنَتِهِ امْتَحَنَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عِبَادَهُ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلُ الْبَاطِلَ ثُمَّ يَفْضَحُهُ وَيُظْهِرُ لِلنَّاسِ عَجْزَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِمَّا أَدْرَكْنَ أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ أَدْرَكْنَ وَفِي بَعْضِهَا أَدْرَكَهُ وَهَذَا الثَّانِي ظَاهِرٌ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَغَرِيبٌ مِنْ حَيْثُ العربية لأن هذه النون لاتدخل عَلَى الْفِعْلِ قَالَ الْقَاضِي وَلَعَلَّهُ يُدْرِكْنَ يَعْنِي فعبره بَعْضُ الرُّوَاةِ وَقَوْلُهُ يَرَاهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَمْسُوحُ الْعَيْنِ عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ) هِيَ بِفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ وَهِيَ جِلْدَةٌ تُغْشِي الْبَصَرَ وَقَالَ

الْأَصْمَعِيُّ لَحْمَةٌ تَنْبُتُ عِنْدَ الْمَآقِي [2937] قَوْلُهُ (سَمِعَ النواس بن سمعان) بفتح السين وكسرها قَوْلُهُ (ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ فِيهِمَا وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ خَفَّضَ بِمَعْنَى حَقَّرَ وَقَوْلُهُ رَفَّعَ أَيْ عَظَّمَهُ وَفَخَّمَهُ فَمِنْ تَحْقِيرِهِ وَهُوَ أَنَّهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عَوَرُهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لايقدر عَلَى قَتْلِ أَحَدٍ إِلَّا ذَلِكَ الرَّجُلُ ثُمَّ يَعْجِزُ عَنْهُ وَأَنَّهُ يَضْمَحِلُّ أَمْرُهُ وَيُقْتَلُ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ وَأَتْبَاعُهُ وَمِنْ تَفْخِيمِهِ وَتَعْظِيمِ فِتْنَتِهِ وَالْمِحْنَةِ بِهِ هَذِهِ الْأُمُورِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ وَأَنَّهُ ما من نبى الاوقد أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ خَفَّضَ مِنْ صَوْتِهِ فِي حَالِ الْكَثْرَةِ فِيمَا تَكَلَّمَ فِيهِ فَخَفَّضَ بَعْدَ طُولِ الْكَلَامِ وَالتَّعَبِ لِيَسْتَرِيحَ ثُمَّ رَفَعَ لِيَبْلُغَ صَوْتُهُ كُلَّ أَحَدٍ قَوْلُهُ

(يعني شراحيل فرخمه في غير الندا للضرورة وأنشد غيره ...

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا أَخْوَفُنِي بِنُونٍ بَعْدَ الْفَاءِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِحَذْفِ النُّونِ وَهُمَا لُغَتَانِ صَحِيحَتَانِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى الْكَلَامِ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ فَأَمَّا لَفْظُهُ لِكَوْنِهِ تَضَمَّنَ مَا لَا يُعْتَادُ مِنْ إِضَافَةِ أَخْوَفِ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ مَقْرُونَةٌ بِنُونِ الْوِقَايَةِ وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ الْأَصْلُ إِثْبَاتَهَا وَلَكِنَّهُ أَصْلٌ مَتْرُوكٌ فَنَبَّهَ عَلَيْهِ فِي قَلِيلٍ مِنْ كَلَامِهِمْ وَأَنْشَدَ فِيهِ أَبْيَاتًا مِنْهَا مَا أَنْشَدَهُ الْفَرَّاءُ ... فَمَا أَدْرِي فَظَنِّي كُلُّ ظَنٍّ ... أَمُسْلِمَتِي إِلَى قَوْمِي شَرَاحِي ... (يَعْنِي شَرَاحِيلَ فَرَخَّمَهُ فِي غَيْرِ النِّدَا لِلضَّرُورَةِ وَأَنْشَدَ غَيْرُهُ ... وَلَيْسَ الْمُوَافِينِي لِيَرْفِدَ خَائِبًا ... فَإِنَّ لَهُ أَضْعَافَ مَا كَانَ أَمَّلَا) وَلِأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ أَيْضًا شَبَهٌ بِالْفِعْلِ وَخُصُوصًا بِفِعْلِ التَّعَجُّبِ فَجَازَ أَنْ تَلْحَقُهُ النُّونُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ كَمَا لَحِقَتْ فِي الْأَبْيَاتِ الْمَذْكُورَةِ هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ فِي هَذِهِ النُّونِ هُنَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَخْوَفُ لِي فَأُبْدِلَتِ النُّونُ مِنَ اللَّامِ كَمَا أُبْدِلَتْ فِي لِعَنْ وَعَنْ بِمَعْنَى لَعَلَّ وَعَلَّ وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَفِيهِ أَوْجُهٌ أَظْهَرُهَا أَنَّهُ مِنْ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ وَتَقْدِيرُهُ غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ مُخُوفَاتِي عَلَيْكُمْ ثُمَّ حَذَفَ الْمُضَافَ إِلَى الْيَاءِ وَمِنْهُ أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلُّونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي أَخَافُهَا عَلَى أُمَّتِي أَحَقُّهَا بِأَنْ تُخَافَ الْأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ وَالثَّانِي بِأَنْ يَكُونَ أَخْوَفُ مِنْ أَخَافَ بِمَعْنَى خَوْفٍ وَمَعْنَاهُ غَيْرُ الدَّجَّالِ أَشَدُّ مُوجِبَاتِ خَوْفِي عَلَيْكُمْ وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ وَصْفِ الْمَعَانِي بِمَا يُوصَفُ بِهِ الْأَعْيَانُ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِمْ فِي الشِّعْرِ الْفَصِيحِ شِعْرُ شَاعِرٍ وَخَوْفُ فُلَانٍ أَخْوَفُ مِنْ خَوْفِكَ وَتَقْدِيرُهُ خَوْفُ غَيْرِ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ خَوْفِي عَلَيْكُمْ ثُمَّ حُذِفَ الْمُضَافُ الْأَوَّلُ

ثُمَّ الثَّانِي هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطُ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالطَّاءِ أَيْ شَدِيدُ جُعُودَةِ الشَّعْرِ مُبَاعِدٌ لِلْجُعُودَةِ الْمَحْبُوبَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ) هَكَذَا فِي نُسَخِ بِلَادِنَا خَلَّةً بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ وَتَنْوِينِ الْهَاءِ وَقَالَ الْقَاضِي الْمَشْهُورُ فِيهِ حَلَّةَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَنَصْبِ التَّاءِ يَعْنِي غَيْرَ مُنَوَّنَةٍ قِيلَ مَعْنَاهُ سَمْتُ ذَلِكَ وَقُبَالَتُهُ وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ الْحَلَّةُ مَوْضِعُ حَزْنٍ وَصُخُورٍ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ حَلُّهُ بِضَمِّ اللَّامِ وَبِهَاءِ الضَّمِيرِ أَيْ نُزُولَهُ وَحُلُولَهُ قَالَ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ قَالَ وَذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ خَلَّةً بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ وَفَسَّرَهُ بِأَنَّهُ مَا بَيْنَ البلدين هذا آخر ماذكره الْقَاضِي وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنِ الْهَرَوِيِّ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا بِبِلَادِنَا وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ صَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ وَفَسَّرَهُ بِالطَّرِيقِ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ (فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا) هُوَ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ وَالْعَيْثُ الْفَسَادُ أَوْ أَشَدُّ الْفَسَادِ وَالْإِسْرَاعِ فِيهِ يُقَالُ مِنْهُ عَاثَ يَعِيثُ وَحَكَى الْقَاضِي أَنَّهُ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ فَعَاثٍ بِكَسْرِ الثَّاءِ مَنُوَّنَةٍ اسْمُ فَاعِلٍ وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهَذِهِ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ طَوِيلَةٌ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ قَالَ لَا اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ فَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ هَذَا حُكْمٌ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ الْيَوْمِ شَرَعَهُ لَنَا صَاحِبُ الشَّرْعِ قَالُوا وَلَوْلَا هَذَا الْحَدِيثُ وَوُكِلْنَا إِلَى اجْتِهَادِنَا لَاقْتَصَرْنَا فِيهِ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عِنْدَ الْأَوْقَاتِ الْمَعْرُوفَةِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَيَّامِ ومعنى أقدروا له قدره أَنَّهُ إِذَا مَضَى بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَدْرَ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظُّهْرِ كُلَّ يَوْمٍ فَصَلُّوا الظُّهْرَ ثُمَّ إِذَا مَضَى بَعْدَهُ قَدْرُ مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ فَصَلُّوا الْعَصْرَ وَإِذَا مَضَى بَعْدَ هَذَا قَدْرُ مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ فَصَلُّوا الْمَغْرِبَ وَكَذَا الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْقَضِي ذَلِكَ الْيَوْمُ وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ صَلَوَاتُ سَنَةٍ فَرَائِضُ كُلُّهَا مُؤَدَّاةٌ فِي وَقْتِهَا وَأَمَّا الثَّانِي الَّذِي كَشَهْرٍ وَالثَّالِثُ الَّذِي كَجُمُعَةٍ فَقِيَاسُ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ أَنْ يُقَدَّرَ لَهُمَا كَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلُ مَا كَانَتْ ذَرًّا وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا وَأَمَدُّهُ خَوَاصِرَ) أَمَّا تَرُوحُ فَمَعْنَاهُ تَرْجِعُ آخِرَ النَّهَارِ وَالسَّارِحَةُ هِيَ الْمَاشِيَةُ الَّتِي تَسْرَحُ أَيْ تَذْهَبُ أَوَّلَ النَّهَارِ إِلَى الْمَرْعَى وَأَمَّا الذُّرَى فبضم الذال المعجمة وهى الأعالى والأسنمة جَمْعُ ذُرْوَةِ بِضَمِّ الذَّالِ وَكَسْرِهَا وَقَوْلُهُ (وَأَسْبَغَهُ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أَطْوَلَهُ لِكَثْرَةِ اللَّبَنِ وَكَذَا أَمَدَّهُ خَوَاصِرَ لِكَثْرَةِ امْتِلَائِهَا مِنَ الشِّبَعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبَ النَّحْلِ) هِيَ ذُكُورُ النَّحْلِ هَكَذَا فسره بن قُتَيْبَةَ وَآخَرُونَ قَالَ الْقَاضِي الْمُرَادُ جَمَاعَةُ النَّحْلِ لاذكورها خَاصَّةً لَكِنَّهُ كَنَّى

عَنِ الْجَمَاعَةِ بِالْيَعْسُوبِ وَهُوَ أَمِيرُهَا لِأَنَّهُ مَتَى طَارَ تَبِعَتْهُ جَمَاعَتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ) بفتح الجيم على المشهور وحكى بن دُرَيْدٍ كَسْرَهَا أَيْ قِطْعَتَيْنِ وَمَعْنَى رَمْيَةَ الْغَرَضِ أَنَّهُ يَجْعَلُ بَيْنَ الْجَزْلَتَيْنِ مِقْدَارَ رَمْيَتِهِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي هَذَا ثُمَّ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَتَقْدِيرُهُ فَيُصِيبُهُ إِصَابَةَ رَمْيَةِ الْغَرَضِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ (فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءَ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ) أَمَّا الْمَنَارَةُ فَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَهَذِهِ الْمَنَارَةُ مَوْجُودَةٌ الْيَوْمَ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ وَدِمَشْقَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ كَسْرَ الْمِيمِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ فَضَائِلَ دِمَشْقَ وَفِي عِنْدَ ثَلَاثُ لُغَاتٍ كَسْرُ الْعَيْنِ وَضَمُّهَا وَفَتْحُهَا وَالْمَشْهُورُ الْكَسْرُ وَأَمَّا الْمَهْرُوذَتَانِ فَرُوِي بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةُ أَكْثَرُ وَالْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَغَيْرِهِمْ وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ فِي النُّسَخِ بِالْمُهْمَلَةِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَمَعْنَاهُ لَابِسَ مَهْرُوذَتَيْنِ أَيْ ثَوْبَيْنِ مَصْبُوغَيْنِ بِوَرْسٍ ثُمَّ بِزَعْفَرَانٍ وَقِيلَ هُمَا شَقَّتَانِ وَالشَّقَّةُ نِصْفُ الْمُلَاءَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ) الْجُمَانُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ هِيَ حَبَّاتٌ مِنَ الْفِضَّةِ تُصْنَعُ عَلَى هَيْئَةِ اللُّؤْلُؤِ الْكِبَارِ وَالْمُرَادُ يَتَحَدَّرُ مِنْهُ الْمَاءُ عَلَى هَيْئَةِ اللولؤ فى صفاته فَسُمِّي الْمَاءُ جُمَانًا لِشَبَهِهِ بِهِ فِي الصَّفَاءِ قوله صلى الله عليه وسلم (فلايحل لكافر يجد ريح نفسه الامات) هكذا الرواية فلا يحل بكسر الحاء ونفسه بِفَتْحِ الْفَاءِ وَمَعْنَى لَا يَحِلُّ لَا يُمْكِنُ وَلَا يَقَعُ وَقَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ عِنْدِي حَقٌّ وَوَاجِبٌ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِضَمِّ الْحَاءِ

وَهُوَ وَهَمٌ وَغَلَطٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُدْرِكُهُ بِبَابِ لُدٍّ) هُوَ بِضَمِّ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ مَصْرُوفٌ وَهُوَ بَلْدَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ) قَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الْمَسْحَ حَقِيقَةٌ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَمْسَحُ عَلَى وُجُوهِهِمْ تَبَرُّكًا وَبِرًّا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى كَشْفِ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ وَالْخَوْفِ قَوْلُهُ تَعَالَى (أخرجت عبادا لى لايدان لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ) فَقَوْلُهُ لايدان بِكَسْرِ النُّونِ تَثْنِيَةُ يَدٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ لا قدرة ولا طاقة يقال مالى بهذا الأمر يد ومالى بِهِ يَدَانِ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ وَالدَّفْعَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْيَدِ وَكَأَنَّ يَدَيْهِ مَعْدُومَتَانِ لِعَجْزِهِ عَنْ دَفْعِهِ وَمَعْنَى حَرِّزْهُمْ إِلَى الطُّورِ أَيْ ضُمَّهُمْ وَاجْعَلْهُ لَهُمْ حِرْزًا يُقَالُ أَحْرَزْتُ الشَّيْءَ أُحْرِزُهُ إِحْرَازًا إِذَا حَفِظْتُهُ وَضَمَمْتُهُ إِلَيْكَ وَصُنْتُهُ عَنِ الْأَخْذِ ووقع فِي بَعْضِ النُّسَخِ حَزِّبْ بِالْحَاءِ وَالزَّايِ وَالْبَاءِ أَيِ اجْمَعْهُمْ قَالَ الْقَاضِي وَرُوِيَ حَوِّزْ بِالْوَاوِ وَالزَّايِ وَمَعْنَاهُ نَحِّهِمْ وَأَزِلْهُمْ عَنْ طَرِيقِهِمْ إِلَى الطُّورِ قَوْلُهُ (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) الحدب النشز وينسلون يَمْشُونَ مُسْرِعِينَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيُرْسِلُ اللَّهُ تَعَالَى

عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى) النَّغَفُ بِنُونٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ فَاءٍ وَهُوَ دُودٌ يَكُونُ فِي أُنُوفِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ الْوَاحِدَةُ نغفة والفرسى بِفَتْحِ الْفَاءِ مَقْصُورٌ أَيْ قَتْلَى وَاحِدُهُمْ فَرِيسٌ قوله (مَلَأَهُ زَهْمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ دَسْمُهُمْ وَرَائِحَتُهُمُ الْكَرِيهَةُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (لايكن منه بيت مدر) أى لايمنع مِنْ نُزُولِ الْمَاءِ بَيْتٌ الْمَدَرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالدَّالِ وَهُوَ الطِّينُ الصُّلْبُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ) رُوِيَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَاللَّامِ وَالْقَافِ وَرُوِيَ الزُّلْفَةُ بضم الزاى وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَبِالْفَاءِ وَرُوِيَ الزَّلَفَةُ بِفَتْحِ الزَّايِ وَاللَّامِ وَبِالْفَاءِ وَقَالَ الْقَاضِي رُوِيَ بِالْفَاءِ وَالْقَافِ وَبِفَتْحِ اللَّامِ وَبِإِسْكَانِهَا وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ وَالزَّايُ مَفْتُوحَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ ثَعْلَبٌ وَأَبُو زَيْدٍ وَآخَرُونَ مَعْنَاهُ كَالْمِرْآةِ وَحَكَى صاحب المشارق هذا عن بن عَبَّاسٍ أَيْضًا شَبَّهَهَا بِالْمِرْآةِ فِي صَفَائِهَا وَنَظَافَتِهَا وَقِيلَ كَمَصَانِعِ الْمَاءِ أَيْ إِنَّ الْمَاءَ يُسْتَنْقَعُ فِيهَا حَتَّى تَصِيرَ كَالْمَصْنَعِ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ كَالْإِجَّانَةِ الْخَضْرَاءِ وَقِيلَ كَالصَّحْفَةِ وَقِيلَ كَالرَّوْضَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ وَيَسْتَظِلُّونَ بقحفها) العصابة الجماعة وقحفها بِكَسْرِ الْقَافِ هُوَ مُقَعَّرُ قِشْرِهَا شَبَّهَهَا بِقِحْفِ الرَّأْسِ وَهُوَ الَّذِي فَوْقَ الدِّمَاغِ وَقِيلَ مَا انْفَلَقَ مِنْ جُمْجُمَتِهِ وَانْفَصَلَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَيُبَارِكُ فِي الرِّسْلِ حَتَّى إِنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ) الرِّسْلُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ السِّينِ هُوَ اللَّبَنُ واللقحة

بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَالْكَسْرُ أَشْهَرُ وَهِيَ الْقَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِالْوِلَادَةِ وَجَمْعُهَا لِقَحٌ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ كَبِرْكَةٍ وَبِرَكٌ وَاللَّقُوحُ ذَاتُ اللَّبَنِ وَجَمْعُهَا لِقَاحٌ وَالْفِئَامُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَمْدُودَةٌ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ وَكُتُبِ الْغَرِيبِ وَرِوَايَةُ الحديث أنه بكسر الفاء وبالهمز قال القاضي ومنهم من لايجيز الْهَمْزَ بَلْ يَقُولُهُ بِالْيَاءِ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ وَحَكَاهُ الْخَلِيلُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْقَابِسِيِّ قَالَ وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ فَأَدْخَلَهُ فِي حَرْفِ الْيَاءِ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِتَكْفِي الْفَخْذَ مِنَ النَّاسِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْفَخْذُ الْجَمَاعَةُ مِنَ الْأَقَارِبِ وَهُمْ دُونَ الْبَطْنِ وَالْبَطْنُ دون القبيلة قال القاضي قال بن فَارِسٍ الْفَخْذُ هُنَا بِإِسْكَانِ الْخَاءِ لَا غَيْرُ فَلَا يُقَالُ إِلَّا بِإِسْكَانِهَا بِخِلَافِ الْفَخِذِ الَّتِي هِيَ الْعُضْوُ فَإِنَّهَا تُكْسَرُ وَتُسَكَّنُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ بِالْوَاوِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (يتهارجون تهارج الحمير) أَيْ يُجَامِعُ الرِّجَالُ النِّسَاءَ بِحَضْرَةِ النَّاسِ كَمَا يَفْعَلُ الْحَمِيرُ وَلَا يَكْتَرِثُونَ لِذَلِكَ وَالْهَرْجُ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ الْجِمَاعُ يُقَالُ هَرَجَ زَوْجَتَهُ أَيْ جَامَعَهَا يَهْرَجُهَا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَسِيرُونَ حَتَّى

يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمَرِ) هُوَ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَمِيمٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَالْخَمَرُ الشَّجَرُ الْمُلْتَفُّ الَّذِي يَسْتُرُ مَنْ فِيهِ وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ جبل بَيْتِ الْمَقْدِسِ [2938] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ) هُوَ بِكَسْرِ النُّونِ أَيْ طُرُقَهَا وَفِجَاجَهَا وَهُوَ جَمْعُ نَقْبٍ وَهُوَ الطَّرِيقُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ) قَالَ الْمَازِرِيُّ إِنْ قِيلَ إِظْهَارُ الْمُعْجِزَةِ عَلَى يَدِ الْكَذَّابِ لَيْسَ بِمُمْكِنٍ وَكَيْفَ ظَهَرَتْ هَذِهِ الْخَوَارِقِ لِلْعَادَةِ عَلَى يَدِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَدَّعِي

الرُّبُوبِيَّةَ وَأَدِلَّةَ الْحُدُوثِ تُخِلُّ مَا ادَّعَاهُ وَتُكَذِّبُهُ وَأَمَّا النَّبِيُّ فَإِنَّمَا يَدَّعِي النُّبُوَّةَ وَلَيْسَتْ مُسْتَحِيلَةً فِي الْبَشَرِ فَإِذَا أَتَى بِدَلِيلٍ لَمْ يُعَارِضْهُ شَيْءٌ صَدَقَ وَأَمَّا قَوْلُ الدَّجَّالِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ أَتَشُكُّونَ فِي الْأَمْرِ فيقولون لافقد يستشكل لأن ما أظهره الدجال لادلالة فِيهِ لِرُبُوبِيَّتِهِ لِظُهُورِ النَّقْصِ عَلَيْهِ وَدَلَائِلِ الْحُدُوثِ وَتَشْوِيهِ الذَّاتِ وَشَهَادَةِ كَذِبِهِ وَكُفْرِهِ الْمَكْتُوبَةِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيُجَابُ بِنَحْوِ مَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ هُوَ أَنَّهُمْ لَعَلَّهُمْ قَالُوا خوفا منه وتقية لاتصديقا ويحتمل أنهم قصدوا لانشك فِي كَذِبِكِ وَكُفْرِكِ فَإِنَّ مَنْ شَكَّ فِي كَذِبِهِ وَكُفْرِهِ كَفَرَ وَخَادَعُوهُ بِهَذِهِ التَّوْرِيَةِ خَوْفًا منه ويحتمل أن الذين قالوا لانشك هُمْ مُصَدِّقُوهُ مِنَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى شَقَاوَتَهُ قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ يقال ان هذا الرَّجُلَ هُوَ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَبُو إِسْحَاقَ هَذَا هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ رَاوِي الْكِتَابِ عَنْ مُسْلِمٍ وَكَذَا قَالَ مَعْمَرُ فِي جَامِعِهِ فى أثر هذا الحديث كما ذكره بن سُفْيَانَ وَهَذَا تَصْرِيحٍ مِنْهُ بِحَيَاةِ الْخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِهِ من كتاب المناقب والمسالح قوم معهم سلاح يرتبون فى المراكز كالخفر أسموا

بِذَلِكَ لِحَمْلِهِمُ السِّلَاحَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَأْمُرُ الدَّجَّالُ بِهِ فَيُشَبَّحُ فَيَقُولُ خُذُوهُ وَشُجُّوهُ) فَالْأَوَّلُ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ مُدُّوهُ عَلَى بَطْنِهِ وَالثَّانِي شُجُّوهُ بِالْجِيمِ الْمُشَدَّدَةِ مِنَ الشَّجِّ وَهُوَ الْجُرْحُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي فَيُشَجُّ كَالْأَوَّلِ فَيَقُولُ خُذُوهُ وَشَبِّحُوهُ بِالْبَاءِ وَالْحَاءِ وَالثَّالِثُ فَيُشَجُّ وَشُجُّوهُ كِلَاهُمَا بِالْجِيمِ وَصَحَّحَ الْقَاضِي الْوَجْهَ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا الْأَوَّلُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (فَيُوسَعُ ظَهْرُهُ) فَبِإِسْكَانِ الْوَاوِ وَفَتْحِ السِّينِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيُؤْشَرُ بِالْمِئْشَارِ مِنْ مَفْرَقِهِ) هكذا الرواية

يُؤْشَرُ بِالْهَمْزِ وَالْمِئْشَارُ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ وَهُوَ الْأَفْصَحُ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ فِيهِمَا فَيَجْعَلُ فِي الْأَوَّلِ وَاوًا وَفِي الثَّانِي يَاءً وَيَجُوزُ الْمِنْشَارُ بِالنُّونِ وَعَلَى هَذَا يُقَالُ نَشَرْتُ الْخَشَبَةَ وَعَلَى الأول يقال أشرتها ومفرق الرَّأْسِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسَطُهُ وَالتَّرْقُوَةُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْقَافِ وَهِيَ الْعَظْمُ الَّذِي بَيْنَ ثَغْرَةِ النَّحْرِ وَالْعَاتِقِ [2939] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَا يُنْصِبُكَ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ أَيْ مَا يُتْعِبُكَ مِنْ أَمْرِهِ قَالَ بن دريد يقال أنصبه المرض وغيره ونصبه والأولى أَفْصَحُ قَالَ وَهُوَ تَغَيُّرُ الْحَالِ مِنْ مَرَضٍ أو تعب قوله (قلت يارسول اللَّهِ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ مَعَهُ الطَّعَامَ وَالْأَنْهَارَ وقال هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ) قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدِهِ مُضِلًّا لِلْمُؤْمِنِينَ وَمُشَكِّكًا لِقُلُوبِهِمْ بَلْ إِنَّمَا جَعَلَهُ لَهُ لِيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَيُثْبِتَ الْحُجَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ

وَنَحْوِهِمْ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ [2940] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فيبعث الله عيسى بن مريم) أى ينزله من السماء حاكما بشر عنا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نُزُولُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَتْلُهُ الدَّجَّالَ حَقٌّ وَصَحِيحٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ فى العقل ولافى الشَّرْعِ مَا يُبْطِلُهُ فَوَجَبَ إِثْبَاتُهُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ بعض المعتزلة والجهيمة وَمَنْ وَافَقَهُمْ وَزَعَمُوا أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مَرْدُودَةٌ بقوله تعالى وخاتم النبيين وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَبِيَّ بعدى وباجماع المسلمين أنه لانبى بَعْدَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ شريعته مؤبدة إلى يوم القيامة لاتنسخ وَهَذَا اسْتِدْلَالُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِنُزُولِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ يَنْزِلُ نَبِيًّا بِشَرْعٍ ينسخ شرعنا ولا فى هذه الأحاديث ولافى غَيْرِهَا شَيْءٌ مِنْ هَذَا

بَلْ صَحَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ هُنَا وَمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ يَنْزِلُ حَكَمًا مُقْسِطًا بِحُكْمِ شَرْعِنَا وَيُحْيِي مِنْ أُمُورِ شَرْعِنَا مَا هَجَرَهُ النَّاسُ قَوْلُهُ (فِي كَبِدِ جَبَلٍ) أَيْ وَسَطِهِ وَدَاخِلِهِ وَكَبِدُ كُلِّ شَيْءٍ وَسَطُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ يَكُونُونَ فِي سُرْعَتِهِمْ إِلَى الشُّرُورِ وَقَضَاءِ الشَّهَوَاتِ وَالْفَسَادِ كَطَيَرَانِ الطَّيْرِ وَفِي الْعُدْوَانِ وَظُلْمِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِي أَخْلَاقِ السِّبَاعِ الْعَادِيَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا) اللِّيتُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَآخِرِهِ مُثَنَّاةٌ فوق وهى صفحة العنق وهى جانبه وأصغى أَمَالَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إِبِلِهِ) أَيْ يُطَيِّنُهُ وَيُصْلِحُهُ قَوْلُهُ (كَأَنَّهُ الطَّلُّ أَوِ

الظِّلُّ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْأَصَحُّ الطَّلُّ بِالْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّهُ كَمَنِيِّ الرِّجَالِ قَوْلُهُ (فَذَلِكَ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ وَمَعْنَى مَا فِي الْقُرْآنِ يَوْمَ يُكْشَفُ عن ساق يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ شِدَّةٍ وَهَوْلٍ عَظِيمٍ أَيْ يَظْهَرُ ذَلِكَ يُقَالُ كَشَفَتِ الْحَرْبُ عَنْ سَاقِهَا إِذَا اشْتَدَّتْ وَأَصْلُهُ أَنَّ مَنْ جَدَّ فِي أَمْرِهِ كَشَفَ عَنْ سَاقِهِ مُسْتَمِرًّا فِي الْخِفَّةِ والنشاط له

(باب قصة الجساسة [2942] هي بفتح الجيم وتشديد السين

(بَابُ قِصَّةِ الْجَسَّاسَةِ [2942] هِيَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْأُولَى قِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَجَسُّسِهَا الْأَخْبَارَ لِلدَّجَّالِ وَجَاءَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهَا دَابَّةُ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ (عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قالت نكحت بن الْمُغِيرَةِ وَهُوَ مِنْ خِيَارِ شَبَابِ قُرَيْشٍ يَوْمئِذٍ فَأُصِيبَ فِي أَوَّلِ الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا تَأَيَّمْتُ خَطَبَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ) مَعْنَى تَأَيَّمْتُ صِرْتُ أَيِّمًا وَهِيَ التى لازوج لَهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ قَوْلُهَا فَأُصِيبَ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قُتِلَ فِي الْجِهَادِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)

وَتَأَيَّمَتْ بِذَلِكَ إِنَّمَا تَأَيَّمَتْ بِطَلَاقِهِ الْبَائِنِ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُونَ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِمْ وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ وَفَاتِهِ فَقِيلَ تُوُفِّيَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَقِبَ طَلَاقِهَا باليمن حكاه بن عَبْدِ الْبَرِّ وَقِيلَ بَلْ عَاشَ إِلَى خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهَا فَأُصِيبَ أَيْ بِجِرَاحَةٍ أوأصيب فى ماله أونحو ذَلِكَ هَكَذَا تَأَوَّلَهُ الْعُلَمَاءُ قَالَ الْقَاضِي إِنَّمَا أَرَادَتْ بِذَلِكَ عَدَّ فَضَائِلِهِ فَابْتَدَأَتْ بِكَوْنِهِ خَيْرَ شَبَابِ قُرَيْشٍ ثُمَّ ذَكَرَتِ الْبَاقِي وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ حَدِيثِ فَاطِمَةَ هَذَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَبَيَانُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَأُمُّ شَرِيكٍ مِنَ الْأَنْصَارِ) هَذَا قَدْ أَنْكَرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ إِنَّمَا هِيَ قُرَشِيَّةٌ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَاسْمُهَا غَرْبَةُ

وقيل غربلة وقال آخرون هما اثنتان قرشية وأنصارية قوله (ولكن انتقلى إلى بن عمك عبد الله بن عمرو بن أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فِهْرٍ فِهْرِ قُرَيْشٍ وَهُوَ مِنَ الْبَطْنِ الَّذِي هِيَ مِنْهُ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَقَوْلُهُ بن أُمِّ مَكْتُومٍ يُكْتَبُ بِأَلِفٍ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ لَا لِعَمْرٍو فَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ عَمْرٍو وَإِلَى أُمِّهِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَجُمِعَ نَسَبَهُ إِلَى أَبَوَيْهِ كَمَا فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ بن بحينة وعبد الله بن أبى بن سَلُولٍ وَنَظَائِرَ ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ الْمِقْدَادِ حِينَ قَتَلَ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ الْقَاضِي الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لَيْسَ بِابْنِ عمها ولامن الْبَطْنِ الَّذِي هِيَ مِنْهُ بَلْ مِنْ بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالصَّوَابُ أَنَّ مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ صَحِيحٌ وَالْمُرَادُ بِالْبَطْنِ هُنَا الْقَبِيلَةُ لَا الْبَطْنُ الَّذِي هُوَ أَخَصُّ منها والمراد أنه بن عَمِّهَا مَجَازًا لِكَوْنِهِ مِنْ قَبِيلَتِهَا فَالرِّوَايَةُ صَحِيحَةٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ قَوْلُهُ (الصَّلَاةَ جَامِعَةً) هُوَ بِنَصْبِ الصَّلَاةِ وَجَامِعَةٍ الْأَوَّلُ عَلَى الْإِغْرَاءِ وَالثَّانِي عَلَى الْحَالِ قَوْلُهَا (فَلَمَّا تَأَيَّمْتُ خَطَبَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ) إِلَى آخِرِهِ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخُطْبَةَ كَانَتْ فِي نَفْسِ الْعِدَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِنَّمَا كَانَتْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ

فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فَيُتَأَوَّلُ هَذَا اللَّفْظُ الْوَاقِعُ هُنَا عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونُ قَوْلُهُ انْتَقِلِي إِلَى أم شريك والى بن أُمِّ مَكْتُومٍ مُقَدَّمًا عَلَى الْخُطْبَةِ وَعَطْفِ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ سَفِينَةً) هَذَا مَعْدُودٌ فِي مَنَاقِبِ تَمِيمٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَى عَنْهُ هَذِهِ الْقِصَّةَ وَفِيهِ رِوَايَةُ الْفَاضِلُ عَنِ الْمَفْضُولِ وَرِوَايَةُ الْمَتْبُوعِ عَنْ تَابِعِهِ وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (ثم أرفؤ إلى جزيرة) هو بالهمز أى التجؤا إِلَيْهَا قَوْلُهُ (فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ السَّفِينَةِ) هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَهِيَ سَفِينَةٌ صَغِيرَةٌ تَكُونُ مَعَ الْكَبِيرَةِ كَالْجَنِيبَةِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا رُكَّابُ السَّفِينَةِ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ الْجَمْعُ قَوَارِبُ وَالْوَاحِدُ قَارِبٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَجَاءَ هُنَا أَقْرُبُ وَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْقِيَاسِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِأَقْرُبِ السَّفِينَةِ أُخْرَيَاتُهَا وَمَا قَرُبَ مِنْهَا لِلنُّزُولِ قَوْلُهُ (دَابَّةٌ أَهْلَبُ) كَثِيرُ الشَّعْرِ الْأَهْلَبُ غَلِيظُ الشَّعْرٍ كَثِيرُهُ قَوْلُهُ (فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمِ بِالْأَشْوَاقِ) أَيْ شَدِيدُ الْأَشْوَاقِ إِلَيْهِ وَقَوْلُهُ (فَرِقْنَا) أَي خِفْنَا قَوْلُهُ

صَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ) أَيْ هَاجَ وَجَاوَزَ حَدَّهُ الْمُعْتَادَ وَقَالَ الْكِسَائِيُّ الِاغْتِلَامُ أَنْ يَتَجَاوَزَ الْإِنْسَانُ مَا حُدَّ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ وَالْمُبَاحِ قَوْلُهُ (عَيْنُ زُغَرَ) بِزَايٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ غَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ رَاءٍ وَهِيَ بَلْدَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي الْجَانِبِ الْقِبْلِيِّ مِنَ الشَّامِ وَأَمَّا طيبة فهي المدينة ويقال

لَهَا أَيْضًا طَابَةُ وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ اشْتِقَاقُهَا مَعَ بَاقِي أَسْمَائِهَا قَوْلُهُ (بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا) بِفَتْحِ الصَّادِ وَضَمِّهَا أَيْ مَسْلُولًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ) قَالَ الْقَاضِي لَفْظَةُ مَا هُوَ زَائِدَةٌ صِلَةٌ لِلْكَلَامِ لَيْسَتْ بِنَافِيَةٍ وَالْمُرَادُ إِثْبَاتُ أَنَّهُ فِي جِهَاتِ الْمَشْرِقِ قَوْلُهُ (فَأَتْحَفَتْنَا بِرُطَبٍ يقال له رطب بن طَابٍ وَسَقَتْنَا سُوَيْقَ سُلْتٍ) أَيْ ضَيَّفَتْنَا بِنَوْعٍ مِنَ الرُّطَبِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَسَبَقَ

أَنَّ تَمْرَ الْمَدِينَةِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ نَوْعًا وسلت بِضَمِّ السِّينِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَبِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ وَهُوَ حَبٌّ يُشْبِهُ الْحِنْطَةَ وَيُشْبِهُ الشَّعِيرَ قَوْلُهُ (تَاهَتْ بِهِ سَفِينَتُهُ) أَيْ سَلَكَتْ عَنِ الطَّرِيقِ قوله

(باب في بقية من أحاديث الدجال [2944] قوله صلى الله عليه

(فَيَضْرِبُ رُوَاقَهُ) أَيْ يَنْزِلُ هُنَاكَ وَيَضَعُ ثِقَلَهُ (بَاب فِي بَقِيَّةٍ مِنْ أَحَادِيثِ الدَّجَّالِ [2944] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ سَبْعُونَ أَلْفًا) هَكَذَا هُوَ فِي جميع النسخ)

بِبِلَادِنَا سَبْعُونَ بِسِينٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ قَالَ وَفِي رواية بن مَاهَانَ تِسْعُونَ أَلْفًا بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ قَبْلَ السِّينِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَأَصْبَهَانُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وبالياء وَالْفَاءِ [2946] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أكبر

مِنَ الدَّجَّالِ) الْمُرَادُ أَكْبَرُ فِتْنَةً وَأَعْظَمُ شَوْكَةً [2947] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوِ الدَّجَّالَ أَوِ الدُّخَانَ أَوِ الدَّابَّةَ أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكِمْ أوأمر الْعَامَّةِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الدَّجَّالَ وَالدُّخَانَ إِلَى قَوْلِهِ وَخُوَيْصَةَ أَحَدِكِمْ فَذَكَرَ السِّتَّةَ فِي الرِّوَايَةِ الأولى معطوفة بأوالتى هِيَ لِلتَّقْسِيمِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْوَاوِ قَالَ هِشَامٌ خَاصَّةُ أَحَدِكِمُ الْمَوْتُ وَخُوَيْصَةُ تَصْغِيرُ خَاصَّةُ وَقَالَ قَتَادَةُ أَمْرُ الْعَامَّةِ الْقِيَامَةُ كَذَا ذَكَرَهُ عَنْهُمَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَوْلُهُ (أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِيُّ) هُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُهُمْ صَوَابُهُ الْعَاشِي بِالْأَلِفِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي عَاشِ بْنِ تَيْمِ اللَّهِ بْنِ عِكَابَةَ وَلَكِنْ الذى ذكره عبد الغنى وبن مَاكُولَا وَسَائِرُ الْحُفَّاظِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي مُسْلِمٍ وَسَائِرِ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْعَيْشِيُّ وَلَعَلَّهُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ مِنَ الْعَرَبِ فِي عَائِشَةَ عَيْشَةُ قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ هِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ جَاءَتْ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ قُلْتُ وَقَدْ حَكَى هذه اللغة أيضا ثعلب عن بن الْأَعْرَابِيِّ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ بِسْطَامَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَأَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ الصَّرْفُ وَتَرْكُهُ قَوْلُهُ (عَنْ زِيَادِ بْنِ رِيَاحٍ) هُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْمُثَنَّاةِ هَكَذَا قَالَ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمِصْرِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ فَتْحَ الْمُثَنَّاةِ وَالْمُوَحَّدَةِ مَعَ فتح الراء

(باب فضل العبادة في الهرج [2948] قوله صلى الله عليه وسلم

(بَاب فَضْلِ الْعِبَادَةِ فِي الْهَرْجِ [2948] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) الْمُرَادُ بِالْهَرْجِ هُنَا الْفِتْنَةُ وَاخْتِلَاطُ أُمُورِ النَّاسِ وَسَبَبُ كَثْرَةِ فَضْلِ الْعِبَادَةِ فِيهِ أَنَّ الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها ولايتفرغ لها إلا)

(أفراد [2950] قوله صلى الله عليه وسلم (بعثت أنا والساعة

(أفراد [2950] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ هَكَذَا) وَفِي رِوَايَةٍ كَهَاتَيْنِ وَضَمَّ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى وَفِي رِوَايَةٍ قَرَنَ بَيْنَهُمَا قَالَ قَتَادَةُ كَفَضْلِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى رُوِيَ بِنَصْبِ السَّاعَةِ وَرَفْعِهَا وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَقِيلَ الْمُرَادُ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ يَسِيرٌ كَمَا بَيْنَ الْأُصْبُعَيْنِ فِي الطُّولِ وَقِيلَ هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى قُرْبِ الْمُجَاوَزَةِ)

[2952] قَوْلُهُ (سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ مَتَى هِيَ فَنَظَرَ إِلَى أَحْدَثِ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ فَقَالَ إِنْ يَعِشْ هَذَا لَمْ يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ قَامَتْ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ وَفِي رِوَايَةٍ إِنْ يَعِشْ هَذَا الْغُلَامُ فَعَسَى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة وفي رواية إِنَّ عُمِّرَ هَذَا لَمْ يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ وَفِي رِوَايَةٍ إِنْ يُؤَخَّرْ هَذَا قَالَ الْقَاضِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلُّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَعْنَى الْأَوَّلِ وَالْمُرَادُ بِسَاعَتِكُمْ مَوْتِهِمْ وَمَعْنَاهُ يَمُوتُ ذلك القرن أوأولئك الْمُخَاطَبُونَ قُلْتُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ الغلام لايبلغ الهرم ولايعمر

(باب ما بين النفختين [2955] قوله صلى الله عليه وسلم (ما

ولايؤخر [2954] قَوْلُهُ (وَالرَّجُلُ يَلِطُ فِي حَوْضِهِ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الطَّاءِ وَفِي بَعْضِهَا يَلِيطُ بِزِيَادَةِ يَاءٍ وَفِي بَعْضِهَا يَلُوطُ وَمَعْنَى الْجَمِيعِ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ يُطَيِّنُهُ وَيُصْلِحُهُ (بَاب مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ [2955] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا بَيْنَ النفختين أربعون قالوا ياأبا هُرَيْرَةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَالَ أَبَيْتُ إِلَى آخِرِهِ) مَعْنَاهُ أَبَيْتُ أَنْ أَجْزِمَ أَنَّ الْمُرَادَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا أَوْ سَنَةً أَوْ شَهْرًا بَلِ الَّذِي أَجْزِمُ بِهِ أَنَّهَا أَرْبَعُونَ)

مُجْمَلَةٌ وَقَدْ جَاءَتْ مُفَسَّرَةً مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ أَرْبَعُونَ سَنَةً قَوْلُهُ (عَجْبُ الذَّنَبِ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ أَيِ الْعَظْمُ اللَّطِيفُ الَّذِي فِي أَسْفَلِ الصُّلْبِ وَهُوَ رَأْسُ الْعُصْعُصِ وَيُقَالُ لَهُ عَجْمُ بِالْمِيمِ وَهُوَ أَوَّلُ مَا يُخْلَقُ مِنَ الْآدَمِيِّ وَهُوَ الَّذِي يَبْقَى مِنْهُ لِيُعَادَ تَرْكِيبُ الْخَلْقِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (كل بن آدم يأكله التراب الاعجم الذَّنَبَ) هَذَا مَخْصُوصٌ فَيُخَصُّ مِنْهُ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَهُمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ

كتاب الزهد

( كتاب الزهد) [2956] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ) مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ مَسْجُونٌ مَمْنُوعٌ فِي الدُّنْيَا مِنَ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْمَكْرُوهَةِ مُكَلَّفٌ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ الشَّاقَّةِ فَإِذَا مَاتَ اسْتَرَاحَ مِنْ هَذَا وَانْقَلَبَ إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنَ النَّعِيمِ الدَّائِمِ وَالرَّاحَةُ الْخَالِصَةُ مِنَ النُّقْصَانِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَإِنَّمَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا حَصَّلَ فِي الدُّنْيَا مَعَ قِلَّتِهِ وَتَكْدِيرِهِ بِالْمُنَغِّصَاتِ فَإِذَا مَاتَ صَارَ إِلَى الْعَذَابِ الدَّائِمِ وَشَقَاءِ الْأَبَدِ [2957] قَوْلُهُ (وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَنَفَتَيْهِ مَعْنَى الْأَوَّلِ جَانِبَهُ وَالثَّانِي جَانِبَيْهِ قَوْلُهُ (جَدْيِ أَسَكَّ) أَيْ صَغِيرُ الأذنين قوله (بن عَرْعَرَةَ السَّاعِي) هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَعَرْعَرَةُ

بِعَيْنَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ [2959] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَلِمُعْظَمِ الرُّوَاةِ فَاقْتَنَى بِالتَّاءِ وَمَعْنَاهَا ادَّخَرَهُ لِآخِرَتِهِ أَيْ ادَّخَرَ ثَوَابَهُ وَفِي بَعْضِهَا فَأَقْنَى بِحَذْفِ التَّاءِ

أَيْ أَرْضَى [2962] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فُتِحَتْ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ أَيُّ قَوْمٍ أَنْتُمْ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللَّهُ) مَعْنَاهُ نَحْمَدُهُ وَنَشْكُرُهُ وَنَسْأَلُهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَتَنَافَسُونَ ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ ثُمَّ تتباغضون أو نَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ تَنْطَلِقُونَ فِي مَسَاكِينِ الْمُهَاجِرِينَ فَتَجْعَلُونَ بَعْضَهُمْ عَلَى رِقَابِ بَعْضٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ التَّنَافُسُ إِلَى الشَّيْءِ الْمُسَابَقَةُ إِلَيْهِ وَكَرَاهَةُ أَخْذِ غَيْرِكِ إِيَّاهُ وَهُوَ أَوَّلُ دَرَجَاتِ الْحَسَدِ وَأَمَّا الْحَسَدُ فَهُوَ تَمَّنِي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ صَاحِبِهَا وَالتَّدَابُرُ التَّقَاطُعُ وَقَدْ بَقِيَ مَعَ التَّدَابُرِ شَيْءٌ من المودة أو لايكون مودة لاوبغض

وَأَمَّا التَّبَاغُضُ فَهُوَ بَعْدَ هَذَا وَلِهَذَا رُتِّبَتْ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ يَنْطَلِقُونَ فِي مَسَاكِينِ الْمُهَاجِرِينَ أَيْ ضُعَفَائِهِمْ فَيَجْعَلُونَ بَعْضَهُمْ أُمَرَاءُ عَلَى بَعْضٍ هَكَذَا فَسَّرُوهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (انظرواالى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى من هو فوقكم فهو أجدر أن لاتزدروا نعمة الله عليكم) معنى أجدر أحق وتزدروا تحقروا قال بن جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ هَذَا حَدِيثٌ جَامِعٌ لِأَنْوَاعٍ مِنَ الْخَيْرِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا رَأَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا طَلَبَتْ نَفْسُهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَاسْتَصْغَرَ مَا عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَرَصَ عَلَى الِازْدِيَادِ لِيَلْحَقَ بِذَلِكَ أَوْ يُقَارِبَهُ هَذَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي غَالِبِ النَّاسِ وَأَمَّا إِذَا نَظَرَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا إِلَى مَنِ هُوَ دُونَهُ فِيهَا ظَهَرَتْ لَهُ نِعْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَشَكَرَهَا وَتَوَاضَعَ وَفَعَلَ فِيهِ الْخَيْرَ قوله صلى

[2964] اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يُبْلِيَهُمْ بِإِسْقَاطِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَمَعْنَاهُمَا الِاخْتِبَارُ وَالنَّاقَةُ الْعُشَرَاءُ الْحَامِلُ الْقَرِيبَةُ الْوِلَادَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (شَاةً وَالِدًا) أى وضعت ولدها وهو مَعَهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا) هَكَذَا الرِّوَايَةُ فَأُنْتِجَ رُبَاعِيٌّ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةُ الِاسْتِعْمَالِ وَالْمَشْهُورُ نَتَجَ ثُلَاثِيٌّ وَمِمَّنْ حَكَى اللُّغَتَيْنِ الْأَخْفَشُ وَمَعْنَاهُ تَوَلَّى الْوِلَادَةَ وَهِيَ النَّتْجُ وَالْإِنْتَاجُ وَمَعْنَى وَلَّدَ هَذَا بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مَعْنَى أَنْتَجَ وَالنَّاتِجُ لِلْإِبِلِ وَالْمُوَلِّدُ

لِلْغَنَمِ وَغَيْرِهَا هُوَ كَالْقَابِلَةِ لِلنِّسَاءِ قَوْلُهُ (انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ) هُوَ بِالْحَاءِ وَهِيَ الْأَسْبَابُ وَقِيلَ الطُّرُقُ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ الْجِبَالُ بِالْجِيمِ وَرُوِيَ الْحِيَلُ جَمْعُ حِيلَةٍ وَكُلٌّ صَحِيحٌ قَوْلُهُ (وَرِثْتُ هَذَا الْمَالَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ) أَيْ وَرِثْتُهُ عَنْ آبَائِي الَّذِينَ وَرِثُوهُ مِنْ أَجْدَادِي الَّذِينَ وَرِثُوهُ مِنْ آبَائِهِمْ كَبِيرًا عَنْ كَبِيرٍ فى العز والشرف والثروة قوله (فوالله لاأجهدك الْيَوْمَ شَيْئًا أَخَذْتَهُ لِلَّهِ تَعَالَى) هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ أَجْهَدُكَ بِالْجِيمِ وَالْهَاءِ وَفِي رواية بن مَاهَانَ أَحْمَدُكَ بِالْحَاءِ وَالْمِيمِ وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ بِالْوَجْهَيْنِ لَكِنِ الْأَشْهَرُ فِي مُسْلِمٍ بِالْجِيمِ وَفِي الْبُخَارِيِّ بِالْحَاءِ وَمَعْنَى الْجِيمِ

لَا أَشُقُّ عَلَيْكَ بِرَدِّ شَيْءٍ تَأْخُذُهُ أَوْ تَطْلُبُهُ مِنْ مَالِي وَالْجَهْدُ الْمَشَقَّةُ وَمَعْنَاهُ بِالْحَاءِ لاأحمدك بِتَرْكِ شَيْءٍ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَوْ تُرِيدُهُ فَتَكُونُ لَفْظَةُ التَّرْكِ مَحْذُوفَةً مُرَادَةً كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ لَيْسَ عَلَى طُولِ الْحَيَاةِ نَدَمٌ أَيْ فَوَاتُ طُولِ الْحَيَاةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الرِّفْقِ بِالضُّعَفَاءِ وَإِكْرَامِهِمْ وَتَبْلِيغِهِمْ مَا يَطْلُبُونَ مِمَّا يُمْكِنُ وَالْحَذَرُ مِنْ كَسْرِ قُلُوبِهِمْ وَاحْتِقَارِهِمْ وَفِيهِ التَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَمُّ جَحْدِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ [2965] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ) الْمُرَادُ بِالْغَنِىِّ غَنِىُّ النَّفْسِ هَذَا هُوَ الْغَنِىُّ الْمَحْبُوبُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ وَأَشَارَ الْقَاضِي إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْغَنِىَّ بِالْمَالِ وَأَمَّا الْخَفِيُّ فَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ هَذَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي النُّسَخِ وَالْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَاتِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ بَعْضَ رُوَاةِ مُسْلِمٍ رَوَاهُ بِالْمُهْمَلَةِ فَمَعْنَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ الْخَامِلُ الْمُنْقَطِعُ إِلَى الْعِبَادَةِ وَالِاشْتِغَالِ بِأُمُورِ نَفْسِهِ وَمَعْنَاهُ بِالْمُهْمَلَةِ الْوَصُولُ لِلرَّحِمِ اللطيف بهم

