شرح المعلقات التسع

أبو عمرو الشيباني

الأعشى

الأعشى هو أبو بصير واسمه ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. قال الأعشى: ودع هريرة إن الركب مرتحل ... وهل تطيق وداعا أيها الرجل

قال أبو عبيدة: هريرة قينة كانت لرجل من آل عمرو بن مرثد، أهداها إلى قيس بن حسان بن ثعلبة بن عمرو بن مرثد فولدت له خليدا وقد قال في قصيدته: صدت هريرة عنا ما تكلمنا ... جهلا بأم خليد، حبل من تصل؟ والركب لا يستعمل إلا للإبل، وقوله وهل تطيق وداعا، أي أنك تفزع إن ودعتها. غراء فرعاء مصقول عوارضها ... تمشي الهوينى كما يمشي الوجل الوحل [قال الأصمعي] الغراء: البيضاء الواسعة الجبين، وروي عنه أنه قال الغراء البيضاء النقية العرض، والفرعاء الطويلة الفرع: أي الشعر [والعوارض الرباعيات والأنياب] تمشى الهوينى: أي على رسلها، والوجى يشتكي حافره، ولم يخف، وهو مع ذلك وحل فهو أشد عليه. وغراء مرفوع لأنه خبر مبتدأ ويجوز نصبه بمعنى أعني، وعوارضها مرفوعة على أنها اسم ما لم يسم فاعله والهوينى في موضع نصب على المصدر وفيها زيادة على معنى مصدر. كأن مشيتها من بيت جارتها ... مر السحاب لا ريث ولا عجل المشية: الحالة، وقوله مر السحابة أي تهاديها كمر السحابة، وهذا مما يوصف به [النساء] .

تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت ... كما استعان بريح عشرق زجل الحلي واحد يؤدي عن جماعة، ويقال في جمعه حلي، والوسواس جرس الحلي، إذا انصرفت: يريد إذا خفت، فمرت الريح، تحرك الحلي، فشبه صوت الحلي بصوت خشخشة العشرق على الحصباء. ليست كمن يكره الجيران طلعتها ... ولا تراها لسر الجار تختتل تختتل وتختل واحد [بمعنى تسرق وتخدع] فهي لا تفعل هذا. يكاد يصرعها لولا تشددها ... إذا تقوم إلى جاراتها الكسل يقول لولا أنها تشدد إذا قامت لسقطت وإذا في موضع نصب والعامل فيها يصرعها. إذا تلاعب قرنا ساعة فترت ... وارتج منها ذنوب المتن والكفل

ذنوب المتن: العجيزة والمعاجز مقر الوشاح. [صفر الوشاح وملء الدرع] بهكنة ... إذا تأتي يكاد الخصر ينخزل صفر الوشاح: أي خميصة البطن، دقيقة الخصر، فوشاحها يقلق عليها لذلك هي تملأ الدرع لأنها ضخمة، والبهكنة الكبيرة الخلق، وتأتى تترفق من قولك هو يتأتى لك لأمر، وقيل تأتى: تهيأ للقيام، والأصل تتأتى فحذف إحدى التاءين، تنخزل: تنثني، وقيل تتقطع ويقال خزل عنه حقه إذا قطعه. نعم الضجيج غداة الدجن ... للذة المرء، لا جاف، ولا تقل الدجن: إلباس الغيم السماء. وقوله للذة المرء كناية عن الوطء ويروى تصرعه. لا جاف: أي لا غليظ والتفل: المنتن الرائحة وقيل هو الذي لا يتطيب. هركوكة، فنق، درم مرافقها ... كأن أخمصها بالشوك منتعل الهركوكة: الصخمة الوركين، الحسنة الخلق. وقال أبو زيد: الحسنة المشية، الحسنة الخلق والخلق، والفنق من النساء والإبل الفتية حسنة الخلق، وواحد الدرم: أدرم، والأنثى درماء: أي مرافقها درمة، ليس لمرفقها حجم، وجمع مرافق لأن التثنية جمع هنا، والأخمص باطن القدم، وقوله كأن أخمصها بالشوك منتعل معناه إنها متقاربة الخطو وقيل لأنها ضخمة فكأنها تطأ على شوك لثقل المشي عليها.

إذ تقوم يضوع المسك أصورة ... والزنبق الورد من أردانها شمل ويروى آونة: جمع أوان قال الأصمعي: أصورة: تارات. وقال أبو عبيدة أجود الزنبق ما كان يضرب إلى حمرة فلذلك ما كان يضرب إلى حمرة قال والزنبق الورد طيبها. أردان جمع ردن، وهي أطراف الأكمام، [وشمل] يشتمل يقال شمل فهو شامل. ما روضة من رياض الحزن معشبة ... خضراء جاد عليها مسبل هطل رياض الحزن أحسن من رياض الخفض: يضاحك الشمس منها كوكب شرق ... مؤزر بعميم النبت مكتهل أي يدور معها حيثما دارت، وكوكب كل شيء: معظمه، والمراد به هنا الزهو، مؤزر: مفعل من الإزار، والشرق: الربان الممتلئ ماء. والعميم: التام الحسن؛ واكتهل الرجل إذا انتهى شبابه نكهة وشذا. يوما بأطيب منها نشر رائحة ... ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل نشر منصوب على البيان، وإن كان مضافاً، لأن المضاف إلى نكرة نكرة ولا يجوز خفضه لأن نصبه وقع لفرق بين معنيين؛ لأنك إذا قلت هذا الرجل أفره عبدا في الناس وتقول هذا العبد أفره عبد في الناس فالمعنى أفره العبيد [والأصل جميع أصيل

والأصيل من العصر إلى العشاء] ، وخص هذا الوقت لأن الثبت يكون فيه أحسن ما يكون لتباعد الشمس، والفيء عنه. علقتها عرضا وعلقت رجلا ... غيري وعلق أخرى غيرها الرجل تقدر عرضا منصوب على البيان كقولك مات هزلا وقتلته عمدا. وعلقته فتاة، ما يحاولها ... ومن يشي عمها منيت بها وهل ويروي خبل، ما يحاولها: ما يريدها ولا يطلبها. هذا وروى ابن حبيب. وعلقته فتاة، ما يحاولها ... من أهلها ميت يهذي بها وهل وقال ما يحاولها هنا ما يقدر عليها ولا يصل إليها، ومعنى ومن بني عمها ميت: رجل ميت، والوهل الذاهب العقل كلما ذكر غيرها رجع إلى ذكرها لفتنته بها. وعلقتني أخرى ما تلائمني ... فاجتمع الحب حب، كله تبل أي أحبتني امرأة، ولم أحبها لأنها لا توافقني على أمري. وتبل أي وهل، وحب بدل مرفوع من الحب أو بمعنى كل حب تبل، ويجوز نصبه على الحال كأنك تقول جاء زيد رجلا صالحا. ويروى فاجتمع الحب حبي كله تبل.

فكلنا مغرم بهذي بصاحبه ... ناء ودان ومخبول ومختبل ويروى فكلنا هائم يهذي بصاحبه ورواة الأصمعي ومحبول ومحتبل بالحاء المهملة، وقال من رواه بالخاء فقد أخطأ، وإنما هو من الحبالة وهي الشرك الذي يصاد به. أي كلنا موثوق عند صاحبه، وقال أبو عبيدة "صدت خليدة محبول ومحتبل" بكسر الباء أي مصيد وصائد. صدت هريرة عنا ما تكلمنا ... جهلا بأم خليد حبل من تصل؟ ورواه أبو عبيدة صدت خليدة عنا ما تكلمنا قال هي هريرة، وهي أم خليد. وقوله حبل من تصل؟ استفهام وفيه معنى التعجب. أي حبل من تصل إذا لم تصلنا ونحن نوردها. أأن رأت رجلا أعشى أضر به ... ريب المنون ودهر مفند خبل؟ ويروي مفسد وروى النحاس مفسد تبل، الأعشى هو الذي لا يبصر بالليل، والأجهر هو الذي لا يبصر بالنهار. والمنون: المنية، سميت المنون لأنها تنقص الأشياء وقال الأصمعي: واحد لا جمع له مذكر.

وقال الأخفش: هو جمع لا واحد له. والمفند من الفناد وهو الفساد، ويقال فنده إذا سفهه ومنه [قوله تعالى] (لولا أن تفندون) وخبل من الخبال: وهو الفساد. وقوله: أأن في موضع نصب والمعنى أمن أن رأت رجلا ثم حذف من، ولك أن تحقق الهمزتين ولك أن تخفف الثانية. قال هريرة لما جئت زائرها ... ويلي عليك وويلي منك يا رجل زائرها منصوب على الحال، ويقدر فيه النصب على أنه نكرة إلا أن الرفع أجود. [لم تمش ميلا ولم تركب على جمل ... ولم تر الشمس إلا دونها الكلل] [تمشي الهوينى كأن الريح ترجعا ... مشي اليعافير في جيئانها الوهل] إما ترينا حفاة لا نعال لنا ... إنا كذلك ما نحفى وننتعل أي إن ترينا نتبذل مرة ونتنعم أخرى فكذلك سبيلنا. وقيل: المعنى: إن ترينا نستغني مرة ونفقر مرة أخرى. وقيل المعنى: إن ترينا نميل إلى النساء مرة، ونتركهن أخرى. وحذف الفاء لعلم السامع والتقدير فإنا كذلك نحفى فتكون ما زائدة للتوكيد.

فقد أخالس رب البيت غفلته ... وقد يحاذر مني ثم ما يئل ويروى: وقد أخالس، وقد أراقب، وقوله غفلته بدل من قوله رب البيت بدل الاشتمال ويئل: ينجو. وقد أقود الصبا يوما فيتبعني ... وقد يصاحبني ذو الشرة الغزل ويروى ذو الشارة الغزل، والشارة الهيئة الحسن. وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني ... شاو مشل شلول شلشل شول ويروى: شاو مشل نشول شلشل شمل. وروى أبو عبيدة شول على وزن فعل. والحانوت بين الخمار يذكر ويؤنث، والشاوي الذي يشوي والمشل بكسر الميم وفتح الشين المعجمة وهو الذي شل بيده، فهو يذهب به. وكذلك الشلول والشلشل مثل القلقل وهو المتحرك. وشول: وهو الذي يحمل الشيء يقال شلت به وأشلته، وقيل هو من قولهم فلان نشوان في حاجته: أي يعني بها ويتحرك فيها، وقد روى شول بمعناه إلا أنه للتكثير كقوله: قد لفه الليل يسواق حطم.

والنشول الذي ينشل اللحم برفق والشمل الطيب النعت والرائحة. في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كل من يحفى وينتعل ويروى: أن ليس يدفع عن ذي الحيلة الحيل. ويروى: الأجل، ويقال في جمع فتى: فتية وفتو وفتي وفتيان. يقول هم في صرامتهم كالسيوف وأن موضع نصب. نازعتهم قضب الريحان متكئا ... وقهوة مرة راووقها خضل نازعتهم حسن الأحاديث وطريفها، وقيل أي يحيي بعضهم بعضا. ويروى مرتفقا وهو بمعنى يتكئ. والمرة والمرار التي فيها مرارة والراووق، والناجور ما يخرج من نفس الدن والخضل الندي. لا يستفيقون منها الدهر راهنة ... إلا بهات وإن علوا وإن نهلوا

أي مشربهم دائم ليس لهم وقت معلوم لشربهم، والراهنة الدائمة. راهنة: ساكنة، وقيل: المعدة، وقيل راهبة وراهنة: وهي بمعنى واحد. وقوله إلا بهات أي بقولهم هات، أي إذا أبطأ عليهم الساقي قالوا هات. يسعى بها ذو زجاجات له نظف ... مقلص أسفل السربال معتمل النطف جمع نطفة وهي القرط، وقيل اللؤلؤ العظام، مقلص: مشمر - ويجوز نصب مقلص [على الحال من المضمر الذي في له والرفع أجود] . ومستجيب، تخال الصنج يسمعه ... إذا ترجع فيه القينة الفضل المستجيب: العود إي أنه يجيب الصنج وقال أبو عمرو يعني بالمستجيب العود شبه صوته بصوت الصنج، فكأن الصنج دعاه فأجابه. وقال النحاس وقيل المستجيب ها هنا يعنى أنه يجيب العود والمعنى رب مستجيب. والتقدير: تخاله الصنج ثم حذف الهاء، ويروى ومستجيب لصوت الصنج. وترجع تصوت من شدة إلى لين. والفضل التي في ثياب فضلتها وهي مباذلها والقينة عند العرب الأمة مغنية كانت أو غير مغنية. والساحبات ذيول المريط آونة ... والرافلات على أعجازها العجل ويروى ذويل الخز، آونة جمع أوان وهو الحين. والرافلات النساء اللواتي يرفلن ثيابهن أي يجررنها، وقوله على أعجازها العجل ذهب أبو عبيدة إلى أنه شبه أعجازهن لضخمها بالعجل، وهي جمع عجلة، وهي مزادة كالأداوة. وقال الأصمعي:

أراد أنه يخدمنه معهن فيهن الخمر والساحبات في موضع نصب على إضمار فعل لأن قبله فعلا لذلك اختير النصب فيه ويكون الرفع بمعنى وعندنا الساحبات. من كل ذلك يوم لقد لهوت به ... وفي التجارب طول اللهو، والغزل ويروى يوما على الظرف ويروى طول اللهو والشغل يقول لهوت في تجاربي وغازلت. وبلدة مثل ظهر الترس موحشة ... للجن بالليل في حافاتها زجل أي مستوية معتدلة. لا ينتمي لها بالقيظ يركبها ... إلا الذين لهم فيما أتوا مهل لا ينتمي لها: لا يسموا لركوبها، إلا الذين لهم فيما أتوا مهل وعدة يصف شدتها، والمهل: التقدم في الأمر والهداية قبل ركوبها. جاوزتها بطليح جسرة سرح ... في مرفقيها إذا استعرضتها فتل الطليح: المعيبة، والفعل طلح يطلح طلحا وطلحا، والقياس إسكان اللام وفتحها أكثر، والسرح: السهلة السير، والفتل تباعد مرفقيها من جنبيها.

بل هل ترى عارضا قد بت أرمقه ... كأنما البرق في حافاته شعل ويروى: أرقبه ويا من رأى عارضا، والعارض: السحابة تكون ناحية السماء وقيل السحاب المعترض. له ردافٌ، وجوزٌ مفأم عمل ... منطق بسجال الماء متصل رداف: سحاب قد ردفه خلفه، وجوز كل شيء: وسطه، والمفأم: العظيم الواسع، وعمل: دائم البرق، ومنطق: قد أحاط به فصار بمنزلة المنطقة وقوله متصل أي ليس فيه خلل. لم يلهني اللهو عنه حين أرقبه ... ولا اللذاذة من كأس ولا شغل ويروى ولا كسل ويروى ولا ثقل فقلت للشرب في درنى وقد ثملوا ... شيموا وكيف يشيم الشارب الثمل درنى: كانت بابا من أبواب فارس، وهي دون الحيرة بمراحل، وكان فيها أبو ثبيب الذي ذكره في معلقته، وقيل درني باليمامة، وشيموا انظروا إلى البرق، وقدروا أين صوبه، والثمل: السكران.

(برقا يضيء على أجزع مسقطه ... وبالخبية فيه عارض هطل) قالوا نمار فبطن جاءهما ... فالعسجدية فالأبلاء فالرجل ويروى فالأبواء، وهذه كلها مواضع والرجل مسايل الماء واحدتها رجلة. فالسفح يجري فخنزير فبرقته ... حتى تدافع منه الربو فالحبل ويروى فالسفح أسفل خنزير، والربو ما نشر من الأرض، والحبل جبل أو بلد. حتى تحمل منه الماء تكلفة ... روض القطا فكثيب الغينة السهل ويروى حتى تضمن عنه الماء، ويقول تحمل روض القطا ما لا يطيق إلا على مشقة لكثرته، الغينة الأرض الشجراء وتكلفة في موضع الحال. يسقي ديارا لها، قد أصبحت غرضا ... زورا تجانف عنها القود والرسل

الغرض: الأمطار، يروى عزباً أي عوازب، وزورا: ازورت عن الناس. القود: الخيل، والرسل القوط: وهو القطيع من الغنم يريد أنهم أعزاء لا يغزون قد تجانف عنها الخيل والإبل. أبلغ يزيد بني شيبان مألكة ... أبا ثبيب أما تنفك تأتكل؟ تأتكل: تأكل لحومنا، المألكة بالهمزة الرسالة والائتكال: الفساد والسعي بالشر، وقيل تأتكل: تحتك من الغيظ، وقيل تحتك فتتوهج من الغضب. ألست منتهيا عن نحت أثلتنا ... ولست ضائرها ما أطت الإبل أثلتنا: أصلنا وعزنا، كما تقول مجد مؤثل قديم له أصل والتأثل أصل المال قال. ولكنما أسعى لمجد مؤثل ... وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي كناطح صخرة يوما ليفلقها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل أي تكلف نفسك ما لا تطيق وما لا تصل إليه، ويرجع ضره عليك، والوعل بفتح الواو وكسر العين، ويجوز ضمها مع سكون العين، وهي الأيل بفتح الهمزة وكسرها، وضمها، وتشديد الباء. والأنثى أروية، والجمع أروى.

[لأعرفنك إن جد النفير بنا ... وشيب الحرب بالطواف واحتملوا] تغري بنا رهط ابن مسعود وإخوته ... عند اللقاء فتردي ثم تعتزل أي تغري بيننا وبينهم كأنه التصق بيننا العدواة من الغراء وتردي تهلك، يقال ردي إذا هلك وأرداه غيره برديه. لأعرفنك إن وجدت عداوتنا ... والتمس النصر منكم عوض تحتمل عوض اسم للدهر، ويروى بفتح الضاد مثل حيث وحيث. يقول لأعرفنك إن التمس النصر منك دهرك، واحتملوا أي اذهبوا، من الحمية والغيظ وتحتمل أي تذهب وتخلي وقومك. تلزم أرماح ذي الجدين سورتنا ... عند اللقاء فترديهم وتعتزل ويروى. تلحم أبناء ذي الجدين إن غضبوا ... أرماحنا ثم تلقاهم، فتعتزل تلحم: تجعلهم لحمة، أي تطعمهم إياهم وذو الجدين قيس بن مسعود بن خالد أسر أسيرا له فداء كثير فقال رجل: أنه لذو جد في الأسر، وقال آخر إنه لذو جدين فصار يعرف بهذا. والسورة: الغضب. ويروى شوكتنا وهو السلاح.

لا تقعدن وقد أكلتها حطبا ... تعوذ من شرها يوما وتبتهل أكلتها: أججتها، تبتهل تدعو إلى الله من شرها. سائل بني أسد عنا فقد عملوا ... أن سوف يأتيك من أبنائنا شكل شكل: أي أزواج: خبر ثم خبر وشكل اختلاف، وأن هذه التي تعمل في الأسماء خففت وسوف عوض، والمعنى أنه سوف يأتيك ولا يجوزها هذا إلا مع سوف والسين. ويروى من أيامنا شكل أي أيامنا المتقدمات وما فيها من حروب. واسأل قشيراً وعبد الله كلهم ... واسأل ربيعة عنا كيف نفتعل؟ إنا نقاتلهم حتى نقتلهم ... عند اللقاء وإن جاروا وإن جهلوا ويروى أن بفتح الهمزة على البدل من قوله، فقد علموا أنه سوف، والكسر أجود على الابتداء والقطع عما قبله، ويروى ثمت نقتلهم، فمن روى ثمت نقتلهم

أنث ثم جعل تأنيثها بمنزلة التأنيث الذي يلحق الأفعال بها في الوقف كما يفعل في الأسماء. قد كان في آل كهف إن هم احتربوا ... والجاشرية ما تسعى وتنتضل ويروى إن هم قعدوا، ولم يطلبوا بثأرهم، فقد كان فيهم من يسعى، وينتقم لهم والجاشرية امرأة من إياد. وقيل بنت كعب بن مامة يقول قد كان لهم من يسعى فما دخولك بينهم، ولست منهم؟ إني لعمر الذي حطت مناسمها ... تحذى وسبق إليها الباقر الغيل هذه رواية أبي عمرو، ويروى أبو عبيدة "مناسمها له وسيق إليها الباقر العثل" حطت اعتمدت في زمامها، قال حطت معناه أسرعت، وسيقت بمناسمها التراب، وتحذى تسير سيرا شديدا فيه اضطراب لشدته، والباقر: البقر، والغيل جمع غيل: وهو الكثير وقيل جمع غيول، والعثل الجماعة يقال عثل له مهرها إذا كثر. لئن قتلتم عميدا لم يكن صددا ... لنقتلن مثله منكم فنمتثل الصدد: المتقارب، فنمتثل أي نقتل الأمثل فالأمثل، وأماثل القوم خيارهم. لئن منيت بنا عن غب معركة ... لا تلفنا من دماء القوم ننتقل

ويروى وننتقل أي ننتقي، ومنيت: ابتليت، والانتقال: الجحود. أي لم ننتقل من قتل قومك ولم نجحد، ويروى وإن مننت. لا تنتهون ولا ينهى ذوي شطط ... كالطعن يهلك فيه الزيت والفتل ويروى أتنتهون؟ وهل تنتهون؟ الشطط: الجور والفعل منه أشط ويهلك فيه الزيت أي يذهب فيه لسعته. المعنى لا ينهى أصحاب الجور مثل طعن جائف يغيب فيه الزيت والفتل. حتى يظل عميد القوم مرتفقا ... يدفع بالراح عنه نسوة عجل العجل جمع عجول، وهي الثكلى، أي حتى يظل سيد الحي تدفع عنه النسوة بأكفهن لئلا يقتل لأن من يدفع عنه من الرجال قتل. وقيل تدفعن لئلا يوطأ بعد القتل. أصابه هندواني، فأقصده ... أو ذابل من رماح الخط معتدل قصده أي قتله مكانه. كلا زعمتم بأنا لا نقاتلكم ... إنا لأمثالكم يا قومنا قتل

قتل: جمع قتول. نحن الفوارس يوم الحنو ضاحية ... جنبي فطيمة لا ميل ولا غزال ضاحية أي علانية، قال أبو عمرو وابن حبيب فطيمة هي فاطمة بنت حبيب بن ثعلبة، والميل جمع أميل، وهو الذي لا يثبت في الحرب. والأصل فيه أن يكون على فعل مثل أبيض وبيض، والعزل يجوز أن يكون بني الاسم على فعيل ثم جمعه على فعل كما تقول: رغيف ورغف وحكى ابن السكيت: رجال عزلان كرغيف ورغفان، والأعزل هو الذي لا رمح له. وقال أبو عبيدة هو الذي لا سلاح له، وإن كان معه عصا لم يقل له أعزل، ويقال معزال على التكثير. قالوا الطراد فقلنا تلك عاداتنا ... أو تنزلون فإنا معشر نزل قالوا الركوب إن طاردتم بالرماح فتلك عادتنا، أو تنزلون لتجالدوا بالسيوف فإنا نجالدكم أيضا. قد تخضب العير من مكنون فائله ... وقد يشيط على أرماحنا البطل

العير: السيد والمكنون: الدم، الفائل عرق يجري من الجوف إلى الفخذ وقال أبو عمرو المكنون: خربة في الفخذ والفائل لحم الخربة، والخربة والخرابة دائرة في الفخذين ليس حواليه عظم، وإذا كان في الساق: قيل له النسا ويشيط يهلك، وقيل يرتفع وأصله في كل شيء الظهور.

طرفة بن العبد

طرفة بن العبد مما لاشك فيه أن هذه القصائد الطوال لا يمكن أن تتم دفعة واحدة، بل يزاد فيها، وينقح ويحذف منها، وينقص والمناسبة الهامة لهذه القصيدة هي وصف ظلم أقاربه له، وهذا يتجلى في قوله: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهند وقال طرفة بن العبد بن سفيان بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة ابن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. شهر بالبكري الوائلي من بني بكر بن وائل ويكنى أبو عمرو.

لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد [بروضة دعمي فأكناف حائل ... ظللت بها أبكي وأبكي إلى الغد] ويروى ظللت بها أبكي وأبكي إلى الغد ... غد ما غد ما أقرب اليوم من غد ويروى ظللت بكسر اللام، وظلت بكسر الظاء، ولام واحدة ساكنة، ويروى أظلت، ويروى وقفت. والبرقة أرض فيها طين ورمل وحجارة، ولا تكون برقة حتى ترتفع كالرابية، وتهمد بالمثلثة اسم موضع. وقوفا بها صحبي على مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجلد

وقوفا جمع واقف كجالس وجلوس، وهو نصب على الحال ومن روى تلوح، فالعامل فيه تلوح، تجلد أي كن جلدا. كأن حدوج المالكين غدوة ... خلايا سفين بالنواصف من دد الحدوج مراكب النساء واحدها حدج والمالكية امرأة. يقال حداج وحداجة وحدجة بسهم، والخلية السفينة العظيمة [وخلايا جمع خلية] . قال الأصمعي: الخلية من الإبل وهي العطوفة على ولدها، ولا تكون الخلية من السفن إلا ومعها قاربها، وهو زورق صغير تشبيها بالناقة، والنواصف هي الرحبة الواسعة تكون في الوادي، وجمعها رحاب، ورحبات ورحب والحدوج اسم كأن الخلايا خبرها، والباء في بالتواصف حالية ومن صلة النواصف ومعنى البيت حدوج المالكية غدوة بالنواصف من دد. مثل قوله: (فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون) ، والباء الثانية دخلت للجحد، والمعنى فذكر، فما أنت من هذه حالك، والغدوة موضعها نصب على الوقت وكان حقها أن تكون غير منونة لأنها لا تتصرف فأخطأ الشاعر لصرفها، وإنما صار حكمها لا تنصرف [والمالكية] نسبة إلى مالك بن سعد بن ضبيعة بن قيس. عدولية أو من سفين ابن يامن ... يجوز بها الملاح طورا ويهتدي

عدولية نعت سفين ينون منسوبة إلى جزيرة من جزائر البحر، يقال لها: عدولى وقال أبو عمرو الشيباني: منسوبة إلى قومه من هجر، أو سفين تاجر بالبحر منه، ويروى وطورا منصوب على أنه ظرف لأن معناه وقتا وحينا ومنه قوله تعالى (وخلقناكم أطوارا) أي في اختلاف المناظر. يشق حباب الماء حيزومها بها ... كما قسم الترب المفايل باليد حباب الماء ما ارتفع فوقه من طريقه، وحيزومها: صدرها، والمفايل: الملاعب بالفيال، والمفايلة لعبة لصبيان العرب، وهو تراب يكومونه أو رمل ثم يخبؤون فيها خبيئا، ثم يشق المفايل تلك الكومة، كما الكاف في موضع وما في موضع خفض بالكاف وما بعدها صلة له، والترب مفعول به. وفي الحي أحوى ينفض المرد شادن ... مظاهر سمطي لؤلؤ وزبرجد الأحوى الظبي له خطتان سوداوان في ظهره، ويقال خضراوان، والمرد ثمر الأراك وأرادها هنا سوادا مدامع عينيه، فشبه المرأة بالظبي والأحوى كناية عن [المرأة] ينفض المرد، أي يلعب لأنه قد شبع وطاب وأمن، والشادن الذي استغنى عن لبن أمه، يقال: شدن يشدن؛ إذا قوي واشتد، ويقال لأم الظبي مشدن. وقد شدن إذا قوي وتحرك، ويقال لأول حمل الأراك الكابه، ثم البريت، ثم المرد الطويل. وقوله: مظاهر سمطي لؤلؤ: لبس واحدا فوق واحد، ويجوز نصب مظاهر على الحال وهو من ينفض.

خذول تراعي ربربا بخميلة ... تناول أطراف البربر وترتدي الخذول: الظبية التي قد خذلت الظباء، وأقامت على ولدها. فإن قال قائل كيف قال: وفي الحي أحوى، ثم قال: خذول، والخذول نفس الأنثى قيل له: هذا إنما هو على سبيل التشبيه، كما تقول هي الشمس وهي القمر. وقوله: تراعي ربرباً أي ترعاه، وأراد في الحي امرأة تشبه الغزال في طول عنقها، وحسنها، وتشبه البقرة في الحسن مع الربرب. والربرب: القطيع من البقرة، والخميلة أرض ذات شجر، وقيل رملة ذات شجر والبرير: ثمير الأراك القصير، وترتدي إذا تناولت الثمر فقد وقفت الأغصان على منكبيها فذلك ارتداؤها. وتبسم عن ألمى، كأن منورا ... تخلل حر الرمل دعص له ندي أي عن ثغر ألمى فحذف واللمى سمرة تحمد في الشفة واللثة، النور: الأقحوان المزهر. أي إذا ابتسمت عن ثغر ألمى ثم أقام الصفة مقام الموصوف. تخلل أي توسط فيه لونا، وحر الرمل أحسنه فتنة، والدعص: الرمل يصيبه الندى، والندي نعت للدعص.

سقته إياه الشمس: إلا لثاته ... أسف ولم تكدم عليه بإثمد إياة الشمس ضوءها وشعاعها، والضمير في سقته للثمر، واللثاث مغارس الأسنان، ويقال إيا بغير هاء، وإياء بفتح الأولى والمد، وأسف: حثى عيه، لم يكدم أي لم ينهش عظما. ووجه كأن الشمس حلت رداءها ... عليه نقي اللون لم يتخدد أي ولها وجه، ويروى بعضهم ووجه بالجر عطفا على ألمى، أي وتبسم عن وجه، وحلت: ألقت، رداؤها: حسنها وبهجتها. نقي اللون: لم يخالطه قط اصفرار، والتخدد اضطراب الخد، واسترخاء اللحم، ومنه سمي الخد لاضطرابه عند الأكل. وإني لأمضي الهم عند احتضاره ... بعوجاء مرقال تروح وتغتدي يقال مضى الشيء يمضي مضيا ومضاء، وأمضيته أنا أمضيه إمضاء إذا أذهبته عنك، والمضاء: السرعة. يقول: إذا نزل بي الهم نفيته عني، وأمضيته بأن أرتحل على هذه الناقة العوجاء، وهي الضامرة التي قد لحق بطنها ظهرها، واعوج شخصها.

والمرقال: السريعة في سيرها خببا، ومرقال على التكثير كما تقول مذكار ومئناث. وقوله: بعوجاء ويقال للمذكر أعوج، وكان يجب أن يقال للأنثى أعوجة كما يؤنث بالهاء في غير هذا، إلا أن قولك أعوج وما أشبهه ضارع الفعل من وجهتين: إحداهما أنه صفة، والأخرى أن لفظه كلفظ الفعل فلو قلنا أعوجة وأحمرة لزالت إحدى الجهتين، فلهذا أتت بالهمزة فإن مخرجها مخرج لها وأزيلت الهمزة من ألوه؛ لأنهم لو تركوها على حالها لكان في وزن أحمرة، وأما زيادتهم الألف قبل الهمزة ففيه قولان: أحدهما أن هاء التأنيث يكون ما قبلها مفتوحا، والهمزة تختلف وما قبلها فجاءوا بالألف عوضا عن الفتحة، والقول الآخر: إنهم أرادوا أن يخالفوا بينها وبين الهاء فزادوا حرفين ولم يزيدوا واحدا فيكون بمنزلة الهاء. أمون كألواح الإران نسأتها ... على لاحب كأنه ظهر برجد الأمون: الناقة الموثقة الخلق التي يؤمن عياؤها وعثارها، والإران: التابوت كانوا يحملون فيه ساداتهم وكبراءهم دون غيرهم. ونسأتها: ضربتها بالمنسأة. ويروى نصأتها: قدمتها ونسأتها: أخرتها. واللاحب: الطريق منقاد. ويقال مر فلان يلحب إذا مر مرا سريعا. واللاحب: البين المؤثر فيه، فإن قيل كان يجب أن يقال ملحوب، قلنا يجوز أن يكون مثل [قوله تعالى] : (من ماء دافق) . ومعناه ماء مدفوق أي ذي دفق، ويجوز أن يكون لاحب على أنه كان يلحب أخفاف الإبل أي يؤثر فيها؛ والها [ء] في كأنه تعود على الطريق كأنه قال على طريق لاحب، وشبه الطرائق التي في الطريق بطرائق برجد وهو كساء من صوف أحمر. وقال الأصمعي: كساء مخطط فيه خطوط حمر وغيره.

تباري عتاقا ناجيات وأتبعت=وظيفا وظيفا فوق مور معبد تباري: تسارع، يقال يباريان في السير إذا فعل هذا شيئا وفعل هذا مثله والوظيف عظم الساق والذراع، أي أتبعت وظيف يدها وظيف رجلها ويستحب في الناقة أن تكون خرقاء اليد صناع الرجل، والمور الطريق يقال مار يمور مورا إذا دار. والمور بالضم التراب، والمعبد: المذلل يقال بعير معبد أي مكرم وهو من الأضداد. أرى المال عند الباخلين معبدا وموضع تباري في محل نصب على الحال من الهاء والألف أي مبارية عتاقا ويجوز أن يكون في موضع جر على الإتباع لأمون بما ليس في هذه الرواية. جمالية وجناء تردي كأنها ... سفتجة تبري لأزعر أربد السفتجة: النعامة. والأزعر: القليل الشعر، والأربد: الذي لونه لون الرماد. تربعت القفين بالشول ترتعي ... حدائق مولي الأسرة أغيد

القف: ما غلظ من الأرض وارتفع، ولم يبلغ أن يكون حبلا، وهو تشبيه والجمع قفاف: والشول من النوق التي قد ارتفع ألبانها، والمولي الذي أصابه الولي من المطر وهو يحسن منه النبت، الأسرة الواحدة سرارة، وهو أكرم الوادي لأنه يقال فلان في سرقوقه أي صميمهم، وقوله بالشول أي في الشول وهي جمع شائلة وكأنها التي قد شال ضرعها، وهي التي قد أتى عليها من وقت نتاجها سبعة أشهر، شال الميزان يشول إذا ارتفع وقيل جمع شائل من شال البعير بذنبه إذا رفعه. تريع إلى صوت المهيب وتتقي ... بذي خصل، روعات أكلف ملبد االمهيب الذي يصبح بها: هوب هوب، وتريع ترجع إلى صوت الراعي إذا دعاها، وحذف مفعول تتقي ومعناه وتتقي الفحل بذنب خصل لأن الناقة إذا كانت حاملا اتقت الفحل بحركة فيعلم الفحل أنها حامل فلم يقربها. الأكلف من صفات الفحل وهو الذي في لونه حمرة إلى السواد، والمبلد: الذي قد صار على وركه مثل اللبد من ثلطه، لأنه يضرب بذنبه من الهياج على ظهره، والروعات جمع روعة وهو الفزع ومن العرب من يقول روعات يفرق بين الاسم والصفة مثل جفنة وجفنات إلا أن الأحسن روعات بتسكين الواو لاستثقالهم الحركة فيها.

كأن جناحي مضرحي تكنفا ... حفافيه، شكا في العسيب بمسرد شبه هلب ذنبها بجناحي مضرحي وهو [العتيق من النسور يضرب إلى بياض] من كبره، وحفافاه: جانباه، وتكتفا أي صار عن جانبيه عن يمين الذنب، وشماله. شكا: غرزا وأدخلا فيهما، والعسيب: عظم الذنب، والمسرد: المخصف وهو الأشقى. فطورا به خلف الزميل، وتارة ... على حشف كالشن ذاو مجدد أي تارة ترفع ذنبها وتضرب به خلف الزميل، أي الرديف، ولا زميل، وإنما أراد موضع الزميل، ومرة يضرب به على ضرعها، وإنما سماه حشفاً متقبضاً لا لبن فيه، والشن القربة الخلقة، والذاوي الذابل الذي قد أخذ في اليبس، والمجدد: الذاهب وناقة جدود، وأتان جدود ذهب لبنها من غير بأس، وأصل الكلمة من قولهم، جددت الشيء إذا قطعته، فالجدود التي انقطع لبنها، والطور والتارة وقتان. لها فخذان أكمل النخض فيهما ... كأنهما بابا منيف ممرد النخض: اللحم، يقال: نخض العظم، إذا ما عليه من النخض، وروى الطوسي [لها فخذان عولي النخض فيهما] .

وعولي أي ظهر وكثر، منيف أي مشرف، ويقال: أناف الشيء ينيف إنافة، إذا علا وأشرف والإنافة العلو، والممرد قالوا هو المطول، فيكون على هذا من قولهم تمرد، إذا جاوز الحد في الشر، وقيل سمي الأمر أمرداً لأنه أملس الخدين أراد باب قصر منيف. وطي محال كالحني خلوفه ... وأجرنة لزت بدأي منضد الطي: طي البير أي لها محال مطوية، المحال فقار الظهر (فقار) الواحدة محالة والحني: القسي، (واحدتها حنية ويجمع على الحنايا ويروى بضم الحاء وكسرها كما يقال عصي، وعصي) . وخلوفه والخلوف أطراف الأضلاع الواحدة خلف، والجران باطن العنق منها والجمع [أجرنة] فيكون باطن الحلقوم، لزت: قرنت بعضها إلى بعض، فانضمت واشتدت، ودأي جمع دأية، وهي الفقار، وكل فقرة من فقار العنق والظهر دأية، يثول على ظهرها متراصف متدان بعضه من بعض، وذلك أشد لها، وأقوى من ألا تكون متدانيات. كأن كناسي ضالة يكنفانها ... وأطر قسي تحت صلب مؤيد الكناس أن تحفر الغيران في أصل الشجرة، كالسرب، يكنها من الحر والبرد، والجمع كناس وقد كنست تكنس، إذا استظلت في كنسها من الحر، وإنما [كان كناسا] لأنه يبتكره في الغداة في ظلها، وبالعشي في فنائها، والضال السدر البري الواحدة ضالة، يكتنفان هذه الناقة من جهة ما بين مرفقيها وزورها، وإنما أراد أن مرفقيها قد بانا عن إبطيها، فشبه الهواء الذي بينهما بكناسي ضالة، فليس لها حاز، ولا ناكت وكأن قسياً مأطورة تحت صلبها، يعني تحت ضلوعها.

لها مرفقان أفتلان كأنما ... تمر بسلمي دالج متشدد أفتلان واسعان منجرفان عن آباطهما، وتمر أي تقبل بضم التاء وكسر الميم، وفتح التاء وضم الميم، والسلم: الدلو العظيم. يقال: سلم وسجل كل مذكر عند الأصمعي، وزعم الفراء أنها مؤنثة، يقال: دلو لاوذة. ويقال: السلم له عروة واحدة نحو دلو السقائين. والدالج الذي يمشي بين الحوض والبئر ويقال: هما مفتولان، كأنهما سلمان بيدي دالج، فهو يجافيهما عن ثيابه والرواية الجيدة تمر بفتح التاء، والكسر كأنما تمر سلمي فزاد الباء أراد بها بأن مرفقيها تباعد زورها كما يتباعد عضد الدالج عن زوره. كقنطرة الرومي، أقسم ربها ... لتكتنفن حتى تشاد بقرمد القنطرة: الأرج، والقسم: الحلف، والرب المالك، لتكتنفن: ليحاطن بها. وتشاد بالشيد وترفع والشيد هو الجص والقرمد الآجر، الواحدة القرمدة فارسي معرب. وقصد بناء الروم لإحكامه. وقوله: لتكتنفن أقسم بالنون الخفيفة والوقف عليها بالألف عوضا عن التنوين، ولا عوض منها إذا كان قبلها ضمة أو كسرة؛ لأنهم شبهوها بالتنوين في الأسماء، لأنك تعوض منه في موضع النصب ولا تعوض في موضع الرفع والجر. أو لأن النون تحذف في الأفعال لالتقاء الساكنين والتنوين في الأسماء، فالاختيار فيه التحريك، لأن ما يدخل في الأسماء أقوى مما يدخل في الأفعال يقول بأن هذه الناقة كالأرج لانتفاخ جوفها.

صهابية العثنون، موجدة القرا ... بعيدة وخد الرجل موارة اليد موارة اليد: أي كتفاها يتبعان يديها، في سهولة يريد أنها خرقاء اليد. أمرت يداها، فتل شزر وأجنحت ... لها عضداها في شقيف مسند أمرت: فتلت، والشزر: الفتل الذي يقال له الدبير، ومنها يقال فلان ينظر إليك الدبير، وانتصب الفتل لأنه نعت لمصدر محذوف كأنه قال أمرت يداها إمرارا مثل فتل شزر، وأجنحت أي أميلت عن الزور إلى خارج كأن ظهرها صفائح صفحن لا يؤثر فيه شيء، والشقيف فضاء زورها وأصل الشقيف صفائح من حجارة، وقوله: مسند: أسند بعضها إلى بعض. جنوح، دقاق، عندل ثم أفرغت ... لها كتفاها في معال مصعد [دفاق أي سرعة، عندل ضخمة الرأس] أفرغت: وقيل أشرفت، عوليت. في معال: مع معال، مصعد: يعني صاعد.

