شرح القويسني على السلم المنورق للأخضري

أحمد بن عمر الحازمي

1

عناصر الدرس * نبذة عن الشرح. * شرح مقدمة الناظم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد. المقرر هو: ((شرح السلم المنورق في فن المنطق))، وهو لعبد الرحمن الأخضري، والشرح لحسن درويش القويسني، وهو شيخ جامع الأزهر لم يعرف له تاريخ ولادةٍ، وإنما كان حيًّا عام خمس وخمسين ومائتين وألف، ألف ومائتين وخمس وخمسين. والسلم له شروحات متعددة، ولكن تختلف من حيث الطول ومن حيث الاختصار ومن أجودها في نظري هو هذا الشرح ويمتاز ميزتين. الأولى: الاختصار. والثانية: المزج. والشرح الممزوج بالنسبة لطالب العلم المبتدئ والمتوسط والمنتهي، المتون التي شرح بالمزج العناية بها أولى دراسةً وتدريسًا، وما عداه يكون مرجعًا أو يجرد أو نحو ذلك، والمراد بالمزج هو الذي يخلط فيه الشرح مع المتن، يأتي بكلمة ويدخل بينها كلمة أخرى وهكذا حتى يأتي على المسائل التي ذكرها الناظم وقد يزيد على ما ذكره الناظم، وهذا أفيد لطالب العلم من حيث إذا كان المتن محفوظًا يكون الفهم له أكثر وأرسخ، بخلاف المتن الذي تعلق فيه المتن يوضع في أعلى الصفحة ثم يؤتى بمعاني الأبيات وقد يترك بعض الكلمات التي تكون في المتن فلا تشرح أو بعض المسائل ولا يحل عبارات المتن، نقول: هذا فائدته قليلة لطالب العلم، والعناية به ينبغي أن تكون أقل من العناية بالشروحات الممزوجة، إذًا لهاتين الميزتين كان الاختيار لهذا الكتاب، ثُم شروحات السلم متقاربة ((إيضاح المبهم))، ((وشرح المصنف)) وكذلك ((الملوي)) الملوي يعتبر شرحًا ممزوجًا لأنه صعب، وكذلك بعض الشروحات المعاصرة إنما هي من باب التعليق على المتن، وإن كان الدمنهوري في ((إيضاح المبهم)) يحاول أن يقف مع الألفاظ، لكنه ليس كالشرح الممزوج على كلٍّ هذا الكتاب العناية به أولى وهو مختصر ليس بطويل، وهو واضح العبارة في الجملة. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أظهر لأرباب العقول حقائق المعقول على التحقيق، ودلهم على تصحيح طرق التصور والتصديق، فاستنتجوا بها بدائع الأسرار من دقائق الأنظار، واستخرجوا بها عرائس الأبكار من مخبئات الأسرار، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الذي شيد قواعد الإسلام بأفصح منطقٍ وأوضح خطاب، وعلى آله وأصحابه صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم العرض والحساب. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ بسم الله الرحمن الرحيم هذه مقدمة المصنف رحمه الله تعالى، والظاهر أنه قد كتبها بنفسه لما سيأتي، وضمنها براعة الاستهلال وهي أن يذكر في مقدمة كلامه ما يشعر بالمقصود، وهو فنٌ من أنواع أو من فنون البديع عند البيانيين، يذكر في مقدمة كلامه ما يشعر بالمقصود.

قوله: [الحمد لله]. افتتح بالحمد كما هو الشأن في ما سيأتي في كلام الناظم رحمه الله تعالى في التعليق على الشرح [الذي أظهر لأرباب العقول] أي: لأصحاب العقول. لما ذكر أرباب العقول الفن إنما هو من فنون المعقول، بمعنى أن المنطق إنما يدرك به الفكر ونحو ذلك، حينئذٍ قوله: ... [لأرباب العقول]. هذا فيه براعة استهلال، والعقول جمع عقل وستأتي الإشارة إليه يقال: عَقَلَ عَقْلاً إذا أدرك الأشياء على حقائقها. يُسمى عقلاً، إدراك بمعنى العقل، والعقل ما يكون به التفكير والاستدلال وتركيب التصورات والتصديقات ويتميز به الحسن من القبيح والخير من الشر يُجْمَعُ على عقول، ما يكون به التفكير، يعني: الذي يحصل به التفكير، لأننا عندنا فِكْرٌ ومُفَكَّرٌ فيه، الْمُفَكَّر فيه هو كما سيأتي حركة النفس، أو التفكير الفكر نفسه حركة النفس من المعقولات إلى حركة النفس في المعقولات، حركة النفس في المعقولات تسمى فكرًا في لغة العرب، هذه الحركة إنما تكون في شيءٍ معين له وجودٌ في الخارج العقل الذي يدرك هذه الأشياء يسمى عقلاً، أو الإدراك الذي يكون به هذه الأشياء يسمى عقلاً كما سيأتي في موضعه، [حقائق المعقول على التحقيق]، [حقائق] جمع حقيقة، وهي الشيء الثابت يقينًا، وحقيقة الشيء خالصه وكنهه [على التحقيق] التحقيق المراد به ذكر الشيء بدليله، وهو مصدر حَقَّقَ على وزن فَعَّلَ يقال: كلام محقق محكم الصنعة رصين، حقق الأمر أثبته وصدقه، ويقال: حقق الظن، وحقق القول والقضية والشيء الأمر أحكمه، [ودلهم على تصحيح طرق التصور والتصديق]، [دلهم] دلالة إرشادٍ وتوفيق [على تصحيح طرق التصور والتصديق] وهما قسما العلم كما سيأتي، العلم ينقسم إلى تصور، وإلى تصديق. ومنه صحيح ومنه فاسد، [فاستنتجوا بها] ... [فاستنتجوا] السين هذه للطلب [فاستنتجوا] نتيجة كما سيأتي قضيةٌ لازمةٌ لمقدمتين قولنا: العالم حادث، اللازم لقولنا: العلم متغير، وكل متغيرٍ حادث.

[بدائع الأسرار] أسرار البديع يعني: قدم وأخر لبدائع الأسرار، أي: من أسرار البديع، والأسرار جمع سرٍ وهو ما يكتمه المرء في نفسه، والبدائع قولهم: جمع بديع، بدعه بدعًا أنشأه على غير مثالٍ سابق فهو بديع، إذًا الأسرار البديعة الأسرار التي تكون في النفس استنتجوا بواسطة هذه الحقائق ما يكون في النفس وهو خفي، ثم هذا الاستنتاج على غير مثالٍ سابق، ففيه دقةٌ من حيث الإبداع [من دقائق الأنظار]، يعني: من الأنظار الدقيقة، أيضًا فيه تقديمٌ وتأخير، والأنظار جمع نظر كما سيأتي وهو: الفكر والتأمل، وله معنًى اصطلاحي ومعنًى لغوي، والدقيقة من دق الشيء غمض وخفي معناه فلا يفهمه إلا الأذكياء، [واستخرجوا بها]، [بها] الضمير يعود إلى ماذا؟ [فاستنتجوا بها] أي إلى حقائق المعقول، [واستخرجوا بها] أي حقائق المعقول، ويمكن أن يعود الضمير على طرق التصور والتصديق وهو أقرب لأنه أقرب مذكورٍ [واستخرجوا بها عرائس الأبكار من مخبئات الأسرار] هو معنى الجملة السابقة أعادها بجهة الكناية [واستخرجوا بها عرائس] جمع عروس، وعروس نعتٌ يستوي فيه الرجل والمرأة، رجلٌ عروس ورجالٌ عُرُس بضمتين وامرأةٌ عروس ونساءٌ عَرائس، إذًا أراد هنا المؤنث [واستخرجوا بها عرائس الأبكار]، [الأبكار] جمع بِكْر، وهي العذراء. [من مخبئات الأسرار]، يعني: من الأسرار المخبئة، يعني: المستورة، لأنه من خَبَّأَهُ من باب قَطَعَهُ مَا خُبِئَ وَاخْتَبَأَ، يعني: ما استتر. أي: الأسرار المستترة، [والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ] جمع بين الحمد والصلاة والسلام [على سيدنا) قائدنا [محمدٍ الذي شيد] وقوم ... [قواعد) وأصول [الإسلام بأفصح منطقٍ] المنطق المراد به الكلام، أي: الكلام الفصيح، ولو قال: بأبلغ منطق. لكان أولى لأن البلاغة تستلزم الفصاحة من غير عكس، قالوا: كلامٌ بليغ كلامٌ فصيح، والبلاغة الكلام مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته فهي جزءٌ من حد البلاغة [وأوضح خطاب] أوضح خطاب، يعني: الخطاب الواضح، المنطق الفصيح والخطاب الواضح، والخطاب هو: توجيه الكلام للغير، ففيه مرادفةٌ لقوله: [منطقٍ]. [وعلى آله] أتباعه على دينه [وأصحابه صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين)، يعني: صلاة مع السلام والسلام مع الصلاة امتثالاً لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56]. ثم قال: [إلى يوم العرض والحساب]. وهي مؤبدة في الدنيا.

وبعد فيقول مرتجي عفو ربه الغني حسن بن درويش القويسني: قد كنت قرأت في بعض السنين كتاب ((السلم)) لجماعةٍ من المبتدئين فسألوني أن أملي عليه كلماتٍ توضح ما أشكل منه، وتفتح ما أُغلق منه، مع الاقتصار على معانيه وإعراب مبانيه، فأمليت عليه ما تيسر من حفظي، ولم أراجع فيه مادةً سوى محلين أو ثلاث، راجعت فيها شرح شيخ شيوخنا العلامة الملوي، ثم استأذنني بعض الإخوان عامله الله باللطف والإحسان أن يجرده ويخليه من الإعراب لكونه غير لائقٍ بهذا الشأن. فأذنت له في ذلك، فجرده من الإعرابِ، فجاء بحمد الله جملةً كافيةً في فهم الكتاب لذوي الألباب، وأنا أسأل من اطلع عليه أن يتجاوز عما يراه من خطأٍ وزلل، وعلى الله الاعتماد والتكلان، وإليه الملجأ وبه المستعان، وأنا أسأل الله الكريم أن ينفع به النفع العميم، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ [وبعد] أي بعد ما ذُكِرَ من الحمدلة والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، [فيقول] الفاء واقعة لجواب الشرط [فيقول مرتجي عفو ربه الغني]، [مرتجي] ارتجى يرتجي فهو مرتجي، يعني: مأخوذٌ من الرجاء وهو الأمل. إذًا يقول: مؤمل [عفو ربه الغني حسن بن درويش القويسني] هذا عطف بيان [مرتجي] هذا فاعل وهو مضافٌ إلى مفعوله فاعل مضاف إلى مفعوله ارتجى عفو ربه [وعفو] هنا الأصل هو مفعولٌ به.

[قد كنت قرأت في بعض السنين كتاب السلم]، [قرأت] يعني للطلاب تدريسًا ((السلم المنورق)) وأل فيه للعهد الذهني [لجماعةٍ من المبتدئين] الذين شرعوا في علمٍ قد يكون مبتدئين مطلقًا وقد يكون مبتدئين في خصوص الفن، يحتمل هذا ويحتمل ذاك، والمبتدئ هو الذي بدأ في العلم ولم يتصور بعد المسائل، الذي لم يتصور المسائل يعني: لم يعلم حقيقة المسائل، ما يدري ما هو الفن؟ وفي ماذا يبحث هذا الفن؟ يسمى مبتدئًا، فإن تصور المسائل دون دليل فهو المتوسط، فإن تصور المسائل مع أدلتها فهو المنتهي هكذا [فسألوني أن أملي عليه كلماتٍ]، وهذا تواضعٌ منهم بأن هذا الشرح إنما هو كلمات وليس بذات الشرح الذي يكون في مرتبة شروح المتون عند أهل العلم [توضح] هذه الكلمات [ما أشكل منه]، يعني: من السلم. يقال: أشكل الأمر التبس. [وتفتح] أي هذه الكلمات [ما أُغلق منه] يعني من السلم، قالوا: أَغْلَقَ واْسَتغْلَق المسألة عَسُر فهمها [مع الاقتصار على معانيه وإعراب مبانيه] انظر هنا جمع بين الأمرين: الإعراب، والمعنى. بأن الثاني يوصل إلى الإعراب والمعنى، لأن الأول يوصل إلى الثاني، يعني: فهم المعاني إنما يكون بإعراب المباني، هذا هو الأصل، الأصل لغةً وعقلاً وعرفًا عند أهل العلم أن المعاني إنما تستنبط بفهم الإعراب، ولذلك هو طريقٌ لفهم المعاني قد يوجد المعنى العام دون إعراب، وهذا الذي يُزَهِّدُ بعض طلاب العلم في دراسة النحو كونه يدرك بعض المعاني العامة وبعض ما يدركه من خارجٍ عن اللفظ فيظن أنه لا يحتاج إلى النحو لأنه فهم، وإذا فهم حينئذٍ بطل فائدة النحو نقول: لا، المعاني الدقيقة والمعاني التي يريدها المتكلم سواءً كان في القرآن أو في غيره هذه لا يوصل إليها ولا يتوصل إليها إلا بفهم لسان العرب الذي هو إقامة الإعراب. إذًا [مع الاقتصار] على ماذا؟ [على معانيه وإعراب مبانيه]، يعني: الألفاظ. [فأمليت عليه ما تيسر من حفظي، ولم أراجع فيه مادةً سوى محلين أو ثلاثة]، وكأن هذا الكتاب يكون محفوظًا وفيه فائدة وهي: أن أهل العلم كانت تكتب عنهم الكتب إملاءً، وهذا موجودٌ قديمًا وحديثًا ومثل ما ذكره المصنف هنا ما يوجد الآن في تفريغ الأشرطة التي يمليها أهل العلم من الدروس ثم بعد ذلك تحول إلى كتب وهي من جنس ما ذكره المصنف هنا.

[راجعت فيها شرح شيخ شيوخنا العلامة الملوي، ثم استأذنني بعض الإخوان عامله الله باللطف والإحسان أن يجرده ويخليه من الإعراب لكونه غير لائقًا بهذا الشأن]، يعني: الإعراب الدقيق الذي لا يُحتاج إليه غير لائقٍ بهذا الشأن. [فأذنت له في ذلك] يعني التجريد من صنع الطلاب، [فجرده من الإعرابِ، فجاء بحمد الله جملةً كافيةً في فهم الكتاب لذوي الألباب]، أصحاب الألباب يعني: العقول. [وأنا أسأل من اطلع عليه] على هذا الكتاب ووقف [أن يتجاوز عما يراه من خطأٍ وزلل]، زلل بمعنى الخطأ، [وعلى الله الاعتماد والتكلان، وإليه الملجأ والملاذ والاعتصام وبه المستعان، وأنا أسأل الله الكريم أن ينفع به النفع الأمين، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير]، قالوا: جَدُرَ بكذا وله جدارة صار خليقًا به، فهو جدير حينئذٍ يكون من باب الإخبار، لأنه لم يثبت من جهة النص وصف الله تعالى بالجدارة وأنه جدير وإنما يكون من جهة الإخبار. - - - بسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيْمِ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَدْ أَخْرَجَا ... نَتَائِجَ الفِكْرِ لأَرْبَابِ الحِجَا

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (بسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيْمِ) أي: أؤلف مستعينًا ببسم الله، والاسم مشتقٌ من السمو، والله عَلَمٌ على الذات الواجب الوجود، المستحق لجميع المحامد، والرحمن الرحيم صفتان مشبهتان استعملتا للمبالغة من رحم، والرحمن أبلغ من الرحيم لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى كما في قطَع بالتخفيف وقطَّع بالتشديد، وابتدأ بالبسملة اقتداءً بالكتاب العزيز، وعملاً بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر». أي ناقص وقليل البركة. (الحَمْدُ) أي الوصف بجميل الصفات على الجميل الاختياري على جهة التعظيم ثابت، (لِلَّهِ) اختصاصًا واستحقاقًا سواء جعلت فيه أل للاستغراق وهو ظاهر، أم للجنس لأنه يلزم من اختصاص الجنس اختصاص جميع الأفراد، أم للعهد بمعنى أن الحمد المعهود الذي حمد الله به نفسه، وحمده به أنبياؤه وأولياؤه وأصفياؤه مختص به، والعبرة بحمد من ذكر فلا فرد منه لغيره على كل تقدير بدلالة المطابقة على الاحتمال الأول وبدلالة الالتزام على الثاني وبالادعاء على الثالث، وابتدأ بالحمدلة ثانيًا بعد الابتداء بالبسملة اقتداءً بالكتاب العزيز وعملاً بخبر «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع»، وجمع بين الابتدائين عملاً بالروايتين، وإشارة إلى أنه لا تعارض بينهما، إذا الابتداء حقيقي وإضافي، فالحقيقي حصل بالبسملة والإضافي حصل بالحمدلة، واختار في جملة الحمد الاسمية على الفعلية اقتداءً بالآية ولدلالتها على الثبات والدوام، وقدم لفظ الحمد على لفظ الجلالة لرعاية المقام، وإن كان لفظ الجلالة أهم بالتقديم لذاته، فرعاية المقام أنسب للبلاغة إذ هي مطابقة الكلام لمقتضى المقام (الَّذِي قَدْ أَخْرَجَا) أي: أظهر وأوجد (نَتَائِجَ) جمع نتيجة وهي قضية لازمة لمقدمتين، كقولنا: العالم حادث اللازم لقولنا: العالم متغير، وكل متغير حادث. (الفِكْرِ) يطلق على المفكر فيه مجازًا، وعلى حركة النفس في المعقولات، أي: انتقالها من المبادئ إلى المطالب، وعلى النظر الاصطلاحي اصطلاحًا فيعرف الفكر على الأخير بأنه: ترتيب أمور معلومة للتوصل بها إلى أمر مجهول، فالأمور المعلومة المقدمتان: الصغرى، والكبرى، والأمر المجهول هو: النتيجة. كما تقدم تمثيله (لأَرْبَابِ) أي: أصحاب الحِجَا بالقصر، أي: العقل، وهو نور روحاني به تدرك النفس المعلومات الضرورية والنظرية، وفي تصدير الكتاب بذكر النتائج والفكر والعقل براعة استهلال وهي أن يأتي المتكلم في أول كلامه بما يُشعر بمقصوده، ففي ذلك إشعار بالمنطق الذي يتكلم فيه على النتائج والفكر، أي: النظر، وهو من العلوم العقلية. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

[قال المؤلف رحمه الله تعالى] هذا من كلام الشارح: (بسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيْمِ) هذا من كلام الأخضري رحمه الله تعالى في مقدمة السلم، وجرى على ما شاع وذاع عند أهل العلم من افتتاح المنظومات، وإن كانت شعرًا بالبسملة، والشارح رحمه الله تعالى تكلم على مفردات البسملة كما هو العادة عندهم أنهم لا يتركون شيئًا من ألفاظ المتن. [أي أؤلف]، ... (بسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيْمِ) أي أؤلف مستعينًا ببسم الله)، هنا قال: ... [أؤلف]. وأي هذه تفسيرية، وهنا استعملها في مقام تفسير المركب، لأن التفسير هنا للجملة ما معنى بسم الله الرحمن الرحيم؟ معناها أؤلف مستعينًا بسم الله، والأصل فيما يفسر به المركب أن يؤتى بلفظ يعني، هذا الأصل فيه، لكن قد يتوسع بعض أهل العلم في إطلاق أي التفسيرية التي تكون في الأصل للمفردات في موضع تفسير المركبات، والعكس بالعكس. [أي أؤلف]، [أؤلف] أرد أن يفصح عن المتعلق الذي تعلق به الجار والمجرور لأن (بسْمِ) هذا جار مجرور، والباء هنا حرفٌ أصلي حينئذٍ لابد له من متعلقٍ يتعلق به. ما هو هذا المتعلق؟ قدَّرَهُ المصنف هنا فعلاً، وقدره خاصًا، فعلاً لأن الأصل في العمل للأفعال، وخاصًا يعني: ليس عامًا، لأنه أدل على المقصود [مستعينًا]. هذا تفسير لمعنى الباء [بسْمِ اللهِ] ما المراد بالباء هنا؟ قال: المراد بها الاستعانة، [أؤلف مستعينًا بسم الله] وقدم هنا [أؤلف] حال كوني [مستعينًا] هذا حالٌ من فاعل أؤلف أؤلِّف أنا حال كوني مستعينًا قدم أؤلف مستعينًا على بسم الله والعكس هو الأصح أن يقال: أي بسم الله أؤلف حال كوني مستعينًا، ليدل على القصر والحصر وهو: إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه. أي: بسم الله لا بسم غيره، وهذا إنما يؤخذ من التقديم والتأخير قوله: [أؤلف مستعينًا بسم الله]. لو أخر [أؤلف مستعينًا] لكان أولى.

[والاسم] في قوله: [بسم]. [مشتقٌ من السمو]، وعلى المذهب الصحيح، وهو مذهب البصريين بمعنى العلو. [والله] الذي هو المضاف إليه، لأن الاسم مضاف ولفظ الجلالة مضافٌ إليه، [عَلَمٌ على الذات الواجب الوجود المستحق بجميع المحامد] الله علم ولا شك أنه أعرف المعارف، وعلى الصحيح أنه علمٌ مشتق بمعنى أنه يدل على ذاتٍ وصفةٍ، وقد غلط من قال: بأنه علمٌ جامد يدل على الذات فقط. وهذا غلط، ولذلك ابن القيم رحمه الله تعالى يقول: من نسبه إلى سيبويه فقد أخطأ عليه خطئًا بالغًا. [علمٌ على الذات]، [الذات] بمعنى ما قام بنفسه، يعني: يقابل الصفة ويرادف النفس، هذا المراد في مثل هذا المواضع، [علمٌ على الذات] إذًا هي المسمى، وإذا كان كذلك فحينئذٍ يكون الذات هنا مرادفٌ للنفس ما قام بنفسه وهي مولدة ليست عربية لأنها في لسان العرب إنما تستعمل في مقابلة ذو التي بمعنى صاحب، تقول: رَأَيْتُ ذَا عِلْمٍ وَذَاتَ عِلْمٍ. كما تقول: رَأَيْتُ ذَا عِلْمٍ. يعني: صاحب علمٍ، وذات علمٍ يعني: صاحبة علم، هذا الأصل تستعمل في لغة طي بمعنى التي، وهذان استعمالان مشهوران في لسان العرب، وأما إطلاق الذات بمعنى النفس كما يقال: جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ، جَاءَ زَيْدٌ ذَاتُهُ. وهذا اصطلاحٌ مولدٌ وهو من بدع أهل الكلام، حينئذٍ استعمله بعض من هو على جادة عقيدة السلف فيحمل على معنى الإخبار لأنه صفة لله عز وجل، فإذا قيل: الله ذاتٌ، أو الله علمٌ على الذات. يكون من باب الإخبار لا من باب الصفات، لأن باب الصفات توقيفي بمعنى أنه لا بد له من دليلٍ يثبت به اللفظ، وهذا اللفظ من حيث المعنى وهو ما يقابل الصفة نقول: المعنى صحيح ثَمَّ ذاتٌ موصوفةٌ بصفات، إذ العقل يستلزم أن يكون ثَمَّ صفة وموصوف، إذًا ما هو الموصوف؟ لا بد أن يكون مغايرة في الجملة للذات للصفة حينئذٍ نقول: لفظ الذات إطلاقه في الأصل أنه إطلاقٌ بدعي، ولكن استعمله أهل العلم كشيخ الإسلام رحمه الله تعالى وابن القيم، وغيرهما.

والمراد به ما يقابل الصفة، حينئذٍ يكون مرادفًا للنفس ويكون من باب الإخبار [عَلَمٌ على الذات الواجب الوجود]، كذلك واجب الوجود هذا لم ينطق به السلف، وإن كان المعنى صحيحًا، ويختلف مع أهل الكلام في طريقة الإثبات، الوجود قد يكون واجبًا، وقد يكون ممتنعًا، وقد يكون جاهزًا، وأما لفظ الوجود من حيث هو فنقول: هذا اللفظ من حيث الوصف إنما يكون مشتركًا بين الحادث وبين القديم الأزلي، يعني: يشترك فيه كلٌ من الممكن والواجب والحادث والقديم الأزلي، فالله تعالى يوصف بأنه موجود، والحادث تلك المخلوقات كذلك توصف أيضًا بأنها موجود، ولكن للممكن وجود يخصه، وللخالق جل وعلا وجودٌ يخصه، وحينئذٍ يكون الاشتراك في مطلق المعنى وإطلاق اللفظ فحسب، ثُم إذا أضيف إلى الخالق جل وعلا تميز، وإذا أضيف المخلوق كذلك تميز كمطلق السمع والبصر ونحو ذلك من الألفاظ المشتركة من حيث هي، يعني من حيث المعنى الكلي، وأما إذا أضيفت حينئذٍ تمايزت، وهنا [واجب الوجود] هذا خاصٌ بالله عز وجل و [واجب الوجود] هو الذي لا يتصور في العقل عدمه، يعني: يمنع العقل أن لا يوجد، وهذا خاصٌ بالله عز وجل، وأما جائز الوجود فهو ما يتصور العقل وجوده وعدمه، كسائر المخلوقات، وأما الممتنع فهو ما لا يتصور في العقل وجوده، كخالقٍ ثانٍ مع الله عز وجل هذا يمتنع عقلاً، ومن هنا صارت الأحكام العقلية ثلاثة: جائز، وممتنع، وواجب. [واجب الوجود] هذا خاصٌ بالله عز وجل، إذًا الوصف بالوجود نقول: من حيث المعنى، أو المعنى الكلي، أو مطلق المعنى هذا مشترك بين الخالق والمخلوق واللفظ كذلك، زَيْدٌ مَوْجُود والله تعالى موجود، لكن زيد وجوده سبق بعدم ويلحقه فناء، وأما وجود الله تعالى فلم يُسبق بعدم ولا يلحقه فناء، إذًا افترقا من حيث الوصف، ومن حيث إطلاق اللفظ بأن الله تعالى موجود نقول: هذا كالقول في لفظ الذات يعني: لم يأتي لفظ الوجود في الكتاب والسنة، حينئذٍ يكون من باب الإخبار.

[المستحق] لذاته جل وعلا [لجميع المحامد] يعني جميع أفراد المحامد. [والرحمن الرحيم صفتان مشبهتان] يعني الرحمن على وزن فعلان صفةٌ مشبهة، والرحيم فعيل صفةٌ مشبهة [استعملتا] يعني هاتان الصفتان للمبالغة التقوية والتأكيد من الأصل رَحِمَ وليس عندنا رَحُمَ، ولكن لا يمكن أن يشتق على الجهة الصفة المشبهة إلا من الفعل اللازم وصوغها باللازم لحاضر، وصوغها أي: الصفة المشبه من اللازم. فهي تختص بالفعل اللازم، ورحم الله زيدًا هذا متعدي أليس كذلك؟ رحم الله زيدًا هذا متعدي، وإذا كان رحم متعديًا امتنع اشتقاق الصفة المشبه منه لأنها خاصة باللازم، قال جمهرة من النحاة والصرفيين: إذا جاء الاشتقاق والصفة المشبَّه من فعل والأصل فيه أنه متعدي قالوا: ينقل إلى باب فَعُلَ. ولذلك حينئذٍ نقول: الرحمن الرحيم صفتان مشبهتان مشتقتان من رَحُمَ، يعني: الأصل فيه رَحِمَ متعدد، ثم ننقله إلى باب فَعُلَ ومر معنا أن فَعُلَ كله لازم إذا كان كذلك حينئذٍ إذا جاء متعديًا ننقله أولاً إلى باب فَعُلَ، ثم بعد ذلك نشتق منه الصفة المشبه من باب طرد القواعد حينئذٍ [من رحم] نقرأه على وزن فَعُلَ، فإن قيل: الأصل رَحِمَ. نقول: نعم الأصل فيه أنه من باب فَعِلَ، لكن لقوله: [صفتان مشبهتان]. والصفة المشبه لا تشق إلا من اللازم لا من المتعدي كما قال ابن مالك رحمه الله تعالى: وصوغها من لازم لحاضرِ ... كطاهر القلب جميل الظاهرِ

حينئذٍ نقول لهذه القاعدة تقول: [استعملتا للمبالغة من رحم]. الرحمن الرحيم اسمان كريمان من أسمائه جل وعلا دلان على اتصافه بصفة الرحمة وهي: صفة حقيقية ثابتة له جل وعلا على ما يليق به، ولا يجوز القول بأن المراد بها لازم معناها، يعني: لازم الرحمة وإرادة الإحسان والإنعام، وإن كان هو من مدلول اللفظ الرحمن له دلالات دلالة على الذات، ودلالة على الصفة، ودلالة على الذات والصفة معًا، دلالتان أُولَيَان من باب التضمن الدلالة السارية على الذات والصفة من باب المطابقة ولها لازم، يعني: دلالة لزوم. وهذا يدل على أنه حي، كريم، جواد ... إلى آخره، وكذلك يدل على الإحسان والإنعام حينئذٍ إثبات الرحمة لا يلزم منه نفي الإحسان، لكن الذي يكون من باب التحريف عند أرباب التعطيل أن يجعل الرحمن مدلوله المطابقي هو: إرادة الإحسان والإنعام. هذا الذي ينكر، فإذا قيل: الرحمن في الأصل إنما هو الرحمة ولا يعقل منها إلا رحمة المخلوق، إذًا هو مجاز من باب إطلاق المجاز وإرادة اللازم، إذًا فسروا المعنى بماذا؟ باللازم نقول: هذا باطل، وإنما نثبت الرحمن وهو دال على صفة حقيقة ثابتة لله عز وجل تليق بجلاله لا تماثل رحمة المخلوقين ومن لازمها الإحسان والإنعام هذا لا تنافي فيه نقول: لا بد منه، لكن أن يكون مدلول اللفظ هو: اللازم. هذا الذي يكون ممتنعًا، واختلف في الجمع بينهما فقيل: المراد بالرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء في الدنيا، لأن صيغة فَعْلان تدل على الامتلاء والكثرة، وهذا الذي أشار إليه الشارح [والرحمن أبلغ من الرحيم] لأنه جاء على وزن فَعْلان وفعلان فيه زيادة على الرحيم من حيث استعمال العرب لمادة فعلان لما يدل على الامتلاء والكثرة، والرحيم أقل عددًا يعني من حيث الحروف من الرحمن، لأن زيادة البناء الوزن تدل على زيادة المعنى، إذًا الرحمن أوسع حينئذٍ تعم رحمته كل شيء في الدنيا، والرحيم حينئذٍ يختص بالمؤمنين في الآخرة، وقيل: العكس. وابن القيم رحمه الله تعالى يرى أن الرحمن دال على الصفة القائمة بالذات، فهي صفة ذاتية، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم فهي صفة فعلية، وذلك إذا اجتمعا، إذًا [والرحمن أبلغ]، يعني: أكثر بلاغة. حينئذٍ اشتركا في أن كلاً منهما بليغ الرحمن الرحيم كل منهما بليغ إلا أن الرحمن أبلغ من الرحيم لماذا؟ قال: [لأن زيادة البناء] فَعْلان [تدل على زيادة المعنى كما في قطَع التخفيف] يعني بدون تثقيل وتشديد. [وقطَّع بالتشديد] لا شك أن ثَمَّ فرقًا قَطَعَ قَطَّعَ خَرَجَ خَرَّجَ قَتَلَ قَتَّلَ، ولذلك مر معنا في الصرف أن فَعَّلَ يدل في الأصل على التكثير، وهذا هو الذي عناه المصنف هنا، إذًا الرحمن أبلغ من الرحيم لأنه في منزلة قَطَعَ وَقَطَّعَ فَقَطَعَ هو الرحيم وقَطَّعَ هو الرحمن [وابتدأ بالبسملة] إذًا لماذا ابتدأ الناظم بالبسملة؟ البسملة مصدر [اقتداءً بالكتاب العزيز، وعملاً بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر». أي ناقص وقليل البركة]. والحديث ضعيف وقوله: [اقتداءً بالكتاب العزيز].

بمعنى أن الاقتداء إنما حصل لكون الرب جل وعلا افتتح القرآن بـ بسم الله الرحمن الرحيم، أول ما تفتح القرآن {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، إذًا لكون الخالق جل وعلا ابتدأ كتابه بالبسملة كذلك كل مصنف يبتدئ كتابه بالبسملة، وهذا جرى عليه أهل العلم وهو محل إجماع لكنه إجماع عملي {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ} (الحَمْدُ) قال: [أي: الوصف بجميل الصفات على الجميل الاختياري على جهة التعظيم]. اشتهر أن الحمد في اللغة ثناء بالجميل على الجميل الاختياري على جهة التعظيم خرج به ما كان على جهة الخوف مثلاً أو على جهة ليس فيها جهة التعظيم فلا يسمى حينئذٍ حمدًا وإن سمي مدحًا، [وعرفًا فعلاً ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث إنه منعم على الحامد أو غيره] وهذا فيه خلل لقوله: [من حيث إنه منعم على الحامد]. حينئذٍ إذا تعلق الحمد بغير الخالق جل وعلا حينئذٍ يحمد من حيث إنه منعم، يعني: يحمد على الصفات المتعدية دون الصفات اللازمة كالكبرياء والتعالي ونحو ذلك، وهذا غلط إنما يحمد الله تعالى على صفاته مطلقًا سواء كانت الصفات لازمة لا تتعدى إلى المخلوق، أو كانت الصفات متعدية ولها أثر على المخلوق والناظم أو الشارح هنا فسره بتفسير أيضًا هو موجود في كتب أهل العلم (الوصف بجميل الصفات) إذًا الصفات الجميلة من باب إضافة الصفة إلى الموصوف [على الجميل الاختياري] لا الجميل القهري كالجمال ونحوه فإن الوصف به أو الثناء عليه لا يسمى حمدًا وإنما يسمى مدحًا، ... [على جهة التعظيم] فإن كان الوصف بجميل الصفات على جميل الاختيار لا على جهة التعظيم حينئذٍ لا يكون حمدًا وإنما يكون مدحًا، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يرى أن المدح هو: ذكر محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله. وهذا معنى جيد [(لِلَّهِ) اختصاصًا واستحقاقًا] (لِلَّهِ) قال: [ثابت (لِلَّهِ)]. الحمد ثابت لله، [ثابت] ماذا أراد بها الشارح هنا؟ أراد أن يبين لك متعلق الجار والمجرور، يعني: خبر المحذوف الحمد مبتدأ أين خبره؟ لله، هل لله بعينه هو الخبر؟ الجواب: لا، وإنما هو جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، ما تقديره؟ قال: [ثابت]. إذًا هذا تصريح، وهذا من فوائد المزج أنه يذكر لك أثناء الشرح المتعلقات أو المحذوفات، [ثابت (لِلَّهِ) اختصاصًا واستحقاقًا] هذا من باب الاختصاص كأنه يقول لك: اللام في لله للاختصاص أو للاستحقاق. وضابط اللام التي تكون للاختصاص أن تقع بين ذاتين وتدخل على من يملك؟ من لا يملك أو ما لا يملك الْحَصِيرُ لِلْمَسْجِدِ، الْبَابُ لِلدَّارِ دخلت اللام هنا بين ذاتين حصير والمسجد، ودخلت على ما لا يملك والمسجد لا يصح منه الْمُلْك وَالْمِلْك وإنما هو من شأن العقلاء، [استحقاقًا] اللام التي تكون للاستحقاق أن تقع بين معنى وذات الحمد لله [سواء جعلت فيه أل للاستغراق وهو ظاهر أم للجنس]، [سواء جعلت فيه]، يعني: في الحمد.

(أل) الداخلة على الحمد [للاستغراق] وضابطها هي التي يصح حلول لفظ كل محلها حقيقةً لا مجازًا، وهي التي يجعلها الأصوليين من صيغ العموم {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ} [العصر: 2، 3] {إِنَّ الْإِنْسَانَ} يعني: كل إنسان. أل هذه للاستغراق، وإذا كان كذلك حينئذٍ صح حلول لفظ كل محلها، وصح الاستثناء من مدخولها هذه تسمى ماذا؟ أل الاستغراقية، حينئذٍ الحمد لله كل أنواع الحمد ثابتة لله تعالى صح المعنى، ولذلك قال: [وهو ظاهر أم للجنس]. وهو الذي يصح حلول لفظ كل محلها مجازًا لا حقيقةً، ولا يصح الاستثناء من مدخولها الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنَ الْمَرْأَةِ، أي: جنس الرجل خير من جنس المرأة. وليس المراد به ماذا؟ الأفراد وليس المراد به الأفراد، ويحتمل أن مراده بالجنس هي التي يعبر عنها بأنها ما صح أن يحل لفظ كل محلها مجازًا لا حقيقةً، ولا يصح الاستثناء من مدخولها أَنْتَ الرَّجُلُ عِلْمًا أَنْتَ كُلُّ رَجُلٍ، يعني: الذي اجتمعت فيك صفات الرجال لكن ليس كل الصفات وإنما هي صفة العلم [وهو ظاهر في الاستغراق أم للجنس] كانت أل للجنس لأنه يلزم من اختصاص الجنس اختصاص جميع الأفراد، يعني: جنس الحمد الذي هو مطلق الوصف بجميل الصفات على الجميل الاختيار على جهة التعظيم لله، الجنس من حيث هو بقطع النظر عن الأفراد التي تقع في الخارج سواء كانت أفرادًا قليلةً أو كثيرةً وهذا يلزم منه ماذا؟ إذا اختص الجنس لزم منه اختصاص الأفراد أليس كذلك؟ إذا قلنا: هذا الشيء خاص بزيد. حينئذٍ نقول: كل فرد من أفراد هذا الشيء فهو خاص بزيد حينئذٍ إذا اختص الجنس الذي هو حقيقة الحمد من حيث هو الوصف بالجميل إلى آخره بالله عز وجل حينئذٍ كل فرد من أفراد الحمد فهو خاص بالله عز وجل [أم للعهد] وهي واضحة [بمعنى أن الحمد المعهود الذي حمد الله به نفسه، وحمده به أنبياؤه وأولياؤه وأصفياؤه مختص به]، إذًا يحتمل في أل أن تكون استغراقية، أي: كل أنواع الحمد الواقعة في الخارج لله عز وجل، ويحتمل أن تكون أل للجنس، أي: جنس الحمد خاص بالله، ويلزم منه أن الأفراد تكون خاصة بالله عز وجل، أو تكون أل للعهد والمعهود حينئذٍ حمده لنفسه جل وعلا وحمد أنبيائه وأصفيائه [والعبرة بحمد من ذكر] يعني حمد الله عز وجل وأنبيائه وأصفيائه [فلا فرد منه لغيره على كل تقدير)، [فلا فرد منه]، يعني: من الحمد. [لغيره] لغير الله عز وجل [على كل تقدير]، يعني: سواء جعلنا أل استغراقية، أو جنسية، أو عهديه فالحمد بجميع أفراده لله عز وجل، ولا يخرج منه فرد من أفراد الحمد لغير الله عز وجل، والمعنى حينئذٍ يكون صحيحًا [بدلالة المطابقة على الاحتمال الأول] الذي هو أل الاستغراقية، لأن أل الاستغراقية تدل على ماذا؟ تدل على الأفراد في الخارج مطابقة {إِنَّ الْإِنْسَانَ}، يعني: كل إنسان زيد، وعمرو، وخالد ...

إلى آخره، إذًا دل اللفظ على ما وضع له في لسان العرب، والعام اللفظ العام الشمول والإحاطة إذا دل على جميع أفراده في الخارج الدلالة تكون مطابقية، وسيأتي معنى مطابقية [وبدلالة الالتزام على الثاني] أل التي للجنس لأنه يلزم من اختصاص الجنس بالخالق جل وعلا اختصاص أفراد الحمد به وهو واضح، [وبالادعاء على الثالث] ما هو الثالث؟ كونها للعهد، لأننا ادعينا ماذا؟ قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. ادعينا أن الحمد هنا المراد به حمده جل وعلا لنفسه وحمد أوليائه من الأنبياء والأصفياء، وهذا يحتاج إلى دليل [وابتدأ بالحمدلة ثانيًا بعد الابتداء بالبسملة اقتداءً]، يعني: جمع بين الأمرين البسملة والحمدلة. ابتدأ الناظم بالحمدلة هذا مصدر [ثانيًا بعد الابتداء بالبسملة اقتداءً بالكتاب العزيز وعملاً بخبر «كل أمر ذي بال»]، يعني: شأن وحال ومرتبة في الإسلام في الدين [«لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع»] وهذا الحديث كسابقه، إذًا وجمع بين الابتدائَيْنِ عملاً بالروايتَيْنِ لأن الحديث السابق «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه». وهذا «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه». إذًا كيف نجمع بينهما؟ إما هذا أو ذاك حينئذٍ قالوا: نجمع بينهما نبدأ بالبسملة أولاً ثم بالحمدلة ثانيًا عملاً بالروايتين واقتداءً بالكتاب، لأن القرآن بدأ بالبسملة ثم ثنى بالحمدلة، وهذا جمع بين الأمرين [وإشارة]، يعني: فيه إشارة [إلى أنه لا تعارض بينهما] يعني بين الأثرين الحديثين والابتدائيين. [إذا الابتداء] نوعان: ابتداء حقيقي، وابتداء إضافي. الابتداء نوعان: ابتداء حقيقي، وابتداء إضافي. والابتداء الحقيقي هو: الابتداء بما تقدم أمام المقصود ولم يسبقه شيء، يعني: لم يسبقه حرف واحد {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ} البسملة هل سبقها شيء؟ لا {الْحَمْدُ لِلَّهِ} سبقها شيء؟ نعم سبقها شيء، لكنه ليس من المقصود فحينئذٍ جعلوا الابتداء نوعين ابتداء حقيقي وهو الذي لم يسبقه شيء البتة كالبسملة هنا. وابتداء إضافي وهو: الابتداء بما تقدم أمام المقصود وإن سبقه شيء، لكنه لا يكون متعلقًا بالمقصود بمعنى أن الكلام هنا في ماذا؟ في المنطق وما يتعلق به المقصود يأتي من قوله: (وَبَعْدُ فَالمَنْطِقُ لِلْجَنَانِ). هذا الذي قصده الناظم لماذا أراد أن يكتب؟ لماذا أراد أن يخطب؟ لماذا أراد أن يحرر؟ إلى آخره نقول: لأجل كذا. حينئذٍ صار المقصود إذا لم يتقدم على البسملة أو الحمدلة قالوا: هذا لم يتقدم وإن تقدمه شيء.

[فالحقيقي حصل بالبسملة والإضافي حصل بالحمدلة، واختار في جملة الحمد الاسمية على الفعلية اقتداءً بالآية ولدلالتها على الثبات والدوام]، (الحَمْدُ لِلَّهِ) لم قال: (الحَمْدُ لِلَّهِ). ولم يقل: أحمد الله؟ لماذا جاء بالجملة الاسمية ومعلوم أن الجملة نوعان: جملة اسمية، وجملة فعلية. قال: [اقتداءً بالكتاب]. اقتداءً بالآية أيُّ آية؟ آية الفاتحة {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الكلام متعلق بافتتاح الكتاب [ولدلالتها]، أي: الجملة الاسمية على الثبات والدوام بخلاف الجملة الفعلية الدالة على التجدد والحدوث، إذا قلت: زَيْدٌ أَسَدٌ. يعني: مطلقًا في كل وقت. هذا الأصل فيه فهي دالة على الثبات والدوام، إذا قلت: قَامَ زَيْدٌ. هذا لا يدل على أن زيد قائم مطلقًا، وإنما في وقت دون وقت، إذًا فرق بين الجملة الاسمية والجملة الفعلية، هنا قال: (الحَمْدُ لِلَّهِ). أي: الحمد الدائم الثابت لله تعالى. [وقدم لفظ الحمد على لفظ الجلالة لرعاية المقام] للأصل لأنه مبتدأ ولله هذا خبر والأصل أن يتقدم المبتدأ على الخبر، [ولرعاية المقام وإن كان لفظ الجلالة أهم بالتقديم لذاته] لفظ الجلالة الله أهم لا شك لأنه هو المحمود فالأصل أن نقول: لله الحمد. لكن نقول: هنا قدم أولاً لأن الأصل في المبتدأ أن يتقدم ثم رعاية للمقام لأن المقام هنا ما هو؟ أراد أن يحمد الله تعالى، إذًا الحمد مقدم، إذًا يكون مقدمًا على لفظ الجلالة، [وإن كان لفظ الجلالة أهم بالتقديم لذاته فرعاية المقام أنسب للبلاغة إذ هي مطابقة الكلام لمقتضى المقام] وهذا يأتي بحثه في موضعه إن شاء الله تعالى (الَّذِي قَدْ أَخْرَجَا)، (الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي) نعت هذا (قَدْ أَخْرَجَا) الألف هذه للإطلاق [أي أظهر وأوجد] والإظهار والإيجاد متقاربان أخرج ماذا؟ (نَتَائِجَ) هذا مفعول لقوله: (أَخْرَجَا). وأخرجا قلنا الألف هذه للإطلاق والموصول مع صلته في قوة المشتق، يعني: الحمد لله المخرج (نَتَائِجَ) (نَتَائِجَ) هذا مفعول قوله: (أَخْرَجَا). جمع نتيجة، [وهي قضية لازمة لمقدمتين] مقدمتين فأكثر [كقولنا: العالم حادث] هذه قضية [لازمة لقولنا: العالم متغير وكل متغير حادث] هذا سيأتي في باب القياس. إِنَّ القِيَاسَ مِنْ قَضَايَا صُوِّرَا ... مُسْتَلْزِمًا بِالذَّاتِ قَوْلاً آخَرَا المراد هنا أنه جاء بلفظ النتائج وهي جمع نتيجة وهي من اصطلاح المناطقة حينئذٍ يكون في نظمه براعة استهلال. الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَدْ أَخْرَجَا ... نَتَائِجَ الفِكْرِ ... ...............

إذًا نتائج والفكر هذه ألفاظ يستعملها المناطقة حينئذٍ صار في الكلام براعة استهلال، وأما النتيجة وضبطها سيأتي في محله (نَتَائِجَ الفِكْرِ) مضاف ومضاف إليه و (الفِكْرِ) بكسر الفاء وإسكان الكاف [يطلق على المفكر فيه مجازًا، وعلى حركة النفس في المعقولات] النفس المراد بها الذهن، والمعقولات جمع معقول وهو الشيء المدرك قلنا: العقل هو الذي يكون به الإدراك. العقل هو آلة الإدراك طيب يُدْرِك ماذا؟ يُدْرِك الشيء الْمُدْرَك الذي يمكن أن يُدْرَك، حينئذٍ الْمُدْرِك يسمى عقلاً والْمُدْرَك يسمى معقولاً [حركة النفس] أي الذهن والعقل. [في المعقولات أي انتقالها من المبادئ إلى المطالب] هذا تفسير للحركة، وهذا سيأتي بحثه في باب النظر بجهة التوسل [وعلى النظر] يعني يطلق الفكر على النظر. [الاصطلاحي اصطلاحًا فيعرف الفكر على الأخير بأنه ترتيب أمور معلومة للتوصل بها إلى أمر مجهول]، [ترتيب أمور] أمرين أقلها معلومين ليتوصل بهما إلى أمر مجهول سواء كان تصوريًّا أو تصديقيًّا، [فالأمور المعلومة المقدمتان: الصغرى، والكبرى. والأمر المجهول هو: النتيجة. كما تقدم تمثيله]، [العالم متغير وكل متغير حادث]، إذًا العالم حادث هذا سيأتي بحثه في محله ... [(لأَرْبَابِ) أي أصحاب] نتائج الفكر أخرجا (لأَرْبَابِ) متعلق بقوله: ... (أَخْرَجَا). [أي أصحاب (الحِجَا) بالقصر، أي العقل وهو نور روحاني به تدرك النفس المعلومات الضرورية والنظرية] وسيأتي تقسيم العلم إلى نظري وضروري [وفي تصدير الكتاب بذكر النتائج والفكر والعقل براعة استهلال] هذا المقصود، وأما الألفاظ هذه الشرح يأتي في محلها [وهي] أي براعة الاستهلال. [أن يأتي المتكلم في أول كلامه بما يشعر بمقصوده، ففي ذلك إشعار بالمنطق الذي يتكلم فيه على النتائج والفكر، أي: النظر، وهو من العلوم العقلية]، إذًا مقصود الناظم هنا أن يأتي في مقدمة كلامه بما يشعر بالمقصود الذي من أجله صنف هذا النظم. - - - وَحَطَّ عَنْهُمْ مِنْ سَمَاءِ العَقْلِ ... كُلَّ حِجَابٍ مِنْ سَحَابِ الجَهْلِ (وَحَطَّ) أي أزال. (عَنْهُمْ) أي: عن أرباب الحجا (مِنْ سَمَاءِ العَقْلِ) بدل من الجار والمجرور قبله أي: أزال الله عن عقلهم الذي هو كالسماء، فأل في العقل بدل عن الضمير، وشبه العقل بالسماء لأنه محل لطلوع شموس المعارف المعنوية، كما أن السماء محل لظهور شموس الإشراق الحسية (كُلَّ حِجَابٍ) مفعول حط، أي: كل مانع (مِنْ سَحَابِ الجَهْلِ) أي: من الجهل الذي هو كالسحاب، فالإضافة من إضافة المشبه به للمشبه كسابقه، لأن الجهل يمنع العقل عن إدراك العلوم المعنوية كما أن السحاب يمنع النظر من إدراك الشموس المحسوسة فكل من السحاب والجهل وجودي. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

(وَحَطَّ عَنْهُمْ مِنْ سَمَاءِ العَقْلِ)، [(وَحَطَّ) أي: أزال. (عَنْهُمْ)، أي: عن أرباب الحجا. (مِنْ سَمَاءِ العَقْلِ)] يعني من العقل الذي هو كالسماء. [بدل من الجار والمجرور قبله] حط عنه من سماء العقل، قلنا: هذا بدل من الجار والمجرور قبله، وهذا يذكره بعض النحاة أن البدل قد يكون في الجار والمجرور [أي: أزال الله عن عقلهم الذي هو كالسماء فأل في العقل بدل عن الضمير] على مذهب الكوفيين من جواز ذلك ويمنعه البصريون، [وشبه العقل بالسماء لأنه محل لطلوع شموس المعارف المعنوية، كما أن السماء محل لظهور شموس الإشراق الحسية] السماء هي محل لطلوع الشمس، والشمس إنما فائدتها ماذا؟ الإشراق الحسي، يعني: يدرك بالشمس الأشياء الحسية تكون الأشياء في ظلمة ثم تطلع الشمس فتدرك بها الأشياء المحسوسة، كذلك العقل يدرك به الأشياء المعنوية، وهذا تشبيه حسن حينئذٍ قوله: [وشبه العقل بالسماء]. أي: العقل الذي هو كالسماء. [لأنه محل لطلوع شموس المعارف المعنوية]، يعني: العقل، من جهة العقل تصدر المعارف المعنوية [كما أن السماء محل لظهور شموس الإشراق الحسية] حينئذٍ يكون من باب إضافة المشبه به للمشبه [(كُلَّ حِجَابٍ) مفعول حط، أي: كل مانع. (مِنْ سَحَابِ الجَهْلِ)] يعني: من الجهل الذي هو كالسحاب كذلك كسابقه [أي: من الجهل الذي هو كالسحاب، فالإضافة من إضافة المشبه به للمشبه كسابقه، لأن الجهل يمنع العقل عن إدراك العلوم المعنوية كما أن السحاب يمنع النظر من إدراك الشموس المحسوسة]، وهذا واضح يعني قوله: (كُلَّ حِجَابٍ مِنْ سَحَابِ الجَهْلِ). يعني: من الجهل الذي هو كالسحاب فالسحاب يمنع من إدراك ما ورائه، كذلك الجهل يمنع إدراك ما ورائه، فكل من السحاب والجهل وجودي، وهذا فيه لأن فيه اعتراض على الناظم كيف يشبه الموجود الذي هو السحاب بالجهل الذي هو عدم؟ وكل منهما وجودي. - - - حَتَّى بَدَتْ لَهُمْ شُمُوسُ المَعْرِفَهْ ... رَأَوْا مُخَدَّرَاتِهَا مُنْكَشِفَهْ نَحْمَدُهُ جَلَّ عَلَى الإِنْعَامِ ... بِنِعْمَةِ الإِيْمَانِ وَالإِسْلاَمِ

(حَتَّى) للانتهاء، أي إلى أن (بَدَتْ) ظهرت. (لَهُمْ شُمُوسُ المَعْرِفَةْ) أي المعرفة التي كالشموس والجمع للتعظيم (رَأَوْا مُخَدَّرَاتِهَا) أي مخدرات شموس المعرفة. أي: مسائلها الصعبة. شبهت بالعرائس المستترة تحت الخدر (منكشفة) أي: متضحة (نَحْمَدُهُ) أي: نثني عليه الثناء اللائق بجلاله، وحمد بالفعلية بعد الاسمية تأسيًا بحديث «إن الحمد لله نحمده» واختار الفعلية هنا الدالة على الحدوث والتجدد، لأنه في مقابلة الإنعام الذي يحدث ويتجدد. والأول في مقابلة الذات الدائمة المستمرة فأتى لكل بما يناسبه، (جَلَّ) أي عظم، جملة لإنشاء التعظيم، أو خبرية حالية من الضمير (عَلَى الإِنْعَامِ) متعلق بنحمده (بِنِعْمَةِ) متعلق بالإنعام، وإضافة لما بعده للبيان (الإِيْمَانِ) أي: تصديق القلب بما علم مجيء النبي - صلى الله عليه وسلم - به ضرورة مع الإقرار باللسان على قولٍ (وَالإِسْلاَمِ)، أي: الخضوع والانقياد بقبول الأحكام، أي: أعمال الجوارح، وجمع بينهما للتغاير مفهومهما، ولأنه في مقام الأطناب وهو مقام الحمد والإكثار من عد النعم. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

[(حَتَّى بَدَتْ لَهُمْ شُمُوسُ المَعْرِفَةْ)، (حَتَّى) للانتهاء أي إلى أن ... (بَدَتْ) ظهرت (لَهُمْ شُمُوسُ المَعْرِفَةْ)، أي: المعرفة التي كالشموس والجمع للتعظيم]، لأن الشمس واحدة، كيف يقال: شموس. والجمع أقله ثلاثة أو اثنان وليس عندنا شمسان ولا شموس، حينئذٍ يقال: الجمع للتعظيم، أو يقوم باعتبار المطالع تختلف فشمس السبت ليست كشمس الأحد ليست كشمس الاثنين وهكذا، حينئذٍ إذا روعي طلوع الشمس السبت والأحد والاثنين صح أن تقول: شموس شمُوس الأسبوع كذا. نقول: هذا صح. [(رَأَوْا مُخَدَّرَاتِهَا) أي مخدرات شموس المعرفة. أي مسائلها الصعبة. شبهت بالعرائس المستترة تحت الخدر] كما سبق معنا، (رَأَوْا مُخَدَّرَاتِهَا)، (مُخَدَّرَاتِهَا) الضمير يعود إلى شموس المعرفة، يعني: الشيء الذي تحت الخدر. [(مُنْكَشِفَةْ) أي: متضحة] بواسطة العقل، (نَحْمَدُهُ) أعاد مرة أخرى وأثنى على الله تعالى (نَحْمَدُهُ)، أي: نثني عليه الثناء اللائق بجلاله) بالجملة الفعلية بعد أن أثنينا عليه جل وعلا بالجملة الاسمية [وحمد بالفعلية بعد الاسمية تأسيًا بحديث «إن الحمد لله نحمده»] جمع بينهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذًا لا يقال فيه: إنه من قبيل التكرار المحض. لأنك إذا قلت: إنه من قبيل التكرار المحض. حينئذٍ يكون في الحديث إشكال «إن الحمد لله نحمده».

حمد بالجملة الاسمية أولاً الحمد لله ثم قال: (نَحْمَدُهُ) (واختار الفعلية هنا الدالة على الحدوث والتجدد، لأنه في مقابله الإنعام الذي يحدث ويتجدد)، لأنه قال ماذا؟ (نحمده جل على الإنعام) ونعم الله تعالى متجددة، يعني: تحصل وقت بعد وقت ما من ساعة إلا لله عز وجل عليك نعمة حينئذٍ تحمده على هذه النعم المتجددة، والذي يناسب الشيء المتجدد هو الجملة الفعلية، ولما كان الحمد هناك مقابل للذات وهي دائمة باقية مستمرة ناسب أن يأتي بجملة دالة على الثبات والدوام هذا الفرق بين الجملتين (والأول)، يعني: الحمد بالجملة الاسمية، (في مقابلة الذات الدائمة المستمرة) فناسب أن يأتي بجملة دالة على الثبات والدوام (فأتى لكل بما يناسبه)، والناظم رحمه الله تعالى هو آية في فن البلاغة وصاحب ((الجوهر المكنون)) (جَلَّ) أي عظم جملة لإنشاء التعظيم، أو خبرية حالية ٌمن الضمير)، (عظم) (جَلَّ) نحمده على الإنعام هذا الأصل نحمده على الإنعام (جَلَّ) عظم (جملة لإنشاء التعظيم) حينئذٍ تكون ماذا؟ تكون معترضة لا محل لها من الإعراب (أو خبريةٌ حاليةٌ من الضمير) نحمده حال كونه (نَحْمَدُهُ) والضمير يعود على الله عز وجل حال كونه جليلاً، إذًا حالٌ من الضمير يحتمل هذا ويحتمل ذاك، (عَلَى الإِنْعَامِ) متعلق بنحمده) حينئذٍ يكون قيدًا، إذًا هذا حمدٌ مقيد، والأول حمدٌ مطلق وفرقٌ بين المقيد والمطلق (نَحْمَدُهُ جَلَّ عَلَى الإِنْعَامِ ** بِنِعْمَةِ) هذا متعلق بـ (الإِنْعَامِ) وإضافته لما بعده للبيان (بِنِعْمَةِ الإِيْمَانِ) يعني: بنعمةٍ هي (الإِيْمَانِ) أي: تصديق القلب بما علم، مجيء النبي - صلى الله عليه وسلم - به ضرورة مع الإقرار باللسان على قولٍ (وَالإِسْلاَمِ)، أي: الخضوع والانقياد بقبول الأحكام، أي: أعمال الجوارح) هنا لما جمع الناظم بين اللفظين الشرعيين الإسلام والإيمان، حينئذٍ خص الإيمان بأعمال القلوب وخص الإسلام بأعمال الجوارح وهو كذلك ومسلَّمٌ له هذا إذا اجتمعا، حينئذٍ يفسر الإيمان بأعمال القلوب، والتصديق داخلٌ فيها لا شك، ويفسر الإسلام بأعمال الجوارح، وأما إذا أطلق كل واحدٍ منهما دخل الآخر فيه فإذا أطلق الإيمان حينئذٍ دخل فيه أعمال الجوارح، وإذا أطلق الإسلام حينئذٍ دخل فيه أعمال القلوب إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، إذًا [(الإِيْمَانِ) أي تصديق القلب] هذا الركن الأول لا بد أن يكون قلبه مصدقًا [بما علم مجيء النبي - صلى الله عليه وسلم - به ضرورة] التقييد بالضرورة هذا فيه شيءٌ من النظر [مع الإقرار باللسان] يعني أن يقر بلسانه بما صدق بقلبه [على قولٍ ... (وَالإِسْلاَمِ)] كأن فيه تبرئة إذا قيل على قول وكذا كأنه أراد أن يبرئ نفسه ويحيل على غيره (وَالإِسْلاَمِ)، [(بِنِعْمَةِ الإِيْمَانِ وَالإِسْلاَمِ) (أي الخضوع والانقياد بقبول الأحكام، أي: أعمال الجوارح، وجمع بينهما] بين الإسلام والإيمان [للتغاير مفهومهما]، لكلٍ منهما معنًى ولكن هذا إذا اجتمعا وأما إذا افترقا فليس بينهما تغاير كما هو صحيحٌ في المسألة [ولأنه في مقام الأطناب]، يعني: ذكر الشيء والتعداد، [وهو مقام الحمد والإكثار من عد النعم] وأعظم النعم هما الإسلام

والإيمان أو هي الإسلام والإيمان. - - - مَنْ خَصَّنَا بِخَيْرِ مَنْ قَدْ أُرْسِلاَ ... وَخَيْرِ مَنْ حَازَ المَقَامَاتِ العُلاَ (مَنْ خَصَّنَا) بدلٌ من الضمير المنصوب بنحمده الراجع إلى الله أي: الذي خصنا، أي: ميزنا معاشر المسلمين (بـ) بمزايا أو شفاعة أو متابعة (خَيْرِ) أي: أفضل (من) أي نبيٍ (قَدْ أُرْسِلاَ) لهداية المخلوقين، وإنما قدرنا المضاف قبل خير لئلا يرد أن رسالته - صلى الله عليه وسلم - عامةٌ لسائر الأمم والرسل نوابٌ عنه، فلم تكن مقصورةٌ علينا، بل المقصور علينا متابعته بالفعل أو شفاعته الخاصة، أو مزاياه التي أعطيها كالكوثر والتقدم على سائر الأمم (وَخَيْرِ) أي: أفضل مَنْ حَازَ، أي: جمع (المَقَامَاتِ) أي: المراتب (العُلى) جمع عليا ضد السفلى مثل كبرى وكبر. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ [(مَنْ خَصَّنَا) بدلٌ من الضمير المنصوب بنحمده الراجع إلى الله]، ... (نَحْمَدُهُ) من هو؟ (مَنْ خَصَّنَا)، إذًا يعتبر بدل، وبدل المنصوب منصوب، إذًا الضمير يكون في محل نصب، ومن أي: الذي، حينئذٍ يكون في محل نصب لأنه بدلٌ من الموصول [بدل من الضمير المنصوب بنحمده الراجع إلى الله تعالى، أي: الذي خضنا] ففسر من هنا بكونها موصولية [أي: ميزنا معاشر المسلمين] نا هنا خاصة، (بِخَيْرِ مَنْ قَدْ أُرْسِلاَ)، يعني: [بمزايا] خصائص [أو شفاعة أو متابعة] وكلها داخلةٌ هنا [خير أي: أفضل] دل على أن خير أفعل تفضيل، وإلا فحذفت منه الهمزة لكثرة الاستعمال [(بِخَيْرِ مَنْ قَدْ أُرْسِلاَ) (مَنْ) أي نبيٍ (قَدْ أُرْسِلاَ)] ولا يصح أن يفسر من هنا رسول لأن الرسول لا يرسل، لأنه يكون من باب تحصيل الحاصل [(مَنْ) أي نبي]، خير من [أي نبيٍ (قَدْ أُرْسِلاَ) لهداية المخلوقين، وإنما قدرنا المضاف قبل خير] بمزايا أو شفاعة أو متابعة [لئلا لا يرد أن رسالته - صلى الله عليه وسلم - عامةٌ لسائر الأمم والرسل نوابٌ عنه]، وهذا من بدع الصوفية [لا] نوحًا عليه السلام نائبٌ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعيسى نائب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى قوم نوح وبعث إلى قوم عيسى وبني إسرائيل إلى آخره وهؤلاء الرسل نوابٌ عنه {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111]، وليس عندهم إلا الغلو في النبي - صلى الله عليه وسلم -[لئلا يرد أن رسالته - صلى الله عليه وسلم - عامةٌ لسائر الأمم والرسل نوابٌ عنه فلم تكن مقصورةٌ علينا، بل المقصور علينا متابعته بالفعل أو شفاعته الخاصة أو مزاياه التي أعطيها كالكوثر والتقدم على سائر الأمم] نعم هو يفسر بهذا، وأما الذي ذكره المصنف نقول: هذا من بدع الصوفية. (وَخَيْرِ مَنْ حَازَ المَقَامَاتِ العُلاَ)، [(وَخَيْرِ) أي أفضل (مَنْ حَازَ) أي جمع (المَقَامَاتِ) أي المراتب] جمع مقامة [(العُلاَ) جمع عليا ضد السفلى مثل كبرى وكبر] مثل وليس مثلاً (العُلاَ)، [(العُلاَ) جمع عليا ضد السفلى مثل كبرى وكبر]. - - - مُحَمَّدٍ سَيِّدِ كُلِّ مُقْتَفَى ... العَرَبِيِّ الهَاشِمِيِّ المُصْطَفَى

(مُحَمَّدٍ) يصح فيه أوجه الإعراب الثلاثة، فالجر بدلٌ من خير، والرفع خبر محذوف، والنصب مفعول أمدح، لكن الرسم لا يساعد النصب والرفع أرجح معنًى ليناسب ارتفاع رتبته - صلى الله عليه وسلم - (سَيِّدِ) يطلق لمعان منها متولي السواد، أي الجيوش العظيمة (كُلِّ مُقْتَفَى) اسم مفعول، أي متبع من الأنبياء والعلماء، وإذا كان سيد كل متبوع لزم أن يكون سيد التابعين من باب أولى، (العَرَبِيِّ) نعتٌ لمحمد، أي المنسوب إلى العرب وهم بنو إسماعيل عليه الصلاة والسلام (الهَاشِمِيِّ) المنسوب إلى هاشم جد النبي - صلى الله عليه وسلم - الثاني (المُصْطَفَى) أي المختار من سائر المخلوقات، وهو أفضلهم على الإطلاق بإجماع من يعتد بإجماعه، ولا يخفى حسن تقديم العربي على الهاشمي، والهاشمي على المصطفى، لأنه من باب تقديم العام على الخاص كالحيوان الناطق، وهذا إشارة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار من خيار». ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

محمدٍ محمدٌ يجوز فيه الوجهان الرفع، ويجوز فيه الخفض، وأما النصب فلا يُساعده الرسم، لأنه يكون محمدًا هو لم يرسم الألف الناظم، إنما يبقى على [يصح فيه أوجه الإعراب الثلاثة، فالجر بدلٌ من خير]، (مَنْ خَصَّنَا بِخَيْرِ) من هو؟ قال: (مُحَمَّدٍ). فهو بدل كل من كل أو عطف بيان، [والرفع خبر مبتدأ محذوف] خبر محذوف هو محمدٌ [والنصب مفعول أمدح، لكن الرسم لا يساعد النصب] وإذا كان كذلك لا يعد حينئذٍ نقول: محمد فيه وجهان الرفع، والجر، إما الجر على أنه بدل من خير، وبدل المجرور مجرور وهو عطف بيان، وإما أنه مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف هو محمدٌ، وأما النصب هذا لا يتأتى هنا البتة [والنصب مفعول أمدح، لكن الرسم لا يساعد النصب، والرفع أرجح معنًا ليناسب ارتفاع رتبته - صلى الله عليه وسلم -] الرفع، يعني: هو محمدٌ أنسب من قوله: (مُحَمَّدٍ). والجر أنسب من الرفع، الصحيح نقول: الجر أنسب من الرفع. لماذا؟ بناءً على قاعدة عند النحاة والبيانيين وهي: أن ربط الكلام بعضه ببعض وجعله مترابطًا في سياقٍ واحدٍ أولى من فصل الجمل، لأنك إذا قلت: بخير محمدٍ. جعلته كأنه جملة واحدة جعلت الكلام سياقًا واحدا، إذًا أوله وأوسطه وآخره في سياقٍ واحد، وأمَّا إذا قلت: هو محمدٌ. قطعت الكلام، إذًا نقول: تعداد الجمل ليس أولى من وصل الجمل بعضها ببعض، حينئذٍ يكون (مُحَمَّدٍ) أرجح من محمدٌ، وأما المعنى هنا فهو معلوم من كونه نبيًّا رسولاً ومرفوع بنبي (قَدْ أُرْسِلاَ) نقول: هذا دل على ما ذكره الشارح هنا (ليناسب ارتفاع رتبته - صلى الله عليه وسلم -) نقول: ارتفاع الرتبة هنا مأخوذ من كونه نبيًّا ومن كونه رسولاً، [(سَيِّدِ) يطلق لمعاني منها متولي السواد، أي: الجيوش العظيمة]، (مُحَمَّدٍ سَيِّدِ) هذا بدل كل من الكل (سَيِّدِ كُلِّ مُقْتَفَى)، [(مُقْتَفَى) اسم مفعول، أي: متبع من الأنبياء والعلماء، وإذا كان سيد كل متبوع لزم أن يكون سيد التابعين من باب أولى] وأحرى وهو كذلك، إذًا (كُلِّ مُقْتَفَى) (مُقْتَفَى) أي: متبع، سيدِ كل متبع، وإذا كان سيد المتبعين صار سيد التابعين من باب أولى وأحرى وهو كذلك، [(العَرَبِيِّ) نعتٌ لمحمد، أي المنسوب إلى العرب] فالياء فيه ياء النسب [وهم بنو إسماعيل عليه الصلاة والسلام (الهَاشِمِيِّ) المنسوب إلى هاشم جد النبي - صلى الله عليه وسلم - الثاني] هاشمي الياء هذه ياء النسب (المُصْطَفَى) اسم مفعول أي [المختار من سائر المخلوقات وهو أفضلهم على الإطلاق] نعم. [بإجماع من يعتد بإجماعه، ولا يخفى حسن تقديم العربي على الهاشمي والهاشمي على المصطفى لأنه من باب تقديم العام على الخاص كالحيوان الناطق] ولو لم يمثل هذا لكان أولى [كالحيوان الناطق]، [الحيوان] هذا عام و (الناطق) هذا خاص، كذلك هنا قال: [العربي على الهاشمي والهاشمي على المصطفي] العربي عام يشمل الهاشمي وغيره، أليس كذلك؟ حينئذٍ يكون [من باب تقديم العام على الخاص]، [وهذا إشارة إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار من خيار»] وهذا واضح.

- - - صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ مَادَامَ الحِجَا ... يَخُوضُ مِنْ بَحْرِ المَعَانِي لُجَجَا وَآلِهِ وَصَحْبِهِ ذَوِي الهُدَى ... مَنْ شُبِّهُوا بِأَنْجُمٍ في الِاهْتِدَا (صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ) من الصلاة المأمور بها وهي الدعاء لأن الجملة الإنشائية، وهي من الله رحمة، أي نطلب منك يا الله وندعوك أن تنزل صلاة أي رحمة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لائقة بجنابه (مَادَامَ الحِجَا) أي: مدة دوام الحجا، أي: العقل (يَخُوضُ) أي: يقطع (مِنْ بَحْرِ المَعَانِي) أي: من المعاني التي هي كالبحر في الكثرة والاتساع (لُجَجَا) جمع لجة وهو: الماء العظيم المضطرب، فشبه المسائل الصعبة باللجج بجامع عسر الخوض في كل، واستعار اللجج للمسائل الصعبة على طريق الاستعارة المصرحة، وحاصل المعنى: أطلب منك يا ألله أن تصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - مدة دوام العقل يخوض، أي: يقطع مسائل صعبة من المعاني الكثيرة الشبيهة بالبحر، وفي الإتيان بمِن للتبعيض إشارةٌ إلى أنه لا يحتوي على جميع المعاني إلا الله تعالى المحيط علمه بجميع الأشياء (وَآلِهِ) بالجر عطفًا على الضمير في عليه بدون إعادة الخافض وهو جائزٌ عند المحققين كابن مالك وإن أوجب الجمهور إعادة الجار، وآل النبي - صلى الله عليه وسلم - هم مؤمنو بني هاشم والمطلب في مقام الزكاة عند الشافعي، والأنسب بمقام الدعاء حمله على أتباعه المؤمنين ليعم كل الأمة، وفي مقام المدح على الأتقياء منهم. (وَصَحْبِهِ) اسم جمعٍ لصاحب بمعنى الصحابي، وهو من اجتمع مؤمنًا بنبينا - صلى الله عليه وسلم - بعد البعثة ولا يصح كونه جمعًا لأن فَعْلاً لا يكون جمعًا لِفَاعِل (ذَوِي) نعت صحبه، أي: أصحاب (الهُدَى) أي الهداية للخلق، وهي الدلالة على طريقٍ توصل للمقصود سواء حصل الوصول إليه أم لا (مَنْ) أي الذين (شُبِّهُوا بِأَنْجُمٍ) جمع نجم وهو الكوكب غير الشمس والقمر (في الاهْتِدَا) بهم، والْمُشَبِّهُ لهم هو الله أولاً، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ثانيًا، وقد جاء في بعض الأخبار القدسية ... ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل الرب عما يختلف فيه أصحابه فقال: «يا محمد أصحابك عندي كالنجوم في السماء بعضها أضوأ من بعضٍ، فمن أخذ بشيءٍ مما اختلفوا فيه فهو على هُدًى مني» بفتح الهاء وسكون الدال، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم»، وهذا التشبيه للتقريب على المعقول بما ألفوه وإلا فالاهتداء بالصحب أشرف من الاهتداء بالنجوم؛ لأن الاهتداء بهم ينجي من الهلاك الأخروي والخلود في النار، بل ومن الدنيوي بخلاف النجوم. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ [(صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ) من الصلاة المأمور بها وهي الدعاء لأن الجملة إنشائية]، والجملة الإنشائية هي التي تكون في المستقبل، يعني: الذي لم يقع مدلولها بعد، [وهي من الله رحمة، أي: نطلب منك يا الله وندعوك أن تنزل صلاةً، أي: رحمة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لائقة بجنابه] عليه الصلاة والسلام، إذًا فسر الصلاة هنا بالرحمة على ما اشتهر على ألسنة أهل اللغة والشراح، ومر معنا شيءٌ من ذلك.

[(مَادَامَ الحِجَا) أي مدة دوام الحجا، أي العقل]، [مَادَامَ] ما هذه مصدريةٌ ظرفية وذلك قال: [مدة دوام]. يعني: بقاء الحجا [أي: العقل، (يَخُوضُ) أي: يقطع] خَاضَ يَخُوضُ من باب فَعَلَ يَفْعُلُ [(مِنْ بَحْرِ المَعَانِي) أي من المعاني التي هي كالبحر في الكثرة والاتساع] هنا شبه المعاني بالبحر، والبحر معلوم أنه متسعٌ وفيه كثرة المياه، حينئذٍ شبه المعاني بالبحر [(لُجَجَا) جمع لجة وهي: الماء العظيم المضطرب، فشبه المسائل الصعبة باللجج بجامع عسر الخوض في كل]، [فشبه المسائل الصعبة] من هذا الفن وغيره [باللجج بجامع عسر الخوض في كل، واستعار اللجج للمسائل الصعبة على طريق الاستعارة المصرحة] ومر معنا استعارة المصرحة ويأتي إن شاء الله في موضعه [وحاصل المعنى: منك يا الله] لأن (صَلَّى عَلَيْهِ) هي إنشائيةٌ، يعني: بمعنى الدعاء، والدعاء نوعٌ من أنواع الإنشاء الثمانية التي يأتي في محلها إن شاء الله تعالى [أطلب منك يا ألله أن تصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - مدة دوام العقل يخوض، أي: يقطع مسائل صعبة من المعاني الكثيرة الشبيه بالبحر، وفي الإتيان بمِن للتبعيض إشارةٌ إلى أنه لا يحتوي على جميع المعاني إلا الله تعالى المحيط علمه بجميع الأشياء]، ... [يَخُوضُ مِنْ بَحْرِ المَعَانِي] بعض لا كل المعاني، [(وَآلِهِ) بالجر عطفًا على الضمير في (عليه) بدون إعادة الخافض وهو جائزٌ عند المحققين كابن مالك] رحمه الله تعالى (الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ) بالخفض قراءةٌ ثابتة نعم، [وإن أوجب الجمهور إعادة الجار] وشددوا القراءة السابقة، والقراءة حجة عليهم، [وآل النبي - صلى الله عليه وسلم - هم مؤمنو بني هاشم والمطلب في مقام الزكاة عند الشافعي] وليس المقام مقام زكاة هنا إنما المقام مقام دعاء وثناء، [والأنسب بمقام الدعاء حمله على أتباعه المؤمنين ليعم كل الأمة، وفي مقام المدح على الأتقياء منهم].

(وَآلِهِ) أي: أتباعه على دينه، فيشمل الصالح والطالح، وأما إذا أردت مدح الآل حينئذٍ يخص بالأتقياء، [(وَصَحْبِهِ) اسم جمعٍ لصاحب بمعنى الصحابي]، [اسم جمع] وليس جمعًا، [لصاحب بمعنى الصحابي] على جهة الخصوص، [وهو من اجتمع مؤمنًا بنبينا]- صلى الله عليه وسلم -[بعد البعثة ولا يصح كونه جمعًا] ومعنى الصحابي يؤخذ من محله، [ولا يصح كونه] الصحب (جمعًا) لصاحب لماذا؟ [لأن فَعْلاً لا يكون جمعًا لِفَاعِل] صاحب لا يجمع على فَعْلٍ، وإنما يجمع على فواعل مثلاً، وأما فَعْل هذا اسم جمعٍ وليس بجمعٍ، والمسألة فيها خلاف، [(ذَوِي) نعت صحبه]، (وَآلِهِ وَصَحْبِهِ ذَوِي الهُدَى) هنا مجرور وجره الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، [(ذَوِي) نعت صحبه، أي أصحاب، (وَصَحْبِهِ ذَوِي) (أي أصحاب (الهُدَى) أي الهداية للخلق، وهي الدلالة على طريقٍ توصل للمقصود سواء حصل الوصول إليه أم لا]، وهذا معنى جيد انتبه له، (ذَوِي الهُدَى)، يعني: أصحاب الهدى. يعني: هداية للخلق ما هي الهداية للخلق؟ الدلالة على طريق توصل للمقصود فقط سواء حصل المقصود أو لا، حينئذٍ حصلت الهداية دلالة الإرشاد حصلت بإعلان وبيان وإرشاد أن هذا الطريق موصل للمقصود، وأما حمل الناس على أنه لا بد أن يمتثل نقول: هذا مخالف لما عليه سنن الصحابة، ولذلك قال هناك: (وَصَحْبِهِ ذَوِي الهُدَى). يعني: أصحاب الهداية للخلق ما وظيفته؟ بيان ودلالة الناس على الخير، وأما أن يحصل أو لا يحصل هذا ليس من وظيفة الداعية البتة، وإنما وظيفته أن يبين للناس الطريق الحق قبلوا لم يقبلوا ردوا ضربوا إلى آخره نقول: هذا كله ليس من جهته، ولذلك قال: [توصل للمقصود سواء حصل الوصول إليه أم لا].

إنما عليك البلاغ فقط، وإنما عليك البلاغ، وأما قبول ذلك هذا هداية توفيق وهي خاصة بالله عز وجل، انشراح الصدر والقبول من القلب نقول: هذا من هداية التوفيق، وهي خاصة بالله عز وجل، وإنما أنت تبين وتعظ وتعلم وتنكر إلى آخره يقبل أو لا يقبل؟ ليس إليك إذا دخلت في مسألة القبول فقد ادعيت شيئًا ليس لك، لماذا؟ لأن القبول من جهة القلب هذا ليس من شأن البشر لا الأنبياء ولا الرسل ولا غيرهم، ولذلك نقول: الهداية هدايتان: هداية إرشاد ودلالة هذه عامة تكون في حق الله عز وجل وحق الرسل والأنبياء والعلماء وطلاب العلم وكل منكر وداعي، وأما هداية التوفيق فهي خاصة بالله عز وجل من خصائصه لا يشترك فيها لا نبي ولا رسول ولا عالم إلى آخره فإذا أردنا أن قلوب الناس تنشرح، إن أردنا اتخاذ الوسائل فلا بأس، يعني: الوسائل التي تجعل القلب ينشرح لا بأس، وأما أن ندخل في قلوب الناس ونريد أن نفتح قلوب الناس ليقبلوا ما عندنا نقول: هذا مخالف للسنن الذي عليه أهل العلم، [(في الِاهْتِدَا) بهم والْمُشَبِّهُ لهم هو الله أولاً والنبي - صلى الله عليه وسلم - ثانيًا] أين نحن؟ (ذَوِي الهُدَى) أي: الهداية، (مَنْ شُبِّهُوا بِأَنْجُمٍ في الاهْتِدَا) (مَنْ) أي: الذين، (شُبِّهُوا) هنا حذف الفاعل، والْمُشَبِّهُ هو الله أولاً ثم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، (بِأَنْجُمٍ) جمع نجمٍ وهو الكوكب غير الشمس والقمر، (في الاهْتِدَا) أو غير الشمس والقمر [في الاهتداءِ حذف الهمزة، بهم والْمُشَبِّهُ لهم هو الله أولاً والنبي - صلى الله عليه وسلم - ثانيًا، وقد جاء في بعض الأخبار القدسية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل الرب عما يختلف فيه أصحابه فقال: «يا محمد أصحابك عندي كالنجوم في السماء بعضها أضوء من بعضٍ فمن أخذ بشيءٍ مما اختلفوا فيه فهو على هُدًى مني»]. وهذا كما ذكرنا حديث ضعيف، بل عده بعضهم من الموضوعات، [بفتح الهاء وسكون الدال] أين هذا فتح الهاء وسكون الدال؟ فهو على هَدْيٍ مني [بفتح الهاء وسكون الدال، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أصحابي كالنجوم»]. أيضًا هذا ضعيف، وبعضهم عده في الموضوعات [«بأيهم اقتديتم اهتديتم»، وهذا التشبيه للتقريب]، من شبه بأنجمٍ [على المعقول]، [للتقريب على المعقول بما ألفوه وإلا فالاهتداء بالصحب أشرف من الاهتداء بالنجوم] نعم الاهتداء بالصحابة أشرف من الاهتداء بالنجوم، لأن الاهتداء بالنجوم أمور حسية دنيوية، والاهتداء بالصحابة إنما يوصل إلى رضا الله عز وجل والجنة، ولا شك أنه أشرف [أشرف من الاهتداء بالنجوم، لأن الاهتداء بهم ينجي من الهلاك الأخروي والخلود في النار، بل ومن الدنيوي بخلاف النجوم]، وهذا واضح. - - - وَبَعْدُ فَالمَنْطِقُ لِلْجَنَانِ ... نِسْبَتُهُ كَالنَّحْوِ لِلِّسَانِ (وَبَعْدُ) يؤتي بها للانتقال من أسلوب إلى آخر، والتقدير مهما يكن من شيءٍ فأقول بعد البسملة وما بعدها فالمنطق إلى آخره، وإنما قدرنا ذلك لأن الظرف من متعلقات الجزاء على الصحيح. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

(وَبَعْدُ) أتى بالواو والأولى أما بعد وهي السنة، (وَبَعْدُ) هذه نائبة عن أمَّا، النائبة عن مَهْمَا، مهما اسم شرط على الصحيح، وحذفت هي وفعلها وأقيم الحرف أما مقامها، فضمن معنى الشرط، ثم حذفت أما وأقيمت الواو مقامها وهذا فيه بعدٌ، إذًا (وَبَعْدُ)، أي: بعد ما ذكر من البسملة والحمدلة وما سبق [يؤتي بها للانتقال من أسلوبٍ إلى آخره]، يعني: من أسلوب المقدمة إلى الشروع في شيء من المقصود، ولذلك قال: (وَبَعْدُ). سيذكر شيئًا من متعلقات المبادئ العشرة، وهذا لا إنكار فيه، وليس مراده من أسلوب إلى آخر أسلوب التأكيد لا المدح لا الذم لا ليس هذا المراد، وإنما من أسلوب المقدمات لأن لها أسلوب لها أشياء معينة عندهم واجبات صناعية وعندهم مستحبات صناعية أشياء تذكر إلى المقصود، والمقصود قد يكون مقصودًا للمقصود، يعني: قد يكون شيئًا يُذكر فيه تعريف الفن وموضوعه، هذا ليس هو المقصود، المقصود هو تأليف الفن عينيه، فإذا ذكر مقدمةً حينئذٍ نقول: هي المقصود، لكنها تعتبر كذلك من مقدمات العلم، [للانتقال من أسلوب إلى آخر والتقدير] في قوله: (وَبَعْدُ). ... [مهما يكن من شيء فأقول]، [مهما يكن من شيء]، [مهما] اسم شرط، [يكن] فعل الشرط [من شيء] هذا متعلق بـ يكن، هذه كلها محذوفة، إذًا حذف اسم الشرط، وحذف الفعل [يكن من شيء فأقول] هذا جواب الشرط، كذلك محذوف (وَبَعْدُ) لما حذف القول دخلت الفاء الواقعة في جواب الشرط على بعد، وبعد هذا متعلق بماذا؟ هل هو متعلق بـ أقول الذي هو جواب الشرط أو متعلق بـ يكن؟ هذا فيه خلاف، قال الشارح هنا: [وإنما قدرنا ذلك لأن الظرفَ] الذي هو بعد بالنصب [من متعلقات الجزاء على الصحيح]، يعني: أقول لا يكن. (فَالمَنْطِقُ) الفاء واقعةٌ في جواب الشرط، ويأتي إن شاء الله تعالى التعريف وما يتعلق بالمبادئ العشرة، والله أعلم. وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

2

عناصر الدرس * تتمة شرح المقدمة. * فصل في جواز الاشتغال. وَبَعْدُ فَالمَنْطِقُ لِلْجَنَانِ ... نِسْبَتُهُ كَالنَّحْوِ لِلِّسَانِ فَيَعْصِمُ الأَفْكَارَ عَنْ غَيِّ الخَطَا ... وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ يَكْشِفُ الغِطَا (فَالمَنْطِقُ) أي: العلم المخصوص، وإن كان في الأصل اسمًا للإدراك الكلي، والقوة التي هي محل صدور الإدراك، وللتلفظ الذي يبرز ذلك، لأن بذلك العلم يصيب الإدراك وتتقوى القوة العاقلة وتكون القدرة على التلفظ المبرز لذلك الإدراك فهو من تسمية الشيء باسم ما يتعلق به، ثم صار حقيقة عرفية في العلم المخصوص (لِلْجَنَانِ) أي القلب بمعنى اللطيفة الربانية المتعلقة بالقلب اللحماني تعلق العرض بالجوهر (نِسْبَتُهُ) أي المنطق (كَـ) نسبة النَّحْوِ لِلِّسَانِ، فالمنطق نسبته للعقل كنسبة النحو للسان في أن كلاً منهما يعصم ما يتعلق به، فالمنطق يعصم العقل عن الخطأ في فكره كما أشار إلى ذلك الناظم بقوله: (فَيَعْصِمُ الأَفْكَارَ) أي يحفظها، وتقدم أن الفكر هو النظر. وهذا إشارة إلى تعريف المنطق بأنه علم يعصم، أي يحفظ الأنظار (عَنْ) وقوع (غَيِّ الخَطَا) أي ضلاله، والخطأ ضد الصواب، وإضافة الغي إلى الخطأ من إضافة العام للخاص) فإن الضلال قد يكون عن عمد، وقد يكون عن خطأ، وهذا العلم تعصم مراعاته الذهن عن الخطأ في الفكر أي: النظر لأنه إذا علم كيفية تركيب القياس من تقديم الصغرى على الكبرى، واستيفاء شروط الإنتاج ورتب المقدمتين كانت النتيجة صوابًا سالمة من الخطأ (وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ) أي: الفهم الدقيق (يَكْشِفُ) ذلك العلم (الغِطَا) أي الستر، شبه المفهوم الدقيق بالشيء المحتجب تحت الستر والغطا تخييل والكشف ترشيح. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد. قال الناظم رحمه الله تعالى: وَبَعْدُ فَالمَنْطِقُ لِلْجَنَانِ ... نِسْبَتُهُ كَالنَّحْوِ لِلِّسَانِ فَيَعْصِمُ الأَفْكَارَ عَنْ غَيِّ الخَطَا ... وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ يَكْشِفُ الغِطَا وقفنا عند قوله: (وَبَعْدُ). وعرفنا أن هذا اللفظ ظرف مبهم يؤتى به للانتقال من أسلوب إلى أسلوب آخر، ومرادهم بالأسلوب من المقدمة إلى المقصود، وذكر في الحاشية قال: هو هنا من نوع الثناء ونحوه إلى نوع ذكر السبب الحامل على تأليف الأرجوزة. وهو كذلك يعتبر من أسلوب إلى أسلوب آخر، لأن الكتاب مقسم من مقدمة ومقصود، والمقصود هذا قد يكون مقصودًا لذاته وقد يكون مقصودًا لغيره، فالانتقال بين هذه المراحل إنما يكون بهذا اللفظ وهو بعد، وليس مرادهم أن الانتقال من أسلوب إلى أسلوب آخر، من أسلوب التأكيد، من أسلوب الذم ونحو ذلك ما فهمه البعض وليس الأمر كذلك.

(فَالمَنْطِقُ) أي العلم. الفاء هذه واقعة في جواب الشرط، وعرفنا أن بعد هذه في الأصل أنها متعلقة بالجزاء كما قال الشارح هنا، والمسألة فيها خلاف لذلك قال على الصحيح (فَالمَنْطِقُ). قال: [(فَالمَنْطِقُ) أي العلم المخصوص]. صار هذا اللفظ علمًا إذا أطلق انصرف إلى مفهوم خاص، كما تقول: زيد. هذا لفظ إذا أطلق عَيَّنَ مسماه، هذا هو شأن العلم. اسم يُعَيِّنُ الْمُسَمَّى مُطْلَقًا ... عَلَمُهُ كَجَعفرِ وَخِرْنِقَا

فالمنطق المراد به العلم المخصوص، ولذلك جاء بأي التفسيرية، لأنه يحتمل أن يكون المراد به المعنى اللغوي، ويحتمل أن يكون المراد به المعنى الاصطلاحي، وأراد به المصنف هنا الناظم المعنى الاصطلاحي، ولذلك قال: [أي العلم المخصوص، وإن كان في الأصل اسمًا للإدراك الكلي والقوة التي هي محل صدور الإدراك، وللتلفظ الذي يبرز ذلك]. يعني أن المنطق قبل نقله وجعله علمًا للعلم المخصوص يطلق في لسان العرب ويراد به واحد من ثلاثة أمور يطلق ويراد به الإدراك الكلي، والإدراك مصدر أَدْرَكَ يُدْرِكُ إِدْرَاكًا، والمراد به وصول النفس إلى المعنى بتمامه هذا تعريف الإدراك عند المناطقة وصول النفس، والمراد بالنفس هنا القوة العاقلة التي تدرك المعاني، وهي محلها القلب ولها علاقة بالدماغ، وصول النفس إلى المعنى، يعني: معنى اللفظ. سواء كان اللفظ مفردًا أو كان مركبًا فمعنى زيد ذاته، ومعنى قائم معناه ثابت له وهو القيام، ومعنى زَيْدٌ قَائِمٌ إدراكه في الخارج بأنه واقع أو ليس بواقع، حينئذٍ شمل الإدراك هنا نوعي العلم: التصور، والتصديق، إذًا وصول النفس إلى المعنى، سواء كان المعنى مفردًا أو كان مركبًا، ليشمل نوعي العلم: التصور، والتصديق. بتمامه، يعني: على وجه التمام بمعنى أن لا يبقى شيء في النفس هل هذا صادق على هذا المدلول أو لا؟ فإن كان ثَمَّ تردد في النفس ولم يحمل اللفظ سواء كان مفردًا أو مركبًا على المعنى الذي أطلق عليه في لسان العرب هذا يسمى شعورًا ولا يسمى إدراكًا، ففرق بين الإدراك وبين الشعور، الشُّعور هو وصول النفس إلى المعنى لا بتمامه، يعني يكون ثَمَّ تردد في النفس، فإن كان على وجه التمام بمعنى أنه أدرك أن زيد مدلوله ذاته المشخصة المشاهدة في الخارج، والقيام المدرك الذي هو مشاهد في الخارج حينئذٍ نقول: هذا يسمى إدراكًا، لأنه وصلت النفس فيه إلى المعنى بتمامه، لم يكن ثَمَّ تردد في إطلاق هذا اللفظ على المعنى المراد، وإن كان ثَمَّ تردد هل زَيْدٌ المراد به ذاته المراد به شيء آخر، اسم لبيت، اسم لأرض، اسم ... ، لم يكن عنده تصور لمعنى زيد حينئذٍ يسمى شعورًا، إذًا يطلق المنطق في الأصل قبل جعله علمًا لهذا الفن على الإدراك، [الكلي] الإدراك الكلي أراد به احترازًا عن الإدراك غير الكلي، يعني: المراد به الإدراك الكثير.

ولأن ثَمَّ بعضًا من الحيوانات قد تدرك بعض ما يدركه الإنسان، ولذلك بعض الحيوانات قد تنطق ببعض الألفاظ ولا تكون ناطقةً، لماذا؟ لأن النطق الذي هو التكلم والتلفظ إنما يراد به على وجه التمام أو الكثير، وأما إذا أطلق الببغاء مثلاً بعض الألفاظ هذا لا يسمى ناطقًا مساويًا للإنسان، لماذا؟ لأن نطقه وتلفظه هنا غيرَ كثير فحينئذٍ لا يعتبر ذلك في حقه نطقًا ولا تلفظًا ولا كلامًا لا يقال بأن الببغاء يتكلم أو غيره من الحيوانات، حينئذٍ الإدراك الكُلِّي المراد به الإدراك الكثير الذي يحصل من الإنسان حينئذٍ لو وقع نوع إدراك من الحيوان هذا لا يسمى ناطقًا أو منطقيًّا لوجود الإدراك، أليس كذلك؟ ولذلك بعض البهائم قد تتعود على بيت من بيوت، الحمار مثلاً إذا أُخِذَ وذُهِبَ به حينئذٍ يعتاد على البيت ويعرف، هذا نوع إدراك هذا يعتبر ماذا؟ نوع إدراك، الحمام إلى قفصه يذهب ويأتي، هذا نوع إدراك، لكنه ليس بالكثير حينئذٍ لا يكون نطقًا ولا يسمى منطقًا عند هذا الصِّنْف. [وإن كان في الأصل اسمًا للإدراك الكلي]، ومنه ناطق في تعريف الإنسان، أي مدرك إدراكًا كليًّا، أي كثيرًا. وخرج بـ (كليًّا) إدراك غير الإنسان من الحيوان، فلا يسمى منطقًا ونطقًا، وهو على هذا يكون مصدرًا ميمًا، [والقوة] هذا النوع الثاني الذي يطلق عليه المنطق قبل جعله عالمًا على الفن المخصوص، [والقوة التي هي محل صدور الإدراك]، يعني ما يسمى بالقوة العاقلة عندنا إدراك، وهو وصول النفس إلى المعنى بتمامه. أين يوجد؟ يوجد مثلاً في القلب أو في الدماغ أو نحو ذلك، محل صدور هذه القوة العاقلة يسمى منطقًا، إذًا يطلق على الإدراك نفسه ويطلق كذلك على محل صدور الإدراك، إذًا هذا يسمى منطقًا وهذا يسمى منطقًا، لكن إطلاقه على الأول إدراك الكلي يكون مَنْطِقْ مَفْعِلْ مصدرًا ميميًّا، وعلى الثاني يكون اسم مكان، الإطلاق الثالث [وللتلفظ الذي يبرز ذلك] التلفظ، يعني: النطق. والنطق هو الذي يخرج المكنون في الصدور، حينئذٍ يُدرك ويكون إدراكه بالقوة العاقلة ثم يكون شيئًا في النفس لا يصل إلى المخاطب أو إلى الآخر حينئذٍ نقول: التلفظ بذلك الذي هو الإدراك الحاصل بسبب القوة العاقلة نقول: التلفظ بذلك يسمى منطقًا. [وللتلفظ الذي يبرز ذلك]، [يبرز ذلك] أي يظهره. إذًا هذه ثلاثة أنواع للفظ المنطق قبل جعله علمًا للفن. الأول: الإدراك الكُلِّي. الثاني: القوة العاقلة. التي عبر عنها بقوله: [محل صدور الإدراك]، وعلى التلفظ، يعني النطق تلفظ، وهذا الفن يلاحظ فيه هذه الأمور الثلاثة: الإدراك الكلي، والقوة العاقلة، والتلفظ.

حينئذٍ نقل هذا اللفظ إلى العلم المخصوص مراعًا فيه هذه المعاني الثلاثة، إذًا كلها موجودة في فن المنطق عندنا إدراك كُلّي، وعندنا محل صدور ذلك الإدراك، وعندنا لفظ تلفظ، ولذلك سيأتي أبواب تتعلق باللفظ، لماذا؟ لأن اللفظ هو الذي يبرز هذه الإدراكات التي تكون في النفس وإلا ما الذي أدراني أنك أدركت لو لم تخبرني بلفظك بأنك أدركت معنى كذا ما حصل لي الخبر بذلك، لأن الإدراك قد يكون في النفس ويراد به للنفس ولا إشكال، وقد يراد به لغيره من أجل أن تخبر غيرك حينئذٍ نقول هنا لا بد من التلفظ. إذًا يطلق على الإدراك، وعلى القوة العاقلة، وعلى النطق، وهو: التلفظ، وهذا الفن به يكثر الإدراك ويصيب، وبه تتقوى القوة العاقلة وتكمل، وبه تكون القدرة على النطق، فلما كان له ارتباطًا بكل من هذه المعاني الثلاث سمي بذلك، ولذلك قال الشارح: [لأن بذلك العلم يصيب الإدراك]. بهذا العلم يصيب الإدراك، لأن الإدراك قد يدخله الخطأ وقد يكون صوابًا، إذًا ليس كل إدراك يكون صوابًا، حينئذٍ الإدراك هذا لما دخله الخطأ إنما يكون صوابه بإقامة هذا العلم، الذي هو المنطق على ما يدعيه، حينئذٍ نقول: الإدراك قد يكون صوابًا، وقد يكون خطأً، إذا كان كذلك ما الذي يُقَوِّمُ هذا الإدراك ويميز صوابه من خطأه؟ هو هذا الفن، ولذلك قال: [لأن بذلك العلم يصيب الإدراك، وتتقوى القوة العاقلة]. لأنه يعلم أنه إذا أراد الوصول إلى التصور المجهول، إنما يأتي إليه بطريق كذا وكذا، وإذا أراد التصديق المجهول إنما يأتي إليه بطريق كذا وكذا، إذًا ثَمَّ ضوابط، مراعاتها حينئذٍ يتقوى به القوة العاقلة، وتكون عنده ملكة في معرفة وإدراك الأشياء، كما يقال في فن الأصول: إذا أدرك القواعد على وجهها حينئذٍ نقول: صار عنده ملكة يستطيع بها أن يميز الدخيل من غيره، وكذلك هنا [وتكون القدرة على التلفظ المبرز لذلك الإدراك فهو] حينئذ [من تسمية الشيء باسم ما يتعلق به]، [من تسمية الشيء]، (فهو) أي لفظ المنطق الذي أطلق على العلم الخاص، ما وجه المناسبة بين الفن أو العلم الخاص وهذا اللفظ من تسمية الشيء باسم ما يتعلق به؟ إذًا تعلق هذا الفن بهذه الثلاث المعاني فلذلك نقل هذا اللفظ المنطق إلى تلك أو ذلك الفن، ثم بعد مراعاة هذه المعاني الثلاث صار حقيقةً عرفية في العلم المخصوص، بمعنى أنه إذا أطلق لفظ المنطق لا يفسر بالإدراك الكلي، ولا يفسر بالقوة العاقلة، ولا يفسر بالنطق، وإنما يفسر بماذا؟ بالعلم الآتي ذكره، وهو: الفن المخصوص. إذًا التسمية أو هذه المعاني الثلاث مراعاة في التسمية، هي سبب للتسمية، لماذا سمي منطقًا؟ تقول: لقوله كذا وكذا وَكذا، لأنه يطلق ويراد به كذا في الأصل، ثم نقل إلى المعنى أو الحقيقة العرفية فصار جامدًا من حيث دلالته على المعاني السابقة، كما هو الشأن في سائر الأعلام التي يراعى فيها المعاني قبل جعلها علمًا، ثم إذا صارت أعلامًا حينئذٍ نقول: جرد ذلك اللفظ عن تلك المعاني التي كانت سابقة قبل الْعَلَمِيَّة. ولذلك قال: [ثم صار حقيقة عرفية].

يعني: في عرف المناطقة واصطلاحهم، العرف هنا بمعنى الاصطلاحي، [في العلم المخصوص] هذا المنطق من حيث ماذا؟ من حيث المعنى اللغوي، أما من حيث المعنى الاصطلاحي فالمشهور أنه: [علم يبحث فيه عن المعلومات التصورية والتصديقية من حيث إنها توصل إلى مجهول تصوري، أو تصديقي، أو من حيث ما يتوقف عليه ذلك]، حينئذٍ الشروع في الفن لا بد أن يعرف الطالب حقيقة الفن الذي شرع فيه، ما المراد بفن المنطق؟ يبحث في أي شيء؟ أي نوع من أنواع العلوم؟ قالوا: [يَبْحَثُ أو يُبْحَثُ فيه عن المعلومات]. إذًا الكلام في العلم والكلام في المعلوم، العلم هو: الإدراك. العلم إدراك المعاني مطلقًا إذًا العلم هو: الإدراك. وهذا المعنى للعلم، وإن اختلفوا في العلم هل يحد أو لا يحد؟ إلى آخر ما يذكره الأصوليون، ولكن معنى العلم في لغة العرب هو: الإدراك. الإِدراك هو: العلم، والعلم هو: الإدراك، واضح؟ حينئذٍ الإدراك هو: العلم، والشيء المدرك هو المعلوم، إذًا فرق بين العلم والمعلوم، الإدراك والمدرك، الإدراك كونك تدرك وتصل نفسك العاقلة إلى المعنى بتمامه، هذا الفعل في نفسك، ولذلك اختلفوا هل هو من مقولة الانفعال أو الفعل؟ إلى آخر ما يذكرونه، حينئذٍ نقول: هذا يكون في النفس، الشيء الذي تعلق به وصار مدركًا يكون معلومًا، إذًا البحث لا في العلم من حيث هو، وإنما في متعلق العلم، والعلم إنما يتعلق بالمفرد أو المركب، ولذلك قال: [المعلومات التصورية والتصديقية]. بمعنى أن العلم نوعان كما سيأتي. إدراك مفرد تصورًا علم ... ودرك نسبة بتصديق وسم

حينئذٍ العلم نوعان: علم هو تصور. وعلم هو تصديق، إدراك المفرد على جهة الإجمال من باب التقريب، الكلام في لسان العرب إما أن يكون مفردات، وإما أن يكون جمل جملاً اسمية، أو فعلية، ما كان من قبيل الجمل الاسمية والفعلية إدراكه وفهمه وعقل معناه يسمى تصديقًا، وما عدا ذلك يسمى تصورًا، إذًا العلم الذي هو الإدراك قد يتعلق بمفرد، وقد يتعلق بجملة اسمية، أو جملة فعلية، فالأول يسمى تصورًا، والثاني يسمى تصديقًا، البحث في المعلومات التصورية والتصديقية، من أي جهة؟ قال: [من حيث إنها توصل إلى مجهول تصوري أو تصديقي]. إذًا عندنا مفرد معلوم، وعندنا مفرد مجهول، عندنا مركب معلوم، وعندنا مركب مجهول، البحث في المعلومات سواء كانت تصورية، أو تصديقية لتوصِلَنَا إلى المجهولات التصورية، أو التصديقية يسمى منطقًا، إذًا هو بحث في طرق ووسائل، هذه الوسائل تؤدي إلى ماذا؟ إما إدراك مفرد، حقيقة المفرد، وإما إلى إدراك حقيقة المركب حينئذٍ نقول: البحث هذا هو متعلق بفن المناطقة. [إلى مجهول تصوري أو تصديقي]، أو من حيث ما يتوقف عليه ذلك، يعني: ثَمَّ المعلومات التصورية والمعلومات التصديقية والطرق الموصلة إلى كل واحد منهما قد تتوقف على بعض المعلومات، وهي الأبواب التي يذكرها المناطقة قبل باب المعرفات والقياس، ما يتعلق بتقسيم اللفظ إلى مفرد، وإلى مركب، والمفرد إلى جزئي وإلى كلي، ثم القضايا شرطية، حملية شرطية، متصلة منفصلة هذا بحث كله في ماذا؟ يتوقف العلم بما يوصل إلى المجهول التصوري أو التصديقي إلى معرفة هذه الألفاظ، حينئذٍ ما توقف عليه الفن يكون داخلاً فيه متممًا له، كمعرفة الأحكام الشرعية عند الأصوليين في توقف العلم علم أصول الفقه عليه، وبالمثال إن شاء الله يأتي معنا فيما يأتي، هذا حد علم المنطق. إذًا موضوعه إذا عرفنا أنه يبحث فيه عن المعلومات، إذًا موضوعه المعلومات التصورية والتصديقية من حيث صحة إيصالها إلى المجهولات التصورية والتصديقية، إذًا ليس كل طريق يوصل إلى مجهول تصوري صحيح أو صحيحة، وليس كل طريق يوصل إلى مجهول تصديقي يكون صحيحًا، إذًا الذي يميز الطرق الموصلة إلى المجهول التصوري الصحيح من الفاسد هو: فن المنطق. والطريق الذي يميز الصحيح من الفاسد في الطريقة الموصولة إلى المجهول التصديقي هو: فن المنطق. غايته كما ذكره الناظم هنا (فَيَعْصِمُ الأَفْكَارَ عَنْ غَيِّ الخَطَا) وسيأتي.

وأما فضله قالوا: [فهو علم يفوق ويزيد على غيره من العلوم بكونه عام النفع فيها إذ كل علم تصورًا أو تصديق، وهو يبحث فيهما، لكن بعض العلوم يفوق من جهة أخرى]، يعني: التفسير مبناه على العلم، ثم إما علم التصور أو تصديق، بحثك أحيانًا يكون في التفسير من أجل فهم كلمة واحدة مفردة، هذا من أجل ماذا؟ من أجل إدراك مفرد، إذًا يسمى ماذا؟ تصورًا، قد تبحث من أجل أن تصل إلى مدلول التركيب آية جملة الاسمية أو الجملة الفعلية حينئذٍ نقول: هذا بحث في الوصول إلى تصديق، وكذلك الكلام في الحديث، وفي العقيدة، وفي الفقه، إلى آخره، إذًا التصور والتصديق من حيث الإطلاق، يعني: مطلق التصور لا شخصه، ومطلق التصديق لا شخصه، هذا مشترك بين العلوم كلها، بل بين العلوم وغيرها، بل بين كل ما يتلفظ به الإنسان، لأن البحث إما أن يكون في مفردات، أو في مركبات، حينئذٍ هذا أو ذاك نقول: مطلق التصور ومطلق التصديق هذا بحث يشترك فيه كل العلوم بلا استثناء، فإذا كان كذلك حينئذٍ لا بد من معرفة الطرق الموصولة إلى المجهول التصوري، والمجهول التصديقي، وأما نسبته إلى العلوم فهي التباين. واضعه: قيل: إِرَسَطُو بكسرة الهمزة وفتحتين بعدها وضم الطاء، والاسم المنطق على المشهور، ويُسمى أيضًا بالميزان، وبمعيار العلوم، هكذا سماه الغزالي في كتابه ((معيار العلم)). استمداده: من العقل. وأحيانًا تكون بعض المسائل التي يتطرق إليها المناطقة مركوزة في النفس، لأن منها ما هو يكون من قبيل الطبائع، وإذا كان كذلك فحينئذٍ لا يقال بأن الصحابة لم يتعلموا المنطق ولم يحتاجوا إليه، نقول: لا بعضه موجود في فطرهم، حينئذٍ نقول: لا يحتاج إلى تنصيص، إلى المصطلحات الذي ذكرها المناطقة، وكذلك شأن التابعين ومن بعدهم من الأئمة الذين لم يعرفوا علم المنطق، قالوا: هذا موجود بعض المسائل المتعلقة بالمنطق هذه يضيفها العقلاء من حيث هم، كما هو الشأن في النحو وفي أصول الفقه هذا مدرك بالطبائع، حينئذٍ نقول: لا يقال بأن علم المنطق ما دام أن مداره العقل لم يتعلمه الصحابة أو من بعد الصحابة، لأننا نقول: العقل. هذا موجود عندهم، وبعض دلالة العقل ضرورية، يعني: يشترك فيها كل الناس، وحينئذٍ نقول: هذا الفن قد يكون موجودًا فلا يحتاج إلى أن يدرسه الطالب، ولكن هذا فيمن سلمت فطرته، وأما حكمه سيأتي عند قول المصنف (وَالخُلْفُ). إذًا (وَبَعْدُ فَالمَنْطِقُ) عرفنا حد المنطق، وهو ما يتعلق بمبادئ العشرة ... (لِلْجَنَانِ) يعني القلب. جَنان بفتح الجيم [بمعنى اللطيفة الربانية المتعلقة بالقلب اللحماني تعلق العرض بالجوهر] الجوهر هو: اللحم، نفسه والعرض هو: الصوف، النور نقول: هو العرض، والجوهر هو نفسه اللطيفة، أو المتعلق بالقلب اللحماني، العرض هو اللطيفة الربانية المتعلقة بالقلب اللحماني بضم اللام. الأول: هو العرض. والثاني: هو الجوهر.

