شرح المقدمة المحسبة

ابن بَابْشَاذَ

مدخل

بسم الله الرحمن الرحيم وفق للإتمام يا ذا الجلال والإكرام قال الشيخ الإمام أبو الحسن طاهر بن أحمد بن بابشاذ النحوي رحمه الله: أما بعد حمد الله بجميع المحامد, والتوكل عليه في [كل] المصادر والموارد, والصلاة على نبيه محمد خاتم النبيين, وعلى آله وأصحابه البررة المتقين, والسلام عليهم أجمعين. فإن للمقصد حرمة مأثورة, ونية مشكورة مبرورة. ولما كنت أيها الأخ أبا القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي سعيد أدام الله توفيقك وإرشادك, وجعل من السعادة في الدين والدنيا والعلم هداك وإمدادك, قد اطلعتني على حالك, وذكرت أنك لم تسافر من الاسكندرية - مع قرب توجه سفرك إلى مقرك - إلا لتحصل ما أمكن من هذا العلم, وأن أقرب ذلك قراءة المقدمة المرسومة لهذا الثان. وإيثارك تعليق شرحها مختصرًا لتنال من ذلك

بلغة إلى حين عودتك بمشيئة الله وعونه, فتشرع في التنجز لهذا الشأن بحسب ما يؤديك إليه اجتهادك, والله معينك في ذلك وموفقك, أجبت سؤالك إيجاب مثلي لمثلك في مقصدك, وابتغاء مرضاة الله سبحانه [وتعالى] ورحمته. والله الموفق للصواب [بمنه]. قال الشيخ [أبو الحسن] رحمه الله: أما قولنا «النحو علم مستنبط بالقياس والاستقراء من كتاب الله سبحانه والكلام الفصيح». فإن النحو له تفسيران: لغوي, وصناعي. فاللغوي أن تقول هو القصد من قولهم: نحوت كذا وكذا, أي قصدته. وهذا الاسم وإن كان عامًا في الأصل - لأن كل علم مقصود - فهو مخصوص بالترجمة عن هذا العلم كاختصاص علم الشريعة بالفقه, وإن كان كل علم فقهًا [وفهمًا]. وكاختصاص الكعبة ببيت الله عز وجل وإن كانت المساجد كلها بيوتًا لله تعالى. والنحو من المصادر التي وقعت موقع الأسماء. فالمراد بالنحو الشيء المنحو [إليه] , كالمراد بنسج اليمن إنه منسوج اليمن, وبقوله / سبحانه (أحل لكم

صيد البحر وطعامه) , أي مصيده. فقد خرج بهذه القضية من حكم المصادر [المنصوبة] على التأكيد. إذا قلت: نحوت النحو, إنما ينتصب انتصاب المفعول به لا انتصاب المصدر المؤكد. وعلى هذا تقول: نجي النحو, فتقيمه مقام ما لم يسم فاعله. وهذه اللفظة كان القياس يجيز فيها فتح الحاء وتسكينها, على حد أنواعها مما فيه حرف من حروف الحلق. من نحو الشعر والشعر والنحر والنحر. لكنهم امتنعوا من الحركة في «النحو» لأجل أن الواو حرف علة, فلو حركوا الحاء لأدى ذلك إلى قلب الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها, فاجتنب تحريكها لذلك. وأما التفسير الصناعي فهو قولنا «علم مستنبط بالقياس». ولا إشكال في كون النحو علمًا من العلوم الجليلة, إذ كان العلم ضد الجهل, فلذلك سمي علمًا, ولا إشكال في كونه مستنبطًا لأن الاستنباط الاستخراج. من قوله سبحانه (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم). وأهل هذه الصناعة استخرجوه من كلام الله تعالى والكلام الفصيح. والطريق

الذي استخرجوه به طريقان: السماع والقياس. فالسماع بالتتبع والتصفح. والقياس بحمل شيء على شيء لضرب من الشبه. فلذلك قلنا: هو علم مستنبط بالقياس والاستقراء. وأما قولنا: «والغرض به معرفة صواب الكلم من خطائه وفهم كلام الله تعالى وفوائده». فإنه لا ينبغي لأحد أن يدخل في علم من العلوم حتى يعرف الغرض الذي [لأجله] دخل, ليكون على بصيرة مما دخل فيه. وهذا الغرض ينقسم إلى قسمين. أحدهما معرفة الخطاء حتى يجتنب. والآخر معرفة المعاني حتى تعتقد. ولا أجل من فهم معاني كتاب الله عز وجل وفوائده, ومن علم السنة والأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, والحكم ودواوين العرب. فإن كل هذا لا يفهم على التحقيق إلا بمعرفة العربية. ألا ترى أن القراءة في [مثل] قوله تعالى (أن الله بريء من المشركين ورسوله) بجر الرسول تؤدي إلى التبرء من الرسول بكونه معطوفًا على المشركين المجرورين بمن, و «من» متعلقة ببريء. فيؤدي إلى التبرء من الرسول كالتبرء من المشركين. ونعوذ بالله من إعراب يؤدي إلى فساد الدين. وأن القائل إذا قال لزوجته:

أنت طالق إن دخلت الدار. لم تطلق عليه حتى تدخل الدار. ولو فتح إن [فقال: أن] لكانت طالقًا في الحال. لأن الكلام صار علة, وفي الأول كان شرطًا. وأن الرجل إذا أقر فقلا: لفلان عندي مائة غير درهم - بنصب غير - كان مقرًا بتسعة وتسعين درهمًا, لأن غير هنا إذا انتصبت كانت استثناء من المائة. ولو رفع فقال: له عندي مائة غير درهم. لكان مقرًا بالمائة كلها كاملة, لأن غيرًا ها هنا صفة للمائة, وصفتها لا تخرجها عن جملتها ولا تنقص شيئًا منها. إلى غير ذلك من المسائل التي لا تحصى كثرة في أبواب الإقرارات والنكاحات والبيوعات وغيرها. وأما قولنا: «والطريق إلى تحصيله [تكون] بإحكام أصوله وتقديم الأهم فالأهم من فصوله». فإن أول كل مطلوب من شيء أصله. لأن البناء على الأصول, ومنها تتفرع الفروع, كما قال بعضهم: إنما منعهم من الوصول تضييع الأصول فلما أبطلوا تعطلوا. وأما قولنا: «والأهم منها معرفة عشرة أشياء». فلأن مدار الكلام على هذه العشرة, لا ينفك كلام من جملتها أو بعضها. فالحاجة داعية إلى معرفتها. فلذلك أخذ المبتديء بمعرفتها, ولأنها تسهل عليه كل ما يأتي بعدها.

وأما قولنا: «اسم وفعل وحرف». فإن هذه الثلاثة هي الأصول الأول التي لا يستغنى عن تقدمة معرفتها لأنها أنفس الكلام. وما بعدها فإنما هو كلام على عوارضها الداخلة عليها. ولذلك اتفقت كتب متقدمي النحويين على البداية بها. وإنما كان الكلام ثلاثة لا غير لأن العبارة على حسب المعبر عنه. والمعبر عنه لا يخلو من أن يكون ذاتًا كزيد وعمرو. أو حدثًا من ذات كقام وقعد, أو واسطة بين الذات وحدثها, تكون لايجاب شيء لها, أو نفي شيء عنها, أو شرطًا لها, مثل: إن زيدًا قام, وما زيد قام, وإن قام زيد قام عمرو. فالأسماء عبارة عن الذات. والأفعال عبارة عن الحدث. والحروف عبارة عن الوسائط. فلذلك / كانت ثلاثة على حسب المعبر عنه. وإذا ثبت هذا. فالعلة في تقديم الكلام على الاسم من هذه الثلاثة لأنه أقواها وأمكنها. بدليل أنه يخبر به ويخبر عنه, من نحو: الله ربنا, وربنا الله. والحرف عكسه [لأنه] لا يخبر به ولا يخبر عنه, فأخر لذلك. والفعل يخبر به ولا يخبر عنه, فوسط. ولأن كل شيء محمول على الاسم. لأن الله تعالى لما امتن على نبيه آدم عليه السلام قال: (وعلم آدم الأسماء كلها).

فلذلك وجبت البداية بالكلام على الاسم. وأما قولنا «وهي الاسم, والفعل, والحرف, والرفع, والنصب, والجر, والجزم, والعامل, والتابع, والخط». فإنما رتبت هذا الترتيب لما تقدم من قوة الاسم, ومن توسط الفعل, ومن تأخر الحرف. ثم قدم الرفع على النصب لأنه من حركات العمد التي هي للفاعل وشبهه وللمبتدأ وشبهه. ثم قدم النصب على الجر لأن النصب كثير, والمنصوبات أكثر من المرفوعات وأقل من المجرورات. ثم قدم الجر على الجزم لأن الجر من إعراب ما هو مستحق للإعراب, وهو الاسم. وليست الأفعال بمستحقة للإعراب في الأصل, وإنما إعرابها للشبه. ثم قدم العامل على التابع لأن العامل لابد منه, والتابع منه بد. لأن التابع إنما يأتي محمولًا على غيره, والعامل يأتي لأمر يحتاج إليه في نفسه. ثم قدم التابع على الخط لأن التابع لاحق بالمتبوع فلحق بما تقدمه. ولم يبق إلا جعل الخط عاشرًا. فهذا فيه معرفة ترتيب هذه الجملة حتى تأخذ كلًا منها على أصل في نفسك مستقر.

فصل الاسم

فصل الاسم كل فصل من هذه الفصول فهو مشتمل على ثلاثة أشياء, ما هو في نفسه وما قسمته, وما حكمه. لأن بمعرفة هذه الأشياء الثلاثة يتحصل الغرض في كل ما يفسر [في هذه المقدمة] وبالله التوفيق. قال الشيخ رحمه الله: أما قولنا: «الاسم ما أبان عن مسمى, شخصًا كان أو غير شخص, مثل: رجل وامرأة وزيد وهند ونحوه من المرئيات. وعالم ومعلوم ونحوه من الصفات. وعلم وقدرة وفهم ونحوه من المعاني». فإن هذا جواب عن السؤال الأول, وهو ما الاسم؟ . ولما كانت الأسماء الظاهرة لا تنفك من أن تكون عبارة عن أشخاص, أو عبارةً عن صفات, أو عبارةً عن معانٍ, انقسمت إلى هذه الأقسام المذكورة. فالأشخاص تعرفها بأنها مرئيات, كرجل وامرأة وزيد وهند [وشبه ذلك]. ولما كانت الأشخاص لا تنفك من أن تكون مذكرة أو مؤنثة مثل بالأمرين. ولما كان المذكر والمؤنث لا ينفك من أن يكون معرفةً أو نكرة مثل أيضًا بالمعرفة كما مثل بالنكرة, وهو زيد وهند [ورجل وامرأة]. والصفات تعرفها بأنها تكون جارية على الموصوفين. ومثال جريانها قولك: هذا رجل عالم, ورأيت رجلًا عالمًا, ومررت برجلٍ

عالم. وكذلك كل صفة من نحو آكل وشارب ونحوهما من صفات الفعلية. وأحمر وأصفر ونحوهما من صفات الحلية. ومصري ومغربي ونحوهما من صفات النسبة. كل هذه صفات لأنها جارية على الموصوفين. والمعاني تعرفها بأنها مصادر كالعلم والقدرة, مصدر علم علمًا, وقدر قدرة. ولا تجري هذه صفات كالتي قبلها. لا تقول: هذا رجل علم, كما تقول: هذا رجل عالم. فإذا أردت ذلك ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن تأتي بـ «ذي» التي بمعنى «صاحب» , فتقول: هذا رجل ذو علمٍ, ورأيت رجلًا ذا علمٍ, ومررت برجل ذي علمٍ. والوجه الثاني: أن تقول: هذا رجل له علم. فيكون «علم» مبتدأ, و «له» خبرًا مقدمًا [عليه] , والجملة في موضع [رفع على] الصفة لرجل. والكلام جملتان. فـ «هذا» مبتدأ, و «رجل» خبره, و «له علم» جملة ثانية في موضع الصفة لرجل لا تتغير في نصب ولا جر. تقول في النصب: رأيت رجلًا له علم, فموضع الجملة [الثانية] نصب. وتقول في الجر: مررت برجلٍ له علم, فموضع الجملة الثانية جر أيضًا, نعت لرجل. وليس للجملة الأولى موضع من الإعراب. لأن الجمل التي لها موضع من الإعراب ثلاث, الجملة التي تكون خبرًا لمبتدأ, والجملة التي تكون صفة, والجملة التي تكون حالًا. فالجملة التي تكون صفة قد مثلناها. والتي تكون خبرًا كقولك: هذا أبوه منطلق, فـ «أبوه» منطلق جملة من مبتدأ [وخبر في موضع رفع خبر لـ «هذا» الذي هو مبتدأ أول, «وأبوه» مبتدأ] ثانٍ, و «منطلق» خبر للأب, والأب وخبره خبر «هذا» والجملة التي تكون حالًا نحو قولك: هذا زيد أبوه منطلق. فـ «هذا» مبتدأ,

اشتقاقه

و «زيد» خبره, و «أبوه منطلق» جملة من مبتدأ وخبره في موضع نصب على الحال. كأنك قلت: هذا زيد منطلقًا أبوه, أي أشرت إليه في حال انطلاق أبيه. [4] فقد بان/ لك [معرفة] الجمل التي لها موضع من الإعراب, من الجمل التي لا موضع لها من الإعراب. وهذا يأتي في موضعه مستوفى إن شاء الله تعالى. وإنما ذكر هذا القدر لما ذكر الاسم الذي هو معنى, وكيف يصح أن يوصف به. وقد بان [لك] أنه إن وصفت به على طريق الإفراد قلت: هذا رجل ذو علم. وإن وصفت به على طريق الجملة قلت: هذا رجل له علم. وإن وصفت به على طريق الاتساع والمبالغة, على حد قولهم: هذا رجل عدل, وهذا رجل رضى, فإنك تقول على هذا: هذا رجل علم. كأنه لكثرة علمه وفهمه جعلته نفس العلم. كما جعلته عدلًا لما كثر عدله, ورضى لما كثر الرضى عنه [ألا ترى أنك لو قلت قولًا محققًا قلت: هذا رجل مرضي عنه فطال [ذلك] , وعرفت الأشخاص بما قدمته لك, فليس يخرج عن ذلك اسم ظاهر معرب. وأما قولنا: «وإنما لقب هذا النوع اسمًا لأنه سما بمسماه فأوضحه وكشف

معناه». فإن هذه طريقة البصريين, لأن الاسم عندهم مشتق من السمو, والسمو هو العلو. فالاسم هو الذي أبان عن المسمى, شخصًا كان أو صفة أو معنى, فرفعه إلى العقل وأخرجه إلى الوجود. فلولا الاسم لما عرف المسمى. وقال الكوفيون: إن الاسم إنما سمي اسما لأنه اشتق من السمة التي هي العلامة. والصحيح هو [القول] الأول أن اشتقاقه من السمو. لأن لام السمو واو تكون أخيرًا, وفاء السمه واو تكون أولًا, من وسمت [اسم] سمة. فلو كان الاسم مشتقًا من السمة لوجب أن يقال في جمعه «أوسام» , وفي قوله «أسماء» دليل على أن أصله «أسماو» , وقلبت الواو الأخيرة همزة [لأن قلبها ألفا] بعد أن قلت ألفًا. ودليل آخر, وهو قولهم في تصغير اسم «سمي» وأصله «سميو» , قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء. ولو كان من السمة لوجب أن تقول فيه «وسيم» أو «أسيم» , فتقع الواو أولا. فإن شئت أقررتها [على حالها] وإن شئت همزتها على حد «وقتت» و «أقتت». وفي عدم ذلك وأنه لم يقل دليل على أنه مشتق من السمو [لا من السمه].

الاسم ظاهر ومضمر ومبهم

وأما قولنا: «وقسمة الأسماء [كلها] ثلاثة: ظاهر, ومضمر, وما بينهما وهو يسمى المبهم». فإن هذا جواب [عن] القسمة التي تعرف بها الجملة, فتنحصر لك الأسماء كلها, ولا يشذ عنك شيء منها. فإن قيل: فما الحاجة إلى قسمتها ثلاثة, وألا جعلت كلها ظاهرة أو مضمرة [أو أسماء إشارة]؟ . قيل: لكل واحد من ذلك غرض صحيح. فالغرض بالأسماء الظاهرة البيان [عن ذات المسمى] كرجل وزيد. والغرض بالأسماء المضمرة الاختصار من نحو: أنا وأنت وهو. والغرض بأسماء الإشارة التنبيه من نحو: ذا [وذه] وذان وتان وألاء. والغرض بكل واحد من هذه الثلاثة غرض صحيح لا يغني عنه الآخر. ولا يخلو كل اسم ظاهر من جواز الثلاثة فيه. وأما قولنا: «أما الظاهر فهو كل ما دل بظاهره وإعرابه على المعنى المراد به».

فإن الدلالة دلالتان: دلالة تدل دلالة الذات, ودلالة تدل دلالة الإعراب. فدلالة الذات هي التي تدل على ذات الشيء في نفسه. ودلالة الإعراب هي التي تدل على عوارضه التي تعرض فيه. ألا ترى أنك إذا قلت: ما أحسن زيد [بإسكان النون والدال] , يفهم من «زيد» معنى الشخصية, وهي ذاته. ولا يعرف ما قصدت [إليه] من المعاني, من نفي الإحسان عنه, أو إثبات الحسن له, أو الاستفهام عن ذلك. فإذا أردت النفي قلت: ما أحسن زيد, برفع «زيد». وإذا أردت إثبات الحسن [له] على طريق التعجب قلت: ما أحسن زيدًا, بالنصب. وإذا أردت الاستفهام جررت «زيدا» ورفعت «أحسن» فقلت: ما أحسن زيد؟ . فهذه معانٍ ثلاثة لم يفرق لك بين كل واحد منها وبين الآخر إلا الإعراب. فبان لك أن الاسم الظاهر ما دل بظاهره وإعرابه على المعنى المراد به. وبان لك شدة الحاجة إلى معرفة الإعراب كمعرفة الذات. وكما لا يصح أن تجهل معرفة الذات فيما هذه سبيله, كذلك لا يصح أن تجهل معرفة الإعراب. لأن البيان مرتبط بهما جميعًا. وأما قولنا: «وجملة الأسماء الظاهرة المعربة عشرة أنواع». فإنه لما كانت الأسماء على أنواع كثيرة, من أسماء صحيحة, وأسماء معتلة. وأسماء مفردة, وأسماء مضافة. وأسماء منصرفة, وأسماء غير منصرفة. [وأسماء منقوصة, وأسماء غير منقوصة. وأسماء مقصورة, وأسماء غير مقصورة]. وأسماء مثناة, [وأسماء غير مثناة]. وأسماء مجموعة [جمع السلامة] ,

النوع الأول من الأسماء الظاهرة الاسم المفرد الصحيح

[وأسماء مجموعة جمع التكسير] , ولكل واحد من ذلك حكم في الإعراب يخالف الآخر, وجب أن يجمل ذلك على ما ذكرنا من قولنا, ثم يفسر ليقع الحصر. وأن يبدأ بالأقوى فالأقوى على ما يأتي بيانه [إن شاء الله تعالى]. [5] فلذلك قلنا: «منها نوع أول يدخله الرفع والنصب والجر/ والتنوين. وذلك كل اسم مفرد صحيح منصرف». وقولنا: «مفرد» احتراز من التثنية والجمع [السالم, لأن إعرابه كإعراب التثنية والجمع] بالحروف لا بالحركات. [ما خلا جمع التكسير فإن إعرابه كإعراب الأسماؤ المفردة]. وقولنا: «صحيح» احتراز من المعتل الذي آخره ياء [خفيفة قبلها كسرة] كالقاضي والداعي. أو ألف كالفتى والمولى. فإن هذا لا يدخله رفع ولا جر. وقولنا: «منصرف» احتراز مما لا ينصرف [مثل أحمد وأحمر]. لأن ما لا ينصرف لا يدخله تنوين ولا جر. وكل ما كان على هذا الشرط دخله الرفع والنصب والجر والتنوين, لأنه متمكن أمكن لم يعرض فيه ما يخرجه من التمكن, فاستوعب الإعراب كله. مثل: هذا فلس وفرس, ورأيت فلسًا وفرسًا, ومررت بفلس وفرس. وأما قولنا: «مثل: فلسٍ, وفرسٍ, وكتفٍ, وعضدٍ, وحبرٍ, وعنبٍ, وإبلٍ, وقفلٍ, وصردٍ, وعتقٍ». فإن هذه الأمثلة العشرة كلها ثلاثية. وهي جامعة لأصول الثلاثي كله. ورتبت هذا الترتيب لأنه بديء بالأخف فالأخف منها. فأخفها فعل مثل فلس,

بفتح الأول وسكون الثاني. وفرس أخف من كتف, لأن المفتوح العين أخف من المكسور العين. وكتف أخف من عضد. لأن المكسور العين أخف من المضموم العين. فهذه أربعة أمثلة أولها مفتوح. ثم ننتقل إلى المكسور الأول الساكن الثاني وهو خبر فتجده أخف من عنب. ثم عنب [فتجده] أخف من إبل, لأن الكسرة الواحدة أخف من الكسرتين. ثم ننتقل إلى المضموم الأول [الساكن الثاني] وهو قفل فتجده أخف من صرد. ثم صرد. [فتجده] أخف من عنق. وعلى هذا الترتيب. فكملت عشرة. وعرفت وجه ترتيبها, والعلة في كثرتها [وكون بعضها أخف من بعض]. وأما قولنا: «ومثل: جعفر, وزبرج, وبرثن, ودرهم, وقمطر وجخدب [عند الأخفش]». فإن هذه الأمثلة الستة أوزان لجميع أصول الرباعي. ووزن كل واحد غير وزن الآخر. لكنه يجمعها كلها كونها رباعيةً. كما أن العشرة الأول

مختلفة الأوزان ويجمعها كلها كونها ثلاثية. وأما قولنا: «ومثل: سفرجلٍ, وقرطعبٍ, وجحمرشٍ, وقذعملٍ». فإن هذه الأمثلة الأربعة أوزان لجميع أصول الخماسي. ووزن كل واحد غير وزن الآخر يجمعها كلها كونها خماسية. فقد صار أمثلة [الأسماء] الأصول كلها عشرين مثالًا. عشرة ثلاثية, وستة رباعية, وأربعة خماسية. وليس في شيء منها خلاف إلا [في] وزن جخدب. فإن الأخفش. بضم الدال بوزن فعلل كبرثن. وأما قولنا: «وكل ما جاء من هذه الأسماء [وشبهها] بعد «نفعنى» وشبهه فهو فاعل مرفوع. وكل ما جاء منها بعد «نفعت» وشبهه فهو مفعول منصوب. وكل ما جاء منها بعد «انتفعت بكذا أو من كذا» [وشبهه] فهو مجرور». فإن القصد بهذا التمثيل تعريف التصرف في إعراب هذه المثل العشرين. وما أشبهها من جميع الأسماء الظاهرة الصحيحة المفردة المنصرفة لتنصرف في ذلك. ولما كانت [هذه] الأسماء لا تخلو من أن تكون مرفوعة أو منصوبة

أو مجرورة - والرفع إنما يكون للفاعل وما أشبهه, والنصب إنما يكون للمفعول وما أشبهه, والجر إنما يكون بحرف الجر وما أشبهه - مثل لكل واحد من ذلك بمثال لتقيس عليه سائر المثل. فنفعني وشبهه, من ضربني وخاطبني وحدثني, فعل ومفعول [مضمر] , وليس بعد الفعل والمفعول إلا الفاعل. ولذلك وجب أن يكون مرفوعًا. ونفعت وشبهه, من ضربت وخاطبت وحدثت, فعل وفاعل [مضمر] , وليس بعد الفعل والفاعل إلا المفعول. فلذلك وجب أن يكون منصوبًا. وانتفعت بكذا أو من كذا وشبهه من قولك لكذا أو إلى كذا أو عن كذا أو على كذا, فجميع ذلك حروف جر, وليس بعد حرف الجر إلا المجرور. فلذلك وجب أن تقول: نفعني زيد, ونفعت زيدًا, وانتفعت بزيدٍ. وكذلك حكم الرباعي والخماسي في الإعراب. وأما قولنا: «وكل ذلك إذا وصل بكلام [بعده] ثبت فيه تنوينه وحركته. وإذا وقف عليه سقط منه تنوينه وحركته غالبًا. ما خلا النصب فإنه يبدل من التنوين فيه ألف». فإن الإعراب له حالتان, حال وصل, وحال وقف. فحال الوصل يقتضي ثبات الإعراب للبيان. وحال الوقف يقتضي زوال الإعراب للاستراحة.

فلذلك قيل: إذا وصل بكلام ثبت فيه تنوينه وحركته [وإذا وقف عليه سقط منه حركته وتنوينه]. فثبات حركته دليل على رفعه أو نصبه أو جره, وثبات تنوينه دليل على صرفه. وإذا وقف عليه زالت الحركة, ثم تبع الحركة التنوين في الزوال, لأن التنوين تابع للحركة, ولما زالا سكن حرف الإعراب, [6] فقلت في الرفع: نفعني زيد. وفي الجر: انتفعت / بزيد. وإنما قلنا «غالبا» احترازًا من وجوه أخر تجوز في الوقف على المرفوع, وهي الإشمام والروم والتضعيف ونقل الحركة. والسكون هو الأصل الأغلب الأكثر من هذه الوجوه فلذلك قلنا «غالبا». فمن سكن فهو الأصل لأنه سلب الحركة [بالجملة]. ومن أشم أو رام أو نقل أو ضاعف فإنما هو حرص على بيان الحركة التي كانت في الوصل. وأما المنصوب فليس فيه في الغالب إلا وجه واحد, وهو أن تبدل من التنوين ألفًا. وإنما تثبت الحركة في المنصوب [في الوقف] لخفتها. وأبدل من التنوين ألف للفرق بين حال الوقف والوصل. ولئلا يلتبس بالنون الأصلية والملحقة. وكل من أسقط الإعراب في الوصل

النوع الثاني الاسم المفرد الصحيح المنصرف المضاف إلى غير ضمير متكلم، أو ما فيه الف ولام

[فهو] مخطيء. وكل من أثبته في الوقف مخطيء أيضًا. فلذلك شرط [هذا] الشرط المذكور. وأما قولنا: «ومنها نوع ثانٍ يدخله الرفع والنصب والجر من غير تنوين. وهو جميع ما ذكرناه إذا كان مضافًا إلى غير ضمير متكلم, أو فيه ألف ولام». فإن هذا النوع [هو] الثاني من الأنواع العشرة. وليس ينقص عن القسم الأول إلا حذف التنوين. وإنما لم يجمع بين «الألف واللام» والتنوين من قبل أن «الألف واللام» دليل على التعريف, والتنوين في الأصل دليل التنكير فلم يجمع بينهما. فلذلك قلنا: نفعني الغلام, ونفعت الغلام, وانتفعت بالغلام. وكذلك الإضافة لا يجمع بينها وبين التنوين, لأن التنوين دليل الانفصال, والإضافة دليل الاتصال, ولا يكون الشيء منفصلًا متصلًا في حال [واحد]. فلذلك تقول: نفعني غلام الرجل, وغلامه وغلامك. وإنما قلنا: «إذا كان مضافًا إلى غير [ضمير] المتكلم» احترازًا من مثل «غلامي» , فإن هذا [ونحوه] لا يدخله إعراب بحال. لأن ياء المتكلم لا يكون ما قبلها إلا مكسورًا إذا كان حرفًا صحيحًا, تقول: نفعني غلامي, ونفعت غلامي, وانتفعت بغلامي.

النوع الثالث الممنوع من الصرف

وأما قولنا: «ومنها نوع ثالث يدخله الرفع والنصب ولا يدخله الجر ولا التنوين. وهو كل اسم غير منصرف مما قد اجتمع فيه علتان فرعيتان من علل تسع. أو ما يقوم مقامهما. مثل: إبراهيم, وزينب وطلحة, وعمر, وعثمان, وأحمد, وحضرموت, وأحمر, وحمراء, وأحاد, وسكران, وسكرى, ومساجد». فإن هذا هو النوع الثالث. وهو ينقص عما تقدمه بشيئين, وهما الجر والتنوين. وإنما نقص ذلك لأن كل ما لا ينصرف مشبه للفعل. والفعل لا يكون فيه جر ولا تنوين. وإنما أشبه الفعل لأنه قد اجتمع فيه علتان فرعيتان. وإنما وجب أن يكون مشبهًا للفعل - باجتماع علتين فرعيتين فيه - من قبل أن الفعل نفسه فرع على الاسم. وإنما كان فرعًا على الاسم من وجهين. أحدهما: أن الفعل لا يستقل بنفسه ولابد له من اسم يكون معه. والاسم قد يستقل بنفسه ولا فعل معه. فدل ذلك على أن الفعل فرع على الاسم ومحمول عليه. والجهة الأخرى: أن الأفعال مشتقة من المصادر التي هي أسماء عند المحققين من أصحابنا. وإذا كانت مشتقة منها كانت فرعًا عليها. فقد ثبت أن الأفعال فروع من الأسماء من الوجهين المذكورين. وإذا وجد في الاسم علتان فرعيتان صار بتلك العلتين الفرعيتين مشبهًا للفعل الذي هو فرع على الاسم. وبيان ذلك أن علل ما لا ينصرف تسع. وتلك التسع هي: التعريف, والتأنيث, والتركيب, والعجمة, والزنة, والصفة, والجمع, والعدل, والألف

والنون الزائدتان. وكل واحدة من هذه التسع فرع على غيرها. فالتعريف فرع على التنكير. والتأنيث فرع على التذكير. والتركيب فرع على التوحيد. والعجمة فرع على العربية لأنها مدخلة على كلام العرب. والصفة فرع على الموصوف لأنها بعده. والزنة فرع على الموزون. والجمع فرع على الواحد. والعدل فرع على المعدول [عنه]. والألف والنون الزائدتان فرع على المزيد عليه. فقد ثبت بهذا البيان أن [هذه] العلل كلها فروع. وإذا اجتمع في الاسم علتان فقد اجتمع فيه فرعان. فأشبه بذينك الفرعين الفعل, فامتنع منه الجر والتنوين كما امتنعا من الفعل. وقد مثل في [هذا] العقد باثني عشر اسمًا. لأن كل اسم منها دليل على باب قائم بنفسه. لأن باب ما لا ينصرف لا ينفك من اثنتي عشر مسألة, فالستة الأول منها احدى علتيها التعريف, وهي ابراهيم, وزينب وطلحة, وعمر, وعثمان/, وأحمد, وحضرموت. ابراهيم: تعريف [7] وعجمة. زينب تعريف وتأنيث معنوي. طلحة: تعريف وتأنيث لفظي. عمر: تعريف وعدل. عثمان: تعريف وألف ونون مزيدتان. أحمد: تعريف

وزنة. حضرموت: تعريف وتركيب فهذه الستة متى نكرت انصرفت. تقول: نفعني ابراهيم وابراهيم آخر [ونفعت ابراهيم وابراهيما آخر, وانتفعت بابراهيم وابراهيم آخر]. لما زال التعريف بالتنكير بقيت علة واحدة فانصرف. وكذلك باقي [هذه] الستة تجري هذا المجرى. فأما الستة الأخر التي هي: أحمر: صفة ووزن. وحمراء: تأنيث لازم. وأحاد: عدل وصفة. وسكران: مشبهة بباب حمراء. وسكرى: تأنيث لازم: ومساجد: جمع لا نظير له في الآحاد. فجميع هذه [الستة] لا تنصرف وإن كانت نكرة. وإذا لم تنصرف نكرة فأخرى ألا تنصرف معرفة. فللك تقول: نفعني أحمر, وأحمر آخر. ورأيت أحمر, وأحمر آخر. وانتفعت بأحمر وأحمر آخر. وكذلك الباقي. فإن دخل على جميع ما لا ينصرف الألف واللام, أو الإضافة انجر في موضع الجر. مثل: مررت بابراهيمكم ومساجدكم والمساجد. لأن الألف واللام والإضافة يبعدانه من شبه الفعل [ويقربانه من شبه الاسم المتمكن]

النوع الرابع جمع المؤنث السالم

فيدخل فيه ما يدخل في الاسم [المتمكن] وهو الجر. وأما قولنا: «ومنها نوع رابع يدخله الرفع والجر مع التنوين, أو ما قام مقامه. وهو كل [اسم] مؤنث مجموع بالألف والتاء, مثل الزينبات والمسلمات والحبليات والصحراوات. ولا يدخله لفظ النصب». فإن هذا هو النوع الرابع. وهو يخالف ما قبله من القسم الثالث. لأن لفظ الجر يدخله دون النصب. والذي قبله يدخله لفظ النصب دون الجر. فمنصوب هذا محمول على مجروره. ومجرور ما لا ينصرف محمول على منصوبه. وإنما حمل المنصوب على المجرور في هذا لأن جمع المؤنث السالم فرع [محمول] على جمع المذكر السالم. فكما أنه قد حمل منصوب الجمع المذكر على مجروره في مثل: مررت بالمسلمين ورأيت المسلمين, كذلك حمل منصوب [هذا] المؤنث على مجروره في مثل: مررت بالمسلمات, ورأيت المسلمات. فاعرفه. ولما كان المؤنث لا يخلو من أربعة أقسام, مؤنث بغير علامة كزينب وسعاد, ومؤنث بعلامة هي تاء كمسلمة وصالحة, ومؤنث بعلامة هي ألف مقصورة كحبلى, وسكرى, ومؤنث بعلامة هي ألف ممدودة مثل صحراء

وطرفاء, مثل [من] ذلك بأربع مسائل لتقيس أنت عليها كل ما يجري هذا المجرى [إن شاء الله تعالى]. فما كان مثل زينب وسعاد وعقرب [مما لا علامة فيه للتأنيث] , نظرت فإن كان معرفةً زدت على جميع ذلك ألفًا ولامًا [من أوله] ليكون كالعوض من تعريف العلمية الذاهب بالجمعية. وإن كان نكرةً كعقربات وسلهبات, لم يلزمك ذلك. إلا أن تريد تعريف من تخبره أو تخاطبه. وما كان من هذا النوع - الذي لا علامة فيه للتأنيث - ثلاثيًا ساكن الأوسط مثل: دعد وعدٍ وهندٍ وجملٍ, فإن المفتوح الأول منه يحرك وسطه [في الجمع] فيقال: الدعدات والوعدات. وما كان مضموم الأول جاز فيه ثلاثة أوجه: الضم على الطريق الاتباع, والفتح للتخفيف, والسكون على الأصل. فتقول: الجملات والجملات [والجملات]. وما كان مكسور الأول فكذلك يكسر للاتباع. ويفتح للتخفيف ويسكن على الأصل. فتقول: الهندات والهندات والهندات. وكل ما كان من هذا النوع الذي علامة تأنيثه تاء فإن فيه حذفًا في الجمع. فإذا قلت: مسلمات, وصالحات [ونحوه] , فإن أصله مسلمتات [وصالحتات]. حذفت التاء الأولى لئلا تجمع بين علامتي تأنيث.

وخصصت الأولى بالحذف دون الثانية لأن الثانية تدل على معنيين, وهما التأنيث والجمع, والأولى تدل على معنى واحد, وهو التأنيث [لا غير]. فكانت أولى بالحذف. وكل ما جاءك من هذا النوع ثلاثيًا ساكن الأوسط, فما كان منه بوزن فعلةٍ كضربةٍ, وأكلةٍ, وشربةٍ, وجفنةٍ, وقصعةٍ, فإنك تحركه بالفتح في الجمع أبدًا إذا كان اسمًا. مثل: ضربات, وأكلات, وشربات, وجفنات [وقصعات, ونحوه]. فإن كل صفة مثل: جارية خدلةٍ, وحالةٍ سهلةٍ, فإنك لا تحركه بل تبقيه ساكنًا على حاله, فرقًا بين الأسماء والصفات. فتقول: جوارٍ خدلات وحالات سهلات. وإنما لم يحركوا الصفة لثقلها بتضمنها ضميرًا لموصوف. فلم تزد ثقلًا بالحركة. وما كان من هذا النوع مضموم الأول كغرفةٍ وظلمةٍ, أو مكسور الأول ككسرةٍ وخرقةٍ, فإنه يجوز فيه ثلاثة أوجه. الضم والفتح والسكون في المضموم. والفتح والكسر والسكون في المكسور. على ما تقدم من العلة. فتقول [في المضموم]: ظلمات, [وظلمات وظلمات] , بالضم / والفتح والسكون. وتقول في المكسور: كسرات وكسرات وكسرات. [8]

وهذا كله فيما عينه حرف صحيح. فإن كان العين حرف علة, مثل: جوزة وبيضة وطوبة وتينة, فإن جميع ذلك يبقى ساكنًا لثقل الحركة على حرف العلة كما قال سبحانه (ثلاث عوراتٍ لكم) , وقال تعالى: (في روضات الجنات). وكل ما كان من [هذا] النوع الثالث - أعني الحبليات والسكريات - فإن ألف التأنيث تقلب فيه ياء. وإنما قلبت ياء, ولم تحذف كما حذفت تاء التأنيث من «مسلمات» , من قبل أن هذه علامة لازمة للتأنيث تتنزل منزلة الجزء من الكلمة. بدليل قولهم: حبلى وحبالى, وكسرى وسكارى. فلذلك ثبتت ولم تحذف. ولما أن تثبت قلبت ياء فقلت «حبليات» [بتحريك الياء]. لأنك لو بقيتها ساكنةً لانحذفت لالتقاء الساكنين, فوجب قلبها ياء. ولم تقلب واوًا ليفرق بينها وبين الألف الممدودة. وكل ما كان من [هذا] النوع الرابع مثل صحراء وصحراوات, فإنك تبدل همزته واوًا في هذا الجمع فرقًا بينها وبين المقصورة. والعلة في ثباتها كالعلة في ثبات المقصورة. ولا يجمع من هذا النوع شيء بالألف والتاء وهو صفة, مثل حمراوات وصفراوات. وإنما يجمع ما كان اسمًا لا صفةً, مثل: الصحراء والصحراوات, والخنفساء والخنفساوات. فإن قيل: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس في الخضراوات صدقة». قيل: الخضراوات هنا اسم للبقولات, ولم يقصد بها قصد

النوع الخامس: المنقوص

الصفة. وإنما قصد به قصد الاسم فجرى مجرى طرفاء وطرفاوات, فاعرفه. وبالله التوفيق. وأما قولنا: «ومنها نوع [خامس] يدخله النصب وحده مع التنوين أو ما قام مقامه من ألف ولام أو إضافة. ولا يدخله رفع ولا جر. وهو كل اسم منقوص آخره ياء [خفيفة] قبلها كسرة مثل: القاضي وقاضٍ والمعطي والمنتمي والمستدعي». فإن هذا هو النوع الخامس. وإنما امتنع أن يدخله الرفع والجر لثقلهما على الياء المكسور ما قبلها. ولذلك سمي منقوصًا لأنه نقص حركتين. وبقي فيه حركة واحدة, وهي الفتحة في حال النصب. فإذا قلت: هذا قاضٍ, ومررت بقاضٍ, ففيه عملان: حذف حركة, وحذف حرف. فالحركة هي الضمة أو الكسرة, حذفت للثقل. والحرف هو الياء حذفت لالتقاء الساكنين. والساكنان هما التنوين والياء.

فإن قيل: فلم حذفت الياء دون التنوين؟ . فقل: لأن الياء على حذفها دليل, وهو انكسار ما قبلها, إذ الكسرة من الياء. وليس على حذف التنوين دليل. فإذا صرت إلى النصب لم تحذف حركة ولا ياءً. تقول: رأيت قاضيًا. لم تحذف الحركة لخفتها, ولم تحذف الياء لتحركها. فإن كان في هذا المنقوص ألف ولام أو إضافة فليس فيه إلا حذف واحد, وهو الحركة وحدها. لأنه لا تنوين مع الألف واللام ولا مع الإضافة. فتثبت الياء ساكنة في الرفع والجر, ومفتوحة في النصب. مثالها: هذا القاضي, ومررت بالقاضي, ورأيت القاضي. فإن وقفت على منصوب هذا كان بالسكون لا غير, كالحروف الصحاح. وإن وقفت على المرفوع والمجرور ففيه وجهان. أجودهما إجراء الوقف مجرى الوصل, فيكون بالياء الساكنة, مثل: هذا القاضي. ومررت بالقاضي. والوجه الآخر حذف الياء منهما. تقول: هذا القاض. ومررت بالقاض. وإنما حذفت الياء على هذا الوجه لأن «الألف واللام» معاقبة للتنوين, فأجريت الياء مع الألف واللام في الحذف مجراها مع وجود التنوين.

والمنصوب ليس في الوقف عليه إلا وجه واحد وهو بالياء الساكنة [لا غير] مثل: رأيت القاضي. ولا يجوز: رأيت القاض, بغير ياء, كما جاز في المرفوع والمجرور. لأن الياء قد قويت بالحركة في حال الوصل فلم تحذف في حال الوقف. فأما الوقف على المنون المرفوع والمجرور فوجهان أيضًا. أجودهما حذف الياء, فتقول في الوقف: هذا قاض, ومررت بقاض. والوجه الآخر: هذا قاضي, ومررت بقاضي, باثبات الياء. لأن التنوين لما زال في الوقف عادت الياء. فإذا صرت إلى النصب فوجه واحد في الوقف [لا غير] , وهو أن تبدل من التنوين ألفًا فتقول: رأيت قاضيا. ومتى سكن ما قبل الياء جرى مجرى الصحيح فدخلها الرفع والنصب والجر. وذلك مثل: هذا نحي وظبي ورمي ونهي. ومررت بظبي ونحي وشبهه. لأنه لما سكن ما قبلها خفت فلم تثقل عليها ضمة ولا كسرة. وكذلك الياء المشددة يدخلها ضم الإعراب / وجره لأن احدى اليائين ساكنة لأجل الإدغام. وذلك قولك: هذا كرسي وولي, ومررت بكرسي وولي. فاعرفه. فأما التمثيل بالقاضي والمعطي والمنتمي والمستدعي فإنما المقصد به [بيان] أن الطويل من الأسماء المنقوصة والقصير منها هذا حكمه. وأقل

النوع السادس: المقصور

ما يكون على ثلاثة أحرف مثل: عمٍ وشجٍ وندٍ, حكمه كله كحكم قاض. وأما قولنا: «ومنها نوع [سادس] يدخله التنوين وحده. أو ما قام مقامه من ألف ولام, أو إضافة. ولا يدخله رفع ولا نصب ولا جر. وهو كل اسم مقصور آخره ألف مفرده مثل: العصا وعصًا, والمعطى والمنتمى إليه والمستدعى». فإن هذا هو النوع السادس ويسمى مقصورًا. وإنما سمي مقصورًا لأنه قصر عن الإعراب كله, أي حبس عنه فلم يدخله رفع ولا نصب ولا جر. وإنما امتنع ذلك من قبل أن الألف ساكنة أبدًا لا تتحرك بحركة. وتحريكها يؤدي إلى ردها إلى أصلها. وردها إلى أصلها يؤدي إلى ثقل استعمالها. لأن الوصل في «عصًا»: عصو. وفي «فتى»: فتي. فلما ثقل هذا وقد تحرك حرف العلة وانفتح ما قبله, قلبته ألفًا بعد أن حذفت حركة الضمة التي كانت على الواو. لأن حرف العلة لا يقوى بعد إيهانه بالسكون. ولما قلبته ألفًا التقى ساكنان, الألف والتنوين, فحذفت الألف لالتقاء الساكنين. وخصصتها بذلك دون التنوين لأن

على حذفها دليلًا, وهو الفتحة التي قبلها. فإذا قلت: هذه عصًا, ومررت بعصًا. ففيه قلب وحذف على ما شرحناه وهو أن الحذف حذفان, حذف الحركة للإيهان, وحذف الألف لالتقاء الساكنين. وكذلك النصب, فإذا قلت: رأيت عصًا, ففيه قلب وحذفان. حذف الألف المبدلة من الواو, وحذف الحركة, وقلب الألف المبدلة من الواو. هذا كله كلام على الوصل. فإذا وقفت عليه كان [هذا] كله بالألف. واختلفوا في هذه الألف. فعند سيبويه [رحمه الله] أنها في حال الرفع والجر المبدلة من لام الكلمة, وفي حال النصب المبدلة من التنوين, وقد انحذفت ألف الأصل. وذهب آخرون إلى أنها في الأحوال الثلاث مبدلة

النوع السابع: ما آخره ألف تأنيث مقصورة

من التنوين. والصحيح [هو] المذهب الأول. لأن [المعتل] مقيس على الصحيح. وقد ثبت أنك في الصحيح لا تحذف شيئًا. ولا تبدل من تنوينه ألفًا, وإنما تبدل في حال النصب, مثل قولك: هذا قلم وقلم, ومررت بقلم وقلم, ورأيت قلما وقلما. فقس على ذلك تصب إن شاء الله. وأما قولنا: «ومنها نوع [سابع] لا يدخله تنوين ولا إعراب. وهو مع ذلك اسم معرب حكمًا وتقديرًا. وهو كل اسم آخره ألف تأنيث مقصورة, مثل: حبلى وسكرى وذكرى وجمادى». فإن هذا هو النوع السابع. وإنما حكمنا عليه بأنه معرب - مع عدم الإعراب فيه وعدم التنوين جميعًا - من قبل أنه لم يشبه الحرف فيكون مثل «الذي» و «التي». ولم يتضمن معنى الحرف فيكون مثل «أين» و «كيف». ولم يقع موقع الفعل المبني فيكون مثل «نزال» و «تراك». لأن العلل الموجبة للبناء احدى هذه الثلاث. ولما عدم ذلك حكمنا على هذه الكلم بأنها معربة. وأن لم يكن فيها إعراب.

النوع الثامن: الأسماء الستة

وألف التأنيث لا يدخلها إعراب ولا تنوين بحال من الأحوال, لأنها من جملة ما لا ينصرف, وكل ما لا ينصرف لا ينون بحال من الأحوال. ولا ألفها منقلبة عن شيء. بخلاف المقصور الذي قبلها. فمن قال: هذه دنيًا, فقد أخطأ, وكذلك «حبلى» وما أشبهه. وكذلك قول من قال: حبلاة ودنياة خطأ أيضًا. لأنه جمع بين علامتي تأنيث, وذلك غير جائز. فاعرف ذلك تصب إن شاء الله. وأما قولنا: «ومنها نوع [ثامن] رفعه بالواو, ونصبه بالألف, وجره بالياء. وهو ستة أسماء معتلة مضافة إلى ظاهر, أوم ضمر ليس بمتكلم, مثل قولك: أخوه, وأبوه, وحموه, وفوه, وهنوه, وذو مال». فإن هذا هو النوع الثامن. وهو أول شيء أعرب بالحروف, وهو على هذه الحالة. لأن جميع ما تقدم من الأقسام السبعة معرب بالحركات [لفظًا أو تقديرًا على ما بينا]. وإنما أعربت بالحروف, وهي على هذه الحالة - أعني إذا كانت مضافة - لأنها أسماء حذفت لاماتها وضمنت معنى الإضافة. فجعل إعرابها بالحروف كالعوض من حذف لاماتها. وقيل: جعل إعرابها بالحروف

توطئةً لإعراب التثنية والجمع بالحروف, حتى لا يستوحش من الإعراب بالحروف لأن أصل الإعراب أن يكون بالحركات لا بالحروف. وقيل: [إن] [10] إعرابها بالحروف على طريق الشذوذ / لأنه لا يقاس على هذه الستة غيرها من نحو يدٍ ودمٍ ونحوه من المحذوف اللام. فأما تسمية هذه الأسماء الستة معتلة فلأن فيها حرف العلة, وهو الواو في «أخ» , وأصله أخو. وفي «أب» , واصله أبو. وفي «حم» , وأصله حمو. وفي «هن» , وأصله هنو. وفي «ذي مال» , وأصله ذوي. وفي «فم» , وأصله فوه. فهذا وحده لامه هاء. والهاء مشبهة بحروف العلة فحذفت كحذفها. فلذلك سميت أسماء معتلة. أي اعتلت بحذف لاماتها في حال إفرادها, لأنها إذا أفردت أعربت بالحركات لا بالحروف. فيقال: هذا [أخ] وأب وحم وفم وهن. فإذا أضيفت أعربت بالحروف على ما تقدم تمثيله. وقد اختلف الناس في هذه [الحروف] على أقوال مذكورة في عدة من الشروح. لكن جملة ما تحتاج إلى معرفته في [شرح] هذه المقدمة حسب ما التمست - وفقك الله [تعالى] أن منهم من يقول: إنها حروف

إعراب دالة على الإعراب. فالواو من قولك: هذا أخوك, هي حرف الإعراب, وعلامة الرفع. وفي حال الجر [من قولك]: مررت بأخيك, الياء هي حرف الإعراب, وعلامة الجر. والألف من قولك: رأيت أخاك, هي حرف الإعراب, وهي علامة النصب. كما تقول في علامة التثنية من قولك: جاءني الزيدان, أنها حرف إعراب, وتدل على التثنية. وكذلك الجمع السالم. ومنهم من يقول: إنها معربة من مكانين بالحروف وبالحركات التي هي قبل هذه الحروف. وهذا ذعيف لأنها لو كانت معربة من مكانين أو جهتين لاحتاجت إلى معربين أو عاملين. وفي عدم القول بذلك دليل على فساده. ومنهم من يقول: إنها أنفسها إعراب, وأن الواو كالضمة, والألف كالفتحة, والياء كالكسرة. وهذا ضعيف [أيضًا]. لأن من جملة هذه الأسماء

«فوك» , و «ذو مال» , فلو كانت هذه الحروف كالحركات لأدى ذلك إلى أن يكون في الكلام اسم معرب على حرف واحد, وهو معدوم. ومنهم من يقول: إنها على ثلاثة مراتب. فإذا قلت في الرفع: هذا أخوك, فأصله «أخوك». فنقلت من الواو إلى الخاء الضمة. فإذا قلت في النصب: رأيت أخاك, فأصله «رأيت أخوك» , فقلبتها ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها. وإذا قلت: مررت بأخيك, فأصله «مررت بأخوك». نقلت كسرة الواو إلى الخاء, ثم قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فصار «بأخيك». وصار فيه نقل وقلب. وفي الذي قبله قلب فقط, وفي الأول نقل فقط. وكان شيخ شيخنا رحمهما الله وهو الربعي يميل إلى هذا القول ويستحسنه. ومنهم من يقول: إن هذه الحروف إشباع للحركات التي قبلها. وإن الواو في قولك: هذا أخوك, مشبعة عن الضمة. والألف في [قولك]: رأيت أخاك, مشبعة عن الفتحة. والياء في [قولك]: مررت بأخيك, مشبعة عن الكسرة. فهذا يعتقد أن الإعراب بالحركات, وأن هذه الحروف إشباع حدث عن الحركات. وهذا ضعيف, وهو أضعف الكل. لأن هذا لا يكون

إلا في ضرورة شعر, ولا داعي إلى هذا, ولا دليل عليه. فهذه أقوال العلماء. والذي تعتمد عليه [منها] أولها. وهو مذهب صاحب الكتاب [رحمه الله, وبالله التوفيق]. فإن قيل: فأين تكون هذه الستة معربة بالحركات وإن كانت مضافة؟ . قيل: إذا صغرت أو كسرت. فتصغيرها كقولك: هذا أخيه وأبيه وحميه وفويهه وهنيه وذوي مال. فالضمة [هي] علامة الرفع. وفي النصب: رأيت أخيه, فالفتحة [هي] علامة النصب, وإذا جررت قلت: مررت بأخيه, فالكسرة علامة الجر. لأن هذه الأسماء لما صغرت عادت إليها لاماتها فأعربت بالحركات. وكذلك إذا كسرت فقلت: هؤلاء إخوته وآخاؤه, ورأيت إخوته وآخاءه, ومررت بإخوته وآخائه. معرب [كله] بالحركات سواء أضفته أو أفردته. فإن قيل لك: أي شيء من هذه الستة لا يستعمل قط إلا مضافًا؟ . فقل: «ذو مال» وحدها. لأنها لو أفردت لأدى الأمر إلى استعمال اسم ظاهر على حرف واحد. فلذلك لم يستعمل إلا مضافًا. ولا يضاف إلا إلى اسم جنس من نحو: مال [وفضل] وعقل, ونحوه, ولا يشاف إلى صفة. لا يقال:

ذو صالح, ولا ذو طالح, لأنه إنما دخل وصلةً إلى وصف الأسماء بالأجناس. ولا يضاف أيضًا إلى مضمر. لا يقال: ذوه ولا ذوك, ونحوه, للعة المذكورة. ومن ها هنا استضعف قول من يقول: اللهم صل على محمد وذويه, لإضافته إلى المضمر. [11] فإن قيل: فأي اسم من هذه الستة إذا أضيف أعرب / بالحروف وإذا أفرد أبدل من حرف العلة غيره وأعرب بالحركات دون إخوانه؟ . فقل: فوه. إذا أفرد أبدل من واوه ممًا, وأعرب بالحركات. ولم يجمع بين الميم والإضافة إلا في الشعر [في قول بعضهم: يصبح عطشان وفي البحر فمه كالحوت لا يرويه شيء يلهمه] مثاله: هذا فم, ورأيت فمًا, وعجبت من فم. وإنما أبدل في الإفراد [من الواو] ممًا دون غيرها. لأن الميم من مخرج الواو, [والواو] والميم من الشفتين, فهما متقاربتان.

فإن قيل: فما حكم هذه الأسماء الستة إذا أضيفت إلى ياء النفس؟ . قيل: لا يكون لها إعراب في اللفظ لا بحركة ولا بحرف, بل يكون مقدرًا. لأن ياء النفس لا يكون ما قبلها إلا مكسورًا, كقولك: هذا أخي, ورأيت أخي, ومررت بأخي. فياء النفس في موضع جر بالإضافة. وما قبلها مكسور في الصحيح أبدًا. وأنت مخير في إسكان هذه الياء و [في] تحريكها بالفتح. فمن سكنها فحجته أنه استغنى بالحركة [التي] قبلها عن تحريكها مع طلبه للتخفيف فيها. ومن حركها فحجته أنها على حرف واحد كالكاف ففتحها كفتحة الكاف, فقال: أخي, أبي, كما تقول: أخوك وأبوك. فإن قيل: فأي اسم يضاف من هذه الأسماء الستة إلى ياء النفس ولا تكون ياء النفس فيه إلا محركة؟ . فقل: «الفم» إذا أضيف إلى ياء النفس, ومثاله: هذا في, وفتحت في, ووضعته في فِي. فالياء مشددة مفتوحة لا غير. فإن قيل: ومن أين جاء [هذا] التشديد؟ . ومن أين وجدت الفتحة؟ . فقل: أما التشديد فلأن «فوه» أصله «فوه» , انحذفت الهاء ثم دخلت الياء فصار «فوي» , فاجتمعت الواو والياء وقد سبقت الأولى منهما بالسكون, فقلبت الواو ياء, وأدغمت الياء المقلوبة في ياء الإضافة, وفتحت ياء

الاضافة, لأنك لا تدغم إلا في متحرك. فلذلك وجب التشديد ووجب التحريك, فاعرفه. فإن قيل: ما الفرق بين قولك: «هذا في» و «قد تكلم فلان في» , وهل هما شيء واحد, أم شيئان مختلفان؟ . فالجواب أنهما شيئان مختلفان وأن اتفقا في اللفظ. فإن قلت: هذا في, فأشرت إلى الفم, فهما اسمان احدهما مضاف إلى الآخر. وإذا قلت: تكلم في, فإنها حرف واسم. فالحرف «في» الذي معناه الوعاء, [والياء اسم]. فاللفظ متفق, والمعنى مختلف. فإن قيل: فأي شيء من هذه الستة يعرب تارة بالحركة وتارة بالحرف وتارة بالتقدير؟ . فقل: «الحم». وذلك أن فيها ثلاث لغات. الهمز, والقصر, وأن تكون كأخواتها. فمن همزها أعربها بالحركات فقال: هذا حمء, وحمؤك. ورأيت حمًا, وحمأك. ومررت [بحمءٍ و] بحمئك. ومن قصرها فقال: هذا حمًا, كتفىً, كان الإعراب مقدرًا, وقال: هذا حماك [ورأيت حماك] ومررت بحماك. فاعرف ذلك. ومن قال: هم حم, كأخ وأبٍ, أعرب بالحروف فقال: هذا حموك, ورأيت حماك, ومررت بحميك. فاعرف ذلك.

فإن قيل: كيف يضاف «الحم» في هذه اللغات الثلاث إلى [ياء] النفس؟ . فقل: إذا كان مهموزًا فإضافته كإضافة الأسماء الصحاح كلها, لأن الهمزة حرف صحيح. تقول: هذا حمئي, كما تقول: هذا شيئي. وكذلك النصب والجر. وإذا كان مقصورًا فإضافته كإضافة المقصور. فتقول: هذا حماي, ورأيت حماي, ومررت بحماي. مثل فتاي وعصاي وهداي وبشراي. وإذا كان كأخواته بقيته على حالته, فقلت: هذا حمي, ورأيت حمي, ومررت بحمي, كأبي وأخي. والياء في هذه اللغات الثلاث يجوز تحريكها وتسكينها, إلا في لغة من قصر فلا تكون إلا متحركة لا غير, لأجل سكون الألف. فلو سكنت الياء لجمعت بين الساكنين. فأما قراءة من قرأ (ومحياي) , بإسكان الياء. فإنه غير مقيس عليها. بل قراءة الجماعة أمضى وأشبه بالقياس. ووجه هذه القراءة اعتقاد الوقف. لأنه في الوقف يجمع بين ساكنين فيكون [الوقف] كالساد مسد الحركة, مع أنه قد استغنى بأحد الشرطين, وهو المد الذي في الألف. والشرطان المراعيان اللذان يجوز الجمع فيهما بين ساكنين, هو أن يكون الساكن [الأول] حرف مد ولين, والثاني مدغمًا كدابةٍ, وشابةٍ, وتمود الثوب, وجيب بكرٍ.

النوع التاسع: المثنى

وأما قولنا: «ومنها نوع [تاسع] رفعه بالألف, ونصبه وجره بالياء المفتوح ما قبلها. وهو كل اسم مثنى, مثل الرجلين والمرأتين». فإن هذا هو النوع التاسع. والعلة في إعراب التثنية بالحروف, أن المثنى أكثر من الواحد فجعل إعرابه بشيء أكثر من إعراب الواحد, ولا أكثر من [12] الحركة إلا الحرف. والعلة في اختصاص المرفوع بالألف دون الواو/, التي هي علامة الرفع, أنهم لو أعربوا المثنى في الرفع بالواو لالتبس بالجمع. ولو بقوا الفتحة قبل الواو في التثنية, كما بقوا الضمة قبل الواو في الجمع, لالتبس بجمع المقصور. لأن جمع المقصور يكون ما قبل الواو فيه مفتوحًا إذا قلت: المصطفون والمجتبون. فإن قيل: فأي ليس يكون في هذا ونون التثنية مكسورة ونون الجمع مفتوحة؟ . قيل: النون عارضة تزول في الإضافة فيبقى الالتباس. فلذلك عدل عن إعراب رفع التثنية بالواو إلى الألف, فقيل: جاءني الرجلان والمرأتان. وفي الجر: مررت بالرجلين والمرأتين, وكذلك النصب. والمنصوب محمول على المجرور دون المرفوع. وإنما حمل على المجرور دون المرفوع لأن النصب أخو الجر. وإنما كان أخاه لأنه يوافقه في كناية الإضمار من نحو: رأيتك, ومررت بك, ورأيته, ومررت به. وهما جميعًا من حركات الفضلات - أعني الجر والنصب - والرفع من حركات العمد. فلذلك حمل المنصوب على المجرور. فإن قيل: كم في الأرض [من] علامة إذا قلت: الرجلان؟ . فقل: ثلاث علامات: [علامة] الرفع, وعلامة التثنية, وحرف الإعراب. هذا مذهب

سيبويه. لأن الجرمي يقول: الانقلاب بمنزلة الإعراب. والأخفش يقول: هذه الحروف دلائل الإعراب. والكوفيون يقولون إنها أنفسها إعراب. والصحيح مذهب سيبويه [رحمه الله] أنها حروف [إعراب] , أعني الألف في الرفع, والياء في النصب والجر. ولا إعراب فيها, لا ظاهر ولا مقدر. وإنما هي حروف إعراب وعلامة الإعراب. فإن قيل: النون في التثنية لم دخلت, ولم حركت, ولم كسرت؟ . فقل: دخولها للعوض من الحركة والتنوين اللذين كانا في الواحد. وتحريكها لالتقاء الساكنين, الألف والنون. وكسرتها على أصل التقاء الساكنين. لأن الأصل في كل ساكنين التقيا أن يحرك الثاني [منهما] بالكسر, كهؤلاء وأمس ونزال [ودراك وتراك]. فإن قيل: فأي موضع تكون النون [فيه] عوضًا من الحركة وحدها, أو من التنوين وحده, أو منهما جميعًا؟ . فقل: ما لا يكون في واحده

إلا حركة فالنون [فيه] عوض من تلك الحركة, مثل: يا زيد, ويا زيدان, وجاءني الرجل والرجلان. وما لم يكن في واحده إلا تنوين [فقط] مثل: عصًا وفتىً, فالنون عوض من [ذلك] التنوين وحده, مثل: هذا فتى, وفتيان. ورأيت فتى وفتيين, ونحوه. وما كان في واحده حركة وتنوين جميعًا فالنون [فيه] عوض منهما جميعًا, مثل: هذا رجل ورجلان, وامرأة وامرأتان [ونحوه]. فقس على ذلك [تصب إن شاء الله تعالى] فإن أشكل عليك شيء [من هذا] إلى أن تبينه فقل: النون كالعوض من الحركة والتنوين جميعًا [كما] قال سيبويه رحمه الله. فإن قيل فالنون في [قولك]: «هذان» و «هاتان» عوض من ماذا؟ فقل: هذه مسألة خلاف بينهم. منهم من يقول: النون عوض من الألف المحذوفة من الواحد, لأن الواحد «ذا». فإذا ثنيت قلت: ذان, فذهبت الألف التي كانت في الواحد وبقيت ألف التثنية [في حال الرفع] , وياء التثنية في النصب والجر, إذا قلت: رأيت ذين, ومررت بذين.

ومنهم من لا يجعلها عوضًا من شيء, ولكن يقول: هذه صيغة صيغت للتثنية, وليست بتثنية صناعية. لأن حد المثنى عندهم ما تنكرت معرفته, وتعرفت نكرته, كزيد والرجل. وهذه أسماء الإشارة لا تتنكر بحال, فلذلك كانت صيغا للتثنية. ألا ترى أنها لو كانت تثنية على الحقيقة لوجب أن يفعل في «هذا» ما فعل في «فتى» من قلب ألفه ياء, كما قلبت ألف «فتى» فقلت: فتيان. فلما لم تقلب بل حذفت دل على أنها ليست تثنية صناعية, وإنما هي صيغة صيغت للتثنية كما صيغت «اللذان» و «اللتان» في الأسماء الموصولة. فإن قيل لك: ولم لا تكون «اللذان» و «اللتان» تثنية حقيقية وفيهما الألف واللام, وواحدهما «الذي» و «التي» كالشجي والعمي؟ . فقل: لو كان مثله لوجب أن تثبت الياء في التثنية كما ثبتت ياء الشجي والعمي فتقول: اللذيان واللتيان, كما قلت الشجيان والعميان. [ولا يجوز ذلك. لأن «الذي» و «التي» اسمان مبنيان غير متمكنين. و «شج» و «عم» اسمان معربان متمكنان. والإعراب مقدر في أواخرهما. فحذفت الياء من «الذي» و «التي» في التثنية للفرق بين [تثنية] المعرب والمبني, والمتمكن وغير المتمكن. فلذلك كانت تثنيتهما غير حقيقية فقلت: «اللذان» و «اللتان» , بحذف يائهما. وقلت في تثنية «شج» و «عم» الشجيان والعميان باثبات يائهما, ولو كانت تثنية «الذي» و «التي» صناعية لأثبت الياء في آخرهما كما أثبتها في آخر «شج» و «عم» وكنت تقول: اللذيان واللتيان, كما قلت: الشجيان والعميان]. وفي عدم ذلك دليل على ما قلناه.

فإن قيل: ما حكم التثنية في الإضافة؟ فقل: تحذف نونها أبدًا, كما يحذف التنوين في الإضافة. لأنها كالعوض من الحركة والتنوين. فتقول: هذان رجلاك وامرأتاك, ورجلاه وامرأتاه, ورجلا زيد وامرأتا زيد. فإن أضفت المثنى إلى ياء النفس, كانت ياء النفس مفتوحة أبدًا لاجتماعها مع ألف التثنية وياء التثنية, فحركتها لالتقاء الساكنين. فتقول: هذان رجلاي, ورأيت رجلي, ومررت برجلي. أدغمت في الجر والنصب لاجتماع ياءين. ولم تدغم في الرفع لأن الألف لا تدغم ولا يدغم فيها. فاعرف ذلك وقس عليه [تصب] إن شاء الله. [13] وإن ثنيت مثل مصطفى ومجتبي فعامله مثل/ هذه المعاملة. وإن ثنيت مهموزًا همزته أصلية مثل: قثاء وحناء ووضاء, فأقر الهمزة على حالها. وإن ثنيت ما همزته زائدة للتأنيث مثل: حمراء وصفراء وسوداء, فاقلبها أبدًا في التثنية واواً, مرفوعةً كانت أو منصوبة أو مجرورة. فإن ثنيت ما همزته منقلبة عن حرف أصلي كرداء وشفاء وغطاء وعطاء ونحوه. فأنت مخير, إن شئت أقررت الهمزة على حالها وشبهتها بالأصلي. وإن شئت قلبتها واواًَ وشبهتها بالزائد, فتقول: غطاءان وغطاوان وما أشبه ذلك. وإقرارها على لفظها أكثر وأقيس وأجود. وإن ثنيت ما همزته [زائدة] للإلحاق, مثل: علباء وزبزاء وقيقاء,

النوع العاشر: جمع المذكر السالم

[وقوباء] وهو قليل, فلك وجهان أيضًا, أجودهما القلب. فاعرف ذلك, وقس عليه, فإن هذه الأصول لا يحسن جهلها لأن جهلها يفسد اللغة ويخلط ما يجوز بما لا يجوز. *** وأما قولنا: «ومنها نوع [عاشر] رفعه بالواو المضموم ما قبلها ما لم يكن آخره ألفًا. ونصبه وجره بالياء المكسور ما قبلها ما لم يكن آخره ألفًا أيضًا. وهو كل جمع لمذكر علم يعقل. أو لصفات من يعقل مثل: الزيدين والمسلمين». فإن هذا النوع هو النوع العاشر, وهو الجمع السالم. وإنما كان رفعه بالواو لأنه أكثر من التثنية فجعل إعرابه في الرفع بحرف أقوى وأثقل وهو الواو المضموم ما قبلها. وفي الواو ست علامات: الجمع, والتذكير, والسلامة, والقلة, وعلامة الرفع, وحرف الإعراب. والنون كأنها عوض من الحركة والتنوين اللذين كانا في الواحد, على حد ما ذكرناه في التثنية, وحركت لالتقاء الساكنين, الواو والنون. وخصت بالفتح فرقًا بينها وبين نون التثنية. وتحذف في الإضافة كما تحذف نون التثنية, تقول [في الرفع]: جاءني الزيدون والمسلمون, وزيدوك ومسلموك. وفي النصب والجر بالياء المكسور ما قبلها, مثل: مررت

بالزيدين والمسلمين وبزيديك ومسلميك, [ورأيت الزيدين والمسلمين وزيديك ومسلميك}. وكذلك إذا أضفته إلى ظاهر, أو مكني, كقولك: هؤلاء زيدوا العشيرة. ومسلموها, ومسلموهم. وإنما كسرت ما قبل الياء لأن الكسرة من جنس الياء كما أن الضمة من جنس الواو. وهكذا تفعل في المنقوص مثل القاضي والداعي إذا جمعته, مثل: هؤلاء الداعون والقاضون, وداعوكم وقاضوكم. فتأتي بالضمة قبل الواو, [وبالكسرة قبل الياء]. وكأن أصله القاضيون, [والداعيون] , فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت, فالتقى ساكنان, الياء والواو, فحذفت الياء لالتقاء الساكنين, وضم ما قبل الواو لتصح الواو. لأن الكسرة لو بقيت لانقلبت الواو ياءً على حد: ميزان وميعاد. فلذلك ضم ما قبلها في الصحيح وفي المعتل بالياء. ولو كان معتلا بالألف, مثل: المصطفى والمجتبى والمولى, ونحوه من المقصور, لم تضم ما قبل الواو ولبقيته مفتوحًا لتدل الفتحة على الألف المحذوفة, فتقول: هؤلاء المصطفون, ومصطفوك ومصطفو الله, ورأيت المصطفين, ومصطفيك, ومصطفى الله. ويكون ما قبل الواو والياء المصطفين, ومصطفيك, ومصطفى الله. ويكون ما قبل الواو والياء مفتوحًا أبدًا فيما آخره ألف. ولذلك احترز في المقدمة بأن قيل: «ما لم يكن آخره ألفًا».

