شرح المنظومة الحائية لابن أبي داود

عبد الكريم الخضير

شرح المنظومة الحائية (1)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح المنظومة الحائية لابن أبي داود (1) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ربنا اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين. حائية ابن أبي داود قال -رحمه الله-: تمسك بحبل الله واتبع الهدى ... ولا تك بدعياً لعلك تفلحُ ودن بكتاب الله والسنن التي ... أتت عن رسول الله تنج وتربحُ وقل غير مخلوق كلام مليكنا ... بذلك دان الأتقياء وأفصحوا ولا تك في القرآن بالوقف قائلاً ... كما قال أتباع لجهم وأسجحوا ولا تقل: القرآن خلقٌ قرأته ... فإن كلام الله باللفظ يوضح الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فمن المؤلفات والمصنفات في تقرير عقيدة السلف الصالح قد كثرت وتنوعت، فمنها المطول، ومنها المختصر، ومنها ما كتب بأسانيده، ومنها ما جرد عن الأسانيد، وكتب استنباطاً من النصوص، ومنها المتون المختصرة، ومنها الشروح والحواشي، ومنها ما جاء نظماً، ومنها ما جاء نثراً. فمن المصنفات المختصرة المنظومة هذه الحائية المباركة الجامعة الماتعة النافعة، هذه الحائية محل عناية من أهل العلم منذ تأليفها إلى يومنا هذا. ثبتت بطريق قطعي عن مؤلفها، بحيث رواها جمع من الآخذين عنه، وعنهم جموع إلى أن وصلت إلينا كما كُتبت. هذه الحائية لأهميتها قرأها الشيوخ، وأقرؤوها الطلاب، وحفظوها وحفّظوها، وشرحوها بشروح مكتوبة، وشروح مسموعة، كثير من هذه الشروح لم يصل إلينا، وما وصل إلينا إلا شرح السفاريني (لوائح الأنوار) شرح السفاريني مطبوع في جزأين، وأيضاً من الشروح المكتوبة شرح للشيخ الدكتور عبد الرزاق البدر، وهو على اختصاره شرح جميل ونافع، وأسلوبه سهل، يعني يستفيد منه طالب العلم فائدة تامة، شيوخنا أيضاً لهم عناية بهذه الحائية، ولهم عليها شروح مسجلة موجودة ولله الحمد، استفاد منها طلاب العلم.

هذه الحائية في ثلاثة وثلاثين بيتاً، وهناك مزيد عليها من أبيات كأنها لبعض ... هذا يقول: في مقدمة الشيخ وممن شرحها ابن البناء، ثم قال: وشروحاتهم لا أعلم لها وجوداً، رواها الآجري وصنف لها شرحاً، وأبو عبد الله بن بطة في الإبانة، وممن شرحها ابن البناء، وشروحاتهم لا أعلم لها وجوداً. لكنه يقول في الطبعة الثانية يقول: إنه وقف قريباً على شرح ابن البناء للحائية المخطوطة في المكتبة الظاهرية بدمشق، وأما شرح السفاريني واسمه: (لوائح الأنوار السَنية ولواقع الأفكار السُنية شرح قصيدة ابن أبي داود الحائية في عقيدة أهل الآثار السلفية) هذا مطبوع يمكن من عشر سنوات. وهذا الشرح أعني شرح الشيخ عبد الرزاق شرح جميل وواضح، وفيه فوائد، يعني شرح متعوب عليه، فحري بطالب العلم أن يُعنى به، وأما بالنسبة لشرحنا فأظن المدة ما تسمح بشرح مفصل، إنما نعلق على الأبيات بقدر ما يسمح به الوقت. هذه الحائية لها نسخ كثيرة، أقول: لها نسخ كثيرة متداولة موجودة في بطون الموسوعات العلمية من كتب التراجم وكتب العقائد. أما طباعتها فقد طُبعت في مطبعة الترقي بدمشق سنة (1350هـ) يعني من ستة وسبعين سنة، ضمن مجموع يشمل: (نجاة الخلف في اعتقاد السلف) للشيخ عثمان بن أحمد النجدي و (عقيدة السفاريني) ثم عقيدة أبي بكر بن أبي داود، وطبعت أيضاً في نسخ ضمن مجموع يضم إضافة إلى الحائية عقيدة أبي الخطاب الكلوذاني، وعقيدة أبي الحسن الأشعري، وذم التأويل لابن قدامة، والتحف في مذاهب السلف للشوكاني، وفتوى الشيخ عبد المجيد سليم مفتي الديار المصرية، هذه المجموعة مطبوعة في مطبعة المنار بمصر سنة (1351هـ) والطبعتان كلاهما فيه شيء من العناية والتحقيق والتصحيح والتصويب، وما فيها من فروق مع الطبعات الجديدة يبين في .. ، كل بيت في وقته -إن شاء الله تعالى-.

هذه المنظومة ناظمها ابن أبي داود صاحب السنن، أبوه أبو داود صاحب السنن، وذُكر من إنصاف المحدثين .. ، يذكر من إنصاف المحدثين أن أبا داود رمى ابنه بالكذب، وأن الإمام علي بن المديني ضعف أباه، هذا مما يذكر في إنصاف المحدثين، والإمام أبي بكر بن أبي داود، أما بالنسبة للكذب في الحديث فهو منه بريء، وأقوال الأئمة وتوثقيهم وتعديلهم له، وإمامته وعلمه وورعه كل هذا يرد هذه التهمة، ولا يمكن أن ينصرف قول أبي داود إن صح عنه في ولده إلى هذا، أما كونه يحمل على أنه بلى عليه الكذب مرة أو مرتين في كلامه العادي فمثل هذا أظن أنه لا يسلم منه أحد. والكذب عند أهل السنة يشمل الخطأ، يشمل الوهم، إذا خالف الكلام الواقع سمي كذباً، ولا يلزم أن يكون مع العمد، هذا على مذهب أهل السنة والجماعة، واشترط المعتزلة في الكذب أن يكون عن عمد، ولو كان الكذب وحقيقته تحتاج إلى قيد العمد لما جاء مقيداً به في حديث من كذب: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) مفهومه أنه يوجد كذب لا عن عمد، المقصود أنه يسمى كذب في العرف الشرعي، وعند أهل السنة والجماعة، المعتزلة أثبتوا الواسطة كذب لكنه لا عن عمد، ومنهم من يثبت كلام ليس بكذب ولا صدق، إن صح ما نقل عن أبي داود في ابنه يحمل على هذا، أنه بلى عليه مخالفة الواقع في حديثه العادي، وقد يكون عن غير قصد، ولا بد أن يقع من الإنسان شيء من التعريض يحتاج إليه، أو شيء في الأمور اليسيرة، أو في الأمور التي تختلف فيها وجهات النظر هل هي من الكذب المباح للحاجة إليه وترتب المصلحة أو لا؟ فمثل هذا يدرأ عنه هذه التهمة، وإلا فهو إمام محقق مصنف على طريقة السلف الصالح ومحدث، وله أسانيد، وسمع الحديث صغيراً، وهو مولود سنة (230هـ) وتوفي سنة (316هـ) في طبقة يعني هو تأخر عن النسائي قليلة، في طبقة ابن خزيمة والطبري ونظرائهم. هذه المنظومة منظومة نافعة ماتعة، مثل ما ذكرنا محل عناية ومحط اهتمام أهل العلم، وطبعت قديماً. يقول ناظمها -رحمه الله تعالى-: بسم الله الرحمن الرحيم

ابتدأ الناظم -رحمه الله تعالى- منظومته بالبسملة اقتداء بالقرآن الكريم الذي افتتح بها، وخلت المنظومة عن الحمدلة لشدة اختصارها؛ لأنها مختصرة جداً، لا يمكن أن يوجد كتاب في العلم يخلو عن البسملة والحمدلة، فالذي يترجح أنها موجودة، ولو فقدت من بعض النسخ، إلا على رأي الشعبي الذي يقول: لا ينبغي أن تكتب البسملة في الشعر، البسملة لا ينبغي أن تكتب في الشعر؛ لأن الشعر والشعراء جاء ذمهم في القرآن والسنة {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [(224) سورة الشعراء] وجاء في السنة في الحديث الصحيح: ((لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعراً)) ولذا يقول الشعبي: إن الشعر ينبغي أن يجرد عن البسملة، لكن ما دام الشعر والمقرر والمحقق عند أهل العلم أنه كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح، فهذا من الكلام الحسن الذي يصدر بالبسملة والحمدلة، وهذا جرى عليه أهل العلم في نظمهم للعلوم كلها، يفتتحون بالبسملة والحمدلة، ومنهم من يقتصر على البسملة أو الحمدلة. يقول -رحمه الله تعالى-: "تمسك بحبل الله" تمسك أمر "بحبل الله" يعني حبل الله المتين الذي هو الكتاب القرآن، الذي تركه النبي -عليه الصلاة والسلام- لأمته، وأخبر أنهم لن يضلوا ما داموا متمسكين به {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [(103) سورة آل عمران] وأهل العلم يعنون بهذا الأمر الذي هو التمسك والاعتصام بالكتاب والسنة، وله أبواب في كتبهم، وقد صدر الناظم -رحمه الله تعالى- منظومته بالأمر به "تمسك بحبل الله" الذي هو القرآن. "واتبع الهدى" الذي هو السنة، وجاء الأمر بالاعتصام بالكتاب والسنة، الاعتصام بالكتاب {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا} [(103) سورة آل عمران] وإن كان المراد به عند جمع من أهل العلم دينه الشامل للكتاب والسنة. "تمسك بحبل الله" هذا أمر، فهل نقول: إن هذا الأمر إلزام أو التماس؟ إلزام من الله -جل وعلا-، وهذا يحكي ما جاء في الشرع من الأمر به. تمسك بحبل الله واتبع الهدى ... . . . . . . . . .

الهدى يراد به هنا السنة النبوية؛ ليكون الأمر بالاعتصام بهما معاً، ولن يضل من تمسك بالكتاب والسنة، وبالتمسك بهما العصمة من كل شر وفتنة. وفي خطبه -عليه الصلاة والسلام- ينبه النبي -عليه الصلاة والسلام- كما جاء في صحيح مسلم من أنه -عليه الصلاة والسلام- يقول في خطبته: ((أما بعد: فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد رسول الله)) فينبه على المصدرين الأساسيين من مصادر التلقي في هذا الدين، ولا ثالث لهما يستقل بنفسه، أما القرآن مصدر مستقل، والسنة الأصل فيها أنها موضحة للقرآن، ومبينة له، وشارحة للقرآن على أن فيها من الأحكام ما لم يأتِ في القرآن، ففيها أحكام زائدة على ما في القرآن، وكل من القرآن والسنة وحي من عند الله -جل وعلا-، أما القرآن فظاهر، وأما السنة فدليل كونها وحي قوله -جل وعلا-: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} [(3) سورة النجم] فالوقائع كثيرة يُسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- فيسكت، ثم ينزل عليه الوحي مما ليس في القرآن، فدل على أن السنة وحي من عند الله -جل وعلا-.

الهدى ينقسم إلى قسمين: نصوص جاءت بما يفيد بأن من الهدى ما لا يملكه إلا الله -جل وعلا-، ومنه ما يملكه النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن تبعه، وسار على هديه من دعاة الحق، فالهدى الخاص والهداية الخاصة بالله -جل وعلا- هي هداية التوفيق والقبول، وجاء نفيها عن أكمل الخلق -عليه الصلاة والسلام- {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [(56) سورة القصص] وأما الهدى بمعنى الدلالة والإرشاد فهذا للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء فيه قول الله -جل وعلا-: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [(52) سورة الشورى] {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [(9) سورة الإسراء] والله -جل وعلا- بالمعنى الثاني الأول خاص به، والثاني أيضاً الله -جل وعلا- يهدي، بمعنى أنه يوفق، ويجعل النفس تقبل وتذعن، وأيضاً بالمعنى الثاني الله -جل وعلا- يهدي {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [(17) سورة فصلت] يعني دلالناهم وأرشدناهم، ومنه قول الله -جل وعلا-: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [(10) سورة البلد] طريق الحق وطريق الضلال، فمن الناس من يوفق هداية الدلالة والإرشاد للجميع، وقد جاءت في نصوص الكتاب والسنة على أتم وجه وأكمله، لكن من الناس من يوفق للهداية الأخرى، ومنهم من لا يوفق حسبما جرى به القلم السابق، والقضاء من الله -جل وعلا-، فالإنسان تكتب سعادته وشقاوته وهو في بطن أمه، إضافة إلى التقدير السابق الأزلي. تمسك بحبل الله واتبع الهدى ... ولا تك. . . . . . . . .

أصلها (ولا تكن) تحذف النون، وإلا يكفي التسكين (تكنْ) "ولا تك بدعياً" بدعياً البدعي المنسوب إلى البدعة، والبدعة في الأصل في اللغة: ما عمل على غير مثال سابق، هذه هي البدعة في اللغة، ما عُمل على غير مثال سابق، وفي الاصطلاح عند أهل العلم العمل الذي يتدين به مما لم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة، فالذي يتدين به يخرج أمور الحياة، فهذه لا تحتاج إلى أن يسبق لها شرعية، فالمستجدات والمستحدثات فيما يتعلق بأمور الدنيا لا تحتاج إلى نص في استعمالها، اللهم إلا إذا كانت مما يندرج فيما نهي عنه، إذا كانت مما يندرج فيما نهي عنه، وأما استعمالها فالأصل فيها الإباحة. أمور الدين التي يُتعبد بها لا بد أن يسبق لها شرعية من كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بين لنا ووضح لنا أن كل بدعة ضلالة، فلا يستثنى مما يحدث في الدين مما لا يدل عليه دليل من كتاب ولا سنة من حد البدعة الداخل في عموم: ((كل بدعة ضلالة)) كل ما يحدث في الدين مما لم يسبق له شرعية في كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- فهو مذموم، داخل في العموم، ومن أهل العلم من قسم البدع إلى بدع حسنة وبدع سيئة، ومنهم من قسمها على الأحكام التكليفية الخمسة الأحكام التكليفية الواجب والمندوب والمباح والمكروه والمحظور، هذه الأحكام التكليفية الخمسة، فقالوا تبعاً لذلك: هناك بدع واجبة، وهناك بدع مستحبة، وهناك بدع مباحة، وبدع مكروهة، وبدع محرمة، أما البدع المكروهة والمحرمة هذا لا إشكال فيه، لكن هل نستطيع أن نقال: إن هناك بدعة مباحة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)) -نسأل الله السلامة والعافية-، والمراد صاحبها، وهل نستطيع بعد هذا أن نقول: إن هناك بدعة واجبة أو بدعة مستحبة؟ هذا تناقض، هذا جمع للنقيضين.

الشاطبي في الاعتصام رد هذا التقسيم وأبطله، وقوض دعائمه، وذكر أنه بدعة، أمر مخترع مبتدع، هذا التقسيم، قد يكون .. ، قد يستدلون بأشياء: من سن سنة حسنة، ومن سن سنة سيئة، ويوجدون بعض الأمور التي وجدت بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتداولها المسلمون من غير نكير، فهي محدثة، ولم يرد نص فيها بخصوصها، وتداولتها الأمة من غير نكير، فقالوا: الرد على المخالفين هذا واجب، لكنه أمر مبتدع ومخترع، ومثلوا به للبدع الواجبة، بناء المدارس والأربطة قالوا: هذا مبتدع، لكنه مستحب، وأما البدع المباحة عندهم كالتوسعة في التوسع في أمور الدنيا من المأكولات والمشروبات والمركوبات والمساكن وغيرها، والبدع المكروهة والمحرمة مثلوا لها بأمثلة مقبولة. لكن كيف يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كل بدعة ضلالة)) ونقول: إن هناك بدعة واجبة، ونمثل لها بالرد على المخالفين؟ القرآن مملوء بالرد على المخالفين، والسنة الصحيحة الصريحة فيها شيء من ذلك فكيف يكون الأصل والعمدة على كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- ونقول بدعة؟ المخالف الذي يخالف الصراط المستقيم، وما جاء عن الله وعن رسوله، يريد أن ينشر الضلال والبدع والفساد بين المسلمين مثل هذا يرد عليه، وهذا من الجهاد باللسان، وقد جاء الأمر به. . . . . . . . .، وأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- حسان أن يرد على المشركين، فكيف بعد هذا أن يقال: إن هناك بدعة واجبة يمثل لها بالرد على المخالفين؟ الرد على المخالفين أصله في الكتاب والسنة فهو مندرج فيها، نعم آحاده كغيرها من المسائل يوجد الأصل في القرآن {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [(38) سورة الأنعام] ويفرع على هذا الأصل ما يندرج تحته، وهذا منها. البدع المستحبة بناء المدارس وبناء الأربطة هذا جاءت النصوص بما يدل على قاعدة شرعية مستمدة من النصوص، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المندوب إلا به فهو مندوب، والوسائل لها أحكام الغايات، وهكذا، هذه قواعد شرعية مستمدة من النصوص.

من أقوى ما يستدلون به ويتمسكون به قول عمر -رضي الله تعالى عنه- في صلاة التراويح: "نعمت البدعة" أن عمر -رضي الله تعالى عنه- جمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح، ثم خرج إليهم وهم يصلون فأعجبه وضعهم بعد أن كانوا يصلون متفرقين، كل واحد يصلي لنفسه جمعهم، فقال: "نعمت البدعة، والتي ينامون عنها خير منها" يعني صلاة آخر الليل، فقالوا: ما دام عمر يقول: نعمت البدعة فدل على أن من البدع ما يمدح؛ لأن (نعم) حرف مدح، أو فعل على الخلاف بين أهل العلم، وكذلك ضدها (بئس) التي هي للذم، وما دام قال: "نعم" فهو يمدحها، وهو يمدح البدعة، إذاً في البدع ما يمدح، وهو المستحسن منها.

شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: هذه بدعة لغوية، في اقتضاء الصراط، والشاطبي يقول: مجاز وليس بحقيقة، يعني ليس من باب استعمال اللفظ فيما وضع له، هذا ليس بحقيقة؛ لأنه لا يرى من البدع شيئاً يُمدح، بل شدد في هذا الباب -رحمه الله-، والتشديد في هذا الباب هو المطلوب؛ لأن التساهل فيه يجر إلى ما لا تحمد عقباه؛ لأن الإنسان إذا تساهل في مسألة دعته إلى ما بعدها، ومن نظر في تاريخ البدع والمبتدعة يجد أن الأصول التي انبثقت عنها هذه البدع أمور يسيرة، تجد خلاف يسير بين اثنين، بين شيخ وطالب من طلابه، بين زميل وزميله، أمور لا تكاد تذكر، ثم بعد ذلك كل واحد منهما ينتصر لنفسه، ثم يلزم أحدهما بلوازم فيلتزم هذه اللوازم، من باب أخذ العزة بالإثم، الانتصار للنفس، وعدم الانهزام أمام الخصم، يلتزم بهذه اللوازم، ثم يضطر أن يقول ما يؤيد به هذه اللوازم، فيشتد أمرها، ثم بعد ذلك يرد عليه مسألة ما حسب لها حساب، فإذا انتقضت، وأذعن بأنها منتقضة نقض أصله الذي بنى عليه، ثم يلتزم هذه المسألة لئلا ينتقض عليه أصله، إلى أن يصل إلى حد بحيث يتكلم بكلام لا يقوله المجانين فضلاً عن عامة الناس، فضلاً عن من ينتسب إلى العلم، فضلاً عن من له عناية بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، السيئة تقول: أختي أختي، وإذا تساهل الإنسان في أول الأمر في كلمة أو في مسألة تساهل فيما بعدها، ولا يعني هذا أن الإنسان يشدد ويتشدد على نفسه أو على غيره من غير أصل من كتاب وسنة، لا، الدين يسر، لكن يبقى أن الدين عزيمة، الأصل فيه، لا يتساهل في دينه إلى أن ينسلخ منه ولا يشعر، إذا تساهل في مقدمات تساهل في نتائج، وهناك طوام تفوه بها رؤوس المبتدعة، ما وصلوا إليها إلا بعد مراحل، يعني من بيتصور أن هناك شخص يشهد أن لا إله إلا الله، ويقول: سبحان ربي الأسفل، لكن قال قبلها عشرات الكلمات إلى أن وصل إلى هذا الحد، ومن يبي يتصور أن شخص يقول: "ألا بذكر الله تزداد الذنوبُ" والله -جل وعلا- يقول: {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [(28) سورة الرعد] يقول: "وتنطمس البصائر والقلوبُ" -نسأل الله السلامة والعافية-.

فعلى الإنسان أن يحرص ويتمسك بما جاءه عن الله وعن رسوله، شيخ الإسلام حمل البدعة في قول عمر على البدعة اللغوية، وأما الشاطبي فقال: مجاز، والذي عندي أنه لا هذا ولا هذا؛ لماذا؟ أما المجاز فأمره معروف فلا مجاز على ما قررناه سابقاً، وأما قول شيخ الإسلام أنها بدعة لغوية لو طبقناها على التعريف اللغوي للبدعة وهي: ما عمل على غير مثال سابق لوجدنا أن التعريف لا ينطبق؛ لماذا؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها بأصحابه ثلاث ليالٍ جماعة، صلى التراويح بأصحابه جماعة، ثم بعد ذلك لم يخرج إليهم خشية أن تفرض عليهم، لا نسخاً لها ولا رغبة عنها، فمشروعيتها باقية، فخشية أن تفرض عليهم في وقت التشريع، ثم بعد ذلك يعجزون عنها، لو فرضت احتمال أن يعجزون عنها، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- من شفقته ورأفته بأمته لم يخرج لهم في اليوم الرابع أو الثالث على اختلاف الروايات خشية أن تفرض عليهم، إذاً المشروعية باقية، فلها أصل سابق من فعله -عليه الصلاة والسلام-، فليست ببدعة لغوية فضلاً عن أن تكون بدعة شرعية، طيب إذا لم تكن بدعة لا لغوية ولا شرعية وعمر -رضي الله تعالى عنه- من أهل اللسان، يعني عربي، ويعي ما يقول، فماذا تكون؟ في علم البديع ما يسمى بالمشاكلة، يعني والمجانسة في التعبير، يطلق اللفظ ولا يراد به إلا مجرد مجانسة لفظ آخر حقيقة أو تقديراً، ففي قول الله -جل وعلا-: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] السيئة الأولى حقيقة، الجناية حقيقة، جزاؤها ومعاقبة الجاني سيئة وإلا حسنة؟ حسنة، إذاً لماذا أطلق عليها سيئة؟ من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير، وهذا موجود في النصوص، وفي لغة العرب. قالوا: اقترح شيئاً نجد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبة وقميصاً مشاكلة وإلا الجبة والقميص ما يمكن أن تطبخ، فأسلوب المشاكلة والمجانسة موجود في لغة العرب وفي النصوص، وعلى هذا يحمل قول عمر.

