شرح المنظومة البيقونية ليوسف جودة

يوسف بن جودة الداودي

جامعة الأزهر كلية أصول الدين والدعوة الإسلامية بالمنوفية شرح المنظومة البيقونية في علم مصطلح الحديث الدكتور يوسف بن جودة يس الداودي عضو هيئة التدريس جامعة طيبة المدينة المنورة

_ مستلة من حولية كلية أصول الدين والدعوة بالمنوفية العدد الرابع والثلاثون لعام 1436 هـ - 2015 م والمودعة بدار الكتب تحت رقم 6157/ 2015 دار الأندلس للطباعة - أمام كلية الهندسة - عمارات الزراعيين - شبين الكوم ت: 0482222090

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أّن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أَنَّ محمداً عبْدُهُ ورسولُهُ. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تسآءلون بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71]. أما بعد، فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة (¬1). الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اسْتَخْلَصَ الْعُلَمَاءَ بِعِنَايَتِهِ وَجَمِيلِ لُطْفِهِ مِنْ غَيَاهِبِ الْجَهَالاتِ، وَجَعَلَهُمْ أُمَنَاءَ عَلَى خَلْقِهِ يَقُومُونَ بِحِفْظِ شَرِيعَتِهِ حَتَّى يُؤَدُّوا إلَى الْخَلْقِ تِلْكَ الأَمَانَاتِ، فَهُمْ مَصَابِيحُ الأَرْضِ وَخُلَفَاءُ الأَنْبِيَاءِ، يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ، وَيُحِبُّهُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ، فإنَّ مِن أَعْظَم الْمِنَن أَنْ يُوَفَّق العبد لمعرفة حديث خير البَريَّة ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند، من حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنه -، طبعة مؤسسة الرسالة 1421 هـ، بيروت، ق: شعيب الأرنؤوط، (22/ 237)، برقم (14334)، وأخرجه ابن ماجه في السنن من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، كتاب الإيمان، بَابُ اجْتِنَابِ الْبِدَعِ وَالْجَدَلِ، طبعة دار إحياء الكتب، ق: محمد فؤاد عبد الباقي، (1/ 18)، برقم (46).

- صلى الله عليه وسلم -، ويميز الصَّحيح من الضَّعيف، ليعبد الله عزَّ وجلَّ علي بصيرةٍ؛ وحتى لا يُحَدِّث بحديثٍ إلا وهو ثَابتٌ عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يُحَدِّث بِكُلِّ ما يسمع، فإن ذلك قد يوقعه في الوعيد الذي ورد في صحيح مُسْلِمٍ: عَنِ الْمُغِيرَة بْنِ شُعْبَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ قَالَ: رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ» (¬1). فلا مِرْيَة أنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ هُم الرِّجال الذين نَدَبُوا أنفسهم للقيام بحق حديث رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والدِّفاع عنه، قال سُفْيَانُ الثَّوْريّ: "الْمَلائِكَةُ حُرَّاسُ السَّمَاءِ، وَأَصْحَابُ الحَدِيثِ حُرَّاسُ الأَرْض" (¬2)، فقاموا بتأصيل علم الحديث، وتفريع فروعه، وكتبوا تلك القواعد والأصول في مُصَنَّفَات، ونَظَمُوا لها الْمَنْظُومَات فكان من أشهر تلك الْمَنْظُومات في علوم الحديث قصيدة غرامي صحيح في ألقاب الحديث لشهاب الدين أحمد بن فرج الأشْبِيليّ (ت: 699 هـ)، وألفية العراقي المسماة بـ: التَّبصرة والتَّذكرة في علوم الحديث، لأبي الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين (ت: 806 هـ)، وكذا ألفية الحديث، لعبد الرَّحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (ت: 911 هـ)، وغيرها من الْمَنْظُومات في علم الحديث. وكان من أهم تلك الْمَنْظُومات المَنْظُومَة البَيْقُونِيَّة، لعمر - أو طه - بن محمد بن فتوح البَيْقُونِي الدِّمَشْقِيّ، كان حيًا سنة 1080 هـ، وتَبرُز أهميتها في مُنَاسَبَتِها للمبتدئين من طلاب العلم، فهي منظومة من بحر الرجز تقع في (34) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في صحيحه، المقدمة، بَابُ وُجُوبِ الرِّوَايَةِ عَنِ الثِّقَاتِ، طبعة دار إحياء التراث، بيروت، ق: محمد فؤاد عبد الباقي، (1/ 8). (¬2) شرف أصحاب الحديث، أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت: 463 هـ)، دار إحياء السنة النَّبوية، أنقرة (ص 44).

الدراسات السابقة

بيتًا كما ذكر المؤلف ذلك في آخرها بقوله: "فَوْقَ الثَّلاثيَن بأرْبَعٍ أتَت ... ْأقْسامُهَا ثمَّ بخيٍر خُتِمتْ". وذكر العلماء أن من سمة العالم الرَّبَّانِيّ أنَّه يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ العِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ (¬1)، فإنَّ النَّاسَ ليسوا على مستوى واحد من التَّيقُّظ والضَّبْط والحفظ، وليسوا كذلك في مستوى واحد من الاهتمام والتَّثَبت والدِّقَّة. فلابد من محقق وضابط وشارح لتلك الأصول بطريقة سهلةٍ مُيسَّرة، ولا يخفى أنَّ لكل عصر مفاهيم واعتبارات خاصة به فينبغي على الشارح أن يسلك أيسر السُّبل، ويختار أدق العبارات التي توصل الطالب لفهم تلك الأصول والمصطلحات الخاصة بأهل الحديث. الدِّرَاسَات السَّابقة: لقد حازت المَنْظُومَةُ البَيْقُونِيَّة عِنْدَ أهل الحديث أهميةً بالغة، إذ أنَّ لَهَا شُرُوحًا كثيرة، واعتنى بها عدد من الأفاضل المختصين بهذا الشأن بالشرح والضبط والتَّعليق، فكان من أشهر تلك الشروح على المَنْظُومَةِ البَيْقُونِيَّة: 1 - تلقيح الفكر بشرح منظومة الأثر، لأحمد بن محمد الحموي (ت 1098 هـ) (¬2). 2 - شرح منظومة البَيْقُوني، لمحمد بن أحمد البديري الدُّميَاطِي (ت 1140 هـ) (¬3). ¬

_ (¬1) ذكره البخاري في صحيحه، كتاب العلم، بَابٌ: العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ، طبعة دار طوق النجاة، محمد زهير بن ناصر الناصر، (1/ 24). (¬2) هدية العارفين، لإسماعيل باشا الباباني البغدادي (5/ 300) طبعة إستانبول 1951 - 1955 م، وفهرس دار الكتب المصرية (1/ 184). (¬3) فهرس الفهارس، لعبد الحي الكتاني (ت: 1382 هـ)، طبعة دار الغرب الإسلامي - بيروت 1982 م، (1/ 216 - 218)، ومنه بدار الكتب المصرية نسختان كما في فهرستها (1/ 257).

3 - شرح المَنْظُومَةِ البَيْقُونِيَّة، لحسن بن غالي الأزهري الجداوي (ت 1202 هـ) (¬1). 4 - شرح المَنْظُومَةِ البَيْقُونِيَّة، لمحمد بن عبد الباقي الزّرقاني (ت 1122 هـ) (¬2). 5 - الكواكب النُّورانية على البَيْقُونِيَّة، لعبد الله بن علي الدمليجي (ت 1234 هـ) (¬3). 6 - لطائف منح المغيث في مصطلح البَيْقُونِي في الحديث، لمحمد بن عثمان الميرغني المكي الحنفي (ت 1268 هـ) (¬4). 7 - البهجة الوضية شرح متن البَيْقُونِيَّة، لمحمود بن محمد بن عبد الدائم الشهير بنشابة المتوفي سنة (1308 هـ)، طبع سنة (1328 هـ). 8 - الدرة البهية في شرح المنظومة البيقونية، شرح الشيخ محمد بدر الدين بن يوسف المدني الدمشقي المتوفي سنة (1354 هـ) منه نسخة في الخزانة العامة في الرباط (¬5). 9 - التَّقْرِيرَات السَّنية شرح المَنْظُومَة البَيْقُونِيَّة في مصطلح الحديث، لحسن بن محمد المشاط المالكي (ت: 1399 هـ)، طبع شرحه في جدة عام ¬

_ (¬1) هدية العارفين (5/ 300). (¬2) المطبوع مع حاشية الشيخ عطية الأجهوري (ت: 1190 هـ)، طبعة دار الكتب العلمية 1425 هـ، بيروت، ق: صلاح محمد عويضة. (¬3) الفهرس الشامل، طبعة مؤسسة آل البيت، (2/ 1320/حديث). (¬4) الفهرس الشامل، طبعة مؤسسة آل البيت، (2/ 1335 - 1336/حديث). (¬5) منها صورة في مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية برقم (6439 ف).

مشكلة الدراسة

1392 هـ، وطبع أيضاً في دار الكتاب العربي ببيروت عام 1417 هـ، وطبع طبعات أخرى غير هاتين الطبعتين. 10 - الثمرات الجنية شرح المَنْظُومَةِ البَيْقُونِيَّة، للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين اعتنى به الشيخ سعد بن عبد الله السعدان، طبعته دار العاصمة للنشر والتوزيع في الرياض الطبعة الأولى سنة (1417 هـ). 11 - شرح المَنْظُومَةِ البَيْقُونِيَّة، للشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421 هـ)، وطبع شرحه بالقاهرة عام 1415 هـ. مشكلة الدِّرَاسَة: إنَّ البُحوثَ التي عنيت بشرح المنْظُومَةِ البَيْقُونِيَّة وأعمل عُلمَاءُ المسلمين قرائحهم فيها على كثرتها وعظيم فائدتها وإثرائها للمكتبة الإسلامية إلا أنَّ بعضها كان كثير الإسهاب والإطناب في ذكر أقوال المحدثين، ومسائل الخلاف في علم المصطلح التي حيرت عقول أفذاذ العلماء، وكل ذلك يُقَدم في قالبٍ علمي قديم لا يعرفه إلا المتمرسين في هذا الفن، فقول لي بربك كيف يصلح هذا الإسهاب والتَّطويل لطالب العلم المبتدئ؟ ؛ ولهذا السبب بدا لنا من الضَّرُوري أن نتناول الموضوع من جديد، وأن نعالجه تبعًا لفهم طلاب العلم في هذا العصر، فإنَّ لكلِّ علمٍ باب يوصل إليه بأقصر سبيل، وأيسر طريق، وأوضح دليل. هذا إلى جانب أنَّ هذه المنْظُومَة لم تستوعب جميع أنواع علوم الحديث، وربما ذَكر النَّاظم فيها أكثر من نوع تحت باب واحد دون استيعاب لبقية الأنواع التي تندرج تحت هذا الباب؛ وتأخير ما حقه التَّقديم وغير ذلك؛ لذا كان لزامًا علينا أن نقدم بعض الأنواع مثل: "الحديث الموقوف" فقد تم تقديم شرحه مع الحديث المرفوع والمقطوع لمناسبته للباب، كما نبهتُ إلى بعض النقص في

خطة البحث

المنْظُومَة كما في تعريف حَدِّ "الحديث الضَّعيف"، بالإضافة إلى ذِكر بعض أنواع الحديث التي لم يذكرها النَّاظم ويحتاج إليها المبتدأ كمبحث "الحديث الحسن لغيره"، وما كان على شاكلته، ولم أستوعب جميع ما فات النَّاظم من الأنواع، لِعِلْمِى أنَّ ذلك لا يفيد الْمُبْتَدأ بل يَضُّرّه، فتركتها حتى لا يَمَلّ من ليس له دِرَاية؛ لأنَّ المقام ليس مقام بسط الأنواع، وإنما مقَام إعلام وشرح لينتفع به المبتدِئون، ومما سبق وبعد الوقوف على أشهر شروح المنْظُومَة، يُدْرك القارئ الواعي مدى إضافة هذا الشَّرح لطلبة العلم في هذا العصر إضافة ذات قيمة لا تقدر في هذا الباب، من حيث المنهج والأسلوب والتقسيمات والخرائط الذِّهنية، ولسوف يفيد منها المبتدئ سعةً، وعمقًا، وتَعلمًا - إن شاء الله تعالى-، ولا يستغني عنها المنتهي. خطة البحث: البحث ويشتمل على: - المقدمة وفيها: أهمية الدِّراسة، وأسباب اختيار الموضوع، والدِّرَاسَات السابقة، مشكلة الدِّرَاسَة، وخطة الدِّراسة، ومنهج الدِّراسة. - شرح المنْظُومَة البَيْقُونِيَّة وقد شمل تعريف أقسام الحديث: - من حيث اعتبار القبول والرد. وفيه الحديث الصحيح، والحسن، والحسن لغيره، والضعيف، والتمثيل لكل نوع. - من حيث اعتبار من أُسْنِدَ إِليهِ. وفيه تعريف المرفوع، والموقوف، والمقطوع، والتمثيل لكل نوع. - من حيث اعتبار عدد طرق الحديث. وفيه تعريف المشهور، والعزيز، والغريب، والتمثيل لكل نوع.

منهج الدراسة

- ثم ذكر أنواع الحديث الضعيف. وقد فُصِّل فيها أنواع الحديث الضعيف مثل المرسل، والمنقطع، والشاذ، والمعلل، والموضوع، وغير ذلك من الأنواع التي ذكرها النَّاظم. - الخاتمة: وفيها أهم النتائج والتَّوصيات. - ثبت المصادر والمراجع - الفهارس العلمية: فهرس الآيات القُرْآنِية. فهرس الأَحَادِيثِ والآثَارِ المذكورة في الشَّواهد. فهرس الْمُصْطلحات الْحَدِيثِية الوَارِدة في الدِّراسة. فهرس الْمَوْضُوعَات منهج الدِّرَاسَة قد سَلكتُ في شرح هذه المنظومة المباركة سبيل من قال: "لا خَيرَ في حَشوِ الكَلامِ إِذا اهتَدَيتَ إِلى عُيونِه"؛ فجعلتُ الشَّرح بألخص عِبَارة، وأَيْسَر إشارة ليسهل تناوله، وبالإيجاز غير المخل، ولم أُطلْ النفس في التِّعريفات والمصطلحات مما لا طائل وراءه، فقسمت أنواع الحديث من حيث الاعتبارات إلى أقسام ثلاثة، ورسمت لها الخرائط الذهنية، ثم شرحت بالتَّحقيق كُلّ نوع من أنواع الحديث المذكورة في المنظومة، وبيان مراد النَّاظم منها، والتنبيه على ما يُشْكَل من المصطلحات كالمنقطع والمقطوع وغيرهما، وقد أفرغتُ جهدي في اختيار الأمثلة لتقع موقع البيان الشَّافي لمعنى حَد الحديث المذكور، وضربت الأمثلة لفروع تلك الأنواع، وأعقبت ذلك بتنبيهات في نهاية كل نوع، وفي كل هذا لم آل جهدًا في تيسير واختيار العبارات المناسبة في تعريف مصطلحات

عملي في تحقيق نص المنظومة البيقونية

الحديث، وبيان علاقات المصطلحات والمفردات بعضها ببعض؛ فإن خصائص كثير من الأشياء لا تظهر إلا بمعرفة العلاقات والفروق بينها. فجاء هذا الجزء اليسير مُلِمًّا بغالب أنواع الحديث وتحريرها بأُسْلُوبٍ سَهْلٍ قَرِيب مِن المبتدأ، وقد جمعتُ فيه أَخْبَارًا نَيرات مع الشَّرح والتعليق مُسْتَندا بما حرَّره العلماء الفُحول، وحبَّره أئمة الحديث، وأَذْعَنَ له جمهُورهم بالتلقي والقبول، ومَقَالات أَهْلِ العلم والبَاحِثِين في هذا الشأن ممَّا وقفتُ عليه، جَامِعًا لأَشْتَاتِ ما تَفَرَّق في الدَّواوين، سَائِلاً الله العظيم بفضلهِ ومَنِّهِ أَنْ يَجْعَله خَالصًا لِوَجْهِهِ الكَرِيم، وأَنْ يَجْعَله مُفِيدًا دَومًا لطلاب عِلْمِ الحديث فِي مشارق الأرض ومغاربها، فإنَّهُ سُبْحَانه هو وَحْدَهُ القَادُرُ عَلَى ذَلِكَ، وهُو السَّميعُ العَلِيمُ. عملي في تحقيق نص المنْظُومَة البَيْقُونِيَّة قد أوليتُ المنْظُومَة البَيْقُونِيَّة عنايةً بالغةً بضبط نصها وتحقيقها على أفضل النسخ الخطية، فقابلتُ المتن على نسختين من نفائس النسخ الخطية عتيقةٍ ومتقنةٍ، وكذلك النسخ المطبوعة للشروح، ثم قمت بضبط أبيات المنْظُومَة ضبطًا جيدًا، وتصحيح التصحيف والسقط، وعلّقتُ على بعض المواطن التي تستوجب التعليق كي يزداد النفع، مما لا يخفى على من يراجع كتابنا هذا، وكانت نسخ متن المنْظُومَة التي اعتمدنها في هذا الشرح هي:

1 - مخطوطة متن المنْظُومَة البَيْقُونِيَّة المحفوظة في بدار الكتب المصرية تحت رقم: (180) مصطلح الحديث، تاريخ النسخ: 1232 هـ، اسم الناسخ: محمد حسن أبو بكر، عدد الأوراق: (4 ق)، المقاس: (17 X 24)، وهي نسخة قيمة وموثقة، ورمزتُ لها بالرمز (أ)، وهذا هو الوجه الأول منها: (صورة مخطوط)

2 - مخطوطة متن المنْظُومَة البَيْقُونِيَّة المحفوظة في بدار الكتب المصرية تحت رقم: (179) مصطلح الحديث، تاريخ النسخ: لم يعرف، اسم الناسخ: لم يعرف، عدد الأوراق: (2 ق)، المقاس: (15 X 20)، وهي نسخة واضحة الخط، ورمزتُ لها بالرمز (ب)، وهذا هو الوجه الأول منها. (صورة مخطوط)

ترجمة الناظم

ترجمة النَّاظم الْمُتأَمِّلُ الْمُنْصِفُ يجد أَنَّ البَيْقُونِي رحمه الله على الرغم من أنَّه لم يكن مشهورًا بين النَّاس، ولا يُعْرَف له ترجمة عن حياته وشيوخه وتلاميذه ونحو ذلك - كما أفاد ذلك جمع من الشُّرَاح ممن هو قريب العهد بالنَّاظم (¬1) - ولا يُعْلَم له مؤلفات إلا هذه المنظومة، نَشَراللهُ عِلْمَهُ بين النَّاس واستفاد منه الكبير والصغير والقاصي والداني؛ فإنَّه بذلك أشبه السلف رضوان الله عليهم قَدَرًا؛ فإنَّ أَئِمَّةَ السَّلفِ رضوان الله عليهم كانوا أكثر علمًا وأقلّ كلامًا، وأكبر نفعًا، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ رحمه الله: "وانظر إلى أَكَابِر الصَّحابة وعُلَمَائِهِم كأَبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ، ومُعَاذٍ، وابْنِ مَسْعُودٍ، وزَيدِ بنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنهم - كيف كَانَ كلامهم أَقلّ من كَلامِ ابنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - وهُم أَعْلمُ منه، كذلك كلام التَّابعين أكثر من الصَّحابة والصَّحابة أعلم منهم؛ فليس العِلم بكثرة الرِّواية ولا بكثرةِ المقال؛ ولَكِنَّهُ نُور يقْذِفُه اللهُ في قَلْبِ العبد المؤمن فَيَفْهَم بهِ الْحَقَّ، ويُمَيِّز به بَيْنَهُ وبَيْنَ البَاطل، ويُعبر عَنْ ذَلك بِعِبَاراتٍ وَجِيزةٍ مُحَصلة للمقَاصِد" (¬2). رَزَقَنَا اللهُ حُبَّهُم، وجَعَلنا من حِزبهم، ومَلأ قُلُوبَنَا من مَعَارِفِهم وعُلُومِهم. اسم النَّاظم: كما في مخطوطات المنْظُومَة البَيْقُونِيَّة، عمر - أو طه - بن محمد بن فتوح البَيْقُونِي الدِّمَشْقِيّ، وأَنَّه توفي سنة 1080 هجرية، أو كان حياً قبل ذلك ¬

_ (¬1) قال الحموي (ت: 1098 هـ) في شرحه تلقيح الفكر بشرح منظومة الأثر: (ولم أقف للنَّاظم رحمه الله تعالى على ترجمة يعلم منها اسمه وحاله ولا أدري ما هذه النسبة هل هي لبلدة أو قرية أو أب أو جد"، الشرح مخطوطة منها صورة في مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. (¬2) فضل علم السلف على الخلف، لعبد الرحمن بن رجب الحنبلي (ت: 795 هـ)، (ص 5).

العام من غير أن يُعرف تاريخ وفاته على وجه التحديد. وأما النسبة "البَيْقُونِي"، فقد قال الشيخ بدر الدين الحسني (ت: 1354 هـ) في آخر صفحة من شرحه المسمى بـ (الدرر البهية) ما نصه: " ... [البيقوني] توقَّف في هذه النسبة غالب من كتب هنا، ورأيت لبعضهم أنها إلى بيقون قرية في إقليم أذربيجان بقرب الأكراد". وأما "الدِّمَشْقِيّ"، فقد يكون أصله من أذربيجان لكنَّه هو أو آباؤه وأجداده ممن سكن دمشق فَنُسِبَ إليها.

بسم الله الرحمن الرحيم شَرحُ الْمَنْظُومَةِ البَيْقُونِيَّةِ 1 - أبدأُ بالحمدِ مُصَلِّيًا عَلَى ... مُحَمَّدٍ خَيْرِ نبيٍّ أُرْسِلا 2 - وذِي من أقْسَامِ الحَدِيثِ عِدَّهْ ... وَكُلُّ واحدٍ أَتَى وحدَّه قَالَ النَّاظمُ رَحِمَهُ الله: ... أَبدأُ مَنْظُومَتِى بِالْحَمْد لله تَعَالَى اقْتِدَاءً بِالْكتابِ الْعَزِيز، مُصَلِّيًا أَي: أُصَلِّي فَهِيَ حَال للتَعْبِير عَلَى دَوَامِ الصَّلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -، [وَمُسَّلمًا] عَلَى سيدنَا مُحَمَّد خير نَبِي أُرْسِلا أَي: أنَّ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - هو خَير من أُرْسِلَ للخَلقِ، واستخدم النَّاظم في أُرْسِلا ألف الإطلاق للدَّلالة على أنَّه أفضل من أُرْسِل، وذِي اسم إشارة إلى الْمَنْظُومَةِ وما تَحويهِ مِنْ أَقْسامِ الحديث، وعبر النَّاظمُ بـ مِنْ للتبعيض لأنَّه لم يَذكُر مِنْ أنواع الحديث إلا اثنتين وثلاثين نَوعًا؛ في حين أن ابن الصَّلاح ذَكَرَ بضعة وستين نَوعًا، قَولُهُ: عِدَّه أي أَنَّ هذه الأنواع كثيرة جدًا، والتَّحقيق أَنَّ كُلَّ هذه الأنواع تدخل تحت ثلاثة أقسام الصَّحيح والحسن والضعيف، وَكُلُّ واحدٍ أَتَى وحدَّه: بِالدَّال الْمُشَدّدَة الْمَفْتُوحَة أي كُلّ نوع مِنْ هذه الأنواع يأتي في هذا النَّظم مع تعريفه الاصطلاحي الجامع المانع الذي يُمَيِّزُهُ عن غيره، وأصل التقسيم في مُصْطَلحِ الحديث يكون من ثلاث جهات: 1 - من حيث اعتبار القبول والرد. 2 - من حيث اعتبار من أُسْنِدَ إِليهِ. 3 - من حيث اعتبار عدد طرق الحديث.