فإن قيل: إذا أضفنا جميع هذه المسائل إلى ياء المتكلم كيف يكون إعرابه؟ . فالجواب أنه يكون بياء مشددة مفتوحة مكسور ما قبلها في الأحوال الثلاث. تقول: هؤلاء مسلمي, وكذلك النصب والجر. وكان أصله «مسلموني» , فذهبت النون للإضافة, واجتمعت الواو والياء, فقلبت الواو ياء وأدغمت في ياء الإضافة. وحركت ياء الإضافة لأنه لا يدغم إلا في متحرك. وأبدلت من الضمة كسرة لتصح الياء المشددة, لأنه لا يكون ياء ساكنة بعد ضمة. وكذلك تفعل في الأسماء المنقوصة المجموعة جمع السلامة إذا أضفتها إلى نفسك مثل قولك: هؤلاء قاضي. وأصله «قاضوني» , ذهبت النون [للإضافة] على الأصل المذكور, وفعلت في الباقي ما قدمنا ذكره. وكذلك في النصب والجر يكون بهذا اللفظ. وكذلك تفعل بالمقصور إذا أضفته إلى نفسك. إلا أنك تبقي ما قبل الألف المحذوفة مفتوحًا, [لتدل عليها الفتحة] , نحو: مجتبون ومصطفون. تقول: مصطفي. وكان أصله «مصطفوني».

ذهبت النون للإضافة, وقلبت الواو ياء للياء التي بعدها مع سكونها, وأدغمت. فتقول في الرفع: مجتبي. وكذلك لفظ النصب والجر, وهو قولك: رأيت مصطفي, ومررت بمصطفي. فاعرف ذلك. ولما كان هذا الجمع السالم له شرط. وهو أن يكون مذكرًا علمًا يعقل أو من صفات من يقعل, ذكر هذا الحد لتقيس عليه. فإذا قلت: هؤلاء الزيدون. فهذا قد جمع الصفات الثلاث: التذكير, والعلمية, والعقل. وإذا قلت: المسلمون, فقد جمع التذكير وأنه من صفات من يعقل. فلذلك لا يجوز [أن تقول]: الدواب رافسون, [ورابضون] , [14] لأنه / ليس من صفات من يعقل. ولو وصفت من يعقل بالرفس لجاز أن تقول: الزيدون رافسون. فلا يجوز على هذا أن تخرج عن هذا الأصل. لا يجوز أن تقول في «حجرٍ» حجرون, لأنه وإن كان مذكرًا فليس بعلم, وليس بمن يعقل.

إعراب الأسماء الظاهرة

فإن سميت رجلًا بحجرٍ أو صخرٍ جاز فيه ذلك, لأنه قد جمع بالتسمية الأوصاف الثلاثة. ولا يجوز أن تقول في «طلحة» و «حمزة» ونحوهما: طلحون وحمزون ولا طلحتون وحمزتون, لأنه وإن كان علمًا لمن يعقل فليس بمذكر اللفظ. وجمع هذا بالألف والتاء. تقول: هؤلاء الطلحات والحمزات, كما قال الشاعر: رحم الله أعظمًا دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحات وإن سميت رجلًا بمثل «حبلى» جاز أن تجمعه جمع المصطفى, لأنه بالتسمية قد صار علمًا لمن يعقل, وألف التأنيث قد تنزلت منزلة الجزء من الكلمة, وارتفع منها التأنيث بالتسمية. فإن كانت باقيةً على حالها لم يسم بها لم يجز جمعها بالواو والنون, بل كنت تجمعها بالألف والتاء, فتقول: هؤلاء النساء الحبليات, على ما تقدم. *** وأما قولنا: «فهذه جملة الأسماء الظاهرة المعربة. كلها تستحق الإعراب, لأنها تدل على المعاني المختلفة بصيغة واحدة, بدليل قولك: ما أحسن زيدًا, وما أحسن زيد, وما أحسن زيد؟ . فلولا الإعراب لما عرفت هذه المعاني ولكانت تختلط».

فإن هذه الجملة هي ثمرة ما قدمنا ذكره من حصر جملة الأسماء الظاهرة المعربة العشرة, لتستعمل الإعراب في كل واحد منها بحسب ما يقتضيه العامل. وتعطي الإعراب ما يستحقه على قضية ما فسرت به كل واحد منها. فإذا استعملت المسائل من القسم الأول استوعبت الإعراب كله بمثل هذه المسألة, أعني «ما أحسن زيد». لأن هذه اللفظة تصلح لثلاثة معانٍ, نفي الإحسان والتعجب من الحسن, والاستفهام عن الحسن. فإذا نفيت قلت: ما أحسن زيد فـ «ما» ها هنا حرف وليس باسم. وهو حرف نفي, بمعنى أنه لم يحسن في فعله, فهذا ذم. و «ما» فيه حرف, و «أحسن» فعل ماض متصرف, تقول: أحسن يحسن, و «زيد» فاعل. فإذا تعجبت قلت: ما أحسن زيدًا! . فـ «ما» ها هنا اسم مبتدأ وليس بحرف, وهو اسم مقدر بـ «شيء». وموضوعه رفع بالابتداء, وخير الابتداء «أحسن زيدًا». أخبرت بجملة من فعل وفاعل ومفعول. و «أحسن» فعل ماض غير متصرف ها هنا, وفي جميع التعجب. وفاعل «أحسن» ضمير مستتر يرجع إلى «ما» , لا يظهر قط لا في تثنية ولا جمع ولا تأنيث. و «زيدًا» مفعول منصوب بأحسن انتصاب المفعول به, لا يجوز أن يتقدم على «أحسن» ,

ولا على «ما». لأن فعل التعجب يجري مجرى المثل فلا يغير كما لا تغير الأمثال. والتقدير: شيء حسن زيدًا. فقولك: حسن وأحسن في موضع رفع بكونه خبرًا للمبتدأ. وهذا مدح. وإذا استفهمت قلت: ما أحسن زيدًا؟ . فـ «ما» ها هنا أيضا اسم تام, إلا أنها مقدرة بأي, من حيث كان الكلام استفهامًا بها. وهي في موضعه رفع بالابتداء كما كانت في التعجب. و «أحسن» ها هنا اسم مضاف إلى «زيد». وليس هو ها هنا بفعل وإنما هو «أفعل» الذي هو بمنزلة: زيدٌ أفضل وأكرم وأقتل من كذا وكذا. وهو خبر المبتدأ. والإخبار في هذه المسألة بمفرد. والإخبار في المسألة التي قبلها بجملة. والكلام في الاستفهام ليس بمدح ولا بذم خلاف المسألتين المتقدمتين, وإنما هو استخبار واستدعاء للخبر, بمعنى «أي شيء منه حسن». ويقتضي جوابًا, والمسألتان المتقدمتان لا تقتضيان جوابًا. فقد ظهر لك الفرق بين كل واحدة من هذه المسائل, وأن كل واحدة منها غير الأخرى, وأن الإعراب في اللفظ وفي التقدير على ما بيناه. فاعرف ذلك وقس عليه جميع المسائل من هذه الأقسام العشرة. أعني باب فلس وفرس, وما أشبهه. وباب غلام زيد, والرجل, وما أشبهه. وباب أحمد وزينب,

وما أشبهه. وباب الزينبات والمسلمات, وما أشبهه. وباب القاضي والداعي, وما أشبهه. وباب الفتى والمولى, وما أشبهه. وباب حبلى وسكرى, وما أشبهه. وباب أخيك وأبيك, وما أشبهه. وباب التثنية, وما أشبهه. وباب الجمع السالم, وما أشبهه. ولولا خوف الإطالة لمثل لكل منها, لكن قد فهم الأصل. وتيسر الجواب. وبالله التوفيق.

فصل الأسماء المضمرة

فصل الأسماء المضمرة وهو القسم الثاني من أقسام الأسماء أما قولنا: «وأما الأسماء المضمرة فخمسة أنواع. منها نوع أول يكون مبتدأ فيقع الظاهر بعده مرفوعًا بحق الخبر. ما لم يكن فصلًا بين معرفتين في باب كان وأخواتها, وظننت وأخواتها. وذلك كل مضمر منفصل مرفوع الموضع. وهو اثنا عشر مضمرًا/: أنا, نحن أنت, أنت, [15] أنتما, أنتم, أنتن, هو, هي, هما, هم, هن. تقول: أنا القائم, [ونحن القائمون] , وكنت أنا القائم, وكنا نحن القائمين». فهذا أول فصول الأسماء المضمرة. لأنه لما فرغ الكلام على الأسماء المظهرة, وجب أن ننتقل إلى الكلام على [الأسماء] المضمرة. ولما كانت المضمرات مبنياتٍ غير معربات, وكانت على أقسام, منفصلاتٍ ومتصلات, ومرفوعات الموضع, ومنصوبات الموضع, ومجرورات [الموضع] , وجب أن نفصل تفصيلًا يقوم مقام النطق بالإعراب الظاهر لتقيس على ذلك, وتستعمله في مواضعه من النفي والتعجب والاستفهام في مثل المسائل المتقدمة, وفي جميع ما تحتاج إليه من الجمل. فإن اختصار الإعراب يدخل تحت معرفة هذه المضمرات.

وجملة الأمر أن أصل [هذه] المضمرات اثنا عشر لفظًا. اثنان للمتكلم, وهما: أنا ونحن. وخمسة للمخاطب. وخمسة للغائب, وعلى الترتيب الذي قدمناه ذكر. فكلها مضمرات منفصلات مرفوعات الموضع. فقولنا: «مضمرات» لأنها كنايات عن غيره. وقيل [لها] «منفصلات» لقيامها بأنفسها. وقيل لها «مرفوعات الموضع» لأنك لو جعلت مكانها ظاهرًا لكان مرفوعًا بحق الابتداء. ويقع الظاهر بعدها مرفوعًا بحق الخبر. ويستمر ذلك ما لم يفرق بين المبتدأ وخبره كان وأخواتها, أو ظننت وأخواتها. فإن «كان» ترفع الاسم وتنصب الخبر, و «ظننت» تنصب مفعولين. فلذلك جاز النصب فيما مثل من قولك: كنت أنا القائم. التاء اسم كان, والقائم منصوب لأنه خبر كان, وأنا تأكيد وفصل لا موضع له من الإعراب. وكذلك: كنا نحن القائمين. وقوله عز وجل: (وكنا نحن الوارثين). ولو رفعت الكل لجاز, فقلت: كنت أنا القائم. فيكون «أنا» مبتدأ, و «القائم» خبره, والجملة في موضع نصب خبرًا لكان. وكذلك: وكنا نحن الوارثون. نحن مبتدأ, والوارثون الخبر, والجملة في موضع نصب تقديرًا خبر لكان.

ضمائر الرفع المتصلة

فإذا عربت المسائل من كان وأخواتها, وظننت وأخواتها, فليس إلا الرفع. كقولك: أنا القائم, ونحن القائمون, وأنت القائم وأنت القائمة, وأنتما القائمان, [وأنتما القائمتان] وأنتم القائمون, وأنتن القائمات. وكذلك الباقي, كله مبتدأ وخبر. فالأول هو المبتدأ, ولا يتبين فيه إعراب, رفع ولا غيره. لأنه مبني من حيث كان مضمرًا, والمضمرات كلها مبنيات, وإنما بنيت لشبهها بالحروف. فعلى هذا فقس كل ما يرد في كتاب الله سبحانه, من قوله: (هو الله الذي لا إله إلا هو) , و (أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون). فاعرفه, وقس عليه. وبالله التوفيق. *** وأما قولنا: «ومنها نوع [ثان] يكون فاعلًا فيقع الظاهر بعده منصوبًا بحق المفعول. وذلك كل مضمر متصل بفعل قد غير له ذلك الفعل غالبًا. وهو اثنا عشر مضمرًا أيضًا. مثل فعلت الشيء, وفعلنا, وفعلت, وفعلت, وفعلتما, وفعلتم, وفعلتن, وفعل, وفعلت, وفعلا, وفعلوا, وفعلن». فإن هذا هو النوع الثاني من أنواع المضمرات. وكلها مضمرات متصلات, مرفوعات الموضع. وقيل لها «مضمرات» لأنها كنايات عن غيرها. وقيل لها «متصلات» لاتصالها بأفعالها. وقيل لها «مرفوعات الموضع» لأنها ضمائر الفاعلين,

والفاعل مرفوع. ولأنك لو جعلت مكانه ظاهرًا لكان مرفوعًا, مثل: فعل زيد الشيء, وفعلت الشيء. فإن قيل: لم سكنت ما قبل السبعة الأول والأخير منها, ولم تسكن ما قبل الأربعة الباقية؟ فقل: لأنك لو لم تسكن في كل واحد من هذه الثمانية لجمعت بين أربع حركات لوازم, وإذا جمعت ثقل, وإذا ثقل وجب التسكين للحرف الذي قبل الضمير. فإن قيل: ولم وجب لهذا الذي قبل الضمير التسكين دون الأول أو الثاني أو الرابع؟ . قيل: أما الأول فامتنع لأنه لا يبدأ بساكن. وأما الثاني فامتنع لأن به يعرف وزن الكلمة, هل هي بوزن فعل كضرب, أو بوزن فعل كعلم, أو بوزن فعل كحسن. وأما الرابع فامتنع لأنه اسم على حرف واحد فلم يخلل بحذف حركته, ولأنه لو أسكن لالتبس بتاء التأنيث. فلما بطلت هذه الأقسام الثلاثة لم يبق إلا ما قبل الضمير, وهو اللام فنسكن. وليس كذلك الأربعة الباقية, لأنه ما اجتمع فيها إلا ثلاث حركات,

وكانت بخلاف [هذه] الثمانية. فإن قيل: فما معنى [قولك] «قد غير له [ذلك] الفعل غالبًا؟ ». قيل: احترازًا من هذه الأربعة التي لم يغير لها الفعل. فإن قيل: فما حكم الظاهر بعد هذه الأشياء؟ . فقل: حكمه أن يكون منصوبًا بحق المفعول, لأنه ليس بعد الفعل والفاعل إلا المفعول, ما لم يكن تابعًا. فإن قيل: ما معنى التابع؟ . فقل: [تابع] المضمرات المرفوعات إن كان تأكيدًا لها كان مرفوعًا - وإن كان ظاهرًا - مثل: فعلنا أنفسنا كذا وكذا, وفعلنا كلنا كذا وكذا. [فهذا] مرتفع بأنه تأكيد. والتأكيد تابع للمؤكد في إعرابه. / وكذلك لو كان التابع عطفًا لكان هذا حكمه, مثل: فعلنا [16] نحن وزيد. فزيد مرفوع, لأنه معطوف على النون والألف. فهذا معنى قولنا: ما لم يكن تابعًا. وجميع هذه الاثني عشر فعل وفاعل أبدًا. فاعرف الفرق بين فعلنا وفعلنا من قولك: ضربنا وضربنا, وحدثنا وحدثنا. إذا سكنت فالضمير فاعل, ويقع الظاهر بعده منصوبًا, وإذا فتحت فالضمير مفعول, ويقع الظاهر بعده مرفوعًا.

ضمائر النصب المتصلة

فقس على ذلك جميع ما يرد عليك من ذلك [تصب إن شاء الله تعالى]. *** وأما قولنا: «ومنها نوع [ثالث] يكون مفعولًا فيقع الظاهر بعده مرفوعًا بحق الفاعل. وذلك كل مضمر متصل بفعل لم يغير له [ذلك] الفعل. وهو اثنا عشر أيضًا. [مثل] نفعني زيد, نفعنا, نفعك, ونفعك, نفعكما, نفعكم, نفعكن, نفعه, نفعها, نفعهما, نفعهم, نفعهن». فإن هذه الاثني عشر هي النوع الثالث من أنواع المضمرات. وكلها مضمرات متصلات منصوبات الموضع بحق المفعول. ويقع الظاهر بعدها مرفوعًا بحق الفاعل. وهي ضد ما قبلها. لأن الذي قبلها فعل وفاعل, وهذه فعل ومفعول. فمواضع هذه المضمرات كلها نصب بحق المفعول. والمفعول فضلة لا يلزم كلزوم الفاعل. ولما كان فضلة - لا يلزم كلزوم الفاعل - لم يعتد باجتماع أربع حركات فيه في قولك: نفعني, ولا في قولك: نفعنا, ولا في قولك: نفعك, وأخواته. ولما كانت هذه ضمائر المفعولين

ضمائر الجر

وجب أن يقع الظاهر بعدها مرفوعًا بحق الفاعل, لأنه ليس بعد الفعل والمفعول إلا الفاعل, ما لم يكن تابعًا, فإن التابع يجري مجرى ما تقدم في الحمل على الموضع. فإذا أكدت قلت: نفعك نفسك زيد, ونفعكم أنفسكم زيد, ونفعكن أنفسكن زيد. ونفعك وزيدًا عمرو. فقس على ذلك [تصب إن شاء الله]. فإن قيل: فلم جاءت النون في «نفعني» وليست بضمير؟ . قيل: جاءت وقاية للفعل ليسلم من الكسر فيقع الكسر عليها. لأن ياء المتكلم يكون ما قبلها مكسورًا. فالنون في «نفعني» حرف, والنون في «نفعنا» اسم. [فاعرف ذلك]. *** [قال الشيخ رضي الله عنه] وأما قولنا: «ومنها نوع [رابع] يكون مجرور الموضع. وذلك كل مضمر متصل باسم أو بحرف جر, مثل: عملي لي, عملنا لنا, عملك لك, عملك لك, عملكما لكما, عملكم لكم, عملكن لكن, عمله له, عملها لها, عملهما لهما, عملهم لهم, عملهن لهن».

فإن هذا النوع هو النوع الرابع من أنواع المضمرات. وكلها مضمرات متصلات مجرورات الموضع بحق الإضافة. فعمله اسمان, مضاف ومضاف إليه. فالمضاف «عمل» , والمضاف إليه «الهاء» , وهي في موضع جر, لأنك لو جعلت مكانها ظاهرًا لكان مجرورًا. مثاله: عمل زيد لزيد. وقولك: «له» , حرف واسم. فالحرف هو اللام. وأصل هذه اللام أن تكون مكسورة مع الظاهر, مفتوحة مع الضمير ما لم يكن ضمير متكلم. مثل: «لك» وفتحتها من «لنا». [من قولك: عملنا لنا]. واللام في قولك: «عملك لك» لا تكون إلا مفتوحة ولا تكسر إلا مع الظاهر وياء المتكلم. فإن قيل: ما إعراب «عملنا لنا»؟ . فقل: مبتدأ وخبر. المبتدأ «عملنا» , والخبر «لنا». فإن قيل: فبأي شيء أخبرت, أبمفرد أم بجملة؟ . فقل: يحتمل أمرين. إن قدرت فعلًا كان جملة, وإن قدرت اسمًا كان مفردًا. فتقدير الفعل «علمنا استقر لنا». وتقدير الاسم «عملنا مستقر لنا». لأن كل جار ومجرور وقع خبرًا فلابد أن يتعلق بشيء محذوف. فمتى قدرته فعلًا كان جملة. ومتى ما قدرته اسمًا كان مفردًا.

ضمائر النصب المنفصلة

فإن قيل: فما الأولى في التقدير؟ . قيل: الأولى الأخف. والأخف هو الاسم. ولهذا تقدر هذا وأمثاله بـ «مستقر» و «كائن» و «واجبٍ» وما أشبه ذلك من المفردات. فاعرفه [وقس عليه]. وسترى ذلك مبينًا في [فصل] العوامل. [إن شاء الله تعالى]. لكن ها هنا اثنا عشرة مسألة تفسيرها تفسير واحد. وإنما احتاجت حروف الجر إلى تقدير شيء تتعلق به, لأن حروف الجر إنما دخلت للربط, ولإيصال معاني الأفعال إلى الأسماء. ألا ترى أنك إذا قلت: مررت بزيد. فالباء هي التي علقت معنى المرور بزيد. فإذا قلت: المرور بزيد, فقد صار الكلام مبتدأ وخبرًا, بعد أن كان فعلًا وفاعلًا. وانتقل من ذلك الحكم فصار له حكم آخر تتعلق الباء فيه بمحذوف. فقس على ذلك عملت لك, والعمل لك. وأما قولنا: «ومنها نوع [خامس] يكون منصوبًا في التقدير, منفصلًا. وهو كل ضمير مفعول, تقدم على فعله. أو تأخر بعد استثناء. أو كان مفعولًا ثانيًا أو ثالثًا. أو كان اغراءً / لمخاطب, فينصب الأسماء [17] الظاهرة. مثال ذلك كله: إياك نعبد. وما نعبد إلا إياك. وعلمته إياه,

وأعلمت زيدًا عمرًا إياه. وإياك الطريق, [وكذلك الباقي]. وجميع ذلك اثنا عشر مضمرًا على ترتيب ما تقدم. وفي «إياك» وأخواتها خلاف بين العلماء. وأصحها أن «إيا» اسم مضمر, والكاف حرف خطاب. وقد استوفيت ذلك [كله] في شرح الأصول». فإن هذا النوع هو النوع الخامس من المضمرات. وهي اثنا عشر أيضًا. إياي, إيانا, إياك, إياكما, إياكم, إياكن, إياه, إياها, إياهما, إياهم, إياهن. كلها مضمرات منفصلات, منصوبات الموضع بحق المفعول. لأنه ضمير موضوع للمنصوب. خلافًا لـ «أنا» وأخواتها اللاتي هن ضمائر المرفوع, وقد تقدم شرحها. ولما كانت هذه ضمائر المنصوب وجب أن تكون مواضعها غير مواضع «أنا» وأخواتها. فإذا وقعت أولًا مثل: (إياك نعبد وإياك نستعين) فهي مفعول مقدم في موضع نصب. وكان الأصل «نعبدك

ونستعينك». فلما قدم المفعول لضربٍ من العناية والاهتمام بالمعبود جل جلاله, لم يكن أن يتقدم وهو على حرف واحد, فجعل منفصلًا بعد أن كان متصلًا. فصار «إياك نعبد». وقياسه في العربية «نعبدك». فعلى هذا فقس «إياك خاطبت» و «إياكم أردت» , مفعول مقدم كله. فإذا أردت أن تأتي به مفعولًا مؤخرًا بعد استثناء قلت: ما ضربت إلا إياه, وما عبدت إلا إياه, وما نعبد إلا إياك. فهذا وقوعه بعد الاستثناء, والتقدير: ما نعبد إلهًا إلا إياك. ولا يجوز أن يقع ها هنا «أنت» وشبهه. فإذا أوقعته مفعولًا ثانيًا قلت: علمته إياه. فالهاء مفعول أول, و «إيا» مفعول ثانٍ, صار منفصلًا لما حصل في موضع المفعول الثاني, إذ لا يجوز علمتهه. وإذا جعلته مفعولًا ثالثًا قلت: أعلمت زيدًا عمرًا إياه. فزيدًا مفعول أول, وعمرًا مفعول ثانٍ, وإياه مفعول ثالث. لأنك إذا فصلته مع كونه ثانيًا فأحرى أن تفصله إذا كان ثالثًا. وكذلك بقية هذه المضمرات تجري هذا المجرى من المسائل المذكورة. وإذا أردت الإغراء لم يكن إلا بـ «إياك» وأخواتها مما فيه كاف الخطاب. لأنه لا يغرى بغائب إلا شاذًا. فتقول: إياك الطريق, وإياك

والقبيح. فإياك ها هنا إغراء ناب عن فعل فنصب «الطريق» , كما ينصب [ذلك] الفعل المقدر «الطريق» لو قلت: خل الطريق, واجتنب القبيح. فوقع «إياك» ذلك الموقع فعمل عمله ونصب «الطريق» وشبهه. [وبالله التوفيق]. فإن قيل: وما الخلاف في إياك الذي بين العلماء؟ . فالجواب: أقوال شتى. منها قول الخليل رحمه الله أن «إيا» اسم مضمر والكاف اسم مضمر. وأن هذه الكاف في موضع جر بالإضافة إلى «إيا». واحتج على ذلك برواية رواها عن العرب أنها تقول: «إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب» , فجر الشواب بالإضافة [إلى إيا] , فدل على أن الكاف إذا وقعت موقعها اسم في موضع جر.

ولم يلتزم أصحاب سيبويه هذه الحكاية لقلتها وشذوذها. فلا يقاس عليها. ومنها قول الكوفيين إن «الكاف» اسم مضمر, و «إيا» دعامة للكاف ووصلة إليها. ولم يبينوا هذه الدعامة ما هي, أمضمرة هي أم مظهرة؟ . وقد رد هذا بأن قيل: إن أكثر الشيء لا يكون دعامة لأقله, لأن أقل ما في هذه الكلمة «الكاف» على قولهم, وقد دعمت بأربعة أحرف. ومنها قول لهم أيضا أنه بكماله اسم مضمر. وهذا أيضًا ضعيف. لأن أكثر هذه المضمرات مركبات من أسماء وحروف, وخاصة المنفصلات, مثل: أنت وأنتما وأنتم [وأنتن]. الاسم منها الألف والنون, والباقي حروف خطاب, ودلائل تثنية وجمع. ولهذا إذا سميت بشيء منهن حكيت, لأنه مركب من اسم وحرف. وكل شيء سمي به من حرف واسم أو حرفين فإنه محكي لا يعرب. ومنها قول رابع. وهي أنها كلها اسم مظهر موضوع للنصب لا غير, بمنزلة «سبحان» الذي هو اسم موضوع للنصب لا غير. وهذا

أضعفها. لأنه لا خلاف في كون «سبحان» معربًا, وفي كون «إياك» مبنيًا. وهذا يدخله التنوين, أعني «سبحان» , إذا احتيج إليه في شعر [أو صرفٍ] كما قيل: سبحانه ثم سبحانًا يعود له ... وقبلنا سبح الجودي والجمد ويروى: ثم سبحانًا نعوذ به. ولا ينون «إياك» , فلو كان مظهرًا لجاز تنوينه. ومنها القول المعتمد عليه وهو المذكور في المقدمة أن «إيا» اسم مضمر, والكاف حرف خطاب. وهذا القول هو قول الأخفش وقول سيبويه. وعليه [18 [العمدة, لأنه قد قام الدليل على كون الكاف حرف خطاب / لامتناع أن يكون لها موضع من الإعراب, الرفع والنصب والجر. فامتناع الرفع لأنها ليست من

ضمائر المرفوع. وامتناع النصب لأنه ليس لها ناصب, وامتناع الجر لأن المضمرات لا تضاف, لأنها معارف لا يفارقها تعريفها, فلا يجوز إضافتها إلى غيرها. فهذا كله طرف مما أشير إلى شرحه في الأصول مقنع ها هنا. *** وأما قولنا: «فهذه جملة المضمرات. وهي نيف وستون مضمرًا. كلها مبنيات. وكلها معمولات لغيرها. وكلها معارف. وإنما أتي بجميعها للاختصار». فإن معنى [هذا] النيف المشار إلى ذكره وإن كان ما تقدم إلا ستون [مضمرًا] , لأن أصلها من اثني عشر مضروبة في خمسة. فاحتيج إلى معرفة هذا النيف, وهو يوجد في فصل «نفعت» وأخواته, إذا حول الفعل الماضي إلى [الفعل] المضارع لم يكن الفاعل في الواحد مظهرًا, بل كان أبدًا مستورًا مع المتكلم [والمخاطب والغائب] مثل أنفع وننفع وتنفع [وينفع]. فهذا خلاف نفعت ونفعنا ونفعت. إذ كان الفاعلون مع الماضي مذكورين, ومع المستقبل مستترين مقدرين. وإنما استتر مع المستقبل لما فيه

من الدلائل. فالهمزة موضوعة للمتكلم, فأغنت عن إظهار الفاعل. والنون للجماعة وللواحد المعظم, فأغنت [أيضًا] عن إظهار الفاعل. والتاء للمخاطب, فأغنت [أيضًا] عن إظهار الفاعل. والياء للغائب. فقد صار كل حرف من حروف المضارعة يدل على المعنى الذي وضع له فأغنى عن إظهاره. ووجب أن يعتقد أنه مضمر مستتر. فإذا قلت: أنفع زيدًا, فتقديره أنفع أنا زيدًا. وكذلك ننفع زيدًا, فتقديره ننفع زيدًا. وكذلك: تنفع زيدًا, تقديره تنفع أنت زيدًا. [وكذلك ينفع زيدًا, تقديره ينفع هو زيدًا]. فاستغنيت بحرف المضارعة عن إظهاره. فإذا صرت إلى الاثنين والجماعة [والمؤنث] كان بالألف والواو [والياء] , كقولك ينفعان وينفعون وتنفعين. فالألف ضمير وهي الفاعلة. [والواو

ضمير وهي الفاعلة]. والياء عند سيبويه ضمير وهي الفاعلة, وعند الأخفش حرف يدل على التأنيث, والفاعل عنده مضمر تقديره «تنفعين أنت». فهذا تفسير النيف المشار إلى ذكره لئلا يورد عليك مثله. وليس هو مذكورًا في جمله الستين الممثلة. وكل هذه المضمرات مبنيات كما ذكرنا. وإنما كانت مبنياتٍ لشبهها بالحروف. وإنما أشبهت الحروف بافتقارها إلى غيرها من المظهرات واختلاف صيغها كالحروف. وكلها معملولات. وإنما كانت معمولاتٍ لأنها لا تخلو من أن تكون فاعلاتٍ, أو مفعولاتٍ, أو مضافاتٍ, أو مبتدآتٍ. فإذا كانت مبتدآت, فالعامل فيها الابتداء, مثل: أنا زيد, ونحن الزيدون. وإذا كانت فاعلاتٍ فالعامل فيها أفعالها التي هي مسندة إليها, مثل: نفعت ونفعنا. كما تقول: نفع زيد, ونفع الزيدون. فكما أن «زيدًا والزيدين» مرفوعان بنفع, ومعمولان له, فكذلك «التاء» وأخواتها في «نفعت» مرفوعة

بنفع ومعمولة له. وكذلك في حال النصب إذا قلت: نفعني [الزيدون]. الياء معمولة لنفع, لأنها منصوبة في التقدير. وكذلك الياء في «عملي لي» معمولة للعمل وللجار, بحكم الإضافة, وهي في موضع جر بذلك. فظهر لك أنها [كلها] معمولات, ولا يكن قط عاملات. لأنه ليس في المضمرات فعلية ولا معنى فعلٍ. فلذلك كانت كلها معمولات ولم تكن عاملات. فإن قيل: فما تصنع بالمضمرات التي تكون فصلًا في باب كان وأخواتها, وفي باب ظننت وأخواتها إذا قلت: كان زيد هو العاقل, وظننت زيدًا هو العاقل, بالنصب. أهي ها هنا [أيضا] معمولة كما كانت في قولك إذا رفعت ما بعدها وقلت: كان زيد هو العاقل, وظننت زيدًا هو العاقل؟ .

فالجواب: أن هذا موضع مشكل, ولا يكاد يحققه إلا مثل الفارسي وأصحابه من المتأخرين, وسيبويه رحمه الله من المتقدمين وأصحابه. فإنهم يقولون إنها لا موضع لها من الإعراب, لا رفع ولا نصب ولا جر. فإذا منعوا من ذلك بطل أن تكون معمولة لعامل من العوامل كلها, اللفظية والمعنوية, لأنها إنما دخلت للفصل لا غير. وهي زائدة كزيادة «ما» و «لا» اللذين هما حرفان يدخلان زائدين. ولذلك شبه سيبويه رحمه الله هذه المضمرات إذا كن فصلًا بهذين الحرفين فألحقها بالحروف. وأطلق بعض المحققين لأجل ذلك على هذه الأسماء أنها حروف لما أجراها سيبوبه مجرى «ما» و «لا» اللذين هما حرفان زائدان. وهذا تصريح من صاحب الكتاب عليها بالحرفية, فوجب لذلك ألا تكون معمولات إذا كن فصلا. وما عداها مما ليس بفصل فمعمول بلا إشكال, على ما قدمناه. وكل هذه المضمرات معارف. وإنما كانت كذلك لأنها لم تضمر

إلا وقد عرفت. وكلها إنما أتي بها للاختصار, لأنه لولاها لطال مع المظهر التكرار في كل موضع من أنواع الإخبار أو الاستخبار. وهذا بين لا يحتاج معه إلى الإكثار. وبالله التوفيق.

فصل الأسماء التي لا ظاهرة ولا مضمرة

/ فصل الأسماء التي لا ظاهرة ولا مضمرة وهو القسم الثالث من أقسام الأسماء ... [19] أما قولنا: «الأسماء التي لا ظاهرة ولا مضمرة هي أسماء الإشارة. وهي خمسة: ذا, وذان, وتا, وتان, وأولاء». فإنه لما فرغ القسمان الأولان شرع في شرح القسم الثالث لأنه بين القسمين الأولين, فلم يجز أن يذكر إلا بعدهما. والغرض بأسماء الإشارة التنبيه, على ما يأتي بيانه. فـ «ذا» إشارة إلى مذكر. و «تا» إشارة إلى مؤنث. و «ذان» إشارة إلى مذكرين في حال الرفع إذا قلت: نفعني ذان. فإن كان مفعولًا كان بالياء, مثل: نفعت ذين. و «تان» إشارة إلى مؤنثين في حال الرفع, مثل: نفعتني تان. وبالياء في حال النصب [والجر]. مثل: نفعت تين, [وانتفعت بتين] , و «أولاء» إشارة لجماعة المذكر والمؤنث مبني على الكسر مستعمل لهما.

وفي المؤنث لغات. يقال: تا وتي [وته] وذه وذي. فإذا وقفت سكنت الهاء. وفي ذان وذين لغتان, تشديد النون وتخفيفها, فتخفيفها هو الأصل. وتشديدها كالعوض من المحذوف منها. وتان فيها أيضًا لغتان, تشديد النون وتخفيفها على هذا الأصل. وقد قريء [بالأمرين جميعًا] (هذان) مخففًا ومشددًا, [وكذلك: هاتان] وفي أولاء لغتان, المد والقصر. فمن مده كسر همزته, ومن قصره كان بالألف ساكنةً. وهن في جميع هذه اللغات مبنيات كالمضمرات. وعلة بنائها شبهها بالحروف. وقيل: لتضمنها معنى حرف إشارة لا ينطق به.

شبهها بالأسماء الظاهرة

وأما قولنا: «فهذه من حيث وصفت ووصف بها, وصغرت, أشبهت الأسماء الظاهرة». فإن مثال وصفك لما قولك: هذا الرجل قائم. فهذا مبتدأ, والرجل صفة, وقائم خبر الابتداء. ولا توصف أبدًا إلا بالأجناس أو ما تنزل منزلتها. ومثال الصفة بها قولك: مررت بزيد هذا, ورأيت زيدًا هذا. وكذلك المؤنث هذه صفته. ومثال تصغيرها أن تقول في تصغير «ذا»: ذيا. وفي تصغير «تا»: تيًا. وفي «ذان» و «تان»: ذيان وتيان. وفي «أولاء»: أوليا. فهذا تصغيره, وهو تصغير المبهمات. ولما كان التصغير والوصف يدخلان عليها, والوصف للشيء والوصف به إنما هو من خواص الأسماء الظاهرة أشبهتها بهذه الأشياء. وأما قولنا: «ومن حيث بنيت, واحتلفت صيغها, ولم يفارقها تعريف الإشارة أشبهت المضمرات فصارت بينهما». فإن تفسير ذلك, أن هذه الأسماء التي للإشارة مبنية كلها, كما أن المضمرات مبنية كلها. وأن أسماء الإشارة مختلفة الصيغ, شيء للمذكر, وشيء للمؤنث, وشيء لتثنية المرفوع, وشيء لتثنية المنصوب والمجرور. كما أن المضمرات

دخول التنبيه والخطاب عليها

مختلفة الصيغ, شيء للمذكر, وشيء للمؤنث, وشيء للمرفوع, وشيء للمنصوب والمجرور. وأنها لم يفارقها [كلها] تعريف الإشارة, كما أن المضمرات [كذلك] لم يفارقها تعريف الإضمار وإيضاحها, وهو عودها على ما قبلها. وأسماء الإشارة تفسير بما بعدها. ألا تراك تقول: زيد هو الذي فعل كذا وكذا, فيأتي بيان المضمر قبله. وتقول: هذا الرجل الذي فعل كذا وكذا, فيأتي بيان اسم الإشارة بعده. فقد صار تعريفهما وإيضاحهما لا يفارقهما وإن اختلفت حقائقهما. فثبت بهذا أن أسماء الإشارة مشبهة للأسماء الظاهرة من الوجوه الثلاثة المتقدمة. ومشبهة للأسماء المضمرة من الثلاثة الأوجه المذكورة, فصارت بينهما لذلك. فاعرفه, فإن في معرفة هذا فوائد كثيرة تحتاج إليها فيما بعد إن شاء الله تعالى. وأما قولنا: «وقد يكون مع الإشارة تنبيه مثل: هذا وهاتا. وقد يكون معها خطاب مثل: ذاك وتاك. وقد يكون معها الأمران جميعًا مثل: هاذاك وهاتاك».

فإن جملة الأمر أن أسماء الإشارة لا تنفك من أربعة أقسام. إما أن تستعمل مفردة ليس معها تنبيه ولا خطاب, كقولك: ذا زيد, وتا هند. فهذا أخصر ما يكون. وإما أن يكون مع الإشارة تنبيه فقط مثل: هذا زيد, وهاتا هند. فـ «ها» حرف تتنبيه, و «ذا» اسم إشارة. وكذلك «هاتا» والبقية. وكل واحد منها حرف واسم. وإما أن يكون مع الإشارة خطاب فقط مثل: ذاك وتاك. فـ «ذا» اشارة, والكاف [حرف] خطاب. إن كان لمذكر فتحتها, وإن كان لمؤنث كسرتها. تقول: كيف ذاك الرجل يا رجل, وكيف ذاك الرجل يا امرأة, إذا كنت تسأل امرأة [عن رجل]. فإن سألت رجلًا عن امرأة فتحت الكاف, فقلت: كيف [تاك أو] تلك المرأة يا رجل. فإن سألت امرأة عن امرأة كسرت الكاف فقلت: كيف تلك المرأة يا امرأة [وكيف تاك المرأة يا امرأة]. وعلى هذا فقس بقية الأمثلة. كلها إشارة وخطاب فقط. وإما أن يكون مع الإشارة تنبيه وخطاب جميعًا, فيكون التنبيه من أوله

والخطاب من آخره مثل: هاذاك وهاتاك. وهذا أبلغ ما يكون في استعمال [20] هذه الأسماء, أن يجتمع فيها / الإشارة والتنبيه والخطاب. فإن قيل لك: فأي شيء منها لا تجتمع فيه هذه الثلاثة؟ . فقل: إذا دخلت اللام في «ذاك» , وفي «تاك». لا يجوز «هاذالك» ولا «ها تالك». لأن «اللام» موضوعة للبعد, و «ها» موضوعة للقرب فلم تجمع بينهما. فإن قيل [لك]: فما الفرق بين «ذا» و «ذاك» و «ذلك» في المعنى؟ فقل: «ذا» لأقرب الأقربين إليك. و «ذاك» لمن يليه. و «ذلك» لأبعد الثلاثة. والكلام في السؤال: سؤال لمذكر عن مؤنث. ولمؤنث عن مذكر. ومذكرين عن مذكرين. ومؤنثين عن مؤنثين. ومؤنث عن مذكرين. ومذكر عن مؤنثين. ومذكرين عن مؤنث. وجماعة عن واحد. وواحد عن جماعة. وغير ذلك من المسائل التي يطول ذكرها. وتخرج منها

عملها في الحال

ست وثلاثون مسألة ينبغي أن تروض نفسك في الإجابة عنها. فإن هذا الفصل الغرض به معرفة ما هذا سبيله. وأما قولنا: «وكلها مبنية, وكلها معمولة». فقد تقدم بيانه. وأما قولنا: «وقد تكون هي عاملةً في الحال بخلاف المضمر, مثل: هذا زيد واقفًا, وهذه هند واقفة». فإن تفسير هذه المسألة وأشباهها أن تقول: «هذا» مبتدأ, و «زيد» خبره, و «واقفًا» منتصب على الحال. والناصب له أحد شيئين: إما «ها» لما فيها من معنى التنبيه. وإما «ذا» لما فيها من معنى الإشارة, ك أنك قلت: أشرت إليه واقفًا, أو: نبعت عليه واقفًا. وكذلك قولك: هذه هند واقفةً. تفسيرها كتفسير ما قبلها, «هذه» مبتدأ, و «هند» خبر الابتداء, و «واقفة» منتصبة على الحال من هند. والعامل في الحال إما «ها» , كأنك قلت: نبهت عليها واقفةً, وإما «ذه» كأنك قلت: أشرت إليها واقفةً. فإن قيل: فهل يجوز أن تقدم «واقفعًا» و «واقفة» إلى جانب اسم الإشارة؟ . فقل: ذلك جائز, لأنه بعد العامل المعنوي. فإن قيل: هل يجوز تقديمه على نفس «هذا» أو «هذه»؟ .

فقل: لا يجوز أن تقول: واقفًا هذا زيد. ولا: واقفةً هذه هند. لأن العامل إذا كان معنويًا لم تتقدم الحال عليه, بخلاف الفعل الصريح. لأنه يجوز أن تقول: واقفًا نبهت على زيد, وواقفًا أشرت إلى زيدٍ, ولا يجوز: واقفًا هذا زيد. فإن قيل: فهل يجوز أن تقول: ها واقفًا ذا زيد, فتجعل الحال بين «ها» و «ذا»؟ . فقل: إن اعتقدت أن العامل في الحال «ذا» لم يجز. وإن اعتقدت أن العامل في الحال «ها» جاز. وكذلك ها واقفةً ذه هندٌ, يجوز على وجه ولا يجوز على وجه آخر. فإن قيل: فلم جاز الحال مع أسماء الإشارة ولم يجز مع المضمرات؟ . فقل: لأن الأسماء المضمرة ليس فيها معنى فعلٍ بحال, بل هي خالصة الأسمية, مجردة من معنى الفعلية. فلذلك لا يجوز: هو زيد واقفًا, ويجوز: هذا زيدٌ واقفًا. فعلى هذا فقس جميع أسماء الإشارة, وجميع الأسماء المضمرة. ولا يجوز: أنتما الزيدان قائمين, ويجوز: هذان الزيدان قائمين. ولا يجوز: أنتم الزيدون قائمين وقيامًا, ويجوز: هؤلاء الزيدون قائمين وقيامًا. فقس على ذلك.

أسماء الإشارة من المعارف

فإن رفعت الكل جاز مع المضمر ومع اسم الإشارة, لأنه ليس هناك حال, فتقول: هذا زيد واقف, وهو زيد واقف. «هذا» مبتدأ, و «زيد» خبره, و «واقف» مرتفع من أربعة أوجه. أحدها: أن يكون خبرًا لمبتدأ محذوف, كأنك قلت: هذا زيد هذا واقف. الثاني: أن يكون «هذا» مبتدأ, و «زيد» بدلًا من «هذا» , و «واقف» الخبر. الثالث: أن يكون «هذا» مبتدأ, و «زيد» الخبر, و «واقف» بدلًا من زيد. الرابع: أن يكون «هذا» مبتدأ, و «زيد» خبره. و «واقف» خبر بعد خبر, أخبرت بالاسمية وبالوقوف. وكذلك إذا قلت مع المضمر: هو زيد واقف, يفسر هذا التفسير المذكور. فاعرفه وقس عليه [تصب] إن شاء الله تعالى. وأما قولنا: «وكلها معارف». فقد تقدم شرحها, وأن تعريفها بالإشارة. وقد اختلف الناس هل هي أعرف من الأعلام أو الأعلام أعرف منها. فمذهب جمهور النحويين أن الأعلام مثل زيدٍ وعمروٍ أعرف من أسماء الإشارة, لأن تعريف العلمية لا يفارقها, معدومة كانت أو موجودة, وتعريف الإشارة يفارقها عند العدم. ومذهب أبي بكر بن السراج أن أسماء الإشارة أعرف

جملة المعارف خمسة: المضمرات، الأعلام، أسماء الإشارة، ما عرف بالألف واللام - وما أضيف إلى واحد منها

من الأعلام لأنها تتعرف بشيئين, بالعين والقلب, والأعلام تتعرف بالقلب [لا غير]. وما تعرف من وجهين أعرف عنده مما تعرف من وجه واحد. والأولى القول الأول لأنه لو اجتمع على [أسماء] الإشارة ما عسى أن يجتمع من التعريفات لكان ذلك لا يزيد فيها على تعريف العلمية, لأن العلم له مجموع الصفات, وأسماء الإشارة قد تكون للأعلام صفاتٍ, ولا تكون الأعلام لأسماء الإشارة صفاتٍ. فقد صارت أسماء الإشارة تابعة للأعلام, فوجب أن تكون الأعلام أعرف منها. وبالله التوفيق. [21] وأما قولنا/: «وجملة المعارف خمسة: المضمرات, والأعلام, وأسماء الإشارة, وما عرف بالألف واللام, وما أضيف إلى واحد منها».

فإنه لما ذكرنا أن أسماء الإشارة معارف جملنا جملة المعارف لتعرفها, وهي الخمسة المذكورة. وقدمت المضمرات لأنها أعرف المعارف. وثني بالأعلام لأنها أعرف من أسماء الإشارة عند النحويين إلا أبا بكر [بن السراج] , وقد ذكر. وثلث بأسماء لأنها أعرف [عند النحويين] مما فيه الألف واللام. لأن أسماء الإشارة تنعت بما فيه الألف واللام, ولا ينعت ما فيه الألف واللام بأسماء الإشارة, لا تقول: «جاءني الرجل هذا» , وأنت تريد النعت. فإن أردت البدل جاز, لأنه قد يبدل الأعرف من الأنكر مما هو دونه في التعريف, ولا ينعت بالأعرف ما هو دونه في التعريف. وربع بما تعريفه بالألف واللام لأنه أعرف مما أضيف إلى ما فيه الألف واللام. «فالرجل» أعرف من «غلام الرجل». لأن تعريف «الرجل» تعريف الإفراد, وتعريف «الغلام» تعريف الإضافة, فالتعريف سار إليه من اسم آخر [غيره] , وليس كذلك «الرجل». وكذلك ما أضيف إلى المضمر أعرف مما أضيف إلى العلم, «فغلامك»

أسماء الاستفهام

أعرف من «غلام زيد». وكذا «غلام زيد» أعرف من «غلام هذا». وكذلك «غلام هذا» أعرف من «غلام الرجل». فقس على هذا فإن له فوائد [كثيرة] تظهر في باب النعت وغيره. وأما قولنا: «وفي الأسماء أسماء مشكلة, مثل أسماء الاستفهام التسعة, وهي: من وما وكم وكيف وأين وأنى ومتى وأيان وأي. كلها أسماء لأنها معمولة, وتدخل على أكثرها حروف الجر. ومعانيها تتفسر بأجوبتها. وكلها مبني سوى «أي». فإن هذه جملة مختصرة في معرفة أسماء الاستفهام. وإنما كانت مشكلة لما عرض فيها من البناء, وامتناعها من الألف واللام ومن التنوين ومن الإضافة. وهذه خواص الأسماء وعلاماتها. فإذا لم توجد في اسم صار مشكلًا, ألا ترى أنك لا تقول: المن, ولا: من, ولا: منك. وكذلك باقي التسعة سوى أي المعربة, فإن إعرابها مكنها. فالتنوين تارة يدخلها إذا قلت: أي جاءك. والإضافة تارة تدخلها إذا قلت: أيهم جاءك. فإن قيل: فما الدليل على كونها أسماء؟ فقل: دخول حروف الجر على أكثرها مقل: من من, و «فيم أنت من

ذاكرها). وإلى كم تغيب, وانظر إلى كيف تصنع, حكاها قطرب, ومن أين, [ومن أي] , وإلى متى, ومن أنى, ومن أيان. ودليل آخر, وهو إبدال الاسم الصريح منها تقول: من جاءك أزيد أم عمرو. فزيد وعمرو بدل من «من» , ولا يبدل الاسم إلا من الاسم. وكذلك: ما أكلت أخبزًا أم لحمًا. فخبزًا ولحمًا بدل من «ما». وكذلك: كم مالك أعشرون [درهمًا] أم ثلاثون. فعشرون وثلاثون بدل من «كم». وكذلك: أين زيد أفي الدار أم في السوق. فالدار والسوق بدل من «أين». وكذلك: متى الخروج اليوم أم غدًا. وكذلك: أي الناس صاحبك أزيد أم عمرو. فزيد وعمرو بدل من «أي». فهذا أحسن ما استدل به على كون هذه الأسماء أسماء. ودليل ثالث وهو أنها كلها تصلح أن تكون مفعولة. إذا قلت: «من رأيت». فموضع «من» نصب بـ «رأيت» وهو مفعول مقدم, و «ما

أكلت» فموضع «ما» نصب بـ «أكلت» , وهو أيضًا مفعول مقدم. وكذلك الباقي على هذه الصفة. فإن أدخلت على هذه الأفعال مضمرات ترجع إلى هذه الأسماء, كانت الأسماء في موضع رفع بالابتداء وكان جوابها مرفوعًا, كقولك: من رأيته. لأن «من» مبتدأ, وقد اشتغل الفعل عنها بضميرها, والجملة التي هي «رأيته» في موضع رفع لكونها خبرًا لمن, كأنك قلت: من مرئي. فالجواب بالرفع لا غير, فتقول: زيد. فإذا لم تأت بالهاء كان الجواب منصوبًا, لأن الاسم المتقدم منصوب, مفعول مقدم, فجوابه منصوب. وكذلك تجري الباقي على هذا المجرى إلا ما كان منها ظرفًا مثل «متى» و «أين» فإنه لا يكون جوابها مرفوعًا لأن الظروف لا يبتدأ بها كالابتداء بمن وكم. فإن قيل: كيف تتفسر معاني هذه الأسماء بأجوبتها؟ . قيل: لأن «من» سؤال عن من يعقل, و «ما» سؤال عن ما لا يقعل, و «كم» سؤال عن عدد, و «كيف» سؤال عن حال, و «أين» سؤال عن مكان, و «أنى» سؤال عن جهة, و «متى» سؤال عن زمان, و «أيان» مثل «متى» إلا أنها مستعملة في

الأمور المعظمة, وأي سؤال عن بعض من كل. فيجب أن يكون جواب كل واحدة من هذه التسعة بحسب معناها, فيكون الجواب مفسرًا للمعنى, ومفسرًا للإعراب. لأنها إن كانت مرفوعة الموضع كان جوابها مرفوعًا, وإن كانت منصوبة الموضع كان جوابها منصوبًا, وإن كانت مجرورة الموضع كان جوابها مجرورًا, كقولك: بمن مررت, فتقول: زيدٍ, وإن شئت [قلت]: بزيدٍ. / وكل ما وجدت من هذه الأسماء التسعة مبنيًا على السكون ففيه سؤال واحد, [22] وهو: لم بني؟ . فتقول: لتضمنه معنى الحرف, وذلك الحرف هو ألف الاستفهام. وذلك يكون في «من» و «ما» و «كم» و «متى» و «أنى» , لأن هذه الأسماء مبنية على السكون. وكل ما كان منها مبنيًا على حركة ففيه ثلاثة أسولة, لم بني؟ , ولم بني على حركة؟ , ولم بني على حركة دون حركة؟ , مثل «أين» و «كيف» و «أيان» [فتقول]: بنيت لتضمنها معنى الحرف.

الأسماء الموصولة

وبنيت على حركة لالتقاء الساكنين. وخصت بالفتحة دون غيرها طلبًا للخفة. فقس على ذلك كل اسم بني على حركة وسل فيه عن هذه الأسولة حتى تعرفها. فإن قيل: وما الحاجة إلى المجيء بهذه الأسماء التسعة, وألا استغني بهمزة الاستفهام عنها؟ . قيل: أتي بها لغرض عظيم وهو الاختصار والخوف من الإطالة والإكثار. ألا ترى أنك لو قلت في «من زيد»: أزيد فلان, لجاز أن يقال لك «لا» , ثم تسأل ثانيةً وثالثةً ورابعةً, فتكون أبدًا كذلك. فإذا قلت: من زيد, اقتضى الجواب من أول وهلة وسقطت الإطالة والكلفة. وكذلك البقية. *** وأما قولنا: «ومثل الأسماء الموصولة التسعة, وهي: «الذي» و «التي» , وتثنيتهما وجمعهما. و «من» و «ما» بمعناهما و «أي» و «الألف واللام» بمعناهما. و «ذو» في لغة طييء. و «ذا» إذا كان معها «ما». و «الألى» بمعنى الذين. كل ذلك إذا كان بمعنى «الذي» كان موصولًا. وكلها مبني سوى «أي». وكلها لا تتم إلا بصلة وعائد. وجملة صلاتها أربعة أشياء: مبتدأ وخبر, وفعل وفاعل, وشرط وجزاء, وظرف. واسم الفاعل مع

الألف واللام, وكذلك اسم المفعول». فإن هذه جملة مختصرة في معرفة الأسماء الموصولة. وإنما كانت مشكلة لبنائها أيضًا وشبهها بالحروف. والدليل على اسميتها جواز الإخبار عنها, وجواز كونها فاعلة ومفعولة, ودخول حرف الجر عليها. وإنما سميت موصولة لأنها وصلت بما بعدها, لأنها لا تستقل بنفسها, وهي محتاجة إلى صلاتها كاحتياج الحروف إلى غيرها. وإنما بنيت لشبهها بالحروف, وشبهها بالحروف إنما هو من حيث احتاجب إلى صلة وعائد كما احتاجت الحروف إلى غيرها. ومثل صلتها بالمبتدأ والخبر: هذا الذي أبوه منطلق. ومثالها بالفعل والفاعل: هذا الذي انطلق أبوه. ومثالها بالشرط والجزاء: هذا الذي إن انطلق أبوه انطلق أخوه. ومثالها بالظرف: هذا الذي عندك, أو: في دارك. فهذا الظرف وسائر الظروف إذا وقعت صلات للموصولات فإنها تتعلق بفعل مقدر أبدًا, تقديره «هذا الذي استقر عندك» ثم حذفت «استقر» و «ثبت» وما اشبهه وأنبت منابه الظرف المنصوب به, بعد أن نقلت الضمير الذي كان في الفعل مستترًا, وهو ضمير الفاعل, فاعترفت الآن أنه مستتر

في الظرف, وصار [الفاعل] مرفوعًا بالظرف بعد أن كان مرفوعًا بالفعل. هذا كلام المحققين فاعتمد عليه. فإذا جاءتك حال منصوبة بعد هذا الظرف فسئلت عنها فقيل لك: من صاحب الحال؟ . فقل: ذلك المضمر الذي في الظرف. فإذا قيل لك: فما العامل في الحال؟ فقل: الظرف نفسه النائب عن [ذلك] الفعل, مثال ذلك: زيد الذي في الدار ضاحكًا. فـ «زيد» مبتدأ, و «الذي بصلته» خبر المبتدأ في موضع رفع بحق الخير, و «ضاحكًا» منتصب على الحال من المضمر الذي في الظرف, والناصب للحال نفس الظرف النائب عن الفعل. وعلى هذا تقيس «التي» والتثنية والجمع وسائر الموصولات التسعة, سوى «الألف واللام» فإنها لا توصل بجملة من هذه الجمل الأربع. وإنما توصل بمفرد, وذلك المفرد هو اسم الفاعل أو اسم المفعول. مثال اسم الفاعل: هذا الضارب [زيدًا] , أي الذي ضرب [زيدًا]. ومثال اسم المفعول: هذا المضروب, أي الذي ضرب. فالضارب والمضروب مفردان لا جملتان, وفيهما عائدان مقدران يرجعان إلى الألف واللام, لأن الألف واللام في معنى الاسم وهو «الذي» , فاحتاجا إلى عائد كاحتياج «الذي». و«الألف واللام» مبنية كبناء جميع الموصولات. وصلة الألف واللام معربة, من حيث لم تكن جملة كانت معربة. وباقي الموصولات

مبنيات. وجملها كلها محكيات. فلذلك يستوي مرفوعها ومنصوبها ومجرورها في التقدير, من نحو: جاءني الذي أبوه منطلق, ورأيت الذي أبوه منطلق, ومررت بالذي أبوه منطلق. فـ «الذي» على صورة واحدة لأنه مبني, والجملة على صورة واحدة لأنها محكية. وكذلك الباقي جارٍ هذا المجرى. فأما «أي» إذا كانت موصولة بجملة من هذه الجمل الأربع كانت معربة, لأنها في نفسها متمكنة بإضافتها, فبقيت على ما تستحق من إعرابها. تقول: / جاءني أيهم أبوه منطلق, بالرفع, ورأيت أيهم أبوه منطلق, [بالنصب] , [23] ومررت بأيهم أبوه منطلق, [بالجر]. فـ «أي» معربة متغيرة, والجملة بعدها [جملة] محكية. فإن وصلت بمفرد لا جملة مثل: جاءني أيهم أفضل, كانت عند سيبويه مبنية على الضم لا تتغير في رفع ولا نصب ولا جر, لأنها مشبهة بـ «قيل» و «بعد» في حذف مبينها. وعليه قوله سبحانه وتعالى عند سيبويه (ثم لننزعن من كل شيعةٍ أيهم أشد على الرحمن عتيًا) , وتقديره «الذي

هو أشد على الرحمن عتيًا». فـ «أيهم» بصلتها في موضع المفعول للنزع, ولم تنصب لكونها مبنيةً عنده. فعلى هذا تقول: مر بأيهم أفضل. وعليه قول الشاعر: * فسلم على أيهم أفضل * فهذه جملة كافية في معنى الموصولات والصلات. و «من» من بينها مختصة بمن يعقل. و «ما» لما لا يعقل. والباقي تصلح لما لا يعقل ولمن يعقل. فصل كلا [منها] بما يقتضيه معناها من ذلك. ومما يحتاج إليه في معرفة عوائدها. أنه إذا كان ضمير مجرور لم يحذف, مثل: الذي مررت به فلان, ونحوه. وإذا كان ضمير مرفوع لم يجز حذفه مثل: الذي هو زيد فلان. إلا أن يطول الكلام فإنه يجوز أن يحذف وهو مراد,

الظروف المبنية (إذ، إذا، أمس، الآن، قط)

مثل: ما أنا بالذي قائل لك سوءًا, أي: ما أنا بالذي هو قائل [لك سوءًا] , لأن «قائلًا» هو خبر الابتداء المحذوف العائد على «الذي». وإذا كان ضمير منصوب, كنت مخيرًا إن شئت أثبته, وإن شئت حذفته, كقولك: الذي ضربته فلان, والذي ضربت فلان. لأن ضمير المنصوب فضلة في الكلام فاستثقل اجتماع أربعة أشياء, الموصول والفعل والفاعل والمفعول, فاختصر فحذف المفعول لأنه فضلة في الكلام. وقد جاء الأمران في كتاب الله عز وجل [قال الله سبحانه] (أهذا الذي بعث الله رسولًا) , أي [الذي] بعثه الله. وقال تعالى: (الذي يتخبطه الشيطان من المس) , فأثبت الهاء. وقد قرئ بالأمرين [جميعًا] (وما عملته أيديهم) , بإثبات الهاء, وحذفها على هذا الأصل المقرر. فاعرف ذلك, وقس عليه [تصب] إن شاء الله. *** وأما قولنا: «ومثل الظروف المبنية [وهي] إذ, وإذا, وأمس, والآن, وقط. كلها أسماء لأنها مفعول فيها».

فإن هذه الظروف أسماء مشكلة أيضًا لبنائها من حيث أشبهت الحروف. فـ «إذ» و «إذا» بنيا لاحتياجهما إلى غيرهما من الإضافة إلى ما بعدهما. و «إذ» ظرف لما مضى من الزمان. تضاف تارة إلى جملة من فعل وفاعل, وتارة [إلى جملة] من مبتدأ وخبر. مثال الأول: جئتك إذ قام زيد, ومثال الثاني: جئتك إذ زيد منطلق. فموضع الجملة منها جر بالإضافة, إذ الغالب على الظروف الإضافة من نحو: جئتك وقت الهاجرة, ووقت الصبح. فتلخيص «جئتك إذ قام زيد» , أي وقت قيام زيد, و «جئتك إذ زيد منطلق» , أي وقت انطلاق زيد. فالجملة بعد «إذ» مؤداة على حالها لأنها محكية, و «إذ» في موضع نصب على الظرف, ولا يتبين فيها ذلك لأنها مبنية. والناصب للظرف لا يصح أن يكون الفعل الذي بعده لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف بلا خلاف فيه [بينهم]. وكذلك «إذا» وهي ظرف لما يأتي من الزمان بخلاف «إذ». وتضاف إلى الجملة بعدها من نحو: أجيئك إذا احمر البسر, وإذا قدم فلان, ونحوه. وإذا وقع بعدها اسم مرفوع فليس رفعه عندنا بالابتداء, وإنما رفعه بإضمار فعل مثل: (إذا السماء انشقت) [السماء] , مرتفعة بإضمار فعل تقديره: إذا انشقت السماء انشقت. والفعل الثاني مفسر للأول. وإنما امتنع الرفع بالابتداء عند سيبويه وأصحابه لأن «إذا» فيها معنى الشرط, والشرط يطلب الفعل,

ولذلك كان مرفوعًا بتقدير فعل لا بالابتداء. خلافًا للأخفش فإنه قد أجاز رفعه بالابتداء, والصحيح ما ذكرته للعلة المذكورة. فثبت بهذا كله أن الجملة بعد «إذا» - سواء كانت فعلًا وفاعلًا أو مبتدأ وخبرًا على الخلاف - في موضع جر بالإضافة, و «إذا» في موضع نصب على الظرف. والناصب له جواب «إذا» لا الفعل الواقع بعد «إذا» كالعلة في «إذ». و«أمس» بني لتضمنه معنى ألف ولام لتعريف العهد. لأن المراد به الأمس [المعهود] الذي يلي يومك. وبني على حركة لالتقاء الساكنين [وهما] الميم والسين. وخص بالكسر على أصل التقاء الساكنين, لأنها حركة لا لبس فيها بالمعرب مع عدم الإضافة والألف واللام. و«الآن» مبني لتضمنه معنى ألف ولام غير الموجودة. لأن الموجودة زائدة. و «الآن» معرفة باللام المقدرة لتعريف الوقت الذي أنت فيه, لأنها حد ما بين الزمانين, الماضي والمستقبل. وقال قوم: بنيت لأنها فعل ماض في

أسماء الأفعال

الأصل, من «آن يئين» , إذا حان. وقال آخرون: إنها خالفت أسماء [24] الإشارة بتعريفها من غير جهة / التعريف فبنيت. والصحيح هو الأول. وبنيت على حركة لالتقاء الساكنين, الألف والنون. وأعطيت الفتحة طلبًا للخفة. و«قط» مبنية لقطعها عن الإضافة كقطع «قبل» و «بعد» , وحركت لالتقاء الساكنين. وضمت كضم «قبل» و «بعد» لأن الضم حركة لا تكون للظرف إعرابًا, وهو ظرف. وكل هذه الخمسة محكوم عليها بالاسمية لأنها مفعول فيها. وكل مفعول فيه فهو اسم. وإنما سميت مفعولًا فيها لأنها ظروف زمان. والظروف ما فعل فيه الفعل, زمانًا كان أو مكانًا. *** وأما قولنا: «ومثل أسماء الأفعال. مثل: صه وصه [ومه ومه] وإيه وإيه, وأف, وأف, وأف, وأف, وأف, وأفا. كل هذه لغات فيها. وتخفف فيقال: أف. وتمال فيقال أفي. ولا يقال ما عدا ذلك. وكلها أسماء لأنها في موضع المفعول, ويدخلها تنوين التنكير». فإن هذه جملة مختصرة في أسماء الأفعال. والدليل على كون هذه الأشياء أسماء دخول تنوين التنكير عليها [في] مثل: صه وصهٍ, وإيه وإيه [وأف

وأف] , بمنزلة سيبويه, وسيبويه آخر, وعمرويه, وعمرويه آخر. وأنها في موضع المفعول لأن «صه» وقعت موقع «سكوتًا» , أي أسكت سكوتًا. والمصادر مفعولات, وكل مفعول فهو اسم. وكذلك الباقي. فإن قيل [لك]: فلم أتي بها في الكلام؟ . فقل: للاختصار والإيجاز. لأنك تستعملها للواحد والاثنين والجمع [والمذكر] والمؤنث بلفظ واحد, فتقول: صه يا زيد, صه يا زيدان, صه يا زيدون. صه يا هند, صه يا هندان, صه يا هندات, بخلاف «اسكت» في جميع ذلك. وكذلك الباقي. فإن قيل: فما الفرق بين معنى «صه» و «صه»؟ . فقل: صه اسم للفعل معرفة. و «صهٍ» اسم للفعل نكرة. فكأنك قلت في الأول: اسكت السكوت المعروف منك, وفي الثاني: اسكت سكوتًا ما. وكذلك الباقي يفسر هذا التفسير. وكل ما رأيته مبنيًا على السكون كصه ومه فعلى الأصل, وما بني على حركة كإيه وأف ولغاتها فلالقتاء الساكنين. [فمن كسر فعلي أصل التقاء الساكنين] , ومن فتح فلطلب الخفة, ومن ضم فللاتباع. ومن خفف فقال «أف» فلاستثقال التضعيف, ومن قال «أفي» - وأمال - فلأن الألف رابعة, وهي اسم, فجاز إمالتها كحبلى وغيرها.