وَبِغَيْرِهِمْ مِنَ الضُّعَفَاءِ وَالصَّحِيحُ بِالْمُعْجَمَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ يَقُولُ الِاعْتِزَالُ أَفْضَلُ مِنَ الِاخْتِلَاطِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَمَنْ قَالَ بِالتَّفْضِيلِ لِلِاخْتِلَاطِ قَدْ يُتَأَوَّلُ هَذَا عَلَى الِاعْتِزَالِ وَقْتَ الْفِتْنَةِ وَنَحْوِهَا [2966] قَوْلُهُ (وَاَللَّهِ إِنِّي لَأَوَّلُ رَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى) فِيهِ مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُ وَجَوَازُ مَدْحِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَقَدْ سَبَقَتْ نَظَائِرُهُ وَشَرْحُهَا قَوْلُهُ (مَا لَنَا طعام نأكله الاورق الْحُبْلَةِ وَهَذَا السَّمُرُ) الْحُبْلَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ واسكان الموحدة والسمر بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّ الْمِيمِ وَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ شَجَرِ الْبَادِيَةِ كَذَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَآخَرُونَ وَقِيلَ الْحُبْلَةُ ثَمَرُ الْعِضَاهِ وَهَذَا يَظْهَرُ عَلَى رواية البخارى الاالحبلة وَوَرَقُ السَّمُرِ وَفِي هَذَا بَيَانُ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالتَّقَلُّلِ مِنْهَا وَالصَّبْرِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمَشَاقِّ الشَّدِيدَةِ قَوْلُهُ (ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الدِّينِ) قَالُوا الْمُرَادُ بِبَنِي أَسَدٍ بَنُو الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى قَالَ الْهَرَوِيُّ مَعْنَى تُعَزِّرُنِي تُوقِفُنِي وَالتَّعْزِيرُ التَّوْقِيفُ عَلَى الْأَحْكَامِ وَالْفَرَائِضِ وَقَالَ بن جَرِيرٍ مَعْنَاهُ تُقَوِّمُنِي وَتُعَلِّمُنِي وَمِنْهُ تَعْزِيرُ السُّلْطَانِ وهو تقويمه

بِالتَّأْدِيبِ وَقَالَ الْجَرْمِيُّ مَعْنَاهُ اللَّوْمُ وَالْعُتْبُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ تُوَبِّخُنِي عَلَى التَّقْصِيرِ فِيهِ [2967] قَوْلُهُ (إِنَّ الدنيا قدآذنت بصرم وولت حذاء ولم يبق منها الاصبابة كَصُبَابَةِ الْإِنَاءِ يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا) أَمَّا آذَنَتْ فَبِهَمْزَةٍ ممدودة وفتح الذال أى أعلمت والصرم بِالضَّمِّ أَيِ الِانْقِطَاعُ وَالذَّهَابُ وَقَوْلُهُ حَذَّاءَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَأَلِفٍ ممدودة أي مسرعة الانقطاع والصبابة بِضَمِّ الصَّادِ الْبَقِيَّةُ الْيَسِيرَةُ مِنَ الشَّرَابِ تَبْقَى فِي أَسْفَلِ الْإِنَاءِ وَقَوْلُهُ يَتَصَابُّهَا أَيْ يَشْرَبُهَا وَقَعْرُ الشَّيْءِ أَسْفَلُهُ وَالْكَظِيظُ الْمُمْتَلِئُ قَوْلُهُ (قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا) أَيْ صَارَ فِيهَا قُرُوحٌ وَجِرَاحٌ مِنْ خُشُونَةِ الْوَرَقِ الَّذِي نَأْكُلُهُ وَحَرَارَتِهِ قَوْلُهُ (سَعْدُ بن مالك) هو سعد بن أبىوقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

[2968] قَوْلُهُ (هَلْ نَرَى رَبَّنَا) قَدْ سَبَقَ شَرْحُ الرِّوَايَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَقُولُ أَيْ فُلْ) هُوَ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَمَعْنَاهُ يافلان وَهُوَ تَرْخِيمٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَقِيلَ هِيَ لُغَةٌ بِمَعْنَى فُلَانٍ حَكَاهَا الْقَاضِي وَمَعْنَى أُسَوِّدْكَ أَجْعَلُكَ سَيِّدًا عَلَى غَيْرِكِ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ) أَمَّا تَرْأَسُ فَبِفَتْحِ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَمَعْنَاهُ رَئِيسُ الْقَوْمِ وَكَبِيرُهُمْ وَأَمَّا تَرْبَعُ فَبِفَتْحِ التَّاءِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ هكذا رواه الجمهور وفى رواية بن ماهان

تَرْتَعُ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقُ بَعْدَ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ بِالْمُوَحَّدَةِ تَأْخُذُ الْمِرْبَاعَ الَّذِي كَانَتْ مُلُوكُ الْجَاهِلِيَّةِ تَأْخُذُهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَهُوَ رُبْعُهَا يُقَالُ رَبَعْتُهُمْ أَيْ أَخَذْتُ رُبْعَ أَمْوَالِهِمْ وَمَعْنَاهُ أَلَمْ أَجْعَلْكَ رَئِيسًا مُطَاعًا وَقَالَ الْقَاضِي بَعْدَ حِكَايَتِهِ نَحْوَ مَا ذكرته عندى ان معناه تركتك مستريحا لاتحتاج إِلَى مَشَقَّةٍ وَتَعَبٍ مِنْ قَوْلِهِمْ أَرْبِعْ عَلَى نَفْسِكِ أَيِ ارْفُقْ بِهَا وَمَعْنَاهُ بِالْمُثَنَّاةِ تَتَنَعَّمُ وَقِيلَ تَأْكُلُ وَقِيلَ تَلْهُو وَقِيلَ تَعِيشُ فِي سَعَةٍ قَوْلُهُ تَعَالَى (فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي) أَيْ أَمْنَعَكَ الرَّحْمَةَ كَمَا امْتَنَعْتَ مِنْ طَاعَتِي قوله (فيقول ها هنا اذا) معناه

قف ها هنا حتى يشهد عليك جوارحك اذقد صرت منكرا [2969] وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ) أَيْ لِجَوَارِحِهِ وَقَوْلُهُ (كُنْتُ أُنَاضِلُ) أَيْ أُدَافِعُ وَأُجَادِلُ [1055] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا) قِيلَ كِفَايَتُهُمْ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الاخرى كفافا

وقيل هو سد الرمق [2972] قوله (حدثنا عمر النَّاقِدُ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَيَحْيَى بْنُ يَمَانٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ) مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ عَمْرًا النَّاقِدَ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدَةَ وَيَحْيَى بْنَ يَمَانٍ كِلَاهُمَا

عَنْ هِشَامٍ [2973] قَوْلُهُ (شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ) الرَّفُّ بِفَتْحِ الرَّاءِ مَعْرُوفٌ وَالشَّطْرُ هُنَا مَعْنَاهُ شَيْءٌ مِنْ شَعِيرِ كَذَا فَسَّرَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ القاضي قال بن أَبِي حَازِمٍ مَعْنَاهُ نِصْفُ وَسْقٍ قَالَ الْقَاضِي وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْبَرَكَةَ أَكْثَرُ مَا تَكُونُ فِي الْمَجْهُولَاتِ وَالْمُبْهَمَاتِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ كِيلُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ فَقَالُوا الْمُرَادُ أَنْ يَكِيلَهُ مِنْهُ لِأَجْلِ إِخْرَاجِ النَّفَقَةِ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى الْبَاقِي مَجْهُولًا وَيَكِيلُ مَا يُخْرِجُهُ لِئَلَّا يُخْرِجَ أَكْثَرَ مِنَ الْحَاجَةِ أَوْ أَقَلَّ [2972] قَوْلُهُ (فَمَا كَانَ يُعَيِّشُكُمْ

هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ فَمَا كَانَ يُقِيتُكُمْ [2975] قَوْلُهَا (حِينَ شَبِعَ النَّاسُ مِنَ التَّمْرِ وَالْمَاءِ) الْمُرَادُ حِينَ شَبِعُوا مِنَ التَّمْرِ وَإِلَّا فَمَا زَالُوا شباعا من الماء قوله

(ما تجد مِنَ الدَّقَلِ) هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَالْقَافِ وَهُوَ تَمْرٌ رَدِيءٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2977]

باب النهى عن الدخول على أهل الحجر إلامن يدخل

(أربعين خريفا) أى أربعين سنة (باب النهى عن الدخول على أهل الحجر إلامن يدخل باكيا [2980] قَوْلِهِ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحاب الحجر لاتدخلوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ)

تَكُونُوا بَاكِينَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ) فَقَوْلُهُ قَالَ لِأَصْحَابِ الْحِجْرِ أَيْ قَالَ فِي شأنهم وكان هذا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وقَوْلُهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ خَشْيَةَ أَنْ يُصِيبَكُمْ أَوْ حَذَرَ أَنْ يُصِيبَكُمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْمُرَاقَبَةِ عِنْدَ الْمُرُورِ بِدِيَارِ الظَّالِمِينَ وَمَوَاضِعِ الْعَذَابِ وَمِثْلُهُ الْإِسْرَاعُ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْفِيلِ هَلَكُوا هُنَاكَ فَيَنْبَغِي لِلْمَارِّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْمُرَاقَبَةُ وَالْخَوْفُ وَالْبُكَاءُ وَالِاعْتِبَارُ بِهِمْ وَبِمَصَارِعِهِمْ وَأَنْ يَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ (ثُمَّ زَجَرَ فَأَسْرَعَ حَتَّى خَلَّفَهَا) أَيْ زَجَرَ نَاقَتَهُ فَحَذَفَ ذِكْرَ النَّاقَةِ لِلْعِلْمِ بِهِ وَمَعْنَاهُ سَاقَهَا سَوْقًا كَثِيرًا حَتَّى خَلَّفَهَا وَهُوَ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ جَاوَزَ الْمَسَاكِنَ [2981] قَوْلُهُ (فَاسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا وَعَجَنُوا بِهِ الْعَجِينَ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إن يهريقوا ما استقواويعلفوا

(باب فضل الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم [2982] قوله

الْإِبِلَ الْعَجِينَ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ هُنَاكَ تَرِدُهَا النَّاقَةُ) وَفِي رِوَايَةٍ فاستقوا من بئارها أما الأبئار فَبِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ جَمْعُ بِئْرٍ كَحِمْلٍ وَأَحْمَالٍ وَيَجُوزُ قَلْبُهُ فَيُقَالُ آبَارٌ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَهُوَ جَمْعُ قِلَّةٍ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بِئَارُهَا بِكَسْرِ الْبَاءِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَهُوَ جَمْعُ كَثْرَةٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا النهى عن استعمال مياه بئار الحجر الابئر النَّاقَةِ وَمِنْهَا لَوْ عَجَنَ مِنْهُ عَجِينًا لَمْ يَأْكُلْهُ بَلْ يَعْلِفْهُ الدَّوَابَّ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَجُوزُ عَلْفُ الدَّابَّةِ طَعَامًا مَعَ مَنْعِ الْآدَمِيِّ مِنْ أَكْلِهِ وَمِنْهَا مُجَانَبَةُ آبَارِ الظَّالِمِينَ وَالتَّبَرُّكُ بِآبَارِ الصالحين (باب فضل الْإِحْسَانِ إِلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ وَالْيَتِيمِ [2982] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الْمُرَادُ بِالسَّاعِي الْكَاسِبُ لهما العامل لمؤنتهما والأرملة من لازوج لَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ أَمْ لَا وَقِيلَ هي التى فارقت زوجها قال بن قُتَيْبَةَ سُمِّيَتْ أَرْمَلَةً لِمَا يَحْصُلُ لَهَا مِنَ الْإِرْمَالِ وَهُوَ الْفَقْرُ وَذَهَابُ الزَّادِ بِفَقْدِ)

(باب فضل بناء المساجد [533] قوله (من بنى لله مسجدا بنى

الزَّوْجِ يُقَالُ أَرْمَلَ الرَّجُلُ إِذَا فَنِيَ زَادُهُ [2983] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ) كَافِلُ الْيَتِيمِ الْقَائِمُ بِأُمُورِهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَتَأْدِيبٍ وَتَرْبِيَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذِهِ الْفَضِيلَةُ تَحْصُلُ لِمَنْ كَفَلَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَاَلَّذِي لَهُ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا لَهُ كَجَدِّهِ وَأُمِّهِ وَجَدَّتِهِ وَأَخِيهِ وَأُخْتِهِ وَعَمِّهِ وَخَالِهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَقَارِبِهِ وَاَلَّذِي لِغَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ أَجْنَبِيًّا (بَاب فَضْلِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ [533] قَوْلُهُ (مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ) يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ فِي الْقَدْرِ وَالْمِسَاحَةِ وَلَكِنَّهُ أَنْفَسُ مِنْهُ بِزِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ وَيُحْتَمَلُ مِثْلُهُ فِي مُسَمَّى الْبَيْتِ وان كان أكبر مساحة واشرف)

(باب فضل الانفاق على المساكين وبن السبيل [2984] قوله (اسق

(باب فضل الانفاق على المساكين وبن السبيل [2984] قَوْلُهُ (اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ) الْحَدِيقَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ النَّخِيلِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْأَرْضِ ذَاتِ الشَّجَرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ) مَعْنَى)

(باب تحريم الرياء [2985] قوله (تعالى أنا أغنى الشركاء عن

تَنَحَّى قَصَدَ يُقَالُ تَنَحَّيْتُ الشَّيْءَ وَانْتَحَيْتُهُ وَنَحَوْتُهُ إِذَا قَصَدْتُهُ وَمِنْهُ سُمِّيَ عِلْمُ النَّحْوِ لِأَنَّهُ قَصْدُ كَلَامِ الْعَرَبِ وَأَمَّا الْحَرَّةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ فهي أرض ملبسة حجارة سودا وَالشَّرْجَةُ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَجَمْعُهَا شِرَاجٌ بِكَسْرِ الشِّينِ وَهِيَ مَسَائِلُ الْمَاءِ فِي الْحِرَارِ وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ الصَّدَقَةِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَفَضْلُ أَكْلِ الْإِنْسَانِ مِنْ كسبه والانفاق على العيال (باب تحريم الرياء [2985] قَوْلُهُ (تَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ) هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ وَشِرْكَهُ وَفِي بَعْضِهَا وَشَرِيكَهُ وَفِي بَعْضِهَا وَشَرِكَتَهُ وَمَعْنَاهُ أنا غنى)

عَنِ الْمُشَارَكَةِ وَغَيْرِهَا فَمَنْ عَمِلَ شَيْئًا لِي وَلِغَيْرِي لَمْ أَقْبَلْهُ بَلْ أَتْرُكْهُ لِذَلِكَ الْغَيْرِ والمراد أن عمل المرائى باطل لاثواب فِيهِ وَيَأْثَمُ بِهِ [2986] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ سَمِعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ رَايَا رَايَا اللَّهُ بِهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ مَنْ رَايَا بِعَمَلِهِ وَسَمَّعَهُ النَّاسَ لِيُكْرِمُوهُ وَيُعَظِّمُوهُ وَيَعْتَقِدُوا خَيْرَهُ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ النَّاسَ وَفَضَحَهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَنْ سَمَّعَ بِعُيُوبِهِ وَأَذَاعَهَا أَظْهَرَ اللَّهُ عُيُوبَهُ وَقِيلَ أَسْمَعَهُ الْمَكْرُوهَ وَقِيلَ أَرَاهُ اللَّهُ ثَوَابَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْطِيهِ إِيَّاهُ لِيَكُونَ حَسْرَةً عَلَيْهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَنْ أَرَادَ بِعَمَلِهِ النَّاسَ أَسْمَعَهُ اللَّهُ النَّاسَ وَكَانَ ذَلِكَ حَظَّهُ مِنْهُ [2987] قَوْلُهُ (سَمِعْتُ جُنْدُبًا الْعَلَقِيُّ) هُوَ

(باب حفظ اللسان قوله صلى الله عليه وسلم (إن الرجل

بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ وَبِالْقَافِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْعَلَقَةِ بَطْنٌ مِنْ بَجِيلَةَ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي كتاب الصلاة (باب حفظ اللسان قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنَ مَا فِيهَا يُهْوِي بها فى النار) معناه لايتدبرها ويفكر فى قبحها ولايخاف مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا وَهَذَا كَالْكَلِمَةِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْوُلَاةِ وَكَالْكَلِمَةِ تُقْذَفُ أَوْ مَعْنَاهُ كالكلمة التى يترتب عليها إضرارمسلم وَنَحْوُ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ حَثٌّ عَلَى حِفْظِ اللِّسَانِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ وَيَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ النُّطْقَ بكلمة أوكلام أَنْ يَتَدَبَّرَهُ فِي نَفْسِهِ قَبْلَ نُطْقِهِ فَإِنْ ظهرت مصلحته تكلم وإلاأمسك)

باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولايفعله وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَيَفْعَلُهُ [2989] قَوْلُهُ (أَتَرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الاسمعكم وَفِي بَعْضِهَا أَسْمَعَكُمْ وَكُلُّهُ بِمَعْنَى أَتَظُنُّونَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ قَوْلُهُ (أَفْتَتِحَ أمرا لاأحب أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَفْتَتَحَهُ) يَعْنِي الْمُجَاهَرَةُ بِالْإِنْكَارِ عَلَى الْأُمَرَاءِ فِي الْمَلَأِ كَمَا جَرَى لِقَتَلَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ الْأَدَبُ مَعَ الْأُمَرَاءِ وَاللُّطْفُ بِهِمْ وَوَعْظُهُمْ سِرًّا وَتَبْلِيغُهُمْ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهِمْ لِيَنْكَفُّوا عَنْهُ وَهَذَا كله اذا أمكن ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْوَعْظُ سِرًّا وَالْإِنْكَارُ فَلْيَفْعَلْهُ عَلَانِيَةً لِئَلَّا يَضِيعَ أَصْلُ الْحَقِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ) هُوَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْأَقْتَابُ الْأَمْعَاءُ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَاحِدُهَا قِتْبَةٌ وَقَالَ