الحديث الصحيح

وموضوع علم الحديث معرفة الرَّاوي (الإسناد)، والمروي (المتن) من حيث القبول والردّ، وإليك هذه الخريطة الذِّهنية لِغَالب أَقْسَام الحديث؛ حتى يكون عندك تصور إجمالي لها. خريطة ذهنية لأقسام الحديث الحدِيثُ الصَّحِيحُ: ثم بعد أبيات المقدمة فِي الْمَنْظُومَة بَدأَ النَّاظمُ رحمه الله بأَوْلِ أَقْسَام عُلُومِ الحديث وهي من حيث اعتبار القبول والرد؛ فبدأ بالحديث الصَّحيح، وما يُمَيِّزُهُ عن غيره فقال: 3 - أوَّلُها الصَّحِيحُ وَهْوَ مَا اتَّصل ... إسْنَادُهُ وَلَمْ يَشُذَّ أَوْ يُعَلْ 4 - يَرْوِيهِ عَدْلٌ ضَابِطٌ عَنْ مِثْلِه ... مُعْتَمَدٌ فِي ضَبْطِهِ وَنَقْلِه أوَّلُها: أي أول أقسام الحديث، الصَّحِيحُ: في اللُّغةِ ضد المريض، وفي الاصطلاح عَرَّفه النَّاظمُ رحمه الله بشروطه وأوصافه، وهَذَا نَوْعٌ مِن أَنْواعِ تعريف الحد الاصطلاحي، أَنْ يُذكر التَّعريف بِذِكر الشُّروط، ويكون التَّعريف بالمثال أحيانًا، وكذا قد يكون التَّعريف بالماهية أَحيانًا، قَولُهُ: وَهْوَ أي حَدُّ الحديث الصَّحِيح، مَا اتَّصل إسْنَادُهُ: أي الشرط الأول: الاتصال في السند، وتعريف الإسناد: هُوَ حكاية طَرِيق الْمَتْن، أي سلسلة الرَّواة الذين رَوُوا متن

الحديث، وأما الاتصال في السند يَعنِي: أَنْ يروي كُلُّ رجل في الإسناد عن شيخه الذي فوقه من غير واسطة بينهما من أول السند إلى منتهاه. خريطة ذهنية لأقسام الحديث من حيثُ اعتبار القبول والرد قَالَ النَّاظمُ: وَلَمْ يَشُذَّ، يَصِحُ أَنْ تقول: "يَشُذّ أو يَشِذّ"، أي الشرط الثاني: سَلامَةُ الحديثِ من الشُّذُوذ وهو عند أَهْلِ اللغة: الإنفراد، وقال بعضهم إنَّ الشُّذُوذ هو الْمُخَالَفة، والشُّذُوذ في الاصطلاح: هو ما رواه الثقة مُخَالفًا لمن هو أَوثَقُ منه، أو مُخَالفًا لجماعةٍ من الثِّقَات، قَوْلُهُ: أَوْ يُعَلْ أي الشرط الثالث: سَلامَةُ الحديثِ مِنَ العِلَّةِ وهي عند أَهْلِ اللغة: المرض، والعِلَّةُ في الاصطلاح: هي سَبَبٌ غَامِضٌ خَفيٌّ يَقْدحُ في صِحَّةِ الحديث، مع أنَّ الظاهر السَّلامة منه، وبين العِلَّةِ والشُّذُوذ عُمُوم وخُصُوص مُطلق، فَكُلّ شُذُوذ عِلَة، وليس كُلُّ عِلّة شُذُوذًا، وكُلٌّ مِنَ الشُّذُوذ والعِلَّة نَاتِج عن خطأ الرَّاوي في حديثه؛ ولكن قد خص بعض أهل الحديث - على المشهور- الشُّذُوذ بالخطأ الذي يُسْتَدل به على تفرد الرَّاوي، والعِلَّة بالخطأ الذي يُسْتَدل به على الاختلاف بين الرواة، ولا يُدْرِك العِلَّة إِلا خَواص الْمُحَدِّثين. قَوْلُه: يَرْوِيهِ عَدْلٌ: أي الشرط الرابع: أَنْ يكونَ رُواته عُدُولاً، والعَدَالةُ: حَدَّها العلماءُ بشروط: الْمُسلم الْمُكَلف السَّالِم من الْفسق وصغائر الخسة، وأكثر أحواله طاعة الله.

الحديث الحسن

ضَابِطٌ: أي الشرط الخامس: أي يجب أَنْ يكون رواة الحديث ضابِطينَ، وهو نوعان: 1 - ضَبطُ صَدْر: وَهُوَ أَن يثبت مَا سَمعه بِحَيْثُ يتَمَكَّن من استحضاره مَتى شَاءَ. 2 - ضَبطُ كِتَاب: وَهُوَ صيانته عِنْده من يَوْم سمع مَا فِيهِ وَصَححهُ إلى أَن يُؤَدِّي مِنْهُ. قَوْلُهُ: عَنْ مِثْلِه أي يجب أَنْ يكون كُلُّ راوٍ في الإسناد مُتَّصِفًا بالعدالة والضبط عَن مثله من أَول السَّنَد إلى مُنْتَهَاه، مُعْتَمَدٌ فِي ضَبْطِهِ: إشارة لضبط الصدر، وَنَقْلِه: إشارة لضبط الكتاب. فخلاصة ذلك أنَّ الحديث الصحيح هو: مَا اتصَل إِسْنَادُه بِرِوَايةِ عَدْلٍ تَام الضَّبط مِن غَير شُذُوذٍ وَلا عِلّةٍ قَادِحة، وهو قسمان عند أهل الحديث: صحيح لذاته وصحيح لغيره، ومثال الصحيح لذاته متوفر بكثرةٍ في الصحيحين، ومثاله: قَالَ البُخَاريُّ فِي أول حَدِيثٍ في جامعه: حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ ... ابْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى المِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». الحدِيثُ الحسَنُ: ثم انتقل النَّاظمُ رَحِمَهُ الله إلى النَّوع الثَّاني من حيث اعتبار القبول والرد فقال: 5 - والْحَسَنُ المعروفُ طُرْقاً وَغَدَتْ ... رِجَالُهُ لاَ كالصَّحِيحِ اشْتَهَرَتْ

1 - الحسن لذاته

قَوْلُهُ: والْحَسَنُ أَي تَعْرِيف حَدّ الحديث الحسن هو: المعروفُ طُرْقاً: بِضَم فَسُكُون أي: أَنَّ الحديث الحسن هو الذي عُرِفَ مخرج طُرُقه يَعْنِي اتِّصَال سَنَده؛ لأنَّ مخارج الحديث تَدُور على رِجَالٍ معرفين (¬1)، مثل الزُّهريّ فِي الشَّامِيِّين، وقَتَادَة، ويَحْيَى بن أَبِي كَثِيرٍ فِي الْبَصرِيين، والأَعْمَش فِي أَهْلِ الكُوفَة، فَخَرج غير المعروف من الأحاديث الضعيفة مثل: الحديث الْمُنْقَطِع وهو الذي فيه سقط في إسناده، وتُومِئ لفظة: "المعروفُ طُرْقاً" كذلك للاحْتِرَازِ مِن الشُّذُوذ؛ لأَنَّ ما عُرِفَ مَخْرَجُه من الحديث لا يكون شاذًّا. وأمَّا قَولُ النَّاظِمِ رَحِمَهُ الله: وَغَدَتْ رِجَالُهُ لاَ كَالصَّحِيحِ اشْتَهَرَتْ: أي صَارَت رِجَال الحديث الحسن أَقلّ اشتهارًا عِنْد الْمُحدثين فِي الْحِفْظِ وَالإِتْقَانِ والضَّبط مِن رُتبة رجال الصَّحِيح، فثبت بذلك التَّعريف للحديث الحسن عند النَّاظِمِ جميع شروط الصِّحة - مع قلة الضَّبط - إلا السَّلامة من العِلَّة، وعند التَّحقيق فِي كَلامِ أَهْل الحديث، والجَمْعِ بَيْنَ أَطْرَافِ كَلامِهِمْ نجد أنَّ الحديث الحسن عندهم قِسْمَان: 1 - الحسن لذاته: وحدُّه الْجَامِع المانع هُوَ مَا اتَّصل سَنَده بِنَقْل عَدْلٍ ضَابِطٍ قَلَّ ضَبطه قلَّة لا تلْحقهُ بِحَال بِمَن يُعد تَفَرُّده مُنْكرًا، وَسلم كذلك من الشُّذُوذ وَمن الْعِلَّةِ. قَالَ ابنُ الصَّلاح فِي المقدمة: "مِثَالُهُ: حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ ... أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْلا أَنْ ¬

_ (¬1) قَالَ عَلَيُّ بْنُ المدينِي رحمه الله: " نظرت فإذا الإسناد يدور على سِتةٍ: الزُّهْرِيِّ، وعَمْرو بن دِينَارٍ، وقَتَادَةَ، ويَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، وأَبِي إسْحَاقَ السَّبيعيِّ، والأَعْمَشِ ثم صَار علم هؤلاء السِّتة إلى أصحاب التصانيف ممن صنف". كما في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي (ت: 327 هـ)، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى (الهندية) سنة 1271 هـ، (1/ 34).

2 - الحسن لغيره

أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ» (¬1). فَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ مِنَ الْمَشْهُورِينَ بِالصِّدْقِ وَالصِّيَانَةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْإِتْقَانِ، حَتَّى ضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ جِهَةِ سُوءِ حِفْظِهِ، وَوَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ لِصِدْقِهِ وَجَلالَتِهِ، فَحَدِيثُهُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ حَسَنٌ". (¬2) 2 - الحسن لغيره: وهَو مَا عَرَّفه التِّرْمِذِيُّ رحمه اللَّهُ: "كُلُّ حَدِيثٍ يُرْوَى لا يَكُونُ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ يُتَّهَمُ بِالْكَذِبِ، وَلا يَكُونُ حَدِيثًا شَاذًّا، وَيُرْوَى مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ نَحْو ذَلِكَ فَهُو عِندَنَا حَدِيثٌ حَسَنٌ". (¬3) وأَشَار ابنُ الصَّلاحِ إلى كَلام التِّرْمِذِيِّ السابق شَارِحًا له فَقَالَ: "أي الْحَدِيثُ الَّذِي لا يَخْلُو رِجَالُ إِسْنَادِهِ مِنْ مَسْتُورٍ لَمْ تَتَحَقَّقْ أَهْلِيَّتُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ مُغَفَّلا كَثِيرَ الْخَطَأِ فِيمَا يَرْوِيهِ، وَلا هُوَ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ فِي الْحَدِيثِ، أَيْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ تَعَمُّدُ الْكَذِبِ فِي الْحَدِيثِ وَلا سَبَبٌ آخَرُ مُفَسِّقٌ، وَيَكُونُ مَتْنُ الْحَدِيثِ مَعَ ذَلِكَ قَدْ عُرِفَ بِأَنْ رُوِيَ مِثْلُهُ أَوْ نَحْوُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى اعْتَضَدَ بِمُتَابَعَةِ مَنْ تَابَعَ رَاوِيَهُ عَلَى مِثْلِهِ، أَوْ بِمَا لَهُ مِنْ شَاهِدٍ، وَهُوَ وُرُودُ حَدِيثٍ آخَرَ بِنَحْوِهِ، فَيَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ شَاذًّا وَمُنْكَرًا ". (¬4) ¬

_ (¬1) الحديث مخرج في الصحيحين؛ لكن الإسناد الذي أراده ابن الصلاح هنا هو ما أخرجه الترمذيُّ في السنن، كتاب الطهارة، بَاب مَا جَاءَ فِي السِّوَاكِ، طبعة: مصطفى البابي الحلبي، مصر، ق: أحمد شاكر ومحمد فؤاد عبد الباقي، (1/ 34)، برقم (22). (¬2) مقدمة ابن الصلاح، طبعة دار الفكر المعاصر، بيروت 1406 هـ، (ص 35). (¬3) شرح علل الترمذي لابن رجب، طبعة مكتبة المنار، الزرقاء، الأردن 1407 هـ (2/ 573)، وهنا يَنْبَغي التَّنْبِيه عَلَى أنَّ بَعْضَ الْمُحَدِّثِينَ اسْتَخْدَموا لفظة الحسن بِمَعْنَى الْمُنْكَر فلا تخلط بينها، مثل: قيل لِشُعْبَةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: لِمَ تَرَكْت فُلانًا، وَأَحَادِيثُهُ حِسَانٍ؟ قَالَ: "مِنْ حُسْنِهَا فَرَرْتُ! ". (¬4) مقدمة ابن الصلاح، (ص 31).

الحديث الضعيف

ومثاله: مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الحَسَنِ الكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ... أَبُو يَحْيَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَقٌّ عَلَى المُسْلِمِينَ أَنْ يَغْتَسِلُوا يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَلْيَمَسَّ أَحَدُهُمْ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَالمَاءُ لَهُ طِيبٌ». وهذا حديثٌ ضَعِيفٌ؛ لِضَعفِ أبِي يَحْيَى التَّيْمِيّ، ولكن تابعه هُشَيْمٌ عند التِّرْمِذِيِّ أيضًا فَقَالَ: "حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ ... أَبِي زِيَادٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ. حَدِيثُ البَرَاءِ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرِوَايَةُ هُشَيْمٍ أَحْسَنُ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ". (¬1) الحدِيثُ الضَّعِيفُ: ثم انتقل النَّاظمُ إلى النَّوع الثَّالث من حيث اعتبار القبول والرد فقال: 6 - وكُلُّ مَا عَنْ رُتْبَةِ الْحُسنِ قَصُرْ ... فَهْوَ الضَّعِيفُ وَهْوَ أَقْسَامًا كُثُرْ قوله: وكُلُّ مَا عَنْ رُتْبَةِ الْحُسنِ قَصُرْ: أي كُلُّ حَدِيثٍ انحط عَن رتبة الحديث الحسن، فهو بذلك قد انحط عن رتبة الصحيح كذلك من باب أَوْلَى، فَهْوَ الضَّعِيفُ: أي فهو حَدُّ الحديث الضَّعيف، وفي اللغة هو: العَلِيل والسَّقِيم ضد الصَّحيح (¬2)، وَهْوَ أَقْسَامًا كُثُرْ: أي أَنَّ أنواعه كثيرة حَسْبَ اختلال شروط الصحة في الحديث، فإذا انخرم شرط الاتصال مثلا نتج عَنْ ذلك عدة أنواع ¬

_ (¬1) أَبُو عِيسَى الترْمِذِيّ، السنن، كتاب الصلاة، بَابٌ فِي السِّوَاكِ وَالطِّيبِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، طبعة مصطفى البابي، مصر 1395 هـ، أحمد شاكر (2/ 407 - 408). (¬2) لسان العرب، لمحمد بن مكرم بن منظور الأنصاري الإفريقي (ت: 711 هـ)، طبعة دار صادر، بيروت سنة 1414 هـ، (9/ 204).

منها: الْمُرْسل والْمُنْقَطِع والْمُعْضَل، والْمُدَلَّس وغَيْرها، وهكذا في بقية الشروط. وقصد النَّاظُم رَحِمَهُ الله عموم الحديث الْمَرُدود بجميع أنواعه. وعند التَّحقيق نجد أنَّ هذا الحد الذي عَرَّفه النَّاظُم رَحِمَهُ اللهُ هُنَا ليس جَامِعًا مَانِعًا فقد يَدْخُل فِي هَذَا التَّعريف الحديث الحسن لغيره، وقد يدخل فيه الحديث الموضوع فإنَّه قد قَصُر عن رتبة الحسن أيضًا، والحديث الْمَوْضُوع مجزوم بأنه ليس من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن الضَّعيف فيه احتمال أَنْ يكون من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد أَفْرَدَ النَّاظِمِ نَفْسَه للحديثِ الْمُوضُوعِ تعريفًا خاصًا فِي آخر الْمَنْظُومَةِ، والأَوْلَى أنَّ يَقُول: "وكُلُّ مَا عَنْ شَرْطِ القَبُولِ انخرم"، أي أنَّ كُلّ حَدِيثٍ لم تتوفر فيه أحد شُرُوط القبول المذكورة فِي حَدَّي الصَّحيح والحسن، كان هو الحديث الضَّعيف، وهذا حَدٌّ يُدْخِلُ جميع الأجناس تحت مُصْطَلحِ الضَّعيف، ويُخْرِج ما ليس منها. وخلاصة ذلك أنَّ تعريف الحديث الضعيف: هو ما لم يتوفر فيه أحد شُرُوط القبول المذكورة فِي حَدَّي الصَّحيح والحسن. ومِثَالُهُ: مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاودَ فِي السُّنَن، مِنْ طَريقِ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الصَّلاةُ الْمَكْتُوبَةُ وَاجِبَةٌ خَلْفَ كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا وَإِنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ». (¬1)، هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيف انتفى فيه شرط الاتصال؛ فهو منقطعٌ بين مَكْحُولٍ وأَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -؛ والسبب أَنَّ مَكْحُولا هَذَا وهُو أَبُو عَبْدِ الله الشَّامي لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحابةِ إلا ثلاثةٌ ليس منهم ¬

_ (¬1) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، بَاب إِمَامَةِ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، طبعة المكتبة العصرية، بيروت، ق: محمد محيي الدين عبد الحميد، برقم (594).

الحديث المرفوع والموقوف والمقطوع

أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، وقد نَصَ عَلَى الثَّلاثةِ الإمامُ التِّرْمِذِيُّ فِي السُّنَن فَقَالَ: "وَمَكْحُولٌ قَدْ سَمِعَ مِنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَبِي هِنْدٍ الدَّارِيِّ، وَيُقَالُ إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلا مِنْ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ وَمَكْحُولٌ شَامِيٌّ يُكْنَى أَبَا عَبْدِاللَّهِ وَكَانَ عَبْدًا فَأُعْتِقَ". (¬1) الحديثُ الْمَرْفُوعُ والْمَوقُوفُ والْمَقْطُوعُ: ثم تكلم النَّاظمُ عن القسم الثاني من أَقْسَام الحدِيثِ وهو باعتبار من أُسْنِدَ إِليهِ، أي إضافة الكلام إلى قائله والفعل إلى فاعله فَقَالَ: 7 - وَمَا أُضيفَ لَلنَّبِي الْمَرْفُوعُ ... وَمَا لِتَابِعٍ هو الْمَقْطُوع قَوْلُه: وَمَا أُضيفَ لَلنَّبِي الْمَرْفُوعُ أي: كُلُّ ما أُضيفَ لَلنَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، من قَولِهِ أو فعلِهِ أو إقرارِهِ أو صِفَةٍ من صِفَاتِهِ - خَلْقِيَّةً كانت أو خُلُقيَّةً؛ فهو حَدَّ الحديث المَرْفُوع، فهو لا ينسب لمن دون النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -؛ بل ينتهي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتَعْرِيف النَّاظِم حَدّ الحديث الْمَرْفُوعُ بإِطْلاقٍ يَعْنِي سواء رفعه الصَّحابِيُّ أو غيره فمثلا: إِذَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: "قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - "، فَهَذا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ مِن قِبَل الصَّحابي، وإِذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ: "قَالَ ... رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - "، فَهَذا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ مِن قِبَل التَّابعي، وإِذَا قَالَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ: "قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - "، فَهَذا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ مِن قِبَل أتباع التَّابِعِين؛ وهكذا فالمقصود أَنَّه مجرد إضافة الحديث لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُعْتَبر مَرْفُوعًا، وعلى هذا التَّعريف غَالِب أَهْل الْحَدِيثِ، وبهذا خَرَجَ الْمَوْقُوف والْمَقْطُوع، وكُلّ هَذِهِ مِن حَيثُ اعتبار من أسنده. ¬

_ (¬1) سنن الترمذي، أَبْوَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالرَّقَائِقِ وَالْوَرَعِ، طبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر سنة 1395 هـ، ق: أحمد محمد شاكر، (4/ 662)، حديث رقم (2506).

خريطة ذهنية لأقسام الحديث من حيثُ اعتبار من أُسند إليه مثال الْمَرفُوع القَولِي: حَدِيثُ الاغْتِبَاطِ فِي العِلْمِ وَالحِكْمَةِ: فعَن عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا». (¬1) ومثال الْمَرفُوع الفِعْلِيّ: حَدِيثُ صِفة سجود النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: فعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَالِكٍ بْنِ بُحَيْنَةَ - رضي الله عنهم -، «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ». (¬2) مثال الْمَرفُوع إقرارًا: عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالقُرْآنُ يَنْزِلُ». (¬3) ¬

_ (¬1) الجامع الصحيح، للبخاري، كتاب العلم، بَاب الاغْتِبَاطِ فِي العِلْمِ وَالحِكْمَةِ، طبعة دار طوق النجاة، ق: محمد زهير بن ناصر الناصر (1/ 25)، برقم (73). (¬2) المصدر نفسه، كتاب الصلاة، بَاب يُبْدِي ضَبْعَيْهِ وَيُجَافِي فِي السُّجُودِ، (1/ 87)، برقم (390). (¬3) المصدر نفسه، كتاب النِّكاح، بَاب العَزْلِ (7/ 33)، برقم (5207).

وحَدِيثُ إقرار النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - للنِّسَاءِ عَلَى صَلاة الفَجْر فِي الْمَسْجدِ، وفيه: أَنَّ عَائِشَةَ - رضي الله عنهم -، قَالَتْ: لَقَدْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الفَجْرَ، فَيَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مِنَ المُؤْمِنَاتِ مُتَلَفِّعَاتٍ فِي مُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَرْجِعْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ». (¬1) مثال الْمَرفُوع فيه صِفَة خَلْقِيَّةٌ لَلنَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: عَنِ الجُعَيْدِ، قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ - رضي الله عنه - (¬2)، يَقُولُ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ، «فَمَسَحَ رَاسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، وَقُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، مِثْلَ زِرِّ الحَجَلَةِ». (¬3) مثال الْمَرفُوع فيه صِفَة خُلُقيَّةٌ لَلنَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ». (¬4) ونَحْسَبُ أَنَّهُ من الواجب إضافة أَنَّ الرَّفْعَ قد يَكُون صَرِيحًا وقد يَكُون حُكْمًا ومثال ذلك: المرفوع الصَّرِيح: كَقَوْل الصَّحَابِيّ سَمِعت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُول كَذَا، أَوكَقَوْلِه أَي الصَّحَابِيّ أَو قَول غَيره قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، أَو عَن رَسُول ¬

_ (¬1) المصدر نفسه، كتاب الصلاة، بَابٌ: فِي كَمْ تُصَلِّي المَرْأَةُ فِي الثِّيَابِ، (1/ 84)، برقم (372). (¬2) هو السَّائِبُ بنُ يَزِيْدَ بنِ سَعِيْدِ الكِنْدِيُّ صحابيٌّ جليلٌ مات سنة (91 هـ) -التهذيب برقم (839). (¬3) الجامع الصحيح، للبخاري، كِتَاب الوُضُوء، بَابُ اسْتِعْمَالِ فَضْلِ وَضُوءِ النَّاسِ (7/ 120). (¬4) المصدر نفسه، بَابُ بَدْءِ الوَحْيِ، (1/ 8)، حديث رقم (6).

