شرح القواعد المثلى - عبد الرحيم السلمي

عبد الرحيم السلمي

شرح القواعد المثلى [1]

شرح القواعد المثلى [1] إن من أعظم مباحث العقيدة التي عني بها علماء سلف الأمة، والمتعلقة بذات الله جل في علاه وهو مبحث الأسماء والصفات، وهو من أوسع أبواب العقيدة والتي يجب على المسلم أن يحتوي عقله على الاعتقاد الصحيح الذي لا يشوبه أي تشويش أو بدع ضالة، ومن باب الحرص على تسهيل فهم المعتقد السليم للأسماء والصفات قام علماء الأمة الأفذاذ بإنشاء علم عُرف بقواعد الأسماء والصفات.

أهمية العلم الشرعي

أهمية العلم الشرعي الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد عليه وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم. أما بعد: فإن للعلم الشرعي أهمية كبرى في الإصلاح، وفي الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ولهذا أمر الله سبحانه وتعالى بالعلم، وحث عليه، وأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحث عليه، وكان سلف الأمة يتميز بالاهتمام بالعلم، والاشتغال به، والعناية بتحصيله، ونحن أحوج ما نكون إلى العلم الشرعي لا سيّما في مثل هذه الأوقات، وفي مثل هذه الأزمان التي انتشر فيها الفساد العقائدي والأخلاقي إلى درجة كبيرة، فالعناية بالعلم أمر مهم جداً بالنسبة للدعاة إلى الله سبحانه وتعالى. يقول الله سبحانه وتعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد:19]، ويقول سبحانه وتعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18]، وروى البخاري عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين). فالفقه في الدين علامة على إرادة الله سبحانه وتعالى لصاحب العلم الخير، فهو يعلم الإنسان صحة عقيدته وصحة عمله، ويعلمه الأخلاق والآداب الفاضلة، وكذلك يعلمه كيفية تصحيح عقائد الناس، وكيفية تصحيح أعمالهم وأخلاقهم وأهدافهم، والدعوة إذا خلت من العلم فهي دعوة فاشلة وباطلة؛ لأنها ستكون من البدع، وسيدعو صاحبها إلى البدع والضلالات والانحرافات، وكما وقع في تاريخ المسلمين من أشخاص ينتسبون إلى الدعوة، ويشتغلون بها، فلما اشتغلوا بها على غير بصيرة وعلى غير علم شرعي وقعوا في البدع وفي الضلالات. ولهذا فإن رموز أهل البدع في تاريخ المسلمين كلهم ليسوا من أهل العلم، ولا يعرفون بالاشتغال بالعلم، فمثلاً: من أكبر الطوائف الضالة المنحرفة في تاريخ المسلمين الجهمية، ورأسها هو الجهم بن صفوان، وهو لا يعرف عند أهل العلم بطلب للحديث، ولا بطلب للفقه، ولا العناية ولا اشتغال به، وكذلك أئمة البدع والضلالات على مر العصور لا يعرفون بالعلم، ولا يعرفون باشتغالهم بالعلم واهتمامهم به، ولهذا وقعت منهم هذه البدع، وأصبحوا ضالين مضلين، والعياذ بالله. ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه في آخر الزمان عندما تظهر الفتن في حياة الناس يكون سبب ذلك انتشار وبروز الجهل، وخفاء العلم، ونسيانه عند الناس. وأول شرك وقع فيه الإنسان كان بسبب نسيان العلم، وظهور الجهل، فوقع الشرك في أول أمة شركية وهم قوم نوح، ثم بعد ذلك جاء التوحيد على يد نوح عليه السلام، ثم بعد ذلك وقع الشرك، وهكذا حتى جاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأظهر التوحيد والتزمت به هذه الأمة. فالعلم الشرعي له أهمية كبرى في الإصلاح، وفي الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وبين الدعوة وبين العلم ارتباط كبير جداً، وقد عني السلف الصالح رضوان الله عليهم بعلم العقيدة بالذات؛ وسبب ذلك: أن علم العقيدة هو الذي يبنى عليه صحة دين الإنسان، يعني: كونه مسلماً أو غير مسلم، وكونه من أهل الجنة الخالدين فيها، أو من أهل النار الخالدين فيها، وهذا مبني على العقيدة؛ ولهذا اعتنوا بها اعتناء كبيراً، وشرحوها ووضحوها في واقعهم العملي وفي مصنفاتهم التي كتبوها للناس.

جوانب عناية السلف بالعقيدة

جوانب عناية السلف بالعقيدة وكانت عناية السلف الصالح رضوان الله عليهم بالعقيدة من جانبين: الجانب الأول: هو تصحيح العقيدة. والجانب الثاني: هو تعميق العقيدة في النفوس. أما تصحيح العقيدة فهو: إزالة الشوائب التي قد تعلق بها سواءً من أهل البدع والضلالات، أو من تسويلات الشيطان ووساوسه التي يحدثها في نفس الإنسان، ولهذا أوضحوا العقائد وبينوها، وصححوها تصحيحاً واضحاً، وتصحيح السلف رضوان الله عليهم لهذه العقيدة اتخذ مسلكين: المسلك الأول: هو مسلك عرض العقيدة. والمسلك الثاني: هو مسلك الرد على الطوائف الضالة في العقيدة. وممن كتب مثلاً في عرض العقيدة وشرحها الإمام اللالكائي رحمه الله في كتابه شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، ومنهم عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في كتابه السنة، والبربهاري في كتاب شرح السنة، وعدد كبير من أهل العلم ألفوا كتباً سموها بالسنة، ومن الأئمة المشهورين البخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة، فقد جعلوا في مصنفاتهم كتباً عن العقائد، مثلاًً: كتاب الإيمان، والرد على الجهمية وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، وكتاب التوحيد والرد على المرجئة والجهمية، وغيرهم ممن أفرد كتباً خاصة بالسنة وبالعقيدة، يشرحون فيها العقيدة الصحيحة، ويوضحونها للناس. وكذلك صححوا عقائد الناس عن طريق الرد على الفرق الضالة، فهذا الدارمي رحمه الله يصنف كتاباً يسميه: الرد على الجهمية، وكذلك الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله له كتاب سماه: الرد على الجهمية والزنادقة، وهناك عدد كبير من الأئمة صنفوا في الرد على الجهمية مثل ابن مندة رحمه الله فله كتاب في الرد على الجهمية، وبعض الأحيان قد يأخذون علماً من أعلام أهل البدع ويردون عليه، مثل رد الدارمي رحمه الله على بشر المريسي الحنفي بالذات، وقد خصوه برد خاص؛ لأنه كان إمام المعتزلة في زمانه، وعن بشر المريسي أخذ ابن أبي دؤاد الذي استطاع أن يقنع المأمون بفكرة خلق القرآن، وحصلت بعد ذلك الفتنة المشهورة والتي هي فتنة خلق القرآن، وامتحن بها أئمة أهل السنة، ونصر الله سبحانه وتعالى أئمة أهل السنة، وظفروا على أهل البدع، ومنذ ذلك الوقت أفل نجم المعتزلة فلم يظهر بعدها. إذاً: هذه الجهة الأولى وهي تصحيح العقيدة. الجهة الثانية: وهي تعميق العقيدة في النفوس، ومعنى ذلك: العناية والاشتغال بأعمال القلوب مثل: محبة الله سبحانه وتعالى، والخوف منه، والرجاء، والإنابة، والتوكل، والخشوع ونحو ذلك من أعمال القلوب، وهي من أعظم أعمال الإيمان، وهي من العقيدة؛ لأنه في فترة من الفترات ظن كثير من المنتسبين إلى السنة أن العقيدة هي مجرد عرض لبعض الأفكار في أسماء الله وفي صفاته وفي التوحيد وفي الإيمان، والرد على الفرق الضالة فقط، وظنوا أن هذه هي العقيدة، والعقيدة أشمل وأكبر من ذلك، فالعقيدة تعني: امتثال الاعتقاد الصحيح عملياً، وبناءه في النفس، ثم بعد ذلك إذا وجد ضلال في الاعتقاد فإنه يصحح، وإذا وجدت فرقة ضالة فإنه يرد عليها، والرد على أهل الضلال فرع من العقيدة وليس بأصل، فالأصل هو تعميق العقيدة في النفوس، ولهذا فإن آيات القرآن عنيت عناية كبيرة جداً في الاهتمام بتعميق الاعتقاد في نفوس الناس، فالسور المكية تتحدث كثيراً عن أسماء الله وعن صفاته، وتتحدث عن الإيمان، وعن معسكر أهل الإيمان، وتتحدث عن الكفر، وعن معسكر أهل الكفر، وعن صفات المؤمنين وعن صفات الكفار، وتميز بينهم، ففيها تمييز لصفوف أهل الإيمان وأهل الكفر، فالقرآن الكريم مليء بالعقيدة، بل لا تخلو آية من القرآن إلا وهي مبنية بناءً عقدياً، حتى الآيات التي تتحدث عن الأحكام الفقهية ففي الغالب تنتهي باسم من أسماء الله، قال تعالى: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:228]، {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:218]، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران:154]، وحتى الآيات التي في الطلاق، والرجعة، والتي في البيع والشراء، والتي في الأموال، وهكذا نجد أنها تربط الإنسان بالعقيدة، وتبني الأحكام على العقائد، فالعقائد هي الأصول التي يبنى عليها كل شيء، فالأخلاق تنبني على العقائد، وكذلك الأعمال تنبني على العقائد، فالعقائد هي أصل وكل شيء يبنى عليها، ومن قوة المنهج السلفي أنه يربط كل شيء بالعقيدة، ويربط كل حياة الناس بالعقيدة فهو يربط الفقه بالعقيدة، ويربط السلوك والأخلاق بالعقيدة، ويربط السياسة بالعقيدة، ويربط اجتماعهم بالعقيدة، ويربط حياتهم الأسرية بالعقيدة، إذاً فالعقيدة قضية مهمة، ينبغي إدراكها والعناية بها. والخلاف وقع في باب الأسماء والصفات، بالذات عندما ظهر الجعد بن درهم، وقد ظهرت بوادر لهذا الخلاف في بداية زمن النبي صلى الله عليه وسلم