التنوين وأنواعه

فإن قيل: فما معاني هذه الأسماء المذكورة؟ . قيل: معنى «صه» اسكت. ومعنى «مه» اكفف. ومعنى «إيه» زدني من الحديث, فإن نونت فقلت «إيهٍ» فمعناه زدني زيادةً ما. ومعنى «أف» في جميع لغاتها التضجر. وكلها أسماء للعلتين المذكورتين وغيرهما. *** وأما قولنا: «وجملة التنوين خمسة: تنوين تمكين مثل زيدٍ وعمروٍ. وتنوين تنكير مثل سيبويه وسيبويه آخر, وصه وصهٍ. وتنوين عوض مثل يومئذ [وحينئذ] وساعتئذٍ. وتنوين ترنم مثل: * يا صاح, ما هاج الدموع الذرفاً * و: * من طلل كالأتحمى انجها * و: * يا أبتا علك أو عساكا *

وتنوين مقابلة [في المؤنث] بإزاء نون في المذكر مثل عرفات ومسلمات». فإنه لما ذكر التنوين في فصل أسماء الأفعال سيق معه جملة ما يأتي عليه التنوين. ولما كانت التنوين لا يخلو في الكلام من هذه الأقسام الخمسة عددت على ما بينت. فأكثرها وأوسعها تنوين التمكين. لأن التنوين - كما قال سيبويه رحمه الله - دخل الكلام علامة للأمكن عندهم والأخف عليهم, وهو الواحد النكرة, كرجل وفرس وزيد وعمرو. لأن الأعلام في أصلها نكرات, وإنما تعرفت بالنقل والوضع على من وضعت عليه من المسمين. وهذا التنوين الذي هو تنوين التمكين هو الذي يعتقب عليه في النكرات أبدًا شيئان: الألف واللام من أول الاسم, أو الإضافة من آخر الاسم, فلا يوجد التنوين مع واحد منهما من نحو: رجلٍ, والرجل, ورجلك. والمعارف من الأسماء التي لا تنصرف مثل أحمد وإبراهيم وجميع الأسماء الستة, إذا نكرت دخلها التنوين, ولحقت بتنوين التمكين, لأن الاسم قد زال عنه بزوال إحدى علتيه شبه الفعل, فعاد إلى الأصل في الاسمية. وكان تنوينه تنوين تمكين. ويلي ذلك تنوين التنكير في المبنيات المعارف إذا نكرت مثل سيبويه

وسيبويه آخر, وعمرويه وعمرويه آخر, وخالويه وخالويه آخر. كل هذه أسماء وأصوات بنيت بناء الاسم مع الصوت, وحركت لالتقاء الساكنين, وكسرت على أصل التقاء الساكنين. فإذا نونت تنوين التنكير فالاسم مبني على حالة لا معرب كصه ومه, وقد ذكر [ذلك]. ويلي ذلك تنوين العوض في مثل يومئذ وساعنئذٍ [وحينئذ]. وإنما سمي [25] هذا التنوين عوضًا لأنه عوض من جملة كان الظرف مضافًا إليها/, الذي هو «إذ» , لأنه قد تقدم أن «إذ» تضاف إلى الجملة فحذفت تلك الجملة وعوض منها التنوين اختصارًا, فلذلك سمي التنوين عوض, كقوله سبحانه: (إذا زلزلت الأرض زلزالها. وأخرجت الأرض أثقالها. وقال الإنسان ما لها. يومئذ تحدث أخبارها). فالأصل «يوم إذ تزلزل الأرض [زلزالها] , وتخرج [الأرض] أثقالها, ويقول الإنسان ما لها» , حذفت هذه الجمل الثلاث, وناب منابها التنوين. فاجمع ساكنان, الذال من «إذ» والتنوين, فكسرت الذال لالتقاء الساكنين. وهذا من الاختصار العجيب فاعرفه وقس عليه. ويلي ذلك تنوين الترنم. وهذا النوع يستعمل في الشعر والقوافي لمد الصوت عند الحداء. فيدخل على الاسم وإن كان فيه ألف ولام كـ «الذرفا» , وعلى الفعل كقوله, «أنهجاً» , وعلى المضمر, كقوله: «أو عساكًا» , لأنه ليس

خواص الاسم

بشيء من التنوين المتقدم, وإنما دخل لمعنى الترنم وتحسين الصوت, فهو مما يختص بشيء دون شيء. ويلي ذلك تنوين المقابلة, وهو يكون في جمع المؤنث السالم, إذا سمي به, [من] نحو امرأة سميتها بـ «مسلمات» , ففيها التعريف والتأنيث, فكان يجب ألا تنون لاجتماع علتين. ولكن التنوين بإزاء النون التي تكون في المذكرين, من [نحو] قولك: المسلمون [والصالحون] فسمي هذا التنوين تنوين مقابلة فخرج عن الأقسام المتقدمة. يدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى (فإذا أفضتم من عرفات) , فعرفات معرفة مؤنث وقد دخله التنوين مع اجتماع علتين, فليس لذلك علة غير ما ذكر من الحكاية والمقابلة. فاعرف ذلك وقس عليه [تصب] إن شاء الله [تعالى]. وبالله التوفيق. وأما قولنا: «وجملة الأمر أن خواض الأسماء كلها لا تخلو من أربعة أقسام. إما من أوله, مثل حروف الجر, وحروف النداء, ولام التعريف. وإما من آخره, مثل: تنوين التمكين والتنكير, والتثنية والجمع المنقلبين, وتاء التأنيث المنقلبة في الوقف هاء, وألفي التأنيث المقصورة والممدودة, وياءي النسب. وإما من جملته, مثل التصغير والتكسير والإضمار. وإما من معناه, مثل كونه مخبرًا عنه [وبه] , وفاعلًا, ومفعولًا, ومعرفًا, ومنكرًا, ومنعوتًا».

فإن هذه جملة مختصرة أيضًا في خواص الأسماء, حاصرة لجميعها إذ كانت مقاديرها وأحوالها لا تخلو من أربعة أقسام. وإنما كنت مختصة بالأسماء دون غيرها لأن لكل واحد منها معنى لا يصح إلا في الاسم. فحروف الجر معناها إيصال معاني الأفعال إلى الأسماء, مثل: بزيدٍ مررت وعلى زيدٍ نزلت. فـ «على» أوصلت معنى النزول إلى زيد ونحوه. وحروف النداء معناها التصويت بالمنادى. فإن كان المنادى مفردًا علمًا كان مضمومًا, مثل: يا زيد. وإن كان مضافًا كان منصوبًا مثل: يا عبد الله. وإن كان نكرة نظر. فإن كان مقصودًا مفردًا ضم, مثل: يا رجل, وإن كان غير مقصود نصب مثل: يا رجلًا. ولام التعريف [معناها] تعريف عهد أو تعريف جنس أو تعريف حضور. وكل ذلك من أوائل الأسماء لأن معناها يقتضي ذلك. ومعنى التنوين قد ذكر. ومعنى التثنية ضم شيء إلى [شيء] مثله, كقولك: الزيدان والزيدين. ومعنى الجمع ضم شيء إلى أكثر منه, كقولك: الزيدون والزيدين. ومعنى تاء التأنيث المبدلة في الوقف هاء الفرق بين المذكر والمؤنث في الأسماء نحو قائمة وقاعدة وامرأة وغرفة وقمحة وفرازنة ونحوه. وليست كذلك في الفعل لأنها تكون تاء في الوصل والوقف, مثل: قامت عند, وهند قامت.

ومعنى ألفي التأنيث المقصورة والممدودة كمعنى [تاء] التأنيث, إلا أن هاتين العلامتين ألزم للمؤنث, مثل: سكرى وغضبى ونحوه من المقصور, وحمراء وصفراء ونحوه من الممدود, فرقًا بين المذكر والمؤنث [من] نحو أحمر وسكران. ومعنى ياء النصب الإضافة إلى أب, أو بلد, أو قبيلة, أو غير ذلك مما يخرج الاسم إلى معنى الصفة. مثل: كوفي ومصري وحسني وحسيني وقيسي وطلحي. فجميع هذه العلامات من آخر الاسم. ومعنى التصغير تحقير كبير, أو تقليل كثير, أو تقريب بعيد, مثل: السقف فويقنا. وحميد, ورجيل. وهذا تصغير الثلاثي. والرباعي [تصغيره] مثل: دريهم [بوزن] فعيلل. وفعيليل للخماسي مثل: دنينير. والتكسير هو جمع الكلمة مختلفة النظام. لأن جمع التكسير هو ما تغير في جماعته نظم الواحد, مثل: زيود, في تكسير زيد, وأزر, في تكسير إزار, وأسد في تكسير أسد. والإضمار هو الكناية عن الأسماء وقد تقدم ذكرها [وتفسيرها] وأمثلتها

في النيف والستين مثالًا. والغرض بها الاختصار. وكل هذه من جملة [خواص] الاسم. [26] / وكونه مخبرًا عنه مثل قولك: زيدٌ قائمٌ, لأنه إنما يخبر عن الأسماء. وكونه فاعلًا مثل: نفعني زيد. وكونه مفعولًا مثل: نفعني زيدًا. وكونه معرفًا بالألف واللام, مثل: الرجل [والغلام] وبقية التعريفات الخمسة. وكونه منكرًا, مثل: أحد وعريب, وكتيع ورجل وفرس, ونحوه. وكونه منعوتًا, مثل: رجل ظريف وكاتب, وشبهه. وكل هذه علامات معنوية. وقد ظهر لك أن معنى كل واحد منها لا يصح إلا في الاسم. فقد انقضى الفصل الأول من المقدمة, وهو فصل الاسم.

الفصل الثاني: فصل الفعل

الفصل الثاني: وهو فصل الفعل وأما قولنا: «الفعل ما دل على حدث وزمان محصل, مثل فعل ويفعل وسيفل. وإنما لقب هذا النوع فعلًا لأنه لفظ توزن به جميع الأفعال, ويعبر عنها به, قال الله سبحانه: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون)». فإن هذا حد الفعل المتصرف, لا يخرج فعل من الأفعال عنه. لأن الأفعال إنما دخلت الكلام لتدل على الزمان والحدث دلالة إفادة, وهي بخلاف الأسماء التي تدل دلالة إشارة. ودلالة الأسماء دلالة واحدة, وهي ذات المسمى. ودلالة الأفعال دلالتان, دلالة الزمان ودلالة الحدث. فدلالة الزمان من نفس الصيغة, ودلالة الحدث من نفس اللفظ. وإنما لقب فعلًا ليفرق بينه وبين المصدر الذي هو الحدث, وهو اسم الفعل. لأن المصدر يأتي على أوزان كثيرة مقيس وغير مقيس. والأفعال تأتي على أوزان محصورة مقيسة, قد جملت في فصل الفعل. وكلها يجمعها لفظ «فعل» , لأن «فعل» فعل ثلاثي. [والثلاثي] هو أصل الرباعي وما زاد. ولذلك قلت لك إنه لفظ توزن به جميع الأفعال ويعبر به عنها, كما قال سبحانه: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) , أي وهم يسألون عما يفعلون. فقد دخل

قسمته

تحت «يفعل» و «يفعلون» كل فعل يدل على حدث من سائر الأحداث كلها على اختلاف أنواعها. وأما قولنا: «وقسمة الأفعال ثلاثة: ماضٍ, ومستقبل ولا ماض ولا مستقبل, وهو الحال». فإن الدليل على كونها ثلاثة السماع والقياس. فالسماع قوله تعالى: (له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك). والقياس أنا وجدنا في كلامهم حرفًا لنفي المستقبل مثل «لا» و «لن» , وحرفًا لنفي الماضي مثل «لما» و «لم» , وحرفًا لنفي الحال مثل «ما». فدل على أن الأفعال ثلاثة, كما أن الحروف الدالة على ذلك ثلاثة. فهذا يرد قول من قال إن الأفعال قسمان: ماض ومستقبل, لاعتقاده أن فعل الحال لا يثبت. وليس عدم ثباته مما يوجب رفعه بالجملة, لأنه هو الأصل الذي نشأ عنه الماضي, وتبقى عنه المستقبل فكيف يكون الأصل مطرحًا. وأما قولنا: «أما الماضي فهو ما كان مبنيًا على الفتح من غير عارض عرض له. وجملته عشرون مثالًا, مثل: كتب, وعلم وظرف. ومثل: قرطس وأعلم وعلم, وناظر. ومثل: تقرطس, وتعلم, وتناظر. ومثل: انطلق واقتدر واحمر, واحمار, واستخرج, واغدودن, واجلوذ, واسحنكك واحرنبي, واحرنجم. والعشرون هو [فعل] ما لم يسم فاعله في جميع ذلك, يضم أوله ويكسر ما قبل آخره, سوى المضاعف لامه والمعتل العين».

فإن هذه جملة مختصرة في أوزان الأفعال. والذي مثل بها كلها ماض, لأن الماضي ما كان مبنيًا على الفتح, وكلها مبنية على الفتح من غير عارض عرض لها. وإنما بنيت في الأصل لاستحقاقها البناء. لأن الأفعال تدل على المعاني المختلفة بصيغ مختلفة, فأغنى اختلاف صيغها عن إعرابها. وبنيت على حركة لمضارعتها [الفعل] المستقبل من حيث كانت [تقع] خبرًا, وصفة, [وصلة] , وحالًا, وشرطًا وجزاء, كما تقع الأفعال المستقبلة. مثل: [قولك]: زيد كتب, وهذا رجل كتب, وهذا الذي كتب, وهذا زيد كتب, وإن كتب كتبت. كما تقول: زيد يكتب, وهذا رجل يكتب, وهذا الذي يكتب, وهذا زيد يكتب, وإن يكتب أكتب. وأعطي الفتحة في جميع هذه الأوزان كلها للخفة. وجميع هذه الأوزان لا تخلو من أن تكون ثلاثية, أو رباعية بزيادة, أو غير زيادة, أو خماسية بزيادة, أو سداسية بزيادة. ولا زيادة لهم على ذلك, لأنه ليس لهم فعل سباعي.

فالثلاثي هو الأصل, وله ثلاثة أوزان. ولذلك بديء بها. وهي: كتب بوزن فعل. وعلم بوزن فعل. وظرف بوزن فعل. والرباعية هي الثانية, ولذلك ثني بها. فالأصل منها قرطس, حروفها كلها أصول كدحرج وسرهف, بوزن فعلل. وأعلم وعلم وناظر رباعية كلها بزيادة. فأعلم بوزن أفعل وعلم بوزن فعل, إحدى العينين زائدة. وناظر بوزن فاعل, الألف زائدة. [27] والخماسي بزيادة واحدة [مثل] تقرطس بوزن تفعلل. وتعلم بوزن تفعل. وتناظر [بزيادتين] بوزن تفاعل. وهذه خماسية بزيادة وزيادتين ليس إحداهما ألف وصل. وانطلق واقتدر واحمر خماسية بزيادتين احداهما ألف وصل. فانطلق بوزن انفعل, واقتدر بوزن افتعل, واحمر بوزن افعل. واحمار سداسي بثلاث زوائد بوزن افعال. واستخرج سداسي بثلاث زوائد بوزن استفعل. والباقي سداسية بزوائدها فاغدودن بوزن افعوعل. واجلوذ بوزن افعول. واسحنكك بوزن افعنلل, ملحق باحرنجم, واحرنبى بوزن افعنلى ملحق به أيضًا. والعشرون هو جميع هذه الأفعال إذا بنيت لما لم يسم فاعله, ضم أولها

أحكام آخر الفعل الماضي

وكسر ما قبل آخرها. مثل: كتب, وقرطس به, وتقرطس به, ومثل انطلق به, ومثل استخرج به. وكذلك الباقي. ومعنى قولنا «سوى المضاعف لامه والمعتل العين» أن المضاعف لا يكسر ما قبل آخره في هذه الأمثلة المجردة من الضمير المتصل بها. مثل: «قد شد زيد» , أصله «شدد» ولكن الكسرة ذهبت لأجل الإدغام. وكذلك «قد احمر به» , أصله «احمرر» , فزالت الكسرة لأجل الإدغام, والمعتل العين لا تظهر فيه الكسرة أيضًا مثل: بيع المتاع, أصله «بيع المتاع» , فنقلت الكسرة من العين إلى الفاء [للثقل] بعد حذف الضمة من النباء. فهذا معنى قولنا: «سوى المضاعف لامه والمعتل العين». [قال الشيخ رحمه الله]: وأما قولنا: «وجميع ذلك آخره مفتوح لا يجوز تسكينه في حال الوصل إلا مع ضمير المتكلم والمخاطب ونون جماعة النساء. ولا يجوز ضمه إلا مع واو الجمع, سوى المعتل بالألف. ولا يجوز كسره بحال, إلا إذا تصلت به تاء التأنيث ولقيها ساكن, فإن تلك التاء تكسر. ولا يجوز أن تدخله نون بحال, من نحو: ضربونه». فإن هذه جملة مختصرة في أحكام أواخر الفعل الماضي. فآخره أبدًا مفتوح للعلة التي ذكرنا وهي الخفة. وإنما يكون مفتوحًا إذا كان صحيحًا. فإن كان معتلًا بالألف كان ساكنًا, مثل: دعا وغزا ورمى وجرى. وجميع هذه الأوزان لا تتحرك, لأن الألف لا تتحرك, لأنها لو حركت لعادت إلى أصلها, ولو

عادت إلى أصلها لثقلت, فلذلك قلبت ألفًا وبقيت ساكنة. وما عدا ذلك من الصحيح والمعتل بالياء فلا يكون إلا مفتوحًا, مثل: عمي وشجي وكتب وعلم, للعلة المذكورة. فإن اتصل بجميع ذلك تاء المتكلم وأخواته, وضمير المخاطب وأخواته, ونون جماعة النساء, لم يكن إلا مسكن الآخر, صحيحًا كان أو معتلًا. مثال الصحيح: كتبت وعلمت, ومثال المعتل: دعوت وسعيت وقضيت. وقد مضت العلة في وجوب السكون فيما تقدم - لما سألت ذكرها - وهي لئلا يجمع بين أربع متحركات لوازم. إذ كان الضمير لازمًا وحركته لازمة فخفف بتسكين ما قبله. فإن لم يكن شيء من هذه الضمائر كان مفتوحًا, ولا يجوز ضمه إلا مع واو الجمع مثل: كتبوا وعلموا, لأن الواو تطالب أن يكون ما قبلها من جنسها فلذلك انضم. فإذا زالت الواو وعدت إلى الواحد عادت الفتحة. [قال الشيخ رحمه الله] ومعنى قولنا: «سوى المعتل بالألف» أن المعتل بالألف لا يضم ما قبل الواو فيه بل يكون ما قبلها مفتوحًا, مثل: دعوا ورموا, بقيت الفتحة لتدل على الألف المحذوفة, فوزنه في اللفظ «فعوا» , وهو في الأصل «فعلوا» مثل دعووا, ولكنه أصل لا يستعمل للثقل.

ولا يجوز كسر الفعل الماضي بحال. فإن دخلت عليه ياء المتكلم - التي من شأنها أن يكون ما قبلها مكسورًا - ألحقت نون الوقاية ليسلم الفعل من الكسر, فرقًا بينه وبين الاسم, فقلت: كتبني وعلمني, وكذلك الباقي. وإن اتصل بالفعل الماضي تاء التأنيث وبعدها همزة وصل, فإنك تكسرها لالتقاء الساكنين, فتقول: كتبت المرأة. فهذه كسرة عارضة لا يعتد بها, ولذلك لا يعتد بها القاريء في إشمام ولا روم في مثل: (قالت امرأة العزيز) (ولقد استهزيء) لا على من كسر ولا على من ضم, لأن الحركتين عارضتان. فالكسرة لالتقاء الساكنين, والضمة للإتباع في (ولقد استهزيء) , اتبعت [الدال] ضمة التاء من (استهزيء). وعلى هذا (قل ادعوا) , و (قل انظروا). ولا يجوز أن تدخله نون بحال من نحو: ضربونه. لأن النون إنما هي في الأفعال المستقبلة المعربة عوض من الضمة التي كانت في الواحد. والماضي لا معرب ولا مرفوع, فدخول النون فيه من أقبح اللحن وأسقطه. كما أن كسر الفعل الماضي في قولهم: «من كلمك يا هند» و «خاطبك» من أقبح اللحن أيضًا, لأن الفعل الماضي مبني على الفتح. وكما أن ضم الفعل الماضي في قول العامة «من ضربه» و «من كلمه» من أقبح اللحن [أيضا] للعلة

المستقبل والحال

[28 [المذكورة. وكما أن / التسكين في الوصل من أقبح اللحن أيضًا في نحو «من ضرب زيدًا» , لأن الفعل الماضي مبني على الفتح لا يجوز تسكينه في [حال] الوصل. وإنما يسكن إذا عرض ما ذكرناه, أو عرض الوقف, وما عداه فلحن. فاعرف ذلك فإنه أصل عظيم, والعامة يتهافتون في اللحن فيه. وفقك الله للصواب. *** وأما قولنا: «وأما الفعل المستقبل والحال فهما سواء في اللفظ. وهو ما كان أولهما همزة متكلم, أو نون جماعة أو واحد معظم, أو تاء مخاطب أو مؤنث, أو ياء غائب مثل: أنا أفعل, نحن نفعل, أنت تفعل, هى تفعل, هو يفعل. وهذه حروف المضارعة. وحرف المضارعة من كل فعل ثلاثي, أو خماسي بالزيادة, أو سداسي بالزيادة, مفتوح أبدًا, ومن كل فعل رباعي مضموم أبدًا, إلا إذا بني جميع ذلك لما لم يسم فاعله فكله يضم. وحرف الإعراب منه مرفوع أبدا ما لم يكن معه ناصب ولا جازم ولا نون تأكيد ولا نون جماعة نساء, وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى».

فإن هذه جملة مختصرة خاصة في معرفة إعراب الفعل المستقبل, وأحكامه من أوله وآخره. ولا إشكال في كونها على لفظ واحد, لأن الأصل هو فعل الحال. يصلح اللفظ إذا قلت «هو يكتب» , و «يحسب» أن يكون في الحال وأن يكون في ثاني الحال. والحقيقة هي الحال, لأنها [هي] الكائنة أولًا. وهي تدل بمجردها على حقيقتها, ولا تدل على الاستقبال إلا بقرينة من السين أو سوف. وهذان الفعلان لا يخلوان من أن يكون في أولهما أحد الأربعة الأشياء المذكورة, الهمزة والنون والتاء والياء, على ما فصل. وبهذه الحروف صار هذا الفعل مضارعًا للاسم, لأنه صلح لمعنيين, وسيأتي بيانه [إن شاء الله تعالى]. ولما كانت حروف المضارعة تكون مفتوحة في موضع, ومضمومة في موضع, والخطأ فيهما كثير, وجب ذكر الأصل. فكل فعل ثلاثي مثل: كتب وعلم وظرف, ونحوه, فحرف المضارعة من مستقبله مفتوح, همزة كان أو نونًا أو تاء أو ياء. مثل: أكتب ونكتب وتكتب ويكتب. وكذلك الحكم من كل [فعل] خماسي, مثل: يتقرطس, ويتناظر ونحوه.

وكذلك من كل ما زاد على الخمسة, مثل: يستخرج. ولا يضم حرف المضارعة إلا في الرباعي كيفما اختلفت أوزانه من نحو: يقرطس, ويعلم, ويناظر. لا يختلف الباب في شيء من ذلك بوجه, إلا أن يبنى الجميع لما لم يسم فاعله فإنه يكون في حرف المضارعة ضمة ما لم يسم فاعله, مثل: يكتب ويستخرج ونحوه. وحرف الإعراب من الفعل المضارع أبدًا مرفوع ارتفاعًا مطردًا, إلا أن يكون معه ناصب فينتصب لا غير, أو جازم فيجزم لا غير. مثال ذلك: هو يكتب, ولن يكتب, ولم يكتب. فتسكين المرفوع إذا لم يكن معه ما يوجب السكون لحن, مثل: هو يضربه ويكلمه. وكذلك كسره لا يجوز بحال كما تقول العامة, من نحو: هو يضربك يا هند ويخاطبك. وكذلك لا يجوز حذف النون التي هي علامة الرفع إذا لم يكن [معه] ناصب ولا جازم. لا يجوز: هم يضربوه, ويأخذوه, ولا: هم يضربوا, ولا: هم يأكلوا, ويشربوا. كله لحن لأنه لا عامل معه تسقط لأجله النون. فإذا جاء العامل جاز, مثل: لن يضربوه, ولم يضربوه. وهو مع «لن» منصوب, ومع «لم» مجزوم. والفعل المستقبل معرب أبدًا لما ذكرناه في الرفع والنصب والجزم. إلا أن يكون معه نون تأكيد, أو نون جماعة نساء, فإنه يكون مبنيًا مع نون التأكيد على الفتح للمذكر, مثل: هل تذهبن يا زيد. وعلى الكسر مع المؤنث,

الأفعال تتصرف على خمسة أوجه ما عدا خمسة أفعال

مثل: هل تذهبن يا هند. وعلى الضم مع جماعة المذكرين, مثل: هل تضربن يا رجال. وعلى السكون مع نون جماعة النساء, مثل: هل تضربنان يا نساء. وكذلك هو مبني مع هذه النون وإن لم تدخل نون التأكيد مثل: هن يضربن, ولن يضربن, ولم يضربن. أفلا ترى العامل كيف اختلف على هذا ولم يتغير لأنه مبني. وعلى هذا قوله سبحانه, (إلا أن يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح). فالنون في «يعفون» نون جماعة النساء, وهي فاعلة فلذلك لم تحذف وإن كان معها «أن» الناصبة. ولو عدمت النون لنصبت كما نصبت في قوله: (أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح). *** وأما قولنا: «والأفعال كلها تتصرف على خمسة أوجه إلا خمسة أفعال فإنها لا تتصرف. والتصرف يكون بالماضي, والحاضر, والمستقبل, والأمر والنهي, مثل: حضر يحضر سيحضر احضر لا تحضر. إلا إنه يحدث في الأمر ألف وصل أو قطع - إذا كان ما بعد حرف المضارعة ساكنًا - في الغالب, فتأتي بالهمزة توصلًا إلى النطق بالساكن / وهي أبدًا من كل فعل رباعي قطع [29] تثبت في اللفظ وفي الخط وتكون مفتوحة أبدًا. ومن كل فعل ثلاثي أو خماسي أو سداسي وصل تسقط - إذا وصلت - من اللفظ دون الخط. وتكون مكسورة إذا كان ما قبل الآخر مكسورًا أو مفتوحًا, مثل: اضرب اعلم. وتكون مضمومة إذا كان ما قبل الآخر مضمومًا [ضمًا لازمًا] مثل قولك: اقتل اخرج. وفعل الأمر الصحيح اللام مبني آخره على الوقف أبدًا مثل: احضر, ما لم يكن

معه نون تأكيد شديدة أو خفيفة فإنه يكون مفتوحًا مع المذكر مثل: احضرن يا زيد, ومكسورًا مع المؤنث مثل: احضرن يا هند, ومضمومًا مع جماعة الرجال مثل: احضرن يا رجال, ومفتوحًا مع فعل الاثنين لهما مثل: احضران يا زيدان ويا هندان, ومسكنًا مع جماعة النساء, وتدخل بين النونات [الثلاث] ألف الفصل مثل: احضرنان يا نساء. وكل موضع دخلت فيه النون الشديدة تدخل فيه [النون] الخفيفة أيضًا, إلا مع فعل الاثنين وفعل جماعة النساء, فإن الخفيفة لا تدخلها بحال. وكل حكم لزم الشديدة فإنه يلزم الخفيفة, إلا في حال الوقف. فإن الخفيفة تبدل ألفًا إذا كان ما قبلها مفتوحًا, وإذا لقيها ساكن فإنها تحذف. وهذا أصل مستمر في كل فعل أمر أو نهي أو استفهام أو قسم». فإن هذه جملة مختصرة في أحكام أواخر الفعل المضارع وما تصرف منه, لا يستغنى عنها لكثرة دورها, واختلاف اللفظ بها, ووقوع الغلط واللبس فيها. وقد انشرح بعضها في غضون بعض ما تقدم, وبقيت مواضع متفرقة تحتاج إلى علمها. فالعلة في تصريف الأفعال على خمسة أوجه إرادة الدلالة على المعااني المقصودة, لأن الأفعال أمثلة أتي بها للدلالة على الأزمنة المختلفة. ولولا ذلك لأغنت المصادر عنها, لأن المصادر تدل على الحدث. ولكن إرادة الدلالة على

الزمان الماضي, والزمان الحاضر, والزمان المستقبل, والأمر, والنهي, أوجب تصرف الأفعال هذا التصرف. وكل واحد من هذه الخمسة فإنه مع ضمير الغائب والمخاطب لا يخلو من خمس مسائل, كيف يستعمل مع المذكر, ومع المؤنث, ومع الاثنين منهما, ومع جماعة المذكر, ومع جماعة المؤنث. مثل: حضر, وحضرت, وحضرا, وحضروا, وحضرن. ويحضر, وتحضر, ويحضران, وتحضران, ويحضرون, ويحضرن. واحضر, واحضري, واحضرا, واحضروا, واحضرن, ولا تحضر, ولا تحضري, ولا تحضرا, ولا تحضروا, ولا تحضرن. لا يخلو فعل من جميع [هذه] الأفعال المتصرفة من استعماله على هذه الوجوه المختلفة. وقد تقدم في أول المقدمة في فصل المضمرات من حد «نفعت» وأخواتها و «نفعني» وأخواتها ما فيه مع هذا بيان كاف. وجميع هذا كله إنما يكون في الفعل المتصرف. وكل الأفعال متصرفة, إلا ما أخرج عن بابه وألزم طريقة واحدة, فإنه منع التصرف, وذلك فعل التعجب, ومثاله: ما أحسن زيدًا. ونعم, وبئس, ومثالهما: نعم

الرجل زيد, وبئس الرجل زيد. وعسى, ومثالها: عسى زيد أن يفعل وليس, ومثالها: ليس زيد فاعلًا. فإن هذه [الأفعال] لا يستعمل لها مضارع ولا أمر ولا نهي ولا شيء مما ذكر من التصرف في الفعلية. والعلة في ذلك أنها جعلت أنفس المعاني ودالة عليها فسلبت التصرف إيذانًا بالمعاني المختصة بها. وستراها في فصولها من هذه المقدمة إن شاء الله. والعلة في حدوث ألف الوصل والقطع في الأمر من جميع ما ذكرنا, أن ما بعد حرف المضارعة ساكن في الغالب, وإذا كان ساكنًا - وقد حذفت حروف المضارعة - وجب أن يدخل شيء يوصل به إلى النطق بالساكن, لأنه لا يمكن الابتداء بساكن, فاجتلبت له الهمزة الساكنة لأن الحركة لا يقدم عليها إلا بدليل. ولما اجتلبت ساكنةً حركت لالتقاء الساكنين. ولما حركت لالتقاء الساكنين كسرت تارة وضمت أخرى. فكسرت إذا كان الثالث مكسورًا أو مفتوحًا, لأن الفتح أخو الكسر. وضمت إذا كان الثالث مضمومًا ضمًا لازمًا, للاتباع. وإنما قلنا «ضمًا لازمًا» احترازًا من الضم العارض فإنه لا يراعى بل يكسر, مثل قولك في الأمر من المشي: امشوا, ومن الجري: اجروا, فقد كسرت والثالث مضموم لأن الضمة عارضة على الشين, وأصلها امشيوا, بكسر الشين. وإنما حذفت ضمة الياء للاستثقال فبقيت [الياء] ساكنة, والتقى ساكنان - الياء والواو - فحذفت الياء لالتقاء الساكنين, وضم ما قبل الواو لتصح الواو. وهي عارضة وليست بأصل في العين. ومن هاهنا

/ لم يختلفوا في كسرة النون من قوله تعالى (أن امشوا واصبروا) , كما [30] اختلفوا في قوله: (أن اقتلوا أنفسكم) بكسر النون وضمها, لكونها عارضة في «امشوا» وغير عارضة في «اقتلوا». ومعنى قولنا: «في الغالب» احترازًا من ثلاثة أفعال, وهي: يأخذ ويأكل ويأمر, إذا أمرت منها. فإن هذه كان قياسها أن يؤتى بألف الوصل فيها كما أتى بها في غيرها, وأن يقال: «أؤكل» , «أؤخذ» , «أؤمر». ولكن ترك ذلك لاجتماع همزتين في الأصل, فحذفت الهمزة التي كانت فاء ساكنة. ولما حذفت لم يحتج إلى ألف الوصل, لأن الذي بعد الهمزة المحذوفة متحرك فأتي به من غير همزة وصل معه, فقيل: «خذ» , «كل» , «مر». قال تعالى: (خذوا ما آتيناكم بقوة) , وقال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) , وقال [تعالى] (كلوا مما في الأرض حلالًا طيبًا). فأما «مر» فإن الذي جاء في التنزيل: (وأمر أهلك بالصلاة) , فإن واو العطف أغنت عن همزة الوصل فلم تحذف الفاء, ولو جاء على حد «خذ» و «كل» لجاز. فإن قيل: فأين تسقط همزة الوصل أبدًا ولا يكون لها حكم في الثبات؟ . قيل: تسقط أبدًا في الوصل لأن الوصل يغني عنها ويوصل إلى الساكن

نونا التوكيد

الذي لأجله جيء بها. فلذلك إذا تقدمتها همزة الاستفهام انحذفت, مضمومة كانت أو مكسورة, في اسم كانت أو في فعل. مثال الاسم: أبنك أحب إليك أم أبوك, أسمك زيد أم عمرو, ولا يجوز المد في هذا, لأن همزة الاستفهام قد أزال فتحها اللبس بين الاستفهام والخبر, فإذا كانت خبرًا كانت همزة الوصل مكسورة في حال الابتداء, وهو قول: اسمك فلان. فإن كانت همزة الوصل مفتوحة, وهي التي تكون مع الألف واللام من نحو: الرجل والغلام, فإن هذه إذا دخلت معها ألف الاستفهام مددت ولم تحذفها فقلت: ءآلرجل عندك, لأنك لو حذفتها لالتبس الخبر بالاستخبار. قال الله سبحانه: (ءآلله أذن لكم) , (ءآلذكرين حرم أم الأنثيين). فقس على ذلك [موفقًا إن شاء الله تعالى]. قال الشيخ رحمه الله: ومعنى قولنا «وكل حكم لزم الشديدة فإنه يلزم الخفيفة, إلا في حال الوقف فإنها تبدل ألفًا إذا كان ما قبلها مفتوحًا, فإذا لقيها ساكن فإنها تحذف» أن الحكم في الشديدة والخفيفة حكم واحد. وهو أن الفعل المضارع معهما مبني على ما ذكر, من الفتح مع المذكر, والكسر

مع المؤنث, والضم مع جماعة الرجال, لا يختلف حكمهما في شيء من ذلك. وإنما يختلفان في أشياء أخر غير ذلك. منها أن التأكيد بالشديدة آكد من التأكيد بالخفيفة. فالتأكيد بالنون الشديدة بمنزلة التأكيد باسمين في قولك: قام القوم كلهم أجمعون. والتأكيد بالنون الخفيفة بمنزلة التأكيد باسم واحد من قولك: قام القوم كلهم. ومنها أن تأكيد الخفيفة لا يقع في تثنية ولا مع نون جماعة النساء, لئلا يجمع بين ساكنين. لأن ألف التثنية ساكنة والنون ساكنة, وكذلك [ألف الفصل بعد] نون جماعة النساء ساكنة, ولا يجوز كسرها لالتقاء الساكنين, لأن نون التأكيد الخفيفة لا تحرك بحال خلافًا للتنوين الذي في الأسماء. وهذا أحد الفروق بين النون الخفيفة المؤكدة وبين التنوين في الأسماء. فإما قراءة ابن عامر: (فاستقيما ولا تتبعان) - بتخفيف النون وكسرها - فليست النون نون تأكيد ولا «لا» حرف نهي, وإنما النون نون إعراب وعلامة

رفع و «لا» حرف نفي, والجملة في موضع نصب, وانتصابها على الحال, لأن الواو التي قبلها واو حال, فكأنه قال: فاستقيما وانتما غير متبعين [سبيل الذين لا يعلمون] , أي استقيما في هذه الحال. فموضع هذه الجملة نصب [على الحال]. وإن شئت قدرتها: فاستقيما غير متبعين. فهذا التقدير تقدير المفردات, والأول تقدير الجمل, لأن واو الحال مقدرة بالجمل, وتلك الجمل في موضع نصب على الحال. تقول: جاء فلان وما له عقل, أي [جاء] غير عاقلٍ, أو: جاء لا عاقلًا. ومنها أن نون التأكيد الخفيفة لا تثبت في الوقف كما لا يثبت التنوين في الأسماء في الوقف, وإنما تثبت في الوصل كما يثبت التنوين [في الأسماء] في الوصل, فتقول: اضربن يا زيد, واضربن يا هند, واضربن يا رجال. فإذا وقفت ذهبت النون من جميع ذلك فقلت للمذكر: اضربا, بالألف. والألف بدل من النون الخفيفة مثل التنوين في النصب إذا قلت: اضرب زيدًا. ومع المؤنث: اضربي, تذهب النون وتعود الياء التي كانت للمؤنث, لأنها إنما انحذفت لالتقاء الساكنين. وفي الجماعة: اضربوا, تعود الواو لأن حذفها إنما كان لالتقاء الساكنين. فإن كان الفعل مرفوعًا عادت النون التي كانت للإعراب. [31] وهذا من عجائب الأشياء إعراب يزول وصلًا / ويثبت وقفًا. وذلك قولك [في الوصل]: هل تضربن يا هند, فإذا وقفت قلت: هل تضربين. فهذه النون التي في الوقف هي النون التي كانت في الأصل علامة الإعراب

للرفع. وإنما زالت لأجل نون التأكيد, [فلما زالت نون التأكيد] في في الوقف, وعادت الياء عادت نون الإعراب وسكنتها لأنك لا تقف على متحرك. وكذلك تفعل [أيضًا] مع جماعة المذكر, تقول: هل تضربن يا رجال. وإذا وقفت قلت: هل تضربون. فعادت الواو والنون لما ذكرنا. ومنها أن نون التأكيد الخفيفة إذا لقيها ساكن من كلمة بعدها حذفت, بخلاف التنوين. لأن التنوين يحرك لالتقاء الساكنين. مثل: (قل هو الله أحدن الله الصمد) , وهذه تحذف. تقول: اضرب الرجل. كان أصله اضربن رجلًا, فلما دخلت الألف واللام في «الرجل» التقى ساكنان, فحذفتها لالتقاء الساكنين. بخلاف التنوين, لأن التنوين أمكن وأقوى في الأسماء فثبت وحرك. والنون الخفيفة دون ذلك, فلذلك حذفت ولم تحرك. ولما حذفت بقيت الحركة التي قبلها على ما هي عليه لتدل على المحذوف. وأما اختصاص هاتين النونين بفعل الأمر والنهي والاستفهام والقسم, فلأن الأصل في دخولهما أن يكون على فعل غير واجب, فلا يجوز إدخالهما

خواص الفعل

في الكلام الخبري, لا يجوز «زيد يقومن» , ولا «يقومن». وأكثر استعمالهما فيما ذكرناه من هذه المواضع فلذلك لم يجز أن أن تتعدياها. وأما قولنا: «وجملة خواص الأفعال لا تخلو أيضًا من أربعة أقسام. إما أن تكون من أوله, مثل: قد والسين وسوف. وإما من آخره, مثل اتصال الضمير به على حد فعلا وفعلوا وفعلن. وإما من جملته, مثل كونه أمرًا, أو نهيًا, أو متصرفًا. وإما من معناه, مثل كونه خبرًا ولا يخبر عنه». فإن الغرض بهذا التفصيل حصر خواص الأفعال, كالغرض في حصر خواص الأسماء. فأجملت ها هنا خواص الأفعال, كما أجمل فيما تقدم خواص الأسماء من الجهات الأربع. فالأولية مثل «قد» , ومعناها مع الماضي التوقع والتقريب, مثل: قد قام. ومع المستقبل التقليل, مثل: قد يقوم. و«السين» و «سوف» , ومعناهما التنفيس في الأزمان, إلا أن زمان «سوف» أنفس في الاتساع من [زمان] «السين» , كقولك: سيقوم, وسوف يقوم. ويلحق بالخواص الأولية الجوازم كلها, مثل «لم» و «لما» و «لام الأمر» و «لا» في النهي, و «إن» في المجازاة. ويلحق بها أيضًا «لو» لأنها مختصة بالأفعال.

والآخرية مثل اتصال الضمير به على حد: فعلا وفعلوا وفعلن, مثل: ضربا, وضربوا, وضربن, ويضربان, وتضربون [وتضربين]. ولذلك حكمنا على «ليس» بالفعلية لأنك تقول: ليسا وليسوا ولسن. وكذلك حكمنا على «عسى» بالفعلية, لقولك: عسى [وعسيا] وعسوا وعسين. ويلحق بذلك تاء التأنيث التي تكون [تاء] في الوصل والوقف, مثل ضربت هند, وهند ضربت. ولذلك حكمنا على «نعم» و «بئس» بالفعلية, لأنك تقول: نعمت المرأة [هند] , وبئست المرأة [هند]. ويلحق به بناؤه على الفتح من غير عارض عرض له. ولذلك حكمنا على فعل التعجب من مثل: «ما أحسن زيدًا» بالفعلية, وبغير ذلك. بدخول نون الواقية [فيه] , مثل: ما أحسنني, وما أصنعني. وهذه النون لا تكون إلا في الأفعال خاصة وما شبه بالأفعال, فلذلك كانت من خواص الأفعال. والتي من جملته من الأمر والنهي والتصرف ظاهر. يجمعه التصرف بالماضي والحاضر والمستقبل والأمر والنهي. مثل: فعل, يفعل, سيفعل, افعل, لا تفعل. فهذا تصرف [في] جملة الكلمة, وتلعب بها من جميع جهاتها. ولا يكون ذلك إلا في الأفعال دون غيرها. فأما أسماء الفاعلين من نحون: الآكل والشارب, والمفعولين من نحو: المأكول والمشروب,

وأسماء الحدث من نحو: الأكل والشرب, وأسماء الأفعال من نحو: أكال وشراب ونزال وتراك, وأسماء الزمان والمكان من نحو: المأكل والمشرب, لمكان الأكل والشرب وزمانيهما, فإن جميع ذلك على اختلاف أنواعه أسماء, لصحة علامة الإسمية فيها. فكان الأفعال كلها خمسة, والأسماء المشتقة منها خمسة. والأفعال التي لا تنصرف خمسة مع ما حمل عليها. فاحفظ ذلك فإنك تحيط بمشيئة الله تعالى معه بجميع الأفعال حتى لا يشكل عليك منها شيء, ولا من الأسماء, ولا يكون ما عدا ذلك حروفًا على ما يأتي تعديده في فصل الحروف. والتي في معناه مثل كونه خيرًا ولا يخبر عنه. فالأفعال الخبرية هي التي تحتمل الصدق والكذب من نحو: فلان سافر, وما سفر فلان, وفلان فعل كيت وكيت وما فعل كيت وكيت. فأما الأوامر والنواهي من نحو: افعل, ولا تفعل, فليست بأخبار لأنها ليست محتملة صدقًا ولا كذبًا. وكذلك الاستخبار [32] من نحو [قولك]: أقام فلان أملم يقم؟ . / فاعرف ذلك وقس عليه [تصب] إن شاء الله.

الفصل الثالث: فصل الحرف

الفصل الثالث: فصل الحرف أما قولنا: «الحرف ما أبان عن معنى في غيره, ولم يكن أحد جزأي الجملة, خلافًا للاسم والفعل. من نحو «من» و «إلى» وشبهه». فإن القصد بهذه الزيادة الاحتراز من الذي [والتي] , وسائر الأسماء الموصولات, فإنها أسماء لا تفيد إلا بصلاتها, كالحروف التي لا تفيد معنى إلا في غيرها, لكنها تكون تارة مبتدأ, وتارة خبر ابتداء, وتارة فاعلة [وتارة مفعولة]. وليس لشيء من الحروف مثل ذلك. مثال الفاعل: جاءني الذي عندك, ومثال المبتدأ: الذي عندك جاءني, ومثال الخبر: هو الذي عندك, [ومثال المفعول: رأيت الذي عندك]. وأما قولنا: «وإنما لقب هذا النوع حرفًا لأنه أخذ من حرف الشيء, وهو طرفه. من حيث كان معناه في غيره, فصار كأنه طرف له». فإن هذا كلام بين في تفسير الاشتقاق كتفسير اشتقاق الاسم «لم سمي اسمًا» , واشتقاق الفعل «لم سمي فعلًا».

القسم الأول: الحروف العاملة

وأما قولنا: «وقسمنه ثلاثة: حروف عاملة, وحروف غير عاملة, وحروف تعمل على صفة ولا تعمل على [صفة] أخرى». فإن هذه قسمة الحروف التي تسبب بها إلى حصرها كما تسبب في معرفة قسمة الأفعال والأسماء إلى حصرها. وأما قولنا: «وأما الحروف العاملة فثمانية وثلاثون حرفًا». فإنه نظر إلى جميع الحروف العاملة. ولما كان عملها لا ينفك من أقسام أربعة: نصب الأسماء, وجر الأسماء, ونصب الأفعال, وجزم الأفعال, حصر ذلك بالعد, فإن الحروف العاملة مشكلة جدًا. ونبدأ بالأولى فالأولى منها على الترتيب. فلذلك قلنا: «منها ستة تنصب الاسم وترفع الخبر ما لم يكن معها «ما» , وذلك إن وأنوكأن ولكن ولبيت ولعل, مثل: إن فلانًا فاعل, وإنما فلان فاعل. وكلها تعمل عملًا واحدًا. وكلها إذا دخل عليها ضمير الشأن والقصة ارتفع الاسمان بعدها, مثل: إنه زيد قائم. وكلها إذا دخلت عليه «ما» كفتها. وكل ما جاز أن يكون صلة للذي وأخواتها جاز أن يكون خبرًا لها. وكلها لا يجوز أن تتقدم أخبارها على أسمائها إلى إذا كان الخبر ظرفًا, أو جارًا ومجرورًا. وكلها لا تدخل اللام في خبرها إلا في «إن» وحدها. وكلها لا يعطف على

موضعها بالرفع إلا في «إن» و «أن». فإن جميع هذه الأحكام الثمانية المجملة لا غنى بك عن معرفتها لكثرة دورها وانتشارها. فالعلة أولًا في إعمال هذه الحروف أنها مشبهة للأفعال من جهة لفظها ومعناها. فلفظها بناؤها على الفتح, واتصال الضمير بها. وأنها شابهت الأفعال لاتصال نون الوقاية بها نحو: إنني. ومعناها التأكيد والتشبيه والاستدراك والتمني والترجي. فأعطيت بهذا القدر من الشبه حكمًا من العمل, وهو نصب الاسم ورفع الخبر, فلذلك قلنا: «إن فلانًا فاعل» , بنصب الأول ورفع الثاني. فإن دخلت «ما» كفت [إن] عن العمل لأنها ليست بمستحقة للعمل إلا بحكم الشبه, فإذا دخل عليها مانع نقلها إلى حال الابتداء. فصارت هذه الحروف حينئذ حروف ابتداء, وارتفع ما بعدها بالابتداء والخبر, فقلت: إنما فلان فاعل, و (إنما الله إله واحد).

والعلة في [كونها] كلها تعمل عملًا واحدًا أنها كالأفعال التي يعمل كل جنس منها عملًا واحدًا, فما اقتضى معناه أن يتعدى إلى واحد تعدى إليه, وما اقتضى معناه أن يتعدى إلى اثنين تعدى إليهما, على ما تراه فيما بعد. فلذلك لم يختلف جنس العمل. وجعل المنصوب مقدمًا على المرفوع لأنها شبهت من الأفعال بما تقدم مفعوله على فاعله. والعلة في أنها إذا دخل عليها ضمير الشأن والقصة ارتفع الاسمان بعدها في مثل: إنه زيد قائم, [هو] أن ضمير الشأن والقصة لا يفسر أبدًا إلا بجملة, والجملة محكية مؤداة على ما هي عليه, فصارت في الظاهر كأنها لم تعمل شيئًا, وهي في التقدير عاملة. لأنك إذا قلت: إنه زيد قائم, فالهاء في موضع نصب, وليست براجعة على مذكور [قبلها] , وإنما هي مفسرة بما بعدها, وذلك الذي بعدها هو الجملة المذكورة, تالية [مبينة] لها, فلا تحتاج من هذه الجملة إلى عائد لكونه إياها, إذ الهاء هي قولك «زيد قائم». والعلة في كون أخبارها مقسمة تقسمة الصلة أن الصلة لا توصل إلا بجملة خبرية محتملة الصدق والكذب. والجمل الخبرية لا تنفك من أربعة أقسام: مبتدأ وخبر, ومثاله: إن زيدًا أبوه منطلق. وفعل وفاعل, ومثاله: إن زيدًا انطلق أبوه. وشرط وجزاء, ومثاله: إن زيدًا إن انطلق أبوه انطلق

أخوه. وظرف, ومثاله: إن زيدًا عندك. وهذا الظرف يقدر تارة بالجملة وتارة بالمفرد. والأجود إذا وقع خبرًا أو صفة أو حالًا أن يقدر بالمفرد, لأنه أخصر من الجملة. / وإذا وقع صلة فلا يقدر إلا بالجملة, لأن «الذي» وأخواتها [33] لا تقدر صلاتها إلا بجملة. فاعرف ذلك. والعلة في امتناع تقديم أخبارها على أسمائها في جميع المذكور, سوى الظرف والجار والمجرور, هو أن هذه الحروف إنما عملت بحكم الشبه ولم يبلغ من قوتها أن يكون حكمها حكم «كان وأخواتها» التي هي أفعال. لأنها لما تصرفت في أنفسها تصرفت في أخبارها بالتقديم لها على أسمائها, وعليها في أنفسها. وليس كذلك «إن» وأخواتها, لأنه لا يجوز أن يتقدم شيء بحال عليها في أنفسها. فأما على أسمائها فلا يجوز إلا في الظرف والجار والمجرور. مثال الظرف: إن عندك زيدًا. ومثال الجار والمجرور: إن في الدار زيدًا, و (إن فيها قومًا جبارين). وإنما جاز هذا خاصة في الظرف والجار والمجرور لاتساعهم في الظروف وما نزل منزلتها. ألا تراهم قد فصلوا بالظرف بين المضاف والمضاف إليه في مثل قولهم: * لله در اليوم من لامها *

فـ «من لامها» في موضع جر بالإضافة إلى «در» , وقد فصل بينهما باليوم. فهذه الحروف أولى بأن يفصل بينها وبين أسمائها بالظروف, لأن هذه الظروف وإن تعقلت بالاستقرار المحذوف فإن ذلك المحذوف لا يقدر إلا أخيرًا, فإذا قلت: إن عندك زيدًا, فتقديره: إن عندك زيدًا مستقر. لأن تقديره أولًا قبل الظرف, أو بعد الظرف بينه وبين الاسم, يؤديك إلى تقديم خبر «إن» على اسمها بغير الظرف, وهذا غير جائز. ولذلك قدر أخيرًا. وكذلك يقدر في مثل: (إن فيها قومًا جبارين) , أي: إن فيها قومًا جبارين مقيمون, لأن جبارين من نعت القوم, وهو من تمام الاسم, وليس بحال لأن الحال لا يحسن من النكرة. والعلة في امتناع اللام من الدخول في خبر هذه الحروف سوى «إن» المكسورة [هو أن ما سوى إن المكسورة] مثل: ليت ولعل وكأن ولكن قد غيرن معنى الابتداء. واللام في الأصل هي لام الابتداء فلم يجز دخولها مع هذه الحروف المغيرة المعنى. لا يجوز: ليت زيدًا لقائم, ولا: لعله لقائم, ولا: كأنه لقائم, ونحوه. وإنما يجوز هذا مع «إن» وحدها. وجوازه مع «إن» في ثلاثة مواضع, مع الخبر في مثل: إن زيدًا لقائم, ومع الاسم إذا تأخر بعد الخبر مثل: إن في الدار لزيدًا, ومع الفضلة إذا كانت قبل الخبر مثل: إن زيدًا لطعامك آكل. والذي لا يجوز ثلاثة أيضًا. لا يجوز الجمع بين إن واللام, لا تقول:

إن لزيدًا قائم, ولا: إن لفي الدار زيدًا, ولا: إن زيدًا آكل لطعامك. لأنك في هذه الأخيرة قد أدخلتها على فضلة بعد الخبر. وفي الأولين [قد] جمعت بين حرفين مؤكدين. والعلة في أنه لا يعطف على موضعها بالرفع إلا في إن المكسورة [وحدها] بلا خلاف, و «أن» المفتوحة بخلاف, أن ما عدا «إن وأن» حرف قد غير معنى الابتداء. فقد بطل حكم الحمل على موضع الابتداء. ولا خلاف في الحمل على موضع «إن» المكسورة, لأنها لمجرد التأكيد من غير تعلق بعامل يعمل فيها يغير معناها. وأما «أن» المفتوحة ففيها قولان: أحدهما مذهب الفارسي وأمثاله من المحققين. أنه لا يجوز العطف على موضع «أن» المفتوحة, لأن أن المفتوحة لا تكون مفتوحة إلا بعامل, وذلك العامل لا يخلو من أن يكون رافعًا أو ناصبًا أو جارًا. فالرافع مثل: أعجبني أنك منطلق, أي أعجبني انطلاقك, والناصب مثل: كرهت أنك منطلق, أي كرهت انطلاقك, والجار [مثل]: عجبت من أنك منطلق, أي عجبت من انطلاقك. أفلا ترى أنها في هذه الأحوال الثلاثة قد ارتفع عنها معنى الابتداء, إذ المبتدأ لا يكون فاعلًا, ولا مفعولًا, ولا

مجرورًا بعامل يتعلق بفعل يدخله في جملته ويخرجه عن حد الابتداء وحكمه. ولأجل ذلك اتفق الكل على أنه لا يجوز الابتداء بأن المفتوحة, لأنه لابد لها من عامل لفظي, ولا يعمل فيها الابتداء بحال. وإذا امتنع [من] أن يبتدأ بها لهذه العلة [المذكورة] ولما تقدم ذكره, فقد ظهر أنه قد ارتفع عنها معنى الابتداء. وإذا ارتفع [معنى الابتداء] لم يبق لها موضع ابتداء. [وإذا لم يبق لها موضع ابتداء] فعلى أي شيء يحمل العطف قبل دخولها. ومن جوز الحمل على موضعها تعلق بنفس ظاهرها, وأجراها مجرى «إن» في كونهما حرفين مؤكدين لفظيين. وليس اتفاق اللفظ مما يوجب اتفاق المعنى, لأن في كلامهم أشياء كثيرة متفقة اللفظ مختلفة المعنى, في الأسماء والأفعال والحروف والحركات. مع أنه أيضا ما اتفقا من كل وجه. لأن «إن» محركة همزتها بالكسر بالأصل, و «أن» محركة همزتها بالفتح. وأن «إن» المكسورة [34] عاملة غير معمولة, و «أن» المفتوحة عاملة / ومعمول فيها. وأن «إن» المكسورة مقدرة تقدير الجمل, و «أن» المفتوحة مقدرة تقدير المفرد. ولأن

المواضع التي تقع فيها «إن» ليست المواضع التي تقها فيها «أن». حتى [أنه] إذا اتفق أن يقعا في مسألة واحدة كان المعنى مختلفًا, مثل: خرجت فإذا إنه عبد, وإذا أنه عبد. وإذا ثبت بهذه الوجوه كلها معرفة المخالفة فأي موضع يبقى لها من الابتداء حتى يعطف عليه. لأن أحكامها في جميع وجوهها أحكام المفرد, والمفرد لا مدخل له في المبتدأ. وأحكام المكسورة أحكام الجملة, [لأنك] تسقطها فتبقى جملة تامة. وهذا أوضح من أن يزاد عليه ما لا يحتاج إليه. فأما إيرادهم الآية في قوله عز وجل (أن الله بريء من المشركين ورسوله) فإنه إذا حسن الظن بمن جوزه فإنما هو محمول على الرواية بكسر «إن» ,

وهي تروى عن الحسن البصري, وهارون عن أبي عمرو. وليس هناك داع يدعو إلى الحمل على موضوع «أن» في الآية, لأن في الكلام مندوحة عنه وهو العطف على المضمر في «بريء». لأنه قد سد طول الكلام بالجار والمجرور مسد التأكيد, بقوله «من المشركين» , وطول الكلام يسد كثيرًا مسد التأكيد مثل: (ما أشركنا ولا آباؤنا) فلا إشكال في عطف الآباء على المضمر المرفوع من «أشركنا» , ولا تأكيد هناك ولا فصل ولا شيء أكثر من طول الكلام بقوله «ولا» , مع أن الطول بعد الواو, وإنما المراعى أن يكون الطول قبل حرف العطف, مثل: (فأجمعوا أمركم وشركاؤكم). على من رفع الشركاء,

لأنه يرفعه بالعطف على الواو في «فأجمعوا» , وقد سد «أمركم» المنصوب مسد التأكيد للطول به. وأما أن يكون «الرسول» مرفوعًا بالابتداء, والخبر محذوف, فمنهج مسلوك ونظيره كثير في القرآن. وإنما امتنع أن يكون محمولًا على موضع «أن» لأن «أن» في الآية لا تخلو من أن تكون مبتدأ, أو خبر مبتدأ, أو مفعولة. فكونها مبتدأة لا يجوز أن المفتوحة لا يبتدأ بها [بإجماع]. وكونها خبر مبتدأ, لا تخلو من أن تكون خبر مبتدأ محذوف, أو خبر «أذان». فكونها خبرًا لأذان ممتنع, لأن أذانا نكرة, وأن المفتوحة باسمها وخبرها مقدرة تقدير المعرفة. والتلخيص «أذان براءة الله ورسوله من المشركين». وكونه خبر مبتدأ محذوف دعوى تحتاج إلى [إقامة] دليل, وتكلف تقدير محذوف, فلم يعتد به. فلم يبق إلا أن يكون معمولًا لأذان على تقدير جاز, كأنه قال: «وأذان بأن الله» , وإذا كان معمولًا للجار, فالجار والمجرور في موضع نصب بأذان. وإذا كان في موضع نصب بأذان فقد صار في موضع المفرد الذي هو مفعول به. وإذا صار في موضع المفرد الذي هو مفعول به بطل حكم الابتداء. وإذا بطل حكم الابتداء بطل أن يكون «الرسول» محمولًا على ذلك. وهذا واضح.

الحروف الناصبة للفعل المستقبل

وإنما وسع الكلام في هذه المسألة حسب ما سألت أيها الأخ - وفقك الله - وحكيت من جريانها بحيث جرت ووقع التنازع فيها على الصفة التي انتهت. ولكل اجتهاده. والله الموفق للإجابة [والسلامة] ومجزل الخير لمن تولى في مثله حسن النيابة. وبالله التوفيق. *** وأما قولنا: «ومنها تسعة أحرف تنصب الفعل المستقبل. وهي: «أن» الخفيفة المصدرية إذا كان قبلها فعل طمع واشفاق. و «لن» على كل حال, ومعناها نفي المستقبل. و «إذن» ,ومعناها الجواب والجزاء, إذا لم يعتمد ما بعدها على ما قبلها, ولم يكن معها حرف عطف, ولم يكن الفعل فعل الحال. و «كي» على كل حال, ومعناها الغرض, و «حتى» إذا كانت بمعنى «كي» , أو «إلى أن» و «الفاء» إذا كانت جوابًا لاستفهام, أو أمر, أو نهي, أو جحد, أو عرض, أو تمن, أو تحضيض, أو دعاء. و «الواو» إذا كانت جوابًا بمعنى الجمع. و «أو» إذا كانت بمعنى «إلا أن». «واللام» في الموجب وغيره. كل هذه إذا كانت على هذه الصفة المخصوصة نصبت الفعل المستقبل من نحو: أريد أن تفعل, وليفعل, [ولن يفعل].

فإن هذا فصل مختصر مستوفى الاختصار, مجمل المعاني في الحروف الناصبة للفعل المستقبل [ومعانيها]. والأصل منها «أن» لأنها الدائرة الكثيرة الاستعمال ظاهرة ومقدرة. وهذه التسعة على ثلاثة أقسام. منها أربعة لا تنصب إلا بوجودها ظاهرة. وهي «أن» إذا لم يخلفها حرف, و «لن» و «إذن» و «كي». وخمسة تنصب [بأن] مقدرة وهي ما بعد «حتى» و «الفاء» و «الواو» و «أو» , و «اللام» في النفي. فإن هذه [الحروف] الخمسة لا تنصب بنفسها, وإنما تنصب بإضمار «أن» مقدرة بعدها. لأن كل حرف من هذه الحروف الخمسة - سوى / اللام - تدخل على الأسماء وعلى الأفعال. وليس عملها في الأسماء [35] بأولى من عملها في الأفعال, ولا عملها في الأفعال بأولى من عملها في الأسماء. ولذلك كان حكم النصب لغيرها, وهي «أن» المقدرة بعدها. فإذا قلت: سرت حتى تسير, فتقديره: سرت حتى أن تسير. فتسير منصوب بأن, وأن تسير ي موضع جر بحتى, و «حتى» وما بعدها في موضع نصب بسرت. هذا هو التحقيق. وكذلك الحكم فيما بعد الفاء والواو وأو, أعنى بتقدير «أن». مثال الفاء: أتقوم فأقوم, أي فأن أقوم. فـ «أقوم» منصوب بأن, و «أن أقوم» في تأويل الاسم, وذلك الاسم محمول على تأويل المصدر, مصدر الفعل المتقدم.