(باب النهي عن هتك الإنسان ستر نفسه [2990] قوله (كل أمتي

غيره قتب وقال بن عُيَيْنَةَ هِيَ مَا اسْتَدَارَ فِي الْبَطْنِ وَهِيَ الْحَوَايَا وَالْأَمْعَاءُ وَهِيَ الْأَقْصَابُ وَاحِدُهَا قَصَبٌ وَالِانْدِلَاقُ خُرُوجُ الشَّيْءِ مِنْ مَكَانِهِ (بَاب النَّهْيِ عَنْ هَتْكِ الْإِنْسَانِ سِتْرَ نَفْسِهِ [2990] قَوْلُهُ (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافَاةٌ إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنَ الْإِجْهَارِ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ عَمَلًا إِلَى آخِرِهِ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَالْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ مُعَافَاةٌ بِالْهَاءِ فى آخره يعود إلى الامة وقوله الاالمجاهرين هُمُ الَّذِينَ جَاهَرُوا بِمَعَاصِيهِمْ وَأَظْهَرُوهَا وَكَشَفُوا مَا سَتَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فَيَتَحَدَّثُونَ بِهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا حَاجَةٍ يُقَالُ جَهَرَ بِأَمْرِهِ وَأَجْهَرَ وَجَاهَرَ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَإِنَّ مِنَ الْإِجْهَارِ فَكَذَا هو فى جميع النسخ الا نسخة بن مَاهَانَ فَفِيهَا وَإِنَّ مِنَ الْجِهَارِ وَهُمَا صَحِيحَانِ الْأَوَّلُ مِنْ أَجْهَرَ وَالثَّانِي مِنْ جَهَرَ وَأَمَّا قول مُسْلِمٌ وَقَالَ زُهَيْرٌ وَإِنَّ مِنَ الْهِجَارِ بِتَقْدِيمِ الْهَاءِ فَقِيلَ إِنَّهُ خِلَافُ الصَّوَابِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ وَيَكُونُ الْهِجَارُ لُغَةً فِي الْهِجَارِ الَّذِي هُوَ الْفُحْشُ وَالْخَنَا وَالْكَلَامُ الَّذِي لاينبغى وَيُقَالُ فِي هَذَا أَهْجَرَ إِذَا أَتَى بِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ)

(باب تشميت العاطس وكراهة التثاؤب يقال شمت بالشين

(بَاب تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَكَرَاهَةِ التَّثَاؤُبِ يُقَالُ شَمَّتَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْمُعْجَمَةُ أَفْصَحُ قَالَ ثَعْلَبٌ مَعْنَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ أَبْعَدَ اللَّهُ عَنْكَ الشَّمَاتَةَ وَبِالْمُهْمَلَةِ هُوَ مِنَ السَّمْتِ وَهُوَ الْقَصْدُ وَالْهُدَى وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ التَّشْمِيتِ وَأَحْكَامِهِ فِي كِتَابِ السَّلَامِ وَمَوَاضِعَ وَاجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ مَشْرُوعٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي إِيجَابِهِ فَأَوْجَبَهُ أَهْلُ الظاهر وبن مَرْيَمَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَهُ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ قَالَ الْقَاضِي وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ قَالَ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَرَدِّ السَّلَامِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَآخَرِينَ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَأَدَبٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَيَحْمِلُونَ الْحَدِيثَ عَنِ النَّدْبِ وَالْأَدَبِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَمْدِ وَالرَّدِّ وَاخْتَلَفَتْ فِيهِ الْآثَارُ فَقِيلَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حال وقال بن جَرِيرٍ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذَا كُلِّهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ وَأَمَّا لَفْظُ التَّشْمِيتِ فَقِيلَ يَقُولُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَقِيلَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَقِيلَ يَقُولُ يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي رَدِّ الْعَاطِسِ عَلَى الْمُشَمِّتِ فَقِيلَ يَقُولُ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ وَقِيلَ يَقُولُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ وَقَالَ)

مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُخَيَّرُ بَيْنَ هَذَيْنِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ صَحَّتِ الْأَحَادِيثُ بِهِمَا قَالَ وَلَوْ تَكَرَّرَ الْعُطَاسُ قَالَ مَالِكٌ يُشَمِّتُهُ ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْكُتُ [2991] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ فَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلَا تُشَمِّتُوهُ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِالْأَمْرِ بِالتَّشْمِيتِ إِذَا حَمِدَ الْعَاطِسُ وَتَصْرِيحٌ بِالنَّهْيِ عَنْ تَشْمِيتِهِ إِذَا لَمْ يَحْمَدْهُ فَيُكْرَهَ تَشْمِيتَهُ إِذَا لَمْ يَحْمَدْ فَلَوْ حَمِدَ وَلَمْ يَسْمَعْهُ الْإِنْسَانُ لم يشمته وقال مالك لايشمته حَتَّى يَسْمَعَ حَمْدَهُ قَالَ فَإِنْ رَأَيْتَ مِنْ يَلِيهِ شَمَّتَهُ فَشَمِّتْهُ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَإِنَّمَا أُمِرَ الْعَاطِسُ بِالْحَمْدِ لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الْمَنْفَعَةِ بِخُرُوجِ مَا اخْتَنَقَ فِي دماغه من الابخرة قوله (دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ فِي بَيْتِ ابْنِهِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسِ) هَذِهِ الْبِنْتُ هِيَ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ

الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ امْرَأَةُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ فِرَاقِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ لَهَا وَوَلَدَتْ لِأَبِي مُوسَى وَمَاتَ عَنْهَا فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ عِمْرَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَفَارَقَهَا وَمَاتَتْ بِالْكُوفَةِ وَدُفِنَتْ بظاهرها [2994] قوله صلى الله عليه وسلم (التثاوب مِنَ الشَّيْطَانِ) أَيْ مِنْ كَسَلِهِ وَتَسَبُّبِهِ وَقِيلَ أُضِيفَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ يُرْضِيهِ وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الله تعالى يحب العطاس ويكره التثاوب قالوا لان العطاس يدل علىالنشاط وخفة البدن والتثاوب بِخِلَافِهِ لِأَنَّهُ يَكُونُ غَالِبًا مَعَ ثِقَلِ الْبَدَنِ وَامْتِلَائِهِ وَاسْتِرْخَائِهِ وَمَيْلِهِ إِلَى الْكَسَلِ وَإِضَافَتُهُ إِلَى الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَدْعُو إِلَى الشَّهَوَاتِ وَالْمُرَادُ التَّحْذِيرِ مِنَ السَّبَبِ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْهُ ذَلِكَ وَهُوَ التَّوَسُّعُ فِي الْمَأْكَلِ وَإِكْثَارِ الْأَكْلِ وَاعْلَمْ أَنَّ التَّثَاؤُبَ مَمْدُودٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ) ووقع ها هنا فى بعض

(باب فى أحاديث متفرقة [2996] قوله صلى الله عليه وسلم (وخلق

النُّسَخِ تَثَاءَبَ بِالْمَدِّ مُخَفَّفًا وَفِي أَكْثَرِهَا تَثَاوَبَ بِالْوَاوِ كَذَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ بَعْدَ هَذِهِ تَثَاوَبَ بِالْوَاوِ قَالَ الْقَاضِي قَالَ ثَابِتٌ ولايقال تَثَاءَبَ بِالْمَدِّ مُخَفَّفًا بَلْ تَثَأَّبَ بِتَشْدِيدِ الْهَمْزَةِ قال بن دُرَيْدٍ أَصْلُهُ مِنْ تَثَأَّبَ الرَّجُلُ بِالتَّشْدِيدِ فَهُوَ مُثَوِّبٌ إِذَا اسْتَرْخَى وَكَسَلَ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ يُقَالُ تثاءبت بالمد مخففا على تفاعلت ولايقال تَثَاوَبْتُ وَأَمَّا الْكَظْمُ فَهُوَ الْإِمْسَاكُ قَالَ الْعُلَمَاءُ أُمِرَ بِكَظْمِ التَّثَاوُبِ وَرَدِّهِ وَوَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْفَمِ لِئَلَّا يَبْلُغَ الشَّيْطَانُ مُرَادَهُ مِنْ تَشْوِيهِ صُورَتِهِ وَدُخُولِهِ فَمَهُ وَضَحِكِهُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (باب فى أحاديث متفرقة [2996] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) الْجَانُّ الْجِنُّ وَالْمَارِجُ اللهب المختلط)

بسواد النار [2997] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فُقِدَتْ أُمَّةٌ من بنى اسرائيل لايدرى ما فعلت ولا أراها الاالفأر أَلَا تَرَوْنَهَا إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الْإِبِلِ لَمْ تَشْرَبْهَا وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ شَرِبَتْهُ) مَعْنَى هَذَا أَنَّ لُحُومَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا حُرِّمَتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ دُونَ لُحُومِ الْغَنَمِ وَأَلْبَانِهَا فَدَلَّ بِامْتِنَاعِ الْفَأْرَةِ مِنْ لَبَنِ الْإِبِلِ دُونَ الْغَنَمِ عَلَى أَنَّهَا مَسْخٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْلُهُ (قُلْتُ أَأَقْرَأُ التَّوْرَاةَ) هُوَ بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَمَعْنَاهُ مَا أَعْلَمُ ولاعندى شيء الاعن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَنْقُلُ عَنِ التَّوْرَاةِ وَلَا غَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْأَوَائِلِ شَيْئًا بِخِلَافِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَهُ عِلْمٌ بِعِلْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ [2998] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (لايلدغ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ

الرواية المشهورة لايلدغ بِرَفْعِ الْغَيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي يُرْوَى عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بِضَمِّ الْغَيْنِ عَلَى الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الْمُؤْمِنُ الممدوح وهو الكيس الحازم الذى لايستغفل فيخدع مرة بعد أخرى ولايفطن لِذَلِكَ وَقِيلَ إِنَّ الْمُرَادَ الْخِدَاعَ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي بِكَسْرِ الْغَيْنِ عَلَى النَّهْيِ أَنْ يُؤْتَى مِنْ جِهَةِ الْغَفْلَةِ قَالَ وَسَبَبُ الْحَدِيثِ مَعْرُوفٌ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أسر أبا غرة الشاعر يوم بدر فمن عليه وعاهده أن لايحرض عليه ولايهجوه وَأَطْلَقَهُ فَلَحِقَ بِقَوْمِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى التَّحْرِيضِ وَالْهِجَاءِ ثُمَّ أَسَرَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَسَأَلَهُ الْمَنَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُ لايلدغ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ وَهَذَا السَّبَبُ يُضَعِّفُ الْوَجْهَ الثَّانِي وَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ نَالَهُ الضَّرَرُ مِنْ جِهَةٍ أَنْ يَتَجَنَّبَهَا لِئَلَّا يَقَعَ فِيهَا ثانية

(باب النهي عن المدح إذا كان فيه افراط وخيف منه

(باب النهي عن المدح إذا كان فيه افراط وخيف منه فتنة عَلَى الْمَمْدُوحِ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي هَذَا الْبَابِ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمَدْحِ وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِالْمَدْحِ فِي الْوَجْهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهَا أَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُجَازَفَةِ فِي الْمَدْحِ وَالزِّيَادَةِ فِي الْأَوْصَافِ أَوْ عَلَى مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ مِنْ إِعْجَابٍ وَنَحْوِهِ إِذَا سَمِعَ الْمَدْحَ وأما من لايخاف عَلَيْهِ ذَلِكَ لِكَمَالِ تَقْوَاهُ وَرُسُوخِ عَقْلِهِ وَمَعْرِفَتِهِ فَلَا نَهْيَ فِي مَدْحِهِ فِي وَجْهِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُجَازَفَةٌ بَلْ إِنْ كَانَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ مَصْلَحَةٌ كَنَشَطِهِ لِلْخَيْرِ وَالِازْدِيَادِ مِنْهُ أَوِ الدَّوَامِ عَلَيْهِ أَوِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ كَانَ مستحبا والله أعلم [3000] قَوْلُهُ (وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا) أَيْ لا أقطع على عاقبة أحد ولاضميره لِأَنَّ ذَلِكَ مُغَيَّبٌ عَنَّا وَلَكِنْ أَحْسِبُ وَأَظُنُّ لِوُجُودِ الظَّاهِرِ الْمُقْتَضِي)

لِذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ) وَفِي رِوَايَةٍ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ مَعْنَاهُ أَهْلَكْتُمُوهُ وَهَذِهِ اسْتِعَارَةٌ مِنْ قَطْعِ الْعُنُقِ الَّذِي هُوَ الْقَتْلُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْهَلَاكِ لَكِنْ هَلَاكَ هَذَا الْمَمْدُوحِ فِي دِينِهِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الدُّنْيَا لِمَا يُشْتَبَهُ عَلَيْهِ مِنْ حَالِهِ بِالْإِعْجَابِ [3001] وَقَوْلُهُ (وَيُطْرِيهِ فِي الْمِدْحَةِ) هِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْإِطْرَاءُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي الْمَدْحِ [3002] قوله (أمرنا

رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُحْثِيَ فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ) هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ الْمِقْدَادُ الَّذِي هُوَ رَاوِيهِ وَوَافَقَهُ طَائِفَةٌ وَكَانُوا يَحْثُونَ التُّرَابَ فِي وَجْهِهِ حَقِيقَةً وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَاهُ خَيِّبُوهُمْ فَلَا تُعْطُوهُمْ شَيْئًا لِمَدْحِهِمْ وَقِيلَ إِذَا مُدِحْتُمْ فَاذْكُرُوا أَنَّكُمْ مِنْ تُرَابٍ فَتَوَاضَعُوا وَلَا تُعْجَبُوا وَهَذَا ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ) هَكَذَا هُوَ فى نسخ بلادنا بن عُبَيْدِ الرَّحْمَنِ بِضَمِّ الْعَيْنِ مُصَغَّرًا قَالَ الْقَاضِي وقع لأكثر شيوخنا بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُكَبَّرًا وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ الذى ذكره البخارى وغيره

(باب التثبت فى الحديث وحكم كتابة العلم [2493] قوله (إن أبا

(باب التثبت فى الحديث وحكم كتابة العلم [2493] قَوْلُهُ (إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُحَدِّثُ وَهُوَ يَقُولُ اسْمَعِي يَا رَبَّةَ الْحُجْرَةِ) يَعْنِي عَائِشَةَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ تَقْوِيَةَ الْحَدِيثِ بِإِقْرَارِهَا ذَلِكَ وَسُكُوتِهَا عَلَيْهِ وَلَمْ تُنْكِرْ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ سِوَى الْإِكْثَارِ مِنَ الرِّوَايَةِ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ لِخَوْفِهَا أَنْ يَحْصُلَ بِسَبَبِهِ سَهْوٌ وَنَحْوُهُ [3004] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لاتكتبوا عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنَ وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ) قَالَ الْقَاضِي كَانَ بَيْنَ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ فِي كِتَابَةِ الْعِلْمِ فَكَرِهَهَا كَثِيرُونَ مِنْهُمْ وَأَجَازَهَا أَكْثَرُهُمْ)

(باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام [3005] هذا

ثُمَّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِهَا وَزَالَ ذَلِكَ الْخِلَافُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي النَّهْيِ فَقِيلَ هُوَ فِي حَقِّ مَنْ يُوْثَقُ بِحِفْظِهِ وَيُخَافُ اتِّكَالِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ إِذَا كتب ويحمل الأحاديث الواردة بالاباحة على من لايوثق بِحِفْظِهِ كَحَدِيثِ اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ وَحَدِيثِ صَحِيفَةَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَدِيثِ كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الَّذِي فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ وَحَدِيثِ كِتَابِ الصَّدَقَةِ وَنُصُبِ الزَّكَاةِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ وحديث أبى هريرة أن بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَقِيلَ إِنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ مَنْسُوخٌ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَكَانَ النَّهْيُ حِينَ خيف اختلاطه بالقرآن فلماأمن ذَلِكَ أَذِنَ فِي الْكِتَابَةِ وَقِيلَ إِنَّمَا نَهَى عَنْ كِتَابَةِ الْحَدِيثِ مَعَ الْقُرْآنِ فِي صَحِيفَةٍ واحدة لئلا يختلط فيشتبه على القارىء فِي صَحِيفَةٍ وَاحِدَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا حَدِيثُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ فَسَبَقَ شَرْحُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَاب قِصَّةِ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ وَالسَّاحِرِ وَالرَّاهِبِ وَالْغُلَامِ [3005] هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ إِثْبَاتُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَفِيهِ جَوَازُ الْكَذِبِ فِي الْحَرْبِ وَنَحْوِهَا وَفِي إِنْقَاذِ النَّفْسِ مِنَ الْهَلَاكِ سَوَاءً نَفْسُهُ أَوْ نَفْسُ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَهُ حُرْمَةٌ وَالْأَكْمَهُ الَّذِي خُلِقَ أَعْمَى وَالْمِئْشَارُ مَهْمُوزٌ فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ بِقَلْبِهَا يَاءً وَرُوِيَ الْمِنْشَارُ بِالنُّونِ وَهُمَا لُغَتَانِ صَحِيحَتَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا قَرِيبًا وَذُرْوَةُ الجبل أعلاه وهى بِضَمِّ الذَّالِ وَكَسْرِهَا وَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ أَيِ اضطرب وتحرك)