كأن علوب النسع في دأياتها ... موارد من خلقاء في ظهر قردد لأن العلوب الآثار واحدها علب، والنسع: حبل مضفور من أدم، والدأيات: منتهى الأضلاع، قيل في الظهر، وقيل في الصدر، والموارد خطوط طرق المياه، والخلقاء الصخرة الملساء، والقردد الصلب من الأرض المستوي، وظهر القردد أعلاه. يقول: هذه العلوب في صدرها مثل الطرق في هذه الصخرة، وهذه النسوع لا تؤثر في هذه الناقة كما لا [تؤثر] الموارد في الصخرة الملساء، واستغنى بكثير الجمع عن قليله، وكان يجب أن يقال في أقل عدد، والجمع أنساع. تلاقى وأحيانا تبين كأنها ... بنائق غر في قميص مقدد تلاقي أحيانا، تجتمع وأحيانا تتفرق، يعني هذه الموارد يكون بعضها يلي بعضا، ويتصل بعضها ببعض، والبنائق جميع بنيقة كأنها دخاريص قميص، والغر: البيض، والمقدد: المشقق. وقال أحمد بن عبيدة: تلاقى يعني الحبال والآثار، إذا انفكت إلى العرا التقت رؤوسها، وإذا ارتفعت إلى الرحل تباينت، وخص الدخاريص لدقة رؤوسها، وسعة أسافلها، فأراد أن الآثار مما يلي الحلق دقيقة وما يلي ذلك من الرحل الواسع، لأن الحلق تجمع الحبال فيدق الأثر. وأتلع نهاض، إذا صعدت به ... كسكان بوصي بدجلة مضعد يعني بالأتلع عنقها، والأتلع المشرف، والأتلع الطويل العنق، ونهاض أي ينهض إليه، أي يرتفع إليه، ونهض الفرخ، وفارق عشه، وهي النواهض، وقيل النهاض أي ذو حركة، والأصل عنق أتلع فأقام الصفة مقام الموصوف،

ومعنى صعدت به، أشخصه في السماء. والسكان الذي تقوم به السفينة، والبوصي: السفينة فارسي معرب، ويروى: سكان نوتي، والنوتي الملاح. وقال مصعد لأنه يعالج الموج، أي [مسموح] مجرى الماء. وروى أبو عبيدة لسكان نوتي. وجمجمة مثل العلاة كأنما ... وعى الملتقى منها إلى حرف مبرد الجمجمة: الهامة، العلاة: سندان الحداد، شبه جمجمتها بها لصلابتها. وأصل الجمجمة: عظام الرأس. ووعى اجتمع، وانضم، ويقال وعى عظمه، إذا جبر وتماسك، ولا وعى عن ذلك أي لا تماسك. والملتقى: ملتقى كل قبيلتين من قبائل الرأس، وإنما أراد صلابتها، كأنه يلتئم كله كالتئام المبرد. يقول هذه الجمجمة كأنها قطعة واحدة في التئامها وخص المبرد للحزوز التي فيه فيقول فيها نتوء غير مرتفع. وخذ كقرطاس الشآمي ومشفر ... كسبت اليماني قده لم يجرد ويروى ووجه. شبه بياض خدها ببياض القرطاس قبل أن يكتب فيه. قيل: إنه عتيق لا شعر عليه، والشعر في الخد هجنة، والمراد أنه جعله كالقرطاس لنقائه، وقصر شعره. والمشفر من البعير، كالشفة من الإنسان، والسبت جلود البقر، إذا دبغت بالقرظ، فإن لم يدبغ بالقرظ فليس بالسبت. وإنما أراد مشافرها طوال كأنها نعال السبت، وذلك مما يمدح به وخص السبت به للينه، وقوله لم يجرد أي لم يعوج،

فهي إذن شابة فتية وذلك أن الهرمة، والهرم تميل مشافرها، وروي لم يحرد بالحاء، والقد مصدر قددته. وعينان كالماويتين استكنتا ... بكهفي حجاجي صخرة قلت مورد شبه عينيها بالماويتين لصفائهما، والماويتان: المرآتان، واستكنتا حلتا في كن، والكن غار في الجبل، وهو هنا غار العين الذي فيه مقلتاها؛ والحجاج العظم المشرف على العين، الذي ينبت عليه شعر الحاجب، والقلت: الثغرة في الجبل يستنقع فيها الماء مؤنثة، وجمعها قلات، وقوله قلت مورد بدل من صخرة، وإذا كانت كصخرة في ماء كان أصلب لها، والمراد أن صفاء عينيها كصفاء ماء القلت. وقوله مورد: أراد أن المطر يرده. طحوران عوار القذى، فتراهما ... كمكحولتي مذعورة أم فرقد طحوران: دفوعان، يقال دحره وطحره أي دفعه، وطحرت العين القذى: إذا ألقته عنها. والعوار والعاير ما أفسد العين من الرمد، فيقول: عينها صحيحة، لا قذى فيها، كأنها قد طحرته، وقوله كمكحولتي مذعورة يريد كعيني بقرة مذعورة لفقدها ولدها، وإذا كانت مذعورة مطفلا كان احد لنظرها. وصادقنا سمع التوجس للسرى ... لهجس خفي أو لصوت مندد

يعني أن أذنيها لا تكذبها، إذا سمعت النبأة، والتوجس: التسمع بحذر، والهجس الصوت الخفي. وقوله للسرى أي في السرى أو عند السرى، يقال سرى وأسرى إذا سار بالليل، وقيل للنهر سرى، سمي بهذا لأن النهر يسري فيه الماء، قال المبرد خص النهر بهذا الاسم من قولهم خير المال عين ساهرة لعين نائمة أي لا تنام وإن نمت عنها. ويروى لصوت مندد بالإضافة، والمندد الذي يرفع صوته والرواية الجيدة لصوت مندد والمندد: صفة الصوت. مؤللتان، تعرف العتق فيهما ... كسامعتي شاة بحومل مفرد المؤلل: المحدد كتحديد الآلة، وهي الحربة، والعتق، الكرم، ويريد به هنا الحسن والنقاء، ويريد بالشاة هنا الثور الوحشي، يقال مفرد بلا هاء، لأنه أراد الثور الوحشي وإذا كان مفردا كان أسمع لأنه ليس معه ما يشغله، وقيل العتق ألا يكون في داخلها وبر، يكون أجود وكذلك آذان الوحش. وأروع نباض أحذ ململم ... كمرادة صخر من صفيح مصمد وأروع نباض: يعني قلبها: وهو الحديد السريع الارتياع، ونباض: ينبض: أي يضرب من الفزع. والأحذ: الأملس الذي ليس له شيء متعلق به. وقال أبو عمرو هو الخفيف، وقال ابن الأعرابي الأحذ الذكي الخفيف، وململم: مجمع، وقولهم للشعر لمة من هذا، وألمم بنا: أي ادخل في جماعتنا. وبنو تميم يقولون لم بنا وقوله [عز وجل] (الذين يجتنبون كبير الإثم والفوحش إلا اللمم) في معظم الشيء، وليس في الكلام دليل على أنه أباح اللمم لأنه استثناء ليس من الأول وهو مثل قوله: (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) فليس فيه دليل على أنه أباح ما قد [سلف] وإنما المعنى ولكن ما قد سلف فإن الله يعفو

عنه وكذلك قوله تعالى (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) ولكن إن قتله خطأ فعليه أن يفعل ما أمر به. وقولهم: لم الله شعثك، ففيه قولان: أحدهما أن المعنى جمع الله متفرقك والثاني قول المبرد إن المعنى جمع الله ما يزيل الشعث عنك. والمرادة: صخرة يدق بها الصخور ملء الكف، والمرادة من صخر، والصفيح من الحجارة العريضة، والمصمد الصلب الذي فيه خور. وإن شئت سامى واسط الكور رأسها ... وعامت بضبعيها نجاء الخفيدد سامى: عالى، واسط الكوز: العود الذي بين موركة الرحل ومؤخره، والمؤخرة آخر الرحل، والموركة الموضع الذي يضع عليه الراكب رحله، وقيل الموركة مهاد يمهده الرجل لرحله إلى جانب الواسط أسفل منه. فإذا أعيا من الغرز نزع رجله منه، وجعلها على الموركة، وقيل الواسط كالقربوس للفرس، وعامت: سبحت، والضبع: العضد، والنجاء السرعة، والخفيدد الظليم وهو ذكر النعام. وإن شئت لم ترقل وإن شئت أرقلت ... مخافة ملوي من القد محصد الارقال: دون العدو وفوق السير، والملوي: السوط، والاحصاد الإحكام والتوثيق والمحصد المحكم، ومخافة منصوب لأنه مفعول من أجله، وإن شئت كان مصدرا. وأعلم مخروت من الأنف مارن ... عتيق متى ترجم به الأرض تردد

أراد بالأعلم مشفرها، والإبل كلها علم، والعلم شق في الشفة العليا، فإن كان في السفلى قيل له أفلح. والمخروت المشقوق، وخرت كل شيء: شقه ونقبه والمارن اللين، وقوله: متى ترجم به الأرض إذا أدنت رأسها من الأرض في سيرها فذلك رجمها إياها يقول إذا أوطأت رأسها إلى الأرض ازدادا سيرا. [إذا أقبلت قالوا تأخر رحلها ... وإن أدبرت قالوا تقدم فاشدد وتضحي الجبال الحمر خلفي كأنها ... من البعد حفت بالملاء المعضد وتشرب بالقعب الصغير، وإن تقذ ... بمشفرها يوما إلى الليل تنقد] على مثلها أمضي إذا قال صاحبي ... ألا ليتني أفديك منها وأفتدي أي على مثل هذه الناقة أسير وأمضي، إذا قال صاحبي من خوف الفلاة وقوله ألا ليتني أفديك معناه من الفلاة فجاء بمكينها ولم يجر لها ذكر لدلالة المعنى عليها كقوله [تعالى] (حتى توارت بالحجاب) وقوله أفديك منها: أي أعطيك فداءك وتنجو، أو أفتدي أنا منها. وقيل معناه ليتني أقدر أن أفديك منها وأفتدي نفسي. وعلى تتعلق بما مضى، وكذلك إذا.

وجاشت إليه النفس خوفا وخاله ... مصابا ولو أمسى على غير مرصد جاشت: ارتفعت إليه من الخوف، ولم تستقر، كما يجيش القدر، إذا ارتفع عليانه، وقوله إليه: أي صاحبه، وقوله وخاله أي خال نفسه. وإنما جاز أن يقال خاله مصابا، ولم يجز ضربه إذا أردت ضرب نفسه على مذهب سيبويه. أنهم استغنوا عن ضرب نفسه، بقولهم ضرب نفسه، والذي يذهب إليه أبو العباس أنه لم يجز ضربه لئلا يكون فاعلا مفعولا في حال وجاز خاله لأن الفاعل في المعنى مفعول لأنه إنما رأى شيئا فأظنه. وقوله: على غير مرصد: أي ولو أمسى لا يرصد، ولا يخاف من أحد لظن أنه هالك من العطش لهول المفازة أي فأنا أنجو منها على ناقتي. إذا القوم قالوا: من فتى؟ خلت أنني ... عنيت فلم أكسل ولم أتبلد يقول: إذا قالوا من فتى لهذه المفازة؟ خلت أنهم يعنونني، ويقولون ليس لها غيره، فلم أكسل عن أن أقول: أنا لها ولم أتبلد عن سلوكها. يقال رجل بليد، ومتبلد؛ إذا أثر فيه الجهل كي يذهب به عن فطن الناس واحتيالهم، وكذا يقال في الدواب، وأصل البلادة والتبلد من التأثير، يقال في جلده بلد إذا كان فيه أثر، وكذلك في غير الجلد، ويقال لكركرة البعير بلدة لأنها تؤثر في الأرض، أو تؤثر فيها الأرض قال الشاعر. أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة ... قليل بها الأصوات إلا بغامها

وبهذا سميت البلدة بلدة لأنه موضع مواطن وتأثيرهم، وعنيت من قولهم عني ويعني عنيا بمعنى أراد، وليس يعنيني بهذا أي لا يريده، والمعنى هو المراد والجمع المعاني. ويروى فلم أكل ولم أتبلد أي فلم أكل إلى إجابتهم أقول: أنا لها، ولم أتبلد أي لم أكن بليدا في مثلها لأني خبير بها. أحلت عليها بالقطيع فأجذمت ... وقد خب آل الأمعز المتوقد أحلت: أي رفعت والقطيع: السوط أي أقبلت عليها بالسوط، يقال: أحلت عليه ضربا إذا أقبلت عليه تضربه ضربا في أثر ضرب أو على ضرب ومنه قولهم يحيلون السجال على السجال أي يصبون دلوا على أثر دلو، وأجذمت أسرعت، وخب الآل جرى، واضطراب السراب، والآل يكون بالغداة، والعشي، والأمعز، والمعزاء، الموضع الغليظ الكثير الحصى، والمتوقد: المكان الذي يتوقد بالحر، والواو في قولهم وقد خب الواو واو الحال. فذالت كما ذالت وليدة مجلس ... تري ربها أذيال سحل ممدد ذالت: ماست، وتبخرت في مشيها. يقول: تتبختر هذه الناقة في مشيتها كما تتبختر وليدة أي أمة عرضت على أهل مجلس، فأرخت ثوبها، واهتزت بأعطافها، وخص وليدة المجلس يريد أنها ليست بممتهنة، وإذا شئت جرت في الأرض أذيالها، والسحل بالسين والحاء المهملتين: الثوب الأبيض والممدد الذي ينجر في الأرض، ومعنى البيت: إني أبلغ على هذه الناقة حاجتي بأقل تعب.

ولست بحلال التلاع مخافة ... ولكن متى يسترفد القوم أرفد الحلال: مبالغة من الحلول، والتلعة ما ارتفع من الأرض، وانخفض عن الجبال أو قرب من الأرض، والجمع التلاع: وهي مجاري المياه من رؤوس الجبال إلى الأودية. المعنى: لست أستتر في التلاع لأني لا أنزلها مخافة أن تواريني عن الناس حتى لا يراني ابن السبيل والضيف، ولكن أنزل الفضاء، وأرفد من السهل من استرفدني، وأعين من استعانني، ومخافة منصوب على أنه مفعول له أو على المصدر. وإن تبعني في حلقة القوم تلقني ... وإن تقتنصني في الحوانيت تضطد يقول: إن تطلبني في مواضع تجمع فيها الناس للمشورة وإجالة الرأي تلقني لما عندي من الرأي لا أتخلف عنهم وإن تطلب صيدي في حوانيت الخمارين تجدني أشرب وأسقي من يحضرني، والحانوت يذكر ويؤنث. والحوانيت [بيوت] الخمارين، والحوانيت أيضا الخمارون، ويروى تلتمسني. متى تأتني أصبحك كأسا روية ... وإن كنت عنها غانيا فاغن وازدد ويروى وإن تأتني، ويروى وإن كنت ذا غنى فاستغن وازدد والصبوح شرب

الغداة، والكأس مؤنثة، والمعنى متى تأتني تجدني قد أخذت خمرا كثيرا مروية لمن يحضرني، ومعنى فاغن وازدد: فاغن بما عندك وازدد. وإن يلتق الحي الجميع تلاقني ... إلى ذروة البيت الرفيع المصمد يقول إذا التقى الحي الجميع الذين كانوا متفرقين للمفاخرة وذكر المعالي تجدني في الشرف، وإلى ذروة أي مع ذروة، وذروة كل شيء أعلاه، والمصمد الذي يصمد إليه في الحوائج والأمور أي يقصد. نداماي بيض كالنجوم وقينة ... تروح علينا بين برد ومجسد نداماي بيض الوجوه ويروى ألفنا الندامي [كالنجوم] الأصحاب الذين يتواصلون على الشرب يقال فلان نديم فلان، إذا شاربه، وفلان نديمه فلان، ويقال ذلك إذا صاحبه، وحدثه، وإن لم يكونا على شراب وإنما سمي النديم نديما لندامة جذيمة حينما قتل جذيمة مالكا وعقيلا للذين أتياه بعمرو ابن أخته، فسألاه أن يكونا في سمره، فوجد عليهما فقتلهما. ثم ندم فسمى كل شارب نديما، ويقال من الندم ندمان وندمى، وقيل الأصل فيهما واحد لأنه إنما قيل للمتواصلين ندامى؛ لأنهم يجتمعون على ما يندم عليه من إتلاف المال، وقوله كالنجوم أي هم أعلام، والقينة: الأمة مغنية كانت غير مغنية، وإنما قيل لها: قينة لأنها تعمل بيدها مع غنائها والعرب تقول لكل من يصنع بيده شيئا قين. وقال أبو عبيدة القينات: الإماء المديدات وقال الأصمعي: كل عامل بحديدة قين والفعل منه قان يقين قينا فهو قاين، والمفعول مقين. والمجسد المصبوغ بالزعفران خاصة؛ لأنه يقال للزعفران جساد، والمجسد الثوب المصبوغ الذي قد يبس عليه الصباغ، ويقال جسد الدم إذا يبس عليه، ومعنى قوله بين برد مجسد أي عليها مجسد وقيل: معناه مرة تأتي وعليها المجسد، والمجسد أيضا الذي يلي الجسد من الثياب، وقيل في الذي يلي الجسد مجسدا بكسر الميم.

إذا رجعت في صوتها خلت صوتها ... تجاوب اظآر على ربع ردي رحيب قطاب الجيب منها رفيقة ... بجسى الندامى بضة المتجرد ويروى رحيب قطاب الجيب، وقطاب الجيب: مجتمع الجيب، قطب أي جمع وقطب ما بين عينيه: أي جمع وجاء الناس قاطبة أي جميعا، وجس الندامى: الجس والمس واحد، وجس الندامى: أن يجسوا بأيديهم يلمسونها كما قال الأعشى [ورادعة بالمسك صفراء عندنا] ... لجس الندامى في يد الدرع مفتق وذلك أن القينة تفتق كمها إلى الرفغ فإذا أراد الرجل أن يلمس منها شيئا أدخل يده فلمس، ويد الدرع كمه. وقال بعضهم: "تجس الندامى" مما يطلب الندامى اقترابها وعناقها، والجس بمعنى الطلب وقطاب يرتقع برحيب، ومعنى قوله: رحيب قطاب الجيب أن عنقها واسع فتحتاج إلى أن يكون جيبها واسعا، والبضة البيضاء الرخصة والمتجرد جسدها المتجرد من الثياب. إذا نحن قلنا أسمعينا انبرت لنا ... على رسلها مطروفة لم تشدد ويروى مطروقة: بالقاف، اسمعينا: غنينا، وانبرت: اعترضت. وعلى رسلها أي على هيئتها، أي ترنمت برفق، وقيل انبرت: قصدت إلى ما أردناه منها، ومطروفة بالفاء، ومعناه ساكنة الطرف فاترته، كأنها طرفت عن كل شيء تنظر إليه. وقيل التي عينها إلى الرجال. ومن رواه مطروقة بالقاف فمعناه مسترخية أي غضيضة الطرف. وقيل: مسترخية لينة، ومنه سميت المطرقة: مطرقة، لأنها تلين ما يليها. ومنه قيل طراق لأنه يلين، ومنه ماء طرق: إذا خيض ومنه سمي الطراق لأن الناس

فيهم من يفعل ذلك، وانبرت جواب إذا وهو العامل فيه، ومطروفة منصوب على الحال. وما زال تشرابي الخمور، ولذتي ... وبيعي، وإنفاقي طريفي ومتلدي تشراب: تفعال من الشرب إلا أن تشرابا يكون للكثير، والشرب يقع للقليل والكثير. وليس في كلام العرب اسم على تفعال بكسر التاء إلا أربعة أسماء، والخامس مختلف فيه، يقال تبيان، ويقال للقلادة تفصار. وتعشار، وتبراك موضعان والخامس المختلف فيه تمساح وتمسح، وتمساح أكثر وأفصح، والطارف والطريف ما استحدثه الرجل، واكتسبه والمتلد والتالد والتليد، والتلاد ما ورثه عن آبائه ومعناه المتولد والتاء بدل من الواو. إلى أن تحامتني العشيرة كلها ... وأفردت إفراد البعير المعبد تحامتني: تركتني، واتقتني، العشيرة: أهل بيته، ويدخل فيهم غيرهم ممن خالطهم، وأفردت إفرادا مثل إفراد البعير، والمعبد: الأجرب وقيل هو المهنوء الذي سقط وبره، فأفرد عن الإبل. أي تركت ولذاتي لما رأت أني لا أكف عن إتلاف المال والاشتغال باللذات. رأيت بني غبراء لا ينكرونني ... ولا أهل هذاك الطراف الممدد

الغبراء: الأرض، وبنو غبراء: الفقراء، وتدخل فيهم الأضياف، والمعنى أنهم يجيئون من حيث لا يحتسبون، وأهل مرفوع معطوف على الضمير الذي في ينكرونني وقال الله تعالى (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا) ، والطراف قبة من أدم يتخذها المياسير، والأغنياء، والممدد الذي قد مد بالأطناب، والطراف لفظه لفظ الواحد، ومعناه معنى الجمع. ومعنى البيت أنه يخبر أن الفقراء يعرفونه لأنه يعطيهم، والأغنياء يعرفونه لجلالته. ألا أيهذا اللائمي أحضر الوغى ... وأن شهدت اللذات هل أنت مخلدي ويروى: ألا أيها اللاحي أن أحضر الوغى، واللاحي: اللايم، لحاه يلحوه ويلحاه إذا لامه. ويروى ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى على إضمار أن، وهذا عند البصريين خطأ لأنه أضمر ما لا يتصرف، وأعمله فكأنه قد أضمر بعض الاسم، والزاجر الناهي. ومن رواه بالرفع فهو على تقديرين أحدهما أن يكون تقديره: أن أحضر فلما حذف أن رفع. ومثله على مذهب سيبويه قوله [تعالى] (أفغير الله تأمروني أعبد) المعنى عنده أن أعبد. والقول [الآخر] في رفع أحضر وهو قول أبي العباس أن يكون في موضع الحال، ويكون وأن أشهد معطوف على المعنى لأنه لما قال أحضر: دل على الحضور كما تقول من كذب كان شرا له، أي كان الكذب شرا له، وقوله أحضر مفرد دل على الصحيح. وقوله هل أنت مخلدي؟ أي هل أنت مبقيني؟

ومعنى البيت ألا أيهذا اللائمي في حضور الحرب لئلا أقتل وفي إنفاق مالي لئلا افتقر، ما أنت مخلدي إن قبلت منك، فدعني أنفق مالي ولا أخلفه. فإن كنت لا تسطيع دفع منيتي ... فدعني أبادرها بما ملكت يدي أي فدعني ولذتي من قبل أن يأتيني الموت، وقيل معناه أبادر المنية بإنفاق ما ملكت يدي في لذاتي، وتسطيع بمعنى تستطيع فأسقط التاء. فلولا ثلاث هن من عيشة الفتى ... وحقك لم أحفل متى قام عودي وحقك قبل معناه: ونفسك، وقيل وأبيك، ولم أحفل: أي لم أبال، وعود جمع عائد من يحضره عند مرضه وموته ويبكي عليه أي لم أبال متى بنت. فمنهن سبق العاذلات بشربة ... كميت متى ما تعل بالماء تزبد ويروى سبقي، والكميت الخمر التي تضرب إلى السواد، تعل تمزج به. بريد أنهاعتيقة. وكري إذا نادى المضاف محنبا ... كسيد الغضا نبهته المتورد كري: عطفي، والمضاف الذي قد أضافته الهموم، والمحنب: الغر الناتئ العظام، وإن شئت قلت فرس أقنى العظام، والسيد الذئب والغضا: شجر ذبابه أخبث الذباب، ونبهته: هيجته، والمتورد: الذي يطنب الورد، ومحنبا منصوب بكري والمعنى كري فرسا محنبا والكاف من قوله كسيد الغضا في موضع نصب لأنها من نعت المحنب.

وتقصير يوم الدجن والدجن معجب ... ببهكنة تحت الطراف المعمد الدجن: الندى أو المطر الخفيف، وقيل هو إلباس الغيم السماء، وإن لم يكن مطرا يقول أقصره باللهو، ويوم اللهو وليلته قصيران. وقوله، والدجن معجب: أي يعجب من رآه، والبهكنة التامة الخلق، ويروى هيكلة والهيكلة العظمية الألواح والعجيزتين، والفخذين، ويروى تحت الخباء، وهو بيت من شعر أو أدم، والمعمد الذي له أعمدة. كأن البرين والدماليج علقت ... على عشر أو خروع لم يخضد البرين: الخلاخيل واحدتها برة، والعشر شجر أملس مستو ضعيف العود. شبه عظامها وذراعيها به لملاسته، واستوائه وكل ناعم خروع. لم يخضد: لم يثن يقال خضدت العود أخضده خضدا؛ إذا أثنيته لتكسره وفي برين لغات من العرب من يجعل إعرابه في النون، ومنهم من يجعله بمنزلة مسلمين والدماليج جمع دملج، وكان يجب أن يقول دمالج، فيجوز أن يكون جمعا على غير واحد، ويجوز أن يكون أشبع الكسرة فتولد منها ياء، ويجوز أن يكون بناؤه على دملوج وهو الوجه. فذرني أروي هامتي في حياتها ... مخافة شرب في الحياة مصرد

الشرب بكسر الشين وبالضم اسمان للمشروب، والشرب بالفتح مصدر، وقد تكون الثلاثة مصدرا، والمصرد: المقلل والمنغص. كريم يروي نفسه في حياته ... ستعلم إن متنا غدا أينا الصدي؟ ويروى إذا متنا صدى أي عطشا، والصدي العطشان، ويروى صدى بفتح الصاد ويروى صدا، والمراد بالصدي في هذه الرواية، ما كانت العرب تزعمه في الجاهلية: إن الرجل إذا قتل، ولم يدرك بثأره، خرج من رأسه طائر يشبه البوم، فيصيح اسقوني، فإذا أخذ بثأره سكن، والصدى في هذا قالوا بدن الميت، والصوت الذي يسمعه من ناحية الجبل ونحوه. وذكر البوم، ويقال له هو صدي مال أي الذي يقوم به، وقوله يروي نفسه أي من الخمر ثم حذف ليعلم المخاطب، ومن روى صدى بالإضافة أراد الصدى أينا العطشان والصدى أيضا حشوة الرأس، وكانوا في الجاهلية يقولون إذا مات الميت خرجت من قبره هامة تزقو عليه، وكانوا يسمون الصوت الصدى، فأبطل ذلك الإسلام، فقال عليه السلام: لا عدوى ولا هامة ولا صفر. أرى قبر نحام بخيل بماله ... كقبر غوي في البطالة مفسد النحام: الزحار عند السؤال؛ البخيل. يقول هذا الشحيح بماله، عند أداء الحق

وعند السؤال، وعند لذاته، وهذا المبذر لماله في قضاء حقوقه، وحقوق أصحابه، واستمتاعه بلذاته، وفضله على من ينفق عليه يصيران إلى الموت، فلا ينتفع الشحيح بماله ولا يضر هذا ما أنفقه في أوطاره، والغوي الجاهل والغوي الذي يتبع هواه، ولذاته. ترى حثومتين من تراب عليهما ... صفائح صم من صفيح منضد والجثوة التراب المجموع، يقال للرجل: إنما هو جثوة اليوم أو غد، ويقال لكل مجتمع جثوة، والجمع جثي. وفي الحديث (من دعاء دعاء الجاهلية فإنه من جثى جهنم) أي من جماعات جهنم. ويروى من جثي وهو جامع جاث، والصفائح صخور عريضة رقاق، الصم: المصمتة والمنضد الذي نضد بعضه على بعض. أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي ... عقيلة مال الفاحش المتشدد يعتام: يختار، يقال اعتامه، واعتماه إذا اختاره كل من خيرته، وأنفسه عند أهله. ويروى يغتام الكرام، يقال أخذت غيمة ماله أي خياره. ويصطفي: يختار صفوته، والفاحش القبيح السيئ الخلق، والمتشدد: البخيل وكذلك الشديد قال الله تعالى (وإنه لحب الخير الشديد) قال أبو العباس إنه من أجل حب المال لبخيل.

[أرى الموت أعداد النفوس، ولا أرى ... بعيدا غدا ما أقرب اليوم من غد؟] أرى الدهر كنزا ناقصا كل ليلة ... وما تنقص الأيام والدهر ينفد أراد أهل الدهر، ويروى أرى العيش، وأرى العمر. والكنز ما حفظ وقوله، وما تنقص الأيام أي ما تنقصه الأيام ينفد. لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى ... لكالطول المرخى وثنياه باليد العمر والعمر والعمر، ولا يستعمل في القسم إلا بفتح العين والطول الحبل، وثنياه ما ثني منه، ويقال طرفاه؛ لأنهما يثنيان. أي إن عمره بمنزلة حبل ربطت به دابة يطول لها في الكلأ حتى ترعاه، فيقول الإنسان: قد مد له في أجله، وهو آتية لا محالة. وهو في يدي من يملك قبض روحه كما أن صاحب الفرس الذي قد طول له إذا شاء جذبه. وموضع ما نصب في تقدير المصدر. متى ما يشأ يوما يقده لحتفه ... ومن يك في حبل المنية ينقد

فما لي أراني وابن عمي مالكا ... متى أدن منه ينأ عني ويبعد إي إذا أردت وده ودنوه تباعد عني، والنأي والبعد معناهما واحد وإنما جاء بهما لأن اللفظتين مختلفتان، وإنما المعنى يبعد بعد ذلك البعد بعدا آخر. يلوم وما أدري علام يلومني ... كما لامني في الحي قرط بن أعبد قرط رجل لامه على ما يجب أن يلام عليه ويردى ابن معبد. وآيسني من كل خير طلبته ... كأنا وضعناه إلى رمس ملحد ويروى وأيأسني ... على رمس ملحد. أي جعلني ذا يأس من كل خير فهو بمنزلة الموتى، إذ كان لا يرجى منهم خير، والرمس: القبر، الملحد: اللحد. على غير ذنب قلته غير أنني ... نشدت فلم أعقل حمولة معبد معبد أخو طرفة؛ قال ابن الأعرابي كان لطرفة ولأخيه إبل يرعيانها يوما ويوما، فلما أغبها طرفة، قال له أخوه معبد: لم لا تسرح في إبلك كأنك ترى أنها إن أخذت يردها شعرك هذا؟ قال فإني لا أخرج فيها أبدا حتى تعلم أن شعري سيردها إن

أخذت. فتركها، فأخذها عامر بن مضر فادعى جوار عمرو وقابوس، ورجل من اليمن يقال له بشر بن قيس فقال في ذلك طرفة: أعمرو بن هند ما ترى رأي صرمة؟ وقال غيره: هذه إبل ضاعت لمعبد، فسأل طرفة ابن عمه مالكا أن يعينه في طلبها. وقوله: فلم أعقل، أراد نشدت حمولة معبد فلم أعقل، وأعمل الفعل الثاني، ولو أعمل الأول لقال فلم أعقلها. ويروى فلم أغفل حمولة معبد أي فلم أغفل عن ذلك. يقول: لامني على غير ذنب كل مني إليه إلا أنني طلبت حمولة معبد وغير منصوبة على الاستثناء؛ وهو استثناء ليس من الأول، وعلى متعلقه بلامني ويحتمل أن تكون متعلقة بأيأسني. وقربت بالقربى وجدك أنني ... متى يك أمر للنكيثة أشهد أي أدللت على مالك بالقرابة والنكيثة بلوغ الجهد، ويقال النكيثة شدة النفس، بتعت نكثة البعير: إذا أجهدته في السير، فلم يبق من سيره شيء، وقوله: وجدك أي وحظك يخاطب مالكا ويقول: أذللت بما بيني وبينك من القرابة. وحلف أنه متى يك أمر للنكيثة يشهد ذلك الأمر، ويعينه على حضوره، ويروى وجدك إنه والهاء للأمر والشأن. وإن أدع في الجلى أكن من حماتها ... وإن يأتك الأعداء بالجهد أجهد ويروى للجلى والجلاء: الأمر العظيم الجليل، وقال يعقوب الجلى فعلى من

الأجل كما تقول العظمى، والأعظم، وقال غيره الجلى بضم الجيم مقصورة، فإذا فتحت جيمها مددت، فقلت الجلاء. وقال أبو جعفر النحاس: الجلى الأمر الجليل، وأنثه على معنى القصة والحال، ويقال جليل وجلال كما يقول طويل وطوال، وقولهم جلل للعظيم على بابه، وجلل للصغير على بابه من الجلى، وهو الشيء الذي لا يعبأ به، ويجوز أن يكون جلل لما جاوز في العظم والصغر، وقالوا في قوله تعالى (إن الله لا يستحى أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقهما) في الصغر. وإن يقذفوا بالقذع عرضك أسقهم ... بكأس حياض الموت قبل التهدد ويروى "بشرب حياض الموت قبل التنجد" القذع اللفظ القبيح، والشتم الفاحش، والعرض النفس، أي أن شتمك الأعداء عاقبتهم قبل أن أتهددهم والتنجد: الاجتهاد. بلا حدث أحدثته وكمحدث ... هجائي وقذفي بالشكاة ومطردي الباء في بلا حدث يجوز أن تكون متعلقة بينأ عني، ويجوز أن تكون متعلقة بقوله يلوم، وبقوله وأيأسني من كل خير، والكاف في كمحدث في موضع رفع المعنى هو كمحدث وهجائي أي هو معتمد علي ويجوز أن يكون المعنى وأنا كمحدث هجائي أي قد صيرتني بمنزلة من قد فعل هذا به ومنه روي مطرد بضم الميم، فهو من أطرده إذا جعله طريدا ومن فتح الميم، فهو من طرده إذا أنجاه.

ومن روى كمحدث بفتح الدال فمن كسرها أراد الرجل الذي هجاني كرجل أحدث حدثا عظيما، ومن فتحها أراد هجائي كأمر محدث عظيم. قال الأصمعي: يقال هجا غرثه، وأهجى غرثه إذا كسره والهجاء الذم، وفلانة تهجو زوجها أي تذم صحبته، وقال في قوله كمحدث بفتح الدال أي كأحداث شكايته. فلو كان مولاي امرءاً هو غيره ... لفرج كربي أو لأنظرني غدي ويروى، فلو كان مولاي ابن اصرم مسهر ومولاي في موضع نصب خبر كان في هذه الرواية، وفي الرواية الأولى في موضع رفع اسم كان ويجوز أن يروى فلو كان مولاي امرؤ على أن يكون امرؤ اسم كان ومولاي الخبر ويكون قوله: كأن سبيئة من بيت رأس ... يكون مزاجها عسل وماء إلا أنه في بيت طرفة أحسن، لأنه وصله بقوله: هو غيره، فقارب المعرفة وقوله لفرج كربي أي أعانني على ما نزل بي من الهم أو لأنظرني إلى غدي تأنى علي فلم يعجلني. ولكن مولاي امرؤ هو خانقي ... على الشكر والتسآل أو أنا مفتدي معناه: يسألني أن أشكر أو أفندي منه. وقال الأصمعي: أو أنا مفتد منه، ويروى أو أنا معتدي أي معتد عليه.

وظلم ذوي القربي أشد مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهند قيل أن هذا البيت لعدي بن زيد العبادي وليس من هذه القصيدة وقوله أشد مضاضة أي أشد حرقة من قولهم مض وأمض. فذرني وخلقي، إنني لك شاكر ... ولو حل نائيا عند ضرغد ضرغد اسم جبل وهو حرة بأرض غطفان. فلو شاء ربي كنت قيس بن خالد ... ولو شاء ربي كنت عمرو بن مرثد قال أبو عبيدة قيس بن خالد من بني شيبان، وعمرو بن مرثد ابن عم طرفة. فلما بلغ الخبر عمرو بن مرثد، وجه إلى طرفة فقال له: أما الولد فإن الله يعطيكم وأما المال، فسنجعلك به أسوتنا، فدعا ولده، وكانوا سبعة، فأمر كل واحد، فدفع إلى طرفة عشرا من الإبل، ثم أمر ثلاثة من بني بنيه، فدفع كل منهم إلى طرفة عشرا من الإبل. فألفيت ذا مال كثير وعادني ... بنون كرام سادة لمسود ويروى لموسد، ويروى فأصبحت ذا مال، يقال عادني واعتادني، وزارني وازدراني.

وقوله: سادة لمسودة أي سادة سيد كما يقال شريف لشريف أي شريف ابن شريف. أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه ... خشاش كرأس الحبة المتوقد الضرب: الرجل الخفيف اللحم، يقول أنا الضرب الذي عرفتموه، والعرب تمدح بخفة اللحم لأن كثرته داعية للكسل، والفشل والثقل، ويمنع من الإسراع في دفع الملمات، وكشف المهمات، ويروى الجعد أي المجتمع الشديد والخشاش الرجل الذي يخش في الأمور ذكاء ومضاء. روى الأصمعي خشاش بكسر الخاء، ويروى بحاء مهملة، وقال: كل شيء خشاش بالكسر إلا خشاش الطير لخسيسه. وقوله: كرأس الحية، العرب تقول لكل متحرك نشيط: رأسه كرأس الحية، وأما الحديث الذي روى في صفة الدجال كان رأسه أصلة فإن الأصلة الأفعى، والمتوقد: الذكي، يقال توقدت النار توقدا، ووقدت تقد وقدانا ووقدا ووقدة. فآليت لا ينفك كشحي بطانة ... لعضب رقيق الشفرتين مهند ويروى لأبيض عضب، ومعناه لا يزال جنبي لاصقا بالسيف. حسام إذا ما قمت منتصرا به ... كفى العود منه البدء ليس بمعضد الحسام: القاطع، وقوله كفى العود أي كفت الضربة الأولى من أن يعود. وقولهم رجع عوده على بدئه أي رجع ناقضا لمجيئه.

وعوده منصوبا لأنه في موضع الحال عند سيبويه، ويجوز أن يكون مفعولا به لأنه يقال رجع الشيء ورجعته، ويجوز عوده على بدئه أي وهذه حاله، كما تقول كلمته فوه إلى في، وإن شئت نصبته. والمعضد الكال الذي يعضد به الشجر، وقوله: منتصرا معناه متابعا للضرب. ويقال قد تناصر القوم على رؤية الهلال إذا تتابعوا، ونصر الله أرض بني فلان إذا جادها بالمطر ويقال منتصرا أي ناصرا. أخي ثقة لا ينثني عن ضريبة ... إذا قيل مهلا قال حاجزه قد لا ينثني: لا ينبو، ولا يعوج، والضريبة المضروبة، وحاجزه حده، قد أي قد فرغ. إذا ابتدر القوم السلاح وجدتني ... منيعا إذا بلت بقائمة يدي أي إذا عجلوا إليه وتبادروا، ومنه يقال ناقة بدرية إذا كانت تبكر اللقاح وتنتج قبل الإبل، وذلك من فضل قوتها وجودتها، قال الراجز: لسالم إن سكت العشية ... عن البكاء ناقة بدرية والسلاح يذكر ويؤنث. ويروى وجدتني بضم التاء. المنيع الذي لا يوصل إليه، وبلت ظفرت، وتمكنت وقائم السيف مقبضه.

وبرك هجود قد أثارت مخافتي ... نواديها، أمشي بعضب مجرد البرك القطعة من الإبل، وقال أبو عبيدة: البرك ما يقع على جميع ما يبرك من الجمال والنوق على الماء وبالفلاة، ومن حر الشمس أو السبع الواحد بارك، والأنثى باركة، وقيل برك لاجتماع مباركها. ويقال للمصدر برك وبركة، ويقال: إن البركة مشتقة من البرك لأن معناها خير مقيم، وسرور يدوم. وقوله مبارك معناه الخير يأتي بنزوله، وتبارك الله منه. ونواديها: ما ند منها. ويروى هواديها وهو أوائلها. ويروى بواديها، وإنما خص النوادي لأنه أراد لا تفلت من عقري ما قرب ولا ما شذ، وأمشي حال. أي قد أثارت مخافتي نوادي هذه البرك في حال مشيي إليه بالسيف مجردا مسلولا. فمرت كهاة ذات خيف جلالة ... عقيلة شيخ بالوبيل يلندد أي الناقة، والكهاة الضخمة السمينة، والخيف جلد الضرع الأعلى الذي يسمى الجراب، وناقة خيفاء إذا كان ضرعها كبيرا، والجلالة والجليلة العظيمة، والوبيل: العصا، وقيل هي خشبة القصارين، وكل ثقيل وبيل، واليلندد الشديد الخصومة. يقول وقد نز الوظيف وساقها ... ألست ترى أن قد أتيت بمؤيد

نز الوظيف وأنزرته: قطعته. والوظيف عظم الساق، والذراع. بمؤيد: الداهية ويروى بمؤبد: أي جئت بأمر شديد تشدد فيه من عقرك هذه الناقة. وقال ألا ماذا ترون بشارب ... شديد علينا بغية متعمد ويروى بسخطه متعبد، والمتعبد الظلوم قال الشاعر: يرى المتعبدون علي دوني ... أسود خفية القلب الرقابا وموضع ماذا نصب بترون، ويجوز أن تجعل ما في الوضع رفع ويكون التقدير ما الذي ترون بشارب؟ فقال ذروه إنما نفعها له ... وإلا تردوا قاصي البرك يزدد وروى الحسن بن كيسان فقالوا ذروه، وهو الصواب لأن معناه وقال الشيخ يشكو طرفة إلى الناس، فقالوا يعني الناس ومن روى فقال فروايته بعيدة، لأنه يحتاج إلى تقدير فاعل، والهاء في قوله ذروه تعود على طرفة وكذلك في قوله نفعها له. وقال أبو الحسن الهاء في قوله ذروه عائد يعود على طرفة وفي قوله نفعها له على الشيخ، وقاصي البرك منه إن لم تردده يزد في عقره. ويروى تزدد بالتاء؛ أي تزداد نفارا أي ذروه ولا تلتفتوا إليه واطلبوا أقاصي البرك لا يذهب على وجهه.

فظل الإماء يمتللن حوارها ... ويسعى علينا بالسديف المسرهد الإماء: الخدم الواحدة أمة، وقد تجمع أموان، والجمع المسلم أموات وحكى الكوفيون أميات يمتللن أي يشوين في الملة وهي الرماد والتراب الحار، وقولهم أطعمنا ملة خطأ، لأن الملا الرماد، ويحتمل أن يكون المراد، أطعمنا خبر ملة. فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه كقوله تعالى (واسئل القرية) ، والحوار ولد الناقة، والسديف شطائف السنام الوحدة شطيبة، وهو ما قطع منه طولا، والمسرهد الناعم الحسن الغذاء. فإن مت فانعيني بما أنا أهله ... وشقي علي الجيب يا بنة معبد أي اذكريني، واذكري من فعالي ما أنا أهله يقال فلان ينعى على فلان ذنوبه إذا كان يعددها عليه وابنة معبد هي ابنة أخيه. ولا تجعليني كامرئ ليس همه ... كهمي ولا يغني غنائي ومشهدي أي لا يغني عني في الحرب غنائي ومشهدي في المجالس والخصومات، والغنى يمد ويقصر، فإذا فتح أوله مد وإذا كسر قصر، وهو ضد الفقر. بطيء عن الجلى سريع إلى الخنا ... ذليل بأجماع الرجال ملهد

ويروى ذلول، والجلى: الأمر العظيم الذي يدعى له ذوو الرأي، والخنا الفساد في المنطق الذليل المقهور، والذلول ضد الصعب، وأجماع جمع جمع وهو ظهر الكف إذا أنك جمعت أصابعك، وضممتها والملهد: المضروب. فلو كنت وغلا في الرجال لضرني ... عداوة ذي الأصحاب والمتوحد الوغل: الرجل الضعيف الخامل الذي لا ذكر له. والواغل الداخل على القوم من غير أمرهم، والواغل أيضا الذي يحضر الشراب ولم يدع إليه. والوغل بسكون الغين الشراب الذي لم يدع إليه الرجل، والمتوحد: المنفرد. ولكن نفى عني الأعادي جراءتي ... عليهم وإقدامي وصدقي ومحتدي ويروى ولكن نفى عني الرجال جراءتي والتقدير ولكن نفى عين الأعداء جرأتي، والمحتد: الأصل، يقول محتدي وصدقي وجرأتي نفين عني إقدام الرجال بالإساءة إلي. لعمرك ما أمري علي بغمة ... نهاري ولا ليلي علي بسرمد

الغمة الأمر الذي لا تهتدي إليه والمعنى إني لا أتحير في أمري نهارا ولا أؤخره علي لئلا يطول الليل السرمد الطويل. ويوم حسبت النفس عند عراكه ... حفاظا على عوراته والتهدد ويروى عند عراكها، ويروى على روعاته، وأصل العراك الازدحام. أي جرت النفس عند ازدحام القوم في الحرب، الخصومات على روعات اليوم، ومن روى عراكه أي عراك اليوم، ومن روى عراكها أراد الحرب. على موطن يخشى الفتى عنده الردى ... متى تعترك فيه الفرائص ترعد الموطن هنا مستعر الحرب، والردى الهلاك، والفرائص جمع فريصة وهي المضغة التي تحت الثدي مما يلي الجنب عند مرجع الكتف، وهو أول ما يرعد عند الإنسان إذا فزع، ومن كل دابة، وعلى ما تتعلق بقوله حبست في البيت الذي قبله. [أرى الموت لا يرعى على ذي جلالة ... وإن كان في الدنيا عزيزا بمعقعدا وأصفر مضبوح نظرت حواره ... على النار واستودعته كف مجمد

عنى بالأصفر قدحا، وإنما جعله أصفر؛ لأنه من نبع أو سدر، والأصفر ها هنا الأسود والمضبوح التي قد غيرتها النار، والحوار: المرد يقال ما أدري من حوار هذا الكلام والحوار مصدر حاورته، وعلى النار أي عند النار وذلك في شدة البرد، وكانوا يوقدون النار وينحرون الجزور، ويضربون عليها بالقداح، وأكثر ما يفعلون ذلك بالعشي عند مجيء الضيف. وقوله: نظرت حواره انتظرت حواره، وقوله: واستودعته كف مجمد، المجمد الذي يضرب بالسهام والمجمد الذي يأكل بكلتا يديه، ولا يخرج من يديه شيء يقال أجمد الرجل إذا لم يكن عند خير. ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود أي ستظهر لك الأيام ما لم تكن تعلمه، ويأتيك بالأخبار من لم تسأله وقيل ستطلعك الأيام على ما تغفل عنه. ويأتيك بالأخبار من لم تبغ له ... بتاتا ولم تضرب له وقت موعد تبع له بتاتا أي تشتري له زادا. لعمرك ما الأيام إلا معارة ... فما استطعت من معروفها فتزود قوله: لعمرك، لعمر بفتح العين والضم واحد، ولكنهم لا يستعملون في القسم إلا الفتح لكثرة استعمالهم إياه وعمرك مرفوع على الابتداء والخبر محذوف والمعنى لعمرك والله الموفق وإليه المرجع والمآب.

ولا خير في خير ترى الشر دونه ... ولا نائل يأتيك بعد التلدد عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فإن القرين بالمقارن يقتدي لعمرك ما أدري وإني لواجل ... أفي اليوم إقدام المنية أم غد فإن تلك خلفي لا يفتها سواديا ... وإن تك قدامي أجدها بمرصد إذا أنت لم تنفع بودك أهله ... ولم تنك بالبؤسى عدوك فابعد [و] لا يرهب ابن العم ما عشت صولتي ... ولا أختني من صوله المتهد وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

النابغة والمعلقة

النابغة والمعلقة اختلف رواة الأدب ونقاده حول أهمية النابغة وشعره في الجاهلية وهل هو من أصحاب المعلقات أم لا؟ أ- قدم التبريزي في كتابه شرح المعلقات القصائد السبع ثم أضاف إليها النابغة الذبياني والأعشى بن الأبرص. ب- قدم الزوزني في كتابه شرح المعلقات القصائد السبع ولم يذكر بينها قصيدة النابغة التي وسمت بالمعلقة. ج- أما الخطابي فقد ذكر في كتابه شرح المعلقات السبع ولم يذكر ضمنها النابغة الذبياني. د- أما الخطابي فقد ذكر المعلقات وذكر من بين الشعراء النابغة لكنه قدم لنا قصيدة ليست بالمعلقة وإنما وضع: عوجوا فحيوا لنعم دمنة الدار ... ماذا تحيون من نؤي وأحجار وعدد أبياتها ستون. هـ- قدم لنا الهاشمي في كتابه جواهر الأدب المعلقات وأورد لنا قصيدة "عوجوا فحيوا دمنة الدار" وعدد أبياتها ستون بيتا. و تأرجح بقية نقلة الأدب بين هذين الرأيين إما في نقل القصيدة الرائية أو القصيدة الدالية غير أن النابغة يبقى بين من يقولون بوجود المعلقة وبين من ينفي قصائده من المعلقات، وبين من يقول برائيته معلقة ومن يقول بالدالية. والأغلب هم الذين نفوه من شعراء المعلقات سواء كان النحاس أو ابن الأنباري أو التبريزي أو الزوزني.