وتلخيص الكلام: أيكون قيام منك وقيام مني. فالفاء وإن كانت جوابًا فأصلها العطف. وليس هذا المعنى كمعنى الرفع إذا قلت: أتقوم فأقوم. لأن الأول استفهام محض, والثاني خبر محض. ومثال الواو: لا تقم وأقوم, أي وأن أقوم, أي لا يجتمع قيام منك وقيام مني. وعلى هذا قولهم: لا تأكل السمك وتشرب اللبن, بنصب الباء. لأن النهي يتناول الجمع بينهما, أي لا يكن منك أكل للسمك وشرب للبن معًا. ولو جزمت فقلت: لا تأكل السمك وتشرب اللبن, لكان النهي يتناولهما جميعًا مفردين ومجتمعين. فمتى تناول أحدهما دون الآخر فقد عصى الناهي, وليس كذلك في المسألة الأولى, فمتى تناول أحدهما دون الآخر لم يكن عاصيًا. ولو رفع فقال: لا تأكل السمك وتشرب اللبن, وجعل الواو واو حال, أي: وأنت تشرب اللبن, لكانت الجملة في موضع نصب على الحال. أي لا تأكل السمك شاربًا للبن, أي: لا تأكله على هذه الحال. [وهذا] بمنزلة من مضغ المطعوم وهو يشرب الماء. وهو خلاف المعنيين المتقدمين. فاعرف ذلك, فإنه يكشف [لك] المعاني, ويؤكد في نفسك

عظم قدر هذا العلم, وشدة الحاجة إلى معرفته على التحقيق, لما تحته من المعاني المدفونة. ومثال «أو»: لألزمنك أو تفضيني حقي. أي: أو أن تقضيني حقي, أي ليكونن لزوم مني أو قضاء حق فيرتفع اللزوم. ووجه آخر وهو أن يكون معنى الكلام معنى «إلى أن» فيكون غاية, أي: لألزمنك إلى أن تقضيني حقي. ومثال «اللام» ما أكرمتك لتكرمني, وما أردتك لتريدني. أي لأن تريدني. فالنصب أيضًا بإضمار أن. ولا يجوز إظهارها ولا استعمالها. كما لا يجوز مع الأربعة التي قبلها, لأن الحرف قد ناب في اللفظ عنها واستغني بذكره عن ذكرها. فإن كانت اللام في الموجب جاز أن تأتي بها وألا تأتي بها, فتقول: جئتك لتجيئني, وأردتك لتريدني, وإن شئت: لأن تريدني, أي: أردتك لإرادتك [إياي]. وهي لام الجر, ولام العلة. وأما معاني هذه الحروف فقد أشرت إليها. فمعنى «أن» الخفيفة كمعنى المصدر. وهي تصرف الكلام إلى وجهين وتنقله [نقلين, تنقله] إلى الاستقبال,

وتنقله إلى تأويل الاسم. فإذا قلت: أطمع أن تغفر لي, فتقديره أطمع في الغفران المرجو. ولن تخلو الأفعال الواقعة قبل «أن» من ثلاثة أقسام. إن كانت أفعال طمع وإشفاق كانت الناصبة للفعل [المستقبل]. وإن كانت أفعال علم ويقين كانت المخففة من الثقيلة, فلم تنصب الفعل المستقبل. وإن صح فيها الأمران جاز فيها الوجهان. مثال الأول: أطمع أن تغفر لي, وأرجو أن تهب لي, وأخاف أن تفوتني, وأشفق أن يتغير علي. ومثال الثاني: أعلم أن ستقوم, وأتحقق أن ستفلح, وأرى أن لا يخيب, كل هذه مخففة من المشددة التي تنصب الاسم وترفع الخبر. ومثال الثالث أفعال الحسبان والظن. لأن في الحسبان والظن ضربًا من العلم وضربا من الشك, فيجوز أن يقع بعدها الناصبة للأفعال والناصبة للأسماء, وهي المخففة من المشددة. وعلى ذلك يحمل قوله سبحانه: (وحسبوا ألا تكون فتنة). على القراءتين جميعا,

من نصب جعلها الناصبة [للفعل] , وكتبها متصلة, ومن رفع جعلها المخففة من الثقيلة, وكتبها منفصلة. لأن التقدير: وحسبوا أنه لا تكون فتنة. حذف الاسم, وخففت «أن» , ودخلت «لا» عوضًا مما لحق «أن» , فاجتمعت مع نون «أن» فأدغمت فيها لفظًا وفصلت في الخط تقديرًا. والناصبة للأفعال ليست مخففة من المشددة بل أصلها أن. والمخففة من المشددة التي يرتفع الفعل بعدها أصلها أن, على ما بيناه. ولأن المخففة قسمان آخران. أحدهما أن تكون بمعنى أي, وهي التي بمعنى التفسير, كقوله سبحانه: (وانطلق الملأ منهم أن امشوا) بمعنى أي امشوا, فهذه لا تعمل شيئًا. ومثله: أمرتك أن قم, [بمعنى] أي قم. والقسم الآخر أن تكون زائدة, مثل: (فلما أن جاء البشير) / أي فلما جاء البشير. وهذه [36] أيضًا لا تعمل شيئًا. فهذه أربعة أقسام. وأما «لن» فقسم واحد. وفيها قولان. أحدهما أنها مفردة. والآخر قول الخليل [رحمه الله] أنها مركبة. أصلها «لا أن» فحذفت الألف والهمزة تخفيفًا, فبقيت «لن». والصحيح قول سيبويه أنها مفردة لجواز تقديم معمول فعلها عليها, مثل: زيدًا لن أضرب. فلو كان أصلها «لا أن» لم يجز التقديم

لأن «أن» لا يتقدم عليها ما في صلتها. ومعناها في القولين نفي [الفعل] المستقبل. وأما «إذن» ففيها أيضًا قولان, أحدهما لسيبويه [رحمه الله] أنها مفردة كلن. والآخر للخليل [رحمه الله] أنها مركبة أصلها: «إذ أن» ألقيت حركة الهمزة على الذال وحذفت [الهمزة] فصارت إذن. ومعناها في القولين جميعًا الجواب والجزاء. ولا تعمل في القولين جميعًا إلا بالشرائط المذكورة, وهي ثلاث. أن لا يعتمد ما بعدها على ما قبلها. ومثال الاعتماد قولك: زيد إذن يقوم, ترفعها ها هنا لأن ما بعد إذن خبر لمبتدأ فقد اعتمد عليه. وكذلك: إني إذن أقوم, وإن الزيدين إذن يقومان. والثاني فعل الحال. ومثال فعل

الحال الذي لا تعمل فيه «إذن» أن يحدثك إنسان بحديث فتقول له في الحال: إذن أظنك صادقًا, وإذن أكذبك, لأن فعل الحال يشبه الأسماء, فلا تعمل فيه النواصب والجوازم شيئًا. والثالث العطف, ومثاله أن تقول: زيد يقوم وإذن تقعد, فهذا لك فيه وجهان: النصب لوقوع إذن قبله في أول جملة, والرفع بالعطف على الفعل الأول وإلغاء إذن. فاعرف ذلك, وقس عليه إن شاء الله تعالى. وأما «كي» فقسم واحد. ومعناها الغرض [وهي] عاملة على كل حال مثل: قمت كي تقوما يا زيدان, وكي تقوما يا زيدون. و«حتى» لها في النصب معنيان. أحدهما كمعنى «كي» , وهو إذا كان ما بعدها مسببًا لما قبلها, مثل: قمت حتى تقوم, [أي: كي تقوم] , وصمت حتى يغفر الله لي, أي كي يغفر الله لي. وإذا لم يكن ما بعدها مسببًا لما قبلها كانت بمعنى «إلى أن» , مثل [قولك]: سرت حتى تطلع الشمس, بمعنى إلى أن تطلع الشمس. وليست بمعنى «كي» ها هنا لأن الشمس تطلع

سواء سار سائر أو لم يسر. فهذان معنيان للنصب أبدًا. وللرفع معنيان أحدهما: أن يكون الفعل في تأويل الماضي أو في تأويل فعل الحال. فمثال الذي بمعنى الماضي قولك: سرت حتى أدخلها, بالرفع, أي سرت فدخلتها. فليست حتى ها هنا عاملة وإنما هي حرف من حروف الابتداء وكذلك إذا أردت الحال, كأنك قلت: سرت حتى أنا الآن أدخلها. وعلى هذا يقرءون: (وزلزلوا حتى يقول الرسول) , رفعًا ونصبًا. والفاء إنما تنصب إذا كانت جوابًا لأحد الأشياء الثمانية. الاستفهام. ومثاله أيقوم فأقوم. والأمر, ومثاله: قم فأقوم. والنهي, ومثاله: لا تقم فأقوم. [والجحد, ومثاله: ما قمت فأقوم. والعرض, ومثاله: ألا تقوم

حروف الجر

فأقوم]. والتمني, ومثاله: ليتك تقوم فأقوم. والتحضيض ومثاله: هلا قمت فأقوم. والدعاء, ومثاله: رزقك الله العافية فتصح. فقس على ذلك [تصب] إن شاء الله تعالى. و«الواو» و «أو» و «اللام» في الايجاب والنفي. وقد ذكرت أمثلتها والصفة المخصوصة قد شرحتها. *** وأما قولنا: «ومنها ثمانية عشر حرفًا تجر الاسم وتوصل معنى الفعل إليه, وهي: من, وإلى, وفي, واللام في أحد أقسامها, وكاف التشبيه, ومذ ومنذ بمعنى الزمان الحاضر, وحتى بمعنى إلى, وواو القسم وتاؤه. وحاشا في الاستثناء, وخلا وعدا في أحد الوجهين. كلها تدخل على المعرفة وعلى النكرة سوى رب. وكلها تكون آخر الكلام وأوله إلا رب. وكلها تدخل على الظاهر وعلى المضمر إلا رب, وكاف التشبيه, ومذ ومنذ, وحتى في أحد أقسامها, وواو القسم وتاءه, وواو رب وفاءها. وكل ما وقع منها خبرًا لمبتدأ, أو صفة لموصوف, أو صلة لموصول, أو حالًا لذي حال, فإنه يتعلق

أبدًا بمحذوف. وما عدا ذلك فإن الحرف يتعلق بموجود أو ما هو في حكم الموجود». فإن الأصل في دخول حروف الجر إنما هي لإيصال معاني الأفعال إلى الأسماء. مثل: خرجت من الدار, وجئت إلى السوق. فـ «من» أوصلت معنى الخروج إلى الاسم. و «إلى» أوصلت معنى المجيء إلى السوق. ولـ «من» أربعة معان. ابتداء الغاية مع المكان, مثل: خرجت من الدار. والتبعيض, مثل: أكت من الرغيف, أي بعضه. والتبيين في الصفات مثل: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) أي «اجتنبوا الرجس الذي هو وثن». وزائدة مع النكرة في غير موجب, مثل: ما جاءني من أحدٍ. ومثل قوله سبحانه: (ما لكم من إله غيره). ومعنى «إلى» انتهاء الغاية. ومعنى «في» الوعاء. ومعنى «اللام» الملك والاستحقاق. [37] / ومعنى «الباء» الإلصاق.

ومعنى رب وواوها وفائها التقليل, مثل قول الشاعر: فحور قد لهوت بهن عينٍ ... نواعم في المروط وفي الرياط أي رب حورٍ. ومثل قوله: وبلد عاميةٍ أعماؤه [كأن لون أرضه سماؤه] ونحوه. ومعنى «عن» المجاوزة. ومعنى «على» الاستعلاء. وأقسامها ثلاثة. الاسمية إذا دخلت عليها من مثل: جئت من عليه. والفعلية إذا تصرفت, مثل: (ولعلا بعضهم على

بعض). والحرفية, وهي التي توصل معنى الفعل إلى الاسم, مثل: جلست على الأرض, وعلوت على الدابة, [ونحوها]. ومعنى الكاف التشبيه. ومعنى مذ ومنذ ابتداء الغاية في الزمان. فمتى جر بهما فهما للزمان الحاضر, مثل: ما رأيته مذ الليلة, ومنذر اليوم, أى في هذا الوقت. وإذا ارتفع ما بعدهما كان معناهما للزمان الماضي, وكانتا اسمين. مثل: ما رأيته مذ يومان, ومنذ ليلتان. ومعنى «حتى» الجارة كمعنى إلى, وهو الغاية. لأن لحتى أربعة أقسام. جاره [للأسماء] وهي هذه, ومثالها (سلام هي حتى مطلع الفجر). وناصبة للفعل, وقد مضى تفسيرها على معنيين. وحرف من حروف الابتداء, وهي التي يقع بعدها المبتدأ والخبر, والفعل مرفوعًا. مثل: قام القوم حتى زيد قائم, [وضربت القوم حتى ضربت زيدًا] , ونحوه. وعاطفة, وهي التي يكون

ما بعدها على حد إعراب ما قبلها, مثل: قدم الحاج حتى المشاة. [ورأيت الحاج حتى المشاة] [ومررت بالحاج حتى المشاة]. ومعنى واو القسم كمعنى تاء القسم وباء القسم, من قولك: تالله لأفعلن, ووالله لأفعلن, وبالله لأفعلن. إلا أن التاء تختص باسم الله تعالى وحده, والواو لكل مظهر, والباء لكل مظهر ومضمر. ومعنى حاشا وخلا وعدا كمعنى إلا في الاستثناء. إلا أن حاشا عند سيبويه جارة, وعند المبرد ناصبة لاعتقاده فيها الفعلية. فيقول أبو العباس: كذب الناس حاشا زيدًا, ويقول سيبويه: حاشا زيدٍ, لأنها عنده حرف. وخلا وعدا فيهما وجهان الجر والنصب. إن اعتقدت الفعلية نصبت وقلت: قام القوم خلا أخاك, وعدا أباك. وإن اعتقدت الحرفية جررت, وقلت: خلا أخيك, وعدا أبيك. وإن دخلت «ما» نصبت على كل حال لأنها مع «ما» فعل لا غير, فتقول: قام القوم ما خلا زيدًا. وكل هذه الحروف تدخل على المعرفة وعلى النكرة سوى «رب». لأن «رب» معناها التقليل. والتقليل يتصور في النكرات الشائعات ولا يتصور في غيرها. فلذلك تقول: رب طعامٍ أكلته, ولا تقول: رب الطعام, ونحوه.

وكلها تكون آخر الكلام وأوله إلا «رب». لأن [رب] معناها التقليل. وتقليل الشيء يقارب نفيه. والنفي له صدر الكلام. ومن ثم قال الشاعر: ربما أوفيت في علمٍ ... ترفعن ثوبي شمالات فأدخل النون الخفيفة في قوله «ترفعن» لما كان التقليل يقارب النفي. فلذلك تقول: رب طعام أكلته [نفعني]. ولا يجوز: نفعني رب طعامٍ أكلته, لأن «رب» لها صدر الكلام. والباقي يجوز فيه التقديم والتأخير, مثل: خرجت من الدار, ومن الدار خرجت. وجئت إلى الدار, وإلى الدار جئت. لأن الجار والمجرور مفعول, والمفعول يجوز تأخيره وتقديمه إذا كان فعله متصرفًا لا مانع يمنع من تقديمه. وكلها تدخل على الظاهر والمضمر إلا الستة المذكورة. وهي: رب, لأن رب لا تدخل إلا على نكرة, فلا يصح أن يقع بعدها المضمر لأنه معرفة. فلا يجوز: ربك, ولا ربه, ولا: ربي, وأنت تعني مذكورًا جرى ذكره. فأما قولهم: ربه رجلًا, [وربه امرأةً] , فهذا ضمير مجهول فسر بنكرة

بعده, فلا يقاس عليه المضمرات التي تقدمت ظواهرها. وإنما يقاس على هذا أمثاله من قولك: ربه رجلًا, وربه امرأةً, ونحوه. والكاف استغني عن وقوع المضمر بعدها بـ «مثل» فتقول: أنت مثله, ومثلي, وهو مثلك. ولا يجوز شيء من ذلك مع الكاف. وكذلك «منذ» و «مذ». لا يجوز: مذه, ولا منذه. استغني عن ذلك بالأمد إذا قلت: أمده يومان. وكذلك «حتى» استغني عنها بـ «إلى». فلا يجوز: حتاه, ولا حتاك, ولا: حتاي. وواو القسم بدل من ياء القسم, فاقتصر بها على الظاهر دون المضمر. وإذا اقتصر في الواو فأحرى أن يقتصر في تاء القسم. و«واو رب» و «فاء رب» جارية مجرى «رب» لا يجوز استعمالها مع المضمر. وكل ما وقع من حروف الجر خبرًا لمبتدأ, أو صفة لموصوف, أو صلة لموصول, أو حالًا لذي حال, فإنه يتعلق [أبدا] بمحذوف. مثال الخبر: زيد من الكرام, تقديره: زيد كائن من الكرام, أو مستقر من الكرام. ومثال الصفة: هذا رجل من الكرام. ومثال الصلة: هذا الذي من الكرام. ومثال الحال: هذا زيد من الكرام, أي كائنًا من الكرام, أو مستقرًا من الكرام.

حروف الجزم مع ما حمل عليها

حذفت هذا العامل وأقمت هذا الجار والمجرور مقامه, ونقلت الضمير الذي كان مضمرًا في العامل إلى [هذا] المعمول. وما عدا هذه المواضع الأربعة فإن حرف الجر يتعلق بموجود, أو ما هو في [38] حكم الموجود. فالموجود مثل: مررت بزيدٍ. / والذي هو في حكم الموجود مثل: بسم الله الرحمن الرحيم. فهذا في حكم الموجود في الكلام, ألا تراك تركت ذكره لأنه مستقر في الأفهام. ومتى قدرت «ابتدائي بسم الله الرحمن الرحيم» كان من القسم الأول الذي عامله محذوف, لأن الابتداء المقدر مبتدأ, و «بسم الله» جار ومجرور في موضع الخبر للمبتدأ. فهو يتعلق بمحذوف آخر, تقديره: ابتدائي كائن, أو الابتداء كائن بسم الله الرحمن الرحيم. فبسم الله على هذا في موضع رفع, وعلى التقدير الأول في موضع نصب. والجملة في هذا التقدير مركبة من مبتدأ وخبر, وفي التقدير الأول مركبة من فعل وفاعل. فاعرف ذلك وقس عليه, فإنه من أدق ما تحتاج إلى معرفته. وهو للعربية أكشف شيء للمعاني. *** وأما قولنا: «ومنها خمسة تجزم الفعل المستقبل, وهي: لم, ولما, ولام الأمر, ولا في النهي, وإن في المجازاة - مع ما حمل عليها من الأسماء

والظروف. والذي حمل عليها من الأسماء: من, وما, وأي, ومهما. ومن الظروف: أين, ومتى, وأيان, وأنى, وحيثما, وإذ ما في أحد القولين, و «إذا» في الشعر, وكيفما عند الكوفيين. كل هذه تجزم فعلين مستقبلين. والاستفهام والأمر والنهي والعرض والتمني والتحضيض والدعاء تجزم فعلًا واحدًا, إذا لم يكن معه فاء فإن كان معه الفاء كان منصوبًا مع [هذه] المعاني السبعة, ومرفوعًا مع الشرط. فإن هذا [الفصل] هو الفصل الرابع من الحروف العوامل وهي الجوازم. وإنما جزمت لما اختصت بالدخول على الأفعال, ومن شأن الحرف إذا اختص ولم يتنزل منزلة الجزء من الكلمة أن يعمل. فـ «لم» يجزم فعلًا واحدًا. ومعناه نفي الماضي. مثل: لم يقم فلان لفظه لفظ المستقبل ومعناه الماضي. ألا ترى إلى حسن «أمس» معه, مثل: لم يقم أمس. ولا يجوز: لم يقم غدًا. ومعنى «لما» كمعنى «لم» في النفي. إلا أنها نفي فعل معه «قد» , و «لم» نفي فعل ليس معه قد. يقول القائل: قد قام زيد, فتقول: لما يقم, فإن قال: قام [زيد] , قلت: لم يقم.

ولها ثلاثة معان, أحدها ما ذكرناه, وهو كونها بمعنى «لم» في نفي الماضي المقدر بقد. الثاني: أن تكون اسمًا, وهو إذا كانت ظرفًا يقع بعدها الفعل الماضي ويعمل فيها جوابها. ومثالها: لما جئتني جئتك, أي حين جئتني جئتك, فهي ظرف منصوب بجئتك الأخير لا بالأول, لأن الأول مضاف إليه, والمضاف لا يعمل فيه المضاف إليه. والثالث: أن تكون بمعنى إلا, تقول العرب: أقسمت عليك لما فعلت, بمعنى إلا فعلت, وهي ها هنا حرف. وقد يكتفى بها في الجواب, أعني الجازمة, تقول العرب: فعلك [ذلك] ولما, أي فعلت [ذلك] ولما تفعل, فيحذفون المجزوم وهو مراد على طريق الاتساع. فاعرف ذلك. ومعنى لام الأمر للغائب, مثل: ليقم فلان, ولا يكون إلا مع فعل الغائب في الغالب. لأنه إذا كان للمخاطب كان مبنيًا, ولم تدخل عليه لام, مثل: «قم» و «اذهب» فأما قراءة من قرأ (فبذلك فلتفرحوا) , بالتاء. فإنه استعمل الأصل المتروك. لأن الأصل في المواجهة أن يكون بلا حرف مضارعة, وأن يقال: فبذلك فافرحوا, لأن المواجهة أغنت عن تاء المخاطبة. ومثله في الشذوذ: «لتأخذوا مصافكم» , وأصله «خذوا مصافكم» , ولكنه جاء

على الأصل [المتروك] زيادة في تأكيد المخاطبة والمواجهة. فقد صار فعل الأمر على ضربين, إن كان باللام كان معربًا, وسمي مجزومًا. وإن كان بغير لام ولا حرف مضارعة كان مبنيًا, وسمي موقوفًا. ومعنى «لا» في النهي يتناول المخاطب والغائب. مثل: لا تفعل يا زيد, ولا يفعل زيد. [لأنه] ليس له غير هذه الصيغة الواحدة. وهو معرب مجزوم أبدًا, إلا أن يكون معه نون تأكيد فيكون مبنيًا, على ما قدمنا شرحه. «وإن» في المجازاة تجزم فعلين. وهذان الفعلان إن كانا مستقبلين كانا مجزومين, وظهر الجزم فيهما مثل: إن تقم أقم. وإن كانا ماضيين كانا مبنيين على حالهما, وكان الجزم فيهما مقدرًا, مثل: إن قمت قمت. وإن كان الأول ماضيًا والثاني مستقبلًا فعلى هذا الحكم, مثل: إن قام أقم, الأول مبني والثاني معرب. ولا يجوز عكس هذا الوجه. لا يكون الأول مستقبلًا والثاني ماضيًا, لا يجوز: إن تقم قمت.

وجميع ما حمل على «إن» في المجازاة فإنه جار هذا المجرى, أعني في الفعلية. والذي حمل عليها من الأسماء أربعة: «ما» «ومن» و «أي» و «مهما». فـ «من» شرط فيمن يعقل, مثل: من يقم أقم معه. و«ما» شرط فيما لا يعقل, مثل: ما تأكل آكل. و«أي» شرط في بعض من كل, مثل: أي إنسان يقم أقم معه, وأي طعام تأكله آكله. «مهما» شرط في جميع الأفعال, كبيرها وصغيرها. فإذا قال القائل: [39] / مهما تصنع أصنع, فمعناه لا أصغر عن كبير فعلك ولا أكبر عن صغيره. وفيها خلاف, منهم من يجعلها اسمًا واحدًا مبنيًا. ومنهم من يجعلها مركبة من شيئين, أصلها «ما ما تفعل أفعل». فأبدل من الألف الأولى هاء, لأن الألف والهاء من مخرج واحد. ومنهم من يقول: [هي] «مه» اسم للفعل وزيدت عليها «ما» وجوزي بها. والصحيح أنها اسم. والدليل على اسميتها عود الضمير إليها من [نحو] قوله سبحانه: (مهما تأتنا به من آية) فالهاء في «يه» عائدة على «مهما» , والعوائد إنما تعود على الأسماء.

والظروف التي يجازى بها أربعة [أيضًا]: أين وأنى ومتى وحيثما. فـ «أين» شرط في الأمكنة, مثل: أين تقم أقم. و «أنى» شرط في جهة, مثل: أنى تكن أكن. و «متى» شرط في الزمان, مثل: متى تصنع أصنع. و «حيثما» شرط مبهم في المكان, مثل: حينما تكن أكن. إلا أن «حيث» لا يجازى بها إلا مع «ما» لتكون قاطعة لها عن إضافتها. لأنها من ظروف المكان التي ألزمت الإضافة, وليست أين وأنى ومتى بمضافات, بل هي مفردات, فلذلك جوزي بها بـ «ما» وبغير «ما» , مثل: أين تكن أكن, وأينما تكن أكن, و [قال الله تعالى]: (أينما تكونوا يأت بكم الله جميعًا) , [و (أينما تكونوا يدرككم الموت)]. وإذ ما في قول سيبويه رحمه الله حرف. وفي قول غيره ظرف. وحجة سيبويه أنها لما ركبت مع «ما» وأخرجت عن معناها الذي كان لما مضى من الزمان, وصارت لما يستقبل من الزمان, جرت مجرى إن في الحرفية, فتقول: إذ ما تقم أقم, كما تقول: إن تقم أقم. وهي عند غيره ظرف منصوب بالفعل الأخير المجزوم بها. فأما «إذا» فلا خلاف أنها ظرف على بابها. لأنها لم يتنقل معناها, لأنها موضوعة للزمان المستقبل, فلم يدخل عليها ما يخرجها عن أصلها. إلا أنه

لا يجزم بها إلا في الشعر إذا كان معها «ما». وأما «كيفما» فإنها يجزم بها عند الكوفيين دون البصريين. يقول الكوفيون: كيفما تصنع أصنع. والبصريون يرفعون ذلك. وكيف عند سيبويه اسم, وعند الأخفش ظرف. والدليل على مذهب سيبويه أنها اسم أنك [تبدل] منها الاسم فتقول: كيف زيد أصالح أم سقيم. ولو كانت ظرفًا لأبدلت منها الظرف كما تبدل من «أين» و «متى» , وفي عدم ذلك دليل على صحة مذهب سيبويه في الاسمية. وحجة الأخفش في الظرفية أنها تتقدر بالجار والمجرور. وهو أنك

إذا قلت كيف زيد, فمعناها عنده «على أي حال هو». والحروف للظروف. وليس في ذلك دليل, لأن حروف الجر قد تقدر فيما لا إشكال في اسميته ولا يخرجه ذلك إلى الظرفية. ألا ترى أن كل مضاف ومضاف إليه لا يخلو من أن يكون مقدرًا باللام أو بمن, مثل: غلام زيدٍ, تقديره: غلام لزيدٍ, وثوب خز, تقديره: ثوبٌ من خز, ونحوه. وهذا شيء عرض فذكر. ثم نعود إلى ما نحن بصدده وهو أن هذه الأشياء كلها تجزم فعلين مستقبلين لفظًا ومعنى, وفي الماضي تقديرًا, على ما قدمنا. فإن أوقعت موقع هذا لأشياء أحد سبعة أشياء - وهي الاستفهام والأمر والنهي والعرض والتمني والتحضيض والدعاء - جزمت فعلًا واحدًا إذا لم يكن معك [فاء] فمثال الاستفهام: أتقوم أقم, ومثال الأمر: قم أقم. وكذلك الباقي. لأن هذه الجمل نابت عن أفعال شرطية, كأنه قال: أتقوم إن تقم أقم.

فصل

فإن دخلت الفاء بطل الجزم, ورفعت أو نصبت. مثال النصب: أتقوم فأقوم, لأن الجواب بالفاء يكون منصوبًا على ما أصلناه في الحروف الناصبة للفعل. ولو كانت الفاء مع الشرط المحض لكان ما بعد الفاء مرفوعًا, مثل: إن تقم فأقوم. فهذا مرفوع, لأن ما بعد الفاء مبتدأ مقدر, كأنه قال: فأنا أقوم, والفاء دخلت لتعلق الجواب بالشرط. وكذلك تفعل بالفاء في باقي كل ما يشرط به. فاعرف ذلك فان هذه جملة كافية في هذه المقدمة, [إن شاء الله تعالى]. *** فصل وأما قولنا: «وأما الحروف التي ليست بعاملة فنيف وأربعون حرفًا. منها خمسة عشر حرفًا للابتداء, وهي إنما. وأنما, وكأنما, ولكنما, وليتما, ولعلما, وأما بمعنى التفصيل, وأما [خفيفة] بمعنى الاستفتاح, ولولا بمعنى الامتناع, وحتى في أحد أقسامها, وألا بمعنى التنبيه, ولام الابتداء, وواو الحال, وإن الخفيفة في أحد أقسامها, ولكن الخفيفة. وإنما سميت بذلك لكثرة وقوع المبتدأ بعدها».

حروف العطف

فإن العلة في كون هذه الحروف غير عاملة هو ما عرض فيها من كف أو اشتراك على ما يأتي تفصيله. فالكف نحو الستة الناصبة للاسم الرافعة للخبر. وهي إن وأخواتها لما دخلت عليها «ما» كفتها عن العمل, ولما كفتها عن العمل ارتفع الاسم الذي كان منصوبًا بعدها, فصار ارتفاعه بالابتداء فقلت: إنما زيد قائم, وعملت أنما زيد قائم, وكأنما زيد قائم. وكذلك / باقيها. [40] وقد يجوز أن يعتقد أن «ما» زائدة لا كافة. وإذا اعتقدت ذلك بقيت هذه الحروف على حالها فقلت: كأنما أخاك قائم, ولكنما أخاك قائم, وليتما أخاك قائم, ولعلما أخاك قائم. وهو في هذه الأربعة [المتأخرة]- أعني النصب وزيادة «ما» - أحسن منه في «إنما» و «أنما». لأن هذه [الحروف] قد غيرت معنى الابتداء فقوى التصلب فيها. ومعانيها كلها كمعانيها إذا لم يكن فيها «ما» , إلا أنها بـ «ما» أقوى تأكيدا, وأقوى للمعنى الذي تختص به. ومعنى «أما» لتفصيل ما أجمله المدعي. ومثالها: أما زيد فقائم, فزيد مبتدأ, وقائم الخبر, والفاء دخلت لما في «أما» من معنى المجازاة.

لأن أصلها: مهما يكن من شيء فزيد قائم, فنابت «اما» مناب فعل الشرط واسمه, وتقدم الاسم المبتدأ الذي كان بعد الفاء فصار قبل الفاء, بينها وبين «أما» , لئلا يجمع بين حرفين. وبقي الخبر مرفوعًا على حاله بعد الفاء. ولهذا لا يفصل بين «أما» وجوابها مجملة تامة إنما يفصل بمفرد, إما مبتدأ, وإما ظرف, وإما مفعول به. وإما بجملة ناقصة تقوم مقام المفرد. مثال المبتدأ قد ذكر. ومثال الظرف: أما في الدار فزيد, وأما في السوق فعمرو. ومثال المفعول به: أما زيدًا فضربت, وأما عمرًا فتركت. ومثال الجملة الناقصة: أما إن كان كذا وكذا فسيكون كذا, والجملة الشرطية ناقصة لافتقارها إلى جواب, فجاز أن يفصل بها بين «أما» وجوابها. قال الله سبحانه: (فأما إن كان من المقربين, فروح وريحان وجنة نعيم, وأما إن كان من أصحاب اليمين, فسلام لك من أصحاب اليمين). هكذا رتبة الثلاثة, وفي الكلام بخلاف هذا. فالفاء جواب «أما» , وقد سد جواب «أما» بطول الكلام مسد جواب الشرط, إذ كان معك شيئان محتاجان إلى جواب. فاعرف ذلك.

ومعنى «أما» الخفيفة الاستفتاح. ومثالها: أما زيد قائم. وتكون بمعنى «حقًا» فتفتح «أن» بعدها, فتقول: أما أن هقائم, بمعنى: حقا أنه قائم. فلا تكون ها هنا حرف ابتداء, ولكنها في تأويل الاسم. وإذا كانت في تأويل الاسم فذلك الاسم مقدر تقدير الظرف, وتقدير ذلك [الظرف] «أفي حق أنك منطلق» , فتكون «أنك منطلق» في موضع رفع بالظرف, على قول الأخفش. وبالابتداء عند سيبويه في هذا الموضع خاصة. فاعرفه. ومعنى «لولا» امتناع الشيء لوجود غيره. ومثالها: لولا زيد لأكرمتك. فـ «لولا» حرف ابتداء, معناه ما ذكرنا. و «زيد» مبتدأ. وخبر المبتدأ محذوف أبدًا بعد «لولا» لا يظهر بحال, تقديره «لولا زيد موجود» , ونحوه. وإنما حذف للطول وسد طول الكلام بجواب «لولا» مسده. وليس جواب «لولا» بخبر عن المبتدأ, ومن قال ذلك فهو مخطيء, لتعريه من العائد. فإذا كانت «لولا» بمعنى «هلا» لم تكن حرف ابتداء, وكانت حرف تحضيض تليها الأفعال, مثل (لولا أنزل عليك ملك) , أي «هلا أنزل عليه ملك» , ومثل: [تعدون عقر النيب أفضل مجدكم ... بني ضوطرى] , لولا الكمي المقنعا

أي «لولا تعدون الكمي المقنعا» ومعنى «حتى» قد ذكر في حروف الجر, وأقسامها الأربعة التي أحدها كونها حرف ابتداء. ومثاله [قول الشاعر]: ألقى الصحيفة كي يخفف رحله ... والزاد حتى نعله ألقاها

وهي ها هنا حرف ابتداء إذا رفعت «النعل» , ويكون «ألقاها» في موضع رفع بكونه خبرًا للنعفل, أي «حتى نعله ملقاة». ومن نصب [النعل] أو جر فليست حرف ابتداءز ومعنى «ألا» التنبيه, ومثالها: ألا زيد قائم, [وألا إن زيدًا قائم] , كقوله [تعالى]: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون). ومعنى لام الابتداء التأكيد. ومثالها: لزيد قائم, ولأنت أحب إلي من عمرو. وقال الله سبحانه (وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون). وقال تعالى: (إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون). كل هذه لام ابتداء. بخلاف قوله [تعالى]: (لهم ما يشاءون فيها) , و (لهم جنات النعيم). فهذه لام الجر, فتحت لكونها مع المضمر, وهي تتعلق بمحذوف لكونها خبر ابتداء. وليست كذلك اللام الأولى. لأنها لام ابتداء وهذه لام جر. والضمير في الأولى مرفوع في التقدير. والضمير في الثانية مجرور في التقدير. وواو الحال معناها الحال, ومثالها: جاء زيد ويده على رأسه, وأقبل

وهو يضحك. وفي كتاب الله سبحانه: (يغشى طائفةً منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم) , فالطائفة الثانية مبتدأ و «قد أهمتهم أنفسهم» الخبر, والجملة في موقع نصب على الحال, والواو واو الحال. وسيبويه رحمه الله يقدرها بإذ, ليعلمك أن الحال معمولة لما قبلها, كما أن «إذ» ظرف معمول لما قبله. فاعرفه فإنها نكتة [حسنة]. وجملته أن الحال تكون بالمفرد وبالجملة. فإذا [41] كانت / بالمفرد كانت منصوبة. وإذا كانت بالجملة كان الإعراب مقدرًا بالنصب. كما أن خبر الابتداء يكون مفردًا ويكون جملة, وكما أن صفات النكرات تكون مفردة وتكون جملة. لكن الواو لا تكون في الصفات, ولا تكون في خبر المبتدأ. وإنما تكون في الحال رابطة, وخاصة إذا عدم العائد, مثل: جاء زيد والناس يصلون, لم يجز, لأنه لا رابطة, ولا عائد, ولا ما يقوم مقام العائد. فاعرف ذلك, فإن تحته كثيرًا من الفوائد. و«إن» الخفيفة في أحد أقسامها, ومثالها: إن زيد لقائم. فهذه المخففة من الشديدة, ولما خففت بطل عملها, ولما بطل عملها ارتفع ما بعدها بالابتداء [والخبر] , ودخلت اللام للفرق بينها وبين النافية. قال الله سبحانه (إن كل نفس لما عليها حافظ) , (وإن كل لما جميع لدينا محضرون). فـ «إن» حرف ابتداء, لابتداء الكلام بعدها, واللام دخلت للفرق المذكور. لأن «إن»

الخفيفة تنقسم على أربعة أقسام. تكون شرطًا, وقد ذكرت في باب الشرط وتكون مخففة من الثقيلة, وقد ذكرت هنا. وتكون نافية فلا يكون معها لام, كقولك: إن زيد قائم, بمعنى: ما زيد قائم, قال الله سبحانه وتعالى: (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه). فإن نافية, أي في الذي لم نمكنكم فيه, أو: في الذي ما مكناكم فيه. والرابعة تكون زائدة, مثل قولك: ما إن زيد قائم, وكقول الشاعر: وما إن طبنا جبن ولكن ... منايانا ودولة آخرينا أي ما طبنا جبن. و«لكن» الخفيفة, مثالها: لكن زيد قائم, و (لكن الله يشهد بما أنزل

إليك) فاسم الله مبتدأ, و «يشهد» الخبر. وكان أصلها [لكن] مشددة تنصب, كما قال الله تعالى: (ولكن الله يفعل ما يريد) , فإذا خففت بطل النصب لارتفاع المشابهة بينها وبين الفعل. فإذا ارتفعت صارت حرف ابتداء, وإذا صارت حرف ابتداء ارتفع ما بعدها بالابتداء والخبر. فلذلك سميت هذه الحروف الخمسة عشر المشروحة حروف ابتداء لوقوع المبتدأ بعدها. وبالله التوفيق. *** [قال الشيخ رحمه الله]: وأما قولنا: «ومنها عشرة للعطف وهي: الواو, والفاء, وثم, وأو. وإما - مكسورة مكررة, وأم, وبل, ولكن بعد النفي, ولا بعد الإيجاب, وحتى في أحد أقسامها. سميت بذلك لأنها تدخل ما بعدها في إعراب ما قبلها وتعطفه عليه». فإن معنى «الواو» الجمع بين الشيئين, وليس فيها دليل على الأول منهما, مثالها: قام زيد وعمرو, ورأيت زيدًا وعمرًا, ومررت بزيدٍ وعمروٍ. وللواو ستة أقسام. هذا أحدها, أعني العطف, وهي الجامعة العاطفة. والثاني: أن تكون جامعة غير عاطفة, وهي التي تكون بمعنى «مع» , تنصب ما بعدها من الأسماء. ومثالها: استوى الماء والخشبة, وجاء البرد والطيالسة, أي مع الطيالسة. الثالث أن تكون قسمًا فتجر المقسم به, نحو: والله لأفعلن. الرابع: أن تكون واو حال, مثاله: جاء زيد وهوي ضحك, وقد ذكرت. الخامس أن تكون

ناصبةً للفعل المستقبل باضمار «أن» بعدها, مثل: لا تأكل السمك وتشرب اللبن, وقد ذكر. السادس: أن تكون بمعنى رب فتجر [المظهر] , مثل: وبلدٍ عامةٍ أعماؤه ... كأن لون أرضه سماؤه وقد ذكر. وأما «الفاء» فمعناها العطف بلا مهلة. ولها ثلاثة أقسام. أحدها: أن تكون متبعة عاطفة, مثل: جاء زيد فعمرو, ورأيت زيدًا فعمرًا, ومررت بزيد فعمرو. والثاني: أن تكون متبعة غير عاطفة. وذلك في الشرط والجزاء. مثل: إن تفعل خيرًا فالله تعالى يعلمه. الثالث: أن تكون زائدة عند الأخفش بين المبتدأ وخبره, مثل: زيد فمنطلق, أي زيد منطلق, وينشد: وقائلةٍ خولان فانكح فتاتهم ... وأكرومة الحيين خلو كما هيا

أي «خولان انكح فتاتهم». و«ثم» معناها العطف بمهلة, مثل: جاءني زيد ثم عمرو. وليس لها غير معنى واحد. و«إما» المكسورة المكررة في العطف لها أربعة معان, الشك, والتخيير, والإباحة, والإبهام, فالشك في الخبر, مثل: جاءني إما زيد وإما عمرو. والتخيير في الأوامر فيما أصله الحظر, مثل: خذ إما دينارًا وإما درهمًا. والإباحة فيما ليس أصله الحظر, مثل: تعلم إما فقهًا وإما نحوًا. والإبهام فيما يقصد به غرض من الأغراض, مثل قول القائل [لمخاطبه]: جاءني إما زيد وإما عمرو, وهو يعلم من جاء منهما, وإنما أبهم على سامعه [لضرب من المصلحة]. فهذه أربعة أقسام لإما التي تأتي بها في العطف مكسورة مكررة. فأما التي لا تكون مكررة بل هي مكسورة فهي التي تقع في الشرط. وهي مركبة من «إن» و «ما» , مثل: (فإما ترين من البشر أحدًا فقولي ... ) , و (فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي ... ) , و (فإما تثقفنهم في

الحرب فشرد بهم من خلفهم). أصله إن / تثقفنهم. فـ «إن» هي [42] حرف الشرط, و «ما» زائدة للتأكيد, ولذلك دخلت النون الشديدة في فعل الشرط, ولا يجوز دخولها بغير «ما». و«أو» لها في العطف [أيضًا] أربعة معانٍ كمعاني إما في جميع ما ذكرنا. مثل: جاءني زيدٌ أو عمرو, [ورأيت زيدًا أو عمرًا, ومررت بزيدٍ أو عمروٍ] وخذ دينارًا أو درهمًا, وتعلم فقهًا أو نحوًا. إلا أن الفرق بينهما أن الكلام مع «إما» مبني على الشك وغيره من أول وهلة, ومع «أو» مبني على اليقين ثم يأتي الشك وغيره بعد أن بني الكلام على اليقين, فيسري من آخر الكلام إلى أوله فيعود معناه كمعنى «إما». و«أم» معناها الاستفهام وهي في العطف على ضربين, متصلة ومنقطعة. فالمتصلة هي المعادلة لألف الاستفهام في العطف, المقدرة بأي, المقتضية للتعيين. كقولك: أزيد عندك أم عمرو, وتقدير: أيهما عندك. وجوابك أن تعين أحد الاسمين. والمنقطعة هي التي تكون بين جملتين, وتقدر ببل

والهمزة, ولا تعادل همزة الاستفهام, ولا تقتضي تعيينًا. وذلك قولهم: إنها لإبل أم شاء. تقديره: بل أهي شاء, كأنه أضرب عن الكلام الأول واستأنف الكلام عن الجملة الثانية. وجواب هذا «نعم» أو «لا». وكذلك إذا كانت «أو» مع همزة الاستفهام كان جوابها «نعم» أو «لا» من غير تعيين, كقول القائل: أزيد عندك أو عمرو, فتقول: «نعم» , أو «لا». لأنها [ها هنا] مقدرة بالأحدية لا بأي. كأنه قال: أحدهما عندك أو لا. وهذا لا يقتضي إلا «نعم» أو «لا». فالسؤال أولًا بالهمزة [وأو] , ثم السؤال ثانيًا بأم, لأن التعيين بعد الاستقرار. و«بل» معناها الإضراب عن الأول وإثبات الحكم للثاني. مثل: جاءني زيد بل عمرو. وما جاءني زيد بل عمرو. و«لكن» معناها الاستدراك بعد النفي في باب العطف. مثل: ما جاءني زيد لكن عمرو. وتكون حرف ابتداء, وقد ذكرت مع حروف الابتداء. و «لا» معناها إخراج الثاني مما دخل فيه الأول. ولا يعطف بها إلا بعد موجب, مثل: قام زيد لا عمرو. ولـ «لا» أقسام كثيرة, تكون عاطفة,

حروف الجواب

وقد ذكرت. وناهية فتجزم, مثل: لا تفعل. وجوابًا للقسم في مثل: والله لا تقوم فلانة. ومبنية مع النكرة العامة, مثل: لا رجل في الدار, ولا شك, ولا ريب, ولا إله إلا الله. وتكون بمعنى «لم» مثل: (فلا صدق ولا صلى) , أي لم يصدق ولم يصل. و«حتى» تكون عاطفة بشرطين. أن تعطف قليلًا على كثير, ومن جنسه. مثل: قام القوم حتى زيد, ورأيت القوم حتى زيدًا, ومررت بالقوم حتى زيد. وقد ذكرت مع أقسام حتى في موضعين متقدمين. والعلة الجامعة في تسمية هذه الحروف كلها حروف عطف ما ذكر في المقدمة من كونها مدخلة ما بعدها في إعراب ما قبلها وعاطفة له عليه. وسيأتيك من ذلك أصول آخر في فصل التوابع من هذه المقدمة إن شاء الله تعالى. *** وأما قولنا: «ومنها ستة للجواب, وهي: نعم, وبلى, وإي وجير في القسم, وأجل, وإن في أحد أقسامها». فإن هذه [الستة] كلها حروف معناها في غيرها. وفي «نعم» لغتان:

نعم ونعم. وقد قريء بهما جميعًا. ومعناها العدة والتصديق. فالعدة بعد الأوامر وشبهها, من نحو: افعل كذا وكذا, فتقول: نعم. والتصديق بعد الإخبار وغيره, يقول القائل: زيد قائم, فتقول: نعم, مصدقًا لكلام المخبر. وكذلك المستخبر إذا كان مخرجه مخرج المستعلم أو المقرر. ومعنى «بلى» الإيجاب بعد النفي والاستفهام. يقول القائل: أليس زيد قائمًا, فتقول: بلى. أي هو قائم. ولو قال في [هذه] المسألة: «نعم» لكان غير قائم. ومثله [قوله تعالى]: (ألست بربكم قالوا بلى) ولو كان ها هنا «نعم» لكان كفرًا معاذ الله, إنما أخرج الجواب إيجابًا وتقريرًا.

و «إي» معناها كمعنى «نعم» , وهي فصيحة جدًا ما لم تفسد بالزيادة العامية. وهي قولهم «إيوه». والفصاحة المجيء بها كمجيئها في القرآن الكريم (قل إي وربي إنه لحق). وهي كثيرة الاستعمال في القسم كالآية. وكذلك «جير لأفعلن» , بمعنى «نعم» في القسم أيضًا. لكن هذه تنوب عن المقسم به كثيرًا, وقلنا يستعمل معها المقسم به. و«أجل» فصيحة في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم, وهي جواب. و «إن» في أحد أقسامها تكون بمعنى «نعم» , كما قال: «إن وراكبها» ومثله قوله: [بكر العواذل في الصبو ... ج يلمنني وألومهنه] ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت, فقلت: إنه

حروف التحضيض

ومثل [قوله تعالى]: (إن هذان لساحران) فيمن رفع في أحد الوجوه. وقد ذكرنا معنى إن في غير هذا الحد. *** وأما قولنا: «ومنها أربعة للتحضيض وهي: لولا وهلا ولوما وألا. إذا وليهن الفعل المستقبل كن تحضيضًا. وإذا وليهن الماضي كن توبيخًا». [43] فإن هذه الأربعة مربكة من حرفين, ولهن هذان المعنيان. / وتختص

حروف المضارعة

في هذين المعنيين بالأفعال. ومثال الماضي معهن: لولا فعل, وهلا فعل, ولوما فعل, وألا فعل, كل هذا توبيخ. ولو قال: لولا تفعل, وهلا تفعل, ولو ما تقوم, وألا تقوم, لكان تحضيضًا على الفعل لتفعله. والأول توبيخ على الفعل لم لم يفعله. *** وأما قولنا: «ومنها أربعة للمضارعة. وهي: الهمزة, والنون, والتاء, واةلياء». فإن هذه الحروف هي التي تكون في أول الفعل المستقبل. مثل: أقوم, ونقوم, وتقوم, ويقوم. وإنما سميت حروف مضارعة لأن بها ضارع الفعل الأسماء فأعرب كما أعربت الأسماء. والمضارعة المشابهة. وقد مضى ذكر ذلك. *** وأما قولنا: «ومنها أربعة للإعراب. وهي: الياء, والواو, والألف, والنون». فإن هذه الأربعة هي التي تكون في المعربات من آخرها. فالواو والياء والألف هي في الأسماء الستة وفي التثنية والجمع السالم. والنون علامة الرفع في الأفعال

الحروف التي تختص بالفعل من أوله

الخمسة التي ثباتها فيها علامة الرفع, وسقوطها علامة الجزم والنصب. *** وأما قولنا: «ومنها أربعة تختص بالفعل من أوله. وهي: قد, ولو, والسين, وسوف». فإن «قد» معناها التقريب والتوقع مع الماضي, مثل: قد فعل. والتقليل مع المستقبل, مثل: قد يفعل. و«لو» معناها امتناع الشيء لامتناع غيره, مثل: لو جئتني جئتك. فالمجيء الثاني امتنع لامتناع المجيء الأول. ولو دخلت «لم» عليها وعلى جوابها لانقلب المعنى فيها, وكان معناها وجود الفعل لوجود غيره. كقولك: لو لم تجئني لم أجئك, فقد كان المجيئان [جميعًا]. ولو كانت «لم» مع الأول دون الثاني مثل: لو تجئني لجئتك, لكان الأول قد وقع والثاني لم يقع. وعكسه عكس هذا المعنى, كقولك: لو جئتني لم أجئك, فالأول لم يكن والثاني قد كان. فاعرف ذلك فإنه من ألطف شيء. و«السين» و «سوف» معناهما قد ذكر, وهو التنفيس وإخلاص الفعل للاستقبال. ومنه: (ولسوف يعطيك ربك فترضى). ولا يجوز دخول هذه اللام على السين وحدها. لو قلت: إن زيدًا لسيقوم, لم يجز, ويجوز: إن زيدًا لسوف يقوم, كالآية. لأن سوف بكونها ثلاثة أحرف قد خرجت إلى شبه الأسماء, فجاز أن تدخل عليها لام الابتداء.

حروف الاستفهام

قال الشيخ رحمه الله تعالى: فأما قولنا: «ومنها ثلاثة للاستفهام. وهي الهمزة وهل وأم. وما عداها مما يستفهم به فليس بحرف». فإن هذه الحروف الثلاثة إذا دخلت على الكلام غيرت المعنى دون اللفظ. لأن الاستفهام قد كان قبل دخولها خبرًا, فلما دخلت على الجملة صارت استفهامًا واستخبارًا. كقولك: زيد قائم, ثم تقول: أزيد قائم؟ , وهل قام زيد؟ , وأزيد قائم أم عمرو؟ . والحروف في تغيير الجمل وترك تغييرها على أربعة أقسام, حرف يغير المعنى دون اللفظ, وهي هذه. وحرف يغير اللفظ دون المعنى. وهي «إن» و «أن» , لأن معناهما التأكيد والتأكيد لا يغير معنى. وحرف يغير اللفظ والمعنى جميعًا, مثل: «ليت» و «لعل» و «كأن». تقول: زيد قائم, فإذا قلت كأن زيدًا قائم, تغير اللفظ كما ترى. وقد صار المعنى [مع كأن] تشبيهًا, ومع «ليت» تمنيًا, ومع «لعل» ترجيًا, فقد تغير اللفظ والمعنى. وحرف لا يغير لفظًا ولا معنى, وهي لام الابتداء, كقولك: زيد قائم, ولزيد قائم. وأما قولنا: «وما عداها مما يستفهم به فليس بحرف» فهو إشارة إلى [التسعة] الأسماء التي يستفهم بها. وقد شرحت في فصل الأسماء. ***

حروف التأنيث

وأما قولنا: «ومنها ثلاثة للتأنيث. وهي: التاء, والألف المقصورة, والألف المقصورة, والألف الممدودة». فإن مثال التاء: قائمة وغرفة وامرأة وقمحة ونسابة وزنادقة ومهالبة وبرابرة. كل هذه تاءات للتأنيث, تتفق في الدلالة على التأنيث وتفترق في أشياء أخر ليس هذا موضع ذكرها. وكلها يوقف عليها بالهاء. والتأنيث إنما هو بالتاء لا بالهاء, خلاف ما يقول الكوفيون إن التأنيث بالهاء. لأنهم راعوا الصورة الثابتة في الخط. والبصريون راعوا الأصل, وهو الوصل الثابت في النطق تاء, والوصل هو الأصل, والنطق كذلك, ولا يعتبر بعوارض الوقف. ومثال الألف المقصورة في التأنيث: حبلى وجمادى وحبارى, ونحوه من التأنيث بالألف. والكوفيون يقولون [إن التأنيث] بالياء, مراعاة للخط لكونها ياء في الخط. والبصريون يقولون التأنيث بالألف, مراعاة للفظ على ما تقدم. ومثال الألف الممدودة حمراء وقفها وأنبياء. فالكوفيون يقولون [إن] التأنيث بالهمزة [مراعاة للفظ]. والبصريون يقولون [التأنيث] بالألف

حروف التنفيس

الممدودة, لأنها التي كانت مقصورة فمدت لما وقع قبلها ألف المد. وأما قولنا: «ومنها حرفان للتنفيس, وهما السين وسوف». وقد ذكرناهما والفرق بينهما فلا معنى لاعادتهما. إلا أنك لو سميت / رجلًا [44] بسوف لأعربت ولم تزد على الكلمة شيئًا سوى الإعراب, فتقول: جاءني سوف. ورأيت سوفًا, ومررت بسوفٍ. ولو سميت رجلًا بالسين من «سيقوم» لاحتجت إلى زيادتين تزيدهما على الكلمة, لأنه لا يكون اسم معرب على حرف واحد, فيجري فمجرى التسمية بالفاء [التي] للعطف, ولام الابتداء. فتقول: جاءني فاء ولاء وساء. لأن السين المستعملة من «سيقوم» ليست هي السين من «سوف» , لأن الحروف لا تصريف فيها, بل لكل حرف منها حكمه على ما تقتضيه الأصول. وهذا شيء عرض. *** وأما قولنا: «ومنها حرفان لتأكيد الفعل, وهما النونان الشديدة والخفيفة». فقد ذكرا في فصل الأفعال وحكمهما وحكم ما قبلهما. *** وأما قولنا: «ومنها حرف للتعريف. وهو اللام عند سيبويه, والألف واللام عند الخليل». فإن هذه مسألة خلاف عند سيبويه رحمه الله, يقول: إذا قلت: الرجل والغلام, فالتعريف إنما هو باللام وحدها, والهمزة إنما دخلت توصلًا إلى النطق

حرف التنكير (التنوين)

بالساكن. والحجة له في كون التعريف باللام وحدها [هو] أن اللام في مقابلة التنوين الذي هو في أصله للتنكير, فكما ثبت أن التنوين على حرف واحد وبه وقع التنكير, فكذلك التعريف بحرف واحد. والحجة للخليل رحمه الله في [أن] التعريف بهما جميعًا [هو] أن حروف المعاني أكثرها يأتي على حرفين, مثل: هل وبل وأو وإن وأم, وغير ذلك مما يطول ذكره, فأجرى الألف واللام هذا المجرى, واعتقد أن الحكم لهما جميعًا. إذا كان ما هو [على] حروف واحد - مثل باء الجر ولامه وكاف التشبيه وغيرها - قليلاً ليس في كثرة ما هو على حرفين فتمسك بالأكثر. *** وأما قولنا: «ومنها حرف للتنكير مثل تنوين ما لا ينصرف والأسماء المبنيات».

حرف النسب

فإن التنوين نون ساكنة تخرج من الخيشوم بلا كلفة, بدليل أن الممسك إذا أمسك أنفه لم يخرج للنون مخرج بل تحبس, وإنما الحركة التي تراها بعدها في مثل: (أحدن الله) إنما هي حركة التقاء الساكنين, وإلا فهي في الأصل ساكنة. ولذلك تبدل ألفًا في النصب من «رأيت زيدًا» ونحوه. وقد ذكر أقسام التنوين وأحكامه فيما تقدم. [فافهم ذلك وفقك الله تعالى]. *** قال الشيخ: وأما قولنا: «ومنها حرف للنسب, وهي الياء المشددة». فإن الياء المشددة التي للنسب إذا دخلت على الكلمة الجامدة جعلتها في حكم المشتق, وحملت الاسم الضمير, وجعلته صفة بعد أن لم يكن كذلك, ونقلت الإعراب الذي كان قبلها إليها, وقلبت الألفات واوات. ولها آثار كثيرة في النسب. فلذلك تقول: هذا رجل زيدي وعلوي وفتوي وحنفي, وشبهه. فتجد ما ذكرته لك. وكل هذه الياءات حروف وليست بأسماء عند البصريين, خلافًا لما يقول بعض الكوفيين من أنها أسماء. ويحتجون بقول بعض العرب: «رأيت التميمي عدي» جر «عدي» على البدل من الياء. قالوا: فدل [ذلك] على

فصل

كونها أسماء, لأنه لا يبدل الاسم إلا من الاسم. وهذا غلط في التأويل عند البصريين. بل الياء في «رأيت التيميمي» حرف نسب لا موضع له من الإعراب, وجر «عدي» إنما هو على حذف مضاف مراد, كأنه قال: «رأيت التيمي تيم عدي» , فعدي مجرور بالإضافة, لا [على] ما قالوا من البدل. فاعرف ذلك. إن شاء الله تعالى. *** فصل قال الشيخ رحمه الله تعالى: [وأما قولنا: ] «وأما الحروف التي تعمل على صفة ولا تعمل على أخرى فهي تسعة. سبعة للنداء وهي: «يا» و «أيا» و «هيا» و «أي» و «آ» و «الهمزة» و «وا». فهذه إذا وليها المفرد المعرفة أو المقصود كان مضمومًا, مثل: يا زيد, ويا رجل, إذا أقبلت [45] عليه. وإذا وليها المضاف, أو الاسم الطويل, أو النكرة التي ليست مقصودة / كان منصوبًا, مثل: يا عبد الله, ويا طالعًا جبلًا, ويا رفيقًا بالعباد. ويا رجلًا, ويا غلامًا, إذا لم تعين شخصاً بعينه». وإنما جعلنا هذه الحروف خارجة عما تقدم لهذا الاختلاف الواقع بعدها. ولأن حرف النداء فيها ناب مناب الفعل. فإذا قلت: يا عبد الله, فكأنك قلت:

أنادي عبد الله, فنابت «يا» عن الفعل. والدليل على نبيابته عن الفعل جواز إمالة حرف النداء. والحروف لا تمال. وقد قالوا يا عبد الله [ممال] , ويا زيد. فلولا النيابة عن الفعل لما جازت الإمالة. ولأنه قد وقع بعدها المنصوب والمجرور بحرف جر كما يقع بعد الفعل. فالمنصوب قولك: يا عبد الله. والمجرور قولك: يا لزيدٍ, كما تقول: ناديت عبد الله, وصحت لزيدٍ. فدل ذلك كله على نيابة حرف النداء عن الأفعال. وهذه الحروف تختلف معانيها. فـ «أيا» و «هيا» و «أي» و «آ» لنداء البعيد والمستثقل في نومه. والهمزة لنداء القريب والذي بين يديك. و «وا» لنداء المندوب. و «يا» هي أم الباب تستعمل للقريب والبعيد, وفي الاستغاثة والندبة وغير ذلك, لأنها قاعدة الباب وعليها المدار. وأحكام ما بعدها قد ذكرت. فكل مفرد علم صحيح يكون مضمومًا في النداء, مثل: (يوسف أعرض عن هذا). وكل مضاف أو طويل يكون منصوبًا على ما مثلنا. وكل نكرة مفردة فهي على ضربين. إن كانت مقصودة بالإقبال عليها كانت مضمومة, كالعلم المفرد, مثل: يا رجل, ويا غلام. وإن كانت غير مقصودة كانت منصوبة, مثل: يا رجلًا أقبل, ويا غلامًا, فمن أجابك فقد أتى على غرضك, لأنك لم تقصد شخصًا بعينه.

وأما قولنا: «ومنها [ما وهي] حرف يرفع الاسم وينصب الخبر في النفي عند أهل الحجاز, ما دام خبرها متأخرًا بعد اسمها, لم يتقدم هو ولا معموله, ولم تدخل «إلا» ولا «إن» المخففة. وذلك قولك: ما زيد قائمًا, و «ما هذا بشرًا). وترفع في لغة تميم على كل حال». فإن الحجة لبني تميم في رفع جميع هذه المسائل وشبهها أن «ما» حرف نفي يدخل على الجملة من المبتدأ والخبر, والجملة من الفعل والفاعل. وهي كحروف الاستفهام الداخلة على الجملتين. فكما أن حروف الاستفهام لا تعمل شيئًا فكذلك «ما» عند بني تميم. والحجة لأهل الحجاز في إعمالها أنها عندهم مشبهة بـ «ليس» التي ترفع الاسم وتنصب الخبر. والشبه الذي بينهما من وجوه, أنهما جميعًا للنفي. وأنهما جميعًا داخلان على مبتدأ وخبر. وأنهما لنفي الحال. فلذلك نصب خبر «ما» بما كما نصب خبر «ليس» بليس. ولما كانت «ليس» فعلًا عملت على كل الوجوه بقوة الفعلية. ولما كانت «ما» حرفًا ضعفت عن العمل على كل حال, فبطل عملها إذا تقدم الخبر, مثل: «ما قائم زيد». وبطل إذا تقدم معمول الخبر مثل: «ما طعامك زيد آكل». «طعامك» مفعول «آكل» لما تقدم بطل نصب «آكل» وبطل عملها. وكلك إذا دخلت «إلا» , مثل:

لا النافية للجنس

«ما زيد إلا قائم» , قال الله تعالى (ما هذا إلا بشر مثلكم) وبطل إذا دخلت «إن» مثل: «ما إن زيد قائم». لأن إن كفت «ما» عن عملها كما كانت «ما» تكف «إن» عن عملها. *** وأما قولنا: «ومنها «لا». وهي تنصب النكرة ما دامت [النكرة] تليها, وما دام النفي مستغرقًا الجنس مثل: لا إله إلا الله. فإن وقع فصل بطل النصب, مثل: (لا فيها غول) ونحوه». فإن جملة الأمر في «لا» أنها على ضربين. تارة يكون النفي بها نفي استغراق. والأخرى لا يكون نفي استغراق بل نفي اختصاص. فمتى كان النفي نفي استغراق, وهو ما كان جوابًا لحرف مستغرق مثل أن يقول القائل: هل من أحد في الدار, فتقول: [أنت]: لا أحد في الدار, بمعنى لا من أحد [في الدار]. وكذلك: هل من رجل, فتقول: لا رجل, بمعنى لا من رجل, فبنيت النكرة هنا مع «لا» لتضمنها معنى حرف الاستغراق. والبناء يقتضي أن يكون مجاورًا للمبني لا فاصل بينهما, ويقتضي أن يكون مفردًا لا مضافًا. فإذا وقع فصل بين «لا» والنكرة بطل البناء, ووجب أن تقول: لا فيها رجل, ولا فيها أحد. وكذلك إذا كان مضافًا كان معربًا لا مبنيًا, مثل: لا غلام

رجل [في الدار] ولا صاحب امرأةٍ فيها, لأن المضاف غير مبني في الغالب. وإنما حملت «لا» في عمل النصب على «إن» التي للإيجاب لأن العرب تحمل الأشياء على أضدادها كما تحملها على نظائرها, فقلت لا غلام رجل في الدار, ولا رجل في الدار. كما تقول: إن الرجل في الدار. فـ «لا» في العمل مثل «إن» , وإنما تخالفها في أشياء أخر. فـ «لا» تعمل في النكرة لا غير, و «إن» تعمل في المعرفة والنكرة, و «لا» تبنى مع النكرة [و «إن» لا تبنى مع النكرة]. و «إن» لا يحسن حذف خبرها, و «لا» يحسن حذف [46] خبرها, نحو: / لا بأس, ولا خوف. وإن يجوز العطف على موضعها بعد الخبر ولا يجوز قبل الخبر, و «لا» يجوز العطف على موضعها قبل الخبر وبعد الخبر, مثاله: لا رجل وامرأة في الدار, ولا رجل في الدار وامرأة, ولا يجوز أن تقول: إن الرجل والمرأة في الدار, إنما تقول: إن الرجل في الدار والمرأة, إذا أردت الحمل على الموضع. فأما نصبهما جميعًا فلا إشكال في ذلك. فهذه كلها فروق بين «إن» و «لا» في العمل. والفرق بين «لا» إذا بنيت مع ما بعدها من النكرة وبينها إذا لم تبن قد ذكر, أعني الاستغراق وترك الاستغراق. ومثالها في الاستغراق: لا حول ولا قوة إلا بالله, نفيت كل حول وكل قوة على جهة العموم أن يكون لأحد استجلاب

لهما أو دفع لحلولهما إلا بالله جل وعز الذي هو فاعل كل شيء تعالى علوًا كبيرًا. وخبر «لا حول» محذوف لدلالة الثاني عليه, التقدير لا حول إلا بالله ولا قوة إلا بالله [العلي العظيم] والخبر على التحقيق فيهما [جميعًا] محذوف كأنه قال: «لا حول لمخلوق إلا بالله ولا قوة لمخلوق إلا بالله». والجار والمجرور المقدر هو الخبر المتعلق بالاستقرار المقدر على الأصل [المقرر,] لأن إلا إنما دخلت للاستثناء, والاستثناء إنما هو من مستثنى, وذلك المستثنى هو الخبر المحذوف على التحقيق. وبالله التوفيق.

شرح المقدمة المحسبة الجزء الثاني

شرح المقدمة المحسبة لطاهر بن أحمد بن باشاذ المتوفى سنة 469 هـ ــــــــ الجزء الثاني تحقيق خالد عبد الكريم

الطبعة الأولى 1977

الفصل الرابع: فصل الرفع

الفصل الرابع: فصل الرفع قال الشيخ [أبو الحسن] رحمه الله: أما قولنا: «الرفع ما جلبه عامل الرفع لفظًا كان أو تقديرًا». فإن المراد باللفظ ما كان من إعراب الأسماء الصحيحة, مثل: فلس والفلس وأفلس وشبهه, وأحمد ومسلمات. والمراد بالتقدير ما كان معتلًا كالقاضي والعمى ونحوه, فجمعنا الأمرين. لأن الرفع بالحركة يظهر في الصحيح لخفته, ويقدر في المعتل لثقله. وقلنا: «ما جلبه عامل الرفع» احترازًا مما لم يجلبه عامل من المبنيات, مثل: «قيل» و «بعد» و «نحن» وشبهه, لأن الرفع في المعرب إنما يكون بعامل والعامل جلبه. فأما قولنا: «وجملة علامات الرفع أربع: الضمة والواو والألف والنون». فإن الأصل من هذه الأربع الضمة, لأن الضمة حركة, وأصل الإعراب أن يكون بالحركات. وقولنا: «فالضمة أبدًا تكون في نوعين, في الأسماء السالمة, والأفعال [المضارعة] السالمة. مثل قولك: زيد يفعل, ونحوه». احترازًا من الأسماء المعتلة كالقاضي والغازي, والأفعال المعتلة كيقضي ويرمي.

وقولنا: «والواو تكون في سبعة أسماء». لأن الستة منها مفردة معتلة مضافة, وهي: أخوه وأبوه وحموه وفوه وهنوه وذو مال. والسابع هو جمع السلامة, كله في حال الرفع, نحو: المسلمون والصالحون والزيدون [والعمرون] ونحوه. [وقولنا]: «والألف تكون في تثنية الأسماء خاصة على جميع صفاتها, مثل قولك أخواه وأبواه والمسلمان والهندان والقاضيان والفتيان والحبليان والحمراوان». وإنما جعل مرفوع االتثنية بالألف دون الواو لما ذكر في فصل الأسماء المعربة العشرة. [وقولنا]: «والنون في تثنية فاعل الفعل وجمعه والواحدة المؤنثة, مثل: تفعلان ويفعلون وتفعلين». وإنما قلنا في تثنية فاعل الفعل وجمعه ليدخل في ذلك الغائب والمخاطب نحو تفعلان ويفعلان وتفعلون ويفعلون. ولا يصح أن تقول «في تثنية الفعل وجمعه» لأن الأفعال لا تثنى ولا تجمع. وهذه

الأمثلة الخمسة من الفعل أفعال معربة لا حرف إعراب فيها, لأن النون في جميعها إنما هي علامة الرفع وليست بحرف إعراب. لأن حرف الإعراب في الصحيح لا يزول بالعامل, وهذه النون تزول بالعامل. فدل على أنها علامة إعراب, وليست بحرف إعراب وكذلك ما قبلها. وأما الياء في تفعلين, والواو في تفعلون, والألف في تفعلان فليس واحد منها حرف إعراب. لأن هذه الأشياء [كلها] فاعلات, والفاعل لا يكون حرف إعراب للفعل, بل هو اسم له حكمه. وليس ما قبل هذه الأسماء من الحروف المجاورة لها بحرف إعراب, لأن ذلك الحرف قد اشتغل بحركات هذه الضمائر. فالفتحة في لام «تفعلان» للألف, والضمة في لام «تفعلون» للواو, والكسرة في [لام] تفعلين للياء. فثبت بهذا التعليل أن هذه / الكلم [47] أفعال معربات لا حرف إعراب فيها. فهذا مذهب المحققين, فاعرفه. فإذا قيل لك: ما الفرق بين الألف في قولك «القائمان» وفي قولك «يقومان» , والواو في قولك «القائمون» [وفي قولك] «يقومون»؟ . فقل: الألف في [قولك] «القائمان» والو في [قولك] «القائمون» حرف, وهي في [قولك] «يقومان» و «يقومون» اسم. فإن قيل: هذه دعوى.

جملة المرفوعات سبعة

فقل: قد قام الدليل على كون الألف والواو في الأسماء حروفًا, وهو انقلابها في الجر والنصب إلى الياء, لأن التغيير إنما هو للحركات والحروف. وليست كذلك الألف والواو في «تفعلان وتفعلون» لأنها ضمائر. وأنفس الأسماء لا تنقلب. *** وأما قولنا: «وجملة المرفوعات التي تكون فيها إحدى هذه العلامات سبعة, وهي: المبتدأ, والخبر, والفاعل, واسم ما لم يسم فاعلا, واسم «كان وأخواتها» , وخبر «إن وأخواتها» , والفعل المستقبل إذا لم يكن معه ناصب ولا جازم». فإنه لما حصرت علامات الرفع, وهي أربع, حصرت أيضًا جملة المرفوعات بأنها سبع. فواحد من هذه السبعة فعل, وهو الأخير. وستة أسماء, وهي الستة الأول. لأن المبتدأ في الغالب لا يكون إلا اسمًا, وكذلك الخبر إذا كان مفردًا, وكذلك الفاعل, وكذلك اسم ما لم يسم فاعله في الغالب, وكذلك اسم كان وأخواتها وخبر إن وأخواتها. ولما كانت [هذه] الستة متآخية رتبت هذا الترتيب.