الله - صلى الله عليه وسلم -. وَفِي الْفعْلِيّ كَقَوْل الصَّحَابِيّ رَأَيْت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل كَذَا، أَو عَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا. (¬1) المرفوع الْحُكْمِيّ: كإخبار الصَّحَابِيّ الَّذِي لم يُحَدِّثْ عَنْ أَهْلِ الكِتَابِ مَا لا مجَال للاجْتِهَاد فِيهِ عَن الأَحْوَال الْمَاضِيَة كأخبار الأَنْبِيَاء، أَو الآتِيَة كالملاحم والفتن وأهوال يَوْم الْقِيَامَة، أَو عَن تَرَتُّبِ ثَوَابٍ مَخْصُوصٍ، أَو عِقَابٍ مَخْصُوصٍ عَلَى فعلٍ؛ فَإِنَّهُ لا سَبِيل إِلَيْهِ إِلا السَّماع مِنَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، أَو يخبر الصَّحَابِيّ بِأَنَّهُم كَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَا فِي زمَان النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) وجديرٌ بِنَا فِي هذا الموضع أَنْ نَذْكُر الحديث الْمَوقُوف وإن أخَّرَه النَّاظمُ؛ فإنَّ الأشياء تَشْرُف بما تتعلق به والحديث الْمَوقُوف متعلق بالصَّحابة وهم بلا خِلاف أفضل الأمَّة على الإطلاق، فَحَدُّ الحديث الْمَوقُوف هو: مَا أُضِيف إلى الصَّحابِي من قَولِهِ أو من فِعْلِهِ ولم يكن له حُكم الرَّفع، سَوَاء اتَّصَلَ إسْنَاده إليه أم انْقَطع. والصَّحابِي: هو كُلُّ مَنْ لَقِي النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنًا وَقْتَ لِقَائهِ به ومَاتَ عَلَى ذَلِكَ. فَمَنْ سَمِعَ من النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَالَ كُفْرِهِ ثم أَسْلَم بعد وفَاتِهِ - صلى الله عليه وسلم - فليس صَحَابِيًا. (¬3) مثال الْمَوقُوف القَوْلِي: كَقَولِ عَوْفِ بْنِ مَالكٍ الأَشْجَعِىّ - رضي الله عنه -: "فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ، فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ". (¬4) ¬

_ (¬1) مقدمة ابن الصلاح، (ص 45). (¬2) نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر، لابن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ)، مطبعة سفير بالرياض 1422 هـ، ق: عبد الله بن ضيف الله الرحيلي (ص 132). (¬3) المصدر نفسه، (ص 140). (¬4) الوقوف على الموقوف، لابن حجر العسقلاني، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت 1406 هـ، ق: عبد الله الليثي الأنصاري، (ص 25).

مثال الْمَوقُوف الفِعْلِيّ: كإِنْكَار كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الأَنْصَارِيّ - رضي الله عنه - عَلَى مَنْ خَطَبَ قَاعِدًا. وبُكَاءُ عَمْرو بْن الْعَاصِ، فعَنِ ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ، قَالَ: حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ - رضي الله عنه -، وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ، يَبَكِي طَوِيلا، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ. (¬1) وأما قَوْلُ النَّاظمِ: وَمَا لِتَابِعٍ هو الْمَقْطُوع: أي أَنَّ حَدَّ الحديث الْمَقْطُوع هو كُلُّ مَا أُضِيفَ إِلَى التَّابِعِي أو من دونه سواء كان قولاً أو فعلاً فَهُو الْمَقْطُوع (¬2)، والتَّابِعِيّ هُوَ مَنْ رَأَى الصَّحَابِي وَلَمْ يَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وبهذا الحدّ خَرَجَ الْمَرْفُوع والْمَوقُوف. (¬3) مثال الْمَقْطُوع القَوْلِي: أَنْ يَقُولَ الرَّاوِي قَالَ سَعيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: كذا وكذا، وكَقَولِ الزُّهْرِيّ: " ثمَّ كَانَ الأَمر عَلَى ذَلِك فِي خلافَة أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِن خِلافَةِ عُمَر". وقَول يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: "لا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجَسَدِ"، المقصود أنَّ السَّنَد انتهى عند التَّابعي، وأضيف الكلام له وليس لغيره. مثال الْمَقْطُوع الفِعْلِيّ: أَنْ يَقُولَ الرَّاوِي فِي مَسَائلٍ تخص العبادات مثلاً: كان قَتَادَة يفعل كذا وكذا، أوكَانَ الْحَسَنُ البَصْرِيّ يفعل فِي الصَّلاةِ كذا وكذا، كُلّ هذه الأمثلة للحَدِيثِ الْمَقْطُوعِ؛ لأنَّ هؤلاء المذكورين من جملة التَّابعين. ¬

_ (¬1) الجامع الصحيح، لمسلم بن الحجاج النيسابوري (ت: 261 هـ)، كتاب الإيمان، بَاب كَوْنِ الإِسْلامِ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (1/ 112)، برقم (121). (¬2) بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ اسْتَخْدَموا الْمَقْطُوع بِمَعْنَى الْمُنْقَطِع، مِثْل الإِمَام الشَّافِعِيّ، والطَّبرانيّ، وابن عبدالبر - رَحِمَهُم اللهُ- ولَيْسَ هَذَا هو الْمَشْهُور عِندَ أَهْل الفَنِ، ولكن لا مَشَاحَةَ فِي الاصطلاح. (¬3) مقدمة ابن الصلاح، (ص 51).

الحديث المسند

فَائِدةٌ عَزِيزةٌ: إقرار الصَّحابي لا يَدُلُّ على الموافقة إلا بحجة تثبت ذلك، كَدَلالَةِ السِّياقِ عَلَى ذلك وغَيره؛ لأنَّ السُّكُوت قد يكون لخوف أو غير مناسبة المقام وغيرها من الأسبابِ، ويجب أَنْ نلفت الانتباه إلى أنَّ الحديث المقطوع من صفات المتون، على خلاف المنقطع فإنَّه من صفات السَّند في الأحاديث النَّبوية. ومما ينبغي معرفته في هذا المقام أنَّ وصف الحديث بالْمَرْفُوعِ أو بالْمَوْقُوفِ أو بالْمَقْطُوعِ لا يَدُلُّ ذلك عَلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ أو ضَعِيفٌ، فقد يكونُ مَرفُوعًا صَحِيحًا عند استكمال شروط الصِّحة، ويكونُ مَرفُوعًا ضَعِيفًا عند اختلال الشُّروط وهكذا الْمَوْقُوف والْمَقْطُوع. الحديثُ الْمُسْنَدُ: ثم انتقل النَّاظمُ رَحِمَهُ الله إلى مَبْحَثٍ آخَر مِن أَنْواعِ الحديث فقال: 8 - والْمُسنَدُ الْمُتَّصِلُ الإسنادِ مِنْ ... رَاوِيهِ حَتَّى المُصْطَفَى وَلَمْ يَبِنْ قَوْلُ النَّاظمِ: والْمُسْنَدُ: في اللغةِ: اسم مَفْعُول من أسْنَدَ إلى الشيء وهو الْمُعْتَمَد، وفِي الاصطلاح: أنَّ حَدَّ الحديث الْمُسْنَد هو: الْمُتَّصِلُ الإسنادِ: أي يجب أن يكون فيه شرط الاتصال، مِنْ رَاوِيهِ حَتَّى الْمُصْطَفَى: أي ينتهي إلى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يَعْنِي يُشْتَرط أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا، وَلَمْ يَبِنْ: من بَانَ يَبِينُ أي انقطع، وهو تَاكِيد شرط الاتصال. خلاصة ذلك: أنَّ حَدَّ الحديث الْمُسْنَد هو: "مَا اجْتَمَعَتْ فيه صِفَتا اتصال السَّنَدِ (في الظَّاهِر)، والرَّفع إلى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، مَعًا".

الحديث المتصل

ومثاله: ما أَخْرَجَه البُخَاريُّ فِي صحيحه، فقال: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ». (¬1) وكما ترى فِي هَذَا الحدِيثِ يَجْتَمِعُ فيه صِفَتا الاتصال والرَّفع مَعًا حَتَى يُطْلَق عَلَيه حَدِيثًا مُسْنَدًا؛ فإذا اختل أَحَد الشَّرطين مثل: انقطاع السَّند أو كَانَ الحدِيثُ مَوقُوفًا أو مَقْطُوعًا فلا يُسَمَّى مُسْنَدًا، حَتَى يَكُون مُتَّصِلاً مَرفُوعًا، وقد يَكُون صَحِيحًا أَو ضَعِيفًا تبعًا للسَّندِ. الحديثُ الْمُتَّصِلُ: لَمَّا قَيَّدَ النَّاظِمُ رَحِمَهُ اللهُ الْمُسْنَدَ بالْمُتَّصِلِ؛ ناسب أَنْ يُتْبعَ ذَلكَ حَدَّ الْمُتَّصِل فقال: 9 - وَمَا بِسَمْعِ كُلِّ رَاوٍ يَتَّصِل ... إسْنَادُهُ لِلْمُصْطَفَى فَالْمُتَّصِل قَولُهُ: وَمَا بِسَمْعِ كُلِّ رَاوٍ: أي أنَّ الحديث الذي يأتي بسماع كُلِّ رَاوٍ من رُوَاتِه ممن فَوقَه فِي الإسْنَادِ، يَتَّصِل إسْنَادُهُ لِلْمُصْطَفَى: إلى أَنْ ينتهي السَّماع إلى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ فَالْمُتَّصِل: أي هو حَدّ الْمُتَّصِل، فَدَخَل الْمَرْفُوع: "كَمَالَك عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - "، وَالْمَوْقُوف كَمَالَك عَن نَافِع عَن ابْن عمر - رضي الله عنه -، وَخرج بِقَيْد الاتِّصَال كُلُّ حَدِيثٍ انقطع إسْنَادُه، وخلاصة ذلك: "كُلُّ مُسْنَدٍ مُتَّصِلٌ (وَلَوْ ظَاهِرًا)، وَلَيْسَ كُلُّ مُتَّصِلٍ مُسْنَدًا فبينهما عُمُومٌ وخُصُوصٌ فَالْمُسْنَدُ يَشْمَلُ الْمُتَّصِلَ؛ لأَنَّ الْمُتَّصِلَ قَدْ يَكُونُ مَوْقُوفًا أو مَقْطُوعًا، والْمُسْنَدُ لابُدَّ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا مَعَ الإِتِّصَالِ ". ¬

_ (¬1) الجامع الصحيح، للبخاري، كتاب العلم، بَابٌ: إِذَا صَلَّى فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ فَلْيَجْعَلْ عَلَى عَاتِقَيْهِ (1/ 81)، برقم (359).

الحديث المسلسل

الحديثُ الْمُسَلْسَلُ: ثم تكلم النَّاظمُ عَن مَبْحَثٍ آخَر مِن أَنْواعِ الحديث وَهُوَ مِن مَبَاحِثِ الإِسْنَادِ، فقال: 10 - مُسَلْسَلٌ قُلْ مَا عَلَى وَصْفٍ أَتَى ... مِثْلُ أَمَا وَاللهِ أنْبأنِي الْفَتَى 11 - كذَاكَ قَدْ حَدَّثَنِيهِ قَائما ... أَوْ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَنِي تَبَسَّمَا قَولُهُ: مُسَلْسَلٌ: اسْمُ مَفْعُول مِن سَلْسَلَ يُسَلْسِل (¬1)، وَهُوَ لُغَة التَّتَابُع والتَّشَابُه، وفِي الاصطلاح قِسْمَانِ: القسم الأول: حَدِيث اتّفقت رِجَاله على وصف الرُّوَاة كَمَا أَشَارَ النَّاظمُ فِي قَولِهِ: قُلْ مَا عَلَى وَصْفٍ أَتَى: أي إذا أتى الحديث بتكرير كُلّ راوٍ لِصِفَةٍ مُعَينَةٍ في جميع طَبَقَاتِ السَّندِ، والصَّفةُ قَدْ تَكُون قَولِية أَوْ فِعْلِيَّة. فأما القولية: مِثْلُ أَمَا وَاللهِ أنْبأنِي الْفَتَى: أَمَا بِمَعْنَى أَلا الاسْتِفْتَاحِيَّة، ثم ضرب النَّاظِمُ مثلاً للحديث الْمُسَلْسَل بقوله هذا: "أَمَا وَاللهِ أنْبأنِي الْفَتَى"، بِمَعنَى أنَّ الرَّواي للحديث يَقُولُ عَند التَّحْدِيث بهذه الجملة وهَكَذَا يَقُول الأخر مثل ذَلِك حتى يكون هَذَا التَّكْرَار فِي جميع طَبَقاتِ السَّنَد. ومِثَاله: مَا أَخْرَجَه النَّسائي فِي سننه فقال: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حَيْوَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ الصُّنَابِحِيّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنِّي لأُحِبُّكَ يَا مُعَاذُ»، فَقُلْتُ: وَأَنَا أُحِبُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَلا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلاةٍ: رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ ¬

_ (¬1) الصحاح تاج اللغة، إسماعيل بن حماد الجوهري (المتوفى: 393 هـ)، طبعة دار العلم للملايين، بيروت سنة 1407 هـ‍ (ص 51).

وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» ". (¬1)، فإنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه -، «إِنِّي لأُحِبُّكَ يَا مُعَاذُ»، وَمُعَاذ قَالَهَا للصُّنَابَحي، والصُّنَابَحي قَالَهَا لأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، وبهذا القَول صَار الحديثُ مُسَلْسَلاً بلفظة: "إِنِّي لأُحِبُّكَ". ثم قَالَ النَّاظِمُ كذَاكَ: أي وأَمَّا الصِّفةُ الفِعْلِيَّة فمثل: قَدْ حَدَّثَنِيهِ قَائما: أي يذكر الرَّاوي أَنَّ شَيْخَهُ فِي هذا الحديث حَدَّثَهُ وهو قائم ثمَّ يفعل الرَّاوي الآخر مثل ذَلِك، ثم ضرب النَّاظم مِثَالاً آخر فقال: أَوْ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَنِي تَبَسَّمَا، فَإِنَّ كُلاً مِن الْقِيامِ والتَّبَسُمِ وَصْف فِعْلِي. وَالْقسم الثَّانِي: مَا اتّفقت رِجَاله على وصف للتَّحَمُّلِ كَسَمِعْتُ فُلانًا، أَو عَلَى أمْر مُتَعَلق بِزَمن الرِّوَايَة أَو مَكَانهَا أَو نَحْو ذَلِك. فَائِدةٌ مُهِمَةٌ: الحديثُ الْمُسَلْسَلُ لا يفيد الاتصال إلا إذا كَانَ وَصْف التَّحَمل بالسَّمَاعِ، ومِن فَوَائدِ الْمُسَلْسَلِ اشتماله على مزِيد الضَّبْط من الروَاة، وأفضل مُسَلْسَل مَا دَلّ على اتِّصَال السماع وَعدم التَّدْلِيس، وغالب الأحاديث الْمُسَلْسَلة ضعيفة ولم يثبت منها إلا القَلِيلُ، وقَالَ الْحَافِظ ابن حجر: أصح مُسَلْسَل يُرْوَى فِي الدُّنْيَا الْمُسَلْسَل بِقِرَاءَة سُورَة الصَّفّ، وقد يكون المتن صَحِيحًا والسِّلْسِلَة ضعيفة، فهناك أحاديث مُسَلْسَلة فِي مسلم لَكِنَّ مُسْلِمًا لم يذكر أَنَّه مُسَلْسَل كحديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَقَالَ: «خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الأَحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ ... ». (¬2)، وفي غَير مُسْلِم جَعَلُوه من الأحاديث الْمُسَلْسَلة. ¬

_ (¬1) السنن الصغرى، للنَّسائي (ت: 303 هـ)، كتاب الصلاة، بَاب تَخْيِيرِ الدُّعَاءِ بَعْدَ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، طبعة مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب 1406 هـ، (3/ 53)، برقم (1303). (¬2) الجامع الصحيح، لمسلم، كتاب صِفَةِ الْقِيَامَةِ، بَابُ ابْتِدَاءِ الْخَلْقِ وَخَلْقِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، (4/ 2149)، برقم (2789).

الحديث العزيز والمشهور والغريب

الحديثُ العَزِيزُ والْمَشْهُورُ والغَرِيبُ: ثم انتقل النَّاظمُ رَحِمَهُ الله إلى مَبْحَثٍ آخَر مِن حيث اعتبار عدد طُرُق الحديث، ولم يذكر النَّاظم - رَحِمَهُ اللهُ- الحديث الْمُتَوَاتِر؛ لأنَّه ليس مما يُفَتَّش عليه من جهة القَبُولِ أو الرَّد؛ وإنَّمَا هو مَقْبُولٌ باتفاق أَهْل الحديث؛ ولِكَوْنِهِ ليس مِنْ مَبَاحِثِ صِنَاعَتِهِم، وحَدُّ الحديث الْمُتَوَاتِر هو: مَا بَلَغت رُوَاتُهُ فِي الْكَثْرَة مَبْلَغًا أَحَالت الْعَادة تَواطُؤُهُم عَلَى الْكَذِبِ من أَوّلِ السَّندِ إلى آخره، والمتواتر قسمان: لَفْظِيّ ومَعْنَويّ. قَالَ النَّاظِمُ رحمه الله: 12 - عَزِيزُ مَرْوِي اثْنَيْنِ أوْ ثَلاَثَهْ ... مَشْهُورُ مَرْوِي فوْقَ مَا ثَلاثهْ خريطة ذهنية لأقسام الحديث من حيثُ اعتبار عدد الطرق قَوْلُهُ: عَزِيزُ: أَصْلُها بالتنوين "عَزِيزٌ" مِنْ عَزّ يَعِزُّ، وفي اللغة عَزِيزٌ: فَعِيلٌ، تَقُولُ عَزّ الرَّجل إذا قُوِّي سمي بذلك لكَونه تَقَوَّى بمجيئه من طَرِيقٍ أُخْرَى، أَو بِكَسْر الْعين بِمَعْنَى قَلَّ لِقلَّةِ وجُودِهِ فِي مَرْويَّات الحديث، قَوْلُهُ: مَرْوِي (¬1) اثْنَيْنِ أوْ ثَلاَثَهْ: أي أَنَّ حَدَّ الحديث العَزِيز هُوَ ما يَرْوِيهِ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلاثَة وَلَو مِن طَبقَةٍ وَاحِدَةٍ مِن طَبَقَاتِهِ، وهَذا التَّعريف هُوَ ما ذَهَبَ إليه الحافظُ أَبُو عَمْرو ابن ¬

_ (¬1) أَصْلُهَا مَرْوِيّ بالتَّشْدِيد وحُذِفَتْ الْيَاءُ لضرورة الشِّعر، مَراعاةً للأوزان.

الصَّلاحِ وَتَبِعَه عَلَى ذَلِكَ النَّاظِم رحمه الله (¬1)، ومثاله: عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (¬2)، فإنَّك تجد فِي هذا الحديث أَنَّه قد رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - صَحَابِيَّان هما: أَنَسُ بنُ مَالكٍ - رضي الله عنه -، وأَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -. وَرَاهُ تَابِعِيان عَنْ أَنَسِ بنِ مَالكٍ هما: قَتَادَة، وعَبْدِالعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ. كذا فِي صَحِيحِ البُخَاريّ. وكَذَلَك رَوَاهُ فِي طَبَقةِ أَتْبَاعِ التَّابِعِين عَنْ قَتَادَةَ اثنان هما: شُعْبَةُ، وَسَعِيدُ بْن أَبِي عُرُوبَةَ. وأَيضًا رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ اثنان هما: إسْمَاعِيلُ بْنُ عُليّةَ، وَعَبْد الوَارِث. ولا يُشْتَرط أن يكون ذلك فِي جميع طَبَقَاتِ السَّند حَتَى يكون عَزِيزًا؛ وإنمَّا إذا رَوَاهُ اثْنَان أَوْ ثَلاثَةٌ وَلَو مِن طَبقَةٍ وَاحِدَةٍ مِن طَبَقَاتِهِ. وأَمَّا قَولُ النَّاظمِ: مَشْهُورُ: فبإسقاط التَّنْوِين اسْمُ مَفْعُول، واشْتَهَر بِكَذَا: عُرِفَ بِهِ، قَوْلُهُ: مَرْوِيّ فَوقَ مَا ثَلاثَة مَا زَائِدَة، يَعْنِي أنَّ الحدِيثَ الْمَشْهُور هو مَا رَوَاهُ أَكْثَرُ مِن ثَلاثَةٍ فِي الطَبَقَةِ الوَاحِدة، وَلم يَصِلْ إِلِى حَدِّ التَّوَاتُر، وهي الشُّهْرة الاصطلاحيَّة. وقد سماه بعض المحدثين الْمُستَفِض (¬3) من كثرة طرقه، وَمِثَاله: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ ¬

_ (¬1) ذهب الحافظ ابن حجر إلى تعريف العَزيز بأَنَّهُ: "مَا رَوَاهُ اثنان فقط"، وهو اصطلاح خَاصٌ به. (¬2) الجامع الصحيح، للبخاري، كتاب الإيمان، بَابٌ: حُبُّ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الإِيمَانِ، (1/ 2). (¬3) استعمله الإمام مسلم كما فِي مقدمة صحيحه (1/ 5)، والحافظ ابن حجر في النزهة (ص 49).

عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا». (¬1)، وأما الشُّهْرة غَير الاصطلاحيَّة: وهي أَنْ يُشْتَهَر الحدَيثُ بَيْنَ عُمُومِ النَّاس، أو بين جماعةٍ مُعَينَة منهم لهم اخْتِصَاص بِعِلمٍ مخصوص كالْمُفَسِّرِين والْمُحَدِّثِين والفُقَهَاءِ والأُصُولِيّين وأَهْلِ اللغة وغَيْرِهِم، ومثال ذلك: شُهْرَة حديث: "اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَإِنْ أَفْتَاك الناَّسُ وَأَفْتَوْكَ" (¬2) عند عامة النَّاس، واشْتَهر عند الفقهاء: "أَبْغَضُ الْحَلالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلاقُ" (¬3)، تنبيه: يجب معرفة أنَّ الحدِيثَ الْمَشْهور الاصْطِلاحِيّ، وغَير الاصْطِلاحِيّ لا يُفِيدُ الصِّحَّة، أَو الْحسن، أَو الضعْف. وأَمَّا الْحَدِيثُ الغَرِيبُ فحدُّه عند النَّاظمِ هو: مَا رَوَاهُ رَاوٍ وَاحِد فَقْط مُتَفَرِدًا بِهِ لم يُتَابِعُه عَلَيهِ أَحَدٌ، أَي تفرد فِي الْمَتْن أَو الإسناد بِأَمْرٍ لا يذكرهُ غَيره مِنَ الرُّواةِ، ومثاله: حديث «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»، حَدِيثٌ غَرِيبٌ فِي طَبَقَتَيْ الصَّحابة والتَّابعين، قال الحافظ في الفتح: "لِكَوْنِهِ فَرْدًا؛ لأَنَّهُ لا يُرْوَى عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - إِلا مِنْ رِوَايَةِ عَلْقَمَةَ، وَلا عَنْ عَلْقَمَةَ إِلا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَلا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا ¬

_ (¬1) الجامع الصحيح، للبخاري، كتاب العلم، بَابٌ: كَيْفَ يُقْبَضُ العِلْمُ، (1/ 31)، برقم (100). (¬2) أخرجه أحمد في المسند (29/ 533) برقم (18006) وغيره من طُرقٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مِكْرَزٍ، عَنْ وَابِصَةَ الأَسَدِيِّ بسند ضَعِيفٍ للانقطاع بين أَيُّوبَ، ووَابِصَةَ. (¬3) أخرجه أبو داود فِي السنن، كتاب الطلاق، بَابٌ فِي كَرَاهِيَةِ الطَّلاقِ، (2/ 255) (برقم 2178) من طريق مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مُعَرِّفِ ابْنِ وَاصِلٍ، عَنْ مُحَارِبِ ابْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه -، مرفوعاً به. وأَعَلَّهُ الإمامُ ابنُ أَبِى حَاتِمٍ في العِلل بالإرسال، فَقَالَ عَنْ أَبِيهِ (1/ 431): " إنَّمَا هُوَ مُحَارِبُ عَنِ النَّبِى - صلى الله عليه وسلم -، مُرْسَلا".