بينما لم يختلف النقاد في شأن الشعراء الآخرين أو في قصائدهم. ولو درسنا هاتين القصيدتين لنرى أية قصيدة أحق أن تدخل في عداد هذه القصائد المطولة لوجدنا: أ- أغلب الرواة الذين نقلوا معلقة النابغة قالوا بالدالية سواء ما نقله التبريزي أو الأعلم الشنتمري أو النحاس أو ابن الأنباري. ولو درسنا هذه القصيدة لرأينا أنها تختلف عن منهاج القصائد المطولة ولو كانت هذه القصيدة طويلة لكنها تختلف في فنها عن القصائد الأخرى التي اعتبروها معلقات فهذه القصيدة تبدأ بالوقوف على الأطلال ثم وصف ناقته ثم الموضوع وهو الاعتذار. أما الرائية فقد بدأها بالوقوف على الأطلال، ثم الغزل ومن ثم وصف الطريق ومن ثم وصف ناقته ثم المديح والاعتذار. وبهذا تبقى الرائية أتم في فنونها وأقرب إلى المطولات من الدالية ولكن الإجماع شبه منعقد على الدالية وطالما أوردت المخطوطة الدالية ولهذا سأناقشها على أساس أنها المعلقة وسأسقط من مراجعي المراجع التي ناقشت الرائية كجواهر الأدب وجمهرة أشعار العرب في معلقة النابغة. وقال النابغة الذبياني ويكنى أبا ثمامة، وأبا أمامة زياد بن معاوية ويقال زناد بن عمرو بن معاوية بن خباب بن جابر بن يربوع بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن الريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان: يا دار مية بالعلياء فالسند ... أقوت وطال عليها سالف الأمد العلياء: مكان مرتفع من الأرض. قال ابن السكت: قال: بالعلياء، فجاء بالياء

لأنه بناها على عليت، والسند: سند الوادي في الجبل، وهو ارتفاعه حيث يسند فيه: أي يصعد فيه. وقفت فيها أصيلا كي أسائلها ... عيت جوابا وما بالربع من أحد ويروى وقفت فيها طويلا، ويروى طويلاناً وأصيلالاً فمن روى أصيلا أراد عشيا، ومن روى طويلا جار أن يكون معناه وقوفا طويلا، ويجوز أن يكون معناه وقفا طويلا، ومن روى أصيلانا ففيه قولان، أحدهما أنه تصغير أصلان وأصلان جمع أصيل كما يقال رغيف ورغفان، والقول الآخر بمنزلة غفران وهذا هو القول الصحيح، والأول خطأ لأن أصلانا لا يجوز أن يصغر إلا أن يرد إلى أقل العدد. وهو حكم كل جمع كثير، وقوله عييت يقال عيبت بالأمر، إذا لم تعرف وجهه وقوله: جوابا منصوب على المصدر أي عيت أن تجيب وما بها أحد ومن زائدة للتوكيد فأنا به عيي. إلا الأواري لأيا ما أبينها ... والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد ويروى أواري بضم الهمزة والنصب أجود، والأواري والأواخي واحد وهي التي تحبس بها الخيل، واللأي، البطء يقال التأت عليه صاحبته أي بعد بطء استبانها، والنؤي حاجز من تراب يعمل حول البيت والخيمة لئلا يصل إليها الماء والمظلومة الأرض من غير عمارة، ولا حجارة، وإنما قصد إلى الجلد لأن الحفر فيها يصعب فيكون ذلك أشبه شيء بالنؤي. ردت عليه أقاصيه ولبده ... ضرب الوليدة بالمسحاة فالثأد

يروى بفتح الراء وضمها ردت عليه أقاصيه، وهذه الرواية أجود لأنه إذا قال ردت عليه أقاصيه. فأقاصيه في موضع رفع فأسكن الياء لأن الضمة فيها ثقيلة وإذا روي ردت فأقاصيه في محل نصب. والفتح لا يستثقل فكان يجب أن يفتح الباء إلا أنه يجوز إسكانها في الضرورة لأنه تسكين في الرفع والخفض، فأجرى النصب مجراهما وأيضا فإنه إذا روي ردت، فقد أضمر ما لم يجر ذكره أراد ردت عليه الأمة، إلا أن هذا يجوز إذا عرف معناه، وأقاصيه ما شذ منه ولبده سكنه أي سكنه حضر الوليدة والثأد الموضع الندي التراب، الثأد ثأد يثأد فهو ثئد. خلت سبيل أتي كان يحبسه ... ورفعته إلى السجفين فالنضد الأتي: النهر الصغير، أي خلت الأمة سبيل الماء في الأتي تحفرها، ورفعته ليس يريد به علت الماء، ومعناه [قدمته، وبلغت به] كما تقول ارتفع القوم إلى السلطان والسجفان ستران رقيقان يكونان في مقدمة البيت، والنضد ما نضد من متاع البيت. أضحت خلاء، وأضحى أهلها احتملوا ... أخنى عليها الذي أخنى على لبد ويروى ارتحلوا، أخنى: أفسد لأن الخنا الفساد والنقصان، وقيل أخنى عليها أتى. فعد عما ترى إذ لا ارتجاع له ... وانم القتود على عيرانه أجد

يعني ما ترى من خراب الديار، والقتود خشب الرحل وهو للجمع الكثير وفي القليل أقتاد والواد قتد. مقذوفة بدخيس النحض بازلها ... له صريفٌ صريفُ القعد بالمسد مقذوفة: أي مرمية باللحم، والدخيس والدخاس الذي قد دخل بعضه في بعض من كثرته، والنحض: اللحم، وهو جمع نحضة بالحاء المهملة، والضاد المعجمة، والبازل الكبير، والصريف: الصياح، والصريف من الإناث من شدة الإعياء، ومن الذكور من النشاط. والقعد بالضم البكرة، إذا كان خشبا وإذا كان حديدا فهو خطاف، ويروى صريف صريف بالرفع على المصدر وعلى النصب أجود وعلى البدل أحسن. كأن رحلي وقد زال النهار بنا ... بذي الجليل على مستأنس وخد زال النهار أي انتصف، وبنا بمعنى علينا، والجليل الثمام أي موضع فيه ثمام. والمستأنس الناظر بعينه ومنه قوله تعالى: (إني آنست نارا) أي أبصرت ومنه قيل إنسان لأنه مرئي ويروى على مستوحش وهو الذي أوجس في نفسه الفزع. من وحش وجرة موشي أكارعه ... طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد خص وحش وجرة لأنها فلاة قليلة الشرب، والموشى الذي فيه ألوان مختلفة، طاوي أي ضامر، والمصير: المصار وجمعه مصران وجمع مصران مصارين أي هو يلمع كسيف الصقيل، والفرد الذي ليس له نظير ويجوز فيه فتح الراء وضمها.

سرت عليه من الجوزاء سارية ... تزجى الشمال عليه جامد البرد ويروى جامد البرد. فارتاع من صوت كلاب فبات له ... طوع الشوامت من خوف ومن صرد ارتاع فزع، وهو افتعل من الروع، ويقال وقع ذلك في روعي بالضم أي في خلدي، والهاء في قوله له عايدة على الكلاب بفتح الكاف. وإن شئت على الصوت فبات له ما أطاع شوامته من الخوف، وقال أبو عبيدة فبات له ما يسر الشوامت، ويروى طوع الشوامت، فمن روى هذه الرواية، فالشوامت عنده القوائم، يقال للقوائم شوامت الواحدة شامتة، أي فبات يطوع للشوامت أي ينقاد لها فبات قائما. فبثهن عليه واستمر به ... صمع الكعوب بريئات من الحرد بثهن فرقهن، الصمع: الضوامر الواحدة صمعاء، ويقال أذن صمعاء إذا كانت ملساء بالرأس، ومنه قيل صومعة لأن رأسها قد رقق، وفلان أصمع القلب أي حديده. الكعوب جمع كعب وهو المفصل من العظام وكل مفصل من العظام عند العرب كعب، واستمر به أي قد استمرت قوائمه، وأصل الحرد استرخاء عصب في يد البعير من شدة العقال، وربما كانت خلقة وإذا كانت به نفض يديه وضرب بهما الأرض ضربا شديدا وهذا عيب فيه. فغاب ضمران منه حيث يوزعه ... طعن المعارك عند المحجر النجد

وروى الأصمعي وكان ضمران منه، ومن رفع طعن المعارك رفعه بيوزعه، ويروى النجد والنجد والنجد فمن روى النجد فهو نعت المعارك والنجد: الشجاع من النجدة ومن روى النجد بالفتح فهو نعت للمحجر، والنجد: وهو المكر، ونجد ينجد نجدة فهو نجدة إذا عرق من شدة الكرب. ومن روى النجد فهو من نعت المحجر أيضا إلا أنه دل على حذف، والتقدير عند المحجر ذي النجد فيكون مثل قوله تعالى (ولكن البر من آمن بالله) أي ولكن ذو البر من آمن والنجد جمع نجود وهي من حمر الوحش التي لا تحمل، وقيل هي الطويلة المشرفة وقد يكون نجد جمع نجد وهو الشجاع، وجمع نجد أنجاد. شك الفريصة بالمذرى فأنفذها ... شك المبيطر إذ يشفي من العضد الفريصة المضغة التي ترعد من الدابة عند البيطار، ويريد بالمذرى قرن الثور أي شك فريصة الكلب بقرنه، والعضد داء بالعضد، يقال عضد يعضد عضدا. كأنه خارجا من جنب صفحته ... سفود شرب نسوه عند مفتئد فظل يعجم أعلى الروق منقبضا ... في حالك اللون صدق غير ذي أود

يعجم: يمضغ، والروق القرن، والحالك الشديد السواد. والصدق الصلب والأود: العوج، وكأنما انتصب كالحائط، والعود يقال فيه عوج بالفتح، وما كان من أرض يقال عوج بالكسر. لما رأى واشق إقعاص صاحبه ... ولا سبيل إلى عقل ولا قود واشق اسم كلب والإقعاص الموت الوحي السريع، وأصله من القعاص وهو داء يأخذ الغنم لا يلبثها حتى تموت. قالت له النفس إني لا أرى طمعا ... وإن مولاك لم يسلم ولم يصد المولى: الناصر. وهذا تمثيل أي حدثته النفس بهذا. فتلك تبلغني النعمان أن له ... فضلا على الناس في الأدنى وفي البعد أي الناقة التي شبهها بهذا الثور، والبعد بفتح الباء والعين، قيل أنه مصدر يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث وقيل إنه جمع باعد كما يقال

خادم وخدم، وحارس وحرس، والمعنى في الأدنى وفي البعد كمعنى القريب والبعيد ومن روى البعد فهو جمع بعيد. ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه ... وما أحاشي من الأقوام من أحد أي لا أرى فاعلا يفعل الخير يشبهه، ومعنى وما أحاشي أي وما استثني كما تقول حاشا فلانا وإن شئت خفض والنصب أجود لأنه قد اشتق منه فعل وحذف منه كما يحذف من الفعل ومثله قوله تعالى (قلن حاشا الله) ومن في قوله من أحد زائدة. إلا سليمان إذ قال الإله له ... قم في البرية فاصدرها عن الفند إلا سليمان في موضع نصب على بدل من موضع من أحد وإن شئت على الاستثناء. وخيس الجن إني قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصفاح والعمد خيس: ذلل، وتدمر مدينة بأرض المشرق بأطراف ديار بكر والصفاح جمع صفاحة وهي حجارة رقاق عراض. فمن أطاع فاعقبه بطاعته ... كما أطاعك وادلله على الرشد

ويروى فمن أطاعك فانفعه. ومن عصاك فعاقبه معاقبة ... تنهى الظلوم ولا تعقد على ضمد الضمد: الحقد يقال ضمد يضمد ضمدا فهو ضمد. إلا لمثلك أو من أنت مائله ... يكبو الجواد إذا استولى على الأمد أي لمثلك فلك كفضل سابق أي ليس بينك وبينه في العقل والشرف إلا بسبب استولى عليه إذا غلب والأمد الغاية. واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت ... إلى حمام شراع وارد الثمد أي كن حكيما كفتاة الحي إذ أصابت، وجعلت الشيء في موضعه وهي لم تحكم بشيء، إنما قالت قولا فأصابت فيه. ومعناه كن في أمري حكيما ولا تقبل ممن سعى بي والثمد الماء القليل. قالت إلا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه فقد ويروى الحمام بالرفع والنصب، وكذلك نصفه، فإذا نصبته تكون ما زائدة، وإذا رفعته تكون ما كافة ليت عن العمل، وما بعدها مبتدأ وخبر. كما تقول: إنما زيد منطلق وقد بمعنى حسب. يحفه جانبا نيق وتتبعه ... مثل الزجاجة لم تكحل من الرمد

تحفه: تكون في ناحيته، والنيق أعلى من الجبل، وقال الأصمعي: إذا كان الحمام من جانبي نيق كان أشد لعدده، لأنه يتكاثف، ويكون بعضه فوق بعض، وإذا كان في موضع واسع كان أسهل لعدده. فحسبوه فألفوه كما حسبت ... تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد فالعدد كما حسبت تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد، ويروى كما زعمت وألفوه: وجدوه، وكان الحمام الذي رأته ستا وستين ولها حمامة واحدة في بيتها فلما عدت الحمام الذي رأته قالت: ليت الحمام ليه ... إلى حمامتيه ونصفه فديه ... تم الحمام ميه وقولها إلى حمامتيه أي مع حمامتيه فيكون سبعا وستين ونصف ما رأته ثلاثة وثلاثون فيكون مائة كما قالت. فكملت مائة فيها حمامتها ... وأسرعت حسبة في ذلك العدد الحسبة: الجهة التي تحسب وهي مثل اللبسة والجلسة، فقال: أسرعت أخذا في تلك الجهة يقال ما أسرع حسبته! أي حسابه والحسبة المرة الواحدة. أعطى لفارهة حلو توابعها ... من المواهب لا تعطى على نكد أي لا أرى فاعلا من الناس يشبهه يعطي كما أعطى لفارهة ويروى على حسد، حلو توابعها مبتدأ وخبر في موضع جر.

الواهب المائة الأبكار زينها ... سعدان توضح في أوبارها اللبد ويروى المائة الجوجوز، وهي الضخام، ويكون الواحد والجمع على لفظ واحد. والسعدان نبت تسمن عليه الإبل وتغزر ألبانها، ويطيب لحمها، وتوضح اسم موضع، ومن روى يوضح بالياء، فمعناه يبين، وهو فعل. واللبد ما تلبد من الوبر الواحدة لبد ويروى في الأوبار ذي اللبد. والسابحات ذيول المرط فنقها ... برد الهواجر كالغزلان بالجرد ويروى والراكضات، وعنى بالسابحات الجواري وفتقها طيب عيشها أي هي لا تسير في الحر ويروى أنفها أي أعطاها ما يعجبها، والجرد الموضع الذي لا نبات فيه. والخيل تمزع غربا في أعنتها ... كالطير من الشؤبوب ذي البرد والخيل بفتح اللام وكسرها، ويروى تنزع، وتمزع: تمرمرا سريعا. ويروى: رهوا والرهو الساكن، وغربا أي حدة والشؤبوب: السحاب العظيم القطر القليل العرض، الواحدة شؤبوبة ولا يقال لها شؤبوبة حتى يكون فيها برد، ويروى مزعا. والأدم قد خيست فتلا مرافقها ... مشدودة برحال الحيرة الجدد الأدم: النوق، خيست: ذللت، ومنه سمي السجن مخيسا ويقال مخيس ومثله

مكاتب بمعنى واحد يقال: جدد وجدد والضم أجود لأنه الأصل، ولئلا يشكل بجمع جدد ومن قال جدد في جمع جديد بدل الضمة فتحة لحقتها. فلأيا لعمر الذي قد زرته حججا ... وما هريق على الأنصاب من جسد هريق وأريق واحد، والأنصاب معلومة، والجسد هنا الدم، والجساد صبغ وكذلك الجسد. والمؤمن العائذات الطير تمسحها ... ركبان مكة بين الغيل والسند العائذات: جمع عائذة مما عاذ بالبيت من الطير، وروى أبو عبيدة بين الغيل والسعد بكسر الغين وهما أجمتان كانتا بين مكة ومنى. وأنكر الأصمعي هذه الرواية وقال إنما الغيل بكسر الغين الغيضة وبفتحها الماء، وإنما يعني النابغة ما يخرج من جبل أبي قبيس. ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه ... إذا فلا رفعت سوطي إلى يدي إن ههنا توكيد إلا أنها تكف ما عن العمل كما أن ما تكف أن عن العمل، والمعنى شلت يدي ويروى ما قلت من سيء مما أتيت به.. [إلا مقالة أقوام شقيت بها ... كانت مقالتهم قرعا على الكبد]

إذا فعاقبني ربي معاقبة ... قرت بها عين من يأتيك بالحسد هذا لأبرأ من قول قذفت به ... طارت نوافذه حرا على كبدي النوافذ تمثيل من قولهم جرح نافذ أي قالوا قولا صار حره على كبدي وشقيت بهم. مهلا فداء لك الأكوام كلهم ... وما أثمر من مال ومن ولد أثمر أجمع، ويروى فداء بالنصب على المصدر ومعناه الأقوام كلها يفدونك فداء ويروى فداء بمعنى ليفدك فبناه، كما بنى الأمر دراك وتراك لأنه بمعنى أدرك واترك. لا تقذفني بركيد لا كفاء له ... ولو تأثفك الأعداء بالرفد الكفاء: المثل، تأثفك اجتوشوك، فصاروا منك الأثافي من القدر ومعنى بالرفد، أي يتعاونون ويسعون بي عندك. فما الفرات إذا جاشت غواربه ... ترمي أواذيه العبرين بالزبد جاشت: فارت، والغوارب ما علا الواحد غارب، الأواذي: الأمواج، العبران الشطآن.

يمده كل واد مزبد لجب ... فيه حطام من الينبوت والخضد ويروى مترع، ويروى فيه ركام، المترع الممتلى المملوء، واللجب الصوت والركام: المتكاثف، والينبوت نوع من النبت، والخضد بالفتح ما ثنى وكسر من النبت. يظل من خوفه الملاح معتصما ... بالخيزرانة بعد الأين والنجد وروى أبو عبيدة الخيسفوجة من جهد ومن رعد. والخيزرانة كل ما ثني وهي السكان، والأين الإعياء والنجد العرق من الكرب. يوما بأجود منه سيب نافلة ... ولا يحول عطاء اليوم دون غد السيب: العطاء، أي إن أعطى اليوم لم يمنعه ذلك من أن يعطي في غد، وأضاف إلى الظرف على السعة لأنه ليس من حق الظروف أن يضاف إليها ويروى يوما بأطيب منه. أنبئت أن أبا قابوس أوعدني ... ولا قرار على زأر من الأسد

أبا قابوس هو النعمان بن المنذر ويروى نبأت يقال زأر الأسد يزئر ويزأر زأرا وزئيرا. هذا الثناء فإن تسمع لقائله ... فما عرضت أبيت اللعن بالصفد ويروى فإن تسمع به حسنا فلم أعرض أبيت اللعن بالصفد. الصفد العطاء قال الأصمعي: لا يكون الصفد ابتداء إنما يكون بمنزلة المكافآت يقال أصفدته إصفاداً وأصفدة، إذا أعطيته، والاسم الصفد وصفدته أصفدة صفداً وصفاداً إذا شددته والاسم أيضاً الصفد أي أبيت أن تأتي شيئا تلعن عليه. ها إن تا عذرة إلا تكن نفعت ... فإن صاحبها قد تاه في البلد ويروى فإن صاحبها مشارك النكد، ويروى أن تا عذرة، ويروى أنها عذرة تأتي بمعنى هذه. قال الفراء: قال لها هل لك يا تا في قالت له: ما أنت بالمرضي. ويقال ذي هي هند وهذه هند وذه هند، وتا هند، وفي هند، وذي هند إلا أن الهاء إذا قلت ذه بدل ذي فهي بدل من الياء لأن ما قبلها مكسور ويقال عذرة وعذرة وعذرة ومعذرة واحد. وبمعنى أنها: أي أن هذه القصة عذر أي ذات عذر وصلى الله على سيدنا محمد وآله.

عبيد بن الأبرص

عبيد بن الأبرص قال محمد بن عمرو بن أبي عمرو الشيباني وكان من حديث عبيد بن الأبرص بن جشم بن عامر بن فهر بن مالك بن الحارث بن سعد بن ثعلبة بن دودان ابن أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أنه كان رجلا محتاجا، ولم يكن له مال. فأقبل ذات يوم ومعه غنيمة له، ومعه أخته ماوية ليورد غنمه، فمنعه رجل من بني مالك بن ثعلبة وجبهه، فانطلق حزينا مهموما، لما صنع به المالكي حتى أتى شجيرات فاستظل هو وأخته تحتهن، وناما فزعم أن المالكي نظر إليه نائما وأخته إلى جنبه وقال: ذاك عبيد قد أصاب ميا ... يا ليته ألقحها صبيا فحملت فولدت ضاويا

فسمع عبيد، فساءه ذلك فرفع يده نحو السماء فقال: اللهم إن كان ظلمني ورماني بالبهتان، فأذن لي منه ثم نام ولم يكن قبل ذلك يقول شعرا. فأتاه آت في منامه بكبة من شعر فألقاها في فيه، ثم قال له: قم. فقام وهو يرتجز ببني مالك وكان يقال لهم بنو الزنية فقال: يا بني الزنية يا غركم ... لكم الويل بسربال حجر ثم اندفع في الشعر فقال: أقفر من أهله ملحوب ... فالقطبيات فالذنوب ملحوب موضع ماء، القطبيات وحبر جبلان الذنوب موضع. [فراكس فثعيلبات ... فذات فرقين فالقليب

فعردة فقفا حبر ... ليس بها منهم عريب إن بدلت أهلها وحوشا ... وغيرت حالها الخطوب أرض توارثها شعوب ... وكل من حلها محروب إما قتيلا وإما هالكا ... والشيب شين لمن يشيب عيناك دمعهما سروب ... كأن شأنيهما شعيب

واهية أو معين ممعن ... من هضبة دونهما لهوب أو فلج ببطن واد ... للماء من تحته قسيب أو جدول في ظلال نخل ... للماء من تحته سكوب] وتصبو وأنى لك التصابي ... أنى وقد راعك المشيب [إن يك حول منها أهلها ... فلا بدئ ولا عجيب أو يك قد افتقر منها جوها ... وعادها المحل والجدوب

فكل ذي نعمة مخلوسها ... وكل ذي أمل مكذوب] وكل ذي [إبل موروث] ... وكل ذي سلب مسلوب وكل ذي غيبة يؤوب ... وغائب الموت لا يؤوب أعاقر مثل ذات رحم ... أم غانم مثل من لا يخيب من يسأل الناس يحرموه ... وسائل الله لا يخيب [بالله يدرك كل خير ... والقول في بعضه تلغيب والله ليس له شريك ... علام ما أخفت القلوب

أفلح بما شئت فقد يبلغ ... بالضعف وقد يخدع الأريب لا يعظ الناس من لا يعظ ... الدهر ولا ينفع التلبيب إلا سجايا من القلوب ... وكم يرى شانئا حبيب ساعد بأرض إذا كنت بها ... ولا تقل إنني غريب لا ينفع اللب عن تعلم ... إلا السجيات والقلوب

فقد يعودن حبيبا شانئي ... ويرجعن شانئا حبيب قد يوصل النازح النائي وقد ... يقطع ذو الهمة القريب والمرء ما عاش في تكذيب ... طول الحياة له تعذيب بل رب ماء وردته آجن ... سبيله خائف جديب بل إن أكن قد علتني كبرة ... والشيب شين لمن يشيب ريش الحمام على أرجائه ... للقلب من خوفه وجيب

قطعته غدوة مشيحا ... وصاحبي بادن خبوب عيرانة مؤجد فقارها ... كأن حاركها كثيب مخلف بازل سديس ... لاحقة هي ولا نيوب كأنهما من حمير غاب ... جون بصفحته ندوب أو شبب يرتعي الرخامى ... تلفه شمأل، هبوب]

فذاك عصر وقد أراني ... تحملني نهدة سرحوب [مضبر خلقها تضبيراً ... ينشق عن وجهها السبيب زيتية نائم عروقها ... ولين أسرها رطيب] كأنها لقوة طلوب=تخر في وكرها القلوب [باتت على إرم عذوبا ... كأنها شيخة رقوب

فأصبحت في غداة قرة ... يسقط عن ريشها الضريب فأبصرت ثعلبا سريعا ... ودونه سبسب جديب فنفضت ريشها، وولت ... فذاك من نهضة قريب فاشتال، وارتاع من حبس ... وفعله يفعل المذءوب

فنهضت نحوه حثيثة ... وحردت حرده تسيب فدب من رأيها دبيبا ... والعين حملاقها مقلوب فأدركته، فطرحته ... والصيد من تحتها مكروب فجدلته، فطرحته ... فكدحت وجهه الجبوب فعاودته فرفعته ... فأرسلت وهو مكروب

يضفو ومخبلها في دفه ... لا بد حيزومه منقوب] وهذه القصيدة نحو أربعين بيتاً وفي هذا القدر منها كفاية والله الموفق.

امرؤ القيس

امرؤ القيس وقال امرؤ القيس: سقى دار سلمى بالمحصب هطال ... من المزن [وطف] هامل جلجال وما زالت الأمطار كل عشية ... يقلبها في دوحة الحب ميال

يسح عليها الغيث من كل جانب ... يسح وفيها الماء أزرق سلسال ويعقبه زهر الربيع كأنه ... زرابي فيها للنمارق تسآل وقفت بها والدمع مني كأنه ... على صحن خدي والمحاجر سلسال أسائلها أين الذين قتلنني؟ ... وهل ينفع الصب المتيم تسآل؟ فقالت حوتهن الهوادج بكرة ... وسار بهم عنا حداة وأجمال

حضرت أجيل الطرف في البر حائر ... [وما كان فيها ساكن] نزال ومن بعد حين لاح لي بعض بلغتي ... وأهلي نشج والنشج يرفعه الآل فهللت ضحاكا وأيدت ناظري ... إلى هودج من فوقه الخز مفضال وقلت لحادي العيس هل أنت مخبر ... لمن هذه الظعن التي هي مهدال فقال لسلمى وهي شمس منيرة ... وبدر لها في الحي ضو [ء] وأجمال

فقلت له لله درك من فتى ... خبير بما فيه السرور وإقبال وجئت إلى سلمى وأوقفت بكرها ... ونوخته فانطاع لي وهو مذلال وحين رفعت الحجب بيني وبينها ... فمدت إلي الطرف والطرف مكحال وقالت حبيبي ما الذي أنت طالب ... فقلت لها من لي إلى الوصل إبلال فقالت ترى أهلي وقومي وجيرتي ... رجال يرومون المسير إذا قالوا

إذا ما حططنا عن ظهور مطينا ... تعال إلينا والحواسد غفال صبرت إلى أن خالط النوم روسهم ... وعادوا كأمثال السكارى إذا مالوا وجيت إليهم ثم دست رقابهم ... ولو علموا قطعت بالسيف أرطال إلى أن أتيت الخدر وهي كأنها ... لفي الليل مصباح يضيء لقفال وصرت أدير الزند من فوق ردفها ... كما دارت الأحقاب يوما بأجمال

فقالت دع الفحشاء إني غريبة ... وأنت أتيت الآن لم يعلم الخال فقلت لها سمعا لديك وطاعة ... فما بغيتي غير الحديث مع القال وبتنا على عيش هنيء وعفة ... إلى أن أتانا الصبح يركد مرسال فقالت وقالت ويلتا ثم ويلتا ... لقد جاءنا الصبح الذي هو فلال فقلت لها قري فقومك هجع ... على حالهم في نومهم وكما حالوا فقالوا فخذ مني ثيابي ومعجزي وخلخالي كأنك سلال

المعلقة

فقمت إلى أثوابها فخلعتها ... وخليتها في خدرها وهي معضال وجئت إلى بكري هنيئا مسلما ... فلله في الحاء والميم والدال وقال امرؤ القيس أيضاً: امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الملك بن عمرو المقصور الذي اقتصر على ملك أبيه ابن حجر آكل المرار بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن مرتع. وقال قوم ابن معاوية بن ثور بن مرتع، وإنما سمي مرتعا لأنه كان من أتاه من قومه رتعه أي جعل له مرتعا لماشيته وهو عمرو بن معاوية بن ثور وهو كندة بن عفير لأنه كفر أباه نعمته، ويكنى أبا الحارث، ويكنى أيضا أبا ذهب وأبا زيد. وقيل اسمه حندج ولقبه امرؤ القيس. رويت عن ابن الكلبي أخبار تفيد الشك في نسبة هذه القصيدة أو بعضها إلى امرئ القيس، فقد روى البطليوسي عنه أن أعراب كلب ينشدونها لابن خذام. وروى أبو أحمد العسكري عن أبي حاتم عن ابن الكلبي أنه كان يقول: سمعت رواة أعاريب كلب، وعلماءها يذكرون أن أبياتا من أول هذه القصيدة لابن خذام، وأن ابن خذام هذا أول من بكى في الديار. وروى ابن حزم عن ابن الكلبي أيضا أن أعراب كلب إذا سئلوا بماذا بكى ابن حمام الديار؟ أنشدوا خمسة أبيات متصلة من أول "قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل" ويقولون: إن بقيتها لامرئ القيس. وابن خذام هو ابن حزام وابن حمام. هذه المعلقة هي أشهر المعلقات الجاهلية وأكملها دربة فنية وأقصاها بعدا نفسيا

يقص فيها نفسه في عواطفه، وخواطره وتأملاته، باكيا طلل الحبيبة، ذاكرا أيام لهوه ومجونه مع صواحبه، متأرجحا بين الذكرى الوجدانية والشهوة الإباحية، ويتدرج في ذلك إلى وصف تسلله إلى مخدع حبيبته، مستحضرا لها صورة جمالية مستمدة من معالم الطبيعة في جمادها ونباتها، وحيوانها، خالعا عليها صفة الكمال والمثال، ومن مناجاة الحبيبة، ووصفها، يعرض لليل فإذا هو دليل حسي نفسي يمتزج فيه العالم الداخلي بالعالم الخارجي، ويتحد سواد الليل بسواد الهموم، بعد أن يتمثله على حدقة الخيال. ويصف الفرس أيضا بأوصاف معينة في الدقة والجزئية، وفرسه هو أبدا مطية للصيد واللهو وفي هذه القصيدة إلمام بحركات الطبيعة وتنفساتها، وثورة عناصرها، ينظر إلى البرق والمطر الذي سرعان ما يتحول إلى سيل يبعث الخراب والدمار مقتلعا الأشجار، هادما البيوت، مخلفا أثره ما يخلف الطوفان] .

المعلقة قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل

فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها ... لما نسجته من جنوب وشمال

توضح والمقراة موضعان، ويقال المقراة: غدير يجتمع فيه الماء، قريت الماء: إذا أنت جمعته، والمقراة أيضا الجفنة تتخذها العرب للطعام والشمأل والشمال والشمل واحد. [رخاء تسح الريح في جنباتها ... كساها الصبا سحق الملاء المذيل]

[ترى بعر الآرام في عرصاتها ... وقيعانها، كأنه حب فلفل كأني غداة البين يوم تحملوا ... لدى سمرات الحي ناقف حنظل]

وقوفا بها صبحي علي مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجمل وقوف جمع واقف وهو نصب على الحال.

فدع عنك شيئا قد مضى لسبيله ... ولكن على ما غالك اليوم أقبل وقفت بها حتى إذا ما ترددت ... عماية محزون بشوق موكل] وإن شفائي عبرة مهراقة ... فهل عند رسم دارس من معول

كدأبك من أم الحويرث، قبلها ... وجارتها أم الرباب بمأسل أي كعادتك والمعنى أصابك من هذه المرأة واسمها هرأم الحارث بن ضمضم الكلبي وأم الرباب.

وتذكرك أهلها كما لقيت من أم الحويرث وجارتها. وقال أبو عبيدة أي كحالك وعادتك ومأسل اسم جبل وقيل موضع من كلب أيضا من التعب والنصب كما أصابك من هاتين المرأتين وفيه معنى آخر أن يكون قد لقيت من وقوفك على هذه الديار. إذا قامتا تضوع المسك منهما ... نسيم الصباحات جاءت بريا القرنفل هذا البيت لم يروه الأصمعي، ومعنى تضوع أي أخذ كذا وكذا، يقال للفرخ إذا سمع صوت أمه تتحرك قد ضاع صوت أمه يضوع ضوعا، والنسيم الريح اللينة الهبوب، ونصبه لأنه قام مقام نعت لمصدر محذوف والتقدير، إذا قامتا تضوع المسك إليك منهما تضوعا مثل نسيم الصبا ومثله قول العجاج: تاج طواه الأين مما رجفا ... طي الليالي زلفا فزلفا أي طيا مثل طي الليالي، وريا الرائحة الطيبة، ويروى إذا التفتت نحوي تضوع ريها.

ففاضت دموع العين مني صبابة ... على النحر بل دمعي محملي فاضت: سالت. الصبابة رقة الشوق، والمحمل السير الذي يحمل به السيف والحمايل ولم يسمع بواحدة، والصبابة منصوبة على المصدر، وهو مصدر في موضع الحال، كما تقول جاء زيد مشيا أي ماشيا ونحو قوله تعالى (أصبح ماؤكم غورا) أي غائرا، ويجوز أن يكون نصب صبابة على أنه مفعول من أجله كما تقول جئتك لابتغاء العلم أي من أجل ابتغاء العلم، وأنشد سيبويه لحاتم طيء: ألا رب يوم صالح لك منهما ... ولاسيما يوم بدارة جلجل

السي: المثل يقال هما سيان أي مثلان. وسيما يخفف ويشدد ونصب سيما بلا. ويجوز أن يكون مبنيا مع لا لأن لا تبنى مع المضاف، لأن سي مشبهة بالحروف، ولا تقع الإضافة في الحروف، فلو أضفت إليهن لأزال البناء وأصله سي مشدد. وحكى الأخفش تخفيفه وخفض ما بعده فإنه جعل ما زائدة للتوكيد ويجوز فيه الرفع على إضمار هو ومن خفض فإضافة سي إليه، وما صلة في سيما ويجوز على البدل من رب يوم، والدارة والدار واحدة، جلجل موضع من الحمى قال أبو عبيدة والأصمعي هي في الحمى، قال هشام هي عند غمر كندة. ويوم عقرت للعذارى مطيتي ... فيا عجبا من رحلها المتحمل

الرحل: القتب.

[ويا عجبا من حلها بعد رحلها ... ويا عجبا للجازر المتبذل] فظل العذارى يرتمين بلحمها ... وشحم كهذاب الدمقس المفتل

شرح 16 من المخطوطة: يرتمين، يتهادين به. وينادي بعضهن بعضا، والهداب قال الأصمعي هو الهدب والدمقس الحرير الأبيض والمفتل المفتول. [تدار علينا بالسديف صحافها ... ويؤتى إلينا بالعبيط المثمل] ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة ... فقالت لك الويلات إنك مرجلي

الخدر: هو الهودج، الويلات جمع ويلة، وعنيزة اسم امرأة من بني كندة، ويقال موضع. إنك مرجلي أي تعقر بعيري، فتدعني راجلة أمشي ونصب خدر عنيزة على البدل من الخدر. تقول وقد مال الغبيط بنا معا ... عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل وقال الأصمعي: إنما قال بعيري ولم يقل ناقتي لأنه كما قال فأجاز الناقة على الذكور لأنها أقوى والبعير يقع على المذكر والمؤنث والغبيط قتب. وقال أبو عمرو الشيباني الغبيط: الهودج بعينه. وقال غيرهما مركب من مراكب النساء. معا منصوب لأنه في موضع الحال، وأما قولك جئت معه قال سيبويه نصبها بالألف لأنه ظرف وقال سيبويه سألت الخليل عنه قال لأنه كثر استعمالهم لها مضافة فقالوا جئت معه وجئت من معه، فصارت بمنزلة أمام يعني إنها ظرف. فقلت لها سيري وأرخي زمامه ... لا تبعديني من جناك المعلل قال الأصمعي جعلها بمنزلة ثمرة الشجرة فجعل لها ما للشجرة من رائحة، وحديثها بمنزلة ما يصيب من رائحة الشجرة وثمرتها، والمعلل بفتح اللام الذي قد عل بالطيب والمعلل بكسر اللام الشاغل ويقال الملهي.

[دعي البكر لا ترثي له من ردافنا ... وهاتي أيقينا جناة القرنفل بثغر كمثل الأقحوان منور ... نفي الثنايا أشنب غير أثعل فمثلك جبلى، قد طرقت ومرضع ... فألهيتها عن ذي تمائم محول

يعني ولدا ذا تمايم وهي العود، وروى الأصمعي وأبو عبيدة عن ذي تمايم مغيل يقال اغتيلت المرأة فهي مغيلة، ومغيل، ومغيل والولد مغيل، إذا أرضعت ولدها وهي حبلى أو وطئت، وهي ترضعه يقال: أغالت، وأغيلت، إذا سقط ولدها غيلا والغيل أن ترضع على حمل أو تؤتى أمه، وهي ترضعه. إذا ما بكى من خلفها انصرفت له ... بشق وتحتي شقها لم يحول

وروى أبو عبيدة انحرفت له بشق وشق عندنا لم يحول أي لما قبلها أقبلت تنظر إليه وإلى ولدها فأمالت طرفها إليه وخدها تحته. ويوما على ظهر الكثيب تعذرت ... علي وآلت حلفة لم تحلل تعذرت: تمنعت، يقال تعذر فهو متعذر وعذر فهو معذر إذا تعلل بالمعاذير ومنه قوله تعالى (وجاء المعذرون) أي الذين يأتون بالعلل وقيل معناه المعتذرون وأسكنت التاء ودغمت في الذال لقرب المخرج ومن قال المعتذرون فهذا معناه وأسكنت التاء لأنها جاءت بعد العين والعرب تبدل التاء بعدها حسب الحرف الذي يليه، المعذرون أي الذين جاءوا بالعذر وآلت من العذر أي لم يجدها على ما يريد ونصب يوما بتعذرت والكثيب الرمل المجتمع المرتفع على غيره. أفاطم مهلا بعض هذا التدلل ... وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي يقال أزمعت عن الأمر، وعزمت عليه وأجمعت عليه سواء، والصرم القطيعة، وقوله فأجملي أي في اللفظ، وقال أبو عبيدة: أفاطم أبقي بعض هذا التدلل.

وإن تك قد ساءتك مني خليقة ... فسلي ثيابي من ثيابك تنسل الخليقة: الخلق، والثياب: كناية عن اللقب، نسل ريشه ينسله: إذا رماه. أي أخرجي قلبك من حبي تنسل أي تبين. أغرك مني أن حبك قاتلي ... وأنك مهما تأمري القلب يفعل

الغر الذي لم يجرب الأمور وقال: يا رب مثلك في النساء غريرة ... بيضاء قد متعتها بطلاق تأمري جزم بالشرط وعلامة جزمه سقوط النون ويفعل جزم بالمجازاة وكسر اللام للقافية وحقها في الكلام السكون. [وأنك قسمت الفؤاد فنصفه ... قتيل ونصفا بالحديد مكبل] وما ذرفت عيناك إلا لتضربي ... بسهميك في أعشار مقتل

أي ما بكت عيناك إلا لتجرحي قلبا معشرا، أي مكسرا، يقال برمة أعشار وبقدح أعشار، إذا ما كان قطعا ثم جبرت. قال الأصمعي: إنما هذا مثل للأعشار والجزور وهي تنقسم على عشرة أنصباء وقوله بسهميك يريد المعلى وله سبعة أنصباء، والرقيب وله ثلاثة أنصباء، فأراد أنك ذهبت بقلبي أجمع، واعلم أن قداح الميسر عشرة، أولها الفذ ثم التوأم ثم الرقيب ثم الحلس بالحاء ثم النافس ثم المسبل والمعلى ثم الوغد ثم السفيح ثم المنيح. فالفذ له نصيب إذا فاز والتوأم له نصيبان وهكذا إلى المعلى وهو السابع وله سبعة أنصباء وثلاثة لا نصيب لها وإنما يتكثر بهذه القداح. واجتمع لها منهم من العين ثم السفيح والمنيح والوغد، وربما سموا المنيح أحد هذه التي لها الأنصباءش وذلك أن يمنحنه من صاحبه لما عرف من فوز قال الشاعر: إذا امتحنته من معد عصابة ... غدا ربها قبل المغيضين يقدح أي ثقة بفوزه وهذا كما قال امرؤ القيس: إذا ما ركبنا قال ولدان قومنا ... تعالوا إلى أن يأتي الصيد نحطب وصفة الميسر أن العرب كانت تفتخر به وتعده من مكارم الأخلاق، وتفعله في سنة الجدب لأنهم يطعمون ما يقمرون من اللحم، ويخسرون ثمنه وذلك بأنهم ينحروق الناقة ويقسمونها على عشرة سهام وقيل على أربعة وعشرين. ثم يأتي واحد بقدحه وقد أصلحه وملسه، ليسرع في الخروج، وقد أعلمه

كما قال به علمان من أمام ومن عقب ثم يجعلونها في خريطة ضيقة الفم لا يكاد يخرج منها تسمى الرمانة، فيضعونها على يد رجل عدل عندهم يسمى المجد والمقبض ثم يحملها. ومعنى البيت: أنها ذهبت بقلبي أجمع والمقتل المذلل المنقاد على التشبيه ويقال قلب معشر أي مكسر. وبيضة خدر لا يرام خباؤها ... تمتعت من لهو بها غير معجل شبهها بالبيضة لصفائها ورقتها والخباء ما كان على عمودين أو ثلاثة والعرب يجعلونها على ستة أعمدة إلى تسعة. غير معحل: غير خائف على مهل. تجاوزت أحراسا إليها ومعشرا ... علي حراصاً لو يسرون مقتلي

أي هم حراص على إسرار مقتلي، ويروى ينشرون مقتلي بالشين المعجمة أي يظهرون ويسرون بالسين المهملة من الأضداد، يقال أسررت الشيء أظهرته، وأسررته: أخفيته وقال الشاعر: ولما رأى الحجاج جرد سيفه ... أسر الذي كان الحروري أضمرا أي أظهر الحروري، والمعشر بنو عمها وعشيرتها. إذا ما الثريا في السماء تعرضت ... تعرض أثناء الوشاح المفضل

ويروى المفصل الوشاح هو ما يعمل من كل لون، والمفصل الذي فيه فصل الزبرجد وأثناء الوشاح نواحيه، وواحد الأثناء ثنيء، وثني وثنو، وتعرض نصب على المصدر. فجئت وقد نضت لنوم ثيابها ... لدى الستر إلا لبسة المتفضل لدى بمعنى عند، نضت: سلخت، ولبسة المتفصل: ثوبها الذي يلي جسدها، وقال بعض المفسرين لهذا البيت معنى قوله إلا لبسة المتفضل: يعني ما جعل الله من الحسن والمتفضل هو الله وهو وجه حسن، والفضلة الثياب تبتذل للنوم، والعمل، والمتفضل الذي يبقى في ثوب واحد لينام فيه أو يعمل عملا، واسم الثياب المتفضل ويقال للأول من الثياب فضل أيضا وأما المفضل فهو الإزار الذي ينام فيه. وليست تكون للحال، ما أحسن بالكسر لبسته وقعدته فإن أردت المرة الواحدة قلت ما أحسن لبسته وقعدته بالفتح. فقالت يمين الله ما لك حيلة ... وما إن أرى عنك الغواية تنجلي يمين الله منصوبة بمعنى إني حلفت بيمين الله فلما ألغى نصب وأسقط الحرف فتعدى بالفعل، ويروى يمين الله بالرفع على الابتداء، واليمين محذوف: أي يمين الله قسمي أو علي، وإن في قوله ما إن أرى عنك الغواية تأكيد لما على الغواية تنجلى من غوى غواية وتنجلي: تنكشف، وجليت الشيء كشفته.