مقدمة كتاب القواعد المثلى

مقدمة كتاب القواعد المثلى قال المصنف رحمه الله تعالى: [بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً. وبعد: فإن الإيمان بأسماء الله وصفاته أحد أركان الإيمان بالله تعالى، وهي: الإيمان بوجود الله تعالى، والإيمان بربوبيته، والإيمان بألوهيته، والإيمان بأسمائه وصفاته]. المعلوم أن حديث جبريل المشهور الذي سأل فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام وعن الإيمان وعن الإحسان كان مما أجاب به عن الإيمان قال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره)، فبين الشيخ أن موضوع الكتاب هو الإيمان بالله؛ الذي يتضمن التوحيد بأنواعه الثلاثة: الإيمان بربوبية الله، والإيمان بألوهية الله، والإيمان بأسمائه وصفاته. وذكر الشيخ أنه يتضمن الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى، وقد يفرده البعض وتكون أربعة: الإيمان بوجود الله، وبربوبيته، وبألوهية، وبأسمائه وصفاته، وبعضهم يجعل وجود الله عز وجل داخل في توحيد الربوبية، فيجعل الإيمان بالله يتضمن ثلاثة أمور: الإيمان بروبية الله، وبألوهية، وبأسمائه وصفاته.

منزلة العلم بأسماء الله وصفاته من الدين

منزلة العلم بأسماء الله وصفاته من الدين قال المصنف رحمه الله تعالى: [منزلة العلم بأسماء الله وصفاته من الدين. وتوحيد الله به أحد أقسام التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، فمنزلته في الدين عالية وأهميته عظيمة، ولا يمكن لأحد أن يعبد الله على الوجه الأكمل حتى يكون على علم بأسماء الله تعالى وصفاته ليعبده على بصيرة، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]، وهذا يشمل دعاء المسألة، ودعاء العبادة. فدعاء المسألة: أن تقدم بين يدي مطلوبك من أسماء الله تعالى ما يكون مناسباً، مثل أن تقول: يا غفور! اغفر لي، ويا رحيم! ارحمني، ويا حفيظ! احفظني، ونحو ذلك. ودعاء العبادة: أن تتعبد لله تعالى بمقتضى هذه الأسماء، فتقوم بالتوبة إليه؛ لأنه التواب، وتذكره بلسانك؛ لأنه السميع، وتتعبد له بجوارحك؛ لأنه البصير، وتخشاه في السر؛ لأنه اللطيف الخبير وهكذا]. أشار الشيخ في هذه المقدمة إلى أهمية توحيد الأسماء والصفات، وأنه لا يستقيم إيمان الإنسان حتى يؤمن بأسماء الله وصفاته، فإذا لم يؤمن الإنسان بأسماء الله وصفاته لم يؤمن بالله سبحانه وتعالى، وإذا لم يؤمن بالله تعالى فحينئذ لا يكون من أهل الإيمان، ولهذا ينبغي العناية بهذا الباب وللعناية به مبررات كثيرة جداً منها: أن الخلاف الكبير الذي وقع في حياة المسلمين أول ما وقع كان تقريباً في هذا الباب، والجدل الكبير في موضوع الإلهيات كما يسميه البعض هو في موضوع الأسماء والصفات، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى أن الأسماء والصفات لها آثار عظيمة جداً على سلوك ودين الإنسان، وعلى آدابه وأخلاقه، ولهذا فالعناية بها لها أهمية كبيرة من ناحية أن الإنسان يتأدب بالآداب التي تتضمنها أسماء الله عز وجل وصفاته.