الحديث المعنعن

اشْتُهِرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَتَفَرَّدَ بِهِ مَنْ فَوْقَهُ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَزَّار". (¬1) تنبيه هام: اعلَمْ رَحِمَكَ الله أنَّ الحديث العَزِيز أو الْمَشْهُور أو الغَرِيب لا يُفِيدُ الصِّحَّة أو الضَّعف؛ ولكن هي أنواع تُدْرَس من بَابِ مَعْرِفَة عَدَد الطُّرق والمتابعات، ولِتَمْييز الحديث الغَرِيب؛ فإنَّ ذلك يُفِيد فِي بَعْضِ مَبَاحث عُلُوم الحديث. وأَمَّا تقسيم الأخبار إلى الْمُتَوَاتِر والْمَشْهُور والآحاد؛ فهي لِتَسْهِيلِ دراسة هذه الأنواع، ولا يَنْبَنِي عَلَيهِ شيء من التَّأصِيل والاستنباط؛ فكُلُّ مَنْ استخدمه للاستنباط عَلَى أنَّ صفات الله تثبت بالْمُتَوَاتِر ولا تثبت بالآحاد فَهَذَا باطلٌ؛ فإنَّ الله قَدْ أقام الْحُجَّة والْمَحَجَّة بما صَحَّ عَن رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]. الحدِيثُ الْمُعَنْعَنْ: ثم أَشَارَ النَّاظمُ رَحِمَهُ الله إلى مَبْحَثٍ آخَر دقيق من علوم الحديث فَقَالَ: 13 - مَعَنْعَنٌ كَعَن سَعِيدٍ عَنْ كَرَمْ ................... مُعَنْعَن بِفَتْح الْعَيْنَيْنِ وهُوَ الحَدِيث الَّذِي رُوِيَ بِلَفْظ: "عَنْ" مِن غَير بَيَانٍ لطريقةِ التَّحديث كَحَدَّّثَنَا أَو أَخْبَرنَا، وَاكْتفى النَّاظِم فِي تَعْرِيفه بالمثال فَقَالَ: مَعَنْعَنٌ كَعَن سَعِيدٍ عَنْ كَرَمْ وهَذَا نَوعٌ مِن أَنْواعِ الْحُدُودِ وَهُوَ بَيَان الْحَدّ بالمثالِ الذي ذكره النَّاظم، وهُوَ نَوعٌ مَعْرُوفٌ يُكْثِر مِنْهُ أَهْلُ العِلم فِي الْمَنْظُومَاتِ، وحَقِيقَة الإشارة فِي قول النَّاظم إلى الخلاف فِي مَسأَلةِ ثبوت الاتِّصَال لِمَن استخدم لفظة: "عَنْ" مِنَ الرُّواة فِي أَدَاءِ الْحَدِيثِ عَنْ غَيْرِهِ، والاحتراز من ¬

_ (¬1) فتح الباري، لابن حجر العسقلاني، طبعة دار المعرفة، بيروت، ق: محب الدين الخطيب (1/ 11).

الحديث المبهم

التَّدْلِيس، والْمَشْهُور أنَّ مذهب الإمام البُخَاريّ ومن أَيَّدهُ أنَّ الاتِّصَال لا يثبت إلا بِشَرْطَيْنِ: 1 - السَلامَة من التَّدْلِيس 2 - ثبوت اللِّقَاء للرَّاوي بشيخه. ومَذْهب الإمام مُسْلم وِمَنْ وَافَقَهُ أنَّ الاتِّصَال يثبت بِشَرْطَيْنِ: 1 - السَلامَة من التَّدْلِيس. 2 - الْمُعَاصَرة مع إمكان اللُّقِيّ للرَّاوي بشيخه، مع عدم وجود ما يدل عَلَى انتفاء السَّماع منه. ومِثَالُ الحديث الْمُعَنْعَنْ الذي لا يَقْبَله النّقاد: ما يرويه ابْنُ جُرَيجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ؛ لأنَّ ابْنَ جُرَيجٍ مَشْهُورٌ بالتَّدْلِيس، ولا يَصِحّ مِن رِوَايتِهِ إلا مَا صرّح بالسَّمَاعِ، بِأَنْ يَقُولَ: "حَدَّثَنَا" أو "سَمِعْتُ". عَلَى الرَّغمِ مِنْ أنَّ الزُّهْرِيَّ شَيْخُ ابْن جُرَيجٍ وَعُرِفَ بالسَّماعِ مِنْهُ. الحدِيثُ الْمُبْهَمُ: وبعدها أَشَارَ النَّاظمُ رَحِمَهُ الله إلى نوعٍ آخَر مِن أَنْواعِ الحديثِ الضَّعِيف فَقَالَ: .................... وَمُبْهَمٌ مَا فِيهِ رَاوٍ لَمْ يُسَمْ قَوْلُ النَّاظم: وَمُبْهَمٌ مَا فِيهِ رَاوٍ لَمْ يُسَمْ: أي أنَّ حَدَّ الحديث الْمُبْهَمُ هُوَ مَا فِيهِ رَاوٍ لَمْ يُسَم أَي لَمْ يُذْكَر اسمه صَرَاحةً؛ وإنمَّا أُبهم سَوَاء كَانَ ذلك فِي الإسْنَادِ أو الْمَتْنِ، ومثاله: 1 - في السَّندِ: مَا أخرجه أبو داود في السنن فقال: "حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهم -: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ حَاجَةً لا يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الأَرْضِ» (¬1)؛ فإنَّك ترى فِي إِسْنَادِ هَذِهِ الرِّواية رَاوٍ لم يُذكر اسمه صَرَاحةً فيُعْتَبر ذلك عيب؛ ويُحْكَم بالضَّعف عَلَى الحدِيثِ بسبب الإبهام. ¬

_ (¬1) سنن أبي داود، كِتَاب الطَّهَارَةِ، بَابُ كَيْفَ التَّكَشُّفُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، (1/ 4) برقم (14).

الحديث العالي والنازل

2 - في الْمَتْنِ: مَا أخرجه البُخَارِيُّ فقال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَفَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءهُ رَجُلٌ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ فَقَالَ: «اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ». (¬1)، وإبهام الاسم في الْمَتْنِ لا يضر ولا تأثير لَه فِي تَصْحِيحِ الحدِيثِ أوَتَضعِيفِهِ. الحدِيثُ العَالِي والنَّازِلُ: ثم انتقل النَّاظمُ رَحِمَهُ الله إلى مَبْحَثٍ آخَر لا يفيد الصِّحة أو الضَّعف فَقَالَ: 14 - وَكُلُّ مَا قَلَّتْ رِجَالُهُ عَلاَ ... وَضِدُّهُ ذاك الذي قد نَزَلا قوله: وَكُلُّ مَا قَلَّتْ رِجَالُهُ أي: كل حَدِيثٍ قَلَّتْ فيه عدد الوسائط بين الرَّاوي وبين رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلاَ أي: هو حَدّ الحديث العَالِي، والعُلُوّ إما أَنْ يكون مُطلَق أو نِسْبِي وصورة العُلُوّ الْمُطْلَق هو الْقرب من رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بِقِلِّةِ عدد الرِّجال، ومثاله: أنَّ البُخَاريّ تقدم عَلَى أَقْرَانه باثنين وعشرين حديثًا كُلّهَا ثُلاثِيَات - يَعْنِي ثَلاثَةَ رِجَالٍ - بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، أوصله لهذا العُلُوّ خمَسةُ شُيوخٍ هم: المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وأَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، ومُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، وعِصَامُ بْنُ خَالِدٍ، وخَلادُ بْنُ يَحْيَى. في حين أنَّ أَقْرانه لم يظفروا إلا بحديثٍ أو حَدِيثين ثُلاثِيَّات بينهم وبين رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -. وأَمَّا العُلُوّ النِّسبِي فله صور عدة منها: 1 - الْقُرب من إِمَامٍ من أَئِمَّة الحَدِيث ذِي صِفةٍ عَاليةٍ كالإمامِ مَالك أوِ الشَّافِعِيّ. 2 - الْقُرب من مصنف كتاب من كُتب الحَدِيث الْمُعْتَبرَة. ¬

_ (¬1) الجامع الصحيح، للبخاري، كِتَابُ العِلْمِ بَاب الفُتْيَا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ (1/ 28)، (83).

3 - العُلُوّ بتقدم السَّماع من الشيخ، فمن سمع قديِمًا كان أعلى. وقول النَّاظم: وَضِدُّهُ ذاك الذي قد نَزَلا، ضِدُّهُ أَي: مَا قَلَّ عدد رِجَاله فِي السَّنَد، ذلك الَّذِي قد نزلا، بِأَلف الإطلاق أَي: هُوَ الْمُراد عِنْدهم بالنَّازِلِ لبُعده عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهُوَ فِي مُقَابِلِ العَالِي فَإِنَّ كُلَّ قِسْمٍ من الْعُلُوّ يُقَابله قِسْمٌ مِنْ أَقسَامِ النَّازِلِ، أي فَمَا مِنْ إسْنَادٍ عَالٍ إلا ويُقَابله إسْنَادٌ نَازِل، والإسناد العالي لا يفيد الصِّحة أو الضَّعف؛ وإنَّمَا العُلُوّ لشرف القرب من رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقَالَ الإمامُ أَحْمَد: "طَلَبُ السَّنَد العَالِي سُنّةً عَمَّن سَلَف". مثال الحديث العالي مقابل النَّازل: السَّند العالي: أخرجه البُخَارِيُّ فِي صحيحه فقال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، أَنَّ أَنَسًا، حَدَّثَهُمْ: أَنَّ الرُّبَيِّعَ وَهِيَ ابْنَةُ النَّضْرِ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ، فَطَلَبُوا الأَرْشَ، وَطَلَبُوا العَفْوَ، فَأَبَوْا، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُمْ بِالقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لاَ تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فَقَالَ: «يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ القِصَاصُ»، فَرَضِيَ القَوْمُ وَعَفَوْا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ». (¬1) السَّند النَّازل: أَخْرجَ مُسْلِمٌ الحديث نَفسه فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أُخْتَ الرُّبَيِّعِ جَرَحَتْ إِنْسَانًا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث (¬2)، الْمُتأملُ في الإسنادِ يجد ¬

_ (¬1) الجامع الصحيح، للبخاري، كِتَابُ الصُّلْحِ، بَاب الصُّلْحِ فِي الدِّيَةِ، (3/ 186) برقم (2703). (¬2) الجامع الصحيح، لمسلم، كِتَابُ الْأَيْمَانِ، بَاب إِثْبَاتِ الْقِصَاصِ فِي الْأَسْنَانِ، (3/ 1302)، برقم (1675).

الحديث الموقوف

أنَّ بين البُخَارِيِّ وَبَيْنَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ثَلاثَة رجالٍ؛ في حين أنَّ مُسْلِمًا بَيْنَه وَبَيْنَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، خَمْسَة رجالٍ. الحدِيثُ الْمَوقُوفُ: قال النَّاظمُ رَحِمَهُ الله: 15 - وَمَا أَضَفْتَهُ إِلَى الأَصْحَابِ مِنْ ... قَوْلٍ وفعل فهو مَوْقُوفٌ زُكِنْ الْمَعْنَى: وَمَا أُضِيفَ إلِى الصَّحابِي من قَولِهِ أو من فِعْلِهِ ولم يكن له حُكُم الرَّفع، سَوَاء اتَّصَلَ إسْنَاده إليه أَو انْقَطع، فهو مَوْقُوفٌ زُكِنْ: أي فهو حَدُّ الحديث الْمَوقُوف زُكِنْ: أَي عُلِمَ عِنْدهم، وقد يُسْتَعْمل ما يُضَاف إِلَى تَابِعِيّ مَوْقُوفًا بشرط أَنْ يكون مُقَيّدًا فَيُقَال مَوْقُوفٌ على سعيد بن الْمسيب، أو مَوْقُوفٌ عَلَى الْحَسنِ البَصِريّ، وقد سبق أَنْ تَكَلَّمنَا عن الحديثِ الْمَوقُوفِ فِي مَوضعِ كَلامِ النَّاظم عَلَى الْمَرفُوع والْمَقْطُوع، وقد ضربتُ الأمثلة وبينتُ أقسامه، فلا دَاعِي للإعادةِ هُنَا. الحدِيثُ الْمُرسَلُ: ثم تناول النَّاظمُ رَحِمَهُ الله مَبْحَثًا آخَرًا مِن أَنْواعِ الحديثِ الضَّعِيف فَقَالَ: 16 - وَمُرْسلٌ مِنْهُ الصِّحَابِيُّ سَقَطْ ................... قَولُهُ: وَمُرْسلٌ فِي اللغةِ: هو مَاخُوذ من الإرسال وَهُوَ الإطلاق وضِدّه التَّقْيد، مِنْهُ الصِّحَابِيُّ سَقَطْ: أي أنَّ حَدَّ الحدِيث الْمُرسَل هو مَا سَقَطَ مِن إسْنَادِهِ الصِّحَابِيّ، كذا قَالَ النَّاظمُ رحمه الله، وهذا الحدّ ليس جَامِعًا مَانعًا؛ لأنَّه إذا سَقَط الصَّحَابِيُّ فَلا تَضُّر جَهَالة الصَّحَابِيّ فإنَّ الصَّحَابةَ كُلُّهُم عُدُولٌ، والحديثُ الْمُرْسَلُ ضَعِيف عند أَهْلِ الحدِيثِ؛ وإنِّما المقصود عندهم هو سُقُوط أحد التَّابعين مِن الإسْنادِ وجَهَالة التَّابعيّ تَضُّر الحديث؛ لذا فالحدُّ الصَّحِيحُ للحدِيثِ الْمُرْسَلِ:

الحديث الغريب

كُلُّ مَا رَفَعَهُ التَّابِعيُّ سَوَاء كَانَ التَّابِعِيّ كَبِيرًا، أَو صَغِيرًا (¬1)، بغض النَّظر عن أعداد السَّاقِطين من السند بين التَّابعيّ والنّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأحوالهم. (¬2) ومثاله: مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاودَ فِي المراسيل فقال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ سُفْيَانَ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْقُرَشِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا شَرِبْتُمْ فَاشْرَبُوا مَصًّا، وَإِذَا اسْتَكْتُمْ فَاسْتَاكُوا عَرْضًا». (¬3)، ومن أراد التَّوسع فِي مَعْرِفةِ الْمَرَاسِيل فَليَرجِع لِكُتب المراسيل مثل: مراسيل ابن أَبِي حَاتم، وكذلك مراسيل الإمام أَبِي دَاوُدَ، ومِنْ مَظَآن الْمَرَاسِيل أَيضًا الْمَسَانِيدِ والسُّنَن. تَنْبِيهٌ: الفَرْقُ بين الحديثِ الْمُرْسَلِ والحديثِ الْمَقْطُوع: أنَّ الحديث الْمُرْسَل هو مَا رَفَعَهُ التَّابِعيُّ إلى النّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مما سمعه من غير النّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والْمَقْطُوع هو مَا أُضِيفَ إلِى التَّابعيّ أو من دُونَه من قَولِهِ أو فِعْلِهِ. الحدِيثُ الغَرِيبُ: ثم قال النَّاظمُ رَحِمَهُ الله: .............. وَقُلْ غَرِيبٌ مَا رَوَى رَاوٍ فَقَطْ ¬

_ (¬1) التَّابِعِيّ الكبير هُوَ مَن كَانَ أَكثر رِوَايَته عَن الصَّحَابَة كسعيد بن الْمسيب، والصغير مَن كان مُقلاً عنهم كمحمد بن شهَاب الزُّهْرِيّ. (¬2) وَأَضَافَ ابنُ حَجرٍ كَمَا فِي النُّكت (2/ 546) قَيدًا آخر هو: إذَا سمِعَهُ التَّابِعيّ من غير النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ومثاله: التَّنُوخِيّ الذي أَرْسَلَهُ هِرَقلُ إلى النّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وسمع منه، ولم يُسلم إلا بعد موت النّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (¬3) المراسيل، لأبِي دَاودَ، كِتَابُ الطَّهَارَةِ, (ص 74)، برقم (5).

الحديث المنقطع

سبق وأَنْ شَرَحْتُ الحديث الغَرِيب فِي بَابِ الحديث العَزِيزِ والحديث المشهور، لِمشابهة هذا النوع للعزيز والمشهور؛ ولاشتراكهم في حَيْثِيةِ عدد الطُّرق، فلا دَاعِي للتكرار هُنَا. الحدِيثُ الْمُنْقَطِعُ: ثم تكلم النَّاظمُ رَحِمَهُ الله عَنْ مَبْحَثٍ آخَرَ مِن أَنْواعِ الحديثِ الضَّعِيف فَقَالَ: 17 - َكُلُّ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بحال ... إسْنَادُهُ مُنْقَطِعُ الأوْصالِ قَولُهُ: َكُلُّ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بحال: أَي كُلُّ حَدِيثٍ لم يتَّصل بِحَال من الأَحْوَال إسْنَاده سَوَاء سقط مِنْهُ راو وَاحِد أَو أَكثر، أَو كَانَ السَّاقِط صَحَابيا أَو غَيره، أو كان فِي أَوله أَو آخره فهو حَدُّ الحديث الْمُنْقَطع. والأوصال: فِي اللغة مُجْتَمَعُ العِظامِ وأَصْلُه من الوَصْلِ، كَذَا قَالَ النَّاظم رحمه الله، وهَذَا الحدّ ليس جَامِعًا مَانعًا؛ لأنَّه يُدْخِلُ فيه مَا ليس منه مثل الحديث الْمُعْضَل والْمُرْسَل والْمُعَلق؛ والحدُّ الصَّحِيحُ للحدِيثِ الْمُنْقَطع هو: إسناد الحديث الذي سَقَط منه راوٍ وَاحِد قبل الصَّحَابِيّ فِي أي مَوضِعٍ من الإسناد. ومثاله: ما رَوَاهُ أَبُو دَاودَ في السنن فقال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصَّلاةُ الْمَكْتُوبَةُ وَاجِبَةٌ خَلْفَ كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا وَإِنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ». (¬1)، فَهُو منقطعٌ بين مَكْحُولٍ وأَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -؛ والسبب أَنَّ مَكْحُولا هَذَا وهُو أَبُو عَبْدِ الله الشَّامي لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحابةِ إلا ثلاثةٍ ليس منهم أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -. ¬

_ (¬1) السنن، لأبِي دَاودَ، كِتَاب الصَّلاةِ، بَابُ إِمَامَةِ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، (1/ 162)، برقم (594).

الحديث المعضل

تَنْبِيهٌ: الحديثُ الْمُنْقَطعُ من صِفَات الإِسْنَاد بِخِلاف الْمَقْطُوع فَإِنَّهُ من صِفَات الْمَتْن، والفَرْقُ بَيْنَ الْمُرْسَل والْمُنقَطع: أَنَّ الْمُرْسَل يكون السَّقْطُ فيه مِن أَوِّلِ السَّند مِن جِهة النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، والْمُنقَطع يكون السَّقْطُ فيه أثناء الإسناد. الحدِيثُ الْمُعْضَلُ: ثم عَرَّفَ النَّاظمُ رَحِمَهُ الله نوعًا آخَر مِن أَنْواعِ الحديثِ الضَّعِيف فَقَالَ: 18 - والْمُعْضَلُ السَّاقِط مِنه اثنانِ ................. قوله: والْمُعْضَلُ اسْم الْمَفْعُول، وفِي اللغةِ الأَمر الْمُعْضِل: الَّذِي قد أَعْيَا صَاحِبَهُ القِيامُ بِهِ، وفِي الاصطلاح: هو الحَدِيث السَّاقِط مِنْهُ اثْنَان فَأَكْثَر مِنْ سَنَدِهِ عَلَى التَّوالي من أَيِّ مَوضِعٍ فِي الإسْنَادِ، واشْتُرِط فيه التَّوالي لِتَمْييزِهِ عَنِ الْمُنْقَطِعِ، ومثاله: مَا رَوَاهُ الإمامُ مَالِكٌ في الْمُوَطَّأ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: بَلَغَنِي، أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، كَانَ يَقُولُ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ». (¬1) مَعْلُومٌ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ وَهُوَ الزُّهْرِيّ مِن صِغَار التَّابِعين، سَقَطَ اثْنَان بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه - عَلَى أَقَلِّ تَقْدِيرٍ، وكُلُّ مَا يَرويه الإمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ- وأَمثَالُهُ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابعين- عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، كَالزُّهْرِيِّ، وَقتَادَةَ، وَحُمَيدٍ الطَّويل فِإنَّ الغَالب أَنْ مَرَاسِيلَهُم قَدْ سَقَطَ مِنَها اثنان إِنْ لَمْ يَكن أَكْثَر؛ ولِذَا كانت مَرَاسِيلهُم أَوْهَى الْمَرَاسِيل أيِّ مُعْضَلَة. ¬

_ (¬1) الْمُوَطَّأ، للإمَامِ مَالك رواية محمد بن الحسن الشَّيْبَانيّ، كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ: مَا رُخِّصَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَقْتُلَ مِنَ الدَّوَابِّ، طبعة المكتبة العلمية، المدينة المنورة، ق: عبد الوهاب عبد اللطيف، (ص 147)، برقم (430).

الحديث المدلس

فَوَائدٌ مُهِمَةٌ: • أَكْثرُ أَهْلِ العِلم عَلَى أَنْ مَرَاسِيلَ صِغَار التَّابِعِين مُعْضَلة فَهُم لَمْ يَسْمَعُوا مِن الصَّحَابةِ إلا القَلِيل النَّادر، وغَالب الإرسال يكون لِتَحْصِيل عُلُوّ الإسْنَاد. • يمكن تسمية حديث واحد مُرْسَلاً ومُعْضَلاً، وصورة ذلك أَنْ يَرْوِي تَابِعيّ حَدِيثًا عَن رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَهَذَا مُرْسَلٌ وبالتَّتبعِ يَتَبين أَنَّ التَّابِعي أَسْقَطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - رَجُلين أو أكثر أو صحابيَّين فيكون مُعْضَلاً كَذَلِكَ. • إذا سقط وَاحِدٌ بَين رجلَيْنِ، ثمَّ سَقَط آخر فِي مَوضِعٍ ثانٍ من الإسْنَادِ فَهُوَ مُنْقَطع فِي موضِعين وليس مُعْضَلاً. الحدِيثُ الْمُدَلَّسُ: ثم انتقل النَّاظمُ رَحِمَهُ الله إلى مَبْحَثٍ آخَر مِن أَنْواعِ الحديثِ الضَّعِيف فَقَالَ: .................... ومَا أَتى مُدلَّسًا نَوعَانِ 19 - الأَوَّلُ: الاسْقَاطُ لِلشَّيْخِ وَأَنْ ... يَنْقُلَ عَمَّنْ فَوْقَهُ بِعَنْ وَأَنْ 20 - والثَّانِ: لاَ يُسْقِطُهُ لَكِنْ يَصِفْ ... أَوْصَافَهُ بِمَا بِهِ لاَ يَنْعَرِفْ قَولُهُ: ومَا أتى مُدَلَّسًا بِفَتْح اللام الْمُشَدّدَة وهو فِي اللغَةِ مِنَ الدَلَسِ ومَعْنَاه اخْتِلاط الظَّلام بِالنُّورِ، ويأتي بمعنَى الخفاء (¬1)، وفِي الاصطلاح: هُوَ نَوعَان: النَّوْعُ الأَوَّلُ تَدْلِيس الإسْنَادِ: وهو الإسْقَاطُ لِلشَّيْخِ وَأَنْ يَنْقُلُ عَمَّنْ فَوْقَهُ أَيِّ أَنْ يَرْوِيَ الرَّاوِي روايَتَه بِصيغَةٍ مُحْتَمِلَةٍ - بِعَنْ وَأَنْ - تُوهِمُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ شَيْخِه وَهُو لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، بل سَمِعَ منه بِوَاسِطِةِ شيخٍ آخر أَسْقَطهُ. وقد فَصَّل أَهْل ¬

_ (¬1) لسان العرب، لابن منظور الأنصاريّ الإفريقيّ، (6/ 7).