وروى الأصمعي وما إن أرى عنك العماية تنجلي والعماية مصدر عمي قلبه يعمى عماية وعمى. ومعنى البيت: إنها خافت أن يظهر عليهما ويعلم بأمرهما. فالمعنى ما لك حيلة في التخلص، ويجوز أن يكون المعنى ما لك حيلة فيما قصدت له. فقمت بها أمشي تجر وراءنا ... على إثرنا أذيال مرط مرحل ويروى على أثرينا ذيل مريط، ويروى خرجت بها، والأذيال جمع ذبل، والمرط: كساء من خز معلم، والأثر والإثر واحد، والمرحل بالحاء المهملة الذي فيه صور الرجال من الوشي. ويقال ضرب من البرود الموشاة. ويقال للمرحل: المعلم، ويروى المرجل بالجيم أي علية أنملة الرجال من الوشي، وهو النقش، وقوله أمشي في موضع النصب على الحال، ومعنى البيت: إنها لما أنب قالت له ما لك حيلة فخرج بها إلى الخلوة. فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى ... بنا بطن خبت ذي حقاف عقنقل

أجزنا وجزنا بمعنى واحد، وقال الأصمعي أجزناه قطعناه وخلفناه، وجزنا: سرنا فيه، والساحة: الباحة الفجوة، والغروة والنالة فناء الدار. يقال هي الرحبة كالعرصة، وهو ما اتسع من الأرض، وانتحى: ناء. الخبت بطن من الأرض غامض. ويروى بطن حقف والحقف ما اعوج من الرمل، وانثنى وجمعه أحقاف، والحقف ما ارتفع من الأرض وغلظ ولم يبلغ أن يكون جبلا. ويروى ذي ركام والركام ما يركب بعضه بعضا من الكثرة، والعقنقل المعقد الداخل بعضه في بعض، وعقنقل الضب بطنه المنعقد، وهو كشيته وبيضه، وشحمه من أصل حلقه إلى رفغه. وجواب فلما أجزنا هصرت. هصرت بفودي رأسها فتمايلت ... لي هضيم الكشح ريا المخلخل وزعم بعضهم أن جواب لما قوله انتحى بنا والواو مقحمة، ويجوز أن تكون الواو غير مقحمة والجواب محذوفا تقديره: فلما أجزنا ساحة الحي أمنا. وعلى هذا الوجه تكون رواية البيت الذي يليه، إذا قلت هاتي نوليني تمايلت، ويروى مددت بغصني دومة، ودومة شجرة والفوادان جانبا الرأس. وهما القرنان أيضا والقرون أيضا غدائر الرأس سميت بذلك لمنبتها على قرون الرأس، ومعنى هصرت جذبت وثنيت، والكشح ما بين منقع الأضلاع إلى الورك، والهضيم: الضامر. والريا

الممتلئة، من اللحم، والمخلخل: موضع الخلخال. يصف رقة خصرها وعبالة ساقيها. وهضيم منصوب على الحال، وكذلك ريا المخلخل. ومن روى إذا قلت هاتي نوليني فتكون إذا ظرف وتمايلت هو الجواب، وإذا من حروف الشرط، وشبهها بها أنها ترد الماضي إلى المستقبل. ألا ترى أنك إذا قلت: إذا قمت قمت معناه إذا تقوم أقوم، وأيضا فلأنه لا بد لها من جواب كحروف الشرط لأنه لا يليها إلا فعل، فإن وليها اسم أضمرت فعلا كقول الشاعر: إذا ابن أبي موسى بلالا بلغته ... فقام بفأس بين وصليك جازر والتقدير إذا بلغت ابن أبي موسى، وروى سيبويه إذا ابن أبي موسى بالرفع، وزعم أبو العباس أن هذا غلط، أن يرفع ما بعد إذا الابتدائية، ولكنه يجوز الرفع عنده بتقدير إذا بلغ ابن أبي موسى. والخليل وأصحابه يستقبحون أن يجاز. وأما إذا وإن كانت تشبه حروف المجازاة في بعض أحوالها، فإنها تخالفهن بأن ما بعدها يقع موقتا لأنك إذا قلت لابنك إذا احمر الأقحوان فهو وقت بعينه. وكذلك (إذا السماء انشقت) وقت بعينه، ولهذا قبيح أن يجازى بها إلا في الشعر قال الشاعر: يرفع لي خندف والله يرفع لي ... نارا إذا ما خبت نيرانهم تقد وهضيم عند الكوفيين بمعنى مهضومة فلذلك كان بلا هاء وهي عند سيبويه على النسب، وأراد بالكشح: الكشحين كما تقول كحلت عيني تريد عيني وريا فعلى من الري وهو إنهاء شرب العطشان، ومعنى البيت أنه إذا قال لها نوليني تمايلت عليه مكتنزة اللحم.

[إذا التفتت نحوي تضوع ريحها ... نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل] مهفهفة بيضاء غير مفاضة ... ترائبها مصقوله كالسجنجل المهفهفة: الخفيفة اللحم التي ليست برهلة ولا ضخمة البطن، والمفاضة المسترخية البطن من قولهم حديث مستفيض، وقيل مهفهفة معناه أنها لطيفة الخصر والترائب جمع تريبة وهي موضع القلادة من الصدر. والسجنجل: المرآة قال يعقوب هذا حرف رومي وقيل سبيكة الفضة. ورواية أبي عبيدة مصقولة بالسجنجل، وقيل السجنجل الزعفران وقيل ماء الذهب ومهفهفة مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف والكاف في قوله كالسجنجل في موضع رفع نعت لقوله مصقولة، ويجوز أن يكون في موضع نصب على أن يكون نعتا لمصدر غدون، كأنه قال مصقولة صقلا كالسجنجل، وإنما يصف المرأة بحداثة السن. وجمع السجنجل سجاجل، ومن رواه بالسجنجل فالجار والمجرور في موضع نصب. تصد وتبدي عن أسيل وتتقي ... بناظرة من وحش وجرة مطفل أي تعرض عنا وتبدي عن خد أسيل ليس بكز ولا بمكثف، وتتقي تلقانا بناظرة يعني عينها، والوحش ها هنا البقر الوحشي، والظباء، وجرة موضع، ويقال أراد الظباء فقط. ويروى تصد وتبدى عن شنيب أي ثغر شنيب، والشنيب [والأشنب حدة الأسنان] وذات طفل: قال الفراء لم يقل مطفلة لأن هذا لا يكون إلا للنساء فصار عنده مثل حائض وهو على مذهب سيبويه على النسب كأنه قال ذات طفل، والدليل على صحة قوله أنه يقال مطفلة إذا أردت أن يأتي به على قولك هي أطفلت فهي مطفلة ولو

كان يقع للمؤنث لا يشركه فيه المذكر ولا يحتاج إليه الهاء فيه ما جاز مطفلة قال تعالى: (تذهل كل مرضعة عما أرضعت) . وقوله بناظرة أي بعين ناظرة قال ابن كيسان: كأنه قال بناظرة مطفل من وحش وجرة غلط فجاء بالتنوين كما قال الآخر: رحم الله أعظما دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحات تقديره رحم الله أعظم طلحة، فنون ثم أعرب بإعراب أعظم والأجود إذا فرق بين المضاف والمضاف إليه إلا ينون كقوله: كأن أصوات من إيغالهن بنا ... أواخر الميس إنقاض الفراريج كأنه قال: كأن أصوات أواخر الميس. وفي بيت امرئ القيس تقدير أحسن من هذا وهو أن يكون التقدير بناظرة من وحش وجرة ناظرة مطفل، ويحذف ناظرة ويقيم مطفلا مكانه وكذلك قوله طلحة الطلحات كأنه قال أعظم طلحة الطلحات. ومعنى الشنيب لها ثغر حيثما تأتي تبتسم، فيبدو لنا ثغرها، وتتقي أي تتلقانا به والإعراض عنا بملاحظتها كما تلاحظ الظبية ولدها وذلك أحسن ما يكون من غنج المرأة، والصد الاعراض، والإبداء: الظهور، والأسالة امتداد وطول في الخد، أي بناظر من نواظر وحش هذا الموضع التي لها أطفال من ظبية مطفلة ومهاة مطفل، وفي قوله وجرة حذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه. وجيد كجيد الريم ليس بفاحش ... إذا هي نصته ولا بمعطل

نصته: رفعته، والمعطل الذي خلي حليه، والفاحش: الكريه، وليس بفاحش أي ليس بكريه المنظر، وهو نحرها. وفرغ يزين المتن أسود فاحم ... أثيث كقنو النخلة المتعثكل الفرع الشعر التام وأعلى كل شيء فرع، والمتن والمتنة ما يلي يمين الصلب وشماله من العصب واللحم، والفاحم الشديد السواد، مشتق من الفحم يقال هو فحم بين الفحومة، والأثيث: الكثير، والمتعثكل: الداخل بعضه في بعض واحدة عثكول وعثكال كشمروخ وشمراخ، وقد يكون العثكال والعثكول في اللغة بمعنى طعمة من القنو، والنخلة المعثكلة التي خرج عناقيدها أي قنواتها، وقيل المتعثكل المتدلي. يقول: تبدي عن شعر طويل نام يزين ظهرها إذا أرسلته عليه ثم شبه ذوائبها بقنو نخلة أخرجت قنواتها والذوائب تشبه العناقيد. غدائره مستشزرات إلى العلا ... تضل العقاص في مثنى ومرسل أصل الشزر: الفتل على غير الجهة والشيء أدبرت به عن صدرك فهو الدبير، والبسر ما أقبلت به على صدرك وهو القبيل، والانشزار الرفع والارتفاع جميعا يكون لازما ومتعديا فمن رواه مستشزرات بكسر الزاي جعله لازما، ومن رواه بفتحها جعله متعديا، والعقاص جمع عقيصة وهو ما جمع من الشعر، ففتل تحت الذوائب وهي مشطة معروفة، يرسلون فيها بعض الشعر، ويثنون بعضه، فالذي فتل بعضه على بعض هو المثنى والمرسل: المسرح غير المفتول فذلك قوله في مثنى ومرسل.

ورواية ابن الأعرابي مستشزرات بكسر الزاي أي مرتفعات، ويروى يضل العقاص بالياء على أن العقاص واحد. قال ابن كيسان هو المذري فكأنه يستتر في الشعر لكثرته، وأما العقيصة: الخصلة المجموعة من الشعر، والجمع عقيص وعقاص وعقائص ويروى تضل المذاري أي من كثافة شعرها، والمذري مثل الشوكة يصلح بها شعرها. وكشح لطيف كالجديل مخصر ... وساق كأنبوب السقي المذلل اللطيف أراد به الصغير الحسن، والعرب إذا وصفت شيئا بالحسن جعلته لطيفا والجديل زمام من السيور مجدول ومفتول فيجيء حسنا لينا ينثني مشتقا من الجدل وهو شدة الخلق، ومنه الأجدل والمجادلة والأنبوب البردي الذي ينبت وسط النخلة، والسقي النخل المسقي، كأنه قال كأنبوب النخل المسقي والمذلل فيه أقوال: أحدها أنه الذي تثنيه أدنى الرياح لنعومته يقال نخل مذلل إذا امتدت أقناؤها، فاستوت شبه ساقها ببردي قد نبت تحت نخل، والنخل تظله الشمس، وذلك أحسن ما يكون منه. وقيل معنى المذلل له الماء وقيل المذلل الماء الذي خاضه الناس. وقيل المذلل الذي قد عطف ثمرة ليجتني والأنبوب الكعب من القصب. ويضحي فتيت المسك فوق فراشها ... نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل

أي ما تحات عن جلدها في فراشها، وقيل كأن به المسك من طيب جسدها، لأن أحدا لها فيها مسكا. واحتج بقوله وجدت بها طيبا وإن لم تطيب، وقوله ويضحي أي ويدخل في الضحى، يقال أظلم إذا دخل في الظلام، ولا يحتاج هذا إلى خبر، ونؤوم منصوب على أعني وفيه معنى المدح ولا يجوز نصبه على الحال. ألا ترى أنك إذا قلت جاءني غلام هند مسرعة لم يجز أن تنصب مسرعة على الحال من هند إلا على حيلة، والعلة في هذا أن الفعل لم يعمل في هذا شيئا، والحيلة التي يجوز عليها أن معنى جاءني في غلام هند فيه معنى تحثه فتنصبه وروى نؤوم على معنى هي نؤوم ويجوز نؤوم على البدل من الضمير الذي في فراشها، والضحى مؤنثة تأنيث صيغة ولا تعد فيه (ألف تأنيث) فإنها بمنزلة (موسى) وتصغير ضحى ضحي، والقياس ضحية إلا أنه لو قيل ضحية لأشبه تصغير ضحوة والضحى قبل الضحاء والانتطاق: الائتزار (للعمل) والمهنة. ويجوز نصب نؤوم على المدح ومعنى عن تفضل أي بعد تفضل. وقال أبو عبيدة: أي لم تنتطق، فتعمل وتطوف ولكنها تتفضل ولا تنتطق، وقيل التفضل هو التوشح وهو لبسها أدنى ثيابها، والانتطاق؛ الائتزار للعمل. يريد أنها مخدمة منعمة تخدم ولا تخدم والاضحاء مصادفة الاضحاء، وتقول رجل نؤوم وامرأة نؤوم ومنه توبة نصوحا. وتعطو برخص غير شئن كأنه ... أساريع ظبي في مساويك إسحل الإعطاء: المنادلة، والمعاطاة الخدمة، والتعطية مثلها، برخص أي ببنان رخص، والرخص اللين الناعم، وغير شئن أي غير كز غليظ خشن، والأساريع جمع

أسروع ويسروع دود يكون في البقل والأماكن الندية، يشبه النساء، وظبي اسم كئيب وهو الجبل من الرمل، وقيل الأساريع دواب تكون في الرمل وقيل في الحشيش، ظهورها ملس مثل سحم الأرض، ويقال يساريع وقيل هي دواب تسمى بنات التقى: بفتح التاء والأسحل شجر له أغصان ناعمة شبه أناملها بأساريع أو مساويك للينها. تضيء الظلام بالعشاء كأنها ... منارة ممسى راهب متبتل أي في العشاء: أي كأنها سراج منارة وقيل هي على غير حذف، والمعنى إن منارة الراهب تشرق بالليل إذا أوقد فيها قنديلة، والمنارة مفعلة، وخص الراهب لأنه لا يطفى سراجه والجمع منائر ومناور لغتان شاذتان لا يقاس عليهما بكسر الميم وفتحها وممسى راهب إي إمساء راهبن والتبتل الانقطاع عن الناس للعبادة ومتبتل صفة للراهب ومعنى البيت إنها وضيئة الوجه إذا ابتسمت بالليل رأيت لثناياها بريقا وضوءا وإذا برزت في الظلام استنار وجهها وظهر جمالها حتى يغلب ظلمة الليل.

إلى مثلها يرنو الحليم صبابة ... إذا ما اسبكرت بين درع ومجول يرنو: أي يديم النظر، الصبا رقة الشوق، وهو مصدر في موضع الحال، ويجوز أن يكون مفعولا من أجله واسبكرت امتدت وتمت، ويقال سفر مسبكر للمنبسط. قال أبو عبيدة المسبكر التام الممتلى، يقال اسبكرت إذا تم شأنها والمراد به تمام شبابها. بين درع ومجول أي سنها بين من يلبس الدرع وبين من يلبس المجول لأن الدرع للنساء، والمجول للصبايا، والدرع ثوب مهذب لا تكف أسافله، والمجول: الرداء وقيل الثوب الأبيض، وقيل الوشاح والإزرار، أي أنها بين الكبيرة التي تلبس الدرع وبين الصغيرة التي تلبس المجول أي ليست بصغيرة ولا بكبيرة بل هي بينهما وإلى تتعلق بيرنو. كبكر المقاناة البياض بصفرة ... غذاها نمير غير محلل

البكر هنا أول بيض النعام، أي أول بيضة قد تبيضها النعامة، وبكر كل شيء أوله والمقاناة المخالطة، يقال قانيت بين الشيئين إذا خلطت أحدهما بالآخر. وما يقانيني فلان أي ما يشاكلني، وهي في البيت المقاناة دون المصدر، والنمير الماء الناشئ في الجسد، وقيل النمير العذب، ويقال النمير الذي ينجع في الشارب وإن لم يكن عذبا لأنه ليس كل عذب نميرا. ومن روى محلل بكسر اللام أراد أنه ينقطع سريعا، وغير منصوب على الحال، وتقديره كبكر البيض المقاناة، وأدخل الهاء لتأنيث الجماعة، كأنه قال كبكر جماعة البيض ونصب البياض على أنه خبر ما لم يسم فاعله واسم ما لم يسم فاعله مضمر والمعنى كبكر البيض الذي قوني هو البياض كما تقول مررت بالمعطي الدرهم. ومن روى البياض بالجر شبهه بالحسن الوجه وفيه بعد لأنه شبه بما ليس من بابه وقد أجازوا بالمعطى الدرهم. وغير هذا قال ابن كيسان ويروى كبكر المقاناة بياضه وجعل الألف واللام مقام الهاء ومثله قوله تعالى (فإن الجنة هي المأوى) أي هذا مأواه وهذا كأنه مقيس على قول الكوفيين لأنهم يجيزون مررت بالرجل الحسن الوجه أي الحسن وجهه يقيمون الألف واللام مقام الهاء. وقال الزجاج بالرجل هذا خطأ لأنك لو قلت مررت بالرجل الحسن الوجه لم يعد على الرجل من نعته شيء وأما قولهم إن الألف واللام بمنزلة الهاء فخطأ لأنه لو كان هذا هكذا لجاز زيد الأب منطلق تريد أبوه منطلق، وأما قوله تعالى (فإن الجنة هي المأوى) أي هي المأوى له ثم حذف ذلك لعلم السامع ومعنى البيت أنه يصف أن بياضها تخالطه صفرة والآخر أنها حسنة الغذاء، وقيل أراد بالبكر هنا الدرة التي لم

تثقب. وهكذا لون الدرة. ويصف أن هذه الدرة بين الماء الملح والعذب فهو أحسن ما يكون، فأما على القول الأول، فإن غذاها يكون راجعا إلى المرأة أي نشأت بأرض مريئة. تسلت عمايات الرجال عن الصبا ... وليس فؤادي عن هواها بمنسلي يقال سلا يسلو سلوا إذا خلا أي زال حبه عن قلبه، والعماية والعمى واحد والفعل عمي يعمى، وزغم الأكثرون في البيت قلبا تقديره: تسلت الرجال عن عمايات الصبا: أي خرجوا عن ظلماته، وليس فؤادي خارجا عن هواها. وزعم بعضهم أن عن في البيت بمعنى بعد أي انكشف، وبطلت صبايات الرجال بعد صباهم ويروى عن هواك، وعن صباه، والصبا أن يفعل فعل الصبيان، يقال صبا إلى اللهو يصبو صباء وصبوا، والعمايات جمع عماية وهي الجهالة ومنسلي منفعل من السلو وعن الأولى متعلقة بتسلت والثانية بمنسل وليس فؤادي عن هواه. ألا رب خصم فيك ألوى رددته ... نصيح على تعذاله غير مؤتل الألوى: الشديد الخصومة، كأنه يلتوي على خصمه بالحجج، والتعذال: التفعال من العذل والتعذال والعذل بسكون الذال والعذل بفتحها واحد، وغير مؤتل غير مقصر في النصيحة والعذل، رددته، أي لم أقبل منه نصيحة، ومعنى غير مؤتل أي غير تارك نصحي بجهده، يقال ما ألوت أن أفعل كذا وكذا، وقد يكون مؤتل غير هذا

من البيت، وائتليت به حلفت وقيل في قوله تعالى (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة) أي لا يحلف أولو السعة أن يؤتوا أولي القربى، ويجوز أن يكون المعنى، ولا يقصر أولو الفضل عن أن يؤتوا والخصم يقع للواحد والاثنين والجمع والمؤنث على لفظ واحد، كما تقول رجل عدل، ورجال عدل فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث. وليل كموج البحر أرخى سدوله ... علي بأنواع الهموم ليبتلي قوله كموح البحر أي في كثافة ظلمته، وسدولة أطرافه، وقيل ستوره واحده سدل، سدل ثوبه إذا أرخاه، ولم يضمه، وقوله: بأنواع الهموم أي يطرد بها كالحزن والجزع ونحوه والباء بمعنى مع، ليبتلي أي لينظر ما عندي من الصبر، ويبتلي بمعنى ليختبر، ومعنى البيت أنه يخبر أن الليل قد طال عليه وسدوله ينتصب بمرخ وعلي تتعلق بمرخ وكذلك الباء بأنواع الهموم. فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف أعجازا وناء بكلكل

تمطى: امتد، وروى الأصمعي لما تمطى بجوزه أي امتد بجوزه، والجوز: الوسط وأردف أعجازا أي رجع. ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل إلا انجلي في موضع السكون وهو مبني على حذف الياء ووردت بإثبات الألف بقوله تعالى (سنقرئك فلا تنسى) وبإثبات الألف أيضا في قوله. إذا الجوزاء أردفت الثريا ... ظننت بآل فاطمة الظنونا وبإثبات الياء في قوله: ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد وبإثبات الواو في قوله: هجوت زبان ثم جئت معتذرا ... من سب زبان لم تهجو ولم تدع ومعنى البيت أنا معذب والليل والنهار عندي سواء. الانجلاء هو الانكشاف كقوله [تعالى] (ولا يجليها لوقتها إلا هو) أي لا يكشفها ويروى: وما الإصباح منك بأمثل فمنك ينوي بها التأخير، لأنها في غير موضعها لأن حق "من"، أن تقع بعد أفعل. وأما قولهم في قوله ناب فهو في مكان المعنى ناب منها بخبر فهو غلط، لأن الشيء إذا كان في موضعه لم يقدر في غير موضعه فحق من ارتفع بعد أفعل، وهي في

موضعها والمعنى: إذا جاء الصبح فإني أيضا مهموم، وقيل معنى فيك بأمثل إذا جاءني الصبح وأنا فيك فليس ذلك بأمثل لأن الصبح قد يجيء والليل مظلم بعد، وفيك تتعلق بأمثل. فيا لك من ليل، كأن نجومه ... بكل مغار الفتل شدت بيذبل معناه: كأن نجومه شدت بيذبل وهو جبل، والمغار المحكم الفتل، ويقال أغرت وفي قوله: فيا لك من ليل فيه معنى التعجب كما تقول فيا لك من فارس. كأن الثريا علقت في مصامها ... بأمراس كتان إلى صم جندل مصامها: موضعها، والأمراس الحبال، واحدها مرس، ويروى كأن نجوما علقت والجندل: الحجارة، والصم: الصلاب، وفيه تفسيران: أحدهما أنه يصف طول الليل بقول كأن النجوم مشدودة بحبال إلى حجارة فليست بمعنى. ومصامها هو مواضع وقوفها وفي والياء وإلى متعلقة بقوله علقت. والتفسير الثاني على رواية من يروي هذا البيت مؤخرا عند صفة الفرس بحيال كتان إلى صم جندل وشبه حوافره بالحجارة ويروى بعض الرواة ههنا أربعة أبيات وذكر أنها من هذه القصيدة وخالف فيها سائر الرواة وزعموا أنها لتأبط شرا. وقربة أقوام جعلت عصامها ... على كاهل في ذلول مرجل

عصام القربة: الحبل الذي تحمل به، ويضعها الرجل على عاتقه وعلى صدره والكاهل موصل العنق والظهر يصف نفسه أنه يخدم أصحابه. وواد كجوف العير قفر قطعته ... به الذئب يعوي كالخليع المعيل فيه قولان: أحدهما أن جوف العير لا ينتفع منه بشيء، يعني العير الوحشي. والقول الثاني: إن العير ها هنا رجل من العمالقة كان له بنون، وواد خصب، وكان حسن الطريقة، فسافر بنوه في بعض أسفارهم فأصابتهم صاعقة فأحرقتهم، فكفر

بالله، وقال: لا أعبد ربا أحرق بني، وأخذ في عبادة الأصنام. فسلط الله على واديه نارا والوادي بلغة أهل اليمن: الجوف فأحرقته فما أبقى له شيئا، وهو تضرب به الأمثال فيما لا بقير فيه. والخليع المقامر، وقيل هو الذي قد خلع عذاره، فلا يبالي بما ارتكب، وقيل الخليع المخلوع الذي خلعه قومه، إذا قتل لا يطلب بنو عمه بثأره، وإذا قتل لا يطالب بنو عمه بثأر من قتل، والمعتل الكثير الخطأ، والكاف منصوب بيعوي. فقلت له لما عوى إن شأننا ... قليل الغنى إن كنت لما تهول أي أن كنت لم تصب من الغنى ما يكفيك، وقوله إن شأننا قليل الغنى أنا لا أغنى عنك، وأنت لا تغني عني، أي أنا أطلب وأنت تطلب فكلانا لا غنى له ومن رواه طويل الغنى أراد همتي تطول في طلب الغنى. طرحت له نعلا من السبت طله ... خلاف ندى من آخر الليل مخضل] كلانا إذا ما نال شيئا أقاته ... ومن يحترث وحرثك يهزل

أي إذا نلت شيئا أقته وكذلك أنت إذا أصبت شيئا أقته، ومن يحرث حرثي وحرثك أي يطلب مني ومنك لم يدرك مراده. وقال قوم: من كان هذا فيه وطلبته مثل طلبتي وطلبتك في هذا الوضع مات هزالا لأنهما كانا بواد لا نبات فيه ولا صيد فهذه الأبيات الأربعة من الزيادات فيها. وقد أغتدي والطير في وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل أغتدي: أخرج غدوة، والطير ساكنة لم تطر، ويروى في وكراتها، والوكر حيث يسقط الطائر للمبيت أي موضعها التي تبيت فيها، والوكر أيضا: مواضع العش، والوكنات في الجبال كالتماريد في السهل واحدها تمراد وهو برج صغير للحمام الواحدة وكنة، وهي الوقنات أيضا وقد وكن الطائر يكن ووقن يقن ووكر يكر؛ إذا أوى إلى وكن. وقيل لا واحد لها فمن قال واحدها وكنة، جمع وكنة على وكنات، كما تقول غرفة وغرفات فهذا الجيد ليفرق بين الاسم والنفس فتقول في النعت حلو حلوات وفي الاسم الذي ليس بنعت وكنة وكنات وركبة ركبات وإن شئت أبدلت من الضمة فتحة فقلت ركبات، وإن شئت أسكنت لثقل الضمة فقلت وكنات وغرفات. وإن شئت أبدلت من الواو همزة فقلت أكنات ومثله [قوله تعالى] (إذا الرسل أقتت)

وإنما هو الوقت وفيه القراءتان وقال أبو حاتم جمع وكرا على وكر ثم جمع وكرا على وكرات، وكذلك وكنات فهي جمع الجمع، والواو في الطير واو الحال والجملة في موضع نصب حال، يقول قد أغتدي في هذه الحال بفرس منجرد فأقام النعت مقام المنعوت أي قصير الشعر والأوابد الوحش، وكذلك أوابد الشعر وتقديره قيد الأوابد تقييد ذي الأوابد ثم حذف ذي الأوابد. والمعنى أن هذه الفرس من سرعته يلحق الأوابد فيصير لها بمنزلة القيد. وهذا الكلام جيد بالغ لم يسبقه إليه أحد والهيكل الضخم. مكر مفر مقبل مدبر معا ... كجلمود صخر حطه السيل من عل أي يصلح للكر والفر، إذا أقبل حسن الإقبال وإن أدبر حسن الأدبار، وقوله معا أي عنده هذا وعنده هذا، كما يقال فارس راجل أي قد جمع هذين والجلمود الصخرة الملساء التي ليست بالكبيرة، وحطه أي حدره السيل بقوته، من عل أي من مكان عال، وفيه ثمان لغات تقول جئته من عل ومن عل ياهذا، ومن علو يا هذا، ومن علو، ومن علا وأنشد يونس.

فهي تنوش الحوض نوشا من علا ... نوشا به تقطع أجواز الفلا ويقال حئتك من عال ومن معال، ومن معالى. فمن قال: من علا، جعله نكرة، كأنه قال من موضع عال، ومن قال: من عل يا هذا فهو معرفة وتقديره من فوق ما تعلم، وقال سيبويه: فالمضارعة من علو قد حكوه لأنهم يقولون من عل فيجزونه، فمعنى هذا أن على عنده كان مما يجب أن لا يحرك، إلا أنه لما أشبه المتمكن أعطوه فضيله، وهي الحركة، واختير له الضم لأنه غاية الحركات. وقيل: لأن الضم لا يدخل الظروف بحق الإعراب وإنما يدخلها الإعراب النصب والخفض، فيبنى على حركة ليست له، فصار من هذه الجهة بمنزلة قبل وبعد وهكذا القول فيمن قال من عل، ومن قال جئت من علو جعله نكرة وجاء به على التمام، ومن ضم قدره معرفة، ومن قال جئتك من عال فمعناه من مكان عال ثم أقام الصفة مقام الموصوف. ولا يجوز أن نبني في هذه اللغة لأنه لم يحذف منه شيء ومن قال من معال فمعناه كمعنى عال ومن قال معالي فمعناه من مكان عال. ومعنى هذا البيت أنه يصف أن هذا الفرس في سرعته بمنزلة هذه الصخرة التي حطها السيل في سرعة انحدارها وأن هذا الفرس حسن الإقبال والإدبار كهذه الصخرة. كميت يزل اللبد عن حال متنه ... كما زلت الصفواء بالمتنزل حال متنه: موضع اللبد وإضافة إلى المتنزل الذي ينزل منه لقربه منه والمتن ما اتصل بالظهر من العجز يذكر ويؤنث والمتنزل الطائر الذي ينزل على الصخرة، فيحطه

السيل وقيل المتنزل السيل لأنه ينزل الأشياء. وقيل هو المطر، والصفواء الصخرة الملساء وقد تكون الصفواء جمع مصفاة كما قالوا طرفة، وطرفاء وقصبة وقصباء، وخلقة، وخلقاء وذكر الفراء خلفة بكسر اللام كل هذا اسم للجمع لأنه لا ينقاس في نظائره ويروى عن حاذ متنه: أي وسطه. شبه ملامسة ظهر الفرس لإكثار اللحم عليه، وامتلائه بالصفاة الملساء ويقال صفوان وجمعه صفوان، وجمع صفاة صفا. على الذبل جياش كأن اهتزامه ... إذا حاش حميه غلي مرجل الذبل: الضمور ويروى على الضمر، الجياش الذي يجيش في عدوه كما تجيش القدر في غليانها وهو بمعنى الكثير مبالغة في جاش، وجاش البحر جيشان إذا ماجت أمواجه. ويروى على المضمر الجياش، واهتزامه: صوته بشدة، وحميه: غليه. ويروى على العقب جياش، والعقب جري بعد جري، وقيل معناه إذا حركته بعقبك جاش وكفى ذلك من السوط وعلى العقب في موضع الحال. ومعنى هذا البيت أن هذا الفرس آخر عدوه على هذه الحال فكيف أوله؟ [مسح إذا ما السابحات على الونى ... أثرن الغبار بالكديد المركل]

مسح: سريع يسح أي يصب العدو في جريه صبا والسابحات اللواتي كأن عدوها من سباحة والسباحة في الجري أي تدحو بأيديها دحوا أي تبسطها، والونى الفتور قال الفراء يمد ويقصر والكديد الأرض الغليظة الصلبة وقيل ما كد من الأرض بالوطء والمركل الموطوء بالحوافر أي يركل بالأرجل ومعنى البيت أن الخيل السريعة إذا فترت فأثارت الغبار بأرجلها من التعب جرى هذا الفرس سهلا مهلا كما يسح السحاب المطر وعلى تتعلق بأثرن وكذلك الباء في الكديد. يزل الغلام الخف عن صهواته ... ويلوي بأثواب العنيف المثقل يزل: يزلق، الخف: الخفيف، صهواته، جمع صهوة، وهي موضع اللبد وقال أبو عبيدة من مقلوب ويلوي بنا أي يذهب بنا، والعنيف الذي لا رفق فيه والمثقل الثقيل الركوب، ويحتمل الثقل الثقيل البدن. ويروى يزل الغلام والمعنى يزل الفرس الغلام الخف وقال عن صهواته، وإنما هي صهوة واحدة والتقدير أنه جمعها بما حواليه، ومعناه أن هذا الفرس إذا ركبه الخفيف لم يتمالك أن يصلح شيئا عليه وإذا ركبه الغلام زل عنه وزاغ الفرس من تحته وإنما يصلح له من يداريه.

درير كخذروف الوليد أمره ... تتابع كفيه بخيط موصل أي مندر في العدو، وقيل الدرير السريع، والخذروف الخرارة التي يلعب بها الصبيان يسمع لها صوت، والإمرار الفتل، وقيل هي النشابة والإمرار إسراع الفتل، وإحكامه بقوة ومنه قوله تعالى (ذو مرة فاستوى) والوليد الصبي وقوله بخيط موصل قد لعب به حتى خف وملس فيقطع ويوصل. له أيطلا ظبي وساقا نعامة ... وإرخاء سرحان وتقريب تتفل الظبي هنا اسم جبل، والأيطلان الخاصرتان، والإرخاء جرى فيه سهولة والسرحان الذئب والتقريب دون العدو، وهو أن يرفع يديه معا، ويضمهما معا، والتتفل ولد الثعلب، وها هنا التتفل وهو الثعلب نفسه، وإنما شبه عدو الفرس بعدو من كل جهة لأنه يقال تذاءبت الريح من كل جهة إذا جاءت، وله أسماء يقال ذئب، وسرحان، وسلق، وأويس، وسيد، وقد أوضحناه في غرر المعارف ودرر العوارف. ويقال لولد الثعلب تتفل بفتح التاء وضم الفاء وتتفل بضم التاء وفتح الفاء ولو سميت الرجل يتتفل أو تتفل لم تصرفه في المعرفة لأنه على مثال تفعل وتفعل ولو

سميته بتتفل لصرفته في المعرفة والنكرة لأنه ليس في الأفعال تفعل وقوله ساقا نعامة ومعناه أنه قصير الساقين، صلبهما كالنعامة وذلك محمود في الخيل. ضليع إذا استدبرته سد فرجه ... بضاف فويق الأرض ليس بأعزل الضليع: القوي المنتفخ الجنبين، وقيل الضليع الشديد، وقيل هو الذي يضلع بما حمل وفرجه ما بين رجليه، بضاف أي ذنب طويل والأعزل الذي ذنبه في شق وهو عيب في الخيل. كأن سراته لدى البيت [قائما] ... مداك عروس أو صلاية حنظل سراته: ظهره، لدى البيت: عند البيت، المداك: الحجر الذي يسحق به الطيب، الصلاية التي يسحق عليها المبيد، وهو الحنظل، ويروى صراية حنظل وهي الحنظلة الخضراء.

كأن دماء الهاديات بنحره ... عصارة حناء بشيب مرجل الهاديات: المقدمات وهادي كل شيء أوله ونحره أعلى صدره ومرجل: مسرح. فعن لنا سرب كأن نعاجه ... عذارى دوار في ملاء مذبل عن اعترض قال أبو العباس محمد بن يزيد السرب القطيع من البقر والظباء والنساء ولا يستعمل في غير القطيع إلا الفتح. وقال غيره السرب: القطيع من الظباء والبقر خاصة وهو هنا البقر، ودوار اسم صنم في الجاهلية كانوا يطوفون حوله وهم عراة، وأتى بعضهم إلى بني عدي فوجدهم يطوفون بدوار عراة فأعجبه ما رأى من محاسن النساء فقال: ألا ليت أخوالي عديا ... لهم في ما أتى دوار وكذلك كانوا يطوفون في البيت الحرام عراة أيضا في الجاهلية فقالت امرأة: اليوم يبدو بعضه أوكله ... وما بدا منه فلا أحله أصم مثل الق ... عب باد ظله إلا الحمس وهم قريش فيطوفون في ثيابهم، النساء في الليل والرجال في النهار

وكانت المرأة منهم تتخذ مسابح من سيور فتعلقها بحقويها وتضمها وتدور الدوران بعينه ودوار بالضم موضع في الرمل ودوار سجن باليمامة. فأدبرن كالجزع المفصل بينه ... بجيد معم في العشيرة مخول قال أبو عبيدة الجزع الخرز فيه بياض وسواد، فالوسط أبيض، والطرفان أسودان إلى الطول، وذلك أن البقر بيض القوائم. ومعم مخول كريم العم والخال وذو العم والخال، وأضاف إليه الجزع لأن الجزع أصغر الخرز. فألحقه بالهاديات ودونه ... جواحرها في صرة لم تزمل الجواحر: اللواتي قد تخلفن، والجاحر المتخلف حتى أدرك، فالحقه، لحق الفرس والغلام بالهاديات، ودونه المتخلفات والصرة: الجماعة، ويقال الصرة الصيحة والضجة وقيل الشدة، يقال صراتنا إذا شد بعضها على بعض وأما قوله تعالى (فأقبلت امرأته في صرة) ، في شدة واهتمام وضجة والصرة بالكسرة الليلة الباردة ومنها قوله تعالى (فيها صر أصابت حرث قوم) قال الشماخ وهو ضرار بن معقل: في ليلة صرة طخياء ناجية ... ما تبصر العين فيها كف ملتمس وأما الصرة بالضم فالخرقة التي يصر فيها الشيء، قال الشاعر: لا يألف الدرهم الصياح صرتها ... لكن يمر عليها مر منطلق وقيل الصرة بالفتح الجماعة وقال بعض المفسرين (فأقبلت امرأته في صرة) أي في جماعة واستدل عليه بقول الشاعر: هباط أودية ومأوى صرة ... حسنا وفيهن الأسنة تلمع

وقوله: فعادى عداء بين ثورة ونعجة=دراكا ولم ينضح بماء فيغسل فعادى: والى بين صيدين في طلق، ولم ينضح بماء: أي لم يعرق، فيكون اعتراه ماء، فيغسل بالماء، وعداء مصدر عادي يعادي معاداة وعداء دراكا ومداركة، وعادى من العدو لا من العود، ولم يرد ثورا بعينه، ولا بقرة بعينها، والنعجة يريد بها البقرة الوحشية بدليل قوله دراكا ولو أراد ثورا ونعجة فقط لاستثنى بقوله، فعادى، ويجوز في ينضح بضم الياء وفتحها. فظل طهاة اللحم ما بين منضج ... صفيف شواء أو قدير معجل الطهاة: الطباخون واحدهم طاه، والصفيف الذي صفف مرققا على الجمر والطبخ ما طب في قدر وأما خفض قدير فأجود ما قيل فيه وأجاز سيبويه أنه كان يجوز أن يقول من منضج صفيف شواء. فحمل قديرا على صفيف، لو كان مجرورا. وشرح هذا أنك لو عطفت اسما على اسم، وجاز لك فيه إعرابان، فأعربته بأحدهما، ثم عطفت الثاني عليه، جاز لك أن تعربه بما كان يجوز في الأول. فتقول هذا ضارب زيد وعمرو، وإن شئت، قلت: هذا ضارب زيد وعمرا؛ لأنه قد كان يجوز لك أن تقول: هذا زيدا وعمرا. وكذلك تقول هذا ضارب زيدا وعمرو لأنه قد كان يجوز لك أن تقول هذا ضارب زيد وعمرو. فهذا يجيء على مذهب سيبويه وأنشد. مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ... ولا ناعب إلا بشؤم غرابها والمازني وأبو العباس لا يجيزان هذه الرواية، والرواية عندهما، ولا ناعبا؛

لأنه لا يجوز أن يضمر الخافض لأنه لا يتصرف، وهو من تمام الاسم. وأما القول في البيت؛ فإن قديرا معطوف على منضج بلا ضرورة. والمعنى من بين قدير. والتقدير من بين منضج قدير، ثم حذف منضجا وأقام قديرا مقامه في الإعراب. ورحنا يكاد الطرف يقصر دونه ... متى ما ترق العين فيه تسهل [كأني وأبدان السلاح غدية ... غدا غب ريعان السوام بأجدل من الطامحات الطرف ضار كأنه=على الجمر حتى يستغيث بمأكل] أراد بالطرف العين، والطرف يكون المصدر، ورحنا أي رجعنا بالعشي، ويروى ورحنا يكاد الطرف بالكسر ينفض رأسه، ومعنى يقصر دونه؛ أنه إذا نظر إلى هذا الفرس أطال النظر، إلى ما ينظر منه حسنه، فلا يكاد يستوفي النظر إلى جميعه، ويحتمل أن يكون معناه أنه إذا نظر إلى هذا الفرس لم يدم النظر إليه لئلا يصيبه بعينيه لحسنه. وروى الأصمعي، وأبو عبيدة ورحنا وراح الطرف ينفض رأسه.

والطرف الكريم من كل شيء، والأنثى طرفة. وقيل الطرف الطرفين وقوله ينفض رأسه أي من المرح والنشاط. وقوله متى ما ترق العين بفتح التاء والراء والقاف، ويجوز فتح التاء وكسر الراء، وضم القاف أي متى ما نظر إلى أعلاه نظر إلى أسفله بكماله، ليستقيم النظر إلى جميع جسده. فبات عليه سرجه ولجامه ... وبات بعيني قائما غير مرسل وقوله عليه سرجه ولجامه في محل نصب خبر بات، وبات الثاني معطوفاً على الأول وبعيني خبره؛ أي بحيث أراه، وقائما في محل نصب على الحال، وغير مرسل إلى غير منهل ومعناه: أنه لما جيء به من الصيد، لم يرفع عنه سرجه وهو عرق ولم يقلع عنه لجامه فيعلف على التعب فيؤذيه ذلك. ويجوز أن يكون معنى: فبات عليه سرجه ولجامه لأنهم مسافرون، كأنه أراد العدو فكان معدا لذلك، فبات على الهيئة ليرسل في وجه الصبح. أصاح ترى برقا أريك وميضة ... كلمع اليدين في حبي مكلل يروى أحار ترى ويروى "أعني على برق أريك وميضه" يقال ومض البرق، وأومض ومضاً وإيماضاً، والومض: الخفي، ووميضه: خطراته، وقوله كلمع اليدين أي كحركتهما، والحبي ما ارتفع من السحاب، والمكلل: المستدير، كالأكاليل،

والمكلل المتبسم بالبرق ولك أن تقول: قال النحويون: لا ترخم النكرة فكيف جاز ترخيم صاحب وهو نكرة، قال سيبويه لا ترخم من النكرات إلا ما كان في آخره هاء كقوله: حاري لا تستنكري عذيري فالجواب أن أبا العباس قال لا يجوز أن ترخم نكرة ألبته، وأنكر على سيبويه ما قال: من أن النكرة ترخم، إذا كانت فيها الهاء، وزعم أن قوله: جاري لا تستنكري عذيري أنه يريد بأنها الجارية، ثم رخم على هذا معرفة، وكذلك في قوله صاح ترى كأنه قال أيها الصاحب ثم رخم على هذا ومما يسأل عنه في هذا البيت أن يقال كيف جاز أن يسقط حرف الاستفهام، وإنما المعنى أترى برقا؟ فإن قال قائل: إن الألف في قوله أصاح هي ألف الاستفهام فهذا خطأ لأنه لا يجوز أن يقول صاحب أقبل لأنك تسقط بين شيئين ألا ترى إذا قلت يا صاحب فمعناه أيها الصاحب؟ فالجواب عن هذا إن قوله أصاح: الألف للنداء كقولك يا صاح إلا أنها دلت على الاستفهام وقد أجاز النحويون: زيد عندك أم عمرو يريدون أزيد عندك أم عمرو؛ لأن أم دلت على معنى الاستفهام. وأما بغير دلالة فلا يجوز، لأنك لو قلت: زيد عندك وأنت تريد الاستفهام لم يجز وقد أنكروا على عمر بن أبي ربيعة: ثم قالوا: تحبها قلت بهرا ... عدد الرمل والحصا والتراب قالوا لأنه أراد: قالوا: أتحبها ثم أسقط ألف الاستفهام وهذا عند أبي العباس ليس باستفهام إنما هو على الإلزام والتوبيخ كأنه قال: قالوا أنت تحبها! وقال بعضهم: الحبي الداني من الأرض، وقيل الحبي الذي قد حبى بعضه إلى بعض: أي تدانى، والمكلل من السحاب الذي علا بعضه على بعض. ويقال المكلل السحاب الذي قد كلل بالبرق.

يضيء سناه أو مصابيح راهب ... أهان السليط بالذبال المفتل السنا: بالمد الشرف، وبالقصر الضوء، ويقال سنا يسنو إذا أضاء، ومصابيح مرفوع على أن يكون معطوفاً على المضمر الذي في الكاف في قوله كلمع اليدين. والمضمر يعود على البرق، وإن شئت على الوميض، وإن شئت عطفت على سناه. ويروى أو مصابيح راهب بالجر عطفا على قوله كلمع اليدين ويكون المعنى أو كمصابيح راهب أو على الهاء من سناه. وقوله أهان السليط لم يكن عنده له قيم فيشرف على استعمالها في إتلافه في الوقود. ولا معنى لراوية من روى: أمال السليط، والسليط عند عامة العرب الزيت، وعند أهل اليمن الشيرج. والذبال جمع ذبالة وهي الفتيلة وقد تثقل فيقال ذبالة. قعدت له وصحبتي بين ضارج ... وبين العذيب بعد ما متأمل أي قعدت لهذا البرق أنظر من أين يجيء بالمطر، وصحبتي بمعنى صاحب وهو اسم للجمع، وضارج والعذيب: مكانان، ويروى بين حامر وبين إكام، وحامر وإكام وهما من بلاد غطفان، ثم تعجب من ذلك فقال بعد ما متأمل أي ما أبعد ما تأملت، وحققت أنه نداء مضاف أي يا بعد ما متأمل بمعنى ما أبعد ما تأملت.