سبب تصنيف الكتاب

سبب تصنيف الكتاب قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن أجل منزلته هذه، ومن أجل كلام الناس فيه بالحق تارة وبالباطل الناشئ عن الجهل أو التعصب تارة أخرى، أحببت أن أكتب فيه ما تيسر من القواعد راجياً من الله تعالى أن يجعل عملي خالصاً لوجهه موافقاً لمرضاته نافعاً لعباده. سميته: القواعد المثلى في صفات الله تعالى وأسمائه الحسنى]. والقواعد التي ذكرها الشيخ على قسمين: قواعد في المسائل، وقواعد في الدلائل؛ لأن العلم في العقيدة يشتمل على المسائل وعلى الدلائل، فالمسائل ذكر قواعد في أسماء الله وصفاته. والدلائل ذكر قواعد في أدلة الأسماء أدلة الصفات، ثم ختمه في الحديث عن معية الله تعالى، وعن الرد على أهل التأويل من الأشاعرة والماتردية والمعتزلة. والواجب هو أن يسير الإنسان على منهاج السلف الصالح رضوان الله عليهم في المسائل وفي الدلائل، فإننا مطالبون بأن نوافق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في مسائل العقائد، كما أننا مطالبون أيضاً بالاستدلال بمنهاج السلف في العقائد، فليست كل طريقة من طرق الاستدلال صحيحة، فأهل الكلام يستدلون مثلاً على الوحدانية بدليل التمانع، ويستدلون على وجود الله عز وجل بدليل حدوث الأجسام، ويستدلون على إبطال التسلسل بدليل القطع والتطبيق مثلاً، وعندهم أدلة يستدلون بها، وهي أدلة بدعية، مبتدعة. والمميز والضابط بين الأدلة السنية، والتي هي على وفق منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم، والأدلة البدعية المخالفة لمنهاج السلف هو: أولاً: أن الأدلة السلفية لا تتضمن أموراً تبطل العقيدة، أي: أنها لا تتضمن قواعد، سواء قواعد عقلية، أو غيرها، فهي لا تتضمن قواعد تبطل العقيدة، ولكنها متوافقة ومنسجمة بعضها مع بعض، فالدليل الذي ينص على توحيد الله عز وجل تجد أنه منسجم مع الدليل الذي يدل على الإيمان، ومنسجم مع الدليل الذي يدل على البعث، ومنسجم مع الدليل الذي في صفات الله، وهكذا تجد الأدلة الشرعية متناسقة يكمل بعضها بعضاً. لكن الأدلة المبتدعة التي جاء بها أهل الكلام يضرب بعضها بعضاً، ويبطل بعضها بعضاً، وهكذا الباطل، فإنه يحطم بعضه بعضاً، ويكسر بعضه بعضاً، فتجد أن دليل حدوث الأجسام عند المتكلمين يلتزمون فيه نفي صفات الله تعالى، وفناء الجنة والنار، ويلتزمون فيه بعقائد باطلة كثيرة جداً، منها عقائد متعلقة باليوم الآخر، ومنها عقائد متعلقة بأسماء الله وصفاته وهكذا. ولهذا وضع الشيخ قواعد -كما قلت- في المسائل، ووضع قواعد في الدلائل، وقد نبه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أهمية الاعتناء بمنهج السلف الصالح رضوان الله عليهم في المسائل وفي الدلائل في أول كتابه: درء تعارض العقل والنقل، فإنه أول ما ذكر قانون الرازي الذي يقدم العقل فيه على النقل، وبين فيه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الإنسان ينبغي عليه أن يضبط عقيدته في هذين الأمرين. والحقيقة أن هناك مصادر أخذ منها الشيخ هذه القواعد. ومصدر الشيخ في فصل: قواعد في أسماء الله تعالى هو كتاب بدائع الفوائد، وأكثر القواعد الموجودة في هذا الفصل مأخوذة من كتاب بدائع الفوائد، لـ ابن قيم الجوزية، ففي المجلد الأول ذكر تقريباً عشرين قاعدة في أسماء الله تعالى، منها هذه القواعد التي ذكرها الشيخ.

قواعد في أسماء الله تعالى

قواعد في أسماء الله تعالى

قاعدة: أسماء الله كلها حسنى

قاعدة: أسماء الله كلها حسنى قال المصنف رحمه الله تعالى: [القاعدة الأولى: أسماء الله تعالى كلها حسنى، أي: بالغة في الحسن غايته، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف:180]؛ وذلك لأنها متضمنة لصفات كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه لا احتمالاً ولا تقديراً]. حسنى على وزن فعلى، وهذه الكلمة تأنيث من أحسن، مثل: كبرى، وصغرى، فهما تأنيث أكبر وأصغر، فإذا كان أصل الفعل هو حسن وأحسن، فإن حسنى هي تابعة لأحسن والذي هو اسم تفضيل يدل على كمال الصفة، فأسماء الله تعالى كلها حسنى، أي: بلغت الغاية في الحسن وفي الجمال وفي الكمال، وقد دل على ذلك أربعة آيات تقريراً من كتاب الله: الآية الأولى: في سورة الأعراف وهي قول الله سبحانه وتعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:180]. والآية الثانية هي آية الإسراء وهي قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء:110]. والآية الثالثة هي آية طه وهي قول الله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه:8]. والآية الرابعة هي آية الحشر وهي آخر آية في السورة وهي قول الله عز وجل: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر:24].

دلالات وصف أسماء الله بالحسنى

دلالات وصف أسماء الله بالحسنى ووصف أسماء الله عز وجل بالحسنى له دلالات كثيرة، منها: أن أسماء الله سبحانه وتعالى تدل كلها على المدح والثناء والتمجيد لله سبحانه وتعالى، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين، وذكره شيخه قبله في نقض التأسيس، وكذلك تدل على أن أسماء الله عز وجل تتضمن معان جميلة، فكما أنها تدل على المدح والكمال والجلال والتمجيد فهي كذلك تدل على معان جليلة وعظيمة وهي معاني الكمال، وهذه المعاني هي الصفات. وكل اسم من أسماء الله عز وجل يدل على معنى، فمثلاً: اسم الله الرحمن يدل على معنى: وهو الرحمة، واسم الله سبحانه وتعالى العزيز يدل على معنى: وهي العزة، والعزة غير الرحمة، وكل اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى يدل على معنى غير المعنى الذي يدل عليه الاسم الآخر، وإن كانت جميع أسماء الله عز وجل تدل على مسمى واحد وهو الله سبحانه وتعالى، وهذا يدل على أنها أسماء، يعني: إذا كانت أسماء الله عز وجل كل اسم منها يدل على معنى، وهي كثيرة فالمعاني التي تدل على كمال الله عز وجل كثيرة ومتعددة، ولهذا سميت حسنى. وكذلك من الدلالات على أن أسماء الله حسنى: أنه لا يوجد اسم من أسماء الله يتضمن الشر، بل الشر في مفعولاته عز وجل، وليس في فعله، وليس في وصفه، وليس في اسمه سبحانه وتعالى، ويمكن أن نذكر مثالاً يدل على ذلك، يقول الله عز وجل: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} [البروج:12 - 14]، انظروا في الاسم سمى نفسه الغفور الودود، وهي أسماء الخير والبركة، وفي مفعوله وصفه بأنه شديد، ومثل قول الله سبحانه وتعالى: {أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} [الحجر:49 - 50]، فالعذاب نتيجة فعله سبحانه وتعالى وهي آثار فعله وقد توصف بالألم، وبما فيه ضرر بالنسبة للإنسان أو لغيره، لكن أسماء الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن ينسب إليها شر بأي وجه من الوجوه.