وعلماء البلاغة في البديع يقولون: حقيقة أو تقديراً، يعني كأن قائلاً: "ابتدعت يا عمر" وقد يكون هناك من قال لعمر: ابتدعت يا عمر، فقال مجيباً عن هذا المحقق أو المقدر: "نعمت البدعة" وكأن عمر وهو الخليفة الراشد الذي أمرنا باقتفاء سنته، الملهم المحدث كأنه توقع إن لم يكن واقع أن هناك من سيقول: ابتدعت يا عمر، ووجد من الشراح من يقول: البدعة بدعة ولو كانت من عمر، ولا شك أن هذا سوء أدب مع الخليفة الراشد، والحقيقة أن هذه ليست ببدعة؛ لأنها عملت على مثال سبق من فعله -عليه الصلاة والسلام-، وكونه -صلى الله عليه وسلم- يتركها جماعة مع أصحابه خشية أن تفرض عليهم، وهذا من شفقته -عليه الصلاة والسلام- بأمته. "ولا تكُ بدعياً" هنا نسب المبتدع إلى بدعته، فالنسبة إلى البدعة بدعي، والنسبة إلى السنة سني، وهما متقابلان، والابتداع والاختراع في الدين جاء ذمه والتشديد في شأنه في كلام أهل العلم كثير، والمبتدع له معاملة تليق به. لا تلقَ مبتدعاً ولا متزندقاً ... إلا بعبسة مالك الغضبانِ

هذا القحطاني في نونيته، وكلام السلف وأئمة الإسلام في معاملة المبتدع كلام كثير في هذا الباب، والتشديد في النكير عليهم؛ لأن المخالفة في الابتداع أعظم بكثير من المخالفة في المعاصي التي سببها الشهوة، أما ما كانت المخالفة فيه بسبب الشبهة فأمره أشد، هذا الأصل، وإن كان يوجد فيما يسمى بالفروع أو المعاصي من الذنوب الكبائر ما هو أعظم من البدع الخفيفة عند أهل العلم، لكن الكلام إجمالاً البدع أشد من الذنوب عند أهل العلم، لكن يوجد من الذنوب ما هو أشد من بعض البدع، والتفصيل معروف، وأهل العلم يقررون أن توبة العاصي قريبة بخلاف المبتدع قليلة توبة المبتدع، ولا يعرض نفسه للتوبة؛ لأنه يرى أنه على حق، والشيطان يسول له ويملي له أنه هو الذي على الحق؛ لأن مقالته مبنية على شبهة، لوثت تفكيره، وغطت عقله عن سماع الحق، وعن قبول الحق والإذعان للحق، فمثل هذا توبته أبعد ممن أقدم على الذنب وهو يعرف أنه ذنب وأنه مخالف، أما المبتدع فهو يقدم على هذه المخالفة الشنيعة وهو يظن أنه محق، يحسب أنه يحسن صنعاً، فمثل هذا لا يتوب، نعم تاب جمع منهم، لكن المسألة أغلبية، وبعض الفرق عُرف واشتهر وشاع أن الأمل فيهم ضعيف، وبعضها الأمل فيه قوي، والذي في تقديري أن الذي أشاع هذه الإشاعة هم أهل الفرقة أنفسهم، شيوخهم ومراجعهم؛ لماذا؟ لئلا يتصدى أحد لدعوتهم، إذا كان ميئوس من رجوعهم وتوبتهم فدعوتهم إهدار للوقت وإضاعة بدون جدوى، فالذي يغلب على الظن أنها من تلقائهم، من شيوخهم المرتزِقة الذين يستفيدون ويكتسبون من وراء اعتناقهم لهذا المذهب، وإلا فالشواهد تدل على أنهم منهم من يتوب، نعم قليل الذي يتوب، لكن يوجد من يتوب، فالصد عن دعوتهم بهذه الطريقة مكر شيطاني، وخديعة شيطانية، وإلا ما على الإنسان إلا أن يبذل السبب، كونه يعود أو يرجع هذا ليس إليه، يبذل السبب ويحرص على هداية الناس، لكن النتائج بيد الله -جل وعلا- كما تقدم في الهداية {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [(56) سورة القصص] نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

إيه، لكن لو طبقنا التعريف اللغوي للبدعة ما انطبق قبل هذا كله، هو توجيه شيخ الإسلام -رحمه الله- توجيه الشيخ -رحمة الله عليه- على أنها بدعة لغوية، تعريف البدعة اللغوية: ما عمل على غير مثال سابق، وهذه عملت على مثال سابق، وسبق لها شرعية من السنة، فليست ببدعة شرعية، لا لغوية ولا شرعية ينتهي الإشكال، ويلزم من قوله -رحمه الله- مع أنه إمام، أقول: يلزم من قوله أن هناك شيء يسمى بدعة لغوية، نعم، وهو ما تفضلت به، لكن ينفى من أصله باعتبار أن التعريف اللغوي لا ينطبق عليه، وعموم المشايخ يقولون بقول شيخ الإسلام من باب: إذا قالت حذام فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام والإنسان وهو يعرض مثل هذا الكلام على خجل واستحياء؛ لأنه كلام إمام، ولا يعني أننا نستدرك عليه، أو نتطاول على علمه أو فضله لا، أبداً، إنما نبين ما نراه حق، وكل يأخذ من قوله ويرد إلا النبي -عليه الصلاة والسلام-. "ولا تك بدعياً" يعني منتسباً إلى البدعة "لعلك" (لعل) حرف ترجي "لعلك تفلحُ" إذا تمسكت بحبل الله، واتبعت الهدى، ولم تك مبتدعاً، ما قيمة حرف الترجي بعد هذا كله؟ يعني من تمسك بحبل الله، واتبع الهدى، ولم يكن بدعياً، مفلح جزماً وإلا لعله يفلح؟ نعم؟ يرجى له الفلاح، هو حرف ترجي، لكن من حصل منه ما ذُكر، تمسك بحبل الله، واتبع الهدى، ولم يكن بدعياً، هو مفلح أو لعله يفلح يرجى له الفلاح؟ نعم؟ يعني مسك الجادة، استقام على الصراط المستقيم.

في مطلع سورة البقرة: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [(1 - 4) سورة البقرة] إلى أن قال: {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [(5) سورة البقرة] جزم، وهنا يقول: لعلك، هذا يخاطب من نصحه ووجهه إلى التمسك بالكتاب والسنة، يخاطب من نُصح، يقول: ومع ذلك إذا امتثلت هذا الكلام، وتمسكت بحبل الله، واتبعت الهدى، ولم تكن بدعياً، لا تجزم في حكمك على نفسك بالفلاح، بل اتهم نفسك بالتقصير، مع هذا كله احرص على أن تتمسك بحبل الله، وتتبع الهدى الذي جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتجتنب البدع والمبتدعة ولعلك لأن الطريق طويل وشائك، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، لعلك، والإنسان في هذه الدنيا مثل الغريق يسأل الله النجاة، ويسأل الله -جل وعلا- حسن الخاتمة، والموافاة على الإسلام، ويكون هذا ديدنه، فلا يجزم لنفسه بشيء، بشيء فلا يجزم لنفسه بشيء، أما من استمسك بحبل الله واتبع الهدى ولم يكن من المبتدعة بحق هذا مجزوم بنجاته، لكن متى نعرف أنه تمسك بحق؟ من الذي يحكم له أنه تمسك بحق؟ القلوب ما يدرى، ما يعلم ما في القلوب إلا علام الغيوب، نحن نرجو للمحسن الثواب، ونخشى على المسيء، ولذا عقيدة أهل السنة في هذا الباب أنهم لا يجزمون لأحد بجنة ولا نار، لأحد من أهل القبلة بجنة ولا نار، لكنهم يرجون للمحسن، ويخافون على المسيء، وهنا قال: "لعلك" وهذا من باب الرجاء لهذا المتمسك بالكتاب والسنة، هذا من باب الرجاء لعله يفلح، والفلاح كلمة جامعة تجمع بين خيري الدنيا والآخرة، ولا يوجد في لغة العرب كلمة تقوم مقامها، ومن أراد الفلاح فليستقرئ نصوص الكتاب والسنة التي جاءت فيها هذه اللفظة التي رتبت على أوصاف فيحرص على تطبيق هذه الأوصاف، يعني يستقرئ ما جاء في الكتاب والسنة بهذا اللفظ، وهذا اللفظ مرتب على أوصاف ينظر في هذه الأوصاف، ويطبق هذه الأوصاف، فيحصل له

الفلاح -إن شاء الله تعالى- إن فعل ذلك مخلصاً لله -جل وعلا-، متبعاً في كذلك كله سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، بمعنى أنه جاء بشروط القبول، فالفلاح كلمة وليس لها نظير مما يجمع خير الدنيا والآخرة، كما قالوا في النصيحة لا يوجد كلمة تغني عنها، من حيازة الحض للمنصوح له، لا توجد كلمة تقوم مقامها، فمثلاً لو استعرضنا الصفات التي في مطلع سورة البقرة، والصفات التي في أول سورة المؤمنون: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [(1) سورة المؤمنون] ... إلى آخره، ثم أخذ الإنسان يطبق هذه الأوصاف على نفسه يحرص على أن يطبق هذه الأوصاف يحصل له الفلاح -بإذن الله -جل وعلا-، ومع ذلك لا يجزم لنفسه ولا يُجزم له، إنما يغلب على الظن ويرجى له ذلك، وقلوب العباد كما جاء في الحديث بين إصبعين من أصابع الرحمن ((وإن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) نسأل الله السلامة والعافية، والثبات والتثبيت من الله -جل وعلا-، أمر يحتاج إلى أن يكون طلبه ديدناً للمسلم، فحسن الخاتمة وسوء الخاتمة أمر مقلق للإنسان، والسلف يخافون من هذا الباب أشد الخوف، ولذلك ما يعرف عنهم أنهم حملوا المطلق على المقيد في الحديث: ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) فهم كلهم خائفون وجلون من سوء العاقبة وسوء الخاتمة، وما في واحد منهم قال: نحمل المطلق على المقيد، فيما جاء من حديث صحيح: ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس)) ما حملوا المطلق على المقيد؛ لماذا؟ لئلا يتراخون في العمل، وصدق الالتجاء إلى الله -جل وعلا-، وينبغي ألا يحملنا هذا على أن نيأس ونقنط من رحمة الله أبداً، بل علينا أن نخاف وعلينا أن نرجو، وإذا كان إبراهيم -عليه السلام-، إمام الحنفاء الذي حطم الأصنام وكسّرها بيده، دعا الله -جل وعلا- بقوله: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} [(35) سورة إبراهيم] ولذا يقول إبراهيم التيمي: من يأمن البلاء بعدك يا إبراهيم؟! الزيغ وارد -نسأل الله الثبات-، ابن القيم -رحمه الله

تعالى- يقول: والله ما خوفي الذنوب وإنها ... لعلى سبيل العفو والغفرانِ لكن خوفي أن يزيغ القلب عن ... تحكيم هذا الوحي والقرآنِ ورضاً بآراء الرجال وخرصها ... لا كان ذاك بمنة الرحمنِ فهم يخافون أشد الخوف في هذا الباب، ولذا لا يرتاح الإنسان ما دامت روحه في جسده، ويخشى على نفسه من خدع الشيطان؛ لأن بعض الناس يتوسع في هذا الباب، وأنه بمجرد ما يؤدي هذه الصلوات، وقد يصوم مع الناس يظن أنه ضمن الجنة. جاء في النصوص ما يدل على فضل الصلاة، وأنها تمحو الذنوب، وأنها كفارة لما بينهما، وأن رمضان إلى رمضان، هذا لا إشكال فيه، ولا عندنا فيه ريب ولا تردد، لكن الإنسان يتهم نفسه، ولن يؤتى إلا من قبل نفسه، فبما كسبت أيديكم، ولولا أن الله -جل وعلا- عفو غفور، رحيم رؤوف {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ} [(61) سورة النحل] والله -جل وعلا- يعفو عن كثير، فالإنسان عليه أن يعمل، أن يعمل ويجتهد ويحرص ويجاهد نفسه على الإخلاص، ولا يكون في عمله حظ لأحد، ويتبع النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يبتدع في دينه، فإذا تمسك بالكتاب والسنة على هذه الكيفية يُرجى أن يختم له بخير، ولذا أهل العلم مع خوفهم من سوء العاقبة يقررون أن الفواتح عنوان الخواتم، يعني الذي يغلب على الظن أن من سلك الجادة هذا يقررونه في الكلام النظري، لكن على أنفسهم هل يستطيع شخص مهما بلغ من العلم والعبادة أن يقول: خلاص الفواتح عنوان الخواتم يعني ما عليّ، مضمون أنه يموت على الاستقامة؟ ما هو بمضمون، ليس بمضمون. الناظم -رحمه الله تعالى- ذكر ما ذكر في البيت الأول من التمسك بالقرآن واتباع الهدى الذي هو طريقة النبي -عليه الصلاة والسلام- وسنته، أعقب ذلك بالمصدر الذي تؤخذ منه هذه العلوم عند أهل السنة علومهم وعقائدهم مأخوذة من الكتاب والسنة. ودن بكتاب الله والسنن التي ... أتت عن رسول الله تنجو وتربحُ (دن) هذا أمر من الديانة، يعني تدين وتعبد لله -جل وعلا- بكتاب الله "والسنن التي" يعني تعبد على ضوء الكتاب والسنة، يعني مثل ما قال: تمسك بالكتاب والسنة، تمسك بحبل الله والهدى التي هو السنن.

ودن بكتاب الله والسنن التي ... . . . . . . . . . يعني تدين بما جاء في كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، ولا تأخذ دينك عن شيء سوى هذين المصدرين، وهما مصدرا التلقي عند أهل السنة، ولا ثالث لهما يستقل بنفسه، وأما ما يُذكر من المصادر من القياس والإجماع فكلها مردها إلى الكتاب والسنة، فالإجماع لا بد أن يستند على أصل من الكتاب أو السنة، والقياس لا بد أن يكون الأصل المقيس عليه له أصل في الكتاب أو السنة، ولا يوجد مصدر ثالث لا عقل كما يقول: المبتدعة، ولا منطق يزعمون أنه يعصم الرأي من الخطأ، ولا مقدمات كلامية ولا منطقية ترتب عليها نتائج وأحكام شرعية كما فعل أهل الكلام، فما عندنا إلا قال الله وقال رسوله. العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة هم ألوا العرفانِ وكلام الصحابة مبني على الكتاب والسنة، إذ لا يمكن أن يأتوا بشيء من كيسهم، فمرد التلقي إلى الكتاب والسنة. ودن بكتاب الله والسنن التي ... أتت عن رسول الله. . . . . . . . .

السنن التي أتت وثبت عن الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فلا يتدين بشيء ولو نسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يكن ثابتاً عنه "أتت عن رسول الله" يعني ثبتت عنه -عليه الصلاة والسلام- بطرق صحيحة أو حسنة "تنجو وتربحُ" يعني في هذا الباب المصدر الكتاب، وهذا أمر متفق عليه، والسنة، آحادها ومتواترها، كلها يجب العمل به في جميع أبواب الدين، يجب العمل بالسنة في جميع أبواب الدين، والسنة تشمل كل ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، سواءً كان في الصحيحين أو في غيرهما، ولذا الفئة التي خرجت تزعم أنها تقتصر على القرآن، ويسمون أنفسهم القرآنيين، هؤلاء على ضلال بلا شك، وليسوا بقرآنيين لأن القرآن جاء بالأمر بطاعة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، والفئة الأخرى التي توسعت قليلاً فرأت الاقتصار في مصادر التلقي على القرآن والصحيحين فقط، وهذه ذكرناها في بعض الدروس التي مضت، وهناك جمعية وجماعة سموا أنفسهم جماعة الاقتصار على القرآن والصحيحين، وأشرنا إلى أن هناك مصنف اسمه تيسير الوحيين بالاقتصار على القرآن مع الصحيحين، وهذا لا شك أن في هذا تضييعاً وإهداراً لقدر كبير مما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- خارج الصحيحين، فالتدين على هذه الطريقة ناقص، فقد يكون في غير الصحيحين ما هو ناسخ لما في الصحيحين، وقد يكون في غير الصحيحين ما هو مخصص، وقد يكون ما هو خارج الصحيحين مقيد لما في الصحيحين، وحينئذٍ يكون التدين بهذه الطريقة ناقص، فعلى هذا على المسلم خصوصاً طالب العلم أن يعنى بكتاب الله -جل وعلا- الذي هو المصدر الأول، وجميع ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- سواءً كان ذلك متواتراً أو آحاد، وسواءً كان من أفراد الآحاد الصحيح والحسن كله مقبول في جميع أبواب الدين، وأما المبتدعة فإنهم لا يقبلون أخبار الآحاد في العقائد؛ لأن أكثر الأخبار جاءت بطريق آحاد، ورسل النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الملوك وغيرهم أفراد، والاستدلال على حجية خبر الواحد وإن كان فرداً واحداً فضلاً عن أن يكون عدد أكثر من أن تحصر، وعلى هذا درج الصحابة بعد أن أرسل النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الآفاق أفراد يعلمونهم الدين، وينقلون لهم

أخبار النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأرسلهم إلى الملوك ليبلغوهم الدين، ويقيموا عليهم الحجج، وهم أفراد، وهدف المبتدعة حينما ذكروا أن الآحاد لا يحتج به إهدار أكثر الأحاديث النبوية، بل المتواتر لا يبحثه أهل الحديث، لا يبحثونه، ولا يوجد في كتبهم، ولا يوجد في كتبهم لماذا؟ لأنه ليس من صناعتهم، إنما صناعتهم ما يحتمل النفي والإثبات، والمتواتر لا يحتمل النفي، فصناعتهم منصبة على ما يحتمل النفي والإثبات بشروط شرطوها، وقواعد ضبطوها وأتقنوها، فما ثبت على ضوء قواعدهم يجب العمل به سواءً تعددت طرقه أو لم تتعدد، وما لم يثبت لا يعمل به. "أتت عن رسول الله تنجو" إذا دنت بكتاب الله والسنن التي جاءت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- تنجو، (تنجو) هذا جواب الطلب الأصل فيه أن يجزم؟ جواب الطلب؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . (تنجُ) لكن نستطيع أن نقول كذا وبعدها وتربحُ، دن هذا أمر وطلب. "بكتاب الله والسنن التي * أتت عن رسول الله تنجو" الأصل أن يكون مجزوماً، وما عطف عليه أيضاً يكون مجزوماً؛ لأنه إما أن يكون جواب طلب على قول بعضهم، أو يكون جواب شرط مقدر: إن تدن بالكتاب والسنة تنجُ وتربح، وهنا "تنجو وتربحُ" كلها مرفوعة، كلها مضمومة؛ لماذا؟ إشباع؟ (إنه من يتقي ويصبر) إشباع؟ "ألم يأتيك والأنباء تنمي" نقول: إشباع؟ هذا فيه مخرج، لا شك أن في مثل هذا مخرج، لكن أحياناً تأتي وليست بحاجة إلى إشباع {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا} [(5) سورة مريم] إيش؟ بعدها على طول؟ يرثْني وإلا يرثُني؟ طالب:. . . . . . . . . لماذا؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . يعني يرثُني هل هي جواب الطلب؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب: في سياق الطلب. لماذا؟ طالب: يرثني.

{وَلِيًّا * يَرِثُنِي} [(5 - 6) سورة مريم] هذا وصف، وصف لهذا الولي {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي} [(5 - 6) سورة مريم] لأنه ليس الهدف من وجود هذا الولي الإرث فقط، لكن من وصفه أنه يرثه، ولهذا رُفع على أساس أنه ليس بجواب للطب، وأما الذي معنا لا شك أنه جواب الطلب أو جواب شرط مقدر تقديره: إن تدن بالكتاب والسنة تنجو وتربح، وهنا يحمل على أنه إشباع، هل يمكن أن يقال: إنه إلغاء لجواب الطلب، أو إلغاء للشرط المتقدم؟ يعني مثل ما جزموا جواب (إذا) جزموا جواب (إذا) هل يلغون جزم جواب (إن) الشرطية؟ نعم؟ (إذا) الأصل أنها لا تجزم، و (إن) تجزم، وجزموا جواب (إذا) "نقبلْه" في درس اليوم في الألفية، ما ذكرنا أن من المذاهب في العربية من يجزم بجواب (إذا) ذكرنا هذا "نقبلْه" فهل يمكن أن يقال: إن جواب (إن) يمكن رفعه والأصل أنه مجزوم. أنا إن شككت وجدتموني جازماً ... وإذا جزمت فإنني لم أجزمِ ما في أحد يمكن يسعف في هذا الباب؟ نعم في أحد؟ قالوا عن "ألم يأتيك" هذا حرف علة "والأنباء تنمي" ويش لون. . . . . . . . .؟ طالب:. . . . . . . . . ألم؟ طالب:. . . . . . . . . لا، الأصل أن يحذف "ألم يأتك" الحركة تشبع، فتنطق بما يشبه الواو. أظننا نقف على هذا. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. (1: 00: 22)

شرح المنظومة الحائية (2)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح المنظومة الحائية لابن أبي داود (2) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-: تمسك بحبل الله واتبع الهدى ... ولا تك بدعياً لعلك تفلحُ ودن بكتاب الله والسنن التي ... أتت عن رسول الله تنجو وتربحُ تقدم شرح هذين البيتين في درس الأمس، وقلنا في مسألة أو في كلمة (تنجو وتربحُ) هل هي جواب الطلب أو جواب شرط مقدر؟ وعلى كلا الاحتمالين الواجب الجزم، وقد تقتضي ضرورة الشعر والوزن أن تشبع الحركة فيتولد عنها هذا، لكنها كيف تشبع وهي ساكنة؟ يعني لو كانت ضمة وأشبعت حتى صارت واواً هذا الإشباع، لكنها ساكنة، الأصل أنها ساكنة؛ لأنها جواب الطلب، بعضهم يقول: لعل .. ، يمكن أن يقدر: لعلك تنجو وتربح، وحينئذٍ يكون لا إشكال، والأمر -إن شاء الله- سهل، والتقدير مألوف في لغة العرب. بعد هذا يقول الناظم -رحمه الله تعالى-: وقل: غير مخلوق كلام مليكنا ... . . . . . . . . . نحن الآن بين يدينا ثلاث نسخ، الطبعة الدمشقية التي هي أولى الطبعات، وطبعة المنار التي تليها طبعت بعدها بسنة، الدمشقية سنة ألف وثلاثمائة وخمسين، وطبعة المنار واحد وخمسين، وعندنا طبعة جديدة في مقدمة شرح الشيخ عبد الرزاق البدر، وهي طبعة ضبطها الشيخ، وتعب عليها. بعد هذا يقول: وقل: غير مخلوق كلام مليكنا ... بذلك دان الأتقياء وأفصحوا هكذا في الدمشقية، ونسخة الشيخ التي في مقدمة الشرح، وفي نسخة المنار طبعة الشيخ رشيد رضا يقول: وقل: غير مخلوق كلام مليكنا ... بذلك دان الأولياء وأفصحوا الأولياء بدل الأتقياء. وأشار الشيخ رشيد في حاشية النسخة علق عليها قال: وفي نسخةٍ الأتقياء كذا بهامش الأصل، مما يدل على أن الأصل الذي اعتمده فيه الأولياء. يقول: "وقل" مثل قوله: "تمسك" أمر، ولا شك أن الأمر من المخلوق يقصد به امتثال أمر الخالق، لا أمر المخلوق؛ لأنه يتحدث على لسان الشرع؛ لأن المسألة شرعية، ووجوبها معلوم من الشرع.

وقل: غير مخلوق كلام مليكنا ... . . . . . . . . . كلام الله -جل وعلا- غير مخلوق، الذي هو القرآن، هذا معتقد أهل السنة والجماعة أن صفة الكلام لله -جل وعلا- غير مخلوقة، خلافاً لمن يقول بذلك من الجهمية والمعتزلة، سواءً قالوه صراحة، أو آل كلامهم إليه كالأشاعرة والماتريدية، فالذي عند أهل السنة أن كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وأن الله -جل وعلا- متصف بهذه الصفة، وأنه -جل وعلا- يتكلم متى شاء إذا شاء، وكلامه -جل وعلا- وإن كان قديم النوع بمعنى أنه تكلم في الأزل، فإنه متجدد الآحاد، يتكلم متى شاء -جل وعلا-. والمعتزلة يقولون: مخلوق، يقولون: كلام الله مخلوق كسائر خلقه، ومثلهم .. ، هم الجهمية والمعتزلة يصرحون بهذا. و"كلام مليكنا" كلام الله -جل وعلا-، من إضافة الصفة إلى الموصوف، والإضافة تقتضي التشريف بلا شك، سواءً كانت من الأوصاف، أو من الأعيان التي تستقل بنفسها، لكنها إن كانت من الأوصاف فليست مخلوقة، وإن كانت من الأعيان التي تستقل بذاتها كبيت الله وناقة الله، وعبد الله كل هذه مخلوقات، والمعتزلة يقولون: كل ما يضاف إلى الله -جل وعلا- مخلوق، سواءً كان صفة أو ذات مستقلة، فيجعلون كلام الله مثل ناقة الله وبيت الله، مثلها كلها مخلوقة؛ لأنها من إضافة المخلوق إلى خالقه، وأهل الحلول والاتحاد يرون العكس، كل ما يضاف إلى الله -جل وعلا- فهو وصف من أوصافه؛ ليصلوا بذلك إلى تقرير مذهبهم الفاسد، وأن الله -جل وعلا- متحد في مخلوقاته، وأنه لا خالق ولا مخلوق، يعني لا فرق بين الخالق والمخلوق، -نسأل الله السلامة والعافية-. وأهل السنة وسط بين المذهبين، بين الطرفين، فهم يرون أن من الإضافات ما هو إضافة وصف من الأمور التي لا تستقل بذاتها، وبين ما هو مخلوق ذات تستقل بنفسها، فهذه مخلوقة. وقل: غير مخلوق كلام مليكنا ... . . . . . . . . .

المليك والملك والمالك شيء واحد، والله -جل وعلا- مالك الملك في الدنيا والآخرة، ومن ملك من العبيد من الخلق فإنما هو بتمليك الله -جل وعلا- إياه، فالعبد وإن ملك المال إلا أنه مال الله، والمليك فعيل صيغة مبالغة، ومثلها ملك فَعِل، لكن هل ورد المليك في أسماء الله -جل وعلا-؟ ورد مالك الملك {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} [(26) سورة آل عمران] وورد ملك {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [(4) سورة الفاتحة] في القراءة المتواترة، فهل ورد مليك؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . أين؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . قراءة "عند مليك" قراءة من؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . "عند مليك" نعم. طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . نعم ((رب كل شيء ومليكه)) والقرآن أبلغ وأوضح وأشهر. وقل: غير مخلوق كلام مليكنا ... بذلك دان الأتقياء وأفصحوا بذلك دانوا وتعبدوا واعتقدوا. الأتقياء: جمع تقي، وفي النسخة الأخرى الأولياء جمع ولي، الأتقياء جمع تقي، والتقي من اتصف بصفة التقوى التي هي فعل المأمورات وترك المحظورات، دانوا بذلك، قالوا به، واعتقدوه، وأفصحوا به، وبينوه للناس، ودعوا الناس إليه، وأودعوه في مصنفاتهم، وردوا على مخالفيهم، كل هذا حصل منهم من الأتقياء، ومن الأولياء على النسخة الأخرى، والأولياء جمع ولي، والولي والتقي بمعنىً واحد، كل تقي ولي لله، العامل بطاعة الله -جل وعلا-، والتارك المجتنب للمحظورات هذا ولي. . . . . . . . . . ... بذلك دان الأتقياء وأفصحوا ولا تكُ في القرآن بالوقف قائلاً ... . . . . . . . . .