وروى الرياشي بعدما بفتح الباء وهي تحمل على معنيين أحدهما أن المعنى بعد ثم حذف الضمة كما يقال عضد في عضد. ويجوز أن يكون المعنى بعدما تأملت، والتأمل التفرس والتثبت. علا قطنا بالشيم أيمن صوبه ... وأيسره على الستار فيذبل وروى الأصمعي على قطن، وقطن بفتح القاف اسم جبل، والشيم النظر إلى البرق. وصوبه: مطره، أي ما يصيب الأرض منه، وقوله أيمن صوبه يحتمل معنيين أحدهما أن يكون من اليمن البركة، والآخر أن يكون من اليمين، وأيسره أيضا يحتمل من اليسر، وأن يكون من يسرة، ويذبل بالذال المعجمة اسم جبل، وهو لا ينصرف لأنه على وزن الفعل المضارع، وإنما صرفه لضرورة الشعر، ويروى على النباج وتيتل. فأضحى يسح الماء حول كنيفة ... يكب على الأذقان دوح الكنهبل أضحى: أي ضحوة النهار كثيفة: اسم موضع وقيل اسم جبل، والأذقان

مستعارة لرؤوس الجبال وأعالي الشجر، ودوح هنا ضخام الشجر، الكنهبل شجر من أعظم العضاه مثل شجرة الطرف. أي أن هذا المطر يقتلع الشجر إذا جرى من أعالي الجبال فيكبها في الأودية على أذقانها. ومر على القنان من نفيان ... فأنزل منه العصم من كل منزل القنان جبل لبني أسد لطيف والنفيان: بقية المطر، والعصم الوعول جمع أعصم ومنزل بفتح الميم وضمها على معنيين مختلفين. وتيماء لم يترك بها جذع نخلة ... ولا أجما إلا مشيدا بجندل تيماء اسم بلد، والأجم والأطم بناءان عاليان من الحصون وهي الأجام والآطام، مشيدا مبنيا بالشيد وهو الكلس وقيل الجص والجندل. كأن ثبيرا في عرانين وبله ... كبير أناس في بجاد مزمل

ثبير اسم جبل، الوبل: المطر والوبل أوسع المطر قطرا والبجاد كساء مخطط فيه سواد وبياض، والمزمل: المدثر مرفوع لأنه صفة كبير أناس. كأن ذرا رأس المجنب غدوة ... من السيل والإغثاء فلكة مغزل المجنب: اسم جبل والغثاء معروف ومنه قوله تعالى (غناء أحوى) والغثاء

اليابس، وما يبس يسمى غثاء من النبات، ويسمى هشيما، والغثاء والغثاء ما يحمله السيل مما جف من النبت. وألقى بصحراء الغبيط بعاعه ... نزول اليماني ذي العياب المحول ويروى المجمل والغبيط اسم موضع والعياب جمع العيبة فيها متاع التاجر، أي زهر الأرض الذي أخرجه هذا المطر فجعل نزول الغيث كنزوله. كأن مكاكي الجواء غدية ... صبحن سلافا من رحيق مفلفل مكاكي: جمع مكاء، طائر كبير، الجواء مكان والضمير لبكاء الغيث يشبهه بتغريد المكاكي وصفيره كصوت السكارى، والتصدية تصفيق اليدين، والجواء جمع جو وهو بطن الأرض الواسع، وانخفاض، غديه تصغير عدوة، صبحن أي سقين الصبوح والمفلفل: ما فيه الفلفل يريد بذلك حدة الشراب. [وألقى ببسيان مع الليل بركه ... فأنزل منه العصم من كل منزل]

كأن السباع فيه غرقي عشية ... بأرجائه القصوى أنابيش عنصل وكأن هذا الغيث جر السباع فغرقها بسيله، فنظرت في جوانبه تبدو منها أرجلها وأطرافها، كما يبين العنصل إذا نبش، أنابيش جمع أنبوش. نجزت معلقة امرئ القيس الكندي وهي نيف وثمانون بيتاً والله الموفق للصواب. [وإذا نحن ندعو مرثد الخيل ربنا ... وإذ نحن لا ندعى عبيدا لقرمل]

زهير بن أبي سلمى

زهير بن أبي سلمى عرفت عائلة زهير بن أبي سلمى بأنها عائلة شعر وهي عريقة به فقد شهر خاله أوس ابن حجر بالشعر ثم شهر بعد ذلك زهير بن أبي سلمى، وأختاه، وأتى بعد ذلك ابناه كعب وبجير، وكعب هو الذي شهر ببردته حينما قدم على الرسول تائبا وقدم قصيدته المشهورة: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم أثرها لم يفد مكبول هذه القصيدة التي أثارت ضجة في البلاد الإسلامية وفي شعراء الإسلام فسموها البردة ونهجوا على منوالها وشرحوها الشروح الكثيرة. عرف لزهير مدرسة شعرية خاصة، فقد كان ينقح أشعاره حتى عرفت مدرسته بمدرسة عبيد الشعر، فقد كان يقول القصيدة في أربعة أشهر، وينقحها في أربعة أشهر ويرسلها في أربعة أشهر ودعيت هذه القصائد بحوليات زهير عاشت هذه المدرسة طويلا وكان لها رواد وتلاميذ. فقد كان كعب تلميذ أبيه زهير وكان الحطيئة تلميذ كعب وزهير وكان هدبة بن خشرم تلميذ الحطيئة وكان جميل تلميذ هدبة بن خشرم. ثم رأينا من يحمل هذه الراية في العصر العباسي منهم مسلم بن الوليد صريع الغواني حامل راية التجديد في البديع قبل أبي تمام. وحسبي أن أسوق هذه الوقفة بين هذه المدرسة مدرسة عبيد الشعر والمدرسة الأخرى التي لا تنقح مسلم بن الوليد وأبي العتاهية ليكون هذا المثال شاهدا على شموخ أعلام هذه المدرسة. التقى أبو العتاهية بمسلم بن الوليد فقال له يا مسلم إنما يعيبك قلة شعرك فأنت في العام لا تقول إلا قصيدة أو قصيدتين بينما أنا أقول في كل يوم قصيدة قال مسلم: لو أردت أن أقول شعرا مثل شعرك لكان كل كلامي شعرا، ولكني أعطيك العمر كله لتقول مثل هذا القول:

المعلقة وزهير بن أبي سلمى

موف على مهج في يوم ذي رهج ... كأنه أجل يسعى إلى أمل هذا الكلام المنقح لا يقدر على سبكه إلا قلة من الشعراء أمثال زهير وتلامذته والنابغة وأضرابه ومسلم ومن نحا نحوه. يعتبر زهير عند بعض النقاد القدماء ثالث الفحول من الشعراء في الجاهلية. بل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، اعتبره خير الشعراء في الجاهلية على الإطلاق لأنه شاعر الحكمة، وكان لا يعاظل في الكلام. ولم يختلف النقاد في شأن معلقته نهائيا ولم يخرجوه من شعراء المعلقات كما فعلوا مع النابغة، والحارث بن حلزة اليشكري، والأعشى، أو عبيد بن الأبرص وكل الذين قالوا بالمعلقات ذكروا اسم زهير بينهم وكان واسطة العقد. فقد ترفع عن فحش امرئ القيس، وعنجهية بن كلثوم وغرابة كلمات لبيد وكان نسيجا مفردا في زمنه. المعلقة وزهير بن أبي سلمى وقال أبو سلمى زهير بن أبي سلمى يمدح الحارث بن عوف بن سنان المريين. وأبو سلمى بضم السين، وليس في العرب سلمى بضم السين غيره، وأبو سلمى هو ربيعة بن رياح بن قرة بن الحارث بن مازن بن ثعلبة بن برد بن لاطم بن عثمان بن مزينة بن أد طابخة بن إلياس بن مضر. وآل سلمى حلفاء في بني عبد الله بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر. وكان ورد بن جابس العبسي قتل هرم بن ضمضم المري الذي يقول له عنترة: ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر ... للحرب دائرة على ابني ضمضم قتله في حرب جرت بين عبس وذبيان قبل الصلح، ثم اصطلح الناس، ولم

يدخل حصين بن ضمضم أخوه في الصلح فحلف: لا يغسل رأسه حتى يقتل ورد بن حابس أو رجلا من بني عبس ثم من بني غالب، ولم يطلع على ذلك أحدا. وقد حمل الحمالة الحارث بن عوف بن أبي حارثة، فأقبل رجل من بني عبس ثم أحد بني مخزوم حتى نزل بحصين بن ضمضم ففال من أنت أيها الرجل؟ فقال: عبسي فقال من أي عبس؟ فلم يزل ينسب إلى غالب فقتله حصين فبلغ ذلك الحارث بن عوف وهرم ابن سنان فاشتد ذلك عليهما، وبلغ بني عبس فركبوا نحو الحارث، فلما بلغ الحارث ركوب بني عبس، واشتداد ذلك عليهم من قتل صاحبهم، وإنما أرادت بنو عبس أن يقتلوا الحارث، بعث إليهم بمئة ناقة من الإبل معهما ابنه، وقال للرسول قل لهم الإبل أحب إليكم أم أنفسكم؟

وأقبل الرسول حتى قال لهم ما قال ربيع بن زياد: إن أخاكم قد أرسل إليكم يقول الإبل أحب إليكم أم أنفسكم؟ يعني قتل ابنه تقتلونه؟ فقالوا: بل نأخذ الإبل، ونصالح قومنا. فقال زهير يمدح الحارث ين عوف وهرم بن سنان: أمن أم أوفى لم تكلم ... بحومانة الدراج فالمتثلم تقديره أمن دمن أم أوفى دمنة، لأن من هنا للتبعيض فأخرج الدمنة من الدمن. لم تكلم، وروى أن بعض أهل الإغارة وقف على معاهد، فقال: أين من شق أنهارك؟ وغرس أشجارك وجنى ثمارك ثم بكى. وقال أهل النظر في قوله تعالى: (قالتا أتينا طائعين) إنما كانت إرادة فكانت على ما أراده والدمنة: أثار الناس، وما سوي بالرماد وغيره. فإذا اسود المكان قيل: قد دمن، والدمن البعر والسرخين، والحومانة المكان الغليظ المنقاد وقيل الحومانة القطعة من الرمل والجمع: الحومان، والحوامين،

والدراج بفتح الدال وضمها، وحومانة الدراج والمتثلم موضعان بالعالية متقاربان منقادان، ومعنى قوله لم تكلم أي لم يكلم أهلها. ديار لها بالرقمتين كأنها ... رواجع وشم في نواشر معصم قال الأصمعي: الرقمتان أحدهما قرب المدينة، والأخرى قرب البصرة ومعناه بينهما وقال الكلابي: الرقمتان من جرثم، ومن مطلع الشمس من بين أسد، وهما أبرقان مختلطان بالحجارة، والرمل، والرقمتان أيضا بشط فلج أرض بني حنظلة، وقوله رواجع وشم أي ما رجع وكرر، وفلان يرجع صوته أي يكرره، والنواشر: عروق ظاهر الذراع. وقيل الناشر عصب الذراع من باطنها وظاهرها. والمعصم موضع السوار. شبه الآثار التي في الديار كمراجع الوشم ويروى دار لها بالرقمتين. بها العين والآرام يمشين خلفة ... وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم العين: البقر الوحشي الواحدة عيناء والذكر أعين، وإنما قيل لها عيناء لكبر عيونها، والأصل أن تجمع على فعل كما تقول في جمع أحمر وحمراء حمر لأن العين كسرت لمجاورتها الياء وقوله خلفة إذا مشى فوج جاء فوج، وقيل خلفة أي مختلفة،

هذه مقبلة وهذه مدبرة، وهذه صاعدة، وهذه نازلة، وخلفة في موضع الحال بمعنى مختلفات، والمجثم المكان الذي يجثم فيه أي تسكنه وتقيم فيه. وقفت بها، من بعد عشرين حجة ... فلأيا عرفت الدار بعد توهم الحجة: السنة، يقال حج وحج بالفتح والكسر فإذا جئت بالهاء كسرت لا غير، وقال أهل النظر بالإعراب الحجة السنة والحجة الفعلة من الحج بالفتح، واللأي البطء وقيل الجهد والمشقة. قالوا والمعنى فبعد لأي كأنهم يقدرونه على الحذف، والأجود أن يكون المعنى، فعرفت الدار لأيا، وقوله في موضع الحال والمعنى مبطئا فهذا بغير حذف. ومعناه إن عهدي بهذه الدار قد تم حتى أشكلت علي وقيل اللأي هو البطء. والتوهم ما وقع في وهمك ولم تحققه، وحجة منصوب على التفسير. أثافي سفعا في معرس مرجل ... ونؤيا كجذم الحوض لم يتثلم

الأثافي: الحجارة التي تجعل تحت القدر الواحدة أثفية، والسفع: السود، وإنما قوله تعالى (لنسفعن بالناصية) ومعناه لنأخذن يقال سفعت بناصيته: إذا أخذت بها، والمعرس هنا الموضع الذي يكون فيه المرجل، وكل موضع يقام فيه يقال له: معرس، والمرجل كل قدر يطبخ فيها من حجارة أو حديد. والنؤي حاجز يجعل دون الخباء يمنع من السيل من تراب وغيره. ويقال نأى إذا تباعدن وأناء غيره: إذا باعد غيره، وقد يقال ناءى غيره إذا باعده وجذم الحوض بقيته. ومعنى قوله لم يتثلم أي قد ذهب أعلاه ولم يتثلم باقيه. ويروى أثافي سفعا بتخفيف الياء وهو أكثر، وإن كان الأصل التثقيل لكثرة استعمالهم، وأثافي منصوب بقوله بعد توهم أثافي سفعا ويروى ونؤيا الحوض، والجد البئر العتيقة، والجد الطريق في الماء، ويقال للموضع الذي ترفأ فيه السفن جد وجدة أيضاً. فلما عرفت الدار قلت لربعها ... ألا انعم صباحا أيها الربع واسلم الربع: المنزل في الربيع، ثم كثر استعمالهم حتى قيل لكل منزل ربع وقوله إلا أنعم صباحا: أي كن في نعمة -يدعو له- لا تدرس، والذي في الظاهر للربع وفي الباطن لأهله ومن كان ساكنه. وروى الأصمعي ألا عم صباحا ومعناه أنعم صباحا وقال هكذا ينشده عامة العرب وتقدير الفعل الماضي منه وعم يعم ولا ينطق به. قال الفراء: وقد يتكلمون بالأفعال المستقبلية، ولا يتكلمون بالماضي منها، فمن ذلك قولهم: عم صباحا، ولا يقولون وعم صباحا، ويقولون: ذرا ذرا، ودعه.

ولا يقولون: وذرته وودعته، ولا يقولون غيره، ويتكلمون بالفعل الماضي ولا يتكلمون بالمستقبل، فمن ذلك عسيت أن أفعل ذلكن ولا يقولون: أعسى ولا عاس. وكذلك يقولون لست أقوم ولا يتكلمون بمستقبل ولا دائم. وصباحا منصوب على الظرف. تبصر خليلي هل ترى من ظعائن ... تحملن بالعلياء من فوق جرثم الظعائن النساء في الهوادج الواحدة ظعينةش ويقال للمرأة وهي في بيتها ظعينة وسميت بذلك لأنها يظعن بها أي يسافر، وأكثر أهل اللغة يقولون لما كثر استعمالها؛ لهذا سموا المرأة ظعينة حتى تكون في الهودج، ولا يقال للهودج ظعينة حتى تكون فيه المرأة. وقال الأصمعي من في قوله من ظعائن زائدة يريد أنها زائدة للتوكيد ويحتمل أن تكون غير زائدة وتكون للتبعيض والعلياء بلد وجرثم بضم الميم وبالتاء المثلثة المضمومة ماء لبني أسد. جعلن القنان عن يمين وحزنه ... وكم بالقنان من محل ومحرم

روى الأصمعي ومن بالقنان، والقنان جبل لبني أسد، والحزن، والحزم الأسود، وهو ما غلظ من الأرض والمحل الذي ليس له ذمة تمنع، ولا حرمة. والمحرم الذي له حرمة تمنع منه هذا قول أكثر أهل اللغة. وقال أبو العباس محمد بن يزيد المحل والمحرم هنا الداخلان في الأشهر الحرم وفي الأشهر التي ليست بحرم، ويقال أحرم إذا دخل في الشهر الحرام، وأحل إذا خرج منه، وقد حل من إحرامه، يحل حلا فهو حلال، ولا يقال حال، وقد أحرم بالحج يحرم إحراما فهو محرم وحرام. والمعنى كم بالقنان من عدو وصديق لنا، يقول حملت نفسي في طلب هذه الظعن على شدة أمر بموضع فيه أعدائي ولو ظفروا بي لهلكت. وعالين أنماطا عتاقا وكله ... وراد الحواشي لونها لون عندم وروى الأصمعي: علون بأنطاكية فوق عقمة ... وراد حواشيها مشاكهة الدم ويروى: علون بأنماط عتاق وكله ... وراد الحواشي لونها لون عندم عالين أي رفعن، الأنماط جمع نمط، والكلل جمع كلة وهي الستور الرقاق على الإبل الوارد الحمر التي لونها يميل إلى الأحمر وأنه أخلص الحاشية بلون واحد لم يعملها بغير الحمرة، والأنطاكية أنماط توضع على الخدور نسبتها إلى أنطاكية،

وعقمة والجمع عقم، مثل شيخة وشيخ، وشحمة وشحم، والعقم أن تظهر خيوط أحد السيرين، فيعمل العامل به، وإذا أراد أن يشي بغير ذلك اللون لواه وجمعه، وأظهر ما يريد مكانه والمشاكهة: المشابهة، والمشاكلة سواء، والعندم البقم والعندم: دم الأخوين ويقال النمط ثوب منقوش عتاق أي حسان. ظهرن من السويان ثم جزعنه ... على كل قيني قشيب ومفأم السوبان واد لبني أسد، وظهرن أي خرجن منه، وجزعنه قطعنه، والجزع قطع الوادي: والقيني القتيب يكون تحت الهودج، وهو الغبيط، منسوبة لبني قين وقشيب جديد، ومفأم واسع، وأراد الغبيط، والغبيط تحت الرحل. ووركن في السوبان يعلون متنه ... عليهن ذل الناعم المتنعم وركن فيه أي ملن فيه، يقال توركن موضع كذا، ووركن الإبل موضع كذا: أناخت فيه، ورأوا أوراكها، والمتن ما غلظ من الأرض، وارتفع، وقوله عليهن أي على الظاعنين، والتقدير ووركن في السوبان عاليات متنه، والتوريك ركوب أوراك الدواب والتنعم تفعل من النعمة.

كأن فتات العهن في كل منزلة ... نزلن به حب الغنا لم يحطم ويروى في كل موقف، وقفن به، والعهن جمع عهون، الصوف المصبوغ، شبه ما تفتت من العهن الذي علق على الهودج، إذا نزلن به منزلا بحب الغنا والغنا شجر له حب أحمر فيه نقط سود وقال الفراء هو عنب الثعلب وقال أبو عبيدة هو نبت له حب تتخذ منه القراريط، وهو شديد الحمرة. لم يحطم أراد حب الغنا صحيح، لأنه إذا كسر ظهر له لون غير الحمرة، والفتات اسم لما أنفت من الشيء؛ أي انقطع وتفرق، وأصله من الفت وهو التقطيع. قال الأصمعي: العهن الصوف صبغ ألم يصبغ، وهو هنا المصبوغ، وقوله لم يحطم: لم يكسر. بكرن بكورا واستحرن بسحرة ... فهن ووادي الرس كاليد في الفم ويروى فهن لوادي الرس كاليد في الفم، والرس واد فيه ماء ونخل لبني أسد، واستحر أي سار سحرا، ولا ينصرف سحرة، وسحر إذا عينتهما من يومك الذي أنت فيه، وإن عينت سحرا من الأسحار انصرف، ومعنى كاليد للفم: أي لا يجاوزن من هذا الوادي: أي لا يخطئنه كما لا تجاوز اليد للفم.

فلما وردن الماء زرقا جمامه ... وضعن عصي الحاضر المتخيم يقال ماء أزرق إذا كان صافيا، وجمام جمع جمة، وهو الماء المتجمع، يقال جم يجم جموما ويسمى الماء نفسه جما، والحاضر: النازل على الماء. المتخيم: المقيمن وأصله من تخيم إذا نصب الخيمة، ويقال: وضع الرجل عصاه إذا لم يرد السفر منه، المتخيم الذي ضرب خيمة وأقام، عصي جمع عصا وكان يجب أن يقول عصو، فأبدل من الواو ياء لأنها أطراف، ولأنه ليس بينها وبين الضمة إلا حرف ساكن، والجمع باب تغيير، ثم كسرت الصاد من أجل الياء التي بعدها. وصف أنهن في أمن ومنعة، فإذا نزلن آمنات كنزول من هو في أهله ووطنه. ونصب زرقا على أنه حال للماء ويصلح أن يكون حالا لأنه قد عادت عليه الهاء في قوله جمامه، ويرفع جمامه بقوله زرقا، ويكون المعنى يزرق جمامه، وجاز أن يقول زرقا، وإن كان بمعنى النظر، لأنه جمع مكسر فقد خالف الفعل من هذه الجهة كما تقول هذا رجل كرام قومه وكما قال: بكرت عليه غدوة فوجدته ... فعودا لديه بالصريم عواذله ولو كان في غير الشعر لجاز أن يقول: قاعدا. ومن يروي زرق جمامه رفع زرقا على أنه خبر الابتداء وينوى به التأخير وجمامه مرفوع بالابتداء. والمعنى: فلما وردن الماء جمامه زرق، ويجوز في غير الشعر أزرق جمامه على أن التقدير جمامه أزرق كما تقول الجيش مقبل.

[تذكر في الأحلام ليلى ومن تطف ... عليه خيالات الأحبة يحلم] وفيهن ملهى للطيف ومنظر ... أنيق لعين الناظر المتوسم ملهى ولهو واحد، وهو في موضع رفع الابتداء، وإن شئت بالصفة واللطيف المتلطف الذي ليس معه جفاء. وقيل عنى باللطيف نفسه: أي يتلطف في الوصول إليهن. وقوله اللطيف: الحسن الشمائل الفطن، وأنيق بمعنى مؤنق أي معجب، والمتوسم: الناظر، وقيل: المتوسم الطالب للوسامة، وهي الحسن. قال مجاهد في قوله تعالى: (والخيل المسومة) قال هي الحسنة والمتوسم الوسامة المتثبت. وقيل أنيق جميل. ويروى: وفيهن ملهى للصديق. سعى ساعيا غيظ بن مرة بعدما ... تبزل ما بين العشيرة بالدم

الساعيان الحارث بن عوف، وهرم بن سنان سعيا في حرب داحس والغبراء، فأصلحا. وغيظ بن مرة بن عبد الله بن غطفان. تبزل: تشقق وهو تمثيل. أي قد كان بينهم صلح فتشقق بالدم، فسعى ساعيا غيظ بن مرة، فأصلحاه، ويقال تبزل الجرح إذا هو تشقق فخرج ما فيه، وتبزل جلد فلان إذا عرق، وبزل ناب البعير أي موضع نابه، وذلك في السنة التاسعة، فإن البعير في أول سنة حوار، وفي الثانية ابن مخاص، وفي الثالثة ابن لبون، وفي الرابعة حق، وفي الخامسة جذع، وفي السادسة ثني، وفي السابعة رباع وفي الثامنة سدس، وسديسن وفي التاسعة بازل، وفي العاشرة مخلف، وهذا آخر سنيها، فإذا زاد على هذا قيل بازل عامين، ومخلف عامين، وبازل ثلاثة أعوام إلى أن ينتهي ويبلغ منتهاه. فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله ... رجال [بنوه] من قريش وجرهم يعني بالبيت: الكعبة وجرهم: كانو ولاة البيت وسكان الحرام قبل قريش وهم حي من اليمن، وهم أخوال إسماعيل بن إبراهيم 4، وبقوا بمكة مدة، واستحلوا حرمتها، وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها، ثم لم يتناهوا، حتى جعل الرجل منهم إذا لم يجد مكانا يزني فيه، دخل بناء الكعبة فزنى. وكانت مكة لا بغي فيها، ولا ظلم فيها، ولا يستحل حرمتها ملك إلا هلك مكانه، وكانت تسمى الناسة لأن أهلها كأنهم يبس من العطش كما قال:

ويلد تمسي ... قطاه نسسا ثم استوى من بعد جرهم خزاعة ثم قريش، وقد أوضحنا ذلك في كتابنا ترجمان الأشواق. يمينا لنعم السيدان وجدتما ... على كل حال من سحيل ومبرم أي نعم السيدان وجدتما حين تفاجآن لأمر قد أبرمتماه وأمر لم تبرماه، ولم تحكماه أي على كل حال من شدة الأمر وسهولته، والسحيل الخيط الذي على طاق واحدة، والمبرم المفتول على طاقين أو أكثر، والسحيل الضعيف، والمبرم القوي يقال: أبرم فلان الأمر إذا ألح فيه حتى يحكمه، وأبرم العامل الحبل: إذا أعاد عليه الفتل ثانيا بعد أول. فالأول سحيل والثاني مبرم ومنه قوله تعالى (أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون) قال الأفوه الأودي: إشارة الغي أن تلقى الجميع لدى ... الإبرام للأمر والأذناب أكتاد ومنه رجل برم، إذا كان لا يحضر الميسر، ولا يشهد الناس حيث يكون كأنه قد اشتد ضيق صدره، حتى صار لا يفعل مثل هذا. وحبل مبرم، وقد أبرمني، وأبرمت الشيء أبرمه برما، ومنه سميت البرمة؛

لإلحاح الناس عليها بالنار، وسكنت الراء لأنها مفعول به، يقال رجل ضحكة إذا كان يضحك منه وضحكة إذا كان يضحك من غيره بكسر الحاء. والسيدان الحارث بن عوف وهرم بن سنان مدحهما لإتمامهما الصلح بين عبس وذبيان وتحملهما ديات القتلى. تداركتما عبسا وذبيان بعدما ... تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم أي نعم السيدان وجدتما حيث تداركتما أمر هذين الحيين بعدما تفانوا في الحرب، فأصلحتم بينهم، ومنشم اسم امرأة عطارة من خزاعة، ويقال جرهمية، يشترى منها الحنوط، فإذا حاربوا كانو يشترون منها الحنوط والكافور لموتاهم فتشأموا بها ويقال إن قوما تحالفوا، فأدخلوا أيديهم في عطرها، ليتحرموا به، ثم خرجوا إلى الحرب، فقتلوا جميعا فتشاءمت العرب بها. يقول: فصار هؤلاء بمنزلة أولئك في شدة الأمر. وقال أبو عمرو بن العلاء عطر منشم، إنما هو من التنشيم في الشر، ومنه قولهم لما نشم الناس في أمر عثمان. وقال أبو عبيدة منشم اسم وضع لشدة الحرب وليس ثم امرأة كقولهم جاءوا على بكرة أبيهم وليس ثمة بكرة. وقال أبو عمرو الشيباني منشم امرأة من خزاعة كانت تبيع عطرا، فإذا حاربوا اشتروا منها كافورا لموتاهم فتشاءموا بها. وقال ابن الكلبي منشم ابنة الوجيه الحميري.

وذبيان بالضم والكسر، والضم أكثر، والأصل ذبان ثم أبدل من الباء ياء كما يقال تقصيت من القصة. وقد قلتما إن ندرك السلم واسعا ... بمال ومعروف من القول نسلم ويروى من الأمر، ومعنى واسع ممكن، يقول نبذل فيه الأموال، ونحث عليه وقوله نسلم أي نسلم من الحرب إن قبل منا إعطاء الديات، والسلم بكسر السين، وفتحها: الصلح يذكر ويؤنث قال: فلا تفيقن إن السلم آمنة ... ملساء ليس بها وعث ولا ضيق فأصبحتما منها على خير موطن ... بعيدين فيها من عقوق ومأثم منها: يعني الحرب بعيدين: أي لم تركبا منها ما لا يحل لكما، فلم تغمسوا أيديكما في الدماء فتأثموا ولم تتركوا قومكم، فتعقوهم، ونصب بعيدين على الحال، وخبر أصبحتما على خير، والعقوق قطيعة الرحم.

عظيمين، في عليا معد هديتما ... ومن يستنتج كنزا من المجد يعظم عليا معد وعلياء معد أرفعها، ويعظم أي يأتي بأمر عظيم، ويعظم: أي يصير عظيما، ويعظم أي يعظمه الناس. وأصبح يحدى فيهم من تلادكم ... مغانم شتى من إفال مزنم ويروى: فأصبح يجري فيهم من تلادكم. ويحدى: يساق، والتلاد: ما ولد عندهم أصله، ثم كثر استعمالهم إياه، حتى قيل لملك الرجل كله تلاده، وشتى متفرقة يقول صرتم تغرمون لهم من تلادكم. وقال أبو جعفر: قوله من تلادكم معناه من كرم سعيكم الذي سعيتم له حتى جمعتهم لهم الحمالة، ويروى من نتاج مزنم. فالإفال الفصلان، والواحد أفيل والمزنم علامة تجعل في الجاهلية، وعلى ضرب من إبل كرام وهو أن يسمى ظاهر الأذن أي يقشر جلدته ثم يفتل فيبقى زنمة تنوس أي تضطرب. وروى أبو عبيدة من إفال المزنم قال وهو فحل معروف. تعفى الكلوم بالمئين فأصبحت ... ينجمها من ليس فيها بمجرم

تعفى: تمحى الجراح بالمئين من الإبل، وتؤدى، تجعلونها نجوما، وقولهم: عفا الله عنك أي محا عنك الذنوب. وقد استعفى فلان من كذا سأل أن لا يكون له فيه أثر، وينجمها لأجل أدائها وقتا أي يغرمها لم يجرم فيها والجارم الذي قد أتى بالجرم، وهو الذنب. يقال أجرم وجرم، وأجرم أفصح، وبهما جاء القرآن الكريم، وجرم الشيء إذا حق وثبت، قال الشاعر: ولقد طعنت أبا عبيدة طعنة ... جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا ينجمها قوم لقوم غرامة ... ولم يهرقوا من بينهم ملء محجم ملء الشيء: مقدار ما يملؤه، والملء المصدر يقال: ملأته ملأ، وقد ملأ فلان إذا وضع في الشيء ما يملأه، وفلان مليء بين الملاءة، والملأ الأشراف. وأنت أملأ من فلان والملاءة بالمد التي يلتحف بها. والملاوة قطعة من الدهر، وأكثر أهل اللغة يقولون الملاوة وقد حكي بالضم وقولهم أمل جديد، وتملى حينا هو من هذا أي عاش قطعة من الدهر وقد أتى تفسير هذا البيت مع الذي قبله. ألا أبلغ الأحلاف عني رسالة ... وذبيان هل أقسمتم كل مقسم

الأحلاف أسد وغطفان، واحدهم حلف، ويقال: فلان حلف بني فلان إذا منعوه مما يمنعون منه أنفسهم، وأن يكونوا يدا واحدة على غيرهم. ومعنى هل أقسمتم كل مقسم: أي هل أقسمتم كل أقسام أنكم تفعلون ما لا ينبغي. وروى الأصمعي فمن مبلغ الأحلاف، يريد مبلغ الأحلاف على أن يحذف التنوين لالتقاء الساكنين. وحكي عن عمارة أنه قرأ (ولا الليل سابق النهار) فلا تكتمن الله ما في صدوركم ... ليخفى ومهما يكتم الله يعلم ويروى: في نفوسكم، يقول لا تكتموا الله ما صرتم إليه من الصلح، وتقولوا إنا لم نكن نحتاج إلى الصلح، وإنا لم نسترح من الحرب، فإن الله يعلم من ذلك ما تكتمون وقال أبو جعفر: معنى البيت لا تظهروا الصلح، وفي أنفسكم أن تغدروا كما فعل حصين بن ضمضم إذ قتل ورد بن حابس بعد الصلح أي صححوا الصلح. يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ... ليوم حساب أو يعجل فينقم

أي لا تكتمن الله في ما نفوسكم فيؤخر ذلك إلى يوم الحساب فتحاسبوا به أو يعجل في الدنيا النقمة به. وقال بعض أهل اللغة يؤخر بدل من يعلم كما قال تعالى (ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة) . وكما قال الشاعر: متى تأتنا تلحم بنا في ديارنا ... تجد حطبا جزلا ونارا تأججا فأبدل تلحم من تأتنا، وأنكر بعض النحويين هذا وقال لا يشتبه هذا بقوله تعالى (ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب) لأن مضاعفة العذاب هو لقي التأثيم. وليس التأخير العلم ألا ترى أنك تقول: "إن تعطني تحسن إلي أشكرك" فبدل تحسن من تعطني، لأن العطية إحسان، ولا يجوز أن تقول: إن تجئني نتكلم أكرمك إلا على بدل الغلط لأن التكلم ليس هو المجيء، وبدل الغلط لا يجوز أن يقع في السفر وأجاز سيبويه: أن يكون قوله يؤخر مردود إلى أصل الأفعال. قال بعض النحويين يؤخر جواب النهي والمعنى فلا تكتمن الله ما في نفوسكم يؤخر، وأجاز لا تضرب زيدا يضربك. وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم ... وما هو عنها بالحديث المجمجم

ويروى بالحديث المرجم يقول: ما الحرب إلا ما جربتم وذقتموه. فإياكم أن تعودوا إلى مثلها. وقوله وما هو عنها بالحديث أي الخبر عنها بحديث يرجم فيه بالظن، فقوله كناية عن العلم لأنه لما قال: إلا ما علمتم دل على العلم. قال تعالى: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لكم) . بل هو المعنى أنه لما قال يبخلون دل على البخل، كقولهم من كذب كان شرا أي كان الكذب شرا. والمرجم الذي ليس بمستيقن يقال: رجمه لظنه. إنما قال ما لا يتيقنه. متى تبعثوها ذميمة ... وتضر إذا ضربتموها فتضرم تبعثوها: تثيروها، ذميمة: مذمومة، وقال بعض أهل فعيل إذا كان بمعنى مفعول كان بغير هاء كقوله قتيل بمعنى مقتول، وهذا إنما يقع على المؤنث بغير هاء إذا تقدم الاسم كقولك مررت بامرأة قتيل أي مقتولة، فإن قيل مررت بقتيلة لم يجز حذف الهاء لأنه لا يعرف أنه مؤنث، وذميمة أي حقيرة وتضر يقال ضري يضرى ضراوة يكون أولها صغيرا ثم يعظم بعد ذلك، يقال تضرمت النار إذا اشتعلت. فتعرككم عرك الرحى بثفالها ... وتلقح كشافا ثم تنتج، فتتئم

الثقال جلدة تجعل تحت الرحى، ليكون ما سقط عليها، وأراد عرك الرحى، ومعها ثفالها: أي عرك الرحى طاحنة. قال تعالى: (تنبت بالدهن) . المعنى: ومعها الدهن كما تقول باء فلان بالسيف أي ومعه السيف. يقال لقحت الناقة كشافا إذا حمل عليها كل عام، وذلك أردأ النتاج، والمحمود عندهم أن يحمله عليها بعد سنة وتحجم سنة، يقال ناقة كشوف، إذا حمل عليها كل سنة، واللقح واللقاح حمل الولد. وإنما شبه الحرب بالناقة إذا حملت، ثم أرضعت ثم فطمت لأنه جعل ما يحلب منها من الدماء بمنزلة ما يحلب من الناقة، وقيل شبه الحرب بالناقة لأن هذه الحرب يطولهم شأنها وهو أشبه (بالمعنى) وتتئم أي تأتي بتوأمين: الذكر توأم والأنثى توأمة والجمع التوائم وقيل في قوله كشافا أي أنه يعجل عليكم أمرها بلا وقت، يقال: أكشف القوم إذا فعل بإبلهم كذلك. فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم ... كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم يقال نتجت الناقة تنتج، ولا يقال نتجت، وأنتجت، إذا استبان حملها فهي نتوج، ولا يقال منتج، وهو القياس، وأشأم فيه قولان أحدهما أنه بمعنى المصدر كما قال غلمان شؤم، وأشأم هو الشؤم بعينه. يقال كانت لهم بأشأم يريد بشؤم فلما جعل أفعل مصدرا لم يحتج إلى من ولو كان أفعل غير مصدر لم يكن بد منه. والقول الآخر أن يكون الغلمان غلمان امرئ أشأم أي مشؤوم. وكلهم مرفوع بالابتداء ولا يجوز أن يكون توكيدا لأشأم ولا الغلمان لأنهما نكرتان والنكرة لا تؤكد، وما بعدها خبر المبتدأ، كأنه قال كلهم مثل أحمر عاد يريد عاقر الناقة قدار بن سالف.

وقال الأصمعي أخطأ زهير في هذا لأن قدار عاقر الناقة ليس من عاد وإنما هو من ثمود، فغلط، فجعله من عاد. وقال أبو العباس محمد بن يزيد وهذا ليس بغلط لأن ثمود يقال لها عاد الآخرة ويقال لقوم هود عاد الأولى، ودليل قوله تعالى (وإنه أهلك عادا الأولى) وبه أقول. وقوله: ثم ترضع، فتفطم: أي أنه يتطاول أمرها حتى تكون بمنزلة من تلد وترضع وتفطم. فتغلل لكم ما لا تغل لأهلها ... قرى بالعراق من قفيز ودرهم قال الأصمعي يريد أنها تغل لهم دما يكرهون وليس تغل ما تغل قرى العراق من قفيز ودرهم، وقال يعقوب هذا تهكم وهزء. يقول لا يأتيكم منها ما تسرون به مثل ما يأتي أهل العراق من الطعام والدراهم، ولكن غلة هذا ما تكرهون. وقال أبو جعفر معناه أنكم تقتلون وتحمل إليكم ديات قومكم فافرحوا فهذه لكم غلة. لحي حلال يعصم الناس أمرهم ... إذا طرفت إحدى الليالي بمعظم الحلال: الكثير، والحلة: مائتا بيت، وقيل حي حلال: إذا نزل بعضهم قريبا من بعض، واللام في لحي متعلقة بقوله: سعى ساعيا غيظ بن مرة لحي حلال. وقيل

المعنى اذكر هذا لحي حلال، أي هذه الإبل التي تؤخذ في الدية لحي كثير، وإنما أراد أن يكثرهم ليكثر العقل، وقوله يعصم الناس أمرهم معناه: إذا ائتمروا أمرا كان عصمة الناس. كرام فلا ذو الضغن يدرك تبله ... ولا الجارم الجاني عليهم بمسلم ويروى ولا ذو الوتر يدرك وتره، والجارم الذي أتى الجرم، وهو الذنب ويروى فلا ذو النبل يدرك نبله لديهم ولا الجاني عليهم بمسلم الضغن، والضغينة: ما تكن في القلب من العداوة، والجمع الأضغان والضغاين. رعوا ما رعوا من ظمئهم، ثم أوردوا ... غمارا تفرى بالسلاح وبالدم الظمء في الإبل العطش، وهنا ما بين الشربتين، وإنما يريد أنهم تركوا الحرب ثم رجعوا، فحاربوا ألا تراهم أنهم أوردوا غمارا، والغمار جمع غمر وهو الماء الكثير، يريد أنهم وردوا على الموت كقول ورد القوم على الماء، تفرى: تشقق، وتكشف، وتتفتح، وأصله يتفرى ويروى، رعوا ظمأهم حتى إذا تم أوردوا. فقضوا منايا بينهم ثم أصدروا ... إلى كلأ مستوبل متوخم

المنايا: الآجال، أصدروا: أوردوا إبلهم الكلأ والرعي، والمستوبل: والمستثقل الذي لا يمري على من أكله، والمستوخم مثله، وقيل معنى قوله: ثم أصدروا إلى كلأ أي إلى أمر استوخموا عاقبته. لعمري لنعم الحي جر عليهم ... بما لا يؤاتيهم حصين بن ضمضم لعمري في موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف، كأنه قال لعمري الذي أقسم به وجر عليهم بمعنى جنى من الجريرة، وقوله بما لا يؤاتيهم: أي بما لا يوافقهم ويروى: بما لا يماليهم حصين بن ضمضم: أي يماليهم عليه والممالاة: المتابعة، وكل حصين من بني مرة أبى أن يدخل في صلحهم، فلما اجتمعوا للصلح شد على رجل منهم فقتله. وكأن طوى كشحا على مستكنة ... فلا هو أبداها ولم يتقدم

الكشح منقطع الأضلاع، والكاشح: العدو المضمر العدواة في كشحه، وقيل هو من قولهم كشح يكشح كشحا إذا أدبر، وولى، فسمي العدو كاشحا لإعراض قلبه عن الود. يقال طوى كشحه على كذا: أي أضمره في صدره، والاستكنان طلب الكن، والاستكنان الإستتار ومعنى البيت: وكان طوى الكشح على فعلة أكنها في نفسه، فلم يظهرها ويروى ولم يتجمجم أي ولم يدع التقدم على ما أضمر، وكان هرم بن ضمضم قتله ورد بن حابس فقتله حصين به، والمستكنة يعنى فعلة مكتومة وهي الغدرة. وقال أبو العباس هذا بإضمار قد، ومعناه، وكان قد طوى كشحا؛ لأن كان فعل ماض عنه إلا باسم، أو بما ضارع الاسم وأيضاً، فإنه لا يجوز كان زيد قام، لأن قولك زيد قام يغنيك عن كان، وخالفه أصحابه في هذا فقالوا الفعل الماضي قد ضارع أيضا، فهو يقع خبر لكان كما يقع الاسم، والفعل المستقبل، وأما قوله إن قولك زيد قام يغني عن كان، فإنه يجيء بكان لتوكيد أن الفعل ماض. وقوله على مستكنة أي على حالة مستكنة، فلا هو أبداها أي فلم يبدها؛ أي لم يظهرها، ومثله (فلا صدق ولا صلى) فلم يتصدق ولم يصل ولا يجيز النحويون ضربت زيدا. ولا ضربت عمرا، لئلا يشبه الثاني الدعاء ولا يجوز أن يكون المعنى ضربت زيدا، ولم أضرب عمرا لأن هذا إنما يكون إذا كان في الكلام دليل عليه كما قال تعالى (ولكن كذب وتولى) فمعنى لكن يدل على أن لا في قوله فلا يصدق ولا صلى بمعنى لم يصدق ولم يصل. وقال سأقضي حاجتي ثم أتقي ... عدوي بألف من ورائي ملجم فمن روى الجيم ملجم أراد بألف فرس ومن روى بكسرها أي بألف فارس

ملجم، والملجم نعت للألف، والألف مذكر، فإن رأيته في شعر مؤنثا، فإنما يذهب في تأنيثه إلى تأنيث الجمع وحاجته قتل ورد بن حابس. فشد ولم ينظر بيوتا كثيرة ... لدى حيث ألقت رحلها أم قشعم أي لم يحفل ويروى: ولم يرفع بيوتا كثيرة، ولم يخرج بيوتا أي لم يتجمع عليه أحد. والقشعم: العنكبوت، وقيل النسر، وهي هنا الحرب. لدى أسد شاكي السلاح مقاذف ... له لبد أظفاره لم تقلم ويروى مقذف وهو الغليظ اللحم، ومعناه أن سلاحه ذو شوكة وهو داخل فيه.

جريء متى يظلم يعاقب بظلمة ... سريعا وإلا يبد بالظلم يظلم ويروى جريء بالرفع أي هو جريء، ويظلم مجزوم بالشرط ويعاقب جوابه سريعا حال منصوبا، ويجوز أن يكون منصوبا على المصدر المحذوف كأنه قال يعاقب عقابا سريعا. لعمرك ما جرت عليهم رماحهم ... دم ابن نهيك أو قتيل المثلم

ولا شاركت في الحرب في دم نوفل ... ولا وهب فيها ولا أبيه المحزم روى يعقوب وغيره المحزم بالحاء المهملة وروى أبو جعفر المخزم بالخاء المعجمة وفاعل شاركت مضمر فيه ذكر الرماح، ويروى ولا شاركت في الموت، ويروى ولا شاركت في القوم، ويروى ولا شاركت كغيره. فكلا أراهم أصبحوا يعقلونه ... علالة ألف، بعد ألف مصمم قوله يعقلونه أي يودون عنه أي ديته، والعلالة هنا زيادة، وأصله من العلل وهو الشرب الثاني، كأنه فاضل عن الشرب الأول، والعرب تقول عرضت عليه عالة، وعلالة، ويكون للشيء اليسير نحو القلامة، وما أشبهها، والمصمم التام ويروي عثمان ألفا وكلا منصوبة، بإضمار فعل يفسره ما بعده، وكأنه قال فأرى كلا ويجوز الرفع على أن لا تضمر، إلا أن النصب أجود لتعطف فعلا على فعل لأن قبله ولا شاركت في الحرب فصار كقوله:

أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا والذئب أخشاه إن مررت به ... وحدي وأخشى الرياح والمطرا ومن بعض أطراف الزجاج فإنه ... مطيع العوالي ركبت كل لهذم ويروى: يطيع العوالي، والزجاج جمع زج، وهو أسفل الرمح، والعوالي جمع عالية وهو أعلى الرمح، واللهذم الحاد، وهو تمثيل أي من لم يقبل الأمر الصغير يضطره إلى أن يقبل الأمر الكبير. ومن يوف لا يذمم، ومن يغض قلبه ... إلى مطمئن البر لا يتجمجم يقال وفى، وأوفى أكثر وقوله من يغض قلبه أي يصير، ومطمئن البر: خالصه، ولا يتجمجم أي لا يتردد في الصلح، ويوف مجزوم بالشرط وجوابه لا يذمم، ولم تفصل "لا" بين الشرط وجوابه كما لم تفصل بين النعت والمنعوت في قولك مررت برجل لا جالس ولا قائم، وإنما خصت "لا" بهذا لأنها تزاد التأكيد كما قال الله تعالى: (ما منعك ألا تسجد) أي أن تسجد.

ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ... ولو رأم أسباب السماء بسلم ويروى: ومن يبغ أطراف الرماح ينلنه=ولو رام أسباب السماء بسلم يقول من تعرض للرماح نالته، ورام حاول، والأسباب النواحي، وإنما عنى بها من هاب كريهة أن تناله، لأن المنايا تنال من يهابها ومن لا يهابها ونظير هذا قوله تعالى: (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملقيكم) والموت ملاقي من فر ومن لا يفر عنه. ومن يجعل المعروف في غير أهله ... يكن حمده ذما عليه ويذمم يقول من وضع أياديه في غير مستحقيها، أي من أحسن إلى من لم يكن أهلا للإحسان إليه والامتنان عليه، وضع الذي أحسن إليه موضع الحمد ذمه. أي كافأه على إحسانه بدل المدح ذما للمحسن الذي وضع إحسانه في غير موضعه. لسان الفتى نصف، ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللحم والدم هذا قول العرب: المرء بأصغريه قلبه ولسانه. ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله ... على قومه يستغن عنه ويذمم جزم يك بالشرط وما حذف النون للتخفيف أو الأصل يكن إلا لكثرة الاستعمال ومضارعتها لحروف اللين والمد. ألا تراها تحذف في التثنية والجمع كما يحذف

حروف المد واللين في قولك: لم يضربا، ولم يضربوا فكذلك حذفت هنا للتخفيف، وقوله: فيبخل معطوف على يك، والجواب في قوله يستغن عنه ويذمم معطوف عليه. ومن لا يزل يسترحل الناس نفسه ... ولا يعفها يوما من الذل يندم أي يجعل نفسه كالراحلة للناس يركبونه، ويذمونه. ومن يغترب يحسب عدوا صديقه ... ومن لا يكرم نفسه لا يكرم أي من اغترب حسب الأعداء أصدقاءه، لأنه لم يجربهم، فتوقفه التجارب على ضمائر صدروهم، ومن لا يكرم نفسه بتجنب الرذائل لم يكرمه الناس. ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه ... يهدم ومن لايظلم الناس يظلم يذد: يطرد، ويدفع. أي من لا يمنع عن عشيرته يذل. قال الأصمعي: ومن ملأ حوضه ثم لم يمنع منه غشي، وهدم. وهو تمثيل: أي من لان للناس ظلموه، واستضاموه.

ومن لا يصانع في أمور كثيرة ... يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم يصانع: يترفق ويداري، فإنه من لا يصانع الناس، ولم يدارهم في كثير من الأمور قهروه، وأذلوه، وربما قتلوه، ويضرس: يمضغ بضرس، ويوطأ بمنسم، والضرس العض على الشيء بالضرس والمنسم خف البعير. ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفزه ومن لا يتق الشتم يشتم يفره: يتمه ولا ينقصه. يقال وفرته؛ وفارة ووفرة. سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولا لا أبا لك يسأم يقال سئمت السوء سآمة: مللته، والتكاليف هي المشاق، والشدائد. يقال: علي في مثل هذا الأمر تكلفة: أي مشقة. أي سئمت ما تجيء به الحياة من المشقة وقال سئم سآمة وسأمة ومثله رؤف رآفة ورأفة، وكآبة وكأبة، والألف تمد وتقصرن واللام في قوله: لا أبا لك زائدة ولولا أنها زائدة لكان لا أب لك، لأن الألف تثبت مع الإضافة، والخبر محذوف، والتقدير لا أبا لك موجود أو بالحضرة. رأيت المنايا خبط عشواء من تصب ... تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم

الخبط ضرب اليدين والرجلين، وإنما يريد أن المنايا تأتي على غير قصد، وليس ذلك إلا لأنها تأتي بقضاء وقدر، يقال عشي يعشو إذا أتى على غير قصد كأنه يمشي مثل الأعشى: ومهما تكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالها تخفى على الناس تعلم الخليقة والطبيعة واحد. قال الخليل: مهما أصله ماما فما الأولى للشرط والثانية للتوكيد فاستبقوا الجمع بينهما ولفظهما واحد فأبدلوا من الألف هاء. وأعلم ما في اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن علم ما في غد عمي أي أعلم ما مضى في أمس، وما أنا فيه اليوم، لأنه شيء قد رأيته فأما في غد فلا علم لي به لأني لم أره. [وكائن ترى من صامت لك معجب ... زيادته أو نقصانه في التكلم وإن سفاه الشيخ لا حلم بعده ... وإن الفتى بعد السفاهة يحلم سألنا فأعطيتم، وعدنا فعدتم ... ومن أكثر التسآل يوما سيحرم

عنترة

عنترة هو عنترة بن شداد العبسي أحد شعراء العرب وفرسانهم وأبطالهم ومن أصحاب المعلقات، أمه أمة حبشية يقال لها زبيبة، وكان لعنترة أخوة من أمه عبيد وكان هو عبدا أيضا لأن العرب كانت لا تعترف ببني الإماء إلا إذا امتازوا على أكفائهم ببطولة أو شاعرية أو سوى ذلك. وسرعان ما اعترف به أبوه لبسالته وشجاعته وكان السبب في ذلك أن بعض أحياء العرب أغاروا على بني عبس فلحقوهم وقاتلوهم وفيهم عنترة فقال له أبوه كر يا عنترة فقال له العبد لا يحسن الكر وإنما يحسن الحلاب والصر. فقال كر وأنت حر فكر وقاتل يومئذ فأبلى واستنفذ ما في أيدي القوم من الغنيمة فادعاه أبوه بعد ذلك. عنترة أحد أغرب العرب وهم ثلاثة عنترة وأمه سوداء واسمها زبيبة، وخفاف بن ندبة وأبوه عمير من بني سليم وأمه سوداء وإليها نسب والسليك بن السلكة من بني سعد وأمه اسمها السلكة وإليها نسب وهو أحد الصعاليك العرب الشجعان. كان عمرو بن معد يكرب الزبيدي يقول كنت أجوب الجزيرة العربية لا أخاف إلا من أبيضين وأسودين أما الأبيضان فربيعة بن زيد المكدم وعامر بن الطفيل وأما أسوداها فعنترة والسليك بن السلكة. كان عنترة شجاعا لا كالشجعان وكان أجود العرب بما ملكت يداه ولم يكن ذلك الشاعر الذي يعتد به فكانت مقطوعاته قصيرة. وسابه رجل فعيره بسواده وسواد أمه وأنه لا يقول الشعر فقال عنترة والله إن الناس ليترافدون الطعمة فما حضرت أنت ولا أبوك ولا جدك مرفد الناس وإن الناس ليدعون في الغارات فيعرفون بتسويمهم فما رأيتك في خيل مغيرة في أوائل الناس قط. وإن اللبس ليكون بيننا فما حضرت أنت ولا أبوك ولا جدك خطة فصل وإني لأحضر اللبس وأوفي المغنم وأعف عند المسألة وأجود بما ملكت يدي وأفضل

معلقة عنترة

الخطة الصماء وأما الشعر فستعلم فكان أول ما قاله معلقته المشهورة هل غادر الشعراء من متردم. ولكني لا أرى هذا فالشعر لا يكون هكذا ينتقل الإنسان من البيت والبيتين إلى المعلقة دفعة واحدة وإنما له مقطوعات كثيرة وقصائد إذا ما عرفنا أن القصيدة تزيد على عشرة الأبيات ولهذا فهو شاعر قبل المعلقة وقد تكون المعلقة قمة نتاجه من ناحية الطول إلا أن نفسه في قصائد كثيرة يظهر لمن يقرأ شعر عنترة. ابتلى عنترة بعشق عبلة وأهاج ذلك شاعريته ورفض عمه أن يزوجه عبلة وهو عبد فكان حافزا ليدفعه إلى الأمام للمعالي وللفروسية. حضر عنترة حرب داحس والغبراء وأبلى بلاء حسنا وصارت العرب تعده من فحولها بل إن السيرة اعتبرته أسطورة من أساطير العرب وسيرته من ست مجلدات ضخمة حوت التاريخ العربي الجاهلي فالغساسنة والمناذرة وملوك حمير وصراع العرب في ذي قار مع الفرس. وهذه السيرة فيها الكثير من القيم الخلقية والمثل العليا الكثير. وقد كتبها الشيخ يوسف بن إسماعيل وكان متصلا بالعزيز الفاطمي بالقاهرة دونها في اثنين وسبعين كتابا جعل كل اثني عشر كتاب في مجلد. عده صاحب الجمهرة ثاني أصحاب المجمهرات ويقول ابن قتيبة إن قصيدته هل غادر الشعراء تسميها العرب المذهبة. أما أبو عبيدة فعده في الطبقة الثالثة من الشعراء. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه ما وصف لي أعرابي فأحببت أن أراه إلا عنترة. معلقة عنترة وقال: عنترة بن معاوية بن شداد بن قراد، وكذا يعقوب بن السكيت. وقال أبو جعفر أحمد بن عبيد: عنترة بن شداد بن معاوية بن قراد أحد بني مخزوم بن ربيعة بن مالك بن قطيعة بن عبس العبسي. وقيل: ابن عود بن غالب، وكانت أمه حبشية، ويكنى أبا المغلس وقال غيره

هو عنترة بن شداد بن معاوية بن رباح. وقيل بن عوف بن مخزوم بن ربيعة بن مالك ابن قطيعة بن عبس. هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم متردم: من قولك ردمت الشيء إذا أصلحته، ومعناه: هل أبقى لأحد معنى إلا وقد سبقوا إليه. وهل تهيأ لأحد أن يأتي بمعنى السبق إليه، ويروى من مترنم والترنم صوت ترجعه بينك وبين نفسك، وقوله أم هل إنما دخلت أم على هل: وهما حرفا استفهام، لأن هل ضعفت في حروف الاستفهام فأدخلت عليها أم كما أن لكن ضعفت في حروف العطف. لا تكون مثقلة ومخففة وعاطفة، فلما لم تقف حروف العطف، أدخلت عليها الواو، ونظيره ما حكي عن الكسائي: أنه يجيز جاء في القوم إلا حاشا لأن حاشا ضعفت عنده إذا كانت تقع في غير الاستثناء ويروى: أم هل عرفت الربع، والربع المنزل في الربيع، ثم كثر استعمالهم حتى قالوا: لكل منزل ربع وإن لم يكن في الربيع وكذلك الدار من التدوير، ثم كثر استعمالهم حتى قيل لكل دار، إن لم يكن مدورا والتوهم: قل هو الابتكار ويحتمل أن يكون الظن.

أعياك رسم الدار لم يتكلم ... حتى تكلم كالأصم الأعجم إلا رواكد بينهن خصائص ... وبقية من نؤيها المجرنثم ولقد حبست بها طويلا ناقتي ... ترغو إلى سفع رواكد جثم] يا دار عبلة بالجواء تكلمي ... وعمي صباحا دار عبلة واسلمي الجواء: بلد يسميه أهل نجد جواء عدنة، والجواء أيضا جو، وهو البطن من الأرض، الواسع في انخفاض، معنى تكلمي: أخبري عن أهلك، وسكانك وعمي قال الفراء: عمي وانعمي واحد، يذهب إلى أن النون حذفت كما حذفت فاء الفعل من قولك خذ وكل ويروى أن أبا ذر لما أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له: أنعم صباحا، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله قد أبدلني منها ما هو خير منها. فقال له أبو ذر: ما هي. قال السلام. ومعنى اسلمي: سلمك الله من الآفات.

دار لآنسة غضيض طرفها ... طوع العناق لذيذة المتبسم] فوقفت فيها ناقتي وكأنها ... فدن لأقضي حاجة المتلوم الفدن: القصر، والمتلوم: المنتظر، وعنى بالمتلوم نفسه، لأقضي منصوب بإضمار أن ولام كي بدل عنها واللام متعلقة بوقفت فيها. وتحل عبلة بالجواء وأهلنا ... بالحزن فالصمان فالمتثلم

فالصمان، والصوان؛ ويقال: جبل الصوان، والصمان في الأصل لحجارة. والصوان: يستعمل لحجارة النار خاصة، وكانت العرب تذبح بها. وقال أبو جعفر: الجواء بنجد، والحزن لبني يربوع، والصمان لبني تميم، والمتثلم مكان. وتطل عبلة في الخزوز تجرها ... وأظل في حلق الحديد المبهم حييت من طلل تقادم عهده ... أقوى، وأقفر بعد أم الهيثم أقوى: خلا، والمقوون الذين فني زادهم، كأنهم خلوا من الزاد، وقيل المسافرون كأنهم نزلوا الأرض القواء، وأقفر معناه كأقوى، إلا أن العرب قد تكرر إذا اختلف اللفظان، وإن كان المعنى واحدا كقول الحطيئة: ألا حبذا هند وأرض بها هند ... وهند أتى من دونها النأي والبعد والنأي والبعد واحد.

وكقول الآخر: فقد تركتك ذا ... مال وذا نشب وهما بمعنى واحد، وزعم أبو العباس أنه لا يجوز أن يتكرر شيء إلا وفيه فائدة قال والنأي لما قل، والبعد لا يقع إلا لما كثر، والنشب ما ثبت من المال كالدار وما أشبهها يذهب إلى أنه نشب ينشب، وكذلك قال في قوله تعالى (شرعة ومنهاجا) الشرعة: ما ابتدى من الطريق، والمنهاج الطريق المستقيم. وقال غيره: الشرعة والمنهاج واحد: وهما الطريق، ويعني بالطريق هنا الدين. حلت بأرض الزائرين، فأصبحت ... عسرا علي طلابك ابنة محرم وروى أبو عبيدة: شطت مزار العاشقين فأصبحت ... عسرا علي طلابك ابنة مخرم والزائرون: الأعداء كأنهم يزأرون كما يزأر الأسد، وعسرا منصوبة على أنه خبر أصبحت، وطلابها مرفوع به، واسم أصبحت مضمر فيه، ويجوز أن يكون عسر رفع على أنه خبر الابتداء، ويضمر في أصبح، ويكون المعنى، فأصبحت طلابها عسر علي ونصب ابنة مخرم على أنه نداء مضاف، ويجوز الرفع في ابنة على أنه في مذهب البصريين فأصبحت ابنة مخرم طلابها عسر علي كما تقول: هند أبوها منطلق. ومعناه: شطت عبلة مزار العاشقين أي بعدت مزارهم وفيه رجوع الغيبة إلى الخطاب ومثله قوله تعالى (وسقاهم ربهم شرابا طهورا إن هذا كان لكم جزاء) ومن الخطاب إلى الغيبة كقوله تعالى (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح) . ومخرم اسم رجل، وقيل اسمه مخرمة ثم رخم في النداء.

علقتها عرضا وأقتل قومها ... زعما لعمرو أبيك ليس بمزعم علقتها: أي أحببتها يقال علق، وعلاقة من فلانة، وقوله عرضا أي كانت عرضا من الأعراض، اعترضني من غير أن أطلبه، ونصبه على البيان، وفي قوله زعما قولان أحدهما في أحبها، وأقتل قومها فكأن حبها زعم مني، والقول الآخر أن أبا عمرو الشيباني قال يقال زعم يزعم زعما إذا طمع، فيكون على هذا الزعم اسما يعني الزعم. وقال ابن الأنباري علقتها، وأنا أقتل قومها فكيف أحبها، وأنا أقتلهم؟! أي كيف أقتلهم وأنا أحبها؟ ثم رجع مخاطبا نفسه فقال: زعما لعمر أبيك ليس بمزعم أي هذا فعل ليس بفعل مثلي والزعم الكلام، ويقال أمر فيه مزاعم أي فيه منازعة، قال وقوله عرضا منصوب على المصدر والزعم كذلك. ولقد نزلت فلا تظني غيره ... مني بمنزلة المحب المكرم الباء في قوله بمنزلة متعلقة بمصدر محذوف لأنه لما قال نزلت دل على المنزول وقال أبو العباس في قوله تعالى (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم) إن الباء متعلقة بمصدر لأنه لما قال بمعنى على النصب على الإرادة، وقوله بمنزلة في موضع نصب، والمعنى لقد نزلت مني منزلة المحب، فلا تظني ما أنا عليه من محبتك والمحب جاء على أحب، وأحببت، والكثير في كلام العرب محبوب.

إني عداني أن أزورك فاعلمي ... ما قد علمت وبعض ما لم تعلمي حالت رماح ابني بغيض دونكم ... وزوت جواني الحرب من لم يجزم [يا عبل لو أبصرتني لرأيتني ... في الحرب أقدم كالهزبر الضيغم] كيف المزار وقد تربع أهلها ... بعنيزتين وأهلنا بالغيلم عنيزتين والغيلم موضعان يقول كيف أزورها، وقد بعدت عني، وتعذرت زيارتها، والمزار مرفوع بالابتداء على مذهب سيبويه، وبالاستقرار على مذهب غيره. إن كنت أزمعت الفراق فإنما ... زمت ركابكم بليل مظلم

يقال أزمعت، وأجمعت، فأنا مزمع، الإزماع توطين النفس على الشيء، والأزمة في الركاب، ولا يستعمل إلا في الإبل خاصة، والركب الجماعة الذين يركبون الإبل دائما، وإنما قصد الليل لأنه وقت تصفو فيه الأذهان، ولا يشتغل القلب بمعاش لا غيره. ما راعني إلا حمولة أهلها ... وسط الديار تسف حب الخمخم وسط: ظرف، وإذا لم يكن ظرفا، حركت السين، فقلت وسط الديار، وأسف تسف تأكل يقال سففت الدواء، وغيره أسفه سفا. قال أبو عمرو الشيباني: الخمخم: بقلة لها حب أسود، إذا أكلته الغنم، قلت ألبانها وتغيرت، وإنما يصف أنها تأكل هذا لا تجد غيره. وروى ابن الأعرابي الحمحم بالحاء المهملة غير المعجمة. ومعنى البيت أنه إذا أكلت حب الحمحم لجفاف العشب، والوقت خريف، وذلك أنهم كانوا مجتمعين في الربيع، فلما يبس البقل ارتحلوا: وتفرقوا منها اثنتان وأربعون حلوبة ... سودا كخافية الغراب الأسحم وروى خلية، والخلية أن تعطف على الحوار ثلاث نوق، ثم يتخلى الراعي بواحدة منهن فتلك الخلية، والحلوبة المحلوبة، تستعمل في الواحد، والجمع على لفظه واحد، والخوافي جمع خافية أواخر ريش الجناح مما يلي الظهر، والأسحم الأسود واثنتان مرفوع بالابتداء أو بالاستقرار، وأربعون معطوف عليه، وسودا: نعت

لحلوبة لأنها في موضع الجماعة، ويروى سود بالرفع على أن يكون نعتا لقوله اثنتان وأربعون. وإن قيل كيف جاز أن في أحدهما معطوفة على صاحبه قلت لأنهما اجتمعا فصارا بمنزلة جاءني زيد وعمرو الظريفان، والكاف في كخافية في موضع نصب والمعنى سودا مثل خافية الغراب الأسحم. [فصغارها مثل الدبى وكبارها ... مثل الضفادع في غدير مفعم ولقد نظرت غداة فارق أهلها ... نظر المحب بطرف عيني مغرم وأحب لو أسقيك غير تملق ... والله من سقم أصابك من دمي] إذ تستبيك بذي غروب واضح ... عذب مقبله لذيذ المطعم تستبيك تذهب بعقلك، وسباه الله أي غربه الله، وغرب كل شيء حده، وأراد بثغر ذي غروب، وغروب الأسنان حدها، والواضح: الأبيض ويريد بالعذب أن رائحته طيبة، فقد عذب لذلك، ويريد بالمطعم: المقبل، وإذ في موضع نصب،

والمعنى علقتها إذ تستبيك أو اذكر وقوله عذب نعت، ومقبله مرفوع به، ومعنى عذب: لذيذ كأن معناه مقبله عذب لذيذ المطعم. [وكأنما نظرت بعيني شادن ... رشأ من الغزلان، ليس بتوأم] وكأن فأرة تاجر بقسيمة ... سبقت عوارضها إليك من الفم أي وكأن فأرة مسك، والتاجر هنا العطار، والعوارض منابت الأضراس واحدها عارض، وهذا الجمع الذي على فواعل لا يكاد يجئ إلا جمع فاعلة نحو ضاربة، وضوارب، إلا أنهم ربما جمعوا فاعلا على فواعل لأن الهاء زائدة كهالك وهوالك فعلى هذا جمع عارضا على عوارض. أي سبقت الفأرة عوارضها، وإنما يصف طيب رائحة فمها، وخبر كأن قوله سبقت، وقوله بقسيمة هو تبيين وليس بخبر كأن، وهي الجونة، وقيل سوق المسك، وقيل هي العير التي تحمل المسك. أو روضة أنفا تضمن نبتها ... غيث قليل الدمن ليس بمعلم أي كأن ريحها ريح مسك، أو كريح روضة، وهي المكان المطمئن يجتمع إليه الماء، فيكثر نبته، ولا يقال في الشجر روضة، إنما الروضة في النبت، والحديقة في الشجر، ويقال أروض المكان: إذا صارت فيه روضة، والأنف التام من كل شيء، وقيل الأنف أول كل شيء ومنه استأنفت الأمر وأمر انف، واستأنف العمل والاستئناف، والائتناف بمعنى واحد.

والمعلم والمعلم، والعلامة واحد، والمعنى أن هذه الروضة ليس في وضع معروف فيقصدها الناس للرعي فيؤثروا فيها، ويوسخوها، وهي أحسن لها. المرفوع لأن الكلام قد طال، ألا ترى أنك إذا قلت ضربت زيدا وعمرو فقطعت عمرا على التاء كان حسنا لطول الكلام. [أو عاتقا من أذرعات معتقا ... مما تعتقه ملوك الأعجم] [نظرت إليه بمقلة مكحولة ... نظر المليل بطرفه المتقسم وبحاجب كالنون زين وجهها ... وبناهد حسن وكشح أهضم ولقد مررت بدار عبلة بعدما ... لعب الربيع بربعها المتوسم]

جادت عليه كل بكر حرة ... فتركن كل قرارة كالدرهم ويروى كل بكر ثرة، أي جادت بمطر جود، والبكر السحابة في أول الربيع التي لم تمطر، والحرة البيضاء، وقيل الخالصة، والثرة الكثيرة، والثرثار بمعناه، وإن لم يكن من لفظه، والقرارة الموضع المطمئن من الأرض، يجتمع فيه السيل. وكأن القرارة مستقر السيل، والهاء في عليه ضمير الموضع، وشبه بياضه ببياض الدرهم، لأن الماء لما اجتمع استدار أعلاه فصار كدور الدرهم. حا وتسكابا، فكل عشية ... يجري عليها الماء لم يتصرم تسكاب تفعال من السكب، وهو بمعناه، وسحا منصوب على المصدر لأن قوله: جادت عليه يدل على السح، فصار بمنزلة قول العرب هو يدعه دعا. وتسكابا مثله في إعرابهن كل عشية منصوب على الظرف والعامل فيه يجري لم يتصرم لم يتقطع، وخص مطر العشي لأنه أراد الصيف، وأكثر ما يكون بالليل مطره. وخلا الذباب بها فليس ببارح ... غردا كفعل الشارب المترنم الغرد: من قولهم غرد الشيء يغرد تغريدا إذا طرب، وأخرج غردا على قوله غرد يغرد غردا فهو غرد، وهو نصب على الحال والمعنى وخلا الذباب بها غردا كفعل الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف، والمعنى يفعل فعلا، مثل فعل

الشارب، والذباب واحد، مؤدى على جماعة بدليل قوله تعلى (وإن يسلبهم الذباب شيئا) والجمع أذبة في أقل العدد، وذبان في الكثرة، ببارح أي بزائل، ويقال ما برحت قائما أي ما زلت. هزجا يحك ذراعه بذراعه ... فعل المكب على الزناد الأجزم الهزج: السريع الصوت، المتدارك بصوته، والهزج خفة، وتدراكا يقال فرس هزج: إذا كان خفيف الرفع والوضع سريع المناقلة، ويروى هزجا بفتح الزاي، وهزجا بكسرها فمن كسرها فهو منصوب على الحال، وإذا فتحها، فهو مصدر والكسر أجود، ولأن بعده يحك، ولم يقل حكا، ويحك أيضا في موضع نصب على الحال ومعنى يحك ذراعه بذراعه: أي يمر بإحداهما على الأخرى وكذلك الذباب ويروى يسن بذراعه، وأصل السن التحديد. يريد قدح المكب الأجذم على الزناد، فهو يقدح بذراعه، فشبه الذباب به إذا سن ذراعه بالأخرى، وقال بعضهم: الزناد هو الأجذم، وهو قصير، فهو أشد لإكبابه عليه، فشبه الذباب إذا سن ذراعه بالأخرى برجل أجذم قاعد يقدح نارا بذراعه. والأجذم المقطوع اليد. وقال ابن الأنباري هزجا منصوب بالرد على الغرد، والقدح منصوب على المصدر وعلى الزناد صلة للمكب أي قدح الذي أكب على الزناد. تمسي وتصبح فوق ظهر حشية ... وأبيت فوق سراه أدهم ملجم

ويروى فوق ظهر فراشها، ويروى فوق سراة أجرد صلدم، وهو الشديد يعني فرسه. أي تمشي عبلة هكذا، أي هي منعمة موطأ لها الفرش، وأبيت أنا على ظهر فرس، وسراة كل شيء أعلاه وسراة النهار أوله. وحشيتي سرج على عبل الشوى ... نهد مراكله نبيل المحترم حشية: فراش والحشية من الثياب ما حشي والجمع الحشايا والنهد المشرف الصدر. قوله لعنت: يدعو عليها بانقطاع اللبن من ضرعها، وأنها لا تحمل ولا تلد، والشراب هنا اللبن.

خطارة غب السرى زيافة ... تطس الإكام بذات خف ميثم يقال ناقة تخطر في سيرها بذنبها، تطس بكسر الطاء، والوطس الضرب الشديد بالخف، يقال وطس يطس، إذا كسر وكذلك وثم يثم، وميثم على التكثير وكذلك وفض يفض، ولثم يلثم وهرس يهرس إذا كسر وكذلك لكم يلكم. وقوله: خطارة أي بقوائم ذات خف. وكأنما أقص الإكام عشية ... بقريب بين المنسمين مصلم يعني بذلك الظليم، وهو ذكر النعامة، والمصلوم المقطوع الأذنين. تأوي له قلص النعام كما أوت ... حزق يمانية لأعجم طمطم ويروى إلى قلص، والحزق بفتح الزاي، وكسرها وجمعه حزائق وهي

الجماعات من الإبل يعني به هنا اجتماع النعام حول هذا الظليم، يسمعن كلامه ولا يفهمن ما يقوله، ويقال طمطم وطمطماني وبه طمطمة، إذا كان كلامه يشبه كلام العجم، ويقال ألكن: وبه لكنة إذا كان يعترض في كلامه اللغة الأعجمية، ورجل تمتام وبه تمتمة، إذا كان يكرر الياء، ورجل فأفاه وبه فأفأة إذا كان يكرر الفاء، ويقال به عقلة، إذا كان به التواء عند إرادة الكلام، وبه حسبة إذا تعذر عليه الكلام عند إرادته، ويقال: إنها تعرض من كثرة السكوت، واللغف إدخال بعض الحروف في بعض، والرئة والرتت كالريح تعرض في أول الكلام فإذا مر في الكلام انقطع ذلك، ويقال أنها تكون غريزة، والغمغمة ألا تعرف تقطيع الحروف وهي تستعمل في كل كلام لا يفهم، والتغمغم مثله واللثغة أن يدخل بعض الحروف في بعض، والغنة أن يخرج الصوت من الخياشيم، ويقال إنها تستحسن في الحديث للسن، فإن اشتدت قيل لها الخنة والخنن والترخيم حذف في الكلام. يتبعن قلة رأسه وكأنه ... حرج على نعش لهن مخيم أي يتبعن القلص، وهن أولاد الظليم قلة رأسه، أي يطرن على رأسه والحرج: مركب من مراكب النساء، وهي أيضا عيدان الهودج، ويروى حرج بسكون الراء وفتحها وهي الجبال، والنعش يريد به الهودج. صعل يعوذ بذي العشيرة بيضه ... كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم

الصعل: ذكر النعام الصغير الرأس، والأصلم المقطوع الأذنين شبه به الناقة لسرعة عدوها ونشاطها وذو العشيرة موضع. شربت يماء الدحرضين فأصبحت ... زوراء تنفر عن حياض الديلم شربت من ماء الدحرضين، وهما ماءان، ويقال للواحد دحرض، والآخر وسيع فلما جمعهما غلب أحد الاسمين على الآخر، وهما يعرفان لبني سعد، والديلم: الأمة التي يقال لها الديلم، وهي صنف من الأتراك وأراد به العدو، والديلم: الداهية، والديلم: الظلمة، والديلم الجماعة. وقال أبو زيد الكلابي حياض الديلم آبار معروفة عندنا وقد أوردت فيها إبلي غير مرة. وكأنما ينأى بجانب دفها الو ... شي من هزج العشي مؤدم وبعضهم يكتبها بالألف مأدم والدف الجنب، الجانب الوحشي: الأيمن لأنه لا يركب منه، والأنس: الأيسر، والهزج: الذي يصوت، والمأدم: العظيم القبيح من الرؤوس ويقال أدم فهو مؤدم إذا كان عظيم الرأس. هر جنيب كلما عطفت له ... غضبى اتقاها باليدين وبالفم

جنيب: وكأن بجانبها هرا، يخدشها من نشاطها، وجنيب بمعنى مجنوب، والمعنى كلما عطفت الناقة للهر اتقاها، ويروى تقاها، يقال: تقاه، واتقاه والأصل في اتقاه: أو تقاه ثم أبدلوا من الواو تاء لأنهم يبدلون من الواو تاء. وليس ثمة تاء نحو اتجاه وتخمة فإذا كانت معها تاء كان البدل حسنا. أبقى لها طول الأسفار مفرقدا ... سندا ومثل دعائم المتخيم أي المتخذ خيمة. بركت على ماء الرداع كأنما ... بركت على قصب أجش مهضم

الرداع: موضع، الأجش: الصوت فيه بحة، ويروى: بركت على جنب الرداع القصب هنا تقع أضلاعها من هزالها، والمهضم، المخرق. المعنى: أنها حين بركت جشت في صوتها فشبه جنبيها بالقصب. وكأن ربا أو كحيلا معقدا ... حش الوقود به جوانب قمقم الرب الدبس، الكحيل القطران شبه عرق الناقة به وحش أي أحماه ويقال حششت النار إذا أوقدتها، والوقود الحطب وجوانب منصوبة، على أنها مفعولة لحش أو تقول: معنى حش: اتقد كما يقال: هذا لا يخلطه شيء، أي لا يختلط به شيء ويكون جوانب منصوبة على الظرف. [نضحت به والذفرى فأصبح جاسدا ... منها على شعر قصار مكدم بلت مغانيها به فتوسعت ... منه على سعن قصير مكرم]

ينباع من ذفرى عضوب جسرة ... زيافة مثل الفنيق المكدم قال ابن الأعرابي: ينباع: ينفعل من باع يبوع إذا مر مرا لينا فيه تلو كقول الآخر: تمت ينباع ... انبياع الشجاع وأنكر أن يكون الأصل فيه ينبع، وقال ينبع كما ينبع الماء من الأرض، ولم يرد ذلك. وإنما أراد السيلان منه وتلويه على رقبتها كما تتلوى الحية. وقال غيره: هو من نبع ينبع، ثم أشبع الفتحة فصارت ألفا والذفريان في أذنيها العظمان النابتان وراء الأذن، ومنتهى الشعر، وأول ما يعرق من البعير الذفريان، وأول ما يبدأ فيه السمن لسانه وكرشه، وآخر ما يبقى في السمن عيناه وسلاماه، ثم عظام أخفافه، والغضوب، والغضبى: واحد وأما غضوب للكثير كظلوم وغشوم، والجسرة الطويلة، وقيل الماضية في سيرها، وقيل الضخمة القوية، والزيافة المسرعة، والفنيق: الفحل، والكدم: العض. إن تغدفي دوني القناع فإنني ... طب بأخذ الفارس المستلئم الإغداف: إرخاء القناع على الوجه، والاغداف أيضا إرواء الرأس من الدهن، تغدفي: ترسلي وتحتجبي مني. يقال فلان مغدف: إذا غطى وجهه، والقناع مشتق من العلو، يقال: ضرع مقنع بفتح النون وكسرها، وإذا كان عاليا مرتفعا، والطب الحاذق، والمستلئم الذي قد لبس اللأمة، وهي الدرع.

يقول إن نبت عينك عني وأغدقت دوني قناعك فإني حاذق بقتل الفرسان وأسر الأقوام. أثنى علي بما علمت فإنني ... سهل مخالطتي إذا لم أظلم ويروى سمح مخالقتي، ومخالطتي في موضع رفع بقوله سهل أي تسهل مخالقتي، وإذا ظرف، والعامل فيه سهل. ومعنى البيت إذا رآك الناس قد كرهتني، فأغدقت دوني القناع، توهموا أنك استقللتني، وأنا مستحق لخلاف ما صنعت فأثني علي بما علمت. فإذا ظلمت فإن ظلمي باسل ... مر مذاقته كطعم العلقم أي فإن ظلمني ظالم فظلمي إياه باسل لديه أي كريه، أي مذاقته مرة، ومر مذاقته مرفوع بقوله مر ويكون كطعم خبر بعد خبر، وإن شئت كانت نعتا لقوله مر، ويجوز على إضمار هي كأنه قال هي كطعم الحنظل. [ولقد أبيت على الطوى وأظله ... حتى أنال به كريم المطعم]

ولقد شربت من المدامة بعدما ... ركد الهواجر بالمشوف المعلم أي بعدما ركدت الشمس، ووقفت، وقام كل شيء على ظله، والركود: السكون، والهواجر جمع هاجرة، وهي الظهيرة، ويقال لها هجير أيضا. والمشوف الدينار والدرهم، وقيل الكأس، وقيل البعير المهنوء، يقال: شفت الدينار إذا نقشته قال النابغة الجعدي. كهولا وشبانا كأن وجوههم ... دنانير مما شيف في أرض قيصر وشفت الشيء: إذا جلوته، وأصله مشووف، ثم ألقيت حركة الواو على الشين، فبقيت الواو ساكنة، وبعدها واو ساكنة فحدفت إحداهما لالتقاء الساكنين، والمخلوقة عند سيبويه الثانية لأنها زائدة، وعند الأخفش الأولى. بزجاجة صفراء ذات أسرة ... قرنت بأزهر في الشمال مفدم الأسرة: الخطوط واحدتها سرة، وسرر، وهذا عند أهل اللغة شاذ، وإنما الواجب أن يقال في واحد الأسرة: سرار، كما يقال في واحد الأمثلة: مثال. إلا أنه يجوز جمع سر على سرائر ويجمع سرارة على أسرة. قرنت أي جعلت [قرينته] ، والأزهر الإبريق من فضة أو رصاص. في الشمال: شمال الساقي، مفدم مسدود بالفدام وهي خرقة تجعل على رأسه تكون مصفاته.

فإذا شربت فإنني مستهلك ... مالي وعرضي وافر لم يكلم يكلم: يثلم. وإذا صحوت فما أقصر عن ندى ... وكما علمت شمائلي وتكرمي وحليل غانية تركت مجدلا ... تمكو فريصته كشدق الأعلم

تمكو فريصته، تصفر، والفريصة في الأصل الموضع الذي يرعد من الدابة عند البيطار، وهي لحمة تحت الثدي والكتف، ترعد عند الخوف، والكاف في موضع نصب أي تمكو مكاء مثل شدق الأعلم. سبقت يداي له بعاجل طعنة ... ورشاش نافذة كلون العندم أي رشاش ضربة نافذة، فأقام الصفة مقام الموصوف، والعندم صبغ أحمر، وقيل هو البقم، وقيل هو العصفر، وقيل هو صبغ للعرب، وهو جمع عندمة والكاف في موضع خفض لأنها نعت للرشاش، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ فيكون المعنى لونه كلون العندم.

[ف مغانم لو أشاء حويتها ... ويصدني عنها الحيا وتكرمي] هلا سألت الخيل يابنة مالك ... إن كنت جاهلة بما لم تعلمي [لا تسأليني واسألي بي صحبتي ... يملأ يديك تعففي وتكرمي] ولقد ذكرتك والرماح نواهل ... مني وبيض الهند تقطر من دمي

فهممت تقبيل السيوف لأنها ... لمعت كبارق ثغرك المتبسم إذا لا أزال على رحالة سابح ... نهد تعاوره الكماة مكلم الرحالة سرج من سروج العرب، كانت تعمل من جلود الشياه واحدة الرحائل تتخذ للجري الشديد، تعاوره الكماة بفتح الواو وكسرها، وفتح الراء وضمها، أي طعنه ذا مرة وذا مرة، أي تتداوله بالطعن وأصله تتعاوره [فحذف إحدى التائين] . طورا يجرد للطعان وتارة ... يأوي إلى حصد القسي عرمرم

العرمرم: الكثير: الشديد. يخبرك من شهد الوقائع أنني ... أغشى الوغى وأعف عند المغنم ومدجج كره الكماة نزاله ... لا ممعن هربا ولا مستسلم نزاله: منازلته في الحرب، لا ممعن أي مسرع، فيذهب ويعدو هربا ولا يسلم نفسه. فطعنته بالرمح ثم علوته ... بمهند صافي الحديدة مخذم

جادت يداي له بالعاجل طعنة ... بمثقف صدق الكعوب مقوم صدق أي صلب، الكعوب جمع كعب وهي أنبوب الرمح والجمع أنابيب. برحيبة الفرغين يهدي جرسها ... بالليل معتس الذئاب الضرم الرحيبة الواسعة: الفرغين: تثنية الفرغ، وهي مدافع الماء إلى الأودية الجرس: الصوت، المعتس من الذئاب: الطالب. الضرم جمع ضارم الجياع. فشككت بالرمح الأصم ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرم

الكريم: الشريف السيد الفاضل ومنه قوله تعالى (ولقد كرمنا بني آدم) ويقال للصبوح الكريم لتفضله قال تعالى (إن ربي غني كريم) ويقال للكثير كريم قال تعالى (ورزق كريم) ويقال للحسن كريم لقوله تعالى (ومقام كريم) وقوله ليس الكريم أي ليس يمنعه كرمه من أن يقتل بالقنا فما عليه ذلك بحرام. [أوجرت ثغرته سنانا لهذما ... برشاش نافدة كلون العندم] فتركته جزر السباع ينشنه ... يقضمن قلة رأسه والمعصم يقال: جزرته السباع، إذا تركته جزرا له، والجزر الشحم، والجزر الشاة، والجزر الناقة تذبح وتنحر، وينشنه يتناوله قال تعالى (وأنى لهم التناوش) وأنشد أبو عبيدة لغيلان بن حريث: فمتى تنوش الحوض نوشا من علا ... نوشا به تقطع أجراز الفلا ومن قرأ التناؤش بالهمزة ففيه قولان: أحدهما بمعنى غير المهموز، وأن الواو أبدلت فيها همزة لما انضمت كما يقال أدؤر في جمع دار، والقول الآخر إنه من النيش وهي الحركة في إبطاء. يقضمن: يقطعن، وإنما يكون بأطراف الأسنان خاصة والخضم بجميع الأسنان. ومشك سابغة هتكت فروجها ... بالسيف عن حامي الحقيقة معلم

السابغة: الدرع، هتكت فروجها أي خرقتها، والمعلم الذي يسم نفسه في الحرب بعلامة. ربذ يداه بالقداح إذا شتا ... هتاك غايات التجار ملوم

الربذ: السريع الضرب بالقداح، الخفيف اللعب، والقداح السهام، كانوا يقامرون بها وشتا: فعل من الشتا، يشتو. هتاك: قطاع، غايات جمع غاية وهي الرايات ينصبها الخمار ليعرف موضع داره والتجار جمع تاجر وهم الخمارون. لما رآني قد نزلت أريده ... أبدى نواجذه لغير تبسم أبدى: أظهر، فيقال أبدى يبدي، وبدا يبدو إذا ظهر وأنشد الأصمعي للربيع بن زياد العبسي: قد كن يخبأن الوجوه تسترا ... فاليوم حين بدون للنظار [فطعنته بالرمح ثم علوته ... بمهند صافي الحديدة مخذم] والمهند ما عمل بالهند، وقال أبو عمرو الشيباني النهنيد شحذ السيف. عهدي به مد النهار كأنما ... خضب البنان ورأسه بالعظلم

ويروى خضب اللبان، ومد النهار أي غاية النهار والعظلم صبغ أحمر تتخذه العرب. بطل كأنه ثيابه في سرحة ... يحذى نعال السبت ليس بتوأم السرحة: الشجرة، والسبت بكسر السين النعال اليمانية المدبوغة بالقرظ لا شعر عليه، وأما السبت بالضم فنبت يشبه الخطمي. قال حسان بن ثابت: وأرض يحاربها المدلجون ... ترى السبت فيها كركن الكثيب والسبت أيضا بالضم ما قطر من الثلوج قال الشاعر: كأن دموع العين يوم ترحلوا ... جمال تهادى خال في السلك أو سبت والسبت بالفتح اليوم المعروف والتوأم الأجرد. يا شاة ما قنص لمن حلت له ... حرمت علي وليتها لم تحرم

الشاة يريد بها المرأة، حلت له لمن قدر عليها، وحرمت علي لأنها بأرض الأعداء. فبعثت جاريتي فقلت لها اذهبي ... فتحسسي أخبارها لي واعلمي قالت رأيت من الأعادي غرة ... والشاة ممكنة لمن هو مرتم والغرة مكان اغترار وغفلة، والشاة كناية عن المرأة وممكنة من التمكين ومرتم مفتعل من الرمي والواو الحال. فكأنما التفتت بجيد جداية ... رشأ من الغزلان حر أرثم الجداية من الظباء بمنزلة الجاء من الغنم، وهو الذي عليه خمسة أشهر، والأرثم الذي في شفته العليا بياض أو سواد فإن كان في السفلى فهو ألمظ ولمظاء.

نبئت عمرا غير شاكر نعمتي ... والكفر مخبثةٌ لنفس المنعم مخبثة: مفعلة من الخبث. ولقد حفظت وصاة عمي بالضحى ... إذ تقلص الشفتان عن وضح الفم تقلص بكسر اللام وضمها، ووضح الفم يعني به أسنانه. في حومة الموت الذي لا تشتكي ... غمراتها الأبطال غير تغمغم

ويروى الذي لا يشتكي والحومة من كل شيء معظمه وشدته، ويتقيك يتستر، والغمرة الشدة، والغمرات جمع غمرة وجمعت بالتحريك للتفريق بين الأسماء والصفات كما تجمع جفنة جفنات، وعبلة عبلات، وفي النعت عبلات بإسكان الباء، وكان النعت أحق بالإسكان لأنه أثقل إذا كان ثانيا، والعبل الممتلى، والعبلاء: الهضبة البيضاء. وامرأة عبلاء: إذا كانت بيضاء، والتغمغم صوت تسمعه، ولا تفهمه. إذ يتقون بي الأسنة لم أخم ... عنها ولكني تضايق مقدمي ويروى نسابق مقدمي، ولم أخم، لم أنكل، ولم أضعف، ولم أجبن، ولم أعدل عنها وهو من خام يخيم؛ إذا أصاب رجله كسر. لما سمعت نداء مرة قد علا ... وابني ربيعة في الغبار الأقتم

الأقتم: المرتفع، وقيل المتغير ومنه قول رويم "وقاتم الأعماق خاوي المخترق". ومحلم يسعون تحت لوائهم ... والموت تحت لواء محلم محلم مرفوع بالابتداء والجملة في موضع نصب على الحال كما تقول كلمت زيدا وعمرو جالس، قال الله تعالى: (يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم) والمعنى عند سيبويه. أيقنت أن سيكون عند لقائهم ... ضرب يطير عن الفراخ الجثم وقوله أيقنت أن سيكون عند لقائهم: أن ها هنا الثقيلة التي تعمل في الأسماء، ومفعول يطير محذوف والمعنى يطير الهام عن الفراخ الجثم، وإنما شبه ما حول الهام بالفراخ أي المقيمة في أوكارها وأعشاشها. [ولقد هممت بغارة في ليلة ... سوداء حالكة كلون الأدلم]

لما رأيت القوم أقبل جمعهم ... يتذامرون كررت غير مذمم أي حملت عليهم غير مذموم، وقوله لما رأيت القوم أقبل جمعهم أي قد أقبل فحذف قد، وقوله يتذامرون أي يحض بعضهم بعضا وغير منصوب على الحال كأنه قال كررت مخالفا للمذمة، ويتذامرون موضعه في محل نصب على الحال، وأقبل جمعهم حال القوم. يدعون عنتر والرماح كأنها ... أشطان بئر في لبان الأدهم ويروى عنتر وعنتر بالضم والفتح فمن فتح الراء رخم عنترة وترك ما قبل المحذوف على حاله مفتوحا ومن ضمها احتمل وجهين أحدهما أن يكون قد جعل ما بقي اسما على حاله لأنه قد صار كحروف الإعراب. والوجه الثاني ما رواه المبرد عن بعضهم إنه كان يسميهم عنتراً، فعلى هذا الوجه لا يجوز إلا الضم، ويجوز أن يكون عنتراً في هذا الوجه منصوبا بيدعون. والواو في قوله والرماح واو الحال. والأشطان جمع شطن وهو حبل البئر يريد أن الرماح في صدر هذا الفرس بمنزلة حبال البئر من الدلاء؛ لأن البئر إذا كانت كبيرة كثيرة الوراد، فقد اضطربت الدلاء فيها فيجعل فيها حبلان لئلا تضطرب واللبان الصدر.