أمثلة على أسماء الله الحسنى

أمثلة على أسماء الله الحسنى قال المصنف رحمه الله تعالى: [مثال ذلك: الحي اسم من أسماء الله تعالى متضمن للحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم ولا يلحقها زوال، الحياة المستلزمة لكمال الصفات من العلم والقدرة والسمع والبصر وغيرها]. الحي يتضمن كمال الحياة بالنسبة لله سبحانه وتعالى، وهذه الحياة لا يعتريها نقص بأي وجه من الوجوه، فهي ليست مسبوقة بعدم فلا يعتريها النقص، ولا يلحقها زوال. والمخلوق يمكن تسميته بالحي، ومثال ذلك قوله تعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} [الأنعام:95]، فالمخلوق حي لكن حياته ناقصة؛ لأنه سبقها العدم، وسيأتي عليها الفناء، ولأنه يتخللها السِنَة يعني: النعاس، والنوم، فضلاً عما يدخلها من النسيان والغفلة ونحو ذلك من قوادح الحياة، لكن حياة الله عز وجل كاملة لا يعتريها نقص بأي وجه من الوجوه، فليست مسبوقة بعدم، ولا يلحقها زوال، وليس فيها نسيان، وليس فيها خطأ، وليس فيها نوم، وليس فيها نعاس، بل هو سبحانه وتعالى حي حياة دائمة مستمرة ليس لها بداية وليس لها نهاية سبحانه وتعالى، وهذا هو معنى قول الشيخ: (وذلك لأنها متضمنة لصفات كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه). قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومثال آخر: العليم اسم من أسماء الله متضمن للعلم الكامل الذي لم يسبق بجهل ولا يلحقه نسيان، قال الله تعالى: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى} [طه:52]، العلم الواسع المحيط بكل شيء جملة وتفصيلاً، سواء ما يتعلق بأفعاله أو أفعال خلقه، قال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]، {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود:6]، {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [التغابن:4]]. العليم: اسم من أسماء الله تعالى يتضمن صفة من صفاته وهي العلم، فهذا العلم الذي يدل عليه اسمه سبحانه وتعالى لا نقص فيه بأي وجه من الوجوه، واسمه سبحانه وتعالى العليم لا نقص فيه في أي وجه من الوجوه، وأنه لا يعتريه النسيان، ولا تعتريه غفلة، ولا يعتريه خطأ، وهذا الاسم العظيم الذي هو من أسمائه سبحانه وتعالى (العليم) يدل على سعة علمه، وأن هذا العلم ليس علماً محدوداً بشيء، وإنما هو علم محيط بكل شيء، ويستوي في ذلك أفعال عباده وأفعال غيره، فكل شيء يعلمه سبحانه وتعالى، ولهذا فعلم الله عز وجل لا يمكن أن يحد، وهذا هو وجه الحسن في الاسم؛ لأنه قد يسمى إنسان بعليم لكن كما قال تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف:76]، وقد يكون الإنسان عنده علم لكن علمه محدود، وربنا هو الذي يعلم كل شيء سبحانه وتعالى، سواء من الأشياء المحسوسة أو غير المحسوسة، والشرعية أو غير الشرعية.

معنى الحسن في أسماء الله تعالى

معنى الحسن في أسماء الله تعالى ويمكن التنبيه إلى عدة أمور تدل على وصف أسماء الله عز وجل بأنها حسنى: أولاً: أن الأسماء الجامدة التي لا تدل على معان ليست من أسماء الله سبحانه وتعالى؛ لأنها ليست حسنة ولا يتحقق فيها وصف الحسنى، مثل: الموجود، فلا يمكن أن يسمى الله: الموجود حتى ولو كان المعنى صحيح، فلا يسمى به، ولا يمكن أن يكون هذا له اسم؛ والسبب في ذلك: أنه ليس فيه معنى الحسن، وإنما غاية ما فيه أنه شيء موجود. ولا يسمى الشيء بأي اسم من هذه الأسماء؛ لأنها تتضمن معنى كريماً حسناً، ويدل على هذا أن الأسماء الجامدة ليست من أسماء الله سبحانه وتعالى، فالوصف في الآيات الأربع السابقة وصف لأسماء الله بالحسنى وهذا يدل على أهمية أن تكون أسماء الله عز وجل موصوفة بهذه الصفة وهي الحسن. كذلك لا يسمى الله سبحانه وتعالى بالاسم الذي يحتمل المدح والذم، مثل: المتكلم، فلا يقال: إن الله عز وجل هو المتكلم، فالمتكلم ليس اسماً من أسماء الله؛ لأن الكلام قد يكون حسناً وقد يكون سيئاً، وقد يكون ممدوحاً وقد يكون مذموماً، فلا يسمى الله سبحانه وتعالى بالاسم الذي يحتمل المدح ويحتمل الذم. وقد نقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في شرح الأصفهانية الأشاعرة الذين سموا الله سبحانه وتعالى بهذه الأسماء التي لم يسم بها نفسه، وكان من أوجه النقد التي نقدهم من خلالها شيخ الإسلام رحمه الله: أن هذا الاسم يحتمل المعنى الممدوح على المعنى المذموم، وهذا ينافي الحسن الذي وصف الله سبحانه وتعالى به أسماءه، وكذلك ما ورد مقيداً أو مضافاً فإن هذا لا يؤخذ منه اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى، ويمكن أن نمثل لهذا قوله تعالى: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [السجدة:22]، فلا يؤخذ من هذه الآية اسم لله وهو المنتقم؛ لأن الوصف هنا وهو قوله: {مُنتَقِمُونَ} [السجدة:22] مرتبط ومقيد بالمجرمين، لكن إذا قلت: المنتقم بشكل عام احتمل هذا أن يكون منتقماً أيضاً حتى من المؤمنين فلا يصح، وحينئذ سينافي الحسن الوارد في الآيات الأربع. ومثل قول الله عز وجل: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الأنعام:73]، فلا يؤخذ من هذه الآية اسم الله عز وجل العليم مثلاً أو العالم، لا يؤخذ من هذه الآية تحديداً لكنه يؤخذ من آيات أخرى تدل بشكل أصرح على اسم الله عز وجل، فالأسماء التي تأتي مقيدة ومضافة لا يصح أن يؤخذ منها اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى، مثل: مجري السحاب، وهازم الأحزاب ونحو ذلك. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومثال ذلك: الرحمن اسم من أسماء الله تعالى متضمن للرحمة الكاملة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لله أرحم بعباده من هذه بولدها) يعني: أم صبي وجدته في السبي فأخذته وألصقته ببطنها وأرضعته، ومتضمن أيضاً للرحمة الواسعة التي قال الله عنها: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156]، وقال عن دعاء الملائكة للمؤمن: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر:7]]. وهذا مثال يدل على أن اسم الله عز وجل الرحمن اسماً حسناً، وبين الشيخ أوجه تضمنه فقال: (لأنه يدل على الرحمة الكاملة)، ثم وصفها بالأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم عليه، وأنها واسعة، وأن الله عز وجل أرحم بعباده من الأم بولدها، وهذا لا شك أنه من الغاية في الحسن والجلال والكمال.