الحديث في رواية الْمُدَلِّس: فإذا صَرَّحَ فِي الرِّواية بالسماع قُبِل؛ وإذا لم يُصَرّح بالتَّحدِيثِ وأتى فيه بلفظ مُحْتَمَلٍ مثل: "عَنْ" أو "قَالَ" أو "أَنْ"، فلا يُقْبَل. ومثاله: مَا أَخْرَجَه أَبُو دَاوُدَ فِي السنن فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَالَتْ: كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَكَانَ بِلالٌ يُؤَذِّنُ عَلَيْهِ الْفَجْرَ فَيَاتِي بِسَحَرٍ فَيَجْلِسُ عَلَى الْبَيْتِ يَنْظُرُ إِلَى الْفَجْرِ، فَإِذَا رَآهُ تَمَطَّى ... الحديث. (¬1)، الإسناد فيه مُحَمَّد بْن إِسْحَاقَ وهو مُدَلِّس وَصَفَهُ بِذَلكَ جَمَاعةٌ من نقاد الحديث، ولَمْ يُصَرِّح هنا ابْنُ إِسْحَاقَ بالسَّماع ممن فوقه فِي الإسنادِ وهو مُحَمَّد بْن جَعْفَرِ، فلا يُقْبل حتَى يُصَرِّح بالتَّحدِيث مِنْ شَيخِهِ. وأمَّا النَّوْعُ الثَّانِي تَدْلِيس الشُّيوخِ أو الأسْمَاءِ: وهو أَنَّ الرَّاوي الْمُدَلِّس لاَ يُسْقِطُهُ أَيِّ يَعْنِي شيخه؛ لَكِنْ يَصِفْ أَوْصَافَهُ بِمَا بِهِ لاَ يَنْعَرِفْ، أَيِّ أَنَّ الرَّاوي يَصِف شَيخه بأوصافٍ لم يُشْتَهر بِهِا مِنْ اسمه أو كُنْيَتِه أو نَسَبِه أَو لقبه، والمقصود من ذلك إيهام السَّامع أَنَّ الشَّيخ الذي يَرْوِي عَنْهُ غير المعروف لدى السَّامِع فَيُظَن التَّعَدُّد والتَّكثّر ولا تَعَدُّد، ومثاله: رَوَى ابنُ جريجٍ - وهو مُدَلِّس - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى الأَسْلَمِيّ وهو ضَعِيف جِدًا، فَكَان يَقُولُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَطَاءٍ! وأَبُو عَطَاء جَده. ومن تدليس الأسماء تدليس البُلدان كذلك، مِثل أَنْ يَقُولَ الرَّاوي حَدَّثَنِي فُلانٌ بالْمَدِينةِ وهو يَعْنِي الْمَدِينةَ التي يَسْكُن فِيهَا. فائدةٌ دَقِيقةٌ: لَمْ يَذْكُر النَّاظم الْمُرسَل الْخَفِيّ، وهو: أَنْ يَرْوِي الرَّاوي عَمَّن عَاصَرهُ أو لَقِيهُ ولَمْ يَسْمعْ منه، ومثاله: رواية قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَر - رضي الله عنهم -، وَقَتَادَةُ بْنُ ¬

_ (¬1) السنن، لأبِي دَاودَ، كِتَاب الصَّلاةِ، بَابُ الأَذَانِ فَوْقَ الْمَنَارَةِ، (1/ 143)، برقم (519).

الحديث الشاذ

دِعَامَةَ هو السَّدُوسِيُّ مُدِلِّس عَلَى جَلالَةِ قَدْرِه، كَانَ مَوْلِدُه: فِي سَنَةِ سِتِّيْنَ (60 هـ)، ومعلوم أنَّ ابْنَ عُمَر - رضي الله عنهم - مات بِمَكْةَ سنة ثلاث وسبعين (73 هـ)، الْمُتَأمِّل يَجد أَنَّ قَتَادَةَ عَاصَر ابْنَ عُمَر - رضي الله عنهم -؛ ولكِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنهُ شَيْئًا، واختلف أَهْلُ الحدِيثِ فِي صُورةِ الْمُرسَل الْخَفِيّ، هل يَدْخُل فِي التَّدليس أم لا؟ ، والأَوْلَى عدم إلحاقه بالتَّدليس، والفَرْقُ بَيْنَ التَّدِلِيسِ وبَيْنَ الْمُرْسَلِ الْخَفِيّ هو: أَنَّ التَّدْلِيس هُوَ رِوَاية الرَّاوِي عَنْ شَيْخِهِ مَا لَمْ يَسْمَعهُ مِنهُ. وأَمَّا الْمُرْسَل الْخَفِيّ: أَنْ يَرْوِي الرَّاوِي عَمَّنْ عَاصَره ولم يَلقه أو يَسْمَعْ مِنهُ. مِن أَسْبَابِ التَّدلِيس: 1 - القُربُ مِن الشَّيخِ، والعُلُوّ فِي الإسْنَادِ. 2 - أَحْيَانًا قد يَكُون لإخفاء الضَّعف أو الجهالة فِي الإسْنَادِ. 3 - أَحْيَانًا يَكُون الرَّاوي خَائِفًا عَلَى نَفْسِهِ مِن عَيبِ شَيْخِهِ، أو بِدْعَتِهِ. الحدِيثُ الشَّاذُ: ثم انتقل النَّاظمُ رَحِمَهُ الله إلى الكلام عَنِ الحدِيثِ الشَّاذ فَقَالَ: 21 - وما يُخَالِف ثِقَةٌ بِهِ الْمَلا فَالشَّاذُّ ................ قوله: وَمَا يُخَالف: أي إذا خَالَف رَاوٍ ثِقَةٌ: وهو العَدْلُ الضَّابِط فِي سِنَدِ أَو مَتْنِ حديثه بِزِيَادَةٍ أَو نُقْصَان، الْمَلا: أَي خَالَفَ جَمَاعَةً مِن الثقات فِيمَا رَوَوهُ أَو من كان أَحْفَظَ مِنْهُ، مَعَ عدم إِمْكَان الْجمع بين الْمَرويَّاتِ، وأَمَّا إِذَا أمكن الْجمع فَلا يَكُونُ شَاذًّا ويُقْبل الْحَديث حِينَئِذٍ، فَهَذَا حَدُّ الحديثِ الشَّاذ الْمُشْتَرط انتفاؤه فِي حَدِّ الصَّحِيح. ومَعْنَى الشَّاذّ في اللغة: شَذَّ الرَّجلُ من أَصْحَابِهِ، أي: انْفَردَ عَنْهُم (¬1)، وقد اختار ¬

_ (¬1) كتاب العين، للخليل بن أحمد بن الفراهيدي (ت: 170 هـ)، طبعة دار هلال، ق: د مهدي المخزومي، د إبراهيم السَّامرائي، (6/ 215).

النَّاظم هذا التَّعريف للشَّاذِّ كما أَشَارَ إليه الإمَامُ الشَّافعيّ - رحمه الله - فِي قَولِهِ: " لَيسَ الشَّاذُّ مِنَ الحديثِ أَنْ يَرْوِيَ الثِّقَةُ مَا لا يَرْوِي غَيْرُه؛ إنَّما الشَّاذُّ أَنْ يَرْوِي الثِّقَةُ حَدِيثًا يُخَالِفُ مَا رَوَى النَّاسُ" (¬1). الخلاصةُ: أنَّ الحديث الشَّاذّ هو مَا رواه الثِّقَةُ مُخَالِفًا لِمَنْ هُوَ أَوْثَقُ منه، أو مُخَالفًا جَمَاعةً من الثِّقات، أو مُخَالفًا مَنْ هُو أولَى منه بالقَبولِ، ويكون الشُّذُوذ فِي السَّنَدِ، وفِي الْمَتْنِ. مِثَال الشُّذُوذ فِي السَّنَد: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السنن فقال: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَوْسَجَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلا مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا إِلا غُلامًا لَهُ كَانَ أَعْتَقَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ لَهُ أَحَدٌ؟ » قَالُوا: لا، إِلا غُلامًا لَهُ كَانَ أَعْتَقَهُ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيرَاثَهُ لَهُ». (¬2) والصَّحيحُ المحفوظ: مَا رَوَاهُ الترْمِذِيُّ فِي السنن فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَوْسَجَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ رَجُلا مَاتَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا إِلا عَبْدًا هُوَ أَعْتَقَهُ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيرَاثَهُ». (¬3)، فالمشهور عند أهل الحديث أنَّ الحديث من طريق ¬

_ (¬1) رَوَاهُ أَبُو بَكرٍ البَيْهَقِيُّ (ت: 458 هـ) عنه في معرفة السنن والآثار، دار قتيبة، بيروت سنة 1412 هـ، ق: عبد المعطي أمين قلعجي، (1/ 143)، برقم (169). (¬2) السنن، لأبِي دَاودَ، كِتَاب الْفَرَائِضِ، بَابٌ فِي مِيرَاثِ ذَوِي الأَرْحَامِ، (3/ 124)، برقم (2905). (¬3) السنن للترمذي، أَبْوَابُ الْفَرَائِضِ، بَابٌ فِي مِيرَاثِ المَوْلَى الأَسْفَلِ، (4/ 423)، برقم (2106).

الحديث المقلوب

"سُفْيَان" وهو ابن عُيَيْنَةَ الْمَكيّ، وليس من طرق "حماد" وهو هنا ابن سَلَمَةَ البَصْرِيّ، فصار الحديث شاذًا من جهة الإسناد. ومِثَال الشُّذُوذ فِي الْمَتْن: مَا رَوَاهُ الترْمِذِيُّ فِي السنن فقال: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ العَقَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَتَيِ الفَجْرِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ». (¬1) والصَّحيحُ المحفوظ: ليس مِن قَولِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وإنَّمَا هو من فعله - صلى الله عليه وسلم -، كما أخرجه البُخَارِيُّ فِي صحيحه فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيد، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ». (¬2)، وبهذا يُعْلَم أَنَّ الشَّاذَّ يُقابله الْمَحْفُوظ لاشْتِمَاله عَلَى صِفَةٍ مُقْتَضِية للترجيح ككثرة العدد أَو قُوَّة الحفظ، أو الأَوْلَى مِنهُ، وَيُحْكَم بِذَلكَ بالسَّبرِ والْمُقَارَنه بين الْمَرْويَّات وقَرَائِنِ الترجيح. الحدِيثُ الْمَقْلُوبُ: ثم قام النَّاظمُ رَحِمَهُ الله بتعريف الحدِيثِ الْمَقْلُوب وهو من أنواع الضَّعيف فَقَالَ: ..................... والَمقْلُوبُ قِسْمَانِ تَلا 22 - إبْدَالُ رَاوٍ مَا بِرَاوٍ قِسْمُ ... وَقَلْبُ إسْنَادٍ لِمَتْنٍ قِسْمُ ¬

_ (¬1) المصدر نفسه، أَبْوَابُ الصَّلاةِ، بَاب مَا جَاءَ فِي الاضْطِجَاعِ، (2/ 281)، برقم (420). (¬2) الجامع الصحيح، كِتَابُ الجُمُعَةِ، بَابُ الضِّجْعَةِ عَلَى الشِّقِّ الأَيْمَنِ، (2/ 55)، برقم (1160).

والَمقْلُوبُ: فِي اللغة: ِ اسم مَفْعُول مِن "قَلْب الشَّيء" إذا صَرَفَه عَن وَجْهِه، وَهُوَ تَبْدِيل شَيْء بآخر، وفِي الاصطلاحِ: يَكُونُ الْمَقْلُوبُ تَارَةً فِي الإِسْنَادِ وَتَارَةً فِي الْمَتْنِ، قِسْمَانِ: الأَوْلُ: إبْدَالُ رَاوٍ مَا بِرَاوٍ أيّ أَن يكون الحَدِيث مَعروفًا عند المحدثين براوٍ مَا فَيجْعَل مَكَانَهُ راو آخر فِي طبقته، أو يُقْلِب اسم الرَّاوي، أو يبدل اسم الرَّاوي بكنيته، وأمثلة ذلك: 1 - إبدالُ الرَّاوِي، فمثلاً الزُّهريِّ، عَن أَبِي سَلَمَةَ. يأتي الرَّاوي ويقلبه فَيُقُول: الزُّهْريّ عَنْ سَعِيدٍ، ومثاله: ما رَوَاهُ يَعْلَى بْنُ عُبيد الطَّنَافِسي، عن الثَّورِيِّ، عَنْ عَمْرو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ ابْنِ عُمَر، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» (¬1)، غَلَط يَعْلَى فِي قَولِهِ: عَمْرو بْن دِينَارٍ والصَّحيحُ إنمَّا هُوَ عَبْد الله بن دينار، كَمَا رَوَاهُ الأئمة من أصحاب الثوري، وكما أخرجه النَّسائي فِي السنن فقال: أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونَ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ». (¬2) 2 - إبْدَالُ اسم الرَّاوي، مثل: سَعَدُ بْنُ سِنَانٍ، يأتي الرَّاوي ويقول: سِنَانُ بْنُ سَعدٍ. 3 - إبْدَالُ كُنْيَة الرَّاوِي، مثل: هُو مَعروف بِأَبِي سِنَانٍ، فَيَاتِي الرَّاوِي ويَقُول: عَنْ سِنَانٍ. ¬

_ (¬1) أشار إليه علي بن عمر الدَّارقطنيُّ (ت: 385 هـ) في العلل، طبعة دار طيبة، الرياض سنة 1405 هـ، ق: محفوظ الرحمن زين الله السلفي، (13/ 168)، سؤال رقم (3053). (¬2) السنن، للنسائي، كِتَابُ الْبُيُوعِ، ذِكْرُ الاخْتِلافِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، (7/ 251)، برقم (4480).

4 - التَّقْدِيم والتَّأخير، فَيَجْعل شَيْخِ الرَّاوِي تِلْمِيذه، وَبِالْعَكْسِ. وأَمَّا القِسْمُ الثَّاني: قَلْبُ إسْنَادٍ لِمَتْنٍ أي أنَّ الرَّاوي يَرْوِي مَتْن حَديث مَا بإسنادِ حديثٍ آخر له مَتْن غيره، فَيجْعَل إسناد الحديث الثَّانِي لِمَتْنِ الحديث الأول، وقد يقع هذا إمَّا خطأ أو عمدًا، فأمَّا مثال ما وقع من ذلك بالخطأ: مَا أَخْرَجه الترْمِذِيّ في العلل الكبير فقال: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ , وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ , قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَارِظٍ , عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ , عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ». سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: هُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ , وَسَأَلْتُ إِسْحَاقَ بْنَ مَنْصُورٍ عَنْهُ فَأَبَى أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ , وَقَالَ: هُوَ غَلَطٌ , قُلْتُ لَهُ: مَا عِلَّتُهُ؟ قَالَ: رَوَى عَنْهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ , عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَارِظٍ , عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ , عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ , وَثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ». (¬1) وأصل القَلبِ الذي اعترى هذا الحديث، أّنَّ مَعْمَرَ بْنَ رَاشِدٍ -وهو ثِقَةٌ ثَبْت- أوهم فأبدل إسناد حديث «كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ , وَثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ»، بإسناد حديث «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، مُخَالِفٌ بذلك جمعًا من الثقات، وأَشَارَ إلِى هذا الحافظ البيهقي في السنن فقال: "وخَالَفَهُم مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ فَرَواهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ إبْرَاهِيم بْنِ عَبْدِالله بْنِ قَارِظٍ، عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزيد، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قال: قال رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ». (¬2) ¬

_ (¬1) العلل الكبير للترْمِذِيِّ، رتبه أبي طالب القاضي، طبعة عالم الكتب، بيروت، سنة 1409 هـ، تحقيق: السيد صبحي السامرائي، (1/ 121) برقم (208). (¬2) البيهقي: أحمد بن الحسين، أبو بكر (ت: 458 هـ)، السنن الكبرى طبعة مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، سنة 1414 هـ، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، (ج 4/ص 265).

الحديث الفرد

وأما تَعَمُد قَلْب إسْنَاد لِمَتْنٍ: إِنَّمَا يفعل ذَلِك لقصد الْكَشْف عَن حَالِ الْمُحدث مِثَاله مَا وَقع لأهل بَغْدَاد مَعَ إِمَام الْفَنّ البُخَارِيّ لما قدم عَلَيْهِم جمعُوا لَهُ مائَة حَدِيث وَجعلُوا متن هَذَا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هَذَا الْمَتْن لمتن آخر وألقوا ذَلِك عَلَيْهِ فَرد كل متن إِلَى إِسْنَاده وكُلّ إسنادٍ إِلَى مَتنه، فَأقر لَهُ النَّاس بِالْحِفْظِ وأذعنوا لَهُ بِالْفَضْلِ. الحدِيثُ الفَرْدُ: ثم انتقل النَّاظمُ رَحِمَهُ الله إلى الكلام عَنِ الحدِيثِ الفَرْد فَقَالَ: 23 - والفَردُ مَا قَيَّدْتَهُ بِثِقةٍ ... أَوْ جَمْعٍ أوْ قَصْرٍ عَلَى رِوَايةِ والفَردُ في اللغةِ: مِنَ التَّفَرّد، وَهُوَ عَدَمُ الْمُشَارَكة، أو يُقَالُ الوتر (¬1). وأمَّا في الاصطلاح كَمَا عَرَّفَهُ النَّاظم رحمه الله بِقَولِهِ: مَا قَيَّدْتَهُ بِثِقةِ أي معناه: أَنْ يَتَفَرَّدَ بِالحَدِيثِ عَن رَاوٍ مُعَيَّنٍ ثِقَةٌ مِن أَصْحَابِهِ أو تَلامِيذِهِ، وهو الْفَردُ الْمُقَيدُ. مثل قول النُّقاد: "هَذَا حَدِيثٌ لم يروه ثِقَةٌ عَنْ قَتَادَةَ إِلا فُلانٌ"، مَع أَنَّ الْحَدِيث نَفْسَه قد رُوِىَ عَنْ قَتَادَةَ؛ ولَكنْ قد رُوِىَ عَنْهُ مِن قِبَلِ الضُّعَفَاء. ومثاله: مَا أَخْرَجَه البُخَارِيُّ فِي صحيحه فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَامَ الفَتْحِ، وَعَلَى رَاسِهِ المِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ فَقَالَ: «اقْتُلُوهُ». (¬2)، لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيث عَنْ الزُّهْرِيِّ مِن الثِّقَاتِ إلا مَالِكٌ بْنُ أَنَس، عَلَى الرَّغمِ مِن أنَّ الْحَدِيثَ قد رُوِىَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مِن رِوَايةِ الضُّعَفَاءِ. ¬

_ (¬1) الصحاح تاج اللغة، للجوهري، (2/ 518). (¬2) الجامع الصحيح، للبُخَاريّ، كِتَابُ الحَجِّ، بَابُ دُخُولِ الحَرَمِ، وَمَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ، (3/ 17).

وأمَّا قَولُ النَّاظم: أَوْ جَمْعٍ أي ما قُيِّدَ بِجَمْعٍ مُعَينٍ مثل ما قُيِّدَ بتفردِ أَهل بَلْدَةٍ مُعينة برِوَايةِ حَدِيثٍ مَا، ولا يُرْوَى إلا مِن طَرِيقِهم، كَقَولِ النُّقاد: "هَذَا حَدِيثٌ لم يروه إلا أهلُ الشَّامِ أو أَهلُ الْمَدِينة"، وهَذَا هُو التَّفرد النِّسبيّ أي نسبةً لِجِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ، ومثاله: مَا أخرجه أَبُو دَاوُدَ في السنن فقال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، وَأَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا دَلْهَمُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ حُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ النَّجَاشِيَّ أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُفَّيْنِ أَسْوَدَيْنِ سَاذَجَيْنِ، فَلَبِسَهُمَا ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «هَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ الْبَصْرَةِ». (¬1) وأمَّا قَولُ النَّاظم: أوْ قَصْرٍ عَلَى رِوَايةِ معناه: ما تَفَرَّدَ بهِ رَاوٍ مَقْصُورًا عَلَى رِوَايةِ راوٍ مُعَيَّنَةٍ، ومثاله: ما أخرجه أَبُو دَاوُدَ في السنن فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَدَاوُدُ بْنُ شَبِيبٍ الْمَعْنَى قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ بِلالاً أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِعَ فَيُنَادِيَ: «أَلا إِنَّ الْعَبْدَ، قَدْ نَامَ أَلا إِنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ»، زَادَ مُوسَى: فَرَجَعَ فَنَادَى: أَلا إِنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَيُّوبَ، إِلا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ». (¬2) والخلاصة: أنَّ التَّفَرد عِنْدَ النَّاظِمِ عَلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ: 1 - التَّفرد الْمُقَيَّد بِثقةٍ، وهو أَنْ يَتَفَرَّدَ ثِقَةٌ مِن أَصْحَابِ رَاوٍ مُعَيَّنٍ بِالحَدِيثِ عَنه. 2 - التَّفرد النِّسبيّ أي نسبةً لِجِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وهو ما قُيِّدَ بِتَفَرّدِ أَهْلِ بَلْدَةٍ مُعينة. 3 - أَنْ يتَفَرَّدَ الرَّاوِي برِوَايةِ راوٍ مُعَيَّنَةٍ مَقْصُورةً عَلَيه، مثل: تَفْرَّد بِهِ فُلانٌ عَنْ فَلانٍ. ¬

_ (¬1) السنن، لأَبِي دَاوُدَ، كِتَاب الطَّهَارَةِ، بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، (1/ 39)، برقم (155). (¬2) السنن، لأَبِي دَاوُدَ، كِتَاب الصَّلاةِ، بَابٌ فِي الأَذَانِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ، (1/ 146)، برقم (532).

الحديث المعلل

الحدِيثُ الْمُعَلَّلُ: ثم انتقل النَّاظمُ رَحِمَهُ الله إلى مَبْحَثٍ آخَر مِن مَبَاحِثِ عُلُوم الحدِيثِ فَقَالَ: 24 - ومَا بعِلَّةٍ غُمُوضٍ أَوْ خَفَا ... مُعَلَّلٌ عِنْدَهُمُ قَدْ عُرِفَا الْمُعَلَّلُ فِي اللغةِ: اسم مَفْعُول من أعَلَّه فهو مُعَلّ ومعناه مَرِيض أو عَلِيل (¬1)، وأجاز بَعضُ أَهْلِ العلم لفظة "مُعَلَّل"، وإلا فإنَّ الأصح لغةً أَنْ يُقَالُ "حديثٌ مُعَلّ"، ويقولون: "حَدِيثٌ مَعْلُولٌ"، وقد أنكرها بعضهم؛ لكنَّ الأَمْرَ يَسِيرٌ فِيهَا، والْخَطْبَ هَينٌ، وفِي الاصطلاح: ومَا بعِلَّةٍ غُمُوضٍ أَوْ خَفَا أي أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي اعتراه سَبَبٌ غَامِضٌ أو خَفِيّ قَادِحٌ فِي إسْنَادِهِ أَو فِي مِتْنِهِ مَعَ أَن الظَّاهِر السَّلامَة مِنْهُ، مُعَلَّلٌ عِنْدَهُمُ قَدْ عُرِفَا أي أنَّ هَذَا التَّعريف هُوَ حَدُّ الحديث عند أَهْلِ الفَنِ؛ ولا يمكن أَنْ تُدْرَكَ الْعلَّةُ إلا بعد جَمْعِ الطُّرقِ والفَحص عَنْهَا والسَّبر لجميع مرويَّات الرَّاوِي ومقارنة ذلك بمرويَّات الثقات، وتُعْرَف بأدلةٍ متعددة منها: التَّفرد، والْمُخالفة، والمقارنات وغيرها من الدَّلائل التي تَدُلّ عَلَى العِلَّةِ. الفَرْقُ بَيْنَ العِلَّةِ وِأَدِلَّتِها وَأَسْبَابِهَا: لكي يُدْرِك الدَّارس حقيقة العِلّة يجب عليه أَنْ يُفِرقْ بَيْنَ العِلَّةِ ذَاتها، وبَيْنَ أَدِلَّتِها أو القَرَائِنِ التِي كَشَفَتْ للنَّاقد أصل العِلّة، وبَيْنَ أسباب العِلَّةِ. أولاً: دلائل العلة: وهي تلك الدَّلائِل والعَلامَات والظَّواهِر التِي يُسْتَدَلُّ بها ويَظْهر من خلالها أَنَّ حَدِيثًا مَا قد أَصَابته عِلَّة، وهِي عَلامَات عَلَى وقُوعِ العِلَّةِ ولا يُدْرِكَهَا إلا العَالِمُ المتخصص والحافظ البصير والنَّاقد الجهبذ كَعِلل الأبدان لا يُدْرِكَهَا إلا الطبيب البَشَريّ، بل قد تظهر لِغَيْرِهِ مِمَّن هو دونه في العِلمِ والدِّرايةِ والخبرةِ أنها سَلِيمَة صَحِيحَة، وهَذِهِ الظَّواهر هي التِي يُسَميها المحدثون قَرَائِن ¬

_ (¬1) معجم مقاييس اللغة، لأحمد بن فارس القزويني (ت: 395 هـ)، دار الفكر، بيروت سنة 1399 هـ، ق: عبد السلام محمد هارون، (4/ 14).