يدعون عنتر والسيوف كأنها ... برق تلألأ في سحاب مظلم يدعون عنتر والدروع كأنها ... حدق الضفادع في غدير نجم يدعون عنتر والنبال كأنها ... طش الجراد على المنادح حوم يدعون عنتر والوغى ترمي بهم ... والموت نحو لواء آل محلم [كيف التقدم والرماح كأنها ... برق تلألأ في السحاب الأركم؟

كيف التقدم والسيوف كأنها ... غوغا جراد في كثيب أهيم؟ فإذا اشتكى وقع القنا بلبانه ... أدنيته من سل عضب مخذم] ما زلت أرميهم بغرة وجهه ... ولبانه حتى تسربل بالدم يقول عن فرسه، ويروى بثغرة نحره، واللبان: الصدر تسربل صار بمنزلة السربال وهو القميص. [يدعون عنتر والدماء سواكب ... تجري بفياض الدماء وتنهمي

يدعون عنتر والفوارس في الوغى ... في حومة تحت العجاج الأقتم يدعون عنتر والرماح تنوشني ... عادات قومي في الزمان الأول] ولقد شفى قلبي وأبرأ سقمه ... قول الفوارس ويك عنتر أقدم ويروى شفى نفسي، ويروى قيل الفوارس، وهو واحد من الأقيال وهم الملوك، ويك معناها: ألم تر وأما ترى، وروى سيبويه عن الخليل أن وي كلمة منفصلة يقولها المتندم إذا تنبه على ما كان منه. فكأنهم قالوا على التندم في قوله تعالى (وي كأنه لا يفلح الكافرون) وأنشدوا لنبيه بن الحجاج: تسألان مالا وإن رأتاني ... قل مالي قد جئتماني بنكر وي كأن من يكن له نشب يحبب ... ومن يفتقر يعش عيش ضر يقال سقم وسقم بفتح القاف وضمها، ومعنى البيت إني كنت أكبرهم فلذلك خصوني بالدعاء. وقوله ويك معناه ويحك وقد قال بعضهم معناه ويلك، وكلا القولين خطأ؛ لأنه كان يجب على هذا أن يقرأ: ويك أنه كما يقال: ويلك أنه، وويحك أنه. على أنه قد احتج صاحب هذا القول بأن المعنى ويلك اعلم [لقوله تعالى] (وي كأنه لا يفلح الكافرون) وهذا خطأ من جهات:

إحداها: حذف اللام من ويلك، وحذف اعلم، لأن مثل هذا لا يحذف؛ لأنه لا يعرف معناه. وأيضا وأن المعنى لا يصح؛ لأنه لا يدري من خاطبوا بهذا. وروي عن أهل التفسير أن معنى ويك ألم تروا ما ترى، والأحسن في هذا ما روى سيبويه عن الخليل وهو وي مفصولة كأنه قالوا على التندم. وازور من وقع القنا بلبانة ... وشكا إلي بعبرة وتحمحم ازور مال، شكا إلي (مثل) يقول لو كان ممن تصح منه الشكاية لشكا. والتحمحم صوت متقطع ليس بالصهيل. لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ... ولكان لو علم الكلام مكلمي المحاورة المراجعة ويحاور محاورة وحوارا وهو اسم تام، والمحاورة خبر لمبتدأ وما في موضع رفع مبتدأ وخبره في موضع نصب بقوله يدري. وقوله ولكان جاء باللام فإنه محمول على المعنى. والتقدير لو كان يدري ما المحاورة لاشتكى، وهو عطف جملة على جملة. [آسيته في كل أمر نابنا ... هل بعد أسوة صاحب من مذمم

فتركت سيدهم لأول طعنة ... يكبو صريعا لليدين وللفم ركبت فيه صعدة هندية ... سحماء تلمع ذات حد لهذم] والخيل تقتحم الخبار عوابسا ... من بين شيظمة وأجرد شيظم الاقتحام الدخول في الشيء بسرعة، والخبار الأرض اللينة ذات الحجر والجرفة، والركض يشتد فيها، والعوابس: الكوالح من الجهد، والشيظم: الطويل، والأجرد القصير الشعر. [ولقد كررت المهر يدمي نحره ... حتى اتقتني الخيل بابني حذيم إذ يتقى عمرو، وأذعن غدوة ... حذر الأسنة إذ شرعن لدلهم

يحمي كتيبته ويسعى خلفها ... يفري عواقبها كلدغ الأزقم ولقد كشفت الخدر عن مربوبة ... ولقد رقدت على نواشر معصم ولرب يوم قد لهوت وليلة ... بمسور ذي بارقين مسوم] ذلل ركابي حيث شئت مشايعي ... قلبي وأحفزه بأمر مبرم ويروى مشايعي همي، وأحفزه برأي مبرم. ذلل جمع ذلول والذلول من الإبل وغيرها الذي هو ضد الصعب، وركابي في موضع رفع بالابتداء وينوى به التقديم، وذلل خبر وإن شئت كان ذلك رفع بالابتداء وركابي خبره، وإن شئت جعلت ركابي فاعلا يسد مسد الخبر فيكون على هذا قال: ذلل ولم يوجد لأنه جمع تكسير. والمعنى أن ناقتي معتادة للسير ذلولة، وروى الأصمعي مشايعي، وقال معناه لا يعزب عقلي في حال من الأحوال واحفزه أدفعه، والمبرم المحكم.

ولقد خشيت بأن أموت ولم تكن ... للحرب دائرة على ابني ضمضم ويروى ولم تدر، ويروى ولم تقم. قال ابن السكيت هما هرم وحصين ابنا ضمضم المريان والدائرة ما ينزل وقيل في قوله [عز وجل] (ويتربص بكم الدوائر) يعني الموت أو القتل وهرم وحصين ابنا ضمضم اللذان قتلهما ورد بن حابس العبسي وكان عنترة قتل أباهما ضمضما فكانا يتوعدانه. الشاتمي عرضي ولم أشتمهما ... والناذرين إذا لقيتهما دمي ويروى إذا لم ألقهما دمي، يقولان إذا لقيناه لنقتله، وقوله الشاتمي عرضي أي اللذان شتما عرضي، والنون تحذف في هذا كثيرا للتخفيف تقول جاءني الضاربا زيد. ويقال نذرت النذر أنذره وأنذره إذا أوجبته على نفسك، وأنذرت دم فلان إذا أبحته. [أسد علي وفي العدو أذلة ... هذا لعمرك فعل مولى الأشأم] إن يفعلا فلقد تركت أباهما ... جزر السباع وكل نسر قشعم

يقول: إن نذرا دمي فقد قتلت أباهما، وأجزرته للسباع أي تركته جزرا والقشعم الكبير من النسور، والقشعم أيضا الموت، والقشعم العنكبوت. [لما استقام بصدره متحاملا ... لا قاصدا صمد الطريق ولا عمي إن العدو على العدو لقائل ... ما كان يعلمه وما لم يعلم] لا تحسبن طعان قيس بالقنا ... وضرابهم بالسيف حسو الترتم أمي زبيبة لست أنكر اسمها ... وأنا ابن فرق الجماجم والفم ملاحظة أخيرة وردت أبيات في العقد الفريد من قافية المعلقة وفيها بعض التشابه منسوبة إلى أفنون التغلبي وهو شاعر جاهلي فأردت أن أثبتها قال أفنون التغلبي: ولقد أمرت أخاك عمرا مرة ... فعصى وضيعها بذات العجرم

في غمرة الموت التي لا تشتكي ... غمراتها الأبطال غير تغمغم وكأنما أقدامهم وأكفهم ... سرب تساقط في خليج مفعم لما سمعت نداء مرة قد علا ... وابني ربيعة في العجاج الأقتم ومحلم يمشون تحت لوائهم ... والموت تحت لواء آل محلم لا يصدفون عن الوغى بوجوههم ... في كل سابغة كلون العظلم ودعت بنو أم الرقاع فأقبلوا ... عند اللقاء بكل شاك معلم وسمعت يشكر تدعي بخبيب ... تحت العجاجة وهي تقطر بالدم يمشون في حلق الحديد كما مشت=أسد العرين بيوم نحس مظلم والجمع من ذهل كأن زهاءهم ... جرد الجمال يقودها ابنا قشعم والخيل تحت العجاج عوابسا ... وعلى سنابكها مناسج من دم وقال محقق العقد تنسب الأبيات في غمرة الموت، لما سمعت، ومحلم إلى عنترة وأنا أنفي لما سمعت نداء مرة ومحلم فهي في الواقع أقرب إلى أفنون التغلبي لأن محلم الشيباني وقف في الحرب مع بكر ضد بني تغلب ولم يكن في حرب مع عنترة وكذلك آل مرة بن ذهل قاتلوا كليب بن ربيعة قتله جساس بن مرة وابني ربيعة إنما هما حيا بكر وتغلب فهم أبناء ربيعة بن نزار بن معد. وبهذا انتهت المعلقة.

لبيد بن ربيعة العامري

لبيد بن ربيعة العامري هو لبيد بن ربيعة بن مالك العامري من هوازن قيس قتل والده في السنوات الأولى من عمره فكفله عمامه وكان أبوه يلقب بربيعة المقترين لكرمه وسؤدده أمه بنت فاطمة الأنمارية أم الكملة وأخواله الربيع بن زياد وعمارة الوهاب وأنس الفوارس من بني عبس، عاش لبيد في قومه عيشة السادة يقري الضيف ويهرع للنجدة وينظم في الفخر والحكمة والوصف ترفع عن التكسب بشعره أخذ من المجد من أطرافه ففي شعره فخر عمرو بن كلثوم ودقة امرئ القيس وحكمة بن زيد. عاش لبيد حتى الإسلام وكان أخوه أربد في وفد بني عامر على الرسول صلوات الله عليه وفد مع عامر بن الطفيل وقد عقدا العزم على الغدر برسول الله ولما فشلا في مبتغاهما قفلا عائدين فمات عامر وعرف عنه غدة كغدة البعير وموت في بني سلول وانحدرت صاعقة على إربد فقتلته وكان ذلك نتيجة لدعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهما فجع لبيد بمقتل أخيه ورثاه رثاء مرا وأعلن إسلامه ثم توقف عن الشعر منذ أن أعلن إسلامه وكان يفتخر بتلاوة القرآن الكريم وحسن إسلامه وقد يكون في ساعات الفراغ عاد فنقح شعره ولهذا نرى المعاني الإسلامية داخلة في شعره الرثائي رغم أنه لم يقل شعرا في هذه الفترة إذ عاش في الإسلام ردحا من الزمن وتوفي في أيام خلافة معاوية بن أبي سفيان ومن هنا أتت نظرة الاستسلام لمشيئة الله في الموت وهو آخر أصحاب المعلقات وقد أربى عمره على المئة والأربعين سنة. يعتبر لبيد الشاعر الذي يمثل السمات العربية في بلاد نجد في تلك الفترة فقد كانت مضارب بني عامر في نجد من وصف للصحراء. ولكنه لم يستطع أن يجعل نفسه مدار الفخر كما فعل عنترة أو أن يرتفع في شعره الملحمي إلى عمرو بن كلثوم من مبالغة وافتخار فهو فارس واثق من نفسه وسيد من سادات قبيلته ولهذا نلحظ فيه خشونة البدوي في بيته، في صحرائه يعرو

كلماته الجفاف وتسيطر عليها الغرابة وخاصة في شعره الوصفي وتمثلها المعلقة إما إذا أردنا رقة اللفظ فعلينا أن نقرأ شعره الرثائي والحكمي وهذا ليس مجال بحثنا الآن. المعلقة هي المعلقة الرابعة بين المعلقات السبع فهو يأتي بعد امرئ القيس وطرفة وزهير حسب رأي النقاد في تلك الأيام ويأتي بعده عنترة وعمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة فهو واسطة العقد بين المعلقات وهذه هي المعلقات التي أجمع عليها النقاد في أدبنا القديم. تمتاز هذه المعلقة بأنها تبدي الصراع بين الموت والحياة ويبدو الصراع بين البقرة وكلاب الصيد واضحا، وكأنه أمام إنسان يصارع الحياة وقد تجلت بهمومها وعذابها، هذا المصير الذي يجعله يتعلق بهموم الحياة خائفا من المجهول الذي يأتيه بعد الموت وهذا ما كان يقف عنده الإنسان الجاهلي إذ لم يكن لديهم الحساب والعذاب والنعيم في الدار الآخرة. فالصراع بين الحياة والموت كصراع البقرة الوحشية وهي تدافع عن مصيرها أوليس الإنسان فردا يصارع كالبقرة الوحشية. بهذا المعنى النفسي بنى قصيدته ولهذا كانت موضوعية أكثر من بقية المعلقات التي كانت تتناول موضوعات عديدة لا رابطة بينها. إن لبيد هو بداية لذي الرمة الذي تابع الصراع في ديوانه ولم يجعل الموت ينتصر على الحياة ولا الحياة على الموت بل تركها تتذبذب بين الاستمرارية والفنا بين الأمل واليأس. ومن هنا يبدو وصفه عميقا متقصيا لحياة البقرة وما يحيط بها. وهو في قصيدته يمثل الحياة البدوية خير تمثيل ولو كان باحث ما يريد أن يبحث الحياة البدوية الجاهلية بما فيها من مشقات وأتعاب لكان عليه أن يدرس معلقة لبيد بن ربيعة العامري.

لبيد والمعلقة

لبيد والمعلقة وقال أبو عقيل لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب بن عامر بن صعصعة ابن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وكان يكنى أبا عقيل. عفت الديار: محلها فمقامها ... بمنى تأبد غولها فرجامها

فمدافع الريان عري رسمها ... خلقا كما ضمن الوحي سلامها المدافع مجاري المياه في الأودية واحدها مدفع، ويقال هي الأودية نفسها متصلة بعضها ببعض، والريان اسم واد وقيل اسم جبل، ويقال عرى وعراي أي عري من أهله، فخلا رسمها أي أثرها خلقا أي قد خلق بعد حدوثه، والوحي جمع وحي وهو الكتاب والأصل الموحو فصرف عن المفعول إلى فعيل فأبدلت من الواو ياء ومثله حلي وحلي، والسلام جمع سلمة وهي الحجارة. دمن تجرم بعد عهد أنيسها ... حجج خلون حلالها وحرامها

الدمن جمع دمنة، وهو البعر والسرخين والرماد، وآثار الناس، وحلالها يعني به شهور الحل وحرامها شهور الحرم. ويروى دمنا تجرم بالنصب على الحال من الديار والمنازل المذكورة. رزقت مرابيع النجوم وصابها ... ودق الرواعد جودها فرهامها أي رزقت هذه الدار: أي أمطرت. والمرابيع جمع مرباع وهي التي تنجم أول الربيع يعني الأمطار، ضرب به مثلا وصابها بمعنى أصابها بمطر، والرواعد: السحاب التي فيها رعد. جودها جمع رهمة وهي الأمطار اللينة. من كل سارية وغاد مدجن ... وعشية متجاوب إرزامها

فعلا فروع الأيهقان وأطفلت ... بالجلهتين ظباؤها ونعامها فعلا من العلو والارتفاع، والأيهقان: الجرجير البري، واحدتها أيهق وأيهقانة، وأطفلت بمعنى توالدت والجلهتان ما استقبلك من جانبي الوادي، ويقال الجلهة: ما انحبس عنه نبات الوادي والجمع الجلهات. والوحش ساكنة على أطلائها ... عوذا تأجل بالفضاء بهامها

ويروى والعين: وهو بقر الوحش، واحدها أعين. أطلاؤها أولادها واحدتها طلاء وهي الصغيرة من أولاد الظباء والبشر وغيرها، ويستعمل في كل صغير. تأجل يتأجل آجالا وهو القطيع من البقر والظباء. وجلا السيول على الطلول كأنها ... زبر تجد متونها أقلامها جلا بمعنى كشف، تجد مأخوذة من الجد، متونها: أرسانها. أو رجع واشمة أسف نؤورها ... كففا تعرض فوقهن وشامها

ومعنى أسف: أي أسف وذر والنؤور يتخذ من دخان الشحم يجعل فيه الإثمد، ويجعل على الموضع الذي ضرب بالإبرة فيخضر. فوقفت أسألها وكيف سؤالها ... صما خوالد ما يبين كلامها كيف أسأل من لا يفهم، خوالد: بواق لم تذهب آثارها، ولم تدرس فيذهل عنها، ما يبين كلامها أي ليس لها ما تنطق فيبين. عريت وكان بها الجميع فأبكروا ... منها وغودر نؤيها وثمامها عريت: بمعنى خلت من أهلها، غودر ترك، النؤي الحواجز تجعل حول الخباء والخيمة ليمتنع عنها المطر ولا يلحقها الحر.

شاقتك ظعن الحي يوم تحملوا ... فتكنسوا قطنا تقر خيامها شاقتك ظعن الحي ويروى القوم، ويروى تحدروا إذا دخلن عشية، الهوادج جمع هودج، والظعن جمع ظعينة، والأظعان كذلك، وهي النساء في الهوادج، وقطن فيها وجهان: أحدهما يربد به الأغشية من القطن وهي أبرد من الكتان والصوف. والوجه الآخر أراد القطن وهو الساكن في الدار مع صاحبها والخيام هنا: الهوادج، وتقر لجدتها لأن العتيق لا يقر. من كل مخفوف يظل عصيه ... زوج عليه كلة وقرامها هو الهودج قد حف بالثياب إذ أفرغت عليه، فأخذت بحفافه أي جانبيه عصي خشبية والكلة: الستر الرقيق، قرامها، غشاؤها ويقال القرام: الثوب يجعل تحت الرجل والمرأة فوق الفراش، فيجلسان عليه. زجلا كأن نعاج توضح فوقها ... وظباء وجرة عطفا آرامها

أي جماعات، والنعاج البقرة الوحشية وجرة اسم موضع. حفزت وزايلها كأنها ... أجزاع بيشة: أثلها ورضامها حفزت: سبقت ودفعت دفعة واحدة، ومعنى زايلها: فارقها، ودافعها وحركها، والأجزاع جمع جزع، والرضام: حجارة مرتفعة بعضها على بعض، وقيل الرضام: جبال الصغار. بل ما تذكر من نوار وقد نأت ... وتقطعت أسبابها ورمامها

نوار اسم امرأة، ورمامها هي الحبال الضعاف التي قد خلقت أراد بذلك تقطع من جديد وصالها فهو خلق بمنزلة هذه الحبال. مرية حلت بفيد وجاورت ... أرض الحجاز فأين منك مرامها؟ مرية أي مرة وهي في محل نصب على الحال وقد جاز رفعها، وفيد اسم موضع بأرض الحجاز ويريد حجاز طي وهي قرية من قراهم ويروى بلحد الحجاز. بمشارق الجبلين أو بمحجر ... فتضمنتها فردة، فرخامها

يعني جبلي طيئ، ومحجر بكسر الجيم وفتحها، تضمنتها نزلت بها، والفردة اسم مكان ورخامها أيضا، وقيل اسم موضع كثير الشجر. فصوائق إن أيمنت فمظنة ... فيها وحاف القهر أو طلخامها

صوائق اسم موضع أي يظن لهذه المواضع، وحاف يريد بذلك جمالا صغارا واحدتها وحفاء، وحفاء النهر اسم جبل ويقال موضع، أو طلخامها: اسم جبل ويقال موضع والطلخام أيضا الأنثى من ولد الفيلة، والذكر تربيل. فاقطع لبانة من يعرض وصله ... ولشر واصل خلة صرامها اللبانة: الحاجة ومعنى صرامها: قطاعها، قطاعها، والصرم القطع، والصريمة القطيعة، والصرام القطاع، ويروى: ولخير واصل، والمعنى خير الواصلين: من صرم من يستحق الصرم ومن كان عنده صرم الخلة فوصله شر وصل. واحب المجامل بالجزيل وصرمه ... باق إذا ضلعت وزاغ قوامها

أي اعط المجامل وإن كان صرمه باقيا، ضلعت: تغيرت، وزاغ: مال. قوامها: استقامتها واستواؤها. بطليح أسفار تركن بقية ... منها فأحنق صلبها وسنامها تركن: الأسفار تركن بقية من ناقة سقيمة، فأخنق أي فأضمر، ولصق بالظهر صلبها وسنامها، ولا يقال حنق السنام إنما يقال ذهب إلا أنه حمله على المفيد لعلم السامعين. فإذا تغالى لحمها وتحسرت ... وتقطعت بعد الكلال خدامها

أي ارتفع، ويقال ذهب من غلا السعر، تحسرت: انحسر لحمها عن عظمها ويقال سقط وبرها، ويقال صارت جسيما وهي المعيبة، ويقال تجسرت من الجسرة والخدام السيور التي تشد من أرسانها على الخف واحدتها خدمة ويقال للخلخال خدمة فلها هباب في الزمان كأنها ... صهباء راح مع الجنوب جهامها الهباب: الإسراع في السير والوثوب فيه والنشاط به، والصهباء: هنا يريد به السحابة الصهباء اللون، والجهام السحاب الذي قد هرق ماؤه تدفقا فهو شديد السرعة. أو ملمع وسقت لأحقب لاحه ... طرد الفحول وضربها وكدامها

الملمع من ذوات الحوافر التي ألمعت أطباؤها باللبن حتى تقارب أن تضع ما في أجوافها من سخائها، والأطباء الضروع، وسقت أي جمعت، والأحقب الحمار الذي في حقيبتيه بياض ومعنى لاحه أي غيره، واللوح: العطش، وضربها أي ضربها بيديها ورجليها والكدم العض. يعلو بها حدب الإكام مسحجا ... قد رابه عصيانها ووحامها يعلو الحمار بالأتان، والحدب ما ارتفع من الأرض، مسحجا نصب على الحال والمسحج المع، يقول هذا الحمار إذا نهق كأن عودا في فمه تعرض. ووحامها على وجهين أحدهما أن تشتهي الحبلى على حبلها الأكل، والآخر أن تشتهي الحبلى على حبلها الجماع والوحام والشهوة، فإذا اشتهت على حملها قيل: قد توحم وحما والمصدر الوحام، ووحمت توحم وحما ووحاما بكسر الواو إذا اشتهت الفحل وكل حامل تمتنع عن الفحل إلا الإنس.

بأجزة الثلبوت يربأ فوقها ... قفر المراقب، خوفها آرامها الأحزة جمع حزيزة وهو ما غلظ من الأرض، ويقال أحزه وحزات والثلبوت اسم موضع ويقال هو ماء لذبيان. يربأ: يعلو، المراقب: المواضع المرتفعة، ينظر من يمر بالطريق، والآرام جمع إرم وهو العلم من الحجارة ينصب على الطريق ليهدي بها. حتى إذا سلخا جمادى ستة ... جزءا فطال صيامه وصيامها

يريد الحمار والأتان أي استكملا أيامهما ويروى جمادى كلها جزءا. رجعا بأمرهما إلى ذي مرة ... حصد ونجح صريمة إبرامها أي رجعا إلى الحشيش. ورمى دوابرها الشفاء وهيجت ... ريح المصايف سومها وسهامها

ويروى ريح الشقائق. فتنازعا سبطا يطير ظلاله ... كدخان مشعلة يشب ضرامها أي خلطت بنبت كثير الشوك.

فمضى وقدمها وكانت عادة ... منه إذا هي عردت إقدامها فتوسطا عرض السري وصدعا ... مسجورة متجاورا قلامها قلامها نبت قيل هو القصب. ومحففا وسط اليراع يظله ... منها مصرع غابة وقيامها

أي حافا. مصرع: الماثل الغابة: الأجمة. أفتلك أم وحشية مسبوعة ... خذلت وهادية الصوار قوامها أي أفتلك تشبه ناقتي أم بقرة وحشية، هادية: متقدمة، والصوار: القطيع من البقر. خنساء ضيعت العزيز فلم يرم ... عرض الشقائق طرفها وبغامها

خنساء: يعني البقرة، العزيز ولدها، ويحتمل ضياعها له أن السباع أكلته والبغام صوتها. لمعفر فهد تنازع شلوة ... غبس كواسب ما يمن طعامها الفهد الأبيض، ويقال: هو الأبيض الذي يخالط بياضه صفرة أو حمرة، والغبس الذئاب والغبسة لون فيه شبه الغبرة.

صادفن منها غرة فأصبنها ... إن المنايا لا تطيش سهامها باتت وأسبل واكف من ديمة ... يروي الخمائل دائما تسجامها الخمائل جمع خميلة، وهي الرملة التي قد غطاها النبت، كأنه قد أجملها وأخفاها. تجتاف أصلا قالصا متنبذا ... بعجوب أنقاء يميل هيامها

تجتاف تدخل والقالص المرتفع، والمتنبد: المتفرق، والعجوب جمع عجب وهو طرف النعجة، وهو أيضا آخر كل شيء، وإنما أراد به هنا أواخر التلال، والأنقاء جمع نقا، يميل: ينزل، والهيام: بفتح الهاء الرمل المنهال. يعلو طريقة متنها متواترا ... في ليلة كعز النجوم غمامها وتضيء في وجه الظلام منيرة ... كجمانة البحري سل نظامها وجه الظلام أوله، والجمانة اللؤلؤة الصغيرة، والبحري: الغواص.

حتى إذا انحسر الظلام وأسفرت ... بكرت تزل عن الثرى أزلامها أي قوائمها. علهت تبلد في نهاء صعائد ... سبعاً تؤاماً كاملاً أيامها النهاء: الغدران واحدها نهي، أي طار قلبها من الجزع، وبقيت سبعة أيام تطلبه وتدور عليه، ويروى تردد أي تمر وتجيء، علهت فسد جزعها يقال عله يعله فهو عاله ومعلوه.

حتى إذا يئست وأسحق حالق ... لم يبله إرضاعها، وفطامها أسحق حالق: يريد ضرعها، فإنها لما يئست من ولدها جف لبنها وأراد إبلاء ولدها فقدها له. وتسمعت زر الأنيس فراعها ... عن ظهر غيب والأنيس سقامها ويروى الأنين، والرز: الصوت، أراد من مكان في خفية عنها وأصل الغيب الوادي لأن الشيء يختفي فيه. فغدت كلا الفرجين تحسب أنه ... مولى المخافة خلفها وأمامها

وخلف وأمام لم يجعلهما ظرفا فرفعهما. حتى إذا يئس الرماة وأرسلوا ... غضفا دواجن قافلا أعصامها يئس بمعنى علم أي لما علم الصيادون موضع البقرة رأوها راجعة ومنه قوله تعالى (أفلم ييأس الذين آمنوا) قال أبو عبيدة أي أفلم يعلموا، وقال سحيم بن وثيل الرياحي اليربوعي:

أقول لأهل الشعب إذ يأسرونني ... ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم وقيل أنهم أيسوا أن يصيبوها لعددها فتركوا رمي السهام، وأرسلوا غضفا وهي الكلاب المسترخية الآذان سميت بذلك، لانعطاف آذانها إلى قدام. الذكر أغضف، والأنثى غضفاء، والدواجن هنا المقيمات يقال دجن بالمكان إذا أقام به، والأعصام قلائد من أدم تجعل في أعناق الكلاب الواحد عصم وهو جمع على غير قياس وكأنه جمع الجمع فجمع على عصم كحمار وحمر ثم جمع عصما على أعصام كطنب وأطناب، وقيل واحد الأعصام عصمة فهذا جمع على حذف الهاء كأنه جمع عصما على أعصام فيكون مثل جمل وأجمال وقيل واحدها عصم مثل جذع وأجذاع. فلحقن واعتكرت لها مدرية ... كالسمهرية حدها وتمامها أي عطفت على الكلاب بقرن كالرمح. لتذودهن وأيقنت إن لم تذد ... أن قد أحم من الحتوف حمامها

فتقصدت منها كساب فضرجت ... بدم وغودر في المكر سحامها ويروى فتنكب، وكساب مبني لاجتماع العلل الثلاث فيه المعرفة والتأنيث والعدل لأنه معدول من كاسبة، فضرجت: صبغت، وغودر ترك وسحام اسم كلب. فبتلك إذ رقص اللوامع بالضحى ... واجتاب أردية السراب إكامها أقضي اللبانة لا أقصر خيفة ... كي لا يلوم بحاجة لوامها

ويروي لا أفرط. أو لم تكن تدري نوار بأنني ... وصال عقد حبائل جذامها يقال للظبية تنور نوارا بفتح النون جذامها: قطاعها. تراك أمكنة إذا لم أرضها ... أو يرتبط بعض النفوس حمامها

الحمام: الموت، وجزم يرتبط عطفا على لم أرضها. بل أنت لا تدرين كم من ليلة ... طليق لذيذ لهوها وندامها يقال يوم طلق، وليلة طلقة، إذا لم يكن فيها حر ولا قر. قد بت سامرها وغاية تاجر ... وافيت إذا رفعت وعز مدامها

خفض غاية على موضع الهاء من سامرها، والتاجر هنا الخمار والغاية العلامة ينصبها ليعلم مكانه، وافيته أتيته ليلا فابتعت منه خمرا. أغلي السباء بكل أدكن عاتق ... أو جونة قدحت وفض ختامها السباء بالمد: الخمر ولا يستعمل في غيرها، سبأت الخمر أسبأها سباء وسبأ قال امرؤ القيس. كأني لم أركب جوادا للذة ... ولم أتبطن كاعبا ذا خلخال ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل ... لخيلي كري كرة بعد إجفال الأدكن: الزق الأغبر، العاتق: الخالص، وقيل هي التي قد عتقت. وقيل التي لم تفتح من قبل، العاتق من صفة الزق، وقيل من صفة الخمر لأنه يقال اشترى زق الخمر، والجونة الخابية للخمرة، وقدحت: وفض ختامها، معناه فتحت. بصبوح صافية وجذب كرينه ... بموتر تأتاله إبهامها الصبوح: شرب الغداة، والكرينة صاحبة الكران وهو العود ومعنى تأتاله: تصلحه، والموتر: عود له أوتار.

باكرت حاجتها الدجاج بسحرة ... لأعل منها حين هب نيامها أي وقت صياح الديكة، لأعل: من العلل وهو الشرب بعد الشرب، والنهل الشرب الأول، وبعده يأتي العلل. وغداة ريح قد وزعت وقرة ... إذ أصبحت بيد الشمال زمامها القرة: الباردة. ولقد حميت الخيل تحمل شكتي ... فرط وشاحي إذ غدوت لجامها

فرط: اسم فرسه، وهو مأخوذ من التفريط والشكة: السلاح. فعلوت مرتقبا على مرهوبة ... خرج إلى أعلامهن قتامها المرهوبة: الأرض المخوفة، الحرج: الدقيق، الأعلام: هي الروابي القتام: الغبار. حتى إذا ألقت يدا في كافر ... وأجن عورات الثغور ظلامها الكافر: الليل لأنه يستر كل شيء، والثغور مواضع المخافة وأجن: ستر.

أسهلت، وانتصبت كجذع منيفة ... جرداء يحصر دونها جرامها أي نزلت إلى السهل وانتصب الفرس أسرع في مشيه، بحصر تضيق صدورهم من هولها، والجرام الذين يقطعون الشجر والجرام والصرام القطع. رفعتها طرد النعام وفوقه ... حتى إذا سخنت وخف عظامها ويروى لجامها، سخنت أي حميت، خف عظامها أي عرقت فخفت للعدو. قلقت رحالتها وأسبل نحرها ... وابتل من زبد الحميم حزامها

الرحالة: السرج، وقلقت أي اضطربت، وأسبل أي سال عرقها، والحميم: العرق. ترقى وتطعن في العنان وتنتحي ... ورد الحمامة إذا أجد حمامها ترقى أي تعلو، يقال رقيت أرقى رقيا، إذا صعدت، ورقيت أرقى رقيا من الرقية، ورقا الدم رقوا إذا انقطع، وتطعن أي تغدو وتنتحي، تقصد كالحمامة التي وردت وقد تباعد حمامها فهي تطلبه، والحمامة هنا بمعنى القطاة وطعن يطعن طعنا عليه أي أغار. وكثيرة غرباؤها مجهولة ... ترجى نوافلها ويخشى ذامها

أراد خيمة الملك إذا اجتمع عليها الناس يرجون المنافع، ويخشون العيون، مجهولة فيها أناس من كل مكان، نوافلها معروفها، ذامها عيبها: يريد الحرب. غلب تشذر بالذحول كأنها ... جن البذي رواسبا أقدامها تشذر: تنتصب وتتفرق، ويتوعد بعضها بعضا. الذحول: الأحقاد، البذي: اسم واد يعرف الجن، الرواسي: الثوابت، ويروى رواسبا بالباء الموحدة وهي التي قد رسبت في الأرض أي غاصت وهي في محل نصب على الحال. أنكرت باطلها، وبؤت بحقها ... يوما ولم يفخر علي كرامها بؤت رجعت بما وجب لي منها ويقال بؤت اعترفت، وأقررت. وجزور أيسار دعوت لحتفها ... بمغالق متشابه أعلامها

أي لنحرها، والأيسار: القوم المياسير، والجزور الناقة للذبح وجمعها جزائر وجزر ويقال جزر بإسكان الزاي قال الأبيرد اليربوعي يرثي أخاه: كثير رماد المال يغشى خباؤه ... إذا نودي الأيسار واحتضر الجزر الأيسار جمع يسر، وهو الذي يضرب بالقداح، ويقال له أيضا والمغالق القداح وهي سهام الميسر. أدعو بهن لعاقر أو مطفل ... بذلت لجيران الجميع لحامها فالضيف والجار الجنيب كأنما ... هبطا تبالة مخصبا أهضامها ويروى: الجار الحميم، وتبالة اسم قرية، ومخصبا، ومخصبة: نصب على الحال أراد به المخصب.

تأوي إلى الأطناب كل ذرية ... مثل البليئة قالص أهدامها الرذية: الطويلة، والبلية: الناقة تشد إلى قبر الرجل حتى تموت، والأهدام الثياب الخلقات، فاستعاره هنا والمعنى أنهم يذبحون السمان ويبقون المهازيل. ويكللون إذا الرياح تناوحت ... خلجا تمد شوارعا أيتامها كانوا يكللون في الشتاء جفانا كالخلج، ترد كالأيتام لتأكل ما فيها، والشوارع جمع شارع؛ وهو الإنسان إذا شرع في الشيء. إنا إذا التقت المجامع لم يزل ... منا لزاز عظيمة جشامها

ويروى حسامها: قطاعها، اللزاز الذي يلزم الشيء، يعتمد عليه فيه، ومنه سميت الخشبة التي تشد بها الثياب لزازا والجشام: المكلف للأمور القائم بها يقال: جشمت الأمر أجشمه إذا تكلفته على مشقة، فأنا جاسم، وجشام على التكثير، ومنه سمي الرجل جشما وجشامها: راكبها على م. ومقسم يعطي العشيرة حقها ... ومغذمر لحقوقها هشامها المغذمر الذي يضرب بعض حقوق الناس ببعض، فيأخذ من هذا، ويعطي هذا. قال أبو عبيدة هو الذي لا يعصى ولا يرد قوله. فضلا وذو كرم يعين على العلا ... سمح كسوب رغائب غنامها

ويروى كتامها، وقتامها، ويروى على التقى، السمح، السهل الأخلاق الرغائب: الأموال الكثيرة وصرف رغائب للضرورة. من معشر سنت لهم آباؤهم ... ولكل قوم سنة وإمامها السنة: الطريق، والأمر الواضح البين، والسنة تكون في الخير وفي الشر، لكل قوم سنة أي طريق ومنه قوله تعالى: (من حمأ مسنون) أي مصبوب ومنه يقال: سننت الدرع وشننتها، والسنة أمر الله الواضح المبين. لا يطبعون ولا يبور فعالهم ... إذ لا تميل مع الهوى أحلامها أي: لا يدنسون لأن الطبع الدنس، لا تبور فعالهم أي تهلك لقوله تعالى (وكنتم قوما بورا) وبارت تجارته كسدت. فبنوا لنا بيتا رفيعا سمكه ... فسما إليه كهلها وغلامها

بنوا يعني الآباء من إسماعيل، وإنما يعني به الشرف، ويجوز رفيع على معنى سمكه رفيع والأول أجود، لأن رفيعا جاء على الفعل فهو نعت لقوله بيتا وسمكه رفع به ويروى فبنى يعني الإمام. فاقنع بما قسم المليك فإنما ... قسم المعايش بيننا علامها وإذا الأمانة قسمت في معشر ... أوفى بأعظم حقنا قسامها ويروى بأفضل حظنا. وهم السعاة إذا العشيرة أفظعت ... وهم فوارسها وهم حكامها السعاة: الذين يصلحون بين القبائل، ويحملون الديات، أفظعت: نزل أمر فظيع، وهم حكامها: الذين يمنعون ذوي الجهل، ويرجع إلى آرائهم ويقبل قولهم إذا كان أمر عظيم، فيحكمون للناس ومثلهم لا يرد لهم قول.

وهم ربيع للمجاور فيهم ... والمزملات إذا تطاول عامها المرملات هنا اللواتي مات أزواجهن، أي هم بمنزلة الربيع في الخصب لمن جاورهم. عامها سنتها وعامها شهوة اللبن. وهم العشيرة أن يبطئ حاسد ... أو أن يلوم مع العدى لؤامها ويروى تبطأ فيه معنى المدح كما تقول هو الرجل الكامل. إن يفزعوا تلق المغافر عندهم ... والسن يلمع كالكواكب لامها

عمرو بن كلثوم والمعلقة

عمرو بن كلثوم والمعلقة قال أبو الأسود: عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمر بن عثمان بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هند بن أفصى بن دعمي بن خويلد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. [قال أبو عمرو الشيباني كانت بنو تغلب بن وائل من أشد الناس في الجاهلية وقالوا: لو أبطأ الإسلام قليلا لأكلت بنو تغلب الناس. ويقال: جاء ناس من بني تغلب إلى بكر بن وائل يستسقونهم فطردتهم بكر للحقد الذي كان بينهم، فمات منهم سبعون رجلا عطشا، ثم إن بني تغلب اجتمعوا لحرب بكر بن وائل، واستعدت لهم بكر حتى إذا التقوا كره كل صاحبه، وخافوا أن تعود الحرب بينهم كما كانت، فدعا بعضهم بعضا إلى الصلح، فتحاكموا في ذلك إلى الملك عمرو بن هند، فقال عمرو: ما كنت لأحكم بينكم؛ حتى تأتوني بسبعين رجلا من أشراف بكر بن وائل فأجعلهم في وثاق عندي، فإن كان الحق لبني تغلب دفعتهم إليه، وإن لم يكن لهم حق خليت سبيلهم، ففعلوا وتواعدوا ليوم بعينه يجتمعون فيه. فقال الملك لجلساته: من ترون تأتي به تغلب لمقامها هذا؟ فقالوا شاعرهم وسيدهم عمرو بن كلثوم، قال: فبكر بن وائل؟ فاختلفوا عليه وذكروا غير واحد من أشراف بكر بن وائل. قال: كلا والله لا تفرج بكر بن وائل إلا عن الشيخ الأصم يعثر في ريطته فيمنعه الكرم من أن يرفعها قائده فيضعها على عاتقه.

فلما أصبحوا جاءت تغلب يقودها عمرو بن كلثوم حتى جلس إلى الملك. وقال الحارث بن حلزة لقومه: إني قد قلت خطبة فمن قام بها ظفر بحجته، وفلج على خصمه فرواها ناسا منهم، فلما قاموا بين يديه لم يرضهم، فحين علم أنه لا يقوم بها أحد مقامه. قال لهم: والله إني لأكره أن آتي الملك، فيكلمني من وراء سبعة ستور، وينضح أثري بالماء إذا انصرفت عنه، وذلك لبرص كان به، غير أني لا أرى أحدا يقوم بها مقامي، وأنا محتمل ذلك لكم. فانطلق حتى أتى الملك، فلما نظر إليه عمرو بن كلثوم قال للملك، أهذا يناطقني، وهو لا يطيق صدر راحلته؟ فأجابه الملك حتى أفحمه، وأنشد الحارث قصيدته "آذنتنا ببينها أسماء" وهو من وراء سبعة ستور، وهند تسمع، فلما سمعتها قالت: تالله ما رأيت كاليوم قط رجلا يقول مثل هذا القول يكلم من وراء سبعة ستور. فقال الملك: ارفعوا سترا ودنا فما زالت تقول ويرفع ستر، فستر حتى صار مع الملك على مجلسه، ثم أطعمه من جفنته، وأمر ألا ينضح أثره بالماء، وجز نواصي السبعين الذين كانوا في يديه من بكر، ودفعها إلى الحارث، وأمر ألا ينشد قصيدته إلا متوضئا. فلم تزل تلك النواصي في بني يشكر بن الحارث، وهو من ثعلبة بن غنم من بني مالك بن ثعلبة. وأنشد عمرو بن كلثوم قصيدته] . [وقال عمرو بن كلثوم يذكر أيام بني تغلب ويفتخر بهم] . يمكن أن يلاحظ المرء في هذه القصة ما يلي: 1- تعاطف عمرو بن هند مع بني بكر منذ البداية حينما وصف حارث بن حلزة. 2- إن قصيدة الحارث رقيقة لطيفة ولكنها لا تكفل بدفع الحق عن بني بكر فهم الذين دفعوا رجال تغلب إلى الموت لعدم تركهم يشربون.

3- لم يقض عمرو بن هند بشيء فجز نواصي بني بكر إدانة واضحة لكنه لم يمكن بني تغلب من رقابهم كما وعد. 4- هذا الموقف المنحاز دفع بعمرو بن كلثوم لقتل عمرو بن هند كما تقول روايات التاريخ في صدام عمرو بن كلثوم مع عمرو بن هند. 5- قصيدة عمرو بن كلثوم ليست قطعة واحدة كما يشم من هذا الخبر ومن خبر مقتل عمرو بن هند ولهذه فهما مكملتان لبعضهما أدمجتا في قصيدة واحدة. أ?- القصيدة التي قيلت في هذا الموقف. ب?- القصيدة التي قيلت في موقف وعرفنا كل قسم بمفرده. [قال الشيخ أبو عبيد الله المرزباني رحمه الله تعالى: وقد روي أن طرفة قال هذا القول لعمرو بن كلثوم التغلبي فحدثني علي بن عبد الرحمن، قال: أخبرني يحيى بن علي المنجم عن أبيه عن محمد بن سلام قال: وفد طرفة بن العبد على عمرو بن هند فأنشده شعرا له وصف فيه جملا والهاء يجب أن تعود على عمرو بن كلثوم ليتم المعنى والصواب فأنشده عمرو شعرا له وصف فيه فبينما هو في وصفه خرج إلى ما توصف به الناقة فقال له طرفة: استنوق الجمل فغضب عمرو بن كلثوم وهايج طرفة، وكان ميل عمرو بن هند مع طرفة، فاستعلاه عمرو بن كلثوم بفضل السن والعلم فقال طرفة أبياتا يفخر فيها ببكر على تغلب وأولها: أشجاك الربع أم قدمه ... أم رماد دارس حممه فانصرف عمرو بن كلثوم مغضبا بفخر طرفة عليه وميل عمرو بن هند مع طرفة فقال قصيدته: ألا هبي بصحنك فأصبحينا ففخر على بكر بن وائل فخرا كثيرا، وعاد عمرو بن هند فأنشده فلم يقم طرفة ولم يكن عنده رد ورحل عمرو بن كلثوم إلى قومه، وأشاع حديث عمرو بن كلثوم، فأحمش البكرية، فبلغ ذلك الحارث بن حلزة اليشكري ويشكر هو ابن وائل فقال "آذنتنا ببينها أسماء".

وكان الحارث أبرص، ولم يكن يدخل على عمرو بن هند ذو عاهة، فمكث ببابه لا يصل إليه حتى خرج عمرو بن هند متمطرا غب سماء، فقعد في قبة له، فوقف الحارث بن حلزة خلف القبة فأنشد القصيدة، فلما سمعها عمرو دعاه، فأكرمه وأدناه. ألا هبي بصحنك فأصبحينا ... ولا تبقي خمور الأندرينا ألا انتباه: هبي أي انتبهي وقومي من منامك، والصحن: القدح الكبير، ويقال الصغير، ويقال القصير الجدار، وقوله فأصبحينا: أي فاسقينا الصبوح وهو شرب أول النهار ولا تبقي خمور الأندرينا أي لا بتعثيها لغيرنا، وتسقيها لسوانا والأندرين قرية من قرى الشام. وكأس قد شربت ببعلبك ... وأخرى في بلاحس قاصرينا

وعاذينا بها أن المنايا ... لعمرك من وراء المشفقينا مشعشعة كأن الحص فيها ... إذا ما الماء خالطها سخينا الحص: صبغ أحمر، وقيل هو الورس، وقيل هو الزعفران، قوله سخينا: أراد به سخن الماء، لأنهم كانوا يموجون الخمرة بالماء الساخن في الشتاء، وقيل بل هو من سخا الرجل يسخو إذا جاد بما في يديه. تجور بذي اللبانة عن هواه ... إذا ما ذاقها حتى يلينا

تجور: تميل به وتعدل عن هواه، اللبانة الحاجة: أي حتى يعدل عن حاجته ويلين لأصحابه، ويجلس معهم. ترى اللحز إذا أمرت ... عليه لماله فيها مهينا إذا مرت أديرت، لماله مهينا أي إنفاقه إهانته، وإكرامه: جمعه وحفظه. [كأن الشهب في الآذان منها ... إذا قرعوا بحافتها الجبينا] إنا سوف تدركنا المنايا ... مقدرة لنا ومقدرينا مقدرة لنا أي قدرت لنا، وقدرنا لها، ومقدرة نصب على الحال. وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصبحينا صددت الكأس عنا أم عمرو ... وكان الكأس مجراها اليمينا ويروى هذان البيتان لعمرو ابن أخت جذيمة الأبرش.