إذًا (لِلْجَنَانِ ** نِسْبَتُهُ)، يعني: إضافته للمنطق. [(كَـ) نسبة (النَّحْوِ لِلِّسَانِ)]، يعني: النحو يعصم اللسان من الخطأ، فالمنطق يعصم العقل من الوقوع في الخطأ، هذا مراده، يعني: كما أن النحو يصحح به الكلام ويعرف به فاسد الكلام من صحيحه كذلك المنطق للعقل يعرف به فاسد التفكير من غيره، ولذلك عرفه العطار بأنه: علم يعرف به الفاسد من الفكر من صحيحه. أو صحيح الفكر من فاسده. لأن فكر قد يكون صحيحًا وقد يكون فاسدًا [(كَـ) نسبة (النَّحْوِ لِلِّسَانِ)] قدر نسبة ليتناسب المشبه والمشبه به، [فالمنطق نسبته للعقل كنسبة النحو للسان] في ماذا؟ يعني: ما الجامع بينهما؟ (في أن كلاً منهما) من المنطق والنحو [يعصم]، يعني: يحفظ. [ما يتعلق به، فالمنطق يعصم العقل]، المنطق يتعلق بالعقل، إذًا يعصمه ويحفظه من الوقوع في الزلل والخطأ، [فالمنطق يعصم العقل عن الخطأ في فكره]، لأن الفكر الذي هو النظر والتأمل قد يكون صوابًا وقد يكون خطأً، [كما أشار إلى ذلك الناظم بقوله: (فَيَعْصِمُ الأَفْكَارَ)] جمع فكر كما مر معنا، [أي يحفظها]، فالعصمة هنا بمعناها اللغوي، وليس المراد بها المعنى الشرعي، وإنما المعنى الشرعي يكون للأنبياء والملائكة ومن عداهم فلا، [وتقدم أن الفكر هو: النظر. وهذا إشارة إلى تعريف المنطق بأنه علم يعصم، أي يحفظ الأنظار] جمع نظر، عن ماذا؟ (عَنْ غَيِّ الخَطَا) ليس عن الغي، الغَي هو واقع، وإنما المراد عن وقوعه، الغي واقع بالنسبة للإنسان لأنه ليس معصومًا، فإذا كان كذلك لا بد من تقدير [(عَنْ) وقوع (غَيِّ الخَطَا) أي ضلاله، والخطأ ضد الصواب، وإضافة الغي إلى الخطأ من إضافة العام للخاص]، (غَيِّ الخَطَا) أيهما أعم وأيهما أخص؟ الغي أعم، لأنه يكون عن عمد وبلا عمد، والخطأ يكون بلا عمد، [فإن الضلال قد يكون عن عمد، وقد يكون عن خطأ]، والخطأ خاص بالثاني، [وهذا العلم] الذي هو فن المنطق، [تعصم مراعاته الذهن عن الخطأ في الفكر]، إذًا ليست العصمة، يعني: الحفظ عن الوقوع في الخطأ بذات قواعد، وإنما بمراعاتها، يعني: بملاحظتها وتطبيقها. هذا الذي يكون ثَمَّ عصمة، وأما مجرد دراسته، فحينئذٍ نقول: هذا لا يعصم. كمن يدرس النحو ولا يطبق ولا يعرب، حينئذٍ نقول: كونه عالمًا بالألفية مثلاً، أو حافظًا لها، أو دارسًا لها نقول: هذا لا يعصمه عن وقوع الخطأ في الكلام، لماذا؟ لأن العلم بالقواعد لا يعصم إلا بشرط المراعاة، يعني: الملاحظة بأن يطبق ويمارس.

فكذلك علم المنطق، قواعد إذا لم يمارسها ولم يطبق ويتمرن ويتمرس عليها، حينئذٍ لا يفيده ذلك شيئًا، كما أن حافظ القواعد النحوية، أو الصرفية، أو البيانية، أو الأصولية إذا لم يمارس لن يستفيد شيئًا، فالعلم ليس نظريًّا، وإنما هو ملكة صناعة، حينئذٍ لا بد من الممارسة، ولذلك لو درس مائة سنة الطب مثلاً ولم يمارس ما استفاد شيئًا ولا يسمى طبيبًا إلا بالمعنى النظري أما العملي فلا، ولذلك الطب له معنى نظري وله معنى عملي، الطب إذا أطلق انصرف إلى الثاني هذا هو الأصل، وأما النظري هذا ما تأتيه إليه تفر منه فرارك من الأسد، إذًا هذا العلم [تعصم مراعاته الذهن عن الخطأ في الفكر، أي النظر]، لماذا؟ [لأنه إذا علم كيفية تركيب القياس من تقديم الصغرى على الكبرى، واستيفاء شروط الإنتاج ورتب المقدمتين كانت النتيجة صوابًا سالمة من الخطأ]، يعني: عرف الطريق الموصول إلى القياس، إلى التصور، إلى التصديق، لأن القياس هو طريق التصديق (وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ يَكْشِفُ الغِطَا)، هذا يعصم الأفكار عن غير الخطأ، هذه فائدة من فوائد تعلم المنطق، ثانيًا [(وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ) أي الفهم الدقيق]، هذا من إضافة الصفة إلى الموصوف، والفهم هنا مصدر فَهِمَ يَفْهَمُ فَهْمًا فَعْلٌ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى والمراد به اسم المفعول أي المفهوم. (وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ)، والفهم هو إدراك معنى الكلام، [الدقيق] يعني المستتر [(يَكْشِفُ) ذلك العلم] المنطق بمراعاته وحفظ قواعده [(الغِطَا) أي الستر] بكسر السين [شبه المفهوم الدقيق بالشيء المحتجب تحت الستر والغطا تخييل والكشف ترشيح] يعني الناظم هنا استعمل الاستعارة بنوعيها التخيرية والمرشحة، حينئذٍ نقول: في كلامه استعارة بالكناية والتخيير، لأنه كما قال الشارح هنا شبه دقيق الشيء بشيء مغطى تشبيهًا مضمرًا في النفس، وحذف اسم المشبه به وأثبت شيئًا من لوازمه تخيرًا، وهو الغطا والكشف ترشيح إن كان حقيقةً بالمحسوسات فقط، (فَهَاكَ) الفاء هذه فاء الفصيحة، إذا علمت أهمية عمل المنطق لما ذكر. فَيَعْصِمُ الأَفْكَارَ عَنْ غَيِّ الخَطَا ... وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ يَكْشِفُ الغِطَا إذا أردت شيئًا من قواعده وأصوله. - - - فَهَاكَ مِنْ أُصُولِهِ قَوَاعِدَا ... تَجْمَعُ مِنْ فُنُونِهِ فَوَائِدَا سَمَّيْتُهُ بِالسُّلَّمِ المُنَوْرَقِ ... يُرْقَى بِهِ سَمَاءُ عِلْمِ المَنْطِقِ

[(فَهَاكَ) اسم فعل بمعنى خذ، على ما قال ابن مالك، والكاف حرف خطاب) (مِنْ أُصُولِهِ) أي من أصول المنطق (قَوَاعِدَا) أي: خذ قواعد هي بعض أصول المنطق، والقواعد جمع قاعدة، وهي: قضية كلية يتعرف منها أحكام جزئيات موضوعها، كقولنا: كل موجبة كلية تنعكس جزئية وكيفية تعريف أحكام الجزئيات أن تقول مثلاً: كل إنسان حيوان موجبة كلية، وكل موجبة كلية تنعكس جزئية فينتج من الشكل الأول كل إنسان حيوان تنعكس جزئية، وذلك مثل قولك: بعض الحيوان إنسان، (تَجْمَعُ) تلك القواعد (مِنْ فُنُونِهِ) أي المنطق، والجمع للتعظيم)، (فَوَائِدَا) جمع فائدة وهو ما استفيد من العلم، والمراد بها الفروع المندرجة تحت القواعد أي تجمع القواعد فروعًا وجزئيات من فن المنطق، ويصح عود الضمير في تجمع إلى المخاطب أي تجمع أنت أيها المخاطب بسبب حفظ تلك القواعد فروعًا من فن المنطق (سَمَّيْتُهُ) أي: التأليف المفهوم من السياق (بِالسُّلَّمِ) والسلم ما يُصعد به عادة إلى أعلى منه، فتسميته الكتاب بذلك إشارة إلى أنه يتوصل به إلى أصعب منه من الكتب (المُنَوْرَقِ) بتقديم النون على الراء كما هو الرواية عن المصنف، ويصح تقديم الراء ومعناه المزين المزخرف (يُرْقَى) أي: يصعد. (بِهِ) أي بهذا التأليف (سَمَاءُ عِلْمِ المَنْطِقِ) أي علم المنطق الذي هو كالسماء في الرفعة والشرف، فالإضافة من إضافة المشبه به للمشبه، ويصح أن تكون السماء مستعارة للكتب المطولة من هذا العلم أي يتوصل بهذا التأليف إلى ما هو أطول منه من الكتب المؤلفة في ذلك الفن]. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

(فَهَاكَ)، إذًا الفاء هذه فاء فصيحة أفصحت عن جواب شرط مقدم، [(فَهَاكَ) اسم فعل] أمر [بمعنى خذ]، [على ما قال ابن مالك] رحمه الله تعالى [والكاف حرف خطاب] ها هو اسم فعل الأمر والكاف حرف خطاب على قولٍ، هاك أي: خذ (مِنْ أُصُولِهِ قَوَاعِدَا) (قَوَاعِدَا) هذا مفعول لقوله: هاك. خذ قواعدا من أصوله، يعني: من أصول المنطق. إذًا المنطق له قواعد وله أصول لا بد من مراعاتهم [(قَوَاعِدَا) أي خذ قواعد]، هذه القواعد [هي بعض أصول المنطق]، لأنه قال: (مِنْ أُصُولِهِ). ومن هنا للتبعيض، إذًا ليس كل القواعد، لأن الكتاب هنا أراد به شيئًا يتمكن به المبتدئ كـ ((الآجرومية)) و ((الورقات)) ونحوها، فهي ليست ((الآجرومية)) كل النحو، وليست ((الورقات)) كل الأصول، حينئذٍ نحتاج إلى معرفة شيء من الفن فحسب، (فَهَاكَ مِنْ أُصُولِهِ) يعني بعض أصوله. (قَوَاعِدَا) هي بعض الأصول، [والقواعد جمع قاعدة، وهي: قضية كلية يتعرف منها أحكام جزئيات موضوعها] هذا تعريف عام في جميع الفنون، القواعد الفقهية، القواعد الأصولية، القواعد العقدية، ونحو ذلك، وكذلك القواعد المنطقية قضية، يعني: جملة اسمية، أو فعلية، هذا المراد بالقضية، لأنهم يسمون الجملة الاسمية والفعلية يسمونها قضية وهي: الخبر، (كلية)، يعني: لا جزئية. يعني: يدخل تحتها من الأفراد ما لا حصر لها، وذلك إذا كان المحكوم فيها أو عليه كليًّا، بمعنى أن الموضوع الذي هو المبتدأ أو الفاعل نائب الفاعل يكون كليًّا بمعنى أنه قدر مشترك كقولك: الفاعل مرفوع. هذه قضية، يعني: جملة اسمية. وكلية، لماذا كلية؟ لأن الفاعل هذا لفظ محلاً بـ أل وهو من صيغ العموم يدخل تحته ما لا حصر له من أجزاء وآحاد ما يصدق عليه أنه فاعل، يدخل تحته زيد من قولك: قَامَ زَيْدٌ. وَعَمْرٌ من قولك: مَاتَ عَمْرٌ. وخالد من قولك: سَافَرَ خَالِد. إلى ما لا نهاية كلها هي ما يصدق عليه حد الفاعل فيسمى فاعلاً فيكون داخلاً تحت هذا اللفظ، إذًا [قضية كلية يتعرف منها] يعني من هذه القضية بسببها أحكام جزئيات موضوعها، ما هو الموضوع هنا؟ الفاعل مرفوع، إذًا زيد من قولك: قَامَ زَيْد. فاعل، والفاعل ارفع، كما مر معنا الفاعل يرفع حينئذٍ نقول: زيد فاعل، وكل فاعل مرفوع، إذًا زيد مرفوع، وهكذا فكل لفظ يصح أن يصدق عليه حد الفاعل حينئذٍ تأخذ حكمه وهو الرفع من قولك: الفاعل مرفوع، والمفعول به منصوب.

وهذا يتضح كذلك بقواعد الأصولية مقتضى الأمر للوجوب، أليس كذلك؟ مطلق الأمر للوجوب يدخل تحته ما لا حصر مما يصدق عليه أنه مطلق الأمر، إذًا [قضية كلية يتعرف بها] بسببها [أحكام جزئيات موضوعها]، مَثَّلَ هنا بما يتعلق بالمنطق، ولا يفهم إلا بدراسة ما سيأتي، [كقولنا: كل موجبة كلية تنعكس جزئية] هذه قاعدة، [وكيفية تعريف] أو تَعَرُّف [أحكام الجزئيات أن تقول مثلاً: كل إنسان حيوان موجبة كلية] هذه مقدمة صغرى، [وكل موجبة كلية تنعكس جزئية] هذه مقدمة كبرى، وكل منهما لا بد أن يكون معلومًا [فينتج من الشكل الأول كل إنسان حيوان تنعكس جزئية، وذلك مثل قولك: بعض الحيوان إنسان]، وهذا يعرف بما سيأتي، المراد هنا أن فن المنطق الذي يعينه أربابه إنما هو قواعد، والقواعد المراد بها قضية كلية يتعرف بها أحكام جزئيات موضعها. (تَجْمَعُ مِنْ فُنُونِهِ فَوَائِدَا)، [(تَجْمَعُ) تلك القواعد] كعادتها لأنها إذا لم تجمع لا تكون قاعدة، وإنما تكون قاعدة إذا دخل تحتها عدد كثير، [(تَجْمَعُ) تلك القواعد]، أو تجمع أنت، يجوز أن يكون الخطاب هنا للطالب نفسه (تَجْمَعُ مِنْ فُنُونِهِ فَوَائِدَا)، [(مِنْ فُنُونِهِ) أي المنطق، والجمع للتعظيم] فنون هو فن واحد، جمعه باعتبار ماذا؟ باعتبار تعدد أبوابه، وأطلق على كل واحدة منها فنًا من باب التعظيم. (فَوَائِدَا) الألف للإطلاق كقوله: (قَوَاعِدَا). فيما سبق [(فَوَائِدَا) جمع فائدة وهو] لو قال: هي. لأنه أراد به لفظ (فَوَائِدَا). [ما استفيد من العلم] ما استفيد من مال، أو جاه، أو علم، كل ما كان فيه فائدة يسمى فائدةً، سواء كان في العلم، أو كان في الجاه، أو كان في المال، [والمراد بها الفروع]، يعني: تجمع من فنونه فوائد. ما المراد بالفوائد هنا؟ المراد بها الفروع، يعني: الجزئيات. التي تدخل تحت القواعد، لأن معرفة القواعد لوحدها دون استخراج الجزئيات التي تدخل تحت القاعدة هذا نسخة مكررة، يعني: لا فائدة فيه لطالب العلم، [والمراد بها الفروع المندرجة تحت القواعد أي تجمع القواعد فروعًا وجزئيات من فن المنطق] وهذا واضح، [ويصح عود الضمير في تجمع إلى المخاطب أي تجمع أنت أيها المخاطب، بسبب حفظ تلك القواعد فروعًا من فن المنطق] مع المراعاة، وأما إذا لم تكن مراعاة فلا فائدة فيها البتة، وإنما هي نسخة مكررة تحفظ ولا تستفيد شيئًا.

(سَمَّيْتُهُ بِالسُّلَّمِ المُنَوْرَقِ)، (سَمَّيْتُهُ) أي التأليف المفهوم من السياق) وهو سابق الكلام ولاحقه، يسمى ماذا؟ يسمى سياقًا، يعني: ما تقدم وما تأخر، [(سَمَّيْتُهُ) أي التأليف]، أو المؤلَّف، أو النظم، أو الكتاب، (سَمَّيْتُهُ)، بماذا؟ (بِالسُّلَّمِ) هنا الباء داخلة على مفعول الثاني، وهو جائز، لأن مفعول الثاني من باب سَمَّى يجوز أن يتعدى إليه سمى بالباء، ويجوز إسقاط الباء سميته السلم (سَمَّيْتُهُ بِالسُّلَّمِ) يجوز فيه الوجهان ... (بِالسُّلَّمِ) وأراد بالسلم هنا العلم، لأن اللفظ هنا صار علمًا على مسماه، فالمنطق هناك صار علمًا على مسماه، فهو حقيقة عندهم، [والسلم] في الأصل المعنى اللغوي قبل نقله، وإن كان أراد الناظم الإشارة إلى المعنى، [ما يُصعد به عادة إلى أعلى منه]، السُّلَّم معروف، يعني: تضعه لتصعد على الجدار مثلاً، نقول: الصعود هنا كان بالسلم، إذًا بهذا الكتاب تصعد وتصل إلى فن المنطق إلى إدراكه، [والسلم ما يصعد به عادة]، يعني: في عادة الناس لا العقل، العقل هذا شيء آخر [إلى أعلى منه، فتسميته الكتاب بذلك إشارة إلى أنه يتوصل به إلى أصعب منه من الكتب]، لأن الوصول إلى السطح مثلاً دون سُلَّمٍ فيه صعوبة، أليس كذلك؟ ما يستطيع إلا أن يضع السلم أو يطير، والثاني ممتنع فتعين الأول، واضح؟ فلا بد من السلم (المُنَوْرَقِ) بتقديم النون على الراء كما هو الرواية عن المصنف، ويصح تقديم الراء) على ماذا؟ على النون يصح تقديم الراء، يعني: المرونق، المنورق، المنورق يجوز الوجهان وهما بمعنى واحد، يجوز الوجهان لأنهما بمعنى واحد، [ومعناه المزين المزخرف] سواء قلت: منورق أو مرنوق. لكن المنورق هو الرواية عن الناظم، وإذا كذلك فهو المقدم، [ومعناه المزين المزخرف]. . . . . . . . بِالسُّلَّمِ المُنَوْرَقِ ... يُرْقَى بِهِ سَمَاءُ عِلْمِ المَنْطِقِ

[(يُرْقَى) أي يصعد (بِهِ) أي بهذا التأليف]، أو المؤلَّف، تأليف هذا مصدر مراد به الكتاب أو المؤلف، [(سَمَاءُ عِلْمِ المَنْطِقِ) أي علم المنطق الذي هو كالسماء في الرفعة والشرف]، وهذا فيه مبالغة فيه شيء من المبالغة، [أي: علم المنطق الذي هو كالسماء] هنا شبه المنطق بالسماء السماء لا يمكن أن تصعد إليها إلا بواسطة، حينئذٍ المنطق كذلك لا تصل إليه إلا بسلم [في الرفعة والشرف فالإضافة من إضافة المشبه به للمشبه] المشبه به ما هو؟ السماء، والمشبه؟ هو المنطق، وهو ماذا قال؟ (سَمَاءُ عِلْمِ المَنْطِقِ)، يعني: جعل لعلم المنطق سماءً وأرض، حينئذٍ شبه علم المنطق بالسماء، فأنها عالية كذلك علم المنطق عالٍ شريف فلا يصل إليه إلا بسلم، [ويصح أن تكون السماء مستعارة للكتب المطولة من هذا العلم] يحتمل، [أي يتوصل بها بهذا التأليف إلى ما هو أطول منه من الكتب المؤلفة في ذلك الفن]، يعني: هذا الكتاب مقدمة يعتبر مقدمة كالأجرومية والورقات ونحوها، ولذلك وحده لا يكفي إلا إذا شرح شرحًا موسعًا، بمعنى أنه استوفي فيه كل الفن، حينئذٍ يصح أن يعتكف عليه، وشرح البيجوري يعتبر موسعًا وأوسع ما يكون على السلم، ويمكن الاكتفاء به، شرح البيجوري كذلك الملوي مع حاشية الصبان والتوشيح جيد مع السلم هذا نعم. - - - وَاللهَ أَرْجُو أنْ يَكُونَ خَالِصَا ... لِوَجْهِهِ الكَرِيمِ لَيْسَ قَالِصَا وَأَنْ يَكُونَ نَافِعًا لِلْمُبْتَدِي ... بِهِ إِلَى المُطَوَّلاَتِ يَهْتَدِي [(وَاللهَ) منصوب على التعظيم أي لا غيره كما استفيد من تقديم المعمول (أَرْجُو) أيْ أؤمل منه لا من غيره (أنْ يَكُونَ) ذلك التأليف، (خَالِصَا) من الرياء وحب الشهرة والمحمدة) (لِوَجْهِهِ) أي ذاته). ... (الكَرِيمِ) أي المعطي على الدوام (لَيْسَ) ذلك التأليف (قَالِصَا)، أي ناقصًا بأن لا يعوق عن إكماله عائق، وليس ناقصًا من الثواب والأجر لحب الظهور، فيكون تأكيدًا لما قبله، أو ليس ناقصًا مطروحًا في زوايا الخمول والإهمال بأن لا ينتفع به كما يشعر به ما بعده، والقالص في الأصل اسم لإحدى شفتي البعير الناقصة عن الأخرى، ثم تجوّز به إلى الناقص مطلقًا من استعمال المقيد في المطلق (وَأَنْ يَكُونَ) ذلك التأليف) (نَافِعًا لِلْمُبْتَدِي) الذي أخذ في التعليم ولم يقدر على تصور المسائل، وهذا من التواضع لأنه نافع للمبتدئ ولغيره من المتوسط والمنتهي، ثم بَيَّن ثمر نفعه للمبتدي بقوله: (بِهِ إِلَى المُطَوَّلاَتِ). من الكتب (يَهْتَدِي) أي يتوصل]. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

(وَاللهَ أَرْجُو أنْ يَكُونَ خَالِصَا) اللهَ منصوب على التعظيم، والمراد المنصوب على التعظيم أنه مفعول به، ولكن المعربون يتحاشون لفظ مفعول به، ويقولون: منصوب على التعظيم. أدبًا وإلا هو الذي يصدق عليه حد المفعول به، وإنما يقال: منصوب على التعظيم. من باب التأدب مع الله تعالى (منصوب على التعظيم أي لا غيره كما استفيد من تقديم المعمول)، (وَاللهَ أَرْجُو) الله مفعول به مقدم، (أَرْجُو) هذا عامله متأخر، وتقديم المعمول على العامل قد يؤذن للقصر والحصر، حينئذٍ الله لا غيره وأرجو ... {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} يعني لا أعبد إلا إياه {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، لا أستعين إلا بك، (وَاللهَ أَرْجُو) لا أرجو إلا الله، من أين أخذ هذا الفهم؟ من تقديم ما حقه التأخير، وهو من وسائل القصر والحصر عند البيانيين إثبات الحكم في المذكور ونفيه عن ما عداه، إثبات الحكم في المذكور وهو الله عز وجل، والحكم هو الرجاء والأمل ونفيه عن ما عداه نفي الرجاء عن ما عدا الله عز وجل، فلا يتعلق إلا بخالقه جل وعلا، [(أَرْجُو) أي أؤمل منه لا من غيره. (أنْ يَكُونَ) ذلك التأليف، (خَالِصَا) من الرياء وحب الشهرة والمحمدة] يعني خالصًا مما يبطل العمل، لأن التأليف في العلوم الشرعية وهو يرى أنه من العلوم الشرعية التأليف فيه يكون من الأعمال الصالحة، والأعمال الصالحة لا بد فيها من نية من أجل أن يترتب الثواب على ذلك، فإذا كان ليس ثَمَّ نية فلا أجر، فإذا وجدت النية وخالطها شيء من مفاسد أو عوائق النية، حينئذٍ لا ثواب أو ينقص من الثواب بقدر ما خالطه، [(خَالِصَا) من الرياء وحب الشهرة والمحمدة]، لأن التعليم والتعلم هذا من أعظم الوسائل في السعي إلى الرياء وحب الشهرة والمحمدة، (لِوَجْهِهِ الكَرِيمِ) قال: [أي ذاته]. [(لِوَجْهِهِ) أي ذاته]، وهذا التخصيص إنما أراد به الناظم كغيره لأنه أشعري أراد نفي صفة الوجه عن الله عز وجل، وهذا تحريف وليس بتأويل، لأن الله عز وجل أثبت صفة الوجه له جل وعلا {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27]، إذًا ما دام أن الله تعالى أثبت لنفسه صفة الوجه وهو أعلم بنفسه من غيره، وأثبتها له النبي - صلى الله عليه وسلم - له جل وعلا، وهو أعلم الخلق بربه جل وعلا، فما بالنا نحرف ونبدل عما أراده الله عز وجل، إذًا لوجهه المراد به صفة الوجه، وهي صفة من الصفات الخبرية التي لولا السمع لما وصل العقل إلى إدراكها، بخلاف الحياة مثلاً والوجود، هذا قد يصل العقل إلى إدراكها، ولكن بعض الصفات الخبرية التي لولا السمع لما استطاع العقل أن يصل إليها نقول: هذه صفة خبرية، وهي التي باعتبار الناس أو المخلوق أجزاء وأضعاف، [(الكَرِيمِ) أي المعطي على الدوام (لَيْسَ) ذلك التأليف (قَالِصَا)]، (لَيْسَ) نعم.

(وَاللهَ أَرْجُو أنْ يَكُونَ خَالِصَا ** لِوَجْهِهِ الكَرِيمِ)، إذًا (لِوَجْهِهِ) قوله: لذاته. هذا أراد به تحريف اللفظ، [(لَيْسَ) ذلك التأليف (قَالِصَا)] أي ناقصًا، (بأن لا يعوق عن إكماله عائق)، هذا إذا قدم قبل إتمام الكتاب، (وليس ناقصًا من الثواب والأجر لحب الظهور)، يعني: إذا خالطه نية فاسدة ولم تقضي على النية الصالحة من أصلها، لأن المخالط إما أن يقضي على النية من أصلها فلا ثواب البتة، وإما أن ينقص حينئذٍ يكون حصة بالحصة، [فيكون تأكيدًا لما قبله] (قَالِصَا)، يعني: بمعنى خالصًا. [أو ليس ناقصًا مطروحًا في زوايا الخمول والإهمال، بأن لا ينتفع به كما يشعر به ما بعده]، (لَيْسَ قَالِصَا)، يعني: ليس معربًا عنه، لأن بعض المؤلفات قد تؤلف ولا تذكر تنسى، بل إنها تطمس، يعني: لا تنقل. وهذا لا يطلع في نيته الكاتب، أو العالم لا، وإنما ثَمَّ مزايا لبعض الكتب قد تقدم على غيرها، والمقدم عليه لا يلزم منه أن لا تكون نيته صالحة، قد تكون نيته صالحة لكن وجد في ذلك من السبب الذي يقتضي الاهتمام به ما لا يوجد في غيره، [والقالص في الأصل] المعنى اللغوي، [اسم لإحدى شفتي البعير الناقصة عن الأخرى، ثم تجوز به]، يعني: مجازًا مرسلاً، (إلى الناقص مطلقًا من استعمال المقيد في المطلق)، مقيد هو شفتي البعير الناقصة، هذا مقيد، مطلق مطلقًا، يعني: لم يقيد بالبعير، فكل ما يحتمل النقص قيل فيه: قالص. سواء كان بالبعير أو غيره، فيكون الثاني أعم من الأول. وَأَنْ يَكُونَ نَافِعًا لِلْمُبْتَدِي ... بِهِ إِلَى المُطَوَّلاَتِ يَهْتَدِي [وَأَنْ يَكُونَ) ذلك التأليف] المؤلَّف (نَافِعًا) أن يكون (نَافِعًا) خبر يكون (لِلْمُبْتَدِي) متعلق به أي [الذي أخذ في التعليم] أخذ يعني شرع. أخذ بمعنى شرع، شَرع في التعليم التعلم تعليم تعلم شيئًا فشيئًا، هذا الأصل فيه (ولم يقدر على تصور المسائل) هذا ضابط المبتدئ أنه لا يستطيع أن يضبط المسائل، يعني: إذا قيل له: صور هذه المسألة بَيِّن حقيقتها ما استطاع، بَيِّن حقيقتها لما استطاع ما يدري «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث». ما يدري القلتين، ولا الخبث، ولا .. ، فيُعَلّم القلتان كذا، والخبث كذا، مفهومه كذا، منطوقه كذا، [هذا يسمى ما] (¬1) إذا أدرك هذه المسألة، يعني: فهمها من حيث الألفاظ، ارتقى عن المبتدئ، ما شاء الله [ها ها]، إذا بُيِّنَ له الدليل لحديث ابن عمر وفهمه حينئذٍ صار متوسطًا، إذا ناقش أو عارف بقية الأقوال صار منتهيًا. ¬

_ (¬1) سبق.

[(وَأَنْ يَكُونَ نَافِعًا لِلْمُبْتَدِي) (الذي أخذ في التعليم ولم يقدر على تصور المسائل، وهذا من التواضع]، يعني: من المصنف رحمه الله تعالى (لأنه نافع للمبتدئ ولغيره من المتوسط والمنتهي)، لأن هذه المختصرات خاصة مع شروحها مفيدة للمتوسط والمنتهي، لماذا؟ لما ذكرناه مرارًا، وهو الذي يعرض عنه طلاب العلم الآن يريدون المطولات فتح الباري والمجموع المحلى ويتركون المختصرات من باب الاختصار، فنقول: المختصرات هذه تحوي جمهور مسائل العلم التي يحتاجها طالب العلم، هذه فائدة نفسية جدًا، يعني: لو نظرت في ((الآجرومية)) ما يدور عليه لسان العرب من الأحكام التي يكثر دورانها على الألسنة موجود في ((الآجرومية))، وما يَقِل هو الذي يترك في المختصرات، وكذلك في ((الورقات))، وكذلك في ((الرحبية))، وكذلك في ((النخبة))، كل المختصرات التي عنى واعتنى بها أهل العلم إنما يذكرون ما اشتهر في العلم ويحتاجه بكثرة، وأما الذي يَقِل هذا يُتْرَك من أجل أن نصل إلى كتاب متوسط، وما يندر هذا يذكر في الكتاب الذي هو مطول، ولذلك السلم هذا ليس عبثًا هكذا، وإنما أراده أهل العلم وذكروا في المختصرات الأولية التي هي للمبتدئين المسائل التي يكثر دورانها، وجمهور المسائل تدور عليها، ما قَلَّ يذكر في المتوسط ما كان أكثر قلةً أو ندورًا هذا يذكر في المطولات، من مضى في العلم وأراد أن يراجع العلم وصعب عليه لو أخذ شرحًا موسعًا للآجرومية لاستطاع أن يدرك كثير من المسائل، ولو أخذ شرحًا موسعًا للورقات لاستطاع أن يدرك كثير ... ولو كان منتهيًا، الذي يأخذ مثلاً ((عمدة الفقه)) ويجرد عليه ((العدة)) مثلاً، هذا يدرك كثير من المسائل، لماذا؟ لأنه يكون بعيد عهد، فإذا قرأ حينئذ يستحضر المسائل، لأن ما يُقرأ إما من أجل أن يتعلم، وإما من أجل أن يُعيد، الإنسان ينسى، وإذا نسي حينئذٍ يحتاج ما يذكره، بدلاً من أن يجرد المغني وما يستطيع، حينئذٍ يأخذ ((الزاد)) بـ ((الروض)) مثلاً ويجرده، يأخذ ((عمدة الفقه)) و ((العدة)) ويجرده، حينئذٍ استحضر المسائل إذًا (نَافِعًا لِلْمُبْتَدِي) ولغيره من المتوسط)، وهو الذي أدرك تصور المسألة بدليلها، (والمنتهي) الذي أدرك الخلاف، سواء كان الخلاف المذهبي أو الخلاف الذي يسمى الآن خلاف العالم بين المذاهب الأربعة.

[ثم بَيَّن ثمر نفعه] ثمر أم ثمرة [نفعه للمبتدي]، [ثمرة نفعه للمبتدي]، بقوله: (بِهِ إِلَى المُطَوَّلاَتِ). من الكتب (يَهْتَدِي) أي يتوصل)، (بِهِ) أي بسببه. بسبب هذا النظم السلم، (يَهْتَدِي) هذا متعلق به، به يهتدي به إلى المطولات، به إلى المطولات ظرفان متعلقان بيهتدي، يعني: يتوصل، وهذه فائدة أيضًا كذلك أن يكون هذه المتون وسيلة إلى المطولات، ولذلك النصيحة أن يعتكف طالب العلم على المتن المبتدئ ويقرئه مرة ومرتين وثلاثًا وشرحًا وشرحين وثلاثًا، ثم يدخل ما شاء من كتب المتوسطة والمنتهية، إذا أتقن هذه المختصرات حينئذٍ يسهل عليه العلم، والذي يقع فيه طلاب العلم أنه يدخل إلى الكتب المتوسطة ولم يضبط بعد التي للمبتدئين، هذا هو الخلل عند الطلاب الآن، يأتي إلى ((الْمُلْحة)) و ((قطر الندى)) طيب، ما حال ((الآجرومية))؟ قرأ ((التحفة السَّنِيّة)) مثلاً، من أجل ماذا؟ من أجل أن يُدرك الضُّعف، العجلة هذه أن يدخل في ((قطر الندى)) مباشرة، متى ينتهي ((قطر الندى))؟ متى يقرأ ((الألفية))؟ متى يُدَرِّس؟ متى؟ ما لك هذه ما تلاحظ عند التعلم، وإنما تعتكف على ((الآجرومية)) وتحفظها حفظًا جيدًا بإعرابها، واقرأ عليها أحسن الشروح، ومرة، ومرتين، وثلاث، ثم بعد ذلك تنتقل إلى ((قطر الندى))، إذا جلست ولو سنة في ((الآجرومية)) ((قطر الندى)) لا يأخذ منك ستة أشهر، صحيح، إذا قرأت ((الآجرومية)) في سنة، وهذا كثير لكن من باب التنزل مشغول مثلاً يستطيع أن يقرأها في سنة، إذا أراد أن يقرأ ... ((الملحة)) مثلاً أو ((القطر)) لن يأخذ منه أكثر من نصف سنة .. وهكذا، لماذا؟ لأنه قد ضبط الأصول، تأتيك ((الملحة)) هي ((الآجرومية)) وزيادة، أليس كذلك؟ الأبواب المذكورة في ((الآجرومية)) هي بعينها مذكورة في ((الملحة)) تسلمون أو لا؟ من أوله الكلام الكَلام أقسام الكلم مثنى جمع .. إلى آخره، كل الأبواب زاد بعض الأبواب في الصرف والنسب وجمع التكثير ونحوها، هذه تكون زائدة فينصب طالب العلم حينئذٍ على ماذا؟ على الجديد، والمكرر المعاد يكون فيه من باب التذكير لما سبق، أما إذا جاء، الملاحظ الآن طلاب العلم يقرأ المثنى وحدّه والشواذ وجمع المذكر في ((الآجرومية))، ثم يأتي في ((الملحة)) كأنه يحتاج دراسة جديدة، ما هو المثنى؟ وإشكالات وإذا توسع فيه زيادة على الآجرومية قال: خرج عن الدرس وطوَّل. طيب أنت الآن قرأت ((الآجرومية)) قرأت المثنى حده والشواذ .. إلى آخره، فإذا جئت إلى ((الملحة)) أو ((القطر)) الأصل أنك مراجعة هذا، قل: زدنا، بالعكس، نعم أنت تقول: خفض خفف [ها ها].

وهذا خلل كبير عند طلاب العلم، الطلاب ما شاء الله، يعني: عددكم أنتم الآن الحضور يكفي في مكة يعني، يعني يكون العدد هذا طلاب علم على قوة إن شاء الله تعالى حضور بعد الفجر، وبعد المغرب، وبعد العشاء، هذا يدل على همة إن شاء الله عالية جيدة، ويدل على رغبة، وقوية ليست برغبة ضعيفة، لكن الخلط في المنهجية هو الذي يسبب الانحراف، العجلة والتخلص من المختصرات، والدخول في المتوسطات لم يتقن الكتاب السابق، ما تدخل لا ترضى أن تقرأ كتاب متوسط أو منتهي وأنت لم تضبط الكتاب السابق، فُتح درس دَرَّس فلان لو طلع من قبره من مِن أئمة الدين لا تحضر، نعم صحيح ما دام أنك ما ضبطتَ كتاب المبتدئين تحضر لأي شيء؟ شهوة؟ على كلٍّ (بِهِ إِلَى المُطَوَّلاَتِ يَهْتَدِي) يهتدي به، يعني: بسببه إلى المطولات (من الكتب)، يعني: يتوصل بها. - - - فَصْلٌ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ وَالخُلْفُ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ ... بِهِ عَلَى ثَلاَثَةٍ أَقْوَالِ فَابْنُ الصَّلاَحِ وَالنَّوَاوِي حَرَّمَا ... وَقَالَ قَوْمٌ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَا وَالقَوْلَةُ المَشْهُورَةُ الصَّحِيحَهْ ... جَوَازُهُ لِكَامِلِ القَرِيحَهْ مُمَارِسِ السُّنَّةِ وَالكِتَابِ ... لِيَهْتَدِي بِهِ إِلَى الصَّوَابِ [(فَصْلٌ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ) أي وعدمه. واعلم أن المنطق قسمان: قسم خال عن شبه الفلاسفة كهذا الكتاب و ((مختصر الإمام السنوسي))، ((وتأليف الكاتبي)) فهذا لا خلاف في جوازه، ولا يصد عنه إلا من لا معقول له، بل هو فرض كفاية لأن القدرة على رد شبه الفلاسفة لا تحصل إلا به، وردها فرض كفاية، وما يتوقف عليه الواجب واجبٌ. القسم الثاني: مختلط بشبه الفلاسفة، وهذا هو الذي جرى في الاشتغال به خلاف. والمصنف لما أراد أن يذكر حكم القسم الأول الذي أراد تأليف الكتاب فيه جره ذلك إلى ذكر حكم المنطق مطلقًا، فحكى الخلاف الواقع في القسم الثاني إلا أنه أطلق فيجب تقييد كلامه به. (وَالخُلْفُ) أي الاختلاف، (فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ ** بِهِ) أي بالمنطق جار (عَلَى ثَلاَثَةٍ) بالتنوين (أَقْوَالِ) بدلٌ من ثلاثة (فَابْنُ الصَّلاَحِ وَالنَّوَاوِي) نسبةً إلى نوى على غير قياس، والقياس حذف الألف (حَرَّمَا) أي الاشتغال به، وتبعهما على ذلك قومٌ من المتأخرين لأنه لا يؤمن على الخائض فيه من أن يتمكن في قلبه شبهةٌ فيزل بها (وَقَالَ قَوْمٌ) منهم الغزالي) (يَنْبَغِي) أي يجب كفايةً أو يستحب (أَنْ يُعْلَمَا) حتى قال الغزالي: من لا معرفة له بالمنطق لا يوثق بعلمه، وسماه معيار العلوم، ... (وَالقَوْلَةُ المَشْهُورَةُ الصَّحِيحَهْ ** جَوَازُهُ) أي الاشتغال به (لِكَامِلِ القَرِيحَةْ) أي ذكي الفطنة، (مُمَارِسِ السُّنَّةِ وَالكِتَابِ) فيجوز له (لِيَهْتَدِي بِهِ إِلَى الصَّوَابِ) ضد الخطأ، لأنه قد حصن عقيدته، فلا يخشى عليه من الخوض في الشبه، فإن كان بليدًا أو ذكيًا ولم يمارس السنة والكتاب لم يجز له الاشتغال به، لأنه لا يؤمن عليه من تمكن بعض الشبه من قلبه كما وقع للمعتزلة، ومن هنا منعوا الاشتغال بكتب علم الكلام المشتملة على تخليطات الفلاسفة إلا لمتبحر.

ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ قال الناظم رحمه الله تعالى: (فَصْلٌ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ) هذا ما يتعلق بحكم المنطق، حكم المنطق هذا أشبعنا فيه كلام في مقدمة الكوكب الساطع يعني نختصر هنا من أراد التوسع فليذهب إلى ما ذكرناه هناك (فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ) يعني بالمنطق. [أي وعدمه]، يجوز أو لا يجوز؟ لأنه ذكر من حرم، إذًا يقابل الجواز المنع. [(فَصْلٌ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ) أي وعدمه. واعلم]، من باب التنبيه [أن المنطق قسمان]، المنطق من حيث هو العلم السابق قسمان (قسم خال عن شبه الفلاسفة) الشبة شُبَهِ جمع شبة والشبة هي فعلة مما يشتبه على الناس، يعني: مما فيه إلباس من الاشتباه. الاشتباه هو الإلباس، [قسم خال] يعني صافٍ. [عن شبه الفلاسفة كهذا الكتاب]، السلم، ولذلك ذكر بعضهم أن الأخضري نظم إيساغوجي وليس ببعيد، يعني: من قارن هذا وذاك يجد أنه لا فرق بينهما، فكونه نظم ايساغوجي، وايساغوجي يعتبر من هذا الصنف، يعني القسم الخالي عن شُبَهِ الفلاسفة.

[و ((مختصر الإمام السنوسي))] كذلك موجودٌ مطبوع، ((وتأليف الكاتبي)) الذي يُسمى بـ ((الشمسية)) هو موجود وله نظم، فهذا النوع الذي وُجد في هذه الكتب وما شاكلها كتب المتأخرين [لا خلاف في جوازه]، يعني: لم يختلف فيه أهل العلم، لأنه يجوز دراسته أم لا، وإنما وقع إجماع، وهذا كذلك ذكره الشيخ الأمين صاحب ((الأضواء)) في مقدمة الآداب، آداب البحث والمناظرة ما طُبع سابقًا بالمقدمة المنطقية [ولا يصد عنه إلا من لا معقول له]، يعني: لا يصد عن هذا النوع إلا من لا عقل له، [لا معقول له]، يعني: لا ينظر في المعقولات، وإنما هو جامدٌ، لكن هذا الكلام فيه، [بل هو فرض كفاية]، [بل] للإبطال والانتقال، يعني: ما سبق (هو) أي هذا النوع الخالي عن شبه الفلاسفة [فرض كفايةٍ] يعني إذا فعله بعض سقط عن الآخرين، وإذا تركه الكل أثموا، كالشأن في سائر فروض الكفايات كصلاة الجنازة، والدفن، وغسل، ونحوها هذا يعتبر من فروض الكفايات، إذا فعله البعض سقط عن الآخرين، إذا ترك الكل حينئذٍ نقول: هذا يترتب عليه اسم الجميع ما وجهه كونه فرض كفاية، لأن المنطق نحن نعلم أن هناك من حرمه، فالقول بأنه مستحب هذا فيه إشكال فكيف تجعله فرض كفاية؟ قال: [لأن القدرة على رد شبه الفلاسفة لا تحصل إلا به]. بمعنى أنه صار وسيلة للدفاع عن الشريعة، ومعلومٌ دين الفلاسفة ومصادته ومضادته للشريعة، إذًا إذا توقف رد دين الفلاسفة بهذا الفن، حينئذٍ نقول: ما حكم رد شبه الفلاسفة؟ واجب، أليس كذلك؟ واجب قطعًا، وهم لا يؤمنون ولا يسلمون بكتابٍ وسنة، قال الله، وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ما عندهم هذا الكلام، عندهم: قياس استثنائي، وقياس اقتراني، والشكل الأول، الشكل الثاني. كيف ترد عليه؟ ترد عليهم بمنطقهم، يعني: بلسانهم، حينئذٍ إذا لم يمكن الرد عليهم إلا بتعلم هذا العلم ورَدُّه، وَرَدُّ باطلِهم واجب، إذًا القاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجبٌ، إذًا من اعتمد في إثبات العقائد على فن المنطق أو قواعد الفلاسفة، وعندهم من الباطل ولم نتمكن من رد باطله إلا بهذا العلم صار مشروعًا، وهذه قاعدة لا بأس بها وتقرير سليم، بأن يقال بأنه مشروعٌ لرد باطل أهل التحريف والتأويل، لأنهم لا يسلمون بدلالات الألفاظ من الكتاب والسنة، إذا كان كذلك حينئذٍ نقول: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، [لأن القدرة على رد شبه الفلاسفة لا تحصل إلا به]، يعني: بهذا الفن، [وردها فرض كفاية، وما يتوقف عليه الواجب واجبٌ]، هذا استدلالٌ أصوليٌ جيد لا بأس به هذا القسم الأول، قسمٌ خالٍ عن شبه الفلاسفة ولا بأس به، يعني: من حيث تعلمه بل ذهب بعضهم إلا أنه فرض كفاية إذا توقف عليه رد الباطل.

الثاني: [القسم الثاني] المختلط [مختلط بشبه الفلاسفة]، يعني: فيه حقٌ، وفيه باطل، قال: [وهذا هو الذي جرى في الاشتغال به خلاف]. إذًا الأول لا خلاف في تعلمه، والثاني الذي فيه شبه الفلاسفة هو الذي وقع فيه خلاف، فقول الأخضري هنا: (فَصْلٌ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ). هذا الفصل ليس موضعه هنا، لأن هذا الفن الذي ألف فيه، وهذا القسم الذي ألف فيه الأخضري ليس من القسم المختلف فيه، بل هو الجائز بل ادعي الإجماع عليه، إذا كان كذلك كيف يقال: (فَصْلٌ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ) وعدمه؟ هذا فيه نظر، [وهذا هو الذي حرى في الاشتغال به خلاف. والمصنف] أراد أن يعتذر الإمام ذكر هذا الفصل والأولى حذفه، قال: [والمصنف لما أراد أن يذكر حكم القسم الأول] الجائز [الذي أراد تأليف الكتاب فيه جره ذلك إلى ذكر حكم المنطق مطلقًا، فحكى الخلاف الواقع في القسم الثاني إلا أنه أطلق فيجب تقييد كلامه به]. (وَالخُلْفُ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ ** بِهِ)، يعني: بالمنطق ليس مطلقًا، وإنما هو في المنطق المشهوب بشبه الفلاسفة، وقرر في آخر الأبيات بأنه يجوز الاشتغال به لكامل القريحة، إذًا الخالي من شبه الفلاسفة من بابٍ أولى وأحرى، فدل بالنص على جواز الاشتغال بالمختلط، لكن بشرطه، ودل بدلالة التضمن، لأنه إذا جاز المختلط من بابٍ أولى أن يجوز الخالي، دل بدلالة التضمن على جواز هذا النوعي، [(وَالخُلْفُ) أي الاختلاف (فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ ** بِهِ) أي بالمنطق، جار (عَلَى ثَلاَثَةٍ) بالتنوين (أَقْوَالِ))، (ثَلاَثَةٍ أَقْوَالِ)]. وَالخُلْفُ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ ... بِهِ عَلَى ثَلاَثَةٍ أَقْوَالِ

[(ثَلاَثَةٍ) بالتنوين (أَقْوَالِ) بدلٌ من ثلاثة]، (فَابْنُ الصَّلاَحِ) الفاء فاء الفصيحة، ابن الصلاح أبو عمرو رحمه الله تعالى عثمان ابن الصلاح، (وَالنَّوَاوِي) معلوم أن النووي رحمه الله تعالى أبو زكريا، (نسبةً إلى نوى) هذه قرية من قرى الشام (على غير قياس، والقياس حذف الألف) لأنه مثل فتى نوى، فَتى فتويٌ نوويٌ نواوي الألف هذه شاذة، قيل: أنه من باب الوزن. وقيل: من باب إشباع الحركة. على كلٍّ من حيث القياس الصرفي هذا غلط ليس بصحيح نووي فتوي مثله، (حَرَّمَا) الألف هذه فاعل يعود إلى ابن الصلاح والنووي، [(حَرَّمَا) أي الاشتغال به، وتبعهما على ذلك قومٌ من المتأخرين] لماذا حرموا ذلك؟ يعني: المختلط، [لأنهم لا يؤمن على الخائض فيه من أن يتمكن في قلبه شبهةٌ فيزل بها] نعم هو كذلك، وهذا حكم عام في سائر كتب أهل البدع المشتمل على حقٍ وباطل لا يجوز لمسلمٍ أن يفتح كتابًا منها البتة إلا إذا كان عالمًا بالبدعة من السنة والسنة من البدعة، إذًا (فَابْنُ الصَّلاَحِ وَالنَّوَاوِي)، والنسبة على نوى على غير قياس يعني قرية من قرى الشام، والقياس حذف الألف كفتى وفَتَوِيٌّ، هنا قال: فتاوي، ويحتمل زيادة الألف هنا للإشباع أو للوزن ورُدّ، ((حَرَّمَا) أي الاشتغال به)، هنا يحرم أن يشتغل به المسلم، [وتبعهم على ذلك] التحريم [قوم من المتأخرين]، شددوا النكيرة على من تكلم في المنطق أو أنه ألف أو نحو ذلك، السيوطي له مؤلفٌ في ذلك، [لأنه] التعليل علة التحريم، [لأنه لا يؤمن على الخائض فيه من أن يتمكن في قلبه شبهةٌ] من شبه الفلاسفة لو قرأ كتب الفلاسفة قد يقع في قلبه شيءٌ من تلك البدعة، حينئذٍ يزل بها، وإذا كان كذلك ما كان وسيلةً إلى محرم فهو محرم كما ذكر في السابق في النوع الأول ما كان وسيلةً إلى الواجب فهو واجب، وما كان وسيلةً إلى محرم فهو محرم. إذًا إذا لم يمكن ترك المحرم كشبه الفلاسفة إلا به فحينئذٍ يكون محرمًا. فما به ترك المحرم يُرى ... وجوب تركه جميع من درى فما به ترك المحرم يرى ** وجوب تركه .. ، إذًا يجب ترك تعلم المنطق الذي هو مشوب، وإذا كان كذلك فعله يكون محرمًا، واضح هذا، و [الضرر يزال]، «لا ضرر ولا ضرار». ... [الضرر يزال] سواء كان الضرر متعلقًا بباب المعتقد أو بباب العبادات أو بسائر أنواع ما يتعلق بأمور الدنيا فالضرر يزال هي قاعدة عامة، وهذا منه ضرر ولا إشكال فيه.

((وَقَالَ قَوْمٌ) منهم الغزالي) أبو حامد صاحب ((الإحياء)) إحياء علوم الدين، وبعضهم سماه: إماتة علوم الدين، لما فيه من الأحاديث الضعيفة ونحوها، [(يَنْبَغِي) أي يجب كفايةً أو يستحب]، (يَنْبَغِي) الأصل أنها يطلق عند كثيرٍ من الفقهاء مرادفةً للمستحب، ينبغي فعل كذا، لا ينبغي فعل كذا، ينبغي فعل كذا في المستحب، لا ينبغي فعل كذا في المكروه، ولذلك قال: (يَنْبَغِي). حملوه على الاستحباب وهو أقل ما يحمل عليه، وفسره بعضهم بالوجوب، لأنه علل بتعليلٍ يدل على أنه واجبٌ (يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَا) الألف هذه للإطلاق، [حتى قال الغزالي: من لا معرفة له بالمنطق لا يوثق بعلمه] هذا باطل، [من لا معرفة له بالمنطق لا يوثق بعلمه]. كأن المراد به علم الرَّدِّ على المخالفين فما توقف على المنطق لا بد منه، يكون رده فيه شيءٌ من الضعف، وما عدا ذلك من ما لا ينبني عليه رد شبه أهل البدعة، حينئذٍ هذا كلام باطل مردودٌ عليه، وهذا جهلٌ، [من لا معرفة له بالمنطق لا يوثق بعلمه، وسماه معيار العلوم]، يعني: ميزان العلوم الذي توزن به، إذًا هذا قولٌ آخر. الأول: التحريم. والثاني: الوجوب أو الاستحباب. فهما متقابلان، لكن هذا يقول: ليس بمشروع، وهذا يرى أنه مشروع، والتفصيل الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى هو الجدير بالقبول، يُفَصّل: من كانت عنده أهلية النظر في كتب أهل البدع من الفلاسفة أو غيرهم فلا بأس. ومن لم يكن كذلك فالأصل المنع، لماذا؟ لأن الوقوع في الشبهة ومزالق الشبه والبدع هذا محرم، وما لا يتم ترك المحرم إلا به فحينئذٍ تركه واجب وفعله يعتبر محرمًا، وهذه قاعدة عامة، لذلك النظر في كتب أهل البدع على هذا المنوال، وهذه حجة السلف فيما سبق في تزهيد أو التحذير من كتب أهل البدعة.

(وَالقَوْلَةُ) أي المقولة. (وَالقَوْلَةُ المَشْهُورَةُ الصَّحِيحَهْ ** جَوَازُهُ) مشهورةً، إذًا هي معروفة عند أهل العلم، وهي الصحيحة لأنها موافقةٌ لدليل صحيح فالقول القائم على دليلٍ صحيح يكون قولاً صحيحًا، (جَوَازُهُ) أراد به الإذن، لأن الجواز عند الأصوليين وكذلك الفقهاء يطلق في مقابل المنع، وإذا أطلق في مقابل المنع فما أذن به وفيه إمَّا أن يكون على وجه الإيجاب، أو الندب، أو الاستواء، وهو لم يرد الثاني الاستواء، وإنما أراد ما يقابل المنع من حيث الإجابة والندب، يعني: قد يكون واجبًا، وقد يكون مستحبًا. فإذا كان هذا الكتاب مشتملاً على بدع وضلالات، وأراد الناظر أو أراد أن يرد على ما فيه يتعين، إذا لم يتمكن إلا عالمٌ واحد من الرد عليه، حينئذٍ إذا تعينوا عليه يكون فرض عين أن ينظر في هذا الكتاب صار واجبًا، صار النظر في كتب أهل البدع صار واجبًا بخصوص هذا الشخص، ومن عداه يكون مستحبًا من أجل الوقوف على البدعة ومعرفة ما استندا عليه، (جَوَازُهُ) إذًا عرفنا المراد بالجواز هنا أراد به الإذن، ويصدق حينئذٍ بالوجوب والندب، وليس مراده استواء الطرفين لماذا؟ لأنه قال: (لِيَهْتَدِي بِهِ إِلَى الصَّوَابِ). وهذا إنما يكون أقل أحواله الاستحباب، ولا يكون مستوي الإذن [(جَوَازُهُ) أي الاشتغال به]، يعني: بالمنطق (لِكَامِلِ القَرِيحَةْ)، يعني: القريحة الكاملة أي (لِكَامِلِ القَرِيحَةْ)، يعني: لشخصٍ كامل القريحة أي الكامل أي القريحة الكامل، يعني: [ذكي الفطنة]، يعني: لا يلتبس عليه الحق بالباطل، لأن عندهم شبه وهذه الشبه قد تلتبس على من ينظر فيها بادئ الرأي، بمعنى أن عندهم عقل ومنطق ويلزم ولازم، الذي يقرأ هذا الكلام يقول: من وين جابوا هذا؟ هل هؤلاء بشر أم لا؟ فحينئذٍ نقول: قد يلتبس عليه الأمر فلا يفطن لما عندهم، (مُمَارِسِ السُّنَّةِ وَالكِتَابِ) يعني مزاول، (السُّنَّةِ وَالكِتَابِ) لماذا يمارس السنة والكتاب؟ لأن الحق الذي في هذه الكتب يكون موافق الكتاب والسنة، وما خالف الكتاب والسنة، ونحن حديثنا في باب المعتقد يكون ماذا؟ يكون باطلاً، فالميزان هو الكتاب والسنة، فما جاء به الشرع فهو الحق، وما قابله فهو الباطل، حينئذٍ لا بد أن بكون عالمًا بمدلولات الكتاب والسنة عقائد في باب المعتقدات وعبادات في باب ما يقابل العقائد، فيجوز له (لِكَامِلِ القَرِيحَةْ)، لماذا؟ قال: (لِيَهْتَدِي). . . . . . . . . . . . . ... جَوَازُهُ لِكَامِلِ القَرِيحَةْ مُمَارِسِ السُّنَّةِ وَالكِتَابِ ... لِيَهْتَدِي. . . . . . . . هذا تعليلٌ للجواز، يعني: لما جاز؟ فيجوز له (لِيَهْتَدِي)، توصل (بِهِ إِلَى الصَّوَابِ) إلى القول الصواب [ضد الخطأ]، لأنه حينئذٍ بممارسة الكتاب والسنة [قد حصن عقيدته، فلا يخشى عليه من الخوض في الشبه] نعم لا يخشى عليه من الخوض في الشبه من أجل ردها لا من أجل الوقوف عليها فحسب، لأن هذا لا يكفي إلا إذا كان من باب العلم بما يقابل الحق ومن باب أن لا يقع فيه الشخص، [فإن كان] حينئذٍ له محترز (لِكَامِلِ القَرِيحَةْ)، إذًا من لم يكن كامل القريحة الذي نُصّ ونُصّ هذا ما يجوز له أن يشتغل، الذي ليس عنده

ذهن وقاد لا يجوز له أن ينظر في كتب أهل البدع، حتى في باب الأشعرية والمعتزلة والفلاسفة كلهم، ما ألفوه في باب المعتقد من لم يكن ذكيًّا كامل القريحة لا يجوز له النظر، لأنه يشتبه عليه، لأن الذي لا يشتبه لا يكتفي بدلالات الكتاب والسنة فحسب لا بد أن يجمع عليه شيء آخر، إذًا من لم يكن كامل القريحة لا يجوز له النظر في كتب أهل البدع، لو كان ذكيًّا من أذكياء الدنيا ولم يكن ممارس للكتاب والسنة لا يجوز له كذلك النظر، لو كان كامل القريحة ولم يكن ذا علمٍ كاملٍ بالكتاب والسنة حينئذٍ نقول: لا يجوز له، [فإن كان بليدًا] هذا مقابل (لِكَامِلِ القَرِيحَهْ) [أو ذكيًا ولم يمارس السنة والكتاب لم يجز له الاشتغال به، لأنه لا يؤمن عليه من تمكن بعض الشبه من قلبه كما وقع للمعتزلة]، المعتزلة أرادوا أن يردوا على الفلاسفة، هم رَدَّوا، وأرادوا أن يردوا على الفلاسفة فوقع عندهم شيءٌ من باب المعتقد، وكذلك الأشاعرة ردوا على المعتزلة وقع عندهم شيءٌ من الاعتزال، [ومن هنا منعوا الاشتغال بكتب علم الكلام المشتملة على تخليطات الفلاسفة إلا لمتبحر] متبحر، يعني: في الكتاب والسنة، إذًا ... (وَالخُلْفُ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ)، يعني: بعلم المنطق فيه اختلاف، لكن نفسر هنا الخلاف في القسم الثاني، يعني: القسم الذي هو مشوبٌ بشبه الفلاسفة حينئذٍ وقع فيه خلاف، المنع الإذن على جهة الإيجاب أو الاستحباب التفصيل إن كان سليم المعتقد عالمًا بالكتاب والسنة كامل القريحة لا يلتبس عليه أمر جاز، وإلا فالمنع، وأما القسم الأول الذي هو خالٍ عن شبه الفلاسفة فهذا لا خلاف في جوازه، وإنما حذر منه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى من باب التزهيد فيه لأنهم عظموه جعلوه أصلاً إلى آخر ما يذكره كثيرٌ رحمه الله تعالى، إذًا هذا فصلٌ في جواز الاشتغال به، والله أعلم. وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أسئلة: س: ما صحة قول من قال: المنطق لا يستفيد منه الذكي ولا يفهمه الغبي؟ وما معناه؟

ج - معناه واضح، وهذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، على كلٍّ خالفه غيره والصحيح هو أنه لا بأس أن يدرسه طالب العلم ويستفاد منه في الرد على أهل البدعة، بل هو رحمه الله تعالى كثير من المواضع في ردوده على الأشاعرة وعلى المعتزلة لما ردّ عليهم بهذا المنطق، وقول من يقول من المعاصرين أنه لم يرد عليهم من الكتاب والسنة، هذا يكذبه الواقع تفتح كتب شيخ الإسلام تجده من أوله إلى آخره النقاش معهم إنما يكون في إبطال أدلتهم، وهذا أهم شيء لأنه لا يُسلم، يعني: قاعدة الأشعرية أن دلالات الكتاب والسنة لفظية، وهي محتملة، إذًا لا تؤخذ القواعد منها، أو العقائد، إنما العقائد لا بد من اليقين لا بد من القطع، ودلالات الكتاب والسنة، القرآن كله من أوله إلى آخره محتمل، عندهم عشر احتمالات للرازي تأتينا في الأصول إن شاء الله تعالى، حينئذٍ لما ورد الاحتمال بطل به الاستدلال في باب العقائد إذا كان كذلك كيف نرد عليهم؟ وإنما أسسوا عقائدهم على العقل، وأخذوا مادة المنطق وطبقوها من حيث المقدمات والنتائج، نرد عليهم بإفساد إما هذا القياس أنه قياسٌ فاسد مثلاً، أو يكون القياس صحيحًا في نفسه في المقدمتين، لكن النتيجة تكون فاسدة، وهذا أشد وأمكن في إبطال مذهبهم وأما أن ترد عليه بقوله تعالى هو لا يُسَلِّم بهذا، قال - صلى الله عليه وسلم -، هو لا يسلم بهذا، حديث متواتر يقول: ليس بمتواتر يحتمل ويحتمل وَيحتمل .. إلى آخره، ولذلك أتوا .. «إن الله ينزل في السماء الدنيا».

أولوا ينزل رحمته، إذًا ما استفدنا شيء من كونه حديثًا متواترًا، وليس هذا تزهيد في الكتاب والسنة حاشا وكلا، وإنما المراد أن أولئك الأقوام لم يؤمنوا الإيمان الكامل بالكتاب والسنة، كيف نصنع معهم؟ لا بد أن نرد عليه بسلاحهم، وهذا أفضل ما يمكن أن يبطل به، أو آكد ما يمكن أن يبطل به مذهبهم، حينئذٍ نستفيد من هذه الفائدة، كذلك تستفيد منه فهم كلام شيخ الإسلام كم وَكم وكم من يقرأ ولم يكن متقنًا للفن المنطق يلتبس عليه بعض الأشياء في كلامه رحمه الله تعالى، ثَمَّ مصطلحات حتى في ((التدمورية)) وهي من الكتاب الذي يَشْتَهَر تدريسه، ثَمَّ هناك خلط نسمع بعض من يشرح هذا الكتاب لعدم علمه بهذا الفن، إذًا كيف نفهم كلام شيخ الإسلام؟ وكيف نُدَرِّدَسَهُ إذا لم يكن عندنا؟ أقل الأحوال أن يكون عندنا دربة بـ ((السلم)) وأوسع الشروح، لا نقول نتوسع فيه كما هو التوسع يكون في السنة، أو التفسير، أو الأصول، لا ليس هذا المراد، إنما المراد أن يدرسه كتاب أو كتابين ثلاث بالكثير، وإذا اكتفى بالسنة مع التوشيح هذا يكفيه، ثم إذا أشكل عليه حينئذٍ يرجع إلى الكتب المطولات للاستفادة منها، كذلك كتب أصول الفقه وبعض المسائل التي يذكرها النحاة، أو الصرفيون، أو البلاغيون بنوه على بعض المسائل المنطقية من حيث الاصطلاح، كيف تفهمها؟ صارت الحاجة إليه ماسة، فلا بد من تعلمه، لا بد من تعلمه للرد على أهل البدع، لفهم كلام شيخ الإسلام، بل إذا أراد أن يقف على كلامهم في باب المعتقد وأردت أن تقرأ في شروحات الجوهرة مثلاً لن تفهم إلا إذا فهمت المنطق على وجهه، إذًا الرد عليهم فهم كلام شيخ الإسلام فهم كثير من المسائل التي يعتني بها الأصوليون من حيث التقرير والتقعيد، إذا كان كذلك حينئذٍ لا بد من تعلمه، الشوكاني رحمه الله تعالى له كلام جميل ونقلناه في مقدمة ((الكوكب الساطع))، والشيخ الأمين كذلك في مقدمة ((آداب البحث المناظر)) له كلام نفيس جيد، ويرى أنه مجمعٌ عليه بالجواز وأنه لا بد منه وأنه سلاح للدفاع عن عقيدة أهل السنة والجماعة، وإذا كان كذلك حينئذٍ العلماء بشر وليسوا بمعصومين يوزن كلامهم بالكتاب والسنة، فما وافق قبل وما لم يوافق حينئذٍ يكون فيه شيء من النظر، الله أعلم. وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد. - - -

3

عناصر الدرس * فصل في أنواع العلم الحادث. * فصل في أنواع الدلالة الوضعية. فَصْلٌ فِي أنْوَاعِ العِلْمِ الحَادِثِ المراد بالعلم هنا مطلق الإدراك، لا إدراك النسبة التصديقية فقط كما هو اصطلاح بعض الأصوليين ليصح انقسامه إلى التصور والتصديق الآتيين. الْحَادِث تقييد للعلم لإخراج علمه تعالى فإنه لا يتنوع، ولأن العلم مفسرٌ بالإدراك الذي هو وصول النفس إلى المعنى، وذلك يشعر بسبق الجهل تنزه الله عنه، ولأن التصور الآتي مفسرٌ بحصول الصورة في النفس، وهو من خواص الأجسام، فلا يوصف علمه تعالى بالتصور ولا بالتصديق لإيهام ما لا يليق مع أن ذكر الأنواع مخرجٍ للعلم القديم، فالجمع بينه وبين الحادث للتوكيد. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد. قال الناظم رحمه الله تعالى: (فَصْلٌ فِي أنْوَاعِ العِلْمِ الحَادِثِ) التي هي أربعة كما يُعْلَم من استقصاء كلامه رحمه الله تعالى كما هو معلومٌ في موضع كلام المناطقة في هذا المحل، العلم عندهم علم تصور وعلم تصديق، وكلٌّ منهما إما نظري أو ضروري، علم تصور نظري، وعلم تصور ضروري هذان قسمان، وعلم تصديق نظري، وعلم تصديقٍ ضروري، القسمة حينئذٍ تكون رباعيةً. (أنْوَاعِ العِلْمِ الحَادِثِ)، (الحَادِثِ) أراد به أن الكلام في العلم الذي هو صفةٌ للمخلوق، وأما علم الخالق جل وعلا فلا ينقسم إلى تصور ولا تصديق ولا يوصف بكونه ضروريًّا ولا نظريًّا، لأن الصفات توقيفية، هذا الأصل فيها وإن كان الناظم أو الشارح قد وجه توجيهًا آخر، لكن الأصل في الصفات أنها توقيفية فما لم يرد الوصف فالأصل فيه التوقف، وأما قوله: (أنْوَاعِ). هل يخرج علم الله تعالى أم لا؟ هذا على نزاعٍ عند الأشاعرة، وقد ذكر أنه مما يحترز به عن علم الله تعالى، لأنه لا يتنوع، وظاهر الكتاب والسنة أن علم الله تعالى يتنوع باعتبار المعلوم، لأن العلم بزيد ليس كالعلم بعمرو، والعلم بعمرو ليس كالعلم بغيره.

(فَصْلٌ فِي أنْوَاعِ العِلْمِ الحَادِثِ) قال: [المراد بالعلم هنا]. أي في هذا الموضع. لأن العلم كغيره من المصطلحات التي يتداولها أرباب الفنون، فالعلم عند الأصوليين مغاير للعلم عند المناطقة، مغايرٌ للعلم عند أهل اللغة، لكن الأصل هو في فهم الكلام العربي هو استعمال أهل اللغة، ومر معنا أن الأصل في العلم أنه الإدراك، مطلق الإدراك، وعرفنا معنى الإدراك، وهو وصول النفس إلى المعنى بتمامه، وهذا هو معنى المعرفة كذلك، لذلك أكثر أهل اللغة على أن العلم والمعرفة مترادفان، لأن الإدراك يوصف بكونه معرفةً، ويوصف بكونه علمًا، والمعنى هنا في هذا الموضع فلا يحمل العلم على المعنى الأصولي، لأن العلم عند الأصوليين المراد به التصديق الجازم، هذا المراد به، إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا، إنما يكون كذلك إذا كان تصديقًا جازمًا، ومر الآن أن العلم يتنوع إلى تصور وإلى تصديق، لذا خصصنا العلم بالتصديق حينئذٍ خرج التصور، وليس هذا المراد، لأنه أراد أن يقسم العلم إلى تصور وتصديق، ولا يتأتى هذا التقسيم إلا إذا جعلنا العلم بمعنى الإدراك، [المراد بالعلم هنا] يعني في هذا الموضع ويتعين، ... [مطلق الإدراك]، وعرفنا أن الإدراك هو وصول النفس إلى المعنى بتمامه، وصول النفس يعني القوة العاقلة إلى المعنى، والمعنى هو مدلول اللفظِ سواءٌ كان اللفظ مفردًا أو مركبًا ليشمل التقسيم أو النوعين التصور والتصديق وقوله: [مطلق الإدراك]. ليدخل فيه الجازم وغير الجازم، فلا يختص الإدراك هنا بالجازم، كما هو الشأن عند الأصوليين، وكذلك المطابق للواقع وغير المطابق يعني مطلق الإدراك بقطع النظر عن وصفٍ آخر البتة سواءٌ كان جازمًا أو لا، سواءٌ كان مطابقًا للواقع أم لا، [مطلق الإدراك، لا إدراك النسبة التصديقية فقط كما هو اصطلاح بعض الأصوليين] في تفسير العلم، ما معنى العلم؟ يختلفون يحد أو لا يُحَد، ومن حده قال: بأنه كذا وكذا. نقول: هذا اصطلاح، ولذلك أكثر ما يذكر في تعريف العلم إنما هو اصطلاح وليس هو المرجع إلى لسان العرب، وأما لسان العرب هو الذي ذكرناه. العلم إدراك المعاني مطلقًا ... وحصره في طرفين حققا إذًا [لا إدراك النسبة التصديقية فقط]، وسيأتي معنى النسبة [كما هو اصطلاح بعض الأصوليين] لماذا فسرنا العلم هنا بالإدراك مطلق الإدراك لا النسبة التصديقية؟ [ليصح انقسامه] أي العلم، [إلى التصور والتصديق الآتيين]، وهذا اصطلاح المناطقة أن العلم ينقسم إلى تصور وإلى تصديق، وهذا التصور إنما هو مفرد ليس بتصديق، وإذا خصصنا العلم بالتصديق حينئذٍ أخرجنا النوع الأول وحصل عندنا اضطراب فكيف نقول: العلم هو إدراك النسبة التصديقية، ثم نقول: العلم ينقسم إلى التصور والتصديق؟ وهذا فيه تناقض، إذًا لا بد أن نفسر العلم بمطلق الإدراك يعني وصول النفس إلى المعنى، أيًّا كان هذا المعنى، سواءً كان مدلول لفظٍ مفرد، أو مدلول لفظٍ مركب.

[(الحَادِثِ) تقييد للعلم] لعله هو الحادث، والحادث يعني اللفظ المذكور في الترجمة (فَصْلٌ فِي أنْوَاعِ العِلْمِ الحَادِثِ) عرفنا العلم ثم الأنواع ثم يأتي التقيد هنا ذكر قيدين، أنواع وهذا مضاف، والعمل مضاف إليه، وهذا تقييد يعتبر، والحادث، [الحادث تقييد للعلم] لماذا؟ [لإخراج علمه تعالى فإنه لا يتنوع]، كونه لا يتنوع إن كان المراد به إلى تصديق وتصور فنعم، وإن كان في نفسه لا يتنوع يعني لا يتعدد باعتبار المتعلق، وهذا فيه نظر، [ولأن العلم مفسرٌ بالإدراك] يعني معنى العلم هو الإدراك، [الذي هو وصول النفس] يعني المدركة، [إلى المعنى] سواء كان المعنى مدلول لفظٍ مفرد، أو مدلول لفظٍ مركب، بتمامه، لا بد من هذا القيد، بتمامه ليُخرج الشعور فإنه ليس داخلاً في العلم، [وذلك] أي تفسير العلم بالإدراك. [يشعر بسبق الجهل تنزه الله عنه، ولأن التصور الآتي مفسرٌ بحصول الصورة في النفس، وهو من خواص الأجسام، فلا يوصف علمه تعالى بالتصور ولا بالتصديق لإيهام ما لا يليق]، وهذا كما ذكرنا أن الأصل في صفات هو التوقيف، فبدلاً من هذه العلل نقول: لا يوصف جل وعلا علمه بالتصور. يعني: لا ينقسم إلى تصور وتصديق، وضروري ونظري ... إلى آخره، لأن الصفات توقيفية، وإذا كان كذلك حينئذٍ يكون مرجعه إلى السمع، وما لم يرد فحينئذٍ نقول: الأصل فيه التوقف، فما كان من المعاني التي هي متعلقةٌ بالنظري والضروري والتصور والتصديق الذي ينزه الله تعالى عنه ينزه، وأما مجرد اللفظ حينئذٍ نقول: هذا لا ينفى ولا يثبت، وإذا كان كذلك حينئذٍ نقول: المرجع إلى السمع. [مع أن ذكر الأنواع مخرجٍ للعلم القديم، فالجمع بينه وبين الحادث للتوكيد]، إذًا (فَصْلٌ فِي أنْوَاعِ العِلْمِ الحَادِثِ) المراد بالكلام هنا في علم المخلوق، وأما علمه جل وعلا فهو لائق به إن كان مطلق الوصف بالعلم هذا قدرٌ مشترك وهو المعنى كلي، فإذا أضيف إلى المخلوق فحينئذٍ اختص به، وإذا أضيف إلى الخالق كذلك اختص به. - - - إِدْرَاكُ مُفْرَدٍ تَصَوُّرًا عُلِمْ ... وَدَرْكُ نِسْبَةٍ بِتَصْدِيقٍ وُسِمْ

[(إِدْرَاكُ مُفْرَدٍ) المراد بالمفرد ما ليس وقوع نسبةٍ حكميةٍ، أو لا وقوعها كإدراك الموضوع، وإدراك المحمول، وإدراك النسبة في مثل قولك: زيدٌ قائم. فإدراك زيد أي ذاتِهِ، وإدراك قائم أي معناه، وإدراك النسبة التي هي ارتباط القيام بزيد، وإدراك الموضوع مع المحمول، أو الموضوع مع النسبة، أو المحمول معها، أو مجموع الثلاثة كلٍّ منها ... (تَصَوُّرًا) مفعولٌ ثانٍ لعلم فيكون المعنى إدراك المفرد (عُلِمْ) أي سمي في الاصطلاح تصورًا، وذلك صادق بإدراك واحدٍ من السبعة التي هي الموضوع والمحمول والنسبة أو اثنين من الثلاثة أو مجموعها (وَدَرْكُ) اسم مصدر بمعنى إدراك وقوع (نِسْبَةٍ) في مثل قولك: زيدٌ قائمٌ، أو عدم وقوعها في مثل قولك: ليس زيدٌ قائمًا، (بِتَصْدِيقٍ وُسِمْ) أي عُلِّمَ، والمعنى وإدراك وقوع النسبة في الإيجاب وعدم وقوعها في السلب علمَ عند المناطقة بالتصديق. وإيضاح ذلك أن العلم الذي هو مطلق الإدراك إن تعلق بمفرد كالإنسان سمي تصورًا، وإن تعلق بوقوعِ نسبة المركب أو عدمِ وقوعها سمي تصديقًا كما تقدم، وهذا ميلٌ لمذهب الحكماء القائلين بأن التصديق بسيط وهو إدراك وقوع النسبة أو عدم وقوعها فيكون إدراك الموضوع وإدراك المحمول وإدراك النسبة التي هي ارتباط المحمول بالموضوع شروطًا للتصديق. وإما مذهب الإمام الرازي فالتصديق هو مجموع الإدراكات الأربعة، أعني إدراك الموضوع، وإدراك المحمول، وإدراك النسبة، وإدراك وقوع تلك النسبة أو عدم وقوعها، فتكون الإدراكات الثلاثة الأول شطورًا عنده للتصديق أي أجزاء له، والتحقيق الأول وهو أن التصديق بسيط. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ (إِدْرَاكُ مُفْرَدٍ تَصَوُّرًا عُلِمْ) إدراك المفرد علم تصورًا، إذًا يسمى تصورًا عند المناطقة، وإدراك نسبةٍ يسمى تصديقًا، هذا الفرق بين النوعين التصور والتصديق، (إِدْرَاكُ مُفْرَدٍ) يعني فهم المراد به [المراد بالمفرد] هنا عرفنا معنى الإدراك [ما ليس وقوع نسبةٍ حكميةٍ أو لا وقوعها كإدراك الموضوع، وإدراك المحمول، وإدراك النسبة في مثل قولك: زيدٌ قائم. فإدراك زيد، أي ذاتِهِ، وإدراك قائم، أي معناه، وإدراك النسبة التي هي ارتباط القيام بزيد]، هذه كلها تسمى تصورات، الموضوع والمحمول عند المناطق ما يقابل المبتدئ والخبر عند النحاة، وما يقابل المسند إليه والمسند عند البيانيين، وما يقابل المحكوم عليه والمحكوم به عند الأصوليين، الألفاظ هذه اصطلاحات مختلفة إلا أنها تصدق على شيءٍ واحد، فمثلٌ قولك: زيدٌ قائم. زيدٌ مبتدأ وقائمٌ خبر، زيدٌ موضوع يسمى عند النحاة موضوعًا لأنه وضع كالأساس ليحمل عليه الحكم، وقائمٌ هذا محمول، إذًا الموضوع والمحمول هو المبتدأ والخبر، عند البيانيين زيدٌ مسندٌ إليه، وقائمٌ مسندٌ، عند الأصوليين زيدٌ محكومٌ عليه وقائم محكومٌ به، إذًا اصطلاحات أربعة: مبتدأ وخبر، مسندٌ إليه ومسند، موضوعٌ ومحمول، محكومٌ عليه ومحكومٌ به.

إذًا كل محكومٍ عليه فهو موضوع، وكل محكومٌ به فهو محمول. قام زيدٌ، زيدٌ موضوع، وقام محمول، لماذا؟ لأن المحكوم عليه هو الموضوع، والمحكوم به هو المحمول، إذًا قام يكون محمولاً، وزيد يكون موضوعًا، إذًا الموضوع عند المناطقة هو: المبتدأ والفاعل، والمحمول هو: الخبر والفعل، ومن جعل نائب الفاعل مسندًا إليه جعله كذلك موضوعًا جعله موضوعًا، حينئذٍ يكون الموضوع مختصًا بما ذكر، المبتدأ والفاعل، وإن شئت قل: نائب الفاعل، والمحمول يختص بالخبر والفعل، سواءٌ كان الفعل مغير الصيغة أو لا على ما سبق، إذًا هذا يسمى موضوعًا ويسمى محمولاً، النسبة يراد بها الارتباط والتعلق بين الموضوع والمحمول. ما علاقة زيدٍ بالقيام؟ كونه متصفًا به، ما علاقة قام بزيد؟ كونه أوقع الحدث، هذا يسمى ماذا؟ يسمى ارتباطًا، يسمى نسبةً، يسمى تعلقًا، حينئذٍ عندنا في هذا التركيب زيدٌ قائم، زيدٌ هذا مفرد، وقائم هذا مفرد، إدراك زيد فقط الموضوع يسمى تصورًا يعني إذا أدركت النفس وعلمت المعنى وفهمت المراد من كلمة زيد يسمى ماذا؟ يسمى تصورًا، حينئذٍ إدراك زيد يسمى تصورًا. ما معنى إدراك زيد؟ يعني: إذا فهمت المراد من الكلمة، ما المراد بها؟ فهمت المعنى، مدلول لفظ زيد ذاته كما قال الشارع هناك. حينئذٍ نقول: هذا يُسمى تصورًا، إدراك الموضوع، قائم إذا أدرك وفهم معنى القيام يُسمى تصورًا، الارتباط بين زيد والقيام يتصف به أو لا؟ يتصف به، هذا يسمى تصورًا، إدراك النسبة فقط يسمى تصورًا، إدراك الموضوع مع النسبة يسمى تصورًا، إدراك النسبة مع المحمول يسمى تصورًا، إدراك الموضوع مع المحمول دون النسبة يسمى تصورًا، إدراك الجميع الموضوع والنسبة والمحمول بقطع النظر عن كونه واقع أو لا يسمى تصورًا، إذًا إدراك الموضوع فقط، إدراك المحمول فقط، إدراك النسبة فقط، إدراك الموضوع مع النسبة، إدراك المحمول مع النسبة، إدراك الموضوع والمحمول والنسبة، هذه كلها تسمى تصورات هنا قال: [المراد بالمفرد ما ليس وقوع نسبةٍ حكمية]. المراد به عندنا الجملة مؤلفة من مبتدأ وخبر، أو فعل وفاعل زيدٌ قائمٌ، عندنا ما يسمى مضمون الجملة من أجل فهم كلمة إدراك أو وقوع النسبة الحكمية، عندنا ما يسمى مضمون الجملة، وما يسمى حكم الجملة، زيدٌ قائم. فيه شيئان: مضمون الجملة، وحكم الجملة. ثم النسبة الخارجية، هذه ثلاثة أشياء تتعلق بزيدٌ قائم.

[زيدٌ قائمٌ] تقول: مضمون الجملة يعني مدلول الجملة، كيف يعبر عن مضمون الجملة؟ قالوا: ننظر إلى الخبر، فإن كان مشتقًا حينئذٍ نأتي بمصدره مضافًا إلى المحكوم على الموضوع يعني مصدر المحمول مضافًا إلى الموضوع، زيدٌ قائمٌ لو قيل لك: ما مضمون الجملة؟ تقول: قيام زيد. ارتباط القيام بزيد، كيف تعبر عن مضمون الجملة يعني: مدلول الجملة، مفهوم الجملة، ما الذي يفهم من الجملة؟ قيام زيد، هذا متى؟ إذا كان المحمول مشتقًا، فإن كان جامدًا؟ قالوا: جيء بالكون. يعني: ليس له مصدر، فتأتي بالكون مضافًا إلى المحمول ناصبًا مضافًا للموضوع ناصبًا للمحمول، زيدٌ أسدٌ حينئذٍ كيف تعبر عن مضمون الجملة؟ كونك تفهم مضمون الجملة في نفسك لا يحتاج إلى تعبير، لكن لو أردت التعبير والإخبار، حينئذٍ تأتي بالكون مصدر كان، وتضيفه إلى المحكوم عليه، أو الموضوع، نعبر تعبيرات: كون زيدٍ أسدًا، هذا مضمون الجملة، كون جئت بالكون، وزيدٍ هذا الموضع أضفته إليه، أسدًا هذا قول، وهو مشهور عند المناطقة، بعضهم يرى أنك تأتي بالاسم الجامد وتأتي بياء المصدر، تقول: زيدٌ أسدٌ، أسدية زيدٍ، إذًا لا فرق بين هذا القول والقول السابق، قيام زيدٍ، أسديةُ زيدٍ، جئت بالمصدر الصناعي مولد هذا، تضيف إلى الاسم الجامد ياء المصدر مع ياء النسبة أسدية زيدٍ، إذًا هذا يسمى مضمون الجملة، عرفنا مضمون الجملة يعني: مدلول الجملة، كيف تُعَبِّر؟ كونك تفهم المضمون واضح في نفسك، تدرك بالقوة العاقلة أن مدلول القيام قام زيدٌ، أو زيدٌ قائمٌ، أو زيدٌ أسدٌ، كون زيدٍ أسدًا، أسدية زيد، قيام زيد. هذا واضح، حكم الجملة المضمون مضافًا إلى الثبوت أو السلب، الآن عندنا الجملة الاسمية قد تكون إيجابية أو سلبية يعني إما موجبة وإما سالبة سيأتي معنى السلب والإيجاب، إما مثبتة أو منفية، زيدٌ قائم هذا فيه إثبات قيام زيد، ما قام زيدٌ فيه نفي قيام زيد، ثبوت قيام زيد هذا حكم الجملة، ما قام زيد نفي قيام زيد هذا يسمى حكم الجملة، إذًا ما هو حكم الجملة؟ المضمون الذي عرفناه السابق مضافًا إلى الثبوت أو النفي أو العدم عبر بما شئت، المراد الثبوت، الحصول، الكينونة ..

إلى آخره، أو النفي والعدم والسلب، فتقول: ثبوتُ قيام زيد هذا مركبٌ من شيئين كلمة ثبوت، وهذا هو الحكم، وقيام زيد هذا مضمون الجملة، إذًا حكم الجملة هو: الثبوت المضاف إلى مضمونها، أو السلب، هذا حكم الجملة، بعضهم يجعله هو النسبة ثبوت قيام زيد أو عدم قيام زيد، وكذلك المعنى والمفهوم، إذًا حكم الجملة ومضمون الجملة، ماذا بقي؟ بقي ما يسمى بالنسبة الخارجية، عرفنا قيام زيد، وعرفنا ثبوت قيام زيد، بقي شيءٌ في الخارج، هذا كله الآن في الذهن، قيام زيد، وثبوت قيام زيد في الذهن بعد، لكن هل زيد بالفعل قائم أم لا؟ إدراك قيام زيد في الخارج بالفعل يسمى نسبةً خارجية يعني خارج الذهن، والمضمون والحكم هذا داخل الذهن، النسبة الخارجية إدراك الوقوع واللا وقوع، وهو ما يسمى بالانتزاع أو الإيقاع، فإذا أدركت بعد معرفة مضمون الجملة وحكم الجملة أن زيدًا بالفعل قائم في الخارج وقع مدلول الجملة يسمى ماذا؟ يسمى نسبةً خارجية، إدراك عدم وقوع قيام زيد في الخارج نقول: هذا نسبة خارجية، لأنه قد يقول قائل: زيدٌ سافر، سفر زيدٍ، ثبوت سفر زيد، ينظر في الخارج فإذا به ليس موافقًا للواقع زيدٌ لم يسافر، حينئذٍ نقول: المضمون شيء، والحكم شيء، والخارج شيءٌ ثالث، ليس هو داخلٌ فيه في الأول، هنا قال: [المراد بالمفرد ما ليس وقوع نسبةٍ حكمية أو لا وقوع]. يعني: ما لا يكون إدراكًا للوقوع واللا وقوع، لماذا؟ لأن هذا النوع هو التصديق، [ما ليس وقوع نسبةٍ حكمية]، عرفنا النسبة الحكمية، [أو لا وقوعها] يعني عدم وقوعها، إما إدراك الوقوع، أو إدراك عدم الوقوع، النوعان يسمى تصديقًا، ويقابل التصديق التصور، إذا عُرِفَ التصديق مقابله يسمى تصورًا، لأن التصديق محصور في شيءٍ واحد وهو: إدراك الوقوع واللا وقوع، عرفنا الإدراك ما عدا ذلك يسمى ماذا؟ يسمى تصورًا، ويدخل تحته سبعة أقسام قال هنا: [كإدراك الموضوع]. فقط يعني، زيد فقط، إذا علمت معنى زيد، [وإدراك المحمول] إذا عرفت معنى قائم فقط [وإدراك النسبة] التي هي الارتباط والتعلق والذي عبر عنها بعضهم بحكم الجملة، [في مثل قولك زيدٌ قائم]، زيدٌ موضوع، وقائمٌ محمول، ... [فإدراك زيدٍ] فقط دون النسبة وموضوع [أي ذاته، وإدراك قائم، أي معناه] فقط يعني دون النسبة والموضوع، [وإدراك النسبة التي هي ارتباط القيام بزيد، وإدراك الموضوع مع المحمول]، دون النسبة يعني تعرف معنى زيد، وتعرف معنى قائم، لكن لا تستحضر في ذهنك ارتباط القيام بزيد، حينئذٍ أدركت الموضوع وأدركت المحمول ولم تدرك النسبة، [أو الموضوع مع النسبة] دون المحمول، [أو المحمول] فقط [معها] يعني مع النسبة، [أو مجموع الثلاثة كلٍّ منها]، هذا كلها سبعة أقسام، لذلك التصور، إذا فهم التصديق علم التصور بمعنى أنه لا تحتاج إلى حفظ هذه السبعة الأنواع، وإنما تقول: إدراك الوقوع واللا وقوع حينئذٍ نقول: هذا الذي يسمى تصديقًا.

[(كلٌّ منها)، نعم] (¬1) [أو مجموع الثلاثة]. هنا تقف [كلٌّ منها (تَصَوُّرًا)] يعني من هذه الأقسام السبعة، [مفعولٌ ثانٍ لعلم]، علم (تَصَوُّرًا عُلِمْ) نائب الفاعل هو المفعول الأول، وتصورًا هذا مفعولٌ ثاني تقدم على عامله، مقدمٌ عليه [فيكون المعنى إدراك المفرد (عُلِمْ)، أي سمي في الاصطلاح] عند المناطقة [تصورًا، وذلك] أي التصور. ... [صادق بإدراك واحدٍ من السبعة التي هي الموضوع والمحمول والنسبة]، [واحدٍ من السبعة] يعني: متى؟ ما حصل إدراك واحدٍ من هذه سُمِّيَ تصورًا لا يشترط أنه لا بد من السبعة حتى يُسَمَّى تصورًا؟ لا واحد منها لو أدرك زيد فقط وما أدرك قائم حصل التصور. [وذلك صادقٌ بإدراك واحدٍ من السبعة التي هي: الموضوع، والمحمول، والنسبة] وهذه ثلاث صور. أليس كذلك؟ [أو اثنين من الثلاثة]، وهذه ثلاث صور، الأولى أربعة، [أو مجموعها] الأولى ثلاث: الموضوع، والمحمول، والنسبة. [أو اثنين من الثلاثة]، وهذا يدخل تحته ثلاثة صور، [أو مجموعها] يعني الثلاثة، إذًا هذا أو ذاك نقول: إدراك واحد من هذه الأقسام السبعة يسمى تصورًا، هذا التصور يسميه المناطقة بالتصور الساذَج، الساذَج بفتح الذال، لأن التصور نوعان: تصورٌ عام، وتصورٌ خاص. ¬

_ (¬1) سبق.

والمراد بالتصور العام حصول صورته الشيء في النفس، وهذا مرادفٌ للعلم فقد يطلق في اصطلاح بعض المناطقة أو اصطلاح الأصوليين لفظ التصور ويريد به العلم حينئذٍ يحمل على المعنى العام، يقال: التصور بالمعنى الأعم حصول صورة الشيء في النفس، وهذا مرادفٌ للعلم حينئذٍ التصور هذا بالمعنى الأعم ينقسم إلى تصور وإلى تصديق يعني التصور الخاص، والتصديق، والتصور الساذَج هو الذي عناه الناظم هنا، وهو الذي يجعل في مقابل التصديق، ومرادهم به التصور المقيد بعدم الحكم، لأنه إذا حصل الحكم المراد بالحكم هنا؟ الوقوع أو اللا وقوع، وقع أو لا؟ قيام زيد بالفعل في الخارج واقعٌ أم لا؟ إن أدركت الوقوع أو أدركت عدم الوقع فهو حكمٌ، التصور المقيد بعدم الحكم ليس فيه حكم وهو السبعة الماضية يعني ليس عندنا إدراك للوقوع واللا وقوع، حينئذٍ يسمى تصورًا، وهذا تصور بالمعنى الأخص وهو الذي يعتبر قسيمًا للتصديق، واضحٌ هذا؟ إذًا قوله: علم تصورًا الذي هو إدراك المفرد، ما المراد بالمفرد؟ ما يدخل تحته السبعة الأقسام، حينئذٍ يَرِد غلام زيدٍ تصور أم لا؟ ... تصور، نعم ترى غلام وإدراك زيد، والنسبة بين غلام وزيد، غلام زيد مفرد؟ ماذا يسميه النحاة؟ مركبًا تركيبًا إضافيًّا، هنا في هذا المقام المضاف يسمى مفردًا، المركب التوصيفي، المركب التوصيفي المراد به الصفة مع موصوفها جاء زيدٌ العالمٌ، جاء فعلٌ ماضٍ، زيدٌ فاعل، العالمٌ صفةٌ، هنا عندنا تركيب جملة فعلية جاء زيدٌ، وعندنا تركيبٌ آخر يسمى تركيبًا توصيفيًّا، جعل الثاني صفةٌ للأول. يعني: زيدٌ العالمُ يسمى مركبًا، جاء زيد مركب واضح تركيب إسنادي تام حصلت الجملة الفائدة التامة، طيب زيدٌ العالمُ هذا يسمى مركبًا توصيفيًّا جعل الثاني صفةً للأول، أو جعل الثاني قيدًا للأول، إذًا موصوف إدراكه وإدراك الصفة إدراك الارتباط والنسبة يسمى مفردًا، إذًا إدراك الصفة مع موصوفها يسمى تصورًا، إذًا التصديق يكون خاص بماذا؟ إدراك الوقوع الذي يترتب على النسبة الكلامية، أو مضمون الجملة على ما سبق. (وَدَرْكُ نِسْبَةٍ بِتَصْدِيقٍ وُسِمْ). هذا النوع الثاني (وَدَرْكُ) هذا [اسم مصدر بمعنى إدراك]، والأصل إدراك أَدْرَكَ يُدْرِكُ إِدْرَاكًا، فإذا نقص من المصدر حرف حينئذٍ سمي اسم مصدرٍ، المعنى واحد ولكن اللفظ يختلف، يسمى اسم مصدرٍ، اسم مصدر بمعنى إدراك، (وَدَرْكُ نِسْبَةٍ)، هنا المراد بالنسبة الشارح قال: [درك وقوع نسبةٍ]. النسبة عند المناطقة نوعان: نسبةٌ كلامية، ونسبةٌ خارجية. المراد بالنسبة الكلامية ثبوت المحمول للموضوع على وجه الإثبات، أو على وجه النفي، وهذا الذي سميناه بماذا؟ حكم الجملة، الثبوت المضاف لمضمونها أو السلب، النسبة الخارجية وقوع ذلك الثبوت أو عدم وقوعه، إذًا فرقٌ بين شيئين، ثبوت المحمول للموضوع، على وجه الإثبات أو النفي؟ هذا يكون في النفس، إدراكه في النفس، كونه واقعًا في الخارج أو ليس بواقعٍ هذا شيءٌ آخر. الأول: يسمى النسبة الكلامية الذي يكون في النفس. الثاني: يسمى النسبة الخارجية.

عرفنا الفرق، إذًا ما يكون في الذهن هو النسبة الكلامية، ثبوت المحمول للموضوع على وجه الإثبات أو النفي، كونه واقعًا بالفعل في الخارج في الواقع على وجه الأرض، هذا يسمى نسبةً خارجية الذي هو إدراكه. هنا قال: (وَدَرْكُ نِسْبَةٍ). هل يمكن حمل النسبة هنا على الخارجية؟ يمكن، نعم. إدراك النسبة الخارجية الوقوع أو اللا وقوع الذي يسمى بالإيقاع والانتزاع (بِتَصْدِيقٍ وُسِمْ)، إذًا مادام أنه يمكن حمل النسبة على الخارجية ويُجعل الكلام إدراك نسبةٍ. أي: خارجيةٍ، (بِتَصْدِيقٍ وُسِمْ)، حينئذٍ لا نحتاج لقوله: [وقوع]. هو لماذا قدر وقوع، وقوع النسبة؟ لأنه جعل النسبة هنا بمعنى النسبة الكلامية، وقوعها في الخارج إدراكه هو الذي يسمى تصديقًا، حينئذٍ لا نحتاج إلى هذا التقدير، الشارح جعل كلمة وقوع أنه لابد منها، وإذًا لا يصح تعريف التصديق، بناءً على أنه حمل النسبة هنا على النسبة الكلامية، والتصديق ليس هو إدراك النسبة الكلامية، لأن إدراك النسبة الكلامية يُسمى تصورًا، ولا يسمى تصديقًا، وإنما وقوع النسبة الخارجي إدراك الوقوع في الخارج هو الذي يسمى تصديقًا، فلما حمل النسبة على النسبة الكلامية قال: يجب حينئذٍ أن يقدر في الكلام المحذوف إدراكه وقوع نسبةٍ، وليس الأمر كذلك بل الظاهر أن النسبة هنا المراد بها النسبة الخارجية إدراك الوقع واللا وقوع فلا نحتاج إلى هذا التقدير. ودرك وقوعِ نسبةٍ كلامية، على كلام الشارح والأصل نقول: ودرك نسبةٍ خارجيةٍ ولا نحتاج إلى هذا التقدير ونحمل قوله: نسبةٍ. على الخارج.

[في مثل قولك: زيدٌ قائمٌ، أو عدم وقوعها في مثل قولك: ليس زيدٌ قائمًا]، [زيدٌ قائمٌ]، ثبوت قيام زيد، هذا النسبة الكلامية وقوع ثبوت قيام زيد في الخارج إدراكه يسمى تصديقًا، ليس زيدٌ قائمًا، أو ما زيدٌ بقائمٍ، نفي أو عدم قيام زيد، وقوع نفي عدم قيام زيد، أو وقوع عدم قيام زيد في الخارج يسمى تصديقًا، وأما نفي القيام هذا نسبةٌ كلامية ثبوت القيام هذا نسبةٌ كلامية، الوقوع في الخارج أو عدم الوقوع يسمى تصديقًا ... [(بِتَصْدِيقٍ وُسِمْ) أي عُلِّمَا، والمعنى وإدراك وقوع النسبة في الإيجاب وعدم وقوعها في السلب علمَ عند المناطقة بالتصديق]، حينئذٍ المراد بالتصديق هو إدراك النسبة الخارجية، والمراد بالمفرد على ما ذكره الشارح هنا، قال: [ما ليس وقوع نسبةٍ حكميًّا أو لا وقوعها]. انظر التقابل هنا بين التعريفين، حينئذٍ نكون عرفنا المراد بالمفرد، [وإيضاح ذلك أن العلم الذي هو مطلق الإدراك]، وعرفنا المراد بمطلق الإدراك ليدخل فيه إطلاق المفرد وإدراك ما عدا المفرد، [إن تعلق بمفرد] عندنا متعلِق أو متعلَق، الإدراك قلنا: وصول النفس العاقلة التي هي محلٌ للإدراك يعني نفسك أنت، [إن تعلق إدراك بمفردٍ]، إذًا المفرد متعلَق، والإدراك متعلِق، إن كان الإدراك متعلِقًا بمفردٍ [كالإنسان سمي تصورًا]، أدرت أن تعرف الإنسان قلت: ما الإنسان؟ وعرفت معنى الإنسان، حيوان ناطق وهذا مركبٌ توصيفي، حيوانٌ ناطق مركبٌ توصيفي هذا نوعٌ من أنواع التصور، لأنه متعلقٌ بمفردٍ ليس بنسبةٍ خارجية وقوعٌ أو لا وقوع، [إن تعلق بمفردٍ كالإنسان سمي تصورًا، وإن تعلق] الإدراك [بوقوعِ نسبة المركب]، والمراد بالمركب هنا ليس مطلق المركب يعني لا يشمل المركب الإضافي، ولا يشمل المركب العددي، ولا يشمل المركب التوصيفي، وإنما المراد به المركب الذي يشترط في حد الكلام، مبتدأ وخبر، وفعلٌ وفاعل، هذا المراد بالمركب، إن تعلق بالمركب [إن تعلق بوقوع نسبة المركب أو عدمِ وقوعها سمي تصديقًا كما تقدم]، وهذا من المصنف وهو إدراك نسبةٍ يعني نسبةٍ خارجية جعل التصديق إدراكًا لوقوع النسبة أو لا وقوعها يعني شيءٌ واحد، حينئذٍ يسمى التصديق بسيطًا، وهو مذهب الحكماء كما قال هنا، [وهذا ميلٌ] من المصنف [لمذهب الحكماء القائلين بأن التصديق بسيط] يعني مسماه شيءٌ واحد، إدراكٌ واحد يعني، [بسيط] يعني إدراكٌ واحد، ليس بمتعدد، ليس بمركب [وهو إدراك وقوع النسبة أو عدم وقوعها فيكون إدراك الموضوع وإدراك المحمول وإدراك النسبة التي هي ارتباط المحمول بالموضوع شروطًا للتصديق]، لأنه لا يمكن أن يأتي هكذا إدراك لوقع النسبة قيام زيد في الخارج أو لا دون أن يفهم المراد بزيد، ودون أن يفهم المراد بالقيام والارتباط، هذا لا بد منه، وهذا موجود في كل عقل في كل ذهن، لأن هذه أجزاء وقام زيدٌ وزيدٌ قائمٌ هذا مركب، ولا يمكن أن يعلم المركب إلا إذا علم مفرداته، أليس كذلك؟ العلم بالجزء مقدم على العلم بالكل، وهذا أمرٌ مدركٌ، بل هو من العلم الضروري فيدرك أولاً الموضوع، زيد ما معنى زيد؟ أي ذاته، ويدرك ثانيًا يعرف المراد بكلمة قائم، ثم ارتباط يعني ممكن أن يقول لك: طار الجدار.

ما تمشي أليس كذلك؟ الارتباط بين طار والجدار غير معقول، إذًا النسبة غير مدركة هنا، وإن تصورها فيكون تصور لشيء غير واقع، إذًا إدراك الموضوع، إدراك المحمول، إدراك النسبة بين الموضوع والمحمول، إدراك النسبة بين الموضوع والمحمول الذي يسمى مضمون الجملة وحكم الجملة واقعة أو ليست بواقعة؟ جاء الرابع، هل التصديق مجموع هذه الإدراكات الأربعة، أو المراد به الإدراك الأخير الرابع؟ هذا محل نزاع، الحكماء كما قال التصديق عندهم هو الرابع فقط الإدراك الرابع واقع في الخارج أو ليس بواقع؟ إذا أدرك وقوع زيدٍ في الخارج سمي تصديقًا، إذا أدرك عدم وقوع قيام زيد في الخارج يسمى تصديقًا، وما قبله من الإدراكات هذه شروط وليست بشطور، فالتصور حينئذٍ يكون شرطًا للتصديق لا شطرًا خلافًا للرازي، إذًا علم بأن التصديق بسيط، وهو إدراك وقوع النسبة أو عدم وقوعها، فيكون إدراك الموضوع وإدراك المحمول وإدراك النسبة شروطًا للتصديق، لأنه لا يمكن أن يدرك الوقوع واللا وقوع إلا إذا أدرك هذه الإدراكات الثلاثة، فهي سابقةٌ قطعًا يعني ما يأتي يقول: إذًا لا نحتاج إلى هذه الإدراكات الثلاثة، أدرك مباشرة. وقد يقول قائل: أنا لا أشعر بأني أدرك معنى زيد. لا هو مثل الكمبيوتر مباشرة يعني مبرمج الإنسان، ولذلك إذا مرت به كلمات لا يعرفها لا بد من السؤال عنها. [وإما مذهب الإمام الرازي فالتصديق] عندهم مركب ليس بسيطًا خالف الحكماء، [فالتصديق هو مجموع الإدراكات الأربعة أعني إدراك الموضوع، وإدراك المحمول، وإدراك النسبة، وإدراك وقوع تلك النسبة أو عدم وقوعها، فتكون الإدراكات الثلاثة الأول شطورًا عنده للتصديق أي أجزاء له] يعني أركان يعتبر أركان، وإذا لم يدرك معنى الموضوع أو المحمول لم يحصل إدراكه بالكلية، وهذا مسلمٌ به حتى على الأول. لماذا؟ لأن التصديق مشروط فيه ما سبق، فإذا كان كذلك حينئذٍ يتوقف المشروط على شرطه، فلا بد أن ينتفي إدراك الوقوع واللا وقوع إذا لم يدرك الموضوع، وإذا لم يدرك المحمول، وإذا لم يدرك النسبة بين الموضوع والمحمول، هذا قطعًا مقطوعٌ به، لكن هل هو شطرٌ أم شرطٌ؟ هذا محل نزاع، [فتكون الإدراكات الثلاثة الأُوَل شطورًا عنده للتصديق أي أجزاءً له والتحقيق الأول، وهو أن التصديق بسيط] وهو ظاهر النظم، بل نص عليه (وَدَرْكُ نِسْبَةٍ) أي نسبةٍ خارجية، (بِتَصْدِيقٍ وُسِمْ) يعني علم بالتصديق. حينئذٍ نقول: التصور شرطٌ لا شطرٌ. شرطٌ في التصديق التصور، التصورات الثلاثة السابقة شرطٌ في التصديق لا شطرٌ. - - - وَقَدِّمِ الأَوَّلَ عِنْدَ الوَضْعِ ... لأَنَّهُ مُقَدَّمٌ بِالطَّبْعِ

(وَقَدِّمِ الأَوَّلَ) أي التصور على التصديق (عِنْدَ الوَضْعِ) أي في الذكر والكتابة والتعلم والتعليم، كما وقع في المتن من تقديم التصور في التقسيم (لأَنَّهُ) أي التصور (مُقَدَّمٌ) على التصديق (بِالطَّبْعِ) أي بحسب اقتضاء طبيعة التصور أي حقيقته، والمقدمُ بالطبع هو الذي يحتاج إليه المتأخر من غير أن يكون المتقدم علةً فيه كتقديمِ الواحد على الاثنين، والاثنين على الثلاثة، ولاشك أن التصور شرطٌ للتصديق أو شطرٌ له، وطبيعة الشرط تقتضي التقدم على المشروط كما أن طبيعة الشطر أي الجزء تقتضي التقدم على الكل، وليس الشرط علةً للمشروط، لأنه لا يلزم من وجُودِه وجُودُه، وكذا الشطر ليس علةً للكل وهو ظاهرٌ. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ ثم قال الناظم: وَقَدِّمِ الأَوَّلَ عِنْدَ الوَضْعِ ... لأَنَّهُ مُقَدَّمٌ بِالطَّبْعِ

يعني: التصورات مقدمةٌ على التصديق، لأن التصديق مركب، والتصورات مفردات بالنسبة للتصديق، لأنه إدراك مفرد، وذاك إدراك مركب، والعلم بالمفردات مقدمٌ على العلم بالمركبات، فهو سائر على طبيعة الإنسان، فلا يحتاج أن ينظر في مركب إلا إذا علم المفردات، (وَقَدِّمِ) هذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب وهو كذلك يعني واجبٌ صناعةً لا شرعًا، (وَقَدِّمِ الأَوَّلَ) أي التصور على التصديق، والمراد أنه يجب تقديم ما يتعلق بالتصور على ما يتعلق بالتصديق، [(عِنْدَ الوَضْعِ) أي في الذكر والكتابة والتعلم والتعليم، كما وقع في المتن من تقديم التصور في التقسيم]. إذًا المفردات مقدمةٌ على المركبات (وَقَدِّمِ الأَوَّلَ) لماذا؟ [(لأَنَّهُ) أي التصور (مُقَدَّمٌ) على التصديق (بِالطَّبْعِ) أي بحسب اقتضاء طبيعة التصور أي حقيقته]، لأن حقيقة التصور إدراك المفرد، والمفرد مقدمٌ على المركب، وكل ما كان مقدمًا بالطبع يناسب أن يقدم في الوضع ليناسب الوضع الطبع كما مر معنا كثيرًا، [والمقدمُ بالطبع هو الذي يحتاج إليه المتأخر من غير أن يكون المتقدم علةً فيه] يعني يكون الثاني مرتبًا على الأول من غير أن يكون الأول علةً في وجوده، [كتقديمِ الواحد على الاثنين] إذا أردت أن تَعُدّ واحد، اثنان، ثلاثة. الواحد مقدم على الاثنين، لكنه ليس علةً فيه، الثاني مرتب على، المتأخر الثاني مرتب على ذكر الأول الواحد، لكن الأول الذي هو الواحد ليس علةً في وجود الثاني. هذا المراد به، [والاثنين على الثلاثة]، وليس في الاثنين علةً في وجود الثلاثة بل تدرك الثلاثة دون الاثنين، [ولاشك أن التصور شرطٌ للتصديق أو شطرٌ له] على القول الآخر، [وطبيعة الشرط تقتضي التقدم على المشروط]، ولذلك نقول: وقدم المصنف كتاب الطهارة على الصلاة لأنها شرطٌ فيه، والعلم بالشرط مقدمٌ على العلم بالمشروط. هو هذا الذي يذكره هنا، [وطبيعة الشرط تقتضي التقدم على المشروط، كما أن طبيعة الشطر أي الجزء، تقتضي التقدم على الكل] العلم بالأجزاء مقدمٌ على العلم بالكل، ولذلك يقدم بعض النحاة أقسام الكلمة على تعريف الكلام، وهذا مر معنا أنهم يختلفون منهم من يقدم الكلمة وتعريفها ويقسمها ثم بعد ذلك يبين لك الكلام، لأن الكلام يؤخذ في حده التركيب مركب من ماذا؟ من اسمين أو فعلٍ واسمٍ إلى آخره، [وليس الشرط علةً للمشروط، لأنه لا يلزم من وجُودِه وجُودُه]، الشرط ليس علةً للمشروط نعم، لأنه لا يلزم من وجُودِه وجُود الشرطِ وجود المشروط قد يتطهر ولا يصلي لفوات الوقت مثلاً، [وكذا الشطر ليس علةً للكل وهو ظاهرٌ] إذًا يقدم التصور أو العلم أو ما يتعلق بالتصورات على ما يتعلق بالتصديقات. - - - وَالنَّظَرِي مَا احْتَاجَ لِلتَّأَمُّلِ ... وَعَكْسُهُ هُوَ الضَّرُورِيُّ الجَلِي

(وَالنَّظَرِي) بسكون الياء للضرورة (مَا) أي الذي (احْتَاجَ لِلتَّأَمُّلِ) أي النظر في الدليل كإدراك حقيقة الإنسان المحتاج إلى النظر في التعريف بالحيوان الناطق، وإدراك أن العالم حادث المحتاج إلى النظر في قولك: العالم متغير، وكل متغيرٌ حادث (وَعَكْسُهُ) أي ما لا يحتاج إلى النظر (هو) العلم (الضَّرُورِيُّ الجَلِي) أي الظاهر، فهو ما لا يحتاج إلى النظر، وإن احتاج إلى حدسٍ أي ظنٍ، كالعلم بأن نور القمر مستفاد من نور الشمس، الحاصل باختلاف تشكلاته بحسب القرب منها والبعد عنها، فإنه يورث ظن استفادة نوره من نورها، أو احتاج إلى تجربة كالعلم بأن الدواء الفلاني مسهل للطبيعة عند شربه، فالعلم الضروري التصوري كإدراك وجودك، والتصديقي كإدراكك أن الواحد نصف الاثنين. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ وهذا تقسيم آخر للعلم، قسم لك العلم أولاً إلى تصور وتصديق، والآن شرع في تقسيمٍ آخر، وهو باعتبار الطريق الموصل إلى العلم، والأول باعتبار ما يتعلق به، إذًا لا تنافي بين التقسيمين ينقسم العلم بحسب ما يتعلق به، عرفنا العلم ما هو؟ مطلق الإدراك، يتعلق بماذا؟ بحسب المتعلق به ينقسم إلى تصورٍ وتصديق، بحسب الطريقة الموصل إليه ينقسم إلى نظري وضروري ... (مَا احْتَاجَ لِلتَّأَمُّلِ) بحث ونظر وفكر يسمى نظريًّا ما لا يحتاج يسمى ضروريًّا. هذا طريق موصل إلى العلم إلى الإدراك، وأما الأول فهو تقسيم بحسب المتعلق به يعني الإدراك يتعلق بالمفرد فهو تصور، والإدراك يتعلق بالمركب بشرطه السابق فهو تصديق، باعتبار ما يتعلق به، وأما التقسيم إلى النظري والضروري فهو بحسب الطريق الموصل إليه نعم.