الحسن في أسماء الله باعتبار كل اسم على انفراده وجمعه إلى غيره

الحسن في أسماء الله باعتبار كل اسم على انفراده وجمعه إلى غيره قال المصنف رحمه الله تعالى: [والحسن في أسماء الله تعالى يكون باعتبار كل اسم على انفراده، ويكون باعتبار جمعه إلى غيره فيحصل بجمع الاسم إلى الآخر كمال فوق كمال]. أي: أنه يمكن أن يأخذ الإنسان الحسن من اسم الله العليم لوحده، ومن اسمه القدير لوحده، ومن اسمه العزيز لوحده، ومن اسمه الحكيم لوحده، ويتضاعف الحسن عندما تضم بعض الأسماء إلى بعض، مثل: العزيز الحكيم، الغفور الرحيم، الرحمن الرحيم، وهذه الإضافة التي تجدونها في القرآن كانت لحكمة، فهي تدل على معان عظيمة. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله هذه القاعدة في بدائع الفوائد، وقسم أسماء الله سبحانه وتعالى إلى أقسام، وذكر من أقسام أسماء الله عز وجل: أن بعض أسماء الله عز وجل تشتمل على صفات الكمال مركبة، يعني: ضم صفة معينة مثل اسمه المجيد، يقول: اسم المجيد من أسماء الله عز وجل لا يدل على كمال في جهة معينة فقط، وإنما يدل على الكمال في كل جهة، ولهذا يعتبر اسم الله عز وجل المجيد من أعظم الأسماء الواسعة، وقال: ولهذا سمي به عرش الرحمن في قوله: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج:15] على قراءة الجر، فالمجيد اسم من أسماء العرش؛ وذلك لأن اسمه المجيد يدل على السعة والعرش يدل على السعة، فناسب أن يسمى العرش بالمجيد، وهذا الكلام من أروع الكلام وقد ذكره ابن القيم في بدائع الفوائد في المجلد الأول صفحة مائة وتسعين. قال المصنف رحمه الله تعالى: [مثال ذلك: العزيز الحكيم، فإن الله تعالى يجمع بينهما في القرآن كثيراً، فيكون كلاً منها دالاً على الكمال الخاصة الذي يقتضيه وهو العزة في العزيز، والحكم والحكمة في الحكيم، والجمع بينهما دال على كمال الآخر، وهو أن عزته تعالى مقرونة بالحكمة، فعزته تقتضي ظلماً وزوراً وسوء فعل، كما قد يكون من أعزاء المخلوقين، فإن العزيز منهم قد تأخذه العزة بالإثم فيظلم ويجور ويسيء التصرف، وكذلك حكمه تعالى وحكمته مقرونان بالعز الكامل بخلاف حكم المخلوق وحكمته فإنهما يعتريهما الذل]. يدل هذا على أنه إذا اجتمع اسم العزيز واسم الحكيم فإن اجتماعها يدل على معنى عظيم وكبير وهو عز بحكمه، وحكمة بقوة؛ لأنه قد يكون العزيز في بعض الأحيان ليست لديه حكمه كما ذكر، وكذلك الحكيم وهكذا، ومثله أيضاً السميع البصير، كما قال الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، فإن السميع قد يسمع لكن قد لا يبصر في بعض الأحيان، فقال البصير؛ ولأن البصير قد لا يسمع فوجد السميع، وهكذا يكتمل المعنى بنفس الطريقة التي ذكرها الشيخ رحمه الله تعالى.

الأسئلة

الأسئلة

عدم وجود مذهب المعتزلة بأصوله الخمسة مع وجود أفكارهم في الفرق الضالة

عدم وجود مذهب المعتزلة بأصوله الخمسة مع وجود أفكارهم في الفرق الضالة Q قولك: إن مذهب المعتزلة قد أفل بعد انتهاء المحنة والفتنة، فهل تقصد بهذا أئمتهم، أم أفكارهم، مع أن بعض الكتاب وبعض الحداثيين في زماننا ينتهجون أفكار المعتزلة، وخاصة في تقديم العقل في أمور كثيرة؟ A أفل نجم المعتزلة بالذات بعد الفتنة في زمن الواثق والمتوكل الذي جاء بعده، كفرقة مستقلة لها أصولها التي تجتمع عليها وهي الأصول الخمسة، والمعتزلة لهم أصول خمسة، وهذه الأصول الخمسة يقال إن من جمعها فهو معتزلي، ومن لم يجمعها لا يكون معتزلياً، فأفلت المعتزلة المجتمعة على هذه الأصول، لكن بقيت الأفكار التي ذابت في معتقدات بعض الفرق، فبقيت أفكارها عند الشيعة الروافض وبقيت أفكارها كذلك عند الخوارج، فأصبح المتأخرون من الشيعة معتزلة في القدر والأسماء والصفات، وكذلك الخوارج أصبحوا معتزلة وما يزالون، أي: ما يزال إلى الآن الشيعة يقولون بمقالات المعتزلة، فكتبهم تقول: إن القرآن مخلوق، ويقولون: إن الله لا يرى يوم القيامة، وينفون القدر، ويقولون بمقالات المعتزلة الأوائل ويستندون إليها، ومن أمثلتهم ابن بابويه القمي في كتابه التوحيد، والمجلسي في بحار الأنوار، والكليني في الكافي وغيرهم من أئمة الشيعة الذين يقولون بمقالات المعتزلة وينفون الصفات جميعها: صفة اليدين، وصفة الوجه، ويقولون بنفس مقالة المعتزلة تماماً، ويحتجون بحججهم التي كانوا يحتجون بها وكذلك الخوارج وبالذات الأباضية أو الإباضية فهم يقولون بمقالات المعتزلة، ويحتجون بأدلتهم، فمثلاً: علي الخليلي مفتي عمان ألف كتاباً سماه: الحق الدامغ، وقد بناه على مسائل المعتزلة، وبناه على أن القرآن مخلوق، وأن الله لا يرى يوم القيامة، وبناه على نفي الصفات، وهو كتاب موجود الآن لمفتي الإباضية في عمان. وكذلك وجدت أفكار المعتزلة عند أصحاب العقلانية المعاصرة، فأفكارهم موجودة وهي ما يسمونها بحرية الإرادة، وقد صنف بعض المصنفين كتباً مثل: محمود قاسم وغيره من الكتاب الذين لهم كتب عن حرية الإرادة، ويقصدون بذلك نفي القدر، وأن الله عز وجل لم يكتب الأشياء، ولم يقدرها، وينفون القدر ويقولون بمقالة المعتزلة، ويعتبرون أن المعتزلة أصحاب ثورة تحريرية عن الفكر السلفي الجامد، وما يزال أصحاب المدرسة العصرية على نفس أفكار المعتزلة في تقديم العقل على النقل، لكن المعتزلة كفرقة تؤمن بالأصول الخمسة التي ذكرها أئمتهم لا توجد الآن.

عدم جواز تسمية الله بالشيء

عدم جواز تسمية الله بالشيء Q قال تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ} [الأنعام:19]، أليس فيها دليل على تسميته بالشيء؟ A هذه ليس فيها دليل على تسميته بالشيء، وغاية ما فيها أنه يجوز أن يخبر عنه بأنه شيء، وهو سبحانه وتعالى شيء ليس لا شيء، لكن على وجه الخبر وليس على وجه التسمية؛ لأنه لا يصح أن يسمى الله عز وجل باسم لا مدح فيه ولا ثناء ولا حسن.

المريد ليس من أسماء الله

المريد ليس من أسماء الله Q ذكر ابن القيم اسم المريد كثيراً في كتاب مدارج السالكين، فهل هو اسم من أسماء الله. A عندما يذكر ابن القيم اسم المريد فهو لا يقصد به الله، وإنما يقصد به: العبد، أي: الذي يريد ترقية إيمانه، وهي لفظة يقصد بها أصحاب الإرادة، يعني: الذي يريدون تنمية إرادتهم، حينما يقبلون على الأعمال الصالحة.

عدم جواز الذهاب إلى قبر الرسول لطلب الاستغفار منه

عدم جواز الذهاب إلى قبر الرسول لطلب الاستغفار منه Q كيف نجيب على من يستدل بقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} [النساء:64] على جواز الذهاب إلى قبر الرسول وسؤاله أن يدعو الله له بالمغفرة؟ A المقصود باستغفار الرسول في حياته فقط، فيجوز أن يذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيستغفر لهم في حياته، ويدعو لهم في حياته، لكن بعد أن مات لا يجوز أن يطلب منه؛ لأن كان في حياته يقدر على الاستغفار، ولكنه بعد موته لا يستطيع فلا يسأل الإنسان إلا شيئاً يقدر عليه، وبالذات أنه فصل بيننا وبينه بحياة أخرى، فنحن في الدنيا وهو في البرزخ صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا لا يجوز أن يستغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو أن يطلب منه عند قبره شيء.