عرفنا أن مذهب الجهمية والمعتزلة القول بأن القرآن مخلوق، وقول الماتريدية والأشاعرة وإن لم يفصحوا به إلا أن كلامهم يؤول إليه، فكلامهم يؤول إلى القول بخلق القرآن، فهم يرون أن الكلام النفسي هو وصف معنوي، الكلام النفسي، وأما الكلام اللفظي فهذا عندهم إيش؟ نعم؟ عبارة أو حكاية، وهذا الكلام الملفوظ به واحد، عندهم لا يتغير، لكن إن عُبر عنه بالعربية صار قرآناً، وإن عبر عنه بالسريانية صار إنجيلاً، وإن عبر عنه بالعبرانية صار توراة، هذا كلامهم، ومقتضى هذا أن كل ما يوجد في القرآن يوجد في التوراة والإنجيل إلا أن اللغات تختلف، فعلى هذا لو ترجمت التوراة إلى العربية صارت مصحف مثل ما بأيدينا، والعكس لو ترجم القرآن إلى العبرانية أو السريانية صار توراة أو إنجيلاً، وهذا الكلام لا يمكن أن يوافق عليه عاقل، فحقيقة ما في الكتابين، أو ما في الكتب الثلاثة تختلف، فهل في التوراة والإنجيل سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] باللغات الأخرى أو سورة تبت مثلاً، أو آيات نزلت لوقائع حصلت لهذه الأمة، لأناس بأعيانهم حصلت لهم هذه الوقائع، نزل بسببها القرآن {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [(1) سورة التحريم] يعني هل نقول: لو ترجمناها بالسريانية نجدها موجودة في التوراة أو الإنجيل؟ هل يقول بهذا أحد؟ ما يمكن أن يقول بهذا أحد، لكن هي اللوازم، هي لوازم المذاهب، وإذا التزم القائل بالقول بلوازمه الباطلة من باب تعصب للرأي، وأخذ العزة بالإثم يقع في مثل هذه الأمور، ولذا وقعوا في أشياء لا يمكن أن تصدر ولا عن مجنون، لكنهم لما ألزموا يلزم على كلامك كذا، قال: ويش المانع؟ وإلا فما معنى تقرير الأشعرية في كتبهم، ويكتبون بأيديهم وليس من باب الإلزام هم التزموا، ثم قرروا وكتبوا، عندهم أن الأعمى وهو بالصين يرى بقة الأندلس، يجوز أن يرى الأعمى وهو بالصين بقة الأندلس وهو صغار البعوض، يعني ما هو بتقول عليهم أبداً، هذا كلامهم بأقلامهم كتبوها؛ لماذا؟ قالوا: لأن الأسباب لا أثر لها، وجودها مثل عدمها، فالبصر سبب للإبصار، والإبصار يحصل عنده لا به، فإذا كان مجرد سبب، والسبب لا أثر له عندهم، لا

قيمة له، وإنما يحصل المدرك والمبصر عنده لا به، ويش المانع أنه الشخص في أقصى المشرق يرى صغار البعوض في أقصى المغرب؟ لو تعرض هذا على من لا عقل له بالكلية يقر وإلا ما يقر؟ ما يمكن أن يقر، وقال بهذا كبار، يعني عقولهم تزن جبال، أئمة كبار في مذاهبهم، لكن العبرة بالزكاة لا بالذكاء. هؤلاء الذين يقولون: لو ترجم القرآن، يعني الكلام واحد، كلام الله إذا عبر عنه بالعربية صار قرآناً، إذا عبر عنه بالسريانية صار توراة أو إنجيلاً، وبالعكس. ورقة بن نوفل كان يقرأ الكتب السابقة من التوراة والإنجيل وينقلها إلى العربية ويترجم، لما نزلت سورة اقرأ على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقص عليه القصة بما في ذلك اقرأ، ذكر عن الملك أنه هو الناموس الذي أنزل على موسى، وما قال: إن سورة اقرأ معروفة عندنا، وكنا نقرأها في التوراة؛ لأنه يترجم التوراة هو، ويترجم الإنجيل، وهل يتصور أن يقول عاقل: إن الآيات التي نزلت بسبب قصص وحوادث لبعض الصحابة هي موجودة بأعيانها في التوراة والإنجيل إلا أنها بلغات أخرى؟ يمكن أن يقال مثل هذا؟ نعم؟ قصة المجادلة في الظهار هل هي نزلت على موسى بلغتهم، وعلى عيسى بلغتهم، وعلى محمد بلغته؟ ما يمكن أن يقول مثل هذا، لكنهم أرادوا أن يلبسوا على الناس؛ لئلا يرموا بما رمي به الجهمية من الكفر، الذين تقلد كفرهم خمسمائة عالم من أجل القول بخلق القرآن. ولقد تقلد كفرهم خمسون في ... عشر من العلماء في البلدانِ وحكى اللالكائي عن هؤلاء الخمسمائة وقبله الطبراني كما قال ابن القيم فهم يريدون أن يفروا من القول الصريح فوقعوا فيه في النهاية. وقل: غير مخلوق كلام مليكنا ... بذلك دان الأتقياء وأفصحوا ولا تكُ في القرآن بالوقف قائلاً ... كما قال أتباع لجهم وأسجحُوا أوضح من هذا أنه لماذا ينزل القرآن؟ لماذا ينزل الإنجيل وما فيه موجود في التوراة؟ يعني جميع ما في القرآن موجود في التوراة، وجميع ما في القرآن موجود في الإنجيل والعكس، ويش معنى نسخ الشرائع؟ يبقى لنسخ الشرائع قيمة؟ ومعناه أن الناسخ والمنسوخ في شرعنا موجود ناسخ ومنسوخ بنفسه في شرائعهم. طالب:. . . . . . . . .

لا، كلامهم باطل، لا حظ له من النظر، وبأدنى تأمل يسقط مثل هذا القول، لما كفر السلف الجهمية الذين قالوا بأن القرآن مخلوق، وشبهتهم راجت على بعض الناس، لا سيما وأنها دعمت بسلطة ملزمة، وخشي كثير من الناس من التكفير، يعني مع أن الشبهة راجت ودعمت بقوة، وقد يكون هناك تلبيس من بعض الناس أن هذا من طاعة ولي الأمر الذي تبنى هذه المسألة، يعني راجت هذه الشبهة، ووجدت قبول من بعض الناس، لا سيما الضعاف الذين لا يحتملون العزائم راجت عندهم هذه الشبه، وخشي بعضهم أن يرمى بالكفر لو صرح بأن القرآن مخلوق، فقال: هو يقف لا يقول مخلوق ولا غير مخلوق، يقف، ولذا قال: ولا تكُ في القرآن بالوقف قائلاً ... . . . . . . . . . يعني لا تصرح كما قالت الجهمية والمعتزلة ولا تقف، بل عليك أن تعتقد وتصرح وتفصح بأن القرآن كلام الله -جل وعلا- منزل غير مخلوق. ولا تكُ في القرآن بالوقف قائلاً ... كما قال أتباع لجهم وأسجحُوا حتى الواقفة جهمية، ولذا جاء عن الأئمة: من وقف في القرآن فهو جهمي، ما يعفيهم أنهم وقفوا، بل لا بد أن يُنقض القول الباطل، وأن يعتقد القول الصحيح، وأما الإنسان يقف متردد حائر، لا يترجح عنده الحق، ولا يبين له بأدلته الظاهرة المتكاثرة، هذا لا شك أن الوقف حيرة، هذا إذا أحسنا بهم الظن، وقلنا: إنهم تعارضت عندهم الأدلة فوقفوا، لكن الأدلة غير متكافئة، الأدلة صحيحة صريحة في أن الله -جل وعلا- يتكلم بحرف وصوت يسمع، فالذي يقف لا شك أنه نافٍ لكون القرآن كلام الله الذي نطق به بحرف وصوت، لكنه لا يستطيع أن يصرح بأنه مخلوق لئلا يكفر. . . . . . . . . . ... كما قال أتباع لجهم وأسجحُوا في بعض النسخ: "أسمحوا" المقصود أنه طابت أنفسهم بهذا القول، ولانت له، وتلقوه، وقالوا به، ومثلها في المعنى "أسمحوا" يعني سمحت أنفسهم وجادت وطابت بهذا القول، وأيضاً: ولا تقل القرآن خلق قرأتُه ... . . . . . . . . .

كذا في نسخة الشيخ رشيد؟ لا، طبعة الشيخ رشيد يقول: "ولا تقل القرآن خلق" ما يمكن قراءتها، ولا يستقيم البيت، مرسومة "قرائه" قاف راء ألف همزة على الكرسي على الياء، ثم بعد ذلك الهاء، ولا يمكن أن يستقيم بهذا المعنى، وفي النسخة الدمشقية التي هي أولى الطبعات: ولا تقل القرآن خلق قراءةً ... فإن كلام الله باللفظ يوضحُ وفي نسخة الشيخ عبد الرزاق، وفي كثير من النسخ المطبوعة المتأخرة كذا: ولا تقل القرآن خلق قرأته ... فإن كلام الله باللفظ يوضحُ فالاختلاف في قرأته وقراءةً وقرائه، أما بالنسبة للوزن فسواءً قلنا: قرأتُه أو قراءةً يستقيم -إن شاء الله تعالى-، وأما بالنسبة للمعنى فهو واحد. ولا تقل القرآن خلق قراءةً ... . . . . . . . . . يعني مقروءاً، ملفوظاً به، مخلوق، والمقصود بهذا البيت ... يقول: ولا تكُ في القرآن بالوقف قائلاً ... كما قال أتباع لجهم وأسجحُوا في بعض النسخ بدلاً من قوله: "وأسجحوا" "وصححوا" -هكذا في نسخة الشيخ رشيد نعم وصححوا، وصححوا. يقول: هنا يقول: قال الشيخ صالح الفوزان: بدلاً من خلق -اللي في بيتنا هذا- "ولا تقل القرآن خلق قراءةً" يقول: بدلاً من خلق قرأتُه قال: خلقاً قراءةً. "ولا تقل" هذه أمر بالقول يحتاج إلى مقول، والمقول جملة، القرآن خلق، مبتدأ وخبر، هذه الجملة هي مقول القول، أما ما نسب للشيخ قال: ولا تقل القرآن خلقاً قراءةً، وعلى كل حال المعنى واضح، وما عند الشيخ يحتاج إلى مراجعة، أما "لا تقل: القرآن خلق" هذه جملة هي مقول القول، القرآن خلق هذا مبتدأ وخبر هي الجملة التي هي مقول القول. "وقراءةً" ويش يصير تمييز وإلا حال؟ أما (قائلاً) فهي خبر (تكُ) "ولا تك بالقرآن بالوقف قائلاً" هذه خبر (كان). ولا تقل القرآن خلق قراءةً ... فإن كلام الله باللفظ يوضحُ

المقصود بهذا البيت أنه وجد من يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، ووجد من يقول: لفظي بالقرآن غير مخلوق، واللفظ مصدر يطلق ويراد به التلفظ، ويطلق ويراد به الملفوظ، فالمصدر يطلق على اسم المفعول كالحمل بمعنى المحمول، فإذا كان معنى اللفظ الذي هو المصدر بمعنى المفعول الذي هو الملفوظ به وهو القرآن صار هو عين كلام جهم، معناه أن القرآن مخلوق عنده، وإذا كان المقصود به التلفظ الذي هو فعل القارئ فاللفظ من عمل العبد {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [(96) سورة الصافات] فلفظه لفظ القارئ من عمله، وعمله مخلوق، وإذا كان المقصود باللفظ الملفوظ به وهو القرآن، فإذا قال: مخلوق صار حكمه حكم الجهمية الذين صرحوا؛ ولأن هذا اللفظ مجمل يحتاج إلى بيان، فإن إطلاقه على الإجمال ممنوع، ولذا نهى عنه الناظم -رحمه الله تعالى-، ولذا جاء عن الأئمة أنه قال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، وإن قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع، وعلى كل حال هو موافق للمعتزلة على الحالين، إذا قال: لفظي بالقرآن والمراد به الملفوظ مخلوق وافق الجهمية والمعتزلة باعتبار قولهم أن القرآن مخلوق، وإذا قال: لفظي ويريد به التلفظ غير مخلوق وافق المعتزلة في أن العبد يخلق فعله، وليس بمخلوق لله -جل وعلا-، وعلى كل حال وعلى الاحتمالين اللفظ ممنوع، جاء تشديد الأئمة فيه، ووقع الخلاف القوي والنزاع بين الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- والإمام محمد بن يحيى الذهلي إمام من أئمة المسلمين، لكنه وقع في هذه المسألة، وقع خلاف وشقاق بينهما، فمثل هذا مما لا يجوز التلفظ به، لا لفظي بالقرآن مخلوق، ولا لفظي به غير مخلوق؛ لأنه ما من احتمال إلا ويرد فيه المنع على ما ذكرنا. ولا تقل: القرآن خلق قراءةً ... فإن كلام الله باللفظ يوضحُ كلام الله هو الملفوظ به، وهو المقروء، هو المتلو، وهو كلام الله -جل وعلا-، سواء حفظ في الصدور، أو قرئ وتلفظ به بالألسنة، أو كتب في الصحف، هو كله كلام الله -جل وعلا-، والصوت على ما يقول أهل العلم صوت القارئ، والكلام كلام الباري. . . . . . . . . . ... فإن كلام الله باللفظ يوضحُ

وإلا ما دام في الصدر فلا يدرك، ولا يعرف الحافظ من غير الحافظ إلا إذا قرأ، وما دام متردداً في النفس فإنه لا يسمى كلاماً أصلاً. . . . . . . . . . ... فإن كلام الله باللفظ يوضحُ ابن حزم له كلام شنيع في هذه المسألة، وذكره ابن القيم في النونية، وهو أنه يرى أن القرآن .. ، أن عندنا أربعة قرآنات، ما هو بواحد، أربعة، المحفوظ قرآن، والمقروء قرآن، والمكتوب قرآن، والمسموع قرآن، ومذهبه في هذه المسألة رديء، وفي بعض مسائل الاعتقاد أيضاً كلامه خطير جداً. وقل: يتجلى الله للخلق جهرة ... . . . . . . . . . يتجلى يتكشف بحيث يُرى الله -جل وعلا- للخلق في الجنة، يراه المؤمنون، ويحجب عنه الكفار، بل رؤية الله -جل وعلا- أعظم ما يتنعم به في الجنة، وأعظم ما يتنعم به في الجنة. "يتجلى الله للخلق جهرة" لكن في الدنيا لا ولا يطيق أحد شيء من مخلوقاته أن يثبت أمام الباري -جل وعلا- {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا} [(143) سورة الأعراف] والله -جل وعلا- حجابه النور، وفي رواية: النار، ففي الدنيا لا يمكن أن يُرى، ولا يمكن أن يراه أحد حتى يموت، كما جاء في الحديث، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((نور أنى أراه)) والمسألة خلافية بين الصحابة، منهم من يثبت رؤية النبي -عليه الصلاة والسلام- لربه، ومنهم من ينفي، والنفي أكثر، وأقوى في الاستدلال، والصحابة اختلفوا في هذا، وعائشة تقول: "من حدثكم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم الفرية" وهو -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((نورى أنى أراه)) أما في الآخرة فالمؤمنون يرون ربهم، كما يُرى القمر ليلة البدر، صحواً ليس دونه سحاب. وقل: يتجلى الله للخلق جهرة ... كما البدر. . . . . . . . . يعني كما يُرى البدر لا يخفى، البدر ليلة الست بعد ثمان كما يقول ابن القيم ليلة الرابعة عشر، ليلة كماله يرى إذا لم يوجد قتر ولا سحاب فإنه يرى واضحاً.

"لا يخفى وربك أوضحُ" ففي الحديث الصحيح الذي سوف يشير إليه الناظم -رحمه الله تعالى- من حديث جرير بن عبد الله البجلي، قال: كنا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في ليلة مقمرة، فقال بعد أن رأوا الهلال القمر قال: ((هل تضامون في رؤيته –أو تضارون-؟ )) في أحد يصيبه ضرر أو ضيم، أو زحام، أو يمكن يرى أو لا يرى بالنسبة للقمر ليلة البدر؟ ما يمكن، قال: ((إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب)) وفي رواية: الشمس، في حديث آخر: الشمس، وهذا الحديث من أصح الأحاديث، متفق عليه، وله طرق، بل هو أحاديث حديث جرير وحديث أبي هريرة وحديث ابن عمر، وغيرها من الأحاديث، ونص بعضهم على أنه من المتواتر. "كما البدر لا يخفى" إلا أن هذا التشبيه الوارد في الحديث إنما هو تشبيه للرؤية بالرؤية، وليس تشبيهاً للمرئي بالمرئي؛ لأن التشبيه لا يشترط فيه مطابقة المشبه بالمشبه به من كل وجه، لا يشترط في صحته أن يطابقه من كل وجه، قد يكون وجه الشبه من جهة، سواءً كانت من أوضح الجهات أو أدنى الجهات، في وجه الشبه، فأول زمرة تدخل الجنة على صورة البدر، يعني كأنهم البدر، لكن هل هناك مطابقة بين صورة ما يدخل الجنة والبدر؟ يعني في الوضوح والاستدارة والإنارة نعم، لكن هل البدر له أنف، وله عينان، وله فم؟ لا، فوجه الشبه من وجه. أيضاً جاء تشبيه الوحي وهو محمود بالجرس وهو مذموم، إنما جاء التشبيه من وجه دون وجه، والأمثلة على هذا كثيرة، فالتشبيه هنا للرؤية بالرؤية، لا للمرئي بالمرئي. . . . . . . . . . ... كما البدر لا يخفى وربك أوضحُ أوضح من رؤية البدر الآن لو في مكان على وجه الأرض شيء، والناس من حب الاستطلاع، الآن لو وقع حادث مثلاً، واجتمع الناس، وازدحم في الشارع من أجل أن يروا ما حصل، لا شك أنهم يتضامون ويتضارون ويتدافعون، ومنهم من يراه، ومنهم من لا يراه، هذا الحاصل في أماكن الزحام، لكن بالنسبة للبدر كل إنسان وهو في موقعه يراه من غير ضيم ولا ضرر. "وربك أوضحُ" أوضح في الرؤية من القمر ليلة البدر. وليس بمولود وليس بوالد ... وليس له شبه تعالى المسبحُ يعني ارتباط هذا البيت بالذي قبله والذي بعده من أي جهة؟

وليس بمولود وليس بوالد ... . . . . . . . . . هذا البيت لو استقل عما قبله وما بعده ما في إشكال {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [(3 - 4) سورة الإخلاص]. وليس بمولود وليس بوالد ... وليس له شبه تعالى المسبحُ لكنه وقع بين بيتين مرتبطين، أولهما في وجوب إثبات الرؤية، والثاني في إنكارها، فهل له ارتباط في مسألة الرؤية؟ نعم؟ . . . . . . . . . ... وليس له شبه تعالى المسبحُ لكن "ليس بمولود وليس بوالد" ما ارتباطها في مسألة الرؤية؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . تشبيه إيش؟ "كما البدر لا يخفى وربك أوضحُ" هذا تشبيه للرؤية بالرؤية؛ لأن التشبيه دخل على الرؤية كما ترون، فهو تشبيه للرؤية، وبعد ذلك قال: . . . . . . . . . ... وليس له شبه تعالى المسبحُ ارتباط ليس بمولود وليس بوالد، يعني لو جاء البيت متأخر عن المسألة بجميع ما فيها من أبيات سهل يعني ما بحثنا عن ارتباط، لكن البيت وقع بين بيت فيه إثبات الرؤية لله -جل وعلا-، وإنكار الجهمية لها، ودليل ثبوت الرؤية، هو ما بعد عرض لمن ينكر الرؤية، هو الآن قرر وقل يتجلى الله للخلق جهرة ... كما البدر لا يخفى وربك أوضحُ "وليس بمولود وليس بوالد" نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نفي المشابهة وليس بوالد. طالب:. . . . . . . . . نعم. طالب:. . . . . . . . . في كون الوالد والولد يرى، يعني لما وقع التشبيه في الحديث تشبيه رؤية الباري برؤية القمر قد يتخيل أو يتوهم الإنسان أنه ما دام القمر يولد وما دام يرى، فالوالد يُرى ويولد ويلد، فأراد أن ينفي هذا، لكن هذا فيه شيء من البعد، هذا لا يسلم من تكلف، يسلم هذا من تكلف؟ لماذا نص على نفي الولادة مثلاً؟ هنا ما نص على نفي الشبيه، ما نص على نفي النظير، ما نص على .. ، أنا أريد ما يربط هذا البيت بالذي قبله وما بعده، نريد رابط ظاهر، ما نريد شيء فيه تكلف أو تعسف، اللهم إلا إذا لم نستطع؛ لأن النسخ تتفق على أن هذا موضع هذا البيت، يعني ما يظهر ارتباط بين قوله: وليس بمولود وليس بوالد ... وليس له شبه تعالى المسبحُ

يعني مفاد الكلام أن البيت الأول الذي فيه التشبيه تشبيه الرؤية بالرؤية قد يخيل للإنسان أن فيه ضرب من تشبيه الخالق بالمخلوق، قد يتوهم السامع هذا الكلام، فأراد أن ينفي التشبيه من وجه آخر في الولدية والوالدية، ليس بمولود وليس بوالد، كما هو شأن الخلق، فإذا خالف الخلق في هذا أنه ليس بمولود وليس بوالد خالفهم في بقية الصفات، هذا لا شك أن فيه وجه شبه، لكن لو جيء بغير هذا المنفي يكون نفس الكلام الذي نقوله. البيت الأول في إثبات صفة الرؤية، وتشبيه الرؤية بالرؤية، يعني التمثيل، التمثيل لرؤية الباري برؤية القمر تمثيل للرؤية بالرؤية، يعني أراد أن يقرر أنه لا وجه شبه بين المخلوق والخالق بنفي أخص ما للمخلوق من صفات وهي منفية عن الله -جل وعلا-، وهي كونه والد أو مولود، إذ لا ينفك عن ذلك أحد من المخلوقين؛ لأن بقية الصفات قد لا توجد في بعض الناس، نعم بقية الصفات قد لا توجد، لكن صفة يشترك فيها الناس كلهم إما والد وإما مولود، والله -جل وعلا- ليس بمولود وليس بوالد، فإذا انتفت هذه الصفة في جميع الناس فلأن ينتفي الصفات التي لا يشترك فيها جميع الناس من باب أولى، وهذا لا يسلم بعد من شيء من التكلف، وعلى كل حال البيت هكذا وجد. وليس بمولود وليس بوالد ... وليس له شبه تعالى المسبحُ لأنه لما ذكر تشبيه رؤية الباري برؤية القمر أراد أن ينفي التشبيه، وأنه ليس الشبه أو التشبيه للمرئي بالمرئي، لا "وليس له شبه تعالى المسبحُ" والله -جل وعلا- لا يشبهه القمر، تعالى وتعظم وتقدس المسبح المنزه عن كل عيب ونقص بخلاف المخلوق، والتسبيح له شأن في الشرع، ومن الباقيات الصالحات سبحان الله، ومن قال في يوم: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر، وعلى كل حال التسبيح جاء الحث عليه كبقية الأذكار والجمل الأربع المعروفة، لكن التسبيح معناه التنزيه لله -جل وعلا- عن جميع ما لا يليق به. وقد ينكر الجهمي هذا وعندنا ... . . . . . . . . .

(قد) وتدخل على الماضي للتحقيق، وتدخل على المضارع وقد تكون للتقليل، وقد تكون للتحقيق أيضاً، وقد تكون للتكثير {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ} [(18) سورة الأحزاب] هذا تحقيق وليس بتقليل، وهنا تحقيق ينكر الجهمي هذا، يعني الرؤية، ينكر رؤية الباري، والذي ينكر الرؤية ولا يستطيع أحد أن يتألى على الله -جل وعلا- لا سيما والمسألة مسألة كبيرة، إنكار الرؤية كُفروا بسببها، كُفر الجهمية بسببها، إضافة إلى تكفيرهم بالقول بخلق القرآن. مثل هذا الذي ينكر الرؤية الذي يغلب على الظن -والعلم عند الله تعالى- أنه يُحجب عنه، ومن ينفي الصفات عموماً على خطر عظيم؛ لأن الله -جل وعلا- في الموقف يتجلى لخلقه بغير صفته التي أنزلها في كتابه وعلى لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام- ثم يقولون: لست ربنا، ثم يتجلى لهم بصفته فيسجدون، نعم أنت ربنا، فالذي ينكر الصفات ماذا يصنع في هذا الموقف؟ الذي ينكر الصفات ماذا يصنع؟ كيف يعرف الرب -جل وعلا- وهو لا يعترف بشيء من صفاته؟ إذا كان الجزاء من جنس العمل، الذي يشرب الخمرة في الدنيا لا يشربها في الآخرة، الذي يسمع الغناء في الدنيا لا يسمع غناء الحور العين، وهذه في أمور يسيرة وسهلة بالنسبة لما يتعلق بالله -جل وعلا-، فالذي ينفي رؤية الباري خليق وجدير بأن يحجب عنه، والذي ينكر الصفات كيف يعرف ربه إذا تجلى له في صفاته التي جاءت عنه وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-؟ فالمسألة ليست سهلة.