التَّعليل ويَسْتَدلُون بها عَلَى عِلَّةٍ مَا قد وقعت في الرِّواية مثال ذلك: التَّفرد، والْمُخالفة، والتَّصحيف والرِّواية بالمعنَى. خريطة ذهنية لبيان قَرَائِن وأَسْبَاب التَّعليل ثَانيًا: العلة ذاتها: وهي الخطأ الذي اعترى الرِّواية من وصل حديث مُرْسَل، أَوْ رَفعِ مَوقُوف، أَوْ زَيادة فِي إسنادٍ أَو نَقْصٍ، أَو تَبْدِيل فِي مَتْنٍ، أَوْ قَلْب إسناد، أَوْ قَلْب مَتْن وغيرها من العِلل، وغالب العلل تكون مبنية على الاختلاف، ويظْهر هَذَا الأَمر الْخَفي للنقاد بعد الْبَحْث عَن طُرِقِ الْحَدِيثِ والنظر فيها ومقارنتها بعضها ببعض والتَّحقيق والتَّحري الحثيث، ثم بعد ذلك تظهر له مُرجِحَات فيَهْتَدِي النَّاقِد بذلك إِلَى قرائن التَّرجِيح مثل أَنْ يَكُونَ الرَّاوي أثبت فِي شَيْخٍ مِن غَيْرِهِ؛ كَقَولِ ابْنِ مَعِينٍ: "حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي ثَابِتٍ البُنَانِيِّ ". فيقوم النَّاقد بِتَصْويبِ الخطأ فِي الْحَدِيثِ الْمَوْصُولِ مثلا فيقول الصحيح أَنَّ هَذَا الحديث مُرْسَل وليس مَوْصُولاً، أَو تصويب وقف فِي الْمَرْفُوع، أَو معرفة إدراج حَدِيث فِي حَدِيث وَنَحْو ذَلِك. ثَالثًا: أسباب العلة وهي الأسباب التي أَدَّتْ إلِى حُدُوثِ الخطأ أو الخلل في الرِّواية كقرينة ضعف الثِّقة فِي بَعضِ شُيُوخِهِ، أو ضَعْفِهِ فِي بَعضِ البُلدانِ، مثل حكم الإمام أحمد بن حنبل فِي مَرْوِيَّاتِ الحكم بن عطية عَنْ ثابت، فَقَالَ: "هَؤُلاء

الحديث المضطرب

الشُّيوخ يُخْطِئونَ عَلَى ثَابِتٍ"، وذكر للحكم بن عطية عن ثابت عن أنس أحاديث مناكير. وقال أيضاً: "سُهَيْلُ ابْنُ حَزْمٍ يَرْوِي عَنْ ثَابتٍ مُنْكَرات". تنبيه هام: بَيْنَ الْحَدِيثِ الْمُعَلَّل والْحَدِيثِ الشَّاذّ عُموم وخصوص، فكُلّ حَدِيثٍ شَاذّ يُعتبر مُعَلّ، أو يُعتبر نوع مِن أَنْواعِ العِلَّةِ، والحديث الْمُعَلّ أعمُّ من الشَّاذ؛ لأَنَّ الحديث الْمُعَلّ يدخل تحته أنواع أخرى من العِلّل كثيرة غير الشُّذُوذِ فاشترك الشَّاذُّ والْمُعَلُّ فِي الْمُخَالفةِ وتَمَيَّز الشَّاذُّ عَنْ الْمُعلّ باقتران التَّفَرد والْمُخَالَفَة مَعًا، وغَالبُ العِلل مَبْنِي عَلَى الاخْتِلاف مثل: 1 - الاخْتِلافُ فِي الوَصْلِ والإرْسَالِ. 2 - الاخْتِلافُ فِي الوَقْفِ والرَّفْعِ. 3 - الاخْتِلافُ فِي الزِّيَادةِ والنُّقْصَانِ. 4 - الاخْتِلافُ فِي إبدالِ رَاوٍ مَكَانَ آخر فِي الإسْنَادِ. الحدِيثُ الْمُضْطَرِبُ: ثم تَنَاول النَّاظمُ رَحِمَهُ الله مَبْحَثًا مُنَاسِبًا بَعد العِلّل، وهو الحديثِ الْمُضْطَرِب فَقَالَ: 25 - وذُو اخْتِلافِ سَنَدٍ أَوْ مَتْنِ ... مُضْطَرِبٌ عِنْدَ أُهَيْلِ الْفَنِّ والاضطراب لغةً: هو الاخْتِلافُ، تَقُولُ اضْطَربَ الشَّيءُ إذَا اخْتَلَفَ وتَغَيَّر، وأَحْوَالٌ مُضطربةٌ أي مُخْتَلِفةٌ مُتَغَيِّرةٌ، وفِي الاصطلاح: قول النَّاظم: وذُو اخْتِلافِ سَنَدٍ أَوْ مَتْنِ أي هو الحديث صَاحب الاخْتِلاف فِي السَّنَدِ أو فِي الْمَتْنِ مثل كَمَا هُوَ الْغَالِب: أن يَرْوي الحديث جماعةٌ بالرَّفع، ويرويه آخرون بالوقْفِ،

وهَكَذَا فِي الوصل والإرسال، أو زيادة ونقصان، ويكون الخلاف بين الْمَرْوِيَّاتِ شَدِيدًا بحيث لا يمكن الترجيح بَيْنَ هذه الوجوه المختلفة، هو مُضْطَرِبٌ عِنْدَ أُهَيْلِ الْفَنِّ أي أنَّ الْحَدِيثَ الْمَوْصُوف بِمَا ذَكَرنا مَشْهُور عِنْدهم بالحديث الْمُضْطَرِب، ومثاله: ما أخْرَجَه الترمِذِيّ فِي السنن فقال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ كَعْبِ ابْنِ عُجْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَلاَ يُشَبِّكَنَّ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، فَإِنَّهُ فِي صَلاَةٍ». ثم قَالَ الترْمِذِيُّ: حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ مِثْلَ حَدِيثِ اللَّيْثِ. وَرَوَى شَرِيكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ هَذَا الحَدِيثِ. وَحَدِيثُ شَرِيكٍ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. (¬1)، ورد هذا الحديث كما أشار الترمذي بعدة طرق مختلفة ولا يمكن الجمع والتَّرْجِيح بين هذه الوجوه المخْتَلِفَة، وأَنَّهُ يَلْزَم الضَّعف لأَحَدِ هَذِهِ الأَوجُه، قَالَ العَلامَةُ الْمُعَلِّمِي اليَمَانِي فِي التَّنْكِيل: "فالاضْطِرَابُ الضَّار أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ حُجَّة عَلَى أَحَدِ الوَجْهَين مَثَلاًَ دُونَ الآخَر، ولا يَتجه الْجَمْعُ ولا التَّرْجِيح، أَوْ يَكْثُر الاضْطِرابُ ويَشْتَدُّ بِحَيث يَدَلُّ أَنَّ الرَّاوِي الْمُضْطِرب الذي مَدَار الْحَدِيث عَلَيه لَمْ يَضْبِط". (¬2)، فليس كُلُّ اخْتِلافٍ يُعْتَبر اضْطِرابًا في الْحَدِيثِ. ¬

_ (¬1) السنن، للترْمِذِيِّ، ، أَبْوَابُ الصَّلاةِ، بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ التَّشْبِيكِ، (1/ 497)، برقم (386). (¬2) التنكيل، للمُعَلِّمِي اليَمَانِي، طبعة: المكتب الإسلامي، بيروت، تعليق الألباني، (2/ 758).

الحديث المدرج

الحدِيثُ الْمُدْرَجُ: ثم تكلم النَّاظمُ رَحِمَهُ الله عن مَبْحَثٍ مُنَاسِبٍ بَعد العِلَل، وهو الحديثِ الْمُدْرَج فَقَالَ: 26 - والُمدْرَجَاتُ فِي الحديثِ مَا أَتَتْ ... مِنْ بَعْض أَلْفَاظِ الرُّوَاةِ اتَّصَلَتْ قوله: والُمدْرَجَاتُ جمع مُدْرَج وَهُوَ لُغَة الإدخال، وفي الاصطلاح: فِي الحديثِ مَا أَتَتْ مِنْ بَعْض أَلْفَاظِ الرُّوَاةِ أي الأحاديث التي تأتِي مع بعض ألفاظ الرُّوَاة، ومعنَى اتَّصَلَتْ أَي: أنَّ الأَلْفَاظ تَاتِي مُتَّصِلةٌ بأصل مَتْنِ الْحَدِيث، وتَاتِي فِي آخر الحَدِيث وَهُوَ الْغَالِب، وقد تكون فِي الوسط أحيانًا أخرى، وتكون فِي أَوَّلِه أحيانًا، فيَقع اللّبْس بذلك فيتوهم من لم يعرف الْحَقِيقَة أَنَّ جَمِيع الكلام مَرْفُوع لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وعِنْدَ التَّحقيقِ نَجْد أَنَّ النَّاظم رحمه الله لَمْ يَذْكرْ الإدراج في الإسناد فكأنَّهُ خَصَّ باب الإدراج في الْمُتونِ فقط، وهَذَا غَيرُ صَحِيحٍ. والتَّعريف الصَّحِيح للمدرج هو: ما زيد فِي أصل الْحَدِيثِ سواء كان فِي إسنادِهِ أو مَتْنِهِ مِمَّا ليس منه. فيكون الحديث الْمُدْرَج على قسمين: الأول: ما أدرج فِي الإسناد، والثاني: ما أدرج فِي الْمَتْنِ. القِسْمُ الأَوَّلُ: وهو الإدْرَاجُ فِي الإسْنَادِ، وصفته: أن يأتي الراوي فَيَدْرِجُ في إسناده مَتْنًا غَيْر الْمَتن الذي هو له. ومثاله: مَا ذكره ابنُ القيسراني في بيان علة حديث: «مَنْ كَثُرَتْ صَلاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسَنُ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ»، فقال: " وَذَلِكَ أَن شريك كَانَ مزاحًا، وَكَانَ ثَابت رجلا صَالحا، فيشتبه أَن يكون ثَابت دخل على شريك، وَكَانَ شريك يَقُول: " حَدثنَا الأَعْمَش، عَن أَبِى سُفْيَان، عَن جَابر، عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَالْتَفت، فَرَأى ثَابتا، فَقَالَ يُمَازِحُه: مَنْ كَثُرَتْ صَلاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسَنُ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ.

فَظن ثَابت لِغَفْلَتِه أَن هَذَا الْكَلام الَّذِي قَالَ شريك هُوَ متن الإِسْنَاد الَّذِي قَرَأَهُ؛ فَحَمله مَعَ ذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ من قَول شريك". (¬1) القِسْمُ الثَّانِي: وهو الإدْرَاجُ فِي الْمَتْنِ، وصفته: أَنْ يَذْكُرَ الرَّاوِي بَعض الألفاظِ التِي هِي غَير موجودة فِي الْحَدِيثِ فيدخلها فيه، وله ثلاث صور: الصورة الأولى: إِدْرَاجٌ في أَوِّلِ الْمَتْنِ. ومثاله: حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، مَرْفُوعًا: «أَسْبِغُوا الوُضُوءَ، وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ»، فَقَوْلُه: "أَسْبِغُوا الوُضُوءَ" ليس من كلام النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، إنِّما هو من كلام أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، والصحيح ما أخرجه البُخَارِيُّ في صحيحه فَقَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا وَالنَّاسُ يَتَوَضَّئُونَ مِنَ المِطْهَرَةِ، قَالَ: أَسْبِغُوا الوُضُوءَ، فَإِنَّ أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ». (¬2) الصورة الثانية: إِدْرَاجٌ في وَسَطِ الْمَتْنِ. ومثاله: مَا أخرجه البُخَارِيُّ فِي صحيحه، فَقَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: «أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ ... » الحديث. (¬3)، ¬

_ (¬1) ذخيرة الحفاظ، لابن القيسراني، طبعة دار السلف، الرياض (4/ 2391)، برقم (5545). (¬2) الجامع الصحيح، للبُخَاريّ، كِتَابُ الوُضُوءِ، بَاب غَسْلِ الأَعْقَابِ، (1/ 44)، برقم (165). (¬3) الجامع الصحيح، للبُخَاريّ، بَابُ بَدْءِ الوَحْيِ، (1/ 7)، برقم (3).

الحديث المدبج

فلفظة "وَهُوَ التَّعَبُّدُ" ليست من الْمَرْفُوعِ إنِّما هي من قول ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ أراد تفسير: "فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ". الصورة الثالثة: إِدْرَاجٌ في آخِرِ الْمَتْنِ. ومثاله: مَا أخرجه البُخَارِيُّ فِي صحيحه، فَقَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ نُعَيْمٍ المُجْمِرِ، قَالَ: رَقِيتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَلَى ظَهْرِ المَسْجِدِ، فَتَوَضَّأَ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ». (¬1) الحدِيثُ الْمُدَبَّجُ: ثم انتقل النَّاظمُ رَحِمَهُ الله إلى مَبْحَثٍ وهو الحديثِ الْمُدَبَّجُ فَقَالَ: 27 - ومَا رَوى كُلُّ قَرِينٍ عَنْ أَخِهْ ... مُدّبَّجٌ فَاعْرِفْهُ حَقًّا وانْتَخهْ قوله: ومَا رَوى كُلُّ قَرِينٍ عَنْ أَخِهْ أي الحديث الَّذِي رَوَاهُ كُلُّ قَرِينٍ عَنْ مثله الْمُسَاوِي لَهُ فِي الطَّبقةِ، مُدّبَّجٌ فِي اللغةِ اسم مفعول من دبّج مدبّج، ومَادَّة دَبّج من التَّحْسينِ والتَّزْيين. لأَنَّ فيه شدّة تحسين وتزيين وتَوَاضع، وهو أَنْ يَرْوِي القَرِينُ عَنْ قَرِينِهِ ففيها تَقَارب بينهما، وفِي الاصطلاح: هُوَ رِوَايةُ كُلُّ قَرِينٍ عَنْ قَرِينِهِ. وقوله: فَاعْرِفْهُ حَقًّا وانْتَخهْ أَي افتخر بِمَعْرِفَته واسْتَمْسِك بِهَذَا النَّوعِ؛ لأَنَّ فِيهِ حُسْنًا وَتَعَاونًا وَأَخْلاقًا بَيْنَ الأَقْرَانِ. ومثاله: من الصَّحَابَة كَرِوَايَة كُلّ مِن عَائِشَة، وَأَبِي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنْهُمَا عَن الآخر، أَو من التَّابِعين كَرِوَايَة كل مِنْ الزُّهْرِيِّ، وَعُمَر بن عبد الْعَزِيز عَن الآخر، أَو من غَيرهمَا كَرِوَايَة كُلّ مِن مَالك، وَاللَّيْث عَن الآخر، وفائدته: الأَمْن ¬

_ (¬1) المصدر نفسه، كِتَابُ الوُضُوءِ، بَاب فَضْلِ الوُضُوءِ، وَالغُرُّ المُحَجَّلُونَ، (1/ 39)، برقم (136).

المتفق والمفترق

من ظن الزِّيَادَة فِي السَّنَد فَإِذا روى اللَّيْث عَن مَالك مثلا وهما قرينان عَن الزُّهْرِيّ فَلا يظنّ أَن قَوْله عَن مَالك زَائِد، وَأَن الأَصْل رِوَاية اللَّيْث عَن الزُّهْرِيّ؛ فَلا يَقَعُ النَّاظِرُ فِي الأَسَانِيدِ فِي الوَهْمِ. الْمُتَّفِقُ والْمُفْتَرِقْ: ثم انتقل النَّاظمُ رَحِمَهُ الله إلى مَبْحَثٍ من مَبَاحِثِ الحديث وهو الْمُتَّفِقُ والْمُفْتَرِقْ فَقَالَ: 28 - مُتَّفِقٌ لَفْظًا وَخَطًا مُتَّفِقْ ... وضِدُّهُ فِيمَا ذَكَرْنَا المُفْتَرِقْ قوله: مُتَّفِقٌ لَفْظًا وَخَطًا أي الأسماء والأنساب التي وردت في الحديث مُتَّفِقَة مُتَمَاثِلة، وقوله: مُتَّفِقْ وضِدُّهُ فِيمَا ذَكَرْنَا المُفْتَرِقْ أي: إِذَا اعْتُبِرتْ وجِدتْ مُفْتَرِقَةً مُتَبَايِنَةً، وهذا التَّعريف للمُتَّفِقُ والْمُفْتَرِقْ قريب من تعريف الخطيب البَغْدَادِيَّ له. (¬1)، أي ما اتفقتْ أَسماؤهم وأَسْماءُ آبائِهِمْ فَصاعِدًا، واختلفتْ أَشْخَاصُهُمْ، وفِي قوله: "وضِدُّهُ فِيمَا ذَكَرْنَا" إشكال؛ لكن يمكن القول أَنَّ المقصود ضده الْمُفْتَرق من حيث التَّباين بين هذه الأسماء والأنساب. وأما صور الْمُتَّفِقُ والْمُفْتَرِقْ فهي مختلفة نُمِثل لبعضها: 1 - من اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم مثل: أَحْمَد بن إِسْحَاقَ ثلاثة رجال سموا بذلك من رجال الكتب السِّتَّة وهم: السُرْمَارِي، والحَضْرَمِيُّ، والأَهْوَازِيُّ. 2 - أن تتفق أسماؤهم وأسماء آبائهم وأجدادهم مثل: أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن عَلِيّ رَجُلان سموا بذلك وهما: الْمَنْجُوفِيُّ، والمِصِّيْصِيُّ. 3 - أن تتفق الكنية والنسبة معاً مثل: أَبُو الْحَكَمِ العَنْزيُّ رَجُلان: الأول: زيد بن أبي الشعثاء البَصْرِيُّ، والثاني: سَيَّار الوَاسِطِيُّ. ¬

_ (¬1) الخطيب البغدادي في كتابه المُتَّفِق والْمُفْتَرِق (1/ 105).

المؤتلف والمختلف

4 - أن يتفق الاسم واسم الأب والنسبة مثل: محمد بن عبد الله الأَنْصَارِيّ رجلان: الأول: أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن المثنى البصري، والثاني: أبو سلمة محمد بن عبدالله ابن زياد الأنصاري مولاهم البصري. 5 - أن تتفق الكُنَى وأسماء الآباء مثل: أَبُو بَكْرٍ بن عَيَّاشٍ رَجُلان: الكُوفِيُّ المُقْرِئُ، والبَاجُدَّائِيُّ الرَّقِّيُّ. وَمن فَوَائده: عَدَم الْخَلطِ بَيْنَ الرُّوَاةِ، ومعرفة الثِّقَة مِن الضَّعيف للحكم بِدِقةٍ عَلَى الأحاديث، ولِمَعْرفةِ الأوهام التي وقعت؛ بسبب الظَّن أنَّ الشَّخْصَين شَخْصٌ واحِدٌ. الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ: ثم انتقل النَّاظمُ رَحِمَهُ الله إلى مَبْحَثٍ آخر وهو الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ فَقَالَ: 29 - مُؤْتَلِفٌ مُتَّفقُ الخَطِّ فَقَطْ ... وَضِدُّهُ مُخْتَلِفُ فَاخْشَ الْغَلَطْ قَوْلُهُ: مُؤْتَلِفٌ مُتَّفِقُ الخَطِّ فَقَطْ وَضِدُّهُ مُخْتَلِفُ أي مَا اتَّفَقَ كِتَابةً واخْتَلَفَ نُطقًا، قول النَّاظم: وَضِدُّهُ مُخْتَلِفُ قد يُشْكَل؛ يمكن القول أي ضد الْمُؤْتَلِفِ مِنْ حَيثُ التَّبَاين، قَوْلُهُ: فَاخْشَ الْغَلَطْ أي احترز من الخطأ في ذلك؛ فإنَّه لا يَسْلَمُ منه أَحدٌ؛ لأَنَّه ليس عَلَى قِياسٍ. وله صور كثيرة نمثل لبعضها: 1 - ما ائتَلَفَتْ صورة حروفه واختلفت في الشَّكل مثل: سَلام بتسهيل اللام وسَلَّام ... بالتشديد، أو كعَقِيل -بفتحِ العينِ- وعُقَيْل -بضمها-، وهكذا. 2 - ما ائتَلَفَتْ صورة حروفه واختلفت في إعجامها مثل: سِرَاج بالجيم المُعجمةِ وسِرَاح بالحاءِ المُهملةِ، أو كشُرَيْح بالشِّينِ المُعجمةِ والحاءِ المُهملةِ وسُرَيْج بالسِّينِ المُهمَلَةِ والجيمِ.

الحديث المنكر

3 - ما ائتَلَفَتْ صورته واختلف في حروفه مثل: زُنَيْر -آخِرُ الْحُرُوفِ رَاءٌ-، وزُنَيْن آخِرُ الْحُرُوفِ نونٌ، أو كجُبَيْرٍ -بالجيم المُعجمةِ والباء الموحدة وياء تحتانيَّةٌ، وآخِرُ الْحُرُوفِ الراء- وحُنَيْنٍ بالحاء المهملة ونون وياء تحتانيَّةٌ وآخِرُ الْحُرُوفِ النون. وهذا المتشابه المتماثل في الصورة من أدق مَا يشْتَبه في المخطوطات؛ لاسيما القديمة منها والتي كانت غير منقوطة، وقد كثر التصنيف في هذا النوع من المشتبه فكان أهم ما صُنِّفَ فيه كتاب المشتبه والمختلف (¬1)، للْحَافِظ عبدالْغَنِيّ بن سعيد الأَزْدِيِّ (ت: 409 هـ)، ثم اختصره الإمام الذَّهَبِيّ رَحمَه الله (ت: 748 هـ) في كتاب الْمُشْتَبَه فِي الرِّجَال، وأفضل المصنفات في هذا الباب هو توضيح المشتبه: لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر عبد الله بن ناصر الدين الدِّمشقي (ت: 842 هـ)، وذلك لاشتماله على فَوَائِد المشتبه، ونفائس المصنفات التِي سبقته. الْحديثُ الْمُنْكَرُ: ثم انتقل النَّاظمُ رَحِمَهُ الله إلى مَبْحَثٍ آخر وهو الحديث الْمُنْكَر فَقَالَ: 30 - وَالمُنْكَرُ الْفَرْدُ بِهِ رَاوٍ غَدَا ... تَعْدِيلُهُ لاَ يَحْمِلُ التَّفَرُّدَا قوله: والْمُنْكَرُ لُغَةً اسم مفعول، مَاخُوذٌ مِن النَّكَارةِ (¬2)، وفي الاصطلاح: الْفَرْدُ بِهِ رَاوٍ أي ما تَفَرّد به رَاوٍ، غَدَا تَعْدِيلُهُ لاَ يَحْمِلُ التَّفَرُّدَا أي قَلَّتْ ثِقَته ولا ¬

_ (¬1) وله اسم آخر هو: المختلف والمؤتلف انظر كشف الظنون (2/ 1637)، وهو مخطوطة مصورة بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة تحت رقم 397، تاريخ (بعثة المغرب الثانية). (¬2) تهذيب اللغة، لمحمد بن أحمد بن الهروي (ت: 370 هـ)، طبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت، ق: محمد عوض، (10/ 109).