صددت: أي منعت اليمينا منصوب على الظرف أي ناحية اليمين. [إذا صمدت حمياها أريبا ... من الفتيان خلت به جنونا فما برحت مجال الشراب حتى ... تغالوها، وقالوا: قد روينا] وإن غدا وإن اليوم رهن ... وبعد غد بما لا تعلمينا قفي قبل التفرق يا ظعينا ... نخبرك اليقين وتخبرينا

الظعينة المرأة في الهودج، وأراد يا ظعينة، فرخم وأشبع الفتحة فنشأت منها الألف. بيوم كريهة ضربا وطعنا ... أقربه مواليك العيونا الكريهة الحرب، ضربا وطعنا منصوبان على الحال أو على المصدر، والضمير في به عائد على اليوم، والموالي بنو العم الواحد مولى. قفي نسألك هل أحدثت صرما ... لوشك البين أم خنت الأمينا

الصرم القطيعة، والصريمة كذلك يقال صرم حبله: أي قطعه، والوشك: السرعة والقرب، ومنه يوشك أن يفعل كما جاء في عسى على التشبيه بكاد. خنت فعلت من الخيانة، والأمين: القوي، وقيل الثقة الحافظ للسر الذي استودع. [أفي ليلى يعاتبني أبوها ... وإخوتها وهم لي ظالمونا] تريك إذا دخلت على خلاء ... وقد أمنت عيون الكاشحينا الخلا من الخلوة من الرقباء والكاشحين الأعداء المبغضين وهو مأخوذ من الكشح، وهو الجنب كأنه يضم عدواته فيه ويروى تريك وقد دخلت. ذراعي عيطل أدماء بكر ... تربعت الأجارع والمتونا ويروى الأراجع. أي تريك هذه المرأة ذراعي عيطل، تربعت من الربيع، والمتون جمع متن وهو المرتفع من الأرض الغليظة، ومنه قيل فلان متين.

وثديا مثل حق العاج رخصا ... حصانا من أكف اللامسينا أي على ناهد مثل حق العاج، وهو جمع حقه، شبه الثدي به، فهو ناهد في الصدر والحصان الممتنع، واللامسون: يعني بهم أهل الريبة، ويجوز أن يكون حصانا من نعت الثدي، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في تريك. [ووجها مثل ضوء البدر وافى ... بإتمام أناسا مدجنينا] ومتني لدنة طالت ولانت ... روادفها تنوء بما يلينا ويروى مماولينا، المتن جانب القنا، من نصف الصلب إلى أسفله، لدنة أي لينة، أراد به القنا، شبه المرأة بقوامها، والروادف جمع ردف، وذلك مما يلي العجيزة، وما يرتدفها من أسفل الظهر، الواحد ردف ويجمع أيضا على أرداف كجذع وأجذاع إلا أنه على رادفة وروادف كضاربة وضوارب، تنوء: تنهض بتثاقل، بما يلينا، أي بما يلي الروادف من العجز.

[ومأكمة يضيق الباب عتها ... وكشحا قد جننت به جنونا وسالفتني رخام أو بلنط ... يرن خشاش حليهما رنينا] فراجعت الصبا، واشتقت لما ... رأيت حمولها أصلا حدينا أصل جمع أصيل حدين سيقت. وأعرضت اليمامة واشمخرت ... كأسياف بأيدي مصلتينا

أعرضت: ظهرت، اليمامة اسم امرأة من بنات ثمود بن عاد سميت البلد بها، وكانت البلدة يقال لها جو، واشمخرت طالت أي بدت مستطيلة، ومنها شمروخ للجبال إذا كان عاليا والجمع شماريخ، والكاف في موضع نصب على أنها نعت لمصدر محذوف. فما وجدت كوجدي أم سقب ... أضلته فرجعت الحنينا ولا شمطاء لم يترك شقاها ... لها من تسعة إلا جنينا الشمطاء: المرأة المسنة، وحزنها من حزن الشابة، من تسعة أي من تسعة أولاد، إلا جنينا إلا ولدا في بطن أمه الشمطاء لأن الشمطاء ترجو الولد، والجنين المدفون لأنه يقال للقبر الجنين وللميت الجنين، وإذا خرج الولد من بطن أمه زال عنه هذا الاسم. أبا هند فلا تعجل علينا ... وأنظرنا نخبرك اليقينا يعني ذلك عمرو بن هند بن المنذر وهو ابن المنذر أي تمهل فإنه سيأتيك اليقين.

بأنا نورد الرايات بيضا ... ونصدرهن حمرا قد روينا روين: يعني الرايات من الدماء، نوردها كما نورد الإبل للماء والألف فيه لفتحة النون. أيام لنا غير طوال ... عصينا الملك فيها أن ندينا وعلى الهامش، ويروى بأيام لنا غير طوال، ويروى بكسر اللام وهي لغة ربيعة وجاء عند سيبويه على الكسرة والضمة للهاء كما في (بورقكم) (الكهف) ويجوز عند سيبويه إسكان الضمة والكسرة في الحرف الثاني من الكلمة الثلاثية وكما يقال عضد عضد ولا يجوز هذا في الفتحة، فلا يقال في جَمَل جَمل لأن الفتحة خفيفة. عصينا إي إنا عصينا الملوك قبلك فلا يخوفنا الوعيد وجعل الأيام طوالا لما قبلها من الحروب والوقائع وهي على نسق بأنا نورد.

وسيد معشر قد تؤجوه=بتاج الملك يحمي المحجرينا ويروى قد عصبوه، والمحجرون محجر وهم الذين ألجئوا إلى الضيق وقد أحاطت بهم الخيل من كل وجه فاستلموا للموت. تركنا الخيل عاكفة عليه ... مقلدة أعنتها صفونا عاكفة: أي دارت بهم الخيل، ويروى عاطفة عليه وصفون جمع صافن وهي من الخيل القائمة على ثلاث قوائم من التعب. وقد هرت كلاب الحي منا ... وشذبنا قتادة من يلينا

ومعنى: كلاب الحي: الرجال الذين يكمنون في الحرب، أي لما دار علينا السلاح نبحت، وشذبنا من التشذيب وهو التفريق، وذلك أنه يأخذ من الشجرة أغصانها: أي مزقنا جمعهم وذللناهم. والقتادة شجر لها شوك أي فرقناهم كما يفرق الشوك وقوله من يلينا: من ولي حربنا أو من يقرب منا من أعدائنا. [وأنزلنا البيوت بذي طلوح ... إلى الشامات ننفي الموعدينا] متى ننقل إلى قوم رحانا ... يكونوا في اللقاء لها طحينا ويروى متى تنقل، أي متى ننقل مكيدتنا إلى قوم: أي قوم حاربنا كانوا كالطحين للرحى ويريد بالرحي الحرب. يكون ثفالها شرقي نجد ... ولهوتها قضاعة أجمعينا ويروى شرقي سلمى، والثفال كساء أو جلد أو ثوب يجعل تحت الرحى، يسقط عليه الدقيق، شرقي نجد، ما ولي المشرق منه وقضاعة حي عظيم. وإن الضغن بعد الضغن يفشو ... عليك ويخرج الداء الدفينا

ويروى: ويبدو، الضغن: الحقد الشديد الذي يكون ملازما للقلب فلا يفطر إلا بالدلائل، يقول: إن كتمت الحقد لا بد أنه يبدو عليك. ورثنا المجد قد علمت معد ... نطاعن دونه حتى يبينا ويروى حتى بيانا بفتح الباء أي حتى ينقطع عنهم، ويصير إلينا، معد قبيلة والضمير عائد على المجد، حتى يبينا بالنون والياء ويروى بالفتح والضم معا: أي حتى يظهر مجدنا وآثارنا الحسنة، ويروى حتى يلينا: أي ينقاد لنا. ونحن إذا عماد الحي خرت ... على الأحفاض نمنع من يلينا ويروى عن الأحفاض واحدها حفض، وهي هنا الإبل التي تحمل متاع البيت والعماد جمع عمد وهي الأساطين، وأصل الأحفاض: متاع البيت فقط. فمن روى عن الأحفاض أراد عن الإبلن ومن روى على الأحفاض أراد المتاع. ندافع عنهم الأعداء قدما ... ونحمل عنهم ما حملونا

ندافع عنهم: فلا يصيبونهم وقدما بمعنى قديما، ونحمل عنهم أي الحمالة وهي الدنة، ما يحملوننا، وهم مهما جنوا، نحمل عنهم الديات فيه. نطاعن ما تراخى الناس عنا ... ونضرب بالسيوف إذا غشينا ويروى القوم أي نطاعن إذا ولى الناس، تراخى: تباعد أي إذا بعدوا أعملنا الرماح، وإذا قربوا أعملنا السيوف، غشينا من غشي يغشى إذا دخل في الحرب. بسمر من قنا الخطي لدن ... ذوابل أو ببيض يعتلينا الذوابل: العطاش يعتلين أي الرؤوس. نشق بها رؤوس القوم شقا ... ونخليها الرقاب فتختلينا

أي نجعل بالسيوف الرقاب خلى بالقصر وهو الحشيش، ونخليها أي نطعمها فشبه الرقاب بالخلى، ويروى وتختلينا بترك الفاعل. تخال جماجم الأبطال فيها ... وسوقا بالأماعز يرتمينا تخال: تحسب، الجماجم جمع جمجمة وهي قحف الرأس، وسوقا جمع وسق وهي الحمل ستون صاعا يقال أسواق وتبدل من الواو همزة لانضمامها، فيقال أسؤق أدؤر والأصل سووق إلا أن الواو إذا انضمت ما قبلها لم تكسر ولم تضم لأن ذلك ثقيل فيها فوجب أن تسكن ولا يجتمع ساكنان فحذفت إحدى الواوين فعلى قياس سيبويه أن المحذوفة هي الثانية لأنها الزائدة فهي أولى بالحذف وعلى قياس الأخفش سعيد بن مسعدة أن المحذوفة الأولى لأن الثانية علامة فلا يجوز حذفها عنده والأماعز جمع أمعز وهو المكان الغليظ الكثير الحصا. تجز رؤوسهم في غير بر ... فما يدرون ماذا يتقونا؟ نجز ونحز بالجيم والحاء؛ ومعناه نفتل. في غير بر: أي لا يتقرب بدمائهم إلى الله تعالى كما نفعل في النسك، ويروى في غير نسك، ويروى نجز بالجيم أي نحن نجز نواصيهم إذا أسرناهم ونمن عليهم، ويروى في غير بر أي نفع في بحر من الدماء، وقوله بماذا يتقونا أي نبادرهم من كل ناحية.

كأن سيوفنا فينا وفيهم ... مخاريق بأيدي لاعبينا مخاريق جمع مخراق ومخرق، شبهت بالسيوف وليس به، وهو شيء يتلاعب به الصبيان وغيرهم معمول من غير الحديد. كأن ثيابنا منا ومنهم ... خضبن بأرجوان أو طلينا أي صبغن والأرجوان صبغ أحمر يشبه الدم، ومعنى البيت أنا قتلناهم وطار على ثيابنا من دماهم. فلم نسمع لوقع السيف إلا ... تغمغم أو تنهد أو أنينا التغمغم: الصوت الخفي، الأنين جمع أنة وهو ضرب من فروع الألم يحصل عند المريض والتنهد: تنفس الصعداء، ولا يكون إلا مع الأسف. إذا ما عي بالاستئناف حي ... من الهول المشبه أن يكونا

عي من العيي والأصل فيه عيي فأدغمت الياء في الياء والإسناف التقدم في الحرب ومنه إبل مسنفات، والحي القبيلة والهول الفزع، والمشبه الذي يشتبه عليهم فلا يعملون كيف يتوجهون إليه. نصبنا مثل رهوة ذات حد ... محافظة وكنا السابقينا أي أقمنا كتيبة، والرهوة أعلى الجبل وأراد كبيرة مثل الجبل عزها ويقال الرهوة اسم جبل، والحد: السلاح، محافظة أي نحافظ على حسبنا ويروى وكنا المسنفينا أي السابقين المتقدمين. بفتيان يرون القتل مجدا ... وشيب في الحروب مجربينا المجد ما اتسع من المفاخر، وشيب جمع أشيب، وإنما يقال شيب لأنهم قد جربوا في الحروب مرة بعد مرة، والمجرب: الممتحن، والتجربة: الامتحان، وكان يجب أن يضم الشين إلا أنهم أبدلوا من الضمة الكسرة لمجاورتها إليها. [يدهون الرؤوس كما تدهدى ... حزاورة بأبطحها الكرينا]

حديا الناس كلهم جميعا ... مقارعة بنيهم عن بنينا أي إنا حدياك على هذا الأمر، أي أخاطرك عليه، وأحدوك عليه أي إني أسوقك والمقارعة من القرع أي تقارعهم عن بنيهم، وعن بنينا، وحديا تصغير حدوى. وحديا سبب قولهم: تحديت: قصدت أي أقصد الناس مقارعة أي أقارعهم على الشرف، أو نقارعهم بالرماح. [وقيل حديا معناه نحن أشرف الناس ويقال إنا حدياك في الأمر أي فوقك والحدو العلية، وقيل معناه نحن أشرف الناس ويقال معناه أحدو الناس أسوقهم وأدعوهم إلى المقارعة لا أهاب أحدا فاستثني وحديا منصوب على المدح أو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي نحن حديا الناس] . فأما يوم خشيتنا عليهم ... فنصبح غارة متلببينا

أي خشيتنا على بنينا، وغارة مثل الإغارة والمتلببون مثل المتحرمون. وأما يوم لا تخشى عليهم ... فتصبح في مجالسنا ثبينا ثبين جمع ثبة فأصله من ثاب بعضهم إلى بعض إذا اجتمعوا والعصب أيضا الجماعات المتفرقة الواحدة عصبة، ويروى فتصبح خيلنا عصبا ثبينا. برأس من بني جشم بن بكر ... ندق به السهولة والحزونا يريد بذلك الحي العظيم، والسهولة جمع سهل، وهي الأرض السهلة اللينة، والحزون جمع حزن، وهو المكان الغليظ من الأرض.

بأي مشيئة عمرو بن هند ... نكون لقيلكم فهيا قطينا [عمرو منصوب على الإتباع لقوله ابن هند، مشيئته أي بأي قول، والقيل الملك. والقطين الخدم والأتباع، ويروى لخلفكم. قال ابن السكيت الخليف الرديء من كل شيء، وإنما يريدها ها هنا العبيد والإماء، والقطين: المتجاورون، وقال غيره قطين اسم للجمع كما يقال عبيد] .

بأي مشيئة عمرو بن هند ... تطيع بنا الوشاة وتزدرينا [بأي مشيئة عمرو بن هند ... ترى أنا نكون الأرذلينا] ؟ تهددنا وتوعدنا رويدا ... متى كنا لأمك مقتوينا

[مقتوي بفتح الميم كأنه ينسب إلى مقتى وهو مفعل من القتو، والقتو خدمة الملوك فقط مقتوى والجمع مقتوون ويقال مقتوى وفي الرفع مقتوون وفي النصب مقتوين] . فإن قناتنا يا عمرو أعيت ... على الأعداء قبلك أن تلينا القناة هنا الأصل والقوة، وقناة مثل ضربة، ويريد أن من نازعنا وغالبنا خاب وخسر، ويروى فتيات جمع فتاة مثل فتى وفتيان في الكثرة وفي القلة فتية ويقال فتى من الفتاة وفتى بين الفتاء. إذا عض الثقاف بها اشمأزت ... وولتهم عشوزنة زبونا

الثقاف: الحشبة التي يقوم بها الرماح، اشمأزت اشتدت وانقبضت وامتنعت دولتهم، أي تلك الثقاف، والعشوزنة الناقة السيئة الخلق. عشوزنة إذا انقلبت أرنت ... تدق قفا المثقف والجبينا أرنت: صوتت، المثقف الذي يقوم الرماح. فهل حدثت في جشم بن بكر ... بنقص في خطوب الأولينا ويروى بضم الحاء وكسر الدال أي حدثوك وهو الأفصح يخاطب عمرو بن هند والأولين يعني به القرون الماضية. ورثنا مجد علقمة بن سيف ... أباح لنا حصون المجد دينا ويروى حصون الحرب دينا. علقمة هو علقمة بن تغلب، يقال علقمة هذا هو الذي أنزل بني تغلب الجزيرة [حاربهم أربعين عاما] . ورثت مهلهلا والخير فيه ... زهير نعم ذخر الذاخرينا

يعني به مهلهل بن ربيعة جد عمرو بن كلثوم لأمه وزهير جده من قبل أبيه. وعتابا وكلثوما جميعا ... بهم نلنا تراث الأكرمينا كلثوم أبو عمرو الشاعر وعتاب جده ويروى (تراث الأجمعينا) . وذا البرة الذي حدثت عنه ... به نحمى ونحمي الملجئينا ذو البرة اسم رجل من بني تغلب بن ربيعة كان يسمى برة القنفدلف بذلك لكثرة ما كان على أنفه من الشعر والبرة الحلقة تكون في أنف البعير. ومنا قبله الساعي كليب ... فأي المجد إلا قد ولينا

الساعي الذي يسعى في حالات الصلح، وكليب هذا كليب بن وائل بن ربيعة أخي مهلهل قتله جساس بن مرة أخو همام، وأي منصوب بولينا هذه أكثر الروايات أي صار إلينا فصرنا ولاة عليه. متى نعقد قرينتنا بحبل ... نجذ الوصل أو نقص القرينا القرينة المقرونة بحبل بغيرها نجذ نقطع، ويروى بالتاء تجذ بمعنى القرينة، والنقص والوقص دق العنق، وكذلك في تجذ الرفع على الابتداء وهو هنا عماد النصب على الصرف بإضمار أن، والتقدير فيه أن تجذ الحبل، والجزم عطفا على الجزاء [ويروى ويحذ بالياء والحاء] ويروى: تعقد بالدال والأصل أن القرينة هي الناقة، والجمل يكون فيهما خشونة يربط أحدهما إلى الآخر حتى يلين. ونوجد نحن أمنعهم ذمارا ... وأوفاهم إذا عقدوا اليمينا

[ذمارا ويمينا منصوبان على التفسير، ونوجد خبر نحن، والجملة في موضع نصب ويقال وفى أوفى أفصح وقد جاء القرآن باللغتين] ويروى وأولادهم، والذمار والذمر ما يحق على الرجل أن يحميه من حريم وغيره، يقال هم يتذامرون أي يزجر بعضهم بعضا، ونصب أمنعهم على خبر ما لم يسم فاعله، ويروى أمنعهم بالرفع على أنه خبر نحن والدمار نصب على التفسير. ونحن غداة أوفد في خزازى ... رفدنا فوق رفد الرافدينا

ويروى خزاز بغير الألف قال ابن السكيت خزازى ويقال خزار أي موضع قال واجتمعت معد على كليب بن وائل في يوم خزازى أي أوقدوا النيران للأضياف. ونحن الحابسون بذي أراطى ... تسف الجلة الخور الدرينا وأراطي اسم موضع كانوا حبسوا فيه إبلهم، وأقاموا فيه وتسف بضم التاء وفتح السين وبالعكس، معناه تأكل، الجلة الإبل السمان، الخور الغزيرات الألبان، وهي جمع واحدها خوراء، والمستعمل في كلام العرب خوارة والدرين: الحشيش اليابس وقيل ما يبس ثم نبت ثم جف أيضا. ونحن الحاكمون إذا أطعنا ... ونحن العازمون إذا عصينا أي إذا أطاعنا الناس أقمنا عليهم الحكم بالعدل، وإن عصونا عزمنا على تقويمهم مما هم عليه مصرون. ويروى ونحن العاصمون إذا أطعنا ويروى إذا طعنا وقيل العازمون نعزم على قتال من عصانا ونثيب من أطاعنا.

ونحن التاركون لما سخطنا ... ونحن الآخذون عارضينا يصف عزتهم، وإن أحدا لا يقدر أن يجبرهم على شيء مما يكرهون لعزتنا وارتفاع شأننا. وكنا الأيمنين إذا التقينا ... وكان الأيسرين بنو أبينا يصف حربا كانت بينهم يريد بني تغلب ويقال إن بني تغلب كانوا الأيمنين وبني بكر كانوا الأيسرين، وقيل أراد بالأيمنين الشدة وبالأيسرين الضعف. قال ابن السكيت وكنا في يوم خزارى في الميمنة، وكان بنو عمنا في الميسرة. قال أبو العباس ثعلب: أصحاب الميمنة أصحاب التقدم، وأصحاب المشأمة التأخر يقال اجعلني في يمينك أي من المتقدمين ولا تجعلني في شمالك أي من المتأخرين. فصالوا صولة فيمن يلهم ... وصلنا صولة فيمن يلينا الصولة الشدة وقال يليهم على لفظ من، ولو كان على المعنى لقال: يلونهم.

فآبوا بالنهاب وبالسبايا ... وأبنا بالملوك مصفدينا ويروى مع السبايا، آبوا رجعوا يعني بكر بن وائل، والنهاب جمع نهب، والسبايا: النساء اللواتي سبين الواحدة سبية، الملوك ملوك الأعادي، مصفدينا أسرى، وهي منصوبة على الحال. إليكم يا بني بكر إليكم ... ألما تعرفوا منا اليقينا إليكم قوله إليكم اسم للفعل فإذا قال القائل إليك عني أي ابعد، وإلى في الأصل لانتهاء الغاية، أي تباعدوا إلى أقصى ما يكون البعد، ولا يجوز أن يتعدى إليكم عند البصريين. فلا يقال إليك زيدا لأن معناه تباعد. وقيل أن قوله إليكم يا بني بكر: معناه انتهوا أو كفوا عما أنتم عليه، ومعنى ألما: ألم تعرفوا منا المجد، فإذا قلت ألم تعلم قلت أجهلت وإذا قلت ألما تعلم، فكأنك قلت أبطأت في العلم، أي آن لك أن تعلم، والفرق بين لما ولم أن لما نفي من قد فعل ولم نفي من فعل، وأيضا لم لا بد أن يأتي الفعل ولا يجوز حذف الفعل معه.

ألما تعلموا منا ومنكم ... كتائب يطعن ويرتمينا نقود الخيل دامية كلاها ... إلى الأعداء لاحقة بطونا علينا البيض واليلب اليماني ... وأسياف يقمن وينحنينا أصل اليماني اليمني ثم أبدل من أحدى الياءين ألفا. علينا كل سابغة دلاص ... ترى فوق النجاد لها غضونا

الدلاص والدليص واحد، وهو الشيء المجلو البراق اللين، وقيل التامة المحكمة، وقيل السهلة اللينة التي يزل السيف عنها، والنجاد حمائل السيف والجمع نجائد وحمائل والحمالة والمحمل الواحد، وأما الغضون فضول الدرع دمع غضن كما يقال فلس وفلوس. إذا وضعت عن الأبطال يوما ... رأيت لها جلود القوم جونا جلود القوم: يريد ثيابهم، الجون جمع جون أي سوادا من لبس الحديد، والجون الأبيض، يقول انح عن فلان ثوبه، أي انزع عنه ثوبه. كأن متونهن متون غدر ... تصفقها الرياح إذا جرينا

متونهن: الدرع، ويروى غضونهن: متون غدر، شبه تكسير متونهن بمتون غدر إذا ذهبت بها الريح، ومتن كل شيء أعلاه، والغضون تكسير الدرع. وتحملنا غداة الروع جرد ... عرفن لنا نقائذ وافتلينا النقائذ الخيل التي استنفذت من الشيء أي أخذت من يد القوم فاستنفذوها، قوله وافتلينا أي ولدن عندنا من الفلو، يقال: فليته وأفليته؛ إذا قطعته عن لبن أمه، ومن هذا قيل: فلاة، لأنها قطع عنها الماء، ويقال: ومنها ما فليناه أي ربيناه. ويقال: فلوته أي ربيته. [وردنا دوارعا، وخرجن شعثا ... كأمثال الرضائع قد بلينا] ورثناهن عن آباء صدق ... ونورثها إذا متنا بنينا يقال متنا ومتنا بضم الميم وكسرها والضم أجود لأنه من المةت، ومثله دمنا ودمنا. وقد علم القبائل من معد ... إذا قبب بأبطحها بنينا

القبب بضم القاف وكسرها جمع قبة ابن السكيت يعني به أبطح مكة المكرمة. بأنا العاصمون بكل كحل ... وأنا الباذلون لمجتدينا ويروى فإنا العاصمون والكحل السنة الشديدة المجدبة، والمجتدي السائل. وأنّا المانعون لما يلينا ... إذا ما البيض زايلت الجفونا البيض: السيوف زايلت جردت من أغمادها.

وأنّا المنعمون إذا قدرنا ... وأنّا المهلكون إذا أتينا أي إذا أسرنا، وقدرنا على عدونا أطلقناه، وإذا هم أتونا غارة للحرب أهلكناهم. [بأنّا العاصمون إذا أطعنا ... وأنّا العارمون إذا ابتلينا وأنّا المانعون لما أردنا ... وأنّا النازلون بحيث شينا وأّنا الحاكمون بما أردنا ... وأنّا النازلون بحيث شينا وأنّا التاركون لما سخطنا ... وأنّا الآخذون لما هوينا

وأنّا الطالبون إذا نقمنا ... وأنّا الضاربون إذا ابتلينا وأن النازلون بكل ثغر ... يخاف النازلون به المنونا] وأنا الشاربون الماء صفوا ... ويشرب غيرنا كدرا وطينا ألا سائل بني الطماح عنا ... ودعميا فكيف وجدتمونا

ويروى ألا أبلغ. وبنو الطماح قبيلة من بني وائل وهم من بني نمارة، ودعمي قبيلة من جديلة من أياد. أي سائل هذين القبيلتين كيف وجدتموها في الحرب، وموضع كيف نصب بوجد. نزلتم منزل الأضياف منا ... فعجلنا القرى أن تشتمونا أي جئتم للقتال، فعاجلناكم بالحرب مخافة أن تشتمونا فحذف مخافة، وأقام أن تشتمونا مكانها ومقامها: أي أتيتمونا فنزلتم بنا؛ كما ينزل الضيف، فعجلنا لكم القرى أي لقيناكم كما يلقى صاحب البيت ضيفه بالطعام كيلا يذمه. وقوله أن تشتمونا أي مخافة أن تشتمونا هذا قول البصريين وقال الكوفيون لئلا تشتمونا. قريناكم فعجلنا قراكم ... قبيل الصبح مرداة طحونا المرادة: صخرة تملأ الكف، شبه الكتيبة بها والطحون التي وقعت على شيء فطحنته. على آثارنا بيض كرام ... نحاذر أن تفارق أو تهونا

تفارق بفتح الراء وكسرها ويروى أن تقسم وواحد الآثار أثر أي نساؤنا خلفنا يحرضن على القتل، والبيض هنا النساء نقاتل عنهن ونحذر أن نفارقهن أو تهون أي تستبين. ظعائن من بني جشم بن بكر ... خلطن بميسم حسبا ودينا الظعائن جمع ظعينة وهي المرأة في الهودج وسميت ظعينة لأنها يظعن بها أي يسافر بها، وأكثر أهل اللغة يقولون: لما كثر استعمالهم لهذا سموا المرأة ظعينة، وسموا الهودج ظعينة. قال أبو الحسن بن كيسان هذا من الأسماء التي وضعت على شيئين إذا فارق أحدهما صاحبه، لم يقع له ذلك الاسم، لا يقال للمرأة ظعينة، حتى تكون في الهودج، ولا يقال للهودج ظعينة، حتى تكون فيه المرأة، كما يقال جنازة للميت إذا كان على النعش، ولا يقال للميت وحده جنازة، ولا يقال للنعش وحده جنازة، وكما يقال للقدح الذي فيه الخمر كأس، ولا يقال للقدح وحده كأس، ولا للخمر وحدها كأس، وبنو جشم قبيلة، والميسم الجمال، والحسب والدين ههنا طاعتهن لأزواجهن، وقيل حفظهن من الريبة. أخذن على بعولتهن عهدا ... إذا لاقوا فوارس معلمينا

معلمين نعت للفوارس، مشتهرين، قد شهروا أنفسهم بعلائم في الحب يرفعون بها ذكرهم ويعرفون أنفسهم. ليستلبن أبدانا وبيضا ... وأسرى في الحديد مقرنينا الأبدان جمع بدن وهي الدرع القصيرة من الحديد، وبيضاً بفتح الباء وكسرها فمن أراد بيض الحديد فتح، ومن أراد السيوف كسر. والأسرى: جمع أسير: وأكثر أهل اللغة يذهب إلى أن الأسرى والأسارى واحد، وهو المشهور. وقال أبو زيد الأسرى ما كان في وقت الحرب والأسارى ما كان في الأيدي. وحكى السجستاني عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: الأسرى الذين جاءوا مستأسرين، والأسارى الذين صاروا في الوثاق، والمقرنين الذين قرن بعضهم إلى بعض، ويروى مصفدينا أي في الحديد. إذا ما رحن يمشين الهوينى ... كما اضطربت متون الشاربينا

يريد بذلك الظعائن رحن أي رجعن بعد الحرب ثم الهرب الهوينى المشي على مهل بلا قلقن يصف نعمتهن، وأن مشيتهن كمشي السكاري إذ تضطرب متونهن ويتمايلن كما يتمايل السكران. يقدن جيادنا ويقلن لستم ... بعولنا إذا لم تمنعونا ويروى يقتن من القوت أي يطعمن الأفراس، وهي الجياد، ويقال: إنهم كانوا لا يرضون للقيام على الخيل إلا بأهلهم إشفاقا عليها. إذا لم نحمهن فلا بقينا ... لخبر بعدهن ولا وقينا وما منع الظعائن مثل ضرب ... ترى منه السواعد كالقلينا القلون جمع قلة، وهي خشبة يرفعها الصبيان ثم يضربون بها الأرض، وقال غيره يرفعونها بخشبة أخرى يضربونها، وتلك الخشبة التي يرفعونها بها تسمى القال فشبه السواعد إذا قطعت فطارت بها، وأبدل من الضمة الكسرة في قلين.

لنا الدنيا ومن أضحى عليها ... ونبطش حين نبطش قادرينا ويروى حيث نبطش. إذا ما الملك سام الناس خسفا ... أبينا أن نقر الخسف فينا سام من الوسم: أي عرضهم على الذل، والخسف: الظلم، أبينا أن نثبت الضيم فينا يصف عزتهم، وأن الملوك لا تصل إلى ظلمهم. ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا أي فنعاقبه بما هو فوق جهله وأعظم. نسمى ظالمين وما ظلمنا ... ولكنا سنبدأ ظالمينا

ويروى بغاة طالمين وما ظلمنا. إذا بلغ الفطام لنا صبي ... تخر له الجباير ساجدينا ملأنا البر حتى ضاق عنا ... وظهر البحر نملؤه سفينا البر واحد البراري: وهي الصحار. ويروى البحر، ويروى: وعرض البحر بفتح العين، ويروى بضمها، والسفين، والسفن واحد، والواحدة سفينة انتهت معلقة عمرو بن كلثوم. زادت الجمهرة وبعض المصادر الأبيات التالية ولم ترد هذه الأبيات في المخطوطة: تنادى المصعبان وآل بكر ... ونادوا يا لكندة أجمعينا

فإن تغلب فغلابون قدما ... وإن نغلب فغير مغلبينا وهذا البيت هو آخر بيت في المعلقة في جواهر الأدب والجمهرة. وزادت الجمهرة بعد البيت 114 حسب الترقيم هنا ألا لا يجهلن. ونعدو حيث لا يُعدى علينا ... ونضرب بالمواسي من يلينا ألا لا يحسب الأعداء أنا ... تضعضغنا، وأنا قد فنينا ترانا بارزين وكل حي ... قد اتخذوا مخافتنا قرينا

كأنا والسيوف مسللات ... ولذنا الناس طرا أجمعينا مجمهرة أمية بن أبي الصلت ليوازن القارئ بينها وبين معلقة عمرو بن كلثوم: عرفت الدار قد أقوت سنينا ... لزينب إذ تحل به قطينا أذعن بها جوافل معصفات ... كما تذري الملحلحة الطحينا وسافرت الرياح بهن عصراً ... بأذيال يرحن ويغتدينا فأبقين الطلول ومحنيات ... ثلاثا كالحمائم قد صلينا وأريا لعهد مربتات ... أطلن به الصفون إذا افتلينا فإما تسألي عين لبينى ... وعن نسبي أخبرك اليقينا فإني للنبيه أبا وأما ... وأجدادا سموا في الأقدمينا فإني للنبيه أبي قسي ... لمنصور بن يقدم الأقدمينا لأفصى عصمة الهلاك أفصى ... على أفصى بن دعمي بنينا ورثنا المجد عن كبرى نزار ... فأورثنا مآثره بنينا وكنا حيث قد علمت معد ... أقمنا حيث ساروا هاربينا بوح وهي عبري وطلح ... تخال سواد أيكتها عرينا

فألقينا بساحتها حلولا ... حلولا للإقامة ما بقينا فأنبتنا خضارم فاخرات=يكون نتاجها عنبا وتينا وأرصدنا لريب الدهر جودا ... لها ميما وماذيا حصينا وخطيا كأشطان الركايا ... وأسيافا يقمن وينحنينا وتخبرك القبائل من معد ... إذا عدوا سعاية أولينا بأنا النازلون بكر ثغر ... وأنا الضاربون إذا التقينا وأنا المانعون إذا أردنا ... وأنا العاطفون إذا دعينا وأنا الحاملون إذا أناخت ... خطوب في العشيرة تبتلينا وأنا الرافعون على معد ... أكفا في المكارم ما بقينا أكفا في المكارم قدمتها ... قرون أورثت منا قرونا نشرد بالمخافة من نآنا ... ويعطينا المقادة من يلينا إذا ما الموت عسكر بالمنايا ... وزالت المهندة الجفونا وألقنا الرماح وكان ضرب ... يكب على الوجوه الدارعينا نفوا عن أرضهم عدنان طرا ... وكانوا بالربابة قاطنينا وهم قتلوا السبي أبا رغال ... بنخلة حين إذ وسق الوضينا وردوا خيل تبع في قديد ... وساروا للعراق مشرقينا وبدلت المساكن من إياد ... كنانة بعدما كانوا القطينا نسير بمعشر قوم لقوم ... وحلوا دار قوم آخرينا

الحارث بن حلزة اليشكري

الحارث بن حلزة اليشكري هو الحارث بن حلزة بن مكروه بن يزيد بن عبد الله بن مالك بن عبد بن سعد بن جشم بن ذبيان بن كنانة بن يشكر بن بكر بن وائل. شاعر جاهلي مشهور وصاحب إحدى المعلقات في الجاهلية هو يقابل عمرو بن كلثوم الشاعر الآخر ينتميان إلى وائل. الحلزة لقب والده وشهر به وهو في أحد معنيين إما البخيل، أو دويبة معروفة وقال قطرب إنه ضرب من النبات وبه سمي الحارث بن حلزة. لا نعرف الكثير عن حياته سوى موقفه الذي ألقى فيه هذه القصيدة وهو أحد الشعراء الذي شهروا بواحدة طويلة. سبب القصيدة: اجتمع بكر وتغلب للمفاخرة عند عمرو بن هند وفي ليلة المفاخرة هيأ الشاعر قصيدته، وجمع بعض شباب قبيان وأرادهم أن ينشدوها لكن لم يوفق أحد في إلقائها كما يريد شاعرنا، وكان به برص، وكان يكره ذلك لأن هند أم عمرو بن هند ستسمع القصيدة وسوف ينضحون أثره بالماء حتى لا يعديهم ولكنه لم يكن له بد من إلقائها. وفي يوم المفاخرة جلست هند وراء ستورها تسمع وكانت ترفع سترا بعد ستر لإعجابها بالقصيدة وقربته على مجلس عمرو ابنها. وحكم عمرو بن هند للحارث وبني بكر مما جعل آل تغلب يغضبون وينصرفون. وأمر عمرو بن هند ألا ينضح أثره بالماء. ولا نعرف عن الحارث بن حلزة سوى هذه الحادثة ولولا قصيدته هذه لظل

مجهولا وانطوى اسمه شأن أي إنسان ولد في الجاهلية ومات دون أن يخلف أثرا، وكثير من نقاد الأدب لم يعترف بقصيدته هذه إحدى المعلقات منهم أبو عمرو الشيباني والخطابي صاحب جمهرة أشعار العرب إذ لم يضعها في المعلقات وكذلك حذفها الزوزني من معلقاته ولم يوردها. رأي النقاد فيه: 1- قال أبو عمرو الشيباني لو قال الحارث هذه القصيدة في سنة لم يلم، ولكنه لم يعتبرها من المعلقات فلم يشرحها. 2- قال ابن سلام في كتابه طبقات الشعر: أجود الشعراء قصيدة واحدة جيدة ثلاثة مفر: عمرو بن كلثوم، والحارث بن حلزة وطرفة بن العبد. 3- قال صاحب كتاب شعراء النصرانية، إنه من شعراء الطبقة الأولى. ولعله اعتبره من أوائل الشعراء زمانيا. 4- قالوا إنه ارتجل هذه القصيدة ارتجالا وشك في ذلك طه حسين وأنا معه في أنه لم يرتجلها أمام عمرو بن هند، وإنما بيتا ألفا قبل ذلك ثم ألقاها. 5- في القصيدة إقواء فالقافية كلها مرفوعة ما عدا: فملكنا بذاك الناس حتى ... ملك المنذرين ماء السماء والأقواء معروف عند الشعراء الجاهليين وممن سقطوا فيه النابغة الذبياني. 6- لو أردنا الموازنة بين قصيدة الحارث وقصيدة عمرو بن كلثوم لرأينا أن قصيدة الحارث فيها الحكمة والاتزان والعقل أما قصيدة عمرو فهي قصيدة العاطفة والارتجال. هذه أهم الآراء التي يمكن أن نقولها عن الحارث.

المعلقة

المعلقة آذنتنا ببينها أسماء ... رب ثاو يمل منه الثواء آذنتنا بعهدها ثم ولت ... ليت شعري متى يكون اللقاء بعد عهد لنا ببرقة شما ... ء فأذني ديارها الخلصاء فالمحياة فالصفاح فأعنا ... ق فتاق فعاذب بالوفاء فرياض القطا فأودية الشر ... بب فالشعبتان فالأبلاء لا أرى من عهدت فيها فأبكي ... اليوم دلها وما يحير البكاء وبعينيك أوقدت هند النا ... ر أخيرا تلوي بها العلياء فتنورت نارها من بعيد ... بخزازى هيهات منك الصلاة أوقدتها بين العقيق فشخص ... ين بعود كما يلوح الضياء غير أني قد أستعين على الهم ... إذا خف بالثوي النجاء بزفوف كأنها هقلة ... أم رئال دوية سقفاء

آنست نبأة وأفزعها القن ... اص عصرا وقد دنا الإمساء فترى خلفها من الرجع والو ... قع منينا كأنه إهباء وطراقا من خلفهن طراق ... ساقطات ألوت بها الصحراء أتلهى بها الهواجر إذ كل ... ابن هم بلية عمياء وأتانا من الحوادث والأنب ... اء خطب نعنى به ونساء أن إخواننا الأراقم يغلو ... ن علينا في قيلهم إخفاء يخلطون البريء منا بذي الذن ... ب ولا ينفع الخلي الخلاء زعموا أن كل من ضرب الع ... ير موال لنا وأنا الولاء أجمعوا أمرهم عشاء فلما ... أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء من مناد ومن مجيب ومن تص ... هال خيل خلال ذاك رغاء أيها الناطق المرقش عنا ... عند عمرو هل لذاك بقاء لا تخلنا على غراتك إنا ... قبل ما قد وشى بنا الأعداء

فبقينا على الشناءة تنمينا ... حصون وعزة قعساء قبل ما اليوم بيضت بعيون الن ... اس فيها تعبظ وإباء وكأن المنون تردي بنا أر ... عن جونا ينجاب عنه العماء مكفهرا على الحوادث لا تر ... نوه للدهر مؤيد صماء إرمي بمثله جالت الخي ... ل فآبت لخصمها الأجلاء ملك مقسط وأفضل من يم ... شي ومن دون ما لديه الثناء إيما خطة أردتم فأدو ... ها إلينا تمشي بها الأملاء إن نبشتم ما بين ملحة فالصا ... قب فيه الأموات والأحياء أو نقشتم فالنقش يجشمه النا ... س وفيه الصلاح والإبراء أو سكتم فكنا كمن أغم ... ض عينا في جفنها أقداء أو منعتم ما تسألون فمن حد ... ثتموه له علينا العلاء هل علمتم أيام ينتهب النا ... س غوارا لكل حي عواء

إذا ركبنا الجمال من سعف البحر ... ين سيرا حتى نهاها الحساء ثم ملنا على تميم فأحر ... منا وفينا بنات مر إماء لا يقيم العزيز بالبلد السه ... ل ولا ينفع الذليل النجاء ليس ينجي موائلا من حذار ... رأس طود وحرة رجلاء فملكنا بذلك الناس حتى ... ملك المنذر بن ماء السماء ملك أضرع البرية لا يو ... جد فيها لما لديه كفاء ما أصابوا من تغلبي فمطلو ... ل عليه إذا أصيب العفاء كتكاليف قومنا إذا غزا المنذ ... ر هل نحن لابن هند رعاء إذ أحل العلياء قبة ميسو ... ن فأدنى ديارها العوصاء فتأوت له قراضبة من ... كل حي كأنهم ألقاء فهداهم بالأسودين وأمر الله ... بلغ تشقى به الأشقياء

إذا تمنونهم غرورا فسا ... قتهم إليكم أمنية أشراء لم يغروكم غرورا ولكن ... رفع الآل شخصهم والضحاء أيها الناطق المبلغ عنا ... عند عمرو هل لذاك انتهاء إن عمرا لنا لديه خلال ... غير شك في كلهن البلاء من لنا عنده من الخير آيا ... ت ثلاث في كلهن القضاء آية شارق الشقيقة إذ جا ... ؤا جميعا لكل حي لواء حول قيس مستلئمين بكبش ... قرطي كأنه عبلاء وصتيت من العواتك لا تنه ... اه إلا مبيضة رعلاء فرددناهم بطعن كما يخر ... ج من خربة المزاد الماء وحملناهم على حزم ثهلا ... ن شلالا ودمي الأنساء وجبهناهم بطعن كما تنهز ... في جمة الطوي الدلاء وفعلنا بهم كما علم الله ... وما إن للحائنين دماء

ثم حجرا اعني ابن أم فطام ... وله فارسية خضراء أسد في اللقاء ورد هموس ... وربيع إن شمرت غبراء وفككنا غل امرئ القيس عنه ... بعد ما طال حبسه والعناء ومع الجون جون آل بني الأو ... س عنود كأنها دفواء ما جزعنا تحت العجاجة إذا ولوا ... شلالا وإذ تلظى الصلاء وأقدناه رب غسان بالمنذ ... ر كرها إذ لا تكال الدماء وأتيناهم بتسعة أملا ... ك كرام أسلابهم أغلاء وولدنا عمرو بن أم أناس ... من قريب لما أتانا الحباء مثلها يخرج النصيحة للقوم ... فلاة من دونها أفلاء فاتركوا الطيخ والتعاشي وإما ... تتعاشوا ففي التعاشي الداء واذكروا حلف ذي المجاز وما ... قدم فيه العهود والكفلاء حذر الجور والتعدي وهل ين ... قض ما في المهارق الأهواء

واعلموا أننا وإياكم فيما ... اشترطنا يوم اختلفنا سواء عننا باطلا وظلما كما تعتر ... عن حجرة الربيض الظباء أعلينا جناح كندة أن ... يغنم غازيهم ومنا الجزاء أم علينا جرى إياد كما ... نيط بجوز المحمل الأغباء ليس منا المضربون ولا قيس ... ولا جندل ولا الحذاء أم جنايا بني عتيق فمن يغد ... ر زفإنا من حربهم براء وثمانون من تميم بأيد ... يهم رماح صدورهن القضاء تركوهم ملحبين وآبو ... بنهاب يصم منها الحداء أم علينا جرى حنيفة أو ما ... جمعت من محارب غبراء أم علينا جرى قضاعة أم ... ليس علينا فيما جنوا أنداء ثم جاؤوا يسترجعون فلم تر ... جع لهم شامة ولا زهراء

لم يخلوا بني رزاح ببرقا ... ء نطاع لهم عليهم دعاء ثم فاؤوا منهم بقاصمة الظه ... ر ولا يبرد الغليل الماء ثم خيل من بعد ذاك ... مع الغلاق لا رأفة ولا إبقاء وهو الرب والشهيد على يو ... م الحيارين والبلاء بلاء

§1/1