وهذا الحديث بالنسبة للمبتدعة شأنه عظيم، يعني لو قيل لك: استقبل فلان بالمطار، هذا مثال لا شيء بالنسبة لما جاء في صفات الله -جل وعلا-، استقبل فلان في المطار، ثم طلعت تستقبله، وسألت الذي قال لك تستقبله: طويل قصير، سمين نحيف؟ تقول: والله ما أدري، طلع للمطار، ونزل الناس من الطائرة، ما يدري من يستقبل؟ ويش اسمه على شان ننادي عليه؟ قال: والله ما أعرف اسمه، واحد يبي يجينا من بلد كذا، كيف يستقبله هذا؟ كيف يعرفه من بين الناس، فإذا كان الله -جل وعلا وتقدس- عرفنا بصفاته في كتابه، وعلى لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-، نعرف أن له هذه الصفات، فالذي ينكر هذه الصفات كيف يعرفه بهذه الصفات؟ إذا تجلى بالصفات التي أنزلها في كتابه وعلى لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-، والمثال الذي ذكرناه مثال تقريبي وإلا لا نشبه الله بخلقه، لكن هو تشبيه للمعرفة بالمعرفة لا المعروف بالمعروف، هذا الذي طلع للمطار لا يعرف اسمه ولا يعرف لونه ولا طوله ولا حجمه ولا عرضه، ولا أي صفة من صفاته، كيف يستقبله في المطار هذا؟ يستطيع؟ نزلوا الناس أفواجاً من الطائرة، ما يعرف، فيرجع بدونه، وهذا الذي ينكر الصفات إذا تجلى الله -جل وعلا- لعباده يوم القيامة كيف يعرفه، فالمسألة جد خطيرة. وقد ينكر الجهمي هذا وعندنا ... . . . . . . . . . ينكر الجهمي هذا، ويشترك مع الجهمية في إنكار الرؤية -وهي من عظائم الأمور- المعتزلة والخوارج، الخوارج ينكرون الرؤية، الإباضية يقولون بخلق القرآن، وينفون الرؤية كقول الجهمية والمعتزلة -نسأل الله السلامة والعافية-، وتداخلت المذاهب، وتأثر بعضها ببعض، فالإباضية الخوارج تأثروا بالمعتزلة، الرافضة أيضاً تأثروا بالاعتزال، الزيدية شابهم شيء من الاعتزال، بل وافقوا المعتزلة في كثير من القضايا، وهذه عقوبات لذنوب بعضها يجر بعض، وإلزامات مع التزامات، وقد سلم منها من وفقه الله -جل وعلا- للاعتقاد الصحيح. "وقد ينكر الجهمي هذا" يعني مسألة الرؤية. . . . . . . . . . وعندنا ... بمصداق ما قلنا حديث مصححُ

هذه في نسخة دمشق الطبعة الأولى، وفي نسخة الشيخ رشيد رضا "حديث مصرِح" وهو حديث بالفعل مصحح ومصرَح به أو مصرِح، فالحديث صحيح صريح في الصحيحين وغيرهما. . . . . . . . . . وعندنا ... بمصداق ما قلنا حديث مصححُ أو مصرَح أو مصرِح. "رواه جرير" جرير بن عبد الله البجلي الصحابي الجليل يوسف هذه الأمة "عن مقال محمد" -عليه الصلاة والسلام- يعني يرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ويرفعه إليه. . . . . . . . . . عن مقال محمد ... فقل مثل ما قد قال في ذاك تنجحُ يعني من قدوته وأسوته النبي -عليه الصلاة والسلام- فنجاحه وفلاحه مضمون، من كان قدوته فيما يفعل وفيما يذر، وفيما يعمل، وفيما يعتقد، من كان قدوته النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن كان هواه تبعاً لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو الناجح وهو المفلح، أما من خالف ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- سواءً كانت هذه المخالفة عن معاندة، أو كانت عن تأويل لا مسوغ له ولا دليل عليه، بل هو تحريف للنصوص، تحريف لألفاظها، تحريف لمعانيها، هذا لا ينجح ولا يفلح. مسألة الكلام النصوص صريحة في القرآن في إثبات كلام الله -جل وعلا-؛ لما أراد الجهمي أن يحرف اللفظ في قول الله -جل وعلا-: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى} [(164) سورة النساء] قال: "كلم اللهَ" فحرف تحريفاً لفظياً، لكن إذا تسنى له أن يحرف مثل هذا فكيف يستطيع أن يحرف {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [(143) سورة الأعراف]؟ يستطيع؟ ما يمكن أن يستطيع، وقد رُد عليه بهذا، فهذا من تحريف اللفظ. وتحريف المعنى في مسألة الكلام نظروا في المادة مادة الكلام، وأن هذه المادة تطلق على عدة معاني، منها: التجريح ((ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة ... )) إلى آخره، يكلم يعني يجرح، فقالوا: نحمل الكلام هنا على التجريح، التكليم {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [(164) سورة النساء] يعني جرحه، جرحه بإيش؟ قالوا: بأظافير الحكمة، هذا تحريف للمعنى -نسأل الله السلامة والعافية-، فعلى الإنسان أن يعتقد هذا الاعتقاد الصحيح، وأن يلهج بدعاء الله -جل وعلا- أن يثبته عليه إلى أن يتوفاه عليه. الوقت جاء؟ إيه نقف على هذا، ونستأنف -إن شاء الله-.

شرح المنظومة الحائية (3)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح المنظومة الحائية لابن أبي داود (3) الشيخ: عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء يا رب العالمين، واغفر لنا أجمعين، أما بعد: قال ابن أبي داود -رحمه الله تعالى-: وقل: يتجلى الله للخلق جهرة ... كما البدر لا يخفى وربك أوضحُ وليس بمولود وليس بوالد ... وليس له شبه تعالى المسبَحُ وقد ينكر الجهمي هذا وعندنا ... بمصداق ما قلنا حديث مصرح رواه جرير عن مقال محمد ... فقل مثل ما قد قال في ذاك تنجح وقد ينكر الجهمي أيضاً يمينه ... وكلتا يديه بالفواضل تنفح وقل: ينزل الجبار في كل ليلة ... بلا كيف جل الواحد المتمدح إلى طبق الدنيا يمن بفضله ... فتفرج أبواب السماء وتفتح يقول: ألا مستغفر يلقَ غافراً ... ومستمنح خيراً ورزقاً فيمنح روى ذاك قوم لا يرد حديثهم ... ألا خاب قوم كذبوهم وقبحوا وقل: إن خير الناس بعد محمد ... وزيراه قدماً ثم عثمان الأرجح ورابعهم خير البرية بعدهم ... علي حليف الخير بالخير منجح وإنهم للرهط لا ريب فيهم ... على نجب الفردوس بالنور تسرح سعيد وسعد وابن عوف وطلحة ... وعامر فهر والزبير الممدح وقل خير قول في الصحابة كلهم ... ولا تكُ طعاناً تعيب وتجرح فقد نطق الوحي المبين بفضلهم ... وفي الفتح أي للصحابة تمدح الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد مضى الكلام في الرؤية في درس الأمس إلا أنه لم يقرأ من قبل القارئ، فقرأه جزاه الله خيراً. وقفنا على البيت العاشر، وفيه يقول الناظم -رحمه الله تعالى-: وقد ينكر الجهمي أيضاً يمينه ... وكلتا يديه بالفواضل تنفحُ وفي بعض النسخ: تنضح. طالب:. . . . . . . . . رواه جرير؟ طالب:. . . . . . . . . يقول: إن البيت التاسع الذي فيه الدليل على الرؤية يقول بعض الإخوان: إنه ما شرح، والدليل حديث جرير بن عبد الله البجلي هذا ورد أثناء الشرح، ولا يتضمن أكثر من الدليل. يقول:

وقد ينكر الجهمي هذا وعندنا ... بمصداق ما قلنا حديث مصرحُ وفي بعض النسخ: "مصحح" وكلاهما جائز صحيح، فالحديث صحيح، وأيضاً صريح، صحيح من حيث الثبوت، صريح في الدلالة. "رواه جرير" هو جرير بن عبد الله البجلي يوسف هذه الأمة "عن مقال محمد" -صلى الله عليه وسلم- "فقل مثل ما قد قال" يعني النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن قال بقوله ممن يعتقد هذا المعتقد الصحيح "في ذاك تنجحُ" تنجح في الدنيا والآخرة. ثم قال: وقد ينكر الجهمي هذا وعندنا ... بمصداق ما قلنا حديث مصرحُ وفي نسخة: "تنضحُ" في النسخة الدمشقية: "تنضح". "قد ينكر الجهمي" (قد) هذه معروف أنها إذا دخلت على الماضي فهي حرف تحقيق، وإذا دخلت على المضارع فهي للتقليل أحياناً، وقد تكون للتحقيق، وقد تكون للتكثير، وهنا للتحقيق فالجهمي ينكر تحقيقاً لا ظناً، وليس بقليل من قوله، بل هو المعتمد عنده، الجهمي المنسوب إلى الجهم بن صفوان رأس المعطلة الذي أخذ التعطيل عن الجعد بن درهم إمامهم ومقدمهم في هذا الشأن، إلا أن الجهم هو الذي نشر المذهب وشهره ونظره، واستدل له، ونافح عنه، فنسب المذهب إليه.

قد ينكر الجهمي أيضاً إضافة إلى ما تقدم من أن كلام الله -جل وعلا- صفة من صفاته، وأنه منزل غير مخلوق، قد ينكر أيضاً مثل ما أنكر الرؤية ينكر الصفات الذاتية والفعلية من باب أولى، فينكر الصفات الذاتية ومنها اليمين، ذكر مثالاً لها اليمين، واليمين المراد بها اليد التي هي في جهة اليمين ((وكلتا يديه يمين)) وجاء في بعض النصوص الأخرى، وفي بعضها بشماله، ولا تعارض بين هذه الروايات، فقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((كلتا يديه يمين)) لئلا يتوهم النقص؛ لأن الشمال بالنسبة للمخلوق أنقص من اليمين؛ فلئلا يتصور أن هناك في يد الباري -جل وعلا- الأخرى نقصاً قال: كلتا يديه يمين من حيث الكمال، ويعبر عنها بالأخرى؛ لأن النسبة على الجهات أمر نسبي، فما يكون عن جهة اليمين يسمى يمين، وما يكون عن جهة الشمال يسمى شمال، فيقال لها: أخرى، ويقال لها أيضاً كما جاء في الحديث: شمال، ولا مانع من إطلاق الشمال باعتبار الموقع، فموقعها مقابل لجهة اليمين، ولا مانع من هذا، وتبقى أنها من حيث الكمال ((كلتا يديه يمين)) يعني كلتاهما كاملة، لا نقص في إحداهما كما في أيدي البشر، والبشر يدهما اليسرى والشمال هذه ناقصة بالنسبة لليمنى، هذا عند كثير من الناس، وعند جل الناس وغالبهم، ليست في القوة بمثابة اليمنى، وأيضاً اليمنى تصان عما لا تصان منه الشمال إلى غير ذلك، فهي محل للنقص، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((وكلتا يديه يمين)). وقد ينكر الجهمي أيضاً يمينه ... . . . . . . . . . والمراد بذلك إثبات اليد لله -جل وعملا- على ما يليق بجلاله وعظمته.

الجهمية والمعتزلة الذين ينفون الصفات، والأشاعرة الذين ينفون أكثر الصفات توهموا التشبيه، أول ما وقر في قلوبهم التشبيه، فهم شبهوا أولاً، شبهوا الخالق بالمخلوق، ولا يعقلون من معنى اليد إلا يد المخلوق، وما دامت اليد يد المخلوق، وما يذكر في لفظها مثلها في اللفظ، ما يوافقها في اللفظ، يوافقها في الصفة والكيفية، هذا ما هجم على أذهانهم فجعلهم يزعمون تنزيه الله -جل وعلا- بنفيها، فينفون ما ثبت بالنصوص القطعية، فهم شبهوا أولاً، ثم عطلوا، وغاب عنهم أن المخلوقات وهي تشترك في كونها مخلوقات، والضعف والعجز مناسب لها، لها أيدي، فالإنسان له يد، والحيوان له يد، أنواع الحيوان لها أيدي، الجمل له يد، والثور له يد، والكلب له يد، والقرد له يد، والخنزير له يد، وجميع الحيوانات لها أيدي، لكن هذه الأيدي بالنسبة للحيوان المشتركة في الخلق والضعف هل هي واحدة؟ هل يشبه بعضها بعضاً؟ نعم؟ لا يشبه بعضها بعضاً، فإذا كان هذا التباين بين ما ينسب للمخلوق مع الاشتراك في الخلق والعجز والضعف هذا التباين الشديد يعني هل يد النملة مثل يد البعير؟ يمكن؟ وهل وجه القرد مثل وجه الإنسان؟ أو وجه الجراد مثلاً مثلاً مثل وجه الجمل؟

ابن خزيمة -رحمه الله تعالى- وهو يقرر إثبات الوجه لله -جل وعلا-، ويرد على المعطلة بذريعة أو شبهة التنزيه لله -جل وعلا-؛ لأنهم إذا اثبتوا الوجه على حد زعمهم، فالله -جل وعلا- يشبه المخلوق من هذه الحيثية، ويرد عليهم بمثل هذا، يقول: المخلوق له وجه، وسائر المخلوقات لها وجه، الإنسان له وجه، والكلب له وجه، والحمار له وجه، فهل تتشابه هذه الوجوه؟ وهذا بين المخلوقات المتشابهة في الخلق والعجز والضعف، فكيف بالتباين الذي بين الخالق والمخلوق؟! فما وصلوا إلى رتبة التعطيل إلى أن مروا بقنطرة التشبيه، ويؤولون اليد أحياناً بالقدرة، وأحياناً بالنعمة، وإذا أمكنهم تأويل ما جاء من ذلك مفرد، فكيف يمكنهم تأويل المثنى {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [(75) سورة ص] المثنى لا يمكن تأويله، هل يستطيعون أن يقولوا: بنعمتي؟ ونعم الله لا تعد ولا تحصى، هل يمكن أن يقولوا: بقدرتي، والله على كل شيء قدير؟ قادر على كل شيء؟ وقدرته واحدة، وله من الصفات القدرة، ومن الأسماء القدير. يقول الناظم: "وكلتا يديه بالفواضل" في حديث أبي ذر القدسي: ((يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، وسألوني وأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئاً)) فإذا أعطى هؤلاء الخلق كلهم من أولهم إلى آخرهم جنهم وإنسهم أعطى كل واحد ما تبلغه أمانيه، ما نقص ذلك من ملكه شيئاً، ومر بنا حديث آخر من يدخل الجنة، آخر من يخرج من النار ويدخل الجنة أنه يقال له: تمن، فتعجز به الأماني، وده يتمنى لكن ما يحيط بأعظم شيء يتمناه، فيذكر، فيقال له: تمن ملك أعظم ملك في الدنيا، تمن ملك سليمان وإلا ملك ذي القرنين الذي بلغ المشرق والمغرب فيرضى بذلك، فيقال له: لك وعشرة أمثاله، فنعم الله لا تنفذ ولا تعد ولا تحصى، ويداه مبسوطتان. "وكلتا يديه بالفواضل" جمع فاضلة، وهي الأمور المحبوبة والمطلوبة للناس "تنفحُ" والنفح الإعطاء، وفي النسخة الأخرى: "تنضحُ" والنضح كذلك. وقل: ينزل الجبار في كل ليلة ... بلا كيف جل الواحد المتمدحُ

حديث النزول وأن الله -جل وعلا- ينزل في الثلث الأخير من الليل قريباً من ثلاثين صحابياً، وشيخ الإسلام -رحمه الله- أورد هذه النصوص والروايات وأردها غيره، وشرح الحديث في جزء معروف مشهور متداول، ويجيب شيخ الإسلام على سائر الإشكالات .... أولاً: صحته مقطوع بها، صراحته لا خفاء ولا غبش فيها، لكن أورد عليه إشكالات من حيث معارضته لأحاديث لنصوص العلو، فاستدل به من يستدل من أهل العلم على العلو لله -جل وعلا-؛ لأن الذي ينزل هو إيش؟ العالي، الذي ينزل هو من في العلو، من في جهة العلو هو الذي ينزل، قالوا: إن حديث النزول ينافي صفة العلو لله -جل وعلا-، شيخ الإسلام عكس عليهم، والذهبي وغيره عكسوا عليهم مدعاهم، أوردوا أيضاً من الإشكال أن الثلث الأخير من الليل يتباين من بلد إلى بلد، لكن هناك قدر أثبته شيخ الإسلام من الليل يشترك فيه سائر الأقطار، وإذا ثبت لنا الخبر وصح، ودلالته على مراده صريحة فلا مندوحة من إثباته وإثبات ما يدل عليه لهذا الوقت وقت النزول الإلهي، الذي ينزل فيه الرب -جل وعلا- إلى سمائه الدنيا، ويقول: ((هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من سائل فأعطيه؟ )) تتعرض لهذه النفحات في هذا الوقت المحدد، لا تقول: فاتني الثلث الأخير بالنسبة لبلدي، ما استيقظت، نمت ما استيقظت إلا مع طلوع الصبح، أو مع طلوع الشمس، وأنا أدرك الآن الثلث. . . . . . . . .، ما لك إلا أن تتعبد بما أمرت به، وأنت مطالب بالنسبة للثلث الأخير بالنسبة لك، ألا يمكن أن يقال مثل هذا؟ يقول: هذا الثلث الأخير بالنسبة للمغرب، والله -جل وعلا- نازل، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- أجاب عن هذه الإشكالات، والأولى ألا يوردها الإنسان على نفسه؛ لأن هذه تفتح له أبواب لا يمكن الإجابة عليها إلا بفهم دقيق جداً، يعني أوساط الناس لا يدركون مثل هذه الأمور، ولو قرؤوها في كتب شيخ الإسلام، يعني شيخ الإسلام يقول: إنه ينزل نزول يليق بجلاله وعظمته، ولا يخلو منه العرش. . . . . . . . .، قطع الطريق على من قال: إنه لا يزال نازلاً؛ لأن الثلث الأخير من الليل يتفاوت من بلد إلى بلد، والخطاب ليس لبلد بعينه، المقصود أن مثل هذه الأمور على

الإنسان هذه يغلقها على نفسه إغلاقاً محكماً بحيث لا تتفلت نفسه عليه، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم هو سبب هذه الإيرادات أنهم رأوا أن نزول المخلوق يشبه نزول الخالق، نزول الخالق يشبه نزول المخلوق هو الذي يترتب عليه خلو المكان منه، وهم ما توصلوا إلى النفي والتعطيل إلا بعد أن مروا بقنطرة التشبيه في جميع الصفات. وقل: ينزل الجبار في كل ليلة ... . . . . . . . . . نعم شرح حديث النزول، شرح حديث النزول مطبوع في مجلد. "بلا كيف" نعم لأنك لو تعرضت للكيفية هلكت "بلا كيف" لكن هل المراد من نفي الكيف نفي أصل الكيف أو نفي معرفة الكيف؟ نفي معرفة الكيف، وإلا الكيف لا بد منه، الله -جل وعلا- ينزل على كيفية لا نعرفها، ولذا قال الإمام مالك وقبله أم سلمة في الجواب: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، ما قال: والكيف معدوم، لا هناك كيف، والذي لا كيف له لا وجود له، لكن يبقى أنه لا علم لنا به، ما عندنا إلا ما علمتنا، ما عندنا من العلم شيء إلا ما جاءنا عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، والعقول لا تبلغ مثل هذه الأشياء، لا تبلغ مثل هذه الأمور. "بلا كيف جل الواحد المتمدحُ" جل الواحد جل الله -تعالى وعز-، المتمدح الذي مدح نفسه، ولا أحد أحب إليه من المدح من الله -جل وعلا- والحمد، ولذلك مدح على نفسه وأثنى على نفسه، وحمد نفسه، وطلب من عباده أن يحمدوه، ورغبهم في الحمد. ينزل الجبار "إلى طبق الدنيا" يعني إلى السماء الدنيا التي هي مطبقة على الأرض، بمعنى أنها سقف لهذه الأرض، الدنيا من السبع "يمن بفضله" يجود بفضله، والمان هو الذي يعطي قبل السؤال، يمن بالنوال قبل السؤال هذا هو المان، يمن بفضله وجوده وكرمه فيعطي كل سائل مسألته، إلا إذا وجد مانع لأن هذه أسباب، التعرض للنفحات في أوقاتها من بذل الأسباب، لكن يبقى أنه إن كان هناك مانع تخلف المسبب. . . . . . . . . . يمن بفضله ... فتفرج أبواب السماء وتفتحُ تفرج أبواب السماء وتفتح لتصعد الكلمات الطيبة من المخلوقين، وينزل الخير والبركات من الله -جل وعلا-.

"يقول: ألا مستغفر" ألا هذا عرض وتحضيض "ألا مستغفر يلق غافراً" ((ألا مستغفر فأغفر له، ألا من تائب فأتوب عليه)) يقول: ألا مستغفر يلق غافراً ... ومستمنح خيراً ورزقاً فيمنحُ وفي نسخة الشام: فأمنحُ. حديث النزول يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبوتاً قطعياً، لا شك ولا مراء فيه، والنزول مما يجب إثباته لله -جل وعلا-، وهو من الصفات المتعلقة بالمشيئة، ومن الصفات الفعلية بخلاف اليد التي هي من الصفات الذاتية، والفرق بينهما أن ما يتعلق بالمشيئة، وما لا علاقة له بالمشيئة ذاتي، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ألا من تائب؟ بعضها كذا وبعضها كذا، المقصود أن هذه الصفة وهي النزول لله -جل وعلا- يثبتها أهل السنة قاطبة، لا يختلفون في إثباتها؛ لأن دليلها قطعي في الثبوت، وفي الدلالة أيضاً، فلا مفر ولا محيد، وأهل البدع يشوشون على الناس في مثل هذه الإشكالات إلى أن وصل الحد إلى الفرية. فابن بطوطة في رحلته لما وصل دمشق وصلى في الجامع الأموي ذكر أنه رأى شخصاً كثير العلم قليل العقل، يخطب على المنبر وينزل ويقول: إن الله ينزل كنزولي هذا، يعني شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذه فرية؛ لأن الشيخ في وقت دخول ابن بطوطة دمشق مسجون، في السجن، وهم إذا أعياهم النقض بالحجة، ولا حجج لديهم إلا الشبهات إذا أعيتهم المسالك افتروا، ونقضوا أصولهم وقواعدهم، فتجدهم يمنعون الاحتجاج بخبر الواحد ولو صح في مسائل الاعتقاد، لكنهم إن احتاجوا إليه أثبتوه ولو ضعّف، ولو كان ضعيفاً، فيحتجون بالضعيف إذا كان يؤيد حججهم، دليل هذا على أنهم لا يتعبون النصوص، وإنما يتعبون الهوى -نسأل الله السلامة والعافية-.

الرحلة هذه رحلة ابن بطوطة هذه مملوءة بالمخالفات العقدية، وينبغي لمن يدرس كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب أن يطلع على هذه الرحلة؛ ليجد الأمثلة في المخالفات لجميع الأبواب من هذه الرحلة، بدءاً من الشرك الأكبر إلى الشرك الأصغر، في أشياء لا تخطر على البال، كيف يتصورها مسلم فضلاً عن أن يعتقدها ويقولها على سبيل الإقرار؟ فهذه الرحلة مشحونة بالخرافات والبدع والشركيات، وهو مغرم أيضاً بتتبع الآثار والأماكن والقبور والمشاهد، وفيها أشياء كثيرة، ومغرم أيضاً بلقاء من يسميهم الأولياء، الذين يدعون ما يدعون من علم الغيب وغيره، ويزعمون أنهم يتصرفون في الكون، ويُزعم لهم ذلك، ورحلته مملوءة بهذا، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . إيه مجلد، متداولة، وقررت في بعض الجهات مقرر دراسي، مقرر يدرس في بعض الجهات هذه الرحلة، ومع ذلك فتنة الناس بكتب الرحلات ظاهرة، ولا أدل على ذلك من غلاء أثمانها، أسعارها غالية جداً، يعني لو قيل: إن أغلى ما يباع الرحلات والذكريات، أغلى ما يباع على مستوى سوق الكتب والوراقين، لا أعني الطبعات الجديدة والأشياء المبذولة، لا، لكن تجد أنفس نسخة من صحيح البخاري لا تعادل شيء بالنسبة لطبعة من طبعات ابن بطوطة التي تسمى طبعة يعني ليعتنى بها، وإلا الموجود المصور تجد الرحلة بعشرة ريال، بعشرين ريال، لكن بيعت الرحلة بخمسة آلاف، نسخة مطبوعة بيعت بخمسة آلاف، وزيد على ذلك بعد، يمكن وصلت إلى عشرة.