حَرَكَةً شَدِيدَةً وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ رَوَاهُ فَزَحَفَ بِالزَّايِ وَالْحَاءِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْحَرَكَةِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَالْقُرْقُورُ بِضَمِّ الْقَافَيْنِ السَّفِينَةُ الصَّغِيرَةُ وَقِيلَ الْكَبِيرَةُ وَاخْتَارَ الْقَاضِي الصَّغِيرَةَ بَعْدَ حِكَايَتِهِ خِلَافًا كَثِيرًا وَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ أَيْ انْقَلَبَتْ وَالصَّعِيدُ هُنَا الْأَرْضُ الْبَارِزَةُ وكبد

(باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر [3006] قوله (عن يعقوب

القوس مقبضها عند الرمى قَوْلُهُ (نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ) أَيْ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ وَتَخَافُ وَالْأُخْدُودُ هُوَ الشَّقُّ الْعَظِيمُ فِي الْأَرْضِ وَجَمْعُهُ أَخَادِيدُ وَالسِّكَكُ الطُّرُقُ وَأَفْوَاهُهَا أَبْوَابُهَا قَوْلُهُ (مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا) هَكَذَا هُوَ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ فَأَحْمُوهُ بِهَمْزَةِ قَطَعٍ بَعْدَهَا حَاءٌ سَاكِنَةٌ وَنَقَلَ الْقَاضِي اتِّفَاقَ النُّسَخِ عَلَى هَذَا وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ بِلَادِنَا فَأَقْحِمُوهُ بِالْقَافِ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَمَعْنَاهُ اطرحوه فِيهَا كُرْهًا وَمَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى ارْمُوهُ فِيهَا مِنْ قَوْلِهِمْ حَمَيْتُ الْحَدِيدَةَ وَغَيْرَهَا إِذَا أَدْخَلْتُهَا النَّارَ لِتُحْمَى قَوْلُهُ (فَتَقَاعَسَتْ) أَيْ تَوَقَّفَتْ وَلَزِمَتْ مَوْضِعَهَا وَكَرِهَتِ الدُّخُولَ فِي النَّارِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ (بَاب حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ وَقِصَّةِ أَبِي الْيَسَرِ [3006] قَوْلُهُ (عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِي حَزْرَةَ) هُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ زَايٍ ثُمَّ رَاءٍ ثُمَّ هَاءٍ وَأَبُو الْيُسْرِ بِفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَالسِّينُ الْمُهْمَلَةِ وَاسْمُهُ كَعْبُ بْنُ عمرو شهد العقبة وبدرا وهو بن عشرين سنة)

وَهُوَ آخِرُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ قَوْلُهُ (ضِمَامَةٌ مِنْ صُحُفٍ) هِيَ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ رِزْمَةٌ يَضُمُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ ضِمَامَةٌ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ النُّسَخِ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا صَوَابُهُ إِضْمَامَةٌ بكسر الهمزة قبل الضاد قال القاضي ولايبعد عِنْدِي صِحَّةُ مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ هُنَا كَمَا قَالُوا صِنَّارَةٌ وَإِصْنَارَةٌ لِجَمَاعَةِ الْكُتُبِ وَلِفَافَةٌ لِمَا يُلَفُّ فِيهِ الشَّيْءُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَذَكَرَ صَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ أَنَّ الضِّمَامَةَ لُغَةٌ فِي الْإِضْمَامَةِ وَالْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ إِضْمَامَةٌ بِالْأَلِفِ قَوْلُهُ (وَعَلَى أَبِي الْيَسَرِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيُّ) الْبُرْدَةُ شَمْلَةٌ مُخَطَّطَةٌ وَقِيلَ كِسَاءٌ مُرَبَّعٌ فِيهِ صِغَرٌ يَلْبَسُهُ الْأَعْرَابُ وَجَمْعُهُ الْبُرُدُ وَالْمَعَافِرِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ نَوْعٌ مِنَ الثِّيَابِ يُعْمَلُ بِقَرْيَةٍ تُسَمَّى مَعَافِرَ وَقِيلَ هِيَ نِسْبَةٌ إِلَى قَبِيلَةٍ نَزَلَتْ تِلْكَ الْقَرْيَةَ وَالْمِيمُ فِيهِ زَائِدَةٌ قَوْلُهُ (سَفْعَةً مِنْ غَضَبٍ) هِيَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ وَبِإِسْكَانِ الْفَاءِ أَيْ عَلَامَةٌ وَتَغَيُّرٌ قَوْلُهُ (كَانَ لِي عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْحَرَامِيِّ) قَالَ الْقَاضِي رَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ الْحَرَامِيِّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِالرَّاءِ نِسْبَةً إِلَى بَنِي حَرَامٍ وَرَوَاهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ بالزاى المعجمة مع كسر الحاء ورواه بن مَاهَانَ الْجُذَامِيِّ بِجِيمٍ مَضْمُومَةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ قَوْلُهُ (بن لَهُ جَفْرٌ) الْجَفْرُ

هُوَ الَّذِي قَارَبَ الْبُلُوغَ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي قوى على الأكل وقيل بن خَمْسِ سِنِينَ قَوْلُهُ (دَخَلَ أَرِيكَةَ أُمِّي) قَالَ ثعلب هي السرير الذي فى الحجلة ولايكون السَّرِيرُ الْمُفْرَدُ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ كُلُّ مَا اتَّكَأْتَ عَلَيْهِ فَهُوَ أَرِيكَةٌ قَوْلُهُ (قُلْتُ آللَّهِ قَالَ اللَّهِ) الْأَوَّلُ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ وَالثَّانِي بلامد وَالْهَاءُ فِيهِمَا مَكْسُورَةٌ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ القاضي رويناه بكسرها وفتحها معا قال وأكثر اهل العربية لايجيزون غَيْرَ كَسْرِهَا قَوْلُهُ (بَصَرُ عَيْنَيَّ هَاتَيْنِ وَسَمْعُ أُذُنَيَّ هَاتَيْنِ) هُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ وَرَفْعِ الرَّاءِ وَبِإِسْكَانِ مِيمِ سَمْعُ وَرَفْعِ الْعَيْنِ هَذِهِ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الرَّاءِ عَيْنَايَ هَاتَانِ وَسَمِعَ بِكَسْرِ الْمِيمِ أُذُنَايَ هَاتَانِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى قَوْلُهُ (وَأَشَارَ إِلَى مَنَاطِ قَلْبِهِ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ نِيَاطِ بِكَسْرِ النُّونِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ عِرْقٌ مُعَلَّقٌ بِالْقَلْبِ [3007] قَوْلُهُ (فَقُلْتُ لَهُ يَا عَمِّ لَوْ أَنَّكَ أَخَذْتَ بُرْدَةَ غُلَامِكِ وَأَعْطَيْتَهُ مَعَافِرِيَّكَ وَأَخَذْتَ مَعَافِرِيَّهُ وَأَعْطَيْتَهُ بُرْدَتَكَ فَكَانَتْ عَلَيْكَ حُلَّةٌ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ

وَأَخَذْتَ بِالْوَاوِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ النُّسَخِ وَالرِّوَايَاتِ وَوَجْهُ الْكَلَامِ وَصَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ أو أخذت بأولان الْمَقْصُودَ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَحَدِهِمَا بُرْدَتَانِ وَعَلَى الْآخِرِ مَعَافِرِيَّانِ وَأَمَّا الْحُلَّةُ فَهِيَ ثَوْبَانِ إِزَارٍ وَرِدَاءٍ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ لَا تَكُونُ إِلَّا ثَوْبَيْنِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَحِلُّ عَلَى الْآخِرِ وَقِيلَ لَا تَكُونُ إِلَّا الثَّوْبَ الْجَدِيدَ الَّذِي يُحَلُّ مِنْ طَيِّهِ [3008] قَوْلُهُ (وَهُوَ يُصَلِّي فى ثوب واحد مشتملابه) أَيْ مُلْتَحِفًا اشْتِمَالًا لَيْسَ بِاشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مَعَ وُجُودِ الثِّيَابِ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى ثَوْبٍ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَإِنَّمَا فَعَلَ جَابِرٌ هَذَا لِلتَّعْلِيمِ كَمَا قَالَ قَوْلُهُ (أَرَدْتُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ الْأَحْمَقُ مِثْلُكَ) الْمُرَادُ بِالْأَحْمَقِ هُنَا الْجَاهِلُ وَحَقِيقَةُ الْأَحْمَقِ مَنْ يَعْمَلُ مَا يَضُرُّهُ مَعَ عِلْمِهِ بِقُبْحِهِ وَفِي هَذَا جَوَازُ مِثْلِ هَذَا اللَّفْظِ لِلتَّعْزِيرِ وَالتَّأْدِيبِ وَزَجْرُ الْمُتَعَلِّمِ وَتَنْبِيهُهُ وَلِأَنَّ لَفْظَةَ الْأَحْمَقِ وَالظَّالِمِ قَلَّ مَنْ يَنْفَكُّ مِنَ الِاتِّصَافِ بِهِمَا وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ هِيَ الَّتِي يُؤَدِّبُ بِهَا الْمُتَّقُونَ وَالْوَرِعُونَ مَنِ اسْتَحَقَّ التَّأْدِيبَ وَالتَّوْبِيخَ وَالْإِغْلَاظَ فِي الْقَوْلِ

لِأَنَّ مَا يَقُولُهُ غَيْرُهُمْ مِنْ أَلْفَاظِ السَّفَهِ قوله (عرجون بن طَابَ) سَبَقَ شَرْحُهُ قَرِيبًا وَسَبَقَ أَيْضًا مَرَّاتٍ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ التَّمْرِ وَالْعُرْجُونُ الْغُصْنُ قَوْلُهُ (فَخَشَعْنَا) هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ كَذَا رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ بِالْجِيمِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ مِنَ الْخُشُوعِ وَهُوَ الْخُضُوعُ وَالتَّذَلُّلُ وَالسُّكُونُ وَأَيْضًا غَضُّ الْبَصَرِ وَأَيْضًا الْخَوْفُ وَأَمَّا الثَّانِي فَمَعْنَاهُ الْفَزَعُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ اللَّهَ قبل وجهه) قال العلماء تأويله أَيِ الْجِهَةُ الَّتِي عَظَّمَهَا أَوِ الْكَعْبَةُ الَّتِي عَظَّمَهَا قِبَلَ وَجْهِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ عَجِلَتْ بِهِ بَادِرَةٌ) أَيْ غَلَبَتْهُ بَصْقَةٌ أَوْ نُخَامَةٌ بَدَرَتْ مِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَرُونِي عَبِيرًا فَقَامَ فَتًى مِنَ الْحَيِّ يَشْتَدُّ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِخَلُوقٍ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْعَبِيرُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ هُوَ الزَّعْفَرَانُ وَحْدَهُ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ هُوَ أَخْلَاطٌ مِنَ الطِّيبِ تُجْمَعُ بِالزَّعْفَرَانِ قال بن قتيبة ولاأرى القول الاما قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَالْخَلُوقُ بِفَتْحِ الْخَاءِ هُوَ طِيبٌ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ يُجْمَعُ بِالزَّعْفَرَانِ وَهُوَ الْعَبِيرُ عَلَى تَفْسِيرِ الْأَصْمَعِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ أَمَرَ بِإِحْضَارِ عَبِيرٍ فَأَحْضَرَ خَلُوقًا فَلَوْ لَمْ يكن هو هو

لَمْ يَكُنْ مُمْتَثِلًا وَقَوْلُهُ (يَشْتَدُّ) أَيْ يَسْعَى وَيَعْدُو عَدْوًا شَدِيدًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَعْظِيمُ الْمَسَاجِدِ وَتَنْزِيهِهَا مِنَ الْأَوْسَاخِ وَنَحْوِهَا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تطيبها وَفِيهِ إِزَالَةُ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ لِمَنْ قَدَرَ وَتَقْبِيحُ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِاللِّسَانِ [3009] قَوْلُهُ (فِي غَزْوَةِ بَطْنِ بُوَاطٍ) هُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا وَالْوَاوُ مُخَفَّفَةٌ وَالطَّاءُ مُهْمَلَةٌ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ بِالضَّمِّ وَهِيَ رِوَايَةُ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ وَكَذَا قَيَّدَهُ الْبَكْرِيُّ وَهُوَ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ جُهَيْنَةَ قَالَ وَرَوَاهُ الْعُذْرِيُّ رحمه الله تعالى بفتح الباء وصححه بن سِرَاجٍ قَوْلُهُ (وَهُوَ يَطْلُبُ الْمَجْدِيَّ بْنَ عَمْرٍو) هُوَ بِالْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ هَكَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ عِنْدَنَا وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ عَامَّةِ الرُّوَاةِ وَالنُّسَخِ قَالَ وَفِي بَعْضِهَا النَّجْدِيَّ بِالنُّونِ بَدَلُ الْمِيمِ قَالَ وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (النَّاضِحُ) هُوَ الْبَعِيرُ الَّذِي يُسْتَقَى عَلَيْهِ وَأَمَّا الْعُقْبَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ فَهِيَ رُكُوبُ هَذَا نَوْبَةً وَهَذَا نَوْبَةً قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ هِيَ رُكُوبُ مِقْدَارِ فَرْسَخَيْنِ وَقَوْلُهُ (وَكَانَ النَّاضِحُ يَعْقُبُهُ مِنَّا الْخَمْسَةُ) هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ أَكْثَرِهِمْ يَعْقُبُهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْقَافِ وَفِي بَعْضِهَا يَعْتَقِبُهُ بِزِيَادَةِ تَاءٍ وَكَسْرِ الْقَافِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ يُقَالُ عَقَبَهُ وَاعْتَقَبَهُ وَاعْتَقَبْنَا وَتَعَاقَبْنَا كُلُّهُ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ (فَتَلَدَّنَ عَلَيْهِ بَعْضَ التَّلَدُّنِ) أَيْ تَلَكَّأَ وَتَوَقَّفَ قَوْلُهُ (شَأْ لَعَنَكَ اللَّهُ) هُوَ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا وَذَكَرَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الرُّوَاةَ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَبَعْضُهُمْ بِالْمُهْمَلَةِ قَالُوا وَكِلَاهُمَا كَلِمَةُ زَجْرٍ لِلْبَعِيرِ

يُقَالُ مِنْهُمَا شَأْشَأْتُ بِالْبَعِيرِ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ إِذَا زَجَرْتُهُ وَقُلْتُ لَهُ شَأْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَسَأْسَأْتُ بِالْحِمَارِ بِالْهَمْزِ أَيْ دَعَوْتُهُ وَقُلْتُ لَهُ تُشُؤْ تُشُؤْ بِضَمِّ التَّاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ لَعْنِ الدَّوَابِّ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا مَعَ الْأَمْرِ بِمُفَارَقَةِ الْبَعِيرِ الَّذِي لَعَنَهُ صَاحِبُهُ [3010] قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا كَانَ عُشَيْشِيَةٌ) هَكَذَا الرِّوَايَةُ فِيهَا عَلَى التَّصْغِيرِ مُخَفَّفَةُ الْيَاءِ الْأَخِيرَةِ سَاكِنَةُ الْأُولَى قَالَ سِيبَوَيْهِ صَغَّرُوهَا عَلَى غَيْرِ تَكْبِيرِهَا وَكَانَ أَصْلُهَا عَشِيَّةٌ فَأَبْدَلُوا مِنْ إِحْدَى الْيَاءَيْنِ شِينًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَمْدُرُ الْحَوْضَ) أَيْ يُطَيِّنُهُ وَيُصْلِحُهُ قَوْلُهُ (فَنَزَعْنَا فِي الْحَوْضِ سَجْلًا) أَيْ أَخَذْنَا وَجَبَذْنَا وَالسَّجْلُ بِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ الدَّلْوُ الْمَمْلُوءَةُ وَسَبَقَ بَيَانُهَا مَرَّاتٍ قَوْلُهُ (حَتَّى أَفْهَقْنَاهُ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِنَا وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَنِ الْجُمْهُورِ قَالَ وَفِي رِوَايَةِ السَّمَرْقَنْدِيِّ أَصَفَقْنَاهُ بِالصَّادِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ

وَمَعْنَاهُمَا مَلَأْنَاهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتَأْذَنَانِ قُلْنَا نَعَمْ) هَذَا تَعْلِيمٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ الْآدَابَ الشَّرْعِيَّةَ وَالْوَرَعَ وَالِاحْتِيَاطَ وَالِاسْتِئْذَانَ فِي مِثْلِ هَذَا وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُمَا رَاضِيَانِ وَقَدْ أَرْصَدَا ذَلِكَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لِمَنْ بَعْدَهُ قَوْلُهُ (فَأَشْرَعَ نَاقَتَهُ فَشَرِبَتْ فَشَنَقَ لَهَا فَشَجَّتْ فَبَالَتْ) مَعْنَى أَشْرَعَهَا أَرْسَلَ رَأْسَهَا فِي الْمَاءِ لتشرب ويقال شنقها وأشنقبها أى كففتها بزمامها وأنت راكبها وقال بن دُرَيْدٍ هُوَ أَنْ تَجْذِبَ زِمَامَهَا حَتَّى تُقَارِبَ رَأْسَهَا قَادِمَةَ الرَّحْلِ وَقَوْلُهُ فَشَجَتْ بِفَاءٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَجِيمٍ مَفْتُوحَاتٍ الْجِيمُ مُخَفَّفَةٌ وَالْفَاءُ هُنَا أَصْلِيَّةٌ يُقَالُ فَشَجَ الْبَعِيرُ إِذَا فَرَّجَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ لِلْبَوْلِ وَفَشَّجَ بِتَشْدِيدِ الشِّينِ أَشَدُّ مِنْ فَشَجَ بِالتَّخْفِيفِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ ضَبْطِهِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَوْجُودُ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْهَرَوِيُّ وغيرهما من أهل الغريب ذكره الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ فَشَجَّتْ بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ وَتَكُونُ الْفَاءُ زَائِدَةً لِلْعَطْفِ وَفَسَّرَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي غَرِيبِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ لَهُ قَالَ مَعْنَاهُ قَطَعَتِ الشُّرْبَ مِنْ قَوْلِهِمْ شَجَجْتُ الْمَفَازَةَ إِذَا قَطَعْتُهَا بِالسَّيْرِ وَقَالَ الْقَاضِي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعُذْرِيِّ فَثُجَّتْ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْجِيمِ قَالَ ولامعنى لهذه الرواية ولالرواية الْحُمَيْدِيِّ قَالَ وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ اجْتِمَاعَ الشِّينِ وَالْجِيمِ وَادَّعَى أَنَّ صَوَابَهُ فَشَحَتْ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ قولهم شحافاه إِذَا فَتَحَهُ فَيَكُونُ بِمَعْنَى تَفَاجَّتْ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ عَامَّةِ النُّسَخِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ أَيْضًا صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ثُمَّ جَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحَوْضِ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ) فِيهِ دليل لجواز الوضوء من الماءالذى

شَرِبَتْ مِنْهُ الْإِبِلُ وَنَحْوُهَا مِنَ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ دُونَ قُلَّتَيْنِ وَهَكَذَا مَذْهَبُنَا قَوْلُهُ (لَهَا ذَبَاذِبُ) أَيْ أَهْدَابٌ وَأَطْرَافٌ وَاحِدُهَا ذِبْذِبٌ بِكَسْرِ الذَّالَيْنِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَتَذَبْذَبُ عَلَى صَاحِبِهَا إِذَا مَشَى أَيْ تَتَحَرَّكُ وَتَضْطَرِبُ قَوْلُهُ (فَنَكَّسْتُهَا) بِتَخْفِيفِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِهَا قَوْلُهُ (تَوَاقَصْتُ عَلَيْهَا) أَيْ أَمْسَكْتُ عَلَيْهَا بِعُنُقِي وَخَبَنْتُهُ عَلَيْهَا لِئَلَّا تَسْقُطَ قَوْلُهُ (قُمْتُ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِيَدَيَّ فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا فِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا جَوَازُ العمل اليسير فى الصلاة وأنه لايكره إِذَا كَانَ لِحَاجَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةٍ كُرِهَ وَمِنْهَا أَنَّ الْمَأْمُومَ الْوَاحِدَ يَقِفُ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ وَإِنْ وَقَفَ عَلَى يَسَارِهِ حَوَّلَهُ الْإِمَامُ وَمِنْهَا أَنَّ الْمَأْمُومَيْنِ يُكَوِّنَانِ صَفًّا وَرَاءَ الامام كما لوكانوا ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ هَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلا بن مَسْعُودٍ وَصَاحِبَيْهِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا يَقِفُ الِاثْنَانِ عَنْ جَانِبَيْهِ قَوْلُهُ (يَرْمُقُنِي) أَيْ يَنْظُرُ إِلَيَّ نَظَرًا مُتَتَابِعًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حِقْوِكَ

هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ مَعْقِدُ الْإِزَارِ وَالْمُرَادُ هُنَا أَنْ يَبْلُغَ السُّرَّةَ وَفِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهُ إِذَا شَدَّ الْمِئْزَرَ وَصَلَّى فِيهِ وَهُوَ سَاتِرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَتْ عَوْرَتُهُ تُرَى مِنْ أَسْفَلِهِ لَوْ كَانَ عَلَى سَطْحٍ ونحوه فان هذا لايضره [3011] قوله (وكان قوت كل رجل مناكل يَوْمٍ تَمْرَةً فَكَانَ يَمَصُّهَا) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَحُكِي ضَمُّهَا وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَفِيهِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ ضِيقِ الْعَيْشِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ قَوْلُهُ (وَكُنَّا نَخْتَبِطُ بِقِسِيِّنَا) الْقِسِيُّ جَمْعُ قَوْسٍ وَمَعْنَى نَخْتَبِطُ نَضْرِبُ الشَّجَرَ لِيَتَحَاتَّ وَرِقُهُ فَنَأْكُلُهُ (وَقَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا) أَيْ تَجَرَّحَتْ مِنْ خُشُونَةِ الْوَرِقِ وَحَرَارَتِهِ قَوْلُهُ (فَأُقْسِمُ أُخْطِئَهَا رَجُلٌ مِنَّا يَوْمًا فَانْطَلَقْنَا بِهِ نَنْعَشُهُ فَشَهِدْنَا لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُعْطَهَا فَأُعْطِيهَا) مَعْنَى أُقْسِمُ أَحْلِفُ وَقَوْلُهُ أُخْطِئَهَا أَيْ فَاتَتْهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ لِلتَّمْرِ قَاسِمٌ يَقْسِمُهُ بَيْنَهُمْ فَيُعْطِي كُلَّ إِنْسَانٍ تَمْرَةً كُلَّ يَوْمٍ فَقَسَمَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَنَسِيَ إِنْسَانًا فَلَمْ يُعْطِهِ تَمْرَتَهُ وَظَنَّ أَنَّهُ أَعْطَاهُ فَتَنَازَعَا فِي ذَلِكَ وَشَهِدْنَا لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُعْطَهَا فَأُعْطِيهَا بَعْدَ الشَّهَادَةِ وَمَعْنَى نَنْعَشُهُ نَرْفَعُهُ وَنُقِيمُهُ مِنْ شِدَّةِ الضَّعْفِ وَالْجَهْدِ وَقَالَ الْقَاضِي الْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّ مَعْنَاهُ نَشُدُّ جَانِبَهُ فِي دَعْوَاهُ وَنَشْهَدُ لَهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الصَّبْرِ وَفِيهِ جَوَازُ الشَّهَادَةِ عَلَى النَّفْيِ فِي الْمَحْصُورِ الَّذِي يُحَاطُ بِهِ [3012] قَوْلُهُ (نَزَلْنَا

واديا أفيح) هو بالفاء أى واسعا وشاطىء الْوَادِي جَانِبُهُ قَوْلُهُ (فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ) هُوَ بِالْخَاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَهُوَ الَّذِي يُجْعَلُ فِي أَنْفِهِ خِشَاشٌ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَهُوَ عُودٌ يُجْعَلُ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ إِذَا كَانَ صَعْبًا وَيُشَدُّ فِيهِ حَبْلٌ لِيَذِلَّ وَيَنْقَادَ وَقَدْ يَتَمَانَعُ لِصُعُوبَتِهِ فَإِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ وَآلَمَهُ انْقَادَ شَيْئًا وَلِهَذَا قَالَ الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ وَفِي هَذَا هَذِهِ الْمُعْجِزَاتُ الظَّاهِرَاتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ مِمَّا بَيْنَهُمَا لَأَمَ بَيْنَهُمَا) أَمَّا الْمَنْصَفُ فَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَالصَّادِ وَهُوَ نِصْفُ الْمَسَافَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِفَتْحِهِ الْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ وَقَوْلُهُ لَأَمَ بِهَمْزَةٍ مَقْصُورَةٍ وَمَمْدُودَةٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ أَيْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَلَامَ بِالْأَلِفِ مِنْ غَيْرِ هَمْزَةٍ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ هُوَ تَصْحِيفٌ قَوْلُهُ (فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أَعْدُو وَأَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا قَوْلُهُ (فَحَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ) اللَّفْتَةُ النَّظْرَةُ إِلَى جَانِبٍ وَهِيَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَوَقَعَ لِبَعْضِ الرُّوَاةِ فَحَالَتْ بِاللَّامِ وَالْمَشْهُورُ بِالنُّونِ وَهُمَا بِمَعْنًى فالحين والحال

الْوَقْتُ أَيْ وَقَعَتْ وَاتَّفَقَتْ وَكَانَتْ قَوْلُهُ (وَأَشَارَ أبو إسماعيل) وفى بعض النسخ بن إِسْمَاعِيلَ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ هُوَ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَكُنْيَتُهُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ قَوْلُهُ (فَأَخَذْتُ حَجَرًا فَكَسَرْتُهُ وَحَسَرْتُهُ فَانْذَلَقَ فَأَتَيْتُ الشَّجَرَتَيْنِ فَقَطَعْتُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا) فَقَوْلُهُ فَحَسَرْتُهُ بِحَاءٍ وَسِينٍ مُهْمَلَتَيْنِ وَالسِّينُ مُخَفَّفَةٌ أَيْ أَحْدَدْتُهُ وَنَحَّيْتُ عَنْهُ مَا يَمْنَعُ حِدَّتَهُ بِحَيْثُ صَارَ مِمَّا يُمْكِنُ قَطْعِي الْأَغْصَانَ بِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَانْذَلَقَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ صَارَ حَادًّا وَقَالَ الْهَرَوِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ الضَّمِيرُ فِي حَسَرْتُهُ عَائِدٌ عَلَى الغصن أى خسرت غُصْنًا مِنْ أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ أَيْ قَشَّرْتُهُ بِالْحَجَرِ وَأَنْكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا عَلَى الْهَرَوِيِّ وَمُتَابَعِيهِ وَقَالَ سِيَاقُ الْكَلَامِ يَأْبَى هَذَا لِأَنَّهُ حَسَرَهُ ثُمَّ أَتَى الشَّجَرَةَ فَقَطَعَ الْغُصْنَيْنِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي لَفْظِهِ وَلِأَنَّهُ قَالَ فَحَسَرْتُهُ فَانْذَلَقَ وَاَلَّذِي يوصف بالانذلاق الحجر لاالغصن وَالصَّوَابُ أَنَّهُ إِنَّمَا حَسَرَ الْحَجَرَ وَبِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ فَحَسَرْتُهُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ هكذا هو فى جميع النسخ كذا هُوَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ وَفِي كِتَابِ الْخَطَّابِيِّ وَالْهَرَوِيِّ وَجَمِيعِ كُتُبِ الْغَرِيبِ وَادَّعَى الْقَاضِي رِوَايَتَهُ عَنْ جَمِيعِ شُيُوخِهِمْ لِهَذَا الْحَرْفِ بِالشِّينِ المعجمة

وَادَّعَى أَنَّهُ أَصَحُّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُرَفَّهُ عَنْهُمَا) أَيْ يُخَفَّفُ [3013] قَوْلُهُ (وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُبَرِّدُ الْمَاءَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْجَابٍ لَهُ عَلَى حِمَارَةٍ مِنْ جَرِيدٍ) أَمَّا الْأَشْجَابُ هُنَا فَجَمْعُ شَجْبٍ بِإِسْكَانِ الْجِيمِ وَهُوَ السِّقَاءُ الَّذِي قَدْ أُخْلِقَ وَبَلِيَ وَصَارَ شَنًّا يُقَالُ شَاجِبٌ أَيْ يَابِسٌ وَهُوَ مِنَ الشَّجْبِ الَّذِي هُوَ الْهَلَاكُ وَمِنْهُ حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَامَ إِلَى شَجْبٍ فَصَبَّ مِنْهُ الْمَاءَ وَتَوَضَّأَ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْظُرْ هَلْ فِي أَشْجَابِهِ مِنْ شَيْءٍ وَأَمَّا قَوْلُ الْمَازِرِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَشْجَابِ هُنَا الْأَعْوَادُ الَّتِي تُعَلَّقُ عَلَيْهَا الْقِرْبَةُ فَغَلَطٌ لِقَوْلِهِ يُبَرِّدُ فِيهَا عَلَى حِمَارَةٍ مِنْ جَرِيدٍ وَأَمَّا الْحِمَارَةُ فَبِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ وَهِيَ أَعْوَادٌ تُعَلَّقُ عَلَيْهَا أَسْقِيَةُ الْمَاءِ قَالَ الْقَاضِي وَوَقَعَ لِبَعْضِ الرُّوَاةِ حِمَارٌ بِحَذْفِ الْهَاءِ وَرِوَايَةُ الْجُمْهُورِ حِمَارَهُ بِالْهَاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُمَا مَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ (فَلَمْ أَجِدْ فيها الاقطرة فِي عَزْلَاءِ شَجْبٍ مِنْهَا لَوْ أَنِّي أُفْرِغُهُ

شربه يابسه) قوله قطرة أى يسيرا والعزلاء بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِإِسْكَانِ الزَّايِ وَبِالْمَدِّ وَهِيَ فَمُ الْقِرْبَةِ وَقَوْلُهُ شَرِبَهُ يَابِسُهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَلِيلٌ جِدًّا فَلِقِلَّتِهِ مَعَ شِدَّةِ يُبْسِ بَاقِي الشجب وهو السقاء لو أفرغته لأشنقه الْيَابِسُ مِنْهُ وَلَمْ يَنْزِلْ مِنْهُ شَيْءٌ قَوْلُهُ (وَيَغْمِزُهُ بِيَدَيْهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِيَدِهِ أَيْ يَعْصِرُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَادِ بِجَفْنَةٍ فَقُلْتُ يَا جَفْنَةَ الرَّكْبِ فَأَتَيْتُ بِهَا) أى ياصاحب جَفْنَةِ الرَّكْبِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ الْمُرَادُ وأن الجفنة لاتنادى ومعناه ياصاحب جَفْنَةِ الرَّكْبِ الَّتِي تُشْبِعُهُمْ أَحْضِرْهَا أَيْ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ جَفْنَةٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلْيُحْضِرْهَا وَالْجَفْنَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ [3014] قَوْلُهُ (فَأَتَيْنَا سِيفَ الْبَحْرِ فَزَخَرَ الْبَحْرُ زَخْرَةً فَأَلْقَى دَابَّةً فَأَوْرَيْنَا عَلَى شِقِّهَا النَّارَ) سِيفُ الْبَحْرِ بِكَسْرِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ هُوَ سَاحِلُهُ وَزَخَرَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ

أَيْ عَلَا مَوْجُهُ وَأَوْرَيْنَا أَوْقَدْنَا قَوْلُهُ (حِجَاجُ عَيْنِهَا) هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ عَظْمُهَا الْمُسْتَدِيرُ بِهَا قَوْلُهُ (ثُمَّ دَعَوْنَا بِأَعْظَمِ رَجُلٍ فِي الرَّكْبِ وَأَعْظَمِ جَمَلٍ فِي الرَّكْبِ وَأَعْظَمِ كفل فى الركب فدخل تحته ما يطأطىء رَأْسَهُ) الْكِفْلُ هُنَا بِكَسْرِ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَالْمُرَادُ بِالْكِفْلِ هُنَا الْكِسَاءُ الَّذِي يَحْوِيهِ رَاكِبُ الْبَعِيرِ عَلَى سَنَامِهِ لِئَلَّا يَسْقُطَ فَيَحْفَظُ الكِفلُ الرَّاكِبَ قَالَ الْهَرَوِيُّ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ قَوْلِهِ تَعَالَى يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رحمته أَيْ نَصِيبَيْنِ يَحْفَظَانِكُمْ مِنَ الْهَلَكَةِ كَمَا يَحْفَظُ الْكِفْلُ الرَّاكِبَ يُقَالُ مِنْهُ تَكَفَّلْتَ الْبَعِيرَ وَأَكْفَلْتُهُ إِذَا أَدَرْتُ ذَلِكَ الْكِسَاءَ حَوْلَ سَنَامِهِ ثُمَّ رَكِبْتَهُ وَهَذَا الْكِسَاءُ كِفْلٌ بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَضَبَطَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْفَاءِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا قَوْلُهُ بِأَعْظَمِ رَجُلٍ فَهُوَ بِالْجِيمِ فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْحَاءِ وَكَذَا وَقَعَ لِرُوَاةِ الْبُخَارِيِّ بِالْوَجْهَيْنِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَاتٌ ظَاهِرَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