[(وَالنَّظَرِي) بسكون الياء للضرورة]، نظري نظريُّ هذا الأصل نسبةً إلى النظر، والمراد به النظر الاصطلاحي ترتيب أمرين معلومين يتوصل بهما إلى أمرٍ مجهول تصوري، أو تصديقي، ترتيب أمرين معلومين إما تصور أو تصديق ليتوصل بهما إلى مجهولٍ تصوري أو تصديقي، [(وَالنَّظَرِي) بسكون الياء للضرورة] يعني ضرورة الوزن (مَا احْتَاجَ لِلتَّأَمُّلِ)، (مَا) أي إدراك، لأنه لا بد أن نأخذ العلم جنسًا في حد الأقسام، إذا قسمنا الشيء إلى أشياء لا بد أن نذكر في تعاريف هذه الأشياء الأقسام المقسوم تقول: الكلمة قولٌ مفرد، ثم تنقسم إلى اسمٍ، وفعلٍ، وحرف. ما هو الاسم؟ كلمةٌ دلت على معنًى إلى آخره، ما هو الفعل؟ كلمةٌ دلت على معنًى إلى آخره، ما هو الحرف؟ كلمةٌ دلت على معنى فعل، إذًا تذكر الكلمة في حد كل نوعٍ من أنواع الكلمة، كلمة هي قولٌ مفرد، لها أقسام ثلاثة: اسمٌ وفعلٌ، وحرف، إذا جئت تعرف الاسم لا بد أن تأخذ الجنس الاسم المقسوم الذي هو الكلمة، وكذلك الفعل، وكذلك الحرف، هنا قال: العلم ينقسم إلى نظري وضروري، ما هو النظري؟ (مَا) أي: إدراك، وعرفنا إدراك هو العلم. إذًا (وَالنَّظَرِي مَا) أي إدراكٌ، (احْتَاجَ) على كلام الناظم (لِلتَّأَمُّلِ) أي النظر، (مَا) أي الذي، جعله اسمًا موصولاً، وبعضهم يجعلها في التعريف نكرةً موصوفة، هذا أو ذاك لا بأس، لكن الذي يصدق على ماذا؟ هذا مبهم يحتاج إلى تفسير، يصدق على إدراك أو الإدراك، إذا جعلته مفصولاً الإدراك (مَا) أي الذي أي الإدراك، (احْتَاجَ لِلتَّأَمُّلِ) أي النظر والفكر بالمعنى الاصطلاحي النظر بالمعنى الاصطلاحي ... [النظر في الدليل] والدليل المراد به المركب [كإدراك حقيقة الإنسان المحتاج إلى النظر في التعريف بالحيوان الناطق] يأتي إنسان أو شخصٌ ما لا يعرف معنى كلمة إنسان حينئذٍ يقول: ما الإنسان؟ ما هذا اللفظ؟ إذًا سؤالٌ عن إدراك مفرد، فيأتي الجواب: حيوانٌ ناطقٌ. حصل أو لا؟ حصل العلم بلفظ الإنسان ما المراد به، هذا يسمى نظرًا لأنه رتب أمرين معلومين حيوان وهو الجنس، وناطق وهو فصلٌ، ليتوصل بهما إلى أمرٍ مجهول وهو تصور هنا وهو إدراك معنى إنسان، إذًا حصل النظر أو لا؟ حصل النظر، يسمى نظريًّا، إذًا النظري قد يكون تصورًا يعني التصور علم التصور قد يكون نظريًّا ومثاله ما ذكر، [وإدراك أن العالم حادث] يعني مخلوق، ... [المحتاج إلى النظر في قولك: العالم متغير وكل متغيرٌ حادث] أنتج ماذا؟ العالم حادث، هذا يسمى نظرًا لأنه رتب أمرين معلومين مقدمة الصغرى والكبرى، العالم متغير هذه المقدمة الصغرى، وكل متغيرٍ حادث هذا مقدمةٌ كبرى، وهما معلومان ترتيب أمرين معلومين لِيُتَوَصَّلَ بهما إلى أمرٍ مجهول وهو تصديق، وهو [العالم متغير] (¬1) العالم حادث. ¬

_ (¬1) سبق.

إذًا النظري قد يكون تصورًا كالإنسان، وقد يكون تصديقًا كالعالم حادث، إذًا التصور قد يكون نظريًّا وقد يكون ضروريًّا، (وَعَكْسُهُ) أي عكس النظر بالمعنى اللغوي، يعني المخالف لهم، [(وَعَكْسُهُ) أي ما لا يحتاج إلى النظر] هو الضروري، هو العلم الضروري، (الجَلِي) هذه صفة كاشفة يعني: (الضَّرُورِيُّ الجَلِي) يعني ظاهر، [أي الظاهر الواضح، فهو ما لا يحتاج إلى النظر، وإن احتاج إلى حدسٍ أي ظنٍ، كالعلم بأن نور القمر مستفاد من نور الشمس، الحاصل باختلاف تشكلاته بحسب القرب منها والبعد عنها، فإنه يورث ظن استفادة نوره من نورها، أو احتاج إلى تجربة كالعلم بأن الدواء الفلاني مسهل للطبيعة عند شربه، فالعلم الضروري التصوري كإدراك وجودك، والتصديقي كإدراكك أن الواحد نصف الاثنين] يعني العلم الضروري قد يدخل فيه الحدثيات، وهذا يأتي في آخر النظم، وكذلك الأشياء التي تكون من جهة التجربة، إذًا داخلٌ في علم الضروري وسيأتي في آخر النظم، الشاهد هنا في قوله: (فالعلم الضروري التصوري كإدراكِكَ وجودَك) يعني أنت موجود أو لا؟ هذا علم ضروري لا يختلف أو يحتاج أبحاث وأنظر وأسأل وأتأمل وأستخير، أنت موجود أو لا؟ موجود، إذًا العلم بوجودك نقول: هذا علم ضروري، الوجود شيء واحد مفرد، إذًا يسمى تصورًا ضروريًّا. الثاني: إدراك أن الواحد نصف الاثنين، أن الكل أكبر من الجزء، هذا يسمى إدراكًا ضروريًّا وهو تصديق، إذًا علمٌ ينقسم إلى تصور وتصديق، والتصور قد يكون نظريًّا وهو ما احتاج للتأمل، وقد يكون ضروريًّا وهو عكسه، والتصديق قد يكون نظريًّا وقد يكون ضروريًّا، ولذلك قلنا: ... (فَصْلٌ فِي أنْوَاعِ العِلْمِ الحَادِثِ) وهي أربعة مأخوذة من كلام الناظم من جهة الاستقصاء يعني لم ينص على ذلك وإنما هي معلومة. - - - وَمَا بِهِ إِلَى تَصَوُّرٍ وُصِلْ ... يُدْعَى بِقَوْلٍ شَارِحٍ فَلْتَبْتَهِلْ وَمَا لِتَصْدِيقٍ بِهِ تُوُصِّلاَ ... بِحُجَّةٍ يُعْرَفُ عِنْدَ العُقَلاَ (وَمَا بِهِ إِلَى تَصَوُّرٍ وُصِلْ) أي والقول الذي وصل به إلى تصورٍ كالحد في قولك: الحيوان الناطق، والرسم في قولك: الحيوان الضاحك (يُدْعَى) أي يسمى عند المناطقة (بِقَوْلٍ شَارِحٍ) أما تسميته قولاً فلأن القول هو المركب، وأما تسميته شارحًا فلشرحه الماهية، فالمعني والقول الذي وصل به إلى تصورٍ المعرف يسمى بالقول الشارح في اصطلاح المناطقة، وقوله: (فَلْتَبْتَهِلْ) أي تجتهد في الطلب، جملة كمل بها البيت (وَمَا لِتَصْدِيقٍ بِهِ تُوُصِّلاَ) أي والقول الذي توصل به للتصديق، وهو القياس في مثل قولنا: العالم متغير وكل متغيرٍ حادث. (بِحُجَّةٍ يُعْرَفُ عِنْدَ العُقَلاَ) أي يسمى عند المناطقة بالحجة أي الدليل، لأن من تمسك به حَجَّ خصمه أي غلبه. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

عرفنا التصور وعرفنا التصديق ما الذي يوصل إلى التصور؟ له طريق له سلم، ما هو؟ قال: (يُدْعَى بِقَوْلٍ شَارِحٍ) يعني المعرفات، إدراك المفرد الذي هو التصور الذي يوصل إليه المعرفات، وهذا سيأتي بحث باب المعرفات، والتصديق الذي يوصل إليه ما يسمى بالحجة، وهو باب القياس سيأتي، إذًا التصور له طريق، والتصديق له طريق، ولذلك قلنا: التصور قد يكون منه شيء صحيح وقد يكون فاسد، ما الذي يميز هذا عن ذاك؟ سلوك الطريق الذي رسمه المناطقة وهو المعرفات، وما الذي يوصل التميز بين التصديق الصحيح وغيره؟ هو سلوك الطريق الذي وضعه المناطقة، (وَمَا بِهِ إِلَى تَصَوُّرٍ وُصِلْ) يعني والذي وصل به يعني بسببه [إلى تصورٍ] أي وصل، أي توصل، [أي والقول] يعني فسر ما هنا بالقول، فسر ما بالقول ... [والقول الذي وصل به إلى تصورٍ كالحد في قولك) يعني كالتعريف ... [كالحد في قولك: الحيوان الناطق] كيف عرفت الإنسان؟ ما الإنسان؟ قال: حيوان ناطق. ما الطريقة الذي وصل إلى تفسير معنى الإنسان؟ كونه حيوان هذا يسمى حدًا يسمي تعريفًا (كالحد في قولك: الحيوان الناطق، والرسم في قولك: الحيوان الضاحك) وهذا سيأتي بحثه في محله [(يُدْعَى) أي يسمى عند المناطقة (بِقَوْلٍ شَارِحٍ)]، قول مصدر بمعنى المقول، وشارحٍ أي كاشفٍ. [أما تسميته قولاً فلأن القول هو المركب] مرادف للمركب عندهم [القول هو المركب] بمعنى واحد عند المناطقة [هو المركب] يسمى تعريفًا ومُعَرِّفًا، [وأما تسميته شارحًا فلشرحه الماهية] يعني كشفه الماهية الحقيقة، [فالمعني والقول الذي وصل به إلى تصورِ المعرف يسمى بالقول الشارح في اصطلاح المناطقة]، ويسمى المعرف والتعريف، [وقوله: (فَلْتَبْتَهِلْ) أي تجتهد في الطلب]، هذه [جملة كمل بها البيت]. (وَمَا لِتَصْدِيقٍ بِهِ تُوُصِّلاَ) وما توصل به بسببه إلى تصديقٍ [أي والقول الذي توصل به للتصديق، وهو القياس في مثل قولنا: العالم متغير وكل متغيرٍ حادث. (بِحُجَّةٍ يُعْرَفُ عِنْدَ العُقَلاَ)] يعرف بحجةٍ عند العقلاء ... [أي يسمى عند المناطقة بالحجة أي الدليل، لأن من تمسك به حَجَّ خصمه أي غلبه] عقلاء حذف الهمزة والألف العقلا للعهد، والمراد هنا المعهود أرباب هذا الفن، كما مر معنا أرباب الحجا، إذًا الذي يوصل إلى التصور هو القول الشارح، والمرد بالقول الشارح المعرفات سيأتي بحثها في باب مستقل، والذي يتوصل به إلى إدراك تصديق هو ما يسمى بالحجة، ويسمى القياس وسيأتي باب خاص بالقياس هذا حاصل قوله: (فَصْلٌ فِي أنْوَاعِ العِلْمِ الحَادِثِ). - - - (فَصْلٌ: فِي أَنْوَاعِ الدَّلالَةِ الْوَضْعِيَّة)

(فَصْلٌ: فِي أَنْوَاعِ الدَّلالَةِ) اللفظية (الْوَضْعِيَّة) والدلالة: كون أمرٍ بحيث يفهم منه أمرٌ آخر سواء فهم بالفعل أم لا، والأمر الأول دال، والثاني مدلولٌ، والدال ينقسم إلى غير لفظ وإلى لفظٍ، فغير اللفظ إما دال بالعقل كدلالة التغير على الحدوث، أو بالعادة كدلالة المطر على النبات، والحمرة على الخجل والصفرة على الوجل، أو بالوضع كدلالة الإشارة باليد مثلاً على معنى نعم أو لا، واللفظ إما دالٌ بالعقل كدلالة اللفظ على وجود اللافظ من وراء جدار، أو بالعادة كدلالة أُحّ على وجع صدرٍ، أو بالوضع كدلالة الأسد على الحيوان المفترس، وهذه هي المعتبرة في المنطق، ولذا بوب لها فقط فقال: أنواع الدلالة الوضعية أي اللفظية كما تقدم، فخرج باللفظية دلالة غير اللفظ، وبالوضعية دلالة اللفظ غير الوضعية فلا يعتبر شيء من هذه الخمسة عند المناطقة وقد تقدم تمثيلها. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ [فصل في أنواع الدلالة اللفظية الوضعية] زاد اللفظية لأن بحث المناطقة في اللفظ، وأما غير اللفظ فهذا لا بحث لهم فيه، الوضعية نسبة إلى الوضعي والوضع نوعان: وضعٌ شخصي. ووضعٌ نوعي. المبحث لغوي هنا. وضعٌ شخصي يعني يتعلق بالمفردات، وهو جعل اللفظ دليلاً على المعنى. وأما النوعي فهو ما يتعلق بالقواعد، يعني كالفاعل مرفوع، والمفعول به منصوب، هذا وضعه العرب أو الواضع، جعل الفاعل مرفوعًا، من أين أخذ هذا الوضع؟ بالاستقراء والتتبع لمفردات وآحاد لسان العرب، تراكيب، وكذلك المفعول به منصوب، والتمييز يكون منصوبًا إلى آخره.

القواعد التي يتكلم عنها النحاة هذه موضوعة بالوضع النوعي يعني ليست متعلقةٌ بشخص أو أحاد، والوضع الشخصي هو المتعلق بالمفردات يعني وضع زيد على من؟ وضع بيت، وضع أرض، وضع سماء بمدلوله الخاص، جعل اللفظ دليلاً على المعنى، (في أنواع الدلالة) الدلالة عرفها الشارح هنا ... [كون أمرٍ بحيث يفهم منه أمرٌ آخر سواء فهم بالفعل أم لا]، يعنى: وإن لم يفهم منه بالفعل، المراد بالفعل هنا بالإيجاد المراد به بالإيجاد، تكلم بكلام دل على شيءٍ ما قد يفهم منه وقد لا يفهم منه، لعل الشرح هذا قد يفهمه البعض وقد لا يفهمه البعض، إذًا الكلام يسمى دلالةً، كونه فُهِمَ عند البعض هذا واضح أنه دَلَّ، كونه لم يُفهم عند البعض لا يخرجه عن كونه ذا دلالة بل هو ذو دلالة، إذًا دل [كون أمرٍ] الذي هو الدال [بحيث يفهم منه أمرٌ آخر] أي المدلول، [سواء فهم بالفعل] بأن وجد الفهم، [أم لا]، إذًا لا يشترط في اللفظ الدال أو الدلالة أن يفهم بالفعل، وقيل: المراد بالدلالة فهم أمرٍ من أمرٍ. يعني: بالفعل، فحينئذٍ يكون النزاع في ماذا؟ في شيء لم يفهم هل يسمى دلالة أم لا؟ على التعريف الذي ذكره الشارح هنا يسمى دلالة، وإن لم يفهم منه، وعلى الثاني الذي اشترط الفعل حينئذٍ لا يسمى دلالةً، والظاهر أن الدلالة يطلق بالاشتراك على المعنيين على هذا وذلك، قد يطلق بهذا ويطلق على المعنى الثاني، وإنما الخلاف هل يسمى دلالة حقيقةً أو مجازًا؟ كونه دالاً نقول: هذا واضح بين لا شك أنه يدل، لكن هل يسمى دلالة حقيقةً أو يسمى مجازًا؟ نقول: هذا يطلق عليه بالاشتراك، إذًا [كون أمرٍ] يعني وجود أمرٍ وهو دالٌ، [بحيث يفهم منه] يعني من هذا الأمر الدال، [أمرٌ آخر] وهو المدلول [سواء فهم بالفعل أم لا] يعني وإن لم يفهم منه فهو ذو دلالة، وكونه لم يفهم منه لا يخرج عن كونه دالاً، [والأمر الأول] في الحد السابق هو: [الدال، والثاني مدلولٌ] عكس التعريف الثاني فهم أمر من أمرٍ يعني بالفعل أي فهمه منه بالفعل فهو أخص مما قبله يعني التعريف السابق أعم، والمراد بالأمر الأول المدلول هنا، وبالثاني الدال، عكس ما قبله، وينبني على المعنيين أن الأمر قبل حصول الفهم منه بالفعل يقال له: دال حقيقة أم لا؟ هذا محل النزاع، قال: [والدال ينقسم إلى غير لفظ وإلى لفظٍ]. دال الدلالة ستة أقسام لأنها إما وضعية، وإما عقلية، وإما عادية، عقلية يعني: الفهم يكون من جهة العقل، وضعية يعني: الفهم يكون من جهة الوضع، عادية يعني: طبيعية حينئذٍ يكون من جهة الطبع والعادة، وكل منها من هذه الثلاثة إما لفظ أو لا ثلاثة في اثنين بستة، إذًا الدلالة إما وضعية من جهة الوضع يعني: لسان العرب، وإما عقلية، وإما عادية، هذه ثلاثة، [وكلٌّ منها] (¬1) وعلى كلٍّ الدال لفظ أو غيره، ثلاثة في اثنين بستة، هنا قال: [والدال]. ¬

_ (¬1) سبق.

الدال الذي يدل على شيء [ينقسم إلى غير لفظ وإلى لفظ] إما أن يكون لفظًا يعني ينطق به أو لا يكون لفظًا؟ [فغير اللفظ إما دال بالعقل كدلالة التغير على الحدوث] يعني تغير العالم دل على ماذا؟ على كونه حادثًا، وهذا الدليل كما ذكرنا مرارًا فيه شيء من النظر يعني المراد المثال هنا، [إما دال بالعقل كدلالة التغير على الحدوث] يعني يرى في العالم مطر وسحاب وجبل يزال وبحار إلى آخره، التغير هذا علامة ماذا؟ علامة الحدوث، ما الذي دل العقل؟ يعني: العقل نظر وفهم، فالفهم يكون من جهة العقل لأنه لا يتغير إلا ما كان مخلوقًا وهذا ذكرنا أن فيه شيء من النظر، [أو بالعادة كدلالة المطر على النبات] عادةً أنه إذا نزل المطر يأتي النبات، [والحمرة على الخجل] حمرة الخدين على الوجه [على الخجل] يخجل ويحمر، [أو الصفرة على الوجل] يعني الخوف هذا مأخوذ من عادة طبيعة الناس يعني طبيعة البشر، [أو بالوضع كدلالة الإشارة باليد مثلاً على معنى نعم أو لا]، أو بالرأس على معنى نعم أو لا، أجلس مثلاً للدلالة نقول: دلالة بالإشارة، هل هي لفظية؟ نقول: لا، إذًا غير اللفظ قد يدل بالعقل كالتغير الحدوث، وقد يدل بالعادة كالحمرة على الخجل قد يدل بماذا؟ بالإشارة بالوضع كالإشارة باليد مثلاً الوضع مراد به الاصطلاح هنا، كالإشارة باليد مثلاً على معنى نعم أو لا، وهذه الثلاثة كلها خارجة ليس بحث المناطقة فيها البتة لماذا؟ لأنها ليست بلفظ، ولذلك قال في الفصل: [فصل في أنواع الدلالة اللفظية]. أخرج هذه الأنواع الثلاثة بقي الثاني، [واللفظ] يعني اللفظية الدال إذا كان لفظًا [إما دالٌ بالعقل] يعني لفظ يتلفظ به ويدل على شيءٍ آخر، مدلول ليس معنى اللفظ وإنما على شيءٍ آخر كالمثال الذي ذكره، [كدلالة اللفظ على وجود اللافظ من وراء جدار] تسمع صوت من وراء جدار ما تراه وتكلم كلامه قد ينادي بشيء ليس هذا المراد، اسقني ماء تعلم من وجوده من هذا الصوت التكلم أنه حي وأنه موجود، ولا زال حيًّا هذه الدلالة من أين أخذت؟ من اللفظ لأنه تكلم، وليس المراد عين الكلام، وإنما كونه دل على شيء آخر هذا فهم بالعقل، أما لفظ اسقني ماءً، أو تعالى يا زيد، هذا اللفظ [لم يدل على عقل] (¬1) لم تكن الدلالة عقلية، وإنما هي وضعية، لكن كونه دالاً على وجوده هذا شيءٌ آخر إنما فهم بالعقل، [أو بالعادة كدلالة أُح] أو [أَح على وجع صدرٍ] واضح هذا؟ هذا معلوم من العدم، [أو بالوضع كدلالة الأسد على الحيوان المفترس]، هذا وضع اللغة يعني لسان العرب، إذًا هذه كم؟ ثلاثة لفظٌ بالعقل، أو بالعادة، أو بالوضع، الأخير الدلالة اللفظية الوضعية هي المعتبرة عند المناطقة، إذًا الدلالة اللفظية العقلية ليست داخلة معنى خرجت، الدلالة اللفظية العادية المعلوم بالعادة والطبع ليست داخلة معنى بقي نوع واحد وهو الدلالة اللفظية الوضعية، هذه التي ستنقسم إلى ثلاثة أقسام. ¬

_ (¬1) عدل الشيخ إلى الكلمة بعدها.

[وهذه] الأخيرة بالوضع [هي المعتبرة في المنطق، ولذا بوب لها فقط] دون غيرها [فقال: أنواع الدلالة الوضعية أي اللفظية كما تقدم، فخرج باللفظية دلالة غير اللفظ] ثلاثة أنواع من الستة، خرج باللفظية دلالة غير اللفظ ثلاثة أنواع من الستة [وبالوضعية دلالة اللفظ غير الوضعية] وهي نوعان هذه خمسة [لا يعتبر شيء من هذه الخمسة عند المناطقة وقد تقدم تمثيلها] إذًا المراد بهذا تمهيد بالدلالة المراد عند النحاة. - - - دَلالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَا وَافَقَهْ ... يَدْعُونَهَا دَلاَلَةَ المُطَابَقَةْ وَجُزْئِهِ تَضَمُّنًا وَمَا لَزِمْ ... فَهْوَ التِزَامٌ إِنْ بِعَقْلٍ التُزِمْ (دَلالَةُ اللَّفْظِ) أي الوضعية، أخذًا من الترجمة (عَلَى مَا وَافَقَهْ) أي: على المعنى الذي وافق اللفظ بأن وضع له ذلك اللفظ لا لأقل منه ولا لزائد عليه، وسميت الدلالة على الموضوع له بتمامه دَلاَلَةَ المُطَابَقَةْ لمطابقة الدال للمدلول من قولهم: طابق النعلُ النعلَ إذا توافقتا، والدال والمدلول متوافقان ومتطابقان بحيث لا يفهم من اللفظ زيادة على المعنى، ولا يفهم المعنى من أقل من اللفظ، وذلك كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق (وَ) دلالة اللفظ على (وَجُزْئِهِ) أي جزء المعنى الذي وافق اللفظ كدلالة الإنسان على الحيوان أو الناطق فقط يدعونها (تضمنًا) أي دلالة تضمن لتضمن المعنى لجزئه، وقول الناظم: (وَجُزْئِهِ) بالجر عطفٌ على (مَا) المجرورة بعلى، وقوله: (تَضَمُّنًا). عطفٌ على: (دَلاَلَةَ المُطَابَقَةْ). المنصوبة بيدعونها ففيه العطف على معمولين لعاملين مختلفين واغتفر لأن أحد العاملين جار، وقد تقدم، وذلك جائز نحو في الدار زيد، والحجرة عمرو، كما في كتب النحو، (وَ) أما دلالة اللفظ على (مَا) أي المعنى اللازم الذي (لَزِمْ) معناه (فَهْوَ التِزَامٌ) أي دلالة التزامٍ لالتزام المعني أي استلزامه له كدلالة الأربعة على الزوجية، ودلالة العمى على البصر، وقول الناظم: (إِنْ بِعَقْلٍ التُزِمْ) شرط حذف جوابه لدلالة قوله فهو التزام عليه، والمعنى أن الدلالة على اللازم تسمى التزامًا إن التزم ذلك اللازم في العقل، أي الذهن، بأن لزم من تصور الملزوم في الذهن تصور ذلك اللازم فيه، سواء لزم مع ذلك في الخارج كالزوجية للأربع، أو لم يلزمه في الخارج بل كان منافيًا له فيه كالبصر للعمى، وخرج بذلك القيد في الخارج فقط دون الذهن كالسواد للغراب فلا يسمى دلالة لفظ الغراب عن السواد دلالة التزام لعدم لزوم السواد له في العقل، وإن لزمه في الخارج. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ ودِلالة ودَلالة ودُلالة يجوز فيها التثليث ولكن دِلالة ثم دَلالة وأردئها دُلالة بضم الدال يعني لغةً لكنه رديء. وَجُزْئِهِ تَضَمُّنًا وَمَا لَزِمْ ... فَهْوَ التِزَامٌ إِنْ بِعَقْلٍ التُزِمْ

يعني: الدلالة اللفظية الوضعية تنقسم إلى ثلاثة أقسام وهذا مأخوذ من كلام الناظم يعني استقصاء كلامه، لأنه قال: مطابقة تضمنًا فهو التزام. إذًا لم ينص على أنها ثلاثة، لكن من حيث الكلام والاستقصاء هي ثلاثة: مطابقة، دلالة تضمن، دلالة التزام. وهذا البحث نفيس يفيد حتى في باب المعتقد وفي باب الأصول، ولذلك تذكر في المعتقد ونظمها ابن القيم في النونية، وكذلك ذكرها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في القواعد المثلى ويذكرها أرباب الأصول يعني مهمة، وتذكر في علم البيان، وتذكر في كتب المنطق، فإتقانه جيد مفيد للطالب، إذًا الدلالة اللفظية الوضعية تنقسم إلى ثلاثة أقسام كما يعلم من استقصاء كلامه، والحصر فيها عقلي لماذا؟ لأن اللفظ إما أن يدل على المعنى الموضوع له يعني بتمامه، أو على جزئه، أو على خارجه، إما الأول وإما الثاني وإما الثالث، بمعنى أن اللفظ إذا أطلق إما أن يدل على تمام المعنى الموضوع له وهذه المطابقة، أو يدل لا على تمام المعنى، وإنما على بعضه وجزئه وهذه دلالة التضمن، أو لا يدل على الأول ولا على الثاني وإنما على شيء خارجٍ عن مسماه لازمٍ له وهذه دلالة التزام، فالحاصل فيها عقلي. (دَلالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَا وَافَقَهْ) [دلالة اللفظ أي الوضعية، أخذًا من الترجمة]، لأنه أطلق (دَلالَةُ اللَّفْظِ) فعرفنا دلالة اللفظ كم نوع؟ ثلاثة، ما المراد هنا؟ الوضعية، لماذا؟ لأنه قال: (الدَّلاَلَةِ الوَضْعِيَّةِ). ولذلك الشارح قال في أنواع الدلالة: [اللفظية]. أخذًا من البيت (دَلالَةُ اللَّفْظِ)، وقوله: [دلالة اللفظ أي الوضعية، أخذًا من الترجمة] يعني كل منهما هذا يسمى احتباك عندهم، كل منهما قيد الآخر، فنقيد الترجمة في أنواع الدلالة الوضعية باللفظية أخذًا من قوله: (دَلالَةُ اللَّفْظِ). في البيت، ونأتي إلى دلالة اللفظ وهي عامة ونقيدها بقوله: [الوضعية أخذًا من الترجمة]. واضح هذا؟

(فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ الدَّلاَلَةِ الوَضْعِيَّةِ) قلنا: الوضع ليس خاصًا باللفظ، غير اللفظ قد يدل بالوضع كالإشارة باليد، هذا بالوضع وليس لفظًا، إذًا دخل في قوله: (الوَضْعِيَّةِ). فنقيده بقوله: (دَلالَةُ اللَّفْظِ)، (دَلالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَا وَافَقَهْ) قد يكون ماذا؟ بالوضع، قد يكون بالعقل، وقد يكون بالطبع والعادة، فنقيده بما ذكره في الترجمة بقوله: (الوَضْعِيَّةِ). إذًا [(دَلالَةُ اللَّفْظِ) أي الوضعية أخذًا من الترجمة (عَلَى مَا وَافَقَهْ)]، (عَلَى مَا) [أي على المعنى الذي وافق اللفظ] انظر [وافق اللفظ] (على المعنى الذي وافق اللفظ] حينئذٍ الضمير المستتر في قوله: [وافق]. يعود إلى (مَا)، والضمير البارز يعود إلى [اللفظ]، ولذلك قال الشارح: ... [أي على المعنى]. فسر (مَا) بالمعنى، [الذي وافق اللفظ] وافقه، إذًا الضمير البارز يعود إلى اللفظ، والضمير المستتر وافق هو اللفظ يعني المعنى، إذًا إذا وافق المعنى اللفظ فهي دلالة المطابقة [بأن وضع له ذلك] المعنى ذلك [اللفظ لا لأقل منه ولا لزائد عليه] فالمعنى الذي وضعه العرب بذلك اللفظ إذا أطلق اللفظ واستعمل له على وجه التمام لا لمعنى زائد ولا لأقل بل مساوي لما وضعه العرب فيسمى دلالة مطابقة من طابق النعلُ النعلَ. [(يَدْعُونَهَا) أي يسمونها أي تسمي المناطق تلك الدلالة على المعنى الموضوع له اللفظ (دَلاَلَةَ المُطَابَقَةْ) وسميت الدلالة على الموضوع له بتمامه]، إذًا دلالة المطابق دلالة اللفظ على تمام ما وضع له، هكذا عَرَّفَه الأمين في المقدمة، دلالة اللفظ على تمام ما وضع له، لأن اللفظ كما مر في البلاغة أنه قد يطلق اللفظ على بعض المعنى فلا يستعمل في كل المعنى، إذًا العرب تستعمل اللفظ في جميع المعنى الذي وضع له في لسان العرب، وقد تستعمل اللفظ في بعض المعنى. الأول: يسمى دلالة المطابقة. والثاني: يسمى دلالة تضمن. واضح هذا، إذًا دلالة المطابقة دلالة اللفظ على تمام ما وضع له في لسان العرب، قال هنا: [(دَلاَلَةَ المُطَابَقَةْ) وسميت الدلالة على الموضوع له بتمامه]. هذا تعريفه (دَلاَلَةَ المُطَابَقَةْ) يعني وجه التسمية. (لمطابقة الدال للمدلول) تطابقا توافقا [من قولهم: طابق النعلُ النعلَ إذا توافقتا] ما معنى طابق النعلُ النعل؟ ..

أي نعم [ها ها] إذا تطابقا استويا حينئذٍ كاللفظ والمعنى، أما هذا واضح هذا، إذًا طابق النعلُ النعل بمعنى استويا (من قولهم: طابق النعلُ النعل إذا توافقتا] أنث هنا لأن النعل مؤنثة (والدال والمدلول متوافقان ومتطابقان بحيث لا يفهم من اللفظ زيادة على المعنى، ولا يفهم المعنى من أقل من اللفظ وذلك] مثاله [كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق]، ما هو الإنسان؟ الحيوان الناطق، هنا فهم المعنى والمعنى مركب المعنى مركب، دلالة الأسماء كل الأسماء على مسمياتها من هذا النوع، كل اسمٍ في لسان العرب وضع لمعنًى دلالته على مسماه من دلالة المطابقة، الأسد حيوان مفترس دلالة مطابقة، الرجل بالغ من بني آدم إلى آخره نقول: دلالة الأسماء الألفاظ سواء كانت معارف أو نكرات على المعاني الموضوعة لها في لسان العرب من دلالة المطابقة، ثم هذه الدلالة قد تكون بسيطة وقد تكون مركبة يعني قد يكون مدلول اللفظ معنًى جزء لا يتجزأ، وقد يكون ماذا؟ قد يكون مركبًا من شيئين كالإنسان مثلاً حيوان ناطق هذا مركب من جزأين، والعلم مثلاً قلنا: هو الإدراك، [هذا مركب من] (¬1) هذا بسيط مدلوله بسيط، ودلالة اللفظ وجزئه تضمنًا يعني ودلالة اللفظ على جزئه يعني على جزء ما وافقه على جزء ما وفقه، والضمير راجع لما وافقه أي جزء المعنى الذي وافق اللفظ، إذًا دلالة التضمن هنا يشترط فيها أن تكون في المعاني المركبة، أما المعاني البسيطة هذه لا يتأتى فيها دلالة تضمن لماذا؟ لأن اللفظ إذا أطلق وأريد به بعض معناه هذا لا يتأتي في المعنى البسيط وإنما في المعنى المركب لا يتأتى في المعنى البسيط، ولذلك قال: [أي جزء معناه]. جزء المعنى الموضوع له اللفظ، إذًا قد يستعمل اللفظ الذي وضعه العرب لمعنًى عام مركب في بعض مدلوله، يسمى ماذا؟ دلالة تضمن يسمى دلالة تضمن، [(جُزْئِهِ) أي جزء المعنى الذي وافق اللفظ كدلالة الإنسان على الحيوان] فقط ما هو الإنسان؟ الحيوان، تفهم منه الحيوان فقط، تقول: الإنسان معناه مركب حيوان وناطق، فإذا دل الإنسان على الحيوان فقط دلالة تضمن، وإذا دل على الناطق فقط هو دلالة تضمن، ومن هنا جعل ابن القيم رحمه الله تعالى هذه القاعدة معمولاً به في أسماء الله تعالى، الرحمن قال: هذا مدلوله مركب ذاتٌ وصفةٌ. ذات وصفة يعني ذات موصوفة بصفة الرحمة، العليم دال على ذات وصفة، وكل الأسماء على هذا المنوال، حينئذٍ إذا دل أو استعمل الرحمن مرادًا به الذات والصفة معًا فهي دلالة مطابقة، لأن اللفظ هنا طابق المعنى وهو مركب من شيئين ذات ومعنى وهي الصفة، إذا استعمل الرحمن مرادًا به الذات فقط حينئذٍ هذه دلالة تضمن، إذا استعمل الرحمن مرادًا به المعنى الذي هو صفة الرحمة فقط ولم يرد به الذات حينئذٍ قال: دلالة تضمن، لماذا؟ لأن اللفظ هنا استعمل في بعض المعنى جزء المعنى الذي وضع له، إذًا هذه القاعدة مستعملة فيما ذكر. ¬

_ (¬1) سبق.

(تَضَمُّنًا) هذا على حذف المضاف [أي: دلالة تضمن] تضمنًا [أي دلالة تضمن] يدعونها دلالة تضمن، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وانتصب انتصابه، [أي دلالة تضمن] لماذا سمي دلالة تضمن؟ ... [لتضمن المعنى لجزئه] لتضمن المعنى الذي أطلق اللفظ له لجزئه أي: لجزء المعنى، [وقول الناظم: (وَجُزْئِهِ). بالجر عطفٌ على] قوله: [(مَا) المجرورة بعلى، وقوله: (تَضَمُّنًا). عطفٌ على] قوله: [(دَلاَلَةَ المُطَابَقَةْ). المنصوبة بيدعونها ففيه العطف على معمولين لعاملين مختلفين]، وليته ما ذكرها هنا قال ماذا؟ [(وَجُزْئِهِ). بالجر] معطوف على ماذا؟ على قوله: [(مَا) المجرورة بعلى] جزئه بالجر، ما العامل هنا؟ نقول: الواو عاطفة، والمعطوف على المجرور مجرور، عرفنا المعطوف جزئه، أين المعطوف عليه؟ ما من قوله: (عَلَى مَا وَافَقَهْ) طيب تضمنًا (وَجُزْئِهِ تَضَمُّنًا)، تضمنًا بالنصب عطف على ماذا؟ على دلالة المطابقة، ودلالة المطابقة معمول لأي شيء؟ يدعونه، إذًا اختلف العامل، ولذلك قال: ... [ففيه العطف على معمولين]. وهما: ما، ودلالة. [لمعمولين # هل سبق] [لعاملين مختلفين] وهما: على، ويدعونها، وهذا مختلف فيه هل هو جائز أم لا؟ قيل بجوازه، وقيل بمنعه، [واغتفر] يعني يرى رأي الجمهور أنه ممنوع، [واغتفر لأن أحد العاملين جار) وهو على، وأما إذا كانا فعلين حينئذٍ المنع، وأما إذا كان أحدهما جار كما هو الشأن هنا فهذا مغتفر [وقد تقدم، وذلك جائز نحو في الدار زيد، والحجرة عمرو] عطف على في الدار زيد هنا مغتفر لأنه جار [كما في كتب النحو]، إذًا (وَجُزْئِهِ) عطف على (مَا) و (تَضَمُّنًا) عطف على دلالتا المطابقة التي هي منصوبة بـ (يَدْعُونَهَا)، وهذا محل نزاع بين النحاة، إذًا دلالة المطابقة دلالة اللفظ على تمام ما وضع له، ودلالة اللفظ على جزء المعنى الموضوع له تضمنٌ يسمى تضمنًا، دلالة اللفظ على جزء مسمى في ضمن كله، وهذه لا تكون دلالة تضمن إلا في المعاني المركبة يعني إذا كان مدلوله اللفظ معنًى مركب من شيئين فأكثر جاءت دلالة التضمن وإلا فلا، كما مر دلالة الإنسان على حيوان، أو على الناطق، أو دلالة الأربعة على الواحد، أو على الاثنين، أو على الثلاثة نقول: هذا دلالة تضمن. (وَمَا) ماذا قال الناظم؟ الشارح ذهب بعيدًا .. (وَمَا لَزِمْ ** فَهْوَ التِزَامٌ) يعني دلالة اللفظ على ما لزم، على المعنى الذي لزم للفظ وهو خارج عنه (فَهْوَ التِزَامٌ) هنا ليس عندنا دلالة اللفظ على معنًى كامل ولا على بعض المعنى، وإنما هو شيء خارج عن مدلول اللفظ، لم يوضع له في لسان العرب هذا اللفظ لهذا المعنى، وإنما لشيء خارجٍ عنه قال هنا: [وأما دلالة اللفظ على (مَا) أي المعنى اللازم الذي (لَزِمْ) معناه (فَهْوَ التِزَامٌ)] هنا الشارح ذهب بعيدًا قوله: (فَهْوَ التِزَامٌ). رأى أن الفاء هذه واقعة في جواب شرط حينئذٍ لا بد من التقديم، وأما جعلها في جواب أما، وليس الأمر كذلك بل نحكم على الفاء بأنها زائدة لأجل الوزن ويبقى الكلام متصل بما سبق، [وأما دلالة اللفظ على (مَا)] والظاهر أن نقول: ودلالة اللفظ.

كما قال الشارح هناك، ودلالة اللفظ على ما لزم فهو دلالة التزم، فهو معطف على ما قبله، والفاء زائدة، وهذا أولى مما في الشرح هنا من أن الفاء هنا واقعة في جواب أما المحذوفة والتقدير وأما ما لزم على أن المعنى [وأما دلالة اللفظ على (مَا لَزِمْ)] إلى آخره لماذا؟ لأنا إذا قلنا: وأما. فصلنا الكلام ومر معنى بالأمس أن جعل الكلام بسياقٍ واحد أولى من فصله، إذًا نجعل ودواء وما لزم معطوف على ما سبق أولى من فصله، ونجعل الفاء هذه فاء زائدة، ولا نحتاج أن نجعلها في جواب شرط مقدر، [وأما دلالة اللفظ على (مَا) أي المعنى اللازم الذي (لَزِمْ) معناه] يعني معنى اللفظ، لأن اللازم معنى لا شك أنه معنى، لكن اللفظ لم يوضع له، إذًا اللازم هو معنى، لكنه ليس المعنى الذي وُضع له اللفظ، [(فَهْوَ التِزَامٌ) أي دلالة التزامٍ] لماذا؟ [لالتزام المعني أي استلزامه له] [أي استلزامه] استلزام المعنى الذي وضع له في لسان العرب ذلك اللفظ (له) لذلك المعنى الخارج فعندنا معنيان، معنًى وضع له اللفظ، وهذا لا علاقة له بدلالة التزام، دلالة اللفظ على المعنى كله، أو على بعضه دلالة وضعية على الصحيح في النوعين، دلالة اللفظ على معناه لازمٍ لهذا المعنى الذي وضع له في لسان العرب هذا الذي يسمى دلالة التزام، إذًا اللازم هو الخارج، والملزوم هو المعنى الذي وضع له اللفظ، حينئذٍ نقول: فرق بين اللازم والملزوم. فالملزوم ما هو؟ هو المعنى الذي وضعت العرب هذا اللفظ لهذا المعنى، يسمى ملزومًا لا علاقة له بدلالة التزام، وأما اللازم فهو الخارج قال هنا: (لاستلزام المعنى أي لاستلزامه له)، عندنا ضميران هنا استلزامه الضمير الأول المعنى الذي وضع له اللفظ في لسان العرب، (له) لذلك المعنى الخارج الذي هو اللازم استلزامه أي: الملزم، له للازم، وضع اللفظ للأول أو للثاني؟ استلزامه له للأول أو للثاني؟ للأول، إذًا استلزامه الضمير هنا يعود للملزوم يعني المعنى الذي وضع له اللفظ في لسان العرب، (له) أي لذلك الخارج، مثاله قال: (كدلالة الأربعة على الزوجية).

الأربعة معلوم أنها وضعت للعدد المعلوم، أربعة، واحد اثنان ثلاثة أربعة المسمى هذا أربعة، كونه زوجًا هذا خارج عنه يعني قد تقابل إلى الانقسام على اثنين، حينئذٍ نقول: دلالة اللفظ إذا سمعت أربعة تعلم أنها زوج يعني لا فرد، سمعت واحدًا أو ثلاثة تعلم أنها فرد لأنها لا تقبل القسمة على اثنين، دلالة العدد على الزوجية أو على الفردية نقول: هذا من دلالة الملزوم على اللازم، فهي دلالة التزام، دلالة الأربعة على الزوجية، لفظ الأربعة لم يوضع لمعنى الزوجية، وإنما وضع لمسمًى هو: الواحد والاثنان والثلاثة والأربعة، مجموع هذه الأعداد فيسمى أربعة، لكن كونه دالاً على الزوجية نقول: هذا شيء فهم من خارج المعنى الذي وضع له في لسان العرب، وهو معنًى لكنه لم يوضع له في لسان العرب وإنما دل عليه المعنى الذي وضع له اللفظ في لسان العرب، إذًا دلالة الأربعة على الزوجية، الأربعة ملزوم والزوجية لازم ودلالة التزام هو الزوجية (ودلالة العمى على البصر) ما هو العمى؟ سلب البصر، هل يمكن أن يتصور العمى دون أن يفهم معنى البصر؟ لا يمكن، إذًا العمى، لفظ عمى عمي معناه سلب البصر، إذًا هو عدم، والبصر وجود، هل يمكن أن يدرك معنى العمى دون أن يدرك البصر؟ لا، لا يمكن، إذًا دلالة العمى على البصر دلالة التزاميه واضح هذا؟ (فَهْوَ التِزَامٌ إِنْ بِعَقْلٍ التُزِمْ)، [(فَهْوَ التِزَامٌ) أي دلالة التزامٍ]، إذًا دلالة التزام هي دلالة اللفظ على معنًى خارج عن مسماه دلالة اللفظ على معنًى خارج عن مسماه لازمٍ له لزومًا ذهنيًا بحيث يلزم من فهم المعنى المطابق فهم ذلك الخارج اللازم، كدلالة العمى على البصر، والأسد على الشجاعة، والأربعة على الزوجية قوله: (إِنْ بِعَقْلٍ التُزِمْ). هذا شرط لمعنى أن الدلالة السابقة يشترط أن يكون اللزوم لزوم عقليًّا (بِعَقْلٍ) الباء هنا بمعنى في يعني التزم اللازم في العقل، اللازم حقيقته عندهم ما يمتنع انفكاكه عن الشيء فليس عندنا عدد أربعة ينفك عن الزوجية، وليس عندنا عمى ينفك عن معنى البصر، وليس عندنا معنى الأسد ينفك عن الشجاعة، إذًا هو لازم يمتنع انفكاكه عنه، ينقسم اللازم من حيث اللزوم في الذهن والخارج إلى ثلاثة أقسام من أجل أن نعرف كلام الناظم إلى ثلاثة أقسام. اللازم في الذهن والخارج معًا يعني يلزم في الذهن في داخل الذهن وفي الخارج معًا، [كدلالة الأربعة على الزوجية] يعني يفهم معنى الزوجية وهو لازم للأربعة في الذهن، وكذلك في الخارج في الوجود. الثاني: اللازم في الذهن فقط دون الخارج كلزوم البصر للعمى، هذا لا وجود له في الخارج، إذا قيل: ما معنى العمى؟ هو أعمى، إذًا سلب البصر، هل الأعمى يكون بصيرًا؟ الجواب: لا، إذًا هذا اللازم يكون في الذهن فقط لا في الخارج. الثالث: اللازم في الخارج فقط لازم في الخارج فقط كدلالة الغراب على السواد هذا لا يلزم العقل لا يمنع أن يكون الغراب أسود أحمر أخضر إلى آخره، العقل لا يمنع، لكن وجوده في الخارج قالوا: لا غراب إلا وهو أسود. إذًا هذا لزوم في الخارج لا في الذهن.

الأول والثاني دلالة التزام (إِنْ بِعَقْلٍ التُزِمْ) واللازم العقلي قد يوافقه الخارج وقد لا يوافقه، إذًا نوعان من اللازم يسمى دلالة التزام، وأما الثالث الذي هو اللازم الخارج فقط فهذا لا يسمى دلالة التزام عند المناطقة، هنا قال: (إِنْ بِعَقْلٍ التُزِمْ). إن في عقلٍ شرطٌ حذف جوابه لدلالة قوله: ... [فهو التزام عليه، والمعنى أن الدلالة على اللازم تسمى التزامًا]. متى عند المناطقة؟ [إن التزم ذلك اللازم في العقل] يعني عدم الانفكاك يكون بالعقل لا بالعادة، [إن التزم ذلك اللازم في العقل أي الذهن، بأن لزم من تصور الملزوم] الذي هو مدلول اللفظ الذي وضع له معنى اللفظ في لسان العرب [بأن لزم من تصور الملزوم في الذهن تصور ذلك اللازم فيه، سواء لزم مع ذلك في الخارج كالزوجية للأربع، أو لم يلزمه في الخارج بل كان منافيًا له فيه كالبصر للعمى] هذان نوعان للازم، لازم في الذهن والخارج كالزوجية للأربع، لازم في الذهن فقط لا في الخارج كالبصر للعمى، [وخرج بذلك القيد] (إِنْ بِعَقْلٍ التُزِمْ) [القيد اللازم في الخارج فقط دون الذهن كالسواد للغراب] فهو لازم له، لكنه في الخارج، [فلا يسمى دلالة لفظ الغراب عن السواد دلالة التزام]، وإن كان لازمًا له في الخارج، لأنه من جهة العادة لا العقل [لعدم لزوم السواد له في العقل، وإن لزمه في الخارج]، إذًا فهو دلالة التزامٍ بشرط أن يكون اللازم مستصحبًا في العقل سواء وجد معه في الخارج أو لا، وأما ما كان لازمًا في الخارج فقط فهذا لا يسمى دلالة التزام عند المناطقة، والله أعلم. وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. - - -

4

عناصر الدرس فصل في مباحث الألفاظ. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد. الفصل السابق (فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ الدَّلاَلَةِ الوَضْعِيَّةِ)، بقي التنبيه على أن قوله: (الوَضْعِيَّةِ). هذا صريح في أن الأنواع الثلاثة كلها وضعية، واتفق المناطقة وغيرهم على أن المطابقية وضعية يعني دلالة المطابقة لا خلاف فيها في أنها وضعية، وأما دلالة التضمن ودلالة التزام هذه فيها خلاف [بين ... النحاة] (¬1) بين الأصوليين، والبيانيين، والمناطقة، وقيل: وضعيتان. وعليه عامة المنطقيين، وهو الذي أشار إليه المصنف هنا وضعية حينئذٍ حكم على الأنواع الثلاثة بأنها وضعية، وقيل: عقليتان. يعني: دلالة التضمن عقلية، ودلالة التزام عقلية، وعليه عامة البيانيين يرجحون هناك أنها عقلية، وقيل: التضمن وضعية، والالتزام عقلية. وعليه جمهور الأصوليين، وهو المرجح، والصحيح أن دلالة التضمن وضعية وليست بعقلية، لأن أول ما يفهم من اللفظ هو الكل ثم ينتقل منه إلى الجزء، وهذا إنما فهم من جهة الوضع، والصحيح أن التضمنية وضعية والتزاميه عقلية، الالتزام واضح أنه من جهة العقل، والقول بأنها وضعية فيه شيء من النظر. - - - فَصْلٌ فِي مَبَاحِثِ الأَلْفَاظِ (فَصْلٌ فِي مَبَاحِثِ الأَلْفَاظِ) اعلم أن المنطقي لا بحث له إلا على المعاني، لكن لما كانت المعاني مفتقرة في فهمها إلى الألفاظ عقد المنطقيون لها بابًا وقسموا المستعمل منها إلى المركب والمفرد كما قاله المصنف. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ ثم قال الناظم رحمه الله تعالى: [(فَصْلٌ فِي مَبَاحِثِ الأَلْفَاظِ) اعلم أن المنطقي]. يعني: العالم المنسوب إلى المنطق (المنطقي)، كالنحوي والصرفي والبياني (لا بحث له إلا على المعاني)، لأن البحث في المعقولات، والمعقولات معاني، إذًا الأصل في بحثه إنما هو المعقول مع الذي يكون في الذهن، حينئذٍ إذا كان كذلك فيكون البحث في الألفاظ تبعًا لا أصلاً، لأن الأصل في الفن إنما يبحث عن المعاني يعني عن المعقولات. فبحثهم عن الألفاظ يكون تبعًا، ولذلك ثَمَّ قدر مشترك بين المباحث اللفظية بين النحاة والمناطقة والأصوليين وغيرهم ثَمَّ أبحاث مشتركة، البحث يكون هنا ويكون في علم البيان ويكون في الأصول (لا بحث له إلا على المعاني، لكن لما كانت المعاني) المعقولات التي تكون في النفس، (مفتقرة) محتاجة أشد الاحتياج (في فهمها إلى الألفاظ)، لأن من يدرك الشيء كما ذكرنا اليوم أن من أدرك الشيء إن لم يحتج إلى الإخبار حينئذٍ لا إشكال لأنه لا يحتاج إلى اللفظ، إنما أدركه في نفسه وكانت الفائدة له هو، وأما إذا أراد أن يخبر غيره فلا بد أن يعبر بلفظٍ، إذًا صار تعبير للغير، أو صار إيصال المعاني، أو المعقولات للغير مفتقرًا إلى الألفاظ، لأنه لا يمكن أن يصل بذلك إلا بلفظ، [لكن لما كانت المعاني مفتقرة في فهمها إلى الألفاظ عقد المنطقيون لها ... بابًا] أو فصلاً كما قال الناظم هنا: (فَصْلٌ فِي مَبَاحِثِ الأَلْفَاظِ) ¬

_ (¬1) سبق.

[وقسموا المستعمل منها إلى المركب والمفرد كما قاله المصنف]، إذًا بحثهم هنا إنما هو من جهة التبعة، (مَبَاحِثِ) جمع مبحث، والمراد به المسائل التي يذكرها المنطقيون في هذا الموضع، فإن كان المبحث مَفْعَل في الأصل استعمال لغوي هو اسم مكان لمكان البحث ثم اسُتعمل عرفًا في بيان الشيء والكشف عنه كقولهم: مبحث كذا. بمعنى مكان بيانه والكشف عنه مبحث كذا حينئذٍ مكان البحث عنه يعني الكشف والبيان. (مَبَاحِثِ الأَلْفَاظِ) أي هذا محل ومكان للبحث والكشف والإيضاح عن الألفاظ، والمراد به المسائل التي سيذكرها المصنف رحمه الله تعالى. - - - مُسْتَعْمَلُ الأَلفَاظِ حَيْثُ يُوجَدُ ... إِمَّا مُرَكَّبٌ وَإِمَّا مُفْرَدُ (مُسْتَعْمَلُ الأَلفَاظِ) أي المستعمل منها، فخرج منها المهمل كديز، وقوله (حَيْثُ يُوجَدُ) أي في أي مكان يوجد اللفظ المستعمل فهو) (إِمَّا مُرَكَّبٌ) كزيد قائم، (وَإِمَّا مُفْرَدُ) كزيد. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ (مُسْتَعْمَلُ الأَلفَاظِ) احترز به عن مهمل الألفاظ، ألفاظ جمع لفظ، واللفظ عند النحاة عند أهل اللغة: الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية التي أولها الألف وآخرها الياء، مهملاً كان أو مستعملاً، فاللفظ ينقسم عند النحاة إلى لفظ مستعمل ولفظ مهمل، ما حقيقة اللفظ المستعمل؟ هو ما وضعته العرب، يعني لمعنى. جعل اللفظ دليلاً على معناه أو لمعنى. الثاني: المهمل، مُهْمَل مُفْعَل مأخوذ من الإهمال، وهو: الترك، وهو الذي لم تضعه العرب، إذًا (مُسْتَعْمَلُ الأَلفَاظِ) احترز به عن المهمل حينئذٍ يكون من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف، الألفاظ المستعملة (مُسْتَعْمَلُ الأَلفَاظِ) يعني المستعمل من الألفاظ، [أي: المستعمل منها، فخرج منها المهمل كديز] فلا معنى له، حينئذٍ لا ينقسم إلى المركب والمفرد، وإنما الذي ينقسم إلى المركب والمفرد هو المستعمل كديز هذا مهمل مقلوب زيد ورفعج مقلوب جعفر، هذا لا ينقسم إلى مفرد ومركب لأنه لا معنى له، وإنما الذي ينقسم هو الذي له معنى، (مُسْتَعْمَلُ الأَلفَاظِ حَيْثُ يُوجَدُ)، (حَيْثُ) هذه للإطلاق أي إطلاقية، لأن حيث تأتي للتقيد وتأتي للتعليل وتأتي للإطلاق ولها ثلاث معاني، [(حَيْثُ يُوجَدُ). أي: في أي مكان يوجد اللفظ المستعمل فهو] حينئذٍ (إِمَّا مُرَكَّبٌ وَإِمَّا مُفْرَدُ)، إما لفظ مركب وإما لفظ مفرد، فانحصر اللفظ المستعمل في هذين القسمين الدليل وهو الاستقراء والتتبع، ((إِمَّا مُرَكَّبٌ) كزيد قائم، (وَإِمَّا مُفْرَدُ) كزيد) مركب زَيْدٌ قَائِمٌ (وَإِمَّا مُفْرَدُ) كزيد. ثم أراد أن يعرف وإن كان الشارح هنا ذكر مثالين مثالاً للمركب ومثالاً للمفرد، والناظم ذكر التعريف قال: - - - فَأَوَّلٌ مَا دَلَّ جُزْؤُهُ عَلَى ... جُزُءِ مَعْنَاهُ بِعَكْسِ مَا تَلاَ

(فَأَوَّلٌ) أي المركب، وسوغ الابتداء بالنكرة وقوعها في مقام التفصيل (مَا) أي هو الذي (دَلَّ جُزْؤُهُ) خرج ما لا جزء له كباء الجر ولامه وماله جزء لا يدل كزيد وعبد الله وتأبط شرًا، والحيوان الناطق، أعلامًا، وما يتوهم من دلالة أجزاء الأعلام الأخيرة فإنما كان قبل جعلها أعلامًا أما بعده فصارت أجزاؤها كزاي زيد لا تدل على شيء، ودلالتها السابقة صارت نسيًا منسيًا، (عَلَى ** جُزُءِ مَعْنَاهُ) بضم الزاي متعلق بدل فهو تكملة له فلا يخرج به شيء، وقوله (بِعَكْسِ) أي حال كون المركب ملتبسًا بعكس (مَا) أي المفرد الذي (تَلاَ) المركب في الذكر، أي تبعه، فالمفرد ما لا يدل جزؤه على جزء معناه بأن لم يكن له جزء كباء الجر أو له جزء لا يدل على معنى كالأعلام المتقدمة. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

(فَأَوَّلٌ) الفاء هذه فاء الفصيحة (أي المركب) أراد أن يعرف المركب، ما حقيقة المركب؟ قال: (مَا دَلَّ جُزْؤُهُ عَلَى ** جُزُءِ مَعْنَاهُ)، (مَا) أي لفظ مستعمل له جزء وجزؤه دل على جزء المعنى، هذا حقيقة المركب، (فَأَوَّلٌ) هذا مبتدأ (وسوغ الابتداء بالنكرة) هنا (وقوعها في مقام التفصيل) أولٌ بعكس ما تلا، إذًا عندنا تفصيل، وإذا وقعت النكرة في مقام التفصيل حينئذٍ صار مسوغًا لها لأنها مفيدة فائدة ما فجاز الابتداء بها على المشهور عند النحاة (مَا دَلَّ جُزْؤُهُ) [(مَا) أي هو الذي] اللفظ مستعمل لو فسره بلفظ مستعمل كان أولى، أو اللفظ المستعمل وجعلها بمعنى الذي، لأن قوله: [هو الذي]. طيب ما هو الذي؟ أي: اللفظ المستعمل. (دَلَّ جُزْؤُهُ)، إذًا له جزء، المركب ما له جزء، وهذا الجزء دل على جزء معناه يعني على بعض المعنى، [خرج ما لا جزء له] أصلاً [كباء الجر ولامه] وهذا ليس له جزء، أليس كذلك؟ زيد مؤلف من ثلاثة أجزاء (ز، ي، د)، لكن اللام لام الجر هي جزء واحد، ولا يعبر بأن له جزء أليس كذلك؟ فخرج ما لا جزء له، ليس له جزء بل هو شيء واحد [كباء الجر ولامه، وماله جزء لا يدل كزيد وعبد الله وتأبط شرًا والحيوان الناطق، أعلامًا] يعني في الثلاثة المتأخرة. عبد الله، وتأبط شرًا، والحيوان الناطق، هذه لها جزء، لكن الجزء لا يدل على جزء من المعنى الذي استعمل اللفظ له، فزيد عَلَم، ما معناه؟ الذات، أليس كذلك؟ له أجزاء مؤلف من ثلاثة أجزاء (ز، ي، د) هل الجزء (ز) يدل على شيء مما دل عليه لفظ زيد؟ لا يدل، إذًا زيد له جزء وهو (ز) ولا يدل هذا الجزء على جزء المعنى الذي وضع له لفظ زيد، لأن لفظ زيد مدلوله ما هو؟ ذاته الذات المشخصة، هل (ز) يدل على الذات المشخصة؟ لو قال: جاء (ز)، جاء (ي)، جاء (د) دل على شيء؟ لم يدل على شيء، هذا يسمى ماذا؟ يسمى مفردًا وليس مركبًا، إذًا خرج ما له جزء، لكن هذا الجزء لا يدل على جزء المعنى كزيد عبد الله علمًا عبد الله قبل جعله علمًا له جزء ويدل على جزء المعنى، لكن بعد جعله علمًا صار عبد الله مثل زيد، لأنه في الأصل عبدٌ لله، عبد دل على العبودية، الله لفظ الجلالة دل على المعنى المراد له، ذات متصفة بصفة الإلوهية، لكن بعد جعله علمًا صار المعنى السابق نسيًا منسيًا، فعَبْدُ الله يسمى شخصًا عَبْدَ الله، هل يدل على اللفظ عبد الله على أنه عبد متحقق بالعبودية وصف العبودية لله عز وجل؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأن هذا المعنى العبودية لله كان قبل جعله علمًا من حيث كونه مركبًا تركيبًا إضافيًّا، لكن لما جعل علمًا حينئذٍ سلب المعنى الذي دل عليه اللفظ قبل التركيب، إذًا عبد جزء الله جزء، هل يدل عبد على ما دل عليه لفظ عبد الله؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأن عبد الله يدل على الذات فقط لا يدل على وصف معه، لماذا؟ لأن هذا شأن الأعلام. اسْمٌ يُعَيِّنُ الْمُسَمَّى مُطْلَقًا ** عَلَمُهُ ..

فالعلم يدل على الذات فقط دون وصف، وهذا معنى قول النحاة: الأعلام جامدة في الأصل. يعني: أعلام البشر ما عدا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالأعلام جامدة بمعنى أنها لا تدل إلا على الذات فقط، ولا تدل على وصف يتعلق بالذات فزيد مدلوله الذات فقط، وعبد الله مدلوله الذات فقط، ولا يدل على وصف العبودية البتة، كذلك تأبط شرًا، تأبط شرًا يعني: جعله في إبطه، تأبط فعل ماضي، والفاعل هو، وشرًا مفعول به، تدل على معنى أو لا؟ تدل على معنى مركب، لكن لما جعل علمًا سلب منه المعنى السابق، تأبط شرًا مثل زيد يدل على الذات فقط ولا يدل على الشر ولا على التأبط ولا على غيره، وإنما دل على ذلك قبل جعله علمًا، حيوان ناطق لو سمي زيد أو سمي شخص بحيوان ناطق حينئذٍ نقول: حيوان كونه متصفًا بالحيوانية، وناطق كونه متصفًا بالناطقية، ويقول لك: تعريف الإنسان: حيوان ناطق، فلو سمي بهذا حينئذٍ نقول: سلب عنه المعنى السابق فصار المعنى السابق نسيًا منسيًا. إذًا هذه الألفاظ الثلاثة عبد الله، وتأبط شرًا، والحيوان الناطق، لها أجزاء فعبد الله مؤلف من جزأين عبد ولفظ الجلالة، الجزء عبد لا يدل على ما دل عليه لفظ عبد الله علمًا لأنه لا يدل إلا على الذات، كذلك تأبط شرًا جملة فعلية ولم تدل إلا على ذات زيد لأنه صار علمًا، وأما قبل جعله علمية فله معنى آخر والكلام في كونه علمًا، والحيوان الناطق مركبًا تركيبًا توصيفيًّا لا يدل بعد جعله علمًا على ما دل عليه قبل العَلَمِيّة، إذًا له جزء؟ نعم له جزء، وهو حيوان هذا جزء، وناطق هذا جزء، لا يدل لفظ الحيوان على مسمى الحيوان الناطق، لماذا؟ لأن هذه الألفاظ عبد والحيوان وتأبط مثل زاي زيد (ز) لا تدل على شيء البتة، واضح هذا؟ إذًا ما له جزء لكن هذا الجزء لا يدل يعني: على جزء المعنى الذي دل عليه اللفظ، فالعرب وضعت اللفظ زيد لمدلول هو الذات لو جيء بلفظ (ز) فقط لا يدل على شيء مما دل عليه زيد فهو الذات، وكذلك فيما تلاه من الأسماء، (لا يدل كزيد، وعبد الله، وتأبط شرًا، والحيوان الناطق، أعلامًا) يعني حال كونها الثلاثة المتأخرة أعلام، وأما زيد فهو علم، (وما يتوهم من دلالة أجزاء الأعلام الأخيرة) عبد الله وتأبط شرًا والحيوان الناطق هذا يتوهم الناظر أنها تدل على معنى نقول: هذا المعنى متى؟ قبل جعله علمًا، وأما بعد جعله علمًا فلا فرق بين الأربعة البتة، فعبد مثل (ز) من زيد، وتأبط تأبط جزء مثل (ز) من زيد، والحيوان الناطق الحيوان جزء لكنه مثل (ز) من زيد فلا يدل على شيء مما دل عليه اللفظ كله، قال: (وما يتوهم من دلالة أجزاء الأعلام الأخيرة فإنما كان). يعني: الدلالة. (قبل جعلها أعلامًا)، فهي أوصاف لأن المركب الإضافي، والجملة الفعلية، وكذلك الاسمية، والمركب التصريفي لها دلالات، أما قبل جعلها أعلامًا، (أما بعده) يعني بعد نقله وجعلها أعلامًا. (فصارت أجزاؤها كزاي زيد لا تدل على شيء) البتة (لا تدل على شيء ودلالتها السابقة) قبل جعلها علمًا (صارت نسيًا منسيًا) حينئذٍ تكون هذه الدلالة غير مقصودة، وإنما كانت قبل جعلها أعلامًا، إذًا ما حقيقة المركب؟ قال: (مَا دَلَّ جُزْؤُهُ عَلَى ** جُزُءِ مَعْنَاهُ).

إذًا له جزء ويدل الجزء على جزء المعنى، هذا يسمى مركبًا ما عداه فهو المفرد قال هنا: [(عَلَى ** جُزُءِ مَعْنَاهُ) بضم الزاي]. للوزن هنا ولغة، [متعلق بدل فهو تكملة له فلا يخرج به شيء] يعني ليس للاحتراز، وقد جعلها بعضهم للاحتراز وأخرج به نحو أبكم. قال: أبكم هذا مؤلف من جزأين، أبكم يعني: لا يتكلم أخرص، أليس كذلك؟ إذًا أبكم يعني: أخرص، هو مؤلف من جزأين أب كم، أب دل على الأبوة، كم إما استفهامية أو خبرية سؤال عن عدد أو إخبار عن عدد كثير، إذًا له جزء لكنه لا يدل على جزء المعنى، واضح؟ أبكم مدلوله أخرص هو مؤلف من كلمتين جزأين، إذًا له جزء [لكنه] (¬1) وله معنى ليس كعبد الله وتأبط شرًا له جزء وليس له معنى، هذا له جزء وهو أب ومدلوله الأبوة، وكم ومدلوله عدد كثير إذا كانت [إخبارية] (¬2) خبرية أو عدد سؤال عددي إن كانت استفهامية، لكن هل الاستفهام أو الإخبار العدد من مدلول أبكم؟ الجواب: لا، هل أب الأبوة من مدلول أبكم؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأنه وإن تألف من جزأين وكل جزء له معنى لكن هذا المعنى ليس جزء المعنى الذي دل عليه المركب أبكم حينئذٍ هذا يكون مفردًا ولا يكون مركبًا، إذًا (عَلَى ** جُزُءِ مَعْنَاهُ) بعضهم جعله تكملة يعني لم يحترز به عن شيء، وبعضهم أخرج به ما له جزء وله معنى له دلالة لكن لا على جزأ معناه ومثل له بأبكم وهذا الذي جرى عليه الشيخ أمين في المقدمة المنطقية، وقوله: (بِعَكْسِ مَا تَلاَ). يعني: بعكس ما تلاه. ما هو الذي تلاه؟ (فَأَوَّلٌ) يعني: المركب. (مَا دَلَّ جُزْؤُهُ عَلَى ** جُزُءِ مَعْنَاهُ بِعَكْسِ) العكس هنا المراد به الخلاف مخالف يعني بخلاف ما أي الذي تلاه أي تلا المركب، ما الذي تلا المركب؟ المفرد، إذًا تعريف المفرد ما لا يدل جزؤه على جزء معناه، تعريف المركب ما دل جزؤه على جزء معناه، إذًا له جزء ويدل على جزء المعنى، المركب الإضافي كغلام زيد وليس علمًا يدخل تحت المفرد أو تحت المركب؟ غلام زيد يعني: غلام منسوب لزيد. هذا معناه هذا مدلوله غلام منسوب لزيد، غلام لوحدها جزء ودلت على معنى، وهذا المعنى جزء من مفهوم غلام زيد، أليس كذلك؟ لأن غلام داخل في مفهوم غلام زيد، إذًا الغلام له معنى وهو جزء ودل على جزء معناه معنى غلام زيد، زَيد هذا جزؤه الثاني وله معنى ودل على جزء المعنى الموضوع له اللفظ وهو غلام زيد، إذًا غلام زيد هذا مركب وليس بمفرد والتقيد كحيوان ناطق مثلاً حيوان ناطق له جزءان: الجزء الأول: حيوان. والجزء الثاني: ناطق. ¬

_ (¬1) سبق. (¬2) سبق.

حيوان ناطق، حيوان موصوف بالناطقية، إذًا حيوان فقط له معنى ودل على جزء معنى حيوان ناطق، وكذلك الناطق، إذًا له جزء وله دلالة وهذه الدلالة هي جزء المعنى، إذًا المركب التقيدي داخل في المركب، والإسنادي قَامَ زَيْدٌ، زيْدٌ قَائِمٌ، هذا واضح من باب أولى، ولذلك مثل به الشارح [(إِمَّا مُرَكَّبٌ) كزيد قائم] فأول ما يدخل في المركب هو الإسنادي، ويلحق به المركب الإضافي والمركب التقييدي، وهذه داخلة في مفهوم المركب، والمفرد يختص بالاسم والفعل والحرف، الاسم والفعل والحرف، فالاسم مفرد، والفعل مفرد، والحرف مفرد، ويدخل في الاسم الْعَلَم الإضافي كعبد الله لأننا جعلناها من ماذا؟ عبد الله، غلام زيد، حيوان ناطق، قبل جعلها أعلامًا هي مركبات، بعد جعلها أعلامًا هي مفردات، واضح؟ المركب الإضافي، المركب التقييدي، توصيفي بل الإسنادي قبل جعلها أعلامًا هي مركبات بعد جعلها أعلامًا هي مفردات يرد السؤال هنا. إِدْرَاكُ مُفْرَدٍ تَصَوُّرًا عُلِمْ ... وَدَرْكُ نِسْبَةٍ بِتَصْدِيقٍ وُسِمْ قلنا: إدراك النسبة أي الخارجية الوقوع واللا وقوع مراد به المركبات يعني المركبات الإسنادية، فإدراك المركب الإضافي، هل هو تصديق؟ لا، إذًا خرج عن المركب، دخل في ماذا؟ في إدراك المفرد، وهنا المركب الإضافي دخل في المركب وليس بمفرد، واضح هذا؟ إِدْرَاكُ مُفْرَدٍ تَصَوُّرًا عُلِمْ إدراك المفرد يعني ما ليس وقوع نسبة حكمية أو لا وقوعها كما ذكر الشارح، حينئذٍ إدراك المفرد الذي هو غلام زيد ليس بتصديق وإنما هو تصور، غلام زيد عرفت معنى غلام زيد مدلوله غلام منسوب لزيد، هذا تصديق؟ ليس بتصديق، لماذا؟ لأنه ليس إدراك وقوع نسبة في الخارج حينئذٍ يكون من قبيل المفرد وهنا جعلناه من قبيل المركب، هل هذا تعارض أم لا؟ نقول: المفرد في باب التصور والتصديق يختلف عن المفرد في هذا المقام، كالمفرد عند النحاة في باب الإعراب له معنًى، وفي باب المنادى واسم لا له معنًى آخر، فاللفظ واحد والمعنى مختلف، المفرد عند المناطقة في باب التصور والتصديق تقسيم العلم إلى التصور والتصديق يدخل المركب الإضافي والتقييدي في قسم المفرد، لأنه إدراك مفرد يعني ما ليس وقوع نسبة خارجية أو لا وقوعها، وهنا في هذا المقام المفرد يدخل فيه ما لا يدل جزؤه على جزء المعنى، فخرج حينئذٍ المركب الإضافي والمركب التوصيفي قبل جعلها علمًا، إذًا المركب الإضافي يكون مفردًا في باب التصور ويكون مركبًا في باب مباحث الألفاظ، وكذلك المركب التقييدي أو التوصيفي يكون مفردًا في باب التصور ومعنا هنا يكون مركبًا حينئذٍ لا تعارض بين الاصطلاحين، والاصطلاح يختلف فالمفرد بالتصور والتصديق كل ما ليس بإسناد خبري تام، وفي مبحث المركب والمفرد هنا فله اصطلاح آخر على ما ذكرناه، إذًا مُسْتَعْمَلُ الأَلفَاظِ حَيْثُ يُوجَدُ ... إِمَّا مُرَكَّبٌ وَإِمَّا مُفْرَدُ فَأَوَّلٌ ...................... ... ........................

أي: المركب. (مَا) أي لفظ مستعمل. (دَلَّ جُزْؤُهُ) إذًا له جزء، وهذا الجزء له دلالة خرج ما لا جزء له أصلاً كباء الجر، وخرج ما له جزء لكن ليس له دلالة، وهذا الذي ذكره الشارح هنا (عَلَى جُزُءِ مَعْنَاهُ) يرى الشارح كغيره من بعض الشراح أنه من باب التكملة يعني ليس له محترز، والصحيح أن له محترز وهو نحو أبكم، (بِعَكْسِ مَا تَلاَ) يعني (بِعَكْسِ مَا) أي المفرد الذي تلا المركب، بعكس العكس المراد به المعنى اللغوي [أي: حال كون المركب] هو قال: [ملتبسًا]. والأولى أن يقول: متلبسًا. [بعكس (مَا) أي المفرد الذي (تَلاَ) المركب في الذكر أي تبعه] أي بعكس المفرد الذي، أو بعكس مفرد تلاه، حينئذٍ الضمير المستتر في تلا يرجع لما، والضمير المقدر المنصوب يرجع للمركب تلاه تلا في ضمير مستتر يعود إلى ما [بعكس (مَا)]، والضمير المنصوب المحذوف. وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يَضِرْ ... كَحذْفِ مَا سِيقَ جَوَاباً أَوْ حُصِرْ الضمير، تلاه الهاء هذا في محل نصب مفعول به يعود على المركب، ... (فالمفرد) هو (ما لا يدل جزؤه على جزء معناه)، والمركب ما دل جزؤه على جزء معناه، إذًا نعلم من هذا التقسيم ومن هذين الحدين أن المفرد هو ما لا يدل جزؤه على جزء معناه أن هذا اصطلاح خاص للمناطقة، ففعل كثير من النحاة المتأخرين في تعريف المفرد بقولهم: الكلمة قول مفرد، والمفرد هو ما لا يدل جزؤه على جزء معناه. هذا غلط، لماذا؟ لأنه اصطلاح المناطقة، فالمفرد عند المناطقة مخالف للمفرد عند النحاة، فلا يعرف بمثل ما عرف به النحاة، وإن شاع عند ابن هشام وغيره على دلالته إلا أن هذا غلط يعتبر لأنه من تَدَاخُل الاصطلاحات، قد نص على ذلك غير واحد كابن اللحام في مختصر أصول الفقه، وكذلك الفتوحي في شرح الكوكب المنير، ويسير الحمصي في حاشيته على مجيب الندا، والبيجوري في شرح العمريطي، نظم الآجرومية، كلهم نصوا على أن هذا من تداخل الحدود التعاريف والاصطلاحات، حينئذٍ المفرد عند النحاة هو: الكلمة الواحدة، أو الملفوظ لفظًا واحدًا عرفًا يعني مرة واحدة. وأما تعريفه بأنه (ما لا يدل جزؤه على جزء معناه) نقول: هذا غلط، ولذلك لما جاءوا عند عبد الله علمًا قالوا: هو كلمة واحدة. قد التزم ذلك السيوطي في ((همع الهوامع)) وكذلك الأشموني في ((شرح الألفية)) وهو غلط كذلك، نقول: غلط، لأنه من تداخل الحدود كما علمنا، إذًا نقول هنا المفرد ما لا يدل جزؤه على جزء معناه، والمركب ما دل جزؤه على جزء معناه [(مَا) أي المفرد الذي (تَلاَ) المركب في الذكر أي تبعه، فالمفرد ما لا يدل جزؤه على جزء معناه بأن لم يكن له جزء] أصلاً [كباء الجر أو له جزء لا يدل على معنى]، مقصود وإنما معناه قبل جعله علمًا [كالأعلام المتقدمة]، سواء جعل علمًا ابتداءً كزيد أو بعد النقل كعبد الله وما عطف عليه. - - - وَهْوَ عَلَى قِسْمَيْنِ أَعْنِي المُفْرَدَا ... كُلِّيٌّ اوْ جُزْئِيُّ حَيْثُ وُجِدَا (وَهْوَ عَلَى قِسْمَيْنِ) بمصدوق الضمير (المُفْرَدَا كُلِّيٌّ اوْ) بوصل الهمزة (جُزْئِيُّ) متروك التنوين للضرورة (حَيْثُ وُجِدَا) الضمير للمفرد والألف للإشباع.

ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ ثم قسم لك المفرد إلى قسمين، والبحث هو الناظم هنا يريد أن يصل إلى تقرير مبادئ التصورات، لأن العلم ينقسم إلى قسمين: تصور، وتصديق. كل من التصور والتصديق له مبادئ وله مقاصد، ولذلك حصر الفن في مبادئ التصورات ومقاصدها وفي مبادئ التصديقات ومقاصدها، مبادئ التصورات هو الكليات الخمس: جنس، وفصل، عرض، نوع، وخاص، هذا مبادئ التصور لأنها هي التي تجعل في الحدود، ومقاصدها هو المعرف المعرفات، وهذا سيأتي بحثه إن شاء الله تعالى. قوله: (وَهْوَ). أي: المفرد (عَلَى قِسْمَيْنِ) لما كان قوله: (وَهْوَ). قد يوهم أن الضمير يعود إلى الكلي إلى المركب، قال: (أَعْنِي المُفْرَدَا كُلِّيٌّ اوْ جُزْئِيُّ). ينقسم المفرد إلى نوعين (كُلِّيٌّ) بالتنوين (اوْ) بإسقاط همزة القطع (جُزْئِيُّ) بترك التنوين للضرورة، (حَيْثُ وُجِدَا) هذه إطلاقية ... [(وَهْوَ عَلَى قِسْمَيْنِ أَعْنِي) بمصدوق الضمير] يعني الضمير يقع على ماذا؟ (المُفْرَدَا) الألف للإطلاق [(كُلِّيٌّ اوْ) بوصل الهمزة (جُزْئِيُّ) متروك التنوين للضرورة (حَيْثُ وُجِدَا)] يعني المفرد، أين ما وجد المفرد فهو لا يخرج عن قسمين، ضمير للمفرد يعني: نائب الفاعل (حَيْثُ وُجِدَا) هو أي: المفرد. الضمير المراد به هنا نائب الفاعل، والألف إطلاقية يعبر عنها للإشباع، إذًا ينقسم المفرد إلى قسمين: كلي، وجزئي. ما المراد بالكلي؟ - - - فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ الكُلِّيُّ ... كَأَسَدٍ وَعَكْسُهُ الجُزْئِِيُّ (فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ) بين أفراده بمجرد تعقله (الكُلِّيُّ) والمعنى فالكلي هو ما أفهم اشتراكًا بين أفراده بمجرد تعقله (كَأَسَدٍ) وإنسان وحيوان سواء لم يوجد منه فرد مع استحالة أن يوجد منه شيء كالجمع بين الضدين أو مع إمكان أن يوجد منه فرد كبحر من زئبق، أو وجد منه فرد مع استحالة كالآلة، أو مع إمكان غيره كشمس، أو وجد منه أفراد متناهية كالإنسان أو غير متناهية كصفة وموجود وشيء فإنها تصدق بصفات الله تعالى القائمة بذاته التي لا نهاية لأفرادها كما دلت عليه السنة، واستحالة وجود ما لا نهاية له إنما تثبت في حق الحوادث (وَعَكْسُهُ) أي عكس الكلي (الجُزْئِِيُّ) فهو ما لا يفهم الاشتراك بين أفراده بحسب وضعه كزيد فإنه موضوع لمعنى مشخص لا يتناول غيره ولا يضر عروض الاشتراك اللفظي عند تعدد وضعه لأشخاص لأنه باعتبار كل وضع لا يدل إلا على معين مشخص لا يتناول غيره ولا يضر عروض الاشتراك اللفظي عند تعدد وضعه لأشخاص، لأنه باعتبار كل وضع لا يدل إلا على معين مشخص. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

(فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ) الفاء هذه فاء الفصيحة (فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ) هذا خبر مقدم و (الكُلِّيُّ) هذا مبتدأ مؤخر، إذًا (فالكلي هو ما أفهم اشتراكًا) يعني ما دل على اشتراك في المعنى بين أفراده على السواء فهذا يسمى ماذا؟ لا يشترط السواء قد يكون بينهما تفاوت، ما أفهم اشتراكًا بين أفراده يسمى كليًّا، فاللفظ الذي إذا تعقل مدلوله يعني فهم معناه، ولا يختص بفرد دون فرد يسمى كليًّا، (فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ) قال: (بين أفراده بمجرد تعقله). يعني: تصوره، أو فهم معناه. منذ أن تفهم المعنى العقل لا يمنع أن يشترك في هذا المعنى اثنان فأكثر، كرجل رجل ما مدلول رجل؟ رجل، إنسان بالغ من بني آدم، هذا معناه منذ أن يتصور الذهن معنى رجل كلمة رجل هل يمنع العقل أن يشترك في هذا المعنى اثنين فأكثر؟ الجواب: لا، لأنه بالفعل يشترك فيه زيد وعمرو وخالد إلى آخره، فنقول: هذا القدر المشترك بين الأفراد يسمى كليًّا، لماذا؟ لأن بمجرد تعقل مدلول اللفظي لا يمنع تعقله من وقوع الشركة فيه، عكسه الجزئي بمعنى أنه بمجرد تعقل معناه يمنع الشركة فيه، فحينئذٍ يختص كالعلم زيد منذ أن تتصور معنى زيد وهو علم حينئذٍ يختص بمدلوله وهو الذات فلا يدخل تحت ذات زيد ذات عمرو، لماذا؟ لأن عمرو مختص بمدلوله وزيد مختص بمدلوله، بمجرد تعقل المعنى امتنعت الشركة، وأما الكلي فلا فلفظ امرأة ولفظ أسد ولفظ رجل ولفظ إنسان بمجرد تعقل معاني هذه الألفاظ الذي هو النكرة المعنى الشائع في جنسه نقول: هذا لا يمنع الشركة فيه، بل يشترك فيه أفراد قد تنحصر وقد لا تنحصر، ... [(فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ) بين أفراده] يعني أفراد الكلي بسبب مجرد تعقله أو الباء تكون للتصوير [بمجرد تعقله (الكُلِّيُّ)، والمعنى فالكلي هو ما أفهم اشتراكًا بين أفراده بمجرد تعقله] هذا الذي عناه الناظم، واعلم أن الاشتراك نوعان: اشتراك معنوي، واشتراك لفظي. الاشتراك المعنوي: أن يتحد اللفظ والوضع والمعنى. الاشتراك اللفظي: أن يتحد اللفظ ويتعدد الوضع والمعنى.

أن يتحد اللفظ، إذًا كل منهما المعنوي واللفظي اتحدا في اللفظي، وأما المعنوي اتحدا في اللفظ والوضع والمعني، وأما اللفظي فاتحد في اللفظ وتعدد الوضع والمعنى، فلفظ رجل قلنا: هذا أفاد الاشتراك. والمراد هنا في تعريف الكلي بالاشتراك الاشتراك المعنوي، ليس عندنا تعدد في الوضع بل الوضع واحد، فوضع الواضع لفظ رجل وفهم المعنى منه حينئذٍ هذا المعنى مشترك بين زيد وعمرو وخالد وفؤاد إلى آخره، فنقول: هنا اشتراك معنوي أولاً اتحد اللفظ زَيْدٌ رَجُلٌ، عَمْرٌ رَجُلٌ، بَكْرٌ رَجُلٌ، اتحد اللفظ أو لا؟ اتحد اللفظ، المعنى واحد؟ المعنى واحد، هل الوضع واحدًا أو متعدد؟ الوضع واحد، وضعه الواضع مرة واحدة فحمل على أفراده حمل مواطئة فقيل: زَيْدٌ رَجُل، أخبرت عن زيد بكونه رجلاً ونفس اللفظ بوضعه السابق قلت: بَكْرٌ رَجُلٌ، وَعَمْرٌ رَجُلٌ، وَخَالِدٌ رَجُلٌ. هنا نقول: هذا اشتراك معنوي بمعنى أن اللفظ واحد لم يتعدد والمعنى واحد والوضع واحد، وضعًا معنويًّا واحدًا والاشتراك اللفظي هذا سيأتي معنا، (فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ الكُلِّيُّ)، (فالكلي هو ما أفهم اشتراكًا بين أفراده بمجرد تعقله)، (اشتراكًا) أي الاشتراك المعنوي، كأسد هذا ليس خاصًا بحيوان مفترس دون آخر، (وإنسان وحيوان) حيوان نقول: الإنسان حيوان، والفرس حيوان، والحمار حيوان، إذًا هذه مشتركة فهي أفراد صدق عليها لفظ حيوان، حينئذٍ نقول: اللفظ واحد والمعنى واحد وهو ما اتصف بالحيوانية يعني فيه حياة فيه حركة، والثالث المعنى واحد، المعنى واحد والوضع واحد لم يتعدَّ، إذًا اتحدا الاشتراك الْمَعْنِي في ثلاثة أشياء: في اللفظ، وفي الوضع، وفي المعنى، وهذه الألفاظ كلها سائغة هنا، وهنا أشبه ما يكون بأن الكلي مرادف في الجملة للنكرة نكرة حينئذٍ يكون المعنى واحد، النكرة ما هي؟ ما شاع في جنس موجود، أو مقدر ما شاع في جنس، إذًا شاع وذاع في جنس قلنا: لا بد من التقدير يعني في أفراد جنس، لأن الجنس لا يتعدد إذا قلت: مفهوم رجل. ما هو المفهوم؟ إنسان بالغ من بني آدم، أو بالغ ذكر من بني آدم، هذا المعنى موجود في الذهن هو شيء واحد لا يقبل التعدد، وإنما التعدد يكون في ماذا؟ في الأفراد، والأفراد تكون في الخارج لا تكون في الذهن، وإنما الحقيقة التي تكون في الذهن هي التي توصف بكونها معقولاً وهي التي يعبر عنها بالجنس، حينئذٍ ما شاع في جنس يعني معنًى شاع وذاع وانتشر في جنس يعني في أفراد جنس، وهذا هو الاشتراك الذي عناه المناطقة فهما متقاربان [(كَأَسَدٍ) وإنسان وحيوان]، (الكُلِّيُّ) عرفنا أنه نوع من أنواع المفرد، قال هنا: [سواء لم يوجد منه فرد]. أراد أن يبين لنا أن الكلي أقسام يعني الكلي باعتبار أفراده في الخارج هل هي موجودة أو لا؟ وهل هي متناهية أو لا؟ أقسام، فالكلي ينقسم إلى ثلاثة أقسام من حيث الجملة، وإلى ستة أقسام من حيث التفصيل، لأنه إما أن لا يوجد منه فرد في الخارج، كلي أفهم اشتراكًا بين أفراده، هذا في الذهن طيب في الخارج قد لا يكون له فرد أصلاً، قالوا: [كبحر من زئبق].

مثلاً بحر زئبق، بحر من لبن، عسل، تصور ما شئت حينئذٍ يقول: بحر من زئبق هذا لا يمنع تصوره لا يمنع الاشتراك، عندك بحر هناك وبحر إلى آخره، إذًا قد يتصور الذهن أن هذا البحر مشترك بين أفراده، هذا في الذهن، خرجنا في الخارج أين هو؟ لا وجود له، إذًا كلي لا فرد له في الخارج أصلاً، أو يوجد منه فرد واحد، أو توجد منه أفراد كثيرة هذه ثلاثة أقسام من حيث الجملة، إما أنه لا فرد له في الخارج أصلاً أو له فرد واحد، ونحن نقول ماذا؟ ما أفهم اشتراكًا اشتراك بين ماذا؟ بين أفراده، إذًا له أفراد لكن وجدنا في الخارج ليس له إلا فرد واحد، إذًا هذا كلي باعتبار الذهن، وأما باعتبار الأفراد فهذا شيء آخر، هل له أفراد أم لا؟ هل له متعدد أم لا؟ أو توجد منه أفراد كثيرة هذه ثلاثة أقسام على جهة الجملة، وكل واحد من هذه الأقسام ينقسم إلى قسمين وذكرها الشارح هنا، إذًا قال: [سواء]. أراد التعميم في مفهوم الكلي [لم يوجد منه فرد]، إذًا كلي لم يوجد منه فرد البتة، وهذا نوعان: إما مع استحالة وجود فرد ثاني، أو مع الإمكان لكنه لم يوجد. معي؟ كلي لم يوجد منه فرد، لماذا لم يوجد منه فرد؟ إما الاستحالة وإما مع الإمكان لكنه لم يوجد، طيب، فرد مع استحالة أن يوجد منه شيء كالجمع بين ضدين، الجمع بين الضدين هذا له مفهوم ومفهومه لا يمنع الاشتراك يعني بمجرد تعقله في الذهن لا يمنع الاشتراك، لكن في الخارج ليس له فرد البتة، لماذا؟ لاستحالته لأنه يستحيل أن يجمع بين الضدين أو النقيضين ليل نهار في وقت واحد العقل لا يمنع، لا يمنع أن يكون الشيء ليل ونهار في وقت واحد، وأن يكون الإنسان حيوان فرس حمار في وقت واحد، العقل لا يمنع، لكن وجوده في الخارج هذا شيء آخر، العقل يجوز ما لا وجود له أصلاً يعني يتصور إنسان بعشرة ألسن بثلاث رؤوس عشرة أيدي تصور ممكن، لكن وجوده في الخارج شيء آخر، إذًا [لم يوجد منه فرد مع استحالة أن يوجد منه شيء كالجمع بين الضدين]، إذًا تقول: الجمع بين الضدين كلي، لأنه أفهم اشتراكًا بين أفراده، لكن باعتباره في الخارج لا وجود له، لماذا؟ لاستحالة وجود فرد يصدق عليه بأنه جمع بين الضدين، [أو مع إمكان أن يوجد منه] لكنه ما وجد لا مانع لكنه ما وجد ما خلقه الله عز وجل ما تعلقت به الإرادة مثل ماذا؟ بحر من زئبق، هذا نقول: كلي أفهم اشتراكًا بين أفراده لكن في الذهن، هل له فرد في الخارج؟ لا، لماذا؟ لاستحالته؟ لا ما يستحيل على الله عز وجل أن يخلق بحرًا من زئبق، من لبن، من عسل إلى آخره، لكن ما وجد، لماذا مع إمكانه؟ لعدم تعلق الإرادة به، هكذا نُعَلِّم التعاليم الشرعية، إذًا النوع الأول انقسم إلى اثنين: كلي لا يوجد منه في الخارج فرد أصلاً هذا تحته نوعان: إما لاستحالته كالجمع بين ضدين. النوع الثاني: مع الإمكان لكنه لم يوجد. مثال الأول: الجمع بين الضدين. والثاني مثال: بحر من زئبق.

[أو وجد منه فرد]، هذا النوع الثاني القسم الثاني [أو وجد منه] يعني من الكل، [فرد] في الخارج فرد واحد فقط [مع استحالة] غيره يعني لم يوجد له في الخارج إلا فرد واحد لم يوجد له فرد ثاني لماذا؟ قال: لأنه مستحيل. مثلوا لهذا النوع بالإله قالوا: الإله لم يوجد في الخارج إلا فرد واحد، وهو الله عز وجل، هل يوجد فرد ثاني؟ العقل لا يمنع قالوه، لماذا؟ لأنه أفهم اشتراكًا بمجرد تعقل مدلوله حينئذٍ نقول: كونه في العقل أفهم اشتراكًا نظرنا في الخارج فليس إلا فرد، لم يوجد فرد آخر لماذا؟ لكونه يستحيل أن يوجد مع الله تعالى إله آخر، وأنا أقول: هذا المثال غلط. لماذا؟ لأن الإله هو فِعَال بمعنى مفعول من أَلِهَ يَأْلَهُ إِلهَةً وَأُلُوهَةً يعني ما عبد، فكل ما عبد سمي إلهًا، كل ما توجه له بعبادة ما قَلَّت أم كثرت سمي إلهًا سواء كان معبودًا بحق أو لا؟ إذًا الإله له أفراد، لماذا؟ لأن الآلهة التي عبدها المشركون سماها الله عز وجل من سابع سماء أنها آله، ولذلك هم اعترفوا {أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [ص: 5] حينئذٍ تسمى آلهة، فكل ما جعل معبودًا وتوسل إليه بأصناف العبادات أيًّا كانت قَلَّت أم كثرت هذا يسمى إلهًا، منزلة أخرى الإله الحق هذه مختصة بالله عز وجل، ولذلك نقول: لا إله حق إلا الله، فنفي الإلوهية الحقة عما سوى الله تعالى وإثباتها خالصة لله تعالى لو كانت هذه لا تسمى آلهة لما صح أن يقال: لا إله. لماذا؟ لأن لا النافية للجنس إنما تدخل على اسم جنس هو الذي يفهم اشتراكًا بين أنواع، وهذه الاشتراك بين الأفراد منها ما عبد بحق وهذا هو الله عز وجل، ومنها ما عبد بباطل وهو من صُرِفَت إليه العبادة سوى الله تعالى، إذًا مرادي بهذا أن تمثيل المناطقة بكلي له فرد في الخارج مع استحالة غيره بالإله، قالوا: لأنه خاص بالله. نحن نورد عليهم أمرين: الأمر الأول: أن الإله ليس خاصًا بالله عز وجل، فقط الإله ليس الإله حق يعني بوصف الأحقية هذا خاص بالله عز وجل، لكن مطلق لفظ الإله هذا يصدق على الأصنام كما أنه يصدق على من عبد الشمس بأنها إله، ويصدق من عبد القمر أو غيرها بأنه إله، هذا أولاً.

ثانيًا: قلتم بأن الإله الحق في الخارج لا يصدق إلا على فرد واحد حينئذٍ يقال: كيف تصور اللفظ أوقع الاشتراك بين أفراد متعددة؟ لو جوز العقل تعدد الآلهة في الذهن لكان ماذا؟ لكان شركًا، لماذا؟ لأن تصور فرد وفرد وَفرد كل منها يوصف بكونه إلهًا مألوهًا ولا يوجد مألوه إلا الله عز وجل، نقول: العقل يدل على ما جاء به الشرع، ولذلك ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى الدلالة على التوحيد من جهة الشرع ومن جهة العقل، فلا يدل الشرع على أن ما عدا الله لا يسمى إله ويجيزه العقل، لا هذا باطل وعلى هذا الكلام الذي قرره المناطقة حينئذٍ يكون دلالة الشرك أو عدم الدلالة على التوحيد مأخوذة من العقل، وهذا باطل فهمتم هذا؟ إله ما أفهم اشتراكًا بين أفراده، إله هذا كلي لأنه له أفراد، إذًا لا يمتنع أن يكون عندنا أفراد متعددة كل منها يوصف بكونه مألوهًا، طيب، هذه كونها مألوهًا بحق أو بباطل؟ إن قلنا: بحق. فجوز العقل التعدد الشرك، وهذا باطل العقل لا يدل على الشرك إن كانت بعدم أحقية، وحينئذٍ نقول: تخالف الفرد الخارج مع المدلول الذهني. الحاصل: أن هذا المثال فيه نظر ويحتاج إلى مثال آخر ولم أقف على مثال إلا ما ذكروه. إذًا [أو وجد منه فرد مع استحالة غيره كالآلة، أو مع إمكان غيره كشمس] لم توجد في الدنيا إلا شمس واحدة ولا مانع أن يكون ثَمَّ شمس ثانية وثالثة ورابعة، لكن لم تتعلق بها الإرادة وحينئذٍ لم توجد إلا شمس واحدة، والشمس هي: كوكب نهاري مضيء ينسخ وجوده أو ظهوره وجود الليل. وهذا يصدق بواحد أو باثنين أو بثلاث إلى ما لا نهاية، إذًا هذا النوع الثاني كلي لا يوجد منه في الخارج إلا فرد واحد إما مع الاستحالة كالإله على مثال المصنف أو مع الإمكان وهو كالشمس، أو وجد منه أفراد، وهذه الأفراد إما متناهية تنتهي أو غير متناهية، أفراد متناهية قالوا: كالإنسان والحيوان ينتهي. يعني: في الدنيا كلها تزول تنتهي، إذًا مدلول إنسان أفهم اشتراكًا حيوان ناطق، لكن هذه الأفراد موجودة بكثرة لكنها متناهية يعني تنتهي لها نهاية، [أو غير متناهية] كنعيم الجنة، نعيم الجنة هذا أفراد وهو غير متناهي، قال هنا: [كصفة]. صفة له مدلول وهو معنى قائم في النفس لا يمنع الاشتراك له أفراد ولكنها غير متناهية، لأنها تصدق على الله عز وجل وصفات الله تعالى غير متناهية كذلك موجود يطلق على الله عز وجل وهو صفة وهو غير متناهي كذلك الشيء إلى آخر ما يعيد، [فإنها تصدق بصفات الله تعالى القائمة بذاته التي لا نهاية لأفرادها] يعني الصفات. [كما دلت عليه السنة، واستحالة وجود ما لا نهاية له إنما تثبت في حق الحوادث] يعني الحوادث هو الذي يوصف بكونه [لا بأنه يستحيل أن يكون له أن] (¬1) يستحيل أن يكون ما لا نهاية له من الحوادث، هذا كلام الشارح، إذًا الكلي ستة أقسام من حيث التفصيل وثلاثة من حيث الإجمال. ¬

_ (¬1) سبق.

(وَعَكْسُهُ الجُزْئِِيُّ)، [(وَعَكْسُهُ) أي عكس الكلي (الجُزْئِِيُّ)، فهو ما لا يفهم الاشتراك بين أفراده بحسب وضعه كزيد] وهو علم [فإنه موضوع لمعنى مشخص لا يتناول غيره ولا يضر عروض الاشتراك اللفظي عند تعدد وضعه لأشخاص لأنه باعتبار كل وضع لا يدل إلا على معين مشخص] يعني زيد وزيد وَزيد هذا زيد وهذا زيد وهذا زيد، نقول هنا الاشتراك لفظي وليس هو باشتراك معنوي، فتعدد اللفظ هنا بتعدد الوضع والذي معنا الاشتراك يكون الوضع متحدًا، حينئذٍ نقول: الوضع هنا متعدد، إذًا [ما لا يفهم الاشتراك بين أفراده بحسب وضعه كزيد] فإن زيد [موضوع لمعنى مشخص لا يتناول غيره] يعني مدلول زيد ذاته، إذًا لا يدخل ذات عمر تحت مدلول زيد [لا يتناول غيره ولا يضر عروض الاشتراك اللفظي عند تعدد وضعه] يعني لا يضر بكونه جزئيًا عند تعدد الوضع، [ولا يضر] يعني وصف زيد بكونه جزئيًا، [عروض الاشتراك اللفظي] لأن الاشتراك المراد به هنا المعنى، وهو ما اتحد معناه ولفظه ووضعه، وأما الاشتراك اللفظي فهو تعدد في الوضع نعم [عند تعدد وضعه لأشخاص، لأنه باعتبار كل وضع لا يدل إلا على معين مشخص] فهذا زيد وهذا زيد وهذا زيد، هذا وضعه له معناه المشخص، وهذا وضعه له معناه المشخص وهكذا الثالث. وَهْوَ عَلَى قِسْمَيْنِ أَعْنِي المُفْرَدَا ... كُلِّيٌّ اوْ جُزْئِيُّ حَيْثُ وُجِدَا فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ الكُلِّيُّ ... كَأَسَدٍ وَعَكْسُهُ الجُزْئِِيُّ وَأَوَّلاً لِلذَّاتِ إِنْ فِيهَا انْدَرَجْ ... فَانْسُبْهُ أَوْ لِعَارِضٍ إذَا خَرَجْ - - - وَأَوَّلاً لِلذَّاتِ إِنْ فِيهَا انْدَرَجْ ... فَانْسُبْهُ أَوْ لِعَارِضٍ إذَا خَرَجْ (وَأَوَّلاً) مفعول لفعل محذوف يفسره انسبه الآتي أي انسب أولاً، وهو الكلي (لِلذَّاتِ) أي الماهية (إِنْ فِيهَا انْدَرَجْ) أي إن اندرج فيها بأن كان جزءًا لها جنسًا كالحيوان للإنسان أو فصلاً كالناطق له، (فَانْسُبْهُ) أي انسب الأول، وقد ذكر المصنف في شرحه أن أولاً مفعول لفعل محذوف كما قدرناه وأن فانسبه مفسر لذلك المحذوف. اعترض عليه بأن انسبه واقع بعد فاء الجواب، وما بعد فاء الجواب لا يعمل فيما قبلها فلا يفسر عاملاً فيه. وأجيب بأن انسبه مؤخر من تقديم، والتقدير وأولاً انسبه للذات أن اندرج فيها، وعلى هذا فيكون جواب الشرط محذوفًا لدلالة انسبه المذكور عليه قاله الملوي، ولا يخفى بعد الجواب لما فيه من التكلفات. وقوله: (أَوْ لِعَارِضٍ) أي انسب لعارض (إذَا خَرَجْ) عن الذات فلم يكن جزءًا لها بل كان خالصًا كالضاحك للإنسان، أو كان عرضًا عامًا كالماشي له فانسبه لعارض بأن تقول كلي عرضي، والنسبة على غير قياس، فعلم أن ما كان جزء الماهية جنسًا، أو فصلاً فهو كلي ذاتي، وما كان خارجًا عنها خاصةً أو عرضًا عامًا فهو كلي عرضي، وقضية ذلك خروج النوع كالإنسان عن الذاتي والعرضي فيكون واسطة بينهما، وهو أحد الأقوال الثلاثة. والقول الثاني: أن النوع ذاتيٌّ. وفسر الذاتي بما ليس خارجًا عن الماهية بأن كان جزءها أو تمامها. والقول الثالث: أن النوع عرضي. وفسر العرضي بما ليس داخلاً فيها بأن كان تمامها أو خارجًا عنها. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

(وَأَوَّلاً) ما هو؟ الكلي أراد أن يقسم الكلي إلى قسمين، هذا تدرج قسم اللفظ المستعمل إلى مركب ومفرد، ثم قسم المفرد إلى كلي وجزئي، ثم أراد أن يقسم لنا الكلي إلى ذاتي وعرضي، فما كان داخلاً في الذات فهو كلي ذاتي، وما كان خارجًا عن الذات فهو كلي عرضي. [(وَأَوَّلاً) هذا مفعول لفعل محذوف يفسره] قوله: (فَانْسُبْهُ). الآتي [أي: انسب أولاً، وهو الكلي] حينئذٍ يكون من باب الاشتغال. إِنْ مُضْمَرُ اسْمٍ سَابِقٍ فِعْلاً شَغَلْ ... عَنْهُ بِنَصْبِ لَفْظِهِ أَوِ الْمحَلّ فَالسَّابِقَ انْصِبْهُ بِفِعْلٍ أُضْمِرَا ... حَتْمًا مُوَافِقٍ لِمَا قَدْ أُظْهِرَا

يعني: واجب الإضمار، إذًا [انسب أولاً وهو الكلي (لِلذَّاتِ) أي الماهية] تقول: كلي ذاتي. انسبه يعني: أضفه إليه وائت بياء النسبة فقل: كلي ذاتي. (إِنْ فِيهَا انْدَرَجْ) إن اندرج فيها يعني [بأن كان جزءًا لها]، وهذا يصدق على شيئين اثنين من الكليات وهو: الجنس، والفصل. ولذلك قال: [أي إن اندرج فيها]. يعني: في الذات [بأن كان جزءًا لها] جزءًا من الذات داخلاً في الذات، وهذا إن ما أن يكون [جنسًا كالحيوان للإنسان] لأن الإنسان تعريفه حيوان ناطق، حيوان ناطق يعني: مفهوم الإنسان ذاته حيوان ناطق، فالحيوان جزء من الماهية، وهو الجنس، والناطق جزء من الماهية وهو فصل، إذًا الكلي الذاتي محصور في شيئين: الجنس، والفصل. [بأن كان جزءًا لها جنسًا كالحيوان للإنسان أو فصلاً كالناطق له، (فَانْسُبْهُ) أي انسب الأول، وقد ذكر المصنف في شرحه أن أولاً مفعول لفعل محذوف كما قدرناه] يعني وافق الشارح هنا صاحب الأصل، [وأن فانسبه مفسر لذلك المحذوف] وأعربه على ما أعربه الشارح نفسه يعني: الأخضري رحمه الله تعالى، حينئذٍ فيه اعتراض وهو أن قوله: (وَأَوَّلاً)، (فَانْسُبْهُ). هذا جاء متى؟ وأولاً للذات إن فانسبه إن ما بعد الشرط أو الفاء الواقعة في جواب الشرط لا يفسر ما قبله، والأصل أنه يتعين الرفع هنا على القاعدة النحوية أن أول هنا واجب الرفع، وأول بالذات هذا الأصل لكن الناظم نصبه فأراد به أن يكون من باب الاشتغال لكن يرد عليه ماذا؟ أنه يجوز أن يتسلط العامل المتأخر على السابق المتقدم فينصبه بشرط أن لا يوجد مانع، وعده من الموانع أن يكون الفاصل بين الاسم والمتأخر إن الشرطية أو فاء الجزاء، وهنا وجد فيه أداة الشرط وهو إن ووجد فيه كذلك فاء فَاء الجزاء، وما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله فلا يفسره كيف يقول هذا؟ قال: [واعترض] هنا [عليه بأن انسبه واقع بعد فاء الجواب، وما بعد فاء الجواب لا يعمل فيما قبلها فلا يفسر عاملاً فيه]. حينئذٍ يجب رفعه على أنه مبتدأ والمسوغ التفصيل، [وأجيب] بجواب متكلف فيه بجواب يعني: فيه نظر لا يسلم، بأن قوله: [انسبه مؤخر من تقديم]. يعني: الكلام فيه تقديم وتأخير، وأصل التركيب هكذا وأولاً انسبه للذات إن فيها اندرج، أين جواب الشرط؟ ليس قوله: (فَانْسُبْهُ). المتأخر لا، هذا متأخر أصله بعد قوله: (وَأَوَّلاً). وأولاً انسبه للذات، إذًا عمل لا إشكال فيه وواضح، (إِنْ فِيهَا انْدَرَجْ) فصلها (فَانْسُبْهُ) قدرها جملة ثانية، نقول: هذا فيه تكلف، [وأجيب بأن انسبه مؤخر من تقديم، والتقدير وأولاً انسبه للذات أن اندرج فيها] فانسبه للذات هذا الجملة محذوفة، (وعلى هذا] التقديم [فيكون جواب الشرط محذوفًا لدلالة انسبه المذكور عليه قاله الملوي) يعني في شرحه. [ولا يخفى بعد الجواب لما فيه من التكلفات] حينئذٍ الاعتراض باقي على المصنف، كيف نصبت والأصل أنك ترفع؟ [وقوله: (أَوْ لِعَارِضٍ)]. أو للتنويع يعني انسب الكل لعارض يعني انسب الأول لعارض فقل عرضي، كما نسبت الكلي إلى الذات فقلت: ذاتي.

[(إذَا خَرَجْ) عن الذات فلم يكن جزءًا لها بل كان خالصًا كالضاحك للإنسان] الإنسان حيوان ناطق، الضاحك يعني: قابل الضحك يعني قابل للضحك لا يشترط فيه أن يكون بالفعل، الإنسان يقبل أن يضحك لكن ليس المراد به أن يضحك أربعة وعشرين ساعة لا المراد أنه لو وجد سبب لضحك وعنده قابلية فالصفة موجودة فيه، حينئذٍ الضاحك يكون على مرتبتين: ضاحك بالفعل، وضاحك بالقوة. ضاحك بالفعل يعني: وقعت الضحك يضحك. وضاحك بالقوة يعني: لم يكن ضاحكًا بالفعل ولكنه عنده قابلية. وهذه في جميع أوصاف الناس يعني يكون نائم بالفعل، أنت نائم الآن لكن بالقوة لا بالفعل، إذا نمت بالفعل حينئذٍ أنت نائم، وكذلك الأكل والشرب أنت الآن آكل لكن بالقوة فكل صفة فيك قابلة للإيجاد والعدم حينئذٍ إذا وجدت بالفعل فتقول: هذا صفة بالفعل آكل بالفعل، شارب بالفعل، جالس بالفعل، وإذا لم تكن حينئذٍ أنت قابل لها، فمثلاً القيام أنت الآن قائم أليس كذلك؟ أنت الآن جالس أو قائم؟ أنت الآن جالس وقائم في وقت واحد، لكنك جالس بالفعل وقائم بالقوة لأنك لو أدرت أن تقوم قمت أليس كذلك؟ أنت الآن جالس مستيقظ ونائم، مستيقظ بالفعل ونائم بالقوة، إذًا كل صف للإنسان يجوز فيه الوجهان هنا قال: [إذا خرج عن الذات فلم يكن جزءًا لها بل كان خاصًا كالضاحك للإنسان]. هذا عرض [أو كان عرضًا عامًا] خص هو العرض لكنه عرضٌ خاص يعني أوصاف متعلقة بالإنسان خارجة عن الذات، لكنها متعلقةٌ به لأن الذي يضحك هو الإنسان، قيل: مختصٌ الضحك بالإنسان. [أو كان عرضًا عامًا] يعني للإنسان وغيره لا يختص به بخلاف الأول الضاحك هذا عرض، لكنه عرضٌ خاص، خاصٌ بمن؟ بالإنسان، الماشي هذا عرض كذلك لكنه عام لأنه لا يختص بالإنسان، التحرك الحركة هذا عرض لكنه عرضٌ عام لأنه ليس خاصًا بالإنسان، أو [عرضًا عامًا كالماشي له] يعني الإنسان [فانسبه لعارض بأن تقول كلي عرضي، والنسبة على غير قياس]، لأن عارض عارضيُّ سابق وفيه نظر، [فعلم أن ما كان جزء الماهية جنسًا، أو فصلاً فهو كلي ذاتي]، [أن ما كان جزء الماهية ٍ يعني بعض الماهية داخلاً في الماهية، والركن جزء الذاتي والشرط خرج هنا نقول: الفصل والجنس جزء الذاتي والعرض العام والخاص يكون خارجًا عن الذات، [جنسًا، أو فصلاً فهو كلي ذاتي وما كان خارجًا عنها خاصةً] يعني عرضًا خاصًا، [أو عرضًا عامًا فهو كلي عرضي]. - - - وَالكُلِّيَاتُ خَمْسَةٌ دُونَ انْتِقَاصْ ... جِنْسٌ وَفَصْلٌ عَرَضٌ نَوْعٌ وَخَاصْ

(وَالكُلِّيَاتُ) بتخفيف الياء للضرورة جمع كلي (خَمْسَةٌ دُونَ انْتِقَاصْ) أي من غير نقص، أي ولا زيادة أيضًا. أولها (جِنْسٌ) وهو الكلي المقول على كثيرين مختلفين في الحقيقة في جواب ما هو كالحيوان فإنه يقال على الإنسان والفرس والحمار، ويصدق عليها في جواب قول القائل: ما الإنسان والفرس والحمار؟ فقال في الجواب: حيوان. وإن شئت قلت في تعريف الجنس: هو جزء الماهية الصادق عليها وعلى غيرها. (وَ) ثانيها (فَصْلٌ) وهو جزء الماهية الصادق عليها في جواب أي شيءٍ المميز لها عن غيرها، كالناطق بالنسبة للإنسان. وثالثها (عَرَضٌ) عام، وهو: الكلي الخارج عن الماهية الصادق عليها وعلى غيرها كالماشي بالنسبة للإنسان، ولا يقع العرض العام في الجواب. ورابعها (نَوْعٌ) وهو الكلي المقول على كثيرين متحدين في الحقيقة في جواب ما هو كإنسان فإنه يصدق على زيد وعمرو وبكر فيقع جوابًا عنها في مثل قولك: ما زيد وعمرو وبكر؟ فيقال في الجواب: إنسان. (وَ) خامسها (خَاصْ) أي خاصة فحذفت التاء للضرورة، وهو الكلي الخارج عن الماهية الخاص بها كالضاحك للإنسان. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ إذًا أربعة أقسام بَيَّن حكمها الجنس والفصل ذاتيان، كلها كليات الجنس والفصل ذاتيان، والخاص والعرض العام عرضيان، ماذا بقي؟ بقي النوع، هل هو ذاتيٌ أم عرضي؟ فيه ثلاثة أقوال، الجنس والفصل باتفاق ذاتيان، الخاصة والعرض العام باتفاق عرضيان، النوع فيه خلاف، ولذلك قال هنا: [وقضية ذلك]. يعني: التقسيم من الناظم على ما سبق، [خروج النوع كالإنسان عن الذاتي والعرضي فيكون واسطة بينهما] حينئذٍ [الذاتي سبق] (¬1) النوع [ليس] (¬2) هو كلي قطعًا لكنه ليس بذاتي ولا بعرضي، حينئذٍ الكلي يكون ثلاثة أقسام: كليٌ ذاتي، كليٌ عرضي، كليٌ لا ذاتي ولا عرضي. وهو النوع. [والقول الثاني: أن النوع ذاتيٌّ]، لأنه إذا قيل: النوع لا عرضي ولا كلي والأقوال ثلاثة، إذًا قيل: النوع ذاتيٌّ، وقيل: النوع عرضيٌّ، وقيل: النوع لا ذاتي ولا عرضي، وهذا هو المشهور أنه لا ذاتي ولا عرضي، [والقول الثاني: أن النوع ذاتيٌّ] يعني داخلٌ في جزء الماهية منسوبٌ إليها، [وفسر الذاتي] حينئذٍ ليس بما اشتهر بأنه جزءٌ الماهية، [بما ليس خارجًا عن الماهية] وفسر ذلك وصور [بأن كان جزءها أو تمامها]، لأن تمام الماهية هو النوع، نحن نقول ماذا؟ الإنسان حيوانٌ ناطقٌ، حيوانٌ جزء الماهية جنس ناطقٌ جزء الماهية فصلٌ تمامها هذا النوع يعني جمع الحيوان مع الناطق يسمى نوعًا، لأنه هو المرادف للفظ إنسان فصار نوعًا، حينئذٍ فُسِّرَ الذاتي بما ليس خارجًا عن الماهية بأن كان جزءها كالحيوان والناطق أو كان تمامها. [والقول الثالث: أن النوع عرضي، وفسر العرضي بما ليس داخلاً فيها بأن كان تمامها أو خارجًا عنها] فُسِّرَ العرضي بماذا؟ [بما ليس داخلاً فيها] يعني ليس داخلاً في الماهية، ثم تفسير ما ليس داخلاً في الماهية [بأن كان تمامها] وهو النوع، [أو خارجًا عنها] وهو الخاصة، والعرض العام، إذًا ثلاثة أقوال في النوع لكن المشهور هو أنه ليس بذاتي ولا بعرضي. أسئلة: ¬

_ (¬1) سبق. (¬2) سبق.