فالمبتدأ وخبره أخوان, ومثالهما: الله ربنا, ومحمد نبينا, وإنما كانا أخوين لأن كل واحد منهما هو الآخر [في المعنى] , وعاملهما معنوى. والفاعل واسم ما لم يسم فاعله أخوان, لأن الاسم في كل واحد منها يرتفع باسناد الفعل إليه, المقدم عليه, مثل: ضرب زيد عمرًا, وضرب عمرو. فضرب فعل ماض, وزيد مرفوع بإسناد الفعل إليه, وكذلك ضرب عمرو. واسم كان مع أخواتها وخبر إن مع أخواتها أخوان, لأن المنصوب في كل واحد منهما هو المرفوع [في الآخر] إذا قلت: كان زيد قائمًا, وإن زيدًا قائم, ونحوه. وإنما كان هذان الضربان مشبهين بالفاعل الحقيقي لأن «كان وأخواتها» ليست بأفعال حقيقية, وإنما هي أفعال موضوعة للزمان مجردة من معنى الحدث. و«إن وأخواتها» حروف فلذلك كان مرفوعها مشبهًا بغيره لا حقيقيًا في نفسه. فقد صار الرفع الحقيقي للأربعة الأول, أعني المبتدأ, والخبر, والفاعل, واسم ما لم يسم فاعله. والأصل من هذه الأربعة إنما هو المبتدأ والفاعل, لأن الخبر محمول على المبتدأ, واسم ما لم يسم فاعله قام مقام الفاعل. فقد صار أصل الرفع لشيئين, المبتدأ وما حمل عليه, والفاعل وما أقيم مقامه. فوجب حينئذ معرفة الفرق بين

عامل المبتدأ وعامل الفاعل. فعامل المبتدأ معنوي, وعامل الفاعل لفظي. فإذا قلت: الله ربنا. فاسم الله مبتدأ مرفوع بالابتداء, وهذا الابتداء الذي نشير إليه معنوي, وهذا المعنوي هو كون [هذا]. الاسم على هذه الصفة مبتدأ به, مخبرًا عنه بغيره, مجردًا من العوامل اللفظية. لأنه لو دخل عليه عامل لفظي من باب كان وأخواتها وظننت وأخواتها [وإن وأخواتها] لارتفع حكم الاسم [عن] أن يكون مبتدأ, وصار معمولًا لذلك الفعل اللفظي والحرف اللفظي. وسترى هذا في فصل العوامل إن شاء الله تعالى. وإنما القصد ها هنا حصر المرفوعات, وهي لا تخلو من هذه الأقسام السبعة. وأما قولنا: «والفعل المستقبل يرتفع بالمعنى, وهو وقوعه موقع الاسم وذلك إذا لم يكن معه ناصب ولا جازم. مثاله: هو يفعل ويصنع, [ونحوه]». فجملته أن المعرب من الكلام صنفان: الأسماء المتمكنة, والأفعال المضارعة. فالأسماء المتمكنة هي الأقسام العشرة المذكورة في أول المقدمة, كلها يجوز استعمالها في هذه المرفوعات الستة فيحصل لك من الأصل ستون مسألة, عشر في المبتدأ, وعشر في الخبر, وعشر في الفاعل, وعشر في اسم ما لم يسم فاعله, وعشر في اسم كان, وعشر في خبر إن. فإن خالفت تفرع ذلك وخرجت إلى ما لا يحصى كثرة لكن هذا تنبيه على استعمال المسائل, مثل: فلس جيد

خير من فلس رديء, والفلس الجيد خير من الرديء, وأحمد رجل جيد, والمسلمات مؤمنات, والقاضي عادل, والفتى نشيط, والحبلى مثقلة, وأخوك فلان, والزيدان قائمان, والزيدون قائمون. كل هذا مبتدأ وخبر. وكذلك إذا استعملتها أخبارًا, / وكذلك إذا استعملتها فاعلات, وكذلك إذا استعملتها في [48] بقية الأبواب الستة استعملتها على [حد] ما يوجبه حكم كل باب منها. فإذا صح لك ذلك في باب الأسماء المظهرة انتقلت إلى الأسماء المضمرة واستعملتها في هذه الستة على [حد] ما مثلنا في فصل المظهرة. ثم إذا فرغت من المضمرات انتقلت إلى أسماء الإشارة, ثم إلى الأسماء الموصولة. فإما الاستفهامية فلا مدخل لها في باب الفاعل, ولا في باب ما لم يسم فاعله, ولا في باب كان وأخواتها, ولا في باب إن وأخواتها. وإنما تقع أسماء الاستفهام في باب المبتدأ, لأن المبتدأ أول, وأسماء الاستفهام لها صدر الكلام, مثل: من عندك. وتقع خبرًا مثل: أين زيد, لأن الخبر قد يتقدم على المبتدأ. وقد تجمع المسائل الكثيرة في مسألة واحدة فيكون الكل مبتدأ, مثل: زيد والرجل وأحمد والمسلمات والقاضي, وكذلك البقية, ثم تقول: عندي, فتأتي بالخبر. وتقول: هذا زيد والرجل وأحمد والمسلمات والقاضي, وتسوق الباب إن شئت, فتكون خبر المبتدأ, الذي هو «هذا». وكذلك في باب الفاعل, وبقية الأبواب. وإنما أشير إلى مثل هذا لتتدرب في المسائل.

المبني على الضم

فهذه أحكام في الأسماء المعربة [المتمكنة] وغير المتمكنة. وأما الفعل المستقبل فرفعه من جهة واحدة, وهو وقوعه موقع الاسم. وهو إذا لم يكن معه ناصب ولا جازم. فإذا قلت: «هو يفعل» , فـ «هو» اسم مضمر مبتدأ مرفوع الموضع, و «يفعل» فعل مستقبل مرفوع, لأنه لا ناصب معه ولا جازم, وموضعه موضع رفع خبر المبتدأ. ولو وقع صفة لكان كذلك مثل: هو رجل يفعل, فيفعل مرفوع, وموضعه موضع رفع صفة لرجل. وإذا وقع خبرًا لكان فهو كذلك, مثل: كان زيد يفعل, إلا أن موضع «يفعل» نصب في التقدير لكونه خبرًا لكان. وكذلك إذا وقع في باب «إن» كان على حاله, وموضعه رفع لأن خبر «إن» مرفوع, مثل: إن زيدًا يفعل. ولو دخله الناصب لنصبت وقلت: إن زيدًا لن يفعل, واعتقدت أن موضع الجملة - التي هي خبر - رفع, والتقدير إن زيدًا غير فاعل. وكذلك مع الجزم [مثل]: إن زيدًا لم يخرج, موضع الجملة رفع, فلا يختلف الحكم في الأصول المقدرة من جميع ما ذكرات. *** وأما قولنا: «فهذه جملة المرفوعات, وما عداها فمبني على الضم, وليس بمرفوع. وذلك ثلاثة أنواع. نوع من الأسماء المناداة, وهو كل اسم مفرد

معرفة أو مخصوص, مثل: يا زيد, ويا رجل. وقوع من الظروف والغايات, وهو كل ما قطع عن الإضافة, مثل قبل وبعد. ونوع من المضمرات, وهو تاء ضمير المتكلم» , مثل: فعلت, «ونون ضمير الجماعة». مثل: نحن, «وكاف خطاب الاثنين والجماعة والتاء منهما» , نحو قولك: أنتما وأنتم وأنتن ورأيتكما ورأيتكم ورأيتكن. فإن الغرض في ذكر هذه الأسماء إعلامك الفرق بين آلات الإعراب وآلات البناء. فآلات الإعراب تسمى رفعًا ونصبًا وجرًا وجزمًا. وآلات البناء لم تحدث بعامل فسميت بتسمية لغوية يفهمها المخاطب من أول وهلة بلا كلفة, إذ الضم بضم الشفتين, والفتح بفتحهما مع كونه من الحلق, والكسر بإضجاع اللسان في وسط الفم, والسكون هو سلب الحركات. فلذلك سمي جميع ما في هذا الفصل «ضمًا» لا «رفعًا» , للعلة المذكورة. فهذه التسمية في المبني لغوية, وفي المعرب صناعية. [وأما قولنا]: «فأما شد ومد وما أشبههما من الأفعال فإنما حركته

حركة إتباع لا حركة بناء». فإن حركة البناء ما لزمت طريقة واحدة ولم تفارق, وهذه يجوز فيها الضم على الاتباع, والفتح على التخفيف, والكسر على أصل التقاء الساكنين. مثل شد وشد وشد. فلذلك سميت في حال الضم ضمة إتباع. وليس في الأفعال شيء بني على الضم بناء لازمًا, وإنما جاء الضم لازمًا في الأسماء وفي حرف واحد وهو «منذ» في من جر بها. والأسماء [مثل]: قيل وبعد إذا قطعا عن الإضافة, كقوله سبحانه (لله الأمر من قبل ومن بعد). أصله لله الأمر من قبل الأشياء ومن بعد الأشياء, فقطع قبل وبعد عن [هذه] الإضافة, وضمنا معناها فأشبها الحرف فبنينا بناء الحرف, وأعطيا الحركة لأن لهما أصلًا في التمكن, وخصا بالضمة لأنها حركة لا تكون للظرف إعرابًا فلم تلتبس بحركة الإعراب. وأما الضمة في المنادي مثل: يا زيد ويا رجل, فإنها ضمة بناء تشبه حركة الإعراب. فكونها حركة بناء لوقوعها موقع حروف للخطاب من جهة لزومها لكل اسم مفرد علم أو منزل منزلته. فكون ذلك مطردًا اطرادًا شائعًا أشبه [49] الفاعل في اطراده في بابه /, فأشبهت لذلك حركة الإعراب. ولذلك جاز

أن يحمل النعت على لفظها [وأن يحمل على موضعها] , بخلاف غيرها من حركات البناء الموغلة في البناء, ألا تراك تقول: يا زيد العاقل, بالرفع - إن شئت - حملًا على اللفظ, والعاقل, بالنصب, حملًا على الموضع. ولا يجوز مثل هذا في «يا هؤلاء الظرفاء» , بالجر حملًا على كسرة الهمزة من «هؤلاء» , لأن هذه حركة لا تشبه حركات الإعراب. فاعرف الفرق بين حركة الإعراب الخالصة وبين حركة البناء الخالصة, وبين حركة البناء المشبهة بحركة الإعراب وبين حركة الإعراب المشبهة بحركة البناء. فالأول: زيد, والرجل, وأحمد, والمسلمات ونحوه. كل هذه حركات إعراب خالصة, يحمل التابع على لفظها, ويعطى أحكام الإعراب الصحيح الخالص. والثاني مثل: هؤلاء, وأمس, ونزال, وتراك, وأحد عشر إلى تسعة عشر, ونحوهن. وقبل, وبعد, ونحن, وفعلت وصنعت. كل هذه حركات بناء خالصة لا يجوز حمل التابع على لفظها. والثالث مثل حركة المنادى المضموم, من نحو: يا زيد, ويا عمرو, ويا رجل. فهذه حركة بناء تشبه حركة الإعراب, فلذلك جاز حمل النعت بالمفرد على لفظها, مثل: يا زيد العاقل. والرابع مثل فتحة ما لا ينصرف في حال الجر, وكسرة [التاء مع] جمع المؤنث في حال النصب, من قولك: مررت بأحمد, فهذه حركة إعراب تشبه حركة البناء, ولأجل هذا لم يحمل النعت على لفظها, لا تقول: مررت بأحمد الظريف, حملًا على الفتحة, وإنما تجر فتقول: [مررت] بأحمد الظريف. وكذلك:

رأيت المسلمات الصوالح, ولا تقول «الصوالح» , حملًا على كسرة التاء, لأنها كسرة إعراب تشبه حركة البناء, فلم يحمل النعت عليها, كما لا يحمل النعت على حركة البناء الخالصة, تقول: هؤلاء النساء المطلقات, فالنساء نعت لهؤلاء على الموضع دون اللفظ لما ذكرت لك. فهذه فائدة, معرفة حركات الإعراب الخالصة وغير الخالصة, وحركات البناء الخالصة وغير الخالصة. ***

الفصل الخامس: فصل النصب

الفصل الخامس: فصل النصب قال الشيخ رحمه الله: أما قولنا: «النصب ما جلبه عامل النصب». فإنه على حد ما ذكرناه في فصل الرفع وبيناه من الفرق بين آلة الإعراب وآلة البناء. «وعلاماته كلها خمس» , على ما ذكر, «الفتحة والألف والياء والكسرة وحذف النون والأصل منها الفتحة». وإنما كانت أصلًا من حيث أنها حركة غير محمولة على غيرها إذا قلت: «رأيت زيدًا وعمرًا». وليس كذلك الكسرة التي في هذا الباب من قولك: «رأيت الهندات» لأنها محمولة على غيرها. فعلمت أن الفتحة وحدها هي الأصل في هذا الباب, كما كانت الضمة هي الأصل في علامات الرفع. «وهذه الفتحة تكون في الأسماء والأفعال, السالمة والمعتلة, سوى المعتل بالألف». فإن المعتل بالألف مثل: موسى وعيسى والفتى والمولى [ونحوه] لا يظهر في لفظه فتحة نصب, لأن الألف لا تتحرك بحال, إذ تحريكها يؤدي إلى قلبها, وقلبها يؤدي إلى تحريك أصلها, وتحريك أصلها يؤدي إلى الثقل. فلذلك اجتنب تحريكها, فوجب أن تكون ساكنة أبدًا, منصرفة كانت أو غير منصرفة, منفردة كانت أو مضافة. فالمفرد كقولك: رأيت مولى والمولى, والمضاف مثل: رأيت مولاه ومولات ومولاي, فتحة النصب في جميعة مقدرة. وليست هذه الفتحة في «مولاي» فتحة نصب, وإنما هي فتحة بناء على ياء النفس. لأن المضمرات مبنيات وحركاتها حركات بناء. فان أضفت هذا المعتل إلى ظاهر, فلا يخلو [من] أن يكون أوله ساكنًا, أو ليس أوله ساكنًا.

فإن كان أوله ساكنًا مثل: الرجل والغلام وابن واسم, فإنها تنحذف في اللفظ لالتقاء الساكنين, وتثبت في الخط. مثل: مولى الرجل, ومولى ابنك. ولا يجوز إثباتها بحال في اللفظ, لأنك تجمع بين ساكنين وهذا لا يجوز. وهذا شيء عرض حسب ما أردت وفقك الله للصواب. «والألف تكون في الستة الأسماء المعتلة المضافة». مثل: رأيت أباه وأخاه, وباقيها. فإن صغرتها ذهبت الألف وعاد النصب إلى الفتحة, فتقول: رأيت [50] أخيه وأبيه. وكذلك الباقي. لأن لام / الكلمة قد رجعت في التصغير, فخرجت من الاعتلال ولحقت بإعراب الصحيح. «والياء تكون في التثنية والجمع [المذكر] السالم». مثل: رأيت الزيدين والزيدين, علامة النصب الياء. وكذلك إذا أضفت, مثل: رأيت زيديه وزيديه, لأن النون سقطت للإضافة, فبقيت الياء علامة النصب. وإن أضفت إلى نفسك قلت: رأيت زيدي العاقلين وزيدي العاقلين, فعلامة النصب الياء الأولى المدغمة في ياء النفس. لأن الياء الأولى هي ياء الإعراب الساكنة, والثانية هي ياء الإضافة. ووقع الفرق بين المثنى والمجموع بانفتاح ما قبل ياء التثنية وانكسار ما قبل ياء الجمع. ولو نسبت إلى «زيد» لقلت: رأيت الزيدي, وكانت علامة النصب الفتحة, لأن حرف الإعراب الآن هو ياء النسب المشددة. وكل مشدد فنصبه بالفتح, كما أن رفعه بالضم وجره بالكسر.

«والكسرة تكون في جمع المؤنث السالم». مثل رأيت الهندات, وأكرمت الزينبات. علامة النصب كسرة التاء, وهي محمولة على حركة الجر, وهي فرع, على ما قلناه. ولا تزول هذه التاء في إضافة ولا غيرها. «وحذف النون يكون في تثنية فاعل الفعل وجمعه والواحدة المؤنثة». مثل: لن تفعلا, ولن تفعلوا, ولن تفعلي. علامة النصب حذف النون. وكذلك إذا دخلت المضمرات التي هي مفعولات, مثل: لن يضرباك, ولن يضربوك, ولن يضرباه, ولن يضربوه, ولن تضربيه. كله منصوب, وعلامة نصبه حذف النون. فإن كان المفعول ضمير المتكلم دخلت نون الوقاية. فقلت: لن تضرباني, ولن تضربوني, ولن تضربيني. علامة النصب حذف النون الأولى. أصله «تضربيني» , فالأولى علامة الرفع ذهبت لأجل الناصب, والثانية نون الوقاية التي تقع عليها كسرة الياء. ولا يجوز حذف هذه النون بغير ناصب, لو قلت: أنت تضربينني, لم يجز. وكذا: هما يضرباني, لأنك حذفت النون التي هي علامة الرفع, ولا يجوز حذف علامة الرفع بغير عامل. فأما قراءة من قرأ: (أتحاجوني) , بتخفيف النون, فإن المحذوف هي النون الثانية. ولا يجوز أن تكون المحذوفة [هي النون] الأولى, لأن [النون] الأولى

جملة المنصوبات أحد عشر

علامة الرفع لا تزول إلا بعامل, أو ما يوجب زوالها. *** وأما قولنا: «وجملة المنصوبات التي تكون فيها إحدى هذه العلامات المذكورة أحد عشر». فإنه لما حصر فيما تقدم علامات الرفع والمرفوعات حصر في هذا الفصل أيضًا علامات النصب والمنصوبات. فعلامات النصب خمس, وقد ذكرت, والمنصوبات في أنفسها أحد عشر: «المفعول المطلق, والمفعول به, والمفعول فيه, والمفعول له, والمفعول معه, والحال, والتمييز, والاستثناء, وخبر كان وأخواتها, واسم إن وأخواتها والفعل المستقبل إذا كان معه ناصب. فالخمسة الأول هي الحقيقية, والستة التي بعدها مشبهة بالمفعول الحقيقي». [وإنما كانت الأول حقيقية] لأن في الفعل على كل واحد منها دلالةً قوية, فهي تدل على المفعول المطلق بلفظه, مثل: ضربت ضربًا. وعلى المفعول به بمعناه واقتضائه له, مثل: ضربت زيدًا. وعلى المفعول فيه - وهو ظرف الزمان والمكان - بمحله, إذ لا يفعل فعل إلا في زمان أو مكان مثل: فعلت كذا وكذا في وقت كذا وكذا في مكان كذا وكذا. وتدل على المفعول له بعلته إذ لا يفعل الفاعل فعلًا إلا لعلة - ما لم يكن ساهيًا أو مجنونًا -, مثل: جئتك ابتغاء الخير, ونحوه. والمفعول معه يدل على ما يصاحبه بحكم القرينة والصحبة, مثل:

المفعول المطلق

استوى الماء والخشبة. فلما كانت هذه الخمسة يدل عليها الفعل دلالة قوية كانت هي المفعولة الحقيقة, والستة التي بعدها مشبهة بالمفعول على ما يأتي بيانه, [إن شاء الله تعالى]. *** قال الشيخ رحمه الله: فالأول يذكر للبيان عن تأكيد الفعل أو عدد مراته أو بيان نوعه. فالتأكيد مثل: ضربت ضربًا, وأكلت أكلًا. وعدد المرات [مثل]: أكلت أكلةً وضربت ضربةً. وبيان النوع مثل: ضربت ضربًا شديدًا. فشديدًا نعت وبيان للضرب الذي / هو مصدر. وجميع هذه [51] الأقسام منصوبة بالفعل المذكور انتصاب المفعول المطلق. وإنما سمي مفعولًا مطلقًا لأن الفعل أطلق عليه من غير تقييد بحرف, لا في اللفظ ولا في المعنى, ولا في اللفظ ظاهر ولا في المعنى مقدر. لأنه لو قيل [لك]: من فعل الضرب؟ . لقلت: فعله فلان, بخلاف المفعول به وما عداه من المفعولات, لأنه يقال فيما عداه «بمن فعل الضرب»؟ , فتأتي بالياء, و «في أي زمانٍ

فعل الفعل»؟ , فتأتي بفي, و «في أي مكان فعل الفعل»؟ , فتأتي بفي. و «لأي أمر فعل [الفعل]» , فتأتي باللام, «ومع أي شيء فعل [الفعل» , فتأتي بمع]. فتجد هذه المعاني كلها مقيدة بحرف, خلاف المصدر الذي أطلق الفعل عليه بنفسه, فلذلك سمي مفعولًا مطلقًا. *** والثاني هو المفعول به يذكر للبيان عن من وقع به الفعل. ولما كان الفعل يقع على واحد, ويقع على اثنين مختلفين, ويقع على اثنين متفقين, ويقع على ثلاثة مختلفين ومتفقين, ويقع على شيء بواسطة, وعلى شيء بلا واسطة, احتجنا إلى أن نمثل في هذه المقدمة من كل بمثال لتقيس عليها سائر المثل. فمثال ما يتعدى إلى واحد «ضربت زيدًا» , لأن «ضربت» يقتضي مضروبًا فنصبته. وكذلك جميع أفعال الحواس الخمس, وهي نظرت وشممت وذقت ولمست وسمعت, لأن النظر يقتضي منظورًا والشم يقتضي مشمومًا,

والذوق يقتضي مذوقًا واللمس يقتضي ملموسًا, والسمع يقتضي مسموعًا. فنصبت جميع ذلك فقلت: نظرت الشخص, وشممت الطيب, وذقت الطعام, ولمست الثوب, وسمعت الصوت وتفصيلات هذه العمومات تجري مجراها, فقس عليها نظائرها. وكذلك ما كان في معاني هذه الأفعال, وإن لم تكن بلفظها فإنها تجري في التعدي مجراها. ومثال ما يتعدى إلى اثنين مختلفين: «أعطيت زيدًا درهمًا» , و «كسون عبد الله ثوبًا» , ونحوه مما ليس المفعول الأول هو الثاني, ولا الثاني هو الأول. والأول فاعل بالثاني في المعنى, لأنك أعطيت زيدًا الدرهم فأخذه منك. وكذلك كوته ثوبًا, لأنك الكاسي وهو المكسو. فكل ما كان من هذا النوع جاز أن تأتي بالمفعولين جميعًا, [تقول: أعطيت زيدًا درهمًا] , وهو غاية البيان في مثلهما, وأن لا تأتي بهما [جميعًا] , وهو غاية الإبهام في مثلهما, فتقول: أعطيت, وجاز أن تقتصر على أحدهما, وهو التوسط في البيان, مثل: أعطيت زيدًا, ولا تذكر ما أعطيته, وأعطيت درهمًا, ولا تذكر من أعطيته. وأكثر ما تترك هذه الأشياء اختصارًا, وإلا فالكلام موضوع للبيان, ومن هما يختلف المفسرون في تفسير الجملة الواحدة اختلافًا كثيرًا عند حذف مفعولاتها ومعمولاتها التي تقتضيها فيفسر كل منهم بما يوضحه له الدليل الشرعي أو العقلي.

ومثال ما يتعدى إلى المفعولين المتفقين ظننت زيدًا عاقلًا, وما كان من بابه مثل: حسبت وخلت وعلمت ورأيت ووجدت وزعمت ونبئت وأنبئت وأريت وأعلمت وخبرت وأخبرت وحدثت. فهذه الأربعة عشر إذا ذكرت أحد المفعولين لم يكن بد من ذكر الآخر معه, لأن الأصل هو الابتداء والخبر قيل دخول هذا الفعل. فكما أن المبتدأ لابد له من الخبر, والخبر لابد له من المبتدأ, كذلك إذا ذكرت أحد المفعولين لم يكن يد من [ذكر] الآخر. فإن حذفتهما معًا جاز, وكان بمثابة من لم يذكر مبتدأ وخبرًا بالجملة, واقتصر بالإخبار على الظن, ولم يذكر من ظن ولا ما ظن. ومثال ما يتعدى إلى ثلاثة [مفعولين]: أعلمت زيدًا قائمًا, وأخواتها من أريت وأنبأت وأخبرت وخبرت وحدثت, كلها تتعدى إلى ثلاثة

[مفعولين]. وكان أصلها قبل الهمزة والتضعيف أن تتعدى إلى اثنين على ما تقدم, وكسبت الهمزة والتضعيف مفعولًا ثالثًا. والمفعول الثالث الذي نشير إليه هو [الفاعل] من قولك: علم زيد عمرًا منطلقًا, ثم تقول: أعلمت زيد عمرًا منطلقًا. فزيد الذي كان فاعلًا في الفعل الثلاثي صار ها هنا مفعولًا أولًا مع الفعل الرباعي. ولهذا اختلفوا في المفعول الأول هل يجوز حذفه أولا يجوز حذفه على قولين, ولم يختلفوا في المفعول الثاني أنه لا يجوز حذفه, ولا في المفعول الثالث/, لأن أصل الاثنين الآخرين من المبتدأ والخبر, فقد عاد إلى حكم [52] الأصل. فقس على ذلك. ومثال ما يتعدى بواسطة: مررت بزيدٍ, ونزلت على عمروٍ, لأن هذا الفعل لا يدل على ممرور به بنفسه, ولا منزول عليه بنفسه. فلذلك احتاج إلى واسطة. ولو أردت أن تعديه بالهمزة لم تجمع بينها وبين حرف الجر, لأن القصد تعدية الفعل, فبأي شيء حصل أغنى عن غيره, ولم تجمع بينه وبينها.

المفعول فيه

فمن ها هنا تقول: أدخلت زيدًا الدار, ودخلت بزيدٍ الدار, ولا يجوز «أدخلت بزيد الدار» فتجمع بين الهمزة والباء. ومثال ما يتعدى بنفسه تارة وتارة بحرف جر, وهي أفعال قليلة تحفظ ولا يقاس عليها, مثل: شكرت زيدًا, وشكرت لزيدٍ, ونصحت زيدًا, ونصحت لزيدٍ, وكلت زيدًا, وكلت لزيدٍ, ووزنته ووزنت له. وإنما كان هذا مسموعًا غير مقيس لأنه ينبغي أن تكون دلالة الفعل [على المفعول] دلالة متفقة غير مختلفة, ودلالة المتعدي دلالة المتسلط بنفسه, ودلالة المتعدي بحرف جر دلالة المتسلط بغيره. فلذلك وقف [هذا] على المسموع. *** [قال الشيخ رحمه الله]: والمتعجب منه يلحق بالمفعول به مثل: ما أحسن زيدًا. وإنما كان ملحقًا به لأن أصله «حسن زيد» فلما دخلت الهمزة عدته ولزم طريقة واحدة. وجعلناه لاحقًا بالمفعول به ولم نجعله حقيقيًا في بابه لأنه قد عرضت أشياء تمنع من التصرف فيه بالتقديم والتأخير. قال الشيخ رحمه الله: والمنادى المضاف والمشبه به يلحق به أيضا مثل: يا عبد الله, ويا رفيقًا بالعباد. لأن حرف النداء ناب مناب الفعل, فكأنه قال: أنادي عبد الله, وأدعو رفيقًا بالعباد, فناب الحرف عن الفعل, فكان ملحقًا ولم يكن حقيقيًا في كونه مفعولًا به. *** «والثالث يذكر للبيان عن أي زمان وأي مكان وقع فيهما الفعل, مثل: قمت يوم الجمعة أمام فلان, ونحوه. وشرطه أن يكون مضمنًا معنى (في)».

فهذا [هو] المفعول فيه, وهو ظرف الزمان والمكان. لأن ظرف الزمان ما تقضت عليه الليالي والأيام. وظرف المكان ما استقر فيه وتصرف عليه, لكن ظرف الزمان يتعدى إليه الفعل بنفسه, مبهمًا كان أو مختصًا, مثل: قمت يوم الجمعة, ويومًا من الأيام. لأنه يدل عليه دلالة قوية, وهي دلالة الصيغة. وليس كذلك مع المكان, لأنه يتعدى إلى المبهم منه بنفسه, وهي الأقطار السته, مثل: قمت أمام فلان وخلفه ويمينه وشماله وفوقه وتحته, إذ لا يخلو فعل من الأفعال أن يكون في أحد هذه الأقطار, فهو يقتضيه, فلذلك تعدى إليه. وليس كذلك الأمكنة المخصوصة التي لها أقطار تحصرها ونهايات تحيط بها, مثل [الدار] والبلد والمسجد والسوق وما أشبه ذلك, لأنه ليس في الفعل دلالة عليه, بل يصلح لها ولغيرها, فجرت مجرى «مررت» الذي لا يتعدى إلى «زيد» إلا بحر جر, فلذلك تقول: قمت في الدار, وفي البلد, وفي السوق, وفي المسجد. ولا يجوز حذف حرف الجر. فاعرف الفرق بين المبهم والمختص فإنه أصل كبير. فأما قولهم: دخلت البيت, وذهبت الشام, ففعلان موقوفان على السماع, وأصلهما أن يتعديا بحرف الجر وأن تقول: دخلت إلى البيت, وذهبت إلى الشام. ولكنه اتسع في حذف الجار مع هذين الفعلين لكثرة الاستعمال. ومن الناس من يجعل «دخلت» متعديًا بنفسه لما رأى استمرار ذلك وانتشاره. وليس بصحيح عند المحققين. لأن ضد دخلت «خرجت» , ونظيره «عبرت» كلاهما لا يتعدى إلا بحر فالجر, مثل: خرجت من الدار, وعبرت في الدار, وكذلك ينبغي أن تكون دخلت. ولأن مصدر دخلت الدخول,

المفعول له

والغالب على وزن الفعول أن لا يتعدى فعله, مثل: قعد قعودًا, ومضى مضيًا, وما أشبه ذلك. ومتى كنيت عن ظرف الزمان والمكان وأنت تريد الظرفية أعدت فيه ذكر الجار, لأنه ليس في المضمر دلالة على الظرفية. فلذلك تقول: «قمت فيه» , وأنت تعني زمانًا, و «قمت فيه» , وأنت تعني [مكانًا] , خلقًا, أو أمامًا, لأن المضمر يرد الأشياء إلى أصولها, والأًل في الظرفين من الزمان واةلمكان أن يكونا متضمنين لـ «في» , لأن «في» حرف معناه الوعاء. *** «والربع يذكر للبيان عن علة الفعل وعذره, مثل: جئته قضاء حقه, وكلمته طمعا في بره». فهذا هو المفعول له. «وشرطه أن يكون مصدرًا من غير لفظ الأول, مقدرًا باللام, عذرًا لفعلك, وجوابًا لقائل قال: لم فعلت». وهذا كله موجود في قولك: «جئته قضاء حقه» , لأن القضاء مصدر ليس من لفظ «جئت». وتقديره باللام, أي لقضاء حقه. وهو عذر لمجيئك, [53] لأنك لم تجيء إلا لقضاء الحق. وهو جواب القائل قال: / لم جئت؟ . فقلت: قضاء حقه. وكذلك «كلمته طمعًا في بره» , الشرائط الخمس موجودة. وكذلك كل مفعول له كان مصدرا مثل قوله تعالى: (يجعلون أصابهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت) , فحذر الموت مصدر فيه الشرائط كلها.

المفعول معه

وقد يأتي بغير مصدر فلا يكون بد من اللام, كقولك: جئتك لزيدٍ, أي لأجل زيدٍ. فهذا فيه أربع شرائط, ولزمت اللام لتدل على المفعول له, لأن المختص بهذا الباب هو اللام, كما أن المختص بالظرف هو «في». *** والخامس يذكر للبيان عن مصاحبة الفعل ومقارنته مثل: استوى الماء والخشبة, وخلا زيد ورأيه. فهذا مفعول معه. وإنما سمي مفعولًا معه لأنه يقدر بمع, والأصل: استوى الماء مع الخشبة. فعملت ثلاثة أشياء: حذفت «مع» , وأقمت «الواو» مقامها, ونقلت إعراب «الخشبة» من الجر إلى النصب. فقد عملت ثلاثة أشياء. ومثله: «خلا زيد ورأيه» في العمل. ومثله كل مفعول معه, مثل قوله تعالى: (فأجمعوا أمركم وشركاءكم) , أي مع شركائكم. وإنما لم يكن «الشركاء» معطوفين على «الأمر» لأن العرب تقول: أجمعت أمري وجمعت شركائي, فلو كان معطوفًا على «الأمر» لصار التقدير «أجمعوا أمركم وأجمعوا شركاءكم» , وهذا خلاف اللغة المستقرة فأما من قرأ (وشركاؤكم) بالرفع, فإنه معطوف على الضمير في «أجمعوا» , وهو الواو, ولم يحتج إلى تأكيد لأن طول الكلام قد سد مسد التأكيد.

الحال

فأما قوله تعالى: (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك) فإنه يحتمل تأويلين, أن يكون مفعولًا معه, أي «فاستقم مع من تاب معك كما أمرت» , فتكون «من» في موضع نصب. ويجوز أن تكون معطوفة على ضمير الفاعل في «استقم» , فتكون «من» في موضع رفع, أي «فاستقم أنت ومن تاب معك كما أمرت» , وسد طول الكلام مسد التأكيد. ولا يحسن أن يكون معطوفًا على التاء من «أمرت» لأن الضمير المرفوع في مثل هذا لا يحسن العطف عليه إلا بعد تأكيده. والعامل أبدًا في المفعول معه يكون فعلًا لا معنى فعل. فالفعل مثل: استوى الماء والخشبة, ونحوه. والمعنى الذي لا يجوز أن تقول: زيد في الدار وعمرًا, لأن العامل معنى وليس بفعل. فإن صرحت بـ «مع» جاز أن تقول: زيد في الدار مع عمروٍ, لأنك إن اعتقدت في «مع» أنها حال, فالأحوال تعمل فيها المعاني. وإن اعتقدت أنها ظرف, فالظروف تعمل فيها المعاني فلذلك جازت المسألة مع «مع» , ولم تجز مع «الواو». *** والسادس يذكر للبيان عن هيئة الفاعل والمفعول, منتقلًا, أو مقدرًا, أو موطئًا, أو مؤكدًا. مثل: جاء زيد ضاحكًا, وهذا زيد صائدًا غدًا, وهذا كتاب مصدق لسانًا عربيًا, وهو الحق مصدقًا». فهذا أول المفعولات الخمسة المشبهة بالمفعول به وهو الحال. وإنما كانت

الحال مشبهة ولم تكن حقيقية لأنها تعمل فيها المعاني, ولأنها صفة الفاعل والمفعول في المعنى. وإنما الفرق بينهما وبين الصفة أن الصفة ثابتة مستمرة مع الموصوف, والحال منتقلة. فإذا قلت: جاء زيد الضاحك, فالضاحك صفة له في حال مجيئه, وفي غير حال مجيئه. فإذا قلت: جاء زيد ضاحكًا, فالضحك حال له في حال مجيئة, بخلاف الصفة, ولذلك كانت منتقلة, ومقدرة بالمنتقل وموطئة للمنتقل. فالمنتقل مثل: جاء زيد ضاحكًا. والمقدر بالمنتقل: هذا زيد صائدًا غدًا, لأن تعليق «غدًا» بصائد دليل على أنه ليس بصائد في حال الإشارة إليه, وإذا لم يكن صائدًا في حال الإشارة إليه وجب أن يقدر بما ثنتقل, وهو قولك «مقدرًا» , كأنك قلت هذا زيد مقدرًا الصيد غدًا, أو ناويًا الصيد, أو معتقدًا. وكل هذه تنتقل وهي الحال في الحقيقة. والحال من المشار إليه وهو «ذا». والعامل في الحال ما يظهر في «ذا» من معنى الإشارة, أو ما في «ها» من معنى التنبيه. (وهذا كتاب مصدق لسانًا عربيًا). فـ «هذا» مبتدأ, و «كتاب» خبره, و «مصدق» نعته, و «لسانًا» حال - في أحد الوجهين, لأنك لما نعت اللسان بعربي - والصفة والموصوف كالشيء الواحد - صارت الحال بالمشتق, وصار «عربيًا» هو الموطيء لكون اللسان حالًا, وليس حقيقة اللسان أن يكون حالًا لكونه جامدًا لولا ما ذكر من الصفة. وقوله تعالى (وهو الحق مصدقًا) حال من «الحق) مؤكدة, فـ «هو»

مبتدأ, و «الحق» الخبر. ومعلوم أن الحق مصدق, فلم تفد هذه الحال إلا التأكيد لأنها لا تنتقل, والعامل فيها معنى الجملة التي دل عليها «هو الحق» , فلم يجز تقديمها على «الحق» , ولا على ما قبله, لأن العامل معنى فلم يتقدم معموله عليه فاعرف ذلك. «وشرطه أن يكون نكرةً, مشتقةً, تأتي بعد معرفة, قد تم الكلام / [54] دونها, مقدرةً بفي, منتقلة». فالعلة في كونها نكرة أنها فضلة في الخبر, وأصل الخبر أن يكون نكرة وكذلك يجب في فضلته. ولأنها مشبهة للتمييز في البيان فوجب أن تكون نكرة كالتمييز. فإن قيل: فما تصنع بقولهم: رجع عوده على بدئه, وطلبته طاقتك وجهدك ودخلوا الأول فالأول, ونحوه, وهذه أحوال كلها معارف؟ قيل: ليست بأحوال على الحقيقة وإنما هي معمولة للأحوال, والتقدير: رجع يعود عوده, أي عائدًا عوده. وطلبته تجتهد جهدك, أي مجتهدًا جهدك. ودخلوا الأول فالأول, أي دخلوا متفرقين الأول فالأول. فحذفت هذه الأحوال وأقيمت معمولاتها مقامها. فالحال باقية على تنكيرها. والعلة في كونها مشتقة كما ذكر أنها صفة في المعنى, وأصل الصفات أن

تكون بالمشتقات. فإن قيل: فما تصنع بقوله سبحانه (هذه ناقة الله لكم آية) فآية حال وليست بمشتقة؟ . قيل: هي في معنى المشتق لأن الآية العلامة, والعلامة اسم واقع موقع المصدر, والمصدر مشتق, فهو يعود إلى الاشتقاق. والعلة في كونها تأتي بعد المعرفة أنها فضلة في الخبر, وأصل الخبر أن يكون بعد المعرفة. فإن قيل: فما تصنع بقوله عز وجل (فيها يفرق كل أمرٍ حكيم. أمرًا من عندنا) فهذه حال من نكرة لأنها حال من «كل أمر»؟ . قيل: صاحب الحال وإن كان نكرة فقد وصف, والصفة تقرب النكرة من المعرفة, فجاز لذلك. والعلة في مجيئها بعد تمام الكلام أنها زائدة في الخبر, فينبغي أن تكون لا تأتي زائدة إلا بعد شيء قد تم. فإن قيل: «فما تصنع بقولهم: ضربي زيدًا قائمًا, ونحوه من الأحوال التي جاءت ولم يتمم الكلام على ما قبلها؟ . قيل: هذا وشبهه مقدر بالتمام لأن «ضربي زيدًا» في معنى «ضربت زيدًا» , أو في معنى «ضربي زيدًا إذا كان قائمًا». فحذف الخبر وسد الحال مسد الخبر. والعلة في كونها مقدرة بفي أنها مشبهة بالظرف, فقدرت بفي كما تقدر

الظروف والعلة في كونها منتقلة أنها هيئة الفاعل والمفعول, والهيئات متغيرات لكونها معاني حادثات, متصرفات أحوالها, غير لازمات. «ومتى كان عامل الحال فعلًا متصرفًا جاز تقديمها على العامل. ومتى كان معنى فعل لم يجز. مثال المتصرف: جاء زيد ضاحكًا, ونحوه. ومثال معنى الفعل: هذا زيد ضاحكًا, ونحوه». فإنما نعني أنه يجوز في حال «جاز يد ضاحكًا» وشبهه ثلاثة أوجه, هذا الذي وقعت حاله أخيرًا «جاء زيد ضاحكًا» , «وجاء ضاحكًا زيد» , «وضاحكًا جاء زيد» , لأن العامل إذا تصرف في نفسه تصرف في معموله كالمفعول به, وليس كذلك إذا كان العامل معنى فعل مثل: هذا زيد ضاحكًا, لا يجوز تقديم «ضاحكًا» على «هذا» بحال, لأن «هذا» عامل معنوي, والعامل المعنوي يضعف عن رتبة العامل اللفظي القوي. بل يجوز «هذا ضاحكًا زيد» بالتوسط, لأنه على كل حال بعد العامل, وهو «ذا» أو «ها». وكذلك يجوز «ها ضاحكًا ذا زيد» , إن كان العامل «ها» جاز, لأنه قبله. وإن كان العامل «ذا» لم يجز. فقس على ذلك. وتجري مجرى اسم الإشارة الظروف وحروف الجر إذا وقعت أخبارًا, كقولك:

التمييز

زيد في الدار ضاحكا, فضاحكا حال, والعامل فيه «في الدار» النائب عن الاستقرار, ولا يجوز بحال «ضاحكًا زيد في الدار». فإن قلت: زيد ضاحكًا في الدار, فوسطت الحال فالأخفش يجيزها, وسيبويه لا يجيزها. وعلة سيبويه ظاهرة, وهو أنه قد تقدمت الحال على عاملها المعنوي. وعلة الأخفش أن تقديم الحال على أحد الجزأين كلا تقدم, لأن زيدًا مبتدأ فهو مطالب بخبره, وخبره في نية التقديم إلى جانبه, وإذا كان في نية التقديم إلى جانبه صارت الحال كأنها بعده. فاعرف ذلك. فإن قلت: إن في الدار قائمًا زيدًا, اتفق الكل على إجازته وإن كانت متوسطة, لأنها على المذهبين بعد العامل - وهو الظرف - وإن كان المذهبان مختلفين. وبالله التوفيق. *** ثم قال [الشيخ رحمه الله]: والسابع يذكر للبيان والتفسير والتبيين للجنس. وشرطه أن يكون نكرة, جنسًا, مفردًا, مقدرًا بمن. مفسرًا لمعدود أو موزونٍ أو مكيلٍ أو ممسوحٍ أو مقدر بالمسوح, أو لشيء مبهم. وهو يقع بعد الفاعل في مثل: تفقأ زيد شحمًا, وبعد النون في مثل: عشرون

درهما, وبعد التنوين في مثل: رطل زيتا, وبعد المضاف إليه في مثل: لله دره فارسًا, وبعد المقدر بالتنوين في مثل: أحد عشر درهمًا». [55] فإن العلة في المجيء بالتمييز إنما هو للبيان. والبيان/ يسمى تفسيرًا وتبيينًا. فإذا قلت: عشرون درهمًا, فإن شئت قلت ينتصب على التبيين. وإن شئت قلت على التفسير, أو على التمييز, كله بمعنى واحد. والعلة في كونه نكرة شبهه بالحال لأنه مبين كتبيين الحال, وإن اختلفت الطريقان. فالحال لتبيين هيئة الفاعل والمفعول. والتمييز لتبيين جنس الشيء المفسر في نفسه. والعلة في كونه جنسًا أنه مقدر بمن, و «من» تدخل على الأجناس. والعلة في كونه مفردًا استغناؤه بالمفرد عن الجمع. ومثال كونه مفسرًا لمعدود قولك: هؤلاء عشرون رجلًا, وثلاثون امرأة, وكذلك في جميع الأعداء كان أصله «عشرون» من الرجال» , فحذفت «من» والتعريف ولفظ الجمع, واستغنى بواحد عن جميع ذلك. ومثال كونه مفسرًا لموزون: هذا رطل زيتًا, وأوقيه ذهبًا. ومثال تفسيره للمكيل: هذا إردب قمحًا, وويبة برًا, [وشبهه].

ومثال تفسيره للممسوح: ما في السماء قدر راحةٍ سحابًا, وما في الأرض قدر قبضة نباتًا. ومثال المقدر بالمسوح: على التمرة مثلها زبدًا, وعلى الرغيف مثله دهنًا, [وعلى الرقعة مثلها ذهبًا]. ومثال التفسير لشيء مبهم: عليه شعر كلبين دينا. فجميع هذه المنصوبات [منصوبة] على التمييز والتفسير للاسم الأول, لا يجوز تقديمها على شيء من مفسراتها. فأما وقوع التمييز بعد الفاعل مثل: تفقأ زيد شحمًا, وتصبب عرقًا, فإن في تقديم [هذا] التمييز على عامله خلافًا. فمذهب سيبويه أنه لا يجوز تقديمه على عامله, وهو الصحيح. لا يجيز: شحمًا تفقأ زيد, ولا: عرقًا تصيب فلان. لأن هذا التمييز فاعل في المعنى, والفاعل لا يتقدم على فعله. فإن قيل: كيف كان فاعلًا في المعنى, ومن أين صار منصوبًا بعد أن كان مرفوعًا؟ قيل: الأصل في «تفقأ زيد شحمًا» تفقأ شحم زيد, فالشحم مرفوع يتفقأ, لأن التفقؤ منسوب إليه, ثم اتسع في هذا الكلام بأن قدم المضاف إليه على

المضاف, وهو «زيد» الذي كان مجرورًا بالإضافة, فارتفع بتفقأ فصار «تفقأ زيد شحم» , والفعل لا يكون له فاعلان على غير جهة الاشتراك. فخرج الشحم مميزًا منصوبًا, لبطلان رفعه وجره, فلم يبق إلا صحة نصبه. وأبو العباس المبرد يجيز تقديم المميز في هذا على عامله ولا يمنع [منه] , بل يقول: شحمًا تفقأ زيد, وينشد: [أتهجر ليلى للفراق حبيبها] ... وما كان نفسًا بالفرق تطيب وليس في البيت دليل, لأن الشعر تأويلًا لا يحتمل في غيره, ولأن الرواية:

* وما كان نفسي بالفرق تطيب * فاعرف مذهب سيبويه وتمسك به فإن المعتمد عليه. وأما وقوعه بعد النون في مثل عشرين درهمًا, وبعد التنوين في مثل رطل زيتًا, فإن هذا وشبهه لا يجوز تقديم التمييز فيه بوجه, لأن العامل فيه اسم غير متصرف, وإنما هو عمل شبهي. ولذلك قلنا إن التمييز ينتصب على الشبه بالمفعول به, وكان الأصل أن يكون مجرورًا بحرف أو بإضافة. فالحرف مثل: عشرون من الدراهم, والإضافة مثل: رطل زيتٍ, فلما دخل التنوين بطلت الإضافة. وكذلك بعد المضاف إليه من قوله: لله درك فارسًا, كان الأصل «لله در فارس» فلما حجزت الإضافة إلى الكاف بين الدر وفارسٍ خرج منصوبًا بعد المضاف إليه, كما خرج بعد التنوين. وكونه بعد المقدر بالتنوين في الأعداد المركبة وغيرها في مثل: أحد عشر, إلى تسعة عشر, لأن تنوين هذا مقدر, وأصله: واحد وعشرة, وتسعة وعشرة. فضمن معنى الحرف الذي هو الواو فبني, وخص بالبناء على الحركة لأن له أصلا في التمكن, وخص بالفتحة [طلبًا] للخفة لأنها ثلاثة أشياء جعلت شيئًا واحدًا. ولا يجوز بحال: أحد عشر الرجل, لأن التمييز لا يكون معرفة, وكذلك جميع المميزات. فإن قيل فما تصنع بقوله تعالى (إلا من سفه نفسه) , و (بطرت معيشتها) , ونحوه. قيل: ليس هذا منتصبًا على التمييز عند المحققين لتعريفه. وانتصابه من

الاستثناء

وجوه غير ذلك. إما لأن البطر في معنى الجهل, كأنه قال «جهلت معيشتها» , فانتصابه على هذا انتصاب المفعول به. وكذلك السفه كالجهل, فكأنه قال: «إلا من جهل نفسه». وقيل: إنه على حذف الجار, فإن الأصل: سفه في نفسه, وبطرت في معيشتها, فلما سقط الجار تعدى الفعل فنصب على حد (واختار موسى قومه سبعين رجلا). وغير ذلك, فاعرفه, [وقس عليه. وفقك الله تعالى]. [56] «والثامن / يذكر للبيان عن إخراج بعض من كل بإلا أو بكلمة في معنى إلا, مثل: قام القوم إلا زيدًا, و (فشربوا منه إلا قليلًا منهم) [وشبه ذلك]. وشرطه أنه متى كان الاستثناء في موجب أو ما هو في تأويل الموجب, أو كان مقدمًا, أو منقطعًا, أو بعد تمام الكلام, كان منصوبًا في هذه المواضع الأربعة. مثالها: قام القوم إلا زيدًا, وما أكل أحد إلا الخبز إلا زيدًا.

وما لي إلا الله راحم. وما بالدار أحد إلا حمارًا. و (ما فعلوه إلا قليلًا منهم) , في قراءة ابن عامر. فالثلاثة الأول تلزم النصب, ومتى كان الكلام غير موجب, من استفهام أو نهي أو نفي, كان ما بعد «إلا» تابعًا لما قبلها في الإعراب غالبًا, مثل: هل قام أحد إلا زيد. ولم يقم أحد إلا زيد, [ولا يقم أحد إلا زيد]. وجملة ما يستثنى به إلا وحاشا وغير وسوى وسوى وسواء وليس ولا يكون وما خلا وما عدا. فالأربعة الأخيرة ينتصب ما بعدها أبدًا. والأربعة التي قبلها يجر ما بعدها أبدًا. و «حاشا» تجر عند سيبويه وتنصب عند غيره. و «إلا» قد ذكرت. وإعراب «غير» على حد إعراب الاسم الواقع بعد «إلا» في جميع أحكامها». قال الشيخ رحمه الله: شرح هذا الفصل الثامن أن تعرف الاستثناء [والمستثنى] والمستثنى منه والمستثنى به, وقد دخل هذا تحت قولنا: «الاستثناء إخراج بعض من كل بإلا أو بكلمة في معنى إلا». فإذا قلت: قام القوم إلا زيدًا, فـ «زيد» بعض مخرج من كل - الذين هم القوم - بلفظ «إلا» وبما جرى مجراها. وكذلك (فشربوا منه إلا قليلًا منهم) فإلا وهي الحرف أخرجت البعض وهو «قليل» من الكل وهو الضمير في قوله «فشربوا» فالمستثنى هو الاسم الواقع بعد «قليل» من الكل وهو الضمير في قوله «فشربوا» فالمستثنى هو الاسم الواقع بعد «إلا». والمستثنى منه هو الاسم الواقع قبل «إلا». والاستثناء هو ما دل عليه معنى «إلا» , لأنها إن دخلت على موجب أخرجت ما بعدها إلى معنى النفي, مثل ما مثلنا. وإن

دخلت على منفي أخرجت ما بعدها إلى معنى الموجب. مثل: ما قام أحد إلا زيد, و (ما فعلوه إلا قليل منهم). فالموجب لهم الفعل هو «القليل». فأما الناصب للمستثنى في الموجب إذا قلت: قام القوم إلا زيدًا, و (فشربوا منه إلا قليلًا منهم) فهو الفعل المتقدم بتوسط «إلا». لأن الفعل لما لم يكن متعديًا إلى ما استثنى قوي بالحرف فصار متعديًا. وهو أشبه الأبواب بباب المفعول معه من قولك: استوى الماء والخشبة, في كون الواو مقوية للفعل. فكما قوت «الواو» الفعل حتى نصب المفعول معه كذلك قوت «إلا» الفعل حتى نصب زيدًا. هذا مذهب صاحب الكتاب في كل ما يجري هذا المجرى. وخالفه أبو العباس [المبرد] فقال: الناصب للمستثنى معنى «إلا». ومعنى «إلا»: استثنى, فكأنه قال: قام القوم استثنى زيدًا. وهذا غير صحيح, لأن معاني الحروف لا تعمل شيئًا في المفعول به. ألا ترى أن حروف الاستفهام لا يعمل ما فيها من معنى «استفهم» , وأن حروف النفي لا يعمل ما فيها من معنى «أنفي» , وأن حروف الشرط لا يعمل ما فيها من معنى «أشرط» , وأن حروف العطف لا يعمل ما فيها من معنى «عطفت» , أو «جمعت». فالقول بما قال أبو العباس يؤدي إلى خرقٍ عظيم لا رقع له. ولو كان هذا المعنى صحيحًا لوجب أن ينصب في النفي أيضًا, إذا قال: ما قام أحد إلا زيدًا, لأن «إلا» عنده

بمعنى استثني. وفي عدم القول بنصب ذلك دليل على فساد [هذا] المذهب. فإن قيل: ما جملة المواضع التي يكون [فيها] ما بعد إلا من الاسم منصوبًا على هذه القضية؟ . قيل: جملة المواضع الأربعة المذكورة وما كان في معناها. مثال الموجب: قام القوم إلا زيدًا. وتجري مجراه الأوامر كلها مثل: قوموا إلا زيدًا. ومثال ما هو في تأويل الموجب: ما أكل أحد إلا الخبر إلا زيدًا. فتأويل «ما أكل أحد إلا الخبز» كل أحد أكل الخبز. وإذا كان تأويله تأويل الموجب كان ما بعد «إلا» منصوبًا. ومثال الاستثناء المقدم. ما لي إلا الله راحم, وما لي إلا العمل شراب. كان أصله: ما لي راحم إلا الله, بالرفع, وكان رفعه على البدل, فلما تقدم بطل أن يكون بدلًا, لأن البدل لا يتقدم على المبدل منه, ولما بطل نصب, لأن الأصل في الاستثناء / أن يكون منصوبًا في الموجب فحمل على [57] الأصل. وقد يجوز النصب وإن كان متأخرًا, ألا تراك تجيز: ما لي راحم إلا الله, والله, وما لي شراب إلا العسل, والعسل, بالوجهين الرفع والنصب. فلما قدمت وقد بطل البدل قوى الوجه الضعيف, وهو النصب, ولا يجوز غيره. ومثله الحال من النكرة ضعيفة إلا إذا تقدمت قويت, مثل: جاءني رجل ضاحك, ولا يحسن: جاءني رجل ضاحكًا, وإن قدمت نصبته لا غير فقلت: جاءني ضاحكًا رجل. و* لمية موحشًا طلل *

فصار الوجه الضعيف قويًا لا يجوز غيره. وكذلك مسألتنا في الاستثناء. ومثال الاستثناء المنقطع: ما بالدار أحد إلا حمارًا. وفرقوا بين الاستثناء من الجنس وبين الاستثناء من غير الجنس. فما كان جنسًا جاز فيه البدل مثل: ما في الدار أحد إلا زيد. وما كان غير جنس كالحمار وشبهه لم يجز البدل. وإذا لم يجز البدل نصبت واعتقدت أن إلا بمعنى «لكن» فقلت: ما بالدار أحد إلا حمارًا. هذا مذهب الحجازيين. ومذهب بني تميم في هذا الذي ليس من الجنس أنه على قسمين, ما كان منقطعًا بالكلية ليس من الأحدين ولا ما يصحب الأحدين فلا يجوز إلا النصب, مثل ما بالدار أحد إلا حوضًا, وإلا ثوبًا, فالنصب لا غير. وما كان مما يتبع الأحدين مثل الدواب والآلات جاز عند بني تميم الرفع على البدل, فيقولون: ما بالدار أحد إلا حمار, أبدلوا الحمار من الأحدين المقدرين لما كان يتبعهم, كأنه قال: ما بالدار أحد ولا ما يتبع الأحدين إلا حمار. ومثال ما يأتي بعد تمام الكلام: ما قام أحد إلا زيدًا, فالكلام قد تم بقولك «ما قام أحد» فجاز نصب زيد, والأجود رفعه, ومثاله قراءة الأكثر (ما فعلوه إلا قليل منهم) , بالرفع على البدل من الواو. وابن عامر رحمه الله نصب لأن الكلام قد تم بالفعل والفاعل قبل الاستثناء فجرى مجرى قولك: «ما قام أحد إلا زيدًا» في الجواز. ولو سقط «أحد» والضمير من «فعلوه» لم يجز إلا الرفع إجماعًا, مثل: ما قام إلا زيد, وما فعله إلا قليل, لأن النصب هنا يخلي

الكلام من فاعل الفعل, والفعل لابد له من فاعل وخاصًا إذا كان الفعل مفرغًا ومهيأ لاستدعائه. فهذه وجوه المواضع التي يكون فيها ما بعد «إلا» منصوبًا قد كشفتها لك. ثم ما عدا ذلك يكون محمولًا على قضية البدل والعامل الذي قبله. وهو أنه متى كان الكلام غير موجب من استفهام أو نهي أو نفي كان ما بعد «إلا» تابعًا لما قبلها في الإعراب غالبًا. مثال الاستفهام: هل قام أحد إلا زيد, فزيد بدل من أحد ولذلك رفع. ومثال النفي: ما قام أحد إلا زيد, فزيد بدل أيضًا [من أحد]. ومثال النهي: لا يقم أحد إلا زيد, فزيد بدل من أحد. ولو كان العامل الذي قبل هذه المسألة ناصبًا لكان ما بعد «إلا» منصوبًا, أيضا على البدل, مثل: هل ضربت أحدًا إلا زيدًا, وما ضربت أحدًا إلا زيدًا, ولا تضرب أحدًا إلا زيدًا. وكذلك تبدل في الجر, مثل: هل مررت بأحد إلا زيد, وما مررت بأحد إلا زيد, ولا تمرر بأحد إلا زيد. وإنما قلنا «غالبا» لأنه يجوز النصب فيما تم الكلام قبله في جميع هذه المسائل, لأنه يجوز وهو ضعيف: هل قام أحد إلا زيدًا, بالنصب على أصل الاستثناء فاحترز من هذا القدر. فإذا ثبت هذا فجملة ما يستثنى به ما عدد في هذه المقدمة من الآلات العشرة المذكورة فيها. فالعلة في انتصاب ما بعد «ليس ولا يكون وما خلا وما عدا» أنها أفعال فيها ضمائر فاعلين, وما بعد الفعل والفاعل يكون منصوبًا, فلذلك تقول: قام القوم ليس زيدًا, أي ليس بعضهم زيدًا, فذلك البعض المقدر اسم «ليس» لا يظهر بحال في باب الاستثناء. وكذلك: قام القوم لا يكون زيدًا, أي لا يكون

بعضهم زيدًا فذلك البعض المقدر لا يظهر أيضًا بحال في باب الاستثناء. وكذلك: قام القوم ما خلا زيدًا, وما عدا عمرًا. لأن الاستثناء بهذه الأفعال ناب مناب إلا فلم يقع بعدها إلا اسم واحد, كما لم يقع بعد «إلا» إلا ذلك. [58] / والعلة في جر ما بعد غير وسوى وسوى وسواء أنها أسماء وظروف, وما بعد الأسماء والظروف في مثل هذه يكون جرًا بالإضافة. إلا أن غيرًا يكون إعرابها أبدًا في الاستثناء على حد إعراب الاسم الواقع بعد «إلا». فانظر كل موضع ينتصب فيه ما بعد إلا فانصب غيرًا فيه, وكل موضع يرتفع فيه ما بعد إلا فارفع غيرًا فيه, وكل موضع ينجر فيه ما بعد إلا فجر فيه غيرًا. مثال ذلك: قام القوم إلا زيدًا, وقام القوم غير زيدٍ, وما قام أحد إلا زيد, وما قام أحد غير زيدٍ. وما مررت بأحدٍ إلا زيدٍ, وما مررت بأحد غير زيدٍ, فإن استعملت غيرًا صفة لا استثناء كانت جارية على إعراب ما قبلها, مثل قوله تعالى (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم) , جررته لأنه صفة «الذين» المجرور بصراط جر الإضافة. ومثل: عندي درهم غير جيد, على النعت. وأخذت درهمًا غير جيد, على النعت. وبرثت من درهم غير جيد [على النعت]. فغير أصل في الصفة, ومشبهة بإلا في الاستثناء. و «إلا» أصل في الاستثناء ومشبهة بغير في الصفة, لأن كل واحد منهما مخالف ما بعده لما قبله في المعنى, فجاز أن يحمل كل واحد منهما على صاحبه فيما ذكرناه, فهذا تفسير قولنا في إعراب هذه المسائل المذكورة. فأما «حاشا» ففعل عند أبي العباس, ينصب بها, لأنه اشتقها من حاشى يحاشي. وعند سيبويه حرف يجر بها, ومن حجته (حاش لله ما علمنا عليه من

خبر كان، واسم إن

سوء). وغير ذلك من لأدلة التي لو ذكرت لطال ذكرها في هذه المقدمة. وبالله التوفيق. *** قال الشيخ رحمه الله: «والتاسع والعاشر والحادي عشر قد ذكرت». نعني بالتاسع خبر كان وأخواتها لأنه من المنصوبات المشبهة بالمفعول. ونعني بالعاشر اسم إن وأخواتها, لأن أسماء إن وأخواتها مشبهة بالمفعول أيضًا. وإنما كانا مشبهين بالمفعول ولم يكونا مفعولين على الحقيقة لأن كل واحد منهما هو المرفوع المذكور معه في المعنى, وليس حقيقة الفاعل أن يكون هو المفعول, ولا المفعول أن يكون هو الفاعل, وإنما كل واحد منهما غير الآخر مثل: ضرب زيدٍ عمرًا, وضرب عمرًا زيد. فلما خالف منصوب كان وأخواتها ومنصوب إن وأخواتها المفعولات كان مشبهًا بالمفعول. والحادي عشر هو الفعل المستقبل إذا كان معه ناصب مثل: أريد أن تفعل, ولن تفعل. وقد ذكر هذا في باب الحروف الناصبة للفعل المستقبل. فهذه جملة المنصوبات التي عليها مدار الكلام اسمًا كان أو فعلًا. وما عدا هذا مما لم يعمل فيه عامل - مما أشبه الحرف أو تضمن معنى الحرف أو وقع موقع الفعل المبني - فهو مفتوح لا منصوب, كما قلنا في فصل الرفع والضم. وذلك مثل: أين وكيف والآن. والأسماء المركبة من أحد عشر إلى تسعة عشر, كلها

مبنية على الفتح طلبًا للخفة. وكذلك الحروف المبنية على الفتح مثل: إن وأخواتها. فيقال لجميعها مفتوح ولا يقال له منصوب. وكذلك كل حرف مبني على الفتح, مثل واو العطف, وفائه وثم. وكذلك كل فعل ماض مبني على الفتح للخفة يقال له مفتوح, ولا يقال له منصوب, ليفرق بين حركات الإعراب وحركات البناء. [فاعرفه إن شاء الله تعالى, وبالله التوفيق]. ***

الفصل السادس: فصل الجر

الفصل السادس: فصل الجر قال الشيخ رحمه الله: أما قولنا: «الجر ما جلبه عامل الجر». فإن تفسيره على حد ما ذكرنا في الرفع والنصب قصدًا لإرادة الفرق بين حركة الإعراب وحركة البناء. فما كان جره بعامل من حرف أو اسم مثل: مررت بزيد, وغلام عمروٍ, فكسرته يقال لها جر, لأنها بعامل جالب لها. وما كان بغير عامل مثل: هؤلاء وأمس ونزال وتراك, وما أشبه ذلك من جميع المبنيات على الكسر, فإنه يقال له كسر ولا يقال له جر. ... [59] [ثم قال]: وله ثلاث علامات/, الكسرة والياء والفتحة. فبدأنا بالكسرة لأنها الحقيقة في الجر إذ كانت من الياء, أو الياء منها على الخلاف. وليست الفتحة في هذا الباب بحقيقة في الجر, بل هي محمولة على النصب فيما لا ينصرف في قولك: مررت بأحمد, وبابه, كما تقول: رأيت أحمد. ثم قال: فالكسرة تكون في الاسم السالم المنصرف, مثل: مررت بزيدٍ وعمروٍ. وإنما خص ذلك بالاسم المنصرف لأنه إذا كان سالمًا من حروف العلة لم تثقل الكسرة عليه, مثل: زيد وعمرو. وإذا لم يكن مشبهًا للفعل كان

جملة المجرورات ستة

منصرفًا, وإذا كان منصرفًا دخل مع الجر التنوين. فلذلك احترزنا بالاسم المنصرف, لأن غير المنصرف لا يدخله جر, مثل: مررت بابراهيم واسماعيل. وأم الياء فإنها تكون علامة الجر في أشياء ثمانية, الأسماء الستة المعتلة المضافة, والتثنية, والجمع. مثل: مررت بأبية وأخيه وحميه وفيه وهنيه وذي مال والزيدين والزيدين. *** [ثم قال]: «وجملة المجرورات ستة». لأنا لما حصرنا المرفوعات والمنصوبات حصرنا أيضًا في هذا الفصل المجرورات وقلنا: مجرورات ملكٍ وملابسة, ومجرورات نوع وجنس, ومجرورات لفظ وتخفيف, ومجرورات تشبيه, ومجرورات وصف وحذف, ومجرورات تعدية». فالأول مثل: غلام زيدٍ, ونحوه من إضافة الملك. ومثل: سرج الدابة وأخي زيد, ونحوه من إضافة الملابسة. وكله مقدر باللام, والأصل: غلام لزيدٍ, وسرج للدابة, وأخ لزيد, فحذفت اللام إيجازًا لما أريد من التعريف أو الاختصاص. لأنه كان الاسم الأول مع وجود حرف الجر نكرة ومبهمًا, فلما زال صار الأول معرفًا بالثاني إذا أضيف إلى المعرفة مثل: غلام زيدٍ, أو مختصا إذا أضيف إلى نكرة مثل: غلام رجلٍ, وسرج دابةٍ, وغلام أخٍ,

مجرورات اللفظ والتخفيف

ونحوه. فلهذه العلة أضيف. ولهذه العلة لم يجز في الاسم الثاني غير الجر, سواء ظهر حرف الجر أولم يظهر. فإذا أظهرته كان الجر بحرف الجر. وإذا لم تظهره وأضيف كان الجر بالإضافة التي هي نائبة عن الحرف, فعملت عمله. *** والثاني مثل: ثوب خز وباب ساج وخاتم ذهبٍ, ونحوه من مجرورات النوع والجنس. فهذا ونحوه مقدر بمن, وأصله ثوب من خزٍ, وباب من ساج, وخاتم من ذهب. فعمل به مثل ما تقدم, من حذف الجار والجر بالإضافة. لكن هذا النوع يجوز في الاسم الثاني منه أبدًا ثلاثة أوجه, الإضافة بحكم الاسمية. والنصب مع التنوين على التمييز, مثل قولك: ثوب خزًا وبابٌ ساجًا, وخاتم ذهبًا. وقد ذكر أصل هذا في التمييز. والثالث إتباع الاسم الثاني الأول في إعرابه من رفع أو نصب أو جر, فتقول: هذا ثوب خز, ورأيت ثوبًا خزًا, ومررت بثوبٍ خزٍ. ولهذا تفسيران, أحدهما: أن يكون الأخير نعتًا. والآخر: أن يكون بدلًا. فإذا جعلته نعتًا قدرت فيه الاشتقاق, لأن النعت يكون بالمشتق. كأنك قلت: هذا ثوب لين, أو ناعم, ونحوه. وإذا جعلته بدلًا بقيته على الجنسية مبينًا للأول تبيين الأبدال كلها. والأحسن إذا أبدلت نكرة من نكرة أن تنعت النكرة الثانية ليكون فيها زيادة فائدة. *** والثالث من المجرورات مثل: هذا ضارب زيدٍ اليوم, وآكل خبزٍ غدًا,