الحكمة من التقسيمات المذكورة في العقيدة

الحكمة من التقسيمات المذكورة في العقيدة Q ما رأيكم فيمن يقول: ليس شرطاً أن تعبد الله تعالى بهذه التقسيمات التي في العقيدة؛ لأن هذه التقسيمات أحدثها العلماء، وليست من تقسيمات القرآن أو السنة، يقصد بذلك: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، ويقول: إنني أتعبد بما أمرني الله في كتابه وبما أمرني به الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته دون البحث عن هذه الأقسام؟ A هذه التقسيمات الموجودة عند أهل العلم هي من باب التقريب لا غير، وهي عبارة عن ترتيب لبعض المعاني الذهنية، ولبعض المسائل العقلية، وهذا أمر متفق عليه بين أهل العلم، وليس فيه خلاف، والعبرة بصحة المعنى وليس العبرة بالألفاظ الموجودة، إلا إذا كانت ألفاظاً مجملة تتضمن معان باطلة فترد، فأنت إذا اعتقدت معناه حتى ولو لم تحفظ التقسيم فاعتقادك سليم وصحيح، وإنما ذكرت هذه الأقسام لتقرب المعلومات للناس.

شرح القواعد المثلى [2]

شرح القواعد المثلى [2] من القواعد المثلى: أن أسماء الله الكريم أعلام وأوصاف، لا يستحق غيره أن يسمى بها، فقد حازت على ناصية الحسن، وكمال الجمال، وغاية العظمة جل في علاه، وهناك دلالات لأسماء الله الحسنى، وصفاته العلية، وهي تتضمن أموراً يجب الاطلاع عليها وسبر أغوارها

ذكر ما يطلق على الله تعالى من الأسماء والصفات والأخبار

ذكر ما يطلق على الله تعالى من الأسماء والصفات والأخبار الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمد إمام المتقين وقائد الغر المحجلين. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً إنك أنت العلي الحكيم. قبل أن نبدأ في دراسة القاعدة الثانية لابد أن نذكر ما يطلق على الله سبحانه وتعالى. فما يطلق على الله عز وجل ثلاثة أمور: الأول: الاسم. الثاني: الصفة. الثالث: الخبر. وبين هذه الثلاثة الأمور فروق يمكن أن نذكر شيئاً منها. أما الاسم: فهو ما يدل على ذات الله سبحانه وتعالى مع دلالته على صفة الكمال، وكل ما دل على ذات الله سبحانه وتعالى ودل على صفة كمال فهو اسم الله سبحانه وتعالى. وأما الصفة: فإنها التي تدل على معنى يقوم بذات الله سبحانه وتعالى، ومن هنا نلاحظ أن الاسم يدل على أمرين، والصفة تدل على أمر واحد. فالأمران الأولان اللذان يدل عليهما الاسم: دلالته على الذات ودلالته على صفة يحملها هذا الاسم، وأما الصفة فإنها تدل على أمر واحد وهو مجرد الوصف، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن الاسم هو الذي يعبَّد له، فيقال في الرحمن عبد الرحمن، ويقال في العزيز عبد العزيز، ويقال في الكريم عبد الكريم، لكن الصفة لا يعبد لها، فلا يقال في الرحمة مثلاً: عبد الرحمة، ولا يقال: عبد المُلك، وعبد العزة. ومن جهة أخرى، فالاسم هو العلم في اللغة، والصفة هي المصدر، فمثلاً العزيز علم، وأما العزة فهي المصدر. وأسماء الله سبحانه وتعالى هي الأعلام التي تدل على ذات الله عز وجل وتتضمن الصفات، فالعزيز والحليم والرحيم تتضمن العزة والحلم والرحمة وهكذا فكل اسم من أسماء الله يتضمن صفة من صفاته. وأما الخبر فهو ما يطلق على الله عز وجل بغير توقف، كأن يقال: إن الله سبحانه وتعالى واجب الوجود مثلاً، أو إن الله سبحانه وتعالى قديم أزلي، وهذه الألفاظ لم ترد في السنة ولم ترد في القرآن، لكن يصح إطلاقها على الله عز وجل من باب الخبر، ومن هذا الباب يصح ترجمة معاني أسماء الله في أي من الألفاظ السابقة وغيرها، وأهم شيء ألا يدل هذا اللفظ على نقص أو ذم، وإنما يدل على معنى حسن أو على أقل تقدير لا يجوز على معنى سيئ، فيقال مثلاً: الله عز وجل شيء موجود، ويمكن أن يقال: واجب الوجود، وقد ذكر أهل العلم في ضمن ردودهم على الفرق الضالة ذكر بعض الأمور التي أضافوها إلى الله سبحانه وتعالى ولم يرد فيها نص من القرآن أو السنة، لكنهم لم يدرجوها على أنها أسماء من أسماء الله أو على أنها صفات من صفاته، وإنما أضافوها على سبيل الخبر والحكاية، ولهذا هناك قاعدة، وهي أن باب الخبر واسع، وباب الصفات أضيق منه، وباب الأسماء أضيق من باب الصفات. ومن جملة الفروق بين الأسماء والصفات من جهة وبين الخبر من جهة أخرى، هو أن الأسماء والصفات توقيفية، يعني: مبنية على النص من القرآن ومن السنة، بينما الخبر ليس مبيناً على النص، لكنه مبني على المعنى الصحيح الثابت لله سبحانه وتعالى، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن الاسم يدعى به؛ فيقال: يا عزيز يا كريم، لكن ما يخبر به عن الله لا يدعى به، فلا يقال: يا واجب الوجود مثلاً. كما أن الأسماء والصفات جميعاً قد بلغت الغاية في الحسن، بينما الأخبار لا يشترط أن تكون حسنة بمعنى: لا يشترط أن تكون أحسن ما يكون من الألفاظ، وإنما أهم شيء أن تدل على المعنى بغير تضمن للنقص وللإساءة، وإنما تدل على المعنى الصحيح، مثل الموجود فيصح أن يحكى عن الله عز وجل بأنه موجود، بينما كلمة موجود لا تتضمن مدحاً ولا تتضمن معنى حسناً، لكن يصح أن يخبر عن الله عز وجل بها، ولهذا قد يستغرب بعض طلاب العلم عندما يقرأ كلاماً -مثلاً- لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول فيه إن الله عز وجل واجب الوجود وإنه قديم أزلي، ويحكي عنه بألفاظ لم ترد في الكتاب والسنة. وذلك أن باب الأخبار واسع وأهم شيء هو أن يكون المعنى صحيحاً، وفيها ترجمة لأسماء الله سبحانه وتعالى، ويصح ترجمة أسماء الله لغير العرب وتقريب معانيها إلى أفهامهم بألفاظ ليست واردة في القرآن وليست واردة في السنة مادامت دلت على معنى صحيح. أما القاعدة التي بين أيدينا هي: أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف. ومصدره فيها كتاب بدائع الفوائد، فقد ذكر ابن القيم نفس هذه القاعدة بألفاظها في بدائع الفوائد المجلد الأول صفحة مائة واثنين وستين.