س: هذا يقول: كليٌّ وجد منه فرد مع استحالة غيره لا يمكن أن نمثل بواجب الوجود؟ ج: كلي وجد فرد مع استحالة غيره، إذا قلت ذلك معناه أن العقل لا يمنع تعدد واجب الوجود صحيح؟ لأن إذا كان كلي، ما معنى كلي؟ ما أفهم اشتراك يعني له أفراد في الذهن له أفراد، فالعقل لا يمنع تعدد واجب الوجود، وهذا باطل لأنه صار مجوزًا للشرك، وهذا باطل فالعقل يمنع الشرك، والعقل يدل على وجوب التوحيد، وهذا متطابق مع الشرع، فإذا قلنا: الإله المراد به الإله الحق في الخارج، وجوزنا التعدد في الذهن جوزنا الشرك تعدد الآلهة وكل واحد إله بحق، وهذا لا يمكن، كذلك واجب الوجوب إذا قلنا: أنه كلي حينئذٍ له أفراد ما لا نهاية في الذهن، وهذا واجب الوجود، وهذا واجب الوجود، وهذا واجب، وهذا باطل هذا، إذًا لو جوز ذلك لدل على أن العقل يجيز الشرك، وهذا باطلٌ بإجماع أهل السنة والجماعة، إذًا عرفنا الآن أن الكلي إما ذاتي، وإما عرضي، والذاتي هو ما كان داخلاً في الذات ويدخل تحته نوعان من أنواع الكليات وهو: الجنس، والفصل. والثاني: الكلي العرضي وهو ما كان خارجًا عن الذات، ويدخل تحته نوعان الخاصة ويسميه البعض بالعرض الخاص، والثاني: العرض العام، بقي النوع ففيه ثلاثة أقوال: ذاتي، عرضي، لا ذاتي ولا عرضي. والمراد بالنوع تمام الماهية يعني عندنا جزء الماهية يعني بعض الماهية، وجاء الجزء الثاني كملها، أليس كذلك؟ نقول: الإنسان ما هو؟ حيوانٌ ناطق، هل الحيوان هو عين الماهية ماهية الإنسان؟ لا هو جزءٌ منها، ناطق هل هو عين الإنسان؟ لا هو جزءٌ منها، إذًا الماهية أو الكلي الذاتي جزءٌ من الماهية (تمامها) تركيبها الحيوان ناطق فنقول: هذا هو النوع. إذًا ما كان جزء الماهية أو تمامها التمام هنا يكون هو النوع فهو خارجٌ عن الذاتي وخارجٌ عن العرضي، ثم أراد أن يفصل لنا الكليات الخمس، الكليات الخمس هذه هي مبادئ التصورات لأن المقاصد هي المعرفات تعرف بماذا؟ تركب التعريف بماذا؟ إمَّا جنس، وفصل، إما جنس بعيد، وفصلٌ قريب ونحو ذلك، هذه هي المادة التي تركب منها التعريفات، ولذلك يقال: مبادئ التصورات. وهي الكليات الخمس، وما سبق كله مقدمات. ثانيًا: المقاصد، مقاصد تصورات وهي المعرفات يعني التي تكون هيئةً للمادة السابقة وهي الكليات الخمس. قال: [(وَالكُلِّيَاتُ) بتخفيف الياء للضرورة]. كليّ أصلها بالتشديد [بتخفيف الياء للضرورة جمع كلي (خَمْسَةٌ)] يعني بالاستقراء والتتبع لا تخرج عنها، [(دُونَ انْتِقَاصْ) أي من غير نقص أي ولا زيادة أيضًا].

فالحاصل [أولها (جِنْسٌ)] أولها الجنس [وهو] أي تعريف الجنس، [الكلي] لا بد أن نأخذ الاسم المقسوم نأخذه جنسًا في حد القسم، وهذا مر معنا مرارًا، [الكلي] ينقسم إلى جنس وفصل إلى آخره، إذا أردنا أن نعرف الجنس نقول: [هو الكلي]. إذًا كليٌّ بمعنى أنه أفهم اشتراكًا بين أفرادٍ، [الكلي المقول] المقول والقول والحمل هنا بمعنى واحد يعني الذي يحمل على غيره هذا المراد بـ[المقول]، فالقول هنا والصدق بمعنى الحمل، كلي مقولٌ [المقول على كثيرين] على متعددين، هذا الأصل لماذا؟ لأن مفهوم الكلي ما أوقع اشتراكًا، وأوقع اشتراكًا لا بد أن يكون بين متعدد، أليس كذلك؟ وأقل التعدد اثنان، إذًا قوله: [على كثيرين]. اثنان فأكثر وليس المراد به ثلاثة فأكثر، إنما المراد به اثنان فأكثر، [مختلفين في الحقيقة] إذًا حقائقها مختلفة ليست متحدة [في جواب ما هو] يعني يقع الجنس من حيث الضابط في جواب ما هو، [كالحيوان] الحيوان جنس هذا جنس، لأن [الكليٌّ المقولٌ على كثيرين] يعني محمول يصدق يخبر به عن كثيرين مختلفين في الحقيقة، ويقع في جواب ما هو، قد يقال ما هو الإنسان والفرس والبغل والحمار؟ أعطيني جواب هذه الأفراد كلها يكون قدرًا مشتركًا بينها حيوان، إذًا هذا يسمى جنسًا فرد إنسان وفردٌ بغل، وفردٌ فرس، هل هذه متفقة في الحقيقة أو مختلفة؟ مختلفة في الحقيقة، إذًا هذا يسمى جنسًا كل لفظٍ يصدق يعني يخبر به على كثيرين اثنين فأكثر، وكانت هذه الكثرة أو التعدد بين حقائق مختلفة يعني هذا له ماهية، وهذا له ماهية، الإنسان مختلف عن البغل، إذًا هذا له حقيقة، وهذا له حقيقة، اختلفت الحقائق وصدق عليهما لفظٌ واحد وهو حيوان، ومن ضوابطه أن يصح الإخبار به عن كل فردٍ على حدة، فيقال: الإنسان - العوام يسمعون هذا - حيوان، والفرس حيوان، والبغل حيوان، صح أو لا؟ صح، إذًا هذا [ها ها] يسمى جنسًا، هنا قال: [في جواب ما هو كالحيوان فإنه يقال]. يعني: يحمل ويخبر به على الإنسان والفرس والحمار هذه حقائق كثيرة مختلفة، [ويصدق عليها في جواب قول القائل] السائل [ما الإنسان والفرس والحمار؟ فقال في الجواب: حيوان]، إذًا واضح هذا الجنس؟ حقائق مختلفة متعددة أفراد كل فردٍ له حقيقة، القدر المشترك بينها هو الذي يسمى جنسًا، [فقال في الجواب: حيوان. وإن شئت قلت في تعريف الجنس: هو جزء الماهية الصادق عليها وعلى غيرها]. [جزء الماهية] من الإنسان، [الصادق عليها] على الإنسان وعلى غيرها، فإذا قلت: الإنسان حيوانٌ ناطق. حيوان هذا جنس يصدق على الإنسان وعلى غير الإنسان كالفرس والبغل، واضح هذا؟ [جزء الماهية) يعني ماهية الإنسان مثلاً، [الصادق عليها] ماهية الإنسان (وعلى غيرها) فلا يمنع الاشتراك على الأصل، هذا الجنس.

[(وَ) ثانيها (فَصْلٌ) وهو: جزء الماهية الصادق عليها] فقط دون غيرها الذي يحصل به التمييز لأنك إذا قلت: الإنسان حيوانٌ. اشترك دخل في الفرس إلى آخره، فإذا قلت: الناطق، حيوانٌ ناطق. [كونهم] (¬1) ما معنى ناطق؟ ليس المراد منه أنه لا يلفظ لا، المراد به القوة العاقلة العقل الذي يميز به بين البهيمة والإنسان، هذا المراد بالناطق، حينئذٍ قولك: الناطق. حصل تمييز لغير الإنسان عن الإنسان، جزء الماهية وهو جزءٌ من الماهية لأن القوة العاقلة داخلةٌ في مفهوم الإنسان [الصادق عليها] فقط دون غيرها، ولذلك حصل بها التمييز، [في جواب أي شيءٍ هو) يعني في ذاته، ... [المميز لها عن غيرها، كالناطق بالنسبة للإنسان]، إذًا الفصل [جزء الماهية الصادق عليها] فقط يعني الذي يميز الإنسان عن غيره، فإذا قلت: الإنسان. في تعريفه وجئت بالجنس فقط أنه حيوان، حيوان يصدق على الإنسان وعلى غيره، هذا لم يكن مانعًا حينئذٍ لا بد من كلمةٍ تُخْرِج ما عدا الإنسان، فتقول: الناطق. إذًا الناطق لو كان مشتركًا بين الإنسان وغيره ما حصل به التمييز، أليس كذلك؟ لو كان لفظ الناطق مشتركًا بين المعرف أو الإنسان وبين غيره ما حصل به التمييز، وإنما يحصل التمييز بين الحقائق المختلفة بالفصل وهو داخلٌ في الماهية. [وثالثها (عَرَضٌ) عام، وهو: الكلي الخارج عن الماهية] عرفنا الخارج فيما سبق، [الصادق عليها وعلى غيرها] هذا أشبه ما يكون قريبًا من الجنس، لكن الجنس داخلٌ في الماهية ويصدق عليها وعلى غيرها، العرض العام خارجٌ عن الماهية ويصدق عليها وعلى غيرها، أليس كذلك؟ [كالماشي] والمتحرك [بالنسبة للإنسان، ولا يقع العرض العام في الجواب]، إذًا الماشي لو قيل: الإنسان هو الماشي. ما حصل به التمييز، لماذا؟ لأن الماشي يصدق على الإنسان وعلى غيره، إذًا لا يحصل به التعريف. [ورابعها (نَوْعٌ)] النوع الذي قلنا: ليس بذاتي ولا بكلي، [وهو الكلي المقول على كثيرين متحدين في الحقيقة في جواب ما هو]، هنا اتحد النوع مع الجنس لأنه في جواب ما هو هذا أولاً، ثم كلي مقول على كثيرين اتحد على الجنس، إلا أن الفرق أن الجنس مختلفة الحقائق والنوع متحدة الحقائق زيدٌ، وبكرٌ، وعمرو، وخالد حقائقهم واحدة لو قلت: ما زيدٌ، وبكرٌ، وعمرو؟ قلت: إنسان. إذًا زيدٌ إنسان، وبكرٌ إنسان، وعمرو إنسان، كما قلت هناك في الحيوان كذا إلى آخره، حينئذٍ نقول: هذا يسمى نوعًا، إذًا كليٌّ مقولٌ على كثيرين متحدين في الحقيقة يعني حقائقهم متحدة ليست مختلفة كما هو الشأن في الجنس [في جواب ما هو] كلفظ إنسان فإنه نوعٌ، [فإنه يصدق على زيد وعمرو وبكر] فزيدٌ إنسان، وعمرو إنسان، وبكرٌ إنسان، وحقيقة زيد هي عينها حقيقة عمرو بخلاف إذا قلت: الحيوان فرس، وبغل، وعقرب، وحية. حقائقها مختلفة، أليس كذلك؟ هنا الحقائق متحدة مع أن الجنس يصدق على متعددين، ولكن حقائق مختلفة، ذلك النوع هنا يصدق على متعددين ولكنها حقائق متحدة، [فيقع جوابًا عنها في مثل قولك: ما زيد وعمرو وبكر؟ فيقال في الجواب: إنسان] واضحٌ؟ نعم. ¬

_ (¬1) سبق.

[(وَ) خامسها (وَخَاصْ)]، (جِنْسٌ وَفَصْلٌ عَرَضٌ نَوْعٌ وَخَاصْ) بالتخفيف مع ترخيم حذف التاء يعني وقع فيه ضرورة من جهتين (أي خاصة فحذفت التاء للضرورة]، وهو بالتشديد كذلك [وهو الكلي الخارج عن الماهية الخاص بها]، إذًا كلي لأنه قسمٌ من أقسام الكلي ... [الخارج عن الماهية]، لأنه مر معنا أن الكلي العرضي يشمل نوعين: عرضٌ عام، وعرضٌ خاص، وهو الخاص، إذًا هو خارجٌ عن الماهية ... [الخاص بها] يعني الذي يميزها، هذا يقابل ماذا؟ يقابل الفصل [أحسنت]، فالفصل يميز، والخاص كذلك يميز، فيختص بالماهية إلا أن الفصل داخلٌ في الماهية، والخاصة هنا خارجٌ عن الماهية فالفرق بينهما من هذه الحيثية، [وهو الكلي الخارج عن الماهية الخاص بها كالضاحك للإنسان]، وهذا خاصٌ به يعني الذي قيل لا يضحك إلا الإنسان، وما عداه فلا يتصف به بهذا. - - - وَأَوَّلٌ ثَلاثَةٌ بِلاَ شَطَطْ ... جِنْسٌ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ أَوْ وَسَطْ (وَأَوَّلٌ) أي الجنس (ثَلاثَةٌ بِلاَ شَطَطْ) أي بلا زيادة (جِنْسٌ قَرِيبٌ) وهو ما لا جنس تحته، بل تحته الأنواع كالحيوان فإنه لا جنس تحته، وإنما تحته الأنواع كالإنسان والفرس ونحوهما، (أَوْ) جنس (بَعِيدٌ) وهو ما لا جنس فوقه وتحته الأجناس كالجوهر) ((أَوْ) جنسٌ (وَسَطْ) أي متوسط، وهو ما فوقه جنس وتحته جنس كالجسم فإن فوقه الجوهر وتحته الحيوان) ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ (وَأَوَّلٌ) ما هو؟ الجنس، أراد أن يقسم لنا الجنس إلى ثلاثة أنواع: جنسٍ قريب، جنسٍ بعيد، جنسٍ متوسط. (وَأَوَّلٌ) بالتنوين [أي: الجنس، (ثَلاثَةٌ بِلاَ شَطَطْ) أي بلا زيادة] شططٌ (بِلاَ شَطَطْ) لا بشطط هذا مثل بلا زاد الباء داخلةٌ على شطط، (أي بلا زيادة (جِنْسٌ قَرِيبٌ)] [وحدّه] (¬1) وتعريفه (ما لا جنس تحته) الأجناس عرفنا حد الجنس، بعضها متداخل، أعلى الأجناس يسمى بعيد الأبعد، وهل له وجود أم لا؟ هذا فيه خلاف، أدنى الأجناس هذا القريب بعضها متوسط، إذًا ما لا جنس تحته يسمى قريبًا، ما لا جنس فوقه يسمى بعيدًا، ما تحته أنواع وفوقه جنس يسمى متوسطًا يعني يأتي على مراتب ثلاثة: جنس، وجنس، وجنس. هنا الجنس القريب لا جنس تحته، ولذلك قال: (ما لا جنس تحته بل تحته الأنواع)، ثم قد يكون فوقه جنس، ثم قد يكون فوق الجنس جنس، وقد لا يكون فوقه شيءٌ البتة، البعيد ذاك انتهى وقف، مثل ما يكون منتهى الجموع صيغة منتهى الجموع الذي لا يجمع بعد الجمع، كلب، أكلب، أكالب، [(قَرِيبٌ) وهو ما لا جنس تحته بل تحته الأنواع كالحيوان فإنه لا جنس تحته، وإنما تحته الأنواع كالإنسان والفرس ونحوهما، (أَوْ) جنس (بَعِيدٌ) وهو ما لا جنس فوقه وتحته الأجناس كالجوهر)، وهذا شيخ الإسلام رحمه الله تعالى اعترض عليه، ((أَوْ) جنسٌ (وَسَطْ) أي متوسط، وهو: ما فوقه جنس وتحته جنس كالجسم فإن فوقه الجوهر وتحته الحيوان)، وهذا فائدته أن الذي يؤخذ في الحد إنما هو الجنس القريب فقط الحد التام إنما هو الجنس القريب، فيميز الناظر بين الجنس القريب من المتوسط من البعيد من أجل أن لا يخل بالتعاريف، ويأتي بحثه بعد الصلاة في الفصل الذي يليه، والله أعلم. ¬

_ (¬1) سبق.

وصلَّ الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. - - -

5

عناصر الدرس * فصل في نسبة اللفظ إلى معناه. * فصل في بيان الكل والكلية والجزء والجزئية. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد. قال الناظم رحمه الله تعالى: - - - فصل في: نِسْبَةِ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي وَنِسْبَةُ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي ... خَمْسَةُ أَقْسَامٍ بِلاَ نُقْصَانِ تَوَاطُؤٌ تَشَاكُكٌ تَخَالُفُ ... وَالِاشْتِرَاكُ عَكْسُهُ التَّرَادُفُ (فصلٌ في نِسْبَةِ اللفظِ إلى معناه) ونسبة معنى لفظٍ إلى معنى لفظٍ آخر، ونسبة لفظٍ إلى لفظٍ آخر ليدخل الترادف). (وَنِسْبَةِ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي) أي مع المعاني على أن اللام بمعنى مع، والمراد بالمعنى ما يعنى أي يقصد فيشمل الأفراد، ومتعلق النسبة محذوف أي لبعضها، ففي الكلام حذفٌ، أي ونسبة الأَلفاظ والمعاني بعضها لبعضٍ (خَمْسَةُ أَقْسَامٍ بِلاَ نُقْصَانِ) ولا زيادة، لأن اللفظ إما كلي أو جزئي والأول إن كان معناه واحدًا، فإن كان مستويًا في أفراده فالنسبة بينه وبين أفراده (تَوَاطُؤٌ) وهو القسم الأول من الخمسة كالإنسان، فإن معناه لا يختلف في أفراده، ويسمى ذلك المعنى متواطئًا لتواطؤ أفراده أي توافقها فيه، فإن أفراد الإنسان كلها متوافقةٌ في معناه من الحيوانية والناطقية وإنما الاختلاف بينها بعوارض خارجةٍ كالبياض والسواد والطول والقِصَر، فإن كان معناه مختلفًا في أفراده كالنور فإن معناه في الشمس أقوى منه في القمر، وكالبياض فإن معناه في العاج أقوى منه في الثوب فالنسبة بينه وبين أفراده (تَشَاكُكٌ) ويقال للمعنى: مشككٌ لأن الناظر إذا نظر في الأفراد باعتبار أصل المعنى ظنه متواطئًا، وإذا نظر فيها باعتبار التفاوت ظنه مشتركًا فحصل له التشكك، ويسمى اللفظ في الأول متواطئًا كمعناه، وفي الثاني مشككًا كمعناه، وإذا نظر بين معنى اللفظٍ وبين معنى لفظٍ آخر، فإن لم يصدق أحدهما على شيءٍ مما صدق عليه الآخر فالنسبة بينهما تخالف أي تباين كالإنسان والفرس ويسمى معناهما متباينين كلفظيهما (و) اللفظ المفرد إن تعدد معناه كعينٍ للباصرة والجارية وكمِحْفَد بوزن مِنْبَر لطرف الثوب، وللقدح الذي يكال به فالنسبة بينه وبين ما له من المعاني (الاشْتِرَاكُ) لاشتراك المعنيين في اللفظ الواحد، وإن تعدد اللفظ واتحد المعنى كالإنسان والبشر فالنسبة بين اللفظين الترادف، كما قال: و (عَكْسُهُ) أي وعكس الاشتراك وهو تعدد اللفظ مع اتحاد المعنى (التَّرَادُفُ) لترادف اللفظين على المعنى الواحد. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ (فصلٌ في نسبة اللفظ إلى معناه) هكذا في الشرح، وإن كان المشهور في المتن بـ (نِسْبَةِ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي)، وهو أولى وهو المشهور (في نسبة اللفظ إلى معناه).

قال الشارح: (ونسبة معنى لفظٍ إلى معنى لفظٍ آخر، ونسبة لفظٍ إلى لفظٍ آخر ليدخل الترادف). قول المصنف: (نسبة اللفظ إلى معناه). هنا النسبة عند المناطقة والنظر في هذا البحث إما أن يكون نسبة اللفظ إلى معناه، يعني: معنى اللفظ نفسه، أو يكون النظر بين معنى لفظ ومعنى لفظٍ آخر، أو يكون النظر بين لفظٍ ولفظ دون المعنى حينئذٍ القسمة من حيث الإجمال ثلاثة أقسام، وعبارة المصنف لا تفيد هذه الأقسام الثلاثة (نسبة اللفظ إلى معناه) أو (نِسْبَةِ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي) لا تفيد من حيث الظاهر إلى هذه الأقسام، ولذلك قال: (ونسبة معنى لفظٍ إلى معنى لفظٍ آخر). زاده على ما ذكره الناظم، وهذا هو التباين (ونسبة لفظٍ إلى لفظٍ آخر ليدخل الترادف)، لأن النظر هنا منه ما هو معتبرٌ بين معنى اللفظ وأفراده، هي خمسة كما ذكر (وَنِسْبَةُ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي ** خَمْسَةُ أَقْسَامٍ)، منه ما هو معتبرٌ بين معنى اللفظ وأفراده، وهذا تحته قسمان من الخمسة: التواطؤ، والتشاكك. لأن النظر هنا بين اللفظ ومعناه، بين اللفظ والمعنى نفسه لا باعتبار معنى لفظٍ آخر ولا باعتبار لفظٍ آخر، إنما النظر يكون إلى اللفظ نفسه باعتبار معناه، وهذا يدخل تحته التواطؤ والتشاكك، ومنه ما هو معتبرٌ بين معنى لفظٍ ومعنى لفظٍ آخر، وهذا هو التباين، ومنه ما هو معتبرٌ بين اللفظ ومعناه، وذلك هو الاشتراك المشترك، ومنه ما هو معتبرٌ بين لفظٍ ولفظٍ آخر وذلك هو الترادف، هذه خمسة أقسام، ولذلك قال: (خَمْسَةُ أَقْسَامٍ بِلاَ نُقْصَانِ). وقول المصنف: (نِسْبَةِ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي). لا يفي إلا بقسمٍ واحد، # ..... 02.44 الذي بين اللفظ ومعناه، وهو الاشتراك.

وقد أخبر عنه بقوله: (خَمْسَةُ أَقْسَامٍ). حينئذٍ كيف يقال: بأن نسبة الألفاظ للمعاني، يعني: اللفظ لمعناه خمسة أقسام؟ ليس الأمر كذلك، إذًا لا بد من التقدير، أجيب بأن في كلامه اكتفاء، اكتفاء، يعني: أن يذكر شيء ويدل عليه اللفظ أو يدل عليه اللفظ على شيءٍ آخر لم يذكره، والتقدير ونسبة الألفاظ للمعاني وللألفاظ، ونسبة المعاني للمعاني والأفراد، التقدير هكذا نسبة الألفاظ للمعاني وللألفاظ، ونسبة المعاني للمعاني والأفراد، قال الشارح في قول الناظم البيت: (وَنِسْبَةُ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي). هذا توجيهٌ آخر والأول أولى أن يكون فيه اكتفاء لأن الاكتفاء موجودٌ في لسان الأعراب، (وَنِسْبَةُ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي) أي مع المعاني، يعني: مع نسبة المعاني على أن اللام بمعنى مع، كأنه قال: ونسبة الألفاظ مع نسبة المعاني. ثم نأتي إلى المعاني. نقول: والمراد بالمعنى ما يعنى أي يقصد، والذي يقصد قد يكون الأفراد وقد يكون غيره، فيشمل الأفراد حينئذٍ وعليه فيصير كلام المصنف هكذا ونسبة الألفاظ مع نسبة المعاني، ولا شك أن هذا يصدق بنسبة الألفاظ للمعاني وللألفاظ، ونسبة المعاني للمعاني، إما حقيقةً أو بمعنى الأفراد، يعني: نُعَمِّم معنى المعنى، لأن المعنى معنى اللفظ هو ما يقصد من اللفظ، والذي يقصد من اللفظ هو معناه مدلوله، وهذا شيءٌ مدركٌ بالذهن، وأما أفراده فهذا منفك إنما ما يصدق عليه قلنا: إنسان. إنسان معناه حيوان ناطق هذا معناه، والفرد زيد، وبكر، وعمرو ليس داخلاً في مفهومه، وإنما هو يصدق عليه، إذًا نُعَمِّم معنى المعنى فيشمل المعنى الذي هو مدلول اللفظ، ويشمل الأفراد على كلٍّ المراد هنا أن في عبارته قصورًا، [فيشمل الأفراد، ومتعلق النسبة محذوف أي: لبعضها، ففي الكلام حذفٌ أي (وَنِسْبَةُ الأَلْفَاظِ) والمعاني بعضها لبعضٍ]، إذًا مراده بهذا البحث أن يُنْظَر بين اللفظ ومعناه، ما العلاقة بينهما؟ أن يُنْظَر بين معنى لفظٍ ومعنى لفظٍ آخر ما العلاقة بينهما؟ أن ينظر بين لفظٍ ولفظٍ آخر، هذه ثلاثة أقسام ينطوي تحتها خمسةُ أقسام، وهذا هو المراد. وَنِسْبَةُ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي ... خَمْسَةُ أَقْسَامٍ بِلاَ نُقْصَانِ

[ولا زيادة، لأن اللفظ إما كلي أو جزئي والأول] الذي هو الكلي [إن كان معناه واحدًا، فإن كان مستويًا في أفراده] فالنسبة [بينه وبين أفراده (تَوَاطُؤٌ)]، قوله: (اللفظ إما كلي أو جزئي). هذا توطئة ليبين لك على المشهور أن هذه القسمة الخمسة الأقسام إنما هي للكل لا للجزء، وهذا فيه نظر، بل الصحيح أن التواطؤ والتشاكك هذا يختص بالكل، تواطؤ والتشاكك هذا يختص بالكل، وأما الباقي فهو غيرُ مختصٍ به بل يكون في الجزئي أيضًا، وله أمثلته سيأتي، إذًا الأول الذي هو الكلي [إن كان معناه واحدًا]، يعني: مدلوله واحدًا [فإن كان مستويًا في أفراده]، يعني: بدون تفاوتٍ بينها [فالنسبة بينه وبين اللفظ وبين أفراده (تَوَاطُؤٌ) وهو القسم الأول من الخمسة كالإنسان]، حينئذٍ المتواطئ هو الكلي الذي استوت أفراده في معناه من غير اختلافٍ وتفاوتٍ فيها فزيدٌ وبكرٌ وعمرو وخالدٌ كلٌّ منها إنسان، فزيدٌ حيوانٌ ناطق، وبكرٌ حيوانٌ ناطق، إذًا استوت الأفراد في معناه، أليس كذلك؟ بدون تفاوت، يعني: الحيوانية والناطقية الموجودة في زيد هي عينها موجودة في بكرٍ، وهكذا إن حصل تفاوت فإنما هو لأمورٍ خارجةٍ عنها عن الحقيقة، واضح؟ حينئذٍ يقول: حقيقة الإنسان، هذا معنى واضح، فإنسان كلي مدلوله حيوانٌ ناطق باعتبار أفراده هل الأفراد مستوية في هذا المعنى مدلول اللفظ؟ الجواب: نعم، إذا كانت مستوية لا فرق بينها ولا تفاوت ولا اختلاف حينئذٍ نقول: هذا متواطئ مأخوذ من التوافق [(تَوَاطُؤٌ) وهو القسم الأول من الخمسة كالإنسان، فإن معناه لا يختلف في أفراده]، بل هو متحد فالحيوانية الناطقية الموجودة في زيد هي بعينها بدون زيادةٍ أو نقصان في بكر، إذًا نقول: هذا تواطؤ [ويسمى ذلك المعنى متواطئًا لتواطؤ أفراده أي توافقها فيه]. توافقت، وهذا معنى التواطؤ، [فإن أفراد الإنسان كلها متوافقةٌ في معناه] معنى الإنسان [من الحيوانية والناطقية وإنما الاختلاف بينها] بين الأفراد [بعوارض خارجةٍ] والتفاوت في الأمور الخارجية عن المسمى غير معتبر هنا إنما المراد بالحقيقة فقط، حيوانٌ ناطق هذا المراد، الحيوانية الناطقية موجودةٌ في زيد وعمرو وخالد، إذًا تساوت وما عدا ذلك فلا عبرة به البتة.

[بعوارض خارجةٍ كالبياض والسواد والطول والقِصَر]، هذه ليست داخلةً في الماهية، بل هي من الخواص، أو من العوارض العامة كون زيدٍ طويلاً وكون عمرو قصيرًا لا نقول: تفاوتا، ليس بينهما متفاوت، إنما النظر يكون في ماذا؟ في مفهوم لفظ إنسان وهو الحيوانية الناطقية، وما عدا ذلك فالتفاوت فيه ليس بنقضٍ، هذا النوع الأول وهو: الكلي الذي استوت أفراده في معناه، عندنا كليٌّ لم تستوي أفراده في معناه بل اختلفت قوةً وضعفًا هذا نوعٌ آخر، ولذلك قال: [فإن كان معناه مختلفًا في أفراده كالنور]. مثلاً النور معلوم حينئذٍ له أفراد، لكن بعضها أقوى من بعضٍ هذا ليس بمتواطئ لأنها ليست متفقة [فإن معناه] أي النور [في الشمس أقوى منه في القمر] وهذا واضح، والبياض [كالبياض فإن معناه في العاج أقوى منه في الثوب]، وكذلك في الثلج مثلاً حينئذٍ حصل تفاوت في أفراد البياض، بعضها أكثر بياضًا من بعضٍ، إذًا حصل تفاوت في القوة والضعف، [فالنسبة بينه وبين أفراده (تَشَاكُكٌ)] بأن يكون المعنى الواحد ليس مستويًا في أفراده بل مختلف ومتفاوتٌ فيها، (ويقال للمعنى: مشككٌ) لماذا؟ (لأن الناظر إذا نظر في الأفراد باعتبار أصل المعنى ظنه متواطئًا)، يعني: يشك، الناظر المتأمل إذا وجد أبيض وأبيض وبعضه مختلف يحصل عنده تردد، لكون كلٍّ منها أبيض يظن أنه متواطئ، (وإذا نظر فيها باعتبار التفاوت ظنه مشتركًا)، ولذلك سمي مشككًا، لأن هذا المعنى يشكك الناظر هل هو من قبيل المتواطئ لاتفاقه بأصله؟ أو من قبيل المشترك لاتحاده في الأصل؟ أو للاختلاف؟ (وإذا نظر فيها باعتبار التفاوت ظنه مشتركًا، فحصل له التشكك، ويسمى اللفظ في الأول)، يعني: القسم السابق. (متواطئًا كمعناه)، يعني: المعنى يسمى متواطئًا واللفظ يسمى متواطئًا، (وفي الثاني: مشككًا كمعناه)، فالبياض يسمى مشككًا اللفظ نفسه، وكذلك معناه يسمى مشككًا، [(وإذا نظر) نعم] (¬1) إذًا هذا القسم الثاني. ¬

_ (¬1) سبق.

القسم الأول والثاني: التواطؤ والتشاكك، كلاهما كليَّان معنًى مشترك بين أفراد، إن استوت الأفراد فهو التواطؤ، إن اختلفت فهو المشكك هذا باعتبار لفظٍ واحدٍ، وإذا نظر بين معنى اللفظ وبين معنى لفظٍ آخر، في السابق التواطؤ والتشاكك بين اللفظ ومعناه هو لا باعتبار معنى لفظٍ آخر، هنا قسمٌ ثاني (بين معنى اللفظٍ وبين معنى لفظٍ آخر، فإن لم يصدق أحدهما على شيءٍ مما صدق عليه الآخر فالنسبة بينهما تخالف أي تباين) معلوم التباين أن يكون بينهما تخافٌ في اللفظ والمعنى، فيصدق اللفظ الأول على ما لا يصدق عليه اللفظ الثاني والعكس بالعكس، (كالإنسان والفرس) الإنسان يصدق على زيد، والفرس يصدق على الفرس، حينئذٍ بينهما تباين في اللفظ وفي المعنى هذا يسمى ماذا؟ يسمى تخالف وتباين، (ويسمى معناهما متباينين كلفظيهما) فالوصف يكون للمعنى ويكون للفظ [واللفظ المفرد إن تعدد معناه كعينٍ للباصرة والجارية وكمِحْفَد بوزن مِنْبَر لطرف الثوب، وللقدح الذي يكال به فالنسبة بينه وبين ما له من المعاني ... (الاشْتِرَاكُ)] المشترك المراد به هنا المشترك اللفظي، والذي مر معنا في حد الكلي المشترك المعنوي وهنا المشترك اللفظي ما اتحد لفظه وتعدد وضعه ومعناه، اللفظ واحد والمعنى متعدد كما ذكر الشارح هنا، عين لفظ عين هذا يصدق على الباصرة العين، ويصدق على الجاسوس، ويصدق على الذهب، ويصدق على الجارية، ويصدق على ..

أوصلها في القاموس إلى ثلاثين معنى، كلها يصدق عليها أنها عين لكنها باعتبار اللفظ شيءٌ واحد، فالشمس عين، والجارية عين، والباصرة عين، صدق عليه لفظ عين، إذًا اللفظ متحد، لكن المعاني مختلفة فالشمس سميت عين والشمس غير الباصرة هي متباينة، وكذلك الباصرة ليست هي الجارية وهكذا، إذًا المعاني مختلفة، والوضع متعدد بمعنى أن الشمس عينٌ، إذًا وضع اللفظ عين ليدل على معنى شمس، ووضع مرةً أخرى لفظ عين ليدل على لفظ الجارية، أو معنى الجارية، ووضع مرةً ثالثة، باعتبار المعاني تعدد الوضع بخلاف المشترك المعنوي، فالتعدد واحدٌ مرة واحدة ولم يتعدد فالوضع الوضع، الوَضع وُضع مرةً واحدة ولم يتعدد بخلاف الاشتراك اللفظي فهو متعددٌ من حيث الوضع، فإذا قيل بأن لفظ عين له من حيث المدلول ثلاثون معنًى حينئذٍ وضع ثلاثين مرة، أليس كذلك؟ وضع ثلاثين مرة، لماذا؟ لأنه وإن اتحد لفظه إلا أن معناه مختلف، فلما اختلف المعنى احتجنا إلى أن يكون لكل معنًى وضعٌ خاص بخلاف كلمة رجل فإنها لما اتحد المعنى ودلت على أفرادٍ متعددة وصدق على كل فردٍ منها أنه رجل والمعنى واحد، إذًا احتجنا إلى وضعٍ واحد وفرقٌ بين النوعين، إذًا واللفظ المفرد إن اتحد لفظه وتعدد معناه، كلفظ عين وضع للباصرة العين الباصرة التي تبصر بها، وللجارية ولغيرها، ومحفد بوزن منبر لطرف الثوب، وللقدح الذي يكال به، فحينئذٍ النسبة بينه وما له من المعاني الاشتراك ويسمى مشتركًا، [لاشتراك المعنيين في اللفظ الواحد] التسمية واضحة، [وإن تعدد اللفظ واتحد المعنى] هناك اتحد اللفظ وتعدد المعنى عكس السابق، [وإن تعدد اللفظ واتحد المعنى كالإنسان والبشر فالنسبة بين اللفظين الترادف]، إذًا الترادف ما هو؟ ما تعدد لفظه واتحد معناه بمعنى أن زيد ما يصدق عليه لفظ زيد هو إنسان وهو كذلك بشر، إذًا اللفظان متباينان إلا أن مصدقهما واحد، هذا يسمى ماذا؟ يسمى ترادفًا الإنسان والبشر، فإنهما متتابعان متواردان على معنى واحد وهو الحيوان الناطق. [فالنسبة بين اللفظين الترادف كما قال: و (عَكْسُهُ التَّرَادُفُ)]، و (عَكْسُهُ) هذا معطوف على ما قبله من حذف العاطف، و (عَكْسُهُ)، يعني: وعكسه، كما قال الشارح هنا قال: [أي: وعكس]. انظر الشارح قد يذكرون المقدر ولا ينصون عليه، [أي: وعكس الاشتراك] ماذا صنع هنا؟ فسر لك الضمير، حذف الضمير وأتى بمرجعه وهو: الاشتراك، ثم قال: [وعكس]. جاء بالواو ليدل على أن هذا معطوفٌ على ما قبله، وليس كما يفيده الظاهر أن عكسه الاشتراك أنه خبر مقدم، والاشتراك هذا مبتدأ مؤخر هذا قد يفهم لكن ليس بواردٍ، وإنما هو معطوفٌ على ما قد سبق بحذف العاطف [أي: وعكس الاشتراك وهو تعدد اللفظ]، كالإنسان والبشر [مع اتحاد المعنى (التَّرَادُفُ)] هذا عطف بيان، أو بدل من عكس، يعني: خلافه، لماذا سمي ترادفًا؟ [لترادف اللفظين على المعنى الواحد] الترادف والتتابع والتوارد في الاستعمال على المعنى الواحد، ولذلك سمي مترادفًا، إذًا هذه خمسة أقسام: تواطؤ، تشاكك. وهذا باعتبار اللفظ ومعناه. الثالث: التباين، وهذا باعتبار ماذا؟ تباري [لفظٍ] (¬1) معنى لفظٍ مع معنى لفظٍ آخر. ¬

_ (¬1) سبق.

والاشتراك باعتبار ماذا؟ تعدد المعنى واتحاد اللفظ. وعكسه الترادف باعتبار ماذا؟ تعدد اللفظ مع اتحاد المعنى. قلنا: هي داخلةٌ تحت الثلاثة، ما اعتبر بين اللفظ ومعناه الاشتراك خاصةً، ما اعتبر بين معنى لفظٍ ومعنى لفظٍ آخر هو شيءٌ واحد وهو التباين، ما اعتبر بين لفظٍ ولفظٍ آخر هو شيءٌ واحد وهو الترادف، الذي يدخل تحته أمران هو ما كان بين اللفظ ومعناه التواطؤ والتشاكك. - - - وَاللَّفْظُ إِمَّا طَلَبٌ أَوْ خَبَرُ ... وَأَوَّلٌ ثَلاثَةٌ سَتُذْكَرُ أَمْرٌ مَعَ اسْتِعْلاَ وَعَكْسُهُ دُعَا ... وَفِي التَّسَاوِي فَالْتِمَاسٌ وَقَعَا (وَاللَّفْظُ) أي المستعمل (إِمَّا طَلَبٌ) إن أفاد الطلب كاضرب ولا تقم، (أَوْ خَبَرُ) إن احتمل الصدق والكذب كزيدٌ قائمٌ. (وَأَوَّلٌ) مبتدأٌ، والمسوغٌ له إرادة التفصيل (ثَلاثَةٌ) خبره (سَتُذْكَرُ) في البيت عقبه، والتقسيم لطلب الفعل دون طلب الترك كما يفيده قوله: (أَمْرٌ) وهو ما دلّ على طلب الفعل بذاته كاضرب (مَعَ اسْتِعْلاَ) أي مع إظهار الطالب العلو على المطلوب منه (وَعَكْسُهُ) أي طلب الفعل لا مع استعلا بل مع خضوع، وإظهار الطالب الانخفاض عن المطلوب منه (دُعَا) أي يسمى بذلك في الاصطلاح، (وَ) الطلب (فِي) حال (التَّسَاوِي فَالْتِمَاسٌ) بزيادة الفاء في الخبر، أي يسمى بذلك عند إظهار الطالب المساواة للمطلوب منه، (وَقَعَا) أي ثبت، وهذا التقسيم الذي مشى عليه الناظم طريقةٌ لبعضهم. والراجح تسمية الكل أمرًا أو الغرض من التقسيم هنا بيان الخبر لأن المنطقي لا يبحث إلا عن الخبر، ولا بحث له عن الطلب بأقسامه، ولما ذكر الكلي والجزئي استطرد فذكر ما يشاركهما في المادة وهو الكلّ والكليّة والجزء والجزئيّة فقال: ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ ثم قال: وَاللَّفْظُ إِمَّا طَلَبٌ أَوْ خَبَرُ ... وَأَوَّلٌ ثَلاثَةٌ سَتُذْكَرُ أَمْرٌ مَعَ اسْتِعْلاَ وَعَكْسُهُ دُعَا ... وَفِي التَّسَاوِي فَالْتِمَاسٌ وَقَعَا قيل: هذا من باب الاستطراد، لأن لا حاجة له في المنطق، (وَاللَّفْظُ) أي: المعهود، وهو مستعمل لفظ يشمل المهمل والمستعمل، والمراد به هنا المستعمل، [(وَاللَّفْظُ) أي المستعمل]، (إِمَّا طَلَبٌ أَوْ خَبَرُ)، يعني: ينقسم إلى قسمين إما طلب ومتى هذا؟ إذا أفاد الطلب، [إن أفاد الطلب] إما طلب فعلٍ كقوله: اضرب. أو طلب تركٍ كقوله: لا تقم. فقوله (إِمَّا طَلَبٌ). يشمل النوعين [إن أفاد الطلب كاضرب ولا تقم، (أَوْ خَبَرُ) إن احتمل الصدق والكذب كزيدٌ قائمٌ] زيد قائمٌ يحتمل الصدق والكذب، حينئذٍ نقول: هذا يسمى خبرًا، وسيأتي بحثه في موضعه، إذًا اللفظ إما طلبٌ وإما خبرٌ. (وَأَوَّلٌ) الذي هو الطلب، [مبتدأٌ والمسوغٌ له إرادة التفصيل (ثَلاثَةٌ)] هذا خبر مبتدأ أولٌ (ثَلاثَةٌ)، مبتدأ وخبر [(سَتُذْكَرُ) في البيت عقبه، والتقسيم لطلب الفعل دون طلب الترك] لأنه قال: أَمْرٌ مَعَ اسْتِعْلاَ وَعَكْسُهُ دُعَا ... وَفِي التَّسَاوِي فَالْتِمَاسٌ وَقَعَا

هذا إنما التقسيم لماذا؟ لطلب الفعل لا لطلب الترك، يعني: طلب الترك هذا نهي، وهو قال: (أَمْرٌ مَعَ اسْتِعْلاَ). إذًا المراد بالطلب هنا المقسم أو المنقسم هو طلب الفعل كما يفيده قوله: (أَمْرٌ). وهو ما دل على طلب الفعل بذاته، يعني: بصيغته بدون واسطة، ليخرج ما دل على الطلب بالواسطة كقوله: {لِيُنفِقْ} [الطلاق: 7]. (كاضرب) حال كون الأمر (مَعَ اسْتِعْلاَ)، حينئذٍ هو طلب ليس مطلق طلب وإنما [(مَعَ اسْتِعْلاَ) أي مع إظهار الطالب العلو على المطلوب منه] فهو طلب العلو، سواءٌ كان الطالب عاليًا في نفسه أو لا، يعني: ولو كان مدعيًا، إذًا الأمر يكون أمرًا ويسمى الفعل فعل الطلب إذا كان مع استعلاء، بأن يكون من أعلى إلى أدنى، وهذا تقسيمٌ يعني: حادث ليس دالاً عليه لسان العرب. [(وَعَكْسُهُ) أي: طلب الفعل لا (مَعَ اسْتِعْلاَ) بل مع خضوع]، يعني: طلب علو أو خضوع، (وإظهار الطالب الانخفاض عن المطلوب منه)، وهذا يسمى [(دُعَا) أي يسمى بذلك في الاصطلاح، والطلب في حال التساوي التماس (فَالْتِمَاسٌ)] الفاء هذه [زائدة في الخبر أي يسمى بذلك عند إظهار الطالب المساواة للمطلوب منه، (وَقَعَا) أي: ثبت] والألف للإطلاق، إذًا طلب الفعل إيجاد الفعل، إن كان من أعلى إلى أدنى يسمى أمرًا، إن كان من أدنى إلى أعلى يسمى دعاء، إن كان من مساوٍ لمساوٍ يسمى التماسًا، وهذا لا يدل عليه لسان العرب، وإنما هو تقسيم اصطلاحي، التقسيم الاصطلاحي يعني: لا يسلم له، ولذلك في صيغة الأمر عند الأصوليين يختلفون، هل الأمر ما دل على الطلب مع الاستعلاء أو مع العلو أو لا يشترط فيه ذا ولا ذاك؟ والصحيح أنه لا يشترط فيه ذا ولا ذاك، فالأمر ما دل على الطلب ولا يشترط فيه لا استعلاء ولا علو. وليس عند جل الأذكياء ... شرط علوٍ فيه واستعلاء هذا المرجح عند الأصوليين، ولذلك قال هنا الشارح: [وهذا التقسيم الذي مشى عليه الناظم طريقةٌ لبعضهم]. يعني: بعض المناطقة، أو كذلك بعض البيانيين، يعني: اصطلاح، وأما لسان العرب فليس فيه ذلك، وإنما دخل ذلك على النحاة في قولهم إذا قال الداعي: ربنا اغفر لنا. قالوا: أدبًا لا يقال: اغفر. هذا أمر تأمر ربك؟ قالوا: لا. إذًا نقول: هذا دعاء، نسميه دعاء ولا بأس به يكون من باب التأدب فقط، وأما أنه بالفعل ينقسم في لغة العرب إلى أمر بمعنى استعلاء، ودعاء والتماس نقول: هذا اصطلاح لا وجود له البتة، (والراجح) قال الشارح: [والراجح تسمية الكل أمرًا]. وهو كذلك هذا الصحيح أن الكل يسمى أمر، فالدعاء أمر هذا في حقيقته اللغوية، والالتماس أمرٌ، لأن صيغة افعل نطقت بها العرب ولم تمييز بين ذا وذاك ولم تشترط فيه استعلاء ولا غيره، [والغرض من التقسيم هنا بيان الخبر] لأنه سيبحث في الخبر فيما سيأتي [لأن المنطقي لا يبحث إلا عن الخبر]، وأما الطلب بأنواعه الثلاثة هذا استطراد لا حاجة إليه، وإنما البحث في الخبر. مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ جَرَى ... بَيْنَهُمُ قَضِيَّةً وَخَبَرَا كما سيأتي، [ولا بحث له عن الطلب بأقسامه]، [ولما ذكر الكلي والجزئي استطرد فذكر ما يشاركهما في المادة] يعني في اللفظ، [وهو الكلّ والكليّة والجزء والجزئيّة] عندنا ستة ألفاظ.

ثلاثة مبدوءةٌ بحرف الكاف: كلي، وكل، وكلية. وثلاثةٌ مبدوءةٌ بحرف الجيم: جزء، وجزئية، وجزئي. كم؟ ستة، مر معنا الكلي والجزئي. فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ الكُلِّيُّ ... كَأَسَدٍ وَعَكْسُهُ الجُزْئِِيُّ إذًا كلي عرفنا معناه، بقي ماذا؟ الكل والكلية، ثلاثة ألفاظ: كلي، وكل، وكليةٌ. فرق بين الكلي والكلية. وثلاثة: جزءٌ، وجزئي، وجزئية. مر معنا الجزئي وهو عكس الكلي، بقي الجزء والجزئية، فقال الناظم: - - - فَصْلٌ فِي بَيَانِ الكُلِّ وَالكُلِّيَّةِ وَالجُزْءِ وَالجُزْئِيّةِ الكُلُّ حُكْمُنَا عَلَى المَجْمُوعِ ... كَكُلُّ ذَاكَ لَيْسَ ذَا وُقُوعِ وَحَيْثُمَا لِكُلِّ فَرْدٍ حُكِمَا ... فَإِنَّهُ كُلِّيَّةٌ قَدْ عُلِمَا وَالحُكْمُ لِلْبَعْضِ هُوَ الجُزْئِيَّةْ ... وَالجُزْءُ مَعْرِفَتُهُ جَلِيَّةْ

(فَصْلٌ فِي بَيَانِ الكُلِّ وَالكُلِّيَّةِ وَالجُزْءِ وَالجُزْئِيّةِ)، (الكُلُّ حُكْمُنَا عَلَى المَجْمُوعِ) أي على جملة الأفراد من حيث كونها مجموعةً بحيث لا يستقل فردٌ منها بالحكم كقولنا: كل بني تميم يحملون الصخرة العظيمة، أي هيئتهم المجتمعة من الأفراد لا كل فردٍ منهم على حدته، ومنه قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17]) فإنه حَكَم بالحمل على الهيئة المركبة من كل من الثمانية مجتمعين لا على كلٍّ منهم باستقلاله، ومثل المصنف الحكم على المجموع بقوله: (كَكُلُّ ذَاكَ لَيْسَ ذَا وُقُوع) وهو معنى الحديث المروي من قوله: - صلى الله عليه وسلم - «كل ذلك لم يكن». حين قال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ وكون الحديث من باب الكل يقتضي أن يكون المقصود نفي القصر والنسيان مجتمعين لا نفي كلٍّ حدته، وهذا تأويل مرجوح، والراجح أن المقصود نفي كلٍّ من القصر والنسيان على حدته، فيكون سلبًا كليًّا، لأن السؤال بأم عن أحد الأمرين لطلب التعيين، فجوابه: إما بالتعيين، وإما بنفي كل منهما لا بنفي اجتماعهما، لأن السائل لم يعتقد الاجتماع وإنما اعتقد ثبوت واحد منهما، ولأنه قد روي أن ذا اليدين قال له: بل بعض ذلك قد كان. وهذا إنما يناقض نفي كل منهما لا نفي اجتماعهما لما تقرر من أن الموجبة الجزئية إنما تناقض السالبة الكلية، ولأن القاعدة الغالبة أن كُلاً إذا تقدمت على النفي كان الكلام من عموم السلب، وكلٌّ متقدمة هنا في قوله - صلى الله عليه وسلم - «كل ذلك لم يكن». فيكون السلب عامًا لكل فردٍ بحسب الظن لا بحسب الواقع فلا كذب، وحينئذٍ تمثيل المصنف بالكل بهذا المثال غير صحيح (وَحَيْثُمَا لِكُلِّ) أي على كل (فَرْدٍ حُكِمَا فَإِنَّهُ) أي الحكم أو القضية، وذَكَّر الضمير) (لتأولها بالقول) (كُلِّيَّةٌ قَدْ عُلِمَا) نحو {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، ولا إله إلا الله (وَالحُكْمُ لِلْبَعْضِ) أي عليه (هُوَ الجُزْئِيَّةْ) نحو بعض الإنسان كاتب، وليس بعض الإنسان بكاتبٍ ... (وَالجُزْءُ مَعْرِفَتُهُ جَلِيَّهْ) أي ظاهرة فهو ما تركب منه ومن غيره كلٌّ كالحيوان فهو جزء بالنسبة للإنسان لتركبه منه ومن الناطق، ويسمى ذلك جزءًا طبيعيًّا، وكالسقف بالنسبة إلى البيت لتركبه منه ومن الجدْرِان، ويسمى ذلك جزءًا ماديًّا. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ (فَصْلٌ فِي بَيَانِ الكُلِّ وَالكُلِّيَّةِ وَالجُزْءِ وَالجُزْئِيّةِ) الكُلُّ حُكْمُنَا عَلَى المَجْمُوعِ ... كَكُلُّ ذَاكَ لَيْسَ ذَا وُقُوعِ وَحَيْثُمَا لِكُلِّ فَرْدٍ حُكِمَا ... فَإِنَّهُ كُلِّيَّةٌ قَدْ عُلِمَا وَالحُكْمُ لِلْبَعْضِ هُوَ الجُزْئِيَّةْ ... وَالجُزْءُ مَعْرِفَتُهُ جَلِيَّةْ يعني: واضحة. (فَصْلٌ فِي بَيَانِ الكُلِّ وَالكُلِّيَّةِ وَالجُزْءِ وَالجُزْئِيّةِ)

(الكُلُّ) بأل وهذا خلاف المشهور، يعني: على غير القياس، لأن لفظ كل لا يدخل عليه أل على القياس، لأنه ملازم للإضافة وما كان ملازم للإضافة لا يدخل عليه أل، لكن لما كانت هذه الكتب مترجمة عن لغة اليونان حينئذٍ حصل فيه شيء من الخلل، ولذلك تقول: ماهية. ماهية هذه نسبة إلى قول: ما هي؟ ما هي ما اسم استفهام، وهي ضمير، فركبوا منها ماهيةٌ، كذلك الما صدق، الما صدقُ، الما صدقِ، بعضهم يضبطها هكذا وكذا أصلها ما صدقَ على كذا، ما صدق عليه، يعني: الذي صدق على كذا، يعني: حمل على كذا، فركبوا منها هذه الكلمة وهي أعجمية في الأصل يعني.

(الكُلُّ حُكْمُنَا عَلَى المَجْمُوعِ) أي على جملة الأفراد، الكل في الاصطلاح: ما تركب من جزأين فصاعدًا، وضابطه هنا عند المناطقة كلامه قد لا يتضح أن الحكم عليه بالمحمول إنما يقع على مجموعه لا على جميعه، يعني: عندنا موضوع وعندنا محمول، عرفنا الموضوع هو: المحكوم عليه، والمحمول هو: المحكوم به، حينئذٍ قد يحكم بماذا؟ بالمحمول على بعض أفراد الموضوع، لكن في الجملة على المجموع لا على الجميع، وقد يحكم على الجميع، إن كان الحكم بالمحمول يتبع مجموع الموضوع الذي هو محكوم عليه سمي كُلاً، حينئذٍ توقف الحكم على المجموع كما مثل هنا بقوله: [كل بني تميم يحملون الصخرة العظيمة]، [كل بني تميم] هذا كل لماذا؟ لأن المراد هنا ليس فرد واحد من بني تميم يحمل الصخرة، وإنما أراد مجموع، يعني: أفراد متعددة، حينئذٍ لا يصدق الحكم الذي هو [يحملون الصخرة العظيمة] على فردٍ فَردٍ من أفراد الموضوع، يعني: لا يتبعه، هذا يسمى ماذا؟ يسمى كُلاً، أن الحكم عليه بالمحمول إنما يقع على مجموعه لا على جميعه، فرق بين المجموع والجميع، إذا قيل: الجميع، حينئذٍ لا تترك فردًا من أفراد الموضوع، وقيل: على المجموع، ولذلك إذا قيل: أعطي الطلاب هذا المال. مائة ريال إذا قلت لك: أعطي مجموع الطلاب مائة ريال. أعطيت خمسة وهم عشرون وتركت الباقي، امتثل أو لا؟ امتثل، لماذا؟ لأن الكلام هنا حكمه على المجموع، فإذا أعطى مجموعة من الطلاب أقله ثلاث حينئذٍ نقول: صدق امتثل. لو قيل: أعطي جميع الطلاب. حينئذٍ يجب أن يُعْطِي كل طالبٍ طالب، فإذا تبع الحكم البعض دون الجميع فهو الكل، وإذا تبع الحكم كل فردٍ فَردٍ من أفراد الموضوع فهو الكلية، ولذلك قال: (وَالكُلِّيَّةِ)، (وَحَيْثُمَا لِكُلِّ فَرْدٍ حُكِمَا ** فَإِنَّهُ كُلِّيَّةٌ)، فإذا فُهِم لفظ الكلية فُهِم لفظ الكل، الكلية يتبع الحكم كل فردٍ فَردٍ من أفراد الموضوع بخلاف الكل، إذًا أن الحكم عليه في الكل بالمحمول إنما يقع على مجموعه لا على جميعه، ولذلك قال هنا الشارح: [أي: على جملة الأفراد].

لا على كل الأفراد [جملة الأفراد]، يعني: مجموعة من الأفراد، من أي حيثية؟ [من حيث كونها] أي هذه المجموعة من الأفراد [مجموعةً]، [من حيث كونها] أي الأفراد [مجموعةً بحيث لا يستقل فردٌ منها بالحكم] لا يستقل ليس لا ينتقل، [لا يستقل فردٌ منها] من هذه الأفراد [بالحكم، كقولنا: كل بني تميم يحملون الصخرة العظيمة] لو جاء واحد من بني تميم ما يحمل الصخرة العظيمة، فالحكم لا يتبعه فردًا واحد وإنما يتبع المجموع، [أي: هيئتهم المجتمعة من الأفراد لا كل فردٍ منهم على حدته، ومنه قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17]] {ثَمَانِيَةٌ} حملة العرش مجموعها ثمانية، هل يستقل واحد منهم بحمل العرش؟ الجواب: لا، من أين أخذنا هذا؟ لأن الحكم وهو الحمل هنا مرتبٌ على ثمانية، فدل على أن واحد منهم لا يستقل بالحكم، بل سبعة منهم لا يستقلون بالحكم، [فإنه حَكَم بالحمل على الهيئة المركبة من كل من الثمانية مجتمعين لا على كلٍّ منهم باستقلاله]، حينئذٍ {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} هذا حكم على المجموع لا على الجميع، بدليل ماذا؟ بدليل أن الحكم وهو حمل العرش هنا لا يستقل به واحد من الثمانية، وهذا الذي يضبط لك أن القضية هنا من قبيل الكل لا من الكلية، فحينئذٍ لا يستقل واحد من الملائكة بحمل العرش دون غير، بل لا بد من الهيئة المجتمعة وهم الثمانية. والكلية هي: الحكم على كل فردٍ من أفراد الموضوع الداخلة تحت العنوان، كقولك: كل إنسان حيوان. كل إنسان، هذا موضوع وكلية له أفراد حيوان، إذًا كل فردٍ من أفراد الإنسان يصدق عليه أنه حيوان، هل على المجموع الأفراد أنه حيوان يصدق؟ لا، وإنما كل فرد، فإذا تبع الحكم كل فردٍ فَردٍ على حدة فهو كلية، وإذا تبع الهيئة المجتمعة لا على كل فرد فهو كل، ولذلك ذكر الأصوليون أن العام من قبيل الكلية. مدلوله كلية إن حكم

حينئذٍ {اقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] المشركين هذا لفظٌ عام، والحكم هو: القتل. حينئذٍ كل فردٍ من أفراد لفظ المشركين يصدق عليه أنه يجب قتله هذا بشرطه، {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] كل فردٍ من أفراد لفظ المؤمنين أو المؤمنون - وهو حكاية - نقول: ثبت له الحكم وهو الفلاح، وأطلق هنا فيعم الفلاح في الدنيا والآخرة، إذًا العام هذا من قبيل الكلية، إذًا الكل لا يتبع الحكم فيه كل فرد من أفراه، هذا الضابط انتبه لهذا لا يتبع الحكم فيه كل فردٍ من أفراده بل على الهيئة المجتمعة، والكلية يتبع الحكم فيها كل فرد من أفرادها، ومنه اللفظ العام الذي يذكره الأصوليون، الناظم هنا أتى بمثالٍ على أنه من قبيل الكل، وقد أخطأ إذ هو من قبيل الكلية، ولذلك قال: (كَكُلُّ ذَاكَ لَيْسَ ذَا وُقُوعِ). قال الشارح هنا: [ومثل المصنف الحكم على المجموع] لا على الجميع [بقوله: (كَكُلُّ)]. كقولك أو كقول ذا اليدين، كل ذاك ليس ذا وقوع [وهو معنى الحديث المروي من قوله: - صلى الله عليه وسلم - «كل ذلك لم يكن». حين قال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت؟] قال: النبي - صلى الله عليه وسلم - «كل ذلك لم يكن». ما هو المشار إليه؟ هل هو المجموع أو كل فردٍ؟ الناظم يرى أنه المجموع، يعني: لم يقع لا القصر ولا النسيان، قال: لو حملناه. يعني: هو سلك مسلك الأدب في ظنه، أننا لو حملناه على الكلية حينئذٍ يصدق بالبعض، حينئذٍ «كل ذلك لم يكن، لم أقصر ولم أنسَ»، قال: بل نسيت. إذًا حصل أو وقع واحد من المنفي، قال: لو حملناه على الكلية للزم وقوع واحدٍ منهما، وقد نفى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوع ذلك كله حينئذٍ يوهم إيقاع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكذب وليس الأمر كذلك. وهذا غير مسلم له، لماذا؟ لأنه من قبيل دلالة الاقتضاء، يعني: كل ذلك لم يكن في ظني، ومن تكلم باعتبار ظنه ولو خالف الواقع لا يسمى كذبًا لا في الشرع ولا في اللغة، إذًا هنا [لا في الشرع، في الشرع لا يسمى كذبًا، وأما في اللغة فيه كلام]، هنا قال: [وكون الحديث من باب الكل يقتضي] ماذا؟ [أن يكون المقصود] من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كل ذلك لم يكن». [نفي القصر والنسيان مجتمعين لا نفي كلٍّ حدته]، لو قلت: نفي كلٍّ على حدته.

حينئذٍ لم أنسى ولم تقصر الصلاة، هذا لو نفي على كل، [وهذا تأويل مرجوح] حينئذٍ على قول الناظم هنا يكون من باب الحكم على المجموع، لماذا؟ لأن المنفي في نفس الأمر ثبوت أحدهما وهو: النسيان، فلو كان من باب الكلية لكن الخبر غير موافقٍ للواقع وهو غير لائق به - صلى الله عليه وسلم - هذا توجيه كلام المصنف، وهذا تأويل مرجوح، [والراجح أن المقصود نفي كلٍّ من القصر والنسيان على حدته] هذا مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - «كل ذلك لم يكن» يعني: لم أقصر ولم أنسى، فنفى كلاً منهما على حدته، حينئذٍ يكون من باب الكلية، إذا تبع الحكم كل فردٍ فرد حينئذٍ صار من باب الكلية، [فيكون سلبًا كليًّا، لأن السؤال بأم عن أحد الأمرين لطلب التعيين، فجوابه: إما بالتعيين، وإما بنفي كل منهما]، يعني: ما الذي يدل على أنه من قبيل الكلية لا من قبيل الكل؟ عندنا أدلة. أولاً: أن سؤاله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ هذا سؤال ذي اليدين، وهو عربي قُحٌّ، حينئذٍ استعمل أم، وأم تكون لطلب التعين، إذًا أعتقد السائل أن واحد منهما قد وقع، أليس كذلك؟ أقصرت الصلاة أم نسيت؟ أَزَيْدٌ عِنْدَكَ أَمْ عَمْرٌ؟ أنا أعلم أن واحد منهم عندك، لكن من هو زيد أم عمرو؟ حينئذٍ يأتي التعين تقول: زيد. أو تقول: عمرو. ولا تقل: نعم، أو لا، لماذا؟ لأن السؤال بأم في لسان العرب ومنهم هذا الصحابي السؤال بأم إنما يكون لطلب التعين، فدل على أن السائل أعتقد وقوع واحد من الأمرين، حينئذٍ الجواب يكون بالتعيين قال هنا: [لأن السؤال بأم]. في لسان العرب [عن أحد الأمرين لطلب التعيين فجوابه إما بالتعيين] تعيين واحد منهما [وإما بنفي كل منهما] أَعِنْدَكَ زَيْدٌ أَمْ عَمْرٌ؟ لا زيد ولا عمر هذا نفي الكل، أو إثبات واحد منهما زيدٌ، أَعِنْدَكَ زَيْدٌ أَمْ عَمْرٌ؟ عمرو، إذًا إما التعين وإما نفي الكل، [وإما بنفي كل منهما لا بنفي اجتماعهما، لأن السائل لم يعتقد الاجتماع]، بدليل أنه أعتقد وقوع واحد من الأمرين هذا الأول، [وإنما اعتقد ثبوت واحد منهما] هذا الدليل الأول، وهو كونه سأل السائل بأم وهي لطلب التعيين، فدل على أنه اعتقد وقوع واحد من الأمرين: إما قصر الصلاة، وإما النسيان. واضح هذا؟

الأمر الثاني الذي يدل على أنه من قبيل الكلية [أنه قد روي أن ذا اليدين قال له: بل بعض ذلك قد كان. وهذا إنما يناقض نفي كل منهما لا نفي اجتماعهما لما تقرر من أن الموجبة الجزئية إنما تناقض السالبة] قوله: بل بعض ذاك قد كان. هذه موجبة جزئية وهو مقابل لما نفاه النبي - صلى الله عليه وسلم -، حينئذٍ سيأتي معنا تناقض هناك أن نقيض السالب الكلية موجبة جزئية، فدل بقوله: بل بعض ذاك قد كان. أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: «كل ذلك لم يكن». أنه من قبيل السالبة الكلية، وهذا يدل على أن بعض مسائل المنطق متكررة في الطباع لأنها أمر معلومة، ولذلك لو قلت: ما جاء أحد من الطلاب. قلت: بل بعض الطلاب قد حضر. إذًا السالبة لم يحضر أحد من الطلاب هذه سالبة كلية، كيف أنقضها؟ بل بعض الطلاب قد حضر «كل ذلك لم يكن». لا القصر ولا النسيان، بل بعض ذلك قد كان، إذًا فهم الصحابي أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: «كل ذلك لم يكن». سالبةٌ كلية وفهم الصحابة مقدم على فهم الأخضري، [ولأن القاعدة] الأمر الثالث [القاعدة الغالبة أن كُلاً]، يعني: لفظ كل، [إذا تقدمت على النفي كان الكلام من عموم السلب] عندنا أمران: سلب العموم، وعموم السلب. سلب العموم ضابطه إذا تقدم حرف النفي على لفظة كل أو على لفظ كل، ما كل، هذا يسمى ماذا؟ سلب العموم، متى؟ يجتمع معنا حرف نفي ولفظ كل، إذا تقدم حرف النفي على لفظة كل فهو سلب العموم، حينئذٍ يكون هذا النوع سلب العموم إذا تقدم حرف النفي على لفظة كل يكون من الكل المجموعي، إذا تقدم حرف النفي على لفظ كل فهو من الكل المجموعي، يعني: من الضوابط، كيف تميز بين النوعين؟ تقول: إذا اجتمع لفظ كل مع حرف النفي، إذا تقدم حرف النفي على لفظ كل فهو من الكل المجموعي، فلا يقع الحكم حينئذٍ على الموضوعي إلا مجموعًا على الهيئة المجتمعة، ولا يتبع كل فردٍ من أفراده، كقول الشاعر: ما كل ما يتمنى المرء يُدركه ... تجري الرياح بما لا تشتهِي السفن ما كل، إذًا تقدم حرف النفي في على لفظ كل، ما كل ما يتمنى المرء يدركه، هل هذا مسلم لكل الأفراد أو لبعضها ما كل ما يتمنى المرء يدركه قد يتمنى الإنسان الشيء ويدركه، إذًا بعض ما يتمناه الإنسان يدركه، إذًا الحكم هنا على البعض لا على الجميع، على المجموع لا على الجميع، هنا تقدم حرف النفي على لفظ كل فهو من سلب العموم، فلا يتبع الحكم كل فردٍ فَردٍ بعينه، بل على المجموع، ولذلك قولهم: ما كل بيضاء شحمة. ما كل حرف نفي ولفظ كل، تقدم حرف النفي على لفظ، ما كل بيضاء شحمة مع أن الشحمة هي بيضاء أو البيضاء قد تكون شحمة، إذًا النفي هنا للبعض لا للكل. النوع الثاني: عموم السلب، وهو عكس السابق إذا تقدم لفظ كل على حرف النفي، فهو من الكلية، فالحكم بالمحمول على الموضوع شاملٌ لكل فردٍ فَردٍ. قد أصبحت أُم الْخِيَار تدعي ... عليَّ ذنبًا كله لم أصنعِ

يعني: كل ما ادعته لم أصنع منه شيئًا البتة، هنا قال: كله لم أصنعِ. قدم لفظ كلّ على لفظ أو على حرف النفي وهو لم، حينئذٍ يكون من عموم السلب أي أنه لم يصنع شيئًا واحدًا مما ادعت عليه، إذًا كل ذلك لم يكن، هل هو من سلب العموم أو من عموم السلب؟ من عموم السلب، إذًا من قبيل الكلية، لماذا؟ لأن هذه القاعدة قررها البيانيون، وهي قاعدة أغلبية نعم قاعدة أغلبية منقوضة في بعض المواضع، لكنها قاعدة أغلبية، إذًا [كل ذلك لم] تقدم لفظ كل على لم، الغالب أن لفظ كل إذا تقدم على حرف النفي فهو من عموم السلب، حينئذٍ هذا مختص بالكلية وهنا النص قد تقدم على ذلك، ولذلك قال: [ولأن القاعدة الغالبة]. ليست مطردة [أن كُلاً] يعني: لفظ كل، [إذا تقدمت على النفي] كقول: كل ذلك لم أصنعي، كله لم أصنعي. [كان الكلام من عموم السلب] وهو من قبيل الكلية لا من قبيل الكل، [وكلٌّ]، أو لفظ [كُل متقدمة هنا في قوله: - صلى الله عليه وسلم - «كل ذلك لم يكن». فيكون السلب عامًا لكل فردٍ بحسب الظن]، فنفى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوع الأمرين على حدة كل واحد على حدة، يعني: كأنه قال: لم أقصر لم تقصر الصلاة ولم أنسى. حينئذٍ هل هذا كذبٌ أم لا؟ نقول: لا ليس بكذب. لماذا؟ لأن التقدير كل ذلك لم يكن في ظني، لا بد من التقدير، وهذا ما يسمى بدلالة اقتضاء عند الأصوليين، إذًا في ظني هو المحذوف، الناظم لم يعتبر قوله: في ظني. فحينئذٍ لا بد من توجيه الخبر، والصواب أن يقال: أنه من قبيل دلالة الاقتضاء التي يدل اللفظ على محذوفٍ لا بد من تقديره لأنه ينافي الشرع وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقع في الكذب البتة، لولا أن نقدر لقلنا: هذا محتمل. والصحيح أن الذي ذكره الشارح هنا هو الموجه، [فيكون السلب عامًا لكل فردٍ بحسب الظن لا بحسب الواقع فلا كذب] الذي فر منه الناظم وجعل الحديث من قبيل الكلي لا من قبيل الكلية، [وحينئذٍ تمثيل المصنف بالكلي بهذا المثال غير صحيح]، والمثال الذي ذكره الشارح {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ} [الحاقة: 17] أصح. وَحَيْثُمَا لِكُلِّ فَرْدٍ حُكِمَا ... فَإِنَّهُ كُلِّيَّةٌ قَدْ عُلِمَا

(وَحَيْثُمَا لِكُلِّ) اللام هنا بمعنى على، [أي على كل (فَرْدٍ حُكِمَا)] بمعنى أن الحكم يتبع كل فردٍ فَردٍ [(فَإِنَّهُ) أي الحكم]، المفهوم من قوله: (حُكِمَا). هذا من {اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ} [المائدة: 8]، (فَإِنَّهُ) أين مرجع الضمير؟ [الحكم] أين هو الحكم؟ مأخوذ من قوله: (حُكِمَا). هذا فعل ورجع إليه الضمير، لكن رجع إليه باعتبار المصدر {اعْدِلُواْ هُوَ} أي العدل المفهوم من {اعْدِلُواْ}، (حُكِمَا) هو [(فَإِنَّهُ) أي الحكم أو القضية] يعني الجملة، (وذَكَّر الضمير) (فَإِنَّهُ) (لتأولها بالقول)، لأن القضية مؤنث (فَإِنَّهُ) أي القضية. ولم يقل: فإنها. لأن القضية قولٌ فذَكَّره باعتبار القول، (كُلِّيَّةٌ قَدْ عُلِمَا) الألف للإطلاق و (حُكِمَا) كذلك الألف للإطلاق نحو ماذا؟ ({كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}) ... [العنكبوت: 57] هذه كلية {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} نفس هذا كليٌّ شائع في عدد في أفراد له وجود في الخارج، {ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} هذا حكمٌ، هل يتبع الحكم وهو ذوق الموت كل فرد من أفراد النفس؟ الجواب: نعم، إذًا هو كلية، وهذا يفيدك في باب العام. مدلوله كلية قد حَكما ... عليه في التركيب من تكلما [ولا إله إلا الله] مثل بمثالين {كُلُّ نَفْسٍ} هذه الكلية الموجبة ولا إله إلا الله كلية سالبة، وهذه فيها بحث كبير يأتينا في مقام التوحيد إن شاء الله تعالى، لا إله إلا الله هل هي سالبة كلية؟ إلى آخره. (وَالحُكْمُ لِلْبَعْضِ) هنا الاختصار قد يخل ببعض المفاهيم، (وَالحُكْمُ لِلْبَعْضِ هُوَ الجُزْئِيَّةْ)، يعني: الحكم على البعض، فاللام هنا بمعنى على، (هُوَ الجُزْئِيَّةْ) نحو ماذا؟ [بعض الإنسان كاتب] سيأتينا هناك السور الكلي والسور الجزئي، بعض هذا سور جزئي [بعض الإنسان] الإنسان هذا كليٌّ أضيف إلى أو سورت القضية بسورٍ جزئي [بعض الإنسان كاتبٌ)، يعني: بالفعل، وأما كاتبٌ بالقوة فهذا مشتركٌ ليس بعض الإنسان، كل إنسان هو قابل للكتاب، بعض الإنسان ضاحكٌ، يعني: بالفعل، وأما كونه قابلاً فهذا مشترك، إذًا [بعض الإنسان كاتبٌ] هذه جزئية لأنها مُسَوَّرَة بسور جزئي، لأن الحكم فيه على بعض أفراد الموضوع،] وليس بعض الإنسان بكاتبٍ] بالفعل أم بالقوة فنعم، [ليس بعض] دخل عليه حرف السلب، إذًا هذه جزئية سالبة، كما أن الكلية نوعان: موجبة، وسالبة. كذلك الجزئية نوعان: موجبة، وسالبة. [(وَالجُزْءُ مَعْرِفَتُهُ جَلِيَّهْ) أي ظاهرة فهو ما تركب منه ومن غيره كلٌّ]، كالمسامير بالنسبة للكرسي، الكرسي هذا كل، يسمى ماذا؟ يسمى كلاً، لأن لا يسمى الجزء الذي تألف منه الكرسي كرسي، الكل له أجزاء كما أن الكلي له أفراد صحيح؟ الكل له أجزاء، ولذلك مر معنا قليل الآن أن الكل ما تركب من جزأين فصاعدًا، إذًا لا بد من أجزاء ولذلك نقول: [الجزء] (¬1) ¬

_ (¬1) سبق.

الكلي له أفراد، والكل له أجزاء، واضح؟ الكلي له أفراد يصح الإخبار بلفظ الكلي عن كل فردٍ فَردٍ على جهة الاستقلال، فتقول: الإنسان كلي، له أفراد زيد وعمرو وخالد، هل يصح أن تخبر عن زيد بكونه إنسانًا صح أو لا؟ زيدٌ إنسان، عمرو إنسان، خالدٌ إنسان نقول: هذا صح. إذًا يسمى كليًّا، وهذا الذي يذكره النحاة هناك في المتون، الكلمة اسم وفعل وحرف، نقول: هذا التقسيم من تقسيم الكل إلى جزئياته، ما الضابط؟ أنه يصح الإخبار باسم المقسوم الذي هو الكلمة عن كل جزء من أجزائه بأن تجعل القسم الذي هم الاسم مبتدأ، وتجعل الاسم المقسوم خبرًا، الاسم كلمة، الحرف كلمة، الفعل كلمة، إن صح إذًا الكلمة هذا كلي، حينئذٍ يكون التقسيم من تقسيم الكلي إلى جزئياته، يأتي في بعض كتب النحاة: وأقسامه. الكلام ثلاثة اسمٌ، وفعلٌ، وحرفٌ. الاسم كلامٌ، الحرف كلامٌ، الفعل كلامٌ، لا يصح، إذا لم يصح الإخبار بالقسم عن الاسم المقسوم، حينئذٍ نقول: هذا من تقسيم الكل إلى أجزائه، فالتقسيم نوعان: كلي إلى جزئياته، وكل إلى أجزائه. حينئذٍ نقول: الكلام اسمٌ، وفعلٌ، وحرف. هذا يذكره بعض النحاة، وابن أجروم على هذا، وأقسامه ثلاثة: اسمٌ، وفعلٌ، وحرف، حينئذٍ لا يصح أن يقال: الاسم كلامٌ، ولا الفعل كلامٌ. وإنما نقول: مجموع الاسم والفعل والحرف كلام، لأنه يتألف من اسمين، أو من فعل واسمٍ، هنا قال ماذا؟ قال: [ما تركب منه ومن غيره كلٌّ]. قالوا: كالمسامير بالنسبة للكرسي. فالكرسي مثلاً مؤلف من ثلاثة أشياء: خشب، ومسامير، وهيئة. لا يصح أن يقال عن المسامير بأنها كرسي، وإن كانت جزء من الكرسي، ولا يصح أن يقال بأن الخشب كرسي، وإن كان جزء من الكرسي، حينئذٍ لا بد من ذكر المجموع كله، فهذا جزءٌ ولا يصح الإخبار بالكل عن الجزء على جهة الإنفراد [كالحيوان فهو جزء بالنسبة للإنسان لتركبه منه ومن الناطق، ويسمى ذلك جزءًا طبيعيًّا]- إن كان معقولاً – [وكالسقف بالنسبة إلى البيت لتركبه منه ومن الجدْرِان] أو [الجدُرِان، ويسمى ذلك جزءًا ماديًّا] يعني الجزء قد يكون معقولاً وقد يكون محسوسًا، إن كان جزءًا بالنسبة لـ .. مر معنى أن الحيوان جزء الماهية، جزء ماذا مثل المسامير؟ لا، وإنما هو جزء معقول، يعني: ليس بمحسوس، المسامير جزء من الكرسي، لكنها جزء مادي محسوس، إذًا الجزء قد يكون معقولاً، وهذا إذا كان في المعاني كـ: الجنس، والفصل. وقد يكون جزءًا ماديًّا، يعني: محسوسًا، إذًًا بين لك في هذا الفصل أربعة ألفاظ: الكل، والكلية، والجزء، والجزئية. بالإضافة إلى الكلي والجزئي، والله أعلم. وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

6

عناصر الدرس * فصل المعرفات. * باب في القضايا وأحكامها. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد. قال الناظم رحمه الله تعالى: - - - فَصْلٌ فِي المُعَرِّفاتِ مُعَرِّفٌ عَلَى ثَلاَثَةٍ قُسِمْ ... حَدٌّ وَرَسْمِيٌّ وَلَفْظِيٌّ عُلِمْ فَالحَدُّ بِالْجِنْسِ وَفَصْلٍ وَقَعَا ... وَالرَّسْمُ بِالْجِِنْسِ وَخَاصَةٍ مَعَا وَنَاقِصُ الحَدِّ بِفَصْلٍ أَوْ مَعَا ... جِنْسٍ بَعيِدٍ لاَ قَرِيبٍ وَقَعَا وَنَاقِصُ الرَّسْمِ بِخَاصَةٍ فَقَطْ ... أَوْ مَعَ جِنْسٍ أَبْعَدٍ قَدِ ارْتَبَطْ (فَصْلٌ فِي المُعَرِّفاتِ) جمع معرِّف، ويسمى تعريفًا لتعريفه المخاطب بالماهية، وقولاً شارحًا لشرحه الماهية)، (مُعَرِّفٌ) مبتدأ حذفت منه أل للوزن (عَلَى ثَلاَثَةٍ قُسِمْ) والمعنى المعرِّف منقسم على ثلاثة أقسام: الأول) (حَدٌّ) وهو تام كما سيأتي. (وَ) الثاني: (رَسْمِيٌّ) ويسمى رسمًا، وهو أيضًا تام وناقص. (وَ) الثالث: (لَفْظِيٌّ) أي: تعريف لفظي منسوب للفظ المطلق، وهو من نسبة الخاص إلى العام، وقوله (عُلِمْ) تكملة للبيت، ثم بين الثلاثة بقوله: (فَالحَدُّ) القريب، (وَفَصْلٍ) قريب، (وَقَعَا) نحو الإنسان حيوان ناطق، (وَالرَّسْمُ) التام. (بِالْجِِنْسِ) القريب. (وَخَاصَةٍ) بتخفيف الصاد للوزن، شاملة لازمة، (مَعًا) أي حالة كونهما مجتمعين كالحيوان الضاحك بالقوة في تعريف الإنسان، وسمي التعريف الأول حدًا، لأن الحد هو: المنع. وهو مانع من دخول أفراد غير المعرَّف فيه، ويُسمى التعريف الثاني رسمًا، لأن الرسم هو الأثر، والخاصة أثر من آثار المعرف. (وَنَاقِصُ الحَدِّ بِفَصْلٍ) وحده كالناطق في تعريف الإنسان (أَوْ). بفصل (مَعَا جِنْسٍ بَعيِدٍ لاَ قَرِيبٍ وَقَعَا) كالجسم الناطق في تعريف الإنسان (وَنَاقِصُ الرَّسْمِ) أي الرسم الناقص (بِخَاصَةٍ فَقَطْ) كالضاحك في تعريف الإنسان، (أَوْ) بخاصة (مَعَ جِنْسٍ أَبْعَدٍ) بالصرف للضرورة، (قَدِ ارْتَبَطْ) ذلك الجنس الأبعد بالخاصة كالجسم الضاحك في تعريف الإنسان. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ (فَصْلٌ فِي المُعَرِّفاتِ) وهذا هو المقاصد من علم التصور، التصور له مبادئ وله مقاصد، مبادئ التصور هو: الكليات الخمس، ومقاصد التصور هو: المعرفات. [(فَصْلٌ فِي المُعَرِّفاتِ) جمع معرِّف] بكسر الراء، [ويسمى تعريفًا لتعريفه المخاطب بالماهية]، يعني: ذات الشيء وحقيقة الشيء، يعني: الذي يكشف عن الماهيات هو: المعرِّف. [و] يسمى [قولاً شارحًا] مر معنا [لشرحه الماهية)، [قولاً) وهو: مركب. [شارحًا] من الشرح وهو: الكشف. [لشرحه الماهية]. مُعَرِّفٌ عَلَى ثَلاَثَةٍ قُسِمْ ... حَدٌّ وَرَسْمِيٌّ وَلَفْظِيٌّ عُلِمْ قسم لك المعرِّف دون أن يعرف المعرِّف.

المعرِّف بكسر الراء هو: ما يقتضي تصوره تصور المعرَّف، أو امتيازه عن غيره، ما قولٌ يقتضي تصوره تصور المعرَّف، وهذا هو الحد التام، أو للتنويع والتقسيم، امتيازه عن غيره، يعني: ما يميزه عن غيره، وهذا إنما يكون بالأثر، وهذا الثاني ما عداه، يعني: ما عدا التام، وهو: الرسم، ويدخل في الرسم اللفظي، والمراد بالتصور الأول ما يقتضي تصوره مراد به الخطور بالبال، يعني: ما يخطر بالبال، لا الحصول عن جهل، لأن المعرِّف يجب أن يكون معلومًا حال التعريف به وإلا لزم التعريف بماذا؟ بالمجهول، فالإنسان، إذا قيل: ما الإنسان؟ الإنسان حيوان ناطق، أين المعرِّف؟ حيوان ناطق، أين المعرَّف؟ الإنسان، معرَّف معرِّف بالكسر، فالمعرِّف يكون معلومًا، والمعرَّف يكون مجهولاً، هذا الأصل فيسأل يقول: ما الإنسان؟ إذًا الإنسان مجهول، ما الصلاة؟ ما الزكاة؟ ما الحج؟ فيسأل عنها لأنها مجهولات عندهم، حينئذٍ نقول: الصلاة كذا، والصيام كذا فيأتي بالتعريف، إذًا المعرِّف يكون معلومًا، والمعرَّف يكون مجهولاً، إذًا التعريف يكون بماذا؟ يكون بمعلوم أو يكون بمجهول؟ قطعًا أنه يكون بمعلوم، لأنه إذا كان المعرَّف مجهولاً حينئذٍ لا بد أن يأتي بشيء معلوم عند المخاطب فيقول لك: ما الإنسان؟ الإِنسان مجهول عندي، حينئذٍ تأتي بعبارات لتكشف لي حقيقة الإنسان، فتأتي بعبارات معلومة عندي وليست بمجهولة، إذًا ما يقتضي تصوره، المراد به الخطور بالبال لا الحصول عن جهل، لأن المعرِّف بالكسر يجب أن يكون معلومًا حال التعريف به وإلا لزم التعريف بالمجهول لو كان الإنسان مجهولاً عند المخاطَب وهو كذلك، والحيوان الناطق مجهولاً عند المخاطَب لعرف المجهول بالمجهول وهذا ممتنع، ما يقتضي تصوره عرفنا المراد بالتصور الأول الخطور بالبال ليس الذي حصل عن جهل. تصور المعرَّف، المراد بالتصور الثاني الحصول عن جهل لا الخطور بالبال، لماذا؟ لأن المعرَّف يجب أن يكون مجهولاً حال تعريفه وإلا لزم تحصيل الحاصل، أو امتيازه، يعني: ما يميزه ويفصله عن غيره، وهذا كما ذكرنا الأول خاص بالحد التام، والثاني ما عدا الحد التام، ويدخل فيه الرسم واللفظ ومن زاد المثال والتقسيم كذلك. قال الناظم: (مُعَرِّفٌ عَلَى ثَلاَثَةٍ قُسِمْ). (مُعَرِّفٌ) تنكير (مبتدأ حذفت من أل للوزن) الأصل المعرِّف على ثلاثة المعرِّف، أو يبقى على أصله ولا نحتاج أن نقول: بأن أل هنا محذوفة للوزن، ويكون نكرة، والمسوغ للابتداء بالنكرة وقوعه في معرض التفصيل، يعني: فَصَّل (مُعَرِّفٌ عَلَى ثَلاَثَةٍ قُسِمْ)، وإذا كان كذلك صار مسوغًا، يعني: أفاد. وعند ابن مالك رحمه الله تعالى ومن نحى نحوه، أيَّ فائدة حصلت بالنكرة ولو فائدةً ما صح الابتداء بها. ولا يجوز الابتداء بالنكرة ... ما لم تفد ......... فإن أفادت أيَّ فائدةٍ (مُعَرِّفٌ عَلَى ثَلاَثَةٍ قُسِمْ) حصلت الفائدة عند المخاطَب فلذلك صح الابتداء به، [(عَلَى ثَلاَثَةٍ قُسِمْ) والمعنى المعرِّف منقسم على ثلاثة أقسام]، المعرِّف منقسم إلى ثلاثة أقسام على المشهور عند المناطقة وهو: الحد، والرسم، واللفظ.

(حَدٌّ وَرَسْمِيٌّ وَلَفْظِيٌّ)، وزاد بعضهم: المثال، كقولك: الاسم كـ: زيد. هذا تعريف، لذلك سيبويه لما ذكر الاسم قال: كـ زيد. الاسم كزيد عرفه بالمثال، وهذا معروف قديمًا، وكذلك الفعل كـ: قام، والحرف كـ: إلى، العلم كـ: النور، الجهل كـ: الظلمة، تعريفه بالمثال، أو زاد بعضهم التقسيم، الكلمة إما اسم، وإما فعل، وإما حرف، حينئذٍ الحصر حصل بالتقسيم، ويمكن أن يقال بأن الناظم هنا كذلك عرف المعرِّف بالتقسيم لأنه قال: (مُعَرِّفٌ)، (حَدٌّ وَرَسْمِيٌّ وَلَفْظِيٌّ). وهذا نوع من أنواع التعريف، حينئذٍ المثال والتقسيم زاد بعض المنطقيون هذين النوعين والصحيح أنهما داخلان في الرسم، بل اللفظي على الصحيح أنه داخل في الرسم، حينئذٍ انحصر المعرف في نوعين: الحد، والرسم. فقط الحد والرسم، إذًا (مُعَرِّفٌ عَلَى ثَلاَثَةٍ قُسِمْ) والمعنى المعرف منقسم على ثلاثة أقسام: الأول: (حَدٌّ) وهو نوعان: حد تام، وحد ناقص. (كما سيأتي)، يعني: كأنه يريد أن يشير إلى أن قول الناظم: (حَدٌّ وَرَسْمِيٌّ وَلَفْظِيٌّ). هذه ثلاثة أقسام في الجملة، وعند التفصيل تصير خمسة تكون خمسة خمسَة أقسام، يعني: على ثلاثة إجمالاً، وعند التفصيل على خمسة، لأن الحد نوعان: تام، وناقص. والرسم نوعان: تام، وناقص. ولفظيٌّ كما هو هذه خمسة حد تام، حد ناقص، رسم تام، ورسم ناقص، هذه أربعة، ولفظيٌّ هذه خمسة. [(وَ) الثاني: (رَسْمِيٌّ)] منسوب للرسم اللغوي لا الاصطلاحي ويسمى رسمًا، (رَسْمِيٌّ) بتشديد الياء ويسمى رسمًا، رسمي بياء النسب هنا ياء النسبة وهو منسوب للرسم لكنه بالمعنى اللغوي وهو الأثر وليس المراد به المعنى الاصطلاحي وهو أيضًا نوعان: تام، وناقص. [(وَ) الثالث: (لَفْظِيٌّ) أي تعريف لفظي، منسوب للفظ المطلق) من حيث هو، أيُّ لفظ يحصل التعريف به (وهو من نسبة الخاص إلى العام]، (لَفْظِيٌّ) تعريف معرِّف لكن التعريف هنا باللفظ بحسب المقابل، يعني: ما هو الذي يعرف باللفظ؟ الذي يسأل عنه، حينئذٍ صار مطلقًا لكن الذي يعنيه المصنف هنا الإطلاق وليس هو التقيد، (أي: تعريف لفظي منسوب للفظ المطلق) هكذا لفظ، أيُّ لفظ؟ إنما يعرف بالسؤال، لو قيل: (لَفْظِيٌّ). نسبةً للفظ المنسوب إليه ما هو نوعه؟ أيُّ لفظ؟ هذا إنما يكون في الجواب، ما البُرُّ؟ القمح، إذًا هذا حصل بخاص، لكن الذي عناه الناظم هنا لفظيٌّ مطلق اللفظ الذي يحصل به الجواب، ليس لفظًا خاصًا وإلا لحددنا اللفظي بلفظ خاص وما عداه خرج عن اللفظ وليس المراد، (منسوب للفظ المطلق، وهو من نسبة الخاص إلى العام)، يعني: المقيد إلى العام. (عُلِمْ)، وقوله: (عُلِمْ). وهذا تكملة للبيت، تتمة للبيت أو تكملة للبيت، وقيل: فيه تنبيه على أن اللفظ لا بد أن يكون اللفظ المعرف به علم معناه، وإنما جهل كونه مسمًى باللفظ الآخر كما سيأتي، البُرُّ القمح حينئذٍ القمح لا بد أن يكون معلومًا عند المخاطَب، لو قال قائل: ما البُّرُّ؟ قال له: القمح. إذًا القمح لا بد أن يكون معلومًا عند المخاطَب وإلا ما صح التعريف [(عُلِمْ) تكملة للبيت، ثم بين الثلاثة بقوله]: فَالحَدُّ بِالْجِنْسِ وَفَصْلٍ وَقَعَا ... وَالرَّسْمُ بِالْجِِنْسِ وَخَاصَةٍ مَعَا

(فَالحَدُّ) الفاء هذه فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، (فَالحَدُّ) نقيده بالتاء لأنه قال في البيت الذي يليه: (وَنَاقِصُ الحَدِّ). دل على أن الحد في البيت السابق المراد به التام، ولذلك قيده الشارح، ... [(فَالحَدُّ) التام] بماذا يكون؟ يكون بلفظين، تجمع بين الجنس والفصل، (فَالحَدُّ بِالْجِنْسِ وَفَصْلٍ وَقَعَا) الألف هذه للإطلاق، والحد مبتدأ، وقوله: (وَقَعَا). جملة خبر، والضمير يعود إلى الحد، (بِالْجِنْسِ) أي القريب. وإذا أُطلق الجنس فالأصل أنه ينصرف إلى القريب، ومر معنا بالأمس أن الجنس ثلاثة أنواع: جنس قريب، بعيد، وسط. حينئذٍ إذا أُطلق الجنس انصرف إلى القريب، وإذا احتجنا إلى التقيد إنما نقيد المتوسط والبعيد أو الأبعد، [(بِالْجِنْسِ) القريب] من باب التأكيد، (وَفَصْلٍ) كذلك قريب، يعني: الفصل كالجنس، وإن لم يذكره الناظم، فالفصل قد يكون بعيدًا وقد يكون قريبًا، فهو نوعان، فالقريب ما يميز الشيء عن ما يشاركه في جنسه القريب، الفصل القريب إذا كان يميز الشيء عما يشاركه في الجنس القريب، يعني: ما يكون تاليًا للجنس القريب، كالناطق فإنه يميز الإنسان عما يشاركه في جنسه القريب، وهو الحيوان من الفرس والحمار ونحو ذلك، البعيد ما يميز الشيء عما يشاركه في الجنس البعيد، يعني: في جنسه البعيد، فإن كان الفصل تاليًا لجنسٍ قريب، فهو فصل قريب، وإن كان الفصل تاليًا ليميز عما شاركه في جنسه البعيد حينئذٍ يكون فصلاً بعيدًا، كالحساس بالنسبة للإنسان فإنه يميزه عما يشاركه في جنسه البعيد، كالجسم من الحجر والشجر ونحو ذلك، إذًا الفصل يكون قريبًا وبعيدًا، والجنس يكون قريبًا وبعيدًا، (وَفَصْلٍ) أي: قريب. (وَقَعَا) الألف للإطلاق، نحو ماذا؟ الإنسان حيوان ناطق، إذًا الحد عند المناطقة المراد به الحد التام ما كان بالجنس القريب والفصل القريب بشرط أن يتقدم الجنس على الفصل، يعني: لا يتأخر الجنس القريب عن الفصل القريب فلو قال: الإنسان ناطق حيوان. هذا ليس بحد تام، وإنما هو حد ناقص، إذًا الحد في اللغة: المنع، لأنه يمنع من دخول أفراد غير المعرَّف ومن خروج أفراد منه. وفي الاصطلاح هو: تعريف الماهية بالجنس القريب والفصل القريب مع تقديم الجنس على الفصل وإلا كان حدًا ناقصًا.

والرسم التام (وَالرَّسْمُ بِالْجِِنْسِ وَخَاصَةٍ مَعَا)، المراد بالرسم هنا الرسم التام، لأنه قال في البيت الثالث: (وَنَاقِصُ الرَّسْمِ). إذًا عندنا رسم تام، فإذا أطلقه انصرف إليه، وإذا أراد الرسم الناقص قيده، [(وَالرَّسْمُ) أي التام. (بِالْجِِنْسِ) القريب (وَخَاصَةٍ)]، أصلها خاصَّة بالتشديد لكنها خففها، (بتخفيف الصاد للوزن)، ويشترط في هذه الخاصة وعرفنا أن المراد بالخاصة هي العرض الخاص، هو كليٌّ عرضي لكنه خاص لا عام، لأن العام ليس بداخل هنا، إذًا (وَخَاصَةٍ)، قال: (شاملة لازمة). يعني: يشترط فيها أمران: أن تكون شاملة، وأن تكون لازمة. بخلاف غير الشاملة، الشَّاملة يعني: التي فيها إحاطة كالعلم بالنسبة للإنسان فلا يعرف بها لخروج كثير من الأفراد عنها، لو قال: الإنسان حيوان عالم. ما صح، لماذا؟ لأن العلم وصف للأفراد لكن ليس لكل الأفراد ليست صفة عامة في كل إنسان، وإنما الذي يحصل به التعريف والتميز ما كان وصفًا عامًا لا ينفك عنه فرد من أفراد الإنسان، وأما كونه عالمًا هذا يوجد في بعض الأفراد ولا يوجد في بعض الأفراد، إذًا الوصف بالعلم بالنسبة للإنسان هذا وصف غير شامل، وإذا كان كذلك فلا يصلح أن يُعَرَّف به، وبخلاف غير اللازمة، يعني: التي تنفك كالمتنفس بالفعل بالنسبة للحيوان، فلا يُعَرَّف بها لخروج أفراد المحدود عنها حال المفارق، هذا ما ذكرناه بالأمس أن الضاحك نوعان: ضاحك بالفعل، وضاحك بالقوة. أيُّ الوصفين لازم للإنسان لا ينفك عنه البتة؟ الضاحك بالقوة، إذًا الذي يصح التعريف به في الخاصة هو: الضاحك بالقوة، فلو عرف الإنسان بأنه حيوان ناطق بالفعل ما صح، لماذا؟ لكون قوله: ضاحكًا بالفعل. هذا وصف ليس بلازم لأنه ينفك عنه، يضحك في وقت ويترك في أوقات، حينئذٍ نقول: هذا الوصف الذي هو الخاصة الضاحك ليس باللازم، والأول العالم ليس بشامل، إذًا يشترط في الخاصة التي يصح التعريف بها في الرسم أن تكون شاملة، يعني: تعم كل الأفراد لا يختص بها بعض الأفراد دون بعض، فإن اختص لم يصح.

ثانيًا: أن تكون لازمة لا تنفك في وقت من الأوقات بل هي في كل وقت، وهذا إنما يكون في كل الصفات التي تكون بالقوة، وأما الصفات التي تكون بالفعل هذه ليست بلازمة لأنها تنفك في وقت دون وقت، [(وَخَاصَةٍ) بتخفيف الصاد للوزن، شاملة لازمة (مَعًا) أي حالة كونهما مجتمعين]، مثال الرسم التام (كالحيوان الضاحك بالقوة في تعريف الإنسان)، ما الإنسان؟ الحيوان الضاحك بالقوة، الحيوان هذا جنس قريب، والضاحك بالقوة هذا خاصة، إذًا اشترك الحد التام مع الرسم التام في أن كلاً منهما يعرف بالجنس القريب، واضح؟ اشتركا في ماذا؟ بالجنس القريب، لو قال: (فَالحَدُّ بِالْجِنْسِ). أي: القريب. (وَالرَّسْمُ بِالْجِِنْسِ) أي القريب. إذًا اشتركا، وافترقا في ماذا؟ أن الحد التام يكون مع الجنس الفصل القريب، والرسم التام يكون مع الجنس القريب الخاصة اللازمة الشاملة، ويشترط فيه كذلك الترتيب أن يتقدم الجنس القريب على الخاصة، فإن عكس حينئذٍ نقول: هذا ناقص رسمي. يعني: لو قال: الإنسان الضاحك بالقوة الحيوان. نقول: هذا ناقص رسمي ليس برسم تام. [(مَعًا) أي حالة كونهما مجتمعين كالحيوان الضاحك بالقوة]، يعني: لا بالفعل. [في تعريف الإنسان، وسمي التعريف الأول حدًا لأن الحد هو المنع، وهو مانع من دخول أفراد غير المعرَّف فيه]، وجامع لأفراده كذلك يجمع، فحينئذٍ الإنسان حيوان ناطق كل فرد من أفراد لفظ الإنسان دخل في الحد، وكل لفظ لا يصدق عليه أنه إنسان خرج، ولذلك يقال من شرط الحد التام أو الحد: أن يكون جامعًا مانعًا. بل عرف بعضهم الحد الجامع المانع. الجامع المانع حدُّ الحدِّ كما عرفه السيوطي في الكوكب، الجامع المانع، جامع لكل الأفراد، المانع من دخول فرد من غير الأفراد في الحد، إذًا [الحد هو: المنع. وهو مانع من دخول أفراد غير المعرَّف فيه، ويسمى التعريف الثاني رسمًا، لأن الرسم هو الأثر، والخاصة أثر من آثار المعرف]، أو إن شئت قل: أثر أو الصفة، ومنه الحكم، إذًا عندنا حد تام ورسم تام، وقدم تعريف الحد التام والرسم التام لأنهما أعلى ما يعرف به المعرف. ثم شرع في بيان ناقص كل منهما. (وَنَاقِصُ الحَدِّ)، يعني: الحد الناقص، من إضافة الصفة للموصوف، الحد الناقص [(بِفَصْلٍ) وحده]، يعني: ما كان فيه التعريف بالفصل، ما الإنسان؟ الناطق بالقوة، ما ذكر الجنس، وإنما ذكر الفصل فقط، هذا يسمى ماذا؟ حدًا ناقصًا، لماذا؟ لأنه لم يذكر الجنس القرين وإنما ذكر الفصل وحده فقط، إذًا (بِفَصْلٍ)، يعني: حاصل أو كائن أو ثابت ... [(بِفَصْلٍ) وحده كالناطق في تعريف الإنسان]، ما الإنسان؟ قال: ناطق بالقوة. (أَوْ) له صورة أخرى، (بِفَصْلٍ) مع جنس بعيد، يعني: يؤتى بالفصل كما هو لكنه مع جنس البعيد لا القريب، يعني: ليس كالحد التام، الحد التام يكون بالجنس القريب، وأما إذا وجد الجنس البعيد مع الفصل حينئذٍ نقول: هذا ناقص [الرسم] (¬1) (أَوْ مَعًا). ¬

_ (¬1) سبق وقد استدرك بعده.