ونحوه من مجرورات اللفظ والتخفيف. لأن الأصل في اسم الفاعل إذا كان للحال أو الاستقبال أن يكون منونًا عاملًا فيما بعده لجريانه على الفعل العامل. فلذلك جاز في هذا النوع أبدًا وجهان إثبات التنوين والنصب, فتقول: هذا ضارب زيدًا اليوم, وآكل خبزًا غدًا. والوجه الآخر حذف التنوين تخفيفًا والجر, فتقول هذا ضارب زيد اليوم, وآكل خبر الساعة. فهذه إضافة لفظية لا حقيقية, لأنها لم تفد [الاسم] الأول تعريفًا, بل الاسم نكرة على حاله, فلذلك جرى نعتًا للنكرة, مثل قوله سبحانه (هذا عارض ممطرنا). ولهذا جاز أن تدخل عليه «رب» كما قال الشاعر: يا رب غابطنا لو كان يطلبكم ... لاقى مباعدةً منكم وحرمانا [60] / ولو كان اسم الفاعل في جميع هذا للماضي كانت إضافته حقيقية, ولكان اسم الفاعل متعرفًا بما يضاف إليه من معرفة ولم يجز أن يقع حالًا. مثل ذلك:

مجرورات التشبيه

هذا زيد مكلمنا أمس. فمكلمنا نعت لزيد, ولا يجوز نصبه على الحال. فإن قلت: «مكلمنا غدًا» لم يكن نعتًا, وكان منصوبًا على الحال. فاعرف الفرق بين اسم الفاعل إذا كان لما مضى وإذا كان للحال والاستقبال. فليس فيه إذا كان لما مضى إلا وجه واحد, وهو الإضافة. وإذا كان للحال والاستقبال فوجهان, التنوين تارة, والإضافة أخرى, على ما بيناه. *** والربع من المجرورات مثل: حسن وجهٍ, وكريم أبٍ, وطاهر ذيل, وعفيف يدٍ, ونحوه من مجرورات المشبهة, وهي الصفات المشبهة بأسماء الفاعلين. فهذه ونحوها يجوز فيها أبدًا ثلاثة أوجه [من الإعراب] , الرفع, والنصب, والجر. مثال الرفع: هذا رجل عفيفة يده. فهذا مبتدأ, ورجل خبره, وعفيفة نعت للرجل, وقد جرى على غير من هوله وهو في الحقيقة لليد, ويده مرفوعة بعفيفة ارتفاع المرفوع المسبب بالصفة. والعائد من الصفة إلى الموصوف الهاء في «يده». فإن أسقطت الهاء من «يده» ومن «عفيفة» , ونسبت العفة إلى الرجل في الجملة قلت: هذا رجل عفيف يدًا, أو عفيف يدٍ, فأشعت العفة في جملته ثم بينها بعد ذلك بجارحة من جوارحه. وإذا أتيت بالهاء رفعت من أول وهلة, فقد قصرت العفة على الجارحه المذكورة. وكذلك: حسن وجهه,

وكريم أبوه, وطاهر ذيله, كله جار هذا المجرى. فالنصب على التمييز, وقد قيل على التشبيه بالمفعول به. والأحسن قولك «تمييز» , لأنه يجرى مجرى باب «تفقأ زيد شحمًا» و «تصبب عرقًا» , فكما تسمي ذلك تمييزًا لما كان منصوبه فاعلًا في المعنى كذلك تسمى منصوب هذا الباب تمييزًا لكونه فاعلًا في المعنى. فأما إن أدخلت الألف واللام على «الوجه» ونصبته فإن لا يحسن أن تقول «تمييز» , لأن التمييز لا يكون بالمعرفة. وكذلك يجوز أيضًا مع الألف واللام في الثاني ثلاثة أوجه فتقول: هذا رجل عفيف اليد, وعفيف اليد, وعفيف اليد, وكذلك البقية. فهذه ستة أوجه. فإن أدخلت الألف واللام على الأول جاز ثلاثة أوجه أخر, فقلت: هذا الرجل العفيف اليد, واليد, واليد, فصارت تسعة. فإن أدخلت الألف واللام على الأول وأسقطتها من الثاني جاز وجهان, ويسقط وجه آخر, وهو الجر. لا يجوز: هذا الرجل العفيف يدٍ, فتجمع بين صريح المعرفة وصريح النكرة. ويجوز الوجهان الآخران, أغني رفع «وجه» ونصبه, فصار أحد عشر وجهًا. فأما «عفيف يده» , بجر اليد مع المضمر, فمذهب سيبويه [رحمه الله] أنه جائز عنده كما جاز مع الألف واللام في قولك: هذا رجل عفيف اليد, لأن الألف واللام عاقبت الإضافة إلى المضمر. وليس احتجاج من احتج عليه بأنه قد أضاف الشيء إلى نفسه حجة, لأن هذه إضافة لفظية لا حقيقية. وعليها أنشد سيبويه [رحمه الله]: أمن دمنتين عرج الركب فيهما ... بحقل الرخامى قد عفا طللاهما

مجرورات الوصف والحذف

أقامت على ربعيهما جارتا صفًا ... كميتا الأعالي جونتا ممصطلاهما فموضع الشاهد أنه وصف قوله «جارتا صفًا» بقوله «كميتا الأعالي» , ثم وصفه بقوله «جونتا مصطلاهما» , وقد أضاف «الجونتين» إلى «المصطلى» المضاف إلى الضمير, فهو وزان مسألته في الجواز. فاعرف ذلك. *** والخامس من المجرورات مثل: مسجد الجامع, وصلاة الأولى وجانب الغربي, وحق اليقين, ودار الآخرة, ونحوه من مجرورات الوصف والحذف. فهذا النوع الخامس كان أصله: صلاة الساعة الأولى, فالأولى من نعت الساعة. ومسجد الجامع, أصله: مسجد المكان الجامع. وجانب الغربي, أي: جانب

مجرورات التعدية

المكان الغربي, وحق اليقين, أي: حق الشيء اليقين أو النبأ اليقين. ودار [61] الآخرة, أي: / دار الكرة الآخرة, حذفت الموصوف من هذا كله وأقمت صفته مقامه. وإنما اعتقدت هذا الاعتقاد لأنه لا يصح إضافة الشيء إلى صفته. لا يجوز أن تقول: جاءني زيد العاقل, لأن زيدًا هو العاقل, والشيء لا يضاف إلى نفسه. وكذلك «مسجد الجامع» , لا يصح أن يكون المسجد مضافًا إلى الجامع لكونه صفته في الأصل, ووجب أن يقدر الحذف المذكور. فإن أتيت بالألف واللام فيهما بطلت الإضافة وصار الثاني نعتًا لا غير, فقلت: هذا المسجد الجامع, ولا يجوز: هذا المسجد الجامع. وكذلك «الصلاة الأولى» في موضع النعت لا في موضع الإضافة. وكذلك «الجانب الغربي» و «الحق اليقين» و «الدار الآخرة». ولهذا قرأ من قرأ: (وللدار الآخرة) , ولم يقرأ أحد «وللدار الآخرة». فاعرف ذلك وقس عليه تصب إن شاء الله تعالى. *** [قال الشيخ رحمه الله]: والسادس من المجرورات مثل: مررت بزيدٍ, ونزلت على عمرو. فهذا ونحوه من مجرورات التعدية إنما دخل حرف الجر فيه للتعدية وإيصال معنى الفعل إلى الاسم, فلا يجوز فيه إلا وجه واحد وهو الجر, إلا أن يكون الحرف زائدًا فيسقط ويرجع إلى الأصل, مثل: ليس زيد بقائم, وليس زيد قائمًا. فكل جار ومجرور وقع مفعولًا فإن لفظه لفظ الجر وموضعه نصب. فلذلك يجوز في العطف عليه وجهان, مثل: مررت بزيدٍ

المبني على الكسر

وعمروٍ, وعمرا. فالجر على اللفظ, والنصب على الموضع. لأن حرف الجر بمنزلة الجزء من الاسم تارة, وبمنزلة الجزء من الفعل تارة, فلذلك يجوز الوجهان. *** قال الشيخ رحمه الله: فأما قولنا: «فهذه جملة المجرورات, وما عداها فمبني على الكسر, مثل: نزال وتراك وحذام وقطام وبداد وفساق وغدار وفجار. ومثل: هؤلاء وأمس. ومثل: سيبويه وعمرويه ونفطويه, ونحوه من الأسماء المركبة مع الأصوات». فإنما أوردنا هذا الفصل آخر المجرورات ليحكم على حركاتها بأنها حركات بناء, لا حركات إعراب. لأنها كلها مبنيات. وباب «فعال» يأتي على أربعة أقسام. اسماء للفعل كنزال وتراك. وهذا اسم للفعل. وفعله انزل واترك, أتي به للاختصار على ما تقدم من الكلام عليه في صهٍ ومهٍ. وحذام وقطام اسمان علمان مبنيان كبناء أسماء الأفعال. وإنما بنيا - وليس أصلهما فعلًا - لأحد أمرين, احدهما علة أبي العباس أنه كان فيه التعريف والتأنيث, فلما اجتمع إلى ذلك العدل عن حاذمة وقاطمة بني, لأنه ليس بعد ترك الصرف إلا البناء. والعلة الصحيحة أنه بني لتضمنه معنى الحرف الذي هو تاء التأنيث من

«حاذمة» و «قاطمة». لأن الاسم إذا تضمن معنى الحرف بني. وليس كثرة العلل موجبة للبناء. ألا ترى أن في «أذربيجان» ونحوه التعريف والتأنيث والتركيب والعجمة والألف والنون, فهذه خمس علل ومع هذا فلم يبن. فليس كثرة العلل موجبة للبناء. وبداد وفجار اسمان للمصدر الذي هو البدة والفجرة, كأنه بني المصدر في هذا الوزن كما بني في الأعلام في حذام وقطام, وفي أسماء الأفعال في نزال وتراك, والعلة كالعلة. وأما فساق وغدار فصفة معدولة عن فاسقة وغادرة, تستعمل في النداء, فيقال: يا فساق ويا غدار, كما يقال للمذكر: يا فسق ويا غدر. فهذه أربعة أقسام كلها مبنية لما ذكرنا. وبنيت على حركة لالتقاء الساكنين, الحرف الأخير والألف الذي قبله. وخص بالكسر على أصل التقاء الساكنين.

وقيل: إنما خص بالكسر لأن هذه الألفاظ وضعت للمؤنث. والكسرة من علامات التأنيث فخص بالكسر لذلك. والدليل على أن أسماء الأفعال مؤنثة قول الشاعر: ولأنت أشجع من أسامة إذ ... دعيت نزال ولج في الذعر فأنث فعل «نزال» حين قال «دعيت نزال». و «نزال» اسم ما لم يسم فاعله في موضع رفع. وأما هؤلاء وأمس فقد مضى الكلام عليهما. وكذلك مضى الكلام على عمرويه وسيبويه ونفطويه, ونحوه. وقد ذكرنا أنها أسماء وأصوات. فالاسم «سيب» , والصوت «وبه». والحركة لالتقاء الساكنين: الياء والهاء. والكسر على أصل التقاء الساكنين [وبالله التوفيق].

الفصل السابع: فصل الجزم

الفصل السابع: فصل الجزم [62] / قال الشيخ رحمه الله: «الجزم ما جلبه عامل الجزم. وله علامتان, السكون والحذف. فأما السكون فيكون في الأفعال السالمة, مثل: لم يضرب, ولم يخرج. والحذف يكون في الأفعال المعتلة, وفي الأفعال التي علامة رفعها ثبات النون. مثاله: لم يدع, ولم يرم, ولم يخش, ولم تفعلي يا هند, ولم تفعلا يا هندان, ولم تفعلوا يا هؤلاء». وجملة الأمر أن الجزم شيء يخص الأفعال, كما أن الجر شيء يختص بالأسماء. ولما كان الجر بجار جالب له وجب أن يكون الجزم بجازم جالب له. والجزم هو القطع. والقطع قطعان: قطع حركة, وقطع حرف. فقطع الحركة هو الأصل وهو يكون في الأفعال الصحيحة على ما مثلنا. وقطع الحرف يكون في حروف العلة - وهي الواو والياء والألف - والنون على ما مثل. لأن الجازم لما لم يجد حركة يزيلها أخذ من نفس الفعل. وهو عندهم مشبه بالدواء الداخل على الجسم, إن وجد فضلة أخذها وإلا أخذ من نفس الجسم. وكذلك الجازم لما لم يجد في حروف العلة حركة يأخذها أخذ نفس حرف العلة. فحذف الياء في «لم يرم» ونحوه, والواو في «لم يغز» ونحوه, والألف في «لم يخش» ونحوه. وفعل مثل ذلك فيما [هو] عوض من الضمة, وهي النون في «تفعلان» وأخواته, فأزالها وحذفها كما تحذف الضمة.

جملة المجزومات ثلاثة

فإذا ثبت هذا «فجملة المجزومات ثلاثة. مجزومات نهي بلا أو أمر باللام مثل: لا تفعل وليفعل فلان. ومجزومات نفي مثل: لم يفعل ولما يفعل» , لأن «لم» و «لما» لنفي الماضي. «ومجزومات شرط, أو مقدر بالشرط, مثل: إن تفعل أفعل, وأخواته» لأن «إن» حرف موضوع للشرط. «ومثل أتفعل أفعل وأخواته». لأن هذه جملة استفهامية نابت عن حرف الشرط, كأنه قال: أتفعل؟ , إن تفعل أفعل. فحذف حرف الشرط وفعله, وأناب منابهما الجملة الاستفهامية. وقد تقدم ذكر هذا. فهذه جملة المجزومات وجملة الأمر أن أحكام الأفعال في الإعراب لا تخلو من أربعة أقسام. القسم الأول منها له ثلاثة أحكام. يضم في الرفع, ويفتح في النصب, ويسكن في الجزم [وذلك كل فعل صحيح اللام] مثل قولك: هو يضرب, ولن يضرب, ولم يضرب. فهذه ثلاثة أحكام في هذا, وفي كل ما آخره حرف صحيح. والقسم الثاني له ثلاثة أحكام [أيضًا]. يسكن في الرفع, ويفتح في النصب, ويحذف [آخره] في الجزم. وذلك كل فعل معتل بالياء أو الواو. مثل: هو يغزو, ويدعو, ويرمي. فهذا رفع مقدر. ولا يقال السكون علامة الرفع, لأن السكون لا يكون رفعًا ولا حركة. وفي النصب: لن يدعو, ولن

المبني على السكون

يرمي. فهذا نصب مظهر لا مقدر. وفي الجزم: لم يغز, ولم يرم, [ولم يدع]. فهذا جزم, أيضًا مظهر لفظًا لا مقدر, لأنك حذفت الحرف المعتل كما تحذف الحركة. فهذه ثلاثة أحكام. القسم الثالث له حكمان. وهو كل ما آخره ألف في اللفظ, مثل: يخشى ويرضى وما أشبهه. فهذا يسكن في حال الرفع والنصب جميعًا. فتقول في الرفع: هو يخشى ويرضى, الرفع مقدر. وفي النصب: لن يخشى ولن يرضى, النصب مقدر أيضًا, لأن الألف لا تتحرك ولا تتغير. وفي الجزم: لم يخش ولم يرض. فهذا حذف ظاهر. القسم الرابع له حكمان [أيضا]. وهو كل ما كان على تفعلان ويفعلون وتفعلين وأخواتها, تثبت نونه أبدًا في الرفع, وتنحذف في الجزم. والنصب محمول على الجزم. مثال الرفع: هما يفعلان, بإثبات النون. ومثال الجزم: لم يفعلا, بحذف النون. وكذلك مثال النصب: لن تفعلا, بحذف النون أيضا. وإنما يقع الفرق بالعامل. فـ «لن» وأمثالها من حروف النصب يعلم أنه منصوب وبـ «لم» وأمثالها من حروف الجزم يعلم أنه مجزوم. قال رحمها لله: «وما عدا ما ذكرناه فمبني على السكون وموقوف وليس بمجزوم». وإنما ذكرنا هذا للفرق بين السكون الحادث بعامل والسكون الحادث بغير عامل. فلما أن ذكرنا الأول وهو المعرب, أشرنا إلى الثاني وهو المبني, كما فعلنا في المرفوعات والمنصوبات والمجرورات. وقد جاء السكون في الأسماء والأفعال والحروف. فمجيئه في الأسماء مثل: من وكم, ونحوهما من الأسماء

المبنية على السكون. ومجيئه في الأفعال مثل: قم وكل, ونحوهما من الأمر بالفعل الذي ليس فيه حرف مضارعة. ومجيئه في الحروف مثل: من وعن, ونحوهما من الحروف. / وجميع هذا يقال له سكون ووقف, ولا يقال له جزم, [63] للفرق بين المعرب والمبني على ما تقدم. ****

الفصل الثامن: فصل العامل

الفصل الثامن: فصل العامل قال الشيخ رحمه الله: «العامل هو ما عمل في غيره شيئًا من رفع, أو نصب, أو جر, أو جزم, على حسب اختلاف العوامل». وإنما كان كذلك لأن العامل لما وجد مؤثرًا في المعمول عملًا سمي عاملا. كما أن الفاعل لما وجد مؤثرًا في المفعول أثرًا سمي فاعلًا. ألا ترى أنك إذا قلت «قام زيد» , كان «قام» هو الرافع العامل للرفع. وإذا قلت «رأيت زيدًا» , كان «رأيت» هو الناصب العامل للنصب. وإذا قلت: «مررت بزيدٍ» , كانت الباء هي الجارة العاملة للجر. وإذا قلت: «لم يضرب» , كانت «لم» هي الجازمة العاملة للجزم. فلذلك سميت العوامل عوامل. فلا تجد مرفوعًا إلا برافع, ولا منصوبًا إلا بناصب, ولا مجرورًا إلا بجار, ولا مجزومًا إلا بجازم. كما لا يكون محدث إلا بمحدث, ولا مؤثر إلا بمؤثر. فالله تعالى فاعل كل شيء وخالقه تعالى علوًا كبيرًا. فإذا ثبت هذا فجملة العوامل أربعة أشياء. معنى, وفعل, وحرف, واسم. ثلاثة لفظية, وهي الأخيرة. وواحد معنوي وهو الأول. والمعنوي ضربان. أحدهما

من العوامل المعنوبة عامل الرفع في المبتدأ

عامل الرفع في المبتدأ. والآخر عامل الرفع في الفعل المضارع. فالمبتدأ قولك: زيد قائم, وعبد الله منطلق. فزيد ونحوه مرفوع, لابد له من رافع. وليس في اللفظ ما يرفعه من شيء قبله ولا بعده. فوجب أن يكون العامل معنويًا لا لفظيًا, وذلك المعنوي هو الابتداء, وذلك الابتداء هو الاهتمام, وذلك الاهتمام هو جعلك الشيء أولًا لثانٍ, يكون الثاني حديثًا عن الأول المجرد من العوامل اللفظية. فإذا قلت: زيد قائم, فزيد أول لثان, وذلك الثاني هو خبر عن الأول, وهو «زيد» المجرد عن العوامل اللفظية. فعلى هذا فقس كل مبتدأ. وهذا هو العامل المعنوي. وقد دقت معرفته على قوم من البصريين والكوفيين فعبروا عنه بغير هذه العبارة. فقال أبو العباس المبرد: الرافع للمبتدأ هو التجرد من العوامل. فجعل التجرد هو الرافع. وهذا فيه بعض ما فيه, لأن التجرد من العوامل عدم العوامل, ولا يكون عدم الشيء موجبًا لعمله. وقال الكوفيون إن الرفع للمبتدأ هو الخبر, والرافع للخبر هو المبتدأ. وهذا أيضًا أعجب من الأول, لأنه لا يكون الشيء عاملًا ومعمولًا من جهة واحدة لما فيه من التضاد. والصحيح ما قدمنا ذكره. فاعتمد عليه في كل مبتدأ وخبر إذا طالبت نفسك بمعرفة الرافع تصب إن شاء الله تعالى. وفقك الله للصواب. وجملته أربع صفات. أول لثانٍ محدث به عن الأول, مجرد عن العوامل اللفظية. والعوامل اللفظية أربعة. باب كان وأخواتها. وباب إن وأخواتها. وباب

من العوامل المعنوبة عامل الرفع في الفعل المستقبل

ظننت وأخواتها. وباب ما [الحجازية]. لأنه متى دخل واحد من هذه ارتفع حكم الابتداء. وصار الحكم والعمل لأحد هذه الأشياء الأربعة اللفظية. فأما الرافع للخبر ففيه أقوال. أصحها أن الابتداء والمبتدأ جميعًا رفعا الخبر, فإذا قلت: زيد قائم, فزيد يرتفع بالابتداء, والابتداء وزيد جميعًا رفعا الخبر. والقول الثاني أن الابتداء وحده رفع المبتدأ والخبر جميعا. والقول الثالث أن الابتداء رفع المبتدأ وحده, والمبتدأ وحده رفع الخبر. والقول الرابع أن كلًا منهما رفع صاحبه. والأصح القولان الأولان. ومثل هذا ما تقوله في الشرط والجزاء من قولك: إن تقم أقم. قال قوم: إن «إن» جزمت فعل الشرط وجواب الشرط جميعًا بنفسها. وقال آخرون: إن «إن» جزمت فعل الشرط, وإن فعل الشرط جزم الجواب. وقال آخرون: إن «إن» وفعل الشرط جميعًا جزما الجواب. فهذه معرفة أحد العاملين المعنويين, وهو عامل المبتدأ. والعامل الآخر المعنوي هو عامل الفعل المستقبل, الذي يعمل الرفع فيه أبدًا ما لم يكن معه ناصب أو جازم. وذلك قولك: هذا رجل يضحك, ورأيت رجلًا يضحك, ومررت برجل يضحك. فيضحك فعل مستقبل مرفوع ليس معه رافع قبله ولا بعده. فوجب أن يكون الرافع معنويًا, وذلك المعنوي هو وقوعه موقع الاسم, وذلك الاسم هو «ضاحك» / إذا قلت: هذا رجل ضاحك, [64] ورأيت رجلًا ضاحكًا, ومررت برجلٍ ضاحكٍ.

وكان ابن درستويه يقول في هذا وأشباهه إنه يرتفع لوقوعه بنفسه موقع الاسم, وينتصب لوقوعه مع غيره موقع الاسم, وينجزم إذا لم يقع بنفسه ولا مع غيره موقع الاسم. وكان الكسائي يقول: الرافع للفعل المستقبل هو حرف المضارعة. وليس هذا بشيء, لأن حرف المضارعة يوجد في الفعل وهو منصوب بالناصب ومجزوم بالجازم. وكان بعض الكوفيين يقول: هو مرفوع لتجرده من الناصب والجازم. وهذا يجعل عدم العامل عاملًا, وهذا ليس بشيء. وقال قوم من الكوفيين إن الرافع هو المضارعة. وهذا ليس بشيء. لأن المضارعة أوجبت له جملة الإعراب, لا إعرابًا مخصوصًا. وإنما اختص بنوع دون نوع بحسب العامل. فهذه أقوال في الرافع للفعل المستقبل. فإن قيل: ما العلة التي لأجلها كان الفعل المستقبل معربًا؟ . قيل: المضارعة للاسم. فإن قيل: فمن أين ضارع الاسم؟ . فقل: بالنقل من العموم إلى الخصوص. فإن قيل: فكيف هذا النقل من العموم إلى الخصوص؟ . فقل: لأنك تقول: «زيد يقوم» فيصلح للزمانين, الحال والاستقبال, وهذا عموم. فإذا أردت إخلاصه للاستقبال أدخلت عليه السين أو سوف, فقلت سيقوم, أو سوف يقوم. كما تقول «رجل, أو غلام» , فيصلح لرجل معروف ولرجل مجهول,

فصل

فإذا أردت إخلاصه لمعروف أدخلت الألف واللام للتعريف, فخلصته من الشركة بالحرف, كما خلصت الفعل من الشركة والإبهام بالحرف. فاعرف ذلك. وقد قيل إن المضارعة بين الاسم والفعل إنما هي بدخول لام الابتداء عليه كدخولها على الاسم, فتقول: إن زيدًا ليقوم, كما تقول: إن زيدًا لقائم, ولا تقول: إن زيدًا لقام. وقد قيل إن المضارعة بالجريان على اسم الفاعل في الحركات والسكنات وعدد الحروف. فإذا قلت: زيد يضرب, فهو بزنة ضارب - الذي هو اسم - في عدد حروفه وحركاته وسكناته. بخلاف الماضي الذي هو ضرب. فمن حيث أعمل اسم الفاعل لشبهه بالفعل, كذلك أعرب الفعل المستقبل لشبهه باسم الفاعل المعرب. وكل هذه مشابهات ومضارعات. وبالله التوفيق. فإن قيل: فهل في العوامل عامل معنوي غير هذين الأصلين؟ . فقل: ليس هناك عامل معنوي يعمل رفعًا غير ما ذكرناه, وقد ذكرنا الخلاف فيه, فاعرفه. وبالله التوفيق. *** فصل وأما العوامل اللفظية فثلاثة. الأفعال والحروف والأسماء. فأما الأفعال فكلها عاملة, لأنها إنما وضعت لذلك, لرفع فاعل لابد لها

الأفعال العاملة ثمانية أنواع

منه, وتنصب مفعولًا إن اقتضته, على حسب ما يأتي بيانه, [إن شاء الله تعالى]. وجملتها ثمانية أنواع. منها نوع يرفع الاسم وينصب الخبر. وذلك ثلاثة عشر فعلًا مع ما حمل عليها. وهي: كان وأصبح وأمسى وأضحى وظل وبات وصار وما زال وما انفك وما فتيء وما دام وما برح وليس. وإنما كانت هذه عاملة لأنها أفعال, متصرفة بالوجوه الخمسة, كان ويكون وسيكون وكن ولا تكن. فعملت كما تعمل الأفعال الحقيقية. وإنما قدمناها على الأفعال الحقيقية لأنها من العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر. والمبتدأ أول, فكما يجب أن يبتدأ به فكذلك يجب أن يبتدأ بذكر عامله. فإذا قلت: كان زيد قائمًا, فزيد اسم مرفوع بكان ارتفاع المسند إليه, وقائمًا منصوب بكان في موضع الخبر للك الاسم الذي عمل فيه «كان». وقول الناس «اسم كان وخبر كان» اتساع, لأن الفعل لا يخبر عنه, وإنما هو خبر عن الاسم المرفوع بها. والاسم ليس هو اسمًا لها في الحقيقة, وإنما نسب إليها من حيث كان مرتفعًا بها. فهذا مجاز, والحقيقة ما ذكرناه. و«كان» هي أم الأفعال, لأن كل شيء داخل تحت الكون. وإنما أتي بكان لما أريد من الدلالة على الزمان دون الحدث, لأن الحدث مستفاد من خبرها. وإنما قولك: كان زيد قائمًا, بمنزلة قولك: زيد قائم أمس, فهي

[65] مجردة من الحدث دالة على الزمان حسب. ولهذا لم / يستعمل لها مصدر ما دامت [ناقصة] ناصبة للخبر, لا يجوز: كان زيد قائمًا كونًا, لأن خبرها قد أغنى عن مصدرها. فلذلك كانت ناقصة. وإنما يستعمل هذا المصدر في التامة التي بمعنى وقع وحدث, فتقول: كان زيد كونًا, كما تقول: حدث حدوثًا, ووقع وقوعًا. وأخوات كان متواخية على ما رتبت في المقدمة. فأصبح وأمسى أختان, لأنهما لطرفي النهار. وأضحى وظل أختان, لأنهما لصدر النهار. وبات وصار أختان, لاعتلال أعينهما. وما زال وما انفك وما فتئ وما برح وما دام أخوات, للزوم «ما» لها. و «ليس» منفردة لأنها لا تتصرف. وقد ذكرت مع الأفعال التي لا تنصرف وهو فعل مشكل. قال أبو بكر [رحمها لله]: أقمت أربعين سنة أقول إن «ليس» فعل تقليدًا. وكان أبو علي يعتقد فيها الفعلية تارة, والحرفية أخرى. ومذهب سيبويه [رحمه الله] الفعلية للأدلة المعروفة, من اتصال الضمير بها, واستتاره فيها, وتفسيرها للفعل في مثل: أزيدًا لست مثله, فزيدًا منصوب باضمار فعل دل عليه «ليس» , كأنه قال: أخالفت زيدًا لست مثله. فلولا أنها فعل لما فسرت فعلًا.

والذي حمل عليها: جعل وطفق وكرب وأخذ وكاد وعسى. يحكم أبدًا على مواضع أخبار أسماء هذه الأفعال بالنصب وإن لم يكن في لفظه غالبًا. أعني أنك تقول: جعل زيد يتحدث, وطفق يتحدث, وكرب يتحدث, وأخذ يتحدث, وكاد يتحدث. فيتحدث في جميع هذا في موضع نصب, كما كان إذا وقع بعد كان وأخواتها, لأن هذه الأفعال مشبهة بها. لأنها إنما أتي بها لمقاربة الفعل, فإذا دخلت على مبتدأ وخبر لزم خبرها الفعلية كما قال سبحانه (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجن) , أي طفقا خاصفين عليهما من ورق الجنة, إلا أن النصب لا يظهر في الغالب. وإنما قلنا في الغالب احترازًا من مثل: * ... وما كدت آيبا * وأصله وما كدت أؤوب. وكذا: «عسى الغوبر أبؤسا» , أي عسى الغوير

أن يبأس. و«عسى» من بين هذه الأفعال تدخل على خبرها «أن» مثل قوله سبحانه: (فعسى الله أن يأتي بالفتح). و (عسى ربكم أن يرحمكم). وإنما خالفت أخواتها لأن معناها الطمع والترجي, وهذا المعنى يكون فيما يستقبل, و «أن» تصرف الفعل إلى معنى الاستقبال. وليس كذلك معنى «كاد» وأخواتها لأنها بمعنى الحال ومقاربة الفعل فلم يحتج في أخبارها إلى أن. وعليه قولهم: «كاد النعام يطير». فإن رأيت «أن» في أخبار هذه الأفعال فإنما هي مشبهة بعسى. وإذا رأيتها محذوفة من خبر عسى فإن عسى مشبهة بكاد وأخواتها للتقارب الذي بينهما. فمثال مجيء «أن» في «كاد» قول الشاعر: * قد كاد من طول البلى أن يمصحا * ومثال الحذف من «عسى» قول الآخر:

عسى الكرب الذي أمست فيه ... يكون وراءه فرج قريب فهذا وجه مخالفة هذه الأفعال لكان وأخواتها. لأن كان وأخواتها لا تدخل أن في أخبارها, لا يجوز: كان زيد أن يقوم. وكذلك أصبح وباقي أخواتها الثلاثة عشر. لأن هذه الثلاثة عشر تكون أخبارها مفردة, وهو الأصل, فيظهر النصب, مثل: كان زيدٌ قائمًا. وتكون جملة وشرطًا وظرفًا فيكون النصب مقدرًا. فمثال الخبر بالجملة من المبتدأ وخبره: كان زيد وجهه حسن. ومثال الفعل والفاعل: كان زيد يحسن وجهه. ومثال الشرط: كان زيدٌ إن وصيته قبل. ومثال الظرف: كان زيد في الدار, أي مستقرًا في الدار. وجميع ذلك يجوز في كان وأخواتها كيفما تصرفت, مثل كان زيد قائمًا, ويكون قائمًا, وسيكون قائمًا, وكن قائمًا, ولا تكن قائمًا. وكذلك الباقي في الأكثر تتصرف هذا التصرف إلا «ليس». وقد ذكرت. فإن قدر في جميع هذه الأفعال ضمير الشأن والقصة كان الخبر جملة لا مفردًا, مثل: كان زيد قائم, تقديره كان الأمر زيد قائم. فموضع هذه الجملة نصب, ولا عائد فيها, لأنها هي ضمير الشأن والقصة في المعنى فلا تحتاج إلى عائد.

وأكثر ما يستعمل ضمير الشأن [والقصة] عند تفخيم الأخبار وتعظيمها مثل قوله: إذا مت كان الناس صنفان, شامت ... وآخر مثنٍ بالذي كنت أصنع ومثل قوله: هي الشفاء لدائي لو ظفرت بها ... وليس منها شفاء الداء مبذول / فشفاء الداء مبتدأ, ومبذول خبر الابتداء, و «منها» متعلق بمبذول تعلق المعمول, والجملة في موضع نصب خبر اسم ليس المقدر بالشأن والأمر ونحوه. ولأخبار هذه الأفعال أحكام كثيرة. منها أنه يجوز تأخيرها وتوسيطها, وتقديمها إلا ما لزم أوله ما. مثال الأول: أصبح زيد مسرورًا, ومسرورًا أصبح زيد, وأصبح مسرورًا زيد. ومثال ما لا يجوز ما لزم أوله «ما» في مثل ما دام, لا يجوز قولك: قائمًا ما دام زيد, لأن «ما» قد لزمت صدر الكلام, وهي مشبهة بما النافية التي لها صدر الكلام. ومنها أن أخبارها إذا كانت استفهامًا لم تكن إلا مقدمة, مثل: كيف كان زيد, لأن الاستفهام له صدر الكلام, فموضع «كيف» نصب, ولا يجوز:

النوع الثاني (علم) وأخواتها

كان زيد كيف. وكذلك: من كان زيد, وما كان زيد, وأين كان زيد, ونحوه من جميع أسماء الاستفهام. فأما تقديم خبر ليس عليها فلا يجوز, لأنها لا تتصرف. وقد أجاز بعضهم ذلك, وهو ضعيف. ولا خلاف في جواز تقديم خبرها على اسمها مثل: ليس قائمًا زيد, إلا أنه لا يتقدم عليها في نفسها. *** وأما قولنا: «ومنها نوع ثان ينصب المبتدأ والخبر جميعًا, ولا يجوز الاقتصار على أحد المفعولين. وذلك أربعة عشر فعلًا [وهي]: علمت, ورأيت, ووجدت, وظننت, وحسبت, وخلت, وزعمت, ونبئت, وأنبئت, وأريت, وأعلمت, وحدثت, وأخبرت, وخبرت. كل هذه إذا وقعت أولًا وليس بعدها حرف استفهام, ولا لام ابتداء, ولا شيء يمنع من العمل في اللفظ, فإنها تنصب الاسمين, هي وما تصرف منها, نحو: علمت زيدًا قائمًا. وإن وقعت وسطًا بين الاسمين جاز وجهان, الإعمال والإلغاء, والإعمال أجود. تقول: زيدًا علمت قائمًا, وزيد علمت قائم. وإن وقعت أخيرًا جاز أيضًا وجهان, أجودهما الإلغاء. تقول: زيد قائم علمت, وزيدًا قائمًا علمت. وكذلك الباقي.

وكل ما جاز أن يقع خبرًا لكان وأخواتها من مفرد وجملة وشرط وظرف جاز أن يقع مفعولًا ثانيًا لهذه الأفعال. وكلها لا يجوز الاقتصار فيها على أحد المفعولين, ويجوز تركهما جميعًا, ولا يجوز ترك أحدهما. قال الشيخ: وجملة الأمر أن هذه الأربعة عشر فعلًا متواخية. ثلاثة للعلم, وهي: علمت ورأيت ووجدت. وثلاثة للشك, وهي: ظننت وحسبت وخلت. وواحد متردد بينهما, وهو زعمت. والسبعة الباقية مبنية لما لم يسم فاعله, لأنها كانت متعدية إلى ثلاثة لما كانت مبنية للفاعل من نحو: نبأت وأنبأت, فلما نقلت إلى ما لم يسم فاعله صار المفعول الأول فاعلًا, فبقي المفعولان الباقيان على أصلهما منصوبين. وإذا كان كذلك, فكل هذه الأفعال إذا وقعت أولًا وليس بعدها حرف استفهام, ولا لام ابتداء, فإنها تنصب الاسمين جميعًا هي وما تصرف منها, مثل: علمت زيدًا قائمًا. وإنما نصبتهما لأنه ليس بعد الفعل والفاعل إلا المفعول المنصوب, وهي تقتضي مفعولين فتنصبهما إذا لم يمنعها من ذلك مانع [من ألف استفهام أو لام ابتداء]. فإن دخل عليها مانع من حرف استفهام أو لام ابتداء بطل عملها لفظًا وثبت تقديرًا. مثاله مع الاستفهام: قد علمت أزيد قائم. ولا يجوز: قد علمت أزيدًا قائمًا, لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله. ومثال لام الابتداء: قد علمت لزيد قائم. ولا يجوز: قد علمت لزيدًا قائمًا, لأن لام الابتداء لا يعمل فيها ما قبلها. وكذلك لو دخل عليها ضمير الشأن والقصة ارتفعت الجملة, فقلت: قد علمته زيد قائم. ولا يجوز: قد علمته زيدًا قائمًا, والهاء هاء الشأن. لأن ضمير الشأن والقصة لا يفسر إلا بجملة. فإن جعلت الهاء ضمير مصدر أو ضمير زمان أو مكان فلا إشكال في نصب

الجملة. كأنك قلت: قد علمت علمًا زيدًا قائمًا. وكذلك بقية هذه الأفعال حكمها هذا الحكم. فإن توسطت هذه الأفعال كلها بين هذين الاسمين كنت مخيرًا بين نصبهما ورفعهما. ونصبهما أجود لقرب الفعل من رتبته. مثال نصبهما: زيدًا علمت قائمًا. فزيد مفعول أول, وقائم مفعول ثان, وعلمت عمل فيهما. ومثال رفعهما: زيد علمت قائم. فزيد مبتدأ, وقائم الخبر, وعلمت ملغي. وإنما ألغي لأنه جعل في تأويل الظرف, كأنه قال: زيد في علمي قائم. وكذلك إذا قلت: زيد ظننت منطلق, أي زيد في ظني منطلق. فكما أن الظرف هنا لا يعمل / شيئًا فكذلك الجملة الواقعة موقعه في هذا, وفي [67] جميع هذه الأفعال. فإن وقعت هذه الأفعال كلها أخيرًا جاز أيضًا وجهان, أجودهما الإلغاء لبعد الفعل عن رتبته. مثال الإلغاء: زيد منطلق علمت, أي زيد منطلق في علمي. ومثال الأعمال: زيدًا منطلقًا علمت. وكذلك الباقي. ولما كان أصل هذين المفعولين من المبتدأ والخبر لم يجز حذف أحدهما والاقتصار على الآخر. كما لا يجوز الاقتصار على المبتدأ دون الآخر, ولا على الخبر دون المبتدأ, كذلك لا يجوز في علمت زيدًا منطلقًا «علمت زيدًا» , ولا «علمت منطلقًا» وأنت تريد علم القلب. فإن أردت علم المعرفة جاز, لأن علم المعرفة يتعدي إلى مفعول واحد, قال الله سبحانه (لا تعلمونهم الله يعلمهم) أي لا تعرفونهم الله يعرفهم. وكذلك الظن إن كان بمعنى الشك تعدى إلى مفعولين, ولم يجز الاقتصار على أحدهما كفعل العلم, لأن الظن تغليب القلب على أحد مجوزين ظاهري

التجويز, فكان حكمه كحكمه في التعدي. وإن كان بمعنى التهمة تعدى إلى [مفعول] واحد, تقول: ظننت زيدًا, بمعنى اتهمت زيدًا. وعلى هذا قوله سبحانه (وما هو على الغيب بظنين) , فيمن قرأ بالظاء, أي بمتهم, فعيل بمعنى مفعول. وفيه ضمير مستتر قام مقام ما لم يسم فاعله. ومن قرأ بالضاد فظاهره ومعناه سواء, لأن معناه «ببخيل». ولا يصح أن يكون بمعنى مفعول كقراءة من قرأ بالظاء, لأن فعله لا يتعدى بنفسه, تقول: ضننت بالشيء, إذا بخلت به. فاعرفه [والله أعلم]. وكذلك «رأيت» إن كانت من رؤية القلب تعدت إلى اثنين, وإن كانت من رؤية العين تعدت إلى واحد. فمن الأول قوله سبحانه (إنهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا). ومن الثاني قوله [تعالى]: (وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون). فينظرون في موضع الحال. وكذلك ما جاء من هذه الأفعال يحتمل معنيين وفيت كل معنى ما يستحقه ولما كانت هذه الأفعال كلها داخلة على المبتدأ والخبر جاز أن يكون المفعول

الثاني مفردًا وجملة وظرفًا, كما يكون خبر المبتدأ مفردًا وجملة وظرفًا. فإذا كان مفردًا كان الإعراب ظاهرًا. وإذا كان جملة وظرفًا كان الإعراب مقدرًا مثال المفرد: ظننت زيدًا قائمًا. ومثال الجملة من المبتدأ والخبر: ظننت زيدًا أبوه عالم. فأبوه مبتدأ, وعالم خبره والجملة في موضع نصب مفعولًا ثانيًا لظننت. وكذلك الجملة من الفعل والفاعل, مثل: ظننت زيدًا يعلم. وكذلك الجملة من الشرط والجزاء, مثل: ظننت زيدًا إن يعلم يتقدم. ومثال الظروف: ظننت زيدًا عندك, أو: في دارك. فهذا الظرف وشبهه يتعلق باستقرار محذوف على ما أصلنا. وكذلك الحكم في باقي هذه الأفعال. ومتى أدخلت «أن» على هذه الأفعال فتحتها وسدت مسد المفعولين, مثل: ظننت أن عمرًا قائم, وعلمت أن زيدًا قائم. فإن أدخلت اللام في الخبر كسرت «إن» فقلت: علمت إن زيدًا لقائم. لأن لام الابتداء لو كانت أولًا لمنعت الفعل أن يعمل فيما بعدها. وكذلك إذا دخلت في خبر إن منعت الفعل من أن يعمل في إن وعلقته عن العمل إلا في التقدير. فإن أدخلت «ان» في المفعول الثاني نظرت, فإن كان المفعول الأول عينًا كسرت «ان» , وإن كان معنى فتحت «ان». فمثال العين: ظننت زيدًا إنه قائم. ومثال المعنى: ظننت أمر زيد أنه قائم. لأن المفتوحة منسبكة انسباك المصدر, والمعنى ظننت أمر زيدٍ قيامًا, فلو فتحتها مع العين لفسد المعنى.

النوع الثالث (أعطى) وأخواتها

فإن أدخلت اللام كسرت مع العين وغير العين. فاعرف ذلك. *** [ثم قال الشيخ: ] وأما قولنا: «ومنها نوع ثالث يتعدى إلى اثنين أيضًا فينصبهما. ويجوز الاقتصار على أحدهما. وهو كل ما ما كان المفعول الثاني فيه غير الأول, مثل أعطيت زيدًا درهمًا, وكسوت خالدًا ثوبًا, وآتيت عمرًا مالًا, وأوليته خيرًا. ويلحق بهذا استغفرت الله ذنبًا, واخترت الرجال زيدًا. ولا تلغى هذه الأفعال عن العمل تقدمت معمولاتها أو توسطت أو تأخرت». قال الشيخ رحمه الله: فإن جملة الأمر أن هذا النوع لا يخلو من ثلاثة أقسام. إما أن يكون في أصله متعديًا إلى اثنين, مثل: كسوت زيدًا جبة. أو يكون في أصله متعديًا إلى واحد ثم دخلت الهمزة فعدته إلى آخر, مثل: أعطيت زيدًا [68] درهمًا, أصله من عطوت زيدًا, يقال عطوت / إذا تناولت, وعطوته, إذا ناولته, ثم أدخلت الهمزة فعديته إلى مفعول آخر على حد ضربت زيدًا, وأضربت زيدًا عمرًا, أي جعلته يضربه. وكذلك أعطيت زيدًا درهمًا, زيد معطى, وهو آخذ للدرهم. ومنها ما يتعدى إلى واحد وإلى آخر بحرف جر, ثم اتسع في حرف الجر بالحذف فتسلط الفعل على ذلك المفعول فنصبه, مثل: استغفرت الله ذنبًا, واخترت الرجال عمرًا, أي من الرجال, ومن ذنب. قال الله تعالى (واختار موسى قومه سبعين رجلًا). وقال الشاعر:

استغفر الله ذنبًا لست محصيه ... رب العباد إليه الوجه والعمل وقال الآخر: أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مال وذا نشب أي أمرتك بالخير. وأما قول الشاعر: أستغفر الله غفار الذنوب لما ... قدمت من عمل لم يرضه الله فإن المفعول الثاني «من عمل» في موضع نصب متعلق باستغفر تعلق المفعول به. وإن جعلت «من» متعلقة بقدمت لا باستغفر كان «لما قدمت» في موضع المفعول الثاني. فإذا كان كذلك فكل هذه الأقسام تتساوى في عمل الفعل في المفعولين. وإذا تساوت في العمل فيهما فإنها تعمل فيهما على كل وجه, متقدمة عليهما, أو متوسطة بينهما, أو متأخرة عنهما. مثل الأول: أعطيت زيدًا درهمًا. ومثال الثاني: زيدًا أعطيت درهمًا. ومثال الثالث: زيدًا درهمًا أعطيت. وإنما لم يجز الإلغاء في هذا كله كما جاز فيما تقدم لأنه ليس يبقى بعد الإلغاء كلام تام, لأن زيدًا ليس بالدرهم, ولا الدرهم بزيدٍ. وإنما تلغى إذا بقي ماله معنى, وليس

لهذا معنى, [فلذلك لم يجز]. ومن ها هنا ساغ الاقتصار على أحد المفعولين. أما على الأول فتقول: أعطيت زيدًا, وأما على الثاني فتقول: أعطيت درهمًا, لأنه لما لم يلزم الجمع بينهما قبل دخول العامل عليهما لم يلزم الجمع بينهما بعد دخول العامل عليهما لزوم ما أصله المبتدأ والخبر. وقد يجوز حذفهما جميعًا, فتقول: أعطيت. فمتى حذفتهما جميعًا فهو غاية في الإبهام. ومتى ذكرتهما جميعًا فهو غاية في البيان. ومتى اقتصرت على أحدهما فهو توسط في البيان. وذلك كله بحسب ما تدل عليه القرائن. وفي كتاب الله سبحانه (إنا أعطيناك الكوثر) , فالمفعولان مذكوران. وفيه (وآتينا داود زبورا) , فالمفعولان أيضا مذكوران. وفيه (وارزقوهم فيها واكسوهم). فاحد مفعولي الكسوة والرزق محذوف, أي اكسوهم مما تلبسون وارزقوهم مما تتناولون. وفيه (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا) فأحد المفعولين محذوف تقديره استغفروه ذنوبكم. وفيه (واستغفره إنه كان توابًا) , على هذا الحكم أيضًا. فأما قوله تعالى (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا) , فيؤت ههنا فيه ذكر مفعوليه جميعًا, لأن المفعول الأول كان منصوبًا ولكنه قام مقام الفاعل

النوع الرابع (أعلم) وأخواتها

فارتفع واستتر, والأصل: ومن آتاه الله الحكمة فقد آتاه خيرًا كثيرًا. فاعرف ذلك وقس عليه [النظير] فإنه باب كثير المقال. *** [ثم قال الشيخ]: «ومنها نوع رابع, يتعدى إلى ثلاثة [مفعولين] فينصبهما, وهي سبعة أفعال: أعلم, وأرى, ونبأ, وأنبأ, وأخبر, وخبر, وحدث. تقول: أعلمت زيدًا عمرًا قائمًا, وكذلك الباقي. وهي عاملة أبدًا تقدمت مفعولاتها أو توسطت أو تأخرت. ويقع موقع المفعول الثالث كل ما جاز أن يقع موقع المفعول الثاني من مفعولي «ظننت وأخواتها» , مثل أعلمت زيدًا عمرًا قائمًا, وأعلمت زيدًا عمرًا قام أبوه, وأعلمت زيدًا عمرًا أبوه قائم, وأعلمت زيدًا عمرًا في الدار. وكذلك الباقي». قال الشيخ رحمه الله: وجملة الأمر أن هذه السبعة أصلها مما يتعدى إلى اثنين. فلما دخلت الهمزة في أعلم وأنبأ وأرى وأخبر والتضعيف في نبأ وخبر وحدث عدته إلى آخر فصار يتعدى إلى ثلاثة, ولما تعدى إلى ثلاثة لم يجز أن تلغى هذه الأفعال عن العمل, لأنه لو ألغيت عن العمل في حال توسطها أو تأخرها لبقيت الأسماء لا معنى لذكرها, ولا فائدة في اجتماعها. ألا ترى أنك لو قلت / [69] «زيد عمرو قائم» لم يكن كلامًا, لأن الأول ليس بالثاني, ولا الثاني بالأول.

وشرط الفعل الملغي عن العمل أن يكون للأسماء بعد إلغائه معنى يتحصل, وهذا معدوم [ههنا] , فلذلك وجب إعمال هذه الأفعال على كل حال تقدمت أو توسطت أو تأخرت. فأما المفعولان الأخيران فعلى أحكام المفعولين الأولين في باب «ظننت» , لأنهما اللذان كانا مفعولين لباب «علمت» , ولا يجوز الاقتصار على الثالث دون الثاني, ولا على الثاني دون الثالث. فأما الأول ففيه خلاف, فمن الناس من يجيز الاقتصار عليه ويحذف المفعولين جميعًا كما جاز حذفهما جميعًا في باب «علمت». ومن الناس من لا يجيز الاقتصار عليه ويوجب الإتيان بالمفعولين الباقيين معه, وهو المذهب [الصحيح]. وعليه قولهم: أعلم الله النبي الصلاة خمسًا, فأعلم يقتضي معلما ومعلما وشيئًا أعلم. فالفائدة متعلقة بالجملة الثانية. فلذلك كان الأجود الإتيان بالمفعولات الثلاثة. فإما «أن» فلا تدخل في هذا الباب على المفعول الأول, لا يجوز أعلمت أن زيدًا عمرو قائم, لأنها لا تسد مسد الثلاثة المفعولات, ولأن الأسماء التي في خبره غير مؤتلفة المعنى, ألا ترى أن خبر «أن» هو اسمها في المعنى. فإذا لم يجز أن تدخل على المفعول الأول جاز أن تدخل على المفعول الثاني. وإذا

النوع الخامس ما ينصب مفعولا واحد

دخلت كانت مفتوحة كقولك: أعلمت زيدًا أن عمرًا قائم, فسدت باسمها وخبرها مسد المفعولين الباقيين. فإن دخلت على المفعول الثالث كانت مكسورة مثل: أعلمت زيدًا عمرًا إنه قائم, كما كانت في باب «علمت». لأنه موضع يقع فيه المفرد والجملة. والكلام في باقي هذه الأفعال كالكلام في «أعلمت» لاشتراك الكل في التعدي إلى ثلاثة مفعولين. ويجوز أن تعديها إلى مصادرها المخصوصة بها مثل: أعلمت زيدًا عمرًا قائمًا إعلامًا, فلا خلاف أن «إعلامًا» مصدر منصوب بأعلم. فإن قلت: أعلمت زيدًا عمرًا قائمًا علمًا. ففيه خلاف. منهم من يقول انتصابه باضمار فعل آخر كأنه قال: فعلم علمًا, لأن العلم مصدر لفعل ثلاثي, والإعلام مصدر لفعل رباعي, فلم يجر مجراه. ومنهم من يقول: تجريه في النصب مجراه وتجعله مصدرًا قد حذفت زوائده, كما قال الشاعر: [أكفرًا بعد رد الموت عني] ... وبعد عطائك المائة الرتاعا أي بعد إعطائك. *** [ثم قال الشيخ رحمه الله] وأما قولنا: «ومنها نوع خامس يتعدى إلى مفعول واحد فينصبه, وهي أفعال الحواس الخمس وما جرى مجراها, مثل: أبصرت زيدًا, وشممت الريحان. وذقت الطعام, ولمست الثوب, وسمعت القراءة, ولا تلغى [هذه الأفعال] عن العمل تقدم معمولها أو تأخر». فجملة الأمر أن هذا النوع الخامس المتعدي إلى واحد إنما تعدى إلى واحد

لأن معناه لا يقتضي إلا واحدًا. ألا ترى أن الإبصار يقتضي مبصرًا, والشم يقتضي مشمومًا, والذوق يقتضي مذوقًا, واللمس يقتضي ملموسًا, والسمع يقتضي مسموعًا. ولما اقتضى مسموعًا لم يجز أن يقال سمعت زيدًا, لأن زيدًا ليس مما يسمع فتحتاج أن تقول: سمعت قراءة زيدٍ, لأن القراءة مسموعة. فإن قيل: فإن الله تعالى يقول: (هل يسمعونكم إذ تدعون) , فقد عداه إلى الكاف والميم التي هي للمخاطبين, وليسوا بمسموعين. قيل: فيه وجهان, أحدهما أنه على حذف مضاف, كأنه قال: هل يسمعون دعاءكم إذ تدعون, فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. والوجه الثاني: أن الظرف من قوله «إذ تدعون» لما كان مضافًا إلى «تدعون» كان فيه ما يسد ذلك المسد من المفعول المسموع. وأما قوله سبحانه (إن تدعوهم لا يسمعوا دعاكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم). فلا إشكال فيه, لأن مفعول «لا يسمعوا» هو «دعاءكم» , ومفعول «لو سمعوا» محذوف, أي: ولو سمعوا دعاءكم ما استجابوا لكم. لأن هذه الأفعال كلها تتعدى إلى مفعول واحد ويجوز أن يحذف ذلك المفعول اختصارًا, وخاصة إذا دل الدليل عليه. وهذه الأفعال مع جوار حذف مفعولاتها لا يجوز إلغاؤها عن العمل لأنه لا يستقل بالمفرد كلام. ولو قلت: الطعام ذقت, على طريق الإلغاء لم يجز حتى تبرز/ الضمير فتقول «ذقته». فإن جعلته خبر الابتداء وقدرت الهاء فقلت: [70] الطعام ذقت, فما ألغيت [ذقت] لأنك قد أعملته في ضمير الطعام. فإن

النوع السادس ما يتعدى بو اسطة

قلت الطعام ذيق, فليس هناك مفعول منصوب, إنما هناك ضمير مفعول قام مقام الفاعل, مرفوع, كأنك قلت: «الطعام ذيق هو» , بمنزلة الطعام مذوق. ولو أتيت باسم الفاعل عوض «ذقت» خبرًا عن «الطعام» لم يجز أن تقول: الطعام ذائقه, حتى تبرز الضمير فتقول: الطعام ذائقه أنا, لأن اسم الفاعل قد جرى على غير من هو له فصار خبرًا عن الطعام, والفعل للمتكلم فوجب إبراز الضمير, وأن تقول: الطعام ذائقه أنا. وكذلك بقية [هذه] المسائل إذا رتبتها هذا الترتيب كان حكمها هذا الحكم, مثل: زيد أبصرته, وزيد مبصره أنا, [وزيد أبصر] , وزيد مبصر. والريحان شممته, والريحان شامه أنا, والريحان شم, لمالم يسم فاعله, والريحان مشموم. والثوب لمسته, والثوب لامسه أنا, والثوب ملموس, والثوب لمس. والقراءة سمعتها, والقراءة سامعها أنا, والقراءة مسموعة, والقراءة سمعت. فاعرفه. وكل ما يأتي من معاني هذه الأفعال [التي] للحواس الخمس يجري مجراها إذا كان في معناها. *** فأما قولنا: «ومنها نوع سادس يتعدى بواسطة من حرف جر أو غيره,

مثل: مررت بزيد, ونزلت على عمرو. فهذا مفعول مجرور في لفظه, منصوب في تقديره. يدلك على ذلك أنه يجوز أن تعطف عليه بالمنصوب والمجرور فتقول: مررت بزيد وعمرو وعمرًا. ويلحق بهذا ما يتعدى تارة بنفسه وتارة بحرف جر, مثل: شكرت زيدًا, وشكرت له. وكلته, وكلت له. ووزنته, ووزنت له. ورجعته ورجعت إليه». قال الشيخ رحمه الله: وجملة الأمر أن الفعل يتعدى تارة بنفسه, وتارة بغيره, بحسب قوته وضعفه ودلالة وضعه. فالمتعدي بنفسه قد تقدم ذكره. والذي يتعدى بواسطة, فجملة الوسائط ثلاث. واسطة مقدمة في أول الفعل كالهمزة من قولك: قام زيد, وأقمت زيدًا, وخرج عمرو, وأخرجته. وواسطة في وسط [الفعل] , وهو التضعيف, مثل فرح زيد, وفرحته أنا, وحزن زيد, وحزنته. وواسطة من بعده كحروف الجر. نحو مررت بزيد, ونزلت على عمرو. كل واحد من هذه يعدي الفعل, إلا أن تعديته بحرف جر تعدية إضافة, فلذلك كان مجرورًا. وتعديته بالهمزة أو التضعيف تعدية بنية, فلذلك كان كان المعمول منصوبًا. ولذلك لا يجوز أن تجمع بين الهمزة وحرف الجر, لا يجوز: أمررت بزيد, ولا: أنزلت على عمرو, إلا أن تأتي بكلام يقتضيه فتقول: أمررت فلانًا بزيدٍ, وأنزلت فلانًا على عمرو. فإن حذفت ذلك وأنت تريده لم يمتنع. وكذلك إذا حذفت الجار والمجرور, وبقيت المنصوب لم يمتنع, فقلت: أمررت زيدًا. فأما الجمع بين الهمزة والتضعيف فلا يجوز بحال لأن الهمزة تقتضي وزن «أفعل» , والتضعيف يقتضي وزن «فعل» فلا يجتمعان لاختلاف البناءين: فقد ظهر لك بهذا أن الجار والمجرور في «مررت بزيد» في موضع نصب

لأنه في مقابلة «أمررت زيدًا» , أي جعلته يمر بغيره. وإذا كان في مقابلته فقد صارت حروف الجر بمنزلة الجزء من الاسم تارة بحكم الإضافة, وبمنزلة الجزء من الفعل تارة بحكم النصب مع الهمزة. فلذلك جاز الجر والنصب في قولك: مررت بزيدٍ وعمروٍ, وعمرًا. فإن بنيت الفعل لما لم يسم فاعله قلت: مر بزيد وعمرو, وإن شئت نصبت فقلت: مر بزيد وعمرًا, لأن المرفوع في بناء ما لم يسم فاعله منصوب في المعنى إذ كان أصله أن يكون مفعولًا. ومثله: نزلت على عمرو وخالدٍ وخالدًا, ونزل على عمروٍ وخالدٍ وخالدًا. فأما الفعل الملحق بهذا وهو شكرت زيدًا وشكرت له فموقوف على السماع وفيه مذهبان. من الناس من يقول إن الأصل الجر, ثم حذف الجار فتعدى الفعل فنصب. ومنهم من يقول: هما لغتان بمعنى واحد, لغة قوم يعدون هذا الفعل بواسطة, ولغة لآخرين يعدونه بنفسه. وفي كتاب الله تعالى الأمران. [قال الله تعالى]: (أن اشكر لي ولوالديك) , وقال في موضع آخر: (واشكروا لي ولا تكفرون) , وقال تعالى: (وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) , أي كالوا لهم, ووزنوا لهم. فأما قوله [سبحانه وتعالى]: (فأوف لنا الكيل) , فلا يصح أن يكون «لنا» متعلقًا بالكيل, على حد «كل لنا» لأن الكيل مصدر, والمصدر لا يتقدم عليه ما كان في صلته. وإنما «لنا» متعلق بأوف تعلق المفعول به, أو تعلق الصفة بموصوف محذوف, أي: أوف إيفاءً لنا, أو تعلق الأحوال,

النوع السابع المبني لما لم يسم فاعله

أي: متممًا لنا. أو تكون اللام زائدة على حد (ردف لكم). فاعرف ذلك. وأما قولنا: «ومنها نوع سابع يبنى لما لم يسم فاعله, وهو ما كان من صحيح الأفعال أوله مضمومًا, وما قبل آخره مكسورًا مع الماضي ومفتوحًا مع المستقبل, مثل: قد علم زيد قائمًا, وأعطي زيد درهمًا, وأعلم زيد عمرًا قائمًا, وأبصر زيد, ونزل على عمرو». [قال الشيخ رحمه الله]: لجملة الأمر أن الأصل في هذا الباب أن يكون مبنيًا للفاعل لأنه البيان التام, وإنما يعدل عنه إلى هذا الباب لأحد خمسة أشياء. إما للمخافة من ذكر الفاعل, وإما لجلالته, وإما لخساسته, وإما للجهالة به, وإما للاختصار والإيجاز. فالمخافة من مثل قولك: قتل فلان, فلا تذكر قاتله مخافة أن تؤخذ عليك بذلك شهادة أو لطخة أو غير ذلك. والجلالة من مثل قولك: قتل الجليل, وقاتله خسيس. أو قتل الخسيس, وقاتله جليل. أو قتل فلان, وأنت غير عارف بمن قتله. أو لا يكون قصدك شيئًا من ذلك كله وإنما هو اختصار, كما تقول: قيل كذا وكذا, وأنت تعلم قائله. وهذا الاختصار يشتمل على ثلاثة أشياء. حذف الفاعل, وإقامة المفعول مقامه, ونقل الفاعل من صيغة إلى صيغة. فلما حذفت الفاعل وأقمت المفعول مقامه فقد وجب أن تكون مفعولات هذا الباب أنقص رتبة مما يتعدى إليه الفعل المتعدي, لأنه قد قام المفعول مقام الفاعل. فيصير باب «ضرب» المتعدى في باب «ضرب» غير متعد. ويصير باب «أعطيت» يتعدى إلى مفعول واحد, وباب «أعلمت» يتعدى إلى اثنين. وباب ما لا يتعدى لا يجوز دخوله في هذا الباب من نحو «قام» و «قعد» لأنه لم يبق معه ما يقوم مقام الفاعل. فإن عديته

بحرف جر جاز. وقد ذكر. وصيغة هذا الفعل, لا يخلو من أن يكون ثلاثيًا, أو زائدًا على الثلاثي. فإن كان ثلاثيًا صحيحًا ضم أوله وكسر ما قبل آخره, مثل: ضرب. وإن زاد على الثلاثة - من رباعي أو خماسي بزيادة, أو سداسي بزيادة - ضم الأول وكسر ما قبل الآخر, مثل: أعطي, وانطلق به, واستخرج المال. وهكذا الفعل إذا كان مضاعفًا إلا أن الكسرة تزول لأجل الإدغام, مثل: قد شد ومد, وقد كان أصله شدد ومدد. وقد اشتد عليه, أصله: اشتدد [عليه]. وإذا كان معتلًا لم يخل الاعتلال أن يكون من أوله أو من وسطه أو من آخره. فإن كان من أوله مثل: وعد ووزن, جاز فيه وجهان: وعد وأعد, ووزن وأزن. وقد قرئ بالأمرين جميعًا (وإذا الرسل أقتت) و (وقتت). فحجة من قرأ بالواو تمسكه بالأصل, وحجة من همز استثقال الضمة على الواو فقلبها همزة. والمعتل العين مثل قال وباع, ونحو شاء وجاء وخاف وطاب وغاض, فهذا في بنات الواو منه ثلاثة أعمال, حذف الضمة من أوله, ونقل الكسرة من عينه إلى فائه, وقلب الواو ياء لانكسار ما قبلها. وذلك قولك: قيل, وسيء. أصله قول, حذفت الضمة من القاف, ونقلت إليها كسرة الواو, ثم قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها, فصار قيل. وفي هذه الحركة ثلاث لغات. إخلاص الكسرة كقراءة الجماعة. وأما الكسائي ومن تابعه فإنهم يشمون الكسرة صوت الضمة

حرصًا على البيان. واللغة الثالثة إخلاص الضم, وهو أن يقول القائل: قول القول, وبوع المتاع, وأنشد ابن الأعرابي: ليت وما ينفع ليت ليت ... ليت زمانًا بوع فاشتريت [ويروي: ليت وما بنفع نفسًا ليت ... ليت شبابًا بوع فاشتريت] وهذا ترجع فيه الياء من «قيل» إلى أصلها, وترجع الياء من «بيع» إلى غير أصلها. فإن قيل: فهل الضم فيمن أشم مدخل على الكسر أم الكسر مدخل على الضم؟ قيل: الضم مدخل على الكسر, لأن الضم الأصل وقد ذهب بالجملة وخلفته الكسرة حتى صار بوزن فيل وديك / ونحوه من الأسماء, وبطل حكم الضم. فمن أشم فإنما أشم الكسرة الضم الذي كان حذف ليدل على بيان الأصل الذي كان قبل دخول الكسرة.