بَاب فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ وَيُقَالُ لَهُ حَدِيثُ الرحل الحاء [2009] قَوْلُهُ (يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ) أَيْ يَسْتَوْفِيهِ وَيُقَالُ سَرَى وَأَسْرَى لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَقَائِمُ الظَّهِيرَةِ نِصْفُ النَّهَارِ وَهُوَ حَالُ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ سُمِّي قَائِمًا لِأَنَّ الظِّلَّ لَا يَظْهَرُ فَكَأَنَّهُ وَاقِفٌ قَائِمٌ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ قَائِمُ الظُّهْرِ بِضَمِّ الظَّاءِ وَحَذْفِ الْيَاءِ قَوْلُهُ (رُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ) أَيْ ظَهَرَتْ لِأَبْصَارِنَا قَوْلُهُ (فَبَسَطْتُ عَلَيْهِ فَرْوَةً) الْمُرَادُ الْفَرْوَةُ الْمَعْرُوفَةُ الَّتِي تُلْبَسُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ الْمُرَادُ بِالْفَرْوَةِ هُنَا الْحَشِيشُ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ فَرْوَةٌ وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ وَمِمَّا يَرُدُّهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَرْوَةً مَعِي وَيُقَالُ لَهَا فَرْوَةٌ بِالْهَاءِ وفرو بِحَذْفِهَا وَهُوَ الْأَشْهَرُ فِي اللُّغَةِ وَإِنْ كَانَتَا صَحِيحَتَيْنِ قَوْلُهُ (أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ) أَيْ أُفَتِّشُ لِئَلَّا يَكُونَ هُنَاكَ عَدُوٌّ وَقَوْلُهُ (لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ فَقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) الْمُرَادُ بِالْمَدِينَةِ هُنَا مَكَّةُ وَلَمْ تَكُنْ مَدِينَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُمِّيَتْ بِالْمَدِينَةِ إِنَّمَا كَانَ اسْمُهَا يَثْرِبُ هَذَا هُوَ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ وَأَمَّا قَوْلُ الْقَاضِي إِنَّ ذِكْرَ الْمَدِينَةِ هُنَا وَهَمٌ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ وَالْمُرَادُ بِهَا مَكَّةُ قَوْلُهُ (أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ) هُوَ

بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْبَاءِ يَعْنِي اللَّبَنَ الْمَعْرُوفَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَشْهُورَةُ وَرَوَى بَعْضُهُمْ لُبْنٌ بِضَمِّ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ أَيْ شِيَاهٌ وَذَوَاتُ أَلْبَانٍ قَوْلُهُ (فحلب لى فى قعب معه كثيبة مِنْ لَبَنٍ قَالَ وَمَعِي إِدَاوَةٌ أَرْتَوِي فِيهَا) الْقَعْبُ قَدَحٌ مِنْ خَشَبٍ مَعْرُوفٌ وَالْكُثْبَةُ بِضَمِّ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْمُثَلَّثَةِ وَهِيَ قَدْرُ الْحَلْبَةِ قَالَهُ بن السكيت وقيل هي القليل منه والادواة كَالرَّكْوَةِ وَأَرْتَوِي أَسْتَقِي وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ فَيُقَالُ كَيْفَ شَرِبُوا اللَّبَنَ مِنَ الْغُلَامِ وَلَيْسَ هُوَ مَالِكُهُ وَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ أَنَّهُمْ يَأْذَنُونَ لِلرُّعَاةِ إِذَا مَرَّ بِهِمْ ضَيْفٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ أَنْ يَسْقُوهُ اللَّبَنَ وَنَحْوَهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ لِصَدِيقٍ لَهُمْ يَدِلُّونَ عَلَيْهِ وَهَذَا جَائِزٌ والثالث أنه مال حربى لاأمان لَهُ وَمِثْلُ هَذَا جَائِزٌ وَالرَّابِعُ لَعَلَّهُمْ كَانُوا مُضْطَرِّينَ وَالْجَوَابَانِ الْأَوَّلَانِ أَجْوَدُ قَوْلُهُ (بَرَدَ أَسْفَلُهُ) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ بِضَمِّهَا قَوْلُهُ (وَنَحْنُ فِي جَلَدٍ مِنَ الْأَرْضِ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَاللَّامِ أَيْ أَرْضٍ صُلْبَةٍ

وَرُوِيَ جُدُدٍ بِدَالَيْنِ وَهُوَ الْمُسْتَوِي وَكَانَتِ الْأَرْضُ مُسْتَوِيَةً صُلْبَةً قَوْلُهُ (فَارْتَطَمَتْ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا) أَيْ غَاصَتْ قَوَائِمُهَا فِي تِلْكِ الْأَرْضِ الْجَلَدِ قَوْلُهُ (وَوَفَى لَنَا) بِتَخْفِيفِ الْفَاءِ قَوْلُهُ (فَسَاخَ فَرَسُهُ فِي الْأَرْضِ) هُوَ بِمَعْنَى ارْتَطَمَتْ قَوْلُهُ (لَأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي) يَعْنِي لَأُخْفِيَنَّ أَمْرَكُمْ عَمَّنْ وَرَائِي مِمَّنْ يَطْلُبُكُمْ وَأُلَبِّسُهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى لايعلم أَحَدٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا هَذِهِ الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ وَفِيهِ خِدْمَةُ التَّابِعِ لِلْمَتْبُوعِ وَفِيهِ اسْتِصْحَابُ الرَّكْوَةِ وَالْإِبْرِيقِ وَنَحْوِهِمَا فِي السَّفَرِ للطهارة والشرب وَفِيهِ فَضْلُ التَّوَكُّلِ

عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَحُسْنُ عَاقِبَتِهِ وَفِيهِ فضائل للأنصار لِفَرَحِهِمْ بِقُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَظُهُورُ سُرُورِهِمْ بِهِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ صِلَةِ الْأَرْحَامِ سَوَاءٌ قَرُبَتِ الْقَرَابَةُ وَالرَّحِمُ أَمْ بَعُدَتْ وَأَنَّ الرَّجُلَ الْجَلِيلَ إِذَا قَدِمَ بَلَدًا لَهُ فِيهِ أَقَارِبُ يَنْزِلُ عِنْدَهُمْ يُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أعلم

كتاب التفسير

( كتاب التفسير) [3015] قوله تعالى (وقولوا حطة) أى مسئلتنا حِطَّةٌ وَهِيَ أَنْ يَحُطَّ عَنَّا خَطَايَانَا وَقَوْلُهُ (يزحفون على أساههم) جَمْعُ اسْتٍ وَهِيَ الدُّبُرُ [3017] قَوْلُهُ فِي قَوْلِهِ تعالى اليوم أكملت لكم دينكم (انها نزلت

لَيْلَةَ جَمْعٍ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعرفات) هكذا هو فى النسخ الرواية ليلة جمع وفى نسخة بن مَاهَانَ لَيْلَةَ جُمُعَةٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَمَنْ رَوَى لَيْلَةَ جَمْعٍ فَهِيَ لَيْلَةُ الْمُزْدَلِفَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَنَحْنُ بِعَرَفَاتٍ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ لِأَنَّ لَيْلَةَ جَمْعٍ هِيَ عَشِيَّةَ يَوْمِ عَرَفَاتٍ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَيْلَةَ جُمُعَةٍ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَمُرَادُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّا قَدِ اتَّخَذْنَا ذلك اليوم عيدامن وَجْهَيْنِ فَإِنَّهُ يَوْمَ عَرَفَةَ

وَيَوْمَ جُمُعَةٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِيدٌ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ [3018] قَوْلُهُ (تَعَالَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مثنى وثلاث ورباع) أَيْ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَلَيْسَ فِيهِ جَوَازُ جَمْعِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ قَوْلُهَا (يُقْسِطُ فِي صَدَاقِهَا) أَيْ يعدل قولها (أعلى سننهن) أَيْ أَعْلَى عَادَتِهِنَّ فِي

مهورهن ومهور أمثالهن يقال ضره وأضر بِهِ فَالثُّلَاثِيُّ بِحَذْفِ الْبَاءِ وَالرُّبَاعِيُّ بِإِثْبَاتِهَا قَوْلُهَا

(فَيَعْضِلُهَا) أَيْ يَمْنَعُهَا الزَّوَاجَ قَوْلُهَا (شَرِكَتْهُ فِي مَالِهِ حَتَّى فِي الْعَذْقِ) شَرِكَتْهُ بِكَسْرِ

الرَّاءِ أَيْ شَارَكَتْهُ وَالْعَذْقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَهُوَ النَّخْلَةُ قَوْلُهَا فِي [3019] قَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَنْ كَانَ فقيرا فليأكل بالمعروف) أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا هُوَ أَيْضًا مذهب الشافعى والجمهور وقالت طائفة لايجوز وحكى عن بن عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَا وَهَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا الآية وقيل بقوله تعالى ولاتأكلوا اموالكم بينكم بالباطل وَاخْتَلَفَ الْجُمْهُورُ فِيمَا إِذَا أَكَلَ هَلْ يَلْزَمُهُ رد بدله وهما وجهان لأصحابنا أصحهما لايلزمه وقال فقهاء

الْعِرَاقِ إِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ إِذَا سَافَرَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [3022] قَوْلُهَا (أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبُّوهُمْ) قَالَ الْقَاضِي الظَّاهِرُ أَنَّهَا قَالَتْ هَذَا عِنْدَمَا سَمِعَتْ أَهْلَ مِصْرَ يَقُولُونَ فِي عُثْمَانَ مَا قَالُوا وَأَهْلَ الشَّامِ فِي عَلِيٍّ مَا قَالُوا وَالْحَرُورِيَّةَ فِي الْجَمِيعِ مَا قَالُوا وَأَمَّا الْأَمْرُ بِالِاسْتِغْفَارِ الَّذِي أَشَارَتْ إِلَيْهِ فَهُوَ قوله تعالى والذين جاؤا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الذين سبقونا بالايمان وبهذا احتج مالك فى انه لاحق فِي الْفَيْءِ لِمَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا جَعَلَهُ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ والله أعلم قوله (عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الْقَاتِلَ مُتَعَمِّدًا لَا تَوْبَةَ لَهُ) وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا هذا هو المشهور عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ لَهُ تَوْبَةً وَجَوَازُ الْمَغْفِرَةِ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يستغفر الله يجد الله غفورارحيما وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ مَذْهَبُ جَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِمَّا يُخَالِفُ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّحْذِيرِ مِنَ الْقَتْلِ وَالتَّوْرِيَةِ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي احتج بها بن عَبَّاسٍ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يُخَلَّدُ وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّهُ جزاؤه ولايلزم مِنْهُ أَنَّهُ يُجَازَى وَقَدْ سَبَقَ تَقْرِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيَانُ مَعْنَى الْآيَةِ فِي كِتَابِ التَّوْبَةِ والله أعلم [3023] قوله (فرحلت إلى بن عَبَّاسٍ) هُوَ بِالرَّاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ هَذَا هُوَ الصحيح المشهور فى الروايات وفى نسخة بن مَاهَانَ فَدَخَلْتُ بِالدَّالِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ بِأَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ دَخَلْتُ بَعْدَ رِحْلَتِي إِلَيْهِ

قَوْلُهُ (فَأَمَّا مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ وَعَقَلَهُ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ أَيْ عَلِمَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَتَحْرِيمَ الْقَتْلِ قَوْلُهُ (نَسَخَتْهَا آيَةُ الْمَدِينَةِ) يَعْنِي بِالنَّاسِخَةِ آيَةَ النِّسَاءِ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا قَوْلُهُ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ أَمَرَنِي عبد الرحمن بن أبزى أن أسأل بن عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُهُمْ لَعَلَّهُ أمرنى بن عبد الرحمن قال القاضي لايمتنع أن عبد الرحمن أمر سعيد أيسأل له بن عباس عمالا يعلمه عبد الرحمن فقد سأل بن عَبَّاسٍ أَكْبَرَ مِنْهُ وَأَقْدَمَ صُحْبَةً وَهَذَا الَّذِي قاله القاضي هو الصواب [3024] قوله (اخبرنا ابوعميس عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ) هَكَذَا هُوَ هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ عَبْدِ الْمَجِيدِ بِالْمِيمِ ثم الجيم الانسخة بن مَاهَانَ فَفِيهَا عَبْدُ الْحَمِيدِ

بِحَاءٍ ثُمَّ مِيمٍ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ الصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ الْقَاضِي قَدِ اخْتَلَفُوا فِي اسْمِهِ فَذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيِّ وَغَيْرُهُ فَسَمَّاهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ بِالْحَاءِ ثُمَّ بِالْمِيمِ وَكَذَا قَالَهُ

سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَسَمَّاهُ الْبُخَارِيُّ عَبْدَ الْمَجِيدِ بالميم ثم بالجيم وكذا رواه بن الْقَاسِمِ وَالْقَعْنَبِيُّ وَجَمَاعَةٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ يُقَالُ بِالْوَجْهَيْنِ قَالَ وَالْأَكْثَرُ بِالْمِيمِ ثُمَّ بِالْجِيمِ قَالَ الْقَاضِي فَإِذَا ثَبَتَ الْخِلَافُ فِيهِ لَمْ يُحْكَمْ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ بِالْخَطَأِ [3028] قَوْلُهُ (فَتَقُولُ مَنْ يُعِيرُنِي تِطْوَافًا) هُوَ بِكَسْرِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَهُوَ ثَوْبٌ تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِهِ وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَطُوفُونَ عُرَاةً ويرمون ثيابهم ويتركونها ملقاة على الأرض ولايأخذونها أَبَدًا وَيَتْرُكُونَهَا تُدَاسُ بِالْأَرْجُلِ

حَتَّى تَبْلَى وَيُسَمَّى اللِّقَاءَ حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ فَقَالَ تَعَالَى خذوا زينتكم عند كل مسجد وقال النبى صلى الله عليه وسلم لايطوف بالبيت عريان [3029] قوله (فأنزل الله تعالى ولاتكرهوا فتياتكم على البغاء ان أردن تحصنا إِلَى قَوْلِهِ وَمَنْ يَكْرَهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ لَهُنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) هَكَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ كُلِّهَا لَهُنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَهَذَا تَفْسِيرٌ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّ لَفْظَةَ لَهُنَّ مُنَزَّلَةٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا أَحَدٌ وَإِنَّمَا هي تفسير وبيان يردان الْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ لَهُنَّ لِكَوْنِهِنَّ مُكْرَهَاتٍ لَا لِمَنْ أَكْرَهُهُنَّ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا فَخَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ إِذِ الْإِكْرَاهُ إِنَّمَا هُوَ لِمُرِيدَةِ التَّحَصُّنِ أَمَّا غَيْرُهَا فَهِيَ تُسَارِعُ إِلَى الْبِغَاءِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى الْإِكْرَاهِ وَالْمَقْصُودُ أن الاكراه على الزنى حرام سواء أردن تحصنا أم لاوصورة الاكراه مع أنها لاتريد التحصن أن تكون هي مريدة الزنى بانسان فيكرهها على الزنى بِغَيْرِهِ وَكُلُّهُ حَرَامٌ قَوْلُهُ (إِنَّ جَارِيَةً لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يُقَالُ لَهَا مُسَيْكَةُ وَأُخْرَى يُقَالُ لَهَا أُمَيْمَةُ) أُمًّا مُسَيْكَةُ فَبِضَمِّ الْمِيمِ وَقِيلَ إِنَّهُمَا مُعَاذَةُ وَزَيْنَبُ وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي ست جوار له كان يكرههن على الزنى مُعَاذَةُ وَمُسَيْكَةُ وَأُمَيْمَةُ وَعَمْرَةُ وَأَرْوَى وَقُتَيْلَةُ وَاللَّهُ

أعلم قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ) بكسر الزاى وتشديد الميم قَوْلُهُ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ

[3032] (وَإِنَّهَا مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ وَذَكَرَ الْكَلَالَةَ وَغَيْرَهَا) هَذَا كُلُّهُ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَبْوَابِهِ قَوْلُهُ

[3033] (عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يُقْسِمُ قَسَمًا أَنَّ هذان خصمان اختصموا فى ربهم أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ بَرَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ) أَمَّا مِجْلَزُ فَبِكَسْرِ الْمِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَاسْمُهُ لَاحِقُ بْنُ حُمَيْدٍ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَقَيْسُ بْنُ عُبَادٍ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فَقَالَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو لِلْخُصُومَةِ قَالَ قَيْسٌ وَفِيهِمْ نَزَلَتِ الْآيَةُ وَلَمْ يُجَاوِزْ بِهِ قَيْسًا ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ عُثْمَانُ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَوْلُهُ (قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فَاضْطَرَبَ الْحَدِيثُ) هَذَا كُلُّهُ كَلَامُهُ قُلْتُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا ضَعْفُ الْحَدِيثِ وَاضْطِرَابُهُ لِأَنَّ قَيْسًا سمعه من أبى ذركما رَوَاهُ مُسْلِمٌ هُنَا فَرَوَاهُ عَنْهُ وَسَمِعَ مِنْ عَلِيٍّ بَعْضَهُ وَأَضَافَ إِلَيْهِ قَيْسٌ مَا سَمِعَهُ مِنْ أَبِي ذَرٍّ وَأَفْتَى بِهِ أَبُو مِجْلَزٍ تَارَةً وَلَمْ يَقُلْ إِنَّهُ مِنْ كَلَامِ نَفْسِهِ وَرَأْيِهِ وَقَدْ عَمِلَتِ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِمِثْلِ هَذَا فَيُفْتِي الْإِنْسَانُ مِنْهُمْ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى الْفَتْوَى

دُونَ الرِّوَايَةِ وَلَا يَرْفَعُهُ فَإِذَا كَانَ وَقْتٌ آخَرُ وَقَصَدَ الرِّوَايَةَ رَفَعَهُ وَذَكَرَ لَفْظَهُ وَلَيْسَ فى هذا اضطراب والله أعلم

§1/1