ناقص الحد نعم [أحسنت] ناقص الحد، أو بفصل (مَعَا) الألف هذه للإطلاق، (جِنْسٍ بَعيِدٍ لاَ قَرِيبٍ) هذا تأكيد، لأن الجنس البعيد ليس بقريب، (لاَ قَرِيبٍ) هذا توكيد لما قبله، (وَقَعَا) الألف للإطلاق خبر ناقص الحد، (كالجسم الناطق في تعريف الإنسان)، ما الإنسان؟ قال: الجسم الناطق. الجسم هذا جنس بعيد، الناطق، يعني: بالقوة، حينئذٍ جمع بين أمرين عرف الإنسان بالجسم وهو جنس بعيد، وعرف الإنسان بجمعه مع الجنس البعيد بالفصل، حينئذٍ نقول: هذا ناقص الرسم. لماذا ناقص الرسمي وليس بناقص الحد وليس بحد تام؟ لماذا؟ .. لأنه أتى بالجنس البعيد، والحد التام إنما يكون بالجنس القريب، إذًا ذكر لك صورتين، الحد التام له صورة واحد وهي: الجنس القريب مع الفصل القريب مع تقديم الجنس القريب على الفصل، والحد الناقص ذكر له صورتين: الأولى: أن يكون بالفصل وحده، كالناطق في تعريف الإنسان. الثانية: أن يكون بالفصل مع الجنس البعيد، جسم ناطق. بقي صورة ثالثة مأخوذة من الشرط المذكور في الحد التام وهي: لو قدم الفصل على الجنس، لو قال: الإنسان ناطق حيوان. نقول: هذا ناقص الرسم. إذًا له ثلاث صور، فإذا أخر الجنس عن الفصل كما يقال: إنسان ناطق حيوان، حينئذٍ نقول: هذا ناقص الحد. أو بـ (فَصْلٍ مَعَا ** جِنْسٍ بَعيِدٍ لاَ قَرِيبٍ وَقَعَا)، (مَعَا) هذا معطوف على محذوف، والتقدير بفصل وحده أو معا جنس بعيد. ثم قال: [(وَنَاقِصُ الرَّسْمِ) أي الرسم الناقص]. من إضافة الصفة إلى الموصوف، [(وَنَاقِصُ الرَّسْمِ) أي الرسم الناقص. (بِخَاصَةٍ فَقَطْ)]، يعني: أن يعرف الإنسان بالخاصة فقط، (كالضاحك في تعريف الإنسان)، ما الإنسان؟ ضاحك، الأول عرفنا هناك قلنا: ضاحك. لا ناطق، ضاحك هذا بالرسم، ناقص الرسم يقع بالخاصة فقط، ويشترط في الخاصة كما ذكرنا شامة لازمة لو قال: ما الإنسان؟ قال: الضاحك بالقوة. عرفه هنا بماذا؟ بالخاصة، وهي لازمة شاملة، [(أَوْ) بخاصة (مَعَ جِنْسٍ أَبْعَدٍ)]، يعني: بعيد المراد به ليس الجنس القريب الأبعد ليس المنتهى وإنما المراد بالأبعد هنا البعيد، فيدخل في كل ما كان فوق الحيوان، [(أَبْعَدٍ) بالصرف للضرورة، (قَدِ ارْتَبَطْ) ذلك الجنس الأبعد] أي البعيد. [بالخاصة كالجسم الضاحك في تعريف الإنسان]، ما الإنسان؟ قال: الجسم الضاحك بالقوة. جمع بين الجنس البعيد والخاصة، أليس كذلك؟ نقول: هذا ناقص الرسم. لماذا لا نقول: رسمًا تامًا؟ لأن الرسم التام يكون بالجنس القريب مع الخاصة، وهنا جاء بالجنس البعيد مع الخاصة فهو رسم ناقص، إذًا ذكر للرسم الناقص صورتين: أن يكون بالخاصة فقط، أن يكون بالخاصة مع الجنس البعيد. بقي صورة ثالثة وهي: أن يكون بالجنس القريب والخاصة، لكن يقدم الخاصة على الجنس القريب، نقول: هذا صورة من صور ناقص الرسم، مثل ماذا؟ الإنسان ضاحك حيوان، إذًا الرسم التام له صورة واحدة، والحد التام له صورة واحدة، والحد الناقص له ثلاث صور، والرسم الناقص له ثلاث صور. ثم قال: - - - وَمَا بِلَفْظِيٍّ لَدَيْهِمْ شُهِرَا ... تَبْدِيلُ لَفْظٍ بِرَدِيفٍ أَشْهَرَا

(وَمَا بِلَفْظِيٍّ لَدَيْهِمْ شُهِرَا) أي والتعريف الذي اشتهر عند المناطقة باللفظي هو: (تَبْدِيلُ لَفْظٍ بِـ) بلفظٍ (ِرَدِيفٍ) للمعرف (أَشْهَرَا) منه، وذلك كقولنا في تعريف البر: هو القمح. فإنه مرادف للبُرِّ وأشهر منه لشهرة استعماله في ألسنة العامة والخاصة. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ وَمَا بِلَفْظِيٍّ لَدَيْهِمْ شُهِرَا ... تَبْدِيلُ لَفْظٍ بِرَدِيفٍ أَشْهَرَا يعني: اللفظي، الأول كما ذكرنا أن الصحيح أنه داخل في الرسم، لأنه مما يميز الشيء عن ما عداه، حينئذٍ يكون داخلاً في الرسم، ولذلك الحد السابق ما يقتضي تصوره تصور المعرف قلنا: هذا خاص بالحد التام ما عداه داخل فيما بعده، (وَمَا بِلَفْظِيٍّ لَدَيْهِمْ شُهِرَا) الألف للإطلاق، [أي والتعريف الذي اشتهر عند المناطقة باللفظي هو: (تَبْدِيلُ لَفْظٍ بِرَدِيفٍ)] يعني بلفظ مرادف، مرادف لماذا؟ لأي شيء؟ (للمعرَّف) مرادف للمعرف، قوله: (تَبْدِيلُ). هذا فيه توسع، يعني: تسامح، لأن المعرِّف اللفظي ليس هو التبديل، التبدِيل هذا فعل الفاعل، وإنما المراد به اللفظ عينه الْبُرُّ القمح، القَمح هو التعريف اللفظي وليس كونك أبدلت اسمًا باسم أو لفظ بلفظ هو التعريف، إذًا فيه تسامح، لأن المعرف اللفظي ليس نفس التبديل، بل اللفظ الذي أتي به بدلاً إذ التعريف من قبيل الألفاظ وليست من قبيل المعاني، التبديل هذا معنى من المعاني كالتلفظ والتكلم هذه معاني وليست بألفاظ، (تَبْدِيلُ لَفْظٍ بِرَدِيفٍ) أي: بلفظ رديف. رَدِيف فَعِيل بمعنى مُفَاعل مُرَادف [للمعرف (أَشْهَرَا) منه]، يعني: عند من؟ عند السامع عند المخاطب، و (أَشْهَرَا) بالألف للإطلاق، [وذلك كقولنا في تعريف البر: هو القمح. فإنه مرادف للبُرِّ وأشهر منه لشهرة استعماله في ألسنة العامة والخاصة]، لو كان ما يعرف البر لكنه يعرف القمح قال: ما البر؟ إيش البر هذا؟ قيل له: القمح. حينئذٍ قمح هذا أشهر عند العامة وخاصة من البر، واحترز بكونه أشهر احترز بذلك عن الرديف الأخفى أو المساوي، لأن اللفظ باعتبار اللفظ من حيث الوضوح قد يكون أوضح وقد يكون مساويًا وقد يكون أخفى، وإنما الذي يقع به التعريف اللفظي أن يكون أشهرا، وإذا كان مساويًا لم يصح وإذا كان خفيًّا أو أخفى من المسئول عنه كذلك لا يصح. ثم بعد ما بين لك أنواع المعرِّف الخمسة على جهة التفصيل أراد أن يبين لك شروط المعرِّف لأنه لا يصح كل تعريف إلا باستفاء شروطه. - - - وَشَرْطُ كُلٍّ أَنْ يُرَى مُطَّرِدَا ... مُنْعَكِسًا وَظَاهِرًا لاَ أَبْعَدَا وَلاَ مُسَاوِيًا وَلاَ تَجَوُّزَا ... بِلاَ قَرِينَةٍ بِهَا تُحُرِّزَا

(وَشَرْطُ كُلٍّ) أي من الحد والرسم (أَنْ يُرَى مُطَّرِدَا) أي كلما وجد التعريف وجد المعرَّف، فيكون مانعًا من دخول أفراد غير المعرف فيه، و (مُنْعَكِسًا) أي كلما وجد المعرَّف وجد التعريف فيكون جامعًا لأفراد المعرف لا يخرج عنه منها شيء، فلا يجوز تعريف الإنسان بالحيوان لدخول غيره فيه فليس بمانع، ولا تعريفه بالحيوان الكاتب بالفعل لخروج أفراد غير الكاتب عنه فليس بجامع (وَ) أن يرى (ظَاهِرًا) أي واضحًا، (لاَ أَبْعَدَا) أي أخفى من المعرف كتعريف النار بأنها جسم كالنفس. ... (وَلاَ مُسَاوِيًا) للمعرَّف في الخفاء، كقولنا في تعريف المتحرك: هو ما ليس بساكن، (وَلاَ) أن يرى التعريف (تَجَوُّزَا) بضم الواو، أي لفظٌ تُجُوِّزَا أي لفظًا مجازيًا، ومحل امتناع المجاز إذا كان (بِلاَ قَرِينَةٍ) معينة للمراد، (بِهَا) أي بتلك القرينة (تُحُرِّزَا) بالبناء للمجهول، يعني محل امتناع التعريف بالمجاز إذا كان خاليًا عن القرينة المعينة للمراد التي يُحْتَرَزُ بها عن إرادة غير المراد، كتعريف العالم بأنه بحرٌ يدخل الحمام أو يصلى ويصوم فيمتنع لالتباس المراد بغيره، فإن كان مع المجاز قرينة تُعَيِّن المراد كقولنا في تعريف البليد: حيوان ناهقٌ يدخل الحمام ويصلي، جاز التعريف به. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ (وَشَرْطُ كُلٍّ) معلوم الشرط، ما يلزم من وجوده الوجود ولا يلزم من عدمه العدم، إذًا لا يوجد المعرَّف أو التعريف لا يوجد التعريف إلا بتحقق هذه الشروط المذكورة، (وَشَرْطُ كُلٍّ) التنوين هنا عوض عن ماذا؟ [عن المضاف]

عن المضاف، وهل المراد بالمضاف كل الثلاثة السابقة الحد والرسم واللفظي أم المراد بعضها؟ المراد بعضها، وهو: الرسم والحد. وأما اللفظي فلا يُشترط فيه شيء من هذه لامتناعها، يعني: يمتنع أن توجد هذه الشروط في اللفظ، إذًا (وَشَرْطُ كُلٍّ) قال الشارح: [أي: من الحد والرسم]. ولم يذكر اللفظي، إذًا هذه الشروط ليست داخلة في اللفظ، وإنما هي شروط للحد والرسم، (أَنْ يُرَى مُطَّرِدَا ** مُنْعَكِسًا) الطرد هو: المنع، والانعكاس أو المنعكس هو: الجمع، يعني: أن يكون الحد جامعًا مانعًا، أن يكون الحد جامعًا لجميع أفراد المعرَّف، أن يكون مانعًا، مَانعًا لماذا؟ من غير أفراد المعرَّف من الدخول في التعريف، يعني: أن يكون محكمًا، يختص التعريف بالمعرَّف، لأن المعرف له أفراد، إذًا ثَمَّ أفراد لا يصدق عليها التعريف، إذًا لا بد من إخراجها، لأنها ليست داخلة تحت المعرف، وثَمَّ أفراد داخلة فلا بد من إدخالها فخروجها حينئذٍ يكون نقضًا في التعريف، [(أَنْ يُرَى مُطَّرِدَا) أي كلما وجد التعريف] الذي هو المعرِّف [وجد المعرَّف، فيكون مانعًا من دخول أفراد غير المعرف فيه]، واضح هذا؟ إذًا المطرد هو المانع، لأنه قال: [فيكون مانعًا من دخول أفراد غير المعرف فيه]. يعني: في التعريف الطرد هو: المنع. [و (مُنْعَكِسًا) أي كلما وجد المعرَّف وجد التعريف] المنعكس هو: الجامع، [فيكون] حينئذٍ التعريف [جامعًا لأفراد المعرف لا يخرج عنه منها شيء، فلا يجوز تعريف الإنسان بالحيوان]، لو قال قائل: ما الإنسان؟ قال: الحيوان. هل هذا جامع؟ نعم جامع لأنه دخل فيه الإنسان بجميع أفراده، هل هو مانع؟ لا، لماذا؟ دخل الفرس و .. و .. إلى آخره، إذًا [تعريف الإنسان بالحيوان] نقول: هذا جامعٌ لكنه ليس بمانعٌ، جامع لماذا؟ لكونه لا يخرج عنه فرد من أفراد الإنسان، لأن الحيوان دخل فيه الإنسان كل أفراد الإنسان دخلت ولا إشكال فيه، فهو جامع، لكنه هل هو مانع؟ لا، لأن الإنسان حيوان حيوَان أعم من الإنسان، كل إنسان حيوان ولا عكس، لماذا؟ لكون الحيوان يصدق على غير الإنسان كالفرس والبغل والحمار، إذًا [فلا يجوز تعريف الإنسان بالحيوان] لماذا؟ [لدخول غيره فيه فليس بمانع] أي مطرد، ولا يجوز تعريف الإنسان بالحيوان الكاتب بالفعل، الحيوان كاتب بالفعل هذا ليس جامعًا، لماذا؟ لأن الإنسان من أفراده [ما لا يكتب أو] (¬1) من لا يكتب، حينئذٍ الكاتب بالفعل، يعني: الذي يكتب، والذي لا يكتب ليس بإنسان، هذا صحيح؟ ليس بصحيح لو قال: الكاتب بالقوة. نعم، إذًا جميع ما يقال بأنه خاصة إذا قُيِّدَ بالفعل لم تدخل جميع الأفراد، لماذا؟ لأن الوصف بالفعل، يعني: الذي تحقق بهذه الصفة بأن يكون كاتبًا حينئذٍ خرج، لو قيل: الإنسان الحيوان الضاحك بالفعل. خرجتم كلكم الآن، أنتم لستم بإنسان صحيح إلا البعض، حينئذٍ نقول: الوصف إذا قُيِّدَ بالفعل خرج كثير من أفراد الإنسان، إذًا هذا ليس بجامع [لخروج أفراد غير الكاتب عنه فليس بجامع] منعكس ليس بجامع، يعني: ليس منعكس. إذًا هذا الشرط الأول أن يكون مطردًا هذا شرط، أن يكون منعكسًا، نعم. ¬

_ (¬1) سبق.

(وَشَرْطُ كُلٍّ أَنْ يُرَى مُطَّرِدَا ** مُنْعَكِسًا)، يعني: ومنعكسًا على إسقاط حرف العطف. (وَظَاهِرًا لاَ أَبْعَدَا) (وَظَاهِرًا)، يعني: وأن يرى ظاهرًا، [أي واضحًا] عند من؟ عند السامع، (لاَ أَبْعَدَا) الألف للإطلاق عن الذهن، [أي: أخفى من المعرف كتعريف النار بأنها جسم كالنفس]، نقول: هذا بعيد، حينئذٍ نقول: هذا التعريف ليس بظاهر، لماذا؟ لأن النار إذا مُثِّلَت بالنفس النفس واضحة عند المخاطَب أو خفية؟ خفية، ولذلك قيل: ما الروح؟ ما النفس؟ قال: الله أعلم. ولذلك كثر الخلاف فيها حينئذٍ نقول: تشبيه الجسم أو تشبيه النار بأنها جسم كالنفس نقول: هذا أخفى من النار، بل النار أوضح من النفس، لماذا؟ لكون النفس فيها خفاء، حينئذٍ لا يعرَّف المعرَّف بلفظٍ فيه خفاء إنما يكون في شيءٍ واضح ظاهرٍ عند السامع، وأما تشبيهه بالنفس والنفس فيها خفاء نقول: هذا لا يصلح التعريف به، إذًا (كتعريف النار بأنها جسمٌ كالنفس)، فإنه أخفى من المعرَّف لشدة خفاء النفس بدليل كثرة الخلاف فيها. [(وَلاَ مُسَاوِيًا)]، يعني: (للمعرَّف في الخفاء)، (وَلاَ مُسَاوِيًا) [وأن نعم] (¬1). ¬

_ (¬1) سبق.

(وَظَاهِرًا لاَ أَبْعَدَا)، (وَلاَ مُسَاوِيًا) [للمعرَّف في الخفاء، كقولنا في تعريف المتحرك: هو ما ليس بساكن]، وما هو ما ليس بساكن؟ هو: المتحرك، وما هو المتحرك؟ ما ليس بساكن، إذًا هذا مساويًا له ولا يصلح التعريف بالمساوي، وهذا إذا استوى كلٌّ منهما عند السامع، [(وَلاَ) أن يرى التعريف (تَجَوُّزَا) بضم الواو أي لفظٌ تُجُوِّزَا] تَجَوُّزًا [أي: لفظًا مجازيًا]، يعني: المجاز لا يدخل التعاريف، لماذا؟ لأن المجاز هو حمل اللفظ على معنًى ثانٍ غير المعنى الحقيقي له، وإن كان اشترط فيه القرينة، [ومحل امتناع المجاز [لدخوله في التعريف [إذا كان (بِلاَ قَرِينَةٍ) معينة للمراد، (بِهَا) أي بتلك القرينة (تُحُرِّزَا)] ولا تَجَوُّزًا بلا قرينة تُحُرِّزَا بها، إذًا لا بد من قرينةٍ معينةٍ للمراد، متى؟ إذا أدخلنا المجاز في التعاريف، الأصل أن التعريف لا يدخله المجاز، فإن دخله المجاز حينئذٍ لا بد من قرينةٍ معينةٍ للمراد، فإن لن لم يكن قرينة حينئذٍ المنع، [(تُحُرِّزَا) بالبناء للمجهول، يعني: محل امتناع التعريف بالمجاز إذا كان خاليًا عن القرينة المعينة للمراد التي يُحْتَرَزُ بها عن إرادة غير المراد، كتعريف العالم بأنه بحرٌ يدخل الحمام]، ما العالم؟ قال: [بحرٌ يدخل الحمام]. هو العالم الذي يدخل الحمام فقط، هذا ما حصل به التمييز، إذًا لا بد من قرينة، وهنا لم توجد قرينة تعين، أما كونه مجازًا لقوله: [بحرٌ]. لما قال: [بحرٌ]. علمنا أنه مجاز، لكن بحر هذا قد يكون في المال، قد يكون في شيءٍ آخر غير العلم، لأن التشبيه بالبحر في الكثرة والاتساع، وهذا ليس خاصًا بالعلم، إذًا [بحرٌ يدخل الحمام] نقول: هذا لا يصلح أن يُعَرَّف به العالم لأنه ليس خاصًا به، أو بحرٌ [يصلى ويصوم]، نقول: هذا لا يصلح أن يكون تعريفًا، وإن كان لفظ البحر هذا مجازًا، لعدم وجود القرينة المعينة، [فيمتنع] تعريف العالم بما ذكر، [لالتباس المراد بغيره، فإن كان مع المجاز قرينة تُعَيِّن المراد كقولنا في تعريف البليد: حيوان ناهقٌ يدخل الحمام] وهذا واضح، لأن الحمار لا يدخل الحمام، وإنما يعني الحيوان الذي هو حيوان ذو الأربع لا يدخل الحمام، وإنما البليد هو الذي يصح منه ذلك، إذًا [حيوان ناهقٌ يدخل الحمام ويصلي، جاز التعريف به]، ولو قيل في العالم: بحرٌ يلاطف الناس يُظْهِرُ الدقائق والنكات. هذا صح التعريف به لأن الذي يظهر النكات الدقائق إنما هو العالم، إذًا المراد هنا إذا وقع المجاز في التعريف فلا بد من قرينةٍ معينة، وليس المراد هنا القرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي لا عندنا قرينتان هنا، المجاز لا يصح أن يكون مجازًا إلا بقرينة تدل على أن اللفظ استعمل في غير ما وضع له في لسان العرب، وهذه القرينة قرينة مانعة، وليست المراده هنا (بِلاَ قَرِينَةٍ) ليست المراد أنها المانعة، لماذا؟ لأننا أطلقنا عليه أنه مجاز، ولا يكون مجازًا إلا بقرينةٍ مانعة، وأما المراد هنا في التعريف القرينة المعينة، يعني: القرينة الزائدة على المجاز، نثبت أولاً أنه مجاز ثم لا بد من قرينةٍ معينةٍ للمراد يحترز بها عن غير المعنى المراد، فقول الناظم: (بِلاَ قَرِينَةٍ).

إنما هي المعينة لا المانعة، لأن المجاز لا يتحقق إلا بقرينةٍ. - - - وَلاَ بِمَا يُدْرَى بِمَحْدُودٍ وَلاَ ... مُشْتَرَكٍ مِنَ القَرِينَةِ خَلاَ (وَلاَ) يكون التعريف (بِمَا) أي بلفظ (يُدْرَى) أي يعلم معناه ... (بِمَحْدُودٍ) أي معرف يتوقف معرفة ذلك التعريف على معرفة المعرَّف لأداء ذلك إلى الدور، فيمتنع كتعريف العلم بأنه معرفة المعلوم، مع أن المعلوم تتوقف معرفته على معرفة العلم لاشتقاقه منه، وأجيب بأن المعلوم مراد منه الذات بقطع النظر عن وصفها بالمعلومية فكأنه قيل: العلم إدراك الشيء. (وَلاَ ** مُشْتَرَكٍ مِنَ القَرِينَةِ خَلاَ) أي ولا يكون التعريف بلفظ مشترك، خالٍ من القرينة المعينة للمراد كتعريف الشمس بأنه عين ومحل امتناع المشترك ما لم يُرَدْ جميع المعاني الموضوع لها كتعريف القضية بأنها قولٌ يحتمل الصدق والكذب مع أن القول مشترك بين الملفوظ والمعقول، لكن لما أريد كل منهما صح التعريف. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ [(وَلاَ) يكون التعريف (بِمَا) أي بلفظ (يُدْرَى)]. وَلاَ بِمَا يُدْرَى بِمَحْدُودٍ وَلاَ ... مُشْتَرَكٍ مِنَ القَرِينَةِ خَلاَ (وَلاَ بِمَا يُدْرَى بِمَحْدُودٍ)، يعني: ولا بما يعلم بواسطة المعرف، وهذا مر معنا في العلم، ما هو العلم؟ إدراك المعلوم، هذا لا يمكن الوصول إلى حقيقة العلم بهذا التعريف، لماذا؟ لأنه يلزم منه الدور، فهنا توقف التعريف على معرفة المعرَّف، ما هو العلم؟ إدراك المعلوم، طيب كيف نعرف المعلوم، المعلوم هذا اسم مفعول من العلم، كيف نعرف المعلوم؟ صار هذا متوقفًا على معرفة العلم، ما هو المعلوم؟ هو المتصف بالعلم، طيب ما هو العلم؟ هو إدراك المعلوم، حينئذٍ يلزم منه الدور، هذا المراد هنا [(وَلاَ) يكون التعريف (بِمَا) أي بلفظ (يُدْرَى) أي يعلم معناه (بِمَحْدُودٍ)]، يعني: مطلق المعرف، [(بِمَحْدُودٍ) أي معرف يتوقف معرفة ذلك التعريف على معرفة المعرَّف]، يعني: نسأل عن المعرف وهو مجهول. (لأداء ذلك إلى الدور)، يعني: توقف العلم بالمعرَّف على، أو العلم بالتعريف على العلم بالمعرف وهكذا، [فيمتنع كتعريف العلم بأنه معرفة المعلوم، مع أن المعلوم تتوقف معرفته على معرفة العلم لاشتقاقه منه]، فلما جاء بلفظٍ مشتق من مادة المعرَّف حصل الدور، لأنك لا تتصور المعلوم نحن قلنا: التعريف لا بد أن يكون معلومًا عند المخاطَب، والمخاطَب يسأل عن ماذا؟ عن العلم، إذًا هو يجهل حقيقة العلم، فإذا جئت في التعريف بلفظ المعلوم المشتق من العلم لا بد أن يتصور معنًى المعلوم حتى يعرف التعريف، فإذا قلت: المعلوم. لا بد أن يعرف أنه متصفٌ بالعلم والعلم هو معرفة المعلوم، [وأجيب بأن المعلوم مراد منه الذات بقطع النظر عن وصفها بالمعلومية فكأنه قيل: العلم إدراك الشيء] المراد المثال. الشأن لا يعترض المثال ... إذ قد كفى الفرد والاحتمال

هذا التعريف انتقض من هذه الجهة، العلم معرفة المعلوم، أو إدراك المعلوم، أجيب بأن المراد بالمعمول الذات بقطع النظر عن الوصف، يعني: جواب بكون تعريف العلم صحيحًا، وأجيب بكون التعريف السابق ليس بصحيح لأنه يلزم منه الدور بأن لفظ المعلوم الذي جاء في التعريف (مرادٌ منه الذات بقطع النظر عن وصفها)، المعلوم يعني: الذات المتصفة بوصفٍ بقطع النظر عن كونها علمًا، (فكأنه قيل: العلم إدراك الشيء)، وأجيب أيضًا بأن المعلوم المراد به ما من شأنه أن يعلما، على كلٍّ المراد به المثال فقط، (وَلاَ ** مُشْتَرَكٍ مِنَ القَرِينَةِ خَلاَ)، (مُشْتَرَكٍ) مرَّ معنا وهو [ما تعدد] (¬1) ما اتحد لفظه وتعدد وضعه ومعناه، عَيْن لفظ عين هذا متحد في اللفظ وله معانٍ متعددة، هذا النوع لا يصح أن يقع في التعريف إلا إذا دلت قرينة، أو كان المراد بالتعريف بلفظ العين مثلاً كل المعاني، إن كان المراد به جميع المعاني صح التعريف به، إن كان المراد به بعض المعاني لا بد من قرينة وإلا لم يصح، [(وَلا ** مُشْتَرَكٍ مِنَ القَرِينَةِ خَلا) أي ولا يكون التعريف بلفظ مشترك، خالٍ من القرينة المعينة للمراد كتعريف الشمس بأنه عين] قال: الشمس. ما هي الشمس؟ قال: [عين]. والعين هذا يصدق على الشمس وعلى غيرها، إذًا ليس بمعرِّف لأنه لفظٌ مشترك فلو وجدت قرينة جاز، لو قال: ما هي الشمس؟ قال: عين تضيء في الآفاق. صح التعريف، لماذا؟ لأنه جاء بقرينة معينة تدل على أن المرد بالعين هو الشمس، [ومحل امتناع المشترك ما لم يُرَدْ جميع المعاني] يُرِدْ أو يُرَدْ لا إشكال [ما لم يُرَدْ جميع المعاني الموضوع لها] اللفظ، فإن عنى جميع المعاني التي وضع لها اللفظ فلا إشكال، لأنه لا التباس متى يقع الالتباس؟ إذا أراد بعض المعاني، [كتعريف القضية بأنها قولٌ يحتمل الصدق والكذب مع أن] لفظ [القول] هذا [مشترك] بين المعاني والألفاظ، يعني: المعقولات والألفاظ، [لكن لما] كان المعنى المراد هو جميع مدلول القول صح التعريف به، إذًا [قولٌ يحتمل الصدق والكذب مع أن القول] لفظٌ مشترك [بين الملفوظ والمعقول] فليس خاصًا بالملفوظ بل هو شاملٌ للمعقول، [لكن لما أريد كل منهما صح التعريف]، إذًا (وَلاَ ** مُشْتَرَكٍ مِنَ القَرِينَةِ خَلاَ) يعني: لا يصح أن يقع اللفظ المشترك في التعاريف إلا في حالين: الأولى: أن تكون معه قرينة تعين المراد. الثاني: أن لا يوجد قرينة ولكن المراد جميع المعنى الذي أو المعاني التي وضع لها اللفظ. - - - وَعِنْدَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ ... أَنْ تَدْخُلَ الأَحْكَامُ فِي الحُدُودِ ¬

_ (¬1) سبق.

(وَعِنْدَهُمْ) الظرف خبر مقدم (مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ) جار ومجرور في محل الحال من الضمير المستتر في الخبر، أو عندهم ظرف متعلق بالمردود، ومن جملة المردود هو الخبر، والمبتدأ قوله: (أَنْ تَدْخُلَ) لتأوله بمصدر منسبك من أن وما دخلت عليه (الأَحْكَامُ فِي الحُدُودِ) والمعنى على الإعراب الأول: ودخول الأحكام في التعاريف كائن عندهم حالة كونه من جملة المردود، أي الممتنع، وعلى الثاني ودخول الأحكام في التعاريف كائنٌ من جملة المردود عندهم أي: المناطقة، وخصهم بالذكر لأنهم الباحثون عن ذلك، ودخول الحكم في التعريف كقولهم: الفاعل هو الاسم المرفوع، فالرفع حكمٌ من أحكام الفاعل، والحكم على الشيء متوقف على تصوره، فإذا أخذ الحكم جزءًا في التعريف توقف المعرف عليه وحصل الدور الذي هو توقف كل من الشيئين على الآخر. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ وَعِنْدَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ ... أَنْ تَدْخُلَ الأَحْكَامُ فِي الحُدُودِ تَدْخُلَ، تُدْخِلَ، تُدْخَلَ يجوز فيه (وَعِنْدَهُمْ) أي عند المناطقة [الظرف خبر مقدم (مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ) جار ومجرور في محل الحال من الضمير المستتر في الخبر، أو عندهم ظرف متعلق بالمردود، ومن جملة المردود هو الخبر، والمبتدأ قوله: (أَنْ تَدْخُلَ) لتأوله بمصدر منسبك من أن وما دخلت عليه] هذا إعراب [عندهم] الظرف خبرٌ مقدم [(مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ)] هذا [جار ومجرور في محل الحال من الضمير المستتر في الخبر]، أين الضمير المستتر في الخبر؟ عند خبر مقدم (أَنْ تَدْخُلَ الأَحْكَامُ)، دخول الأحكام، هذا مبتدأ، أين الضمير المستتر؟ عندنا فيها ضمير مستتر؟ . اسْتَقَرَّ واسْتَقِر، إذًا عندنا ضمير مستتر، لماذا؟ لأن عند الظرف خبرٌ مقدم، هذا من باب الاختصار، وإلا الأصل أن يقال: عندَ منصوبٌ على الظرفية متعلق بمحذوف خبر، المحذوف هو الخبر، تقديره اسْتَقَرَّ أو مُسْتَقِر، وعلى التقديرين فيه ضميرٌ مستتر، إذًا الخبر هو استقر، استقر هو عند ... [(مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ) جار ومجرور في محل الحال من الضمير المستتر في الخبر] محذوف، وأما عندنا ليس هو الخبر، وإنما هو متعلقٌ بمحذوف. وأخبروا بظرفٍ أو بحرف جَرّ ... نَاوِينَ معنى كائنٍ أو استقر إذًا كائنٌ هو، استقر هو، هو الضمير في الموضعين قوله: (مِنْ جُمْلَةِ). حالٌ منه، [أو عندهم] ليس بخبر [أو عندهم ظرف متعلق بالمردود، ومن جملة المردود هو الخبر]، يعني: يحتمل في عند أن يكون خبرًا، ويحتمل أن يكون متعلقًا بقوله: (المَرْدُودِ). يعني: هو اسم مفعول ويتعلق به الظرف والجار والمجرور، [والمبتدأ قوله: (أَنْ تَدْخُلَ). لتأوله بمصدر منسبك من أن وما دخلت عليه]، كقوله: {وَأَن تَصُومُواْ} [البقرة: 184].

[(الأَحْكَامُ فِي الحُدُودِ)، والمعنى على الإعراب الأول، ودخول الأحكام في التعاريف] ودخول أن تدخل جاء بالمبتدأ، [ودخول الأحكام في التعاريف كائن عندهم حالة كونه من جملة المردود أي الممتنع، وعلى الثاني]، يعني: بجعل عند متعلق بالمردود، [وعلى الثاني ودخول الأحكام في التعاريف] مبتدأ على الحال نفسه، [كائنٌ من جملة المردود عندهم]، الكلام يختلف بالتقديم والتأخير، [أي: المناطقة، وخصهم بالذكر] دون غيرهم) مع أن البحث مشترك [لأنهم الباحثون عن ذلك]، مبحث التعاريف إنما يكون في فن المنطق، [ودخول الحكم في التعريف كقولهم: الفاعل هو الاسم المرفوع]، المذكور قبله فعلهم، [فالرفع حكمٌ من أحكام الفاعل]، إذًا هو متعلقٌ بالذات فاعل، حينئذٍ الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره، ولا يحكم على الشيء إلا بعد أن تَعْرِفَهُ فَتُعَرِّفَهُ أولاً، ثم بعد ذلك تأتي بالحكم، (فالرفع حكمٌ من أحكام الفاعل، والحكم على الشيء متوقف على تصوره، فإذا أخذ الحكم جزءًا في التعريف توقف المعرف عليه وحصل الدور الذي هو توقف كل من الشيئين على الآخر) الاسم المرفوع، إذًا المرفوع نقول: هذا أثرٌ من أثار الفاعل، فنثبت أولاً ما هو الفاعل ثم بعد ذلك سيأتي الحكم. - - - وَلاَ يَجُوزُ فِي الحُدُودِ ذِكْرُ أَوْ ... وَجَائِزٌ فِي الرَّسْمِ فَادْرِ مَا رَوَوْا (وَلاَ يَجُوزُ فِي الحُدُودِ) الحقيقية (ذِكْرُ أَوْ) التي للتقسيم، لأن الماهية المحدودة شيء معين لا يتنوع (وَجَائِزٌ) أي وذكر أو التقسيمية جائز (فِي الرَّسْمِ) أي التعريف الرسمي كقولهم في تعريف المعرف للشيء: هو ما يقتضي تصوره أو امتيازه عن غيره، واحترزنا بـ أو التي للتقسيم عن التي للشك أو التشكيك، فلا يجوز دخولها في الحدود ولا في الرسوم، وقوله: (فَادْرِ مَا رَوَوْا) تكملة للبيت هذا. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ وَلاَ يَجُوزُ فِي الحُدُودِ ذِكْرُ أَوْ ... وَجَائِزٌ فِي الرَّسْمِ فَادْرِ مَا رَوَوْا

هذا الحكم الأخير، لا يجوز يعني: اصطناعةً ليس شرعًا (وَلاَ يَجُوزُ فِي الحُدُودِ)، يعني: [الحقيقة (ذِكْرُ أَوْ) التي للتقسيم، لأن الماهية المحدودة شيء معين لا يتنوع] الماهية هي حقيقة متحدة لا تقبل التنويع ولا تتعدد، حينئذٍ لا يصح أن يقال: أو .. أَو .. أو .. . ويراد به التقسيم، لأن لا يعرف الشيء ويدخل في التعريف لفظ أو ويراد به التقسيم، [(وَجَائِزٌ) أي وذكر أو التقسيمية جائز، (فِي الرَّسْمِ) أي التعريف الرسمي كقولهم في تعريف المعرف للشيء] السابق [هو ما يقتضي تصوره تصور المعرف] هذا في سقط عندكم [ما يقتضي تصوره تصور المعرف، أو امتيازه عن غيره)، إذًا ذكر شيئين [ما يقتضي تصوره تصور المعرف] أراد به الحد، [أو] هذا للتقسيم، [امتيازه عن غيره]، هذا جائز، لأن التعريف هنا من قبيل الرسم، [واحترزنا بـ أو التي للتقسيم عن التي للشك أو التشكيك]، يعني: الإبهام، [فلا يجوز دخولها في الحدود ولا في الرسوم]، إذًا أو التقسيمية يجوز دخولها في الرسم لا في الحد، أما الحد فيمتنع، وأو التي للشك أو التشكيك يمتنع دخولها في الحد وفي الرسم، (فَادْرِ مَا رَوَوْا) أي فاعلم الذي رووه من عدم الجواز في الأول، يعني: الحد، والجواز في الثاني، قال: (تكملة للبيت). - - - بَابُ القَضَايَا وَأَحْكَامِهَا مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ جَرَى ... بَيْنَهُمُ قَضِيَّةً وَخَبَرَا ثُّمَ القَضَايَا عِنْدَهُمْ قِسْمَانِ ... شَرْطِيَّةٌ حَمْلِيَّةٌ وَالثَّانِي هذا: باب في القضايا وأحكامها القَضَايَا جمع قضية، من القضاء وهو الحكم لاشتمالها عليه، وأحكامها بالجر عطف على القضايا، والمراد بالأحكام: التناقض والعكس. (مَا) أي اللفظ الذي (احْتَمَلَ الصِّدْقَ) والكذب (لِذَاتِهِ جَرَى ** بَيْنَهُمُ) أي المناطقة (قَضِيَّةً وَخَبَرَا) أي يسمى بهذين الاسمين، فخرج بقوله: ما احتمل الصدق والكذب ما لا يحتملهما من الإنشاءات، كاضرب فلا يسمى قضيةً ولا خبرًا. وخرج بقولنا: لذاته. ما احتمل الصدق والكذب للازمه، كاسقني الماء فإنه وإن احتمل الصدق والكذب لكن للازمه الذي هو أنا عطشان، لا لذاته أي: مدلوله المطابقي الذي هو طلب السقي، ودخل في قولنا: ما احتمل الصدق لذاته. المقطوع بصدقه من الأخبار كخبر الله وخبر رسوله - صلى الله عليه وسلم -. فإنه إنما قُطِعَ بصدقه النظر إلى قائله لا بالنظر لذاته، ودخل أيضًا المقطوع بكذبه من الأخبار نحو الجزء أعظم من الكل، فإنه وإن قطع بكذبه إنما هو لتحقق خلافه بضرورة العقل.

(ثُمَّ) للترتيب الذكري (القَضَايَا) جمع قضية (عِنْدَهُمْ) أي المناطقة قِسْمَانِ الأول: (شَرْطِيَّةٌ) وهي ما ليس طرفاها مفردين ولا في قوتهما نحو كُلَّمَا كانت الشمس طالعة كان النهار موجودًا، وإن جئتني أكرمتك، والشرطية منسوبة إلى الشرط، وهو إرادة التعليق نحو كُلَّمَا، وإن في المثالين، والثاني: (حَمْلِيَّةٌ) وهي ما كان طرفاها مفردين نحو: زيد قائم، أو في قوتهما، نحو زيد قام أبوه، فالجملة الواقعة خبرًا في تأويل المفرد، والحملية نسبة إلى الحمل باعتبار طرفها المحكوم به، لأنه يسمى محمولاً تشبيهًا له بالشيء الذي حمل على غيره، (وَ) القسم (الثَّانِي) وهو الحملية قسمان: ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ (هذا) قدره لك الشارح (بابٌ في القضايا وأحكامها)، وهذا ما يتعلق بالتصديقات، يعني: انتهى الناظم والشارح من بيان ما يتعلق بالتصورات، المبادئ والمقاصد انتقل الآن إلى التصديقات، والتصديقات لها مبادئ ولها مقاصد، العلم بالقضايا والتقسيمات هذه مبادئ، والقياس هو المقاصد. (بَابُ القَضَايَا)، [القَضَايَا جمع قضية] مأخوذة [من القضاء، وهو الحكم لاشتمالها عليه] يعني الحكم المراد بالحكم هنا النسبة بين الطرفين، لا الإيقاع والانتزاع قضية، يسمى قضية لماذا؟ لأنها اشتملت على الحكم، ما المراد بالحكم؟ ثبوت المحمول للموضوع، هذا المراد به، وليس المراد به الإيقاع والانتزاع الذي هو إدراك الوقوع واللا وقوع الذي مر معنا، لماذا؟ لأن الجملة تضمن ذلك، لو قال: قام زيدٌ. قام زيد هذا تضمن حكمًا وهو ثبوت، قلنا: لا بد من كلمة ثبوت، قيام زيد، قيام زيد هذا مضمون الجملة مضافًا إلى الثبوت، هذا مأخوذ من اللفظ هو الذي دل عليه، وأما الإيقاع والانتزاع هذا في النفس ليس في اللفظ، يعني: أنا الذي أدرك بالقوة العاقلة أن مدلول هذا اللفظ وقع أو لم يقع، فهو شيء خارج عن اللفظ وليس هو المراد، فإذا قيل اشتملت القضية أو الجملة على الحكم ليس المراد بالحكم هنا الإيقاع والانتزاع، لماذا؟ لأنه هذا يكون في النفس نفس المدرك، يعني: خارج عن اللفظ شيءٌ خارج عن اللفظ، وأما الذي دل عليه اللفظ فهو الحكم بمعنى ثبوت قيام زيد، إذًا قضية سميت (قضية من القضاء، وهو الحكم لاشتمالها عليه وأحكامها بالجر عطف على القضايا، والمراد بالأحكام التناقض والعكس) المستوي (التناقض والعكس)، والمراد بالعكس العكس المستوي، إذًا القضايا وأحكامها أي أحكام القضايا. والمراد بالأحكام هنا التناقض وسيأتي بابٌ خاص به، والعكس المستوي وسيأتي بابٌ خاص به. مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ جَرَى ... بَيْنَهُمُ قَضِيَّةً وَخَبَرَا [(مَا) أي اللفظ الذي (احْتَمَلَ الصِّدْقَ)]. قال: (والكذب). قوله: [(مَا) أي اللفظ]. ما المراد باللفظ هنا؟ هل المراد به اللفظ المفرد أو المركب؟ ..

ولماذا؟ البحث في التصديقات وهي مركبات، ثم تقسيم إلى خبر وإنشاء أو خبر وطلب هذا تقسيم لكلام، يعني: الإسناد التام، ما وجد فيه التركيب الذي هو المسند والمسند إليه، المبتدأ والخبر أو الفعل وفاعله، إذًا [(مَا) أي اللفظ]. لو قال: الكلام. لكن أحسن، لو قال: المركب. لكن أحسن، لأن اللفظ هذا يدخل فيه المفرد، وإذا دخل المفرد المفْرد لا يقال فيه صدق وكذب، وإنما هو مقابل للمركب، [أي: اللفظ الذي ... (احْتَمَلَ)] ليجوز فيه (الصِّدْقَ)، قال: [والكذب]. الناظم هنا لم يذكر الكذب وإنما ذكر الصدق، لأن الصدق يستلزم الكذب فما احتمل الصدق لأنه محتمل للكذب قالوا: وتركه كذلك تأدبًا، لأن الخبر يقع في كلام الله تعالى، حينئذٍ ترك لفظ الكذب يكون من باب التأدب، على كلٍّ لو صُرِّحَ به ليس من قبيل سوء الأدب، [(احْتَمَلَ الصِّدْقَ) والكذب]، ما المراد بالصدق؟ المراد بالصدق مطابقة الواقع، والمراد بالكذب عدم مطابقة الواقع، زيدٌ قائمٌ نظرنا في الواقع فإذا به قاعد نقول: هذا اللفظ لم يطابق، إذًا هو كذب، زيدٌ قائمٌ وجدنا في الواقع في الخارج زيد قائم، إذًا هذا مطابق، كونه في الواقع في الخارج مدلول اللفظ موجود علمنا بأنه صدق، إذا لم يكن كذلك فهو كذبٌ، إذًا الصدق مطابقة اللفظ أو الخبر للواقع، الكذب عدم المطابقة، (لِذَاتِهِ) هذا القيد للإدخال والإخراج قيد بذاته، يعني: لذات اللفظ، بقطع النضر عن القائل، فالعبرة هنا باللفظ لا بالمتكلم، لأننا لو نظرنا إلى المتكلم لصار عندنا قسمة ثلاثية: ما لا يحتمل إلا الصدق، وما لا يحتمل إلا الكذب، وما يحتمل الصدق والكذب. وهذا ليس من مراد، إذًا [(مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ) والكذب (لِذَاتِهِ)] بقطع النظر عن المتكلم] (لِذَاتِهِ جَرَى ** بَيْنَهُمُ) أي المناطقة. (قَضِيَّةً وَخَبَرَا) يعني يسمى بهذين الاسمين]، كونه قضية لاشتمالها على القضاء وهو الحكم، وكونها خبرًا لأنها احتملت الصدق والكذب، وهما اثنان لمسمى واحد، [أي: يسمى بهذين الاسمين]، (مَا) أي اللفظ [يسمى بهذين الاسمين فخرج بقوله: ما احتمل الصدق والكذب. ما لا يحتملهما من الإنشاءات]، إذًا يقابل الخبر الإنشاء، أليس كذلك؟ والمراد بالإنشاء هنا كالأمر والدعاء أو النهي أو الطلب والتمني ونحو ذلك، هذا يعبر عنها بالإنشاء، والإنشاء ما كان مدلوله في المستقبل، يعني: لم يقع، بخلاف الخبر فما كان مدلوله في الماضي بأنه وقع فحينئذٍ لو قال: قم. لا يصح أن يوجه إليه صدقت أو كذبت قم، لا تقم، يا زيد، إلى آخره نقول: هذا لا يصدق في الجواب أن يقال له: صدقت، أو كذبت. لماذا؟ لأن المدلول هنا لم يقع أصل لا تقم، قم، يا ليتني، لعلي، إلى آخره فنقول: هذا كله لم يقع حينئذٍ لا يتوجه إليه الإثبات بالصدق أو بالنفي، [فخرج بقوله: ما احتمل الصدق والكذب. ما لا يحتملهما من الإنشاءات كاضرب فلا يسمى قضيةً ولا خبرًا] لماذا؟ لأنه لا يتوجه إليه التعبير بالصدق والكذب، لو قال: اضرب. لا يقال له: كذبت. ولا يقال له: صدقت. [وخرج بقولنا: لذاته. ما احتمل الصدق والكذب للازمه]، يعني: لا لذات اللفظ، بل لما يستلزمه، كقولهم: اسقني الماء.

اسقني هذا طلب، وهو إنشاء فلا يتوجه إليه الصدق والكذب، لكن اسقني الماء هذا يستلزم قوله: أنا عطشان. اسقني ماءً هذا يستلزم أنه عطشان كأنه قال: أنا عطشان فاسقني ماءً. إذًا أنا عطشان هذا يحتمل الصدق والكذب، فاللفظ اسقني ماءً يحتمل الصدق والكذب، لكن لا لذاته بل للازمه، لأنه يلزم من قوله: اسقني ماءً. الإخبار عن نفسه بأنه عطشان هذا الأصل أنه لا يطلب الماء إلا إذا كان عطشان، [كاسقني الماء فإنه وإن احتمل الصدق والكذب لكن للازمه]، لا للفظه اسقني لأنه أمرٌ وهو إنشاء، لكن للازمه [الذي هو أنا عطشان، لا لذاته أي: مدلوله المطابقي الذي هو طلب السقي، ودخل في قولنا: ما احتمل الصدق لذاته. المقطوع بصدقه من الأخبار كخبر الله وخبر رسوله - صلى الله عليه وسلم -] حينئذٍ نقول: هذا مقطوع بصدقة، وهو لا يحتمل الصدق والكذب باعتبار القائل، بل لا يحتمل إلا الصدق، وأما إذا لم ننظر إلى القائل حينئذٍ نقول: هذا يحتمل الصدق والكذب. [فإنه إنما قُطِعَ بصدقه النظر إلى قائله لا بالنظر لذاته، ودخل أيضًا المقطوع بكذبه من الأخبار نحو الجزء أعظم من الكل] كذب، صحيح؟ كذبٌ أم لا؟ كذب، مقطوع بكذبه؟ نعم مقطوع بكذبه، لكن من حيث هو بقطع النظر عن كون العقل قد دل على كذبه أو مقطوعًا بكذبه نقول: هذا داخل في الحد. [فإنه وإن قطع بكذبه إنما هو لتحقق خلافه بضرورة العقل]، إذًا لقرينة خارجة، فلولا ضرورة العقل الدالة على كذب هذا اللفظ لقلنا: يحتمل الصدق والكذب، حينئذٍ بقطع النظر عن الضرورة أدخلناه في الحد، إذًا ... (لِذَاتِهِ) للإخراج والإدخال، أخرج ماذا؟ أخرج الإنشاءات كالأمر اسقني ماءً، هذا خرج، لماذا؟ لأنه يدل على الخبر بلازمه، اسقني ماءً، يعني: أنا عطشان، أنا عطشان هذا خبر، لكن هنا لا لذاته، ودخل ما احتمل الصدق لذاته، ودخل المقطوع بصدقه والمقطوع بكذبه، إذًا للإخراج والإدخال، (ثُمَّ) بعدما عرف لك معنى الخبر، (ثُمَّ)، (مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ جَرَى ** بَيْنَهُمُ قَضِيَّةً)، (قَضِيَّةً) هذا منصوب على الحال، والضمير المستتر في (جَرَى)، (وَخَبَرَا) هذا معطف عليه.

[(ثُّمَ) للترتيب الذكري (القَضَايَا)] عندهم قسمان: شرطية حملية، القضايا قسمان [(القَضَايَا) جمع قضية (عِنْدَهُمْ) أي المناطقة (قِسْمَانِ) الأول: (شَرْطِيَّةٌ) قسمان شرطية، هذا بدل، ولك أن تجعله خبر لمحذوف، الأول شرطية كما قال الشارح هنا، و (حَمْلِيَّةٌ) يعني: الثاني حملية، إذًا تنقسم إلى نوعين: شرطية، وحملية. عرف الشارح هنا الشرطية بقوله: ... [ما ليس طرفاها مفردين ولا في قوتهما]، [ما ليس طرفاها] يعني المقدم والتالي، ليسا مفردين ولا في قوة المفردين، يعني: لا يؤول بالمفرد، لأنها الشرطية مقابلة للحملية، والحملية هي ما كان طرفاها مفردين، أو في قوة المفردين، طرفاها، يعني: الموضوع المحمول، وطرفا الشرطية المقدم والتالي، حينئذٍ النظر هنا في كونه مفردًا أو ليس بمفرد، [كُلَّمَا كانت الشمس طالعة كان النهار موجودًا]، [كُلَّمَا كانت الشمس طالعة] هذا مقدم، [كان النهار موجودًا] هذا التالي، إذًا الطرف الأول [كانت الشمس طالعة) هذا مفرد؟ ليس بمفرد، هل هو في قوة المفرد؟ لا ليس في قوة المفرد [كان النهار موجودًا]، [النهار موجودًا] هذا التالي، هل هو مفرد؟ ليس بمفرد ولا في قوة المفرد، إذًا نعبر عن هذه بأنها شرطية لوجود أداة الشرط فيها، [كلما كانت الشمس طالعة كان النهار موجودًا، وإن جئتني أكرمتك]، [أكرمتك) جئت هذه جملة، [أكرمتك] هذه جملة، إذًا ليس بمفردين، [والشرطية منسوبة إلى الشرط، وهو إرادة التعليق نحو كُلَّمَا وإن في المثالين]، إذًا ما هي الشرطية؟ ما ليس طرفاها، يعني: المقدم والتالي، مفردين، معلوم المفرد، ولا في قوة المفردين، يعني: لا يؤول بالمفرد. وقيل: الشرطية ما حكم فيها على وجه الشرط والتعليق. وهذا الحد أسلم وأضبط، شرطية ما حكم فيها على وجه الشرط والتعليق، والحملية ما حكم فيها على وجه الحمل، لماذا؟ لأن هذا التعريف [ما ليس طرفاها مفردين ولا في قوتهما] منتقض لقولك في المتصلة: هذا ملزوم لذاك. لأنه قد يأتي ما كان في قوة الطرفين أو المفردين في الشرطية المتصلة والمنفصلة، حينئذٍ انتقض التعريف [ولا في قوتهما] يعني ولا في قوة المفردين، وجد في قولهم: هذا ملزوم لذاك، كلما كانت الشمس طالعة كان النهار موجودًا بينهما تلازم أو لا؟ كلما كانت الشمس طالعة كان النهار موجودًا بينهما تلازم كأنك قلت: هذا ملزوم لذاك. إذًا هو في قوة المفردين، إن جئتني أكرمتك، هذا ملزوم لهذا، بمعنى أن المجيء ملزوم للإكرام، الإكرام لازم حينئذٍ ترتب عليه، والأولى أن يعبر بأن الشرطية ما حكم فيها على وجه الشرط والتعليق. [والثاني: (حَمْلِيَّةٌ) وهي ما كان طرفاها مفردين نحو: زيد قائم، أو في قوتهما] يعني: قوة المفردين، يعني يؤول بالمفرد، [نحو زيد قام أبوه]، [زيد] هذا مبتدأ، [قام أبوه] جملة خبر في قوة المفرد، قائمٌ أبوه، إذًا أُوِّلَ الثاني بالمفرد، [فالجملة الواقعة خبرًا في تأويل المفرد، والحملية نسبة إلى الحمل باعتبار طرفها المحكوم به]، إذًا (ثُّمَ القَضَايَا) قسمان، القضايا تنقسم إلى قسمين: شرطية، وحملية. شرطية ما كان الحكم فيه على وجه الشرط والتعليق. والحملية ما لم يكن كذلك.

إذًا ما وجد فيه أداة الشرط والتعليق ترتيب أمرٍ على أمر يسمى ماذا؟ شرطي، هذا التعريف أولى من ما ذكره الناظم أو الشارح. والقسم الثاني وهو الحملية قسمان، (وَالثَّانِي)، (شَرْطِيَّةٌ حَمْلِيَّةٌ وَالثَّانِي) أي الحملية. يعني: تقسيمات متداخلة، القضية تنقسم إلى الشرطية وحملية، ثم الحملية تنقسم إلى كلية وشخصية. [(وَ) القسم (الثَّانِي) وهو الحملية قسمان:] - - - كُلِّيَّةٌ شَخْصِيَّةٌ وَالأَوَّلُ ... إِمَّا مُسَوَّرٌ وَإِمَّا مُهْمَلُ (كُلِّيَّةٌ) وأراد بها ما موضوعها كلي، سواءٌ كانت مسورةً بسورٍ كلي أو جزئي، أو مهملة من السور نحو: الإنسان حيوان ليصح التقسيم الآتي، و (شَخْصِيَّةٌ)، وهي: ما موضوعها معين، وتسمى مخصوصة، كزيد كاتبٌ، (وَ) القسم (الأَوَّلُ) من الحملية (إِمَّا مُسَوَّرٌ) بالسور الكلي أو الجزئي، (وَإِمَّا مُهْمَلُ) أي خالٍ عن السور. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

(كُلِّيَّةٌ) وشخصية، [(كُلِّيَّةٌ) وأراد بها] الناظم هنا (ما موضوعها كلي) بمعنى أن المبتدأ، أو الفاعل، أو نائب الفاعل يكون كليًّا، وهو ما أفهم اشتراكًا حينئذٍ نقول: هذه قضية حملية كلية. لماذا؟ حملية لأن الحكم فيها لا على وجه التعليق والشرط، وكونها كلية لأن موضوعها لفظ كلي وهو ما أفهم اشتراكًا (سواءٌ كانت مسورةً بسورٍ كلي) يعني تقدم على الموضوع لفظٌ، ويسمى سورًا يدل على الإحاطة والشمول، [بسور كليٍّ، أو جزئي، أو مهملة]، وهذه ثلاثة أنواع [أو مهملة من السور نحو: الإنسان حيوان]، [الإنسان] مبتدأ [حيوان] خبر، ما نوع القضية هنا؟ نقول: حملية. لماذا؟ لأن الحكم فيها على وجه الحمل لا على وجه الشرط والتعليق، هذا أولاً، ما نوعها من أنواع الحملية؟ كلية، لماذا؟ لكون موضوعها لفظ إنسان وهو كلي وسبق أنه ما أفهم اشتراكًا، هنا لفظ إنسان لم يتقدم عليه لفظ مما يدل على العموم، فلو قيل: كل إنسانٍ حيوان، بعض الإنسان حيوان، الإنسان حيوان. كم هذه؟ ثلاثة، كل إنسان حيوان، هذه كلية لكنها مسورة بسور كلي وهو لفظ كل الدال على الإحاطة والشمول، كلية لأن موضوعها الذي هو المضاف إليه لفظ كل لفظٌ كلي، لكونها مسورة بسور كلي، قلنا: كلية. باعتبار آخر، بعض الإنسان حيوان، هذه كلية على ما أراده الناظم هنا كلية، لأن موضوعها كلي، وهو لفظ إنسان، وهي مسورة بسورٍ جزئي، ولذلك تسمى جزئية كما سيأتي، لكن الكلام هنا في الموضوع، الإنسان حيوان، لم يتقدم لفظ الإنسان سورٌ كلي ولا جزئي يعبر عنها بأنها مهملة يعني خالية عن السور، لم يتقدمها سور لا كلي ولا جزئي، يسمى ماذا؟ تسمى مهملة [أو مهملة من السور نحو الإنسان حيوان ليصح التقسيم الآتي]، يعني: تفسير الكلية هنا ليس بما شاع واصطلح عند المناطقة بأنها المسورة بسور كلي، وإنما المراد ما موضوعها كلي بقطع النظر عن السور من وجوده وعدمه، [ليصح التقسيم الآتي و (شَخْصِيَّةٌ)] هذه مقابل للكلية [و (شَخْصِيَّةٌ) وهي: ما موضوعها معين]، يعني: جزئي، يعني: يقابل الكلية، وهذا يدل على أن مراد الناظم هنا بالكلية باعتبار الموضوع لا باعتبار السور [و (شَخْصِيَّةٌ) وهي: ما موضوعها مشخصٌ معين وتسمى مخصوصة، زيد كاتبٌ] هل هذا القضية كلية أو شخصية؟ أولاً حملية أو شرطية؟ تقول: حملية، لكون الحكم فيها على وجه الحمل لا على وجه الشرط والتعليق، زيدٌ كاتبٌ هل هي كلية أم شخصية؟ شخصية، لماذا؟ لأن النظر هنا في الحكم على الكلية أو الجزئية أو الشخصية باعتبار ماذا؟ باعتبار الموضوع، والموضوع زيد كاتبٌ شخصي، بمعنى أنه بمجرد تعقل معناه يمنع الشركة فيه، أو إن شئت قل: ما لا يفهم اشتراكًا. فزيد لا يفهم اشتراكًا، حينئذٍ نقول: ما موضوعه جزئي تسمى شخصية. [(وَ) القسم (الأَوَّلُ) من الحملية] الكلية (إِمَّا مُسَوَّرٌ وَإِمَّا مُهْمَلُ) يعني: الكلية نوعان: كلية مسورة بسورٍ، وكلية مهملة عن السور.

((وَ) القسم (الأَوَّلُ) من الحملية) والكلية ((إِمَّا مُسَوَّرٌ) بالسور الكلي أو) بالسور الجزئي، (وَإِمَّا مُهْمَلُ)، أي خالٍ عن السور)، وإذا نظرنا في كلام الناظم السابق واللاحق نقول: الحملية أربعة أقسام، الحملية عند التفصيل أربعة أقسام: الشخصية وهي ما كان موضوعها شخصيًّا وشخص زيدٌ كاتبٌ. الثاني: المهملة وهي ما كان موضوعها كليًّا وأهملت عن السور، سواء كان سورًا كليًّا أو جزئيًّا. ثالثًا: الكلية وهي المسورة بسورٍ كلي، كل إنسان حيوان. رابعًا: الجزئية وهي المسورة بالسور الجزئي بعض الحيوان إنسان. إذًا الحملية أربعة أقسام: شخصية، ومهملة، وكلية، وجزئية. ثم قال: - - - وَالسُّورُ كُلِّيًّا وَجُزْئِيًّا يُرَى ... وَأَرْبَعٌ أَقْسَامُهُ حَيْثُ جَرَى إِمَّا بِكُلٍّ أَوْ بِبَعْضٍ أَوْ بِلاَ ... شَيءٍ وَلَيْسَ بَعْضُ أَوْ شِبْهٍ جَلاَ (وَالسُّورُ كُلِّيًّا) إن دل على الإحاطة بجميع أفراده، (وَجُزْئِيًّا) إن دل على الإحاطة ببعضها، (يُرَى) أي يعلم (وَأَرْبَعٌ أَقْسَامُهُ) أي أقسام السور أربعة، (حَيْثُ جَرَى) أي وقع لأنه إما سورُ إيجابٍ كليٍّ أو جزئي، أو سور سلبٍ كليٍّ أو جزئي كما أشار إلى ذلك بقوله: (إِمَّا بِكُلٍّ). نحو: كل إنسان حيوان (أَوْ بِبَعْضٍ)، نحو: بعض الإنسان كاتبٌ (أَوْ بِلاَ ** شَيءٍ) نحو: لا شيء من الإنسان بحجر. (وَلَيْسَ بَعْضُ) الواو بمعنى أو نحو: ليس بعض الحيوان بإنسان، وقوله: (أَوْ شِبْهٍ) عطف على كل، وقوله: (جَلاَ) أي أظهر السور الإحاطة بجميع الأفراد أو ببعضها، فَشِبْهُ كلٍّ جميع وعامة نحو: جميع الإنسان حيوان، وعامة الإنسان حيوان، وشبه بعضٍ فريقٌ نحو: فريقٌ من الإنسان كاتبٌ، وشبه لا شيء لا أحد ولا دَيَّار، نحو: لا أحد من الإنسان بفرس، وشبه ليس بعض ليس كل فهو من أسوار السلبي الجزئي، لأنها رفع للإيجاب الكلي نحو: ليس كل حيوانٍ بفرس. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

(وَالسُّورُ كُلِّيًّا) السور المراد به ما دل على الإحاطة بجميع أفراده أو بعضها، ما دل على الإحاطة بجميع الأفراد أو بعضها يسمى سورًا، كل إنسان حيوان، لفظ كل يسمى سور، بعض الإنسان حيوان، لفظ بعض يسمى سورًا، إذًا دل على الإحاطة بكل أو ببعض، إذًا السور ما دل على الإحاطة بجميع الأفراد كلفظ كل، أو بعض الأفراد كلفظ بعض [(وَالسُّورُ كُلِّيًّا) إن دل على الإحاطة بجميع أفراده، (وَجُزْئِيًّا) إن دل على الإحاطة ببعضها (يُرَى) أي يعلم (وَأَرْبَعٌ أَقْسَامُهُ) أي أقسام السور أربعة، (حَيْثُ جَرَى) أي وقع لأنه] (حَيْثُ) هنا للإطلاق، [لأنه إما سورُ إيجابٍ كليٍّ أو جزئي، أو سور سلبٍ كليٍّ أو جزئي]، يعني: الكلية المسورة بسورٍ كلي إما موجبة وإما سالبة، والجزئية المسورة بسورٍ جزئي إما سالبة وإما موجبة، فعندنا سورٌ كلي إيجابي، وسورٌ كلي سلبي، وعندنا سورٌ جزئي إيجابي وسورٌ جزئي سلبي، واضح هذا؟ إذًا الكلية نوعان باعتبار ماذا؟ باعتبار السلب والإيجاب، والجزئية نوعان باعتبار السلب والإيجاب، قال هنا: [أي: وقع، لأنه إما سور إيجابٍ كليٍّ أو جزئي، أو سور سلبٍ كليٍّ أو جزئي]. جمع بينهما في الإيجاب والسلب [كما أشار إلى ذلك بقوله: (إِمَّا بِكُلٍّ) نحو: كل إنسان حيوان]، هذه مسورة بسورٍ كل. أولاً: هي حملية، لأن الحكم هنا وقع على جهة الحمل لا على الشرط. ثانيًا: هي كلية، لكون موضوعها كلي وهو لفظ إنسان. ثالثًا: هي كلية باعتبار السور. كلية لها نظران يعني: اصطلاحان، باعتبار الموضوع بقطع النظر عن السور تُسمى كلية وهي التي جعلها الناظم، كليةٌ باعتبار السور، يعني: ما سورت بسور كلي، هنا كل إنسانٍ حيوان هي كليةٌ باعتبار موضوعها وهي كلية باعتبار السور، ثم هي موجبة أربعة أشياء، حملية كليةٌ لأن موضوعها كلي، كليةٌ لأنها مسورة بسور كلي، ثم هو إيجابي، أربعة أشياء، يعني: ليس سلبية، (أَوْ بِبَعْضٍ)، يعني: بلفظ بعض، [نحو: بعض الإنسان كاتبٌ] حملية، كلية موضوعها كلي، جزئية لأنها مسورة بسور جزئي يدل على البعض بعض الأفراد، موجبة ليست سالبة، أربعة أشياء، [(أَوْ بِلاَ ** شَيءٍ) نحو: لا شيء من الإنسان بحجر]، هذه لا شيء نكرة في سياق النفي تعم، إذًا هو سور كلي لأن النفي هنا لجميع الأفراد، وإذا كان كذلك فهذا سور كلي، إذاً هي حمليةٌ. ثانيًا: كلية، لأن قوله: [من الإنسان]. هو المحكوم عليه في المعنى. ثالثًا: مسورة بسورٍ كلي. رابعًا: السلبي، يعنى: نفي.

[(وَلَيْسَ بَعْضُ) الواو بمعنى أو نحو: ليس بعض الحيوان بإنسان] هذا مثال لقوله: (أَوْ بِبَعْضٍ). هذا بالإثبات، [ليس بعض]، يعني: إذا تقدم على السور الجزئي نفي، سواء كان بالحرف أو بالفعل فهي حملية جزئية سالبةٌ، [ليس بعض الحيوان بإنسان] نعم وهو كذلك، بل هو فرس، [ليس بعض]، إذًا هذا مسور بسور جزئي لكنه سلبي، يعني: منفي. (أَوْ)، [وقوله: (أَوْ شِبْهٍ). عطف على كل]، يعني: شبه لفظ كل، وشبه لفظ لا شيء، وشبه لفظ بعض، وشبه لفظ ليس بعض، يعني: ما يشبه المذكور، ما دل على الإحاطة بجميع الأفراد سواء كان بلفظ كل أو غيرها من صيغ العموم كعامة وجميع فهو سور كلي، إن تقدمه سلبٌ فهو سالب، وإن لم يتقدمه سلب فهو إيجابي، وكذلك ما دل على ما دل عليه لفظ بعض كفريق وطائفة حينئذٍ نقول: هذا سور جزئي. إن تقدمه سلبٌ فهو سلبي، إن لم يتقدمه فهو إيجابي، [(أَوْ شِبْهٍ). عطف على كل، وقوله: (جَلاَ). أي: أظهر السور الإحاطة بجميع الأفراد أو ببعضها، فَشِبْهُ كلٍّ جميع] شبه كلٍّ ما الذي يشبه كل في الإحاطة والشمول؟ [جميع وعامة نحو: جميع الإنسان حيوان]، هذا مثل قولك: كل إنسان حيوان. لأن كل وجميع من ألفاظ الإحاطة والشمول، [وعامة الإنسان حيوان]، عامة مثل كل، [وشبه بعضٍ فريقٌ نحو: فريقٌ من الإنسان كاتبٌ]، يعني: بعض الإنسان كاتبٌ، [وشبه لا شيء لا أحد ولا دَيَّار، نحو: لا أحد من الإنسان بفرس] يعني نكرة من سياق النفي ويدل على العموم، [وشبه ليس بعض ليس كل فهو من أسوار السلبي الجزئي] لأن النفي هنا تقدم على كل، وإذا تقدم النفي على كل قلنا: هذا نفي للبعض. حينئذٍ صار مرادفًا لقوله: [ليس بعض]. على ما ذكرناه بالأمس، [وشبه ليس بعض ليس كل فهي] أي لفظ ليس كل، [من أسوار السلب الجزئي، لأنها رفع للإيجاب الكلي نحو: ليس كل حيوانٍ بفرس]، يعني: بعضه فرس، إذًا (وَالسُّورُ كُلِّيًّا وَجُزْئِيًّا يُرَى وَأَرْبَعٌ)، أربعٌ بحذف التاء، الأصل أربعة بحذف التاء للضرورة. وَالسُّورُ كُلِّيًّا وَجُزْئِيًّا يُرَى ... وَأَرْبَعٌ أَقْسَامُهُ حَيْثُ جَرَى إِمَّا بِكُلٍّ .................. ... .......................... أن يكون السور متلبسًا بلفظ كل، (أَوْ بِبَعْضٍ) هذا في الجزئية، (أَوْ بِلاَ شَيءٍ) هذا كلية سالبة، وليس بعض أو شبه المذكور. - - - وَكُلُّهَا مُوجَبَةٌ وَسَالِبَهْ ... فَهْيَ إِذَنْ إِلَى الثَّمَانِ آيِبَهْ

وقوله: (وَكُلُّهَا) أي جميع القضايا الشخصية والكلية المسورة بالسور الكلي والمسورة بالسور الجزئي والمهملة، (مُوجَبَةٌ وَسَالِبَهْ ** فَهْيَ إِذًا) أي إذا علمت ما سبق من كونها موجبة وسالبة (إِلَى الثَّمَانِ آيِبَهْ) أي راجعة، وهي الشخصية الموجبة نحو زيدٌ كاتبٌ، والسالبة زيدٌ ليس بكاتبٍ، والكلية الموجبة كل إنسان حيوان، والسالبة نحو: لا شيء من الإنسان بحجر. والجزئية الموجبة نحو: بعض الإنسان كاتب، والسالبة نحو: بعض الإنسان ليس بكاتب، والمهملة الموجبة نحو: الحيوان إنسان، والسالبة نحو: الحيوان ليس بإنسان، والمهملة في قوة الجزئية، فلذلك صدق قولنا: الحيوان إنسان، والحيوان ليس بإنسان. لأنه في قوة قولنا: بعض الحيوان إنسان، وبعض الحيوان ليس بإنسان. واعلم أن للقضية ثلاثة أجزاء، أشار إلى اثنين منها بقوله: ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ [(وَكُلُّهَا) أي جميع القضايا الشخصية والكلية المسورة بالسور الكلي والمسورة بالسور الجزئي والمهملة (مُوجَبَةٌ وَسَالِبَهْ ** فَهْيَ إِذَنْ إِلَى الثَّمَانِ آيِبَهْ)] راجعة، إذًا الحملية الأربعة السابقة: شخصية، كلية، جزئية، مهملةٌ. هذا أربعة، قلنا: أقسام الحملية أربعة. كل منهما إما إيجاب أو سلب أربع في اثنين بثمانية، واضح؟ إذًا أقسام الحملية أربعة، إما شخصية ما كان موضوعها شخصية مشخصة زيدٌ كاتب، وإما مسورة بسورٍ كلي كل إنسان حيوان، أليس كذلك؟ أو مسورة بسورٍ جزئي، أو مهملة من السور، أربعة أنواع، هذه الأربعة إما أن تكون موجبة أو سالبة، مشخصة موجبة، مشخصة سالبة، كلية موجبة، كلية سالبة، جزئية موجبة، جزئية سالبة، مهملة موجبة، مهملة سالبة، (فَهْيَ إِذَنْ إِلَى الثَّمَانِ آيِبَهْ)، (فَهْيَ)، [(وَكُلُّهَا) أي جميع القضايا الشخصية والكلية المسورة بالسور الكلي] قيدها هنا لا باعتبار الموضوع، وإنما باعتبار السور، [والمسورة بالسور الجزئي والمهملة] هذه كم؟ كم هذه؟ أربعًا انتبه قال: [جميع القضايا الشخصية والكلية المسورة بالسور الكلي]. قيد الكلية هنا باعتبار السور، وأما باعتبار الموضوع بقطع النظر عن السور هذا من أجل تصحيح التقسيم الذي ذكره الناظم، [والمسورة بالسور الجزئي والمهملة، (مُوجَبَةٌ وَسَالِبَهْ)]، أربع في اثنين، [(فَهْيَ إِذَنْ) أي إذا علمت ما سبق من كونها موجبة وسالبة (إِلَى الثَّمَانِ آيِبَهْ) أي راجعة، وهي الشخصية الموجبة نحو زيدٌ كاتبٌ]، زيد كاتب هذه حملية أو شرطية؟ أولاً قبل ذلك خبرٌ أو طلبٌ؟ هي خبر. مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ جَرَى ... بَيْنَهُمُ قَضِيَّةً وَخَبَرَا إذًا من أيّ أنواع القضايا؟ حملية، لأن الحكم فيها على وجه الحمل لا على وجه التعليق والشرط، طيب ما نوعها؟ مشخصة، لماذا؟ لكون الموضوع فيها الذي هو المبتدأ مشخصًا معين، يعني: جزئي، لا يحتمل عند تعقل معناه الشركة، زيدٌ كاتبٌ، موجبة أو سالبة؟ ما الدليل؟ [نعم]؟. ما الدليل على أنها موجبة؟ لم يسبقه نفي. ما الذي يحتاج إلى إثبات؟ ما الأصل الإيجاب أو السلب؟

الأصل الإيجاب، لأنه يحتاج إلى تعليل، والسلب هذا فرع لأنه يحتاج أن يقال: تقدمت ما، تقدمت ليس، فالسلب فرعٌ عن الإيجاب لأنه يحتاج إلى قرينة، وما لا يحتاج إلى قرينة من حرف أو اسمٍ فهو الأصل، إذًا الأصل في الجمل هي الإيجاب، والفرع هو السلب، هذا مثال لماذا؟ الشخصية الموجبة هذه الأولى. والشخصية [السالبة زيدٌ ليس بكاتبٍ] نفي الكتابة عن زيد، هذا حكم الجملة نفي الكتابة عن زيد، [والكلية الموجبة كل إنسان حيوان]، هذه مصدرة بسورٍ كلي وهو موجب، يعني: لم يتقدمه سالب، [والسالبة نحو: لا شيء من الإنسان بحجر]، نعم لا شيء من أفراد الإنسان بحجر، يعني: الحجر الحسي. [والجزئية الموجبة] هذه خامسة (نحو: بعض الإنسان كاتب]، بعض الإنسان لا كل الإنسان، يعني: كاتب بالفعل وليس المراد كاتب بالقوة، [والسالبة نحو: بعض الإنسان ليس بكاتب، والمهملة الموجبة نحو: الحيوان إنسان] هذه مهملة، لأن موضوعها كلي ولم يتقدمها سور لا جزئي ولا كلي، تسمى ماذا؟ تسمى مهملة وهي في قوة الجزئية، [والسالبة نحو: الحيوان ليس بإنسان] هذه سالبة، لأنه تقدم حرف السلب، [والمهملة في قوة الجزئية، فلذلك صدق قولنا: الحيوان إنسان، والحيوان ليس بإنسان. لأنه في قوة قولنا: بعض الحيوان إنسان، وبعض الحيوان ليس بإنسان] المهملة في قوة الجزئية، يعني: مفهومها مفهوم القضية الجزئية، ولذلك قال هنا: [الحيوان إنسان]. هل كل حيوان إنسان؟ لا، إذًا هذه صادقة [الحيوان إنسان]، يعني: [بعض الحيوان إنسان]، إذًا تفسر الجملة المؤلفة من الحيوان إنسان بقضية جزئية، فدل على أن في قوتها، يعني: بمعناها، [والحيوان ليس بإنسان]، يعني: [بعض الحيوان ليس بإنسان] كالفرس، إذًا هي في قوة الجزئية السالبة، [لأنه في قوة قولنا: بعض الحيوان إنسان] هذا في الموجبة، [وبعض الحيوان ليس بإنسان) هذا في المهملة السالبة. [واعلم أن للقضية] إذًا هذه ثمانية، ثمانية يأتي تفصيلها في باب الإشكال، يعني: سالبة موجبة، إلى آخره. [واعلم أن للقضية ثلاثة أجزاء، أشار إلى اثنين منها بقوله:]. - - - وَالأَوَّلُ المَوْضُوعُ فِي الحَمْلِيَّهْ ... وَالآخِرُ المَحْمُولُ بِالسَّوِيَّهْ

(وَالأَوَّلُ) في الرتبة وهو المحكوم عليه، وإن ذكر آخرًا (المَوْضُوعُ) أي الجزء المحكوم عليه سمي موضوعًا تشبيهًا له بشيء وضع ليحمل عليه كزيد من قولنا: زيدٌ قائم، أو قام زيدٌ، فزيدٌ موضوع في المثالين، وإن كان مؤخرًا في الثاني (بالحَمْلِيَّهْ) أي فيها (وَالآخِرُ) في الرتبة وإن ذكر أولاً هو (المَحْمُولُ) سمي محمولاً لأنه محكوم به، فشبه بالسقف الذي حمل على الجدار مثلاً، وقوله: (بِالسَّوِيَّةْ) أي حالة كونهما مستويين أي مصطحبين في الذكر فلا يذكر أحدهما إلا مع الآخر، والجزء الثالث من القضية هو النسبة أي ثبوت المحمول للموضوع كثبوت القيام لزيد مثلاً، ويسمى اللفظ الدال عليها رابطة لدلالته على النسبة الرابطة بين الجزأين، والرابطة إما غير زمانية كهو في قولنا: زيد هو قائمٌ، أو زمانية ككان، في قولنا: كان زيدٌ قائمًا، ولم يذكر المصنف الرابطة لعدم لزومها في القضية، إذ كثيرًا ما يستغنى عنها في لغة العرب بالإعراب، والرابط اللفظي، وتسمى القضية الحملية عند عدم الرابطة ثنائية لتركبها من جزأين وعند ذكر الرابطة ثلاثية لتركبها من ثلاثة أجزاء. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ وَالأَوَّلُ المَوْضُوعُ فِي الحَمْلِيَّهْ ... وَالآخِرُ المَحْمُولُ بِالسَّوِيَّهْ يعني: الحملية هي المؤلفة من مفردين أو ما كان في قوة المفردين. المفرد الأول: المحكوم عليه يسمى موضوعًا، سواء تقدم أو تأخر، وهو محصور في اثنين أو ثلاثة: المبتدأ، والفاعل، ونائبه. ثلاثة أشياء. والثاني الآخَر أو الآخِر يسمى محمولاً وهو محصور في اثنين: الفعل، والخبر، وهذا مر معنا. [(وَالأَوَّلُ) في الرتبة وهو المحكوم عليه، وإن ذكر آخرًا]، يعني: المبتدأ قد يتأخر، فالعبرة بماذا؟ بالمعنى المحكوم عليه، (المَوْضُوعُ) وهو ينحصر في ثلاثة: المبتدأ وفاعله، وفاعل الفعل، ونائبه.

[(المَوْضُوعُ) أي الجزء المحكوم عليه سمي موضوعًا تشبيهًا له بشيء وضع ليحمل عليه كزيد] أو [زيدٍ، من قولنا: زيدٌ قائم]، فنقول: زيد هذا موضوع، لماذا؟ لأنه محكوم عليه، وهو متقدم في الرتبة وهو متقدم، ولو تأخر لو قيل: قائم زيدٌ. زيدٌ موضوع، لماذا؟ لأن حقه التقديم وهو مبتدأ، وإن تأخر في اللفظ، وهو موضوعٌ سمي موضوع لكونه وضع من أجل ماذا؟ أن يحمل عليه المحمول، يعني: ليخبر عنه بالخبر، [كزيد من قولنا: زيدٌ قائم، أو قام زيدٌ]. زيدٌ هذا موضوع، لأنه وضع ليحكم عليه، إذًا هو محكوم عليه، فكل محكومٍ عليه في التركيب يسمى موضوعًا، سواء كان مبتدئًا أو فاعلاً أو نائب فاعل، [فزيدٌ موضوع في المثالين] الجملة الاسمية والفعلية، [وإن كان مؤخرًا في الثاني] رتبته التأخير [(فِي الحَمْلِيَّهْ) أي فيها]، يعني: في الحملية. (وَالآخِرُ) بكسر الخاء، يعني: المتأخر، [(وَالآخِرُ) في الرتبة وإن ذكر أولاً هو (المَحْمُولُ)]، وهذا ينحصر في اثنين: الخبر، والفعل. [سمي محمولاً لأنه محكوم به، فشبه بالسقف الذي حمل على الجدار مثلاً]، يعني: حمل على الموضوع. [وقوله: (بِالسَّوِيَّةْ). أي: حالة كونهما مستويين أي مصطحبين في الذكر] المبتدأ لا بد له من خبر، والخبر لا بد له من مبتدأ، والفعل لا بد له من فاعل، والفاعل لا بد له من فعل، إذًا هما مصطحبان في الذكر، [مصطحبين في الذكر، فلا يذكر أحدهما إلا مع الآخر] لا يذكر الموضوع إلا مع المحمول، ولا المحمول إلا مع الموضوع، [والجزء الثالث من القضية هو النسبة أي ثبوت المحمول للموضوع كثبوت القيام لزيد مثلاً]، وهذا مر معنا النسبة هي الارتباط والتعلق بين الموضوع والمحمول، زيدٌ قائمٌ على ثلاثة أجزاء، إدراك زيد، وإدراك قائم، الأول موضوع والثاني محمول، بقي جزء ثالث وهو: ارتباط المحمول بالموضوع، وهو ما يسمى بالنسبة والتعلق، [أي ثبوت المحمول بالموضوع كثبوت القيام لزيد]، انتبه قيام لزيد، وقال: ثبوت.

هذا ما يسمى بحكم الجملة، وهو الثبوت المضاف إلى مضمون الجملة، وعرفنا كيف نأتي بمضمون الجملة، بالنظر إلى المحمول، إن كان مشتقًا جئنا بالمصدر مضافًا إلى الموضوع مع إضافة لفظ الثبوت، ... [ويسمى اللفظ الدال عليها] على النسبة، [رابطة] يسموها المناطقة بالرابطة، [لدلالته على النسبة]، يعني: قد يكون ملفوظًا به وقد لا يكون ملفوظًا، وإنما يدرك بالعقل، أو يدرك بحركة الإعراب، أو بهيئة التركيب، [ويسمى اللفظ الدال عليها] على النسبة [رابطةً لدلالته على النسبة الرابطة بين الجزأين، والرابطة إما غير زمانية كهو، في قولنا: زيد هو قائمٌ]، الذي دل هنا لفظٌ وهو لا يدل على الزمان، يعني: لفظٌ هو هذا مجرد عن الزمان، لأنه اسم، [أو زمانية ككان، في قولنا: كان زيدٌ قائمًا]، الذي دل على الارتباط هنا بين زيد وقائم في الزمن الماضي لفظ كان، وهي رابطة زمانية، [زيدٌ هو قائم]، يعني: الموصوف بالقيام، هنا هو رابط غير زماني، [كان زيد قائمًا] رابط زمانيٌّ، [ولم يذكر المصنف الرابطة لعدم لزومها في القضية، إذ كثيرًا ما يستغنى عنها في لغة العرب بالإعراب]، يعني: مجرد النطق، زيدٌ قائمٌ عرفنا أن زيد مبتدأ بالحركة، وقائمٌ خبر بالحركة، إذًا هذا يكتفى به، ولا نحتاج أن نقول: رابط زماني، وغير زماني. لأن العبرة بالإعراب وهو الأصل، [إذ كثيرًا ما يستغنى عنها في لغة العرب بالإعراب] يعني حركة الإعراب. كذلك هيئة تركيب الجملة، [والرابط اللفظي وتسمى القضية الحملية عند عدم الرابطة ثنائية لتركبها من جزأين] زيدٌ قائمٌ، [وعند ذكر الرابطة ثلاثية لتركبها من ثلاثة أجزاء] لا نحتاج إلى هذا، زيدٌ قائمٌ حملية ثنائية، لماذا؟ لعدم وجود الرابط اللفظي، كان زيدٌ قائمًا هذه حملية ثلاثية لوجود الرابط وهو لفظ كان. (وَإِنْ عَلَى التَّعْلِيقِ فِيهَا قَدْ حُكِمْ)، هذا النوع الثاني وهو الشرطية، ويأتي بحثه بعد المغرب إن شاء الله تعالى، والله أعلم. وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. - - -

7

عناصر الدرس * تتمة باب في القضايا وأحكامها. * فصل في التناقض. * فصل في العكس المستوي. أسئلة: س: هذا يقول: لم يذكر الناظم بعض النسب المهمة، وهي: التساوي ثاني العموم والخصوص المطلق، ثالث العموم والخصوص الوجهي، فهل شرحتموها لنا؟ ج: نعتذر عن الشرح، لأنها مشروحة في المطول، هنا نقف مع كلام الشارح فقط رحمه الله تعالى. س: هل لفظة كل المذكورة في قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25]. هي من نوع جميع أو المجموع؟ ج: هذا من إطلاق الكل ويراد الجزء، يعني: من قبيل المجموع لا من قبيل الكل. س: هذا عنده إشكال، ذكرتم أن قضية واجب الوجود أو الإله الحق لا تصح التمثيل بها في الكلي الذي وجد منه فرد واحد مع استحالة غيره، لأن العقل لا يعارض النقل. ج: يقول: الكلي من مباحث الألفاظ. أولاً هذا غلط ليس الكلي من مباحث الألفاظ فقط، إنما النظر فيه من جهة المعنى ومن جهة اللفظ، ولذلك نقول: المفرد ينقسم إلى قسمين: كلي، وجزئي. ثم ننظر في الكلي من أجل أن نفرق بينه وبين الجزئي، ننظر فيه من جهة المدلول، من جهة المعنى، فالذي يفرق بين هذا وذاك هو المعنى، ولذلك نقول: ما أفهم اشتراكًا. إذًا ما يعني: لفظ أفهم. إذًا المفهوم، يعني: المفهوم يكون شيئًا عقليًّا، شيئًا مدرك بالعقل، وكذلك على الحد الآخر ما لا يمنع تعقل مدلوله من وقوع الشركة فيه، إذًا تعقل المدلول، النظر في المدلول، فالذي يفرق بين الكلي والجزئي هو المدلول، والمدلول محله في العقل، إذًا الكلي من مباحث الألفاظ فقط؟ لا فيه نظر، فواجب الوجود والإله الحق من حيث اللفظ كلية، لا ليس من حيث اللفظ كلية، إنما لا بد من مراعاة المدلول، ومن حيث وجود أفرادهما في الخارج ما وجد إلا فرد واحد، ومن حيث الوجود في الذهن جزم العقل باستحالة وجود فرد آخر غيره، كيف جزم العقل وهو جَوَّز؟ العقل يدل على أن واجب الوجود على التسليم به أفهم اشتراكًا، إذًا العقل يجوز وجود أفراد، كل فرد من هذه الأفراد الموجودة في الذهن واجب الوجود، يعني: إله حق. واجب الوجود هو الإله الحق، حينئذٍ جَوَّز العقل تعدد الآلهة، وكل واحد موصوف بكونه حقًّا، هل هذا صحيح؟ لا ليس بصحيح أبدًا، بل هو من أبطل الباطل، والعقل الذي يجوز ذلك عقل فاسد، عقل مفيرس يحتاج إلى فرمته [ها ها]، إذًا فلو لم يُفهم .. على كلٍّ الكلام هذا ليس بصحيح، بل الصواب ما ذكرناه، والعقل لا يُجَوِّز تعدد الآلهة الحقة البتة، وإنما تعدد الآلهة الباطلة نعم لا حصر لها، الإله المعبود بباطل لا حصر له، وأما الإله المعبود بحق، هذا لا وجود له إلا فرد في الذهن وفي الخارج، لماذا؟ لأنك لو جوزت التعدد إله الحق في الذهن حينئذٍ جاز الشرك عقلاً، ومنعه الشرع، وقد قيل به، لكن هذا باطل ليس بصحيح، بل الصحيح أن الشرك ممنوع، وتعدد الآلهة الحق ممنوع بالعقل دلالة العقل، وكذلك دلالة الشرع، بل بالفطرة كما نص على ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى. [طيب]. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد.

لا زال الحديث في (بَابُ القَضَايَا وَأَحْكَامِهَا) عرفنا أن القضايا جمع قضية، وأن تعريفها عند المناطقة هو تعريف الخبر عند البيانيين وكذلك النحاة (مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ)، يعني: ما احتمل الصدق والكذب لذاته، ويسمى قضية باعتبار اشتمال الجملة على القضاء، وهو: الحكم. ويسمى خبرًا باعتبار الصدق والكذب. ثم قسم لنا الناظم كغيره القضية التي هي القضية الخبرية، أما الإنشائية فلا ليست داخلة معنا، إنما القضية الخبرية قسمها إلى قسمين: شرطية، وحملية. والشرطية هي التي حكم فيها على وجه الشرط والتعليق. والحملية هي التي حكم فيها على وجه الحمل. هذان الحدان أولى مما اشتهرا من تعريف الشرطية أو الحملية [بأنها ما ليس] الشرطية: (وهي: ما ليس طرفاها مفردين ولا في قوتهما)، لأن هذا منقوض بأن الشرطية قد تؤلف من مفردين وكل مفرد منهما بالقوة، كقولك في المتصلة: هذا ملزوم لذاك. وفي المنفصلة: عدد إما زوج أو فرد هذا معاند لذاك. إذًا وجد فيهما في الشرطية بنوعيها المتصلة والعنادية أو المنفصلة وجد فيهما الطرفان بالقوة، وإذا كان كذلك انتقض الحد، والصحيح في تعريف الشرطية ما حكم فيها على وجه الشرط والتعليم، يعني: لا بد من أداة شرط، لا بد فيها من أداة شرط وتعليق، ثم قد يكون بين الشرط والمشروط التلازم وقد يكون غير لازم، والحملية هي ما كان مفرداها، أو طرفاها مفردين، أو في قوتهما زَيْدٌ قَائِمٌ، زيد موضوع وقائم محمول، حينئذٍ نقول: طرفاها مفردان، زَيْدٌ قَامَ أَبُوهُ، نقول: هذا أحد الطرفين الموضوع مفرد حقيقةً، والمحمول مفرد بالقوة، إذًا شرطية وحملية. ثم قسم لنا الحملية إلى قسمين: كلية، وشخصية. والمراد بالكلية هنا بالنسبة إلى الموضوع، يعني: ننظر إلى الموضوع، هل هو كلي أفهم اشتراكًا أم جزئي لم يفهم اشتراكًا؟ فإن كان الأول فهي كلية، بقطع النظر عن كونها مسورة أم لا، فدخل في الكلية ثلاثة أنواع: كلية المسورة بسور كلي، الكلية المسورة بسور جزئي، المهملة. يعني: لم تسور بسور كلي ولا جزئي، مع المشخصة التي موضعها لم يفهم اشتراكًا كزيد كاتب صارت كم؟ أربعة، واضح؟ وكل من هذه الأربعة إما موجبة وإما سالبة، أربعة في اثنين بثمانية، إذًا الحملية تنقسم إلى ثمانية أقسام عند التفصيل. (وَالسُّورُ كُلِّيًّا وَجُزْئِيًّا يُرَى) متى نحكم عليها بأنها جزئية أو كلية؟ بالنظر إلى السور، فإن كان السور كليًّا بمعنى أنه يدل على الإحاطة والشمول، حينئذٍ قلنا: هذه مسورة بسور كلي. والمشهور لفظ كل وما دل على معناه، يعني: ما أفاد الشمول كالجميع وعامة وقاطبة وطُرًّا ونحو ذلك، وإن كان دالاً على البعض، يعني: ليس على الشمول وإنما على بعض الأفراد، فالسور حينئذٍ يكون جزئيًّا، كبعض كلفظ بعض فريق طائفة منهم، نقول: هذا كله يدل على البعضية. (وَأَرْبَعٌ أَقْسَامُهُ حَيْثُ جَرَى)، يعني: السور إما كلي وإما جزئي، والكلي إما سالب وإما موجب، والجزئي إما سالب وإما موجب، اثنان في اثنين بأربعة، أربع أقسامه ثم مثل لذلك. ثم قال: ... وَالأَوَّلُ المَوْضُوعُ فِي الحَمْلِيَّهْ ... وَالآخِرُ المَحْمُولُ بِالسَّوِيَّهْ

(وَالأَوَّلُ) يعني: في الحملية، (المَوْضُوعُ فِي الحَمْلِيَّةْ)، (وَالأَوَّلُ المَوْضُوعُ فِي الحَمْلِيَّةْ) في الحملية هذا متعلق بمحذوف صفة للأول، الأول الكائن في الحملية الموضوع، هذا الترتيب الأول مبتدأ، (المَوْضُوعُ) خبر، (فِي الحَمْلِيَّةْ) هذا متعلق بمحذوف صفة للأول، (وَالآخِرُ) بكسر الخاء، يعني: المتأخر، (المَحْمُولُ بِالسَّوِيَّةْ). ثم قال بعدما انتهى عن ما يتعلق بالحملية شرع في الشرطية، قبل ذلك نقول: قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفتح: 29]. ما نوعها؟ شخصية موجبة، وإن كلية {مُحَمَّدٌ} مدلوله مشخص مثل زيد كاتب، {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} هذه جزئية شخصية موجبة، «يؤذن بلال بليل». أمثلة من الشرع «يؤذن بلالٌ بليل». ما نوعها؟ شخصية موجبة، لماذا؟ لأن الموضوع، أين الموضوع هنا؟ بلال، لأنه فاعل، «يؤذن بلال». والحكم المحمول «يؤذن»، إذًا مثل قام زيد، زَيد موضوع، وقام محمول، «يؤذن بلال». طيب، {وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ} [البقرة: 145]، شخصية سالمة [أحسنت] {أَنْتَ} هذا الموضوع، {بِتَابِعٍ} هذا المحمول، ما تقدم عليه سالم، {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] نعم؟ .. شخصية سالمة، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26] كلية موجبة [أحسنت]، لأنها مسورة بسور كلي، ثم الموضوع. . لفظ عام [أحسنت]، لأن {مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} {مَنْ} هذا موضوع وهو يفيد العموم والشمول والإحاطة مثل كل، {كُلُّ مَنْ}، إذًا دخل السور الكلي على مهملة في الأصل، مهملة يعني: موضعها كلي {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} موجبة كلية {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: 8] موجبة كلية، «كل بني آدم خطاء». موجبة كلية، {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ} [الزمر: 70] {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ}. ... وين السلب؟ هنا، {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ} أين السلب؟ لا يوجد سلب ولا إثبات، إيجاب، و {كُلُّ نَفْسٍ} نائب فاعل، {وَوُفِّيَتْ} وفى الله كل نفس، واضح هذا؟ طيب {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7] جزئية موجبة، أين السور؟ فريق، إذًا فريق مثل بعض، واضح هذا؟ طيب، {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} ... [الأنعام: 165] جزئية موجبة جميل، {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] جزئية، السور هنا قليل، انتبه {فَرِيقٌ}، {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ}، {وَقَلِيلٌ}، طيب {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} [النور: 45] جزئية موجبة، {مَنْ يَمْشِي} هذا عام لكنها سورت بسور جزئي وهو {فَمِنْهُمْ} جميل، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} جزئية سالمة ... [أحسنت] {أَكْثَرَ} هذا بعض ليس الإحاطة والشمول، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}، {وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ} [البقرة: 145] جزئية سالمة [أحسنت]، {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: 173] {النَّاسَ} أل هنا للجنس وليست للاستغراق. نعم؟

{إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} لفظ {النَّاسَ} مُفْهِم اشتراك، أليس كذلك؟ مفهم اشتراك، نعم .. #13.38 أفهم اشتراكًا، هل تقدمها سور؟ لا، ما نوعها؟ مهملة موجبة، واضح هذا؟ طيب. - - - وَإِنْ عَلَى التَّعْلِيقِ فِيهَا قَدْ حُكِمْ ... فَإِنَّهَا شَرْطِيَّةٌ وَتَنْقَسِمْ (وَإِنْ عَلَى التَّعْلِيقِ فِيهَا) أي القضية (قَدْ حُكِمْ) أي حكم فيها بالتعليق) أي ربط إحدى القضيتين بالأخرى، كقولنا: كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا (فَإِنَّهَا شرطية) لاشتمالها على أداة الشرط أي الرابط لتشمل المنفصلة نحو: العدد إما زوج أو فرد، وأن القضية مشتملة على أداة الربط وهي إما الدالة على العناد بين الزوجية والفردية، (وَتَنْقَسِمْ) القضية الشرطية. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ هذا النوع الثاني من نوعي القضية، لما قدم الكلام على الحملية نظرنا في الكلام على ماذا؟ الشرطية.

[(وَإِنْ عَلَى التَّعْلِيقِ فِيهَا) أي القضية (قَدْ حُكِمْ) أي حكم فيها بالتعليق]، [(وَإِنْ عَلَى التَّعْلِيقِ فِيهَا) أي القضية. (قَدْ حُكِمْ) أي فيها بالتعليق]، قال الشارح: [أي: ربط إحدى القضيتين بالأخرى]. والأصل في التعليق توقيف شيء على شيء آخر، هذا الأصل إِنْ جِئْتَنِي أَكْرَمْتُكَ، فيه توقف الإكرام على المجيء، إذا انتفى المجيء انتفى الإكرام، هذا معنى التعليق توقيف شيء على شيء آخر، لكن إذا عرفنا التعليق بهذا المعنى حينئذٍ اختص التعريف هنا بالمتصلة، لأن الشرطية على نوعين: شرطية متصلة، وشرطية منفصلة. التعليق بهذا المعنى إنما يصدق على المتصلة، وأما المنفصلة فالأمر غير ذلك، وفسره الشارح هنا بالربط، لماذا؟ ليعمم التعريف، لأن التعليق بالمعنى السابق فيه ربط، والربط أعم منه حينئذٍ كل تعليق، يعني: توقيف شيء على شيء آخر، ربط وليس كل ربط يكون تعليقًا بهذا المفهوم، ولذلك نصرف قول الناظم هنا: (قَدْ حُكِمْ). على التعليق أي الربط. يعني: الربط بين المقدم والتالي فيعم حينئذٍ ما كان التعليق على وجه التوقيف وما لم يكن كذلك ليدخل معنى المنفصلة، وفسره الشارح هنا بالربط بين الجزأين ولو على وجه العناد ليعم النوعين، [العدد إما زوج أو فرد]، هذه شرطية منفصلة، أين التعليق؟ لو فسرنا التعليق بالمعنى السابق توقيف شيء على شيء، كلما كانت الشمس طالعةً فالنهار موجود فيه توقيف، توقف طلوع النهار على طلوع الشمس، يعني: وجود النهار موقوف على وجود الشمس الاتصال واضح هنا، لكن [العدد إما زوج أو فرد] أين التوقيف؟ ليس عندنا وإنما عندنا ربط بأداة الشرط وهي إما المقابلة بـ أو، إذًا من أجل التعميم ليدخل معنا في الحد في التعليق نفسر التعليق بالربط بين الجزأين فيشمل المتصلة والمنفصلة، [أي: حكم بالتعليق. أي: ربط إحدى القضيتين بالأخرى، كقولنا: كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا] نعم [كلما] أداة شرط، [كان هذا إنسانًا كان حيوانًا]، إذًا يتوقف هذا على ذاك، أليس كذلك؟ يعني: يلزم من كونه إنسانًا كونه حيوانًا، أليس كذلك؟ يلزم من كونه إنسانًا كونه حيوانًا، إذًا توقف هذا على ذاك وهو موجود فيها، (فَإِنَّهَا) أي القضية التي توقف الحكم فيها على التعليق بمعنى الربط بين الجزأين شرطية، يعني: تسمى شرطية نسبة إلى الشرط، [لاشتمالها على أداة الشرط]، إذًا سميت شرطية [لاشتمالها على أداة الشرط أي الرابط لتشمل المنفصلة نحو: العدد إما زوج أو فرد]، هنا حصل ربط بين المقدم وهو زوج وبين التالي وهو فرد، والرابط هو إما، وهي بالنسبة لهذا الموضع تسمى ماذا؟ تسمى شرطية، لأن إما هنا شرطية [العدد إما زوج أو فرد وأن القضية مشتملة على أداة [الربط] (¬1)، وهي إما الدالة على العناد بين الزوجية والفردية)، (لاشتمالها على أداة الشرط أي الرابط. لتشمل المنفصلة، نحو: العدد إما زوج أو فرد، [والقضية] مشتملة) هكذا؟ .. ¬

_ (¬1) في نسخة القويسني: الرابط، وأيضًا كذا في الموضع التالي.

ما يصلح هي عندي [إن]، [وأن القضية مشتملة على أداة [الربط]] هي تصلح أداة الرابط، لو قال: على الرابط. نعم، أما إذا جمع بين الأداة من أداة الربط، الرابط، يعني: ما كان متضمنًا للأداة، وأما إذا ذكرت الأداة فلا (على أداة الربط، وهي أما الدالة على العناد بين الزوجية والفردية)، إذًا فإنها شرطية لاشتمالها على أداة الشرط، وحينئذٍ يشمل الرابط الدال على المنفصلة والرابط الذي هو أصل في الشرط وهو كلما، المثال السابق. ثم قال: (وَتَنْقَسِمْ: - - - أَيْضًا إِلَى شَرْطِيَّةٍ مُتَّصِلَهْ ... وَمِثْلِهَا شَرْطِيَّةٍ مُنْفَصِلَهْ (أَيْضًا إِلَى شَرْطِيَّةٍ مُتَّصِلَةْ) كقولنا: كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا، وكلما كان الإنسان ناطقًا كان الحمار ناهقًا، سميت بذلك لاتصال طرفيها أي اجتماعهما في الوجود، (وَمِثْلِهَا) بالجر عطف على مجرور إلى، (شَرْطِيَّةٍ) بدل منه، (مُنْفَصِلَةْ) وذلك كقولنا: العدد إما زوج أو فرد فهذه قضية شرطية منفصلة لانفصال طرفيها، وتعاندهما لعدم اجتماعهما في الوجود. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

هذا تقسيم للشرطية، إذًا التعريف السابق لا بد أن يعم النوعين، بعدما عرف لك الشرطية من حيث هي، قسمها إلى قسمين مشهورين [وتنقسم القضية الشرطية (أَيْضًا)]، يعني: كما انقسمت الحملية السابقة آضَ يَئِضُ أَيْضًا واستعمل على المفعولية المطلقة، [(إِلَى شَرْطِيَّةٍ مُتَّصِلَةْ)، كقولنا: كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا، وكلما كان الإنسان ناطقًا كان الحمار ناهقًا، سميت بذلك لاتصال طرفيها أي اجتماعهما في الوجود]، مثل لك بمثالين ليبين لك أن المتصلة على نوعين: شرطية متصلة لزومية العلاقة بين المقدم والتالي التلازم، وشرطية متصلة اتفاقية، اتفاقية يعني: ليست العلاقة بين المقدم والتالي التلازم، وإنما في الوجود (كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا) ما العلاقة؟ تلازم، يلزم من كونِهِ إنسانًا كونُهُ حيوانًا، إذًا العلاقة بين المقدم والتالي التلازم، هذه تسمى شرطية متصلة لزومية، (وكلما كان الإنسان ناطقًا كان الحمار ناهقًا) لا علاقة بينهما، وإنما في الوجود فقط، يعني: اتفق أن الإنسان ناطق، والحيوان والحمار ناهق، هل بينهما تلازم؟ ليس بينهما تلازم، إذًا تسمى شرطية متصلة اتفاقية، ولذلك قال هنا: (سميت بذلك لاتصال طرفيها أي اجتماعهما في الوجود ... (وَمِثْلِهَا) بالجر عطف على مجرور إلى]، (وَمِثْلِهَا)، يعني: وإلى مثلها [(شَرْطِيَّةٍ)] بالخفض [بدل منه (مُنْفَصِلَةْ) وذلك كقولنا: العدد إما زوج أو فرد] هذا تسمى شرطية متصلة عنادية، [فهذه قضية شرطية] لماذا؟ لأن الحكم فيها على وجه الشرط إما وإما، [منفصلة لانفصال طرفيها، وتعاندهما لعدم اجتماعهما في الوجود]، العدد إما زوج وإما فرد، هل يجتمعان؟ إذًا بينهما تعاند، ولذلك سميت [منفصلة]، يعني: لا يجتمع الطرفان في الوجود إما هذا أو ذاك، فإذا ثبت الأول ارتفع الثاني، وإذا ثبت الثاني ارتفع الأول، إذًا لا يجتمعان في الوجود العدد إما زوج وإما فرد، حينئذٍ بينهما تعاند في الوجود، وهذا يسمى ماذا؟ شرطية منفصلة، وهي عنادية، وقد تكون اتفاقية، ما أدري ذكرها أو لا، وقد تكون اتفاقية، لكن الذي هو مشهور هنا كونها عنادية، إذًا [فهذه قضية شرطية منفصلة، لانفصال طرفيها، وتعاندهما لعدم اجتماعهما في الوجود]، لأنه كلما تحقق أحدهما انتفى الآخر، كلما وجد أحد القسمين والطرفين المقدم أو التالي انتفى الآخر، أو كلما انتفى أحدهما تحقق الآخر، فبينهما التنافي والعناد. - - - جُزْآهُمَا مُقَدَّمٌ وَتَالِي ... أَمَّا بَيَانُ ذَاتِ الِاتِّصَالِ مَا أَوْجَبَتْ تَلاَزُمَ الجُزْأَيْنِ ... وَذَاتُ الِانْفِصَالِ دُونَ مَيْنِ

وقوله: (جُزْآهُمَا) أي جزآ القضيتين المتصلة والمنفصلة، الأول منهما في الرتبة أو في الذكر (مُقَدَّمٌ)، لتقدم رتبته في المتصلة وتقدم ذكره في المنفصلة، (وَ) الثاني منهما في الرتبة أو الذكر (تَالِي) لتلوه أي تبعيته، لأنه جواب في المتصلة رتبته التأخير ولتأخره في الذكر في المنفصلة (أَمَّا بَيَانُ) القضية الشرطية، (ذَاتِ الاتِّصَالِ) أي المتصلة. فهي (مَا) أي القضية التي (أَوْجَبَتْ) أي اقتضت (تَلاَزُمَ) أي تصاحب (الجُزْأَيْنِ) المقدم والتالي في الوجود لزومًا بأن كان لعلاقةٍ أو اتفاقًا بأن كان لا لعلاقة فشمل الاتفاقية (وَ) القضية (ذَاتُ الانْفِصَالِ) حال كونها (دُونَ مَيْنِ) أي كذب. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ (جُزْآهُمَا مُقَدَّمٌ وَتَالِي)، (جُزْآهُمَا)، إذًا قسم لك الشرطية إلى متصلة وشرطية منفصلة، والمتصلة كما ذكر الشارح هنا بالمثالين إما لزومية، وإما اتفاقية، ثم بين لك الجزأين. في الحملية الجزء الأول يسمى موضوعًا. والجزء الثاني: يسمى محولاً. في الحملية هنا ماذا يسمى الجزء الأول؟ يسمى مقدمًا، والجزء الثاني يسمى تاليًا، [كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا] كان إنسانًا كان هذا إنسانًا هذا يسمى مقدمًا، كان حيوانًا هذا يسمى تاليًا وهكذا [(جُزْآهُمَا) أي جزءا القضيتين المتصلة والمنفصلة]، حينئذٍ التثنية هنا باعتبار النوعين [(جُزْآهُمَا) أي جزءا القضيتين المتصلة والمنفصلة، الأول منهما في الرتبة أو في الذكر (مُقَدَّمٌ)] يعني مسمى مقدمًا، (لتقدم رتبته في المتصلة) وقوله: (الأول منهما في الرتبة أو في الذكر). يعني: في الرتبة جاء في محله، إن جئتني أكرمتك، جئتني فعل الشرط جاء في محله، أكرمتك جواب الشرط جاء في محله، أكرمتك إن جئتني، حصل تقديم وتأخير فقوله: أكرمتك. إما أنه متقدم عن متأخر، يعني: أصله التأخير، وإما أنه دليل على الشرط، يعني: إما أنه هو جواب الشرط، وإما أن يكون دليلاً لجواب الشرط على خلاف بين النحاة، [(مُقَدَّمٌ) لتقدم رتبته في المتصلة، وتقدم ذكره في المنفصلة، (وَ) الثاني منهما في الرتبة أو الذكر]، [في الرتبة] هذا خاص بالمتصلة أو الذكر بالمنفصلة [(تَالِي) لتلوه أي تبعيته، لأنه جواب في المتصلة] إن جئتني أكرمتك، أكرَمتك هذا جواب في المتصلة، [رتبته التأخير] لأن جواب الشرط مؤخر عن فعل الشرط، (ولتأخره في الذكر في المنفصلة)، العدد إما زوج أو فرد، إذًا (جُزْآهُمَا مُقَدَّمٌ وَتَالِي)، (مُقَدَّمٌ) في المتصلة في الرتبة، والمنفصلة في الذكر، (وَتَالِي) [في الرتبة هذا في المنفصلة، وفي الذكر هذا في] (¬1) فِي الرتبة في المتصلة، والذكر في المنفصلة. ثم شرع في بيان الحد ذات الاتصال، يعني: المتصلة والمنفصلة، نعم. فقال: .................. ... أَمَّا بَيَانُ ذَاتِ الِاتِّصَالِ مَا أَوْجَبَتْ تَلاَزُمَ الجُزْأَيْنِ ... ......................... ¬

_ (¬1) سبق.