وإن كان الفعل معتل اللام مثل: دعا وغزا, فليس فيه إذا بني لما لم يسم فاعله إلا قلب الألف ياء لانكسار ما قبلها, فتقول: دعي وغزي, [وكان أصله دعو وغزو] ولكنها انقلبت ياء لانكسار ما قبلها, فكان فيه عملان, إعادة الألف إلى الواو, ثم قلب الواو ياء. ولو كان من ذوات الياء مثل: رمى وجرى لكان فيه عمل واحد, وهو إعادة الألف إلى الياء لانكسار ما قبلها. فهذا كلام في تغيير أفعال هذا الباب. وكل ما كان منه مضاعفًا فإنه يبقى حاله مضاعفًا, مثل: قد شد الثوب, ومد الحبل. أصله مدد وشدد, ولكنه سكن فأدغم لاجتماع المثلين. وجملة الأشياء التي تقوم مقام الفاعل عند عدم المفعول أربعة. المفعول بحرف جر, والظرف المتمكن من الزمان, والظرف المتمكن من المكان, والمصدر المخصص. مثال المفعول بحرف الجر: سير بزيد, وحير على عمرو, ووشيء به. الجار والمجرور في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل, ولذلك لا يجوز تقديمه على الفعل, لا تقول: بزيد سير, وأنت قد أقمته مقام الفاعل لأن الفاعل لا يتقدم على فعله. فإن قلت: بزيد سير السير, جاز تقديمه لأنه هنا في موضع نصب. وإذا كان في موضع نصب كان مفعولًا والمفعول يجوز تقديمه. ومثال الظرف المتمكن من الزمان: سير يومان, وليلتان, وشهران, وسنتان. وما أشبه ذلك. ومثال الظرف المتمكن من المكان سير فرسخان, وبريدان, وميلان ونحوه

من ظروف الأمكنة المستقرة. فإن كان مثل «عند» لم يجز إقامته مقام الفاعل لكونه غير متمكن. ومثال المصدر المخصص سير سير شديد, ومر مرور حسن, وجير جور عظيم. فإن اجتمعت هذه المسائل الأربع في مسألة واحدة مثل: سير بزيد يومين فرسخين سيرًا شديدًا, كنت مخيرًا أيها شئت أقمته مقام الفاعل وتركت الباقي منصوبًا على حاله. فإن أقمت «بزيد» قلت: سير بزيد فرسخين يومين سيرًا شديدًا, فالجار والمجرور في موضع رفع قائمًا مقام الفاعل, و «يومين» منصوب نصب ظرف الزمان, و «فرسخين» منصوب نصب ظرف المكان, و «سيرًا شديدًا» منصوب نصب المصدر. فلك أن تأتي بها كلها بعد «سير» , ولك أن تأتي بها كلها قبل «سير». فأما الذي أقمته مقام الفاعل فليس لك أن تقدمه على «سير». فإن أقمت «اليومين» مقام الفاعل رفعتهما بالألف ونصبت ما سواهما. وإن أقمت «الفرسخين» مقام الفاعل رفعتهما بالألف ونصبت ما سواهما. وإن أقمت «سيرًا شديدًا» مقام الفاعل رفعتهما ونصبت ما سواهما. فهذه أربعة أوجه. فإن قلت: سيرت زيدًا, فعديته بالتضعيف ونصبت زيدًا, فليس إلا وجه واحد وهو إقامة زيد دون اليومين والفرسخين والمصدر لأنه مفعول به صريح, ولا يقام مع المفعول به الصريح الذي قد تعدى الفعل إليه بنفسه غيره. فأما قراءة من قرأ (ويخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورا) فالذي قام مقام الفاعل المفعول

به لا مصدر ولا مفعول بحرف جر, والتقدير: ويخرج له عمله يوم القيامة مكتوبًا, فكتابًا ينتصب على الحال الواقعة موقع «مكتوب» , فلذلك لا يجوز أن تقام الحال مقام الفاعل. فإن قيل: فأين المفعول الذي أقيم مقام الفاعل فيمن قرأ (ونخرج) مذكور؟ قيل: قد كان محذوفًا في قراءة الجماعة (ونخرج له يوم القيامة كتابًا) , أي: نخرج له عمله مكتوبًا, لأن المفعول فضله, والفضلات تحذف فالذي أقيم مقام الفاعل فيمن قرأ (ويخرج) هو ذلك المفعول الذي كان منصوبًا محذوفًا. وأما قراءة من قرأ (ليجزى قومًا بما كانوا يكسبون) فإنها مشكلة جدًا, لأنه أقام المصدر مقام الفاعل مع وجود المفعول به وهو القوم. والتقدير ليجزى الجزاء قومًا. وقد جاء في الشعر من هذا قول القائل: فلو ولدت قفيرة حرو كلبٍ ... لسب بذلك الجرو الكلابا أي لسب السب. وحقه أن يرفع «الكلاب» , ولكنه قد حمل «الكلاب» [73] على أنه منصوب بـ «ولدت» , ويكون «جرو كلب» نداء, كأنه قال: ولو ولدت قفيرة الكلاب يا جرو كلب لسب السب بذلك الجرو. وليس من الأصل المقدم لأنه لا يقام مع وجود المفعول به الصريح مصدر ولا غيره.

فإذا ثبت هذا فإن جميع هذه الأفعال السبعة التي تقدم ذكرها تتعدى من استيفائها ما تتعدى إليه إلى المصدر, وإلى الظرف من الزمان, وإلى الظرف من المكان, وإلى الحال, وإلى المفعول له, وإلى المفعول معه. تقول فيما يتعدى إلى اثنين ولا يجوز الاقتصار على أحدهما: علمت زيدًا قائمًا علمًا يوم الجمعة عند فلان ضاحكًا تأملًا مني وجعفرًا. فهذه الثمانية كلها منصوبة بعلمت. وكذلك لو أدخلتها في باب «أعطيت زيدًا درهمًا» , أو ما كان في معناها لكانت أيضًا ثمانية, وكانت كلها منصوبة بأعطيت. وكذلك لو أدخلتها في باب «أعملت» المتعدي إلى ثلاثة لكانت تسعة, وكانت كلها منصوبة بأعلمت. ولو أدخلتها على باب «أبصرت» وشبهه من أفعال الحواس الخمس المتعدية إلى واحد لكانت سبعة, وكانت كلها منصوبة بأبصرت. ولو أدخلتها في باب ما لا يتعدى مثل قام وانطلق وحسن وتدحرج وما أشبه ذلك لكانت ستة منصوبة بذلك الفعل الذي لا يتعدى, لأن كل فعل يتعدى أو لا يتعدى فإنه يتعدى إلى هذه [الستة] الأشياء لدلالته عليها من جهة اللفظ والمعنى بحسب ما قدمناه. فإن أدخلت الاستثناء - مع هذه [الستة] الأشياء - الذي يكون ما بعده منصوبًا كان الفعل الذي يتعدى إلى ثلاثة أشياء مع هذه الأشياء السبعة يتعدى

النوع الثامن الأفعال الجامدة (عسى وليس ونعم وبئس وحبذا وفعل التعجب)

إلى عشرة منصوبات مثل: أعلمت زيدًا عمرًا قائمًا إعلامًا يوم الجمعة عند فلان ضاحكًا تفهيمًا له وجعفرًا إلا أخاك. فهذه مقاييس هذه الأفعال في العمل وكلها لا تخلو من الفاعل ظاهرًا كان أو مضمرًا, لأن الفاعل لابد منه من حيث كان عمدة. وقد تخلو من المفعول من حيث كان فضله. والفعل لا ينفك من الفاعل, وقد ينفك من المفعول. فاضبط هذه الأصول. [ثم قال الشيخ رحمه الله]: وأما قولنا: «ومنها نوع ثامن لا يتصرف بمستقبل ولا أمر ولا نهي ولا اسم فاعل ولا اسم مفعول ولا فعل ما لم يسم فاعله. وذلك ستة أفعال وهي: نعم, وبئس, وحبذا, وعسى, وليس, وفعل التعجب. وفعل التعجب ينصب المتعجب منه أبدًا إن كان على صيغة ما أفعل, مثل: ما أحسن زيدًا, وما أطول عمرًا, إذا أردت الطول لا الطول. وإذا كان على صيغة أفعل به كان مجرورًا مثل: أحسن بزيد, وأجمل بعمرو. وأفعال الألوان, والخلق الثابتة, والزائدة على الثلاثة لا يتعجب منها إلا بأشد أو أبين أو أكشف [أو أكثر] أو أظهر ونحوه. وتكون مصادرها مضافة إلى المتعجب منه مثل: ما أشد سواد الثوب. ولا يجوز أن يقال: ما أسود الثوب, ونحوه. وليس وعسى يدخلان في باب كان غالبًا, إلا أن عسى يكون خبرها فعلًا مستقبلًا معه أن غالبًا مثل (عسى ربكم أن يرحمكم). ونعم وبئس إذا

وقع بعدهما معرفتان كانت المعرفتان مرفوعتين, وكانت المعرفة الأولى باللام التي للجنس, أو بالمضاف إلى ذلك, مثل: نعم العبد عبد الله, وبئس الغلام فلان. وإن كان أحدهما نكرة والآخر معرفة نصبت النكرة ورفعت المعرفة مثل: نعم عبدًا عبد الله, وبئس غلامًا غلام فلان. فإن كان فاعلهما مؤنثًا جاز تذكير الفعل وتأنيثه خلافًا للأفعال مثل: نعمت الجارية جاريتك, ونعم الجارية جاريتك. وفي كل واحد منها أربغ لغات: نعم ونعم ونعم ونعم. وحبذا ترتفع بعدها المعرفة وتنتصب النكرة على التمييز إن كانت جنسًا, أو على الحال إن كانت مشتقة مثل: حبذا رجلًا زيد, وحبذا قائمًا زيد. وكذلك المؤنث: حبذا امرأة هند, وحبذا قائمة هند. ولا تعمل هذه الأفعال الستة في مصدر ولا ظرف ولا جميع ما ذكرناه لعدم تصرفها في نفسها فلم تتصرف في معمولها. ولا يتقدم معمولها عليها». قال الشيخ رحمه الله: وجملة الأمر أن هذا الفصل هو آخر العوامل اللفظية من الأفعال لأنه لما ذكرنا الأفعال المتصرفة العاملة/ ذكرنا الأفعال التي هي غير متصرفة. وهي مع كونها غير متصرفة عاملة فيها دخلت عليها على ما ما يأتي بيانه [إن شاء الله تعالى]. وإنما منعت هذه الستة وما كان في معناها من التصرف لأنها جعلت أنفس المعاني, لأن ما عداها من الأفعال المتصرفة ليست بأنفس المعاني, وإنما هي دلائل عليها والعمل لغيرها. وهذه هي نفس العمل. لأنك إذا قلت في التعجب ما أحسن زيدًا, فهذا هو نفس التعجب, وهو نفس العمل الذي يقصد بالتعجب بخلاف قولك تعجبت من زيد, لأن هذا إخبار عن وقوع التعجب

منك, وليس هو نفس التعجب. وكذلك: نعم الرجل زيد, هو نفس المدح. وكذلك: بئس الرجل عمرو, هو نفس الذم. وكذلك: حبذا زيد, هو نفس المدح المقرب من القلب. وكذلك: عسى زيد أن يفعل, هو نفس الطمع والرجاء. وكذلك: ليس زيد قائمًا, هو نفس نفي الحال المشبهة بما. فلما كانت هذه الأفعال بهذه القضية سلبت التصرف إيذانا بهذا المعنى, ولما سلبت التصرف ألزمت أحكامًا مخصوصة يجب حفظها حتى تؤدى على القضية التي تجب لها. فأما فعل التعجب فله صيغتان تقيس عليهما. إحداهما «ما أفعل» , والأخرى «أفعل به» , فإذا قلت في «ما أفعل»: ما أحسن زيدًا, فـ «ما» اسم تام بمعنى شيء, غير موصول, تقديره «شيء» , وهو عند سيبويه في موضع رفع بالابتداء والعامل فيه الابتداء. و «أحسن زيدًا» جملة من فعل وفاعل ومفعول. فالفعل «أحسن» , وهو غير متصرف أبدًا بمستقبل ولا غيره. والفاعل مضمر لا يظهر في واحد ولا تثنية ولا جمع, ولا مع تذكير ولا مع تأنيث, ولا في حال من الأحوال. لأن التعجب باب إبهام, وهو يكون لما خفي سببه وخرج عن نظائره. فكلما أبهم ما يتعلق به كان أدل على معناه, وأفخم لشأنه. ولذلك استعمل فيه

«ما» دون «شيء» , لأن «شيئًا» اسم معرب متمكن يثنى ويجمع, و «ما» ليس فيها شيء من ذلك سوى الاسمية حسب. و «زيدًا» مفعول «أحسن» منصوب به, وكان في الأصل قبل دخول الهمزة حسن زيد, فلما نقلته إلى أحسن [بالهمزة] وجعلت الفعل لغيره خرج منصوبًا على جهة المفعول به. وتقديره لو ظهر - وإن كان لم يظهر [قط]- شيء حسن زيدًا, إلا أنك لو أظهرت هذا الكلام لم يكن تعجبًا دالًا على ما دل عليه ما أحسن زيدًا, لأن هذه الصيغة موضوعة لهذا المعنى. ومن هذا يروى أن ابنة أبي الأسود الدؤلي كانت في يوم شديد الحر حاضرة مع أبيها فقالت: يا أبت ما أشد الحر, فقال لها: إذا كانت الصقعاء من فوقك والرمضاء من تحتك, فقالت: يا أبه, إنما أردت أن الحر شديد, فقال: فقولي إذن: ما أشد الحر. فنبهها على غلطها وأعلمها اللفظ الذي يتعجب به, لأنها أخرجت كلامها مخرج الكلام الذي يستفهم به. ومن شرط فعل التعجب أن يكون مما تصح فيه الزيادة والنقصان مثل الحسن والعقل والفضل والنبل والقول والطول لا الطول, ولا أفعال الخلق الثابتة ولا الألوان ولا الأفعال الزائدة على الثلاثة. فإذا احتجت إلى التعجب من خلقة ثابتة أو من فعل زائد على الثلاثة من نحو: دحرج وسرهف واحمر واسود, وأحول وأعرج وأعور, ونحوه, فإنك تأتي بفعل ثلاثي مثل: أشد وأبين وأكشف

وأظهر, ونحوه فيعمل في مصادر هذه الأفعال الزائدة, وتضيف هذه المصادر إلى التعجب منه فتقول: ما أشد دحرجته, وما أبين احمراره, وما أكشف حوله, وما أشد سواد الثوب. ولا يقال: ما أسود الثوب, لأن فعله مما يزيد على الثلاثة مثل: أسود. وإن كان فعل التعجب [مما] يتعدى إلى مفعولين كان في هذا الباب يتعدى إلى واحد وإلى آخر بحرف جر, مثل: ما أبصر زيدًا لعمرو, وما أ'لم زيدًا بالشيء. لأنا قد أصلنا أن فعل التعجب لا يتعدى إلا إلى واحد ولا ينصب مصدرًا, لا يجوز ما أحسن زيدًا إحسانًا, لأنه لا يتصرف فلا يؤكد, ولذلك لا يتقدم مفعوله عليه, ولا على «ما» , ولا يفصل بينه وبين فعل التعجب بظرف ولا غيره عند كثير من النحويين, مثل: ما أحسن عندك زيدًا, والصواب ما أحسن زيدًا عندك. كل هذا لأنه قد ألزم طريقة واحدة من ترك التصرف وجرى مجرى المثل. وأما الصيغة الأخرى وهي صيغة أفعل به مثل: أكرم بزيد وأحسن بعمرو. فلفظه / لفظ الأمر وليس بأمر, إنما هو خبر في المعنى. فإذا قلت: أكرم بزيد, إنما هو بمنزلة كرم زيد جدًا, و «أكرم» فعل يحتاج إلى فاعل, وفاعله عند المحققين هو الجار والمجرور, أعني «بزيد» , لأن الجار والمجرور قد جاء فاعلًا في مثل: (كفى بالله حسيبًا) , أي كفى الله حسيبا. وفي مثل: ما جاءني من أحد, أي: ما جاءني أحد, وكذلك الجار والمجرور هنا فاعل, ولكن الباء

زيادة تلزم ولا يجوز حذفها, لأنها وضعت دلالة على هذا المعنى, كما خصت «ما» باللزوم دون غيرها. وقد كان أبو اسحاق وغيره يعتقد أن الفاعل في «أكرم بزيد» مستتر لا يظهر, وأن الجار والمجرور في موضع نصب. وإنما جعل الفاعل هنا مستترًا كما كان في «أحسن» مستترًا. وليس هذا مشبها لذلك, لأنه في كونه في «أحسن» مستترًا راجع على «ما» الذي هو مبتدأ, وليس هو كذلك في «أحسن» , لأنه لا يأمر المخاطب بشيء فيكون خطابًا له. ولو كان خطابًا لمأمور لخرج عن معنى التعجب وصار بمنزلة أكرم زيدًا, وليس هذا المعنى ذلك المعنى. فهذا تفسير الصيغتين المختصتين بالتعجب. وأما نعم وبئس فإنهما فعلان فيهما أربع لغات فتح الأول وكسر الثاني, وكسرهما معًا, وكسر الأول وتسكين الثاني, وفتح الأول وتسكين الثاني. وهذا أصل في كل فعل أو اسم كان عينه أو لامه حرفًا من حروف الحلق. فالفعل مثل: شهد وشهد وشهد وشهد. والاسم مثل: فخذ وفخذ وفخذ. وقد غلب على هذا الباب كسر الأول وتسكين الثاني مثل: نعم الرجل فلان, وبئس الرجل فلان. وهذا من الفروع التي غلبت على الأصول في الاستعمال, كالواو في القسم هي بدل من الباء, وقد غلبت استعمالها على الباء. فلا تنكر غلبة الفروع على الأصول. وإذا ثبت أنهما فعلان, وأن الدليل على فعليتهما بناؤهما على الفتح من غير عارض عرض لهما, وأن علامة التأنيث تلحقهما على حد لحوقها الفعل, فإن فاعلهما على ضربين يكون ظاهرًا, ويكون مقدرًا مفسرًا. فإذا كان ظاهرًا كان معرفة, وإذا كان معرفة كانت تلك المعرفة بالألف واللام التي للجنس

أو بالإضافة إلى ما فيه ألف ولام الجنس. مثال الأول: نعم العبد زيد. ومثال الثاني: نعم صاحب العبد زيد. ومثال الذي فاعله مستتر: نعم رجلًا زيد, وبئس رجلًا زيد. أي: نعم الرجل رجلًا, وبئس الرجل رجلًا. فإن كانت النكرة المنصوبة المفسرة مضافة كان الفاعل المقدر مضافًا مثل: نعم غلام رجل زيد, أي نعم غلام الرجل غلام رجل زيد. وجميع ما ذكرناه من بعد هذا كله يحتاج إلى مرفوع آخر يبين به, وهو المقصود بالمدح والذم, مثل: نعم الرجل زيد, فزيد يرتفع من وجهين. أحدهما أن يكون مبتدأ, ونعم الرجل خبرًا له مقدمًا عليه. وإذا كان خبرًا له احتاج إلى عائد من الجملة, وإذا احتاج إلى عائد كان ذلك العائد معنويًا, وذلك المعنوي هو الرجل الدال على الجنس الذي قد دخل تحته زيد وغيره. فهذا وجه. والوجه الآخر أن يكون زيد خبرًا لمبتدأ محذوف تقديره: هو زيد. فالكلام على هذا جملتان. وعلى ما تقدم [ذكره] جملة واحدة. ولا موضع لهاتين الجملتين من الإعراب. ولها فيما تقدم موضع من الإعراب. والكلام في تقدير الجملتين أمدح, لأنه يستحب في المدح التطويل والتكثير بالجمل. وأما حبذا فإنها مجراة مجرى «نعم» في احتياجها إلى اسمين, فاعل ومقصود. ففاعلها «ذا» الذي هو اسم الإشارة, وقد جعل مع «حب» كالشيء الواحد. ولما جعلا كالشيء الواحد غلب بعض أصحابنا عليهما معنى الإسمية, لأنه لما اجتمع فعل واسم وقد صيرا كالكلمة الواحدة وكان الاسم أقوى من الفعل غلب حكم الإسمية. ولما غلب حكم الإسمية جعلا جميعًا كالشيء الواحد في موضع المبتدأ, وخبره الاسم الأخير المقصود بالمدح من قولك: حبذا زيد.

ومن أصحابنا من غلب عليهما حكم الفعلية لأن حب عمل في «ذا» الرفع كما يعمل كل فعل في فاعله, وللبداية به أيضًا فكان بالتغليب أولى, وإذا كان بتغليب الفعلية أولى كان الاسم الأخير فاعل حبذا. والكلام كله على هذا الوجه فعل وفاعل, وعلى الذي قبله مبتدأ وخبر. وفيهما من بعد ذلك وجهان آخران, أن تكون «حب» على حالها فعلًا, و «ذا» على حالها اسمًا لا يغلب أحدهما على الآخر. فيكون الاسم الأخير إما مبتدأ, وإما خبر مبتدأ, على حد نعم الرجل زيد. وأصل حب حبب, ببائين, بوزن فعل, بدليل قولهم: حببت, فسكن وأدغم, لأن فعل قد كثر في باب نعم [وبئس] , وعليه حمل قوله تعالى (كبرت كلمة تخرج من أفواههم) , أي كبرت الكلمة كلمة كلمة تخرج من أفواههم, فالكلمة الأولى فاعلة, والكلمة الثانية تمييز, والكلمة الثالثة المقصودة بالذم مرفوعة بالابتداء. و «تخرج من أفواههم» جملة في موضع رفع نعت لها, كأنه قال: كلمة خارجة من أفواههم. وإذا وقع الاسم بعد حبذا منصوبًا نظر فإن كان جنسًا, مثل: حبذا رجلًا, وحبذا امرأة, قيل هو تمييز مقدر بمن. ومتى كان المنصوب مشتقًا مثل: حبذا

قائمًا زيد, وحبذا قائمة هند, قيل هو حال مقدر بفي. فاعرف الفرق بين النصبين. وهذه الأفعال التي لا تتصرف لا تعمل في مصدر لعدم تصرفها في نفسها. وكذلك لا تعمل عند بعضهم في ظرف. وكذلك لا يتقدم شيء من معمولاتها عليها. كل ذلك لأنها أفعال غير متصرفة. إلا أنه قد ثبت لك من هذه الجملة كونها عاملة في الفاعل وفي التمييز وفي الحال. [فقس على ذلك تصب إن شاء الله تعالى]. ***

فصل

فصل ثم قال: وأما الحروف العاملة فقد ذكرت في فصل الحروف, وهي سبعة أربعون حرفًا. فلا فائدة في إعادتها هنا لأنه قد أجمل الكلام عليها فيما تقدم إجمالًا أغنى عن إعادتها. وهي الستة الناصبة للاسم الرافعة للخبر, والتسعة الناصبة للفعل المستقبل, والثمانية عشر التي تجر الاسم, والخمسة التي تجزم الفعل المستقبل, والسبعة التي تنصب المنادى المضاف والاسم الطويل والنكرة التي ليست مقصودة, وما الحجازية, ولا العاملة في النكرة العامة. *** [قال الشيخ رحمه الله]: وأما الأسماء العاملة فثلاثة أنواع. نوع منها مشتق من فعل فهو يعمل بحسب الاشتقاق. وجملة الأسماء المشتقة خمسة. أسماء الفاعلين وأسماء المفعولين, والصفات المشبهة, والمصادر المقدرة بأن والفعل,

أسماء الفاعلين

وأسماء الأفعال .............. الفصل إلى آخره. قال الشيخ رحمه الله: وجملة الأمر أن أقوى الأسماء العوامل أسماء الفاعلين

أسماء المفعولين

الجارية على الأفعال, لأنها جرت على الأفعال المستقبلة في حركاتها وسكناتها, ووجبت بوجوبها, فوجب إعمالها, ووجب أن يكون حكمها حكمها في التعدى. فما كان من الأفعال يتعدى إلى مفعول واحد كان اسم الفاعل متعديًا إلى ذلك الواحد, مثل: هذا ضارب زيدًا, بمنزلة هذا يضرب زيدًا. وما كان منها يتعدى إلى اثنين لا يجوز الاقتصار على أحد المفعولين كان أيضًا كذلك في اسم الفاعل, من نحو: هذا عالم زيدًا قائمًا, كما تقول: هذا يعلم زيدًا قائمًا. وكذلك إذا جاز الاقتصار على أحدهما مثل: هذا معط زيدًا درهمًا, كما تقول: هذا يعطي زيدًا درهمًا. وما كان يتعدي إلى ثلاثة فكذلك أيضًا, مثل: هذا معلم زيدًا عمرًا قائمًا, كما تقول: هذا يعلم زيدًا عمرًا قائمًا. [وكذلك ما يتعدى بحرف جر مثل: هذا مار بزيد, كما تقول: هذا يمر بزيد] وكذلك ما يتعدى تارة بحرف جر وتارة بغير حرف جر, مثل: هذا شاكر زيدًا, وشاكر لزيد. كما تقول: هذا يشكر زيدًا, ويشكر لزيد. فقد بان لك كيف تعمل أسماء الفاعلين. وأسماء المفعولين تجري هذا المجرى, كما يعمل فعل ما لم يسم فاعله. إلا أنها تنقص أبدًا عن حكم اسم الفاعل أن اسم الفاعل إن كان متعديًا إلى واحد لم يتعد اسم المفعول إلى واحد, وإن كان اسم الفاعل يتعدى إلى اثنين كان اسم المفعول يتعدى إلى واحد, وإن تعدى اسم الفاعل إلى ثلاثة تعدى اسم المفعول إلى اثنين. فعلى هذا تقول: هذا ضارب زيدًا, وزيد مضروب. وهذا عالم زيدًا قائمًا, وزيد معلوم قائمًا. وهذا معلم زيدًا عمرًا قائمًا, وزيد معلم عمرًا قائمًا. فقس على هذا فهذا أصله, [فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى].

وينبغي أن تعرف ما ينقص به اسم الفاعل واسم المفعول عن الفعل في العمل. وجملته أربعة أشياء. منها أن اسم الفاعل لا يعمل إذا كان لما مضى, [والفعل يعمل على كل حال]. ومنها أنه لا يعمل أو يعتمد على شيء قبله. والاعتماد أن يكون خبرًا لمبتدأ, أو صفة لموصوف, أو صلة لموصول, أو حالًا لذي حال, أو معتمدًا على ألف الاستفهام / أو «ما» النافية. فمثال الاعتماد على المبتدأ قد مثل من قولك: هذا ضارب زيدًا. ومثال اعتماده في الصفة: نظرت رجلًا ضاربًا زيدًا. ومثال اعتماده في الصلة: نظرت الضارب زيدًا. ومثال الحال: نظرت زيدًا ضاربًا عمرًا. ومثال الهمزة: أضارب زيدٌ عمرًا, فضارب رفع بالابتداء, وزيد فاعل, وعمرو مفعول به. كأنك قلت: أيضرب زيد عمرًا, لأن الاستفهام يطلب الفعل. فقد سد الفاعل في هذه المسألة مسد خبر المبتدأ. وكذلك في النفي: ما ضارب زيدٌ ع مرًا, على هذا التفسير. فإن جعلت «ضاربًا خبرًا مقدمًا لـ «زيد» كان في ضمير يرجع إلى «زيد» وتثنيه وتجمعه, وكان من الاعتماد الأول. وليس فيه ضمير إذا رفعته بالابتداء, وجعلت «زيدًا» مرفوعًا به, ولذلك لا تثنيه ولا تجمعه. والنقصان الثالث أن اسم الفاعل إذا أجرى على غير من هو له برز الضمير, بخلاف الفعل, كقولك: زيد هنا ضاربها هو. فزيد مبتدأ, وهند مبتدأ ثان, وضاربها خبر عن هند. وليس الفعل لهند, وإنما هو لزيد, فقد جرى على غير من هو له فبرز الضمير. ولو كان فعلًا لم يبرز, مثل: زيد هند يضربها, لأن في

الفعل دلالة قوية على الضمير, وهو حرف المضارعة الذي يدل على المذكر تارة وعلى المؤنث تارة. والنقصان الرابع أن الألف في مثل: «الضاربان» , والواو في «الضاربون» , والياء في «الضاربين» حروف, والفاعل مضمر, بخلاف «يضربان» و «يضربون» الذي هو نفس الضمير, وهو الفاعل, وليس ثم شيء مستتر, ولذلك كان الفعل بضميره جملة, ولم يكن اسم الفاعل جملة. فاعرف ذلك. وإذا ثبت أن اسم الفاعل والمفعول عاملان لما فيهما من معنى الفعل. فإنه يجوز في معمولهما وجهان, النصب والجر. فالنصب معنى الفعلية, والجر بمعنى الإسمية وهو بالإضافة. فلذلك يجوز أبدًا: هذا ضارب زيدًا, وضارب زيد, تحذف التنوين تخفيفًا [وتجر]. وعليه القراءتان المعروفتان [في قوله سبحانه]: (هل هن كاشفات ضره) , و (كاشفات ضره) , و (ممسكات رحمته) , و (ممسكات رحمته). ومثله: (والله متم نوره) , (ومتم نوره) , و (بالغ أمره) , و (بالغ أمره). ولو كان اسم الفاعل لما مضى لكان وجهًا واحدًا, وهو الجر [بالإضافة].

الصفات المشبهة

وعليه قوله سبحانه: (فالق الإصباح وجاعل الليل سكنًا). لأن هذا لما مضى بدلالة من قرأ: (وجعل الليل سكنًا) , ولأن بعده: (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها). فعلى هذا لا يكون «سكنًا» منصوبًا بـ «جاعل» هذا, ولكنه منصوب بإضمار فعل [دل عليه هذا] , أي جعله سكنًا. فإن قيل: فلم لا يعمل إذا كان لما مضى وهو مذهب الكسائي, والدليل عليه قوله سبحانه (وكلبهم باسط ذراعيه) , وهذا لما مضى؟ قيل: لا دليل له في الآية لأن هذه حكاية حال كانت فأخبر عنها, وأقرب على حالها. وكذلك لا دليل له فيما حكي عن العرب من قولهم: هو مار بعمرو أمس, لأن هذا إعمال في الجار والمجرور, فلم يقع به اعتداد *** الفصل الثالث من الأسماء العاملة, وهي الصفات المشبهة [بأسماء الفاعلين] مثل حسن وجه وشديد. قال الشيخ رحمه الله: إنما عملت هذه لمشابهتها لأسماء الفاعلين من جهة التثنية والجمع والتذكير والتأنيث, وأن الكل صفات. فلما كان عملها بحكم المشابهة لها,

أسماء الأفعال

نقصت هي أيضًا عن أسماء الفاعلين في عملها عن الفعل. ونقصانها من جهات, إحداها: أنها تعمل في السبب دون الأجنبي, وأسماء الفاعلين تعمل في السبب والأجنبي, تقول: زيد حسن وجهه, وحسن وجهًا, وأنت تعني وجه المذكور الذي هو زيد. ولا يجوز: زيد حسن وجه عمرو. وذلك جائز في اسم الفاعل, مثل: زيد ضارب وجه عمرو, ووجه نفسه. وجهة ثانية أنه لا يتقدم معمولها عليها, لا يجوز: زيد وجهًا حسن, ولا: هو ثوبًا نظيف, ونحوه. ويجوز ذلك مع اسم الفاعل. وجهة ثالثة أن هذه الصفات لا يأتي فيها معنى الاستقبال, بل تكون للحال [دون الاستقبال] , لأنها ليست جارية على الفعل. [78] / وجهة رابعة أن المنصوب في هذه الصفات إنما هو على جهة التشبيه, لا أنه فعل به شيء, بخلاف منصوب اسم الفاعل. ولذلك كان المنصوب في هذا [الباب] هو المرفوع في المعنى, وهو المقصود بالصفة. ولذلك لا يفصل بينه وبين المعمول بأجنبي. وقد تقدم ما يجوز في الصفات المشبهة من الوجوه الكثيرة في فصل الجر. لكن بالجملة أنها متى نصبت فبمعنى الاشتقاق من الفعلية, ومتى جرت فبحكم الإسمية. وهي في الحالين لا تخلو من عمل. الفصل الرابع من الأسماء الفاعلة أسماء الأفعال, مثل: نزال وتراك, تعمل كما تعمل الأفعال, لأنها أسماء لها فعملت عملها. إلا أنها تنقص عن الأفعال بأربعة أشياء. لا يتقدم معمولها عليها, لا يجوز في: نزال زيدًا, زيدًا نزال. ويجوز ذلك مع الفعل. وتكون مفردة أبدًا في التثنية والجمع, مثل: نزال يا زيدان, ونزال يا زيدون, ونزال يا هند ويا هندان, ونزال يا هندات, بخلاف الفعل.

المصدر المقدر بأن والفعل

ولا تجاب بالفاء الناصبة, لا يجوز: نزال فأكرمك. ويجوز ذلك مع الفعل كقولك: انزل فأكرمك. ولا يؤمر بها الغائب, لا يقال: نزال وتراك, إلا لمن تخاطبه. ومع الفعل يجوز مع المخاطب ومع الغائب من قولك: انزل, ولينزل فلان. والعلة في امتناع جميع ما ذكرناه كون أسماء الأفعال أسماء فضعفت عن رتبة الأفعال. *** الفصل الخامس من الأسماء العاملة المشتقة المصدر المقدر بأن والفعل. [قال الشيخ رحمه الله]: إنما عمل المصدر المقدر بأن والفعل لأنه إذا كان الفعل - الذي هو [فرع] مشتق من المصدر يعمل, فالمصدر الذي [هو] أصله أولى بالعمل. وإنما نقص عنه من جهة الاسمية. وجملة الأمر أن المصدر في عمله على ثلاثة أوجه: التنوين والإضافة والألف واللام. فمتى نون ظهر عمله رفعًا ونصبًا, مثل: يعجبني علم زيد خبرك. أي: أن علم زيد خبرك. وفي كتاب الله سبحانه: (أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيمًا ذا مقربة) , فـ «يتيمًا» منصوب بـ «إطعام» الذي هو مصدر مقدر «بأن والفعل» , أي: أو أن أطعم يتيمًا. ومثله في أحد الوجوه [قوله سبحانه]: (قد أنزل الله إليكم ذكرًا رسولًا) , أي: أن ذكر رسولًا. ومثله:

(ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقًا من السموات والأرض شيئًا) , أي: أن رزقهم شيئًا. ومتى حذف التنوين أضيف, وكانت إضافته حقيقية. فيضاف تارة إلى الفاعل, وتارة إلى المفعول. مثاله: يعجبني علم زيد خبرك, وعلم خبرك زيد. ولو كان «العلم» مصدر فعل ما لم يسم فاعله لما احتجت إلى مفعول, مثل: يعجبني علم خبرك, أي: أن علم خبرك. وهذا كثير في كتاب الله سبحانه, أعني إضافة المصدر تارة إلى الفاعل, وتارة إلى المفعول, ومثل: (ولولا دفاع الله الناس) , فهذا مضاف إلى الفاعل, و «الناس» مفعول. ومثل: (لا يسأم الإنسان من دعاء الخير) , فهذا مضاف إلى المفعول, أي: من أن دعا الخير. ومثل: (وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة). ونحوه. ومتى دخلت الألف واللام على المصدر كان حكمه حكم المنون. وظهر إعراب الفاعل والمفعول به, مثل: يعجبني العلم زيد خبرك, وبطل الجر. لأنك لا تجمع بين الألف واللام والإضافة في باب المصدر, لأن إضافته حقيقية. فهذه ثلاثة أوجه تجوز أبدًا في إعمال المصدر, أعني إثبات التنوين, والإضافة, وإدخال الألف واللام. فقس عليه فإنه كثير واسع.

ولما كانت المصادر أسماء, والأسماء ليس من حقها أن تعمل إلا لضرب من الشبه, نقصت أيضًا المصادر في عملها, فلم يجز تقديم شيء من معمولاتها عليها لأنها من صلاتها, والصلة لا تتقدم على الموصول. لا يجوز في «يعجبني علم زيد خبرك»: يعجبني خبرك علم زيد, ولا: خبرك يعجبني علم زيد, وما أشبه ذلك. وتنقص أيضًا أنها لا تعمل إذا أضمرت, لا يجوز أن تقول: مروري بزيد حسن, وهو بعمرو قبيح, وأنت تريد: ومروري بعمرو قبيح. وتنقص أيضًا أنه لا يضمر فيها الفاعل, كما يضمر في أسماء الفاعلين لأنها كأسماء الأجناس من نحو: الزيت والتراب. / فكما لا تتضمن أسماء الأجناس الضمائر, فكذلك المصادر لا يجوز أن تقول: زيد ضرب عمرًا, فتضمر في «ضرب» ضمير زيد, كما تقول: زيد ضارب عمرًا, [فتشمر في «ضارب» ضمير زيد]. وتنقص عن الأفعال [أيضًا] أنه لا يفصل بينها وبين معمولها بأجنبي, ويجوز ذلك مع الفعل, مثل: ضربت وضربني زيدًا, ولا يجوز ذلك مع المصدر

مثل: هذا ضربي وضربك زيدًا, وأنت تريد أن «زيدًا» منصوب بـ «ضربي» الأول. وغير ذلك من الفروق التي يطول شرحها, وقد ذكرنا ما تحتاج إليه منها. ويدل على أن هذه المصادر تجري مجرى أفعالها في التعدي أن ما تعدى منها إلى واحد تعدى [المصدر] إلى واحد, وما تعدى إلى اثنين, أو ثلاثة, أو بحرف جر, فعلى هذه القضية. مثال الواحد: ضرب زيدٍ عمرًا يعجبني, ومثال الاثنين: علم زيد عمرًا قائمًا يعجبني, ومثال الثلاثة: إعلام زيد عمرًا بكرًا قائمًا يعجبني. ومثال المتعدي بحرف جر: مرورك بزيد يعجبني. وكذلك كل المصادر من كل فعل يتعدى أو لا يتعدى. ولكنه كله مقدر بأن والفعل. وذلك الفعل إن شئت قدرته ماضيًا, وإن شئت قدرته مستقبلًا, وإن شئت قدرته أمرًا. لأن المصدر ينسبك من جميع ذلك. فاعرف ذلك, واعرف النقصانات [والتفصيلات] والمخالفات, وأنه لا يجوز أن ينعت المصدر ولا يتبع بتابع من التوابع إلا بعد تمامه بصلته. لا يجوز أن تقول: يعجبني ضربك الشديد زيدًا, لأن «الشديد» من نعت المصدر, والمصدر لا ينعت قبل أن يتم معموله. والصواب: يعجبني ضربك زيدًا الشديد. وكذلك العطف كله, والبدل كله, والتأكيد كله. لا يجوز شيء منه إلا بعد التمام. والإشارة تغني عن الإطالة في الأمثلة. والكلام على المصدر ينبغي أن يتقدم على الكلام على الصفة المشبهة بأسماء الفاعلين, لأن عمل المصدر أقوى من عمل الصفة. ولكنه وقع على غير ما

رتب في المقدمة, لأن القصد في المقدمة تسهيل البيان على القاري وأوردها ها هنا على قضية الترجمة, فلا فائدة في إعادة الكلام على شيء من ذلك إلا ما لم يمض أصله. *** في ذلك أن ما كان من الصفات المشبهة بأسماء الفاعلين بوزن أفعل من كذا - لفظًا أو تقديرًا - فإنه لا يرفع الظاهر, وإنما يرفع المضمر, وينصب التمييز لا غير, ويجر بحكم الإضافة فيما تصح فيه الإضافة. مثال ذلك: زيد خير منك, فزيد مبتدأ, وخير منك الخبر, وفاعل «خير» مضمر مستتر فيه, مرفوع به, يرجع على «زيد». و «منك» جار ومجرور متعلق بخير كتعلقه بأفعل في قولك: زيد أفضل منك. فهذا عمله في المضمر الرفع, وفي الجار والمجرور النصب. فإن قلت: زيد خير منك أبا, وخير أبا منك, فهو الناصب للتمييز. فإن رفعت هذا السبب وقلت: زيد خير منك أبوه, على أن يكون «أبوه» فاعل «خير» , كما يكون «الوجه» في قولك: زيد حسن وجهه, لم يجز لأن «أفعل» لا يرفع الظاهر, وإنما يرفع المضمر. وإنما لم يرفع الظاهر لأنه نقص عن حكم الصفة في التثنية والجمع والتأنيث, الذي يجوز كله في الصفة. فلما نقص ذلك بطل حكم رفعه للظاهر وقصر على المضمر. والعلة التي لأجلها امتنع «أفعل» من التثنية والجمع والتأنيث أن «أفعل» متضمن معنى الفعل والمصدر. إذا قلت: زيد أفضل منك, أو خير منك, فمعناه زيد يزيد فضله عليك. فيزيد فعل, وفضله مصدر, وكل منهما لا يجوز

تثنيته ولا جمعه ولا تأنيثه. فكذلك ما تضمن معناهما ووقع موقعهما. فلذلك قلت: الزيدان أفضل منك, والزيدون أفضل منك, وفلان خير منك, والفلانان خير منك, والفلانون خير منك. فلذلك بطل مثل: زيد خير منك أبوه, إلا أن تقدر تقديرًا آخر فتجعل «الأب» مبتدأ ثانيًا, و «خير منك» , خبرًا له مقدمًا عليه. فالمسألة جائزة إلا أن فاعل «خير» على هذا التقدير مضمر فيه يرجع على «الأب». وعلى هذا التقدير لا يصح أن تفصل بين «خير» و «منك» بـ «الأب» , لا يجوز: زيد خير أبوه منك, لأنك قد فصلت بين «خير» وبين «منك» بـ «الأب» الذي رفع بالابتداء, فكان لذلك أجنبيًا. وقد أصلنا أنه لا يجوز أن تفصل في هذه الصفات بينها وبين معمولها بأجنبي. فاعرف هذه الأصول [وابن عليها المسائل]. فإن الاعتقادات والتقديرات تفسدها تارة وتصلحها أخرى. ألا ترى أن قولك: زيد خير منك أبوه, إن اعتقدت أنه مرفوع بخير لم يجز لأن «أفعل» لا يرفع الظاهر. وإن اعتقدت أنه مبتدأ - وهو على حاله بعد «منك» - جازت المسألة. وإن قدمته قبل «منك» , واعتقدت أنه مبتدأ أو فاعل لم يجز واحد منهما. لأنك إن اعتقدت أنه فاعل فـ «أفعل» لا يرفع الظاهر. وإن اعتقدت أنه مبتدأ, و «خير» خبره, والجملة خبر «زيد» , كنت فاصلا بين «خبر» و «منك» بأجنبي, فبطلت. وجوازها قد ذكر. ويجوز وجه آخر وهو أن تقدم «الأب» إلى جانب «زيد» , فتقول: زيد أبوه خير منك. فـ «زيد» مرفوع بالابتداء, و «أبوه» مبتدأ ثان, و «خير منك» خبر «الأب» , والعائد من الجملة إلى «زيد» الهاء في «أبيه» , والعائد إلى «الأب» من «خير» الضمير الذي في «خير». فالإخبار عن الأب بمشتق

مفرد. والإخبار عن زيد بجملة. فاعرف ذلك. *** فأما المسألتان المذكورتان في المقدمة فإحداهما: ما رأيت رجلًا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد. فإن «الكحل» في هذه المسألة يجري عندهم مجرى المضمر, وإن كان ظاهرًا, لأن العين بالكحل حسنت, فصار بمنزلة الحسن المنسوب إليها في نفسها. هذه طريقة القوم في الاحتجاج لرفع «أفعل» في هذه المسألة وشبهها للظاهر, وهو تنزيل المظهر منزلة المضمر, بخلاف «الأب» وغيره من الأسماء. ومنهم من يقول: العلة في ذلك أنه لا تخلو هذه المسألة من رفع «الكحل» بـ «أحسن» , أو من رفعه بالابتداء, فتقول: ما رأيت رجلًا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد فترفعهما جميعًا. [وإذا رفعتهما جميعًا] لم يخل أن تقدم «الكحل» قبل «منه» أو بعد «منه». فإن قدمته قبل «منه» كنت فاصلًا بين «أفعل» وما يتعلق به بأجنبي. وإن قدمت «منه» على «الكحل» فقلت: ما رأيت رجلًا أحسن في عينه منه الكحل في عين زيد, كنت مضمرًا قبل الذكر, لأن الهاء في «منه» عائدة على «الكحل». فلما بطل رفع «الكحل» بالابتداء مقدمًا على «منه» , ومؤخرًا بعد «منه» , لم يبق إلا التوسع ورفع «الكحل» بنفس «أحسن» فلا يكون فيه فصل ولا إضمار قبل الذكر. لأن كلا من «الكحل»

ومن «منه» معمول له - يعني لأحسن. فصار الوجه الأضعف الأدنى عند امتناع الأصلين المقدمين قويًا, فلذلك جازت المسألة, لأن المسألة إذا كان لها وجهان قوي وضعيف, وعرض ما يبطل القوي, قوي الضعيف فجاز, وصار لا يجوز غيره. ألا ترى أن صفة النكرة أحسن من الحال منها وأقوي, وأن الحال من النكرة ضعيف جدًا. فإذا عرض من التقديم ما يبطل كونه الصفة جائزة مع جواز تقديم الحال صار الضعيف قويًا, فلذلك قوي: جاءني رجل ضاحك, وضعف: جاءني رجل ضاحكًا. فإن قدمت «ضاحكا» , الذي كان ضعيفًا نصبته فقلت: جاءني ضاحكًا رجل, ولم يجز رفعه وهو صفة. فقد صار الضعيف قويًا لما عرض في القوى ما يبطل كونه صفة. فكذلك مسألتنا. وكذلك المسألة الأخرى «ما من أيام أحب إلى الله فيه الصوم منه في عشر ذي الحجة» , الكلام عليها كالكلام على مسألة الكحل. لو رفعت «الصوم» بالابتداء و «أحب» على أنه خبر لم يجز, سواء قدمت «منه» على «الصوم» أو أخرته بعده,

لأن تأخيره يؤدي إلى الفصل بين «أحب» وما يتعلق به بأجنبي, وهو «الصوم». وتقديمه مما يؤدي إلى الإضمار قبل الذكر, لأنه عائد على «الصوم». ولما بطل ذلك ارتفع «الصوم» بأحب. فـ «ما» حرف نفي, لا تخلو من أن تكون حجازية أو تميمية. و «من أيام» في موضع رفع بـ «ما» على الحجازية, أو بالابتداء على التميمية لأن «من» زائدة, تقديره: ما أيام أحب. و «أحب» أن جعلته صفة لأيام جاز, وكانت الفتحة في «أحب» علامة الجر, وكان خبر «ما» أو الابتداء محذوفًا للطول. لأن جميع ما بعد «أحب» متعلق بأحب تعلق المعمولات به, أو بما يتعلق به كأنه قال: ما من أيام أحب إلى الله من كذا وكذا. فهذا بيان هاتين المسألتين اللتين في فصل الصفة المشبهة باسم الفاعل.

الظروف العاملة لوقوعها موقع المشتق

وقد انقضى الكلام على الأسماء العاملة بمعنى الاشتقاق من الفعل, وهو أحد / الأنواع الثلاثة من الأسماء العاملة. *** والنوع الثاني ما يعمل بمعنى الفعل وليس بمشتق, وإنما هو واقع موقع المشتق. وذلك كل ظرف وقع صفة أو صلة أو حالًا أو خبرًا فإنه يعمل في الأحوال النصب. مثال ذلك: زيد عندك ضاحكًا. فـ «عندك» عمل في «ضاحك» النصب, لأنه وقع موقع المشتق. فالأصل: زيد مستقر عندك, حذفت الاستقرار وأنبت «عندك» منابه, ونقلت الضمير الذي كان في الاستقرار إلى هذا الظرف الذي قام مقامه. وصارت الحال التي هي «ضاحكًا» حالًا من ذلك المضمر المستتر في الظرف. وذلك المضمر مرفوع بالظرف, لأن العامل في الحال هو العامل في صاحب الحال. فإذا ثبت هذا كان العامل في الحال معنويًا. وإذا كان معنويًا لم يجز أن تتقدم على «عندك». لا يجوز زيد ضاحكًا عندك. وإذا لم يجز هذا وسطًا فأحرى أن لا يجوز مقدمًا. لا يجوز: ضاحكًا زيد عندك, لتقديمه أيضًا على العامل المعنوي. فإذا رفعت «ضاحكًا» صار هو الخبر, وصار الظرف معمولًا لهذا الخبر, وبطل ذلك الاستقرار المقدر وجاز حينئذ أن تأتي بضاحك, إن شئت أولًا قلت: ضاحك زيد عندك, وإن شئت وسطًا قلت: زيد ضاحك عندك, وإن شئت أخيرًا قلت: زيد عندك ضاحك. لأن ضاحكًا الآن عامل في الظرف, وليس بمعمول له. فمتى نصبته كان الظرف عاملًا. ومتى رفعته كان الظرف معمولًا.

الأسماء العاملة عمل الحروف وهي الأسماء المضافة

فكما اختلف اللفظ فكذلك اختلف المعنى. لأنك إذا رفعت «ضاحكًا» فالاعتماد في الخبرية عليه. وإذا نصبته فالاعتماد في الخبرية على الظرف. ومن الأسماء العاملة في الأحوال وليست بمشتقة أسماء الإشارة, مثل هذا زيد ضاحكًا, وهذه هند ضاحكة. و «هذا» إنما عمل لأنه وقع موقع الفعل. وذلك الفعل يقدر تارة خبرًا, وتارة يقدر أمرًا. فإذا قدرته خبرًا فكأنك قلت أشير إليه ضاحكًا. وإذا قدرته أمرًا كان التقدير: أشر إليه ضاحكًا. وكذلك إن أعملت ها التنبيه قدرتها على أحد هذين التقديرين, إما أنبه, وإما نبه. هذا كله تقدير المعنى العامل, وليس بشيء يظهر في اللفظ. وإذا كان معنويًا لم يجز للحال أن تتقدم عليه. فلا يجوز: ضاحكًا هذا زيد. فإن رفعت «ضاحكًا» جاز تقديمه, لأن خبر المبتدأ يجوز تقديمه عليه. فتقول: هذا زيد ضاحك, وضاحك هذا زيد. وقد تقدم تفسير هذه المسألة في أسماء الإشارة من فصل الأسماء. *** النوع الثالث من الأسماء العاملة وهو ما ليس بمشتق ولا واقعًا موقع المشتق. فهذا النوع لا يكون ناصبًا وإنما يكون جارًا. وذلك الأسماء المضافة

مسائل منثورة

إضافة ملك أو إضافة جنس. فإضافة الملك هي المقدرة باللام مثل: هذا غلام زيد. وإضافة الجنس هي المقدرة بمن مثل: هذا ثوب خز. فهذان مجروران بمعنى الحرف المقدر الذي قد ناب عنه المضاف. وإذا كان عاملًا فهو أيضًا عامل معنوي. وإذا كان معنويًا لم يجز أن يتقدم شيء من معمول المضاف إليه على المضاف, ولا على المضاف إليه. تقول: أنت مثل ضارب زيدًا, ولا يجوز: أنت زيدًا مثل ضارب, لأنه لا يتقدم معمول المضاف إليه على المضاف. وكذلك لا يجوز: أنت مثل زيدًا ضارب, لأنه لا يفصل بين المضاف والمضاف إليه بمعمول المضاف إليه. فأما «أنت زيدًا غير ضارب» , ففيها خلاف, منهم من لا يجيزها, كما لا يجيزها مع «مثل» لاشتراكهما في الإضافة. ومنهم من يجيزها لأن «غيرًا» بمعنى «لا» , وأنت لو قلت: أنت زيدًا لا ضارب, لجازت بلا خلاف. فكذلك أجريت «غيرًا» مجرى «لا». فهذه جملة الأسماء العاملة على اختلاف أنواعها, مشتقها, والواقع موقع المشتق, والواقع موقع حرف الجر مقدر معها. وهي الثلاثة الأنواع التي تقدم ذكرها. وقد تم بذلك هذا الفصل الثامن. *** وقد تأتي في العوامل المعنوية مسائل مشكلة تحتاج إلى لطف نظر. مثل قراءة من قرأ (كلا إنها لظى نزاعة للشوى). فنزاعة منتصبة على الحال وليس ههنا عامل مشتق, ولا واقع موقع المشتق. ولكن «لظى» وإن كانت علمًا

من أسماء جهنم ففيها معنى التلظي, وذلك [المعنى] هو العامل في الحال. كأنها تتلظى نزاعة [للشوى] , أو / تتوقد نزاعة [للشوى]. ... [82] ومنها قراءة من قرأ (هؤلاء بناتي هن أطهرلكم) , بنصب الراء [من أطهر]. فـ «هؤلاء» مبتدأ, و «بناتي» الخبر, و «هن» تأكيد للمضمر, و «أطهر» منصوب على الحال. والعامل في الحال المعنى المقدر في «بناتي». لأن «بناتي» ها هنا واقع موقع شريفات أو مقدمات. وذلك المعنى هو الناصب لأطهر على قراءة من نصب. مسئلة من هذا الباب: قوله تعالى: (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر). فالبحر يمده جملة من مبتدأ وخبر في موضع الحال. وإذا كانت في موضع الحال احتاج إلى صاحب الحال, وإلى عامل في الحال. وليس معك عامل إلا متأول, وذلك المتأول أن «أقلامًا» وإن كن جامدات فإنها وقعت ها هنا موقع «كاتباتٍ» أو «جاريات» , وإذا

وقعت موقع «كاتبات» أو «جاريات» فقد تحملت الضمير, وصار فيها معنى الاشتقاق, فعملت في موضع الجملة الحالية النصب. فأما من نصب «البحر» فلا إشكال فيه لأن الواو عاطفة [للبحر] على «ما في الأرض». [فاعرفه, وبالله التوفيق].

الفصل التاسع: فصل التابع

الفصل التاسع: فصل التابع قال الشيخ رحمه الله: التابع في العربية هو الجاري على ما قبله في إعرابه من رفع ونصب وجر وجزم. لأن هذا هو شرط التابع أن يكون حكمه حكم المتبوع. وجملة التوابع خمسة: التأكيد, والنعت, وعطف البيان, والبدل, والنسق. وإنما بدئ بالتأكيد لأن التأكيد هو المؤكد, لا يخالفه في شيء من أحكامه فكان أحق ما بدئ به. والتأكيد هو تمكين المعنى في النفس بإعادة لفظ أو معنى لفظ. فاللفظ كقولك: زيد زيد, فعل فعل, إن إن, والله والله, وما أشبه ذلك. وليس عليه باب يحصره, لأنه تكرير الشيء بلفظه. وليس كذلك التواكيد المعنوية, لأن التواكيد المعنوية ألفاظها محصورة. وجملتها تسعة, وهي: نفسه, عينه, كله, أجمع, أجمعون, جمعاء, جمع, كلاهما, كلتاهما.

والتابع لهذه هو: أكتع أبصع, أكتعون أبصعون, كتعاء بصعاء. كتع بصع. فجميع هذه التسعة وتوابعها لا يؤكد بها إلا المعارف الخمس دون النكرات كلها. تقول: جاءني زيد نفسه, ولا يجوز: جاءني رجل نفسه. وكذلك الباقي. سواء كان المؤكد ظاهرًا أو مضمرًا أو بينهما. فالظاهر قولك: زيد نفسه جاءني. والمضمر قولك: أنت نفسك جئتني. والذي بينهما: هذا نفسه جاءني. فإن كان المضمر متصلًا بفعل اتصال الفاعل لم يحسن التأكيد «بالنفس» إلا بعد مضمر آخر تأتي به [قبله] , مثل قولك: أنت نفسك, وزيد خرج هو نفسه. ولا يحسن: قمت نفسك, ولا: خرج نفسه, لأن المضمر قد امتزج بالفعل واختلط به حتى صار كالجزء منه, فاستقبح تأكيده [بالنفس] بغير تأكيد قبله, كما استقبح العطف عليه بغير تأكيد [قبله]. ألا ترى أنه لا يحسن: قمت وزيد, حتى تقول: قمت أنت وزيد, كما قال سبحانه (اسكن أنت وزوجك الجنة). فزوجك معطوف على الضمير المستتر في «اسكن» , وليس بمعطوف على «أنت» هذه لأن «أنت» الموجودة تأكيد لأنت المقدرة. والعطف إنما هو على المؤكد لا على التأكيد. فاعرف ذلك [تصب إن شاء الله].

فإن قيل: في أي موضع لا يحتاج المضمر المعطوف عليه إلى تأكيد؟ . فقل: ضمير المنصوب مثل: رأيتك نفسك. وكذلك ضمير المجرور مثل: مررت بك نفسك. وكذلك الضمير المرفوع إذا لم يكن متصلا بفعل ولا مستترًا في شيء, مثل: أنت نفسك خرجت. وما أشبه ذلك. فقس عليه وفقك الله للصواب. فإن قيل: لم لا يجوز عطف التأكيد بعضه على بعض, كما جاز عطف النعت بعضه على بعض؟ . قيل: لأن الشيء لا يعطف على نفسه. لأن معنى هذه التواكيد كلها متقارب إلا بمقدار ما في بعضها من معنى الإحاطة, مثل كل وأجمع, وما في بعضها من تحقيق ذات الشيء مثل النفس والعين. فلذلك لا يجوز: قام القوم أنفسهم وأعينهم, وكذلك لا يجوز: قاموا كلهم وأجمعون. وليس كذلك النعت لأن النعوت مختلفة المعاني. فإن قيل: فلم لا يصرف أجمع وجمعاء وجمع؟ . فقل: لعلل مختلفة. فأما «أجمع» فللتعريف ووزن الفعل / كأحمد. وأما «جمعاء» فللتأنيث ولزوم التأنيث كصحراء. وأما «جمع» فللتعريف والعدل. واختلف في العدل على قولين, أحدهما: أنه معدول عن جمع الساكن العين إلى جمع, لأن باب أفعل إذا جمع على فعل فبابه أن يكون مسكنًا كأحمر وحمر. والقول الآخر: إنه معدول عن جماعى, لأن باب فعلاء إذا كان اسمًا جمع على فعالى مثل: صحراء وصحارى. فهذان قولان كما ترى.

وكتع وبصع جارية مجرى جمع, كما أن كتعاء وبصعاء جارية مجرى جمعاء, وأكتع وأبصع جارية مجرى أجمع. ومن أحكام أجمع وأجمعين وجمعاء وجمع وتوابع ذلك ألا تلي العامل, لا يجوز: جاءني أجمعون, ولا: رأيت أجمعين, حتى تأتي بالمؤكد فتقول: جاءني القوم أجمعون, ورأيتهم أجمعين. فإن قيل: ولم لا يجوز ذلك كما يجوز مع كل من قولك: جاءني كلهم, ورأيت كلهم؟ . قيل: لأن أجمع وبابه لم يستعمل إلا تأكيدًا قال الله سبحانه (فسجد الملائكة كلهم أجمعون) , و (إن جهنم لموعدهم أجمعين) , وليس كذلك «كل» لأنها قد استعملت استعمال الأسماء, فاعلة ومفعولة ومبتدأة, كما قال تعالى (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا). وقال تعالى (قل إن الأمر كله لله) , من رفع جعله مبتدأ لا تأكيدًا, فأما من نصب فإنه جعله تأكيد للأمر, وأخبر بالجار والمجرور, ومن رفع أخبر بجملة من مبتدأ وخبر, المبتدأ «كله» , والخبر «لله» , يتعلق بالاستقرار المحذوف على ما تقدم بيانه. فأما كلاهما وكلتاهما فلفظتان مختلف فيهما. فمذهب سيبويه والمحققين أنهما مفردان يدلان على التثنية وليسا بمثنيين. والدليل على إفرادهما قوله تعالى (كلتا

الجنتين آتت أكلها) , فأفرد الخبر بقوله «آتت» , ولو كان مثنى لقال «آتنا». ومن أدل الدليل على كونهما مفردين إضافتهما إلى ضمير الاثنين, فلو كانا مثنيين وقد أضفتهما إلى ضمير الاثنين لكنت قد أضفت الشيء إلى نفسه, وإضافة الشيء إلى نفسه لا تجوز, كما لا تجوز: اثناهما, ولا اثنتاهما. ومن الدليل على إفرادهما قول الشاعر: كلا يومي أمامة يوم صد ... وإن كانت زيارتها لماما فأخبر عن «كلا» بيوم مفرد. [وقال غيره: كلا يومي طوالة وصل أروى ... ظنون, آن مطرح الظنون] فإن قيل: فإذا كان مفردين فلم قلبت ألفهما في حال النصب في قولك: رأيت الرجلين كليهما, والمرأتين كلتيهما, وجاءني الرجلان كلاهما, والمرأتان كلتاهما؟ . فقل: إنما ذلك من قبل أنهما لزما الإضافة ولم تفارقهما, فأشبها «إلى» و «لدى» , إذا كانا مع الظاهر كانا بالألف, وإذا كانا مع الضمير كانا بالياء, مثل: جئت إلى زيد, وإليك. وكذلك كلا وكلتا متى أضيفتا إلى ظاهر لم

تتغير ألفهما لا في رفع ولا في نصب ولا في جر. تقول: جاءني كلا أخويك, ورأيت كلا أخويك, ومررت بكلا أخويك, وجاءتني كلتا امرأتيك, ورأيت كلتا امرأتيك, [ومررت بكلتا امرأتيك]. وإنما يكون هذا القلب فيهما إذا أضيفا إلى مضمر. انقضى فصل التأكيد.

فصل النعت

الفصل النعت قال الشيخ رحمه الله: وأما النعت فهو تحلية المنعوت بفعله, أو بحليته, أو بصناعته, أو بنسبه, أو بذي التي بمعنى صاحب. وجملة الأمر أن النعت إنما دخل الكلام لتخصيص نكرة, أو لإزالة اشتراك عارض في معرفة. فتخصيص النكرة كقولك: هذا رجل قائم, خصصته من الرجال ممن ليس بقائم. وإزالة الاشتراك كقولك: هذا زيد البزاز, أزلت الاشتراك الذي كان بينه وبين من له مثل اسمه وليس ببزاز. وقد تكون الصفة لا لتخصيص ولا لإزالة اشتراك, ولكنها تكون لثناء ومدح

[أو ذم] , مثل قولك: قال زيد العالم, أو الجليل, أو الشيخ الفاضل, ونحوه وعلى هذا تحمل صفات القديم ثناؤه لأنها ليست لتخصيص, ولا لإزالة اشتراك جل وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا. وإذا كانت النعوت إنما دخلت لهذه المعاني. والمعاني لا تخلو من أن تكون فعلية علاجية, أو حلية ظاهرة, أو صفات معنويةً, أو نسبةً أبويةً أو بلديةً, أو بواسطة مثل من كل ذلك بمثال. فمثال الصفة الفعلية العلاجية: مررت برجل قائم, وقائم أبوه. ومثال الصفة الحلية الظاهرة: مررت برجل طويل, وطويل أبوه, وقصير, وقصير أخوه. ومثال الصفة المعنوية: مررت برجل عالم, وعالم أبوه, وفقيه, وفقيه أخوه, ونحوه. ومثال الصفة النسبية: مررت برجل حسني, وحسني أبوه, وبصري, وبصري عمه. ومثال الصفة بواسطة قولك: مررت برجل ذي مال, أي: صاحب مال. قال: وإنما دخلت «ذو» صلة إلى الوصف بالأجناس, وقد ذكرت في فصل الأسماء الستة المعتلة المضافة. وهي لا ترفع السبب كما يرفع ما تقدم من الأقسام الأربعة. لا تقول: مررت برجل ذي مال أبوه, لأنه ليس في «ذي مال» اشتقاق ترفع به ظاهرًا, ولا وقع موقع مشتق صريح فيرفع ظاهرًا, لأنه إنما وقع موقع «صاحب» , و «صاحب» قد استعمل استعمال الأسماء فجرى مجرى دانق وعاتق وكاهل. وإذا لم يجز أن ترفع ظاهرًا فارفع الكل وقل: مررت برجل ذو مال أبوه.

و «أبوه» مبتدأ, و «ذو مال» الخبر مقدم, والجملة في موضع جر نعت لرجل. فأنت ناعت في هذه المسألة بجملة, وفي جميع ما تقدم بمفرد. ولو رفعت الكل فيما تقدم لجاز, وقلت: مررت برجل قائم أبوه, فيكون «أبوه» مبتدأ و «قائم» خبره, والجملة في موضع النعت. وكذلك باقي المسائل. وإنما امتع في «ذي مال» للعلة المذكورة. وكل ما لم يجز أن يرفع ظاهرًا جاز أن ترده إلى المبتدأ والخبر, كأفعل الذي لا يرفع ظاهرًا, تقول: مررت برجل أحسن منك, ولا يجوز: أحسن منك وجهه. فإن رفعت الكل جاز, وكان «وجهه» مبتدأ, و «أحسن» خبرًا مقدمًا, والجملة في موضع النعت. وقد مضى مثل هذا في مسألة الكحل. فإن ثبت هذا, وعرفت الغرض بالنعت, وقسمه النعت, فإن النعت من بعد ذلك تابع للمنعوت في عشرة أشياء: في رفعه ونصبه وجره, وتوحيده وتثنيته وجمعه, وتذكيره وتأنيثه, وتعريفه وتنكيره, لا يختلف في شيء من ذلك. لأن النعت والمنعوت كالشيء الواحد, فلذلك تقول: مررت برجل طويل. فقد اجتمع التنكير والتذكير والإعراب [والإفراد] ولو ثنيت لقلت: برجلين طويلين, ولو جمعت لقلت: برجال طوال, فقد تبعه في التثنية والجمع. ولو عرفت وقلت: مررت بالرجال الطوال, لتبعه في التعريف. ولو قلت: مررت بالمرأة الطويلة, لتبعها في التأنيث, وكذلك تثنيتها وجمعها. وكذلك كله. لأن النعت والمنعوت كالشيء الواحد. فلا يجوز أن تقول على جهة النعت: مررت بالرجل طويل, ولا: برجلٍ الطويل. فقس على ذلك. [ثم قال الشيخ رحمه الله]: وأما قولنا: «وكل الأسماء توصف إلا المضمرات وإلا الصفات فإنها لا توصف».

فإن العلة في امتناع المضمرات من الصفات أنها لا تضمر إلا وقد عرف, فاستغنت عن الوصف وامتنعت منه. وأما الصفات فلم توصف لأن الصفات مشتقات من الأفعال ومتحملات للضمائر. فكما أن الأفعال لا توصف فكذلك لا توصف الصفات. فإذا قلت: مررت بالكاتب النبيل, فليس النبيل نعتًا للكاتب, وإنما هو نعت لمن نعت بالكاتب, كأنك قلت: مررت بالرجل الكتاب النبيل. فإن شئت جعلت «النبيل» صفة للموصوف المحذوف فيكون صفة بعد صفة. وإن شئت أنزلت «الكاتب» منزلة الاسم المحذوف ووصفته لأن الصفة والموصوف كالشيء الواحد. وإذا فعلت ذلك لم تكن واصفًا لنفس الصفة, وإنما أنت واصف الموصوف مع صفته. [قال الشيخ رحمه الله]: وأما قولنا: «وكل المعارف توصف بالمفردات دون الجمل». فإن العلة في امتناع وصف المعارف بالجمل أن الجمل نكرات, والنكرة لا تكون نعتًا للمعرفة, فلذلك لا يجوز: مررت بزيد وجهه حسن, وأنت تريد الصفة لما ذكرنا. فإن أردت ذلك فأدخل «الذي» واجعل الجملة صلة «الذي» , فتقول: مررت بزيد الذي وجهه حسن, فتكون قد توصلت إلى وصف المعارف بالجمل بدخول واسطة, كما توصلت إلى الوصف بالأجناس بـ «ذي» التي بمعنى «صاحب». وهذا هو الأصل في استعمالهم «الذي» و «التي» وتثنيتهما وجمعهما [فاعرف ذلك].