المقصود أن هذه الرحلات والذكريات والإنسان بغنية عنها حقيقة، الرحلات والذكريات التي هي أغلى ما يباع، وأغلى ما يقتنى في الأسواق، الآن شيء عجب افتتن الناس بها؛ لأن فيها شيء من التسلية، وفيها شيء من المتعة، وفيها شيء من وصف الأقطار والبلدان، ووصف .. ، وغالباً أن الذي يكتبونها محترفين في الإبداع الإنشائي يجيدون مثل هذا، فهم يستهوون الناس بهذه الأساليب، وقد يذكر في أثنائها فوائد علمية بسبب لقاء هذا الرجل الذي صنف هذه الرحلة بغيره من أهل العلم، ومناقشته لهم، المقصود أن فيها ما ينفع، في رحلات نافعة، يعني رحلة ابن رشيد اسمها: (ملء العيبة بما جُمع بطول الغيبة) هذه رحلة نفيسة، فيها فوائد حديثية لا توجد في الكتب المصنفة في علوم الحديث، في خمسة مجلدات، وهناك رحلات فيها فوائد، لكنها ما تسلم من المخالفات، وفيها فوائد، وفي رحلات هي ما فيها إلا اطلاع على آثار ومعالم ومشاهد، وما فيها فوائد علمية، ومنها رحلة ابن بطوطة هذه، ما فيها فائدة علمية ألبتة، اللهم إلا إن كانت جغرافية وإلا تاريخية، يصف لك معلم وإلا حضارة وإلا شيء ممكن، أما بالنسبة للفوائد العلمية فلا شيء فيها. روى ذاك قوم لا يرد حديثهم ... . . . . . . . . . "روى ذاك قوم" روى ذا يعني النزول، روى ذاك يعني النزول قوم من الصحابة والتابعين ومن تبعهم، جموع غفيرة "لا يرد حديثهم" بل حديثهم بلغ مبلغ التواتر الملزم للنفس بتصديقه؛ لأن المتواتر يفيد العلم عند كافة الطوائف؛ لأنه يلزم بتصديقه بمجرد سماعه. . . . . . . . . . لا يرد حديثهم ... ألا خاب قوم كذبوهم وقبحوا خاب وخسر من كذب هؤلاء الثقات الأثبات من الصحابة والتابعين فمن بعدهم ممن تبعهم بإحسان، ثم ذكر الناظم -رحمه الله تعالى- عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة. وقل: إن خير الناس بعد محمد ... . . . . . . . . .

صلى الله عليه وسلم، بعده في الزمن وإلا في المرتبة؟ نعم؟ إن قلنا: في المرتبة قدمناهم على الأنبياء، وإن قلنا: إنهم بعد محمد بالنسبة لهذه الأمة فهم أفضل الأمة بعد نبيها -عليه الصلاة والسلام-، وجاء ما يدل على أنهم أفضل الخلق بعد الأنبياء، جاء ما يدل على أن الصحابة هؤلاء العشرة بل الصحابة أفضل الناس بعد الأنبياء. وقل: إن خير الناس بعد محمد ... وزيراه. . . . . . . . . أبو بكر وعمر "وزيراه" والوزير المؤازر الذي يعين الملك هذا الأصل فيه، يعينه ويتحمل بعض الأعباء الملقاة على عاتق الملك، هؤلاء على رأسهم وزيراه أبو بكر وعمر -رضي الله تعالى عنه-، وورد في فضائلهم مجتمعين ومنفردين ما لا يمكن حصره، ففضائل أبي بكر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- لا يمكن حصرها، وألفت فيها المصنفات، وكذلك فضائل عمر الفارق. "وزيراه قدماً" يعني مؤازرتهم له، ومعاونتهم له متقدمة في أول الأمر، في أول الإسلام، وإن كان أبو بكر قبل عمر. . . . . . . . . . ... وزيراه قدماً ثم عثمان الأرجح ثم عثمان ابن عفان الأرجح على غيره سوى أبي بكر وعمر، فهو أرجح وراجح على من بعده، من علي فمن دونه -رضي الله عن الجميع- "ثم عثمان الأرجح" رجح بما وقر في قلبه من إيمان، وبما صدقه من عمل، من عمل لازم ومتعدٍ، خدمة أبي بكر للدعوة في أول الأمر لا ينكرها من ينتسب إلى هذا الدين، وكذلك قوة عمر في الحق لا ينكرها أحد، وعثمان -رضي الله عنه وأرضاه- في بذله ونصره للدعوة بنفسه وماله هذا لا ينكر. ورابعهم خير البرية بعدهم ... علي حليف الخير. . . . . . . . .

هذا هو الرابع في قول جماهير أهل السنة، والإجماع قائم بين من يُعتد بقوله من أهل القبلة، بين من يُعتد بقوله من أهل القبلة أن المقدم أبو بكر ثم عمر، وأما ما بين عثمان وعلي فجماهير أهل السنة على تقديم عثمان، ومنهم من يرجح علي، ومنهم من يرى التساوي بينهم، لكن النصوص في حق عثمان -رضي الله عنه- وما جاء في مدحه أكثر، وإن جاء في مدح علي أيضاً الشيء الكثير، وجاء ما يدل على تفرده ببعض المناقب دون غيره، وعرفنا مراراً أن كون الإنسان يتصف بصفة وبفضيلة وبمزية لا يعني هذا التفضيل المطلق، يعني كون علي ابن عم الرسول -عليه الصلاة والسلام- وصهره على بنته، وعثمان عنده بنتان، يعني تزوج ابنتين، ولذا يقال له: ذو النورين، وقال في علي ((يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله)) وقال: "هو منه بمنزله هارون من موسى" وجاء في مدحه أحاديث كثيرة، لكن كونه يفضل على عثمان هذا قول موجود في أهل السنة، لكنه قول مرجوح، وقول جماهير أهل السنة على الترتيب في الخلافة، الترتيب في الفضل مثل الترتيب في الخلافة. وقل: إن خير الناس بعد محمد ... وزيراه قدماً ثم عثمان الأرجحُ ورابعهم خير البرية بعدهم ... . . . . . . . . . خير الخلق، البرية الخلق. . . . . . . . . . خير البرية بعدهم ... علي حليف الخير. . . . . . . . .

لكن على الإنسان أن يكون معتدلاً، لا إفراط ولا تفريط، ولا تحمله ردود الأفعال على إنكار ما ثبت، يعني كما يفعل أهل الأهواء إذا فتنوا بأحد حطوا من قدر غيره، فالنواصب يحطون من قدر علي، والروافض يحطون من قدر أبي بكر وعمر، وهذه كلها ردود أفعال، والأتباع عموماً إذا نقص عندهم الدين والعلم تجدهم يوجد عندهم مثل هذا، يعني شخص الآن من الشباب تجدونهم في المجالس خلافهم حول المشايخ فلان أفضل، وفلان أعلم، فلان .. ، ويش الداعي لهذا الكلام كله؟ إنما هي ردود أفعال، وتجدهم أحياناً ينالون من غيره، من غير المفضل عندهم، والأتباع عموماً هم أسباب البلية، وأما الكبار في الغالب ما بينهم خلاف، يعني علي -رضي الله عنه- يقر بفضل أبي بكر وعمر وعثمان، يفضلهم على نفسه، ثم يأتي من يقول: أبداً علي أفضل منهم، نعم قد يقول الإنسان يفضل الإنسان غيره عليه من باب التواضع، من باب هضم النفس، قد يوجد هذا، لكن هذا القول اتفق عليه الصحابة، كانوا يفضلون على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في حديث ابن عمر، فأفضل الخلق أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، والحسن سأل أباه فقال: من أفضل الناس؟ قال: أبو بكر، قال: ثم من؟ قال: عمر، ثم سكتُ، يقول: ثم سكت خشيت أن يفضل عثمان على نفسه، سكت قلت: ثم أنت؟ قال: أنا واحد من المسلمين -رضي الله عن الجميع وأرضاهم-. علي -رضي الله تعالى عنه- افترق الناس فيه إلى فرق، كما قال الناظم القحطاني: . . . . . . . . . ... فعليه تصلى النار طائفتانِ إحداهما لا ترتضيه خليفةً ... وتنصه الأخرى إلهاً ثاني طرفي نقيض، وأما أهل السنة فهم وسط، يقرون بفضله وإمامته، وأنه مشهود له بالجنة، وفضائله لا تحصى ولا تحصر، وله مزايا قد لا توجد عند غيره من الشجاعة والكرم، ومع ذلك هو بالنسبة لأبي بكر وعمر وعثمان مفضول، فأهل السنة والجماعة أهل إنصاف. "علي حليف الخير" يعني محالف له، مرافق له، موافق له، متصف به "بالخير منجحُ" في بعض النسخ: "للخير يمنحُ" عرف بكرمه -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، وعرف بشجاعته.

"وإنهم للرهط" في بعض النسخ: "والرهط" في الطبعة الدمشقية "فإنهم والرهط" هذا في الدمشقية، وكذلك في طبعة المنار "وإنهم والرهط" وعندكم "وإنهم للرهط" وكأن الواو أرجح، فإنهم يعني الأربعة، والرهط الستة الآتية أسماؤهم "فإنهم والرهط" يعني الستة الآتية أسماؤهم، وإذا قلنا: "وإنهم والرهط لا ريب فيهم" خصصنا الكلام في الأربعة الذين تقدم ذكرهم، أما إذا قلنا: إنهم -يعني الأربعة- والرهط الآتية أسماؤهم؛ لأن الجميع مشهود له بالجنة، صار هذا أرجح ليشمل الجميع، وإنهم والرهط لا ريب فيهم لا شك؛ لأن الحديث صح فيهم أنهم من أهل الجنة، فثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((أبو بكر في الجنة)) وقال: ((عمر في الجنة، عثمان في الجنة، علي في الجنة، سعيد في الجنة، سعد في الجنة ... )) إلى آخره، إلى آخر العشرة. وإنهم والرهط لا ريب فيهم ... على نجب الفردوس. . . . . . . . . "على نجب" جمع نجيبة، نجب من العقيان. "على نجب الفردوس بالنور" وفي نسخة: "في الخلد تسرحُ" "على نجب الفردوس" هذه النجب جمع نجيبة، وتطلق على الإبل، نجائب الإبل، لكنها من عقيان، ليست من لحم ودم وعظم، لا، على نجب الفردوس، الفردوس أعلى الجنة، وسقفها عرش الرحمن، في الخلد، في جنة الخلد تسرحُ، الخلد الذي لا ينتهي، خالدون مخلدون أبداً سردماً لا انقضاء له، تسرحُ، يعني تذهب وتجيء في الخلد. ثم ذكر الناظم -رحمه الله تعالى- بقية العشرة، وأجملهم في بيت واحد، فقال: سعيد وسعد وابن عوف وطلحة ... وعامر فهر والزبير الممدحُ

سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وعامر أبو عبيدة عامر بن الجراح الفهري، والزبير بن العوام الممدح هو ومن معه كلهم ممدحون، ولو لم يكن من محدهم وفضلهم إلا الشهادة لهم بالجنة، وهؤلاء شهد لهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بالجنة، فيجزم لهم بما شهد به النبي -عليه الصلاة والسلام- بخلاف غيرهم، فلا يقطع ولا يجزم لأحد بجنة ولا نار إلا من شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان من أهل العلم من يرى أن من اتفقت ألسنة الناس على مدحه أنه يشهد له بالجنة، كالأئمة كأحمد والسفيانين ومالك وغيرهم، هذا قول عند بعض أهل العلم، قالوا: هؤلاء اتفقت ألسنة الناس على مدحهم، وفي الحديث: مر بجنازة فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((وجبت، وجبت وجبت)) ثم مر بأخرى فقال: ((وجبت، وجبت وجبت)) فقالوا له: ما معنى وجبت في الموضعين؟ فقال: ((أثنيتم عليها خيراً، فقلت: وجبت يعني الجنة، وأثنيتم على الأخرى شراً فقلت: وجبت يعني النار)) استدل بهذا من يقول: إن من اتفقت ألسنة الناس على مدحه والثناء عليه فإنه يشهد له، لكن هذا قول مرجوح، فلا يشهد لأحد إلا من شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام-. بعد هذا البيت زيادة في النسخة الدمشقية: وعائش أم المؤمنين وخالنا ... معاوية أكرم به ثم. . . . . . . . . ثم إيش؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا لا، نمشي على النسخة اللي معنا؛ لأن الذي معنا فيها زيادة ثلاثة أبيات. هذه النسخة -النسخة الدمشقية- فيها زيادة أبيات، فيها يقول: وعائش أم المؤمنين وخالنا ... . . . . . . . . . قبل هذا بعد قوله: سعيد وسعد وابن عوف وطلحة ... وعامر فهر والزبير الممدحُ

"وعائش أم المؤمنين" ويمكن أن تقول: وعائشُ أو وعائشَ؛ لماذا؟ لأن هذا ترخيم، والترخيم يجوز فيه لغة من ينتظر، ولغة من لا ينتظر، لغة من ينتظر الحرف المحذوف فيفتح؛ لأن الشين مفتوح في الأصل عائشة، فهذه لغة من ينتظر الحرف المحذوف "وعائشُ" على لغة من لا ينتظر (أمَ) منصوبة بأعني "أم المؤمنين" ويجوز (أمُ) وصف لها -رضي الله عنها- "وخالنا معاوية" ما دامت أخته أم حبيبة أم المؤمنين فيكون هو؟ أخو الأم ماذا يكون؟ خال. . . . . . . . . . وخالنا ... معاوية أكرم به ثم أمنحُ وأنصاره والهاجرون ديارهم ... . . . . . . . . . عندكم إيش والمهاجرون؟ طالب:. . . . . . . . . لا لا. وأنصاره والهاجرون ديارهم ... بنصرهم عن ظلمة النار زحزحوا الاختلاف بين النسخ لا بد منه، لكن هذه الطبعة سنة (1350هـ) نعم. . . . . . . . . . ... بنصرهم عن ظلمة النار زحزحوا ثم قال: وقل خير قول في الصحابة كلهم ... ولا تكُ طعاناً تعيب وتجرحُ فقد نطق الوحي المبين بفضلهم ... وفي الفتح أي للصحابة تمدحُ ومن بعدهم والتابعون بحسن ما ... حذوا فعلـ. . . . . . . . . إيش؟ "حذوا فعلهم" يعني فعل من سبقهم "قولاً وفعلاً فافلحوا" هذه ثلاثة أبيات مزيدة في النسخة، والذي يغلب على الظن أنها ليست من أصل القصيدة، ليست لابن أبي داود، هذه الأبيات مزيدة من بعض من روى هذه القصيدة، وزيد عليها أيضاً أبيات: وسبطي رسول الله وابني خديجة ... وفاطمة ذات النقاء أمدحُ ومن بعدهم فالشافعي وأحمد ... إماما هدىً من يتبع الحق يفصحُ أولئك قوم قد عفا الله عنهم ... وأرضاهم فأحبهم فإنك تفلحُ هذه أبيات مزيدة ليست من كلام ابن أبي داود، وأما كلامه فما سمعتم، وهي ثلاثة وثلاثون بيتاً، وفي طبعة الشام ستة وثلاثين بيت. سعيد وسعد وابن عوف وطلحة ... وعامر فهر والزبير الممدحُ هؤلاء تتمة العشرة. وقل خير قول في الصحابة كلهم ... . . . . . . . . .

لا يعني أن هؤلاء شهد لهم بالجنة، فمن عداهم حكمه كحكم سائر الناس، لا، أولاً: ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- شهد لبعض الصحابة غير العشرة بالجنة، شهد لغير العشرة، شهد للحسن والحسين، وشهد أيضاً لثابت بن قيس بن شماس، نعم وبلال، وعكاشة بن محصن وفاطمة هاه؟ المقصود أنه ثبتت الشهادة لغير واحد من الصحابة غير العشرة، وإذا كان هذا حكم من شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه يشهد له فماذا عن حكم الباقي؟ الباقي وإن لم يشهد له إلا أنهم يقال فيهم خير قول. وقل خير قول في الصحابة كلهم ... . . . . . . . . . ولا تطعن في واحد منهم، ولا تفضل عليهم غيرهم، ولا تعرضهم للسانك بسبب ما وقع من بعضهم، إنما تقول خير قول فيهم؛ لأنك إذا طعنت فيهم كما فعل المبتدعة، المبتدعة إنما طعنوا في الأشخاص لا لذواتهم، إنما طعنوا فيهم من أجل أن يطعنوا فيما وصلنا من طريقهم، إذا طعنا في الراوي طعنا في المروي، فمعنى هذا أن الدين كله مطعون فيه؛ لأنه وصلنا عن طريقهم، وهذه هي طريقة الشيطان، وأسلوب الشيطان، لا يواجه الناس بما ينكرونه، لو طعن شخص في الدين مباشرة أنكروا عليه؛ لأن الدين رأس المال بالنسبة للمسلمين، لكن يأتي الشيطان بحيلة بحيث يطعن في الدين وتقبل شبهته، يقبلها من يشعر ومن لا يشعر، فإذا طعن في أبي هريرة ارتاح الأشرار من نصف السنة، ولذا لو سبرتم الأمر ما تجد أحد يطعن في أبيض بن حمال أبداً، ما وجدتهم يطعنون فيه، ما تجده، ليش؟ لأن هذا يتعبهم، ما يروي إلا حديث أو حديثين، وإذا أرادوا أن يتتبعوا أمثال هؤلاء احتاجوا إلى أزمان متطاولة؛ لأنهم مع طعنهم ما يطعنون بكلام مجرد، يجدون شبه، ويتشبثون بأشياء، لكن مع ذلك تجدهم لا يعمدون إلى ما يتعبهم، واحد يكفيهم عن ألف شخص من الصحابة، أبو هريرة وحده يعادل ألف من المقلين، فالذي يطعن في الصحابة لا شك أنه يطعن في الدين، ولذا قال: "وقل" أيها السني المتبع المقتفي "خير قول في الصحابة كلهم" دون استثناء حتى من حصل منه ما حصل، حتى من حصل منه السرقة، حتى من حصل منه الزنا، حتى من حصل منه الاقتتال. وقل خير قول في الصحابة كلهم ... ولا تكُ طعاناً تعيب وتجرحُ

يعني لا يكن همك الطعن في الناس، حتى في غير الصحابة لا تكن طعاناً ((ليس المسلم بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش البذيء)) هذا وصف المسلم أنه عفيف متعفف، وهذه صفة خيار الأمة. المزني قال بحضرة الشافعي: فلان كذاب، قال: يا أبا إبراهيم اكس ألفاظك أجملها، يعني لا تنطق بهذا الكلام الشنيع القبيح، بإمكانك أن تؤدي الغرض بأسلوب أسهل من هذا، والإمام أحمد لما قيل له عن يزيد بن معاوية وذمه ذماً شديداً، قيل: ألا تلعنه؟ قال: وهل عهدت أباك لعاناً، يتحاشون مثل هذه العبارات. البخاري -رحمه الله- الراوي شديد الضعف يقول: سكتوا عنه، وفيه نظر، ما يرسلون ألسنتهم في الأشخاص، وفي أعراض الناس، لا بد أن يتأدب طالب العلم بمثل هذا الأدب في سائر الناس، ولا سيما من له فضل على الأمة من الصحابة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وقل خير قول في الصحابة كلهم ... ولا تكُ طعاناً. . . . . . . . . صيغة مبالغة من الطعن تطعن في أعراض الناس، فأعراض الناس حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها العلماء والحكام، كما قال ابن دقيق العيد. . . . . . . . . . ... ولا تكُ طعاناً تعيب وتجرحُ نعم لأن العلماء والحكام هم أكثر من يقع الناس في أعراضهم، فهم يقفون على شفير هذه الحفرة يرمون الناس فيها الذين يتكلمون في أعراضهم، هذا على أحد التأويلين، والتأويل الثاني: لحاجة العلماء والحكام للكلام في الناس، العلماء يحتاجون للكلام في الناس، الحكام يحتاجون إلى الكلام في الناس، فهؤلاء يقفون على شفيرها، فإن كان كلامهم فيهم بحق سلموا، وإن كان بباطل وقعوا، وهذا فيمن أسند إليه هذا الأمر، الجرح والتعديل، أما من لم يسند إليه هذا الأمر، ومعوله على مجرد التفكه في أعراض الناس فهذا أمره شديد، هذا هو المفلس في الحقيقة.

قد يقول قائل: هل يأتي بعد الصحابة من هو خير منهم؟ ((وأمتي كالغيث -كما جاء في الحديث- لا يدرى خيرها أولها أو آخرها)) وجاء في الحديث في السنن والمسند: ((أنه في آخر الزمان المتمسك بالدين في وقت الفتن له أجر خمسين)) قالوا: منهم؟ قال: ((لا، منكم)) وهل يعني هذا تفضيل من يجيء في آخر الزمان على الصحابة؟ لا، ليس فيه تفضيل، هو تفضيل من هذه الحيثية، العمل الذي يعمل في آخر الزمان يعادل نظيره مما يعمل في أوله خمسين مرة، لكن فضل الصحبة وشرف الصحبة مزية وخصيصة لا ينالها أحد، ولو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، فالصحابة لهم فضلهم ولهم حقهم على الأمة؛ لأنهم نقلوا لنا الدين، ولو لم يكن إلا أن الدين بلغنا بواسطتهم لكفاهم بذلك حقاً عظيماً علينا. . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . تعيب وتجرحُ فقد نطق الوحي المبين بفضلهم ... . . . . . . . . . القرآن الكريم فيه آيات كثيرة تدل على فضل الصحابة. . . . . . . . . . ... وفي الفتح آي للصحابة تمدحُ آيات في سورة الفتح تمدح الصحابة، ولو استعرضنا سورة الفتح لوجدنا فيها آيات كثيرة، ولو لم يكن فيها إلا {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} [(18) سورة الفتح] وفيها {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} [(29) سورة الفتح] ... إلى آخر الآية، هذا مدح وأي مدح لهؤلاء الصحابة، وتعديل لجميعهم، تعديل لجميع الصحابة. بعد قوله: ومن بعدهم والتابعين بحسن ما ... حذوا فعلهم قولاً وفعلاً فأفلحوا في النسخة الشامية، وعرفنا أن هذه الأبيات مزيدة وليست من نظم ابن أبي داود، ونقف على القدر. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

شرح المنظومة الحائية (4)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح المنظومة الحائية لابن أبي داود (4) الشيخ: عبد الكريم الخضير بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال ابن حجر -رحمه الله تعالى-: ذكر ما وقع بينه وبين الذهلي في مسألة اللفظ، وما حصل له من المحنة بسبب ذلك، وبراءته مما نسب إليه من ذلك. قال الحاكم أبو عبد الله في تاريخه: قدم البخاري نيسابور سنة خمسين ومائتين، فأقام بها مدة يحدث على الدوام، قال: فسمعت محمد بن حامد البزار يقول: سمعت الحسن بن محمد بن جابر يقول: سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول: اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح العالم فاسمعوا منه، قال: فذهب الناس إليه فأقبلوا على السماع منه حتى ظهر الخلل في مجلس محمد بن يحيى، قال: فتكلم فيه بعد ذلك. وقال حاتم بن أحمد بن محمود: سمعت مسلم بن الحجاج يقول: لما قدم محمد بن إسماعيل نيسابور ما رأيت والياً ولا عالماً فعل به أهل نيسابور ما فعلوا به، استقبلوه من مرحلتين من البلد أو ثلاث. من مرحلتين يعني ثمانين كيلو استقبلوه، وليست استقبالهم على السيارات والقاطرات أو الطائرات، لا، على الأقدام وعلى الرواحل مسيرة ثلاثة أيام ليست بالسهلة عليهم أو يومين، لكنها عندهم أمر يسير، سهل عليهم؛ لأنهم وطنوا أنفسهم على هذا الأمر. وفي رحلة ابن بطوطة التي تحدثنا عنها خرجوا من طنجة وبعد عشرة أيام يمشون عشرة أيام توفي القاضي فرجعوا ليدفنوه في طنجة، عشرة أيام، من يتحمل مثل هذا ممن ألف هذه الوسائل المريحة؟ من يتحمل أن يقف أمامه في سيارة عند إشارة ويبي يلف على اليمين؟ وواقف قدامه واحد، يتحملون الناس اليوم؟ ما يتحملون، لكن هم وطنوا أنفسهم على هذا، يسيرون على الأقدام الفراسخ، وكأنها خطوات عندهم، والله المستعان. طالب:. . . . . . . . . لا، مرحلتين يعني مسافة قصر، ثمانين كيلو، وثلاث مراحل مائة وعشرين كيلو، نعم مسيرة يومين، مسيرة ثلاثة أيام، نعم.