قاعدة: أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف

قاعدة: أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف قال المصنف رحمه الله تعالى: [القاعدة الثانية: أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف. أعلام باعتبار دلالتها على الذات، وأوصاف باعتبار ما دلت عليه من المعاني، وهي بالاعتبار الأول مترادفة لدلالتها على مسمى واحد وهو الله عز وجل، وبالاعتبار الثاني متباينة لدلالة كل واحد منهما على معناه الخاص، فالحي العليم القدير السميع البصير الرحمن الرحيم العزيز الحكيم كلها أسماء لمسمى واحد وهو الله سبحانه وتعالى، لكن معنى الحي غير معنى العليم غير معنى القدير وهكذا]. هذه قاعدة جليلة يؤخذ منها أن كل اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى يدل على صفة من صفاته، وهذا معنى قولنا: إن أسماء الله سبحانه وتعالى مشتقة، فهي مشتقة من معانٍ وهذا من غاية الحسن.

الأدلة على أن أسماء الله تتضمن صفات

الأدلة على أن أسماء الله تتضمن صفات هناك دليلان على أن أسماء الله سبحانه وتعالى تتضمن صفات: الدليل الأول: أن الله سبحانه وتعالى وصف أسماءه بأنها حسنى، ومعنى حسنى: أي أنها تدل على معان حسنى، وتدل على صفات حسنى، والأسماء الجامدة التي لا معاني لها ليست بحسنة، ومن هنا فكل اسم من أسماء الله عز وجل يتضمن صفة من صفاته، فالدليل على أن أسماء الله تتضمن صفات الله عز وجل مأخوذ من الآيات الواردة التي سبق أن ذكرناها والتي وصف الله سبحانه وتعالى أسماءه بأنها حسنة، مثل قول الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]، وقد ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه العظيم درء تعارض العقل والنقل. الدليل الثاني: وقد ذكره المصنف وهو قوله: (وإنما قلنا بأنها أعلام وأوصاف لدلالة القرآن عليها، فإن الإنسان وهو يقرأ أسماء الله في القرآن يقرأ أيضاً صفات لله عز وجل مطابقة لهذه الأسماء). ويمكن أن نمثل بمثال ذكره المصنف وهو قوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس:107]، فالغفور يتضمن صفة المغفرة، والرحيم يتضمن صفة الرحمة، وقوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} [الكهف:58]، يدل على أن الرحيم هو صاحب الرحمة، فإن الآية الثانية دلت على أن الرحيم هو المتصف بالرحمة. ويمكن أن نذكر أمثلة أخرى، منها: أن من أسماء الله سبحانه وتعالى القوي العزيز، ويقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58]، فمن صفاته أنه ذو القوة، ومن أسمائه القوي، فهذا دليل على أن اسمه القوي يتضمن صفته القوة. وأما العزيز فيقول الله عز وجل: {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر:10]، فاسمه العزيز يتضمن صفة العزة. ومن ذلك أيضاً اسمه العليم، ومن صفاته العلم، قال الله عز وجل: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة:255]، فهذا يدل على أن اسمه العليم يتضمن صفة العلم. ويقول الله عز وجل: {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} [هود:14]، وهذا يدل على أن الله عز وجل اسمه العليم وله صفة متعلقة به وهي العلم. مثال آخر: البصير من أسماء الله سبحانه وتعالى، وقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو كشفه) أي: لو كشف عن وجهه، (لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)، فهذا يدل على أن له بصر، وأنه هو البصير. وأيضاً القدير اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى ووصف له، فقد جاء في حديث الاستخارة الثابت في البخاري من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة -إلى أن قال في دعاء الاستخارة- اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك)، فهذا يدل على أن لله قدرة وأنه هو القدير. وهذه الأدلة التي سقناها تدل على القاعدة التي ذكرها المصنف، وهو: أن كل اسم من أسماء الله يتضمن صفة من صفات الله سبحانه وتعالى. كما ذكر دليلاً ثالثاً، وهو إجماع أهل اللغة والعرف أنه لا يطلق عليم إلا لمن له علم، ولا يطلق: قدير إلا لمن له قدرة، ولا سميع: إلا لمن له سمع، ولا بصير: إلا لمن له بصر، وهذا أمر أوضح من أن يحتاج إلى دليل. وهناك دليل واضح أيضاً: وهو أننا نجد في الموجودات مقدورات ومعلومات، وهذه المقدورات تدل على قدرة، وهذه المعلومات تدل على علم، فالمقدورات والمعلومات الموجودة دليل على وجود القدرة والعلم عند الباري سبحانه وتعالى، وأنها مأخوذة من اسمه العليم القدير كما سيأتي إيضاحه وشرحه.

أنواع الصفات التي تتضمنها أسماء الله تعالى

أنواع الصفات التي تتضمنها أسماء الله تعالى الصفات التي تتضمنها أسماء الله تعالى أربعة أنواع: النوع الأول: ما يرجع إلى صفات معنوية، فالعليم يؤخذ منه صفة معنوية وهي العلم، والقدير والسميع يؤخذ منهما صفة القدرة وصفة السمع وكلاهما صفتان معنويتان. النوع الثاني: ما يرجع إلى أفعال الله سبحانه وتعالى، فاسمه الخالق يدل على صفة الخلق، واسمه الرازق يدل صفة الرزق وهي من الأفعال، واسمه المحيي المميت يدل على صفة الإحياء والإماتة وهي من أفاعله سبحانه وتعالى. النوع الثالث: ما يرجع إلى التنزيه والتقديس المحض، ومن القواعد أن كل ما دل على تنزيه في أسماء الله عز وجل أو في صفاته، لابد أن يدل على كمال ضده، وسيأتي إيضاحها وتفصيلها في قواعد الصفات بإذنه تعالى، وهذا مثل القدوس، فإن القدوس هو المنزه عن كل عيب. والنوع الرابع: هو ما يدل على جملة أوصاف متعددة، وليس له معنى واحد فقط، وإنما يدل على معانٍ متعددة مثل العظيم، فهو العظيم في كل شيء: العظيم في خلقه العظيم في أمره ومثله المجيد، والصمد، ونحو ذلك، وقد شرح ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه بدائع الفوائد شرحاً مطولاً.