الحديث المتروك

يَحْتَملُ تَفَرُّده، يَعْنِي لا يبلغ من العَدَالةِ والضَّبطِ مَبْلَغَ مَنْ يُقْبَل تَفَرّده بل هُوَ قَاصِر عَن ذَلِك. ومثاله: مَا أخرجه ابنُ ماجه في السنن فقال: حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ بَكْرُ بْنُ خَلَفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَدَنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنهم -، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُوا الْبَلَحَ بِالتَّمْرِ، كُلُوا الْخَلَقَ بِالْجَدِيدِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَغْضَبُ، وَيَقُولُ بَقِيَ ابْنُ آدَمَ، حَتَّى أَكَلَ الْخَلَقَ بِالْجَدِيدِ». (¬1)، فِي إسْنَادِهِ أَبُو زَكَريَّا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَدَنِيُّ ضَعَّفَهُ ابنُ مَعِينٍ وغيره، وقَد تَفَرَّد بهذا الْحَدِيثِ فَصَارَ الْحَدِيثُ مُنْكَرًا. فَائِدةٌ دَقِيقةٌ: ويُقَابل الْمُنْكَر الْمَعْرُوف وَهُوَ مَا يُخَالفُ فِيهِ الثِّقة الضَّعِيف، وَاعْلَم أَن الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَاده أَنَّ الْمُنكر والشَّاذّ يَشْتَرِكَانِ فِي مُسَمّى الْمُخَالفَة ويَفْتَرِقَان فِي أَنَّ الْمُنكر رِوَايَة الضَّعِيفِ أَو الْمَسْتُور، والْحدِيث الشَّاذّ رِوَايَة الثِّقَةِ أَو الصَدُوقِ. الْحديثُ الْمَتْرُوكُ: ثم انتقل النَّاظمُ رَحِمَهُ الله إلى مَبْحَثٍ آخر وهو الحديث الْمَتْرُوك فَقَالَ: 31 - مَتْرُوكُهُ مَا وَاحِدٌ بِهِ انْفَرَدْ ... وَأَجْمَعُوا لِضَعْفِهِ فَهْوَ كَرَدْ قَوْلُهُ: مَتْرُوكُهُ أي مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، والْمَتْرُوك: هو الْمَهْجُور لُغَة، وفِي الاصطلاح: مَا وَاحِدٌ بِهِ انْفَرَدْ وَأَجْمَعُوا لِضَعْفِهِ، أَي مَا انْفَرَدَ بِهِ ضَعِيفٌ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ مِن النُّقاد، لتهمته بِالْفِسْقِ أَو لِغَفْلَتِه أَو لِكَثْرَةِ الْوَهم؛ أَو لكَونه عُرِف ¬

_ (¬1) السنن، لابن ماجه، كِتَابُ الأَطْعِمَةِ، بَابُ أَكْلِ الْبَلَحِ، بِالتَّمْرِ، (2/ 1105)، برقم (3330).

الحديث الموضوع

بِالْكَذِبِ فِي غَيْرِ الْحَدِيث فَلا يُؤمن أَنْ يَكْذبَ فِي الحَدِيثِ، فَهْوَ كَرَدْ أَي: مثل الْمَرْدُود أَي الْمَوْضُوع فِي كَونه من أَنْوَاع الضَّعِيف وَإِن كَانَ أخف مِنْهُ، والغَالبُ أَنْ يُطْلَق "مَتْرُوك الْحَدِيثِ" على الرَّاوي، وليس عَلَى الْحَدِيثِ. ومثاله: ما أخرجه النَّسَائي في السنن فَقَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» قُلْنَا: يُقَلِّلُهَا يُزَهِّدُهَا، قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لا نَعْلَمُ أَحَدًا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ رَبَاحٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، إِلا أَيُّوبَ بْنَ سُوَيْدٍ، فَإِنَّهُ حَدَّثَ بِهِ عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ، وَأَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. (¬1) وإنْ كَانَ الْحَدِيثُ ثَابتًا مِن رِوَايةِ غَير أَيُّوبَ بْنَ سُوَيْدٍ هذا، كما أخرج النَّسَائي أَيضًا فقال: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ رَبَاحٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ». (¬2) الْحديثُ الْمَوضُوعُ: ثم انتقل النَّاظمُ رَحِمَهُ الله إلى آخر مَبْحَث في الْمَنْظُومةِ وهو الحديث الْمَوضُوعُ فَقَالَ: ¬

_ (¬1) السنن، للنسائي، كِتَابُ الْجُمْعَةِ، ذِكْرُ السَّاعَةِ الَّتِي يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، (3/ 115)، برقم (1432). (¬2) السنن، للنسائي، كِتَابُ الْجُمْعَةِ، ذِكْرُ السَّاعَةِ الَّتِي يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (3/ 115)، برقم (1431).

الخاتمة

32 - وَالكَذِبُ المُخْتَلَقُ الْمَصْنُوعُ ... عَلَى النَّبِي فَذلِكَ الموْضُوعُ قَوْلُهُ: وَالْكَذِبُ أَي والْحَدِيث الْمَكْذُوب عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، الْمُخْتَلَقُ أَي الْمُفْتَرى عَلَيْهِ عَمْدًا الْمَصْنُوعُ مُرَادف للمُخْتَلَقِ عَلَى النَّبِيِّ، فَذلِكَ الموْضُوعُ أي هَذَا الحديث الموْضُوعُ عند أَهْلِ الفَنِ، وَيعرف الْوَضع بِأُمُور مِنْهَا إقرار قَائِله وَرَكَاكة أَلْفَاظه إِذْ أَلْفَاظ النُّبُوَّة لَهَا رونق وَنور وبلاغة، وَسَبَبُ الْوَضعِ إِمَّا عدم الدِّين كالزنادقة فقد قيل إِنَّهُم وضعُوا آلاف الأحاديث، أَوكان انتصارًا لِمَذْهَبٍ، أَو إتِّبَاع لهوى بعض الرُّؤسَاء أَو غَلَبَة الْجَهْل احتسابا لِلأجرِ عَلَى زَعم من اعتقد ذلك كَمَا روى الحاكمُ النِيسَابُورِيُّ بِسَنَدِهِ: "عَنْ أَبِي عَمَّارٍ الْمَرْوَزِيَّ يَقُولُ: قِيلَ لأَبِي عِصْمَةَ مِنْ أَيْنَ لَكَ عِنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ سُورَةٍ سُورَةٍ وَلَيْسَ عِنْدَ أَصْحَابِ عِكْرِمَةَ هَذَا؟ فَقَالَ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ قَدْ أَعْرَضُوا عَنِ الْقُرْآنِ وَاشْتَغَلُوا بِفِقْهِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَغَازِي مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فَوَضَعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ حسبة". (¬1)، وَقَد أَجْمَعَ أَهْلُ العِلْمِ عَلَى أَنَّ ذَلكَ كَبِيرةٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، لِقولِ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّا مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». (¬2) الخَاتِمة: ثم خَتم النَّاظمُ رَحِمَهُ الله الْمَنْظُومةَ بهذه الأبياتِ الْجَمِيلةِ: 33 - وَقَدْ أَتَتْ كَالجَوْهَرِ المَكْنُونِ ... سَمَّيْتُهَا مَنْظُومَةَ البَيْقُوني 34 - فَوْقَ الثَّلاثيَن بأرْبَعٍ أتَت ... أقْسامُهَا تَمَّتْ بِخَيْرٍ خُتِمَتْ ¬

_ (¬1) المدخل إلى كتاب الإكليل، لأبي عبد الله الحاكم، طبعة الدعوة، الإسكندرية (ص 54). (¬2) متفق عليه، الجامع الصحيح للبُخَاريّ، كِتَابُ الجَنَائِزِ، بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَى المَيِّتِ، (2/ 80) برقم (1291)، والجامع الصحيح لمسلم، المقدمة، بَابُ فِي التَّحْذِيرِ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، (1/ 10)، برقم (4).

شَبَّه النَّاظمُ رَحِمَه الله هَذِهِ الْمَنْظُومَة بالْجَوْهَرِ النَّفيس الْمَكْنُونِ أي المحفوظ في وعاء، ثم قَالَ: سميَّتُها منظومة البَيْقُونِي، أي سمَّاها كذلك، وقَوْلُهُ: فَوْقَ الثَّلاثيَن بأرْبَعٍ أتَت: أي عدد أبياتها أربع وثلاثين بيتًا. وقَوْلُهُ: أقْسامُهَا تَمَّتْ بِخَيْرٍ خُتِمَتْ: أي خُتِمَتْ بالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ خَيْرُ مَا يُخْتَمُ به الأَشْياء. وَنَحْنُ نَخْتِمُ هَذِهِ الْمَنْظُومَة بِالدُّعاءِ للنَّاظمِ بَأَنْ يَغْفِر لَهُ ذنوبه، وأَنْ يَجْزِيهُ خَيْرَ الْجَزاء عَلَى مَا حَفِظَ لنَا مِن سُنِّةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأَنْ يَرْفَعَ دَرَجَاته، وأَنْ يُعِلي قَدْرَهُ، وأَنْ يُسْكِنَهُ الفِرْدَوسَ الأَعْلَى، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَارْزُقْنَا وَعَافِنَا وَاعْفُ عنَّا وَأَصْلِحْ لَنَا شَانَنَا كلَّه، واغْفِرْ لِمَشَايِخنا وَلِمَنْ لَهُم فَضْلٌ عَلَينَا، وَلِلمِسْلِمِينَ كَافَّةً، ولا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ العَليِّ العَظِيمِ. رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا. تم بحمد الله.

الخاتمة وفيها أهم نتائج البحث والتوصيات

الخاتمة وفيها أَهَم نتَائج البَحْثِ والتَّوصِيَاتِ

أولا: أهم نتائج الدراسة

الخاتمة من المعلوم يقينًا أنَّ أي دراسة مهما بُذِلَتْ فيها من الجهود؛ فإنها قد تحتاج إلى إرشاد وتوجيه، فَلَيْسَ من عمل بشري إلا ويشوبه النقص، ولَيْسَ يسلم أحد من سَهْوٍ أو خطأ، وقد حاولتُ خِلال هذه الدراسة أن أتوخى الوضوح والدقة، والموضوعية. ولا شك أننا كنا نود أن نضم الجمال إلى الوضوح، والجاذبية إلى الإحكام، فخشيتُ إن بحثنا عن البريق أن يؤثر ذلك في الجوهر والمضمون، فاخترتُ الوضوح والدقة، والموضوعية بنسبة كبيرةٍ، في مقابل نسبة لا بأس بها من روعة الأسلوب وجمال العبارة، ولم نغفل أنَّ لكلِّ مقامٍ مقال، وكان من المناسب بعد شَرح المنظومة البَيقُونية بهذا المنهج الموجز القريب من المبتدئين ولا يستغني عنه المنتهون، أن أذكر أهم النتائج والتوصيات التي اشتملت عليها هذه الدراسة وهي: أولاً: أهم نتائج الدراسة: 1 - أَنَّ غالب التقسيم في أنواع مُصْطَلحِ الحديث يكون من ثلاث جهات: - من حيث اعتبار القبول والرد. - من حيث اعتبار من أُسْنِدَ إِليهِ. - من حيث اعتبار عدد طرق الحديث. 2 - أَنَّ خصائص كثير من الأشياء لا تُعرف إلا بالمقارنات التي تميز بينها، فإنَّما تتمايز الأشياء بأضدادها؛ ولذلك قمت بإضافة العديد من المقارنات في هذه الدراسة لتظهر خصائص أنواع مُصْطَلحِ الحديث. 3 - لا يخفى أنَّ هذه المنْظُومَة لم تستوعب جميع أنواع علوم الحديث، لذا أضفتُ في الشرح بعض هذه الأنواع التي لم يذكرها النَّاظم مع حاجة طالب العلم المبتدئ لها كالحسن لغيره، والشهرة الغير اصطلاحية وغيرهما.

ثانيا: أهم التوصيات

4 - قد بَيَّنتُ في ثنايا الدراسة الأوهام التي وقع فيها النَّاظم -رحمه الله- من حيث تعريف حدود بعض الأنواع كتعريف حد الحديث الضَّعيف، وكحد الحديث المرسل، وتخصيص الإدراج في المتون دون الإسناد وغير ذلك، ثم ذكرتُ الرَّاجح فيها من أقوال أهل الحديث. 5 - أَنَّ نسبة الأنواع التي لم يذكرها النَّاظم -رحمه الله- لا تمثل نسبة كبيرة؛ فهي لا تتجاوز عشرة في المائة (10%) بالنسبة لمجموع الأنواع التي ذُكِرتْ في كتب المصطلح تقريبًا. 6 - من خلال دراسة الْمَنْظُومة البَيْقُونية رأيتُ أنَّ النَّاظم تأثر بتعريفات الإمام الْخَطَّابيّ في كتابه معالم السُّنَن، كما يظهر واضِحًا من تعريفه لحد الحديث الحسن. 7 - لاحظتُ من التتبع الحثيث والاستقراء أنَّ الْمَنْظُومة البَيْقُونية تعتبر من أفضل المنظومات التي يمكن أن يبدأ بها طالب العلم في دراسته لعلوم الحديث. ثانياً: أهم التوصيات: 1 - مسائل الخلاف في علم المصطلح يجب ألا تُقْحَم في شرح متون العلم المعتبرة من صغار العلم، والتي يبدأ بها غالبًا المبتدئون؛ لِيَسْهُل تناول المادة العلمية فيها، وتكون كالأساس لطلبة العلم. 2 - لا يخفى أنَّ لكل عصر مفاهيم واعتبارات خاصة به فينبغي على الشارح لمنظومات العلوم أن يسلك أيسر السُّبل، ويختار أدق العبارات. 3 - إذا كانت السمة المميزة لشروح منظومات الحديث وبقية الفنون تنهج الأسلوب القديم في الشرح مع عدم مواكبة مفاهيم العصر ومتطلباته فهي في

حقيقة الأمر ضربٌ من الذهول عن واقع احتياج الناس وما يناسبهم؛ فيلزم أخذ ذلك بعين الاعتبار. 4 - الاهتمام بتحقيق مسائل المصطلح وبيان ما أُشْكِل منها، والرجوع إلى أئمة هذا الشأن وعدم التجاسر على تأصيل أصول لم يذكروها إلا لمن رسخ علمه بالحديث، وتمرَّس فيه السِّنين الطوال. 5 - في حالة اختلاف أئمة الحديث في مسائل المصطلح يُجمع أقوال أئمة النقاد فيه- نظريًا وتطبيقيًا - من خلال الدراسات والتحليلات العلمية والبعد عن العمومية والسطحية في الدراسات التي تخص هذا العلم الهام، ثم محاولة الترجيح بينها إن أمكن.

ثبت المصادر والمراجع

ثَبْتُ المصَادِرِ والمرَاجِعِ - إتحاف الحثيث بإعراب ما يُشكل من ألفاظ الحديث، عبدالله بن الحسين العُكْبَري (ت: 616 هـ)، طبعة مكتبة ابن سينا، القاهرة 1410 هـ، ق: محمد إبراهيم سليم، 288 ص. - الإرشاد في معرفة علماء الحديث، الخليل بن عبد الله القزويني الخليلي (ت: 446 هـ)، طبعة مكتبة الرشد، الرياض 1409 هـ، ق: د. محمد سعيد إدريس، عدد الأجزاء: 3 ج. - إصلاح غلط المحدِّثين، حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388 هـ)، طبعة مكتبة القرآن، القاهرة، سنة 1988 م، ق: مجدي السيد إبراهيم، 96 ص. - الأعلام، لخير الدين بن محمود بن محمد بن علي الزَّركَلي (ت: 1976 م)، طبعة دار العلم للملايين، بيروت سنة 1980 م، عدد الأجزاء: 8 ج. - الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، أحمد محمد شاكر (ت: 1377 هـ)، طبعة مكتبة السُّنة، القاهرة 1415 هـ، 352 ص. - بيان الوهم والإيهام، الحافظ علي بن محمد بن عبد الملك أبو الحسن، ابن القطان الفاسي (ت: 628)، طبعة دار طيبة، الرياض، تحقيق د. الحسين آيت سعيد، عدد الأجزاء: 6 ج. - تاريخ بغداد، أحمد بن علي بن ثابت، أبو بكر الخطيب البغدادي (ت: 463 هـ) طبعة دار الكتب العلمية، بيروت 2004 م، تحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا عدد الأجزاء: 24 ج

- تاريخ دمشق، أحمد بن محمد بن الحسن بن عساكر، (ت: 610 هـ)، طبعة دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1419 هـ، تحقيق: علي شيري، عدد الأجزاء: 70 ج. - تبيض الصحيفة بأصول الأحاديث الضعيفة، الشيخ محمد عمرو بن عبداللطيف (ت: 1429 هـ)، طبعة مكتبة التوعية الإسلامية، القاهرة 1410 هـ، عدد الأجزاء: 2 ج. - تحفة الأشراف، يوسف بن عبدالرحمن بن الزكي المزي (ت: 742 هـ)، طبعة المكتب الإسلامي، بيروت سنة 1403 هـ، تحقيق: عبدالصمد شرف الدين، عدد الأجزاء: 14 ج. - تدريب الراوي في شرح تقريب النووي، عبدالرحمن بن أبي بكر بن محمد السُّيوطي (ت: 910 هـ)، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، ق: عبدالوهاب عبداللطيف، عدد الأجزاء: 2 ج - تَسْميَة من لم يرو عنه غير رجل واحد، أحمد بن علي بن شعيب النَّسائي (ت: 303 هـ) طبعة مكتبة المنار، الزرقاء الأردن 1408 هـ، تحقيق: مشهور حسن وغيره، 50 ص. - تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ)، طبعة مكتبة المنار، عمان، ق: د. عاصم بن عبدالله القريوتي، 175 ص. - تقريب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 هـ)، طبعة دار المكتبة العلمية بيروت الطبعة الثانية 1415 هـ، تحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، عدد الأجزاء: 2 ج.

- التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير، يحيي بن شَرف النووي (ت: 676 هـ)، ق: عبدالله عمر البارودي، دار الجنان، بيروت الطبعة الأولى 1406 هـ، 419 ص. - التقييد والإيضاح، عبدالرحيم بن الحسين زين الدين العراقي (ت: 806 هـ)، طبعة دار الفكر، بيروت، سنة 1969 م، تحقيق: عبدالرحمن محمد عثمان، 489 ص. - التمييز (مع منهج النقد عند المحدثين)، مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت: 261 هـ)، طبعة مكتبة الكوثر، الرياض، 234 ص. - التنكيل طبعة المكتب الإسلامي، عبدالرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (ت: 1386 هـ) بيروت، تحقيق: العلامة ناصر الدين الألباني رحمه الله، عدد الأجزاء: 2 ج. - تهذيب التهذيب، الحافظ شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت: 528 هـ)، طبعة دار الفكر، بيروت الطبعة الأولى 1404 هـ عدد الأجزاء: 12 ج - تهذيب الكمال في أسماء الرِّجال، لأبي الحجاج يوسف المزي (ت: 742 هـ)، طبعة مؤسسة الرسالة، بيروت 1406 هـ، ق: الدكتور بشار عواد معروف، عدد الأجزاء: 35 ج - توضيح المشتبه في ضبط أسماء الرواة، لابن ناصر الدين محمد بن عبدالله القيسي (ت: 842 هـ)، طبعة مؤسسة الرسالة، بيروت 1414 هـ، ق: العرقسوسي، عدد الأجزاء: 10 - الجامع الصحيح، محمد بن إسماعيل بن المغيرة البخاري (ت: 256 هـ) طبعة دار طوق النجاة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1422 هـ، عدد الأجزاء: 9 ج.

- الجامع الصحيح، مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت: 261 هـ)، طبعة دار إحياء التراث، بيروت، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، عدد الأجزاء: 5 ج. - جامع العلوم والحكم، عبدالرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي الدمشقي (ت: 795 هـ) طبعة دار الريان للتراث، القاهرة، الطبعة الأولى 1407 هـ، 557 ص. - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، أحمد بن علي بن ثابت، أبو بكر الخطيب البغدادي (ت: 463 هـ)، طبعة مكتبة المعارف الرياض، 1403 هـ، تحقيق د. محمود الطحان، عدد الأجزاء: 2 ج. - الجرح والتعديل، عبدالرحمن بن أبي حاتم الحنظلي الرَّازي (ت: 327 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، ومجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن الهند 1371 هـ، عدد الأجزاء: 9 ج. - ذخيرة الحفاظ، لابن القيسراني محمد بن طاهر المقدسي (ت: 507 هـ)، طبعة دار السلف، الرياض 1416 هـ، عدد الأجزاء: 5 ج. - سنن الدارمي، عبدالله بن عبدالرحمن أبو محمد الدارمي (ت: 255 هـ)، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1996 م، ق: محمد بن عبدالعزيز الخالدي، عدد الأجزاء: 2 ج - سنن ابن ماجه، محمد بن يزيد الربعي القزويني، أبو عبد الله، (ت: 273 هـ)، طبعة دار الفكر، بيروت، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، عدد الأجزاء: 2 ج.

- سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير السجستاني، (ت: 275 هـ)، طبعة المكتبة العصرية، بيروت، تحقيق: محمد محيي الدين عبدالحميد عدد الأجزاء: 4 ج. - سنن الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى السلمي، (ت: 279 هـ)، طبعة مصطفى البابي، مصر 1395 هـ، تحقيق: أحمد محمد شاكر، عدد الأجزاء: 5 ج. - السنن الكبرى، أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، أبو بكر (ت: 458 هـ)، طبعة مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، سنة 1414 هـ، ق: محمد عبدالقادر عطا، عدد الأجزاء: 10 ج. - سنن النَّسائي، أحمد بن علي بن شعيب النَّسائي (ت: 303 هـ)، طبعة دار المعرفة، بيروت، الطبعة الخامسة 1420 هـ، (بشرح السيوطي)، عدد الأجزاء: 5 ج. - شرح علل الترمذي، عبدالرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي زين الدين الدمشقي (ت: 795 هـ) طبعة دار الكلمة، المنصورة، مصر، 1418 هـ، 576 ص. - علل الترمذي الكبير (رتبه أبي طالب القاضي)، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى السلمي (ت: 279 هـ)، طبعة عالم الكتب، بيروت 1409 هـ تحقيق: السيد صبحي البدري السامرائي ومن معه، عدد الأجزاء: 2 ج. - علوم الحديث (مقدمة ابن الصلاح)، عثمان بن عبدالرحمن بن عثمان الشهرزوري، أبو عمرو بن الصلاح (ت: 643 هـ)، طبعة دار الفكر، بيروت 1969 م، 234 ص.

- الغُمَّازُ على اللُمَّاز، نور الدين أبي الحسن السمهودي (ت: 911 هـ)، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1406 هـ، ق: محمد عبدالقادر عطا، 261 ص. - فتح الباري، لابن حجر العسقلاني، طبعة دار المعرفة، بيروت 1379، ق: محب الدين الخطيب، ، عدد الأجزاء: 13 ج. - فتح المغيث شرح ألفية الحديث، محمد بن عبدالرحمن المصري السخاوي (ت: 902 هـ) طبعة دار الكتب العلمية، بيروت 1403 هـ، ق: صلاح محمد عويضة، عدد الأجزاء: 3 ج. - الكامل في ضعفاء الرِّجال، عبدالله بن عدي بن محمد أبو أحمد الجرجاني (ت: 365 هـ)، دار الفكر بيروت، الطبعة الثالثة 1409 هـ، ق: يحيى مختار غزاوي، عدد الأجزاء: 8 ج. - الكفاية في علم الرواية، أحمد بن علي بن ثابت، أبو بكر الخطيب البغدادي (ت: 463 هـ)، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت 1988 م، 456 ص. - لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور بن منظور الأفريقي المصري (ت: 711 هـ)، دار صادر، بيروت، عدد الأجزاء: 15 ج. - المُتَّفِق والْمُفْتَرِق، أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت: 463 هـ)، طبعة دار القادري، دمشق 1417 هـ، ق: د. محمد صادق الحامدي، عدد الأجزاء: 3 ج. - المجروحين، محمد بن حبان بن أحمد أبى حاتم البُستى (354 هـ)، طبعة دار المعرفة، بيروت، تحقيق محمود إبراهيم زايد، عدد الأجزاء: 3 ج.