والعلة في امتناع وصف المعرفة بالنكرة هو لما بينهما من المخالفة. لأن النكرة تدل على الشياع والعموم, فهي كالجمع. والمعرفة تدل على الاختصاص, فهي كالواحد. فكما لا / يوصف الواحد بالجمع, ولا الجمع بالواحد, فكذلك لا توصف المعرفة بالنكرة, ولا النكرة بالمعرفة. [ثم قال] وأما قولنا: «وكل النكرات توصف بالمفردات وبالجمل الخبرية». فالعلة في ذلك أن الجمل نكرات فجاز وصف النكرات بها. مثال ذلك: مررت برجل وجهه حسن, ورأيت رجلًا وجهه حسن, وهذا رجل وجهه حسن. فالجملة في موضع النعت للرجل بحسب إعرابه من غير تغيير للجملة, لأن الجمل محكيات. وكذلك مع كل جملة من فعل وفاعل, أو شرط وجزاء ومع كل ظرف تصف به, أو جار ومجرور. وإنما شرطنا أن تكون الجملة خبرية كما شرطنا في الجملة التي يوصل بها أن تكون خبرية, وكما شرطنا في الجمل التي يخبر بها عن المبتدأ أن تكون خبرية. والخبرية هي المحتملة لأن يكون الشيء أو لا يكون. والتي ليست بخبرية هي الجمل الاستفهامية والأمرية والنهيية, ونحوها. لا يجوز لشيء منها أن يكون وصفًا ولا صلة ولا خبرًا. فاعرف ذلك إن شاء الله تعالى. قال: وكل نعت أريد به المدح أو الذم وجاء بعد تكرير جاز قطعه عن إعراب ما قبله, فتنصبه أبدًا بإضمار فعل, وترفعه أبدًا بإضمار المبتدأ. مثاله: مررت بالرجل الكريم العاقل الجليل فإن شئت جعلت الكل بابًا واحدًا في الإعراب. وإن شئت نصبت «العاقل» ورفعت «الجيل» , فنصب «العاقل»

بإضمار «أعني» أو «أذكر» , ورفع «الجليل» بإضمار «هو». وكل من هذا الناصب والرافع لا يظهر, وإنما يعتقد الرفع بإضمار هو, والنصب بإضمار أعني. والعلة في إجازة القطع والخروج عن مشاكله الإعراب إنما هو لما أريد من التنبيه على المدح أو الذم, فيصير الكلام في التقدير جملتين. لأن «أعني» جملة من فعل وفاعل, و «هو كذا وكذا» جملة من مبتدأ وخبر. وإذا كان الكلام جملتين طال بهما التقدير, وإذا طال بهما التقدير كان أشبه بالمدح أو الذم المقصود, لأن الإسهاب والإطالة في مثل هذا يستحب. ولذلك شرط في القطع أن يكون بعد تكرير النعت كما كان في هذه المسألة. ولا يستعمل هذا القطع في المدح أو الذم إلا بصفة تدل على ذلك. مثال ذلك العالم والعاقل والجليل ونحوه في المدح. والجاهل والبخيل واللئيم ونحوه في الذم. فأما الصانع ونحوهما مما ليس فيه معنى مدح ولا ذم فلا يستحب فيه القطع بل يجرى على منهاج المنعوت في إعرابه, مثل: مررت بزيد المعلم القرآن البزاز, ونحوه. فإن قيل: فما تصنع بمثل قوله تعالى (لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون

بالله واليوم الآخر)؟ . قيل: لم يأت إلا بعد تكرير, ولم يأت إلا بالصفات الحسنة التي تقتضي القطع على المدح. والتكرير بالراسخين والمؤمنين لأن التقدير: لكن القوم الراسخون في العلم منهم والمؤمنون, فانتصب «المقيمين» الذي فيه معنى المدح بإضمار فعل, وارتفع «المؤتون» الذي هو مدح أيضًا بإضمار المبتدأ, فهو على الأصل المشروط. ولو جاء الكل مرفوعًا لم يكن سؤال. فإن قيل: ولم لم يكن «المقيمين» مجرورًا بالعطف على «ما أنزل من قبلك» المعطوف على «ما أنزل إليك»؟ . قيل: يمنع من ذلك المعنى, لأنه لم يقصد هذا, ولا أن يخبر عن الراسخين بأنهم يؤمنون بالمقيمين الصلاة. وإنما هذه وصف لهم في أنفسهم بأنهم راسخون, وأنهم يؤمنون بالكتب المنزلة المتقدمة والمتأخرة, وأنهم يقيمون الصلاة, وأنهم يؤتون الزكاة. فكان أولى بأن يكون منتصبًا على القطع, لا مجرورًا بالعطف. إلا أن يريد بالمقيمين الملائكة أو الأنبياء عليهم السلام ومن ليس هم إياهم فإنه لا يمتنع والأول أظهر. ومن أصول هذا الباب أن كل ما امتنع من الأسماء أن يجمع فيه بين نعوتها جاز فيه القطع. مثل أن يختلف الإعرابان أو العلامان مثل: هذا عمرو ورأيت زيدًا العاقلان والعاقلين, ومثل: قام زيد وقعد عمرو الظريفين والظريفان, ونحوه. سواء رفعت أو نصبت فليس هو إلا على القطع مما قبله, لأنه لا يصح

أن يعمل عاملان لفظيان في معمول واحد. / ولا يصح أن يختلف إعرابان فيجمع بين نعتي هذين المعربين باسم واحد, لأن المرفوع إعرابًا يطالب به نعته, وللمنصوب إعرابًا يطالب به نعته, فلم يصح أن يجمع بين نعتيهما, فلذلك كان على القطع. ***

عطف البيان

فصل قال الشيخ رحمه الله: «فأما عطف البيان فيجري مجرى النعت, إلا أنه يكون بغير المشتق, كتبيين الأسماء بالكنى, والكنى بالأسماء. مثل: جاءني أبو علي زيد, وزيد أبو علي. كأنك انعطفت على الاسم الأول فبينته باسم آخر بغير حرف عطف. ومثله: مررت بزيد هذا, إذا انعطفت عليه بالإشارة». لأن الفرق بين النعت الحقيقي وبين عطف البيان هو هذا. وذلك أن النعت يكون بالأسماء المشتقة, وعطف البيان يكون بالأسماء الجامدة. وهذا فرق. وفرق ثان أن عطف البيان يكون غالبًا في المعارف, والنعت يكون في المعارف والنكرات. والفرق بينه وبين البدل من وجهين, أحدهما: أن البدل والمبدل منه من جملتين, وعطف البيان مع المبين به من جملة واحدة. والآخر أنه يجوز في عطف البيان في النداء ما لا يجوز في البدل, مثل أن تقول: يا زيد زيدًا الظريف, ويا زيد زيد الظريف. فالنصب على الموضع, والرفع على اللفظ.

ولو جعلت «زيدًا» الثاني بدلًا لكان مضمومًا لا غير مثل الأول, تقول: يا زيد زيد الظريف, وعلى هذا ينشد: إني وأسطارٍ سطران سطرا ... لقائل يا نصر نصر نصرا فنصر الأوسط عطف بيان على اللفظ. ولو نصبته لكان عطف بيان على الموضع. ونصر الأخير ينتصب إما على المصدر, أي: انصرني نصرًا, وإما على الإغراء بمعنى: عليك نصرًا.

فصل [البدل]

فصل [البدل] قال الشيخ رحمه الله: وأما البدل فهو إعلام السامع بمجموعي الاسم على طريق البيان من غير أن ينوى بالأول الطرح عند سيبويه دون غيره. والدليل على أنه ليس في نية الطرح أنه قصد به البيان على جهة الإعلام بمجموعي الاسم, فلم يصح أن ينوى بالأول الطرح, لأن جعله في نية الطرح يخرجه من أن يكون مبينًا. فكما لا يجوز أن يكون المؤكد ولا المنعوت في نية الطرح, فكذلك المبدل منه على جهة البيان لا يكون في نية الطرح. ولو كان في نية الطرح لما جاز أن تقول: زيد ضربته أخاك, على أن تجعل أخاك بدلًا من الهاء العائدة على «زيد». لأن الهاء لو كانت في نية الطرح لكان التقدير: زيد ضربت أخاك, وهذا كلام لا يصح لعدم العائد على المبتدأ. وفي عدم جواز هذه المسألة وأشباهها مما يدل على أنه ليس في نية الطرح, خلافا لما قاله أبو العباس [المبرد] من أنه في نية الطرح.

لأنه اعتقد أن تسميه بدلًا يوجب أن يكون المبدل منه مطرحا. وليس الأمر كذلك لما ذكرنا. فأما جملة الأبدال فإنها أربعة بدل كل من كل وبدل بعض من كل وبدل اشمال, وبدل الغلط. وإنما كان كذلك لأن كل شيء ضام شيئًا فلا يخلو من أن يكون مثله فيكون إياه, أو جزءًا منه فيكون بعضه, أو معنى فيه فيكون مشتملًا عليه, أو ليس بشيء من هذه الأقسام فيكون غلطًا. فلذلك انقسم البدل إلى هذه الأقسام. وإذا كان كذلك فالأول الذي هو بدل الكل من الكل لا يخلو من ثماني مسائل. بدل معرفة من م عرفة مثل [قوله تعالى] (اهدنا الصراط المستقيم

صراط الذين أنعمت عليهم) , وهما معرفتان لأن «الصراط» الأول معرفة بالألف واللام, والثاني معرفة بالإضافة, وهما لشيء واحد, لأن الصراط المستقيم هو صراط من أنعم عليهم. المسألة الثانية بدل نكرة من نكرة, مثل: (إن للمتقين مفازًا حدائق وأعنابا) , فحدائق [نكرة] يدل من نكرة, وهو «مفازًا». ومثله من الشعر: وكنت كذي رجلين رجلٍ صحيحةٍ ... ورجلٍ رمى فيها الزمان فشلت المسألة الثالثة بدل النكرة من المعرفة, مثل قوله تعالى (لنسفعًا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة) , وإنما حسن بدل النكرة من المعرفة - وهي دونها - من قبل أنها قد وصفت فتخصصت, فصار فيها فائدة زائدة على ما تقدم. المسألة الرابعة بدل معرفة من نكرة, مثل [قوله تعالى] (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله). فالثاني معرفة بالإضافة, والأول نكرة لتجرده من علامة التعريف. المسألة الخامسة بدل ظاهر من ظاهر, وهو كل ما تقدم, لأن الظاهر هو ما دل بظاهره وإعرابه على المعنى المراد به.

المسألة السادسة بدل المضمر من المضمر, مثل: رأيته إياه. فإياه مضمر منفصل بدل من المضمر المتصل. وإنما حسن ذلك من قبل أن المضمر المنفصل يجري مجرى الأجنبي, ألا تراهم يجيزون: ما ضربت إلا إياى, كما يجيزون: ما ضربت إلا نفسي, ولا يجيزون: ضربتني. المسألة السابعة بدل الظاهر من المضمر, مثل قولك: زيد رأيته أخاك, وفي كتاب الله سبحانه: (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) و «أن أذكره» بدل من الهاء في «أنسانيه» , أي: ما أنساني ذكره إلا الشيطان. المسألة الثامنة بدل مضمر من ظاهر, مثل: رأيت زيدًا إياه. فإياه مضمر منفصل بدل من «زيد» , لأنه يجري مجرى الأجنبي إذا قلت: رأيت زيدًا أخاك. وأما بدل البعض من الكل فإن هذه الأقسام الثمانية تجوز فيه إلا بدل مضمر من مضمر, أو بدل مضمر من مظهر. لأن الإضمار يرفع لفظ البعضية, فإذا ارتفع لم يتصور فيه بدل البعض من الكل, ويتصور فيه سواه. فمثال بدل معرفة من معرفة في بدل البعض من الكل: رأيت زيدًا وجهه, [وقوله تعالى] (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) فـ «من استطاع» معرفة بالصلة, وهو بدل من «الناس» المعرف بالألف واللام. ومثال

بدل النكرة من النكرة قولك: رأيت رجلًا وجهًا له. ومثال [بدل] النكرة من المعرفة: رأيت زيدًا وجهًا له. ومثال [بدل] المعرفة من النكرة: رأيت رجلًا وجهه. [ومثال بدل الظاهر من الظاهر كل ما تقدم, وإن شئت قلت: أكلت الرغيف ثلثه]. ومثال بدل الظاهر من المضمر: زيد رأيته وجهه, فوجه بدل من الهاء. فهذه ست مسائل في بدل البعض من الكل. وإنما سقط منها المضمر من المضمر, وبدل المضمر من المظهر لما ذكرناه. وقوله سبحانه: (قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم) , فهذا بدل البعض من الكل, وهو بدل معرفة موصولة من معرفة موصولة لأن «الذين» اسم موصول بـ «استضعفوا» و «من» اسم موصول بـ «آمن منهم». والهاء في «منهم» تعود إلى الذين استضعفوا. وأما بدل الاشتمال فيجوز فيه كل ما جاز في بدل البعض من الكل. ويمتنع منه ما امتنع منه. فمثال المعرفة من المعرفة: أعجبني زيد حسنه. ومثال النكرة من النكرة: أعجبني رجل حسن له. [ومثال النكرة من المعرفة: أعجبني زيد حسن له]. ومثال المعرفة من النكرة: أعجبني رجل حسنه. وأما قوله تعالى: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) , فهو بدل الاشتمال, وهو بدل نكرة من معرفة, لأن القتال بدل من الشهر الحرام. وأما قوله تعالى: (قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود) , فإنه من بدل الاشتمال, وهو بدل معرفة من معرفة, وهما الأخدود والنار. وإنما كان بدل

اشتمال لأن الأخدود هو الشق في الأرض, والنار فيه, فكان من بدل الاشتمال. والفرق بين بدل البعض وبدل الاشتمال من وجهين. أحدهما: أن بدل الاشتمال يكون بالمعاني وما يتنزل منزلة المعاني, من نحو الحسن والعقل, وما أشبه ذلك. وبدل البعض إنما يكون جزءًا من المبدل منه, لا معنى فيه. والفرق الآخر أن بدل الاشتمال تذهب النفس إلى معرفته وإن لم يذكر, ألا ترى أنك لو قلت: أعجبني زيد, وسكت لفهم منك أنه إنما أعجبك معنى فيه, لا من حيث هو لحم ودم. ولا تقول مثل ذلك وأنت تريد عضوًا من أعضائه, ولا جزءًا من أجزائه. فقد افترق ما بينهما, وصار كل واحد من البدلين غير الآخر. وأما بدل الغلظ فلا يكون في القرآن, ولا في كلام فصيح. والأولى في مثله إذا وقع وسبق إلى اللسان ما لم يقصده المتكلم أن تأتي ببل, فتقول في قولك: رأيت رجلًا حمارًا, رأيت رجلًا بل حمارًا, فتأتي ببل ليعلم أنك غالط. والله الموفق للصواب.

فصل النسق

فصل النسق قال الشيخ رحمه الله: النسق هو الجمع بين الشيئين أو الأشياء بواسطة في اللفظ والمعنى, أو في اللفظ دون المعنى. فواسطة اللفظ والمعنى أربعة أحرف: الواو, والفاء, وثم, وحتى. وواسطة اللفظ دون المعنى ستة: أو, وإما, وبل, وأم, ولكن, ولا. وإنما كان كذلك من قبل أنك إذا قلت: جاءني زيد وعمرو, فقد اشترك الاسمان في الإعراب, فهذا هو اللفظ. واشتراكهما في المعنى هو المجيء. وكذلك مع الفاء وثم وحتى. وإن كانت المعنى تختلف على [حسب] ما بينان في فصل الحرف, وليس كذلك باقي حروف العطف الستة لأنها إنما تجمع بين

الاسمين في الإعراب دون المعنى بحسب معاني الحروف, مثل: جاءني زيد أو عمرو, أي أحدهما. وكل هذا قد بين في فصل الحروف. وإنما ذكرنا ها هنا أمثلة ذلك, وهو عطف المرفوع على المرفوع, والمنصوب على المنصوب, والمجرور على المجرور, والمجزوم على المجزوم, ولا تختلف في شيء من ذلك. و«إما» وحدها تختص بالتكرير. «ولكن» تختص بالنفي, و «لا» [تختص] بالإيجاب. و «حتى» تختص بالجنس, وعطف قليل على كثير. و «أم» تختص بالاستفهام, والمعادلة للهمزة. وكل ذلك قد أشير إليه في فصل الحروف, ولا فائدة في إعادته والإطالة. وكذلك كلها تشترك في عطف الظاهر على الظاهر. مثل: جاء زيد وعمرو, والمضمر على المضمر مثل: رأيتك وإياه. [وعطف المضمر على الظاهر مثل: رأيت زيدًا وإياك]. وعطف الظاهر على المضمر مثل: رأيتك وزيدًا. إلا أن يكون مضمرًا مرفوعًا أو مجرورًا فإنه يحتاج مع ضمير المرفوع إلى تأكيد, مثل: قمت أنا وزيد. ويحتاج مع ضمير المجرور إلى إعادة الجار, مثل: مررت به وبزيد. ولا يجوز: مررت به وزيد إلا في الشعر كما قال: فاليوم قد بت تهجونا وتشتمنا ... فاذهب فما بك والأيام من عجب وكذلك يجوز مع المرفوع في الشعر كما قال: قلت إذ أقبلت وزهر تهادى ... كنعاج الملا تعسفن رملا

فـ «زهر» معطوف على المضمر في «أقبلت» , ولم يؤكد ذلك المضمر. وأما قوله تعالى (ما أشكرنا ولا آباؤنا) , فـ «آباؤنا» معطوف على النون والألف في «أشركنا» , ولم يؤكد لأن طول الكلام بقوله «ولا» قد سد مسد التأكيد. وكذلك قوله [تعالى] (فأجمعوا أمركم وشركاؤكم) , [بالرفع] على قراءة يعقوب. معطوف على الواو في «أجمعوا» , ولم يؤكد لأنه قد سد طول الكلام بالمفعول وهو «أمركم» مسد التأكيد. وأما قوله [تعالى] (قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أممٍ ممن معك). فإنما أعيدت «على» مع «أمم» لأنه معطوف على الكاف من «عليك» وهو ضمير المجرور. ولا يعطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار, حسب ما تقدم. والباء في قوله «بسلام» متعلقة بمحذوف, لأنها في موضع الحال, أي: اهبط مسلمًا عليك. و «منا» في موضع جر متعلق بمحذوف لأنه نعت لسلام. و «عليك» في موضع جر, متعلق بمحذوف لأنه نعت لبركات.

و «على أمم» متعلق بما تعلق به «عليك» , لأنه أعيد لأجل العطف على الكاف [من «عليك»]. و «من» في قوله [سبحانه] «ممن معك» يتعلق بمحذوف لأنه في موضع جر, نعت لأمم. و «معك» يتعلق بفعل محذوف, لأنه صلة «من» , أي: ممن استقر معك, أو آمن معك, أو ركب معك, أو أنجيناه معك. وقد تقدم معرفة المواضع التي تتعلق حروف الجر فيها والظروف بمحذوف, والتي تتعلق بموجود أو ما هو في حكم الموجود. فعلى ذلك يكون القياس أبدًا إن شاء الله تعالى. وبالله التوفيق. فأما قراءة حمزة (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) بالجر, فإنها عند أكثرهم واو القسم, لا واو العطف. وإذا كانت واو القسم تعلقت بما تتعلق به باء القسم إذا قلت: بالأرحام لأفعلن, وهو محذوف, أي أقسم بالأرحام. وذلك القسم محذوف اختصارًا. وإذا كانت للقسم لم يجز الوقف على (الأرحام) لأنه يحتاج إلى جواب, والجواب على هذه القراءة (إن الله كان عليكم رقيبًا) , لأن العرب كانت تقسم بالأرحام تعظمًا لها. فيكون في قراءة حمزة وقفان أحدهما: الوقف على قوله (تساءلون به). والوقف الثاني (رقيبا). لأنهما جملتان مختلفتان تامتان. إحداهما أمرية, والأخرى قسمية, فأما على قراءة الجماعة بالنصب, فإن الوقف الأول على (الأرحام) لأنها معطوفة على اسم الله تعالى فلا يجوز الوقف على (به) , لأنه لا يجوز الوقف على المعطوف عليه دون

المعطوف في عطف المفردات. وإذا لم يجز ذلك كان الوقف على (الأرحام) المنصوب, فلا تتعلق «إن» على قراءة الجماعة بما قبلها لأنها ليست بجواب, وإنما هي استئناف وخاطب. وإذا كانت استئنافًا وخطابًا فهي جملة قائمة بنفسها, والوقف فيها على (رقيبا). و (عليكم) متعلق بـ (رقيبا) تعلق المفعول به, والأصل: كان رقيبًا عليكم, وإنما قدم لتشاكل رؤوس الآي. فالجار في هذا متعلق بموجود أيضًا, وهو (تساءلون) تعلق المفعول به. فاعرف هذه النكت. وللعطف أحكام كثيرة فيها كلام طويل لا يليق ذكره بهذه المقدمة مع ما أنت عليه من إحفاز السفر وضيف الزمان وفيه مقنع مع ما رزقك الله من البصيرة أعانك الله ووفقك للصواب.

الفصل العاشر: فصل الخط

الفصل العاشر: فصل الخط وهو على ضربين متبع ومبتدع. فالأول كتابة المصاحف. والثاني ما اصطلح عليه الكتاب وقاسه النحويون ورسمه العروضيون. وجملة الأمر أن مداره على معرفة ثمانية أشياء. وهي: الممدود, والمقصور, والمهموز, والوصل, والقطع, والحذف, والزيادة, والبدل. وهذا هو الفصل الأخير من فصول المقدمة والحاجة إليه داعية والغلط فيه كثير. وسأذكر من ذلك ما لا غناء عنه بمشيئة الله تعالى. فكل ما يتعلق بالمصاحف فمسلم متبع لا يجوز العدول عنه, مثل (بسم الله الرحمن الرحيم). فيها ثلاث ألفات محذوفات من الخط. الأولى من «بسم» التي هي ألف وصل دخلت توصلًا إلى النطق بالساكن. والثانية ألف اسم الله تعالى التي قبل الهاء. والثالثة ألف الرحمن. كل ذلك حذف من الخط لكثرة الاستعمال. والعروضيون يثبتون الألف من الرحمن, والألف من اسم الله تعالى لما يراعونه من الأوزان فيجتنبون ما يفسد عليهم من زيادة أو نقصان. والقرآن العظيم في أعلى رتب البيان, وليس له تعلق بالأوزان. فمنه ما يأتي على أقيسة النحويين وهو الأكثر, ومنه ما يأتي على غير أقيستهم. وخاصة ما يتعلق بالمصاحف, مصاحف أهل الكوفة. وكل مسلم متبع, كالنص الذي يرتفع معه حكم القياس فلا يجوز العدول إلى القياس مع وجوده. وفي بسم الله الرحمن الرحيم من القياس الموافق للإتباع ما ذكرناه من كثرة الاستعمال. فإن

كثرة الاستعمال له أصل كبير في العربية. ألا تراهم يجتزئون بالحرف الواحد عن الجملة لكثرة استعمالهم, مثل: * قلنا لها: قفي, فقالت: قاف * أي: وقفت. ومثله: ألا تا, يريد: ألا تركبون, قال الشاعر: نادوهم أن ألحموا ألا تا قالوا جميعًا كلهم ألا فا ومن ها هنا حذف العامل في الباب من قوله (بسم الله الرحمن الرحيم) , ومعلوم أنه لابد لكل حرف جر من شيء يتعلق به. لأن حروف الجر إنما دخلت توصلًا لإيصال معاني الأفعال إلى الأسماء. ولولا ذلك وما يجري مجراه لم يحتج إليها. ولما كان كذلك وجب أن تكون الباء مطالبة بعامل يعمل فيها, وتقديره يحتمل أمرين. أحدهما «بدأت» أو «أبدأ». والآخر: «ابتداي».

فإذا كان المقدر فعلًا كانت الباء متعلقة بذلك الفعل الذي هو في حكم الموجود. وإذا كان المقدر اسمًا كانت الباء متعلقة بمحذوف آخر, كما تتعلق به في كل موضع يكون خبرًا عن مبتدأ. كأنه قال: ابتداي كائن بسم الله, أو واقع بسم الله تعالى. فعلى هذا يكون الجار والمجرور من بسم الله في موضع رفع, لأنه نائب مناب الخبر. وعلى القول الأول يكون الجار والمجرور في موضع نصب, لأنه مفعول لذلك / الفعل المحذوف. وليس في الجار والمجرور على هذا القول ضمير مستتر, وفيه على القول الآخر ضمير مسترر. فأما قوله سبحانه (باسم الله مجراها ومرساها) , فإن باسم الله يصلح أن يكون في موضع نصب, ويصلح أن يكون في موضع رفع. فوجه كونه في موضع نصب أن يكون متعلقًا بـ (اركبوا) تعلق الأحوال, أي: اركبوا فيها متبركين باسم الله. ووجه كونه في موضع رفع أن يكون خبرًا مقدمًا لـ (مجراها ومرساها) , فيكون (مجراها) في موضع رفع بالابتداء, و (باسم الله) خبرًا مقدمًا, وتتعلق الباء بمحذوف مقدر, أي: مجراها كائن باسم. كما تقول: باسم الله كل خير, ومع اسم الله كل خير. فعلى هذا الوجه يجوز الوقف على قوله (اركبوا فيها) , ويبتدأ (باسم الله مجراها ومرساها). وعلى الوجه الأول لا يصح الوقف

أحكام الخط تدور على ثمانية أشياء

على (اركبوا فيها) , لأنه لا يوقف على العامل في الحال دون الحال. و (مجراها) على قول من جعل (باسم الله) حالًا في موضع نصب على الظرف, أي: وقت جريها, فيكون اسمًا للوقت, بخلاف الوجه الآخر. والألف في باسم الله ثابتة في الوجهين جميعًا, لأنه لم يكثر هذا في الاستعمال. وكذلك (اقرأ باسم ربك الذي خلق) , الباء في قوله تعالى (اقرأ باسم ربك) يجوز أن تكون متعلقة بموجود إذا جعلتها مفعولًا لقولك (اقرأ) , ويجوز أن تكون متعلقة بمحذوف إذا جعلتها حالًا, كأنه قال: اقرأ مستفتحًا باسم ربك, ففي الجار والمجرور على هذا الوجه مضمر مرفوع. وليس فيه على التقدير الآخر ضمير مرفوع, بل الضمير المرفوع في قوله (اقرأ) لا غير. فاعرف هذه المواضع الدقيقة اللطيفة فإنها كاشفة للمعاني, نفعك الله بذلك. وأما قولنا: «ومداره على معرفة ثمانية أشياء, وهي: الممدود والمقصور والمهموز والوصل والقطع والحذف والزيادة والبدل». قال الشيخ رحمه الله: فغنما قلنا مدار على معرفة هذه الثمانية لأنه لا يخرج شيء من أحكام الخط عنها. والأصل هو التغيير لأمر يوجب ذلك على ما يبين في كل فصل من هذه الفصول الثمانية. *** فأما الممدود فهو كل ما كان آخره همزة بعد ألف زائدة, مثل: حناء

وكساء وحرباء وحمراء. وإنما مثلنا بهذه الأمثلة الأربعة لأن كل واحد منها أصل في بابه. إذ الهمزة المتطرفة في الممدود لا تخلو من أن تكون أصلية, أو منقلبة عن حرف أصلي, أو زائدة للإلحاق, أو زائدة للتأنيث. فمثلنا لكل واحد من هذه الأقسام الأربعة بمثال لتقيس عليه النظائر, وتعمل بما يوجبه الحكم في التثنية [والجمع] والنسب والتصغير. فالذي همزته أصلية مثل: حناء. لأنه من قولهم: حنأت رأسه بالحناء, فتجد الهمزة ثابتة بالتصرف في الفعل. وكذلك قثاء همزته أصلية, لقولهم: أرض مقثأة. وكذلك [قولك]: رجل وضاء, أي: حسن الوجه, لأنه من الوضاءة, ومن معناه: توضأت. فهذا ونحوه همزته أصلية. والثاني ما همزته منقلبة عن حرف أصلي, وهو كساء [وردا] وعطاء وإناء وشقاء ونحوه, الهمزة منقلبة عن حرف علة [أصلي] , إما واو, وإما ياء. فالواو في مثل «كساء» لأنه من الكسوة. وكذلك العطاء, لأنه من عطا يعطو إذا تناول وكذلك شقاء, لأنه من الشقوة. فأما رداء فإن الهمزة بدل من

ياء, لقولهم: فلان حسن الرذية. وكذلك إناء, لأنه من أني يأني, وإذا بلغ, وإن لم يكن إياه. لأن الأنى في البلوغ مقصور, وإناء الآنية ممدود. فهذا أصل ثان. والثالث ما همزته زائدة للإلحاق, لا أصلية, ولا منقلبة عن أصلي. وذلك مثل: حرباء وزبراء وقيقاء وسيساء. كل هذا مهموز همزته زائدة للإلحاق لا أصلية, بوزن فعلال, مثلت بسرداح وسربال. وقد جاء في المضموم أيضًا مثل قوباء الذي هو ملحق بقرطاس. الرابع ما همزته زائدة للتأنيث مثل حمراء وصفراء وما أشبهه من كل ما لا ينصرف لأنه الثلاثة الأول مصروفة وهذا وحده غير مصروف, / لأنه أجري في التأنيث ولزوم التأنيث مجرى الألف المقصورة في سكرى وبابه. إلا أن الحاجة في معرفة جميع هذه الهمزات على اختلاف أنواعها أنها تكتب في

الخط بألف واحدة في حال الرفع والجر, وبألفين في حال النصب. سوى ما لا ينصرف فإن نصبه كجره. ومثال ذلك كله في الرفع: هذا حناء وكساء وحرباء وحمراء. ومثاله في الجر: مررت بكساء وحناء وحرباء وحمراء. فإذا صرت إلى النصب كتبته بألفين, مثل: رأيت حناأً وكساأً وحرباأً, وحمراء بألف واحدة, وإنما كتبت هذا كله في [حال] النصب بألفين - سوى ما لا ينصرف - لأن الأصل ثلاث ألفات: الألف التي قبل الهمزة - وهي ألف المد, وألف الهمزة نفسها, والألف المبدلة من التنوين في حال النصب. فلما كان الأصل ثلاث ألفات حذفت واحدة من الثلاث تخفيفًا, فبقيت ألفان, وكتبت بألفين, سوى ما لا ينصرف فإنه في حال النصب بألفين فحذفت واحدة فلم يبق إلا واحدة, فكتب بألف واحدة. ولهذه العلة كتب المرفوع كله والمجرور بألف واحدة لأن أصله ألفان فحذفت واحدة تخفيفًا. فإن ثني جميع هذا الممدود كتب كله بألفين في حال الرفع. لأنه كان قبل دخول ألف التثنية بألفين, فلما دخلت ألف التثنية صارت ثلاث ألفات, ولما صارت ثلاث ألفات ذهبت واحدة وبقيت اثنتان فقلت: هذان حناآن, وكساآن [وحرباآن وحمراآن]. فالألف الثانية هي ألف الإعراب لا يجوز حذفها لا لفظًا ولا خطًا, لأنها علامة الرفع. فإن اتصل بهذا الممدود ضمير مخاطب أو غائب كتب كله بالواو في حال الرفع, وبالياء في حال الجر, وبالألف في حال النصب, على حد حركة الهمزة فمثال الرفع: هذا حناؤك, وكساؤك, وحرباؤك, وحمراءك. ومثاله في الجر:

عجبت من حنائك, وكسائك, وحربائك, وحمرائك. ومثال النصب: رأيت حناأك, وكساأك, وحرباأك, وحمراأك. لأن الهمزة مع الإضافة صار حكمها حكم المتوسطة فكتبت على حد حركة الإعراب. ولو أضفت هذا كله إلى نفسك لكان بالياء كله. مثل: حنائي وكسائي وحربائي وحمرائي, لأن ياء الإضافة لا يكون ما قبلها إلا مكسورًا. فهذه معرفة الخط في الممدود. ولو كان هذا كله منسوبًا لما كان إلا بألف واحدة في جميع الإعراب كله. لأن ياء النسب يغير لها ما قبلها. فإن كان أصليًا مثل: حناء, قلت حنائي. فالهمزة الأخيرة تصير ياء في الخط, وهي همزة في اللفظ, وإن كانت منقلبة عن أصلي جاز وجهان, الهمز والقلب واوًا. فتقول: كسائي, وكساوي. والأجود الهمز كالأصلي. وإن كانت للإلحاق فوجهان أيضًا, أجودهما القلب واوًا, فتقول: حرباوي وحربائي. وإن كانت للتأنيث فوجه واحد, وهو القلب واوًا. فتقول: حمراوي وصفراوي, ونحوه. فإن صغرت جميع ذلك لم يكن فيه ألف بحال, ما خلا باب حمراء. لأن ألف المد تنقلب ياء لانكسار ما قبلها, وتدغم ياء التصغير فيها, فتجتمع الياءان في تصغير البنية. فتقول في تصغير حناء: حني, بالتشديد وهمزة معربة.

فالتشديد هي ياء التصغير, وقعت ياء التصغير ثالثة بين النون الشديدة - والمقدرة بنونين - فانفك الادغام, ثم انقلبت ألف المد ياء لأجل الكسرة التي بعد ياء التصغير, وبقيت الهمزة على حالها. وهذه الهمزة هي الأصلية تعرب بجميع الإعراب. تقول: هذا حنييء, ورأيت حنيئًا, ومررت بحنيء. ومثله: قثاء ووضاء وبابه مما همزته أصلية من هذا الوزن. وتصغير مثل كساء وبابه فيه وجهان. من جميع بين ثلاث ياءات أعربه إعراب المنقوص فقال: هذا الكسيي, ورأيت الكسيي, ومررت بالكسيي. كل ذلك بثلاث ياءات, فالأولى ياء التصغير, والثانية هي المنقلبة عن ألف المد المدغم فيها, والثالثة هي المنقلبة عن الهمزة التي هي لام الكلمة التي زالت بزوال المد. ومن كره الجمع / بين ثلاث ياءات حذف اللام, وأعربه إعراب الصحيح, وكان بياء واحدة مشددة. فيقول: هذا الكسي, ورأيت الكسي, ومررت بالكسي. فإن صغرت مثل حرباء وبابه فبياء مشددة لا غير. لأنه لم يجتمع فيه ما اجتمع في

كساء من التقاء الياءات, فتقول: هذا حريبي, ورأيت حريبيًا, ومررت بحريبي. فالياء الأولى هي ألف المد انقلبت ياء لانكسار ما قبلها. والياء الثانية هي المنقلبة عن همزة الإلحاق لزوال المد. فلم يجتمع في هذا ما اجتمع في كساء. فإن صغرت مثل حمراء وصفراء فلا قلب فيه ولا إدغام. لأن همزة التأنيث بمنزلة تاء التأنيث, لا تتغير في التصغير, ويكون ما قبلها مفتوحًا على حاله. فتقول: هذه حميراء, ورأيت حميراء, ومررت بحميراء. حكمها في الخط مصغرة كحكمها في الخط مكبرة, لأن همزتها في التصغير لم تزل. فأما معرفة هذه الهمزات في التثنية فقد ذكرناها فيما مضى من فصل التثنية. فأما معرفتها في جميع التكسير فإن المد يتغير ويزول في جميعها. ألا ترى أنك تقول في حناء: حنان, وفي كساء: أكسية, وفي حرباء: حرابي, وفي صحراء: صحاري وصحارى وصحارٍ.

المقصور

فصل قال الشيخ رحمه الله: وأما المقصور فهو كل ما كان في آخره ألف مفردة في اللفظ. وقد مضت العلة في تسمية هذا مقصورًا بأنه ضد الممدود, وبأنه قصر عن جميع الإعراب وحبس عنه. فسمي مقصورًا لذلك. والألف في الخط في مثله تختلف كثيرًا. فمتى كانت الألف رابعة فما زاد - مثل: المولى والمجتبي والمستدعى ونحوه - فإنه يكتب بالياء ما لم يكن قبل آخره ياء. فإن كان قبل آخره ياء فإنه يكتب بالألف مثل: الدنيا والعليا والروايا والعطايا. إلا كلمتين شدتا, وهما يحيى وربى, في الاسمين العلمين, فإنهما كتبا بالياء.

والعلة في كتب فصل «المولى» بالياء لأنه لو صرف من الرباعي أو الخماسي فعل لم يكن إلا بالياء, ولو كان من ذوات الواو, مثل: أعطيت واستدعيت, وأعطى يعطي, واستدعى يستدعي, فحمل على ذلك. والعلة في كتب فصل «الدنيا» وبابه بالألف كراهية اجتماع ياءين في الخط, فصور الألف حملًا على اللفظ. والعلة في شذوذ «يحيى» و «ريى» حتى كتبا بالياء أنهما علمان, والأعلام يقع من التغيير فيها ما لا يقع في غيرها, لأنها منقولة في أصلها, والتغيير يؤنس بالتغيير. ألا ترى إلى إمالتهم العجاج والحجاج. وجمعهم بين الياء والواو وقد سبق الأول منهما بالسكون في مثل «رجاء بن حيوة» , وتصحيحهم الواو في مثل «مكوزة ونحوه. وليس لجميعه علة في الشذوذ أكثر من كونه علمًا. فهذا حكم المقصور فيما زاد على الثلاثة». وإن كانت [الألف] ثالثة نظر أصلها, فإن كان واوًا كتبت بالألف, مثل: العصا والعلا وشبهه. وإن كان أصلها ياء كتبت بالياء, مثل الغنى والفتى والهوى [والقرى]. والعلة في اعتبارهم الفرق في الثلاثي بين بنات الواو وبنات الياء أنه إذا صرف الفعل من بنات الواو كان بالواو, مثل: دعا يدعو, ودعوت دعوة.

وإن كان من ذوات الياء صرف بالياء, مثل: رمى يرمي, ورميت رمية. فلما وقع الفرق في التصريف, كذلك وقع في الخط إذا تصرف, تكتب ذوات الواو بالألف, وذوات الياء بالياء. فإن اتصل جميع المقصور بمضمر على اختلاف أنواعه, من ثلاثيه وما زاد عليه, فإنه كله يكتب بالألف. مثل: فتاه ورحاه وعصاه ورضاه, ونحوه من الأسماء. وغزاه ورماه ودعاه, ونحوه من الأفعال. والعلة في ذلك أن الألف لما اتصلت بالمضمر توسطت وبعدت من محل التغيير, فحملت على لفظها في الكتب بالألف, ولم تتغير. كما لم تتغير ألفات العيون في الأسماء والأفعال من مثل «باب» و «ناب» , ومثل: «قال» و «باع». فإن قيل: فبأى شيء تعرف بنات الواو من بنات الياء؟ . فقل: بأحد ثمانية أشياء. إما بالتثنية المسموعة مثل: الفتيان والعصوان. وإما بالجمع: مثل: القنوات, جمع قناة, والحصيات, جمع حصاة. وإما بوزن فعلة من نحو: الغزوة والرمية [والدعوة] , لأن الفعلة تكون ساكنة العين فتظهر بنات الواو من بنات الياء. وإما برد الفعل إلى نفسك في الثلاثي مثل: غزوت ورميت, لأن تاء المتكلم يسكن ما قبلها, فترجع الألف فيه إلى أصلها, فينكشف لك أمرها. وإما بالفعل المستقبل مثل: يغزو ويرمي, ونحوه من الثلاثي. لأن المعتل الثلاثي إذا كان ماضيه على «فعل» لم يخل مستقبله أن يكون بوزن «يفعل» مثل:

يغزو ويدعو, أو بوزن «يفعل» مثل: يقضي ويرمي, فتظهر أيضًا بنات الواو من بنات الياء. وإما أن يكون في أول الكلمة واو مثل: وعى ووقى وودى, فإن ألفه منقلبة عن ياء. لأنه ليس في كلامهم ما فاؤه ولامه واو إلا لفظة واحدة لا غير, وهي «واو». فلذلك قطع على مثل باب: وعى ووقى وودى ووشى ونحوه أنه من ذوات الياء فكتب بالياء. وإما أن تكون عين الكلمة واوًا مثل: عوى وشوى, فإن ألفه منقلبة عن ياء في الغالب لأن المستقبل منه أبدًا على يفعل, مثل: عوى يعوي, وشوى يشوي, وطوى يطوي, وغوى يغوي, فلذلك حكم على انقلاب ألفه من الياء, وأن لا يعتد بمثل «القوة» لقلتها وندورها. وإما بالإمالة مثل: «متى» و «بلى». فهذا وإن لم يكن متصرفًا, فإنه يعلم انقلاب ألفه عن الياء تشبيهًا بالمتصرف لما سمع فيه من الإمالة, التي بابها أن تكون في الأفعال, أو في الأسماء المشبهة بها. فالأفعال مثل: رمى وسعى وقضى. والأسماء مثل: الهدى والهوى. فـ «متى» اسم للاستفهام, مبني, غير متصرف, وقد سمع فيه الإمالة فغلب على ألفه الانقلاب عن الياء. فلو سميت بها وثنيت لقلت: متيان. و «بلى» تمال, وإن كانت حرفًا, لأنها تشبه بالأسماء من حيث كانت على ثلاثة أحرف, وأنها تكفي في الجواب, فلذلك خالفت «لا» التي تكفي في الجواب, فأميلت, ولم تمل «لا» لأنها على حرفين. فأما كتبهم مثل «على» و «إلى» بالياء, وليس مما يمال, فإنه لما كان يرجع إلى الياء مع المضمر في قولك: إليك وعليك, كتب بالياء حملًا على ذلك. وأما «حتى» فمكتوبة بالياء, وإن لم تدخل على المضمر, لأنها للغاية, بمعنى «إلى» فأجريت مجراها فكتبت بالياء.

وأما «كلا» فمكتوبة بالألف على الأصل, بخلاف «حتى» لأنها لا تدخل على مضمر, ولا تشبه ما يدخل على مضمر, فبقيت على أصلها. وأما كلى وكلتى فيكتبان بالياء لإمالتهما, ولأنهما اسمان لا إشكال فيهما. وقد ألزمت ألفهما الياء مع المضمر في حال النصب والجر, مثل: رأيتهما كليهما وكلتيهما, ومررت بهما كليهما وكلتيهما. وقد تقدم الكلام عليهما. فقد صار اعتبار بنات الواو من بنات الياء بأحد هذه الأشياء الثمانية المذكورة. وإذا جهل أصل الألف من جميع هذه الجهات كتبت بالألف حملًا على اللفظ, لأنه الحاصل في اليد, مثل ألف «ما» وألف ذا وألف «تا». ***

المهموز

فصل قال الشيخ رحمه الله: «وأما المهموز فإنه ينظر. فإن كانت الهمزة أولا صورت ألفًا بأي حركة تحركت, مثل أم وأخٍ وإبلٍ. فإن هذا هو الفصل الثالث من فصول الخط وهو أصل كبير. فمتى كانت الهمزة أولًا لم تصور قط إلا ألفًا, لأنه ليس لها أصل ترجع إليه في التخفيف فتحمل عليه. فإذا كانت الهمزة أولًا في كلمة مبتدأ بها فلا تخففها, من حيث كان تخفيفها تقريبًا لها إلى الساكن. فكما أن الساكن لا يجوز الابتداء به, فكذلك ما قرب منه. وإذا لم يجز تخفيفها لم يبق لها حكم إلا تصويرها ألفًا محركة بضم

كأم, أو فتح كأخ, أو كسر كإبل. فإن دخل على هذه الهمزة ألف استفهام والثانية مفتوحة كتبت بألفين على حد تخفيفها. مثل: أأخوك زيد, أأبوك عمرو, ونحوه. ما لم تكن الثانية همزة وصل فإنها تسقط وتكتب بألف واحدة. مثل أبنك خير أم غلامك, تذهب ألف الوصل, لأنه قد توصل إلى النطق بالساكن بهمزة الاستفهام / فأغنت عنها, ولم يبق معك إلا همزة واحدة فتكتب جميع ذلك بألف واحدة. ومثله [قوله سبحانه]: (أصطفى البنات على البنين) بألف واحدة, وهي ألف الاستفهام. ولو لم تكن استفهامًا وكانت خبرًا لكانت أيضًا بألف واحدة, ولكنها في الاستفهام مفتوحة مقطوعة, وفي الخبر مكسورة موصولة. فإن كانت ألف الوصل مفتوحة من مثل الرجل والغلام, وقد دخلت عليها ألف الاستفهام, كتبت بألفين. مثل: ءآلرجل عندك, ءآلغلام في الدار. ومثله قوله تعالى (ءآلله أذن لكم) , (ءآلذكرين حرم أم الأنثيين) , وما أشبه ذلك. فالأولى ألف الاستفهام, والثانية ألف الوصل. وإنما ثبتت صورتها في الخط ليفرق بين الاستفهام والخبر. إلا أنها لا تحقق بحال, وإنما يحقق ما كانت همزته قطعًا. فأما قراءة أبي جعفر (آلم الله) , بقطع الهمزة من اسم الله تعالى,

فإنه لما كان مذهبه الوقف على فواتح السور وقفة يسيرة صارت همزة الوصل كالمبتدأ بها, لا كالموصولة. وكما أنها تكون محققة في حال الابتداء بها بلا خلاف, كذلك أجراها مجرى ما هو في حكم الابتداء. فإن قيل: ولم لا تكون همزة الرجل والغلام والهمزة من اسم الله تعالى قطعًا, كما قال الخليل [رحمه الله] إن أصلها القطع كحروف المعاني التي على حرفين؟ قيل: الخليل رحمه الله وإن كان قد قال ذلك فإنه أصل قد انتقل وبطل استعماله في حال الوصل, فلا ينبغي أن يستند إليه. ألا ترى أن سيبويه [رحمه الله] يقول التعريف باللام وحدها وإن الهمزة إنما دخلت توصلًا إلى النطق بالساكن في حال الابتداء به. فاعرف ذلك. [قال الشيخ رحمه الله]: وأما قولنا: «وإن كانت الهمزة وسطًا نظرت, فإن كانت ساكنة دبرها حركة ما قبلها مثل: رأس وبئر وسؤر, على حد تخفيف الهمزة. وإن كانت متحركة نظر ما قبلها, فإن كان ساكنًا لم يكن لها صورة حرف مثل: أرءس واستلئم [الرجل واستلئم يا رجل] واسئل. وهذا هو الوجه المختال». وإنما كان مختارًا لأن الهمزة إنما تصور على حد تخفيفها, وهذه الهمزة لو خففت لألقيت حركتها على الساكن الذي قبلها, وذهبت بالجملة. فلذلك لم تكن لها صورة في الخط أكثر من تمثيل همزة معها, حركتها إن كانت ضمة كانت بين يديها, وإن كانت فتحة كانت فوقها, وإن كانت كسرة كانت تحتها. ومن الناس من يصور المفتوحة في هذا ألفًا, مثل: استلأم, واسأل, والمكسورة ياء مثل: استلئم, والمضمومة واوا مثل: أرؤس. وحجة هذا أنه ألقى حركتها على ما قبلها فسكنت, ثم قلبها على حركة ما قبلها فصورها بصورتها.

والمذهب الأول أقيس, لما تقدم من أن الهمزة المتحركة الساكن ما قبلها تذهب في التخفيف من اللفظ أبدًا, فكذلك ينبغي أن تذهب صورتها. وإن كان ما قبل الهمزة متحركًا رجع إليها في نفسها ونظرت حركتها, فإن كانت فتحة دبرها حركة ما قبلها, مثل: جؤن ومئر وسأل, لأن الفتح أخو السكون, وإذا كان أخاه في الخفة تدبرت الهمزة بما قبلها, فلذلك كانت واوًا في [مثل]: جؤن ويؤاخذ ويؤخر. وياء في مثل: مئر ومة وفئة. وألفًا في مثل: سأل وجأر. لكن هذه المفتوحة المفتوح ما قبلها لا يكون تخفيفها إلا بين بين, بخلاف المفتوحة المضموم ما قبلها أو المكسور فإنها لا تكون بين بين, وإنما تكون مبدلة على [حد] حركة ما قبلها. وإن كانت حركة الهمزة غير فتحة من ضم أو كسر دبرها أبدًا حركة نفسها. فكتبت واوًا إذا انضمت, وياء إذا انكسرت. وذلك قولك في المضمومة: قد لؤم الرجل, وفي المكسورة: قد سئل. لأنها لو خففت لكانت على هذا الأصل, وهو جعلها بين بين, فتكون مع الضمة بين الهمزة والواو في «لؤم» , وبين الهمزة والياء / في «سئل». وإن كانت الهمزة متطرفة كتبت أبدًا على حركة ما قبلها, سواء تحركت أو سكنت, نحو: قد قرأ, بالألف, ولن يقرأ, وهو يقرأ, وهو يقريء,

وهو يدفؤ. لأنها إذا كانت متطرفة فهي معرضة للسكون في الوقف. وإذا سكنت دبرها في التخفيف ما قبلها, فكانت ألفًا مع الفتحة في «قرأ» و «لن يقرأ» [وهو يقرأ]. وياء مع الكسرة في نحو: «يقريء» و «ينييء». وواوًا مع الضمة في مثل قوله: قد دفؤ يومه يدفؤ [ووضؤ] وجهه يوضؤ. وإذا كان هذا هكذا في الهمزة المتطرفة المتحركة فأحرى وأولى أن يكون في الساكنة [في] مثل: لم يقرأ, ولم يقري, ولم يدفو. فإن اتصل بهذه المتطرفة المتحركة ضمير خرجت عن حكم الطرف, وصار حكمها حكم المتوسطة في جميع ما ذكرناه. مثل: هو يقرؤه, ولن يقرأه, ولم يقرأه, وهو يقرؤه السلام. لأن جميع ذلك محمول على حكم التخفيف, فصورت الهمزة بالوصل التي يقتضيها التخفيف. ***

الوصل والقطع

فصل [قال الشيخ رحمه الله]: وأما القطع والوصل فأكثر ما يكون ما «ما» و «لا» و «ها». وهذا هو الفصل الرابع من فصول الخط. وإنما كثر الوصل والقطع في هذه الحروف الثلاثة لما حدث معها ووجب [من] التركيب

وتشاكل اللفظ, أو ترك التركيب وحمل كل شيء على أصله, على ما يأتي بيانه [إن شاء الله]. فـ «ما» توصل أبدًا بحروف المعاني إذا كانت على حرف واحد, اسمًا كانت أو حرفًا. مثل قوله سبحانه (فبما نقضهم ميثاقهم) و (كما أرسلنا فيكم رسولًا منكم). والعلة في وصلها مع الحرف الواحد أن الحرف الواحد لا يستقل بنفسه, فوجب وصله بها أبدًا. فإن كانت حروف المعاني على أكثر من حرف مثل: أن وليت ولعل وإلى وحتى, ونحوها, كتبت «ما» منفصلة إذا كانت اسمًا بمعنى «الذي» , مثل: (إن ما عند الله هو خير لكم). وتكتب متصلة إذا كانت حرفًا مثل: (إنما الله إله واحد) , فرقًا بين الاسم والحرف. وذلك أن «ما» إذا كانت كافة «إن» عن عملها فقد اتصلت بها اتصال المانع لها عن عملها, فوجب ألا تكون منفصلة عنها. وليس كذلك إذا كانت بمعنى «الذي» , لأنها اسم منفصل, ومعمولة «إن» , وواقعة موقع «الذي». فكما أنها مع «الذي» تكون منفصلة فكذلك مع ما هو بمعناها. فإن كانت [ما] استفهامية كتبت متصلة, وإن كانت اسمًا, لأجل الحذف الذي يلحقها, مثل: إلام تنظر, وحتام تغيب, و (فبم أنت من ذكراها). فعلامة الوصل في «حتام» كتب «حتى» بالألف. وكذلك علامته في «إلام» كتبها بألف. ولو وقفت على هذه الاستفهامية لفصلتها, وألحقتها هاء للسكت, وكتبتها إلى مه, وحتى مه, وعلى مه. لأنها ياء السكت قد صارت على أكثر

من حرف واحد ففصلت. فقد صار في جملة الأمر أن «ما» إذا كانت اسمًا غير استفهامية كتبت منفصلة مع ما هو أكثر من حرف واحد. وإذا كانت حرفًا, أو استفهامًا, أو مع حرف كتبت متصلة. فعلى هذا تقول: أين ما وعدتنا, فتفصلها لأنها بمعنى «الذي» , وأينما تعدنا تكن, فتصلها لأنها ها هنا حرف وليست باسم. وقد كتبت وهي بمعنى «الذي» في مواضع متصلة, وذلك مع «من» و «عن» لأجل الإدغام والأجود فصلها. تقول: صفحت عن ما صفحت عنه, وعما صفحت عنه. وهربت من ما هربت منه, ومما هربت منه. وإنما كان فصلها أجود كما يكون مع غير هذين الحرفين من نحو «في» , تقول: قد قلت في ما قلت. والعلة في جواز وصلها هو ما اقتضاه اللفظ من إدغام النون في الميم, فلما أدغمت فيها وصلت بها. وليس الإدغام عندنا بموجب للإتصال. ألا ترى أن التنوين يدغم في الميم في مثل (على أمم ممن معك) , ولا يوجب الإدغام وصل هذه الأشياء فاعرف ذلك. قال الشيخ [رحمه الله]: و «كلما» إذا كانت ظرفًا كتبت معها «ما» متصلة مثل: كلما قمت قمت. وإن كانت اسمًا كتبت «ما» منفصلة مثل: كل ما عندي لك. لأن «ما» ها هنا اسم بمعنى «الذي». وكذلك كل ما في الدنيا فان وليست كذلك إذا كانت ظرفًا. وهذا الكلام على وصل ما وفصلها. فإما «لا» فتكتب متصلة مع «أن» إذا كانت [أن] ناصبة للفعل. ومنفصلة إذا لم تكن ناصبة [له] , مثل [قوله سبحانه] (وحسبوا ألا تكون فتنة)

و (أن لا تكون) فمن نصب «تكون» وصلها, ومن رفع «تكون» فصلها لأن التقدير مع الرفع: وحسبوا أن لا تكون فتنة, فلما كانت الهاء مقدرة بين «أن» و «لا» فصلت. وتكتب [لا] مع «إن» في الشرط متصلة, مثل: إلا تدع شنمي أعاقبك, وإلا تذهب أذهب. وكذلك مع «هل» إذا خرجت إلى معنى الإنكار والتوبيخ, مثل: هلا خرجت, لأن التركيب لما أخرج الكلمة إلى معنى الإنكار صار الحرفان كالحرف الواحد فكتب متصلًا. وكذلك حالها في التحضيض إذا قلت: هلا تخرج. فإن قلت: كيف يصح معنى التوبيخ والإنكار في مثل قوله تعالى (لولا أخرتني إلى أجل قريب) , وهو بمعنى هلا أخرتني؟ . قيل: فيه جوابان. أحدهما: أن هذا يجري مجرى مخاطبة الإنسان لنفسه موبخًا لها, وإن كان في الظاهر خطابًا للرب. والآخر: أن هذا دعاء, لأن كل ما كان من هذا النوع لمن هو دونك فهو في معنى الأمر, وما كان لمن هو مثلك فهو في معنى السؤال, وما كان لمن هو فوقك كان دعاء, أو هو في معنى الدعاء, وإن اشترك اللفظ فالمعنى مختلف. فهذا ما عرض. انقضى الكلام على فصل «لا» ووصلها. فأما وصل «ها» فإنها توصل مع «ذا» , فتكتب متصلة بغير ألف إذا لم يكن معها كاف خطاب. مثل: هذا زيد, وهذه هند, وهذان الزيدان, وهؤلاء الزيدون, لأنهما قد جعلا كالشيء الواحد. فـ «ها» تنبيه, و «ذا» إشارة فإن

دخلت كاف الخطاب كتبت منفصلة بألف, مثل ها ذاك وهاذانك [وهاتاك] وهاتانك وهاؤلائك. لأن كاف الخطاب تقوم مقام التنبيه فلذلك فصلت. فأما امتناعهم من مثل «هاذالك» فلما فيه من المخالفة. لأن «ذا» إشارة للقريب, واللام للبعيد, والكاف للخطاب, والهاء للتنبيه, فلم تجتمع اللام مع «ها». فـ «ذا» لأقرب ما يكون, و «ذاك» لما يليه في البعد, وذلك لأبعد الثلاثة. انقضى فصل القطع والوصل.

الحذف

فصل قال الشيخ [رحمه الله]: وأما قولنا: «وأما الحذف فأكثر ما يكون مع حروف المد واللين والحروف المضاعفة إذا كانت من كلمة واحدة مثل كر وبر وشد ومد». فإن هذا هو الفصل السادس من فصول الخط والعلة في جواز الحذف إنما هو للتخفيف والاستغناء بشيء عن شيء. لأن حروف المد واللين معها حركات تدل

عليها. والتضعيف معه تشديد يرتفع معه اللسان ارتفاعة واحد. فمتى كان المضاعف من كلمة واحدة, في اسم كان أو [في] فعل, فإنه يكتب بحرف واحد, مثل: كر وبر, ونحوه في الأسماء. وشد ومد ونحوه في الأفعال. وأصله: شدد ومدد. فإن أظهر كتب بحرفين مثل: شددت ومددت. ومتى أدغم كتب بحرف واحد. فإن كان التضعيف من كلمتين لم يحذف منه شيء, بل يكتب كل حرف على صورته مثل: اللحم, بلامين, واللبن بلامين, والليل, بلامين. لأن الألف واللام وإن تنزلتا منزلة الجزء من الكلمة فإنهما على كل حال زائدتان على الكلمة. ولم يخرج عن هذا إلا «الذي» و «التي» , و «الذين» في الجمع, فإنه يكتب جميعه بلام واحدة, وإن كان أصله لامين, لأن الصلة والموصول قد صارا كالشيء الواحد, وأمن اللبس وكثر الاستعمال فخفف بالحذف. فإذا كان «الذي» و «التي» للمثنى كتبا بلامين فرقًا بين التثنية والجمع, فتقول: رأيت اللذين قاما واللتين خرجتا. وإنما خصت / التثنية بالإثبات دون الجمع لأن التثنية يختلف طريق الإعراب فيها, والجمع يتفق طريق الإعراب فيه. وأما حروف المد واللين المحذوفة وهي الألف والواو والياء, فإن الألف المحذوفة من مثل: آدم وآخر وآزر - وأصله أأدم وأأخر وأازر - كانت همزة, فأبدلت الهمزة الثانية ألفًا, وكره الجمع بين ألفين فحذفت الثانية التي أبدلت. ومثل الواو المحذوفة من داود وطاوس ويقرءون, بواو واحدة, وأصله بواوين, كراهية الجمع بين واوين والأولى منهما مضمومة. فإن كانت الأولى مفتوحة مثل: استووا وغووا وشووا كتبت بواوين.

ولم يخرج من القسم الأول -[أعنى طاوس وبابه]- إلا قولهم: القوم ذوو مال, فإنهم كتبوه بواوين والأولى منهما مضمومة لئلا يلتبس بالواحد. ومثل حذف الياء من المستهزين والمستقرين, كراهية للجمع بين ياءين, والأولى منهما مكسورة. فإن كان مثنى كتب بياءين, مثل: المستهزبين والمستقربين, لأن ما قبل ياء التثنية مفتوح, والفتحة غير مستثقلة فثبتت صورة الياء الأولى مع الياء الثانية. وكل منقوص مثل قاض وغازٍ وداعٍ, إذا كان منونًا فإنه يكتب كله بغير ياء في حال الرفع والجر, لأن الياء انحذفت بعد أن حذفت حركتها المستثقلة عليها, ثم حذفت هي في نفسها لالتقاء الساكنين. فإن صرت إلى النصب كتبت هذا المنقوص بالياء, فقلت: رأيت قاضيًا وداعيًا وغازيًا. لأنه لما ثبتت حركتها - وهي الفتحة - لخفتها ثبتت الياء أيضًا لزوال ما يوجب الحذف, فثبتت لفظًا وخطًا. وجملته أنها تثبت في الخط في المكان الذي تثبت فيه في اللفظ, وتحذف من الخط في المكان الذي تحذف فيه من اللفظ. فلذلك إذا دخلت الألف واللام في القاضي والداعي, أو الإضافة في قاضيك وداعيك ثبتت الياء في جميع الوجوه الثلاثة لعدم ما يوجب الحذف. ومن الحذف حذف همزة لام التعريف إذا دخل عليها لام الابتداء أو لام الجر. مثال لام الابتداء: للرجل خير من المرأة. ومثال لام الجر: للرجل عندي حق. لأنه قد اتفق لفظ الحرفين في الصورة. وأغنى الحرف الأول في

الإيصال إلى الساكن عن همزة الوصل مع أنه لو ثبتت الألف في مثل هذا لالتبس بصورة النفي إذا قلت: زيد قال لك ذلك لا الرجل. ولو كان بغير لام مما هو على حرف واحد [أو على غير حرف واحد] لم تحذف الألف, مثل: بالرجل, وكالرجل, [ومن الرجل]. ومن الحذف حذف ألف الوصل من «ابن» إذا وقع [مفردًا] صفة بين علمين, أو كنيتين, أو لقبين, سواء اتفق ذلك أو اختلف. مثال العلمين: هذا زيد بن عمرو. ومثال الكنيتين: هذا أبو القاسم بن أبي محمد. ومثال اللقبين: هذا القائد بن القائد. ومثال المختلفين: هذا زيد بن الأمير, وهذا زيد بن أبي القاسم, وهذا أبو القاسم بن زيد. وما أشبه ذلك من المتفقين والمختلفين. لأن «ابنا» في هذا كله صفة قد جعل مع الموصوف كالشيء الواحد, فكما حذفت التنوين من الموصوف كذلك حذفت الألف من «ابن». ولو قلت: هذا زيد ابن أخينا, وهذا أخونا ابن زيد - وجعلت «ابنًا» نعتًا - لأثبت الألف [من ابن] لأنه لم يقع بين علمين. وكذلك: إن زيدًا ابن عمرو, لأنه لم يقع ههنا صفة, إنما وقع خبرًا لإن. وكذلك: هذا زيد وعمرو ابنا خالد, لأنه ههنا مع المثنى الذي لم يكثر استعماله كثرة الواحد فثبتت الألف والتنوين في الموصوفين. وكذلك لو صغرت «ابنًا» , وجعلته صفة بين علمين لأثبت التنوين في

الموصوف [المصروف] مثل: هذا زيد بني عمرو. لأن هذا لم يكثر كثرة المكبر الذي يحذف التنوين فيه من الموصوف. والألف من «ابن» لم تنحذف في مثل هذا لأجل التنوين, وإنما انحذفت لتحرك الباء بضمة التصغير. فاعرف هذه الشروط. ***

الزيادة

فصل ثم قال: وأما السابع وهو الزيادة فأكثرها شاذ وإنما يقدم عليها لإرادة الفرق بين ملتبسين. فمن ذلك زيادة الألف بعد واو الجماعة إذا لم تكن متصلة بمضمر, مثل: أكلوا وشربوا ودعوا, فرقًا بينها وبين واو يدعوا [ويغزوا] التي من نفس الكلمة. والمحققون من أصحابنا لا يثبتون ألفًا في جميع ذلك, لأنه ليس في اللفظ ما يقتضي / إثبات الألف. ولا يكاد مثل هذا يلتبس في إخبار ولا صفة ولا صلة ونحوه, لأن المخبر عنه والموصوف والموصول يدل توحيده وجمعه على المقصود به, فلا التباس فيه. ثم قال: ومنها «مائة» تكتب بالألف فرقًا بينها وبين منه, فصارت مع زيادتها كالعوض من حذف لام الكلمة. لأن الأصل مئية, وجمعها مئي,

أصله فعول, كما قال: * وحاتم الطائي وهاب المئي * ففعل به ما فعل بعتي وجثي, وقد قالوا: أخذت منه مئيًا كثيرة. فقد صارت الألف في «مائة» عوضًا وفرقًا, فلذلك تحذف في الجمع في قولك: مئات ومئون. لأنه قد زال الالتباس بالجمعية, فلم يحتج إلى إثبات الألف. ويزيدون الواو في «عمرو» في حال الرفع والجر, فرقا بينه وبين «عمر». فإذا صرت إلى النصب لم تثبت الواو, لأن الألف المبدلة من التنوين قد قامت مقام الواو في الفرق, ألا تراك تقول: رأيت عمرًا, ورأيت عمر. وزادوا الواو في «أولئك» فرقًا بينها وبين «إليك». وخصوا الزيادة بأولئك لكونه اسمًا, فهو أحمل للزيادة. وزادوا هاء السكت في: عه وشه وقه, إذا لم تصل الكلام. فإذا وصلت حذفتها فقلت: ع كلامًا, وش ثوبًا, وق زيدًا. لأن هاء السكت لا تكون غالبًا في الوصل, وإنما تكون في الوقف لبيان الحركة الموقوف عليها. وإذا وصل الكلام بعضه ببعض أغنى وصله عنها. ***

البدل

فصل وأما قولنا: «وأما البدل فمثل إبدال التنوين في حال النصب ألفًا مثل: رأيت زيدًا وبكرا, فرقًا بينه وبين النون الأصلية». وهذا هو الفصل الثامن من فصول الخط. وإنما أبدلوا من تنوين المنصوب ألفًا لخفته ولم يبدلوا من تنوين المرفوع ولا من تنوين المجرور لثقلهما. وقد حكي أن منهم من يبدل في الرفع والجر فيقول: زيدوا [في الرفع] , وزيدي في الجر. وليس على هذه اللغة كبير معول وهي بالقوافي أشبه منها بالكلام وبالقرآن العظيم. ومن البدل إبدال تاء التأنيث هاء في الأسماء نحو: قائمه وقاعده, فرقًا بينها وبين تاء التأنيث المتصلة بالأفعال من نحو: قامت وقعدت. وإنما خصت

الأسماء بحالتين مختلفتين في الوصل والوقف لتمكن الأسماء وقوتها وفضل مرتبتها. فالتأنيث فيها راجع إلى أمر يختص بها في نفسها, وليس التأنيث في الأفعال راجعًا إلى أمر يختص بها في نفسها, وإنما هو لتأنيث فاعلها من نحو: قامت هند, وقعدت جمل. والحروف كحلها غير مؤنثة غير ثلاثة أحرف حكى فيها التأنيث, وهي لا ولات, وثم وثمت, ورب وربت. لأن هذه الحروف [كلها] تأتي لمعان في غيرها, وتكون عاملة, فشبهت بالأفعال في ذلك, فكتبت بالتاء وصلًا ووقفًا كالأفعال المخالفة للأسماء. ومن البدل الشاذ كتبهم الصلوة والزكوة والحيوة بالواو ما دام مفردًا, فإذا كان مضافًا أو مثنى كتب بألف مثل: هذه صلاتك وزكاتك وحياتك, وحياتان وصلاتان وزكاتان. وإنما خصوا الواحد بذلك لأنه الأصل. وقد قيل إن القصد به الإبانة عن تفخيم مستعمل في هذه الأسماء. وعلى هذا جاء تفخيم «الصلوة» على قراءة ورش [رحمه الله] من غير طريق العراقيين, فجعلت الواو مؤذنة بالتفخيم. ومن البدل قولهم: يومئذ وحينئذ [وساعنئذ]. الياء بدل من الهمزة,

لأنه «يوم» ركب مع «إذا» تركيب الشيء الواحد. فكتبت متصلة بما قبلها, وذلك على مذهب من بني, لأن المبنيين كالشيء الواحد. فأما من أعرب فإنه يكتبها بهمزة منفصلة حملًا على الأصل, إذ لم يعرض ما يوجب الاتصال. [وبالله التوفيق وله الحمد أولًا وآخرًا, وهو حسبنا ونعم الوكيل. وصلواته على محمد وآله وصحبه وسلامه].

§1/1