(أَمَّا) هذه تفصيل، (بَيَانُ ذَاتِ الاتِّصَالِ)، يعني: صاحبة الاتصال، يعني: المتصلة، ما هي؟ قال: (مَا أَوْجَبَتْ). واقتضت واستلزمت (تَلاَزُمَ الجُزْأَيْنِ)، يعني: ما كان بين الجزأين تلازم، هذا ظاهر عبارته، لكن لا بد من صرفه من أجل إدخال الاتفاقية، [(أَمَّا بَيَانُ) القضية الشرطية، (ذَاتِ الاتِّصَالِ)] أي صاحبة الاتصال، [أي: المتصلة فهي (مَا) أي القضية التي (أَوْجَبَتْ) أي اقتضت (تَلاَزُمَ): تصاحب]، فرق بين التلازم وبين التصاحب، التلازم بمعنى أن بينهما توقيف، الثاني متوقف على الأول، المصاحبة لا يلزم قد يكون وقد لا يكون، لماذا صرف الشارح التلازم إلى التصاحب؟ لأن ظاهر الحد أنه خاص بالمتصلة اللزومية، فخرجت المتصلة الاتفاقية، أردنا إدخالها في الحد حينئذٍ لا بد من صرف كلام الناظم: [تَلاَزُمَ] إلى تصاحب، لأن كلما كان هذا إنسانًا كان الحمار ناهقًا، متصاحبان لكن ليس بينهما تلازم، إذًا من أجل إدخال الاتفاقية لا بد من صرف اللفظ تلازم إلى تصاحب، وقد يقال بأن مراد الناظم هو تعريف المتصلة اللزومية لأنها هي التي يبحث فيها كثير من المناطقة، وأما الاتفاقية فذكرها قليل، فلما كان ذكرها قليلاً حينئذٍ لا نحتاج إلى إدخالها، [(تَلاَزُمَ) أي تصاحب (الجُزْأَيْنِ)، المقدم والتالي في الوجود لزومًا) لزومية، [بأن كان لعلاقةٍ أو اتفاقًا بأن كان لا لعلاقة]، كيف هذا؟ تصاحب الجزأين لزومًا بأن كان لعلاقة بينهما، يعني: أحدهما مرتب على الآخر أو لازم له، [كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا]، إذًا بينهما تلازم، [أو اتفاقًا بأن كان لا لعلاقة] ليس بينهما علاقة، وإنما اتفقا في الوجود فحسب [كلما كان الإنسان ناطقًا كان الحمار ناهقًا] هنا تصاحبا لكن ليس بينهما علاقة، الإنسان منفك بناطقيته، والحمار منفك بناهقيته، [فشمل الاتفاقية] فشمل الحد الاتفاقية واضح هذا؟ إذًا (أَمَّا بَيَانُ ذَاتِ الاتِّصَالِ)، [(مَا) أي القضية التي (أَوْجَبَتْ)] واستلزمت واقتضت [(تَلاَزُمَ) أي تصاحب] أو إن شئت ابْقِهِ على حالها فيختص حينئذٍ التعريف بالمتصلة اللزومية، ولا داعي لذكر الاتفاقية لقلة ذكرها في هذا الموضع، (تَلاَزُمَ الجُزْأَيْنِ)، يعني: [المقدم والتالي في الوجود لزومًا [، إذا كان لعلاقة بينهما، [أو اتفاقًا] إذا كان لا علاقة بين المقدم والتالي. ثم قال: (وَذَاتُ الانْفِصَالِ دُونَ مَيْنِ) يعني: وصاحبة الانفصال قضية، [(وَ) القضية (ذَاتُ الانْفِصَالِ)] يعني صاحبة الانفصال. أي المنفصلة [حال كونها (دُونَ مَيْنِ)]، هذا مقدم من تأخير، والمين هو: الكذب. - - - مَا أَوْجَبَتْ تَنَافُرًا بَيْنَهُمَا ... أَقْسَامُهَا ثَلاَثَةٌ فَلْتُعْلَمَا مَانِعُ جَمْعٍ أَوْ خُلُوٍّ أَوْ هُمَا ... وَهْوَ الحَقِيقِيُّ الأَخَصُّ فَاعْلَمَا

(مَا) أي القضية التي (أَوْجَبَتْ) أي اقتضت (تَنَافُرًا) أي تعاندًا وتنافيًا (بَيْنَهُمَا) أي بين جزأيها في الصدق أو في والكذب أو فيهما ... (أَقْسَامُهَا) أي القضية المنفصلة (ثَلاَثَةٌ فَلْتُعْلَمَا) الفاء زائدة، واللام للأمر، وتعلم مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المنقلبة ألفًا في الوقف. أحدها: (مَانِعُ جَمْعٍ) أي قضية مانعةُ جمع بين طرفيها، فلا يجتمعان في الوجود ويمكن ارتفاعهما ويمكن ارتفاعهما وتتركب من الشيء والأخص من نقيضه، كقولنا: هذا الشيء إما أسود أو أبيض، فالسواد والبياض لا يجتمعان في المحل الواحد، ويمكن ارتفاعهما كأن يكون آخر (أَوْ) بمعنى الواو، أي والثاني مانع (خُلُوٍّ) أي قضية مانعة خلوٍ عن طرفيها، فلا يمكن ارتفاعهما ويمكن اجتماعهما، وتتركب من الشيء والأعم من نقيضه، كقولنا: هذا إما غير أسود أو غير أبيض فيمكن اجتماعهما في الأحمر، ولا يمكن ارتفاعهما بأن يكون أسود أبيض معًا (أَوْ) بمعنى الواو، أي والثالث مانعـ (هُمَا) أي [الجمع] والخلو، عطفٌ على مانع، وأقام المضاف إليه مقام المضاف، أي قضية مانعة جمع وخلو، فلا يمكن اجتماع طرفيها ولا يمكن ارتفاعهما، وتتركب من الشيء ونقيضه، كقولنا: هذا إما حيوان أو غير حيوان، أو من الشيء والمساوي لنقيضه كقولنا: هذا العدد إما زوجٌ أو فردٌ فلا يمكن اجتماع الزوجية والفردية في العدد المعين ولا يمكن ارتفاعهما)، (وَهْوَ) أي مانع الجمع والخلو، (الحَقِيقِيُّ) لأن التعاند فيه بين الطرفين في الصدق والكذب بخلاف ما قبله، فإن العناد في أحدهما، وهو (الأَخَصُّ) من الأولَيْن، لأن كل ما منع الجمع والخلو منع الجمع فقط ومنع الخلو فقط، فيلزم من وجود مانعة الجمع والخلو وجود كلٍّ من الآخرين، ولا يلزم من وجود منع الجمع وحده أو منع الخلو وحده منعهما معًا، وقوله: (فَاعْلَمَا) كمل به البيت. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ (مَا أَوْجَبَتْ تَنَافُرًا بَيْنَهُمَا)، هذا الأصل، وذات الانفصال ما أوجبت تنافرًا بينهما دون مين، قوله: (دُونَ مَيْنِ). يعني: من غير [كذب]، هذا متأخر فقدمه الناظم، [(مَا) أي القضية]، (مَا أَوْجَبَتْ تَنَافُرًا بَيْنَهُمَا) [(مَا) أي القضية التي (أَوْجَبَتْ) أي اقتضت، (تَنَافُرًا) أي تعاندًا وتنافيًا، (بَيْنَهُمَا) أي بين جزأيها في الصدق أو في والكذب أو فيهما]، حينئذٍ هذا يختص بماذا؟ بأن النوع هذا سينقسم إلى ثلاثة أقسام: مانعة جمعٍ، ومانعة خلوٍ، ومانعة جمعٍ وخلوٍ معًا. وسيأتي. [(أَقْسَامُهَا) أي القضية المنفصلة]، إذًا ما أوجبت تنافرًا وتعاندًا بين المقدم والتالي، بمعنى أنهما لا يجتمعان في الوجود، العدد إما زوجٌ أو فردٌ، لا يكون العدد زوجًا أو فردًا في وقتٍ واحد، ولا يرتفعان، يعني: لا يكون العدد لا زوجٌ ولا فرد، إما هذا، أو ذاك. [(أَقْسَامُهَا) أي القضية المنفصلة، (ثَلاَثَةٌ)]، يعني: بالاستقراء، [(فَلْتُعْلَمَا) الفاء زائدة، واللام للأمر، وتعلم مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المنقلبة ألفًا في الوقف] واضحٌ؟

[أحدها: (مَانِعُ جَمْعٍ)] الأصل أن يقول: مانعة جمعٍ. لكن ذكر باعتبار كونها خبرًا، (مَانِعُ جَمْعٍ) يعني القضية باعتبار كونها خبرًا (مَانِعُ جَمْعٍ)، والخبر يمنع لأنه مذكر [(مَانِعُ جَمْعٍ) أي قضية مانعةُ جمع بين طرفيها، فلا يجتمعان في الوجود ويمكن ارتفاعهما]، يعني: مانعة جمع ما دلت على عدم صحة الاجتماع بين المقدم والتالي، يعني: لا يجتمعان ويرتفعان، واضح؟ هي مانعة جمعٍ مجوزةٌ للخلو، مانعة جمعٍ يعني: لا يجتمعان ويرتفعان يمكن أن لا يوصف هذا ولا ذاك، مثاله ماذا؟ مثاله أن يقال: الجسم إما أبيض أو أسود، يجتمعان؟ لا، لا يجتمعان في محلٍ واحد ووقتٌ واحد، لا يكون المحل الواحد أسود أبيض في وقتٍ واحد، هل يمكن أن يرتفعا؟ نعم يكون أحمر، أخضر، إذًا هنا منعت الجمع وجوزت الخلو، هذا يسمى مانعة جمعٍ وهي ما دلت على عدم صحة الاجتماع بين المقدم والتالي، وإن جوزت الخلو نحو: الجسم إما أبيض أو أسود، والعناد هنا بين طرفيها في الوجود فقط، يعني: مانعة الجمع وجوزت الخلو، قال هنا: ... [فلا يجتمعان في الوجود ويمكن ارتفاعهما]. كالمثال السابق، [وتتركب من الشيء والأخص من نقيضه، كقولنا: هذا الشيء إما أسود أو أبيض، فالسواد والبياض لا يجتمعان في المحل الواحد، ويمكن ارتفاعهما كأن يكون آخر] أحمر، أو أخضر، أو غيره، إذًا مانعة الجمع هنا قال: ... [وتتركب من الشيء والأخص من نقيضه] يعني: الأسود أخص من نقيض أبيض، الشيء والأخص من نقيضه، الآن أسود هذا المراد بالشيء ... (والأخص من نقيضه) ما نقيض أبيض؟ .. لا .. لا، ما نقيض أبيض؟ .. [ليس بأبيض، نعم] ليس بأبيض، إذًا أبيض لا أبيض هذا نقيضه زيدٌ لا زيد، قام لم يقم، نقيضه تأتي باللفظ نفسه وتدخل عليه حرف السلب، هذا النقيض، موجود غير موجود، قائم غير قائم، جالس غير جالس، هذا النقيض، إذًا هنا تركب من الشيء وهو الأسود والأخص من نقيضه، يعني: فإن الأسود أخص من نقيض أبيض وهو لا أبيض، لا أبيض يصدق على الأسود وغيره، أليس كذلك؟ يصدق على الأسود وغيره لشموله الأسود والأحمر وغيره، إذًا حصل التركيب هنا في هذا النوع بين الشيء والأخص من نقيضه، لأن الأسود أخص من نقيض لا أبيض صحيح؟ الأسود أخص من نقيض أبيض وهو لا أبيض، لأن الأسود خاص لونٌ واحدٌ، ولا أبيض يصدق على الأسود وغيره، نعم [(أَوْ) بمعنى الواو أي والثاني مانع (خُلُوٍّ) أي قضية مانعة خلوٍ عن طرفيها، فلا يمكن ارتفاعهما ويمكن اجتماعهما]، يعني: عكس السابقة، السابقة لا يجتمعان ويمكن أن يرتفعان، هنا العكس لا يجتمعان؟ الأولى: لا يجتمعان في الوجود، ويمكن أن يترفعا إما أسود، وإما أبيض، أسود أبيض لا، لا أسود ولا أبيض نعم، هنا العكس حينئذٍ يجتمعان لكن لا يرتفعان، [قضية مانعة خلوٍ عن طرفيها فلا يمكن ارتفاعهما]، إذًا لا تجوز الخلو، [ويمكن اجتماعهما] هذه مانعة خلوٍ وهي ما دلت على امتناع الخلو من طرفيها وإن جوزت الاجتماع، منعت الخلو من طرفيها وإن جوزت الاجتماع، [مانعة خلو عن طرفيها فلا يمكن ارتفاعها ويمكن اجتماعهما]، نعم قال: [وتتركب من الشيء والأعم من نقيضه، كقولنا: هذا إما غير أسود أو غير أبيض]. يجتمعان؟

يجتمعان نعم، غير أبيض وغير أسود، أحمر، لكن هل ينتفيان؟ ... [فيمكن اجتماعهما في الأحمر] لكن هل يمكن أن يرتفعا؟ الجواب: لا، لا يمكن أن يرتفعا، [فيمكن اجتماعهما في الأحمر ولا يمكن ارتفاعهما بأن يكون أسود أبيض معًا]، قال: [تتركب من الشيء] الذي غير أسود [والأعم من نقيضه]. غير أبيض ما نقيضه؟ غير أسود ما نقيضه؟ أسود، فإن غير أسود أعم من نقيض غير أبيض، غير الأبيض نقيضه الأبيض، إذًا غير الأسود أعم، يقابله ماذا؟ أبيض، أيهما أعم وأيهما أخص؟ الأبيض خاص وغير الأسود أعم، إذًا تتركب من الشيء والأعم من نقيضه، هنا عندهم مثال مشهور زيدٌ إما في البحر وإما أن لا يغرق، هنا لا يجتمع طرفها، لماذا؟ لأنه لا يمكن أن لا يكون في البحر ويغرق، لو اجتمعا لجوزت أن يكون في غير البحر ويغرق، ممكن؟ لا يمكن، واضح هذا؟ زيدٌ إما في البحر وإما أن لا يغرق، حينئذٍ نقول: هذه مانعة جمعٍ، يعني: يمكن أن يكون في البحر وأن لا يغرق، لكن في غير البحر ويغرق، نقول: هذا لا يوجد. [(أَوْ) بمعنى الواو أي والثالث مانعـ (هُمَا) أي [الجمع] (¬1)] أي: الجمع والخلو، (الجميع) غلط هذه (أي: الجمع والخلو، عطفٌ على مانع) (مانعـ (هُمَا)]، (وأقام المضاف إليه مقام المضاف)، حينئذٍ حذفه وأقيم مقامه، (أي: قضية مانعة جمع وخلو فلا يمكن اجتماع طرفيها ولا يمكن ارتفاعهما)، هذه ما دلت على امتناع الجمع والخلو معًا، بمعنى أن طرفيها المقدم والتالي لا يمكن اجتماعهما في الوجود ولا في العدم، فلا يوجدان معًا ولا يعدمان معًا، بل لا بد من وجود أحدهما وعدم الآخر، وهذا المثال المشهور السابق العدد إما زوجٌ أو فردٌ، لا يجتمعان ولا يرتفعان، لا يجتمعان بأن يكون العدد زوج فرد في وقتٍ واحد عدد واحد، ولا يرتفعان بأن لا يكون العدد لا زوجٌ ولا فرد. هذا يسمى ماذا؟ [مانعة جمعٍ وخلوٍ] معًا، [فلا يمكن اجتماع طرفيها، ولا يمكن ارتفاعهما وتتركب من الشيء ونقيضه، كقولنا: هذا إما حيوان أو غير حيوان]، الشيء الذي هو حيوان، ونقيضه غيرُ حيوان، هذا واضحٌ، [أو من الشيء والمساوي لنقيضه كقولنا: هذا العدد إما زوجٌ أو فردٌ]، المساوي لنقيضه العدد إما زوجٌ نقيضه ليس زوجًا، ليس زوجًا مساوي لفرد، واضح؟ ليس زوجًا، هذا نقيض الزوج مساوي لقوله: أو فرد. ¬

_ (¬1) في نسخة القويسني قال: الجميع، وبين الشيخ أنها خطأ وأن صوابها [الجمع].

إذًا تركبت من الشيء والمساوي لنقيضه، [العدد إما زوجٌ] نقيض الزوج الفرد، نقيض الزوج عدم الزوج أو ليس زوجًا، حينئذٍ تركبت من الشيء والمساوي لنقيضه وهو الفرد، لأن الفرد مساوي لقولنا: ليس بزوجٍ، [فلا يمكن اجتماع الزوجية والفردية في العدد المعين ولا يمكن ارتفاعهما]، (وَهْوَ الحَقِيقِيُّ الأَخَصُّ فَاعْلَمَا)، (وَهْوَ) أي الثالث، هذا النوع الثالث مانع الجمع والخلو ... (الحَقِيقِيُّ) يعني: الذي يعتبر مانعًا حقيقةً، لماذا؟ لأنه منع من الطرفين، وأما مانعة الجمع من طرفٍ واحد، مانعة خلو هذا من طرفٍ واحد، من جهةٍ واحدة، وأما هذه النوع الثالث: فهو مانعٌ من الجهتين، [الجمع والخلو، (الحَقِيقِيُّ)، لأن التعاند فيه بين الطرفين في الصدق والكذب بخلاف ما قبله، فإن العناد في أحدهما، وهو (الأَخَصُّ) من الأولَيْن]، وهذا واضح لماذا؟ لأن الأولى منعت الجمع وجوزت الخلو، [فهي أخص من هذه] (¬1) فهي أعم. والثانية: منعت الخلو وجوزت الجمع فهي أعم من هذه، أعم من الثالثة. [وهو (الأَخَصُّ) من الأولَيْن، لأن كل ما منع الجمع والخلو منع الجمع فقط ومنع الخلو فقط، فيلزم من وجود مانعة الجمع والخلو وجود كلٍّ من الآخرين]، يعني: العدد إما زوجٌ أو فردٌ، هنا مانعة جمع ومانعة خلوٍ. إذًا اجتمع معها مانعة الجمع من جهةٍ، واجتمع معها مانعة خلو من جهةٍ أخرى فاجتمعا، وهذه الثانية أخص بأنها منعت الجمع وزادت عليه الخلو، ومنعت الخلو وزاد عليه الجمع، لأن كلما منع الجمع والخلو منع الجمع فقط ومنع الخلو فقط فيلزم حينئذٍ [من وجود مانعة الجمع والخلو وجود كلٍّ من الآخرين، ولا يلزم من وجود منع الجمع وحده أو منع الخلو وحده منعهما معًا]، لا يلزم نعم، إذا منعت الخلو فقط لا يلزم أن تمنع الجمع والعكس بالعكس، [وقوله: (فَاعْلَمَا). كمل به البيت]، والألف هذه مبدلةٌ عن النون. قال: (بَابُ القَضَايَا وَأَحْكَامِهَا) عرفنا المراد بالقضايا ما سبق، وأحكامها هو التناقض والعكس المستوي. - - - فَصْلٌ فِي التَّنَاقُضِ تَنَاقُضٌ خُلْفُ القَضِيَّتَيْنِ فِي ... كَيْفٍ وَصِدْقُ وَاحِدٍ أَمْرٌ قُفِي ¬

_ (¬1) سبق.

(فَصْلٌ فِي التَّنَاقُضِ) وقدمه على العكس لأنه يعم سائر القضايا، وهو لغةً: إثباتُ شيءٍ ورفعه، واصطلاحًا ما ذكره المصنف بقوله: (تَنَاقُضٌ) مبتدأ، والمسوغ إرادة مفهوم اللفظ) (خُلْفُ) أي اختلاف (القَضِيَّتَيْنِ فِي ** كَيْفٍ) أي إيجابٍ وسلب (وَصِدْقُ وَاحِدٍ) أي واحدةٍ من القضيتين، والتذكير باعتبار كونها قولاً، وَكَذِب الأخرى (أَمْرٌ قُفِي) أي تبع دائمًا، والمعنى أن التناقض هو اختلاف القضيتين في الكيف والحال أن صدقَ واحدةٌ منهما وكذب الأخرى أمر لزم فخرج باختلاف القضيتين اختلاف المفردين، نحو: زيد لا زيد، والمفرد والقضية نحو: زيدٌ عمرٌو قائمٌ، وبقولنا في كيف أي إيجابٍ وسلبٍ اختلاف القضيتين في الكلية والجزئية نحو: كل إنسان حيوان، بعض الإنسان حيوان واختلافهما في الموضوع نحو: زيد قائمٌ، عمرٌ قائمٌ، واختلافهما في المحمول زيدٌ قائم، زيد جالس، وبقولنا: (وَصِدْقُ وَاحِدٍ أَمْرٌ قُفِي) اختلاف قضيتين لا يلزم صدق أحدهما، بل يجوز صدقهما أو كذبهما، فالأول كقولنا: بعض الحيوان إنسان، بعض الحيوان ليس بإنسان، والثاني كقولنا: كل حيوان إنسان، لا شيء من الحيوان بإنسان. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ (فَصْلٌ فِي التَّنَاقُضِ) يعني: في تعريفه وأحكامه، [وقدمه على العكس لأنه يعم سائر القضايا] يعني يدخل كل القضايا السابقة الأربعة: الحملية، والشرطية كذلك. [وهو لغةً: إثباتُ شيءٍ ورفعه]. يعني: زيدٌ لا زيد، قائم لا قائم، أبيض لا أبيض، هذا المراد بالتناقض هنا. وأما في الاصطلاح، يعني: في اللغة عام يشمل الْجُمَلْ ويشمل المفردات والمركبات، فيدخل فيه الجمل الحملية والشرطية، وأما في الاصطلاح وهو الذي ذكره المصنف بقوله: تَنَاقُضٌ خُلْفُ القَضِيَّتَيْنِ فِي ... كَيْفٍ وَصِدْقُ وَاحِدٍ أَمْرٌ قُفِي

(وَصِدْقُ) بالرفع، (وَصِدْقُ وَاحِدٍ أَمْرٌ قُفِي)، (تَنَاقُضٌ) هذا ... [مبتدأ، والمسوغ] له بالابتداء [إرادة مفهوم اللفظ]، يعني: الجنس، أو وقوعه في مقام التفصيل، يحتمل هذا، ما هو التناقض؟ (خُلْفُ القَضِيَّتَيْنِ فِي ** كَيْفٍ وَصِدْقُ وَاحِدٍ)، [(خُلْفُ) أي اختلاف] هذا اسم مصدر، [(خُلْفُ) أي اختلاف]، واختلاف هذا جنس دخل فيه جميع أنوع الاختلافات، فأضافه إلى القضيتين من أجل إخراج الاختلاف الواقع بين غير القضيتين، فإذا وقع الاختلاف بين مفرد ومفرد زيدٌ لا زيد ليس بتناقض، يعني: اصطلاحًا، لماذا؟ لأن التناقض اصطلاحًا خاصٌ بالقضيتين، يعني: بالجمل، وأما التناقض أو التنافي بين المفرد زيدٌ لا زيد، فلا يسمى في اصطلاح المناطقة تناقضًا، غلام زيد، لا غلامَ زيد، كذلك مركبٌ إضافي حينئذٍ ليس داخلاً معنا، وخرج بإضافته إلى القضيتين خلف غيرهما من المركبات الإنشائية قم لا تقم، هذا خرج، أو المركبات الإضافية غلام زيد، لا غلامَ زيد، كذلك المفردات زيد، لا زيد. إذًا (خُلْفُ القَضِيَّتَيْنِ) للاحتراز من خلف غيرهما، في ماذا اختلافا؟ قال: [(فِي كَيْفٍ) أي إيجابٍ وسلب]. وهنا يعبر عنده بالكيف ويراد به الإيجاب والسلب، ويعبر بالكم ويراد به الكلية والجزئية، يعني: إذا قيل: اختلفا في الكم. يعني: في الكلية والجزئية، إحداهما كلية والأخرى جزئية، أو العكس، اختلفا في الكيف، يعني: في السلب والإيجاب، إحداهما سالبة والأخرى موجبة، إذًا (خُلْفُ القَضِيَّتَيْنِ فِي ** كَيْفٍ) أي إيجابٍ وسلبٍ، مع ماذا؟ يشترط مع التخالف صدق أحدهما، لأنه إذا قيل: تناقض. يفهم من التناقض أن أحدهما ثابت والآخر منتفي، حينئذٍ القضية نفسها عينها يختلفان في الكيف في السلب والإيجاب، ويشترط في صحة الوصف بكونه تناقضًا أن تصدق إحداهما وتكذب الأخرى، فليس المراد هنا بين قضيتين منفكتين لا، المراد به قضيتان في نفس الوقت بمعنى أن الموضوع هو عين الموضوع، والمحمول هو نفس المحمول إلا ما يقتضي التغيير فيما يأتي ذكره، [(وَصِدْقُ وَاحِدٍ) أي واحدةٍ من القضيتين، والتذكير باعتبار كونها قولاً، وَكَذِب الأخرى] لا بد من هذه الزيادة، هذا يسمى اكتفاءً، (وَصِدْقُ وَاحِدٍ) أي وكذب الأخرى ففي كلامه اكتفاء، [(أَمْرٌ قُفِي) أي تبع دائمًا] كناية عن كونه مطردًا، يعني: لا بد من شرط صحة التناقض [أن تصدق الأخرى وتكذب] (¬1)، أن تصدق إحداهما وتكذب الأخرى، [والمعنى أن التناقض هو اختلاف القضيتين في الكيف والحال أن صدقَ واحدةٌ منهما وكذب الأخرى] هنا قال: [والحال]. لماذا؟ لأن قوله في النظم: (وَصِدْقُ وَاحِدٍ). الواو هنا محتملة للاستئناف، ومحتملة للحال، إن جعلناها للاستئناف أخرجنا هذا الشرط عن التعريف، وإن جعلناها للحال جعلناه داخلاً في التعريف، والأولى أن يجعل داخلاً في التعريف. ¬

_ (¬1) سبق.

إذًا قوله: [والحال أن صدقَ واحدةٌ منهما وكذب الأخرى أمر لزم]. ماذا قال هو؟ (وَصِدْقُ وَاحِدٍ أَمْرٌ قُفِي)، [أمر لزم] يعني أمرٌ لازم، ... [والحال أن صدق واحدةٍ منهما] من القضيتين المختلفتين إيجابًا وسلبًا (وكذب الأخرى أمرٌ لزم) يعني: أمر لازم. [فخرج باختلاف القضيتين اختلاف المفردين، نحو: زيد لا زيد]، فلا يسمى تناقضًا، لأن الشرط أن يكون بين القضيتين، وخرج اختلاف المفرد والقضية، فلا يسمى تناقضًا، [نحو: زيدٌ عمرٌو قائمٌ] هذا بينهما اختلاف، لكن لا يسمى تناقضًا في الاصطلاح، [وبقولنا في كيف] أخرج ماذا؟ [أي: إيجابٍ وسلبٍ اختلاف القضيتين] في الكم، يعني: [في الكلية والجزئية نحو: كل إنسان حيوان، بعض الإنسان حيوان] انظر هنا اتحدا في الموضوع والمحمول، أليس كذلك؟ إنسان حيوان، إنسان حيوان ما الفرق بينهما؟ كل منهما موجبتان، فرق بينهما في الكلية والجزئية، وأما الموضوع والمحمول، فهما متحدان، هل هذا تناقض؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأن الاختلاف هنا وقع في الكم، والشرط أن يكون الاختلاف واقعًا في الكيف، [واختلافهما في الموضوع نحو: زيد قائمٌ، عمرٌ قائمٌ] هذا لا يسمى تناقضًا، لماذا؟ لأن الاختلاف هنا زيد وعمرو ما نوعها؟ ما نوع القضية؟ شخصية موجبة، والأخرى عمرٌ قائم شخصية موجبة، ما الخلاف بينهما؟ كلاهما موجبتان وكلاهما شخصيتان، والفرق بينهما أن الموضوع في الثاني ليس هو عين الأول، هذا الفرق بينهما، [واختلافهما في المحمول زيدٌ قائم، زيد جالس] الحكم واحد، [وبقولنا: (وَصِدْقُ وَاحِدٍ أَمْرٌ قُفِي)] يعني: قوله، [اختلاف قضيتين لا يلزم صدق أحدهما، بل يجوز صدقهما أو كذبهما]، بمعنى أن هذا الشرط، وهو صدق واحدٍ مع كذب الأخرى شرط في صحة التناقض، فإن صدقتا مع الاختلاف لا يسمى تناقضًا، إن كذبتا مع الاختلاف فلا يسمى تناقضًا، لأنه إذا اختلف الكيف اختلاف القضيتين في الكيف هنا عندنا الصور ثلاثة: إما أن يصدقا، وإما أن يكذبا، وإما أن تصدق إحداهما وتكذب الأخرى. الأول والثاني لا يسمى تناقضًا، والثالث هو الذي يسمى تناقضًا، [اختلاف قضيتين لا يلزم صدق أحدهما، بل يجوز صدقهما أو كذبهما، فالأول كقولنا: بعض الحيوان إنسان، بعض الحيوان ليس بإنسان]، [بعض الحيوان إنسان] هذه جزئية موجبة، ... [بعض الحيوان ليس بإنسان] هذه جزئية سالبة، إذًا لم يختلفا في الكم، وإنما اختلفا في الكيف، في السلب والإيجاب، كلهما صادقتان أو لا؟ [بعض الحيوان إنسان] صادقة [بعض الحيوان ليس بإنسان]، إذًا صدقتا. [والثاني] إذا كذب النوعان (كل حيوان إنسان، لا شيء من الحيوان بإنسان]، [كل حيوان إنسان] كلية موجبة، [لا شيء من الحيوان بإنسان] كلية سالبة، اختلفا في السلب والإيجاب في الكيف، صدقتا؟ كذبتا [كل حيوان إنسان]؟ لا، منه فرس، [ولا شيء من الحيوان بإنسان] هذا كذب، إذًا كذبتا، متى يكون تناقضًا؟ إذا صدقت إحداهما وكذبت الأخرى، كيف نأتي بالتناقض؟ - - - فَإِنْ تَكُنْ شَخْصيَّةً أَوْ مُهْمَلَهْ ... فَنَقْضُهَا بِالكَيْفِ أَنْ تُبَدِّلَهْ وَإِنْ تَكُنْ مَحْصُورَةً بِالسُّورِ ... فانْقُضْ بِضِدِّ سُورِهَا المَذْكُورِ

فََإِنْ تَكُنْ مُوجَبَةً كُلِّيَّهْ ... نَقِيضُهَا سَالِبَةٌ جُزْئِيَّهْ وَإِنْ تَكُنْ سَالِبَةً كُلِّيَّهْ ... نَقِيضُهَا مُوجَبَةٌ جُزْئِيَّهْ (فَإِنْ تَكُنْ) أي القضية) (شَخْصيَّةً) نحو: زيد قائمٌ، (أَوْ مُهْمَلَهْ) نحو: الإنسان حيوان، (فَنَقْضُهَا بِـ) حسب (الكَيْفِ أَنْ تُبَدِّلَهْ) أي كيفها فنقيض الأولى زيد ليس بقائم، ونقيض الثانية الإنسان ليس بحيوان، وهذا في المهملة ضعيف، والصحيح أن نقيض المهملة كليةٌ تخالفها في الكيف، فنقيض الإنسان حيوان، لا شيء من الإنسان بحيوان، (وَإِنْ تَكُنْ) أي القضية، (مَحْصُورَةً) أي مسورة، (بِالسُّورِ) الكلي والجزئي، (فانْقُضْ) أي انقضها، (بِضِدِّ سُورِهَا المَذْكُورِ) بعد تبديل كيفها فحينئذٍ يتفرع على ذلك ما ذكره بقوله: (فََإِنْ تَكُنْ مُوجَبَةً كُلِّيَّهْ) نحو: كل إنسان حيوان، (نَقِيضُهَا سَالِبَةٌ جُزْئِيَّهْ) نحو: ليس بعض الإنسان بحيوان، (وَإِنْ تَكُنْ سَالِبَةً كُلِّيَّهْ) نحو: لا شيء من الإنسان بفرس، فـ (نَقِيضُهَا مُوجَبَةٌ جُزْئِيَّهْ) نحو: بعض الإنسان فرس. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

قال: (فَإِنْ تَكُنْ) الفاء هذه للتفريع أو الفصيحة، [(تَكُنْ) أي القضية] من حيث هي، (شَخْصيَّةً)، يعني: إذا أردنا أن نعرف كيف نأتي بنقيض الشخصية، كيف نأتي، [(شَخْصيَّةً) نحو: زيد قائمٌ، (أَوْ مُهْمَلَهْ) نحو: الإنسان حيوان، (فَنَقْضُهَا)] بالكيف يعني: بحسب الكيف، نقض هذا مبتدأ (فَنَقْضُهَا) هذا مبتدأ، (بِالكَيْفِ)، يعني: بحسب الكيف، (أَنْ تُبَدِّلَهْ) جملة خبر المبتدأ، [أي: كيفه] أي كيف (أَنْ تُبَدِّلَهْ)، يعني: تبدل كيف، أي هنا تفسير للضمير الذي هو المفعول به، أن تبدل كيفها [فنقيض الأولى]، يعني: السلب والإيجاب، [فنقيض الأولى] الشخصية [زيد ليس بقائم) زيدٌ قائمٌ شخصيةٌ، ما نقيضها؟ [زيد ليس بقائمٍ] حينئذٍ إحداهما صادقة وإحداهما كاذبة، لأن المحل واحد الآن نقول عنك أنت في وقت واحد زيدٌ قائم زيد ليس بقائم، إحداهما صادقة والأخرى كاذبة، ماذا صنعت؟ الموضوع في محله والمحمول في محله، وإنما بدلت الكيف فقط، كانت موجبة وجعلتها سالبة، طيب [زيد ليس بقائمٍ] ما نقيضها؟ زيدٌ قائم، إذًا بالعكس، فحينئذٍ فإن تكن شخصيةً فنقضها بالكيف أن تبدله، فتقول: زيدٌ قائم نقيضها زيد ليس بقائمٍ، ونقيض زيد ليس بقائم زيدٌ قائم، لأن الخلاف هنا بالإيجاب والسلب، [فنقيض الأولى زيد ليس بقائم، ونقيض الثانية] يعني: مثال المهملة، الإنسان حيوان، الإنسان ليس بحيوان، [الإنسان ليس بحيوان] إذًا ذكر لك الشارح تبعًا للناظم بأن الشخصية والمهملة سواء في النقض بأن تبدل الكيف فحسب دون ماذا؟ دون أن تغير الكم، فيبقى الشخصية كحالها، وتبقى المهملة كحالها، الشخصية واضحة ليس فيها سور، وإنما الكلام في المهملة، قال: (وهذا في المهملة ضعيف)، يعني: الإيتاء بالنقيض، بتبديل الكيف فقط في المهملة ضعيف، وأما في الشخصية فهو مسلم للناظم، [والصحيح أن نقيض المهملة كليةٌ تخالفها في الكيف]، لماذا؟ لأنه مر معنا أن المهملة في قوة الجزئية، حينئذٍ نقيضها كليةٌ نعم [نقيض المهملة كلية تخالفها في الكيف، فنقيض الإنسان حيوان، لا شيء من الإنسان بحيوان]، [الإنسان حيوان] هذه مهملة نقيضها ماذا؟ [لا شيء من الإنسان بحيوان] يعني كلية سالبةٌ، إن كانت مهملةً إيجابية موجبة فنقيضها كلية سالبة، وإن كانت المهملة سالبة فنقيضها كليةٌ موجبة، واضحٌ؟ إذًا نقيض المهملة ليس كالشخصية، بمعنى أن نبدل الكيف فقط، وإنما لا بد من النظر في الكم، (فَإِنْ تَكُنْ شَخْصيَّةً أَوْ) للتنويع (مُهْمَلَهْ فَنَقْضُهَا) بحسب الكيف (أَنْ تُبَدِّلَهْ)، نقيض الشخصية شخصية مثلها مخالفة لها في الكيف، وهذا مسلمٌ، ونقيض المهملة مهملةٌ مثلها مخالفة في الكيف على رأي المصنف، وهو رأي لبعض المناطقة، وهذا غير مسلم، والصحيح أن نقيض المهملة إنما هو كليةٌ تخالفها في الكيف لكونها في قوة الجزئية، فنقيض المهملة الموجبة نحو: الإنسان حيوان، سالبة كلية، نحو: لا شيء من الإنسان بحيوان، ونقيض المهملة السالبة نحو: الإنسان ليس لحيوان، موجبة كلية، نحو: كل إنسان حيوان. ثم قال: وَإِنْ تَكُنْ مَحْصُورَةً بِالسُّورِ ... فانْقُضْ بِضِدِّ سُورِهَا المَذْكُورِ

إذًا جعل الشخصية والمهملة في مقابلة المسورة، والصحيح أن المهملة كذلك في قوة المسورة، ولذلك النقيض يكون بالكلية، [(وَإِنْ تَكُنْ) أي القضية، (مَحْصُورَةً) أي مسورة، (بِالسُّورِ)] أطلق هنا السور، يعني: سواء كان سلبًا أو إيجابًا، وأطلق السور فعم الكلي والجزئي، كما قال الشارح [الكلي والجزئي، (فانْقُضْ) أي انقضها، (بِضِدِّ سُورِهَا المَذْكُورِ) بعد تبديل كيفها]، يعني: النظر هنا يكون في ماذا؟ زيادةً عن ما مضى أنه كما أنك تبدل الكيف، وهذا مقطوع به لأن الأصل فيه، تبدل الكم كذلك، فحينئذٍ نقيض الموجبة الجزئية نقيضها سالبة كلية، واضح؟ ونقيض السالبة الجزئية كلية موجبة، والعكس بالعكس، كلما جعلت هذا تجعله نقيض للآخر (فانْقُضْ بِضِدِّ سُورِهَا المَذْكُورِ)، سور الإيجاب الكلي ضده سور السلب الجزئي، وسور السلب الكلي ضده سور الإيجاب الجزئي، واضح هذا؟ فالنظر حينئذٍ التبديل والتغير يكون في السلب والإيجاب، وكذلك السور الجزئي تجعله كليًّا، والسور الكلي تجعله جزئيًّا، إذًا (وَإِنْ تَكُنْ مَحْصُورَةً بِالسُّورِ) [(وَإِنْ تَكُنْ) أي القضية (مَحْصُورَةً) أي مسورةً، (بِالسُّورِ)] سواء كانت كلية أو جزئية، (فانْقُضْ بِضِدِّ سُورِهَا المَذْكُورِ)، يعني: إذا ذكر السور الكلي تأتي بنقيضه وهو الجزئي، والجزئي ونقيضه الكلي، (بعد تبديل كيفها) سلبًا أو إيجابًا، (فحينئذٍ يتفرع على ذلك ما ذكره بقوله) يعني: التفصيل. فََإِنْ تَكُنْ مُوجَبَةً كُلِّيَّهْ ... نَقِيضُهَا سَالِبَةٌ جُزْئِيَّهْ واضح؟ (فََإِنْ تَكُنْ) القضية [(مُوجَبَةً كُلِّيَّهْ) نحو: كل إنسان حيوان] هذه كلية موجبة، (نَقِيضُهَا سَالِبَةٌ جُزْئِيَّهْ) بعض الحيوان ليس بإنسان، صحيح؟ بعض الحيوان ليس بإنسان، أو بعض الإنسان ليس بحيوان، قدمت الحرف أو أخرته لا يضر، [ليس بعض الإنسان بحيوان]، بعض الحيوان ليس بإنسان، صحيح أو لا؟ بعض الحيوان ليس بإنسان، يعني: نفيت فرد من أفراد الحيوان، [نحو: كل إنسان حيوان، (نَقِيضُهَا سَالِبَةٌ جُزْئِيَّهْ) نحو: ليس بعض الإنسان بحيوان] كل إنسان حيوان هذه كلية موجبة ما نقيضها؟ لا بد من السلب هذا أولاً ليس، ثم كل تأتي ببعض [ليس بعض إنسان بحيوان] صادق أو لا؟ نقيضها أو لا؟ نحن قلنا: لا بد من صدق إحداهما وكذب الأخرى، أليس كذلك؟ إذا قيل: الأصل كل إنسان حيوان. نقيضها ليس بعض الإنسان بحيوان، هذه كاذبة الثانية (وَصِدْقُ وَاحِدٍ أَمْرٌ قُفِي) لا بد أن تصدق إحداهما وتكذب الأخرى، أين الصادقة هنا؟ (كل إنسان حيوان) هذه صادقة، [ليس بعض الإنسان بحيوان] هذه كاذبة، إذًا لا بد من تناقض في صدق إحداهما وكذب الأخرى. فََإِنْ تَكُنْ مُوجَبَةً كُلِّيَّهْ ... نَقِيضُهَا سَالِبَةٌ جُزْئِيَّهْ وبالعكس. فإن تكن سالبة جزئية ** نقيضها موجبةٌ كلية صحيح؟ البيت اعكسه، الآن عنده اكتفاء، الناظم اختصر لك اقرأ البيت. فََإِنْ تَكُنْ مُوجَبَةً كُلِّيَّهْ ... نَقِيضُهَا سَالِبَةٌ جُزْئِيَّهْ نقوله بالعكس اقرأ البيت مرة أخرى. فإن تكن سالبة جزئية ** نقيضها موجبةٌ كلية

فحينئذٍ إذا قيل لك: ما نقيض ليس بعض الإنسان بحيوان، ما نقيضه؟ كل إنسان حيوان، صدق النقض الثاني وكذبت الأولى. وَإِنْ تَكُنْ سَالِبَةً كُلِّيَّهْ ... نَقِيضُهَا مُوجَبَةٌ جُزْئِيَّهْ (سَالِبَةً كُلِّيَّهْ)، [لا شيء من الإنسان بفرس] صادقة؟ صادقة أو لا؟ صادقة [لا شيء] هذه سور كلي [من الإنسان بفرس، فـ (نَقِيضُهَا مُوجَبَةٌ جُزْئِيَّهْ) بعض الإنسان فرس]، لأن لا شيء مقابله بعض، وهو نفي مقابله الإيجاب، [بعض الإنسان فرس]، إذًا كذبت الثانية وصدقت الأولى، إذًا ترجع للبيت. وَإِنْ تَكُنْ سَالِبَةً كُلِّيَّهْ ... نَقِيضُهَا مُوجَبَةٌ جُزْئِيَّهْ وبالعكس وإن تكن موجبة جزئية ** نقيضها سالبة كلية واضح؟ - - - فَصْلٌ فِي العَكْسِ المُسْتَوِي العَكْسُ قَلْبُ جُزْأَيِ القَضِِيَّهْ ... مَعَ بَقَاءِ الصِّدْقِ وَالكَيْفِيَّهْ وَالكَمِّ إِلاَّ المُوجَبَ الكُلِّيَّهْ ... فَعَوْضُهَا المُوجَبَةُ الجُزْئِيَّهْ (فَصْلٌ فِي العَكْسِ المُسْتَوِي) هو لغةً التبديل والقلب، واصطلاحًا ما ذكره المصنف بقوله: (العَكْسِ) أي: المستوي أي المساوي للأصل، وهو احتراز عن عكس النقيض، وسيأتي، وهو (قَلْبُ جُزْأَيِ) أي طرفي (القَضِِيَّةْ)، بجعل الموضوع محمولاً، والمحمول موضوعًا في الحملية، وبجعل المقدم تاليًا، والتالي مقدمًا في الشرطية المتصلة حالة كونه (مَعَ بَقَاءِ الصِّدْقِ) في العكس أي إن كان الأصل صادقًا لزم صدق العكس (وَ) بقاء (الكَيْفِيَّةْ) التي كانت في الأصل، فإن كان الأصل موجبًا فالعكس موجبٌ، وإن كان سالبًا فسالبٌ (وَ) مع بقاء (الكَمِّ) أي إن كان الأصل كليًّا فالعكس كلي، وإن كان جزئيًّا فالعكس جزئي، وسيأتي أمثلة ذلك، واستثنى المصنف من بقاء الكم قَوْلَهُ: (إِلاَّ المُوجَبَ) محذوف التاء للضرورة، أي الموجبةَ (الكُلِّيَّةْ) فلا يبقى فيها الكم، بل تنعكس جزئية، كما أشار إلى ذلك بقوله: (فَعَوْضُهَا) أي: المناطقة (المُوجَبَةُ الجُزْئِيَّةْ) والمعنى أنه يشترط بقاء الكم في العكس، كما كان في الأصل إلا في الموجبة الكلية، نحو: كل إنسان حيوان، وكلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا، فلا يبقى فيهما الكم في العكس، بل تعكسهما جزئيتين فتقول في عكسٍ الأولى: بعض الحيوان إنسان، وفي عكس الثانية قد يكون، إذا كان هذا حيوانًا كان إنسانًا، ولا يصح عكسهما كليتين لأن المحمول الأعم يثبت لجميع أفراد الموضوع الأخص، ولا يثبت ذلك الموضوع إلا لبعض أفراد ذلك المحمول الأعم، وكذا المقدم الأخص يستلزم التالي الأعم كليًّا، ولا يستلزم الأعم الأخص إلا جزئيًا. ثم اعلم أن القضايا شخصية، وكلية، وجزئية، ومهملة. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ (فَصْلٌ فِي العَكْسِ المُسْتَوِي) أي في تعريفه وأحكامه (فَصْلٌ فِي العَكْسِ المُسْتَوِي)، (المُسْتَوِي) الشارح مال إلى أنه احتراز عن غيره، والعكس ثلاثة أنواع، ولكن قد يقال بأنه للإيضاح، لأن العكس إذا أطلق انصرف إلى المستوي.

العكس قال: [هو لغةً التبديل والقلب]. يعني: مطلق التبديل والقلب، بأن يجعل السابق لاحقًا، واللاحق سابقًا، يعني: فيه قلبٌ وتبديل، الموضوع يسير محمولاً، والمحمول يسير موضوعًا، يعني: فيه معنى التبديل بخلاف النقض، النَّقض يبقى الموضوع موضوعًا، والمحمول محمولاً، وإنما يكون الخلاف في الكيف وفي الكم، هنا قال: (العَكْسِ المُسْتَوِي). العَكْسُ قَلْبُ جُزْأَيِ القَضِِيَّهْ ... مَعَ بَقَاءِ الصِّدْقِ وَالكَيْفِيَّهْ وَالكَمِّ ....................... ... ........................... ثلاثة أشياء لا بد من بقائها (العَكْسِ)، قال: [أي: المستوي]. قيده من الترجمة، لأن البيت قال: (العَكْسُ) أيُّ أنواع العكس؟ هو ثلاثة أنواع، المراد به العكس المستوي، من أين قيدناه؟ بالترجمة، لأنه قال: (فِي العَكْسِ المُسْتَوِي). [أي المساوي للأصل، وهو احتراز عن عكس النقيض، وسيأتي]، عكس النقيض سيأتي في آخر الباب، [هو] أي: العكس المستوي. (قَلْبُ جُزْأَيِ القَضِِيَّةْ)، [(قَلْبُ جُزْأَيِ) يعني طرفي (القَضِِيَّةْ)]، وما هما طرفا القضية؟ الموضوع والمحمول، [بجعل الموضوع محمولاً، والمحمول موضوعًا في الحملية، وبجعل المقدم تاليًا، والتالي مقدمًا في الشرطية المتصلة] واضح هذا؟ إذًا لا بد من القلب والتبديل، وإلا لا يكون عكسًا [بجعل الموضوع محمولاً، والمحمول موضوعًا في الحملية، وبجعل المقدم تاليًا، والتالي مقدمًا في الشرطية المتصلة حالة كونه] أي القلب، [(مَعَ بَقَاءِ الصِّدْقِ) في العكس أي إن كان الأصل صادقًا لزم صدق العكس]، المعكوس الأصل، حينئذٍ لا بد أن يكون الصدق باقيًا في الثاني بخلاف التناقض، التناقض لا بد من صدق إحداهما وكذب الأخرى، فإن كان الأصل في التناقض صادقًا لزم في النقيض أن يكون كاذبًا، وإذا كان في الأصل كاذبًا لزم في النقيض أن يكون صادقًا هنا لا، لا بد إن كان الأصل صادقًا لزم في العكس أن يكون صادقًا، وإذا كان في الأصل كاذبًا لازم أن يكون في العكس كاذبًا، مع التبديل الذي هو جعل الموضوع محمولاً، والمحمول موضوعًا، [فإن كان الأصل نعم] (¬1) [(مَعَ بَقَاءِ الصِّدْقِ) في العكس أي إن كان الأصل صادقًا لزم صدق العكس، (وَ) بقاء ... (الكَيْفِيَّةْ)] يعني مع بقاء الكيفية التي هي السلب والإيجاب [التي كانت في الأصل، فإن كان الأصل موجبًا فالعكس موجبٌ، وإن كان سالبًا فسالبٌ]، إذًا لا بد من الحفاظ على هذين الأمرين: الصدق بأن لا يكذب - إن كان صادقًا في الأصل -. والثاني: الكيفية. ¬

_ (¬1) سبق.

يعني: لا تبدل الكيف، السلب يبقى سلبًا، والإيجاب يبقى إيجابًا [(وَ) مع بقاء (الكَمِّ) أي إن كان الأصل كليًّا فالعكس كلي، وإن كان جزئيًّا فالعكس جزئي، وسيأتي أمثلة ذلك]، (العَكْسُ قَلْبُ) أي تبديل جُزْئَيْ أي طرفي القضية، الموضوع يصير محمولاً، والمحمول يصير موضوعًا، مع بقاء ثلاثة أشياء الصدق في العكس إن كان الأصل صادقًا، وبقاء السلب، والإيجاب إن كان الأصل سالبًا بقي السلب، وإن كان إيجابًا بقي الإيجاب، (وَالكَمِّ) الذي هو الكلية والجزئية، يعني: لا تبدل السور، كما هو الشأن في التناقض، استثنى هنا المصنف من الشرط أو الجزء الأخير الذي هو الكم استثنى منه صورة واحدة، [واستثنى المصنف من بقاء الكم قَوْلُهُ - أو قَوْلَهُ -: (إِلاَّ المُوجَبَ)] بحذف التاء للضرورة [محذوف التاء للضرورة أي الموجبةَ (الكُلِّيَّةْ)، فلا يبقى فيها الكم، بل تنعكس جزئية، كما أشار إلى ذلك بقوله: (فَعَوْضُهَا). أي: المناطقة]، وهذا لا يستقيم على هذه النسخة وهي في نسخة أخرى: (فَعَوَّضُوهَا). ولكن هذه ينكسر معها الوزن، ولعل الشارح رآها، (فَعَوْضُهَا) أي تعويضها، (المُوجَبَةُ الجُزْئِيَّةْ)، إذًا في مسألة تبديل الكم نقول: يبقى في العكس كما هو، إلا في صورة واحدة في الموجبة الكلية بهذا القيد، موجبة كلية، عكسها لا بد أن يتبدل الكم، يعني: نجعل السور الكلي ونبدله إلى سورٍ جزئي، والإيجاب كما هو، يبقى كما هو، لذلك قال: (المُوجَبَ الكُلِّيَّةْ)، ... (المُوجَبَةُ الجُزْئِيَّةْ). الخلاف بينهما في السور فقط. قال: [والمعنى أنه يشترط بقاء الكم في العكس، كما كان في الأصل]. إلا في صورة واحدة،] إلا في الموجبة الكلية، نحو: كل إنسان حيوان، وكلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا، فلا يبقى فيهما الكم في العكس، بل تعكسهما جزئيتين فتقول في عكسٍ الأولى بعض الحيوان إنسان] ما هي الأولى؟ كل إنسان حيوان، ماذا صنعت؟ بدلت جعلت الموضوع محمولاً، والمحمول موضوعًا، الأصل إنسان حيوان قلت ماذا؟ الحيوان إنسان، هل صدقت؟ لا، لذلك قالوا: لا بد من تبديل الكم من أجل أن تصدق، لأن الأولى كل إنسان حيوان، صادقة أم لا؟ صادقة، إذا جئنا بالعكس بالتبديل، لا بد أن يصدق العكس، وهنا لو أبدلناها وأبقينا الكم كما هو ما صَدَقَت، إذًا بعض الحيوان إنسان صدقت، إذًا لا يصدق العكس في الموجب الكلية إلا إذا بدلنا الكم، وأما إذا أبقينا الكم على حاله كما هو الأصل في العكس كذبت الثانية، وإذا كذبت الثانية حينئذٍ انتقض العكس، لأن الأصل أن يكون صادقًا كالأصل، يعني: العكس يكون صادقًا كأصله، كل إنسان حيوان، لو قلنا: كل حيوان إنسان. كذبت، مع صدق الأصل، متى تصدق؟ بتبديل الكم بأن نبدله نجعله من الكلية إلى الجزئية، [بعض الحيوان إنسان، وفي عكس الثانية قد يكون] .... # 1.11.

11 كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا، أَبْقِهِ كما هو في الكم وأبدل المقدم تالي والتالي مقدم، كلما كان هذا حيوانًا كان إنسانًا صح؟ ما صدق، إذًا [قد يكون] هذا جزئي، [قد يكون، إذا كان هذا حيوانًا كان إنسانًا]، هذا في قوة بعض الحيوان إنسان، إذًا لم تصدق الشرطية المتصلة إلا بتبديل الكم، فلذلك لا بد من تبديله، [ولا يصح عكسهما كليتين] يعني تكذب، لماذا؟ [لأن المحمول الأعم يثبت لجميع أفراد الموضوع الأخص، ولا يثبت ذلك الموضوع إلا لبعض أفراد ذلك المحمول الأعم] هذا عربي ولا؟ [المحمول الأعم يثبت لجميع أفراد الموضوع الأخص] كل إنسان حيوان، موضوع خاص وهو إنسان - خليك معي - إنسان حيوان، أيهما أعم؟ حيوان أعم، والإنسان أخص، في الحملية يقال في المحمول: إنما يحكم بمفهومه على أفراد الموضوع. إنسان له أمران: معنى، وأفراد. المعنى حيوان ناطق. أفراد محل للمعنى الذي دل عليه لفظ إنسان.

حيوان واضح المعنى، له أفراد، في الحملية يحكم بمفهوم حيوان لا بالأفراد على إنسان الأفراد لا المفهوم، واضح؟ ما هو بواضح، إذا قلت: الإنسان حيوانٌ. حيوان من حيث المعنى واضح، ومن حيث الأفراد لو حكمت بأفراد لفظ حيوان على أفراد لفظ الإنسان صح؟ لم يصح، لماذا؟ لأنك كأنك تقول: أفراد الإنسان زيد، وعمرو، وخالد، فرس وحمار وبغلٌ. ... إلى آخره، هذا لا يصح، وإنما يكون الحمل هنا من حيث معنى المحمول مفهوم المحمول دون أفراده على أفراد الموضوع دون معناه الأصلي، يعنى: الذي يراعى ويلاحظ في الموضوع هو الأفراد، لأنك حكمت بكونه حيوان على أفراد إنسان، وحكمت بالحيوان ملاحظةً للمعنى دون الأفراد، حينئذٍ نقول: [المحمول الأعم] كالحيوان [يثبت لجميع أفراد الموضوع الأخص] كإنسان، [ولا يثبت ذلك الموضوع إلا لبعض أفراد ذلك المحمول الأعم]، لو عكست قلت: الحيوان إنسان. حينئذٍ تحمل معنى الإنسان، لا الأفراد على أفراد الحيوان صح؟ لم يصح، أفراد الحيوان بغل و .. ، إذًا قوله: [ولا يثبت ذلك الموضوع]. الذي هو الإنسان [إلا لبعض أفراد ذلك المحمول الأعم] الذي هو حيوان، إذا أخبرت بالإنسان عن الحيوان لم يثبت إلا لبعض أفراد الحيوان، فكيف حينئذٍ تخبر به على وجه العموم؟ فلا يصلح أن تبدل، إذًا لم نجعل الكلية الموجبة كليةً كذلك في العكس، وإنما جعلناها جزئية لهذه العلة، المحمول الأعم في قولك: كل إنسان حيوان. يثبت لجميع أفراد الموضوع الأخص، إنسان أخص ومراعًا فيه الأفراد، وحيوان أعم ومراعًا فيه المعنى، فلو عكس مع بقاء الكم لقلت: كل حيوان إنسان. وهذه كاذبة، [ولا يثبت ذلك الموضوع الأخص إلا لبعض أفراد ذلك المحمول الأعم] يعني لو أخبرت بالإنسان عن أفراد الحيوان، هل يثبت لكل الأفراد؟ لا يثبت وإنما لبعضها، فلا يصح لأن الذي يخبر به لا بد أن يكون عام لجميع أفراد الموضوع، فإن كان خاصًا ببعضها دون بعض فلا يصح الحمل البتة فبطل من أصله، [وكذا المقدم الأخص يستلزم التالي الأعم كليًّا] في ماذا؟ كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا، المقدم أخص، التالي أعم، واضح؟ حينئذٍ قال ماذا؟ [المقدم الأخص] كونه إنسانًا، [يستلزم التالي الأعم كليًّا]، يعني: لا من حيث الأفراد، وإنما من حيث المعنى. يعني: لا يمكن أن يوجد إنسان إلا وهو حيوان من حيث المعنى لا من حيث الأفراد، وإلا حصل اختلاط بين أفراد وأفراد، [(ولا يستلزم الأعم الأخص) نعم] (¬1) (المقدم الأخص يستلزم التالي الأعم كليًّا، ولا يستلزم الأعم الأخص إلا جزئيًا]، يعني: لو قلت: كلما كان هذا حيوانًا كان إنسانًا. يستلزمه لكن جزئيًّا لا كليًّا، كلما كان هذا حيوانًا كان إنسانًا، يستلزمه على وجه الجزئية لا على وجه الكل، ولذلك لا بد من تبديل الكم. [ثم اعلم أن القضايا شخصية، وكلية، وجزئية، ومهملة]. يأتينا بعد الصلاة إن شاء الله تعالى، والله أعلم. وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. - - - ¬

_ (¬1) سبق.

8

عناصر الدرس * تتمة فصل في العكس المستوي. * باب القياس. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد. إذًا عرَّف الناظم رحمه الله تعالى (العَكْسِ المُسْتَوِي) بقوله: (العَكْسُ قَلْبُ جُزْأَيِ القَضِِيَّهْ). يعني بأن يجعل الموضوع محمولاً، والمحمول موضوعًا والمقدم تاليًا، والتالي مقدمًا مع اشتراط (مَعَ بَقَاءِ الصِّدْقِ) بأن يكون العكس صادقًا إن كان الأصل صادقًا، والكيفية الذي هو السلب والإيجاب فلا يتغير، كذلك الكم يعني الكلية والجزئية، واستثنى مما يتغير فيه الكم هو الموجب الكلية، حينئذ عكسها يكون بالموجبة الجزئية لأن العكس بالموجبة الكلية مع بقاء الكم لا تصدق، فإذا كان كذلك لا بد من صدقها، وصدقها إنما يكون بتبديل الكم فيستثنى فيه هذا النوع. - - - (ثم اعلم أن القضايا شخصية وكلية وجزئية ومهملة)، وهي موجبات أو سوالب، فالموجبات الأربع تنعكس إلى موجبة جزئية، فقولك: زيد حيوان عكسه بعض الحيوان زيد، وقولك: كل إنسان حيوان، أو بعض الإنسان حيوان، أو الإنسان حيوان، عكس هذه الثلاثة بعض الحيوان إنسان. والسوالب لا ينعكس منها إلا الكلية نحو: لا شيء من الإنسان بحجر، وعكسها كنفسها وهو لا شيء من الحجر بإنسان، والشخصية نحو ليس زيد بحجر، وعكسها كلية، لا شيء من الحجر بزيد]، وهذا إذا كان محمولها كليًّا، فإن كان محمولها جزئيًّا انعكست كنفسها، نحو ليس زيد بعمرو، ينعكس إلى قولنا: عمرو ليس بزيد، وإلى هذا أشار بقوله: ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

[ثم اعلم أن القضايا شخصية وكلية وجزئية ومهملة] هذه أربعة ومر معنا تفصيلها [وهي موجبات أو سوالب]. إذًا ثمانية [فالموجبات الأربع] شخصية وكلية وجزئية ومهملة إذا كانت موجبة [تنعكس إلى موجبة جزئية، فقولك: زيد حيوان] هذه شخصية موجبة، [عكسه بعض الحيوان زيد]، زيد حيوان هذه شخصية محمولها كلي، زيد موضوع، وحيوان محمول، والمحمول هنا كلي عكسها تبدل، قدّم وأخر، اجعل المحمول موضوعًا. قلت: الحيوان وهو محمول جعلته موضوعًا، الحيوان زيد، هل كل الحيوان زيد؟ الجواب: لا. إذًا [بعض الحيوان زيد]، إذًا الشخصية الموجبة تنعكس إلى موجبة جزئية [وقولك: كل إنسان حيوان] هذه كلية موجبة، [أو بعض الإنسان حيوان هذه جزئية موجبة، أو الإنسان حيوان] هذه مهملة موجبة [عكس هذه الثلاثة بعض الحيوان إنسان]. نقول: قلب الإنسان حيوان، قلت: الحيوان إنسان، لا يصح، هذه لا تَصْدُق إنما تكذب، الحيوان يعني أفراد الحيوان كله إنسان هذه كاذبة، بينما بعض الحيوان إنسان، لأن البعض الآخر ليس بإنسان، ... [والسوالب] إذًا من الأربعة [لا ينعكس منها إلا الكلية] والشخصية كما سيأتي، [نحو: لا شيء من الإنسان بحجر]، صادقة؟ لا شيء من الإنسان بحجر، الإنسان هذا موضوع، وبحجر هذا محمول، ولا شيء هذا سور كلي سالب، عكسها كنفسها، وهو لا شيء من الحجر بإنسان، قدَّمت وأخرت، [عكسها كنفسها، والشخصية] السالبة [نحو ليس زيد بحجر، وعكسها كلية، لا شيء من الحجر بزيد]، إذًا عكس السالبة الكلية كنفسها، وعكس الشخصية السالبة كلية سالبة، [لا شيء من الحجر بزيد، وهذا إذا كان محمولها كليًّا، فإن كان محمولها جزئيًّا] يعني شخصية فيها تفصيل، [إن كان المحمول كليًّا] حينئذ نظرنا إلى الجزئية والكلية، [وإن كان المحمول جزئيًّا انعكست كنفسها، نحو ليس زيد بعمرو، ينعكس إلى قولنا: عمرو ليس بزيد، قدّمت وأخرت، جعلت المحمول موضوعًا، والموضوع محمولاً، [وإلى هذا] المذكور السابق [أشار بقوله]: - - - وَالعَكْسُ لاَزِمٌ لِغَيْرِ مَا وُجِدْ ... بِهِ اجْتِمَاعُ الخِسَّتَيْنِ فَاقْتَصِدْ وَمِثْلُهَا المُهْمَلَةُ السَّلْبِيَّهْ ... لِأَنَّهَا فِي قُوَّةِ الجُزْئِيَّهْ وَالعَكْسُ فِي مُرَتَّبٍ بِالطَّبْعِ ... وَلَيْسَ فِي مُرَتَّبٍ بِالوَضْعِ

وَالعَكْسُ لاَزِمٌ لِـ) لكل قضية (غَيْرِ مَا وُجِدْ بِه) ضمير لما وذكر باعتبار لفظ ما وإن كانت واقعة على قضية، أي حصل (اجْتِمَاعُ الخِسَّتَيْنِ) أي السلب والجزئية، نحو بعض الحيوان ليس بإنسان فلا عكس لها، لأنه يصح سلب الأخص عن بعض أفراد الأعم، ولا يصح سلب الأعم عن بعض أفراد الأخص، فيصدق قولنا: بعض الحيوان ليس بإنسان، ولا يصدق بعض الإنسان ليس بحيوان، (فَاقْتَصِدْ) تكملة للبيت أي توسط في الأمور، (وَمِثْلُهَا) أي السالبة الجزئية في عدم لزوم العكس لها القضية (المُهْمَلَةُ السَّلْبِيَّهْ)، كقولنا: الحيوان ليس بإنسان، فإنه صادق ولا يصدق عكسه وهو الإنسان ليس بحيوان لما تقدم من بيان صحة نفي الأخص عن بعض أفراد الأعم، وعدم صحة نفي الأعم عن بعض أفراد الأخص، وقد أشار إلى ذلك بقوله: (لِأَنَّهَا) أي المهملة السلبية (فِي قُوَّةِ الجُزْئِيَّهْ) فكما لا تنعكس الجزئية السالبة لا تنعكس المهلة السالبة، ثم إن العكس لا يكون إلا في الحمليات والشرطيات المتصلة كما تقدم تمثيل ذلك، وإليه الإشارة بقوله: (وَالعَكْسُ فِي مُرَتَّبٍ) أي ثابت في قضية مرتبة (بِالطَّبْعِ) والترتيب الطبيعي هو ما اقتضاه المعنى بحيث يتغير بتغيره ألا ترى أن معنى القضية الحملية ثبوت مفهوم المحمول لأفراد الموضوع، فإذا غُيِّرَ فإذا غُيِّرَ ترتيبها أفادت ثبوت مفهوم الموضوع لأفراد المحمول، ومعنى الشرطية لزوم التالي للمقدم، فإذا غُيِّرَ الترتيب أفادت لزوم المقدم للتالي، هذا هو المرتب بالطبع، وأما المرتب بالوضع فهو الشرطية المنفصلة لأن ترتيبها ذكري، بحيث لا يتغير معناها بتغير طرفيها، فقولك: العدد إما زوج أو فرد لو قدمت فيه الثاني على الأول وقلت: العدد إما فرد أو زوج لا يتغير معناه، فعُلم أن الترتيب إنما هو في مجرد الوضع والذكر، وهذا معنى قول المصنف (وَلَيْسَ) أي العكس ثابتًا (فِي مُرَتَّبٍ بِالوَضْعِ) وذلك هو القضية الشرطية المنفصلة فلا عكس لها، وقد علم من تقييد المصنف العكس بالمستوي أن كلامه قيد فقط، وخرج به عكس النقيض الموافق، وهو تبديل كل من الطرفين بنقيض الآخر مع بقاء الكيفية والكم، فقولنا: كل إنسان حيوان عكس نقيضه الموافق كل ما ليس بحيوان هو ليس بإنسان، ويسمى موافقًا لموافقة الأصل للعكس في الكيف، وخرج به أيضًا عكس النقيض المخالف، وهو تبديل الأول بنقيض الثاني، والثاني بعين الأول مع الاختلاف في الكيف، فقولنا: كل إنسان حيوان عكس نقيضه المخالف لا شيء مما ليس بحيوان إنسان، وسمي مخالفًا لمخالفة العكس للأصل في الكيف. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

(وَالعَكْسُ) أي المستوي (لاَزِمٌ) يعني مطرد لا بد منه [لكل قضية ... (لِغَيْرِ مَا وُجِدْ)] فيه ضمير لِمَا، (وَالعَكْسُ لاَزِمٌ لِغَيْرِ مَا) لغير قضية ... (وُجِدْ بِهِ) يعني فيه الضمير يعود لما، [وذكر باعتبار لفظ ما وإن كانت واقعة على قضية، أي حصل (اجْتِمَاعُ الخِسَّتَيْنِ)] وُجِدَ اجتماع الخستين به يعني فيه، فقوله: (وُجِدْ) مغير الصيغة و (اجْتِمَاعُ الخِسَّتَيْنِ) هذا نائب الفاعل، و (بِهِ) الباء بمعنى فيه، [أي السلب والجزئية] هذا المراد بالخستين، إذا قيل: اجتمع خستان. عندنا كل وجزء أيهما أشرف؟ الكلية أشرف من الجزئية، إذا من حيث الكيفية السلب والإيجاب أيهما أشرف؟ الإيجاب، إذًا السلب خسيس بالنسبة للإيجاب، والجزئية خسيسة بالنسبة للكلية، إذًا إذا جاءت سالبة جزئية خسة على خسة، اجتمع فيها خستان، هذا مرادهم بالخستين، أن تكون جزئية سالبة لأن السلب يعتبر خسة باعتبار الإيجاب، والجزئية يعتبر خسة باعتبار الكلية، ولذلك قال: وَالعَكْسُ لاَزِمٌ لِغَيْرِ مَا وُجِدْ ... بِهِ اجْتِمَاعُ الخِسَّتَيْنِ فَاقْتَصِدْ

أي السلب والجزئية، نحو بعض الحيوان ليس بإنسان، هذه جزئية وهي سالبة، فلا عكس لها، لأنه يصح سلب الأخص عن بعض أفراد الأعم، يصح سلب الأخص نفي الأخص عن بعض أفراد الأعم، فتقول: بعض الحيوان ليس بإنسان يصح هذا، ماذا صنعت؟ سلبت الأخص ليس بإنسان نفيتَ عن بعض أفراد الأعم وهو الحيوان صح أو لا؟ صح، بعض الحيوان ليس بإنسان، [سلب الأخص] وهو قولك: ليس بإنسان [عن بعض أفراد الأعم] الذي هو الحيوان، هذا يصح، [ولا يصح سلب الأعم عن بعض أفراد الأخص]، لا ينفع أن تقول: بعض الإنسان ليس بحيوان، لا يصح هذا، واضح؟ [فيصدق قولنا بعض الحيوان ليس بإنسان، ولا يصدق بعض الإنسان ليس بحيوان]، الثاني كاذب، وشرط العكس الصدق، أن يلزم العكس أن يكون صادقًا، فلما كذبت قلنا: هذه لا عكس لها، [(فَاقْتَصِدْ) تكملة للبيت أي توسط في الأمور]، إذًا ... (وَالعَكْسُ لاَزِمٌ لِغَيْرِ مَا وُجِدْ) يعني لازم لكل قضية، فالأصل في القضايا أنها تنعكس، واستثنى الناظم ما اجتمع فيه الخستان (وَمِثْلُهَا) بأنها لا تنعكس المهملة السلبية، [(وَمِثْلُهَا) أي السالبة الجزئية في عدم لزوم العكس لها القضية (المُهْمَلَةُ السَّلْبِيَّهْ)] يعني مثل ما وُجد به اجتماع الخستين وأنث الضمير هنا لمعنى ما، [كقولنا: الحيوان ليس بإنسان، فإنه صادق ولا يصدق عكسه وهو الإنسان ليس بحيوان]، الحيوان ليس بإنسان صح أو لا؟ صح، كيف صح؟ الحيوان هذا موضوع محكوم عليه، ليس بإنسان لأنها في قوة الجزئية، [أحسنت].

إذًا الحيوان ليس بإنسان هذه في قوة الجزئية فإنه صادق، ولا يصدق عكسه وهو الإنسان ليس بحيوان، لو بدلت قدمت وأخرت، الموضوع محمول وهو الإنسان ليس بحيوان نقول: هذا لا يصدق، لماذا؟ [لما تقدم من بيان صحة نفي الأخص عن بعض أفراد الأعم] هذا صحيح يصدق، [نفي الأخص عن بعض أفراد الأعم يصح، وعدم صحة نفي الأعم عن بعض أفراد الأخص] الأعم الذي هو الحيوان، لا يصح نفيه عن بعض أفراد الأخص، لأنه يكذب لا يصح أن تقول: بعض الإنسان ليس بحيوان، هذا كاذب، لكن يصح أن تقول: بعض الحيوان ليس بإنسان، [وقد أشار إلى ذلك بقوله: (لِأَنَّهَا) أي المهملة السلبية في قوة الجزئية، فكما لا تنعكس الجزئية السالبة لا تنكس المهملة السالبة]، يعني ومثلها المهملة السالبة، لماذا؟ لأنها اجتمع فيها الخستان من حيث المعنى لأن المهملة في قوة الجزئية هذا أولاً، إذًا هي جزئية، وسالبة، إذًا ضد الإيجاب، فاجتمع فيها الخستان، لأنها في قوة الجزئية، [ثم إن العكس] هكذا؟ [وقد أشار إلى ذلك بقوله: (لِأَنَّهَا) أي: المهملة السلبية (فِي قُوَّةِ الجُزْئِيَّهْ) فكما لا تنعكس الجزئية السالبة لا تنعكس المهلة السالبة، ثم إن العكس لا يكون إلا في الحمليات والشرطيات المتصلة]، وأما الشرطيات المنفصلة على ما ذكره الناظم هنا لا يدخلها العكس، إذًا العكس لازم لكل قضية، واستثنى نوعين: وهما ما اجتمع فيه الخستان لفظًا أو في قوة الخستين، الأول: الجزئية السالبة، والثاني: المهملة السالبة، [ثم إن العكس لا يكون إلا في الحمليات والشرطيات المتصلة كما تقدم تمثيل ذلك وإليه الإشارة بقوله: (وَالعَكْسُ فِي مُرَتَّبٍ) أي ثابت في قضية مرتبة (بِالطَّبْعِ) والترتيب الطبيعي هو ما اقتضاه المعنى بحيث يتغير بتغيره]، يعني يكون بينهما ترابط، بين المقدم والتالي، الموضوع والمحمول، ويتأثر الثاني بالأول، يعني إذا قدّم وأخر تأثر تغير المعنى، وأما إذا لم يتغير فلا تأثير للعكس فيه، ولذلك قال: [الترتيب الطبيعي هو ما اقتضاه المعنى بحيث يتغير بتغيره]، لماذا؟ لأنك إذا جعلت الموضوع محمولاً تأثر المعنى أو لا؟ قطعًا تأثر، لأن المحكوم عليه صار محكومًا به، فيتغير المعنى، إذًا حصل تأثير، كذلك في الشرطية المتصلة نقول: هنا يحصل تأثير، لو جعلت المقدم تاليًا والعكس حصل التأثير، [ألا ترى أن معنى القضية الحملية ثبوت مفهوم المحمول لأفراد الموضوع]، انتبه هذه القاعدة مهمة في فهم الحمليات، [ثبوت مفهوم المحمول]، لا أفراد المحمول ... [لإفراد الموضوع] لا لمفهوم الموضوع، لأن الموضوع له مفهوم وله أفراد، والمحمول له مفهوم معنى هو الذي يكون في الذهن وله أفراد، في الحملية يكون الحمل والإخبار بمفهوم المحمول لأفراد الموضوع، ولذلك تقول: الإنسان حيوان، لو أخبرت بالحيوان مرادًا به الأفراد كذب هذا، لأنك تقول: أفراد الإنسان أفراد الحيوان، حينئذ اختلط وهذا باطل، وإنما أردت أفراد الإنسان لا الحقيقة التي هي الحيوان الناطق، وإنما الأفراد حينئذ تقول: أفراد الإنسان يصدق على كل واحد منها أنه حيوان يعني مفهوم الحيوان وليس أفراد الحيوان، لأن أفراد الحيوان هي فرس وبغل ..

إلى آخره، وحينئذ نقول: ثبوت مفهوم المحمول لأفراد الموضوع، [فإذا غُيِّرَ ترتيبها أفادت ثبوت مفهوم الموضوع لأفراد المحمول]، عكست كنت في السابق أخبرت بمفهوم المحمول لا بأفراده على أفراد الموضوع لا مفهومه، فإذا قدمت وأخرت حينئذ أخبرت بمفهوم الموضوع لا بأفراده على أفراد المحمول لا بمفهومه، عكس السابق، واضح؟ [ومعنى الشرطية لزوم التالي للمقدم]، تلازم يعني مصاحبة، [فإذا غُيِّرَ الترتيب أفادت لزوم المقدم للتالي]، فرق بين أن يكون لازمًا وبين أن يكون ملزومًا، [هذا هو المرتب بالطبع، وأما المرتب بالوضع] يعني في الذكر فقط [فهو الشرطية المنفصلة لأن ترتيبها ذكري] لا علاقة بينهما، العدد إما زوج أو فرد، العدد إما فرد أو زوج، قدمت وأخرت لا يضر المعنى واحد، لا يتأثر، بخلاف الشرطية المتصلة [لأنها ترتيبها] يعني منفصلة [ذكري، بحيث لا يتغير معناها بتغير طرفيها فقولك: العدد إما زوج أو فرد لو قدمت فيه الثاني على الأول وقلت: العدد إما فرد أو زوج لا يتغير معناه، واضح؟ فعُلم أن الترتيب إنما هو في مجرد الوضع والذكر، وهذا معنى قول المصنف (وَلَيْسَ) أي العكس ثابتًا (فِي مُرَتَّبٍ بِالوَضْعِ) وذلك هو القضية الشرطية المنفصلة فلا عكس لها]، إذًا عكس مستوي إنما يدخل الحمليات والشرطيات المتصلة على ما ذكره الناظم، [وقد علم من تقييد المصنف العكس بالمستوي أن كلامه قيد فقط] يعني للاحتراز، والظاهر أنه ليس للاحتراز، لماذا؟ لأن العكس إذا أُطلق عند المناطقة الذي عليه العمل هو العكس المستوي، فإذا أطلقوا العكس انصرف إلى المستوي فلا يحتاج إلى تقييد، أما عكس النقيض الموافق أو المخالف هو الذي يحتاج إلى تقييد، [وخرج به] يعني بهذا القيد المستوي النقيض الموافق، [وعكس النقيض الموافق، وهو تبديل كل من الطرفين بنقيض الآخر مع بقاء الكيفية والكم]، مع بقاء الكم والكيف والصدق كذلك، لا بد العكس لا يكون إلا مع بقاء الصدق، هنا التبديل حصل بماذا؟ حصل في الطرفين لكن لا بذات الطرفين وإنما بنقيض الآخر، يعني تقلب تقدم وتؤخر، لكن الذي تذكره وكان موضوعًا كان محمولاً هو النقيض، يعني الموضوع والمحمول إنما يكون في ماذا؟ كل إنسان حيوان مثلاً، كل إنسان حيوان عكسه، عكس النقيض الموافق كل ما لا حيوان هو لا إنسان؟ كل إنسان حيوان، التبديل لا بد منه، فتجعل الموضوع محمولاً، والمحمول موضوعًا، هنا لو قدم المحمول أولاً حيوان تأتي بنقيضه وهو لا حيوان، حيوان نقيضه لا حيوان، إنسان نقيضه لا إنسان، فبدلاً من أن تجعل الحيوان موضوعًا فقط، ما تأتي به بلفظه تأتي بنقيضه، وتجعل الموضوع محمولاً لا بلفظه، وإنما بنقيضه، هذا المراد بعكس النقيض الموافق، تبديل كل من الطرفين إذًا لا بد من القلب، تجعل الموضوع محمولاً، والمحمول موضوعًا، لا بد منه، لكن بنقيض الآخر مع بقاء الكم والكيف والصدق، فقوله: كل إنسان حيوان، عكس نقيضه الموافق: كل ما ليس بحيوان هو ليس بإنسان، صح؟ صح، إذًا كل إنسان حيوان عكسه عكس نقيض الموافق: كل ما ليس بحيوان هو ليس بإنسان، ولو قلت كما قال البيجوري: كل ما لا حيوان لا إنسان صح كلامك، يعني إدخال لا، ... [ويسمى موافقًا لموافقة الأصل للعكس في

الكيف] توافقا في الكيف ... [وخرج به أيضًا عكس النقيض المخالف، وهو تبديل الأول بنقيض الثاني، والثاني بعين الأول مع] بقاء الصدق والاختلاف في الكيف بقاء الصدق هذا الشرح مع بقاء الصدق لا بد أن يبقى الصدق [مع الاختلاف في الكيف] أن يختلفا كيفًا، [فقولنا: كل إنسان حيوان عكس نقيضه المخالف لا شيء مما ليس بحيوان إنسان]، ماذا صنعت هنا؟ إنسان جعلته محمولاً كما هو كان موضوعًا فجعلته محمولاً بعينه كما هو، وإنما التبديل حصل لأي شيء للمحمول جعلته موضوعًا لكن بالنقيض، فقلت: لا شيء مما ليس بحيوان يعني مما لا حيوان، وجعلت الكلي هنا سالبة، الموجبة جعلتها سالبة، إذًا مع اختلاف الكيف بدلت الكيف، إذًا قوله: يعني عكس النقيض المخالف تبديل الأول بنقيض الثاني، يعني تأتي في محل الموضوع بنقيض المحمول، والثاني بعين الأول يعني تجعل الموضوع عينه هو المحمول مع الاختلاف في الكيف، ولا بد أن يصدقا، كل إنسان حيوان عكسه عكس نقيض المخالف لا شيء [بدلت الكم] (¬1) بدلت ماذا؟ الكيف مما ليس بحيوان جئت بنقيض المحمول وجعلته موضوعًا، إنسان جئت بالموضوع فجعلته محمولاً كما هو بعينه، [وسمي مخالفًا لمخالفة العكس للأصل في الكيف]، تخالفا في الكيف، هذا ما يتعلق بالعكس المستوي وهو المقدم وهو الأولى. - - - بَابٌ فِي القِيَاسِ إِنَّ القِيَاسَ مِنْ قَضَايَا صُوِّرَا ... مُسْتَلْزِمًا بِالذَّاتِ قَوْلاً آخَرَا [(بَابٌ فِي القِيَاسِ) وهو لغة تقدير شيء على مثال آخر كتقدير المذروع على آلة الذرع، واصطلاحًا ما ذكره المصنف بقوله: [إِنَّ القِيَاسَ) قول: (مِنْ قَضَايَا صُوِّرَا) أي ركب تركيبًا خاصًا حالة كونه (مُسْتَلْزِمًا بِالذَّاتِ) أي بذاته (قَوْلاً آخَرَا)، فقولنا: قولاً جنس يخرج به المفرد فإنه لا يسمى قولاً لأن القول عند المناطقة خاص بالمركب، وقولنا: (صُوِّرَا مِنْ قَضَايَا) يُخرج القضية الواحدة، والمراد بالقضايا قضيتان أو أكثر ليشمل القياس البسيط وهو المركب من مقدمتين كقولنا: العالم متغير، وكل متغير حادث، والقياس المركب من أكثر من مقدمتين كقولنا: النباش آخذ للمال خفية وكل آخذ للمال خفية سارق، وكل سارق تقطع يده، وقولنا: مستلزمًا خرج به ما صور من قضيتين ولم يستلزم قولاً آخر، كالقضيتين المركبتين على وجه لا يُنتج لعدم تكرر الحد الوسط كقولنا: كل إنسان حيوان، وكل فرس صهال، وكالقضيتين المركبتين من ضرب عقيم لا يُنتج، كقولنا: لا شيء من الإنسان بحجر، وكل حجر جسم، هذا لا يستلزم شيئًا لعدم إيجاب الصغرى. وقولنا: بالذات خرج ما يستلزم لا لذاته، كقياس المساواة، وهو المركب من قضيتين مُتَعَلِّق محمول إحداهما موضوع الأخرى، كقولنا: زيد مساوٍ لعمرو، وعمرو مساوٍ لبكر، فإنه يستلزم زيد مساوٍ لبكر، لكن هذا الاستلزام ليس لذات القياس بل بواسطة صدق مقدمة أجنبية وهي: أن مساو المساوي لشيء مساوٍ لذلك الشيء، ألا ترى أنك لو قلت: الإنسان مباين للفرس، والفرس مباين للناطق، لم يلزم منه أن الإنسان مباين للناطق، لأن مباين المباين لشيء لا يلزم أن يكون مباينًا لذلك الشيء. ¬

_ (¬1) سبق.

وقولنا: قولاً آخرَ المراد به النتيجة، فإنها قول مغاير لقضيتي القياس، فيخرج به القضيتان المستلزمتان لإحداهما كقولنا: زيد قائم، وعمرو جالس، فهاتان قضيتان يستلزمان إحداهما ولا يسميان قياسًا لأن إحداهما ليس قولاً آخر، والمراد بقولنا: مستلزمًا بالذات قولاً آخر أن القياس متى سُلِّم استلزم النتيجة، سواء كان صادقًا - كما مرَّ - أو كاذبًا كقولنا: كل إنسان حمار، وكل حمار صهال، فإنه يستلزم بحيث لو سُلِّمَ أن كل إنسان صهال، وإنما قلنا ذلك: لأن التعريف يجب صدقه على القياس الصادق والكاذب كالسفسطة. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ (بَابٌ فِي القِيَاسِ) هذا مقاصد، مقاصد ماذا؟ تصديقات: [وهو لغة تقدير شيء على مثال آخر كتقدير المزروع على آلة الزرع، واصطلاحًا ما ذكره المصنف بقوله: إِنَّ القِيَاسَ مِنْ قَضَايَا صُوِّرَا ... مُسْتَلْزِمًا بِالذَّاتِ قَوْلاً آخَرَا (إِنَّ) حرف توكيد ونصب والأصل في التوكيد إنما يكون للمتردد، ولِمَ جاء بـ (إِنَّ) هنا؟ قيل: قد يتردد الطالب هل القياس هنا هو القياس الأصولي أم لا؟ فجاء بالمؤكد هكذا قيل، يعني لو درس الأصول أولاً، ثم درس هذا الموضع (بَابٌ القِيَاسِ)، ما المراد به هل هو القياس الأصولي أم القياس المنطقي؟ هل هو عينه أم غيره؟ حينئذ وقع تردد فأُكِّد له (إِنَّ القِيَاسَ مِنْ قَضَايَا صُوِّرَا)، (مِنْ قَضَايَا)، قدر الشارح هنا القول: لا بد أن نقدر هذا التركيب، قول: صوِّرا من قضايا، يعني، أُلِّفَ وركب من قضايا، قضايا هذا جمع، والمراد به اثنان فأكثر، إما مجازًا، وإما أن يكون أقل الجمع اثنان يعني حقيقة، وإما أن يقال: المناطقة يستعملون الجمع مرادًا به الاثنين، واحد من هذه الأجوبة الثلاثة [(إِنَّ القِيَاسَ) قول (مِنْ قَضَايَا صُوِّرَا) أي ركب تركيبًا خاصًا حالة كونه] سيأتي التركيب الخاص كيف يكون، [حالة كونه] هذا التركيب (مُسْتَلْزِمًا) يعني لازم لا ينفك عنه البتة [(بِالذَّاتِ) أي بذاته (قَوْلاً آخَرَا)] أي النتيجة، المراد بالقول الآخر هنا النتيجة، القياس قول مؤلف يعني مركب من قضيتين فأكثر ... (مُسْتَلْزِمًا) هذا في النظم هنا حال من الضمير في صورًا [(بِالذَّاتِ) أي بذاته] أي نائبة عن الضمير (قَوْلاً آخَرَا) قولاً يعني نتيجة، ووصف القول بكونه آخر يعني مغاير لكل من المقدمتين، قلنا: (مِنْ قَضَايَا) يعني من قضيتين فأكثر يستلزم ماذا؟ يستلزم نتيجة، هذه النتيجة لا بد أن تكون مغايرة لكل من المقدمتين الصغرى والكبرى، [فقولنا: قولاً جنس يخرج به المفرد] فالمفرد لا يكون قياسًا، وإنما لا بد من قضية وقضية أخرى [فإنه لا يسمى قولاً لأن القول عند المناطقة خاص بالمركب]، واضح؟ [وقولنا: (صُوِّرَا)، (مِنْ قَضَايَا) يُخرج القضية الواحدة] القياس لا بد أن يكون مؤلفًا من قضيتين فأكثر، فأما إذا كان قضية واحدة فلا يُسمى قياس، كل إنسان حيوان، قياس هذا؟ لو قال: كل إنسان حيوان ليس بقياس، لماذا؟ لأنه قضية واحدة، والقياس لا بد من قضيتين، ثم يستلزم قولاً آخر، [والمراد بالقضايا] في كلام الناظم [قضيتان أو أكثر] لماذا؟ [ليشمل القياس البسيط]، القياس عندهم نوعان:

قياس بسيط. وقياس مركب. القياس البسيط المؤلف من مقدمتين فقط، والقياس المركب المؤلف من ثلاث مقدمات فأكثر يسمى مركبًا، وهل هو مركب بذاته أم أنه عدة أقيسة بسيطة؟ سيأتي بحثه، إذًا [المراد بالقضايا قضيتان أو أكثر ليشمل القياس البسيط وهو المركب من مقدمتين كقولنا: العالم متغير]، هذه مقدمة صغرى، [وكل متغير حادث]، هذه مقدمة كبرى، لازم منه قولاً آخر وهو: العالم حادث. هذا يسمى قياسًا بسيطًا، لماذا قياس بسيط؟ لأنه مؤلف من مقدمتين اثنتين، العالم متغير، هذه واحدة، وكل متغير حادث، هذه الثانية، وليس عندنا قضية ثالثة، [والقياس المركب من أكثر من مقدمتين] يعني المؤلف من ثلاث فأكثر [كقولنا: النباش آخذ للمال خفية] النباش الذي يسرق أكفان الموتى من القبور، [وكل آخذ للمال خفية سارق، وكل سارق تقطع يده] النباش تقطع يده هذه نتيجة مؤلف من كم قضية؟ ثلاث قضايا أولاً: النباش آخذ للمال خفية هذه مقدمة، وكل آخذ للمال خفية سارق، وهذه مقدمة ثانية، وكل سارق تقطع يده هذه مقدمة ثالثة، النتيجة النباش تقطع يده، إذًا هذا قياس مركب لأنه مؤلف من ثلاث قضايا [وقولنا: مستلزمًا] يعني لا بد أن يكون ثَمَّ تلازم بين المقدمتين والنتيجة [خرج به ما صور من قضيتين ولم يستلزم قولاً آخر، كالقضيتين المركبتين على وجه لا يُنتج لعدم تكرر الحد الوسط] كما سيأتي شرط الإنتاج متى نقول هذا منتج؟ ومتى نقول أنه لا ينتج؟ ترتيب المقدمتين من أجل أن ينتج المقدمة ويكون ثم تلازم بينهما لا بد من شروط، إن وجدت الشروط حينئذ قلنا: هذا منتج. إن انتفت حينئذ نقول: ترتيب القضيتين لا يستلزم لماذا؟ لفوات شرط الإنتاج، وهذا سيأتي بحثه في هذا الباب والآتي، [كقولنا: كل إنسان حيوان، وكل فرس صهال]، هاتان قضيتان لكن لا يُسمى قياسًا يعني لو قال: قائل كل إنسان حيوان، وكل فرس صهال. نقول: أين الحد الوسط؟ أين الحد المكرر؟ العالم متغير، متغير، وكل متغير حادث، لا بد من واسطة بينهما يجمع بين المقدمتين هنا، أين الواسطة أين الحد الوسط؟ لا يوجد. فقول: كل إنسان حيوان، وكل فرس صهال. هاتان القضيتان أو المقدمتان لا علاقة بينهما البتة، فإذًا لم يكن بينهما علاقة فكل واحدة أجنبية عن الأخرى، وإذا كانت أجنبية فلا تستلزم نتيجة، ... [وكالقضيتين المركبتين من ضرب عقيم لا يُنتج] كما يأتي في باب الأشكال، أو (فَصْلٌ فِي الأَشْكَالِ).

[كقولنا: لا شيء من الإنسان بحجر، وكل حجر جسم، هذا لا يستلزم شيئًا لعدم إيجاب الصغرى] بمعنى أنه فات شرط الإنتاج، وهذا سيأتي يفهم بما سيأتي، إذًا المراد هنا ليس كل تركيب لقضيتين يكون مستلزمًا لقول آخر، بل لا بد من شروط تُراعى، ستبحث هذه الشروط فيما يأتي، فإن انتفت أو انتفى بعضها حينئذ نقول: تركيب المقدمتين لا يُسمى قياسًا، [وقولنا: بالذات خرج ما يستلزم] قولاً آخر [لكن لا لذاته]، بل لمقدمة أجنبية، [كقياس المساواة] يعني ما يسمى بقياس المساواة، [وهو المركب من قضيتين]، إذًا مؤلف من قضيتين من قضايا صورا قضيتين فأكثر [مُتَعَلِّق محمول إحداهما موضوع الأخرى] متعلق بالكسر محمول إحداهما موضوع الأخرى هذا يسمى ماذا؟ قياس المساواة، [كقولنا: زيد مساوٍ لعمرو، وعمرو مساوٍ لبكر، فإنه يستلزم زيد مساوٍ لبكر، لكن] لمقدمة أجنبية وهي أن مساو المساوي لشيء مساوٍ لذلك الشيء، هنا قال: زيد هذا موضوع، مساوٍ هذا محمول، لعمرو هذا متعلِّق المحمول، هذه قضية أولى، زيد مساوٍ لعمرو، متعلق المحمول هنا تجعله موضوعًا في التي تليها، عمرو مساوٍ لبكر، ما العلاقة بينهما؟ أن الثانية عمرو مساوٍ لبكر الموضوع متعلِّق محمول الأولى ولذلك قال في قياس المساواة هنا: المركب من قضيتين متعلِّق محمول إحداهما وهو قوله لعمرو باللام موضوع الأخرى عمرو، اتضح؟ نعم، فإذًا يستلزم زيد مساوٍ لبكر، [لكن هذا الاستلزام ليس لذات القياس بل بواسطة صدق مقدمة أجنبية] خارجة عن القياس لم تذكر [وهي: أن مساو المساوي لشيء مساوٍ لذلك الشيء]، وهذا واضح، لو قلت: هذا مساوٍ لذاك، وذا مساوٍ لذا، إذًا يُعلم أن هذا مساوٍ لذا، لماذا؟ لأنك ساويت هذا بذا وجعلت هذا مساوٍ لذا، إذًا يلزم منه أن يكون بينهما تساوٍ وهذا من خارج، [ألا ترى أنك لو قلت: الإنسان مباين للفرس، والفرس مباين للناطق، لم يلزم منه أن الإنسان مباين للناطق] يعني هنا يحمل على المساواة لا على التباين يعني مساوٍ المساوي لشيء مساوٍ لذلك الشيء، والمباين لشيء مباين، لا، لا تأتي القاعدة وهذا يُدل على أن الحكم خاص بالمساواة دون المباينة، [ألا ترى أنك لو قلت الإنسان مباين للفرس] هذه صادقة يعني مخالف له [والفرس مباين للناطق]، وهذه صادقة [لم يلزم منه أن الإنسان مباين للناطق، لأن مباين المباين لشيء لا يلزم أن يكون مباينًا لذلك الشيء]، ففرق بين المساواة وبين المباينة، [وقولنا: قولا آخر المراد به النتيجة، فإنها قول مغاير لقضيتي القياس، فيخرج به القضيتان المستلزمتان لإحداهما كقولنا: زيد قائم، وعمرو جالس، فهاتان قضيتان يستلزمان إحداهما ولا يسميان قياسًا]، يعني مجموع القضيتين مستلزمتان أي المستلزم مجموعهما لإحداهما يعني كل واحدة باعتبار ذاتها لا تستلزم الأخرى، عمرو قائم، زيد ماشٍ لا علاقة بينهما، [لا أحد يستلزم] (¬1) لا إحدى القضيتين تستلزم الأخرى إذًا ليس بينهما تلازم [أن القياس نعم] (¬2) ¬

_ (¬1) سبق. (¬2) سبق ..

هنا يقول ماذا؟ فخرج به القضيتان المستلزمتان لإحداهما يعني في المجموع، في المجموع لا في الجميع [كقولنا زيد قائم، وعمرو جالس فهاتان قضيتان يستلزمان إحداهما، ولا يسميان قياسًا لأن إحداهما ليس قولاً آخرا]، زيد قائم وعمرو جالس، زيد قائم مفهومه ثبوت القيام لزيد، وعمرو جالس مفهومه ثبوت الجلوس لزيد، قال في الحاشية: فيخرج به القضيتان أي مجموع القضيتين المستلزمتان أي المستلزم مجموعهما لإحداهما، أي لكل منهما على حدته استلزام الكل لجزئه بأن اللازم ليس قولا آخر، [والمراد بقولنا: مستلزمًا بالذات قولاً آخر أن القياس متى سُلِّم استلزم النتيجة]، يعني متى سلم بالمقدمتين وكانتا صحيحتين استلزم النتيجة، [سواء كان صادقًا - كما مرَّ - أو كاذبًا كقولنا: كل إنسان حمار، وكل حمار صهال، فإنه يستلزم بحيث لو سُلِّمَ أن كل إنسان صهال]، لماذا؟ لوجود شرط الإنتاج وهو التكرار، كل إنسان حمار، وكل حمار إذًا هذا تكرار بين المقدمتين، فإن لم يستلزم بحيث لو سُلِّمَ أن كل إنسان صهال، [وإنما قلنا ذلك: لأن التعريف يجب صدقه على القياس الصادق والكاذب كالسفسطة]، وسيأتي بحثها في آخر الكتاب، إذًا القياس قول مؤلف من قضيتين فأكثر مستلزمًا بذاته قولاً آخر، هذا المراد به واحترازات كما كما ذكر. - - - ثُمَّ القِيَاسُ عِنْدَهُمْ قِسْمَانِ ... فَمِنْهُ مَا يُدْعَى بِالِاقْتِرَانِي وَهْوَ الَّذِي دَلَّ عَلَى النَّتِيجَةِ ... بِقُوَّةٍ وَاخْتَصَّ بِالحَمْلِيَّةِ (ثُمَّ) للترتيب الذكري (القِيَاسُ عِنْدَهُمْ) أي المناطقة (قِسْمَانِ) هما الاقتراني والشرط (فَمِنْهُ مَا يُدْعَى) أي يسمى (بِـ) القياس (الِاقْتِرَانِي) لاقتران الحدود فيه وعدم فصلها بأداة استثناء، كقولنا: العالم متغير، وكل متغير حادث، وعرَّفه بقوله: (وَهْوَ الَّذِي دَلَّ عَلَى النَّتِيجَةِ بِقُوَّةٍ) بأن كانت فيه متفرقة الأجزاء، ألا ترى أن قولنا: العالم متغير، وكل متغير حادث. يدل على النتيجة، وهي العالم حادث، لكن بالقوة بمعنى أن أجزاءها متفرقة فيه لأن موضوعها موضوع الصغرى، ومحمولها محمول الكبرى، (وَاخْتَصَّ) القياس الاقتراني (بِـ) القضايا (الحَمْلِيَّةِ) فلا يركب إلا منها لا من الشرطية، وهذا رأي مرجوح، والصحيح أن القياس الاقتراني يؤلف من القضايا الحملية كما تقدم، ومن القضايا الشرطيات كقولنا: كلما كانت الشمس طالعة كان النهار موجودًا، وكلما كان النهار موجودًا كانت الأرض مضيئة، فينتج كلما كانت الشمس طالعة كانت الأرض مضيئة. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

[(ثُمَّ) للترتيب الذكري (القِيَاسُ عِنْدَهُمْ) أي المناطقة (قِسْمَانِ) هما الاقتراني والشرطي]، الشرط شرطي (فَمِنْهُ مَا يُدْعَى بِالِاقْتِرَانِي)، (فَمِنْهُ) أي قسم من القياس يُدعى أي [يسمى] بالاقتراني أي بـ ... [القياس (بِالِاقْتِرَانِي)] لماذا سمي بالقياس الاقتراني؟ [لاقتران الحدود فيه] يعني اتصال بعضها لبعض، والمراد بالحدود هنا الحد الأصغر والحد الأكبر والحد الأوسط، يعني مجموعة في المقدمتين، وسيأتي تفصيلها لاقتران الحدود فيه يعني اتصال بعضها ببعض، والمراد بالحدود هنا الثلاثة الأصغر والأوسط والأكبر، سميت حدودًا لأنها أطراف، لاقتران الحدود فيه [وعدم فصلها بأداة استثناء]، وهي لكن، وهذا ما يُسمى باستثناء كما سيأتي بحثه في محله [كقولنا: العالم متغير، وكل متغير حادث، وعرَّفه بقوله - وَهْوَ الَّذِي دَلَّ عَلَى النَّتِيجَةِ بِقُوَّةٍ)] يعني القياس الاقتراني سمي اقترانيًا لاقتران الحدود الثلاثة في المقدمتين الحد الأوسط والأكبر والأصغر، طيب النتيجة فيه هو مستلزم للنتيجة قولا آخر قطعًا لأنه قياس، وهو الذي دل على النتيجة بقوة، يعني النتيجة موجودة في المقدمتين لكنها بالقوة يعني بأجزائها لا بصورتها، يعني موضوع [المقدمة] (¬1) النتيجة موجود في ضمن المقدمتين، ومحمول النتيجة كذلك مذكور في ضمن المقدمتين لكن بصورتها، لا، وإنما الموضوع مذكور في المقدمتين وكذلك المحمول هذا يسمى القياس الاقتراني لكونه دل على النتيجة بالقوة، وهو الذي دل على النتيجة بقوة [بأن كانت فيه] يعني كانت النتيجة فيه في القياس [متفرقة الأجزاء]، هما جزآن متفرقة الأجزاء، [ألا ترى أن قولنا: العالم متغير وكل متغير حادث يدل على النتيجة] بالقوة، [وهي] قولنا: [العالم حادث]، انظر كلمة العالم هي موضوعة الصغرى، العالم متغير، وحادث هي محمول الكبرى، إذًا الكلمتان الموضوع والمحمول في النتيجة موجودتان في المقدمة الصغرى والكبرى، حينئذ تكون النتيجة موضوعها موضوع الصغرى، ومحمولها محمول الكبرى، وهي العالم حادث [لكن بالقوة بمعنى أن أجزاءها متفرقة فيه لأن موضوعها] يعني النتيجة [موضوع الصغرى] وهي العالم، ... [ومحمولها] يعني النتيجة [محمول الكبرى] واضح هذا؟ ¬

_ (¬1) سبق.

إذًا القياس الاقتراني هو ما وُجد فيه حقيقة القياس السابقة، ثم كونه دل على النتيجة بالقوة سُمِّيَ اقترانيًّا، ومعنى دلالة القياس على النتيجة بالقوة أن أجزاءها الموضوع والمحمول مذكوران في المقدمتين، وموضوع النتيجة هو موضوع الصغرى، ومحمول النتيجة هو محمول الكبرى كالمثال السابق، واختص بالحملية يعني قياس الاقتراني لا يدخل الشرطية وإنما هو خاص بالحملية، [واختص القياس الاقتران] بالحملية يعني بـ[القضايا الحملية فلا يركب إلا منها لا من الشرطية]، فهو مقصور على الحملية فلا يتعداها إلى غيرها، فالباء حينئذ تكون داخلة على المقصور عليه، والصحيح أنه لا يختص بها، بل قد يتركب من الشرطية، ولذلك قال الشارح هنا: [وهذا رأي مرجوح] يعني كون الاقتراني خاص بالحملية هذا رأي مرجوح، بل [والصحيح] أنه يدخل الحمليات والشرطيات، والصحيح وهو قول الجمهور [أن القياس الاقتراني يؤلف من القضايا الحملية كما تقدم وهو واضح، ومن القضايا الشرطيات كقولنا: كلما كانت الشمس طالعة كان النهار موجودًا، وكلما كان النهار موجودًا كانت الأرض مضيئة]، هاتان مقدمتان طويلة كلما كانت الشمس طالعة كان النهار موجودًا، كانت الشمس طالعة مقدم، كان النهار موجود هذا تالي هذا مقدمة صغرى، كلما كان النهار موجودًا كانت الأرض مضيئًا، كان النهار موجودًا هذا مقدم، الأرض مضيئة هذا تالي، [فينتج كلما كانت الشمس طالعة] المقدمة الصغرى [كانت الأرض مضيئة] هذا تالي الكبرى، إذًا دخل الشرطيات - - - فَإِنْ تُرِدْ تَرْكِيبَهُ فَرَكِّبَا ... مُقَدِّمَاتِهِ عَلَى مَا وَجَبَا وَرَتِّبِ المُقَدِّمَاتِ وَانْظُرَا ... صَحِيحَهَا مِنْ فَاسِدٍ مُخْتَبِرَا فَإِنَّ لاَزِمَ المُقَدِّمَاتِ ... بِحَسَبِ المُقَدِّمَاتِ آتِ (فَإِنْ تُرِدْ تَرْكِيبَهُ) أي القياس الاقتراني (فَرَكِّبَا ** مُقَدِّمَاتِهِ) أي مقدمتيه، إن تركب من مقدمتين، أو مقدمات إن تركب من أكثر (عَلَى مَا وَجَبَا) أي على الوجه الذي وجب من الإتيان بوصف جامع بين طرفي النتيجة وهو الحد المكرر، وبه حصلت المقدمتان أحداهما مشتملة على موضوع النتيجة أو مقدمها والأخرى على محمولها أو تاليها، ومن اندراج الأصغر تحت الأوسط في الاقتراني كما سيأتي. (وَرَتِّبِ المُقَدِّمَاتِ) بأن تقدم الصغرى منها، وهي المشتملة على موضوع النتيجة أو مقدمها على الكبرى وهي المشتملة على محمولها أو تاليها، ويكون ذلك على الوجه الخاص ككون الصغرى موجبة والكبرى كلية في الشكل الأول مثلاً، (وَانْظُرَا) أي انظرن (صَحِيحَهَا) أي المقدمات متميِّزًا (مِنْ فَاسِدٍ) أي من فاسدها من جهة النظم بأن كانتا سالبتين أو جزئيتين، إذ لا إنتاج لسالبتين أو جزئيتين ومن جهة المادة بأن كانتا كاذبتين أو إحداهما كاذبة (مُخْتَبِرَا) أي حالة كونك مختبرًا للمقدمات بالاستدلال عليها إن كانت نظرية، هل هي يقينية أو لا، وهذا بيان للوجه الخاص الذي ذكره سابقًا في قوله: (عَلَى مَا وَجَبَا) فلا يقال هذا تكرار لما تقدم. فَإِنَّ لاَزِمَ المُقَدِّمَاتِ ... بِحَسَبِ المُقَدِّمَاتِ آتِ

أي لازم المقدمات وهو النتيجة آت بحسبها، فإن كانت المقدمات صحيحة صادقة كانت النتيجة صادقة، وإن كانت المقدمات فاسدة أو كاذبة لم يلزم صدق النتيجة، بل تضطرب فتصدق تارة وتكذب أخرى. مثلاً: إذا قلنا: العالم متغير، وكل متغير حادث، فهذا قياس صحيح مقدمتاه صادقتان فنتيجته كذلك. وإن قلت: كل إنسان فرس، وكل فرس صهال، فهو قياس كاذب إحدى المقدمتين فلا يلزم صدق النتيجة، بل تكذب تارة كهذا المثال فإن نتيجته كل إنسان صهال وهي كاذبة، وتصدق تارة كما لو أبدلت الكبرى بقولك: كل فرس ناطق، فإن نتيجته كل إنسان ناطق وهي صادقة، لكن صدقها اتفاقي. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

(فَإِنْ تُرِدْ) أيها الناظر (تَرْكِيبَهُ) يعني تركيب القياس الاقتراني (فَرَكِّبَا)، [(فَإِنْ تُرِدْ تَرْكِيبَهُ) أي القياس الاقتراني (فَرَكِّبَا)] الألف هذه مبدلة عن نون التوكيد الخفيفة (مُقَدِّمَاتِهِ) أي مقدمتيه فأكثر، فالمقدمات هنا جمع أريد به الاثنان، [أي مقدمتيه، إن تركب من مقدمتين، أو مقدمات إن تركب من أكثر] فشمل القياس البسيط والقياس المركب (عَلَى مَا وَجَبَا) الألف للإطلاق [(عَلَى مَا وَجَبَا) أي على الوجه الذي وجب] عندهم عند المناطقة [من الإتيان بوصف جامع بين طرفي النتيجة وهو الحد المكرر] الذي يُسمى الأوسط الحد الأوسط [وبه حصلت المقدمتان] يعني حصلت يعني وجدت المقدمتان المستلزمتان للنتيجة، [أحداهما مشتملة على موضوع النتيجة أو مقدمها] الشرطية [والأخرى على محمولها أو تاليها] بالشرطية، [ومن اندراج] الأصغر [تحت الأوسط في الاقتران كما سيأتي]، إذًا مقصوده (عَلَى مَا وَجَبَا) يعني على التركيب والنظر الذي وضعه المناطقة، وشرح هذا الوجه الذي وجب بقوله: (وَرَتِّبِ المُقَدِّمَاتِ) ..

إلى آخر ما سيذكره، إذًا فإن ترد تركيبه أي القياس الاقتراني فركبن مقدماته اثنتين فأكثر (عَلَى مَا وَجَبَا) على ما قرره وأوجبه المناطقة، بمعنى أن ثَمَّ شروطًا لا بد من مراعاتها، فإن رُوعِيت حينئذ نقول: هذا قياس اقتراني صواب وإلا فلا (وَرَتِّبِ المُقَدِّمَاتِ) هذا من ذكر الخاص بعد العام [(وَرَتِّبِ المُقَدِّمَاتِ) بأن تقدم الصغرى منها، وهي المشتملة] على الموضوع [على موضوع النتيجة أو مقدمها على الكبرى وهي المشتملة على محمولها أو تاليها]، (وَرَتِّبِ المُقَدِّمَاتِ) المقدمة صغرى والمقدمة كبرى ما الفرق بينهما؟ المقدمة الصغرى هي التي اشتملت على موضوع النتيجة، والمقدمة الكبرى هي التي اشتملت على محمول النتيجة، حينئذ وجب عندهم تقديم الصغرى على الكبرى، هذا ترتيب قياسي، حينئذ تقدم الصغرى لاشتمالها على موضوع النتيجة وتؤخر الكبرى لاشتمالها على محمول النتيجة، ورتب المقدمات بأن تقدم الصغرى منها، وهي أي الصغرى حدها عندهم المشتملة، أي القضية أو المقدمة المشتملة على موضوع النتيجة أو مقدمها، على الكبرى أي على المقدمة الكبرى وهي المشتملة على محمولها أي النتيجة أو تاليها، وهذا في الشرطيات، [ويكون ذلك على الوجه الخاص ككون الصغرى موجبة والكبرى كلية، بشكل الأول مثلاً] فيما سيأتي في الأشكال، يعني شروط الإنتاج من الأشكال الأربعة الأول والثاني والثالث والرابع كما سيأتي في محله، [(وَانْظُرَا) أي انظرن] الألف بدل عن نون التوكيد الخفيفة [(صَحِيحَهَا) أي المقدمات متميِّزًا (مِنْ فَاسِدٍ) أي من فاسدها]، يعني انظر الصحيح منها من الفاسد، لأن المقدمات منها صحيح ومنها فاسد، فالفاسد لا يُنتج لأنه كما قال: فإن لازم المقدمات بحسب المقدمات يأتي، فإن كانت المقدمات صحيحة، حينئذ لزم صحة النتيجة وإن كانت فاسدة حينئذ الفاسد لا ينتج إلا فاسدًا، إذًا أي انظر الصحيح منها من الفاسد [من جهة النظم بأن] يكون مستجمعًا لشروط الإنتاج، [من جهة النظم] يعني الترتيب والتركيب ومن جهة المادة بأن يكون صادقًا، ومن جهة النظم بأن يكون مستجمعًا لشروط الإنتاج، أي [من فاسدها من جهة النظم بأن كانتا سالبتين أو جزئيتين، إذ لا إنتاج لسالبتين أو جزئيتين] كما سيأتي في فصل الأشكال، [ومن جهة المادة] بأن يكون صادقًا [بأن كانتا كاذبتين أو إحداهما كاذبة]، وهذه لا تصدق، لا بد أن تكون المقدمة الصغرى صادقة والمقدمة الكبرى صادقة، فإن كانتا كاذبتين لا إنتاج، إن كانت إحداهما صادقة والأخرى كاذبة فلا إنتاج، إذًا وانظرن صحيحها من فاسد، وتعلم الصحة من جهة النظم وهذا ما سيذكره في فصل الأشكال، ومن جهة المادة يعني الصدق بأن تكون صادقتين [(مُخْتَبِرَا) أي حالة كونك مختبرًا للمقدمات بالاستدلال عليها إن كانت نظرية، هل هي يقينية أو لا]، فإن كانت يقينية فهي مُسَلَّمَة لا تحتاج إلى إثبات لأن عندهم ماذا؟ تذكر المقدمة الصغرى، ثم المقدمة الكبرى، ثم النتيجة، ثم تستدل قبل ذكر النتيجة إن كانت المقدمة الصغرى نظرية إذًا قد يقع فيها نزاع، فإذا أردت الاستدلال بقياس الاقتران على المخالف لا بد أن تستدل أولاً على المقدمة الصغرى، إن كانت يقينية فهي مُسَلَّمَة، إن

لم تكن يقينية بل كانت نظرية لا بد من الاستدلال يعني إثباتها لا بد من دليلها من أجل أن يُسلم لك الخصم، حينئذ قوله: [(مُخْتَبِرَا) أي حالة كونك مختبرًا للمقدمات للاستدلال عليها إن كانت نظرية، هل هي يقينية] فلا تحتاج إلى دليل؟ أو لم تكن يقينية فحينئذٍ تحتاج إلى دليل، ... [وهذا بيان للوجه الخاص الذي ذكره سابقًا في قوله: (عَلَى مَا وَجَبَا)] إذًا فركبن مقدمات على ما وجب، ورتب المقدمات هذا ترتيب صغرى ثم كبرى، وانظرن صحيحها من فاسدها هذا شيء ثالث، [(مُخْتَبِرَا) حال كونك مختبرًا للمقدمات] هل هي يقينية أم لا، [فلا يقال هذا تكرار لما تقدم]، لأنه ذكره على جهة العموم على ما وجب ثم فصله، ولذلك قلنا: من ذكر الخاص بعد العام فَإِنَّ لاَزِمَ المُقَدِّمَاتِ ... بِحَسَبِ المُقَدِّمَاتِ آتِ هذا تعليل لمضمون البيتين السابقين، لأننا نريد بالمقدمتين الوصول إلى النتيجة. إذًا النتيجة لا تكون صحيحة سليمة إلا لصحة المقدمات، إلا إذا صحت وسلمت المقدمات، فهو تعليل لمضمون البيتين قبله [أي لازم المقدمات وهو النتيجة آت بحسبها] بحسب المقدمتين، [فإن كانت المقدمات صحيحة صادقة كانت النتيجة صادقة، وإن كانت المقدمات فاسدة أو كاذبة لم يلزم صدق النتيجة بل تضطرب] قد تصدق وقد تكذب، إذا كانت المقدمتان كاذبتين أو إحداهما كاذبة حينئذ النتيجة لا تصدق، النتيجة لا يلزم صدقها بل قد تصدق وقد تكذب يعني تضطرب، ولذلك قال: [لم يلزم صدق النتيجة، بل تضطرب فتارة فتصدق تارة وتكذب أخرى، مثلاً: إذا قلنا: العالم متغير، وكل متغير حادث، فهذا قياس صحيح مقدمتاه صادقتان فنتيجته كذلك، واضح. وإن قلت: كل إنسان فرس، كذب وكل فرس صهال]، صادق، [فهو قياس كاذب إحدى المقدمتين فلا يلزم صدق النتيجة، بل تكذب تارة كهذا المثال فإن نتيجته كل إنسان صهال هذه كاذبة] وهذه كاذبة، [وتصدق تارة] مع كون إحدى المقدمتين كاذبة وصدقت النتيجة لكنه اتفاقًا لا من جهة الاستلزام، ... [وتصدق تارة كما لو أبدلت الكبرى بقولك: كل فرس ناطق، فإن] النتيجة [نتيجته كل إنسان ناطق وهي صادقة، لكن صدقها اتفاقي]، والشرط هنا أن يكون الصدق لازمًا يعني مستلزم، المقدمتان مستلزمتين للنتيجة، أو المقدمتان مستلزمتان للنتيجة. - - - وَمَا مِنَ المُقَدِّمَاتِ صُغْرَى ... فَيَجِبُ انْدِرَاجُهَا فِي الكُبْرَى وَذَاتُ حَدٍّ أصْغَرٍ صُغْرَاهُمَا ... وَذَاتُ حَدٍّ أَكْبَرٍ كُبْرَاهُمَا وَأَصْغَرٌ فَذَاكَ ذُو انْدِرَاجِ ... وَوَسَطٌ يُلْغَى لَدَى الإِنْتَاجِ

(وَمَا مِنَ المُقَدِّمَاتِ صُغْرَى) أي وما هي صغرى من المقدمات (فَيَجِبُ انْدِرَاجُهَا) أي اندراج أصغرها الذي هو موضوع المطلوب (فِي) أوسط (الكُبْرَى) مثلاً إذا قلنا: كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم، الأصغر هو إنسان، وقد اندرج في الحيوان لينسحب عليه حكمه (وَذَاتُ حَدٍّ أصْغَرٍ) صُرِفَ للضرورة (صُغْرَاهُمَا) أي الصغرى من المقدمتين هي ذات الحد الأصغر الذي هو موضوع المطلوب كقولنا في المثال المتقدم: كل إنسان حيوان، فإنها مشتملة على الحد الأصغر وهو إنسان الذي يكون موضوعًا في النتيجة (وَذَاتُ حَدٍّ أَكْبَرٍ كُبْرَاهُمَا) أي وكبرى المقدمتين هي المشتملة على الحد الأكبر الذي هو محمول النتيجة، كقولنا في المثال السابق: وكل حيوان جسم فإنها مشتملة على الحد الأكبر وهو جسم الذي يكون محمولاً في النتيجة، وسمي موضوع النتيجة أصغر لأنه أقل أفرادًا غالبًا من محمولها الذي سُمِّي أكبر لكثرة أفراده، وسُمِّيَ كل منهما حدًّا لأنه طرف القضية. (وَأَصْغَرٌ) صرف للضرورة، (فَذَاكَ ذُو انْدِرَاجِ) الأصغر مندرج في مفهوم الأكبر، بسبب اندراجه في الأوسط كما تقدم، (وَوَسَطٌ يُلْغَى لَدَى الإِنْتَاجِ) أي الحد الوسط، وهو المكرر في المقدمتين يترك عند الإنتاج فهو كالآلة يُؤتى به عند الاحتياج إليه في التوصل إلى المطلوب ويُترك عند حصوله. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ هذا من شروط تحقق القياس الاقتراني (وَمَا) يعني القضية التي، صغرى هذا خبر لمحذوف هي صغرى، من المقدمات هذا حال، يعني والتي هي صغرى من المقدمات حال كونها من المقدمات [(وَمَا مِنَ المُقَدِّمَاتِ صُغْرَى) أي (وَمَا)] أي القضية التي [هي صغرى] انظر ماذا صنع الشارح هنا؟ جعل الصغرى خبرًا لمحذوف فقدر المبتدأ هي أي المقدمة صغرى حال كونها] من المقدمات (فَيَجِبُ انْدِرَاجُهَا) أي اندراج أصغرها الذي هو موضوع المطلوب (فِي) أوسط (الكُبْرَى)] من أجل ماذا؟ من أجل أن ينسحب الحكم، لأنك تقول ماذا؟ العالم متغير، وكل متغير حادث، أين الحد الوسط؟ الحد الوسط هو المكرر، حينئذ إذا قلت: العالم متغير، ثم جئت إلى المقدمة الكبرى قلت: كل متغير أدخلت العالم تحت قولك متغير، أليس كذلك؟ لتسحب عليه الحكم من أجل، ماذا؟

أن تصل إلى النتيجة، فالرابط بين المقدمة الصغرى والكبرى هو الحد المكرر الذي يسمى الوسط، ما وظيفته؟ وظيفته إدخال المحكوم عليه في الصغرى تحت الكبرى من أجل أن يستوي الحكم عليه، العالم متغير، حكمنا على العالم بكونه متغيرًا، ثم قال: كل متغير ومنه العالم حادث، إذًا العالم حادث، انظر النتيجة تركيب، فيجب اندراجها، اندراجها ظاهره أن الصغرى بصورتها تندرج في الكبرى، وليس هذا بمراده، وإنما المراد اندراج أصغرها الذي هو موضوع المطلوب يعني النتيجة، عبر بالمطلوب عن النتيجة، في أوسط الكبرى [مثلاً إذا قلنا: كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم]، الحد المكرر لهم حيوان، كل إنسان حيوان، حكمت على الإنسان بأنه حيوان، ثم قلت: كل حيوان جسم، إذًا الإنسان جسم ... [وكل حيوان جسم، الأصغر هو إنسان] الذي موضوع الصغرى لأنه موضوع النتيجة [نعم أحسنت] الحد الأصغر، لماذا سُميت صغرى المقدمة الصغرى؟ لاشتمالها على الحد الأصغر وما هو الحد الأصغر هو موضوع النتيجة، والحد الأكبر سميت المقدمة كبرى لماذا؟ لاشتمالها على الحد الأكبر، ما هو الحد الأكبر؟ هو [موضوع] (¬1) محمول النتيجة. هنا قال: كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم، الأصغر هو إنسان لأنه موضوع الصغرى وهو موضوع النتيجة، [وقد اندرج] لفظ إنسان الذي هو الموضوع [في الحيوان]، لماذا؟ [لينسحب عليه حكمه (وَذَاتُ حَدٍّ أصْغَرٍ) صُرِفَ للضرورة (صُغْرَاهُمَا) أي الصغرى من المقدمتين هي ذات الحد الأصغر الذي هو موضوع المطلوب]، وذات حد يعني صاحبة حد أصغر صغراهما، صغرى القضيتين، يعني تسمى صغرى لماذا؟ لاشتمالها على الحد الأصغر، وما هو الحد الأصغر؟ هو موضوع النتيجة. أي الصغرى من المقدمتين هي ذات الحد الأصغر الذي هو موضوع المطلوب [كقولنا في المثال المتقدم: كل إنسان حيوان، فإنها مشتملة على الحد الأصغر وهو إنسان الذي يكون موضوعًا في النتيجة] واضح هذا؟ (وَذَاتُ حَدٍّ أَكْبَرٍ) يعني مقدمة صاحبة [(حَدٍّ أَكْبَرٍ كُبْرَاهُمَا) أي كبرى القضيتين أي وكبرى المقدمتين هي المشتملة على الحد الأكبر الذي هو محمول النتيجة، كقولنا في المثال السابق: وكل حيوان جسم]، هذا هو محمول النتيجة، [فإنها مشتملة على الحد الأكبر وهو جسم الذي يكون محمولاً في النتيجة، وسمي موضوع النتيجة أصغر لأنه أقل أفرادًا غالبًا من محمولها الذي سُمِّي أكبر لكثرة أفراده]، وهو كذلك، إنسان أقل أفرادًا من جسم، واضح هذا؟ [وسُمِّيَ كل منهما حدًّا لأنه طرف القضية]، واضح هذا؟ المقدمة الصغرى سميت بذلك لاشتمالها على الحد الأصغر الذي هو موضوع النتيجة، المقدمة كبرى هذا يمر بك مع كثير في الأصول والعقيدة وغيرها المقدمة الكبرى لاشتمالها على الحد الأكبر الذي هو محمول النتيجة. وَأَصْغَرٌ فَذَاكَ ذُو انْدِرَاجِ ... وَوَسَطٌ يُلْغَى لَدَى الإِنْتَاجِ ¬

_ (¬1) سبق.