وقال محمد بن يحيى الذهلي في مجلسه: من أراد أن يستقبل محمد بن إسماعيل غداً فليستقبله، فإني أستقبله، فاستقبله محمد بن يحيى وعامة علماء نيسابور، فدخل البلد فنزل دار البخاريين، فقال لنا محمد بن يحيى: لا تسألوه عن شيء من الكلام، فإنه إن أجاب بخلاف ما نحن عليه وقع بيننا وبينه، وشمت بنا كل ناصبي ورافضي وجهمي ومرجئ بخراسان. نعم هذه طريقة أهل العلم في مناقشة بعضهم لبعض إلى وقتنا هذا، والمشايخ ينتقد بعضهم بعضاً، لكنهم لا يظهرون ذلك للناس، يتناقشون فيما بينهم، لكن لا يظهرون ذلك للناس، وهكذا ينبغي أن يكون أهل العلم لا يشمت بهم الأعداء، ولا يتفرق بسببهم الجهال. فقال لنا محمد بن يحيى: لا تسألوه عن شيء من الكلام، فإنه إن أجاب بخلاف ما نحن عليه وقع بيننا وبينه، وشمت بنا كل ناصبي ورافضي وجهمي ومرجئ بخراسان، قال: فازدحم الناس على محمد بن إسماعيل حتى امتلأت الدار والسطوح، فلما كان اليوم الثاني أو الثالث من يوم قدومه قام إليه رجل فسأله عن اللفظ بالقرآن، فقال: أفعالنا مخلوقة، وألفاظنا من أفعالنا، قال: فوقع بين الناس اختلاف. وصار هذا مفتاح شر، هذا الذي سأل هذا السؤال، ويفعله بعض الناس اليوم، يفعله، يشوف يرى الناس مقبلين على شخص فيريد إسقاطه على حد اصطلاحهم، فيسألوه مثل هذا السؤال، ثم بعد ذلك تحصل الفتن، وتحصل المشاكل، ويحصل العداء والتحريشِ، وتزداد الأمور والطلاب يستوشون ويفشون مثل هذا الكلام، لا سيما جهالهم، فتزداد الشقة، وإلا فالأصل أن الخلاف يسير جداً، نعم. فلما كان اليوم الثاني أو الثالث من يوم قدومه قام إليه رجل فسأله عن اللفظ بالقرآن، فقال: أفعالنا مخلوقة، وألفاظنا من أفعالنا، قال: فوقع بين الناس اختلاف، فقال بعضهم: قال: لفظي بالقرآن مخلوق، وقال بعضهم: لم يقل، فوقع بينهم في ذلك اختلاف، حتى قام بعضهم إلى بعض، قال: فاجتمع أهل الدار فأخرجوهم.

وقال أبو أحمد بن عدي: ذكر لي جماعة من المشايخ أن محمد بن إسماعيل لما ورد نيسابور، واجتمع الناس عنده حسده بعض شيوخ الوقت، فقال لأصحاب الحديث: إن محمد بن إسماعيل يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، فلما حضر المجلس قام إليه رجل، فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في اللفظ بالقرآن مخلوق هو أو غير مخلوق؟ فأعرض عنه البخاري، ولم يجبه ثلاثاً، فألح عليه، فقال البخاري: القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعال العباد مخلوقة، والامتحان بدعة، فشغب الرجل، وقال: قد قال: لفظي بالقرآن مخلوق. إلزام، ما دام قال: أفعالنا مخلوقة، يعني كما نطق بذلك القرآن {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [(96) سورة الصافات] فأفعال العباد مخلوقة، وللإمام البخاري مصنف في هذا (خلق أفعال العباد) لكن ألزموه بأنه ما دام يقول هذا الكلام فلا بد أن يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، هو ما قال هذا، وهذا اللفظ المجمل لا يقوله البخاري ولا غيره، مسألة اللفظ؛ لأن اللفظ يطلق ويراد به الملفوظ، ويطلق ويراد به التلفظ، نعم. وقال الحاكم: حدثنا أبو بكر بن أبي الهيثم حدثنا الفربري قال: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: إن أفعال العباد مخلوقة، فقد حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا مروان بن معاوية قال: حدثنا أبو مالك عن ربعي بن حراش عن حذيفة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أن الله يصنع كل صانع وصنعته)). قال البخاري: وسمعت عبيد الله بن سعيد يعني أبا قدامة السرخسي يقول: ما زلت أسمع أصحابنا يقولون: إن أفعال العباد مخلوقة. قال محمد بن إسماعيل: حركاتهم وأصواتهم وأكسابهم وكتابتهم مخلوقة، فأما القرآن المبين المثبت في المصاحف، الموعى في القلوب، فهو كلام الله غير بمخلوق، قال الله تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [(49) سورة العنكبوت].

قال: وقال إسحاق بن راهويه: أما الأوعية فمن يشك أنها مخلوقة؟ وقال أبو حامد بن الشرقي: سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن زعم لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع، ولا يجالس ولا يكلم، ومن ذهب بعد هذا إلى محمد بن إسماعيل فاتهموه، فإنه لا يحضر مجلسه إلا من كان على مذهبه. لأن هؤلاء الذين نقلوا له ما فهموه من كلام البخاري، سواء كان عن قصد أو غير قصد، هم فهموا من كلام البخاري أنه يقول: أفعالنا مخلوقة، رووا هذا بالمعنى وقالوا: إنه يقول: لفظنا بالقرآن مخلوق، لفظه مخلوق، وأما مسألة لفظي بالقرآن مخلوق هذه بدعة شنيعة؛ لأنها تحتمل فالتلفظ، وتحتمل الملفوظ، فنقلوا له ما فهموا، نقلوا له -نقلوا للذهلي- ما فهموه، وبعضهم حرف كلامه إلى ما يرد؛ ليوقع بين علماء المسلمين، نعم. وقال الحاكم: ولما وقع بين البخاري وبين الذهلي في مسألة اللفظ انقطع الناس عن البخاري إلا مسلم بن الحجاج وأحمد بن سلمة. قال الذهلي: ألا من قال باللفظ فلا يحل له أن يحضر مجلسنا، فأخذ مسلم رداءه فوق عمامته، وقام على رؤوس الناس، فبعث إلى الذهلي جميع ما كان كتبه عنه على ظهر جمّال، قلت: وقد أنصف مسلم فلم يحدث في كتابه عن هذا ولا عن هذا. وقال الحاكم أبو عبد الله: سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول: سمعت أحمد بن سلمة النيسابوري يقول: دخلت على البخاري فقلت: يا أبا عبد الله إن هذا رجل مقبول بخراسان خصوصاً في هذه المدينة، وقد لج في هذا الأمر حتى لا يقدر أحد منا أن يكلمه فيه، فما ترى؟ قال: فقبض على لحيته، ثم قال: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [(44) سورة غافر] اللهم إنك تعلم أني لم أرد المقام بنيسابور أشراً ولا بطراً، ولا طلباً للرياسة، وإنما أبت علي نفسي الرجوع إلى الوطن لغلبة المخالفين، وقد قصدني هذا الرجل حسداً لما آتاني الله لا غير، ثم قال لي: يا أحمد إني خارج غداً لتخلصوا من حديثه لأجلي.

وقال الحاكم أيضاً عن الحافظ أبي عبد الله بن الأخرم قال: لما قام مسلم بن الحجاج وأحمد بن سلمة من مجلس محمد بن يحيى بسبب البخاري قال الذهلي: لا يساكنني هذا الرجل في البلد، فخشي البخاري وسافر. وقال غنجار في تاريخ بخاري: حدثنا خلف بن محمد قال: سمعت أبا عمرو أحمد بن نصر النيسابوري الخفاف بنيسابور يقول: كنا يوماً عند أبي إسحاق القرشي، ومعنا محمد بن نصر المروزي، فجرى ذكر محمد بن إسماعيل فقال محمد بن نصر: سمعته يقول: من زعم أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب، فإني لم أقله، فقلت له: يا أبا عبد الله قد خاض الناس في هذا فأكثروا، فقال: ليس إلا ما أقول لك، قال أبو عمرو: فأتيت البخاري فذاكرته بشيء من الحديث حتى طابت نفسه، فقلت: يا أبا عبد الله ههنا من يحكي عنك إنك تقول: لفظي بالقرآن مخلوق، فقال: يا أبا عمرو احفظ عنى من زعم من أهل نيسابور -وسمى غيرها من البلدان بلداناً كثيرة- أننى قلت: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب، فإني لم أقله إلا أني قلت: أفعال العباد مخلوقة. وقال الحاكم: سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه يقول: سمعت محمد بن نعيم يقول: سألت محمد بن إسماعيل لما وقع في شأنه ما وقع عن الإيمان، فقال: قول وعمل ويزيد وينقص، والقرآن كلام الله غير مخلوق، وأفضل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي -رضي الله عنهم- على هذا حييت، وعليه أموت، وعليه أبعث -إن شاء الله تعالى-. كلام الذهبي في المسألة تعقيباً على القصة أوردها بطولها، ثم قال: قلت -الحافظ الذهبي- ... قال الذهبي -رحمه الله تعالى-: قلت: المسألة هي أن اللفظ مخلوق سئل عنها البخاري، فوقف فيها، فلما وقف واحتج بأن أفعالنا مخلوقة، واستدل لذلك، فهم منه الذهلي أنه يوجه مسألة اللفظ، فتكلم فيه، وأخذه بلازم قوله هو وغيره. وقد قال البخاري في الحكاية التي رواها غنجار في تاريخه:

حدثنا خلف بن محمد بن إسماعيل، قال: سمعت أبا عمرو أحمد بن نصر النيسابوري الخفاف ببخارى يقول: كنا يوماً عند أبي إسحاق القيسي ومعنا محمد بن نصر المروزي، فجرى ذكر محمد بن إسماعيل البخاري، فقال محمد بن نصر: سمعته يقول: من زعم أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب، فإني لم أقله، فقلت له: يا أبا عبد الله قد خاض الناس في هذا، وأكثروا فيه، فقال: ليس إلا ما أقول. قال أبو عمرو الخفاف: فأتيت البخاري فناظرته في شيء من الأحاديث حتى طابت نفسه، فقلت: يا أبا عبد الله ها هنا أحد يحكي عنك أنك قلت هذه المقالة، فقال: يا أبا عمرو احفظ ما أقول لك: من زعم من أهل نيسابور وقومس والري وهمذان وحلوان وبغداد والكوفة والبصرة ومكة والمدينة أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب، فإني لم أقله إلا أني قلت: أفعال العباد مخلوقة. وقال أبو سعيد حاتم بن أحمد الكندي: سمعت مسلم بن الحجاج يقول: لما قدم محمد بن إسماعيل نيسابور ما رأيت والياً ولا عالماً فعل به أهل نيسابور ما فعلوا به، استقبلوه مرحلتين وثلاثة، فقال محمد بن يحيى في مجلسه: من أراد أن يستقبل محمد بن إسماعيل غداً فليستقبله، فاستقبله محمد بن يحيى وعامة العلماء، فنزل دار البخاريين، فقال لنا محمد بن يحيى: لا تسألوه عن شيء من الكلام فإنه إن أجاب بخلاف ما نحن فيه وقع بيننا وبينه، ثم شمت بنا كل حروري وكل رافضي وكل جهمي وكل مرجئ بخراسان ... المسألة وضحت يعني كلها من الحساد الذين استوشوا هذه المسألة وهذه القضية وألزموا البخاري بلازم لم يلتزمه، وكلامه حق، أفعال العباد مخلوقة، لكن الحسد، وإرادة التفريق بين العلماء موجودة في كل عصر وفي كل مصر، استغلها بعض المغرضين، وأرادوا أن يفرقوا بين الإمامين، ووجدوا مدخلاً، فاستغلوا هذه الفرصة، فحصل ما حصل. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر لنا يا رب العالمين. قال الناظم -رحمه الله تعالى-: وبالقدر المقدور أيقن فإنه ... دعامة عقد الدين والدين أفيحُ ولا تنكرن -جهلاً- نكيراً ومنكراً ... ولا الحوض والميزان إنك تنصح

وقل: يخرج الله العظيم بفضله ... من النار أجساداً من الفحم تطرح على النهر في الفردوس تحيا بمائه ... كحب حميل السيل إذ جاء يطفح وأن رسول الله للخلق شافع ... وقل في عذاب القبر: حق موضح ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا ... فكلهم يعصي وذو العرش يصفح ولا تعتقد رأي الخوارج إنه ... مقال لمن يهواه يردي ويفضح ولا تك مرجياً لعوباً بدينه ... ألا إنما المرجي بالدين يمزح وقل: إنما الإيمان قول ونية ... وفعل على قول النبي مصرح وينقص طوراً بالمعاصي وتارة ... بطاعته ينمي وفي الوزن يرجح ودع عنك آراء الرجال وقولهم ... فقول رسول الله أزكى وأشرح ولا تكُ من قوم تلهو بدينهم ... فتطعن في أهل الحديث وتقدح إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه ... فأنت على خير تبيت وتصبح الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول الناظم -رحمه الله تعالى- بعد أن أنهى الكلام على عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة ذكر معتقدهم في ركن ركين عظيم من أركان الإيمان، لا يصح الإيمان إلا به، هو الإيمان بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، وجاء ذكره في آيات كثيرة، وذكره النبي -عليه الصلاة والسلام- في جوابه لجبريل لما سأله عن الإيمان، وذكر فيه: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وهو ركن من أركان الإيمان بإجماع من يعتد بقوله من أهل العلم، والإيمان بالقدر المقدور المقدر من قبل الله -جل وعلا- المقضي منه -سبحانه وتعالى- لا يصح الإيمان إلا به. ومن ينتسب إلى القبلة اختلفوا إلى طرفين ووسط، طرف نفوا القدر، وقالوا: إن الأمر أنف، وهؤلاء وجدوا في عصر الصحابة، وذكروا لابن عمر -رضي الله عنه- في أول حديث في صحيح مسلم، وأقسم أن أحدهم لو أنفق ما أنفق ما قبل منه حتى يؤمن بالقدر، واحتج عليهم بحديث جبريل حينما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الإيمان فذكر له أركانه، وفيها الإيمان بالقدر.

هؤلاء قالوا: لا قدر، والأمر أنف، والله -جل وعلا- لا يعلم الشيء حتى يقع، فنفوا العلم السابق، ونفوا الكتابة، ونفوا المشيئة، ونفوا الإيجاد والتكوين، نفوا المراتب كلها، وهؤلاء لا شك في كفرهم؛ لأن من أنكر العلم كفر كما قال أهل العلم، لكن هذا النوع من القدرية يقول أهل العلم: إنهم انقرضوا، فصار النفاة ينفون المشيئة والإيجاد والتكوين، يقرون بالمرتبتين الأولى والثانية، يقرون بالعلم، ويقرون بالكتابة، لكنهم ينفون الثالثة والرابعة التي هي المشيئة والإيجاد والتكوين. هؤلاء أثبتوا مع الله -جل وعلا- خالقاً، وهذا معتقد المعتزلة الذين زعموا أن العبد يخلق فعله، ولا يوجده الله -جل وعلا- كما أنه لم يشأه، إذ لو شاءه لكان ظالماً لهم.

الطرف الثاني: بالغوا في إثبات القدر، وقالوا: إن العبد مجبور، ولا مشئية له ولا إرادة، يتحرك من غير اختيار، وحركته كحركة أوراق الشجر في مهب الريح، الريح تميلها تبعاً لاتجاهها، ووفق الله -جل وعلا- أهل السنة إلى التوسط في هذا الباب كغيره من أبواب الدين، فهم الوسط من بين الفرق، وأثبتوا القدر بمراتبه الأربع، بالعلم والكتابة والمشيئة والإيجاد والتكوين، أثبتوا المشيئة مطلقة لله -جل وعلا-، والإرادة التامة، وأثبتوا للعبد مشيئة وإرادة فلم يقولوا: إنه مجبور، لكنهم مع ذلكم يقرنون مشيئة العبد بمشيئة الله -جل وعلا- {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ} [(29) سورة التكوير] {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} [(17) سورة الأنفال] {وَمَا رَمَيْتَ} هذا نفي للعمل على سبيل الاستقلال {إِذْ رَمَيْتَ} إثبات للعمل، ولا يستقيم مع النفي إلا أن يحمل على أنه تابع لإرادة الله -جل وعلا-، ولكن الله -جل وعلا- رمى، يعني وما أصبت، نفوا الإصابة، إذ حذفت، يعني رميت، ولكن الله -جل وعلا- هو الذي أصاب، وهذا ملاحظ، الإنسان بقدرته أن يأخذ الحجر ويرمي الطير، فهذا من فعله، لكن الإصابة بيد الله -جل وعلا-، قد يصيب وقد لا يصيب، وقد يكون من أمهر الناس، ومع ذلكم لا يصيب؛ لأن الله ما أراد له الإصابة، وقل مثل هذا في كل التصرفات، قد يكون الإنسان من أبلغ الناس، ويتكلم في موضوع يتقنه ويحسنه، لكنه إذا لم يرد الله -جل وعلا- إحسانه لا يحسنه، وسائر الأعمال على هذا، العبد له حرية وله اختيار {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [(10) سورة البلد] فله حرية واختيار، لكن مع ذلكم هذه الحرية وهذا الاختيار لا يستقل بها العبد، بل هي تابعة لمشيئة الله -جل وعلا-، فالقدرية يقولون: إذا قام العبد مثلاً وذهب إلى المسجد هذا العبد الذي قام على رجليه ومشى الخطوات إلى المسجد كل هذا لا علاقة لله به -جل وعلا-، هذا يخلقه العبد في نفسه، فأثبتوا خالقاً مع الله -جل وعلا-، ولذا سموا مجوس هذه الأمة، وجاء بهم الخبر.

بالمقابل الجبرية تقول: إن العبد لما قام على رجليه، وتحرك وخطى الخطوات إلى المسجد، يعني هو والمقعد سوى، الله -جل وعلا- هو الذي أمضاه إلى المسجد لا حرية له، إذا كان لا حرية له والله -جل وعلا- هو الذي أمضاه، ما الفرق بين المطيع والعاصي؟ الجبرية فروا من شيء وهو إثبات خالق مع -جل وعلا-، لكنهم مع ذلك أثبتوا أمراً خطيراً جداً، وإذا كان العبد مجبور، والله -جل وعلا- جبره ولم يترك له حرية ولا اختيار في أفعاله كيف يعذبه؟ إن عذبه وقد جبره على الفعل فقد صار ظالماً له. ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له ... إياك إياك أن تبتل بالماء يعني المجبور المكره الآن هل هو مكلف؟ المكره من قبل البشر هل يكلف؟ فكيف إذا أكره من قبل الله -جل وعلا- على هذا العمل وجبر عليه؟ يعني من باب أولى، إذا أجبره الذي كلفه وطالبه بالعمل لا شك أن هذا ضلال -نسأل الله السلامة والعافية-، والذي له مراجعات في تفسير الرازي يكن على حذر شديد من مسألة الجبر، فالرجل جبري، إضافة إلى المسائل الأخرى التي ضل فيها، وأورد فيها من الشبه ما لا يستطاع دفعه. أنا أقول: ينتبه طالب العلم لهذه المسألة في هذا الكتاب؛ لأنه يورد شبهة قد يكون طالب العلم المتوسط لا يتخلص منها، فمن السلامة ألا يقرأ في هذا الكتاب، لكن إذا دخل طالب العلم البصير على علم بهذا الكتاب وما يحتوي هذا الكتاب خف الأمر، يعني يصير عنده تصور، بخلاف ما لو دخل على جهل، ما يعرف واقع الكتاب، ويسمع هذه الشبهة القوية عنده؛ لأنه بارع في إلقاء الشبه، لكن الإجابة عن هذه الشبه ضعيف جداً، حتى قال القائل: إنه يورد الشبهة نقد ويجيب عنها نسيئة، فليكن طالب العلم على حذر شديد من هذا الكتاب، ومسألة الجبر قد يشترك معه غيره في تقرير مسائل الاعتقاد على مذهب الأشعرية، وبعضها فيها شوب اعتزال، لكن يشاركه غيره، أما مسألة الجبر هذه عنده مشكلة، مشكلة كبيرة جداً، تجعل طالب العلم المتوسط لا ينظر في مثل هذا الكتاب.

عرفنا أن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، لا يصح إلا به، وأنه له مراتب، وأن مذهب أهل السنة يثبتون المشيئة التامة لله -جل وعلا- مع بقية المراتب، ويثبتون للعبد حرية واختيار وإرادة، لكنه لا يستقل بها. "وبالقدر المقدور" مقدور وإلا مقدر؟ على كل حال هو اسم مفعول، إن كان من الثلاثي فهو مقدور، وإن كان من الرباعي فهو مقدر، والقدر أصل المادة المصدر مصدر إيش؟ مصدر ثلاثي وإلا رباعي؟ ثلاثي، المصدر الثلاثي، وإلا فالمصدر الرباعي قدر يقدر تقديراً. طالب:. . . . . . . . . وين؟ طالب:. . . . . . . . . المصدر الرباعي قدر يقدر تقديراً، والمصدر الثلاثي قدر يقدر قدراً، المقدور اسم المفعول من الثلاثي (أيقن) لا بد من اليقين، الإيمان بالقدر معناه اليقين، يعني هل يكفي غلبة ظن؟ لا يكفي، بل لا بد من اليقين، فلا يكفي غلبة ظن، ولا يكفي من باب أولى شك ولا وهم، فهذه الأمور العقدية لا بد أن يعقد عليها القلب، لا بد بحيث لا تقبل النقيض ولا التردد. وبالقدر المقدور أيقن فإنه ... . . . . . . . . . على أنه قد يأتي الظن ويراد به اليقين، قد يأتي الظن في النصوص ويراد به اليقين {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} [(46) سورة البقرة] الإيمان بالبعث ركن، نعم الإيمان بالبعث ركن، والظن لا يكفي فيه الظن الاصطلاحي، إذاً الظن الذي هو اليقيني وارد في النصوص. وبالقدر المقدور أيقن فإنه ... دعامة عقد الدين والدين أفيحُ

ويش الفائدة من الإيمان بالقدر؟ الفائدة الراحة التامة ((واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت الأمة على أن يضروك بشيء لم يضروك بشيء إلا بشيء كتبه الله عليك)) فإذا آمن الإنسان وأيقن بالقدر خيره وشره، وعلم أن حلوه ومره من الله -جل وعلا- ارتاح، ولذا لما سأل الصحابة النبي -عليه الصلاة والسلام- لما ذكر أن كل شيء مكتوب ومقدر، ومكتوب على الإنسان قبل أن يخلق، وقبل أن يوجد، قالوا: ففيم العمل؟ فقال: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) دلهم على العمل مع اعتقاد أن كل ميسر لما خلق له، فلا بد من العمل مع الاعتقاد، والذي يؤمن بالقدر خيره وشره على مراد الله -جل وعلا- يرتاح راحة تامة في هذه الدنيا، والذي يختل إيمانه بالقدر لا شك أنه يشقى، ولن يحصل له إلا ما كُتب له، لن يحصل له إلا ما كتب الله له، فتجد الهلع والجزع عند المصائب سببه عدم اليقين، وعدم الرضا بما قدر الرحمن. وكن صابراً للفقر وادرع الرضا ... بما قدر الرحمن واشكره واحمدِ لا بد من هذا ليرتاح الإنسان؛ لأنه ماذا سيصنع إذا لم يؤمن بالقدر ما الذي بيده؟ ما بيده إلا الشقاء هذه شبهة المشركين {لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا} [(148) سورة الأنعام] هذه شبهة المشركين، هذا أمر قدره الله عليك وكتب لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: افعل، اعمل، أنت وما يدريك عن العاقبة، أنت اعمل فكل ميسر لما خلق له. طالب:. . . . . . . . . وين؟ طالب:. . . . . . . . . شبهة المشركين {لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا} [(148) سورة الأنعام]. "فإنه دعامة عقد الدين" دعامة، الدعائم والأركان بمعنى واحد، دعامة للشيء الذي لولاه لسقط، قاعدة، لولا هذا الركن الركين وهذه الدعامة لسقط المبني عليه. . . . . . . . . . ... دعامة عقد الدين والدين أفيحُ

الدين واسع، الدين الذي ارتضاه الله للناس {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ} [(19) سورة آل عمران] {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [(3) سورة المائدة] هذا الدين المعهود الذي جاء في فضله، وأن الله لا يقبل سواه، هو المراد هنا، ويطلق الدين ويراد به الجزاء {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [(4) سورة الفاتحة] يعني يوم الجزاء، لكن المقصود به الدين الذي هو الإسلام الذي ارتضاه الله بعد إكماله ولا يقبل الله من أحد سواه.