- محاسن الاصطلاح، عمر بن رسلان البلقيني (ت: 805 هـ)، المطبوع بحاشية مقدمة ابن الصلاح، تحقيق د: عائشة عبدالرحمن، دار الكتب المصرية سنة 1974 م. - المحكم والمحيط الأعظم في اللغة، علي بن إسماعيل، المعروف بابن سِيدَه الأندلسي (ت: 458 هـ)، طبع معهد المخطوطات العربية، القاهرة 1999 م عدد الأجزاء: 11 ج. - المحيط في اللغة، إسماعيل بن عباد بن العباس، الطالقاني الصاحب بن عباد (ت: 385 هـ)، طبعة دار عالم الكتب، بيروت، ق: محمد بن حسن آل ياسين، عدد الأجزاء: 11 ج. - المدخل إلى كتاب الإكليل، لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري (ت: 405 هـ)، طبعة الدعوة، الإسكندرية، تحقيق: د. فؤاد عبد المنعم أحمد، 72 ص. - المسند، أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال، أبو عبدالله (ت: 241 هـ)، طبعة دارالبشير عمان، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، عدد الأجزاء: 30 ج. - المصنف ابن أبي شيبة، عبدالله بن محمد بن أبي شيبة (ت: 235 هـ) طبعة مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى سنة 1409 هـ، تحقيق: كمال يوسف الحوت، عدد الأجزاء: 7 ج. - مصنف عبدالرزاق، عبدالرزاق بن همام الصنعاني (ت: 211 هـ)، طبعة المكتب الإسلامي بيروت الطبعة الثانية 1403 هـ، ق: حبيب الرحمن الأعظمي، عدد الأجزاء: 11 ج. - المعجم الأوسط، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت: 360 هـ)، طباعة دار الحرمين، القاهرة، 1415 هـ، ق: طارق بن عوض الله الحسيني عدد الأجزاء: 10 ج.

- معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس القزويني الرًّازي (ت: 395 هـ)، طبعة اتحاد الكُتًّاب العرب، القاهرة، 1423 هـ، ق: عبدالسَّلام محمد هَارُون، عدد الأجزاء: 5 ج. - معرفة علوم الحديث، محمد بن عبدالله النيسابوري الحاكم، (ت: 405 هـ)، دار الكتب العلمية المدينة المنورة، الطبعة الثانية سنة 1397 هـ، عدد الصفحات: 354 ص. - المنار المنيف في الصحيح والضعيف، محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (ت: 751 هـ)، طبعة مكتبة المطبوعات الإسلامية، بحلب، ق: عبدالفتاح أبو غدة، 155 ص. - منهج الإمام الدارقطني في نقد الحديث في كتاب العلل، لأبي عبدالرحمن يوسف بن جودة الدَّاودي، طبعة دار المحدثين، القاهرة 1432 هـ، 432 ص. - المؤتلف والمختلف لأبي الحسن الدارقطني، تحقيق: الشيخ موفق عبدالقادر، طبعة دار الغرب الإسلامي، بيروت سنة 1986 م، عدد الأجزاء: 5 ج. - موطأ مالك رواية يحيى بن يحيى الليثي، الإمام مالك بن أنس الأصبحي (ت: 179 هـ)، طبعة دار إحياء التراث العربي، القاهرة، ق: محمد فؤاد عبدالباقي، عدد الأجزاء: 2 ج. - الموقظة، محمد بن أحمد بن عثمان، شمس الدين الذهبي (ت: 748 هـ)، طبعة دار البشائر الإسلامية، بيروت، سنة 1405 هـ، ق: عبدالفتاح أبو غدة، 220 ص. - ميزان الاعتدال، محمد بن أحمد بن عثمان، شمس الدين الذهبي (ت: 748 هـ) طبعة دار المعرفة، بيروت، تحقيق: علي محمد البجاوي، عدد الأجزاء: 4 ج.

- نزهة النظر في شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت: 852)، طبعة المكتبة العصرية، بيروت 1421 هـ، ق: عبدالكريم بن الفضيلي، 135 ص - نصب الراية لأحاديث الهداية، عبدالله بن يوسف الزيلعي (ت: 762 هـ)، طبعة دار الحديث، القاهرة 1357 هـ، ق: محمد يوسف البنوري، عدد الأجزاء: 4 ج. - النكت على ابن الصلاح، أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني، أبو الفضل، شهاب الدين (ت: 852 هـ)، طبعة دار الرَّاية، الرياض، عدد الأجزاء: 2 ج. - هدي الساري، الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ)، طبعة دار الحديث، القاهرة 1998 م، 672 ص.

الفَهَارِسُ العلْمِيَّةُ وتتضمن: فهرس الآيات القُرْآنِية. فهرس الأَحَادِيثِ والآثَارِ المذكورة في الشَّواهد. فهرس الْمُصْطلحات الْحَدِيثِية الوَارِدة في الدِّراسة. فهرس الْمَوْضُوعَات.

فهرس المصطلحات الحديثية الواردة في الدراسة

فهرس الْمُصْطلحات الْحَدِيثِية الوَارِدة في الدِّراسة اتصال السند: أَنْ يَرْوي كُلُّ رجل في الإسناد عَنْ شَيْخِه الذي فوقه من غير واسطة بينهما من أَوَّل السند إلى منتهاه. الشُّذُوذ: هو ما رواه الثقة مُخَالفًا لمن هو أَوثَقُ منه، أو مُخَالفًا لجماعةٍ من الثقات. العِلَّة: سَبَبٌ غَامِضٌ خَفيٌّ يَقْدحُ في صِحَّةِ الحديث، مع أنَّ الظاهر السَّلامة منه. العَدَالة: الْمُسلم الْمُكَلف السَّالِم من الْفسق وصغائر الخسة، وأكثر أحواله طاعة الله. ضَبطُ الصَدْر: وَهُوَ أَن يثبت مَا سَمعه بِحَيْثُ يتَمَكَّن من استحضاره مَتى شَاءَ. ضَبطُ الكِتَاب: صيانة الكِتاب عِنْده من يَوْم سمع مَا فِيهِ وَصَححهُ إلى أَن يُؤَدِّي مِنْهُ. الحديث الصحيح: مَا اتصَل إِسْنَادُه بِرِوَايةِ عَدْلٍ تَام الضَّبط مِن غَير شُذُوذٍ وَلا عِلّةٍ قَادِحة. الحديث الحسن لذاته: مَا اتَّصل سَنَده بِنَقْل عَدْلٍ ضَابِطٍ قَلَّ ضَبطه قلَّة لا تلْحقهُ بِحَال بِمَن يُعد تَفَرُده مُنْكرًا، وَسَلِمَ كذلك من الشُّذُوذ وَمن الْعِلَّةِ.

الحديث الحسن لغيره: الْحَدِيثُ الَّذِي لا يَخْلُو رِجَالُ إِسْنَادِهِ مِنْ مَسْتُورٍ لَمْ تَتَحَقَّقْ أَهْلِيَّتُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ مُغَفَّلا كَثِيرَ الْخَطَأِ فِيمَا يَرْوِيهِ، وَلا هُوَ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ فِي الْحَدِيثِ، أَيْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ تَعَمُّدُ الْكَذِبِ فِي الْحَدِيثِ وَلا سَبَبٌ آخَرُ مُفَسِّقٌ، وَيَكُونُ مَتْنُ الْحَدِيثِ مَعَ ذَلِكَ قَدْ عُرِفَ بِأَنْ رُوِيَ مِثْلُهُ أَوْ نَحْوُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى اعْتَضَدَ بِمُتَابَعَةِ مَنْ تَابَعَ رَاوِيَهُ عَلَى مِثْلِهِ، أَوْ بِمَا لَهُ مِنْ شَاهِدٍ. الحديث الضعيف: ما لم يتوفر فيه أحد شُرُوط القبول المذكورة فِي حَدَّي الصَّحيح والحسن. الحديث المرفوع: كُلُّ ما أُضيفَ لَلنَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، من قَولِهِ أو فعلِهِ أو إقرارِهِ أو صِفَةٍ من صِفَاتِهِ - خَلْقِيَّةً كانت أو خُلُقيَّةً. المرفوع الصَّرِيح: كَقَوْل الصَّحَابِيّ سَمِعت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُول كَذَا، أَو عَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -. وَفِي الْفعْلِيّ: كَقَوْل الصَّحَابِيّ رَأَيْت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل كَذَا، وَفِي التَّقْرِيرِيّ: كَقَوْل الصَّحَابِيّ كُنَّا نفعل كَذَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بصريح العبارة. المرفوع الْحُكْمِيّ: كإخبار الصَّحَابِيّ الَّذِي لم يُحَدِّثْ عَنْ أَهْلِ الكِتَابِ مَا لا مجَال للاجْتِهَاد فِيهِ عَن الأَحْوَال الْمَاضِيَة كأخبار الأَنْبِيَاء، أَو الآتِيَة كالملاحم

والفتن وأهوال يَوْم الْقِيَامَة، أَو عَن تَرَتُّبِ ثَوَابٍ مَخْصُوصٍ، أَو عِقَابٍ مَخْصُوصٍ عَلَى فعلٍ؛ فَإِنَّهُ لا سَبِيل إِلَيْهِ إِلا السَّماع مِنَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، أَو يخبر الصَّحَابِيّ بِأَنَّهُم كَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَا فِي زمَان النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الْمَوقُوف: مَا أُضِيف إلى الصَّحابِي من قَولِهِ أو من فِعْلِهِ، ولم يكن له حُكُم الرَّفع، سَوَاء اتَّصَلَ إسْنَاده إليه أم انْقَطع. الصَّحابِي: كُلُّ مَنْ لَقِي النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنًا وَقْتَ لِقَائهِ به ومَاتَ عَلَى ذَلِكَ. الحديث الْمَقْطُوع: كُلُّ مَا أُضِيفَ إِلَى التَّابِعِي أو من دونه سواء كان قولاً أو فعلاً. الحديثُ الْمُسْنَد: مَا اجْتَمَعَتْ فيه صِفَتا اتصال السَّنَدِ (في الظَّاهِر)، والرَّفع إلى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، مَعًا. الحديثُ الْمُتَّصِل: الحديث الذي يأتي بسماع كُلِّ رَاوٍ من رُوَاتِه ممن فَوقَه فِي الإسْنَادِ، إلى أَنْ ينتهي السَّماع إلى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الحديثُ الْمُسَلْسَل: حَدِيث اتّفقت رِجَاله على وصف الروَاة، أي إذا أتى الحديث بتكرير كُلّ راوٍ لِصِفَةٍ مُعَينَةٍ في جميع طَبَقَاتِ السَّندِ، والصَّفةُ قَدْ تَكُون قَولِية أَوْ فِعْلِيَّة. القسم الأول: الحديثُ الْمُسَلْسَل: مَا اتّفقت رِجَاله على وصف للتَّحَمُّلِ كَسَمِعْتُ

الْقسم الثَّانِي فُلانًا، أَو عَلَى أمْر مُتَعَلق بِزَمن الرِّوَايَة أَو مَكَانهَا أَو نَحْو ذَلِك. الحديث الْمُتَوَاتِر: مَا بَلَغت رُوَاتُهُ فِي الْكَثْرَة مَبْلَغًا أَحَالت الْعَادة تَواطُؤُهُم عَلَى الْكَذِبِ من أَوّلِ السَّندِ إلى آخره، وهو قسمان: لَفْظِيّ ومَعْنَويّ. الحديث العَزِيز: ما يَرْوِيهِ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلاثَة وَلَو مِن طَبقَةٍ وَاحِدَةٍ مِن طَبَقَاتِهِ. الحدِيث الْمَشْهُور: مَا رَوَاهُ أَكْثَرُ مِن ثَلاثَةٍ فِي الطَبَقَةِ الوَاحِدة، وَلم يَصِلْ إِلِى حَدِّ التَّوَاتُر. الْحَدِيث الغَرِيب: مَا رَوَاهُ رَاوٍ وَاحِدٍ فَقْط مُتَفَرِدًا بِهِ لم يُتَابِعُه عَلَيهِ أَحَدٌ. الحدِيث الْمُبْهَم: مَا فِيهِ رَاوٍ لَمْ يُسَم أَي لَمْ يُذْكَر اسمه صَرَاحةً. الحديث العَالِي: كل حَدِيثٍ قَلَّتْ فيه عدد الوسائط بين الرَّاوي وبين رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -. الحديث النَّازل: كل حَدِيثٍ كَثُرَ فيه عدد الوسائط بين الرَّاوي وبين رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الْمُرسَل: مَا رَفَعَهُ التَّابِعيُّ سَوَاء كَانَ التَّابِعِيّ كَبِيرًا، أَو صَغِيرًا، بغض النَّظر عن أعداد السَّاقِطين من السند بين التَّابعيّ والنّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأحوالهم. الحديث الْمُنْقَطِع: إسناد الحديث الذي سَقَط منه راوٍ وَاحِد قبل الصَّحَابِيّ فِي أي مَوضِعٍ من الإسناد

الحديث الْمُعْضَل: الحَدِيث السَّاقِط مِنْهُ اثْنَان فَأَكْثَر مِنْ سَنَدِهِ عَلَى التَّوالي من أَيِّ مَوضِعٍ فِي الإسْنَادِ الحديث الْمُدَلَّس: أَنْ يَرْوِيَ الرَّوِاي روايَتَه بِصيغَةٍ مُحْتَمِلَةٍ - بِعَنْ وَأَنْ - تُوهِمُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ شَيْخِه وَهُو لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، بل سَمِعَ منه بِوَاسِطِةِ شيخٍ آخر أَسْقَطه. الْمُرسَل الْخَفِيّ: أَنْ يَرْوِي الرَّاوي عَمَّن عَاصَرهُ أو لَقِيهُ ولَمْ يَسْمعْ منه. الحديث الشَّاذ: مَا رواه الثِّقَةُ مُخَالِفًا لِمَنْ هُوَ أَوْثَقُ منه، أو مُخَالفًا جَمَاعةً من الثِّقات، أو مُخَالفًا مَنْ هُو أولَى منه بالقَبولِ، ويكون الشُّذُوذ فِي السَّنَدِ، وفِي الْمَتْنِ. . الحديث الْمَقْلُوب: القِسْمُ الأوَّل: أَن يكون الحَدِيث مَعروفًا عند المحدثين براوٍ مَا فَيجْعَل مَكَانَهُ راو آخر فِي طبقته، أو يُقْلِب اسم الرَّاوي، أو يبدل اسم الرَّاوي بكنيته. القِسْمُ الثَّاني: قَلْبُ إسْنَادٍ لِمَتْنٍ أي أنَّ الرَّاوي يَرْوِي مَتْن حَديث مَا بإسنادِ حديثٍ آخر له مَتْن غيره، فَيجْعَل إسناد الحديث الثَّانِي لِمَتْنِ الحديث الأول الحديث الفَرْد: 1 - التَّفرد الْمُقَيَّد: أَنْ يَتَفَرَّدَ ثِقَةٌ مِن أَصْحَابِ رَاوٍ مُعَيَّنٍ بِالحَدِيثِ عَنه. 2 - التَّفرد النِّسبيّ: أي نسبةً لِجِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ، أي قُيْدَ بِتَفَرّدِ أَهْلِ بَلْدَةٍ مُعينة.

الحديث الْمُعَلَّل: الْحَدِيثَ الَّذِي اعتراه سَبَبٌ غَامِضٌ أو خَفِيّ قَادِحٌ فِي إسْنَادِهِ أَو فِي مِتْنِهِ مَعَ أَن الظَّاهِر السَّلامَة مِنْهُ. الحديث الْمُضْطَرِبُ: فالاضطِّرَابُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ حُجَّة عَلَى أَحَدِ الوَجْهَين مَثَلاًَ دُونَ الآخَر، ولا يَتجه الْجَمْعُ ولا التَّرْجِيح، أَوْ يَكْثُر الاضطِّرابُ ويَشْتَدُّ بِحَيث يَدَلُّ أَنَّ الرَّاوِي الْمُضطَّرب الذي مَدَار الْحَدِيث عَلَيه لَمْ يَضْبِط. الحديث الْمُدْرَجُ: ما زيد فِي أصل الْحَدِيثِ سواء كان فِي إسنادِهِ أو مَتْنِهِ مِمَّا ليس منه. والحديث الْمُدْرَج على قسمين: الأول: ما أدرج فِي الإسناد، والثاني: ما أدرج فِي الْمَتْنِ. الحديث الْمُدَبَّجُ: رِوَايةُ كُلُّ قَرِينٍ عَنْ قَرِينِهِ. الْمُتَّفِقُ والْمُفْتَرِقْ: الأسماء والأنساب التي وَرَدت في الحديث مُتَّفِقَة مُتَمَاثِلة، وإِذَا اعْتُبِرتْ وَجُدتْ مُفْتَرِقَةً مُتَبَايِنَةً. الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ: مَا اتَّفَقَ كِتَابةً واخْتَلَفَ نُطقًا. الحديث الْمُنْكَرُ: ما تَفَرّد به رَاوٍ، ولا يَحْتَملُ تَفَرُّده، يَعْنِي لا يبلغ من العَدَالةِ والضَّبطِ مَبْلَغَ مَنْ يُقْبَل تَفَرّده بل هُوَ قَاصِر عَن ذَلِك.

الحديث الْمَتْرُوكُ: مَا انْفَرَدَ بِهِ ضَعِيفٌ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ مِن النُّقاد، لتهمته بِالْفِسْقِ أَو لِغَفْلَتِه أَو لِكَثْرَةِ الْوَهم؛ أَو لكَونه عُرِف بِالْكَذِبِ فِي غَيْرِ الْحَدِيث فَلا يُؤمن أَنْ يَكْذبَ فِي الحَدِيثِ. الحديث الْمَوضُوعُ، والْحَدِيث الْمَكْذُوب عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، : الْمُخْتَلَقُ أَي الْمُفْتَرى عَلَيْهِ عَمْدًا.

متن المنظومة البيقونية

مَتنُ الْمَنْظُومَةِ البَيْقُونِيَّةِ لعمر أو (طه) بن محمد بن فتوح البَيْقُونِي الدِّمَشْقِيّ

بسم الله الرحمن الرحيم 1 - أبدأُ بالحمدِ مُصَلِّيًا عَلَى ... مُحَمَّدٍ خَيْرِ نبيْ أُرسلا 2 - وذِي من أقْسَامِ الحَدِيثِ عِدَّهْ ... وَكُلُّ واحد أتى وحدَّه 3 - أوَّلُها الصَّحِيحُ وَهْوَ مَا اتَّصل ... إسْنَادُهُ وَلَمْ يَشُذَّ أَوْ يُعَلْ 4 - يَرْوِيهِ عَدْلٌ ضَابِطٌ عَنْ مِثْلِه ... مُعْتَمَدٌ فِي ضَبْطِهِ وَنَقْلِه 5 - والَحسَنُ المعروفُ طُرْقًا وَغَدَتْ ... رِجَالُهُ لاَ كالصّحيحِ اشْتَهَرَتْ 6 - وكُلُّ مَا عَنْ رُتْبَةِ الحسن قصر ... فهو الضعيف وَهْوَ أَقْسَاماً كُثُرْ 7 - وَمَا أُضيفَ لَلنَّبِي المَرْفُوعُ ... وَمَا لِتَابِعٍ هو المقطوع 8 - والُمسنَدُ الُمتَّصِلُ الإسنادِ مِنْ ... رَاوِيهِ حَتَّى المُصْطَفَى وَلَمْ يَبِنْ 9 - وَمَا بِسَمْعِ كُلِّ رَاوٍ يَتَّصِل ... إسْنَادُهُ لِلْمُصْطَفَى فَالْمُتَّصِل 10 - مُسَلْسَلٌ قُلْ مَا عَلَى وَصْفٍ أَتَى ... مِثْلُ أَمَا وَاللهِ أنْبأنِي الْفَتَى 11 - كذَاكَ قَدْ حَدَّثَنِيهِ قَائما ... أَوْ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَنِي تَبَسَّمَا 12 - عَزِيزُ مَرْوِي اثْنَيْنِ أوْ ثَلاَثَهْ ... مَشْهُورُ مَرْوِي فوْقَ مَا ثَلاثهْ 13 - مَعَنْعَنٌ كَعَن سَعِيدٍ عَنْ كَرَمْ ... وَمُبْهَمٌ مَا فِيهِ رَاوٍ لَمْ يُسَمْ 14 - وَكُلُّ مَا قَلَّتْ رِجَالُهُ عَلاَ ... وَضِدُّهُ ذاك الذي قد نَزَلا 15 - ومَا أضَفْتَهُ إِلَى الأَصْحَابِ مِنْ ... قَوْلٍ وفعل فهو مَوْقُوفٌ زُكِنْ 16 - وَمُرْسلٌ مِنْهُ الصِّحَابِيُّ سَقَطْ ... وَقُلْ غَرِيبٌ مَا رَوَى رَاوٍ فَقَطْ 17 - وَكُلُّ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بحال ... إسْنَادُهُ مُنْقَطِعُ الأوْصالِ

18 - والُمعْضَلُ الساقِط مِنه اثنانِ ... وما أتى مُدلساً نَوعانِ 19 - الأَوَّلُ: الاسْقَاطُ لِلشَّيْخِ وَأَنْ ... يَنْقُلَ عَمَّنْ فَوْقَهُ بِعَنْ وَأَنْ 20 - والثَّانِ: لاَ يُسْقِطُهُ لَكِنْ يَصِفْ ... أَوْصَافَهُ بِمَا بِهِ لاَ ينعرف 21 - وما يخالف ثِقَةٌ بِهِ الَملا ... فالشاذُّ والَمقْلُوبُ قِسْمَانِ تَلا 22 - إبْدَالُ رَاوٍ مَا بِرَاوٍ قِسْمُ ... وَقَلْبُ إسْنَادٍ لمَتْنٍ قِسْمُ 23 - والفَردُ مَا قَيَّدْتَهُ بِثِقةِ ... أَوْ جَمْعٍ أوْ قَصْرٍ عَلَى روايةِ 24 - ومَا بعِلَّةٍ غُمُوضٍ أَوْ خَفَا ... مُعَلَّلٌ عِنْدَهُمُ قَدْ عُرِفَا 25 - وذُو اخْتِلافِ سَنَدٍ أَوْ مَتْنِ ... مُضْطَرِبٌ عِنْدَ أُهَيْلِ الْفَنِّ 26 - والُمدْرَجَاتُ فِي الحديثِ مَا أَتَتْ ... مِنْ بَعْض أَلْفَاظِ الرُّوَاةِ اتَّصَلَتْ 27 - ومَا رَوى كُلُّ قَرِينٍ عَنْ أَخِهْ ... مُدّبَّجٌ فَاعْرِفْهُ حَقًّا وانْتَخهْ 28 - مُتَّفِقٌ لَفْظاً وَخَطاً مُتَّفِقْ ... وضِدُّهُ فِيمَا ذَكَرْنَا المُفْتَرِقْ 29 - مُؤْتَلِفٌ مُتَّقِقُ الخَطِّ فَقَطْ ... وَضِدُّهُ مُخْتَلِفُ فَاخْشَ الْغَلَطْ 30 - وَالمُنْكَرُ الْفَرْدُ بِهِ رَاوٍ غَدَا ... تَعْدِيلُهُ لاَ يْحمِلُ التَّفَرُّدَا 31 - مَتْرُوكُهُ مَا وَاحِدٌ بِهِ انْفَرَدْ ... وَأَجْمَعُوا لِضَعْفِهِ فَهْوَ كَرَدْ 32 - وَالكَذِبُ المُخْتَلَقُ المَصْنُوعُ ... عَلَى النَّبِي فَذلِكَ الموْضوعُ 33 - وَقَدْ أَتَتْ كَالجَوْهَرِ المَكْنُونِ ... سَمَّيْتُهَا مَنْظُومَةَ البَيْقُوني 34 - فَوْقَ الثَّلاثيَن بأرْبَعٍ أتَت ... ْأقْسامُهَا تَمَّتْ بِخَيْرٍ خُتِمَتْ - - - - تمت - - - - تم بحمد الله

§1/1