[(وَأَصْغَرٌ) صرف للضرورة (فَذَاكَ)] أي الأصغر (ذُو انْدِرَاجِ) أي مندرج [الأصغر مندرج في مفهوم الأكبر، بسبب اندراجه في الأوسط كما تقدم]، فحينئذ العالم متغير، وكل متغير حادث، أدرجنا الأصل الذي هو العالم في قولنا: متغير، من أجل أن يشمله المحمول الذي هو محمول النتيجة، الذي هو محمول الكبرى، (وَوَسَطٌ يُلْغَى لَدَى الإِنْتَاجِ) يعني الحد المكرر لا يُذكر في النتيجة، كل إنسان حيوان وكل حيوان حيوان، حيوان هذا يلغى عند الإنتاج، بمعنى أنه لا يذكر (ووسط) يعني الحد الأوسط الذي هو مكرر بين المقدمتين [(يُلْغَى لَدَى الإِنْتَاجِ) أي الحد الوسط] وسُمِّيَ بذلك لتوسطه بين طرفي المطلوب، [وهو المكرر في المقدمتين يترك عند الإنتاج فهو كالآلة يُؤتى به عند الاحتياج إليه في التوصل إلى المطلوب ويُترك عند حصوله]. لأنه جيء به من أجل أن يربط بين المقدمتين ومن أجل أن يدخل الموضوع تحت حد الأوسط فينسحب عليه الحكم. ثم قل له مع السلامة فينتهي وضعه. (فَصْلٌ فِي الأَشْكَالِ)، والله أعلم. وصلِّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. - - -

9

عناصر الدرس * فصل في الأشكال. * فصل في الاستثنائي. فَصْلٌ فِي الأَشْكَالِ الشَّكْلُ عِنْدَ هَؤُلاَءِ النَّاسِ ... يُطْلَقُ عَنْ قَضِيَّتَىْ قِيَاسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُعْتَبَرَ الأَسْوَارُ ... إِذْ ذَاكَ بِالضَّرْبِ لَهُ يُشَارُ وَلِلْمُقَدِّمَاتِ أَشْكَالٌ فَقَطْ ... أَرْبَعَةٌ بِحَسَبِ الحَدِّ الوَسَطْ حَمْلٌ بِصُغْرَى وَضْعُهُ بِكُبْرَى ... يُدْعَى بِشَكْلٍ أَوَّلٍ وَيُدْرَى وَحَمْلُهُ فِي الكُلِّ ثَانِيا عُرِفْ ... وَوَضْعُهُ فِي الكُلِّ ثَالِثًا أُلِفْ (فَصْلٌ فِي الأَشْكَالِ). (الشَّكْلُ عِنْدَ هَؤُلاَءِ النَّاسِ) أي المناطقة فهو عام أريد به الخصوص (يُطْلَقُ عَنْ) أي هيئة (قَضِيَّتَىْ قِيَاسِ ** مِنْ غَيْرِ أَنْ تُعْتَبَرَ الأَسْوَارُ)، كقولنا: الإنسان حيوان، والحيوان جسم فهيئة هاتين القضيتين تسمى شكلاً أي نوعًا خاصًا من القياس، (إِذْ) تعليلية، أي لأن (ذاك) الذي اعتبر فيه الأسوار (بِالضَّرْبِ لَهُ يُشَارُ) أي يسمى ضربًا خاصًا من الشكل، فالقضيتان المتقدمتان قريبًا شكل، فإن سورتهما بالكلية قلت: كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم، كانا ضربًا خاصًا من الشكل الأول. (وَلِلْمُقَدِّمَاتِ أَشْكَالٌ فَقَطْ) اسم فعل بمعنى انته مقدم من تأخير، (أَرْبَعَةٌ) بلا زيادة عليها، وهذه الأشكال الأربعة تَحْصُلُ من القياس (بِحَسَبِ) تكرار (الحَدِّ الوَسَطْ) فيه. (حَمْلٌ بِصُغْرَى وَضْعُهُ بِكُبْرَى) أي حمل الحد الوسط في الصغرى ووضعه في الكبرى كالمثال المتقدم قريبًا (يُدْعَى بِشَكْلٍ أَوَّلٍ وَيُدْرَى) أي يسمى عندهم بالشكل الأول. (وَحَمْلُهُ فِي الكُلِّ ثَانِيا عُرِفْ)، أي حمل الحد الوسط في كل من الصغرى والكبرى، عرف عندهم بالشكل الثاني، كقولنا: كل إنسان حيوان ولا شيء من الحجر بحيوان (وَوَضْعُهُ فِي الكُلِّ ثَالِثًا أُلِفْ) أي وُضِع الحد الوسط في كل من الصغرى والكبرى يُسمى عندهم الشكل الثالث، كقولنا: كل إنسان حيوان، وكل إنسان ناطق. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: (فَصْلٌ فِي الأَشْكَالِ) أي في بيانتها وبيان شروطها وما يتعلق بها من أحكام. الشَّكْلُ عِنْدَ هَؤُلاَءِ النَّاسِ ... يُطْلَقُ عَنْ قَضِيَّتَىْ قِيَاسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُعْتَبَرَ الأَسْوَارُ ... إِذْ ذَاكَ بِالضَّرْبِ لَهُ يُشَارُ

[(الشَّكْلُ عِنْدَ هَؤُلاَءِ النَّاسِ) أي المناطقة]، فسر الشارح هنا الناس بالمناطقة، [فهو عام أريد به الخصوص] عام أريد به الخصوص يعني بعض الأفراد ليس كل الناس اللغويين وغيرهم، إنما أراد به اصطلاحًا خاصًا عند المناطقة، وقيده بذلك لأن الشكل عند أهل اللغة لا يختص بذلك، بل يطلق على هيئة الشيء مطلقًا، ولذلك مر معنا أن الصورة هي الشكل كما قال في القاموس، إذًا احترز بـ (عِنْدَ هَؤُلاَءِ النَّاسِ) بإضافته إلى الناس المناطقة عن الشكل عند أهل اللغة فله معنى آخر، إذ هو يطلق على هيئة الشيء مطلقًا، (الشَّكْلُ عِنْدَ هَؤُلاَءِ النَّاسِ) هيئة [أي هيئة (قَضِيَّتَىْ قِيَاسِ)] هنا قدَّر ماذا؟ جعل قضيتي مضافًا لمحذوف، أي هيئة قضيتي مثنى، قضيتي قياس فالأصل قضيتين، حُذف من المضاف النون حينئذ نحتاج إلى ..

هل القضيتان هما الشكل أم هيئة القضيتين لا شك أن الثاني هو الشكل، لذلك نقول: الشكل في اللغة الأصل فيه أنه بمعنى الهيئة، حينئذ إذا كان كذلك فلا بد أن يكون ثَمَّ مقدرًا يطلق عن قضيتي يعني على هيئة قضيتي، أي على هيئتهما أي القضيتين؟ الحاصل أنه باجتماع الصغرى مع الكبرى باعتبار طرفي المطلوب مع الحد الوسط يعني مستوفيًّا للشروط التي ذكرها في القياس السابق، إذ الشكل هذا يطلق على هيئتي قضيتي القياس لكن مع التزام ما مضى، وهو تكرار الحد الوسط وأن يكون النتيجة موضوعها هو الحد الأصغر ومحمولها هو الحد الأكبر، ومشتمل على الأصغر هو الصغرى وتكون مقدمة، والمشتمل على الحد الأكبر الكبرى حينئذ تكون متأخرة، يعني باستيفاء ما مضى، أي على هيئتهما الحاصلة من اجتماع الصغرى مع الكبرى باعتبار طرفي المطلوب يعني النتيجة مع الحد الوسط، واحترز بقوله: (قَضِيَّتَىْ قِيَاسِ) عن قضيتي غير قياس كما لو قلت: كل إنسان حيوان، وكل فرس صهال، فلا تسمى هيئة قضيتين هنا قياسًا، لماذا؟ لعدم وجود الحد الوسط، لأنه لا يمكن أن ينتج إلا إذا وجد الحد المكرر، كل إنسان حيوان، وكل فرس صهال، حينئذ ما الجامع بين القضيتين؟ هذا لا يُسمى شكلاً لعدم وجود الحد الأوسط (مِنْ غَيْرِ أَنْ تُعْتَبَرَ الأَسْوَارُ) أسوار جمع يراد به اثنان فأكثر، وأكثر ما يستعمله الناظم هنا في هذا النظم الجمع المراد به اثنان فأكثر، قيل: هو اصطلاح خاص عند المناطقة أن الجمع أقله اثنان (مِنْ غَيْرِ أَنْ تُعْتَبَرَ الأَسْوَارُ) ظاهر كلام الناظم أن عدم اعتبار الأسوار شرط في الشكل، يعني يكون النظر إلى القضيتين بقطع النظر عن الأسوار ولذلك قال: (مِنْ غَيْرِ أَنْ تُعْتَبَرَ الأَسْوَارُ) هذا شرط عدمي وهو داخل في مفهوم الشكل، ولذلك قال البيجوري: ظاهره أن عدم اعتبار الأسوار شرط في الشكل، كما أن اعتبارها شرط في الضرب، وعلى هذا فبين الشكل والضرب التباين، فثَمَّ اصطلاحان في هذا الفصل شكل وضرب، يجتمعان في أن النظر يكون في قضيتي القياس يعني في الهيئة، في الشكل لا يلتفت إلى الأسوار، وفي الضرب يلتفت إلى الأسوار، إذًا بينهما التباين، يطلق عن أي هيئة (قَضِيَّتَىْ قِيَاسِ) (مِنْ غَيْرِ أَنْ تُعْتَبَرَ الأَسْوَارُ)، يعني لا يلتفت إلى الأسوار في الشكل ... [كقولنا: الإنسان حيوان] هذه مقدمة صغرى، [والحيوان جسم] هذه مقدمة كبرى، المقدمة الصغرى هنا اشتملت على ماذا؟ على موضوع النتيجة وهو الإنسان، والحيوان جسم اشتملت على محمول النتيجة وهو جسم، والحد الأوسط المكرر هو لفظ حيوان، [فهيئة هاتين القضيتين تسمى شكلاً]، هيئة يعني بانتظام القضيتين تركيبهما مع بعض وتقديم الصغرى على الكبرى مع اشتمال الصغرى على الحد الأصغر ووجود الحد الأوسط، واشتمال الكبرى على الحد الأكبر من غير أن يلتفت إلى الأسوار يسمى شكلاً، [تسمى شكلاً أي نوعًا خاصًا من القياس]، (إِذْ ذَاكَ بِالضَّرْبِ لَهُ يُشَارُ)، [(إِذْ) هذه تعليلية، أي لأن (ذَاكَ)] يعني لأن هيئة قضيتي قياس مع اعتبار الأسوار، لا مع عدم اعتبار الأسوار (إِذْ ذَاكَ بِالضَّرْبِ لَهُ يُشَارُ)، [(إِذْ ذَاكَ) الذي اعتبر فيه الأسوار] مع النظر إلى هيئة

القضيتين (بِالضَّرْبِ لَهُ يُشَارُ) يعني يشار له بالضرب، يُسمى ضربًا [أي يسمى ضربًا خاصًا من الشكل، فالقضيتان المتقدمتان قريبًا شكل، فإن سورتهما بالكلية قلت: كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم، كانا ضربًا خاصًا من الشكل الأول]، إذًا فرق بين الشكل والضرب، كل منهما ينظر فيه إلى هيئتي، إلى هيئة قضيتي القياس يعني مع اعتبار ما سبق في باب القياس، ثم إذا نُظِرَ يعني لُوحِظَ فيه الأسوار فهو ضرب، وإن لم يلاحظ فهو شكل، ولا يسمَّى شكلاً مع ملاحظة الأسوار، هذا الذي مشى عليه الناظم، ثَمَّ خلاف مبين في الأطول. والحاصل أن الضرب اسم لهيئة قضيتي القياس الحاصلة من اجتماع الصغرى مع الكبرى، باعتبار طرفي المطلوب مع الحد الوسط، بشرط اعتبار السوار، هذا بالضرب، كأن يلاحظ كون هاتين القضيتين كليتين بخلاف الشكل فإنه اسم للهيئة المذكورة لا بهذا الشرط، بل بشرط عدم اعتبار الأسوار. وَلِلْمُقَدِّمَاتِ أَشْكَالٌ فَقَطْ ... أَرْبَعَةٌ بِحَسَبِ الحَدِّ الوَسَطْ (وَلِلْمُقَدِّمَاتِ) يعني مقدمتين فأكثر على ما مضى (أَشْكَالٌ فَقَطْ) اسم فعل بمعنى انته مقدم من تأخير، الأصل التركيب وللمقدمات أشكال أربعة فقط يعني فقط هذا بعد أربعة، وأربعة متقدم عليه، [(وَلِلْمُقَدِّمَاتِ أَشْكَالٌ فَقَطْ أَرْبَعَةٌ) بلا زيادة عليها، وهذه الأشكال الأربعة تَحْصُلُ من القياس]، أو تُحَصَّلُ من القياس [(بِحَسَبِ) تكرار (الحَدِّ الوَسَطْ) فيه]، يعني بالنظر لأحواله، يعني النظر هنا بالنظر إلى حال الحد الوسط، حينئذ الشكل ينقسم عند المناطقة إلى أربعة أنواع. لماذا انقسم إلى أربعة أنواع؟ لأن الحد الوسط له أربعة أحوال، ولذلك قال: (وَلِلْمُقَدِّمَاتِ أَشْكَالٌ). إذًا جمع شكل وهو المراد هنا (أَرْبَعَةٌ بِحَسَبِ الحَدِّ الوَسَطْ) يعني الذي يحدد الشكل الأول عن الثاني عن الثالث عن الرابع هو حال الحد الوسط يعني له حال كما سيأتي. (حَمْلٌ بِصُغْرَى وَضْعُهُ بِكُبْرَى) يعني يكون الحد الوسط محمولاً بالصغرى موضوعًا في الكبرى، هذا يسمى الشكل الأول، إذا جاء الحد الوسط المكرر في الصغرى محمولاً وفي الكبرى موضوعًا. ....................... ... يُدْعَى بِشَكْلٍ أَوَّلٍ وَيُدْرَى وَحَمْلُهُ فِي الكُلِّ ثَانِيا عُرِفْ ... ...........................

[أي حمل الحد الوسط في الصغرى] بجعله محمولاً [ووضعه في الكبرى] بجعله موضوعًا كما [كالمثال المتقدم قريبًا] كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم، المثال السابق: كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم، ما هو الحد الوسط؟ حيوان، أين هو في المقدمة الصغرى؟ محمول أين هو في المقدمة الكبرى؟ موضوع، هذا يسمى ماذا؟ يسمى شكلاً أولاً (يُدْعَى بِشَكْلٍ أَوَّلٍ وَيُدْرَى) يعني ويدرى بشكل أول، حذف من الثاني لدلالة الأول عليه، [أي يسمى عندهم بالشكل الأول (وَحَمْلُهُ فِي الكُلِّ ثَانِيا عُرِفْ)] يعني كون الحد الوسط محمولاً في المقدمة الصغرى والكبرى يُسمى شكلاً ثانيًا، [أي حمل الحد الوسط في كل من الصغرى والكبرى عرف] أي سُمِّيَ [عندهم] عند المناطقة [بالشكل الثاني، كقولنا: كل إنسان حيوان ولا شيء من الحجر بحيوان]، أين الحد الوسط؟ حيوان، محمول في الصغرى، كل إنسان حيوان، وكذلك هو محمول في الكبرى، ولا شيء من الحجر بحيوان، هذا يسمى [شكلاً أولاً] (¬1) شكلاً ثانيًا (وَوَضْعُهُ فِي الكُلِّ) بأن يكون موضوعًا في المقدمتين الصغرى والكبرى، ثالثًا أُلِفَ شكلاً (ثَالِثًا)، ثالث هذا نعت لمحذوف و (أُلِفْ) بمعنى سُمِّيَ أو عُرِفَ أي وُضِع الحد الوسط في كل من الصغرى والكبرى أو وضع الحد الأكبر اثنان ##، أو [وَضْع الحد الوسط في كل من الصغرى والكبرى يُسمى عندهم الشكل الثالث، كقولنا: كل إنسان حيوان، وكل إنسان ناطق]، إنسان هو الحد الوسط وهو موضوع في الصغرى موضوع في الكبرى. - - - وَرَابِعُ الأَشْكَالِ عَكْسُ الأَوَّلِ ... وَهْيَ عَلَى التَّرْتِيبِ فِي التَّكَمُّلِ (وَرَابِعُ الأَشْكَالِ عَكْسُ الأَوَّلِ) أي والشكل الرابع هو عكس الشكل الأول، فيكون الحد الوسط فيه موضوعًا في الصغرى محمولاً في الكبرى كقولنا: كل إنسان حيوان، وكل ناطق إنسان (وَهْيَ عَلَى التَّرْتِيبِ فِي التَّكَمُّلِ) أي وهذه الأشكال الأربعة على الترتيب في الأكملية فأكملها الأول، ثم الثاني، ثم الثالث، ثم الرابع لأن كل واحد أوضح في الإنتاج مما بعده. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ ¬

_ (¬1) سبق.

(وَرَابِعُ الأَشْكَالِ عَكْسُ الأَوَّلِ) ورابع الأشكال عكس الأول أي ... [والشكل الرابع] من حيث الحد الوسط [هو عكس الشكل الأول فيكون الحد الوسط فيه موضوعًا في الصغرى محمولاً في الكبرى] عكس السابق، السابق يكون محمولاً في الصغرى موضوعًا في الكبرى هنا العكس [كقولنا: كل إنسان حيوان، وكل ناطق إنسان]، إنسان هو الحد الوسط الذي هو موضوع في الصغرى محمول في الكبرى، واضح هذا؟ إذًا الأشكال أربعة، وتقسيم الأشكال إلى أربعة أنواع بالنظر إلى حال الحد الوسط على ما سبق (وَهْيَ عَلَى التَّرْتِيبِ فِي التَّكَمُّلِ)، (وَهْيَ) أي الأشكال (عَلَى التَّرْتِيبِ فِي التَّكَمُّلِ) يعني أي هذه الأشكال أكمل من الثاني [على الترتيب] الأول أكملها أعلاها، ثم الثاني أكمل من الثالث، ثم الثالث أكمل من الرابع، والرابع أدنى من الثالث، والثالث أدنى من الثاني، والثاني أدنى من الأول، إذًا أي الأشكال أقوى عند المناطقة؟ هو الأول ثم على الترتيب [أي وهذه الأشكال الأربعة على الترتيب في الأكملية فأكملها الأول، ثم الثاني، ثم الثالث، ثم الرابع لأن كل واحد أوضح في الإنتاج مما بعده]، يعني العبرة هنا بماذا؟ بالإنتاج لأن الأشكال لو قيل من حيث هي ليس كل شكل يُنتج، بل هذه الأربعة ليست كلها منتجة، يعني بعضها عقيم، فنتيجته تكون كاذبة فاسدة، فحينئذ الأول أوضحها في الإنتاج، ثم الثالث، ثم الرابع. - - - فَحَيْثُ عَنْ هَذَا النِّظَامِ يُعْدَلُ ... فَفَاسِدُ النِّظَامِ أَمَّا الأَوَّلُ فَشَرْطُهُ الإِيجَابُ فِي صُغْرَاهُ ... وَأَنْ تُرَى كُلِّيَّةً كُبْرَاهُ (فحيث عن هذا النظام يُعدل) أي وحيث يُعدل عن هذا الترتيب بأن لم يتكرر الحد الوسط (فَـ) القياس (فَاسِدُ النِّظَامِ) كقولنا: كل إنسان حيوان، وكل فرس صهال، بل لا يسمى قياسًا لأن القياس عندهم ما استلزم النتيجة، وهذا لا نتيجة له لعدم تكرار وسطٍ فيه، ثم شرع في شروط إنتاج الأشكال مبتدئًا بالأول فقال: (أَمَّا) الشكل (الأَوَّلُ)، (فَشَرْطُهُ) أي شرط إنتاجه (الإيجاب في صغراه كلية كانت أو جزئية ... (وَأَنْ تُرَى كُلِّيَّةً كُبْرَاهُ) موجبة أو سالبة، فيحصل من ذلك أربع صور من ضرب الموجبتين الصُّغْرَيَيْنِ في الكليتَيْنِ الكُبْرَيَيْنِ فضروبه المنتجة أربعة: الأول: من موجبتين كليتين نحو: كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم، والنتيجة موجبة كلية وهي كل إنسان جسم. الثاني: من موجبة كلية صغرى، وسالبة كلية كبرى، نحو: كل إنسان حيوان، ولا شيء من الحيوان بحجر. الثالث: من موجبة جزئية صغرى، وموجبة كلية كبرى، نحو: بعض الحيوان إنسان، وكل إنسان ناطق، والنتيجة موجبة جزئية وهي بعض الحيوان ناطق.

الرابع: من موجبة جزئية صغرى وسالبة كلية كبرى نحو: بعض الحيوان إنسان، ولا شيء من الإنسان بفرس، والنتيجة سالبة جزئية وهي: ليس بعض الحيوان بفرس. وخرج باشتراط إيجاب الصغرى ما لو كانت سالبة كلية أو جزئية، فلا إنتاج لها مع كبريات الأربع: فهذه ثمانية كلها عقيمة، وخرج باشتراط كلية الكبرى ما لو كانت الكبرى جزئية موجبة أو سالبة فلا إنتاج لها مع الموجبتين الصغريين، فهذه أربعة أضرب عقيمة أيضًا، فعلم أن المنتج من الشكل الأول أربعة أَضْرُب، وأن العقيم منه اثنا عشر، ثمانية خارجة باشتراط إيجاب الصغرى، وأربعة خارجة باشتراط كلية الكبرى. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ فَحَيْثُ عَنْ هَذَا النِّظَامِ يُعْدَلُ ... فَفَاسِدُ النِّظَامِ ......... يعني إذا لم يكن الحد الوسط على النمط المذكور في الأشكال الأربعة فهو فاسد النظام، يعني لا يكون منتجًا البتة، [(فحيث عن هذا النظام يُعدل) أي وحيث يُعدل عن هذا الترتيب بأن لم يتكرر الحد الوسط] على النمط السابق في الأشكال الأربعة (فَـ) القياس (فَاسِدُ النِّظَامِ) يعني ترتيبه فاسد، [كقولنا: كل إنسان حيوان، وكل فرس صهال]. هذا لا يُنتج لعدم وجود الحد الوسط أصلاً، وهذا انتفى عنه شرط تكرار الحد الوسط أو وجوده، [بل لا يسمى قياسًا] كما مر معنا [لأن القياس عندهم ما استلزم النتيجة، وهذا لا نتيجة له لعدم تكرار وسطٍ فيه]، واضح؟. [ثم شرع في شروط إنتاج الأشكال مبتدئًا بالأول (فَفَاسِدُ النِّظَامِ)] (أَمَّا الأَوَّل) الشكل الأول حمل بصغرى ووضعه بكبرى هل كلما وُجِد الشكل الأول بهذا النمط يكون منتجًا؟ الجواب: لا، لا بد من شرطين، يعني مع كون الحد الوسط محمولاً في الصغرى موضوعًا مع الكبرى لا يلزم منه الإنتاج مطلقًا، بل لا بد من تعيين نوعية المقدمة الصغرى، وكذلك نوعية المقدمة الكبرى من حيث الكم والكيف، حينئذ نقول: (أَمَّا الأَوَّلُ) يعني [الشكل] الأول [(فَشَرْطُهُ) أي شرط إنتاجه (الإيجاب في صغراه وأن ترى كلية كبراه شرطه)، ومعلوم أن الشرط ما يلزم [من وجوده] (¬1) من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود، إذًا لا بد أن يتحقق هذا الشرط في الشكل الأول من أجل أن يُنتج، فإن تخلف فلا إنتاج، ولذلك سيذكر الشارح كغيره يذكرون الأمثلة .. إلى آخره هذا لا يحفظ، وإنما تَضْبِط الشرط فقط، فإذا تحقق الشرط الوجودي حينئذ أنتج، إن انتفى الشرط الأول أو انتفى الشرط الثاني ولو مع وجود الأول أو انتفى الشرطان فهو عقيم، لا يحتاج إلى ذكر الأمثلة التي يذكرها الشراح، (فَشَرْطُهُ الإِيجَابُ فِي صُغْرَاهُ) يعني أن تكون الصغرى موجبة، هنا شرط في ماذا؟ في الكم أو في الكيف؟ في الكيف أن يكون موجبًا والكم مطلق، إذًا (فَشَرْطُهُ الإِيجَابُ فِي صُغْرَاهُ) سواء ... [كانت كلية أو جزئية]، فلا نظر في المقدمة الصغرى من حيث الكم، وإنما الشرط من حيث الكيف، حينئذ إذا وُجِد شرط الأول وهو (الإِيجَابُ فِي صُغْرَاهُ) حينئذ نقول: مع وجود الشرط الثاني أنتج، وإن كانت الصغرى سالبة فحينئذ نقول: تخلف الشرط فلا إنتاج، وأن تُرى كلية كبراه، هذا شرط من حيث الكم لا من حيث الكيف. ¬

_ (¬1) سبق.

إذًا [(فَشَرْطُهُ الإِيجَابُ فِي صُغْرَاهُ) كلية كانت أو جزئية (وَأَنْ تُرَى كُلِّيَّةً)] أن تكون المقدمة الكبرى كلية سواء كانت سالبة أو موجبة، فشرطه أي شرط إنتاجه (الإِيجَابُ فِي صُغْرَاهُ) كلية كانت أو جزئية ... [(وَأَنْ تُرَى كُلِّيَّةً كُبْرَاهُ) موجبة أو سالبة] حينئذ الشرط الأول من حيث الكيف أن تكون الصغرى موجبة سواء كانت كلية أو جزئية. والشرط الثاني من حيث الكم: أن تكون الكبرى كلية سواء كانت موجبة أو سالبة لتحقق هذين الشرطين أنتج الشكل الأول، إن انتفيا أو انتفى أحدهما فلا إنتاج تضبطه هكذا، هذا أيسر في الضبط، [فيحصل من ذلك أربع صور من ضرب] اثنين في اثنين لأن الأولى إيجاب في صغراه كلية أو جزئية، والثاني كلية سالبة أو موجبة، اثنان في اثنين بأربعة، إذًا الذي يُنتج من الشكل الأول أربعة، واثنا عشر عقيم، لماذا؟ لأن كل شكل من هذه الأربعة الأصل في القياس أن يكون ستة عشر، لأن الأولى أربعة، والثانية أربعة لأن الأحوال أربعة الأقسام الحملية السابقة معنا، أربعة في أربعة ستة عشر هذا الأصل، لكنها ليست منتجة، وإنما المنتج ما توفر أو وُجِدَ فيه الشرطان المذكوران وهي أربعة، والاثنا عشر تكون عقيمة ليست منتجة، ولا تحفظ الاثني عشر وإنما تعرفها وتضبطها من حيث وجود الشرط، فإذا انتفى الشرط بأن كانت الأولى مثلاً سالبة، أو كانت الثانية ليست كلية بل جزئية، حينئذ نقول: لا إنتاج. [فيحصل من ذلك أربع صور من ضرب الموجبتين الصُّغْرَيَيْنِ في الكليتَيْنِ الكُبْرَيَيْنِ فضروبه المنتجة أربعة]، واضح هذا؟ لأن الصغرى إذا قلنا: الإيجاب صار ماذا؟ صار ثنتين جزئية وكلية، والثانية قلنا: كلية وهي اثنتان سالبة أو موجبة، اثنان في اثنين بأربعة: [الأول: من موجبتين كليتين نحو: كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم]، الأولى كلية وهي موجبة، والثانية كلية وهي موجبة، [والنتيجة موجبة كلية وهي كل إنسان جسم]. [الثاني: من موجبة كلية صغرى، وسالبة كلية كبرى، نحو: كل إنسان حيوان، ولا شيء من الحيوان بحجر]، انظر الأولى موجبة بقطع النظر عن كونها كلية أو لا، ولا شيء من الحيوان بحجر الثانية سالبة وهي كلية، والنتيجة سالبة كلية، وهي لا شيء من الإنسان بحجر. [الثالث: من موجبة جزئية صغرى وموجبة كلية كبرى نحو: بعض الحيوان إنسان، وكل إنسان ناطق، والنتيجة موجبة جزئية وهي بعض الحيوان ناطق]. [الرابع: من موجبة جزئية صغرى وسالبة كلية كبرى نحو: بعض الحيوان إنسان، ولا شيء من الإنسان بفرس، والنتيجة سالبة جزئية وهي: ليس بعض الحيوان بفرس].

هذه أربعة أنواع من الشكل الأول وكلها منتجة وكلها إذا تأملتها وجدت أنها وجد فيها الشرطان، الأولى موجبة بقطع النظر عن كونها كلية أو جزئية، والثانية كلية بقطع النظر عن كونها سالبة أو موجبة، حينئذ صارت النتيجة أربعة أنواع، [وخرج باشتراط إيجاب الصغرى ما لو كانت سالبة كلية أو جزئية]، فلا تنتج، لو كانت الصغرى سالبة سواء كانت جزئية أو كلية، [فلا إنتاج لها مع كبريات الأربعة] الثانية، يعني يُتَصَوَّر في الأولى أن تكون ماذا؟ سالبة سواء كانت كلية أو جزئية، اثنتان سالبة جزئية، سالبة كلية، هذا انتفاء الشرط مع كبريات الأربعة التي تكون في الثانية كلية جزئية وعلى كلٍّ إما موجبة أو سالبة، اثنان في أربع بثمانية، إذًا تَخَلُّف الشرط الأول من إنتاج الشكل الأول يخرج به ثمان عقيمة، ثمانية أضرب عقيمة، ولذلك قال: [وخرج باشتراط إيجاب الصغرى ما لو كانت سالبة كلية أو جزئية] هذان ثنتان [فلا إنتاج لها]، لو قال لهما [مع الكبريات الأربعة]: اثنان في أربع [فهذه ثمانية كلها عقيمة] لماذا؟ لعدم توفر الشرط الأول، [وخرج باشتراط كلية الكبرى] الثاني [ما لو كانت الكبرى جزئية موجبة أو سالبة فلا إنتاج لها مع الموجبتين الصغريين]، اثنان في اثنين، [فهذه أربعة أضرب عقيمة أيضًا]، ثمانية وأربع اثنا عشر، مع الأربعة المنتجة ستة عشر، هذا الأصل لأن القسمة العقلية ستة عشر، أربعة في أربعة بستة عشر، الذي وُجِدَ منه إنتاج هو الأربعة، ... [فهذه أربعة أضرب عقيمة أيضًا] وهذه أربعة أضرب عقيمة أيضًا [فعلم أن المنتج من الشكل الأول أربعة أَضْرُب، وأن العقيم منه اثنا عشر، ثمانية خارجة باشتراط إيجاب الصغرى، وأربعة خارجة باشتراط كلية الكبرى]. إذًا الذي يُضْبَط هو حقيقة الشكل الأول حمل بصغرى وضعه بكبرى يُشترط فيه إيجاب الصغرى كلية الكبرى المنتج أربعة، والأمثلة واضحة. - - - وَالثَّانِ أنْ يَخْتَلِفَا فِي الكَيْفِ مَعْ ... كُلِّيَّةِ الكُبْرَى لَهُ شَرْطٌ وَقَعْ (وَ) الشكل (الثَّانِ أنْ يَخْتَلِفَا) مقدمتاهما أي اختلافهما (فِي الكَيْفِ) بأن تكون إحداهما موجبة والأخرى سالبة (مَعْ كُلِّيَّةِ الكُبْرَى لَهُ) أي للشكل الثاني (شَرْطٌ وَقَعْ) أي واقع له فيصدق ذلك بكون الكبرى كلية موجبة أو سالبة، فإن كانت موجبة لم تُنتج إلا مع السالبتين الصغريين، وإن كانت سالبة لم تُنتج إلا مع الموجبتين الصغريين فضروبه المنتجة حينئذ أربعة: الأول: من موجبة كلية صغرى وسالبة كلية كبرى، نحو: كل إنسان حيوان، ولا شيء من الحجر بحيوان، والنتيجة سالبة كلية، وهي لا شيء من الإنسان بحجر. الثاني: عكسه، نحو: لا شيء من الحجر بحيوان، وكل إنسان حيوان، والنتيجة سالبة كلية وهي لا شيء من حجر بإنسان. الثالث: من موجبة جزئية صغرى وسالبة كلية كبرى نحو: بعض الحيوان إنسان، ولا شيء من الفرس بإنسان، والنتيجة سالبة جزئية وهي: ليس بعض الحيوان بفرس.

والرابع: من سالبة جزئية صغرى وموجبة كلية كبرى نحو: ليس بعض الحيوان بإنسان، وكل ناطق إنسان، والنتيجة سالبة جزئية وهي: ليس بعض الحيوان بناطق، وخرج بشرط اختلافهما في الكيف ما لو اتفقتا بأن كانتا موجبتين أو سالبتين كليتين أو جزئيتين أو الأولى كلية والثانية جزئية أو بالعكس فلا إنتاج لها. فهذه ثمانية أضرب خرجت باختلاف الكيف كلها عقيمة، وخرج باشتراط كلية الكبرى ما لو كانت جزئية موجبة فلا إنتاج لها مع السالبتين الصغريين، أو جزئية سالبة فلا إنتاج لها مع الموجبتين الصُّغْرَيَيْنِ، فهذه أربعة عقيمة أيضًا خرجت باشتراط كلية الكبرى فجملة عقيم اثنا عشرة نوعًا كالأول. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ [(وَ) الشكل (الثَّانِ)]، ما هو الثاني؟ لا، ما هو الشكل الثاني؟ . حمل في الصغرى وحمل في الكبرى أن يكون محمولاً فيهما، إذًا ماذا قال فيما مضى؟ (وَحَمْلُهُ فِي الكُلِّ ثَانِيا عُرِفْ) إذًا أن يكون محمولاً في الصغرى وفي الكبرى، (وَ) الشكل (الثَّانِ أنْ يَخْتَلِفَا) يعني [مقدمتاهما أي اختلافهما (فِي الكَيْفِ) بأن تكون إحداهما موجبة والأخرى سالبة]، هذا الشرط الأول يعني يشترط لإنتاج الشكل الثاني وهو كون الحد الوسط محمولاً في المقدمتين الصغرى والكبرى شرطان: أولاً: أن يختلف المقدمتان بالسلب والإيجاب، إذا كانت الصغرى موجبة فالكبرى سالبة، إذًا كانت الصغرى سالبة فالكبرى موجبة، إذًا سالبتان لا إنتاج، موجبتان لا إنتاج، واضح هذا؟ أن يختلفا في الكيف بأن تكون إحداهما موجبة والأخرى سالبة [(مَعْ كُلِّيَّةِ الكُبْرَى لَهُ) أي بالشكل الثاني (شَرْطٌ وَقَعْ) أي واقع له]. إذًا الشرط الثاني كلية كبرى وافق الشكل الأول؟ وافق الشكل الأول بالشرط الثاني. إذًا يشترط لإنتاج الشرط الثاني شرطان:

الأول اختلافهما في الكيف الثاني كلية الكبرى، [فيصدق ذلك بكون الكبرى كلية موجبة أو سالبة]، كالشكل السابق لأنه أطلق الكلية، فالشرط الأول باعتبار الكيف والشرط الثاني باعتبار الكم، وأن تُرى كلية كبراه مع كلية الكبرى سواء كانت سالبة أو موجبة [فيصدق ذلك بكون الكبرى كلية موجبة أو سالبة فإن كانت موجبة لم تُنتج إلا مع السالبتين الصغريين]، هذا إن كانت سالبة إن كانت ماذا؟ فإن كانت موجبة، الثانية الكبرى إن كانت موجبة كلية موجبة لم تنتج إلا مع السالبتين الصغريين، [وإن كانت المقدمة الكبرى كلية سالبة لم تُنتج إلا مع الموجبتين الصغريين فضروبه المنتجة حينئذ أربعة] بالاستقراء والتتبع، يعني ما وجد فيه الشرطان السابقان. [الأول من موجبة كلية صغرى وسالبة كلية كبرى]، موجبة كلية صغرى وسالبة إذًا وجد الشرط الأول الصغرى موجبة والثانية سالبة، ووجد الشرط الثاني وهو الكلية الكبرى، [نحو: كل إنسان حيوان، ولا شيء من الحجر بحيوان، والنتيجة سالبة كلية، وهي لا شيء من الإنسان بحجر]، سيأتي ضابط النتيجة كيف تأخذها من المقدمتين، [الثاني: عكسه] يعني سالبة كلية صغرى من سالبة كلية صغرى وموجبة كلية كبرى عكس السابق، [نحو: لا شيء من الحجر بحيوان، وكل إنسان حيوان، والنتيجة سالبة كلية وهي لا شيء من حجر بإنسان. الثالث: من موجبة جزئية صغرى وسالبة كلية كبرى نحو: بعض الحيوان إنسان، ولا شيء من الفرس بإنسان، والنتيجة سالبة جزئية وهي: ليس بعض الحيوان بفرس. والرابع: من سالبة جزئية صغرى وموجبة كلية كبرى نحو: ليس بعض الحيوان بإنسان، وكل ناطق إنسان، والنتيجة سالبة جزئية وهي: ليس بعض الحيوان بناطق، تطبق عليها الشرطين حينئذ يتضح لك الأمر، وخرج بشرط اختلافهما في الكيف يعني خرج بشرط الأول ما لو اتفقتا بأن كانتا موجبتين أو سالبتين كليتين أو جزئيتين أو الأولى كلية] يعني موجبة والثانية جزئية موجبة [أو بالعكس]، الأولى موجبة جزئية والثانية موجبة كلية، إذًا إذا اتفقتا حينئذ نقول: لا إنتاج، سالبتين كليتين، أو موجبتين، أو جزئيتين سالبتين، أو موجبتين حينئذ خطأ لماذا؟ لأن الشرط الاختلاف، فإذا اتفقتا حينئذ نقول: لا إنتاج. أو الأولى موجبة كلية والثانية موجبة جزئية أو العكس [فلا إنتاج لها]. [فهذه ثمانية أضرب خرجت باختلاف الكيف كلها عقيمة]، قالوا: لأنهما إما أن يكونا موجبتين أو سالبتين وعلى كلٍّ إما أن يكونا كليتين أو جزئيتين أو الصغرى كلية والكبرى جزئية، أو الصغرى جزئية والكبرى كلية، على ما ذكره الشارح في عبارة أخرى، [فهذه ثمانية أضرب خرجت باختلاف الكيف كلها عقيمة، وخرج باشتراط كلية الكبرى ما لو كانت جزئية]، لو كانت الكبرى [جزئية موجبة] مع كون الفرض أنهما اختلفا في الكيف فحينئذ [فلا إنتاج لها مع السالبتين الصغريين، أو جزئية سالبة] يعني كانت الكبرى جزئية سالبة [فلا إنتاج لها مع الموجبتين الصُّغْرَيَيْنِ فهذه أربعة عقيمة أيضًا، خرجت باشتراط كلية الكبرى فجملة عقيم اثنا عشرة نوعًا]، يعني الشكل الثاني قريب من الشكل بل هو مطابق للشكل الأول، المنتج أربع والعقيم اثنا عشر، إذًا الشكل الثاني حمله في الكل يشترط فيه شرطان:

الأول: باعتبار الكيف وهو اختلافهما سلبًا وإيجابًا. والثاني: أن تُرى كلية كبراه كالشكل الأول. إن وجد الشرطان حينئذ الإنتاج وهو محصور في أربعة، إن تخلف أحد الشرطين أو هما فلا إنتاج وهو اثنا عشر ضربًا عقيمًا، وهذا أوضح من حيث الضبط. - - - وَالثَّالِثُ الإِيجَابُ فِي صُغْرَاهُمَا ... وَأَنْ تُرَى كُلِّيَّةً إِحْدَاهُمَا (وَ) الشكل (الثَّالِثُ) شرطه (الإِيجَابُ فِي صُغْرَاهُمَا) أي المقدمتين، سواء كانت كلية أو جزئية (وَأَنْ تُرَى كُلِّيَّةً إِحْدَاهُمَا) أي المقدمتين الصغرى أو الكبرى فإن كانت الصغرى موجبة كلية أنتجت مع الكبريات الأربع لوجود الشرطين فيها، وإن كانت موجبة جزئية لم تُنتج إلا مع الكليتين الكبريين فضروبه المنتجة ستة: الأول: من موجبتين كليتين نحو: كل إنسان حيوان، وكل إنسان جسم، والنتيجة جزئية وهي: بعض الحيوان جسم. الثاني: من موجبة كلية صغرى وسالبة كلية كبرى نحو: كل إنسان حيوان، ولا شيء من الإنسان بحجر، والنتيجة سالبة جزئية، وهي ليس بعض الحيوان بحجر. الثالث: من موجبة جزئية صغرى وموجبة كلية كبرى نحو: بعض الحيوان إنسان، وكل حيوان جسم، والنتيجة موجبة جزئية، وهي بعض الإنسان جسم. الرابع: من موجبة كلية صغرى وموجبة جزئية كبرى نحو: كل حيوان جسم، وبعض الحيوان إنسان، والنتيجة موجبة جزئية، وهي بعض الجسم إنسان. الخامس: من موجبة جزئية صغرى وسالبة كلية كبرى نحو: بعض الحيوان إنسان، ولا شيء من الحيوان بحجر، والنتيجة ليس بعض الإنسان بحجر. السادس: من موجبة كلية صغرى وسالبة جزئية كبرى نحو: كل إنسان حيوان، وبعض الإنسان ليس بكاتب، والنتيجة سالبة جزئية وهي: ليس بعض الحيوان بكاتب. وخرج باشتراط إيجاب الصغرى ما لو كانت سالبة كلية أو جزئية فلا تنتج مع الكبريات الأربع، فهذه ثمانية كلها عقيمة، وباشتراط كلية إحداهما ما لو كانت الصغرى موجبة جزئية مع الجزئيتين الكبريين الموجبة والسالبة فلا إنتاج لها فهذان ضربان عقيمان فجملة عقيم هذا الشكل عشرة، والمنتج منه ستة قد تقدمت. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ يعني [(وَ) الشكل (الثَّالِثُ)] ما ضابط؟ وضعه في الكلي، أن يكون الحد الأوسط موضوعًا في الصغرى والكبرى هل يُنتج مطلقًا، لا، وإنما بشرطين: الأول: الإيجاب في صغراهما يعني في صغرى المقدمتين أن تكون موجبة. الثاني: أن ترى كلية إحداهما. الشكل الأول والثاني الشرط في الكلية أن يكون مقدمة الكبرى، وأما هنا فلا، أن تكون إحدى المقدمتين كلية سواء كانت الأولى الصغرى أو الكبرى، لكن الصغرى يجب أن تكون موجبة هذان شرطان: الأول يتعلق بالكيف. والثاني يتعلق بالكم.

[(وَ) الشكل (الثَّالِثُ) شرطه (الإِيجَابُ فِي صُغْرَاهُمَا) أي المقدمتين، سواء كانت كلية أو جزئية هاتان صورتان [(وَأَنْ تُرَى كُلِّيَّةً إِحْدَاهُمَا) أي المقدمتين الصغرى أو الكبرى فإن كانت الصغرى موجبة كلية أنتجت مع الكبريات الأربع]- التي ذكرناها سابقا كلية وإما جزئية وعلى كلٍّ إما موجبة أو سالبة – [لوجود شرطين فيها، وإن كانت موجبة جزئية لم تُنتج إلا مع الكليتين الكبريين فضروبه المنتجة ستة]، زاد على الأول والثاني بضربين، إذًا الشكل الثالث الصور أو الأضرب المنتجة ستة: [الأول: من موجبتين كليتين نحو: كل إنسان حيوان، وكل إنسان جسم، والنتيجة جزئية وهي: بعض الحيوان جسم. الثاني: من موجبة كلية صغرى وسالبة كلية كبرى نحو: كل إنسان حيوان، ولا شيء من الإنسان بحجر، والنتيجة سالبة جزئية، وهي ليس بعض الحيوان بحجر. الثالث: من موجبة جزئية صغرى وموجبة كلية كبرى نحو: بعض الحيوان إنسان، وكل حيوان جسم، والنتيجة موجبة جزئية، وهي بعض الإنسان جسم. الرابع: من موجبة كلية صغرى وموجبة جزئية كبرى نحو: كل حيوان جسم، وبعض الحيوان إنسان، والنتيجة موجبة جزئية، وهي بعض الجسم إنسان. الخامس: من موجبة جزئية صغرى وسالبة كلية كبرى نحو: بعض الحيوان إنسان، ولا شيء من الحيوان بحجر، والنتيجة ليس بعض الإنسان بحجر. السادس: من موجبة كلية صغرى وسالبة جزئية كبرى نحو: كل إنسان حيوان، وبعض الإنسان ليس بكاتب، والنتيجة سالبة جزئية وهي: ليست بعض الحيوان بكاتب]. هذه ستة أضرب طَبِّق عليها الشرطين السابقين تجدهما كما هما [وخرج باشتراط إيجاب الصغرى ما لو كانت سالبة] قطعًا هذا، إذا قلنا: صغرى موجبة حينئذ إذا كانت سالبة كلية أو جزئية لا إنتاج، [وخرج باشتراط إيجاب الصغرى ما لو كانت سالبة كلية أو جزئية فلا تنتج مع الكبريات الأربع، فهذه ثمانية كلها عقيمة]، يعني الثانية تكون أربع أحوال اثنين في أربعة بثمانية عقيمة، [وباشتراط كلية إحداهما ما لو كانت الصغرى موجبة جزئية مع الجزئيتين الكبريين]، الأولى تكون جزئية والثانية جزئيتين كبريين حينئذ لا إنتاج لماذا؟ لأنه لم تكن إحدى المقدمتين كلية حينئذ لا إنتاج [وباشتراط كلية إحداهما ما لو كانت الصغرى موجبة جزئية مع جزئيتين كبريين الموجبة والسالبة فلا إنتاج لها فهذان ضربان عقيمان]، يعني خرج بالشرط الثاني وهو كلية إحداهما ضربان، لأنه إذا لم تكن إحداهما كلية مع كون الفرض أن الصورة موجبة، فإما أن تكون الكبرى موجبة أو سالبة هذان ضربان، وخرجا، [فجملة عقيم هذا الشكل عشرة] لأن المنتج ستة، إذا عرفت المنتج أنه ستة عرفت أن الذي خرج عشرة، [والمنتج منه ستة قد تقدمت]. - - - وَرَابِعٌ عَدَمُ جَمْعِ الخِسَّتَيْنْ ... إِلاَّ بِصُورَةٍ فَفِيهَا يَسْتَبِينْ

(وَرَابِعٌ) أي وشكل رابع شرطه (عَدَمُ جَمْعِ الخِسَّتَيْنْ) من جنس كسالبتين، أو جزئيتين أو من جنسين كسالبة وجزئية، ولو في مقدمة واحدة، ومحل هذا الشرط إن لم تكن الصغرى موجبة جزئية، فإن كانت موجبة جزئية فشرطه كون الكبرى سالبة كلية – كما يأتي - فإن كانت الصغرى موجبة كلية أنتجت مع غير السالبة الجزئية الكبرى، وإن كانت الصغرى سالبة كلية أنتجت مع الموجبة الكلية الكبرى، وإن كانت سالبة جزئية لم تنتج لاجتماع الخستين فيها فحصل من ذلك أربعة أضرب: ثلاثة مع الموجبة الكلية الصغرى، وواحد مع السالبة الكلية الكبرى أيضًا، وهذا كما عرفت في غير الصغرى التي استثناها المصنف بقوله: (إِلاَّ بِصُورَةٍ فَفِيهَا [يَسْتَبِينْ]) أي يظهر فيها جمع الخستين من جنسين في مقدمتين. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

(وَرَابِعٌ) عدم جمع الخستين إلا بصورة، إلا في الباء بمعنى في، فيها ... [تستبين] وفي نسخة [يستبين] صغراهما موجبة جزئية كبراهما سالبة كلية، [(وَرَابِعٌ) أي وشكل رابع]، الشكل الرابع ليس له إلا شرط واحد، ما ضابط الشكل الرابع؟ أي عكس الأول، أي وشكل رابع [شرطه ... (عَدَمُ جَمْعِ الخِسَّتَيْنْ)] يعني يُشترط لإنتاجه شرط واحد وهو (عَدَمُ جَمْعِ الخِسَّتَيْنْ)، عرفنا الخستان ما هما؟ السلب والجزئية، إلا في صورة واحدة استثناها الناظم، إلا بصورة يعني في صورة، ففيها تستبين، يعني يظهر جمع الخستين، السين هنا والتاء زائدتان، صغراهما موجبة جزئية كبراهما سالبة، إذًا اجتمع الخستان هنا إما باعتبار الاثنين أو باعتبار الواحد، يعني لو وُجد الصغرى السالبة والكبرى جزئية اجتمع خستان لكن باعتبار مقدمتين، وإن وجد أن الصغرى سالبة جزئية والكبرى كلية موجبة، كذلك وجد فيه الخستان.

إذًا النظر هنا من من الجهتين، عدم جمع الخستين سواء كانتا من جنسين، جنس الكم وجنس الكيف، أو من جنس واحد إلا في الصورة المستثناة، ولذلك قال الشارح: [من جنس كسالبتين] هذا خسة، أو [جزئيتين أو من جنسين كسالبة وجزئية] فهو أعم، [ولو في مقدمة واحدة] يعني قد يكون اجتماع الخستين باعتبار المقدمتين معًا، وقد يكون باعتبار مقدمة واحدة يعني النظر يكون فيه من جهتين، إما في مقدمة واحدة اجتمع فيها الخستان فلا ## فشرطه الشكل الرابع، أو باعتبار المقدمتين، [ومحل هذا الشرط] وهو عدم جمع الخستين [إن لم تكن الصغرى موجبة جزئية فإن كانت موجبة جزئية فشرطه كون الكبرى سالبة كلية] يعني الذي استثناها الناظم إلا محل - لو لم يذكره هنا كان أجود – [ومحل هذا الشرط إن لم تكن الصورة موجبة جزئية] إلا بصورة ففيها تستبين صغرهما موجبة جزئية، طيب فإن كانت موجبة جزئية فشرطه في الإنتاج كون الكبرى سالبة، كبراهما سالبة كلية، يعني محل هذا الشرط عدم اجتماع الخستين إلا في الصورة المستثناة، فاجتمع فيه خستان ومع ذلك أنتج، إلا بصورة يعني في صورة ففيها تستبين يستبين جمع الخستين ومع ذلك أنتج، يعني تخلف الشرط ووجد الإنتاج، صغراهما موجبة جزئية، هذه خسة، كبراهما سالبة، إذًا هذه خسة، نقول: هذا أنتج لكنه مستثنى [فإن كانت الصغرى موجبة كلية أنتجت مع غير السالبة الجزئية الكبرى]، إن كانت الصغرى موجبة كلية أنتجت مع غير السالبة الجزئية، السالبة الجزئية واضحة اجتمع فيها مقدمة واحدة، إذًا إذا كانت الصورة موجبة كلية وكانت الكبرى سالبة جزئية فلا إنتاج، [وإن كانت الصغرى سالبة كلية أنتجت مع الموجبة الكلية الكبرى] ولا يمكن أن تكون الكبرى سالبة كذلك لاجتماع الخستين، [وإن كانت الصغرى سالبة كلية أنتجت مع الموجبة الكلية الكبرى]، يعني الثانية لا يكون فيها ما يضاف إلى الأولى فيجتمع فيها الخستان هذا المراد، [وإن كانت سالبة جزئية لم تنتج لاجتماع الخستين]، يعني إن كانت الكبرى سالبة جزئية لم تنتج لاجتماع الخستين [فيها فحصل من ذلك أربعة أضرب: ثلاثة مع الموجبة الكلية الصغرى، وواحد مع السالبة الكلية الكبرى أيضًا، وهذا كما عرفت في غير الصغرى التي استثناها المصنف بقوله: (إِلاَّ بِصُورَةٍ فَفِيهَا يَسْتَبِينْ) أي يظهر فيها جمع خستين من جنسين في مقدمتين]، يعني يظهر فيها يعني الصغرى المستثناة جمع الخستين، من جنسين في مقدمتين، يعني موجبة مع سالبتين، إحدى المقدمتين وُجد فيها السلب، والمقدمة الأخرى وُجد فيها الجزئية ومع ذلك أنتجت. - - - صُغْرَاهُمَا مُوجَبَةٌ جُزْئِيِّهْ ... كُبْرَاهُمَا سَالِبَةٌ كُلِّيَّهْ فعلم من ذلك أن ضروب المنتجة خمسة: الأول: من موجبتين كليتين نحو: كل إنسان حيوان، وكل ناطق إنسان، والنتيجة موجبة جزئية وهي: بعض الحيوان ناطق. الثاني: من موجبتين الصغرى كلية والكبرى جزئية، كقولنا: كل إنسان حيوان، وبعض الجسم إنسان، والنتيجة جزئية، وهي: بعض الحيوان جسم. الثالث: من سالبة كلية صغرى وموجبة كلية كبرى نحو: لا شيء من الإنسان بفرس، وكل ناطق إنسان، والنتيجة سالبة كلية وهي: لا شيء من الفرس بناطق.

الرابع: من موجبة كلية صغرى وسالبة كلية كبرى نحو: كل إنسان حيوان، ولا شيء من الفرس بإنسان، والنتيجة سالبة جزئية وهي: ليس بعض الحيوان بفرس. الخامس: وهو صورة الاستثناء من موجبة جزئية صغرى وسالبة كلية كبرى نحو: بعض الحيوان إنسان، ولا شيء من الحجر بحيوان، والنتيجة سالبة جزئية وهي: ليس بعض الإنسان بحجر. وخرج باشتراط عدم جمع الخستين إن لم تكن الصورة موجبة جزئية والكبرى سالبة كلية ما لو اجتمعا فلا إنتاج وذلك صادق بكون الصغرى موجبة كلية والكبرى سالبة جزئية، وبكون الصغرى سالبة كلية والكبرى غير الموجبة الكلية، وبكون الصغرى سالبة جزئية مع الكبريات الأربع، فهذه ثمانية كلها عقيمة، وباشتراط كون الكبرى سالبة كلية فيما إذا كانت الصغرى موجبة جزئية ما لو كانت الكبرى غير السالبة الكلية بأن كانت موجبة كلية أو جزئية أو سالبة جزئية فلا إنتاج حينئذ، فهذه ثلاثة أضرب عقيمة أيضًا، وجملة عقيم هذا الشكل أحد عشر. وقد أشار المصنف إلى منتج كل شكل ويعلم من عقيمه بأن ضروب كل شكل بحسب القسمة العقلية ستة عشر، من ضرب الصغريات الأربع الموجبات والسالبات في الكبريات الأربع كذلك، فإذا ذُكِرَ مُنْتِجُهَا عُلِمَ أن الباقي من الستة عشر عقيم. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ [فعلم من ذلك أن ضروب المنتجة هي خمسة: الأول: من موجبتين كليتين نحو: كل إنسان حيوان، وكل ناطق إنسان، والنتيجة موجبة جزئية وهي: بعض الحيوان ناطق. الثاني: من موجبتين الصغرى كلية والكبرى جزئية، كقولنا: كل إنسان حيوان، وبعض الجسم إنسان، والنتيجة جزئية، وهي: بعض الحيوان جسم. الثالث: من سالبة كلية صغرى وموجبة كلية كبرى نحو: لا شيء من الإنسان بفرس، وكل ناطق إنسان، والنتيجة سالبة كلية وهي: لا شيء من الفرس بناطق. الرابع: من موجبة كلية صغرى وسالبة كلية كبرى نحو: كل إنسان حيوان، ولا شيء من الفرس بإنسان، والنتيجة سالبة جزئية وهي: ليس بعض الحيوان بفرس. الخامس: وهو صورة الاستثناء من موجبة جزئية صغرى وسالبة كلية كبرى نحو: بعض الحيوان إنسان، ولا شيء من الحجر بحيوان، والنتيجة سالبة جزئية وهي: ليس بعض الإنسان بحجر]. هذا المنتج كم؟ خمسة، وشرطه عدم اجتماع الخستين إلا في الصورة التي ذكرها الناظم [وخرج باشتراط عدم جمع الخستين إن لم تكن الصورة موجبة جزئية والكبرى سالبة كلية ما لو اجتمعا فلا إنتاج [، يعني اجتمع الخستان فلا إنتاج سواء باعتبار مقدمة واحدة أو باعتبار مقدمتين، [وذلك أي الاجتماع صادق بكون الصغرى موجبة كلية والكبرى سالبة جزئية، وبكون الصغرى سالبة كلية والكبرى غير الموجبة الكلية، وبكون الصغرى سالبة جزئية مع الكبريات الأربع، هذه ثمانية كلها عقيمة، وباشتراط كون الكبرى سالبة كلية فيما إذا كانت الصغرى موجبة جزئية ما لو كانت الكبرى غير السالبة الكلية بأن كانت موجبة كلية أو جزئية أو سالبة جزئية فلا إنتاج حينئذ، فهذه ثلاثة أضرب عقيمة أيضًا وجملة عقيم هذا الشكل أحد عشر]. وتضبط الشرط وتحققه على المنتج فتتضح لك الصور. - - - فَمُنْتِجٌ لِأَوَّلٍ أَرْبَعَةُ ... كَالثَّانِ ثُمَّ ثَالِثٌ فَسِتَّةُ

وَرَابِعٌ بِخَمْسَةٍ قَدْ أَنْتَجَا ... وَغَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ لَنْ يُنْتِجَا وَتَتْبَعُ النَّتِيْجَةُ الأَخَسَّ مِنْ ... تِلْكَ المُقَدِّمَاتِ هَكَذَا زُكِنْ فقال: (فَمُنْتِجٌ لِأَوَّلٍ) أي فالمنتج للشكل الأول (أَرْبَعَةُ كَالثَّانِ) أي وهو كالثاني فيكون منتجه أربعة وعقيم كل منهما اثني عشر، (ثُمَّ ثَالِثٌ فَـ) فمنتجه (سِتَّةُ) وعقيمه عشرة، (وَ) شكل (رَابِعٌ بِخَمْسَةٍ قَدْ أَنْتَجَا) أي أنتج خمسة فعقيمه أحد عشر (وَغَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ) من الضروب التي لم تستوف شروط الإنتاج (لَنْ يُنْتِجَا) بل هو عقيم، وقد تقدم بيان ذلك مستوفيًّا في كل شكل. (وَتَتْبَعُ النَّتِيْجَةُ الأَخَسَّ مِنْ ** تِلْكَ المُقَدِّمَاتِ .. ) أي من مقدمتي القياس، وهو ما فيه سلب أو جزئية، فإذا كانت إحدى المقدمتين سالبة كقولنا: كل إنسان ناطق، ولا شيء من الناطق بصاهل، كانت النتيجة سالبة وهي: لا شيء من الإنسان بصاهل، وإن كانت إحدى المقدمتين جزئية كقولنا بعض الحيوان إنسان، وكل إنسان ناطق، كانت النتيجة جزئية وهي: بعض الحيوان ناطق (هَكَذَا زُكِنْ) أي علم. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ (فَمُنْتِجٌ) هذه الفاء سببية لأن ما تقدم سبب لما سيذكره، (فَمُنْتِجٌ لِأَوَّلٍ) اللام بمعنى من أو على تقدير مضاف والأصل فمنتج من ضروب الأول أو من ضروب أول يعني الشكل الأول أربعة، كالثاني يعني كالمنتج من الثاني، كل منهما أربعة، ثم ثالث فستة، فستة الفاء زائدة وستة هذا خبر لمحذوف، أي فالمنتج له ستة، (وَرَابِعٌ) أي (وَرَابِعٌ بِخَمْسَةٍ قَدْ أَنْتَجَا) بخمسة متعلق بقوله (قَدْ أَنْتَجَا) والألف للإطلاق يعني الشكل الرابع قد أنتج بخمسة أضرب (وَغَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ لَنْ يُنْتِجَا). إذًا المنتج من الأشكال الأربعة كم؟ أربعة وأربعة ثمانية، وستة أربعة عشر، وخمسة تسعة عشر. إذًا المنتج من الأشكال تسعة عشر تحفظها بشروطها فقط. [وقد أشار المصنف إلى منتج كل شكل ويعلم من عقيمه بأن ضروب كل شكل بحسب القسمة العقلية ستة عشر، من ضرب الصغريات الأربع الموجبات والسالبات في الكبريات الأربع كذلك]، يعني أربعة في أربعة ستة عشر، [فإذا ذُكِرَ مُنْتِجُهَا عُلِمَ أن الباقي من الستة عشر عقيم]. فقال: ... (فَمُنْتِجٌ لِأَوَّلٍ) أي فالمنتج للشكل الأول (أَرْبَعَةُ كَالثَّانِ) أي وهو كالثاني فيكون منتجه أربعة وعقيم كل منهما اثني عشر، (ثُمَّ ثَالِثٌ) فمنتجه ... (فَسِتَّةُ) وعقيمه عشرة، (و) شكل (وَرَابِعٌ بِخَمْسَةٍ قَدْ أَنْتَجَا) أي أنتج خمسة فعقيمه أحد عشر (وَغَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ) من الضروب التي لم تستوف شروط الإنتاج (لَنْ يُنْتِجَا) بل هو عقيم، وقد تقدم بيان ذلك مستوفيًّا في كل شكل. وَتَتْبَعُ النَّتِيْجَةُ الأَخَسَّ مِنْ ... تِلْكَ المُقَدِّمَاتِ هَكَذَا زُكِنْ

(وَتَتْبَعُ النَّتِيْجَةُ الأَخَسَّ) هذه أفعل ليست على بابها (مِنْ تِلْكَ المُقَدِّمَاتِ هَكَذَا زُكِنْ) أي علم أي من مقدمتي القياس، مقدمات جمع فسره الشارح بالمقدمتين، [وهو ما فيه سلب أو جزئية، فإذا كانت إحدى المقدمتين سالبة] حينئذ النتيجة تكون سالبة تتبع الأخس، وإذا كانت إحدى المقدمتين جزئية كانت النتيجة جزئية يعني تتبع الأخس في السلب [والجزئية، كقولنا: كل إنسان ناطق، ولا شيء من الناطق بصاهل، كانت النتيجة سالبة وهي: لا شيء من الإنسان بصاهل، وإن كانت إحدى المقدمتين جزئية كقولنا بعض الحيوان إنسان، وكل إنسان ناطق، كانت النتيجة جزئية وهي: بعض الحيوان ناطق (هَكَذَا زُكِنْ) أي علم]. إذًا النتيجة في استحصالها كيف متى نقول هي سالبة. ومتى نقول هي موجبة. ومتى نقول هي جزئية؟ ومتى نقول هي كلية؟ نقول: ننظر في المقدمتين الأخس إن وجد جزئية فهي جزئية، وإن وجد سلب فهي سالبة وإلا على الأصل. - - - وَهَذِهِ الأَشْكَالُ بِالحَمْلِىِّ ... مُخْتَصَّةٌ وَلَيْسَ بِالشَّرْطِيِّ (وَهَذِهِ الأَشْكَالُ بِالحَمْلِىِّ) أي وهذه الأشكال الأربعة (مُخْتَصَّةٌ) بالحملي من القضايا (وَلَيْسَ) ما ذكر من الأشكال الأربعة بالشرطي وهذا رأي ضعيف، والصحيح جريان الأشكال لأربعة في الحمليات والشرطيات كما تقدم التنبيه عليه والتمثيل له. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ (وَهَذِهِ الأَشْكَالُ بِالحَمْلِىِّ) يعني بالقياس الحملي (مُخْتَصَّةٌ وَلَيْسَ بِالشَّرْطِيِّ) هذا تصريح بما بما عُلم [أي وهذه الأشكال الأربعة (مُخْتَصَّةٌ) بالحملي من القضايا (وَلَيْسَ) ما ذكر من الأشكال الأربعة بالشرطي] وليس ما ذكر، ما قال: وليست. ولذلك أوله الشارح وليس ما ذكر يعني اسم ليس يعود إلى مذكر، وليس ما ذكر من الأشكال الأربعة بالشرطي ... [وهذا رأي ضعيف، والصحيح جريان الأشكال لأربعة في الحمليات والشرطيات كما تقدم التنبيه عليه والتمثيل له] فيما مضى من الاقتراني. - - - وَالحَذْفُ فِي بَعْضِ المُقَدِّمَاتِ ... أَوِ النَّتِيْجَةِ لِعِلْمٍ آتٍ وَتَنْتَهِي إِلَى ضَرُورَةٍ لِمَا ... مِنْ دَوْرٍ اوْ تَسَلْسُلٍ قَدْ لَزِمَا

(وَالحَذْفُ فِي بَعْضِ المُقَدِّمَاتِ) أي حذف إحدى المقدمتين (أَوِ النَّتِيْجَةِ لِعِلْمٍ) بالمحذوف (آتٍ) أي جائز، كقولنا: هذا يحدّ لأنه زان، فإن المعنى وكل زان يُحدّ، فقد حذفت الكبرى [الكبرى] وكقولنا: هذا زان، وكل زان يحدّ، فقد حذفت النتيجة، لأن المعنى هذا يحدُّ، فحذفت للعلم بها من القياس. (وَتَنْتَهِي) أي المقدمات (إِلَى) ذي ... (ضَرُورَةٍ) إن لم تكن هي ضرورية، (لِمَا) يلزم على تقدير عدم انتهائها إلى ضرورة (مِنْ دَوْرٍ)، وهو توقف الآخر على ما يتوقف عليه (اوْ تَسَلْسُلٍ) وهو ترتب أمر على أمر إلى ما لا نهاية له، (قَدْ لَزِمَا)، فلزوم الدور فيما إذا استدل على المتأخر بما يتوقف عليه ذلك المتأخر، ولزوم التسلسل فيما إذا توقف الأول على أدلة مترتبة لا غاية لها، فإن انتهى الأمر إلى دليل غير ضروري مقدماته ولا مسلمة لم يكف. مثال ما مقدماته ضرورية هذا العدد ينقسم إلى متساويين، وكل منقسم كذلك زوج، ومثال ما مقدماته نظرية قولك: العالم صفاته حادثة، وكل من صفاته حادثة فهو حادث، فنستدل على الصغرى بقولنا: صفاته متغيرة، وكل متغير حادث، والأولى من هاتين المقدمتين ضرورية للمشاهدة، ونستدل على الثانية منهما بالتغير إن كان من عدم إلى وجود كان الوجود طارئًا، أو من وجود إلى عدم كان الوجود جائزًا، والجائز لا يقع إلا حادثًا، ونستدل على الكبرى من القياس الأول بقولنا: كل من كان صفاته حادثة لا يعرى عن الحوادث، وكل من لا يعرى عن الحوادث لا يسبقها، وكل من لا يسبق الحوادث فهو حادث، فقد انتهينا إلى الضرورة، ولا عبرة باعتبار بعض الفلاسفة على بعض تلك المقدمات فإن ذلك مكابرة. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ وَالحَذْفُ فِي بَعْضِ المُقَدِّمَاتِ ... أَوِ النَّتِيْجَةِ لِعِلْمٍ آتٍ ما علم من المقدمتين أو النتيجة جاز حذفه في الذكر فلا يذكر، يعني جاز أن يطوى إذا كان إحدى المقدمتين معلومة عند المخاطب حينئذ جاز حذفها، كذلك النتيجة يجوز حذفها، ولذلك كثيرًا ما يقولون: العالم متغير، وكل متغير حادث، ويسكتون يعني لا يذكروا النتيجة لماذا؟ لأنها معلومة (وَالحَذْفُ فِي بَعْضِ المُقَدِّمَاتِ) في هذه بمعنى اللام أي لبعضها، والمراد إحداها، إما الصغرى وإما الكبرى، (فِي بَعْضِ المُقَدِّمَاتِ) يعني بعضها، إذًا حذف الصغرى والكبرى معًا أصلاً إنه لا يجوز، أو النتيجة يعني حذف النتيجة مع ذكر المقدمتين (لِعِلْمٍ) أي عند العلم بالمحذوف، واللام بمعنى عند (آتٍ) هذا متعلق بقوله: (لِعِلْمٍ)، [(وَالحَذْفُ فِي بَعْضِ المُقَدِّمَاتِ) أي حذف إحدى المقدمتين (أَوِ النَّتِيْجَةِ لِعِلْمٍ) بالمحذوف (آتٍ) أي جائز، كقولنا: هذا يحد لأنه زان، فإن المعنى وكل زان يُحدّ، فقد حذفت الكبرى (الكبرى)] كرر الكبرى هنا، [وكقولنا: هذا زان، وكل زان يحد، فقد حذفت النتيجة] يعني النتيجة هذا يحد، هذا يحد لأنه زان، هذا يحد هذه النتيجة هذا يحد لأنه زان حينئذ حذف الكبرى كل زان يحد، ... [وكقولنا: هذا زان، وكل زان يحد، فقد حذفت النتيجة لأن المعنى هذا يحدُّ فحذفت للعلم بها من القياس].

وَتَنْتَهِي إِلَى ضَرُورَةٍ لِمَا ... مِنْ دَوْرٍ اوْ تَسَلْسُلٍ قَدْ لَزِمَا [(وَتَنْتَهِي) أي المقدمات] من حيث النتيجة [(إِلَى) ذي (ضَرُورَةٍ)] يعني مقدمة ضرورية متى؟ [إن لم تكن هي ضرورية (إِلَى)] ذي لو قال: إلى ذات لكان أولى، [(إِلَى) ذي (ضَرُورَةٍ)] يعني صاحب ضرورة، لو قال: صاحبة كان أولى [إن لم تكن ضرورية (لِمَا مِنْ دَوْرٍ اوْ تَسَلْسُلٍ)، (لِمَا) يلزم على تقدير عدم انتهائها إلى ضرورة]، (مِنْ دَوْرٍ اوْ تَسَلْسُلٍ)، [(من دور) وهو توقف الآخر على ما يتوقف عليه (اوْ تَسَلْسُلٍ) وهو ترتب أمر على أمر إلى ما لا نهاية له، (قَدْ لَزِمَا)] يعني المقصود النتيجة لا بد أن تكون ضرورية، [فلزوم الدور فيما إذا استدل] أو استدل [على المتأخر بما يتوقف عليه ذلك المتأخر، ولزوم التسلسل فيما إذا توقف الأول على أدلة مترتبة لا غاية لها، فإن انتهى الأمر إلى دليل غير ضروري مقدماته ولا مسلمة لم يكف]، لا بد أن تكون المقدمة ضرورية أو مسلمة عند الخصم، [مثال ما مقدماته ضرورية هذا العدد ينقسم إلى متساويين وكل منقسم كذلك زوج]، هذا مسلم، وهذا من الضرورة، كل ما كان منقسمًا إلى اثنين متساويين فهو زوج، [ومثال ما مقدماته نظرية قولك العالم صفاته حادثة، وكل من صفاته حادثة فهو حادث، فنستدل على الصغرى]، إذًا إذا لم تكن إحدى المقدمتين ضرورية أو مسلمة لا بد من استدلال لها، يعني لا تذكر المقدمة هكذا، بل لا بد من ذكر دليلها، قد يكون الدليل مشاهد، وقد يكون محسوسًا، وقد يكون مسلمًا .. إلى آخره، [فنستدل على الصغرى بقولنا: صفاته متغيرة، وكل متغير حادث، والأولى من هاتين المقدمتين] صفاته متغيرة ... [ضرورية للمشاهدة] تراه بعينك، [ونستدل على الثانية منهما بالتغير إن كان من عدم إلى وجود كان الوجود طارئًا]، يعني كل متغير حادث نستدل عليها بماذا؟ للتغير [إن كان من عدم إلى وجود كان الوجود طارئًا] فهو حادث [أو من وجود إلى عدم كان الوجود جائزًا، والجائز لا يكون إلا حادثًا، ونستدل على الكبرى من القياس الأول] السابق، وكل من صفاته حادث فهو حادث، [بقولنا: كل من كان صفاته حادثة لا يعرى عن الحوادث، وكل من لا يعرى عن الحوادث لا يسبقها، وكل من لا يسبق الحوادث فهو حادث، فقد انتهينا إلى الضرورة، ولا عبرة باعتبار بعض الفلاسفة على بعض تلك المقدمات فإن ذلك مكابرة]. المقصود أن النتيجة أو المقدمات تنتهي إلى ضرورة، فإن لم تكن حينئذ نحتاج إلى الاستدلال، وقد يُسلم، وقد لا يُسلم. وَتَنْتَهِي إِلَى ضَرُورَةٍ لِمَا ... مِنْ دَوْرٍ اوْ تَسَلْسُلٍ ......... قال في الشرح: [إن لم تكن ضرورية]، إن كانت ضرورية فلا إشكال فيها، ولذلك. فَإِنَّ لاَزِمَ المُقَدِّمَاتِ ... بِحَسَبِ المُقَدِّمَاتِ آتِ إذا كانت المقدمات يقينية حينئذ لزم منها أن تكون النتيجة يقينية، إذا كانت نظرية لا بد أن تكون النتيجة ضرورية، لأنه لو لم تكن ضرورية حينئذ لزم الدور أو التسلسل. - - - فَصْلٌ فِي القِيَاسِ الِاسْتِثْنَائِيِّ وَمِنْهُ مَا يُدْعَى بِالِاسْتِثْنَائِي ... يُعْرَفُ بِالشَّرْطِي بِلاَ امْتِرَاءِ

وَهْوَ الَّذِي دَلَّ عَلَى النَّتِيجَةِ ... أَوْ ضِدِّهَا بِالفِعْلِ لاَ بِالقُوَّةِ فَإِنْ يَكُ الشَّرْطِيُّ ذَا اتِّصَالِ ... أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ وَضْعَ التَّالِي وَرَفْعُ تَالٍ رَفْعَ أَوَّلٍ وَلاَ ... يَلْزَمُ فِي عَكْسِهِمَا لِمَا انْجَلَى (فَصْلٌ فِي القِيَاسِ الِاسْتِثْنَائِيِّ). (وَمِنْهُ) أي القياس (مَا) أي الذي (يُدْعَى) أي يسمى (بِالِاسْتِثْنَائِي) لاشتماله على أداة الاستثناء وهي لكن - كما سيأتي - (يُعْرَفُ) ذلك القياس الاستثنائي (بِالشَّرْطِي) لاشتماله على مقدمة شرطية، وتُسمى الكبرى، والمشتملة على أداة الاستثناء صغرى. (بِلاَ امْتِرَاءِ) أي شك، كمَّل به البيت، وعرف القياس الاستثنائي بقوله: (وَهْوَ الَّذِي دَلَّ عَلَى النَّتِيجَةِ** أَوْ ضِدِّهَا) أي نقيضها بأن تكون مذكورة فيه أو نقيضها (بِالفِعْلِ) أي بصورتها (لاَ بِالقُوَّةِ) أي لا تكون متفرقة الأجزاء كما في القياس الاقتراني، فإن نتيجته قد ذُكرت، لكنها متفرقة الأجزاء في مقدمتيه موضوعها في الصغرى ومحمولها في الكبرى. وأما القياس الاستثنائي ففيه عين النتيجة، أو نقيضها بصورته كما يأتي (فَإِنْ يَكُ الشَّرْطِيُّ) أي القضية الشرطية، وذَكَّرَ باعتبار كونها قولاً (ذَا اتِّصَالِ) أي هي ذات اتصال أي متصلة (أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ) المقدم أي إثباته (وَضْعَ التَّالِي) أي إثباته (وَ) أنتج (رَفْعُ تَالٍ رَفْعَ أَوَّلٍ) مثال ذلك كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا لكنه إنسان ينتج فهو حيوان، فقد أنتج إثبات المقدم إثبات التالي لأن المقدم ملزوم، والتالي لازم، ويلزم من وجود الملزوم وجود اللازم، ولو قلت في هذا المثال: لكنه ليس بحيوان أنتج فهو ليس بإنسان، لأن رفع اللازم يوجب رفع الملزوم، فعلم أن المنتج منه ضربان (وَلاَ يَلْزَمُ فِي عَكْسِهِمَا) أي لا يلزم الإنتاج من عكسهما أي من وضع التالي أو رفع المقدم، فلو قلت في المثال المتقدم: لكنه حيوان لم ينتج إنه إنسان لأن اللازم قد يكون أعم من الملزوم، ولا يلزم من إثبات الأعم إثبات الأخص، وكذا لو قلت: لكنه ليس بإنسان لا ينتج شيئًا لأن رفع الأخص لا يوجب رفع العام، والملزوم هنا أخص من لازمه، وهذا معنى قوله: (لِمَا انْجَلَى). أي لما اتضح من أن التالي لازم، وقد يكون أعم من ملزومه، فلا يلزم من إثباته إثبات ملزومه، ولا من نفي ملزومه نفيه، فهذان الضربان عقيمان. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

(فَصْلٌ فِي القِيَاسِ الِاسْتِثْنَائِيِّ) هذا النوع الثاني من نوعي القياس، الأول الاقتراني، والثاني الاستثنائي (فَصْلٌ فِي القِيَاسِ الِاسْتِثْنَائِيِّ) قال: ... [(وَمِنْهُ) أي القياس] من حيث هو عاد الضمير إلى مطلق القياس [(مَا) أي الذي (يُدْعَى) أي يسمى (بِالِاسْتِثْنَائِي)] لماذا؟ [لاشتماله على أداة الاستثناء وهي لكن]، هل لكن أداة استثناء ليس أداة استثناء، وإنما لما أفادت ما قد يفيده الاستثناء سميت استثناءً، وإلا لكن ليست للاستثناء وإنما هي للاستدراك، وسميت أداة استثناء مع كونها أداة استدراك لشبه الاستدراك بالاستثناء لإحداثه فيما قبله شيئا لم يوجد فيه. إذًا يُسمى بالاستثناء لماذا لاشتماله على أداة الاستثناء وهي لكن، سميت أداة استثناء وهي أداة استدراك في الأصل لأنها تحدث فيما قبلها مثل ما يحدثه الاستثناء، يعني فيه عطف على ما سبق، وفيه إخراج كما هو الشأن في الاستثناء [(يُعْرَفُ) ذلك القياس الاستثنائي (بِالشَّرْطِي) لاشتماله على مقدمة شرطية، وتُسمى الكبرى، والمشتملة على أداة الاستثناء الصغرى]. إذًا هذا النوع من القياس له اسمان، استثنائي لوجود لفظ لكن، ويُسمى بالشرطي لوجد إحدى المقدمتين وهي شرطية، إذًا الاستثنائي قياس مؤلف من مقدمتين إحداهما شرطية وتُسمى كبرى، والأخرى استثنائية وتُسمى صغرى. إذًا الصغرى هي الاستثنائية، والكبرى هي الشرطية، ولذلك يُسمى باسمين: الأول: الاستثنائي لاشتماله على أداة الاستثناء. والثاني: بالشرطي لاشتماله على الشرطية. وإنما سميت الشرطية كبرى والاستثنائية صغرى لأن ألفاظ الاستثنائية على نحو النصف من ألفاظ الشرطية، يعني قد يقال لماذا قلنا: الاستثنائية هي الصغرى والشرطية هي الكبرى؟ نقول: الشرطية ألفاظها كثيرة، والاستثنائية مؤلفة من كلمتين، لكنه إنسان، كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود لكنه موجود. الثانية استثنائية وهي على النصف مما سبق [وعرَّفه الناظم بقوله: نعم] (¬1) [(بِلاَ امْتِرَاءِ) أي بلا شك كمَّل به البيت، وعرف القياس الاستثنائي بقوله:] وَهْوَ الَّذِي دَلَّ عَلَى النَّتِيجَةِ ... أَوْ ضِدِّهَا ................ الاقتراني ما دل على النتيجة بالقوة يعني لا بصورتها بل بأجزائها متفرقة في المقدمتين، هنا إما عينها النتيجة، وإما ضدها يعني موجود في القياس (وَهْوَ الَّذِي دَلَّ عَلَى النَّتِيجَةِ) يعني ضد النتيجة [أي نقيضها بأن تكون] النتيجة [مذكورة فيه] يعني في القياس بنصها [أو نقيضها (بِالفِعْلِ) أي بصورتها (لاَ بِالقُوَّةِ) أي لا تكون متفرقة الأجزاء كما في القياس الاقتراني، فإن نتيجته قد ذُكرت، لكنها متفرقة الأجزاء في مقدمتيه موضوعها في الصغرى ومحمولها في الكبرى]- كما مر معنا – [وأما القياس الاستثنائي ففيه عين النتيجة] بلفظها الموضوع والمحمول، [أو نقيضها بصورته كما يأتي]. قال: (وَهْوَ الَّذِي)، إذًا: وَهْوَ الَّذِي دَلَّ عَلَى النَّتِيجَةِ ... أَوْ ضِدِّهَا بِالفِعْلِ ......... ¬

_ (¬1) سبق.

(ضِدِّهَا) المراد به الضد اللغوي وهو مطلق المنافي، (لاَ بِالقُوَّةِ)، إذا قال بالفعل فُهم أنه لا بالقوة، إذًا هذا يكون تصريحًا بالمفهوم يعني أن القياس الاستثنائي هو الذي دل على النتيجة بالفعل أو على ضدها كذلك. قال: فَإِنْ يَكُ الشَّرْطِيُّ ذَا اتِّصَالِ ... أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ وَضْعَ التَّالِي وَرَفْعُ تَالٍ رَفْعَ أَوَّلٍ وَلاَ ... يَلْزَمُ فِي عَكْسِهِمَا لِمَا انْجَلَى الشرطية مرَّ معنا أنها إما متصلة وإما منفصلة، (فَإِنْ يَكُ الشَّرْطِيُّ) هذا بيان كيفية إنتاج القياس الشرطي (فَإِنْ يَكُ الشَّرْطِيُّ ذَا اتِّصَالِ) يعني متصلة [(فَإِنْ يَكُ الشَّرْطِيُّ ذَا اتِّصَالِ) أي القضية الشرطية وذَكَّرَ باعتبار كونها قولاً]، ولم يقل: تك، قال: يك [(ذَا اتِّصَالِ) أي هي ذات اتصال أي متصلة (أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ وَضْعَ التَّالِي)، (أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ)] ذاك المراد به [المقدم أي إثباته]، الوضع هنا المراد به الإثبات والرفع المراد به النتيجة [(أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ) أي المقدم أي إثباته (وَضْعَ التَّالِي) أي إثباته (وَ) أنتج (وَرَفْعُ تَالٍ رَفْعَ أَوَّلٍ)] يعني إذا نفي التالي يُنتج ماذا؟ رفع الأول على النص الذي ذكره الناظم (أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ) أي المقدم إثباته (وَضْعَ التَّالِي) أي أنتج إثبات المقدم في الاستثنائية إثبات التالي في النتيجة، [مثال ذلك] مثال يتضح به المقال [كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا لكنه إنسان]، أين الشرطية؟ كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا، أين المقدم؟ هذا إنسان، أين التالي؟ حيوان، لكنه إنسان، هذه استثنائية ماذا صنعت؟ أثبت المقدم صحيح؟ إذًا أثبت المقدم لكنه إنسان هنا إثبات المقدم يُنتج ماذا؟ إثبات التالي، إذا أَثْبَتَ المقدم حينئذ أنتج في النتيجة إثبات التالي، ولذلك قال: أنتج وضع ذاك وضع، إذا أُثْبِتَ المقدم عين المقدم عينه بلفظه لا بنقيضه حينئذ أَثْبَتَ التالي، فإذا قلت: كل ما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا، هذه شرطية مؤلفة من مقدم وتالي المقدم إنسان والتالي حيوان، لكنه هو إنسان هذا إثبات، أَثْبَتَ ماذا؟ أَثْبَتَ عين المقدم، أنتج عين التالي فهو حيوان، [فقد أنتج إثبات المقدم] وهو إنسان [إثبات التالي] وهو حيوان، لماذا؟ [لأن المقدم] الذي هو إنسان [ملزوم، والتالي لازم، ويلزم من وجود الملزوم وجود اللازم]، إذا قلت: هذا إنسان لزم منه [ها ها] أنه حيوان، لماذا؟ لأن الإنسان ملزوم والحيوان لازم، فحينئذ يلزم من وجود الملزوم وجود اللازم، [ولو قلت في هذا المثال: لكنه ليس بحيوان] أَثْبَتَ ماذا؟ نقيض التالي [أنتج فهو ليس بإنسان]، لأن نفي اللازم [لأن رفع اللازم] نفي اللازم [يوجب رفع الملزوم] إذا قلت: هذا ليس بحيوان. إذًا ليس بإنسان، واضح هذا؟ وإذا أنتج (أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ وَضْعَ التَّالِي)، (وَرَفْعُ تَالٍ) يعني نفيه، نفي أنه ليس بحيوان، (رَفْعَ أَوَّلٍ) لكنه ليس بإنسان، واضح؟ في إشكال؟ طيب.

إذًا مثال ذلك كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا لكنه إنسان يُنتج فهو حيوان، فقد أنتج إثبات المقدم الذي هو إنسان، إثبات التالي الذي هو حيوان، لماذا؟ لأن المقدم ملزوم وهو الإنسان، والتالي لازم وهو الحيوان، ويلزم من وجود الملزوم وجود اللازم، ولو قلت في هذا المثال: لكنه ليس بحيوان. هنا استثنيت رفع أو نفيت التالي، أنتج رفع المقدم فهو ليس بإنسان، لأن رفع اللازم ونفيه يوجب رفع الملزوم وهو # 1.04.36 .. [فعلم أن المنتج منه ضربان] نفيًا وإثباتًا، (وَلاَ يَلْزَمُ فِي عَكْسِهِمَا)، ما هو عكسهما؟ انظر إلى البيت (أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ وَضْعَ التَّالِي) عكسه: وضع التالي وضع المقدم، لا ينتج (وَرَفْعُ تَالٍ رَفْعَ أَوَّلٍ) عكسه: رفع أول رفع تالي، لا ينتج، واضح هذا؟ تربطه بالبيت وهذا الفائدة من الحفظ نعم، [(وَلاَ يَلْزَمُ فِي عَكْسِهِمَا) أي لا يلزم الإنتاج في عكس من عكسهما أي من وضع التالي أو رفع المقدم] على عكس السابق، [فلو قلت في المثال المتقدم: لكنه حيوان لم ينتج إنه إنسان]، المثال السابق كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا لكنه حيوان، فهو إنسان؟ لا، لأن إثبات الأعم لا يستلزم إثبات الأخص. إذًا إذا أثبت التالي لا يلزم منه إثبات المقدم، فإذا قلت: كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا لكنه حيوان، لا يلزم فهو إنسان، لأن إثبات الأعم لا يستلزم إثبات الأخص، لكنه حيوان لم ينتج إنه إنسان، لماذا؟ لأن اللازم هنا حيوان قد يكون أعم من الملزوم الذي هو إنسان ولا يلزم من إثبات الأعم إثبات الأخص، وكذا لو قلت: لكنه ليس بإنسان يعني رفع تالي رفع أول، رفع المقدم لو قلت ماذا؟ المثال السابق كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا لكنه ليس بإنسان، لا ينتج شيئًا، لماذا؟ لأنك نفيت الأخص، لا ينتج شيئًا لأن رفع الأخص وهو إنسان لا يوجب رفع الأعم وهو حيوان، فإذا قيل: لكنه ليس بإنسان، لا يلزم رفع الثاني وهو ليس بحيوان، لماذا؟ لأنك إذا نفيت كونه إنسانًا لا يلزم منه نفي أنه حيوان لأنه قد يكون فرسًا [لأن رفع الأخص] وهو إنسان [لا يوجب رفع العام] وهو حيوان، [والملزوم هنا أخص من لازمه]، الإنسان أخص من الحيوان، فنفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، [وهذا معنى قوله: (لِمَا انْجَلَى). أي لما اتضح من أن التالي لازم، وقد يكون أعم من ملزومه] المقدم، [فلا يلزم من إثباته] يعني الأعم [إثبات ملزومه] وهو الأخص، [ولا من نفي يعني رفع ملزومه نفيه، فهذان الضربان عقيمان]. إذًا (فَإِنْ يَكُ الشَّرْطِيُّ ذَا اتِّصَالِ) الشرطية المتصلة أضربها أربعة: اثنان منتجان، واثنان عقيمان. إثبات المقدم يُنتج إثبات التالي، رفع التالي يُنتج رفع الأول، عكسهما لا إنتاج ضربان عقيمان وضربان منتجان. - - - وَإِنْ يَكُنْ مُنْفَصِلاً فَوَضْعُ ذَا ... يُنْتِجُ رَفْعَ ذَاكَ وَالعَكْسُ كَذَا وَذَاكَ فِي الأَخَصِّ ثُمَّ إِنْ يَكُنْ ... مَانِعَ جَمْعٍ فَبِوَضْعِ ذَا زُكِنْ رَفْعٌ لِذَاكَ دُونَ عَكْسٍ وَإِذَا ... مَانِعَ رَفْعٍ كَانَ فَهْوَ عَكْسُ ذَا

(وَإِنْ يَكُنْ) القياس الشرطي (مُنْفَصِلاً) أي إن تكن القضية الشرطية منفصلة فهي على ثلاثة أقسام: حقيقية، ومانعة جمع، ومانعة خلو. فإن كانت حقيقية (فَوَضْعُ ذَا) أي أحد طرفيها (يُنْتِجُ رَفْعَ ذَاكَ) الآخر (وَالعَكْسُ كَذَا) أي ورفع أحد طرفيها يُنتج وضع الآخر كقولنا: الموجود إما قديم أو حادث لكنه قديم، يُنتج أنه ليس بحادث، أو لكنه حادث، يُنتج أنه ليس بقديم، فلو قلت: لكنه ليس بقديم، أنتج أنه حادث، أو أنه ليس بحادث أنتج أنه قديم، فقد أنتج وضع أحد الطرفين رفع الآخر، ورفع أحد الطرفين ووضع الآخر، وهو المراد بقوله: (وَذَاكَ فِي الأَخَصِّ). أي في الحقيقية، فإن كانت المنفصلة مانعة جمع فقد أشار إليها بقوله: (ثُمَّ إِنْ يَكُنْ) أي الشرطي بمعنى القضية الشرطية (مَانِعَ جَمْعٍ فَبِوَضْعِ ذَا) أي أحد طرفيها (زُكِنْ) أي علم. (رَفْعٌ لِذَاكَ) أي الطرف الآخر لمنعها الجمع بينهما (دُونَ عَكْسٍ) فلا يلزم من رفع أحد طرفيها وضع الآخر لجواز الخلو عنهما، مثال ذلك أن تقول: هذا إما أسود أو أبيض لكنه أسود، يُنتج أنه غير أبيض، أو لكنه أبيض ينتج أنه غير أسود، ولو قلت: لكنه ليس بأسود لم ينتج أنه أبيض ولا غير أبيض، وكذا لو قلت: لكنه ليس بأبيض لم ينتج أنه أسود أو غير أسود، وإن كانت القضية المنفصلة مانعة خلو فقد أشار إليها بقوله: (وَإِذَا مَانِعَ رَفْعٍ كَانَ) أي وإن كانت القضية الشرطية مانعة خلو (فَهْوَ عَكْسُ ذَا) أي فالقضية مانعة الخلو عكس مانعة الجمع بمعنى أن رفع أحد طرفيها يُنتج وضع الآخر لمنعها$ الخلو عنهما، ووضع أحد طرفيها لا ينتج شيئًا لجواز الجمع بينهما، مثالها أن تقول: هذا الشيء إما غير أبيض أو غير أسود لكنه أبيض، يُنتج أنه غير أسود، أو لكنه أسود ينتج أنه غير أبيض، فقد لزم من رفع أحد طرفيها ثبوت الآخر، ولو قلت: لكنه غير أبيض لم يُنتج أنه أسود ولا غيره، أو قلت: لكنه غير أسود لم ينتج أنه أبيض ولا غيره. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ (وَإِنْ يَكُنْ مُنْفَصِلاً) يعني الشرطية المنفصلة، ومر معنا أنها ثلاثة أنواع: مانعة جمع وخلو أو والأخص. ومانعة جمع.

ومانعة خلو. وإن يكن [القياس شرطي (مُنْفَصِلاً) أي إن تكن القضية الشرطية منفصلة فهي على ثلاثة أقسام: حقيقية، ومانعة جمع، ومانعة خلو]. أين مانعة جمع وخلو معًا؟ هي عين الحقيقية [نعم]، ... [فإن كانت حقيقية] أنتج أربعة منها يُنتج أربعة (فَوَضْعُ ذَا يُنْتِجُ رَفْعَ ذَاكَ) مثل ماذا؟ مانعة الجمع والخلو معًا، العدد إما زوج أو فرد هذه مانعة جمع وخلو، إثبات أحدهما يلزم رفع الآخر، العدد إما زوج أو لكنه زوج فهو غير فرد، (فَوَضْعُ ذَا يُنْتِجُ رَفْعَ ذَاكَ) يعني إثبات عين المقدم أو التالي يُنتج رفع يعني نفي عين المقدم أو التالي، إن أَثْبَتَّ أن العدد زوج نفيت الفرد إن أثبتت أنه فرد نفيت الزوجية هذا المراد هنا، (فَوَضْعُ ذَا) يعني إثبات أحد الطرفين كما قال الشارح: (فَوَضْعُ ذَا) الوضع هنا المراد به الإثبات، والرفع المراد به النفي، [(فَوَضْعُ ذَا) أي أحد طرفيها] يعني إثبات أحد الطرفين (يُنْتِجُ) ماذا؟ (رَفْعَ ذَاكَ) يعني [الآخر (وَالعَكْسُ كَذَا)]، يعني الرفع ينتج الإثبات والعكس كذا [أي ورفع أحد طرفيها يُنتج وضع الآخر] لأنه يمتنع ارتفاعهما، أي ورفع أحد طرفيها ينتج وضع يعني إثبات الآخر، لأنه يمتنع ارتفاعهما، [كقولنا: الموجود]. لو جاء بالمثال المشهور كان أحسن [الموجود إما قديم أو حادث] هذه لا يجتمعان، قديم حادث، لا يجتمعان ولا يرتفعان، إما هذا أو ذاك، [لكنه قديم]، ماذا صنع هُنا؟ [لكنه قديم] أثبت ماذا؟ المقدم [نعم] الأول قديم وهو المقدم، وحادث هذا التالي، لكنه قديم هذا وضع المقدم، [يُنتج أنه ليس بحادث] إذا أثبتت أنه قديم أنتج نقيض التالي وهو [أنه ليس بحادث] وهو رفع التالي، أو قال: [لكنه حادث] هنا أثبت التالي، [يُنتج أنه ليس بقديم، فلو قلت: لكنه ليس بقديم أنتج] إثبات التالي الذي هو حادث، [لكنه ليس بقديم] إذًا هو حادث، [أنتج أنه حادث] يعني وضع التالي، أو قلت: أنه [ليس بحادث أنتج أنه قديم، فقد أنتج وضع أحد الطرفين ورفع الآخر، ورفع أحد الطرفين ووضع الآخر، وهو المراد بقوله: ... (وَذَاكَ فِي الأَخَصِّ)]. إذًا مانحة الجمع والخلو المنتج منه أربعة لأنه في الإثبات في موضعين، وفي النفي في موضعين حينئذ يكون المنتج أربعة ... [(وَذَاكَ فِي الأَخَصِّ) أي في الحقيقية، فإن كانت المنفصلة مانعة جمع فقد أشار إليها بقوله: (ثُمَّ إِنْ يَكُنْ)] وذاك في الأخص، ثم التي للترتيب الذكري. .......... إِنْ يَكُنْ ... مَانِعَ جَمْعٍ فَبِوَضْعِ ذَا زُكِنْ رَفْعٌ لِذَاكَ دُونَ عَكْسٍ .... ... ...........................

(إِنْ يَكُنْ مَانِعَ جَمْعٍ) انظر في المتن (مَانِعَ جَمْعٍ فَبِوَضْعِ ذَا) يعني بوضع إثبات أحد الطرفين فُهِمَ منه رفع الآخر (رَفْعٌ لِذَاكَ)، لماذا؟ لأنه يمتنع اجتماعهما، مانعة الجمع يمتنع الاجتماع دون ماذا؟ دون الخلو دون عكس، وهو رفع ذا إثبات للآخر، رفع ذا عكس فوضع ذا رفع لذاك، رفع ذا وضع لذاك عكسه لا، فإن كانت المنفصلة مانعة جمع [فقد أشار إليها بقوله: (ثُمَّ إِنْ يَكُنْ) أي الشرطي بمعنى القضية الشرطية (مَانِعَ جَمْعٍ فَبِوَضْعِ ذَا زُكِنْ) أي أحد طرفيها (زُكِنْ) أي علم (رَفْعٌ لِذَاكَ) أي الطرف الآخر لمنعها الجمع بينهما (دُونَ عَكْسٍ) فلا يلزم من رفع أحد طرفيها وضع الآخر لماذا؟ لجواز الخلو عنهما، مثال ذلك أن تقول: هذا إما أسود أو أبيض لكنه أسود]، النتيجة غير أبيض، إذا كان أسود فهو غير أبيض، إما أسود أو أبيض] يجتمعان؟ لا، يرتفعان؟ نعم. إذًا إذا أثبتت أحد الطرفين المقدم قلت: [لكنه أسود] هنا أثبتت ماذا؟ المقدم، [يُنتج] ماذا؟ [أنه غير أبيض] وهو رفع التالي، ولذلك قال: (فَبِوَضْعِ ذَا)، (رَفْعٌ لِذَاكَ) يعني إذا أثبتت المقدم رفعت التالي، أو قلت [لكنه أبيض ينتج أنه غير أسود، ولو قلت: لكنه ليس بأسود] رفعته ونفيته المقدم [لم ينتج أنه أبيض]، يعني إذا لم يكن أسود قد يكون أحمر، إذًا لا ينتج أنه أبيض [ولا غير أبيض، وكذا لو قلت: لكنه ليس بأبيض لم ينتج أنه أسود أو غير أسود]، واضح هذا؟ إذًا المنتج كم؟ نوعين ضربين، [وإن كانت القضية المنفصلة مانعة خلو فقد أشار إليها بقوله: (وَإِذَا مَانِعَ رَفْعٍ كَانَ فَهْوَ عَكْسُ ذَا)] أي عكس مانعة الجمع، وإذا مانع رفع ايش إعراب مانعة؟ خبر كان، وكان هذه متأخرة، وإذا كان وهي مؤخرة من تقديم، وإذا كان وهذه شرطية (مَانِعَ رَفْعٍ كَانَ فَهْوَ عَكْسُ ذَا) يعني مانعة الجمع أي فالقضية [(وَإِذَا مَانِعَ رَفْعٍ كَانَ) أي وإن كانت القضية الشرطية مانعة خلو (فَهْوَ عَكْسُ ذَا) أي فالقضية مانعة الخلو عكس مانعة الجمع بمعنى أن رفع أحد طرفيها يُنتج وضع الآخر لماذا؟ لمنعها الخلو عنهما، ووضع أحد طرفيها لا ينتج شيئًا لجواز الجمع بينهما، مثالها أن تقول: هذا الشيء إما غير أبيض أو غير أسود لكنه أبيض، يُنتج أنه غير أسود]، إذا أثبتت أنه أبيض حينئذ نقول هو: [غير أسود، أو لكنه أسود ينتج أنه غير أبيض، فقد لزم من رفع أحد طرفيها ثبوت الآخر، ولو قلت: لكنه غير أبيض لم يُنتج أنه أسود ولا غيره] لأن لم يحدد، إذا لم يكن إذا هو ليس بأبيض لا تقل هو أحمر أو أسود لأنه أعم [أو قلت: لكنه غير أسود لم ينتج أنه أبيض ولا غيره]. إذًا مانعة الجمع والخلو معًا يُنتج في أربعة أضرب، ومانعة الجمع يُنتج في ضربين، ومانعة الخلو ينتج في ضربين. والله أعلم. وصلِّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. - - -

10

عناصر الدرس * فصل في لواحق القياس. * أقسام الحجة. * خاتمة. فَصْلٌ فِي لَوَاحِقِ القِيَاسِ وَمِنْهُ مَا يَدْعُونَهُ مُرَكَّبَا ... لِكَوْنِهِ مِنْ حُجَجٍ قَدْ رُكِّبَا فَرَكِّبَنْهُ إِنْ تُرِدْ أَنْ تَعْلَمَهْ ... وَاقْلِبْ نَتِيجَةً بِهِ مُقَدِّمَهْ يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِيبِهَا بِأُخْرَى ... نَتِيْجَةٌ إِلَى هَلُمَّ جَرَّا (فَصْلٌ فِي لَوَاحِقِ القِيَاسِ) قد عرفت أنه لا يتم قياس إلا من مقدمتين لكن ذلك يسمى قياسًا بسيطًا، وقد يكون القياس من أكثر من مقدمتين ويسمى قياسًا مركبًا وقد ذكره بقوله: (وَمِنْهُ) أي القياس، (مَا) أي الذي (يَدْعُونَهُ) أي يسمونه (مُرَكَّبَا) وهو ما أُلِّفَ من أكثر من مقدمتين (لِكَوْنِهِ مِنْ حُجَجٍ) أي أقيسة بسيطة (قَدْ رُكِّبَا)، أي أُلِّفَ، كقولنا: كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس، وكل حساس نام، وكل نام جسم وكل جسم مركب. (فَرَكِّبَنْهُ إِنْ تُرِدْ أَنْ تَعْلَمَهْ) أي إن ترد معرفة القياس فركبه من أكثر من مقدمتين كما تقدم، (وَاقْلِبْ نَتِيجَةً بِهِ) أي في القياس المركب (مُقَدِّمَهْ) أي اجعل النتيجة الحاصلة من المقدمتين الأوليين مقدمة لقياس ثان، فقل: فكل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس، فكل إنسان حساس، فهذه نتيجة المقدمتين الأوليين فاجعلها مقدمة صغرى وضمها لما بعدها، فقل: كل إنسان حساس، وكل حساس نام، واستخرج من هاتين نتيجة فقل: كل إنسان نام، ثم اجعل هذه مقدمة لقياس ثاني فقل: كل إنسان نام. وكل نام جسم .. وهكذا، وهذا معنى قوله: (يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِيبِهَا) أي النتيجة (بِأُخْرَى) أي مع مقدمة أخرى، أي فيحصل منهما (نَتِيْجَةٌ إِلَى هَلُمَّ جَرَّا)، اسم فعل بمعنى أقبل يستوي فيه الواحد والأكثر فتقول: هلم يا زيد، ويا زيدان، ويا زيدون، وجرا مصدر جره إذا سحبه هذا أصل معناه، ثم تُجُوِّزَ بهلم عن طلب الإقبال إلى الإخبار بالاستمرار، وبجرا عن السحب الحسي إلى التعميم المعنوي والمعنى هنا وانته إلى أن يستمر قلب النتيجة مقدمة استمرارًا عامًا شاملاً لجميع الأقيسة البسيطة التي تؤخذ من القياس المركب. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: (فَصْلٌ فِي لَوَاحِقِ القِيَاسِ). والمراد هنا أن ثَمَّة أقيسة لم يسبق لها ذِكْرٌ ذَكَرَهَا في هذا الفصل ذكر منها ثلاثة: القياس المركب. وقياس الاستقراء. وقياس التمثيل. وهذه تعرض لها المناطقة كما أنها القياس التمثيلي الذي تعرض له الفقهاء. [(فَصْلٌ فِي لَوَاحِقِ القِيَاسِ) قد عرفت أنه لا يتم قياس إلا من مقدمتين] يعني فيما سبق (إِنَّ القِيَاسَ مِنْ قَضَايَا صُوِّرَا). قلنا: قضايا لا بد أن يكون مقدمتين فأكثر [أنه لا يتم قياس إلا من مقدمتين لكن ذلك يسمى قياسًا بسيطًا، وقد يكون القياس من أكثر من مقدمتين ويسمى قياسًا مركبًا]، ومر معنا النباش .. إلى آخره، وقد ذكره بقوله: وَمِنْهُ مَا يَدْعُونَهُ مُرَكَّبَا ... لِكَوْنِهِ مِنْ حُجَجٍ قَدْ رُكِّبَا

[(وَمِنْهُ) أي من القياس]، القياس من حيث هو، القياس مر معنا أنه اقتراني واستثنائي وشرطي .. إلى آخره، [(وَمِنْهُ) أي من القياس] أي من حيث هو [(مَا) أي الذي] يعني قياس أي القياس الذي [(يَدْعُونَهُ) أي يسمونه] اصطلاح المناطقة [(مُرَكَّبَا) وهو] أي القياس المركب [ما أُلِّفَ من أكثر من مقدمتين] يعني ثلاث مقدمات فأكثر (لِكَوْنِهِ مِنْ حُجَجٍ قَدْ رُكِّبَا) هذا تعليل لقوله (مُرَكَّبَا)، لماذا هو مركب يسمونه مركبًا؟ لأجل يعني كونه اللام للتعليل متعلق بقوله مركبًا (لِكَوْنِهِ مِنْ حُجَجٍ) جمع حجة وهي القياس، ولكن المراد بالجمع ما فوق الواحد (حُجَجٍ) يعني قياسين فأكثر [أي أقيسة بسيطة] يعني قياسين فأكثر (لِكَوْنِهِ مِنْ حُجَجٍ) جمع حجة، والمراد بالحجة هنا القياس، وأقله اثنان يعني من قياسين اثنين الأول مركب من مقدمتين والثاني مركب من مقدمتين، [أي أقيسة بسيطة (قَدْ رُكِّبَا)، أي أُلِّفَا] الألف هذه للإطلاق والألف في قوله: مركبًا بدلاً عن التنوين في الوقف مركبًا يدعونه مركبًا لأنه ضمير هذا مفعول أول ومركبًا مفعول ثاني، (لِكَوْنِهِ مِنْ حُجَجٍ قَدْ رُكِّبَا) ولو بالقوة كما في مفصول النتائج كما سيأتي، [أي ألف كقولنا: كل إنسان حيوان]، هذه مقدمة، [وكل حيوان حساس]، هذه ثانية، [وكل حساس نام] هذه ثالثة، [وكل نام جسم] هذه رابعة، [وكل جسم مركب] هذه خامسة. إذًا خمس مقدمات، بل يكون أكثر (فَرَكِّبَنْهُ) الفاء هذه (فَرَكِّبَنْهُ إِنْ تُرِدْ أَنْ تَعْلَمَهْ) إذًا عرفنا أن القياس منه بسيط، ومنه مركب، البسيط مؤلف من مقدمتين فقط، العالم متغير، وكل متغير حادث، انتهينا جاءت النتيجة العالم حادث، المركب ما أُلف من ثلاث مقدمات فأكثر، ذكر الشارح هنا ما ركب من خمس مقدمات، فإذا أردت أن تركب المركب هذا كيف تأتي به؟ (إِنْ تُرِدْ أَنْ تَعْلَمَهْ)، (فَرَكِّبَنْهُ).