"والدين" هذا الدين الواسع "أفيح" فيه سعة في شموله لجميع نواحي الحياة، الدين أفيح يسع جميع التصرفات، فما من تصرف يتصرفه المكلف إلا وللدين فيه حكم، وغير المكلف أيضاً حتى جنايات البهائم في الشرع لها أحكام، الدين أفيح واسع، فهو يشمل جميع نواحي الحياة، ومن الضلال أن يزعم بعض الناس أن شيئاً من مناحي الحياة يمكن أن يستفاد من غير الدين، ويمكن أن يُستغنى عن الدين في هذه الجهة، لا يا أخي الدين شامل لكل شيء، لكل ما يحتاجه الناس، الدين أفيح، أفيح في عباداته، في المعاملات، في جميع نواحي الحياة، ومن نعم الله -جل وعلا- أن الأعمال متنوعة فيه، لا سيما ما يربط المخلوق بالخالق، وما تحقق به العبودية التي من أجلها خلق الإنس والجن من نعم الله -جل وعلا- أن تنوعت هذه العبادات، يعني ما صارت العبادة بالصلاة فقط، ولا بالصيام فقط، ولا بالحج فقط، ولا بالذكر، ولا بتلاوة القرآن فقط، تنوعت؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- ركب في بني آدم غرائز يتفاوت فيها بعضهم عن بعض، فمن الناس لو أن الله -جل وعلا- جعل العبادات كلها مالية، من الناس عنده استعداد يصلي ألف ركعة ولا ينفق درهم، مثل هذا ويش تصير حياته لو أن الدين -لأن الذي اضطرنا أن هذا الدين أفيح واسع- لو أن الدين جاء بالإنفاق فقط، ما في عبادات بدنية، كيف يعيش مثل هذا؟ وفي المقابل بعض الناس عنده استعداد ينفق الأموال الطائلة ولا يصلي ركعتين، مثل هذا كيف يعيش لو كانت العبادات كلها بدنية؟ فالله -جل وعلا- نوع العبادات لحكم عظيمة وشيخ الإسلام له رسالة في تنوع العبادات ليتكامل الناس، بعض الناس يتمنى .. ، مو الأنظمة تضع على المخالفات ضرائب، أحياناً بعض الضرائب ثلاثمائة ريال، ستمائة ريال، تسعمائة ريال، وبعض الناس يتمنى أن تكون تسعمائة جلدة ولا تسعمائة ريال، فمثل هذا لو كانت العبادات مالية يمكن ما يستطيع أن يعيش، فالله -جل وعلا- ركب فيهم هذه الغرائز، ونوع العبادات لكي يصل إلى مراده بإذن الله -جل وعلا- من خلال هذه العبادة التي يسرت له وسهلت عليه، على أن القدر المشترك الواجب من كل نوع لا يعفى منه أحد. ثم قال الناظم -رحمه الله تعالى-:

"ولا تنكرن جهلاً" وفي طبعة الشيخ رشد رضا: "جهراً" ولا تنكرن جهلاً نكيراً ومنكراً ... ولا الحوض والميزان إنك تنصحُ "ولا تنكرن" (لا) هذه ناهية، والنون نون التوكيد الخفيفة "جهلاً نكيراً ومنكراً" جهلاً بعض الناس لا يلزم لإنكاره الشيء أن يكون جاهلاً، لكنه إذا أنكره عومل معاملة الجاهل، كما أن من عصى الله جاهل ولو كان عالماً بالحكم، فمن أنكر شيئاً بعد أن استيقنته نفسه فهو جاهل؛ لأنه قد يفهم بعضهم من قوله: "ولا تنكرن جهلاً" أنك إذا أنكرته عن علم فلا شيء عليك، نعم من أنكر التسمية لأن الخبر الوارد بها لم يثبت عنده هذه مسألة، لكن الملكين اللذين يسألان العبد إذا دفن وأنه ليسمع قرع نعالهم يأتيه ملكان هذا لا إشكال في ثبوته، ثبوته قطعي، أما التسمية فجاءت في حديث عند الترمذي يأتيه ملكان أحدهما المنكر والآخر النكير، جاء التسمية في حديث عند الترمذي، وصححه بعض أهل العلم، فإنكاره لعدم ثبوت الخبر فيه، يعني إذا كان من أهل النظر ولم يثبت الخبر عنده هذه مسألة أخرى، فيكون الإنكار عن علم، أما الإنكار عن جهل لثبوت الخبر عنده، أو لعدم بلوغه إياه، هذا جهل على الحالين، لكن خبر ثابت عنده، وينكر ذلك يكون جاهل من باب أن من عصى الله جاهل، وإذا لم يبلغه الخبر فهو جاهل، وقد يعذر بجهله، لا سيما ما يتعلق بالتسمية، والحديث عند الترمذي، وهو مصحح من قبل بعض أهل العلم. ولا تنكرن جهلاً نكيراً ومنكراً ... ولا الحوض. . . . . . . . .

نكير ومنكر إذا سألا العبد عن الأصول الثلاثة من ربك؟ وما دينك؟ ومن هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فالمؤمن يقول: ربي الله، وديني الإسلام، والنبي الذي بعث فينا هو محمد بن عبد الله -عليه الصلاة والسلام-، فينبغي أن يعنى طالب العلم بهذه الأسئلة الثلاثة، ويعد لها جواباً، قد يقول أحد مثلاً: كل الناس يجيبون على هذه الأسئلة، كل الناس يجيبون، الأطفال في الصف الأول الابتدائي، وبعض الناس يلقنها الأولاد من سن الثالثة، وبعضهم قبل ذلك، وبعضهم بعد ذلك، والمسألة مسألة توفيق، لكن قد يقول: كل الناس يجيبون، الجواب ما هو بيدك، المسألة مسألة اعتقاد صحيح يصدقه العمل، أما مجرد الدعاوى فلا تنفع، وقد لا يجيب ولو كان من أكثر الناس قراءة للكتب، لكنه لم يعتقد الاعتقاد الصحيح، هذا على خطر عظيم، إذا كان عنده شك أو ارتياب فيما يقرأ وفيما يعتقد لا شك أنه لن يجيب؛ لأن المنافق أو المرتاب يكون جوابه: هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، فالمسألة تثبيت من الله -جل وعلا- في الدنيا وفي الآخرة، والتثبيت في الآخرة مترتب على الثبات في الدنيا، وعلى الإنسان أن يعمل ويسعى جاهداً في هذه الدنيا مخلصاً لله -جل وعلا-، ليثبت في الآخرة. "نكيراً ومنكراً" وهذان الاسمان يدلان على أن هذين الملكين في صورة قبيحة منكرة، يستنكرها الإنسان، وليسا على صفة حسنة جميلة، يرغبها الإنسان، وهذا مأخوذ من التسمية، وجاءت أوصافهما في الأحاديث. ولا تنكرن جهلاً نكيراً ومنكراً ... ولا الحوض. . . . . . . . .

الحوض حوض النبي -عليه الصلاة والسلام- من معتقد أهل السنة والجماعة الإيمان بعذاب القبر بعد السؤال من منكر ونكير، إما أن ينعم في قبره، ولذا يقول شيخ الإسلام في الواسطية: "ثم بعد هذه الفتنة" فتنة السؤال "ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب" فالذي يجيب بالأجوبة الصحيحة يقال له: نم، فينام كنومة العروس، يفتح له باب إلى الجنة، ويأتيه من روحها ... إلى آخره، وأما بالنسبة للذي لا يجيب هذا -نسأل الله العافية- يضرب بمرزبة من حديد، ويفتح له باب من نار، ويعذب في قبره {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [(46) سورة غافر] إلى يوم القيامة {غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [(46) سورة غافر] فالقبر فيه نعيم وفيه عذاب، فعلى المسلم لا سيما طالب العلم أن يعد العدة. "ولا الحوض" حوض النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي جاء وصفه ووصف مائه، وعدل آنيته، وأنه يذاد عنه أقوام يعرفهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بأوصافهم وبأشكالهم، فمن ارتد بعده وكان قد آمن به يعرفه بعينه، وأما من لم يدركه من أمته يعرفه في الآثار التي تدل عليه؛ لأنه ارتد على عقبيه، فهؤلاء الذين ارتدوا على أعقابهم هؤلاء يذادون عن الحوض، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أصحابي أصحابي)) ((أصيحابي)) في بعض الروايات، فيقال: ((إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك)) فلينتبه الإنسان إلى هذه المحدثات، ويلزم الجادة؛ لأن هذه المحدثات قد تكون في أول الأمر يسيرة، لكنها تشريع، مشاركة لله -جل وعلا- في التشريع، ينتبه لهذه المحدثات التي لا تزال تكبر شيئاً فشيئاً إلى أن يخرج بسببها من دينه فيرتد على عقبيه، ويذاد عن الحوض.

وبعض الطوائف كالرافضة يزعمون أن النص في الصحابة لأنهم ارتدوا، لكن من الذي ارتد على عقبيه والذي أحدث في الدين الحدث؟ من الأولى بهذا الوصف صحابة النبي -عليه الصلاة والسلام- الذين حفظ الله بهم الدين، وحملوا الدين، وبلغوه إلى أقاصي الدنيا، أو الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، فعبدوا من دون الله، عبدوا المشاهد والقبور ودعوا الأولياء، وحرفوا كتاب الله -جل وعلا-، وكذبوا الله في تبرئته لعائشة؟ أمور كثيرة -نسأل الله العافية- هذا الإحداث في الدين، إن لم يكن هذا هو الإحداث في الدين، فما معنى الإحداث؟ -نسأل الله السلامة والعافية-. "والميزان" الميزان وله كفتان، وجاءت في ذلك الأخبار الصحيحة، وله لسان، لسان الميزان ما يضبط به الرجحان من عدمه، وأما خبر اللسان ففيه كلام، أما الكفتان فثابتتان، والميزان الذي توزن به الحسنات والسيئات لكل إنسان، ويوضع في الميزان في كفة، عندنا كِفة وعندنا كُفة، فماذا نقول هنا بالكسر وإلا بالضم؟ يقولون: كل مستدير كِفة، وكل مستطيل كُفة، كفة الثوب، توضع الأعمال الصالحة في كفة الحسنات، والأعمال المقابلة لها السيئة في كفة السيئات، فيوزن هذا وهذا، وأهل العلم يقولون: خاب من غلبت آحاده عشراته، كيف؟ الحسنة بعشر أمثالها والسيئة مثلها، فمن طول عمره آحاده تغلب عشراته هذا لا شك أنه خائب، خيبة وحرمان وخسران، وغبن أن تغلب الآحاد العشرات.

هذه الميزان الله -جل وعلا- لا يحتاج إليه؛ لأنه يعلم ما سيكون، وما يؤول إليه الأمر من رجحان الحسنات على السيئات أو العكس، لكنه من باب خروج أو باب ظهور الأمر من الغيب إلى الشهادة؛ لأنه لو اكتفي بعلم الله -جل وعلا- لادعى من يدعي أنه مظلوم، لكن إذا رأى أمام عينيه، شاف الميزان وقيل له: هذه حسناتك بقي منها شيء؟ يقول: لا، هذه سيئاتك؟ يقول: لا، لكنه بعد ذلك إذا رجحت الحسنات وقرر بسيئاته، عملت كذا يوم كذا نعم عملت، عملت كذا، فإذا رجحت كفة الحسنات وبدلت السيئات، وغفرها الله -جل وعلا- وتجاوز عنها، قال: لا، لي سيئات غير هذه، يطمع، المقصود أن الأعمال توزن، وصاحب العمل جاء ما يدل على وزنه أيضاً، يؤتى بالرجل السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة، هذا يدل على أن الإنسان قد يوزن. "والميزان إنك تنصحُ" تنصح بأن تعتقد هذه الأمور، ولذا قوله: "وقل" "ولا تنكرن" هذه أوامر ونواهي من مساوٍ، لكنه يتحدث بها على لسان الشرع الذي جاء بوجوب التزامها واعتقادها، وأما بالنسبة لمن يألف مثل الناظم ويأمر وينهى هذا مجرد ناصح، مبين للناس. . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . إنك تنصحُ وقل: يخرج الله العظيم بفضله ... من النار أجساداً من الفحم تطرحُ على النهر في الفردوس تحيا بمائه ... كحب حميل السيل إذ جاء يطفحُ جاء أن العصاة الذين ليس معهم من الإيمان إلا الشيء اليسير جداً يعذبون على قدر معاصيهم وذنوبهم إلى أن يصيروا حمماً، فحم، ثم بعد ذلك هذه الأجساد التي صارت فحم تطرح على النهر، يقال له: نهر الحياة في الفردوس في الجنة، تحيا به، تحيا بمائه، ينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، الحبة ما هي بحبة، الحبة نوع من النبات، حتى لما قالها النبي -عليه الصلاة والسلام- قال بعض الحاضرين كأنه من أهل البادية؛ لأن هذا النوع ما يعرفه كل الناس، كما تنبت الحبة في حميل السيل، ولذا قال: على النهر في الفردوس تحيا بمائه ... كحب حميل السيل إذ جاء يطفحُ السيل إذا جاء .. ، التي تنبت على جنب الوادي، فإذا جاء السيل ومشى مع الوادي نبتت، فهؤلاء الذين يخرجون. وقل: يخرج الله العظيم بفضله ... من النار أجساداً. . . . . . . . .

برحمة أرحم الراحمين يخرجون إذا انتهت الشفاعات، ولم يبقَ إلا رحمة أرحم الراحمين يخرج مثل هؤلاء، وهؤلاء من معهم مثل مثقال الذرة من إيمان، فهؤلاء آخر من يخرج من النار -نسأل الله السلامة والعافية-. وإن رسول الله للخلق شافع ... . . . . . . . . . الشفاعة ثابتة بالكتاب والسنة وبإجماع أهل العلم، أما من نفاه فلا يعتد بقوله، لكن الشفاعة لها شروط، رضاه -جل وعلا- عن المشفوع له، وإذنه للشافع، لا بد أن يؤذن للشافعي {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [(255) سورة البقرة] {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [(28) سورة الأنبياء] فلا بد من تحقق الشرطين لتتم الشفاعة. وإن رسول الله للخلق شافع ... . . . . . . . . .

للناس كلهم، لجميع الخلائق، وهذه الشفاعة العظمى وهي من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، حينما يشتد الناس، يشتد الهول، هول الموقف على الناس، ويلجمهم العرق، وتدنو منهم الشمس يفزعون إلى آدم، يخبرونه بما حصل لهم، ويطلبون منه أن يشفع، فيقول آدم يذكر معصيته، وأنه أكل من الشجرة، وأنه لا يملك إلا نفسه في هذا الموقف، اذهبوا إلى غيري، فيأتون نوحاً، يقولون لآدم: أنت أبو البشر خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، فيقول ما يقول، ثم يذهبون إلى نوح، فيقولون له: أنت أول الرسل، وأنت كذا وكذا، فيقول: أنا لي دعوة واحدة صرفتها على قومي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم، فيذهبون إلى إبراهيم -عليه السلام-، ويطلبون منه، ويذكر الكذبات الثلاث، ويعتذر منهم، فيذهبون إلى موسى، فيقول: إنه قتل نفساً بغير حق، يذهبون إلى عيسى ولا يذكر خطيئة، اذهبوا إلى محمد، فيذهبون إليه فيقول: أنا لها، أنا لها، فيسجد تحت العرش -عليه الصلاة والسلام-، ويطيل السجود، ويحمد الله -جل وعلا- بمحامد يلهمه إياها، فيقال له: ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، ثم يشفع في الخلائق، فيستفتح باب الجنة فيفتح، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يشفع هذه الشفاعة، وهي من اختصاصه -عليه الصلاة والسلام- لا يشاركه فيها أحد، كما أن من الشفاعات التي يختص بها -عليه الصلاة والسلام- شفاعته لعمه أبي طالب في أن يخفف عليه من العذاب، وهناك شفاعات يشترك فيها الأنبياء والصالحون، إخراج بعض أهل النار، وعدم إدخال بعضهم ممن استحقها. المقصود أنواع الشفاعة كثيرة، وهي مثبتة عند أهل السنة والجماعة، باتفاق أئمة الإسلام الذين يعتد بقولهم، وأما من نفاها فلا عبرة به، من نفى الشفاعة لا عبرة بقوله بعد ثبوتها بالكتاب العزيز، وبمتواتر السنة، ولا يعني أننا إذا قلنا: متواتر السنة أننا لا نثبت بالآحاد، نثبت العقائد بالآحاد، ولا إشكال عندنا في هذا، لكن إذا كانت المسألة متواترة يذكرها أهل العلم من باب تقوية المسألة، وإلا فالآحاد والمتواتر الآحاد بأقسامه كله مقبول في هذه الأبواب. وإن رسول الله للخلق شافع ... وقل في عذاب القبر. . . . . . . . . في البيت الذي قبله:

على النهر في الفردوس تحيا بمائه ... كحب. . . . . . . . . في نسختي دمشق والمنار: "كحبة" ويمكن ينكسر البيت بهذا، وهنا يقول: وإن رسول الله للخلق شافع ... وقل في عذاب القبر: حق موضحُ في نسخة دمشق: بالحق موضِح، أو بالحق موضَح. وإن رسول الله للخلق شافع ... . . . . . . . . . ذكرنا شفاعته -عليه الصلاة والسلام-. . . . . . . . . . ... وقل في عذاب القبر: حق موضحُ "حق موضح" عذاب القبر حق، وجاء فيه الأحاديث الصحيحة، ويدل عليه قوله -جل وعلا-: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} [(46) سورة غافر] غدواً وعشياً يعني قبل قيام الساعة وهذا في القبر {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [(46) سورة غافر] ومن أدلة عذاب القبر اليهودية التي قالت لعائشة ودعت لها: وقاك الله عذاب القبر، أو أعاذك الله من عذاب القبر، فعرضت ذلك على النبي -عليه الصلاة والسلام- وأقرها، وصار يستعيذ بالله من عذاب القبر دبر كل صلاة، وهذا الحديث صحيح، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . المقصود أن القبر حقيقة أو حكماً، قبر كل شيء بحسبه، الغريق قبره في البحر، ما أكلته السباع قبره في بطونها، المقصود أن الأمور نسبية، والقبر نعمة من نعم الله -جل وعلا- على بني آدم، نعمة {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [(21) سورة عبس] امتنان، نعمة من الله -جل وعلا-، إذا تصورنا حال الشخص الذي لا يدفن، ماذا تكون حاله؟ وما تكون حال أهله؟ تصور أنه يلقى في البراري والقفار أو بين الناس في الأزقة، أو في بيوت الناس ماذا يصنعون به؟ يؤذيهم برائحته ونتنته، ويتأذون بمرآه، بعد أن كان أعز الناس لديهم صار جيفة، لكن من نعم الله -جل وعلا- أن ألهم الغراب ليريه كيف يواري سوءة أخيه.

وفي الأديان في عند الهندوس وغيرهم مسألة الإحراق، وفي الهند جاء شخص وأعلن إسلامه، وسئل لماذا أسلمت؟ هل دعاك أحد؟ فقال: لا ما دعاني أحد، ما الذي دعاك إلى الإسلام؟ قال: ماتت أمه، فذهب ليحرقها على عادتهم، فجمع لها الحطب العظيم، فأشعل هذا الحطب، وأوقده عليها، وذكر أن النار أكلت الكفن فقط، وانطفأت وبقيت أمه عارية أمام الناس كما خُلقت، فجمع لها حطب مرة ثانية فأحرقها، ثم جاء ليعلن إسلامه، قال: لو لم يكن في دينكم إلا قبر الميت، فالحمد لله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى. . . . . . . . . . ... وقل في عذاب القبر: حق موضحُ ولا تكفرن أهل الصلاة. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . جاءت الإقامة؟ ...

شرح المنظومة الحائية (5)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح المنظومة الحائية لابن أبي داود (5) الشيخ: عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-: ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا ... فكلهم يعصي وذو العرش يصفحُ هذا البيت في النسخة الدمشقية متأخر، وقبله. وقل: إنما الإيمان قول ونية ... وفعل على قول النبي مصرحُ هذا الذي يلي بيت الشفاعة، ثم الذي يليه في الدمشقية: وينقص طوراً بالمعاصي وتارة ... بطاعته ينمي وفي الوزن يرجحُ ويليه: "ولا تعتقد رأي الخوارج" ثم "ولا تكن مرجياً" ثم "ولا تكن من قوم تلهوا بدينهم" ثم بعده: "ودع عنك آراء الرجال" وختم بآخر الأبيات، فالترتيب -ترتيب الأبيات- في الطبعة التي وزعت يتفق مع ترتيب الشيخ محمد رشيد رضا في طبعته، وأما الطبعة الدمشقية -وهي قبل طبعة المنار- ففيها تقديم وتأخير، وفيها أيضاً إدخال ما ليس منها فيها، ثلاثة أبيات هي من نظم ابن البناء الشارح، وأربعة أبيات ألحقت بها وليست منها، لكنها لم توجد في الدمشقية. على كل حال هي بلغت على أكثر تقدير أربعين بيتاً، فالمزيد فيها سبعة، ونمشي على الترتيب الذي معنا، وإن كان كان ترتيب الدمشقية أوضح حينما قدم الإيمان، وأنه قول ونية وفعل ... إلى آخره، وأعقبه: وينقص طوراً بالمعاصي وتارة ... بطاعته. . . . . . . . . ... إلى آخره، ثم بعد ذلك: "ولا تعتقد رأي الخوارج" لأنه مرتبط بالإيمان، يعني ترتيب الدمشقية أولى من ترتيب الشيخ رشيد والذي معكم، لكن مع ذلك نمشي على الترتيب الذي بأيديكم، فالبيت رقم (26) ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا ... . . . . . . . . . الزيادة انتهت عنده. طالب: في الدمشقية مع الزيادة؟

مع الزيادة، لكن ما هو بالترتيب بالأرقام، الترتيب مشينا على التقديم والتأخير؛ لأنه ما عنده ثمانية وعشرين بالدمشقية، لا، أو تسعة وعشرين بدل سبعة وعشرين، لا، بعد الثلاثة المزيدة، فمثلاً ستة وعشرين رقم ستة وعشرين بحذف الزيادة وهو تسعة وعشرين هنا، وهو في الحقيقة تسعة وعشرين في الدمشقية مع الزيادة، فيكون رقمها اثنين وثلاثين: "وقل إنما الإيمان قول ونية" رقمه اللي هو رقمه تسعة وعشرين هنا، يكون رقمه تسع وعشرين هناك مع الزيادة. طالب:. . . . . . . . . ما رُقمت، لكنها الخمسة والعشرين البيت اللي فاتت، ماشي معها، مع إدخال الثلاثة الأبيات التي مضت في الصحابة، هنا ستة وعشرين "ولا تكفرن أهل الصلاة" نعم ما هو عندك ستة وعشرين؟ مكانه: "وقل: إنما الإيمان قول ونية" ويليه: "وينقص طوراً" اللي هو ثلاثين عندكم، ويليه: "ولا تعتقد" "ولا تكن مرجياً" ثم يليه: "ولا تكن من قوم تلهوا بدينهم" ويليه: "ودع عنك آراء الرجال وقولهم" ... إلى آخره، ثم ختم البيت إلى آخره. طالب:. . . . . . . . . إيه حتى ترتيبه، كان ترتيبهم أنسب؛ لأنه في أمور مرتبة على الإيمان مع أنه الأنسب منه أيضاً أن يكون: قل إنما الإيمان نعم وينقص طوراً قبل "وبالقدر المقدور" لأن القدر المقدور ركن من أركان الإيمان، وهذا تعريف الإيمان، ينبغي أن يكون قبل، وزيادة ونقصان ينبغي أن تكون قبل، والمسألة ما دامت الأبيات موجودة ولا ارتباط وثيق بين هذه الأبيات إلا من حيث المعنى الإجمالي، لكن لو قدم بعضها على بعض كل بيت يستقل بمعناه، كل بيت يستقل بمعناه الخاص وإن كان المعنى العام يشمل الجميع. ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا ... . . . . . . . . .

المذاهب في هذه المسألة -وهي مسألة الأحكام على الناس- الناس فيها طرفان ووسط، طرف فيه الخوارج والمعتزلة، والطرف الثاني فيه المرجئة، والوسط أهل السنة، الخوارج غلو في الوعيد، ولذا يسمون الوعيدية، غلو في تقرير هذه النصوص، وحملوها على ظاهرها، مما جاء بكفر فاعل بعض المعاصي أو بخروجه أو ((ليس منا)) حملوها على ظاهرها، وطردوا ذلك في كل مرتكب لكبيرة، وحكموا عليه بالكفر، حكموا عليه بالكفر، فكفروا مرتكب الكبيرة، وعمدتهم في هذا نصوص الوعيد، وفيها ما يخدم مذهبهم، وفيها ما فيه رد عليهم، بالمقابل من تشبث وتمسك بنصوص الوعد يعني الوعيدية نظروا إلى نصوص الوعيد، وقطعوا النظر وغضوه عن نصوص الوعد، فهم ألغوا نصوص الوعد، بينما مقابلهم من المرجئة نظروا إلى نصوص الوعد، وألغوا نصوص الوعيد، وأهل السنة والجماعة أعملوا النصوص في الطرفين، ووفقوا للتوسط، الخوارج يكفرون مرتكب الكبيرة، يكفرونه في الدنيا كفر مخرج عن الملة، وهو في الآخرة محكوم عليه بالخلود في النار، وأما المعتزلة فيشتركون معهم في الخلود في النار مع الخوارج، خالد مخلد في النار -نسأل الله السلامة والعافية-، وأما بالنسبة لحكمه في الدنيا يخرجونه من الإيمان، يسلبون عنه الإيمان بالكلية، لكن لا يصفونه بالكفر فهو بالمنزلة بين منزلتين، أهل السنة نظروا إلى نصوص الوعيد، ونظروا أيضاً إلى نصوص الوعد، وعموماً النصوص الشرعية، الأدلة الشرعية علاج، علاج لأمراض وأدواء المجتمعات، فالعالم المعلم والداعية يُعالج أمراض المجتمعات بالنصوص، فإذا كان في مجتمع متشدد أكثر عليهم من نصوص الوعد، ومن سعة رحمة الله -جل وعلا-، وإن كان بالعكس في مجتمع متساهل أكثر من إيراد نصوص الوعيد عليهم، وهذا كله مما يراد به إصلاح الناس والشرع والنصوص جاءت لهذا، والأصل أن ينظر إلى الطرفين فيُحمل هذا على هذا، ولا يكون هناك اضطراب.