(فَرَكِّبَنْهُ) الفاء هذه واقعة في جواب الشرط الذي بعده إن، وعلى مذهب الكوفيين أنه يجوز تقدم جواب الشرط على إن الشرطية، وعلى مذهب البصريين المنع فيكون دليل الجواب. إذًا (فَرَكِّبَنْهُ) إما أنه جواب الشرط مقدم، وإما إنه دليل الجواب وليس بالجواب، أول مذهب الكوفيين، والثاني مذهب البصريين، (فَرَكِّبَنْهُ إِنْ تُرِدْ أَنْ تَعْلَمَهْ) أي إن ترد معرفة القياس فركبه من أكثر من مقدمتين كما تقدم، ركبنه النون هذه نون التوكيد الخفيفة (وَاقْلِبْ نَتِيجَةً بِهِ مُقَدِّمَهْ)، (وَاقْلِبْ) ولو تقديرًا كما في مفصول النتائج كما سيأتي (نَتِيجَةً بِهِ) يعني فيه، الباء هنا بمعنى في، ... (مُقَدِّمَهْ) مقدمة هذا مفعول ثاني لقوله: (اقْلِبْ). لأنه ضمنه معنى اجعل نتيجة فيه مقدمة، يعني الأصل في القياس المركب أنه مؤلف من أقيسة بسيطة، يعني يؤتى بالمقدمتين ثم النتيجة، تقلب النتيجة تجعلها مقدمة، ثم تضم إليها مقدمة أخرى، ثم تأتي النتيجة، فحينئذ تجعل النتيجة مقدمة وتضم إليها كبرى، ثم .. وهلم جرا. إذًا في الحقيقة ليس عندنا قياس مركب من ثلاث مقدمات فأكثر، وإنما هو مجموع أقيسة بسيطة يعني مقدمتان ثم تأتي النتيجة، تجعل النتيجة مقدمة صغرى وتضم إليها مقدمة كبرى ثم تأتي النتيجة. إذًا الناظر ابتداءً يظن أنه قياس مركب من أربع مقدمات وليس الأمر كذلك بل هو من مجموع أقيسة بسيطة، ولذلك قال: [(فَرَكِّبَنْهُ إِنْ تُرِدْ أَنْ تَعْلَمَهْ) أي إن ترد معرفة القياس المركب فركبه من أكثر من مقدمتين كما تقدم، (وَاقْلِبْ نَتِيجَةً بِهِ)] الباء بمعنى [في أي في القياس المركب (مُقَدِّمَهْ) أي اجعل النتيجة الحاصلة من المقدمتين الأوليين مقدمة لقياس ثان]، اتضح إلى هنا، نجعل [المقدمة] (¬1) النتيجة مقدمة أولى ونضم إليها مقدمة ثانية، [فقل: فكل إنسان حيوان] هذه مقدمة صغرى، [وكل حيوان حساس] مقدمة كبرى، [فكل إنسان حساس، فهذه نتيجة المقدمتين الأوليين فاجعلها] أي النتيجة نفسها [مقدمة صغرى وضمها لما بعدها، فقل: كل إنسان حساس، وكل حساس نام، واستخرج من هاتين] يعني المقدمة الأولى التي هي نتيجة في الأصل، والمقدمة الثانية [نتيجة فقل: كل إنسان نام، ثم اجعل هذه] المقدمة النتيجة الثانية [مقدمة لقياس ثاني فقل: كل إنسان نام. وكل نام جسم .. وهكذا] إلى هلم جرا إلى ما لا نهاية، [وهذا معنى قوله: (يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِيبِهَا)] أي النتيجة (بِأُخْرَى) أي مع أخرى، [أي مع مقدمة أخرى، أي فيحصل منهما] من المقدمة الأولى التي هي نتيجة في الأصل مع المقدمة الثانية التي ضمت إلى النتيجة (نَتِيْجَةٌ إِلَى هَلُمَّ جَرَّا)، (فَرَكِّبَنْهُ إِنْ تُرِدْ أَنْ تَعْلَمَهْ ** وَاقْلِبْ نَتِيجَةً بِهِ ... ) أي فيه (مُقَدِّمَهْ) يلزم من تركيبها أي المقدمة السابقة بأخرى أي مع أخرى ... (نَتِيْجَةٌ إِلَى هَلُمَّ جَرَّا) اسم بمعنى [اسم فعل] هلم أصلها [اسم فعل بمعنى أقبل يستوي فيه الواحد والأكثر فتقول: هلم يا زيد ويا زيدان ويا زيدون]. ¬

_ (¬1) سبق.

والفعل واحد اسم فعل أمر، [وجرا مصدر جره إذا سحبه هذا أصل معناه، ثم تُجُوِّزَ بهلم عن طلب الإقبال إلى الإخبار بالاستمرار]، مجاز، يعني في الأصل هي طلب الإقبال هلم يا زيد، ثم استُعمل مجازًا في الاستمرار، [وبجرا عن السحب الحسي إلى التعميم المعنوي والمعنى هنا] يعني تُجُوِّزَ بالسحب والأصل في جرا، الجر الأصل فيه حسي، تُجُوِّزَ به واستعمل في المعنوي، يعني هلم جرا يعني استمر فيما أنت عليه مثلاً، حينئذ نقول: هذا أمر معنوي والجر الأصل فيه هو الجر الحسي، وهنا استعمل بالمعنوي حينئذ يكون مجازًا، [والمعنى هنا وانته إلى أن يستمر قلب النتيجة مقدمة استمرارًا عامًا شاملاً لجميع الأقيسة البسيطة التي تؤخذ من القياس المركب]. - - - مُتَّصِلَ النَّتَائِجِ الَّذِي حَوَى ... يَكُونُ أَوْ مَفْصُولَهَا كُلٌّ سَوَا وَإِنْ بِجُزْئِيٍّ عَلَى كُلِّي اسْتُدِلْ ... فَذَا بِالِاسْتِقْرَاءِ عِنْدَهُمْ عُقِلْ (مُتَّصِلَ النَّتَائِجِ) بالنصب خبر يكون (الَّذِي حَوَى) النتائج بأن ذكرت فيه، (يَكُونُ) أي يُسمى بذلك لاتصال نتائجه بالمقدمات (أَوْ) بمعنى الواو (مَفْصُولَهَا) معطوف على متصل النتائج، أي ويكون القياس منفصلها إن لم يحو النتائج، أي لم تذكر فيه بل طويت كقولنا: كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس .. وهكذا إلى آخر القياس المتقدم من غير استخراج نتيجة لكل مقدمتين، وسُمَّيَ منفصل النتائج لعدم ذكرها فيه، (كُلٌّ) من متصل النتائج ومنفصلها (سَوَا) في إفادة المطلوب (وَإِنْ بِجُزْئِيٍّ عَلَى كُلِّي) خففت ياؤه للضرورة (اسْتُدِلْ) أي استدل بجزئي على كلي، بأن تُصُفِّحَتِ الجزئيات وحكمت بحكمها على الكلي، (فَذَا بِالِاسْتِقْرَاءِ عِنْدَهُمْ عُقِلْ) أي علم، كما إذا تصفحنا جزئيات من الحيوان كالإنسان والفرس والحمار فوجدناها تحرك فكها الأسفل عند المضغ، فحكمنا بحكم تلك الجزئيات على كليها وهو الحيوان، وقلنا: كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ، ثم إن كان المتصفح أكثر الجزئيات سمي الاستقراء ناقصًا، كالمثال المتقدم، وإن كان المتصفح جميع الجزئيات كان استقرأنا جزئيات الحيوان فوجدنا بعضها ماشيًا وبعضها غير ماشي، ووجدنا الماشي يموت وغير الماشي كذلك، وحكمنا على كليه وهو الحيوان وقلنا: كل حيوان يموت. سمي استقراءً تامًا. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ عرفنا كيف نأتي بالقياس المركب؟ هو مجموعة أقيسة بسيطة، نجعل النتيجة مقدمة وهكذا، ثم النتيجة هذه قد تذكر وقد تطوى، النتيجة نركب من مقدمتين ثم نتيجة، ثم نأتي بالمقدمة، النتيجة هذه التي جعلناها مقدمة صغرى قد نحذفها لا تذكر، ونضم الثالثة إلى المقدمتين السابقتين، مقدمة ثالثة التي ضممناها تقديرًا إلى النتيجة التي جعلناها مقدمة، النتيجة إذا جعلناها مقدمة قد نذكرها وقد نحذفها، فإن ذكرناها مُتَّصِلَ النَّتَائِجِ الَّذِي حَوَى ... يَكُونُ أَوْ مَفْصُولَهَا كُلٌّ سَوَا حينئذ قياس المركب ينقسم إلى قسمين: متصل النتائج. ومفصول النتائج.

ولذلك قال: [(مُتَّصِلَ النَّتَائِجِ) بالنصب خبر يكون] (مُتَّصِلَ النَّتَائِجِ الَّذِي حَوَى) يكون أي خبر يكون مقدم عليها [(الَّذِي حَوَى) النتائج بأن ذكرت فيه]، يعني إذا نص على النتيجة فهو (مُتَّصِلَ النَّتَائِجِ) لأن عندنا عدة نتائج، حينئذ جاءت متصلة بعضها تلو بعض، الذي حوى أي جمع النتائج بأن ذكرت فيه [(يَكُونُ) أي يُسمى بذلك] يعني متصل النتائج [لاتصال نتائجه بالمقدمات] يعني تكون موصولة، إن ذكرت النتائج فهو متصل النتائج [(أَوْ) بمعنى الواو (مَفْصُولَهَا)] بالنصب ... [معطوف على متصل النتائج، أي ويكون القياس منفصلها إن لم يحو النتائج، أي لم تذكر فيه بل طويت كقولنا: كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس .. وهكذا إلى آخر القياس المتقدم] الذي ذكر له خمس مقدمات، هذه كلها حذفت فيها النتائج لا تذكر، وإنما تكون معلومة ثم تقلبها مقدمة وتحذفها، لأنها معلومة من المقدمتين الأوليين، لأن المقدمة الأولى والثانية قياس بسيط وهو يدل على النتيجة ضمنا بالقوة، لأن موضوع النتيجة هو موضوع الصغرى، [العالم متغير] (¬1) العالم حادث. إذًا موضوع النتيجة هو موضوع الصغرى، ومحمول النتيجة هو محمول الكبرى. إذًا النتيجة متفرقة في المقدمتين، فإذا طويت فثَمَّ ما يدلّ عليها، لأنه لا يجوز الحذف إلا إذا دلّ عليه دليل، وإذا كان كذلك حينئذ نقول المقدمتان الأوليان تضمنتا النتيجة فيجوز حذفها، أي ويكون القياس منفصلها إذ لم يحو النتائج، أي لم تذكر فيه [بل طويت] حذفت، ... [كقولنا: كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس .. وهكذا إلى آخر القياس المتقدم من غير استخراج نتيجة لكل مقدمتين، وسُمَّيَ منفصل النتائج لعدم ذكرها فيه]، لعدم ذكرها أي النتيجة فيه أي في القياس، ... (كُلٌّ سَوَا)، [(كُلٌّ) من متصل النتائج ومنفصلها (سَوَا)] سواء ... [في إفادة المطلوب] يعني هذا التفريق تفريق شكلي فقط، وإلا النتيجة هي هي بمعنى أن النتيجة التي طويت هي مرادة من حيث المعنى فإذا ضممت الثالثة، إذا وجدت قياسًا من ثلاثة مقدمات فاعلم أن ثم مقدمة محذوفة وهي الثالثة التي هي نتيجة، حينئذ ضممت الثالثة في الصورة إلى المقدمتين السابقتين حينئذ متصل النتائج ومنفصل النتائج لا فرق بينهما من حيث كونه قياسًا مركبًا. وإن بجزئي على كل استدل فذا بالاستقراء عندهم عقل ¬

_ (¬1) سبق.

هذا النوع الثاني الذي ذكره من لواحق القياس، الأول القياس المركب، والثاني القياس الاستقرائي (وَإِنْ بِجُزْئِيٍّ عَلَى كُلِّي اسْتُدِلْ) جزئي بالتشديد على أصله (عَلَى كُلِّي اسْتُدِلْ)، (كُلِّي) هذا الأصل خففت الياء من أجل الوزن، وإن بجزئي استدل، وإن استدل بجزئي على كلي، إذًا كلا الجار والمجرور متعلق بقوله: استدل، بجزئي متعلق باستدل، وكذلك على كلي متعلق به، [(وَإِنْ بِجُزْئِيٍّ عَلَى كُلِّي) خففت ياؤه للضرورة ... (اسْتُدِلْ) أي استدل بجزئي على كلي]، والمراد هنا استدل بجزئي ليس بالجزئي بذاته؛ لأنه لفظ، وإنما المراد به بالحكم الجزئي على حكم الكلي، فلا بد من جعله صفة لموصوف محذوف، وإن استدل بجزئي يعني بذاته؟ لا، لأن المراد هنا إثبات الأحكام. إذًا يُستدل بماذا؟ بحكم الجزئي على حكم الكلي، أي استدل بحكم جزئي على حكم كلي، أو حكم الجزئي على حكم الكلي، أي استدل بجزئي على كلي، وصورة الاستدلال فسرها بقوله: بأن الباء هذه للتصوير [بأن تُصُفِّحَتِ الجزئيات وحكمت بحكمها] أو بأن تصفحتَ أنتَ الجزئيات [وحكمت بحكمها على الكلي]، يعني تنظر في الجزئيات في الآحاد جزئي، ثم جزئي، ثم ثالث، ثم رابع، قد يكون أكثر وقد يكون الجميع، ثم تثبت الحكم للعام بناءً على ماذا؟ بناءً على أن الحكم في الجزئي هو كذا، حينئذ تسحب حكم الجزئيات وتضعه أو تلصقه بحكم الكلي، بمعنى تقول: الكلي كذا وحكمه كذا ما الدليل؟ لأننا تصفحنا الجزئيات ووجدناها كذا وكذا، هذا كما يذكره الفقهاء في مقام الحيض وغيره، بأن تصفحت الجزئيات وحكمت بحكمه على الكلي (فَذَا بِالِاسْتِقْرَاءِ عِنْدَهُمْ عُقِلْ)، (فَذَا) المشار إليه ما هو؟ استدلال، (فَذَا) المشار إليه هو الاستدلال المفهوم من قوله: استدل هذا كقوله {اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] لأن الضمير اسم الإشارة لا يعودان إلا على الأسماء، حينئذ أين المشار إليه هنا؟ تقول: الاستدلال المفهوم من قوله: ... (اسْتُدِلْ)، (فَذَا) الاستدلال (عُقِلْ) (بِالِاسْتِقْرَاءِ عِنْدَهُمْ) يعني عُلم وثبت بالاستقراء، وهو استفعال من القراءة عندهم أي عند المناطقة، [أي علم، كما إذا تصفحنا جزئيات من الحيوان الإنسان كالإنسان والفرس والحمار فوجدناها] اشتركت في أمر ما وهو أنها [تحرك فكها الأسفل عند المضغ، فحكمنا بحكم تلك الجزئيات على كليها وهو الحيوان]، الحيوان كلي له جزئيات وهو الفرس و .. و ..

إلى آخره، القدر المشترك الذي نجده في هذه الجزئيات نحكم بها على الحيوان، فحينئذ نقول: كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ بناءً على ماذا؟ على استقراء بعض الأجزاء بعض الجزئيات، [إذا تصفحنا جزئيات من الحيوان كالإنسان والفرس والحمار فوجدناها تُحرك فكها الأسفل عند المضغ فحكمنا بحكم تلك الجزئيات]، انظر الكلام في الحكم، استدلال ليس بالجزئي وإنما بحكم الجزئي، ... [فحكمنا بحكم تلك الجزئيات على كليها وهو الحيوان، وقلنا: كل حيوان طلعنا بنتيجة، كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ] ما الدليل؟ الاستقراء، بماذا أثبتت أن كل حيوان إلى آخره؟ تقول: دليلنا هو الاستقراء، الاستقراء والتتبع، [ثم إن كان المتصفح أكثر الجزئيات سمي الاستقراء ناقصًا]، يعني الاستقراء عرفنا ما هو تصفح الجزئيات ثم نأخذ حكمه فنثبته للكل انتهينا. فبالاستقراء نوعان: استقراء جزئي ناقص. واستقراء كلي تام كامل. إن كان التصفح لأكثر الجزئيات وتركنا بعضها هذا يسمى استقراءً ناقصًا، وإن تصفحنا جميع الجزئيات لم نترك واحدًا منها، نقول: هذا استقراء تام. الأول: هذا يفيد الظن يعني لا يكون دليلاً قطعيًّا. الثاني: الاستقراء التام يكون قطعيًّا بمعنى أنه دليل حجة يحتج به، ولذلك قد يستقرأ الكتاب والسنة في مسألة ما خاصة في باب المعتقد فيثبت به يعني بالاستقراء الحكم الشرعي، ويكون قطعيًّا ولا يجوز خلافه البتة، وأما الاستقراء الناقص فهذا لا يعتبر حجة كما هو مذهب كثير من الفقهاء في أقل الحيض وأكثر الحيض ووجدنا النساء كذا هذا استقراء لكنه استقراء ناقص لأنه يمتنع أن يكون الشافعي أو أحمد أو أبو حنيفة أو مالك أن استقرأ جميع نساء العالم هذا بعيد ممتنع، حينئذ نقول: هذا استقراء لكنه ناقص يفيد الظن لا يكون دليلاً يعني يلزم به الخصم، [ثم إن كان المتصفح أكثر الجزئيات سمي الاستقراء ناقصًا]. هنا قال: أكثر الجزئيات. إذا لو تصفح النصف فأقل لا يسمى استقراءً عند المناطقة وهو كذلك، عند المناطقة لا يسمى استقراءً، ولذلك قال: أكثر الجزئيات. يعني ما زاد عن النصف، ما يصدق عليه بأنه أكثر، فإن كان النصف فأقل لا يسمى استقراءً عند المناطقة وهو كذلك، وإن كان الفقهاء يخالفون في ذلك، يعني استعماله يتساهلون فيجعلون استقراء النصف أو أقل بأنه استقراء ناقص فيختلفون، [كالمثال المتقدم] هذا استقراء ناقص، [وإن كان المتصفح جميع الجزئيات [كان استقراء أي نعم] (¬1) كأننا استقرأنا جزئيات الحيوان فوجدنا بعضها ماشيًا وبعضها غير ماشي، ووجدنا الماشي يموت وغير الماشي كذلك، وحكمنا على كليه وهو الحيوان وقلنا: كل حيوان يموت. سمي استقراءً تامًا]. هذا لا يحتاج {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء: 35]، [العنكبوت: 57] حينئذ نقول كمثال: والشأنُ لا يُعترضُ المثال ... إذ قد كفى الفرضُ والاحتمال إذا استقرئ الحيوان بجميع جزئياته وجد بأن كل حيوان يموت، إذًا كل حيوان يموت، نقول: هذا استقراء تام، وهو حجة. - - - وَعَكْسُهُ يُدْعَى القِيَاسَ المَنْطِقِي ... وَهْوَ الَّذِي قَدَّمْتُهُ فَحَقِّقِ وَحَيْثُ جُزْئِيٌّ عَلَى جُزْئِيْ حُمِلْ ... لِجَامِعٍ فَذَاكَ تَمْثِيلٌ جُعِلْ ¬

_ (¬1) سبق.

وَلاَ يُفِيدُ القَطْعَ بِالدَّلِيلِ ... قِيَاسُ الِاسْتِقْرَاءِ وَالتَّمْثِيلِ (وَعَكْسُهُ) أي الاستقراء الذي تقدم أنه الاستدلال بحكم الجزئيّ على الكليّ وهو الاستدلال بحكم الكلي على الجزئي (يُدْعَى) أي يُسمى ... (القِيَاسَ المَنْطِقِي) فالقياس المنطقي (وَهْوَ الَّذِي قَدَّمْتُهُ) أول باب القياس عند قوله: (إِنَّ القِيَاسَ مِنْ قَضَايَا صُوِّرَا). (فَحَقِّقِ) المعلوم، فالقياس استدلال بحكم الكلي على الجزئي كقولنا: كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم. فإنه استدل بثبوت الجسمية للحيوان الكلي على ثبوتها للإنسان الذي هو جزئي من جزئيات الحيوان، والاستقراء استدلال بحكم الجزئي على الكلي كما عُلم مما سبق. (وَحَيْثُ جُزْئِيٌّ عَلَى جُزْئِيْ) خففت ياؤه للضرورة (حُمِلْ) أي حيث حمل جزئي على جزئي آخر في حكمه (لِجَامِعٍ) مشترك بينهما كحمل النبيذ على الخمر في الحرمة للإسكار، (فَذَاكَ) الحمل (تَمْثِيلٌ جُعِلْ) أي يُسمى هذا الدليل تمثيلاً: وقد عرفه السعد بقوله: هو تشبيه جزئي بجزئي في معنى مشترك بينهما، لِيُثْبَت في المشبه الحكم الثابت في المشبه به المعلل بذلك المعنى. (وَلاَ يُفِيدُ القَطْعَ) أي اليقين (بِالدَّلِيلِ) أي بنتيجة الدليل (قِيَاسُ الِاسْتِقْرَاءِ وَالتَّمْثِيلِ) والدليل إظهار في محل الإضمار، أي بنتيجتهم أما قياس الاستقراء فلجواز أن يكون قد بقي جزئي من جزئيات على خلاف ما استقرأته، قالوا: وقد وجد أن التمساح يحرك فكه الأعلى عند المضغ فلم تكن النتيجة في الاستقراء، وهي كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ قطعية، وأما قياس التمثيل فلأنه لا يلزم من تشابه أمرين في معنى تشابههما في جميع الأحكام. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ وَعَكْسُهُ يُدْعَى القِيَاسَ المَنْطِقِي ... وَهْوَ الَّذِي قَدَّمْتُهُ فَحَقِّقِ

(وَعَكْسُهُ) يعني استدلال بالكلي على الجزئي أليس كذلك؟ (وَعَكْسُهُ) أي الاستدلال [على الكل] (¬1) على الجزئي بالكلي، الاستقراء استدلال بالجزئي على الكلي استقراء بالجزئي يعني الحكم الجزئي على حكم الكلي، إذا كان العكس الاستدلال بحكم الكلي على حكم الجزئي هذا القياس المنطقي وهو الذي سبق في باب القياس، (وَعَكْسُهُ) أي مفيد عكسه، لأن عكس ما ذكره فيما سبق هو الاستدلال بالكلي على الجزئي، وليس ذلك هو المسمى بالقياس المنطقي وإنما المسمى نفس المقدمتين المستدل بهما فلا بد من تقدير المضاف، هذا من جهة اللفظ. وقال البيجوري: (وَعَكْسُهُ) أي مفيد عكسه. لأن الذي أفاد العكس هو المقدمتان، لأن القياس عبارة عن هيئة تتعلق بالمقدمتين، أولاً مقدمة لا تكفي، لا بد من مقدمتين، ثم كل مقدمة لا بد من حد أوسط وحد مكرر ثم النتيجة لازمة، ثم تنتهي إذًا مسائل متعددة، هذه بهذا التركيب مفيد للحكم الكلي على الجزئي. إذًا ... (وَعَكْسُهُ) أي مفيد عكسه يدعى القياس المنطقي [(وَعَكْسُهُ) أي الاستقراء الذي تقدم أنه الاستدلال بحكم الجزء على الكل وهو الاستدلال بحكم الكلي على الجزئي (يُدْعَى) أي يُسمى (القِيَاسَ المَنْطِقِي) فالقياس المنطقي (وَهْوَ الَّذِي قَدَّمْتُهُ) أول باب القياس عند قوله: (إِنَّ القِيَاسَ مِنْ قَضَايَا صُوِّرَا)]. إذًا نستفيد من هذه الجملة فقط شيئًا واحدًا وهو أن القياس المنطقي استدلال في حكم الكلي على حكم الجزئي، واضح؟ وأما أحكامه فهي ما سبق. [(فَحَقِّقِ) أي المعلوم، فالقياس استدلال بحكم الكلي على الجزئي كقولنا: كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم. فإنه استدل بثبوت الجسمية للحيوان الكلي على ثبوتها للإنسان الذي هو جزئي من جزئيات الحيوان]، كل إنسان حيوان، أثبتنا أن الإنسان حيوان، طيب وكل حيوان جسم، النتيجة إنسان جسم. فإنه استدل بثبوت الجسمية للحيوان الكلي على ثبوتها للإنسان، لماذا؟ لكون الإنسان داخلاً في قوله: كل حيوان جسم. لأن هذا فائدة الحد الوسط أنه يأخذ الموضوع موضوع الصورة فيدخل تحته من أجل أن يمرره للحكم النهائي، حينئذ كل إنسان حيوان، وكل حيوان ومنه الإنسان الذي حكمنا على لسانه بكونه حيوان جسم، على ثبوتها للإنسان الذي هو جزئي من جزئيات الحيوان، [والاستقراء استدلال بحكم الجزئي على الكلي كما عُلم مما سبق]. إذًا نثبت الحكم العام ثم بعد ذلك نستصحبه في الجزئي وهذا هو فائدة القياس. وَحَيْثُ جُزْئِيٌّ عَلَى جُزْئِيْ حُمِلْ ... لِجَامِعٍ فَذَاكَ تَمْثِيلٌ جُعِلْ ¬

_ (¬1) سبق.

هذا قياس الثالث وهو حمل الجزئي على الجزئي، النظير على النظير، هذا قياس التمثيل الذي يستخدمه الفقهاء، وهو قدر مشترك بين الفقهاء وبين المناطقة، يعني بحثه مشترك، ولذلك لهم اصطلاحات خاصة هنا تغاير اصطلاحات الفقهاء، (وَحَيْثُ جُزْئِيٌّ عَلَى جُزْئِيْ)، وحيث جزئي بالتشديد على جزئي (حُمِلْ) بالتخفيف [خففت ياؤه للضرورة (حُمِلْ) أي حيث حمل جزئي على جزئي آخر في حكمه (لِجَامِعٍ) مشترك بينهما]، يعني علة وجدت في الأصل وتَرَتَّبَ عليها الحكم، ثم وجدنا العلة بعينها في الفرع، حينئذ نسحب حكم الأصل على الفرع، فحينئذ يكون حمل لجزئي على جزئي [(لِجَامِعٍ) بينهما أي مشترك بينهما كحمل النبيذ على الخمر في الحرمة للإسكار]، حمل النبيذ وهو جزئي مجهول الحكم، على الخمر وهو جزئي كذلك وإن سمي أصلاً عند الفقهاء، في الحرمة يعني في الحكم وهو التحريم، للإسكار وهو العلة الجامعة (فَذَاكَ) أي [الحمل]، فذاك المشار إليه ما هو؟ الحمل المفهوم من قوله: (حُمِلْ) لأن حمل هذا فعل ولا يشار إليه، وإنما يشار إلى الأسماء، [(تَمْثِيلٌ جُعِلْ) أي يُسمى هذا الدليل تمثيلاً]، وهذا الذي ذهب إليه الناظم. قال هنا: [وقد عرفه السعد] سعد الدين والملة صاحب المطول المختصر على ((التلخيص)) [وقد عرفه السعد] بخلاف تعريف الناظم في قوله: [هو تشبيه] إذًا لم يعبر بالحمل وإنما عبر بالتشبيه، [تشبيه جزئي بجزئي في معنى مشترك بينهما، لِيُثْبَت في المشبه الحكم الثابت في المشبه به المعلل بذلك المعنى]، إذًا ما الفرق بين هذا وذاك؟ أولاً فيه زيادة إيضاح من حيث قوله: (لِجَامِعٍ) زيادة إيضاح. وثانيًا: لم يعبر بالحمل وإنما عبر بالتشبيه، وأركانه أربعة: مشبه ويسمى حدًّا أصغر. ومشبه به ويسمى أصلاً. وحكم، ويسمى حدًّا أكبر. وجامع ويسمى حدًّا أوسط. هكذا نص عليه البيجوري. وَلاَ يُفِيدُ القَطْعَ بِالدَّلِيلِ ... قِيَاسُ الِاسْتِقْرَاءِ وَالتَّمْثِيلِ (وَلاَ يُفِيدُ القَطْعَ بِالدَّلِيلِ)، يعني ما الذي يفيد القطع وما الذي لا يفيد القطع؟

قال: لا يفيد القطع، بل يفيد الظن، ما هو؟ (قِيَاسُ الِاسْتِقْرَاءِ)، ومراده الناقص وليس التام، لأن التام يفيد القطع، (وَالتَّمْثِيلِ) أي وقياس التمثيل الذي هو جزئي على جزئي حمل [(وَلاَ يُفِيدُ القَطْعَ) أي اليقين ... (بِالدَّلِيلِ) أي بنتيجة الدليل (قِيَاسُ الِاسْتِقْرَاءِ)] أي الناقص لا بد من تقييده، (وَالتَّمْثِيلِ) أي وقياس التمثيل، والدليل إظهار في محل الإضمار [(وَلاَ يُفِيدُ القَطْعَ بِالدَّلِيلِ)، والدليل إظهار في محل الإضمار [أي بنتيجتهم]، [نعم] بالدليل يعني بنتيجته [أما قياس الاستقراء] فلماذا لا يدل على القطع؟ لماذا لا يفيد القطع؟ [فلجواز أن يكون قد بقي جزئي من جزئيات على خلاف ما استقرأته]، نعم لأنك إذا استقرأت الأكثر حينئذ بقي قد يكون كثيرًا، وقد يكون هذا الحكم هذا الكثير الذي بقي ولم يستقرأ حكمه مخالف لما وقفت عليه، محتمل أو لا؟ وإذا احتمل حينئذ لا يفيده قطعًا، الحكم على الأكثر لا يفيد القطع البتة. قالوا: وقد وجد أن التمساح يحرك فكه الأعلى عند المضغ، هذا نقل لما سبق، كل حيوان يحرك فكه الأسفل، [قالوا]: التمساح على العكس إذًا صار نقضًا، [وقد جد أن التمساح يحرك فكه الأعلى عند المضغ فلم تكن النتيجة في الاستقراء، وهي كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ قطعية ليس قطعيًّا، وأما قياس التمثيل] وهو الحمل أو التشبيه [فلأنه لا يلزم من تشابه أمرين في معنى تشابههما في جميع الأحكام]. لأنه قال: على ما ذكره السعد تشبيه جزئي بجزئي، إذًا إذا اشتبه هذا النظير فهذا النظير لا يلزم المشابه في جميع الأحكام، أو بجزئي آخر. إذًا القياس هذا لا يفيد القطع، أما المقياس الذي عندهم بنفي الفارق هذه مسألة أخرى. - - - فَصْلٌ فِي أَقْسَامِ الحُجَّةِ وَحُجَّةٌ نَقْلِيَّةٌ عَقْلِيَّهْ ... أَقْسَامُ هَذِي خَمْسَةٌ جَلِيَّهْ خَطَابَةٌ شِعْرٌ وَبُرْهَانٌ جَدَلْ ... وَخَامِسٌ سَفْسَطَةٌ نِلْتَ الأَمَلْ (فَصْلٌ فِي أَقْسَامِ الحُجَّةِ) أي الدليل، سمي بذلك لأن من تمسك به حج خصمه، أي غلبه. (وَحُجَّةٌ) مبتدأ سَوَّغَ الابتداء به قصد الجنس، وهي إما (نَقْلِيَّةٌ) وهي ما كانت من الكتاب والسنة والإجماع، وإما ... (عَقْلِيَّهْ)، وقد ذكرها بقوله: (أَقْسَامُ هَذِي) الحجة العقلية (خَمْسَةٌ جَلِيَّهْ) أي ظاهرة أولها (خَطَابَةٌ) وهي قياس مؤلف من مقدمات مقبولة لصدورها من معتقد كولي أو من مقدمات مظنونة كقولنا: كل حائط ينتثر منه التراب ينهدم، ونحو: فلان يسار العدو فهو مسلم للثغر. ونحو: فلان يطوف بالليل بالسلاح فهو متلصص، والغرض منها ترغيب الناس فيما ينفعهم كما يفعله [الخطاب] والوعاظ. وثانيها (شِعْرٌ) وهو قياس مؤلف من مقدمات تنبسط منها النفس نحو الخمر مقوية سيالة، أو تنقبض منها النفس نحو العسل مِرّة مُهَوِّعَة، ونحوه الورد صِرْم بغلي قائم في وسطه روث، والغرض منه انفعال النفس بالترغيب والترهيب، ويزيد الانفعال بأن يكون على وزن من أوزان الشعر أو بصوت طيب. (وَ) ثالثها (بُرْهَانٌ) وهو قياس مؤلف من مقدمات يقينية كما يأتي.

رابعها (جَدَلْ) وهو قياس مؤلف من مقدمات مشهورة تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة فقد يكون الشيء مشهورًا عند قوم دون آخرين، ومن مقدمات مسلمة عند الناس وعند الخصمين. كقولنا: هذا ظلم، وكل ظلم قبيح. وكقولنا: هذه مراعاة للضعفاء، وكل مراعاة للضعفاء محمودة. والغرض منه إلزام الخصم وإقناع القاصر عن إدراكه البرهان. (وَخَامِسٌ) أي خامسها (سَفْسَطَةٌ) وهي قياس مؤلف من مقدمات وهمية كاذبة نحو: هذا ميت، وكل ميت جماد، فهذا جماد، وشبيهة بالحق وليست به كقولنا: في صورة فرس على حائط هذا فرس، وكل فرس صاهل. (نِلْتَ الأَمَلْ) جملة دعائية تكملة للبيت. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ (فَصْلٌ فِي أَقْسَامِ الحُجَّةِ) وهي ستة، والمراد بالحجة هنا [أي الدليل، سمي بذلك] يعني حجة لأنه [لأن من تمسك به حج خصمه] يعني صار حجيجًا عليه بهذه أو بهذا الدليل، [حج خصمه أي غلبه قال: (وَحُجَّةٌ نَقْلِيَّةٌ عَقْلِيَّهْ)] يعني قسم لك الحجة إلى قسمين: نقلية. وحجة عقلية. (أَقْسَامُ هَذِي) الأخير العقلية خمسة جلية واضحة بينة ونحن قلنا: ستة، [أي نعم مع النقلية]، إذًا النقلية واحدة، والعقلية خمسة، صارت ستة، [(وَحُجَّةٌ) مبتدأ سَوَّغَ الابتداء به قصد الجنس] أو التفصيل، [وهي إما (نَقْلِيَّةٌ)] نسبة للنقل، واستنادها إليه [وهي ما كانت من الكتاب والسنة والإجماع]، يعني ما كان كل من مقدمتيها أو إحداهما من الكتاب أو السنة أو الإجماع تصريحًا أو استنباطًا، يعني قياسًا مؤلف من مقدمتين، وكل مقدمة ليست عقلية، وإنما هي من الكتاب والسنة أو الإجماع، أو كانت إحدى المقدمتين كذلك فحينئذ نقول: هذه نقلية، [وإما (عَقْلِيَّهْ)] منسوبة إلى العقل لأن العقل لا يتوقف إثباته على نقل، [وقد ذكرها بقوله: (أَقْسَامُ هَذِي) الحجة العقلية (خَمْسَةٌ جَلِيَّهْ)] واضحة [أي ظاهرة] عند أهل المنطق [أولها]. خَطَابَةٌ شِعْرٌ وَبُرْهَانٌ جَدَلْ ... وَخَامِسٌ سَفْسَطَةٌ نِلْتَ الأَمَلْ أَجَلُّهَا البُرْهَانُ ................. ... ...........................

[(خَطَابَةٌ) وهي قياس مؤلف من مقدمات مقبولة لصدورها من معتقد كولي أو من مقدمات مظنونة]، إذًا الخطابة [هي قياس مؤلف من مقدمات مقبولة] أو مظنونة، مقبولة يعني لصلاح قائلها أو مظنونة يعني لا تفيد القطع وإنما تفيد الظن. قالوا: مقدمات مقبولة مثل ماذا؟ العمل الصالح يوجب الفوز، هذه مقدمة طيبة {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] وكل مكانة ذلك كذلك لا ينبغي إهماله أليس كذلك؟ كل ما كان يوجب الفوز حينئذ لا ينبغي إهماله ينتج أن العمل الصالح لا ينبغي إهماله، يعني الخطيب يأتي هكذا، لكن يدور حول هذه يعني يثبت أولاً أو يجمع بين مقدمتين ثم يرتب عليهما ما لا ينفك عن السابق، يعني يترقى في ذكر الحكم الذي أراده بأن يثبت مقدمة قول العمل الصالح يوجب الفوز، ويذكر الأدلة على ذلك، وما كان كذلك لا ينبغي إهماله، إذًا العمل الصالح لا ينبغي إهماله، [من مقدمات مقبولة لصدورها من معتقد كولي] ليس بشرط، أو هنا سقطت أو من مقدمات مظنونة [كقولنا: كل حائط ينتثر منه التراب ينهدم]. مظنونة هذه، [ونحو: فلان يسار العدو فهو مسلم للثغر]. صار يعني يعطيهم الأسرار فهو مسلم للثغر قد يساره ولا يسلم، [ونحو: فلان يطوف بالليل بالسلاح فهو متلصص]. وهذا مظنون ليس كل من سار السلاح في الليل فهو لص، [والغرض منها] يعني الخطابة [ترغيب الناس] المخاطب [فيما ينفعهم كما يفعله [الخطاب] والوعاظ] لعلها الخطباء ليس [الخطاب] كما يفعله الخطباء إلا إذا كان خطيب يجمع على خطاب وأنا لا أعرفه [كما ينفعهم نعم] (¬1)، [فيما ينفعهم كما يفعله الخطباء والوعاظ]. إذًا الخطابة نوع من أنواع القياس. [وثانيها (شِعْرٌ) وهو قياس مؤلف من مقدمات تنبسط منها النفس] تستريح [نحو الخمر مقوية سيالة]، هذا مفسد في الأرض يريد أن يرغب الناس في الخمر، فيأتي ويضع عليها من العبارات الجميلة الرنانة يقول: ما أجمل الخمر وما أحسنها، يريد أن يرغب الناس يقول: هذا شعر، قول من يريد الترغيب في شرب الخمر هذه خمرة وكل خمرة ياقوتة سيالة يُنتج هذه ياقوتة سيالة، النفس تنبسط، يعني النفوس المريضة تنبسط من ذلك، [أو تنقبض] هنا قال: الخمر مقوية سيالة. تقوي البدن والمشهور ياقوتة، [أو تنقبض منها النفس] يعني يريد أن يُنَفِّر كقول من يريد التنفير من العسل مثال هذا، ما وجد إلا العسل لينفر منه. فقال: هذا عسل، وكل عسل مِرَّة، يعني فيه مرارة، وهو ما يجتمع في الجرح من القيح، فكل عسل مرة مهوعة. ¬

_ (¬1) سبق.

يعني تقيئ ينتج هذه مرة مُهَوِّعَة، مُهَوِّعَة مُهَوَّعَة يجوز فيها الوجهان، إذًا يريد ماذا؟ يريد التنفير، [أو تنقبض منها النفس نحو العسل مِرّة] بكسر الميم [مُهَوِّعَة] مُهَوَّعَة، المراد بها هي قيء النحل، [ونحوه الورد صِرْم بغلي قائم في وسطه روث] لعل المراد بالصرم الصارمة وهو السيف الصارم أي القاطع، كل المثال ليس بواضح المراد المعنى ظاهر، [والغرض منه انفعال النفس بالترغيب والترهيب] يعني الغرض من الشعر انفعال النفس بالترغيب والترهيب، [ويزيد الانفعال بأن يكون على وزن من أوزان الشعر أو بصوت طيب]، يعني إذا حصل الترغيب والترهيب بصوت طيب يتغنى به يزيد الانفعال، وإذا حصل على وزن من أوزان الشعر كذلك، وهذا زيادة عند المتأخرين، أما المتقدمين لا يشترطون الوزن في الشعر. [(وَ) ثالثها (بُرْهَانٌ) وهو قياس مؤلف من مقدمات يقينية كما يأتي] أجلها البرهان ما ألف من مقدمات باليقين وهي الحجة عندهم، أعلى درجات القياس هو البرهان وسيأتي بحثه. [رابعها (جَدَلْ) وهو قياس مؤلف من مقدمات مشهورة تختلف باختلاف الأزمنة فالأمكنة وقد يكون الشيء مشهورًا عند قوم دون آخرين]، وفي مكان دون مكان وزمان دون زمان، [ومن مقدمات مسلمة عند الناس وعند الخصمين]. إذًا مقدمات مشهورة وهذه الشهرة تختلف من زمان لزمان ومكان إلى مكان، ومن مقدمات مسلمة عند الناس، أو عند الخصمين [كقولهم: هذا ظلم، وكل ظلم قبيح]. إذًا هذا قبيح، هذا مسلم به، [وكقولنا: هذه مراعاة للضعفاء، وكل مراعاة للضعفاء محمودة. والغرض منه إلزام الخصم وإقناع القاصر عن إدراكه البرهان]. إذًا الجدل هذا له باب عند الأصوليين يذكر في محله. [(وَخَامِسٌ) أي خامسها (سَفْسَطَةٌ) وهي قياس مؤلف من مقدمات وهمية كاذبة نحو: هذا ميت، وكل ميت جماد، فهذا جماد]، هذا ميت الميت جماد؟ ليس بجماد، هذا ميت، وكل ميت جماد هذه كاذبة، أو ... [شبيهة بالحق وليست به] يعني الحق ليست به يعني ليست بالحق [كقولنا: في صورة فرس على حائط هذا فرس، وكل فرس صاهل]. هذا صهال. يعني يرى صورة يقول: هذا فرس يقول: هذا المرسوم هذا فرس، والفرس صهال. إذًا هذا .. . نقول: هذا كذاب على طول [ها ها]. [(نِلْتَ الأَمَلْ) جملة دعائية تكملة للبيت]. - - - أَجَلُّهَا البُرْهَانُ مَا أُلِّفَ مِنْ ... مُقَدِّمَاتٍ بِاليَقِينِ تَقْتَرِنْ مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ مُشَاهَدَاتِ ... مُجَرَّبَاتٍ مُتَوَاتِرَاتِ وَحَدَسِيَّاتٍ وَمَحْسُوسَاتِ ... فَتِلْكَ جُمْلَةُ اليَقِينِيَّاتِ

(أَجَلُّهَا) أي أقسام الحجة، (البُرْهَانُ) فالجدل فالخطابة فالشعر فالسفسطة. وعرف البرهان بقوله: وهو (مَا أُلِّفَ) أي رُكِّب من مقدمات (بِاليَقِينِ تَقْتَرِنْ) أي يقينية فخرج به باقي أقسام الحجة من الجدل وغيره، وبيت يقينيات (مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ) أي المقدمات اليقينية هي الأوليات أي الضروريات التي لا يتوقف حكم العقل فيها على استعانة بحس أو غيره، بل بمجرد تصور الطرفين يحكم العقل فيها كقولنا: الواحد نصف الاثنين، والكل أعظم من الجزء. (مُشَاهَدَاتِ) وهي. ما لا يحكم العقل فيها بمجرد تصور الطرفين، بل يحتاج إلى المشاهدة بالحس الباطن، وتسمى وجدانيات كالعلم بأنك جائع، أو غضبان أو متلذذ أو متألم. و (مُجَرَّبَاتٍ) وهي ما يحتاج العقل في الجزم بحكمه إلى تكرار المشاهدة مرة بعد أخرى، كقولنا: السقمونيا مسهلة للصفراء. و (مُتَوَاتِرَاتِ) وهي ما يحكم العقل فيها بواسطة السماع من جمع يُؤمن تواطؤهم على الكذب كقولنا: سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ادعى النبوة وظهرت المعجزات على يديه. (وَحَدَسِيَّاتٍ) بتحريك الدال للضرورة، وهي ما يحكم العقل فيه بواسطة حدس أو ظن مستند إلى أمارة كقولنا: نور القمر مستفاد من نور الشمس، لاختلاف تشكلاته النورية بحسب قربه من الشمس وبعده عنها. (وَمَحْسُوسَاتِ) وهي ما يحكم به العقل بواسطة الحس الظاهر من غير توقف على شيء آخر، قولنا: الشمس مشرقة والنار محرقة. (فَتِلْكَ) المذكورات (جُمْلَةُ اليَقِينِيَّاتِ) التي يتألف البرهان منها لإنتاج اليقين. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

(أَجَلُّهَا) أي أقواها [أي أقسام الحجة]، أجلها أي أقوى أقسام الحجة [(البُرْهَانُ) فالجدل فالخطابة فالشعر فالسفسطة]، يعني على التوالي، البرهان أقواها لأنه يتركب من مقدمات يقينية وهذه أعلى الدرجات، ويليه الجدل لأنه يتركب من مقدمات قريبة من اليقين يعني إما مشهورة أو مسلمة، ثم الخطابة لأنها تتركب من مقدمات مظنونة، ثم الشعر لانفعال النفس به، ثم السفسطة وهي الكذب. [وعرف البرهان بقوله: وهو (مَا أُلِّفَ) أي رُكِّب] وهو ما أي قياس ألف [أي ركب من مقدمات (بِاليَقِينِ تَقْتَرِنْ)] يعني مقدمات يقينية [أي يقينية فخرج به باقي أقسام الحجة من الجدل وغيره]، يعني إما مظنونة وإما وهمية .. إلى آخره وإنما الذي يختص بالمقدمات اليقينية هو البرهان، ولذلك عناية المناطقة وكذلك أرباب الكلام والأصوليين بالبرهان آكد، أي مقدمات اليقينية [نعم] أي يقينية فخرج به باقي أقسام الحجة من الجدل وغيره، ثم بَيَّنَ ما هي المقدمات اليقينية؟ متى نحكم على أن هذه يقينية؟ أجلها البرهان ما ألف من، أجلها البرهان مبتدأ وخبر أجل البرهان، أجل هذه الأقسام البرهان، مبتدأ وخبر، (مَا) أي هو الذي ألف، إذًا (مَا) خبر لمبتدأ محذوف من مقدمات ألف من مقدمات متعلق بقوله: (أُلِّفَ)، تقترن باليقيني يعني يقينية لأن الجملة صفة لمقدمات، مقدمات يقينية، مقدمات هذه شملت الضرورية والنظرية والعقلية والنقلية لأنها عامة، لأنها البرهان كما يكون في العقل يكون في النقل على الصحيح، ثم الضروريات هذه واضحة لأنها يقينية، النظرية سبق أنها لا بد أن تنتهي إلى ضرورة، فإذا كان كذلك حينئذ صار التركيب أو صح تركيب المقدمات النظرية في البرهان. مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ مُشَاهَدَاتِ ... مُجَرَّبَاتٍ مُتَوَاتِرَاتِ وَحَدَسِيَّاتٍ وَمَحْسُوسَاتِ ... فَتِلْكَ جُمْلَةُ اليَقِينِيَّاتِ وهي ستة: أوليات الأول. مشاهدات الثاني. مجربات. متواترات أربعة. وحدسيات. ومحسوسات. هذه ستة، إذًا جملة اليقينيات ستة وليست كلها متفق عليها، بل بعضها مختلف فيها، والصحيح أنها مظنونة، (مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ) هذا بدل من قوله: (مِنْ مُقَدِّمَاتٍ)، (مَا أُلِّفَ مِنْ مُقَدِّمَاتٍ، (مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ) جار ومجرور بدل من قوله: (مِنْ مُقَدِّمَاتٍ)، [(مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ) أي المقدمات اليقينية هي الأوليات] بالنسبة إلى الأول [أي الضروريات التي لا يتوقف حكم العقل فيها على استعانة بحس أو غيره]، يعني بمجرد تعقل الطرفين حكم العقل، لا يحتاج إلى واسطة، يعني مشاهد ينظر يبصر ويحتاج أن العقل يحكم. إذًا حكم بواسطة الحس مع العقل، أما الأوليات فهي البدهيات التي مباشرة يحكم فيها العقل بين الطرفين، فهي القضايا التي يدركها العقل بمجرد تصور الطرفين، [أي الضروريات التي لا يتوقف حكم العقل فيها على استعانة بحس أو غيره، بل بمجرد تصور الطرفين يحكم العقل فيها كقولنا]: ماذا؟ [الواحد نصف الاثنين]، نحتاج إلى دليل؟ [والكل أعظم من الجزء] هذه من الأوليات البدهيات، فالعقل يحكم فيها بمجرد تصور الواحد والاثنين، وبمجرد تصور الكل والجزء يحكم بأن الكل أكبر من الجزء، والجزء أصغر من الكل، هذا النوع الأول.

(مُشَاهَدَاتِ) النوع الثاني من المقدمات الضرورية، والـ (مُشَاهَدَاتِ) قال: [هي] ما لا يحكم العقل فيها وحده. فإذًا العقل له حكم لكن [ما لا يحكم العقل فيها بمجرد تصور الطرفين] كما هو الشأن في الأوليات، [بل يحتاج إلى المشاهدة بالحس الباطن، وتسمى وجدانيات كالعلم بأنك جائع]، تحتاج إلى دليل؟ هذا ضروري يسمى العلم الحضوري يعني يعلم أنه جائع، أو أنك [غضبان أو متلذذ أو متألم]. إذًا المشاهدات هي القضايا التي يدركها العقل بسبب المشاهدة إذًا بواسطة، لكن المراد بالمشاهدة ليست البصر، وإنما المراد بالمشاهدة الباطن يعني بالحسن الباطن، كإدراك أنه جائع أو أنه بحاجة إلى ماء ونحو ذلك، بل بسبب المشاهدة بالحس الباطن كقولك: الجوع مؤلم. هذه مقدمة يقينية من نوع المشاهدة تسمى وجدانيات كالعلم بأنك جائع أو غضبان أو متلذذ أو متألم.

[و (مُجَرَّبَاتٍ) وهي ما يحتاج العقل في الجزم بحكمه إلى تكرار المشاهدة مرة بعد أخرى]، التجربة لا بد فيها من التكرار، إذًا هنا الحكم بواسطة العقل، العقل يحكم لكن بواسطة التجربة [كقولنا: السقمونيا مسهلة للصفراء] يعني نوع من أنواع الدواء مسهلة للصفراء يستعملها زيد ثم عمرو ثم خالد ثم مع التجربة والتكرار نقول: أفادت اليقين، والكثير من المناطقة كغيرهم أن المجربات تفيد الظن وليست من الأمور القطعية، ولذلك يأخذ الدواء وهو من المجربات ولا يكون يقينًا في رفع البلاء والكثير أنها من الظنيات. كلام المصنف على أن المجربات من الضروريات وقيل من النظريات لكن الكثير على أنها من الظنيات. [و (مُتَوَاتِرَاتِ) وهي ما يحكم العقل فيها بواسطة السماع من جمع يُؤمن تواطؤهم على الكذب كقولنا: سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ادعى النبوة] هذا نقل إلينا تواترًا وجاء نصه في القرآن لكن من باب التمثيل مثال، وظهرت المعجزة على يديه هذا متواتر، وهو يفيد القطع يعني بحث المتواتر عند أهل الاصطلاح وعند أرباب الوصول وكذلك عند المناطقة، والكلام فيها هل يفيد القطع أو اليقين، (وَحَدَسِيَّاتٍ) أصله حَدْسِيَّات، ولكن [حركت] (¬1) الدال للضرورة، حدسيات لأنه مأخوذ من الْحَدْسِ بإسكان الدال وهو الظن، وحدسيات [بتحريك الدال للضرورة، وهي ما يحكم العقل فيه بواسطة حدس أو ظن مستند إلى أمارة] يعني تجربة، أمارة هنا بمعنى تجربة. إذًا العقل يحكم لكن بواسطة [كقولنا: نور القمر مستفاد من نور الشمس] هذا ظن ما أَدْرَكَهُ؟ يعني ما رآه حتى يحكم وليس من التجربة وليس من الوجدانيات، وإنما هو ظن، [نور القمر مستفاد من نور الشمس لاختلاف تشكلاته النورية بحسب قربه من الشمس وبعده عنها]، وهذا القول بأنها من الضروريات فيه نظر والصواب أنها من الظنيات. [(وَمَحْسُوسَاتِ) وهي ما يحكم به العقل بواسطة الحس الظاهر]، وهذه هي عين المشاهدات السابقة، ولذلك الكثير لم يفرق بينهما، المشاهدات هي المحسوسات، لأن المشاهدة بمعنى الحس، والحس بمعنى المشاهدة، إذًا هما بمعنى واحد، والناظم فرق بينهما وجعل السابق يختص بالوجدانيات وما عداه محسوسات، [ما يحكم به العقل بواسطة الحس الظاهر من غير توقف على شيء آخر، من قولنا: الشمس مشرقة والنار محرقة]. الشمس مشرقة تراها أنت هذا واضح أنه يقين، والنار محرقة لأن الإحراق يدرك بالحس، يدرك بماذا؟ بالحس، حس يعني مباشرة هذا لمن لمن ذاقها، أما الذي لم يذق أدرك بالحس؟ لا، وإنما بالعلم الضروري، النار محرقة هل جربت؟ لا، من أخبرك؟ إذًا صارت هذه مقدمة مشهورة، النار محرقة، إما أنك رأيت من أحرقته وهذا واضح أنه مشاهد، وإن لم تر من أحرقته كله أو جزئه، وإنما حكمت حينئذ يكون العقل حاكم بواسطة الحس، لكن لا لحسك أنت إنما لحس غيرك. ¬

_ (¬1) قال الشيخ: حذفت.

[(فَتِلْكَ) المذكورات (جُمْلَةُ اليَقِينِيَّاتِ) التي يتألف البرهان منها لإنتاج اليقين] إذًا (وَحَدَسِيَّاتٍ) والظاهر أنها من الظنيات (مَحْسُوسَاتِ) هي نفسها المشاهدات حينئذ صارت خمسة (فَتِلْكَ جُمْلَةُ اليَقِينِيَّاتِ)، وسبق أن النظرية التي تنتهي إلى ضرورة أنها كذلك داخلة هنا، فهنا جملة اليقينيات ترد عليها أن اليقينيات قد تكون نظرية فكيف يحصرها في الضروريات؟ وهو أراد أن يبين اليقينيات بمعنى الضرورية. يجاب بأنها لما كانت النظريات لا بد أن تنتهي للضروريات صارت كأنها ضرورية فهي داخلة فيها. - - - وَفِي دَلاَلَةِ المُقَدِّمَاتِ ... عَلَى النَّتِيجَةِ خِلاَفٌ آتِ عَقْلِيٌّ اوْ عَادِيٌّ اوْ تَوَلُّدُ ... أَوْ وَاجِبٌ وَالأَوَّلُ المُؤَيَّدُ (وَفِي دَلاَلَةِ المُقَدِّمَاتِ) العلم أو الظن بها (عَلَى) العلم أو الظن بـ (النَّتِيجَةِ) أي في الارتباط بينهما (خِلاَفٌ آتِ) ذكره في البيت بعده، ولما كان للدليل ارتباط بالمدلول سُمِّيَ ذلك الارتباط دلالة، ثم ذكر الخلاف بقوله: (عَقْلِيٌّ)، أي الارتباط بينهما عقليّ لا يمكن تخلفه فلا يمكن تخلف العلم أو الظن بالنتيجة عن العلم أو الظن بالمقدمتين، بمعنى أن الله تعالى إن شاء أوجد بقدرته العلم أو الظن بالمقدمتين أو العلم أو الظن بالنتيجة، ولا تتعلق القدرة بالعلم أو الظن بالمقدمتين بدون العلم أو الظن بالنتيجة، فهما متلازمان تلازمًا عقليًّا كتلازم العرض أو الجوهر لا يمكن وجود أحدهما بدون الآخر، وهذا لإمام الحرمين. (اوْ) بمعنى الواو أي والثاني أن الربط بينهما (عَادِيٌّ) بمعنى أنه يجوز تخلف العلم أو الظن بالنتيجة عن العلم أو الظن بالمقدمتين بأن ينتهي شخص في البلادة إلى أن يعلم المقدمتين ولا يعلم النتيجة لعدم تفطنه لاندراج الأصغر تحت الأوسط، وفي التصوير نظر إذ من الشروط التفطن لاندراج الأصغر تحت الأوسط، وهذا القول للشيخ الأشعري. (أَوْ) بمعنى الواو أي والثالث أن الارتباط بينهما (تَوَلُّدُ) بمعنى أن القدرة الحادثة أثرت في العلم أو الظن بالنتيجة بواسطة تأثيرها في العلم أو الظن بالمقدمتين، إذ التولد أن يُوجِد فعل لفاعله فعل، وهذا القول للمعتزلة وهو باطل لقيام البرهان على أنه لا تأثير للعبد في شيء من الأفعال الاختيارية (أَوْ) بمعنى الواو: أي والرابع أن الارتباط بينهما (وَاجِبٌ) بالتعليل بمعنى أن العلم أو الظن بالمقدمتين علة أثرت بذاتها في العلم أو الظن بالنتيجة، وهذا للفلاسفة، وهو باطل لقيام البرهان على انتفاء تأثير العلة والطبيعة وأنه تعالى هو الفاعل المختار (وَالأَوَّلُ) من هذه الأقوال هو (المُؤَيَّدُ) القوي لعدم ورود شيء عليه. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

(وَفِي دَلاَلَةِ) يعني وفي إفادة (المُقَدِّمَاتِ) للنتيجة بمعنى أنك إذا ذكرت النتيجة المقدمتين ما العلاقة بين النتيجة والمقدمتين، هل العقل يدل أم أنه يجب؟ أن يُعلم؟ أم التوالد الذي عند المعتزلة؟ أو .. أو .. إلى آخره. ما العلاقة بينهما؟ كيف أفادت المقدمتان النتيجة؟ ما نوع قال: (وَفِي دَلاَلَةِ المُقَدِّمَاتِ)؟ يعني وفي إفادة المقدمات للنتيجة (عَلَى النَّتِيجَةِ خِلاَفٌ آتِ) على أربعة أقوال، وفي كلامه حذف، والتقدير وفي دلالة العلم أو الظن بالمقدمات على العلم أو الظن بالنتيجة، بدلالة العلم أو الظن بالمقدمات يعني إذا كان علمك بالمقدمتين أفاد علمًا بالنتيجة، أو كان عندك ظن بالمقدمتين أفاد ظنًّا بالنتيجة هكذا. قال: هنا: [(وَفِي دَلاَلَةِ المُقَدِّمَاتِ) العلم أو الظن بها]، قَدَّرَ، لا بد من هذا التقدير يعني علمك بالمقدمات، أو ظنك بالمقدمات لأنه مرَّ معنا أن الخطأ كلام عام هنا ليس بالبرهان فحسب، وإنما هو عام في الخطابة والشعر والسفسطة والجدل وبعضها ليست قطعية، إذًا نظرية ظنية [(عَلَى) العلم أو الظن بـ (النَّتِيجَةِ) أي في الارتباط بينهما] أي بين العلم والظن بالمقدمات والعلم أو الظن بـ (النَّتِيجَةِ) ما الارتباط بينهما بين النتيجة والمقدمات [(خِلاَفٌ آتِ) ذكره في البيت بعده، ولما كان للدليل ارتباط بالمدلول سُمِّيَ ذلك الارتباط دلالة]. أليس كذلك؟ لأن المقدمتين دليل والنتيجة مدلول، ما العلاقة بينهما ارتباط الدليل بالمدلول؟ قال: سماه دلالة، [ثم ذكر الخلاف بقوله]:

القول الأول (عَقْلِيٌّ) يعني هو عقلي، (عَقْلِيٌّ) خبر لمحذوف، (عَقْلِيٌّ) نسبة إلى العقل [أي الارتباط بينهما] بين المقدمتين والنتيجة العلم أو الظن بالمقدمتين والعلم أو الظن بالنتيجة عقلي [لا يمكن تخلفه فلا يمكن تخلف العلم أو الظن بالنتيجة عن العلم أو الظن بالمقدمتين] يعني إذا علم المقدمتين لزم منه عقلاً العلم بالنتيجة، فلا تتخلف، إذا ظن المقدمتين أو حصل عنده ظن بالمقدمتين لزم منه حصول الظن بالنتيجة، فلا يتخلف عنه البتة، [فلا يمكن تخلف العلم أو الظن بالنتيجة عن العلم أو الظن بالمقدمتين بمعنى أن الله تعالى إن شاء أوجد بقدرته العلم أو الظن بالمقدمتين أو العلم أو الظن بالنتيجة، ولا تتعلق القدرة بالعلم أو الظن بالمقدمتين بدون العلم أو الظن بالنتيجة، فهما متلازمان تلازمًا عقليًّا كتلازم العرض أو الجوهر لا يمكن وجود أحدهما بدون الآخر، وهذا لإمام الحرمين]. والقول إذًا قوله: [فلا يمكن تخلف العلم أو الظن بالنتيجة عن العلم أو الظن بالمقدمتين] إلى هنا يمكن التسليم، لكن التعليل الذي ذكره هذا قد لا يسلم، بمعنى أن الله تعالى إن شاء أوجد بقدرته العلم أو الظن، إذًا ليس من فعل العبد وليس الأمر كذلك، لماذا؟ لأن هذه المسألة مسألة ترتب النتيجة على المقدمتين هي تعلق المسبب على السبب، هي عينها، تعلق المسبب على السبب، ومعلوم خلاف بين أهل السنة وغيرهم في مسألة الأسباب وما يترتب على الأسباب من المسببات، بمعنى أن السبب يوجد لكن يمكن أن يتخلف المسبب، وإذا كانت الدلالة التي تستفاد من المقدمتين عقلية حينئذ إذا كان الْمُدْرَك علم فالأصل فيه أنه لا يتخلف هذا الأصل، وإذا قلنا: بأن المسبب قد يتخلف عن سببه حينئذ قد يتخلف في بعض الأحوال. إذًا التعليل الذي ذكره أولاً يمكن يعني أن يسلم، لكن دليله فيه نظر، بمعنى أن الله إن شاء أوجد بقدرته العلم أو الظن بالمقدمتين أو العلم أو الظن بالنتيجة، يعني فعل العبد لا شيء له، العبد من حيث إدراك النتيجة لا فعل له البتة، وليس هذا مسلم عند أهل السنة والجماعة، ولا تتعلق القدرة - يعني قدرة العبد المكلف - بالعلم أو الظن بالمقدمتين بدون العلم أو الظن بالنتيجة فهما متلازمتان تلازمًا عقليًّا كتلازم العرض أو الجوهر لا يمكن وجود أحدهما بدون الآخر، يعني كالموصوف والصفة لا يمكن أن يوجد أحدهما دون الآخر، على كل عقليّ هذا يمكن أن يسلم وأن يرجح لكن لا على جهة التعليل الذي ذكره الشارح. [(اوْ) بمعنى الواو].

القول الثاني [أي والثاني أن الربط بينهما (عَادِيٌّ)، بمعنى أنه يجوز تخلف العلم أو الظن بالنتيجة عن العلم أو الظن بالمقدمتين بأن ينتهي شخص في البلادة إلى أن يعلم المقدمتين ولا يعلم النتيجة لعدم تفطنه لاندراج الأصغر تحت الأوسط]، لو ضم هذا إلى سابقه وقيل عقلي وقد يتخلف لا بأس به، ولذلك مرّ معنا في الدلالة أنه لا يلزم أن يكون فهم أمر من أمر بالفعل، بل كون أمر بحيث يُفهم منه أمر فُهِمَ أم لا، وهذا لا بأس به، فُهِمَ أو لا، فلا يخرج الدليل عن كونه دليلاً إذا لم يحصل هناك فَهْمٌ بالفعل، إذا ضم هذا إلى ذاك، وأما كونه شخص بلغ في البلادة فهذا قد يوجد إلى أن يعلم المقدمتين ولا يعلم النتيجة لعدم تفطنه لاندراج الأصغر تحت الأوسط إذا لم يتفطن لا يصل إلى النتيجة، [وفي التصوير نظر] لماذا؟ [إذ من الشروط التفطن لاندراج الأصغر تحت الأوسط، وهذا القول للشيخ الأشعري] أبي الحسن صاحب المذهب رجع عنه، إذًا كونه عاديًّا بمعنى أنه قد يتخلف، ومَثَّلَ بالبليد لأنه قد لا يتفطن لاندراج الأصغر تحت الأوسط، اعْتُرِضَ عليه بأنه لا يتفطن هذا ليس بِمُسَلَّم لأننا نقول: العلم أو الظن بالمقدمتين. إذًا لا بد أنه تفطن، إذا لم يتفطن معناه لم يعلم المقدمتين، وإذا قلنا: لم يتفطن معناه لم يظن المقدمتين، إذًا التصوير فيه نظر كما قال الشارح هنا: [(أَوْ) بمعنى الواو أي، والثالث أن الارتباط بينهما ... (تَوَلُّدُ)] هذا مذهب المعتزلة [بمعنى أن القدرة الحادثة] يعني قدرة الْمُكَلَّف المخلوق [أثرت] بنفسها، فإذًا هي الخالقة خلقت العلم وخلقت الظن هذا بناءً على مذهبهم الفاسد [أن القدرة الحادثة أثرت] بذاتها يعني دون تأثير الله عز وجل، ونحن نقول: هذه أسباب، وهي تؤثر بتأثير الله تعالى، أما نقول بأن الماء أو الخبز يشبع؟ نعم هو يشبع، لذاته؟ نعم، جعل الله عز وجل فيه خاصية لكن بقدرة الله عز وجل. وهذا مثله [أن القدرة الحادثة أثرت يعني بذاتها دون أن يكون لله عز وجل تأثير في العلم أو الظن بالنتيجة بواسطة تأثيرها في العلم أو الظن بالمقدمتين، إذ التولد] معناه عندهم [أن يُوجِد فعل لفاعله فعلاً آخر] أصله [أن يوجد فعل لفاعله فعلاً آخر]، وهذه العبارة أخذها كذلك البيجوري كما هي كما في حركة الإصبع مع حركة الخاتم، يعني رجل في أصبعه خاتم تحرك أصبعه تحرك الخاتم أو لا؟ قالوا: هذا مثله، يعني لا قدرة له البتة. أنت مثل الخاتم كما يتحرك الإصبع والخاتم يتحرك بحركة الإصبع ولا تأثير للخاتم هذا مثله، وعلى هذا فالعلم بالدليل مخلوق للشخص - هذا على مذهبه - ويتولد عنه العلم بالنتيجة وهذا مبني على مذهبهم الفاسد أن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية. [وهذا القول للمعتزلة وهو باطل لقيام البرهان على أنه لا تأثير للعبد في شيء من الأفعال] رد الباطل بباطل، لا تأثير للعبد يعني جبرية، هذا لا تأثير للعبد في شيء من الأفعال .. ،

لا، لهم تأثير والله عز وجل جعل له كسبًا هذا تعبيري، جعل له قدرة وإرادة {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30]، [التكوير: 29] فأثبت لهم مشيئة، إذًا لماذا ننفي هذا؟ على كل رد على المعتزلة بالجبرية [أنه لا تأثير للعبد في شيء من الأفعال الاختيارية]، والصحيح أنه له تأثير بتأثير الله تعالى، له قدرة على الفعل ولكنها قدرة تابعة لقدرة الله تعالى، يعني لا يستقل بفعل شيء البتة، حينئذ نقول: له إرادة وله مشيئة وله قدرة كذلك وهي تابعة لمشيئة الله وقدرة الله [تعالى (أَوْ) بمعنى الواو: أي والرابع أن الارتباط بينهما] بين العلمين أو الظنين النتيجة والمقدمة [(وَاجِبٌ) بالتعليل بمعنى أن العلم أو الظن بالمقدمتين علة أثرت بذاتها في العلم أو الظن بالنتيجة]، واجب يعني بالنظر إلى العلة والمعلول، والعلة والمعلول كما مر معنا لا أدري أين أنها قد تكون عقلية، بمعنى أنها تؤثر، هذا في أول {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] في شرح كتاب التوحيد أن العلة قد تكون مؤثرة بنفسها إذا كانت واجبة هذا هو الذي أولى، فإذا وجد العلم أو الظن بالمقدمتين حينئذ لزم منه وجود النتيجة لأن أحدهما علة والآخر معلول، ولذلك قال: [واجب] يعني [بالتعليل بمعنى أن العلم أو الظن بالمقدمتين علة أثرت بذاتها في العلم أو الظن بالنتيجة] نتيجة معلولة، فإذا وجدت العلة وجد المعلول، [وهذا للفلاسفة، وهو باطل لقيام البرهان على انتفاء تأثير العلة والطبيعة وأنه تعالى هو الفاعل المختار] لقيام البرهان على انتفاء تأثير العلة والطبيعة، إن كان المراد تأثيرها أي نفي التأثير بنفسها مطلقًا استقلالاً فنعم، وإن كان لا، أنها تؤثر لكنها بتأثير الله عز وجل بأن جعل في الماء مثلاً قدرة على الرِّي أو في الخبز على الشبع ونحو ذلك فهذا لا إشكال فيه هذا مسلم به عند أهل السنة والجماعة وأنه تعالى هو الفاعل ... [(وَالأَوَّلُ) من هذه الأقوال هو (المُؤَيَّدُ) القوي لعدم ورود شيء عليه]، لكن لا بالتعليل الذي ذكره، ويمكن أن يضم إليه الثاني يعني يكون فيه شيء من التخلف لكن لا على الإطلاق. - - - خَاتِمَةٌ وَخَطَأُ البُرْهَانِ حَيْثُ وُجِدَا ... فِي مَادَةٍ أَوْ صُورَةٍ فَالمُبْتَدَا فِي اللَّفْظِ كَاشْتِرَاكٍ اوْ كَجَعْلِ ذَا ... تَبَايُنٍ مِثْلَ الرَّدِيفِ مَأْخَذَا وَفِي المَعَانِي لِالتِبَاسِ الكَاذِبَهْ ... بِذَاتِ صِدْقٍ فَافْهَمِ المُخَاطَبَهْ

(وَخَطَأُ البُرْهَانِ حَيْثُ وُجِدَا) أي في أي مكان وجد، فهو إما (فِي مَادَةٍ) بتخفيف الدال للضرورة وهي كل من مقدمتيه، (أَوْ) في (صُورَةٍ) أي هيئة المقدمتين (فَالمُبْتَدَا) أي الأول منهما وهو خطأ المادة، إما (فِي اللَّفْظِ كَاشْتِرَاكٍ) مثل قولك: هذا قرء – وتريد الحيض -، وكل قرء يجوز الوطء فيه - وتريد الطهر - فلم يتكرر الحد الوسط فكذبت النتيجة، (اوْ كَجَعْلِ ذَا) بالألف. قال المؤلف: على لغة القصر في الأسماء الستة (تَبَايُنٍ) مع لفظ آخر (مِثْلَ الرَّدِيفِ) له (مَأْخَذَا) أي من جهة المأخذ كقولك: هذا صارم - مشيرًا إلى سيف غير قاطع - وكل صارم سيف، فحقيقة السيف تباين حقيقة الصارم، لأن السيف ما كان على الهيئة المخصوصة قاطعًا أو لا، والصارم هو السيف بقيد القطع فكانت النتيجة كاذبة لأن الصارم في الصغرى أريد به غير القاطع، فلم يصح حمل السيف عليه في الكبرى، بل هو محمول على الصارم الذي هو القاطع من جنس السيف فلم يتكرر الحد الوسط. (وَ) الخطأ للبرهان (فِي المَعَانِي لِـ) أجل (التِبَاسِ) القضية (الكَاذِبَهْ بِـ) قضية (ذَاتِ صِدْقٍ). وقوله: (فَافْهَمِ المُخَاطَبَهْ) تكملة للبيت. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ [(خَاتِمَةٌ) في بيان خطأ البرهان] (خَاتِمَةٌ) وهو ما يختم به الشيء [في بيان خطأ البرهان [، (خَاتِمَةٌ) وهو ما يُختم به الشيء قال: [في بيان خطأ البرهان] هذا زيادة من الشارح [(خَاتِمَةٌ) في بيان خطأ البرهان]، والمقصود هنا القياس، وإنما خص البرهان دون غيره بالذكر لأنه المقصود الأهم عندهم، لأنه هو الذي يفيد اليقين وما عداه لا يفيد اليقين، وهنا يمكن إجمال الكلام بأن كل ما تخلف فيه حقيقة القياس أو الشروط الإنتاج في الأشكال فهو خطأ، وهذا الفصل يمكن أن يستغنى عنه بما مضى، وإنما يذكرونه من باب التنبيه فقط، وإلا ما مضى من القياس وجود الحد الأصغر والأكبر، واندراج الأصغر في الأوسط، النتيجة إذا كانت ضرورية المقدمات النظرية، كذلك الشكل الأول وضبطه، الشكل الثاني، شرط الإنتاج كل ما تخلف فهو خطأ، كل ما تخلف في الشروط السابقة فهو خطأ، وإنما أراد أن ينص على بعضها وَخَطَأُ البُرْهَانِ حَيْثُ وُجِدَا ... فِي مَادَةٍ أَوْ صُورَةٍ فَالمُبْتَدَا (فِي اللَّفْظِ) ثم قال: (وَفِي المَعَانِي) قسم الخطأ إلى قسمين: الخطأ في البرهان أي في القياس ينقسم إلى قسمين: خطأ في المادة. وخطأ في الصورة. في المادة يعني مجموع المقدمتين، وهذا قسمه إلى قسمين: باعتبار اللفظ وباعتبار المعنى والخطأ في الصورة المراد بالصورة النظم والهيئة. إذًا الخطأ قسمان: الخطأ في المادة. وخطأ في الصورة. والخطأ في المادة قسمان: خطأ في اللفظ. وخطأ في المعنى.

(وَخَطَأُ البُرْهَانِ حَيْثُ وُجِدَا) حيث للإطلاق، (وُجِدَا) أي الخطأ نائب الفاعل ضمير مستتر يعود على الخطأ والألف للإطلاق، أي في [أي مكان وجد]، لو قال: أي في أي تركيب وجد لكان أولى، [فهو] أي الخطأ [إما (فِي مَادَةٍ)] أصلها مادَّة بالتشديد [بتخفيف الدال للضرورة وهي كل من مقدمتيه]، إذًا المراد بالمادة المقدمتان (أَوْ) يكون الخطأ في [(صُورَةٍ) أي هيئة المقدمتين (فَالمُبْتَدَا)] الفاء فاء الفصيحة والمبتدأ ... [أي الأول منهما وهو خطأ المادة] نوعان، [إما] خطأ (فِي اللَّفْظِ) وإما خطأ في المعنى، إما في اللفظ وله أمثلة قال: (كَاشْتِرَاكٍ) يعني سبب الخطأ وقوع الاشتراك في ألفاظ المقدمتين، يعني يقع لفظ مشترك دون بيان فحينئذ يحصل إلباس ويحصل الخطأ، في اللفظ (كَاشْتِرَاكٍ) يعني يكون سبب الخطأ هو الاشتراك، وعرفنا أن اللفظ المشترك المراد بالاشتراك اللفظي هنا: ما اتحد لفظه وتعدد وضعه ومعناه. تعدد المعنى والوضع، مثل ماذا؟ يعني خطؤهم في اللفظ بالاشتراك [مثل قولك: هذا قرء]، ## 1.05.09هذا ما بين قال: هذا قرء. هذا لفظ مشترك القرء يطلق على ماذا؟ على الطهر وعلى الحيض، ثم قال: [وكل قرء يجوز الوطء فيه. وتريد الطهر فلم يتكرر الحد الوسط فكذبت النتيجة]، إذًا هذا قرء - وتريد الحيض -، وكل قرء يجوز الوطء فيه - وتريد الطهر - هل صحت النتيجة؟ لا، لم تصح لماذا؟ لأن الأول مشترك مراد به معنى، والثاني مشترك مراد به معنى نقيض الأول، حينئذ كيف يدخل الحد الصغر تحت الوسط أو الأوسط كيف يتكرر؟ لا يتكرر، فلم يتكرر الحد الوسط فكذبت النتيجة لأنه هذا قرء تريد به الحيض، وكل قرء يجوز الوطء فيه حينئذ تقول: هذا يجوز الوطء فيه، وهذا باطل. (اوْ) النوع الثاني: ... (كَجَعْلِ ذَا تَبَايُنٍ مِثْلَ الرَّدِيفِ مَأْخَذَا) الرديف يجوز أخذ الرديف في المقدمتين، الرديف ما هو المترادفان؟ اتحد اللفظ والمعنى؟ اللفظ لا، اختلف اللفظ واتحد المعنى، اختلف اللفظ بشر وإنسان اللفظ مختلفان والمعنى المصدر واحد، هل يجوز أخذ الرديف في القياس المقدمتين؟ الجواب: نعم، زيد إنسان، وكل بشر حيوان، يُنتج زيد حيوان، إذا عامل المتباين معاملة الرديف واشتبه عليه حينئذ يصير ماذا؟ يلتبس وتكون النتيجة كاذبة لماذا؟ لأنه التبس عليه. قال هنا: [(اوْ كَجَعْلِ ذَا) بالألف.

قال المؤلف] في شرحه الأخضري: [على لغة القصر في الأسماء الستة] ذا بمعنى صاحب (اوْ كَجَعْلِ ذَا) يعني كجعل صاحب [(تَبَايُنٍ) مع لفظ آخر مثل الرديف له (مَأْخَذَا) أي من جهة المأخذ]، (مَأْخَذَا) أي في المقدمتين، [كقولك: هذا صارم - مشيرًا إلى سيف غير قاطع - وكل صارم سيف، فحقيقة السيف تباين حقيقة الصارم، لأن] الصارم هو الذي يقطع، يعني خاص بما يقطع، والسيف يعم القاطع وغيره، فحينئذ الصارم مشيرا إلى سيف غير قاطع هذا خطأ أصلاً، لماذا؟ لأنه أطلق اللفظ على غير مسمى لأن الصارم خاص بالقاطع، والسيف يعم القاطع وغيره، هذا صارم مشيرًا إلى سيف غير قاطع، وكل صارم سيف، فحقيقة السيف تباين حقيقة الصارم إذ بينهما تباين جزئي، [لأن السيف ما كان على الهيئة المخصوصة قاطعًا أو لا، والصارم هو السيف بقيد القطع فكانت النتيجة كاذبة لأن الصارم في الصغرى أريد به غير القاطع، فلم يصح حمل السيف عليه في الكبرى، بل هو محمول على الصارم الذي هو القاطع من جنس السيف فلم يتكرر الحد الوسط]. إذًا عامل التباين أو المتباينين معاملة الرديف فقد أخطأ، [أو جعل] أو كجعل ذا صاحب تباين مع آخر مثل الرديف مأخذا [(وَ) الخطأ للبرهان (فِي المَعَانِي)]. وَفِي المَعَانِي لِالتِبَاسِ الكَاذِبَهْ ... بِذَاتِ صِدْقٍ فَافْهَمِ المُخَاطَبَهْ يعني [(وَ) الخطأ للبرهان (فِي المَعَانِي) لأجل (لِالتِبَاسِ)] أي اشتباه [القضية الكاذبة بقضية ذات صدق]. يعني شبيهة بالحق وليست به، يعني مر معنا أنه لا تؤخذ القضية الكاذبة في المقدمتين قد يشتبه عليه فيظنها صادقة وهي كاذبة، إما لشبهة عنده وإما لأمر آخر، فحينئذ تكون النتيجة كاذبة لوقوع الاشتباه، [وقوله]: وقول (فَافْهَمِ المُخَاطَبَهْ) أي المخاطب [تكملة للبيت]. - - - كَمِثْلِ جَعْلِ العَرَضِي كَالذَّاتِي ... أَوْ نَاتِجٍ إِحْدَى المُقَدِّمَاتِ وَالحُكْمُ لِلْجِنْسِ بِحُكْمِ النَّوْعِ ... وَجَعْلُ كَالقَطْعِيِّ غَيْرِ القَطْعِي وَالثَّانِ كَالخُرُوجِ عَنْ أَشْكَالِهِ ... وَتَرْكِ شَرْطِ النَّتْجِ مِنْ إِكْمَالِهِ

(كَمِثْلِ جَعْلِ العَرَضِي) بإسكان الياء للضرورة (كَالذَّاتِي) كقولنا: الجالس في السفينة متحرك، وكل متحرك لا يثبت في مكان واحد، فإحدى المقدمتين كاذبة إن أريد بالمتحرك فيها معنى واحد، وإن أريد بالمتحرك في الأولى المتحرك بالعرض وفي الثانية المتحرك بالذات كانتا صادقتين لكن لم يوجد تكرر فلم تصدق النتيجة. (أَوْ) كجعل (نَاتِج إِحْدَى المُقَدِّمَاتِ) أي جعل النتيجة عين إحدى المقدمتين كقولنا: هذه نقلة، وكل نقلة حركة، فهذه حركة، فالنتيجة عين الصغرى لأن الحركة مرادفة للنقلة، (وَ) من الخطأ في المعنى (الحُكْمُ لِلْجِنْسِ) أي عليه ... (بِحُكْمِ النَّوْعِ) كقولنا: كل فرس حيوان، وكل حيوان ناطق، فكل فرس ناطق، وهو كذب، ويُسمى مثله إيهام العكس لأنه لما رأى أن كل ناطق حيوان، توهم أن كل حيوان ناطق، وليس كذلك، فجاء الخطأ ... (وَ) من الخطأ في المعاني (جَعْلُ كَالقَطْعِيِّ غَيْرِ القَطْعِي) بالجر بإضافة جعل وفصل بين المتضايفين بالجار والمجرور الذي هو مفعول ثاني للمصدر، أي وجعل غير القطعي مثل القطعي كهذا ميت، وكل ميت جماد. ... (وَالثَّانِ) حذفت منه الياء تخفيفًا وهو خطأ الصورة: أي هيئة المقدمتين (كَالخُرُوجِ عَنْ أَشْكَالِهِ) أي أشكال القياس الأربعة نحو: كل إنسان حيوان، وكل فرس جسم. فهذا خطأ في هيئة المقدمتين لعدم تكرر الوسط فيهما، والقياس الاقتراني لا بد فيه من مكرر، (وَ) كـ (تَرْكِ شَرْطِ النَّتْجِ) الإنتاج الذي هو (مِنْ إِكْمَالِهِ) أي إكمال خطأ الصورة مثل كون الصغرى في الشكل الأول سالبة، أو الكبرى فيه جزئية نحو: لا شيء من الإنسان بفرس، وكل فرس جسم، ونحو: كل إنسان حيوان، وبعض الحيوان صاهل، وفي التعبير بالإكمال حسن اختتام، وهو أن يذكر شيئًا يُشعر بالإتمام وانقضاء المقصود. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

مثَّلَ للخطأ في المعنى بقوله: (كَمِثْلِ جَعْلِ العَرَضِي كَالذَّاتِي)، (كَمِثْلِ) الكاف زائدة هذا مثال لالتباس الكاذبة (كَمِثْلِ جَعْلِ العَرَضِي كَالذَّاتِي) [(العَرَضِي) بإسكان الياء للضرورة (كَالذَّاتِي) كقولنا]: المراد بالعرضي هنا ما ثبت للشيء بواسطة غيره كما في المتحرك بحركة السفينة، رجل جالس في السفينة هو جالس لكنه متحرك بذاته أو بواسطة؟ بواسطة لأنه هو جالس، والذاتي ما ثبت للشيء من غير واسطة كالمتحرك الماشي بنفسه. هنا قال: [الجالس في السفينة متحرك] وتريد ماذا؟ المتحرك بالعرض، [وكل متحرك] يعني بالمعنى العرضي [لا يثبت في مكان واحد] غلط ثبت عليه، لما ظن أن الأول الجالس في السفينة متحرك هذا بالعرض يعني لا بنفسه لا بذاته، [وكل متحرك لا يثبت في مكان واحد فإحدى المقدمتين كاذبة] التي هي الثانية، لأن المتحرك في السفينة هو باق في محله لا يتغير. إذًا قوله: كل متحرك لا يثبت في مكان واحد غلط هذا، فإحدى المقدمتين كاذبة [إن أريد بالمتحرك فيها] معنى واحد، فقال: فيهما إن أريد بالمتحرك فيهما [معنى واحد] يعني في الأول وفي الثاني، [وإن أريد بالمتحرك في الأولى المتحرك بالعرض وفي الثانية المتحرك بالذات كانتا صادقتين لكن] لا تُنتج لماذا؟ [لكن لم يوجد تكرر فلم تصدق النتيجة]. إذًا سواء أراد بالمتحرك العرضي أو الذاتي نقول: هذا لا يُنتج [(أَوْ) كجعل] [ناتج إحدى ال] أو كجعل ناتج أي نتيجة [(إِحْدَى المُقَدِّمَاتِ) أي جعل النتيجة عين إحدى المقدمتين] قولنا: لا تكن إحدى المق # ... الاقتراني، وإنما تكون متفرقة في المقدمتين، وإذا جعل النتيجة هي عين إحدى المقدمتين، حينئذ أخطأ وقع الخطأ في المعنى [كقولنا: هذه نقلة، وكل نقلة حركة فهذه حركة]، هنا أخطأ فهذه حركة لأن هذه نقلة وهذه حركة هي بمعنى واحد، [فالنتيجة عين الصغرى لأن الحركة مرادفة للنقلة، (وَ) من الخطأ في المعنى (الحُكْمُ لِلْجِنْسِ)] بحكم النوع، للجنس يعني على الجنس اللام بمعنى على أي عليه [(بِحُكْمِ النَّوْعِ) كقولنا: كل فرس حيوان]، صحيح، [وكل حيوان ناطق] أخطأ هنا، حكم بالناطق على الجنس، وهذا يحكم به على النوع الذي هو الإنسان، لا على الجنس وقع الخطأ، [وكل فرس ناطق] هذه النتيجة وهذا كذب، [وهو كذب، ويسمى مثله إيهام العكس لأنه لما رأى أن كل ناطق حيوان، توهم أن كل حيوان ناطق، وليس كذلك، فجاء الخطأ (وَ) من الخطأ في المعاني (جَعْلُ كَالقَطْعِيِّ غَيْرِ القَطْعِي)] هنا فيه تقديم وتأخير، وجعل غير القطعي كالقطعي، فصل بينهما، [بالجر] غير بالجر [بإضافة جعل، وفصل نعم] (¬1) [بالجر بإضافة جعل وفصل بين المتضايفين] أين المتضايفان؟ جعل غير القطع فصل بينهما بماذا؟ بقوله (كَالقَطْعِيِّ) واضح؟ [وفصل بين المتضايفين بالجار والمجرور الذي هو مفعول ثاني للمصدر] جعل، والتركيب جعل غير القطع كالقطع، جعل هذا مصدر، وهو ينصب مفعولين المفعول الأول غير القطعي، المفعول الثاني كالقطعي إذًا فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول الثاني وهذا جائز، [أي وجعل غير القطعي مثل القطعي] كقولهم [كهذا ميت، وكل ميت جماد]. ينتج هذا جماد هذا غلط. ¬

_ (¬1) سبق.

وَالثَّانِ كَالخُرُوجِ عَنْ أَشْكَالِهِ ... وَتَرْكِ شَرْطِ النَّتْجِ مِنْ إِكْمَالِهِ (وَالثَّانِ) ما هو؟ الصورة أحسنت [(وَالثَّانِ) حذفت منه الياء تخفيفًا وهو خطأ الصورة: أي هيئة المقدمتين (كَالخُرُوجِ عَنْ أَشْكَالِهِ) أي أشكال القياس الأربعة السابقة نحو: كل إنسان حيوان، وكل فرس جسم. فهذا خطأ في هيئة المقدمتين لعدم تكرر الوسط فيهما]، ومر معنا ضوابط الأشكال أربعة وشروط الإنتاج، [والقياس الاقتران لا بد فيه من مكرر]، وهنا لم يوجد مكرر إذًا وقع خطأ في الهيئة وترك شرط الناتج ... [(وَ) كـ (تَرْكِ شَرْطِ النَّتْجِ)] يعني [الإنتاج الذي هو (مِنْ إِكْمَالِهِ)] يعني عدم مراعاة شروط الإنتاج لكل شكل السابقة فَشَرْطُهُ الإِيجَابُ فِي صُغْرَاهُ ... وَأَنْ تُرَى كُلِّيَّةً كُبْرَاهُ مَا وَفَّى الشرطين، لا بد أن يقع الخطأ في القياس، نعم [كـ (تَرْكِ شَرْطِ النَّتْجِ) الإنتاج الذي هو [(مِنْ إِكْمَالِهِ) أي إكمال خطأ الصورة]، مثل ماذا؟ [كون الصغرى في الشكل الأول سالبة] هذا خطأ، لأنه لا بد أن تكون موجبة، فشرطه الإيجاب في صغراه إذًا إذا كانت سالبة فهذا خطأ، [أو الكبرى فيه جزئية (وَأَنْ تُرَى كُلِّيَّةً كُبْرَاهُ)] هنا اخطأ أتى بها جزئية [نحو: لا شيء من الإنسان بفرس، وكل فرس جسم، ونحو: كل إنسان حيوان، وبعض الحيوان صاهل]، نقول: هذا لكونه ترك شرط الإنتاج، فحينئذ بطل القياس، [وفي التعبير بالإكمال حسن اختتام، وهو أن يذكر شيئًا يُشعر بالإتمام وانقضاء المقصود]. والرجل بياني، إذًا: وَالثَّانِ كَالخُرُوجِ عَنْ أَشْكَالِهِ ... وَتَرْكِ شَرْطِ النَّتْجِ مِنْ إِكْمَالِهِ (مِنْ إِكْمَالِهِ) هذا فيه إشعار بالإتمام. - - - هَذَا تَمَامُ الغَرَضِ المَقْصُودِ ... مِنْ أُمَّهَاتِ المَنْطِقِ المَحْمُودِ قَدِ انْتَهَى بِحَمْدِ رَبِّ الفَلَقِ ... مَا رُمْتُهُ مِنْ فَنِّ عِلْمِ المَنْطِقِ (هَذَا تَمَامُ الغَرَضِ المَقْصُودِ) صفة كاشفة أي هذا آخر التأليف الذي قصدناه، (مِنْ) بيانية أو تبعيضية، (أُمَّهَاتِ) أي قواعد (المَنْطِقِ المَحْمُودِ) أي الخالي عن شُبَهِ الفلاسفة. (قَدِ انْتَهَى) ملتبسًا (بِحَمْدِ رَبِّ الفَلَقِ) أي الصبح، (مَا رُمْتُهُ) أي الذي قصدته (مِنْ فَنِّ عِلْمِ المَنْطِقِ) إضافة العلم إلى المنطق من إضافة المسمى إلى الاسم، وهذا البيت لوالد المصنف أمره بإدخاله فأدخله رجاء بركته. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

هذا ختام ما ذكره في هذا النظم، (هَذَا تَمَامُ الغَرَضِ المَقْصُودِ) المقصود [صفة كاشفة أي هذا آخر التأليف الذي قصدناه] (مِنْ أُمَّهَاتِ المَنْطِقِ المَحْمُودِ)، (مِنْ) هذه تبعيض يعني بعض أمهات المنطق، أو بيانية لكن الظاهر أنها تبعيضية، لأنه لم يذكر كل القواعد إنما ذكر شيئًا منها، [(مِنْ) بيانية أو تبعيضية، (أُمَّهَاتِ) أي قواعد]، والأصل يقول: أمات، ... [(المَنْطِقِ المَحْمُودِ) أي الخالي عن شُبَهِ الفلاسفة]. إذًا ما نظمه في هذا النظم إنما أراد به النوع الأول الذي هو خال عن شبه الفلاسفة، بعضهم يرى أنه لا فرق بين النوعين، وهذا يطالب بالإثبات، يعني من يقول بأنه لا فرق بينه - وهذه دعوى - دعاها أرباب المنطق نقول: هذا ((السلم)) بين يديك وهذا ((إيساغوجي)) بين يديك، وهذا ((مختصر السنوسية)) بين يديك فأت بما هو من عقيدة الفلاسفة ونحوهم. [(قَدِ انْتَهَى) ملتبسًا (بِحَمْدِ رَبِّ الفَلَقِ) أي الصبح، (مَا رُمْتُهُ) أي] الذي [قصدته (مِنْ فَنِّ عِلْمِ المَنْطِقِ) إضافة العلم إلى المنطق من إضافة المسمى إلى الاسم] لأن المنطق عَلَم، والْعِلْم هو المسمى، مسمى إلى الاسم، [وهذا البيت لوالد المصنف أمره بإدخاله فأدخله رجاء بركته]، يعني رآه في النوم فأخبره أنه قد نظم قال له: قَدِ انْتَهَى بِحَمْدِ رَبِّ الفَلَقِ ... مَا رُمْتُهُ مِنْ فَنِّ عِلْمِ المَنْطِقِ - - - نَظَمَهُ العَبْدُ الذَّلِيلُ المُفْتَقِرْ ... لِرَحْمَةِ المَوْلَى العَظِيمِ المُقْتَدِرْ الأَخْضَرِيُّ عَابِدُ الرَّحْمَنِ ... المُرْتَجِي مِنْ رَبِّهِ المَنَّانِ مَغْفِرَةً تُحِيطُ بِالذُّنُوبِ ... وَتَكْشِفُ الغِطَا عَنِ القُلُوبِ وَأَنْ يُثِيبَنَا بِجَنَّةِ العُلاَ ... فَإِنَّهُ أَكْرَمُ مِنْ تَفَضَّلاَ (نَظَمَهُ العَبْدُ الذَّلِيلُ المُفْتَقِرْ) أبلغ من الفقير، (لِرَحْمَةِ) أي إنعام ... (المَوْلَى العَظِيمِ المُقْتَدِرْ) أي التام القدرة فهو أبلغ من القادر، (الأَخْضَرِيُّ) قال المؤلف في شرحه هو تعريف لنسبنا بناءً على ما اشتهر في ألسنة الناس وليس كذلك، بل المتواتر من أسلافنا، وأسلافهم أن نسبنا للعباس بن مرداس (عَابِدُ الرَّحْمَنِ) إشارة إلى أن اسم المصنف عبد الرحمن (الْمُرْتَجِي) أي المؤمل (مِنْ رَبِّهِ) أي مالكه ومربيه (المَنَّانِ) أي المنعم بجميع النعم أو المعدد للنعم، وأما النهي عن المنة فللمخلوق، وأما الخالق فيفعل ما يشاء (مَغْفِرَةً) من الغفر وهو الستر، والمراد هنا عدم المؤاخذة (تُحِيْطُ) تلك المغفرة (بِالذُّنُوبِ) جميعًا، فإن الله رب كريم لا يخيب قاصده. قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر: 53] (وَتَكْشِفُ) تلك المغفرة (الغِطَا عَنِ القُلُوبِ) أي تزيل حُجُبَ رَيْنِ الذنوب المحدقة بأنوار القلوب الحائلة بينها وبين علام الغيوب. (وَأَنْ يُثِيْبَنَا) أي يجازينا (بِجَنَّةِ العُلا) أي بدخولها مع السابقين (فَإِنَّهُ) سبحانه وتعالى (أَكْرَمُ مَنْ تَفَضَّلا). أنعم، وإنعامه تعالى على العباد تفضلاً منه لا وجوبًا عليه. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

[(نَظَمَهُ العَبْدُ الذَّلِيلُ المُفْتَقِرْ) أبلغ من الفقير]، المفتقر المفتعل، ... (لِرَحْمَةِ المَوْلَى العَظِيمِ المُقْتَدِرْ)، [(لِرَحْمَةِ) أي إنعام] هذا تحريف بل يسمونه تأويل (لِرَحْمَةِ)، [(المَوْلَى العَظِيمِ المُقْتَدِرْ) أي التام القدرة فهو أبلغ من القادر، (الأَخْضَرِيُّ) قال المؤلف في شرحه هو تعريف لنسبنا بناءً على ما اشتهر في ألسنة الناس وليس كذلك، بل المتواتر من أسلافنا، وأسلافهم أن نسبنا للعباس بن مرداس (عَابِدُ الرَّحْمَنِ) إشارة إلى أن اسم المصنف عبد الرحمن (الْمُرْتَجِي) أي المؤمل (مِنْ رَبِّهِ) أي مالكه ومربيه (المَنَّانِ) أي المنعم بجميع النعم أو المعدد للنعم، وأما النهي عن المنة فللمخلوق، وأما الخالق فيفعل ما يشاء (مَغْفِرَةً) من الغفر وهو الستر، والمراد هنا عدم المؤاخذة (تُحِيْطُ) تلك المغفرة (بِالذُّنُوبِ) يعني جميعًا، فإن الله رب كريم لا يخيب قاصده. قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} (وَتَكْشِفُ) تلك المغفرة (الغِطَا عَنِ القُلُوبِ) أي تزيل حُجُبَ رَيْنِ الذنوب المحدقة بأنوار القلوب الحائلة بينها وبين علام الغيوب]، وهو كذلك أن الذنوب حاجز وفاصل بين العبد وربه. [(وَأَنْ يُثِيْبَنَا) أي يجازينا (بِجَنَّةِ العُلَىْ) أي بدخولها مع السابقين فإنه سبحانه وتعالى (أَكْرَمُ مَنْ تَفَضَّلا)]. أي [أنعم وإنعامه تعالى على العباد تفضلاً منه لا وجوبًا عليه]، خلافًا للمعتزلة. - - - وَكُنْ أَخِي لِلمُبْتَدِي مُسَامِحَا ... وَكُنْ لِإِصْلاَحِ الفَسَادِ نَاصِحَا وَأَصْلِحِ الفَسَادَ بِالتَّأَمُّلِ ... وَإِنْ بَدِيهَةً فَلاَ تُبَدِّلِ إِذْ قِيلَ كَمْ مُزَيِّفٍ صَحِيحَا ... لِأَجْلِ كَوْنِ فَهْمِهِ قَبيِحَا وَقُلْ لِمنْ لَمْ يَنْتَصِفْ لِمَقْصِدِي ... العُذْرُ حَقٌّ وَاجِبٌ لِلمُبْتَدِي وَلِبَنِي إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَهْ ... مَعْذِرَةٌ مَقْبُولَةٌ مُسْتَحْسَنَهْ

(وَكُنْ) المراد بها الناظر في هذا الكتاب (أَخِيْ) ناداه بالإخوة استعطافًا له ليخفف الاعتراض واللوم ويلتمس له المعذرة (لِلمُبْتَدِي) هو الآخذ في التعليم (مُسَامِحَا) أي كن مسامحًا للمبتدي غير معترض عليه، بل التمس له المعذرة أو أصلح ما ينبغي إصلاحه بأن تلحق بهامشه في الحال التي تُوهِم الخطأ فيها كقولك: لعل المراد كذا. إذ ربما يكون ما جعلته صوابًا هو الخطأ، فلا يهجم ببادئ الرأي على التخطئة، هذا تواضع من المصنف حيث وصف نفسه بكونه مبتدئًا ولم يأمن من وقوع الخطأ، ... (وَكُنْ لإِصْلاحِ) اللام بمعنى الباء أو في (الفَسَادِ) الذي يظهر لك ... (نَاصِحَا) لا تأت بعبارات فيها سوء أدب، (وَأَصْلِحِ الفَسَادَ بِالتَّأَمُّلِ) هذا إذن من المصنف لمن رأى خللاً أن يصلحه بعد التأمل، وإمعان النظر لمن يكون أهلاً لذلك (وَإِنْ بَدِيهَةً) أي وإن كان الإصلاح ذا بداهة ببادئ الرأي (فَلاَ تُبَدِّلِ) ولا تأت بما يدل على أن الصواب خلاف ما ذكر، (إِذْ قِيلَ) لأنه قيل (كَمْ) خبرية مبتدأ مضافة إلى (مُزَيِّفٍ) قولاً (صَحِيْحًا) أي كم شخص جاعل الصحيح مزيفًا أي معيبًا رديئًا (لِأَجْلِ كَوْنِ فَهْمِهِ قَبيِحَا) علة لمزيف وخبر (كَمْ) محذوف أي موجود وهذا إشارة إلى قول الشاعر: وكم من عائب قولاً صحيحًا ... وآفته من الفهم السقيم (وَقُلْ لِمنْ لَمْ يَنْتَصِفْ لِمَقْصِدِي) بلا مين، (العُذْرُ حَقٌّ وَاجِبٌ لِلمُبْتَدِي)، (وَلِبَنِي إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَهْ ** مَعْذِرَةٌ) أي عذر (مَقْبُولَةٌ مُسْتَحْسَنَهْ) لكون هذا السن يقل فهم من فيه العلم، (لَاسِيَّمَا) أي مثل الشخص الذي هو (فِي عَاشِرِ القُرُونِ)، وفي القرون أقوال أشهرها أنها مائة سنة، فهذا القرن ينبغي أن يُعذر فيه الشخص أكثر مما كان قبله، ... (ذِي الجَهْلِ) وهو انتفاء العلم بالمقصود أي صاحب الجهل لكثرة جهله بسبب تأخر الزمان وتتابع الفتن التي لم تكن في العصر الخالية (وَالفَسَادِ وَالفُتُونِ) جمع فتنة. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

[(وَكُنْ) المراد بها الناظر] أنت أيها الناظر [في هذا الكتاب (أَخِيْ) ناداه بالإخوة استعطافًا ليخفف الاعتراض واللوم ويلتمس له المعذرة ... (لِلمُبْتَدِي) هو الآخذ في التعليم (مُسَامِحَا) أي كن مسامحًا للمبتدي غير معترض عليه، بل التمس له المعذرة أو أصلح ما ينبغي إصلاحه بأن تلحق بهامشه في الحال التي تُوهِم القطع فيها] أو تُوُهِّم القطع فيها [كقولك لعل المراد كذا، إذ ربما يكون ما جعلته صوابًا هو الخطأ، فلا يهجم ببادئ الرأي على التخطئة، هذا تواضع من المصنف حيث وصف نفسه بكونه مبتدئًا ولم يأمن من وقوع الخطأ]، وأمر من وقف على خطأ أن يصلحه لكن بأدب .. [(وَكُنْ لإِصْلاحِ) اللام بمعنى الباء أو في]، بإصلاح أو لإصلاح [(الفَسَادِ) الذي يظهر لك (نَاصِحَا) لا تأت بعبارات فيها سوء أدب (وَأَصْلِحِ الفَسَادَ بِالتَّأَمُّلِ) هذا إذن من المصنف] لأهل العلم [لمن رأى خللاً أن يصلحه بعد التأمل، وإمعان النظر لمن يكون أهلاً لذلك (وَإِنْ بَدِيهَةً)]، [(فَلاَ تُبَدِّلِ). أي وإن كان الإصلاح ذا بداهة ببادئ الرأي (فَلاَ تُبَدِّلِ)] لا تغير، بل لا بد من التأني والنظر، فإن ظهر حينئذ أبدله، [ولا تأت بما يدل على أن الصواب خلاف ما ذكر، (إِذْ قِيلَ) لأنه قيل (كَمْ)] هذه [خبرية مبتدأ مضافة إلى (مُزَيِّفٍ) قولاً (صَحِيْحًا). أي كم شخص جاعل الصحيح مزيفًا أي معيبًا رديئًا (لِأَجْلِ كَوْنِ فَهْمِهِ قَبيِحَا) علة لمزيف وخبر كم محذوف أي موجود وهذا إشارة إلى قول الشاعر: وكم من عائب قولاً صحيحًا ... وآفته من الفهم السقيم (وَقُلْ لِمنْ لَمْ يَنْتَصِفْ لِمَقْصِدِي) بل لامني، (العُذْرُ حَقٌّ وَاجِبٌ لِلمُبْتَدِي)، (وَلِبَنِي إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَهْ مَعْذِرَةٌ) أي عذر (مَقْبُولَةٌ مُسْتَحْسَنَهْ) لكون هذا السن يقل فهم من فيه العلم] يعني نظمه وهو صغير، [(لَاسِيَّمَا) أي مثل الشخص الذي هو (فِي عَاشِرِ القُرُونِ) وفي القرون أقوال أشهرها أنها مائة سنة، فهذا القرن ينبغي أن يُعذر فيه الشخص أكثر مما كان قبله، (ذِي الجَهْلِ) وهو انتفاء العلم بالمقصود أي صاحب الجهل لكثرة جهل أهله بسبب تأخر الزمان وتتابع الفتن التي لم تكن في العصر الخالية (وَالفَسَادِ وَالفُتُونِ) جمع فتنة. - - - وَكَانَ فِي أَوَائِلِ المُحَرَّمِ ... تَأْلِيفُ هَذَا الرَّجَزِ المُنَظَّمِ مِنْ سَنَةٍ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ ... مِنْ بَعْدِ تِسْعَةٍ مِنَ المِئِينَ ثُمَّ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ سَرْمَدَا ... عَلَى رَسُولِ اللهِ خَيْرِ مَنْ هَدَى وَآلِهِ وَصَحْبِهِ الثِّقَاتِ ... السَّالِكِينَ سُبُلَ النَّجَاةِ مَا قَطَعَتْ شَمْسُ النَّهَارِ أَبْرُجَا ... وَطَلَعَ البَدْرُ المُنِيرُ فِي الدُّجَى وَكَانَ فِي أَوَائِلِ المُحَرَّمِ ... تَأْلِيفُ هَذَا الرَّجَزِ ...........

الذي هو وزن مستفعلن ست مرات (المُنَظَّمِ مِنْ سَنَةِ) بالتنوين للوزن ( ... إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنْ ** مِنْ بَعْدِ تِسْعَةٍ مِنَ المَئِيْنْ) من الهجرة النبوية، ... (ثُمَّ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ) تقدم معناهما، (سَرْمَدَا) أي دائمًا (عَلَى رَسُولِ اللَّهِ) - صلى الله عليه وسلم - (خَيْرِ مَنْ هَدَى) أي دَلَّ الخلق على طريق الحق (وَآلِهِ وَصَحْبِهِ) تقدم معناهما، أيضًا (الثِّقَاتِ) جمع ثقة بمعنى الموثوق به الذي لا يُشك في أخباره والصحابة كلهم عدول (السَّالِكِيْنَ سُبُلَ) أي طرق (النَّجَاةِ) التي هي سبب لنجاة سالكها، وهي طريق النبي - صلى الله عليه وسلم - وشريعته التي لا يزيغ عنها إلا هالك (مَا قَطَعَتْ شَمْسُ النَّهَارِ) أي مدة قطع شمس النهار، ... (أَبْرُجَا) وهو جمع قلة أريد منه الكثرة، لأن البروج التي في السماء اثنا عشر برجًا الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت، وتقطع الشمس الفلك في سنة، وتقطع كل يوم درجة، وتقيم في كل برج ثلاثين يومًا (وَ) ما ... (طَلَعَ البَدْرُ) أي مدة طلوع البدر أي القمر (المُنِيْرُ فِيْ الدُّجَى) ويقطع الفلك في كل شهر ويقيم في كل برج ليلتين وثلثًا، فسبحان مكون الأكوان. والحمد لله رب العالمين. ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ وَكَانَ فِي أَوَائِلِ المُحَرَّمِ ... تَأْلِيفُ هَذَا الرَّجَزِ ........... [الذي هو وزن مستفعلن ست مرات (المُنَظَّمِ)] تأليف هذا الرجز [(المُنَظَّمِ مِنْ سَنَةِ) بالتنوين للوزن ( ... إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنْ ** مِنْ بَعْدِ تِسْعَةٍ مِنَ المَئِيْنْ) من الهجرة النبوية، (ثُمَّ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ) تقدم معناهما، ... (سَرْمَدَا) أي دائمًا (عَلَى رَسُولِ اللَّهِ) - صلى الله عليه وسلم - (خَيْرِ مَنْ هَدَى) أي دَلَّ الخلق على طريق الحق (وَآلِهِ وَصَحْبِهِ) تقدم معناهما، أيضًا (الثِّقَاتِ) جمع ثقة بمعنى الموثوق به الذي لا يُشك في أخباره والصحابة كلهم عدول (السَّالِكِيْنَ سُبُلَ) أي طرق (النَّجَاةِ) التي هي سبب لنجاة سالكها، وهي طريق النبي - صلى الله عليه وسلم - وشريعته التي لا يزيغ عنها إلا هالك (مَا قَطَعَتْ شَمْسُ النَّهَارِ) أي مدة قطع شمس النهار]، فما هنا مصدرية ظرفية ... [(أَبْرُجَا) وهو جمع قلة أريد منه الكثرة لأن البروج التي في السماء اثنا عشر برجًا الحمل والثور والجوزاء والسرطان والسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت، وتقطع الشمس الفلك في سنة، وتقطع كل يوم درجة، وتقيم في كل برج ثلاثين يومًا (وما طَلَعَ البَدْرُ)، أي مدة طلوع البدر أي القمر (المُنِيْرُ فِيْ الدُّجَى)] جمع دجية وهي الظلمة [ويقطع الفلك في كل شهر ويقيم في كل برج ليلتين وثلثًا، فسبحان مكون الأكوان. والحمد لله رب العالمين]. وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. - - -

§1/1