"ولا تكفرن أهل الصلاة" أهل الصلاة لا يكفرون، من صلى مسلم حكماً، اللهم إلا أن يأتي بناقض، ولو صلى يعني لو صلى وطاف بقبر ما ينفع، لكن إذا صلى عند أهل العلم مسلم حكماً ما لم يأتِ بناقض، إذا أتى بناقض مع بلوغ الحجة عليه يكفر حينئذٍ، وفي كتب الفقه باب المرتد، و ((من بدل دينه فاقتلوه)). المقصود أن الأصل في المصلي أنه مسلم، ولا يكفر بذنب ما لم يكن هذا الذنب مخرج عن الملة. "وإن عصوا" يعني بما دون ما يخرج عن الملة. . . . . . . . . . ... فكلهم يعصي وذو العرش يصفحُ هذا النهي عن الإكفار إنما هو لأهل الصلاة، فهل يمتد هذا النهي إلى عدم إفكار من كفره الله ورسوله؟ هل يمتد هذا النهي إلى اليهود والنصارى الذين القرآن وكتب السنة طافحة بتكفيرهم؟ لا، حتى قال أهل العلم: إن من شك في كفر اليهود والنصارى كفر إجماعاً، فالذي لا يكفر هو المصلي. ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا ... . . . . . . . . . فلا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله، أما إذا استحله مما أجمع عليه فمثل هذا يكفر ولو صلى، لو استحل الخمر ولو صلى، استحل الزنا ولو صلى يكفر، وكذلك من حرم المجمع على إباحته فمن حرم الخبز مثلاً يكفر عند أهل العلم، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . النواقض غير يا أخي، النواقض نقول: لا يكفر بذنب ما لم يستحله، بذنب، النواقض أمرها معروف. "وإن عصوا فكلهم يعصي" ((كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)) ومن المعصوم بعد محمد -عليه الصلاة والسلام-؟ كل الناس يعصون، لكن من يوفق للتوبة هذا هو السعيد، ومن يحال دونه ودونها فهذا شقي -نسأل الله السلامة والعافية-. . . . . . . . . . ... فكلهم يعصي وذو العرش يصفحُ

الله -جل وعلا- صاحب العرش يصفح، والعرش معروف أنه سقف للمخلوقات كلها، وهو أعظم المخلوقات، وإثباته ثابت بنصوص الكتاب والسنة، والله -جل وعلا- مستوٍ عليه، وفي آيات سبع ذكر فيها الاستواء، منها: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [(5) سورة طه] خلافاً للمبتدعة الذين يؤولون العرش، ويؤولون الرحمن، ويؤولون الاستواء، هؤلاء شأنهم آخر، هؤلاء مبتدعة، فعلى المسلم أن يثبت أن العرش يستوي عليه الله -جل وعلا- من غير كيف، ومن غير احتياج إليه، يعني ما هو مثل المخلوق -تعالى الله وعز-، المخلوق إذا استوى على شيء على دابة على سقف على شيء فزال هذا السقف ماذا يحصل للمستوي عليه؟ يسقط؛ لأنه محتاج إليه، ومستند إليه، أما الله -جل وعلا- فهو يمسك السماوات والأرض أن تزولا، هو الممسك لهما أن تزولا، فكيف يحتاج إليهما، ويحتاج إلى ما فوقهما؟ . . . . . . . . . ... فكلهم يعصي وذو العرش يصفحُ ويغفر يغفر الذنوب جميعاً {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [(53) سورة الزمر] ومعلوم أن هذا بالتوبة، وفي قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] هذا من غير التوبة. . . . . . . . . . ... فكلهم يعصي وذو العرش يصفحُ ولا تعتقد رأي الخوارج إنه ... مقال لمن يهواه يُردي ويفضحُ مقال الخوارج، رأي الخوارج، عقيدة الخوارج في تكفير الناس، وإخراج الناس من دين الإسلام، هذه جريمة عظيمة؛ لأن أحكام الشخص وهو مسلم تختلف اختلافاً جذرياً عن الحكم عليه بأنه كافر، إخراجه من الإسلام أمر خطير، إذا كان لعن المؤمن كقتله فكيف بإخراجه من دينه؟ كيف بتكفيره؟ الأمر عظيم يا الإخوان، ولا يكفر إلا من ارتكب مكفر معلوم مقرر بالنصوص، بالأدلة، وتقوم عليه الحجة. ولا تعتقد رأي الخوارج إنه ... مقال لمن يهواه. . . . . . . . . فالمسألة مسألة هوى، ما هو مقال لمن يعتقده عاملاً بنصوص المسألة مسألة هوى، وهذا هو شأن المبتدعة، كلهم أهل أهواء.

"لمن يهواه يردي ويفضحُ" يرديه في مهاوي النار -نسأل الله السلامة والعافية-، والخلاف في تكفيرهم معروف، يعني: ((يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)) من أهل العلم من يقول: الدين الإسلام، فهم كفار على هذا، ومنهم من يقول: الدين التدين، فهم فساق على هذا، والخلاف بين أهل العلم فيهم معروف، وشيخ الإسلام ينقل عن جمهور السلف أنهم لا يكفرونهم، ولا يعاملونهم معاملة الكفار. "يردي ويفضحُ" ولو استتر الإنسان فلا بد أن يبدو، لا سيما إذا كان من الخوارج الذين لا يعرفون مجاملة ولا يعرفون تقية، ولا يعرفون شيء، يفضحه، في أول يوم ينفضح، يوجد من يتقي، يوجد من يدلس على الناس ويلبس عليهم، ويختفي ببدعته، لكن الخوارج لا يمكن أن يختفوا ببدعتهم "ويفضحُ". ولا تكن مرجياً لعوباً بدينه ... . . . . . . . . .

عكس الخارجي، الخارجي حمل أمره على العزيمة وعلى الشدة، وبالغ في هذا حتى خرج إلى جهة مغايرة لجهة المرجئة، وكل من الخروج والإرجاء من أعظم مطامع الشيطان، فالغلو .. ، الشيطان يتحسس الشخص يراوده على ترك الصلاة ما يرضى، يراوده على الكفر الصريح ما يرضى، لكن قد يقول له: لكي تضمن لنفسك القدر الكافي زد، الإنسان ما زال يتقرب بالنوافل زيادة على الفرائض لكي يضمن بقاء الفرائض؛ لأنك لا بد أن تحتاط، هذا يقول له: زد على ما شرعه الله لكي تضمن ما شرعه الله لك، لكن الزيادة ابتداع في الدين، وإحداث أمر ليس عليه أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا لم يستطع أن يجره إلى الوراء دفعه إلى الأمام، وكلاهما مذموم، لا مذهب الخوارج، ولا مذهب الإرجاء، وكلاهما خطر عظيم على دين الإنسان، فالخوارج كفرهم جمع من أهل العلم، والمرجئة متفاوتون، فمنهم المرجئة الذين يقتصرون من الإيمان على المعرفة فقط، ولا يلزم نطق، ولا يلزم عمل، ولا يلزم شيء، مجرد ما يعرف مؤمن كامل الإيمان، وهؤلاء الغلاة الجهمية وهؤلاء الذين يقولون: إن إيمان أفسق الناس مثل إيمان جبريل، لا يحتاج إلى نطق، ولا يحتاج إلى عمل، يكفي المعرفة، وعلى مذهبهم إبليس مؤمن، وفرعون مؤمن، وألفوا وكتبوا في إيمان فرعون، هؤلاء الغلاة، منهم -وهم أخف- من يرى أن المعاصي لها أثر، وهي محرمة، وعليها ذنوب، لكن العمل ليس من مسمى الإيمان، فقد يكون المسلم كامل الإيمان وهو ما يعمل أي عمل، وكامل الإيمان، وقد يفعل المحرمات وهو كامل الإيمان، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمرة حين يشربها وهو مؤمن)) وهؤلاء يقولون: لا، كامل الإيمان، وإيمانه مثل إيمان جبريل، هؤلاء مرجئة، غلاة، ويزعمون أنه كامل الإيمان.

ومن الطرائف ما ذكره أهل العلم أن مرجياً مر بشارب -شارب خمر- فسبه وشتمه، فقال له المرجئ: هذا جزائي أحكم لك بأن إيمانك مثل إيمان جبريل وتشتمني! كامل الإيمان ولو شربت الخمر! لا شك أن مثل هذا ضلال مبين، مثل هذا تضييع للدين، يعني لماذا يعمل الإنسان؟ لماذا يصلي؟ لماذا يصوم؟ لماذا يزكي؟ لماذا يكف شره عن الناس؟ لماذا يتعامل مع نفسه مع أهله مع جيرانه وهو كامل الإيمان بدون هذا كله؟ ولذلك قال الناظم: ولا تكن مرجياً لعوباً بدينه ... . . . . . . . . . هذا يضحك على نفسه إذا قال: إنه مؤمن ولا يعمل شيء، الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، والعمل ركن من أركان الإيمان وشرط، وجنسه شرط صحة على ما قرر شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-. ولا تكُ مرجياً لعوباً بدينه ... ألا إنما المرجي بالدين يمزحُ ما هو بجاد، ليس بجاد، هازل وليس بجاد، كيف يزعم أنه متمسك بالدين وهو لا يصلي، متمسك بالدين وهو لا يصوم ولا يزكي، متمسك بالدين ويرتكب المحرمات، وجاء في ترجمة بعض من تزعم فيهم الولاية في طبقات الصوفية، قال: وكان -رضي الله عنه- لا يصلي، ما سجد لله سجدة، ولا صام ولا يوم، وكان -رضي الله عنه- يفعل ويفعل من المنكرات والفواحش، وكان -رضي الله عنه- جاء واحد معلق بالقلم يقول: إذا كان هذا -رضي الله عنه- فلعنة الله على من؟! ما بقي أحد، إذا كان مثل هذا -رضي الله عنه-. ولا تك مرجياً لعوباً بدينه ... ألا إنما المرجي بالدين يمزحُ وقل إنما الإيمان قول ونية ... وفعل على قول النبي مصرحُ هذا تعريف الإيمان عند أهل السنة، وهذه حقيقته الشرعية الإيمان قول وعمل، قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان. فالقول يشمل قول اللسان وقول القلب، والنية محلها القلب، والفعل فعل القلب واللسان وفعل الجوارح، فلا بد من الاعتقاد بالقلب، ولا بد من القول والنطق باللسان، ولا بد من العمل بالأركان. سئل الإمام أحمد عن من يقول: قالوا: إن فلاناً يقول: الإيمان قول وعمل، قال -رحمه الله-: هذا أخبث قول، قول وعمل، هذا أخبث قول، ماذا يريد الإمام أحمد -رحمه الله- بهذا الكلام؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . .

الاعتقاد لا بد منه، لكن هو سئل عن شخص عرف بالإرجاء، ومن باب المداراة قال: إن الإيمان قول وعمل، وزعم أن العمل عمل القلب، لا عمل الجوارح، فهذا فيه اعتقاد المرجئة، وفيه التلبيس على الناس، هذا الذي دعا الإمام أحمد وهو يعرف هذا الرجل، وأنه من غلاة المرجئة. منهم -من الطوائف- من يرى أن الإيمان قول فقط، وهذا ينسب إلى الكرامية، وعلى هذا فالمنافقون عندهم مؤمنون إذا كان قول فقط من غير اعتقاد، فلا بد من القول والاعتقاد والعمل. وقل: إنما الإيمان قول ونية ... وفعل على قول النبي مصرحُ جاء حديث ضعيف: ((الإيمان قول عمل)) وجاء عن الصحابة التصريح بأن العمل لا بد منه، وهو منصوص عليه في آيات كثيرة جداً {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} [(82) سورة البقرة] وينقص طوراً بالمعاصي وتارة ... بطاعته ينمي. . . . . . . . . في الدمشقية: "ينمو" "وفي الوزن يرجحُ" في طبعة الشيخ رشيد رضا: "وينقص توراً" بالتاء، ولعله خطأ مطبعي. الإيمان عند أهل السنة والجماعة يزيد وينقص، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، والزيادة ثبتت بالآيات الصريحة {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [(2) سورة الأنفال] {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} [(124) سورة التوبة] {زَادَهُمْ هُدًى} [(17) سورة محمد] ثمان آيات في القرآن كلها مصرحة بالزيادة، ولم يرد التصريح في القرآن بالنقصان، لكن الإمام مالك -رحمه الله- يقول: ما قبل الزيادة يقبل النقصان، مع أنه جاء في حديث نقصان دين المرأة: ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين)) فدل على أن الدين ينقص، وزيادته بالإيمان، بالأعمال الصالحة، زيادته بما يقوي هذا الإيمان من كثرة الذكر وتلاوة القرآن، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . إيه؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . يعني ليس بمؤمن كامل الإيمان، وجاء في بعض الأخبار أن الإيمان يظله ويرتفع فوقه، فإذا عاد رجع إليه، المقصود أن هذه من نصوص الوعيد المنفرة عن هذه المعاصي الكبار. وينقص طوراً بالمعاصي وتارة ... بطاعته يمني. . . . . . . . . والرواية الأخرى: "ينمو" يعني يزيد، النمو هو الزيادة.

"وفي الوزن يرجحُ" يعني إيمان خفيف، فإذا باشر الأسباب التي تقوي الإيمان وتزيد في الإيمان رجح هذا الإيمان، ووزن إيمان أبي بكر بإيمان غيره فرجح، ووزن إيمان عمر بغيره فرجح لكماله. ودع عنك آراء الرجال وقولهم ... . . . . . . . . . آراء الرجال في المسائل الشرعية التي فيها النصوص يُذم الرأي، وجاء ذمه كثيراً على ألسنة السلف؛ لأنهم عارضوا به النصوص، حتى قال بعض الأئمة: إنهم أعيتهم النصوص أن يحفظوها، فلجئوا إلى الرأي، فقالوا بآرائهم لما عجزوا عن حفظ النصوص، وإلا فالمعول على الرأي وإلا على النص؟ على النص بلا شك، وآراء الرجال لا شك أنها نابعة عن تعظيمهم، والاقتداء بهم، وأنها تحول بين المرء المسلم -ومع الأسف بعض طلاب العلم- وبين قبول الحق، يعني آراء الرجال أحياناً يقال لزيد من الناس: صنيعك هذا حرام، الإسبال حرام، يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ما أسفل من الكعبين ففي النار)) يقول لك: المذهب كراهيته، أقول لك: قال رسول الله وتقول: المذهب؟! ابن عباس -رضي الله عنهما- وهو مستند إلى رأي أبي بكر وعمر المخالف؛ لما قال ابن عباس: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا، قال: قال أبو بكر وعمر، يعارض رأي الرسول برأي أبي بكر وعمر، ومن مثل أبي بكر وعمر؟ ومع ذلك يقول ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر، هل يقابل هذا بهذا؟ لو الأمة كلها مع أنها معصومة من أن تجمع على ضلالة جاءت بما يخالف ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فالعبرة بما ثبت عنه. ودع عنك آراء الرجال وقولهم ... . . . . . . . . . ابن القيم -رحمه الله- يقول: والله ما خوفي الذنوب وإنها ... لعلى سبيل العفو والغفرانِ لكن خوفي أن يزيغ القلب عن ... تحكيم هذا الوحي والقرآنِ ورضاً بآراء الرجال وخرصها ... لا كان ذاك بمنة الرحمنِ وكثير من المقلدة أتباع الأئمة تجدهم يقعون في مثل هذا، نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

بلا شك، وما تقوله من هجمة على الأئمة وعلى كتب الأئمة، بل تطاول الأمر إلى أن أحرق بعض الكتب، هذا رد فعل للتقليد الجامد، والعمل بآراء الرجال المجردة دون أدلة، جاءت ردة الفعل بأن تطرح آراء الرجال وأقوال الرجال وكتب الرجال، ما لها داعي، علينا بالكتاب والسنة فقط، ويوجه الشباب إلى التفقه من الكتاب والسنة، وهذه لا شك أن الدعوى دعوى طيبة وهي الأصل، لكن من يوجه له مثل هذا الكلام هذا تضييع له، هذا تضييع لطالب العلم الذي لم يتأهل أن يتجه للتفقه من الكتاب والسنة؛ لكنه إذا تأهل لمعرفة النصوص، وحفظ النصوص، وعرف كيف يتعامل مع النصوص صار فرضه العمل بالنصوص، خلافاً لمن يقول: ولا يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة ولو خالفت الكتاب والسنة وقول الصحابي، قال هذا الكلام بالحرف؛ لأن العمل بظواهر النصوص من أصول الكفر، هذا قيل في حاشية الصاوي على الجلالين عند تفسير قول الله -جل وعلا- في سورة الكهف: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ} [(23 - 24) سورة الكهف] هو ما أدري ويش علاقة هذا الكلام بهذه الآية؟ طالب:. . . . . . . . . غير المتأهل؟ طالب:. . . . . . . . .

أنا أتكلم عن غير المتأهل، لا يحمل الكلام على غير مأخذه، غير المتأهل طالب علم مبتدئ يخاطب دورة علمية لطلاب مبتدئين في المتوسط والثانوي، ومن في حكمهم ممن بلغ ما بلغ من السن وما تعلم علم على الجادة، يقال له: استنبط من الكتاب والسنة! ويش يبي يعمل من السنة؟ يبي يبدأ بأي كتاب؟ كيف يوجه هذا الذي يعمل من السنة؟ بأي كتاب يبدأ؟ بالبخاري، طيب إذا كان البخاري فيه أحاديث في أوله منسوخة بأحاديث في آخره، منسوخة بأحاديث في مسلم، مقيدة في حديث في السنن، كيف يعمل مثل هذا؟ كيف يعرف يتعامل مع النصوص حتى لو كان المقيد؟ لو كان الناسخ بعده ما عرف يتعامل، في صحيح مسلم: باب الأمر بقتل الكلاب، قرأ هذا الباب وأخذ المسدس وطلع كلما شاف كلب أفرغ في رأسه رصاصة، من الغد، درس الغد مباشرة باب نسخ الأمر بقتل الكلاب، ويش يسوي هذا، مثل هذا يتفقه من الكتاب والسنة؟ نعم إذا تأهل فرضه الاجتهاد، إذا تأهل لا يجوز له أن يقلد الرجال، أو يترك قال الله وقال رسوله لآراء الرجال، أبداً، إذا تأهل فلا بد من التفريق بين هذا وهذا، وآراء الرجال لا شك أنها لا يمكن أن تعارض بما ثبت عن الله وعن رسوله، نعم أفهام الرجال لكلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- يستفاد منها، يعني فرق بين أن تعتمد رأي العالم، وبين أن تعتمد فهم العالم لهذا النص، فيكون عمدتك النص، ما هو عمدتك رأي الرجل، لكن أنت قصرت عن فهم هذا النص تستفيد من رأي العالم. ودع عنك آراء الرجال وقولهم ... فقول رسول الله أزكى وأشرحُ ولا يمكن أن يقدم رأي أحد كائناً من كان على قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-. ولا تكُ من قوم تلهوا بدينهم ... فتطعن في أهل الحديث وتقدحُ

هذا شأن الذين يتلاعبون بالأحكام، يتلاعبون بالأوقات، ويتلهون بالقيل والقال عن معاناة النصوص، وفهم النصوص، والعمل بالنصوص، لا يكون لهم رأس مال إلا القيل والقال، فإذا أورد عليهم كلام ينقض أقوالهم بالدليل عن أحد من أهل التحقيق طعن فيه، فلان ما يفهم، وقيل لشخص يعني كبير في السن ودكتور في تخصصه قيل له: الشيخ ابن باز يقول كذا، قال: ويش؟ حفظ كم نص، وعلى حد زعمه أن الشيخ ما يعرف كيف يتعامل مع النصوص؛ لأنه ما أوغل في علم الأصول مثل ما أوغل هو، ما هو بمثل هذا هو الذي يطعن في أهل الحديث؟ لماذا؟ لأنه أورد عليه من كلام الشيخ ما يدمغ قوله، فما له من الجواب إلا مثل هذا، ويش يقول؟ يقول: أنا أعرف من الشيخ بثبوت الحديث وعدمه؟ ما يمكن يقول هذا الكلام، ما يمكن إلا أن يقول يصادر، يصادر المعرفة يجعلها له، حفظ كم نص وبعدين؟

هؤلاء الذين اشتغلوا بآراء الرجال وصار معولهم عليها، وتركوا النصوص هذه أجوبتهم، إذا قيل مثلاً لشخص من متعصبة المذاهب: الحكم كذا بدليل قول الله -جل وعلا- كذا، بدليل قول الرسول -عليه الصلاة والسلام- كذا، قال: لكنه خبر فيما تعم به البلوى، ولم يثبت نقله بطريق ملزم، يعني ما نقله إلا آحاد من الناس، أو قال: زيادة على النص، أو قال: كذا وكذا، هل تُدفع النصوص الصحيحة الصريحة بمثل هذا الكلام؟ بآراء الرجال؟ لا يمكن، وهذه عادة المفاليس إذا أورد عليهم شيء فتوى مبنية على الدليل قال: هذا ما يعرف كيف يتعامل مع النصوص، لكن ما الفائدة من معرفة كيفية التعامل بدون نصوص، افترض أن شخص ديدنه وعمدته على أصول الفقه عمره كله، لكن ما حفظ نصوص ويش يستفيد؟ يستفيد شيء؟ ما يستفيد شيء، يعني لو صار مثلاً أمهر الناس في إصلاح الساعات أو السيارات مثلاً، وما فتح محل، ولا عرفه الناس، وكل من قال له: فلان صلح السيارة كذا قال: ما يفهم، وبعدين أنت اللي تفهم؟ وبعدين ويش صار؟ ويش سويت؟ فلا بد أن يكون مع معرفته في كيفية التعامل مع النصوص أن يكون عنده نصوص يتعامل بها، ولو كان من أعرف الناس وأبرع الناس في أمور التجارة أو أمور الزراعة أو أمور الصناعة، لكن ما عنده مزرعة ولا عنده مصنع، ولا عنده محل، ويش الفائدة؟ فمثل هذه الأمور التي هي وسائل لفهم النصوص إنما تنفع مع وجود النصوص، نفعها مع وجود النصوص، أما يأتي شخص ما عنده شيء من النصوص، ما عنده شيء، يخرج الحديث في رسالته من مصادر لا تمت للحديث بصلة، ثم يقول لك: إن فلان ما يعرف شيء، حفظ حديثين أو ثلاثة وصار .. ، ومثل هذا في الغالب الذي يقع في أهل الحديث مثل هذا يعاقب -نسأل الله السلامة والعافية- إن سلم من الفتنة في آخر عمره، مثل هذا يعاقب بنسيان ما تعلم، أو بمصيبة، وشواهد الأحوال كثيرة من أول الزمان إلى يومنا هذا، كم إنسان تصدى للأخيار فعوقب، وما يدخر له عند الله -جل وعلا- الله أعلم به.

المقصود أن أهل الحديث هم الفرقة الناجية، وهم الطائفة المنصورة في قول الإمام أحمد "إن لم يكونوا أهل الحديث فمن هم؟ فليكن لسان الإنسان لهجاً بالثناء عليهم لا لذواتهم، إنما ليحملونه من إرث النبوة، فهم ورثة الأنبياء، وليصن الإنسان لسانه عن كل أحد إلا من يخشى أن يتعدى ضرره، ولم يمتثل النصح، فمثل هذا يبين خطؤه المتعدي خوفاً على الناس من أن يلبس عليهم، أو يغتروا به، مثل هذا لا مانع أن يسمى، إذا لم يكن القصد التفكه في عرضه وبقدر الحاجة، لا بد أن يكون الكلام بقدر الحاجة، وأن يكون أيضاً .. أولاً: أن يكون الكلام بقدر الحاجة، وأن يكون القصد بيان الحق، وألا يجدي النصح والمناقشة، إذا أجدى النصح لا يعدل إلى الإعلان، إذا لم يجدِ فيكون الكلام بإنصاف وعدل، وألا يزيد على قدر الحاجة، وأن يكون الهدف الحق وبيانه، والخوف على عموم المسلمين من ضرر هذا الشخص الذي يريد أن يضلهم. إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه ... . . . . . . . . . العقيدة الصحيحة السليمة، أو هذه المنظومة التي جاءت فيها هذه الأمور العظيمة (إذا) شرط (ما) هذه زائدة، يعني إذا اعتقدت الدهر طول حياتك، وإن كنت على عقيدة غيرها فلا تيأس إنما عليك أن تتوب إلى الله -جل وعلا-، وتعتقد هذه العقيدة، وتبين لمثل هذه الأمور، لا سيما من له كلام ينتشر في الناس، سواءً كان في دروس أو في مناسبات، أو في كتب ومؤلفات، مثل هذا لا بد من البيان {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ} [(160) سورة البقرة] لا بد أن يهدم ما كان عليه من باطل، ويسعى في إصلاح من تسبب في ضلالهم، فالإنسان إذا ما اعتقد الدهر ما في هذه المنظومة، وفي غيرها مما لا يحتمله مثل هذه المنظومة المختصرة مما يعتقده أهل السنة والجماعة المتبعون للنصوص. . . . . . . . . . ... فأنت على خير تبين وتصبحُ تبيت تنام على خير، وتصبح على خير، تنام على خير، تستيقظ على خير، تمسي على خير تصبح على خير، ما دمت معتقداً لهذه العقيدة السليمة الصافية من المصدر من مصادرها الأصلية؛ لأن العلم الحقيقي إنما مصدره كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

§1/1