عقيدة المعتزلة والمعطلة في صفات الله

عقيدة المعتزلة والمعطلة في صفات الله قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإنما قلنا بأنها أعلام وأوصاف لدلالة القرآن عليه كما في قوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس:107]، وقوله: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} [الكهف:58]، فإن الآية الثانية دلت على أن الرحيم هو المتصف بالرحمة، ولإجماع أهل اللغة والعرف أنه لا يقال: عليم إلا لمن له علم ولا سميع إلا لمن له سمع ولا بصير إلا لمن له بصر، وهذا أمر أبين من أن يحتاج إلى دليل]. وعقيدة المعتزلة، وأهل التعطيل الذين عطلوا الصفات أن الله تعالى سميع بلا سمع وبصير بلا بصير وعزيز بلا عزة وهكذا، حيث إنهم فرغوا أسماء الله سبحانه وتعالى من الصفات، كما ذكر ذلك القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمداني في كتابه شرح الأصول الخمسة، وقال: إنه يحسن إجراء الأسماء على الله تعالى من غير إذنه، وهذا يدل على أنه يرى أنه يصح أن يطلق على الله عز وجل أنه السميع وأنه العزيز وأنه الكريم، لكنه يجرد هذه الأسماء من معانيها، ويقولون -أعني المعتزلة-: إن أسماء الله عز وجل جامدة لا تدل على صفات، فهم يقولون: إنه السميع لكن بدون سمع، وإنه البصير لكن بدون بصر، وإنه الكريم لكن بدون كرم، وإنه العلي لكن بدون علو، وهكذا، فهم يفرغون أسماء الله سبحانه وتعالى من مدلولاتها ومعانيها، ويجعلونها أعلاماً محضة لا تدل على صفة، وعقيدتهم ذكرها القاضي عبد الجبار في كتاب المغني في أبواب العدل والتوحيد، وفي كتاب شرح الأصول الخمسة، وقد نسب الشهرستاني في الملل والنحل هذه العقيدة إلى المعتزلة، وكذلك البغدادي في الفرق بين الفرق. واحتجوا بشبهة ذكرها الشيخ، وهي قوله: وعللوا ذلك بأن ثبوت الصفات يستلزم تعدد القدماء، وهذه العلة عليلة بل ميتة بدلالة السمع والعقل على بطلانها). فهم احتجوا بأن إثبات الصفات يستلزم منه تعدد الواحد وتعدد القدماء، يقول أبو الحسين الخياط في كتابه الانتصار على ابن الراوندي: إذا قلنا: إن الله هو السميع وله سمع فلا يخلو هذا السمع من أمرين: إما أن يكون محدثاً أو يكون قديماً، فإذا كان محدثاً فيلزم حدوث الحوادث في ذاته تعالى، وإذا كان قديماً فليزم تعدد القدماء، حيث إن الإله قديم وصفته قديمة. وهذا مبطل للتوحيد، ونحن نبطله بدليل الكلام، فهم يقولون: إن إثبات الصفات يستلزم منه تعدد الآلهة، ويظنون بقولنا: الله عز وجل له سمع أن هذا إله السمع، وإذا قلنا: إن له بصر، قالوا: هذا الإله الثاني، وإذا قلنا: إن له سبحانه وتعالى يد قالوا: هذا إله ثالث ورابع وهكذا، ولهذا أدخلوا نفي الصفات في مسمى التوحيد، وقالوا: وحدانية الله عز وجل وتوحيده تقتضي نفي الصفات؛ لأنه إذا أثبتنا الصفات فمعنى هذا أننا عددنا الآلهة وجعلناها أكثر من واحد، وهذا لا شك أنه باطل وأنهم ضالين في هذا القول، وهم يرددون أن إثبات الصفات يستلزم إبطال التوحيد، ويقولون: يجب علينا أن نثبت التوحيد لله تعالى، ويظنون أن إثبات التوحيد يستلزم نفي الصفات وردها، وقد شرح ذلك -كما قلت- القاضي عبد الجبار شرحاً مستفيضاً في الأصل الأول من الأصول الخمسة وهو التوحيد، وكلامه باطل، فإن الموصوف في الدنيا يوصف بعدة صفات وهو واحد، أي: الإنسان في الدنيا يوصف بأن له يد وعين، وأنه يسمع ويرى، ويذكر له صفات كثيرة متعددة مع أنه واحد، فلا يتصور أن الإله إذا قلنا: إن له صفات وأن له سمع وبصر وعلم وحكمة وإرادة أنه يلزم من كل صفة من هذه الصفات أن تكون إلهاً مستقلاً، هذا خطأ وضلال وانحراف. وقد أصابتهم هذه الانحرافات في العقيدة بسبب علاقتهم بالفلاسفة. والأدلة على بطلان هذه الشبهة أدلة كثيرة من النصوص الشرعية ومن العقل، فأما من النصوص فقد سبق أن بينا أن الله عز وجل أثبت الصفات لنفسه، وهو أعلم بنفسه سبحانه وتعالى ولا يحيطون بعلمه فنسب العلم إليه، ولو كان العلم إلهاً مستقلاً لما نسبه إليه، وكما يقول الله عز وجل: {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} [هود:14]، ويقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58]، فأعطى نفسه صفة وهي القوة، والقوة غير العلم، وقال تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} [الكهف:58]، والرحمة غير القوة وغير العلم، ولا يلزم من هذا تعدد الآلهة كما يقولون، وإنما هو إله واحد، وأصل شبهتهم هو دليل الحدوث كما سبق أن ذكرنا أنهم استدلوا على وجود الله بدليل حدوث الأجسام، وحاولوا أن يثبتوا بدليل الحدوث وجود الله عز وجل، واستخدموا بذلك طريقة عقلية محددة وهي باطلة، فلما استخدموها التزموا بلوازم، كان من هذه اللوازم أن إثبات الصفة يستلزم تعدد الآلهة، فأخذوا هذه الشبهة من هذا الدليل الذي أرادوا به إثبات وجود الله تعالى. وكذلك سبق أن بينا أن هذه الشبهة باطلة، والأدلة من القرآن تردها كم

عقيدة الأشاعرة في صفات الله

عقيدة الأشاعرة في صفات الله أما الأشاعرة فإنهم يثبتون أسماء الله تعالى، ويثبتون ما تدل عليه من الصفات إلا الصفات التي لا يثبتونها، فمثلاً: اسم العلي يقولون: إنه يتضمن صفة العلو، لكنهم يؤولون هذه الصفة، ويقولون: إن العلو الذي يتضمنه اسمه العلي هو علو القهر والشرف والمكان، ولا يثبتون علو الذات لله عز وجل، فهم لا يرون أن الله عز وجل مستو على عرشه وعال على خلقه، وكذلك غيرها من الصفات يفرغونها في بعض الأحيان من التوافق، وقد اهتم علماء الأشاعرة في شرح أسماء الله سبحانه وتعالى منهم الغزالي في المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، ومنهم الفخر الرازي في كتابه لوامع البينات في شرح أسماء الله تعالى والصفات، ومنهم البيهقي في الأسماء والصفات، ومنهم الحليمي في المنهاج في شعب الإيمان، وأكثر الأشاعرة الكلامية عندما يذكرون أسماء الله عز وجل فإنهم يفسرونها، فهم ليسوا من المعتزلة، فالمعتزلة يرون أن أسماء الله أعلام محضة لا تتضمن شيئاً من الصفات. وأما الأشاعرة فإنهم يقولون: أسماء الله عز وجل تتضمن الصفات، ويعنون بذلك الصفات التي يثبتونها هم، وهي الصفات السبع المشهورة: صفة العلم والقدرة والحياة والإرادة والسمع والبصر والكلام؛ فهذه صفات يثبتونها لله عز وجل، لكن إذا دل اسم من الأسماء على معنى لا يثبتونه بل يؤولونه، ويفرغونه من محتواه.

الرد على أهل التعطيل القائلين بأن ثبوت الصفات يستلزم تعدد القدماء

الرد على أهل التعطيل القائلين بأن ثبوت الصفات يستلزم تعدد القدماء قال المصنف رحمه الله تعالى: [وبهذا علم ضلال من سلبوا أسماء الله تعالى معانيها من أهل التعطيل وقالوا: إن الله تعالى سميع بلا سمع وبصير بلا بصر وعزيز بلا عزة وهكذا، وعللوا ذلك بأن ثبوت الصفات يستلزم تعدد القدماء، وهذه العلة عليلة، بل ميتة؛ لدلالة السمع والعقل على بطلانها]. والمقصود بالسمع: أدلة القرآن والسنة، وسميت سمعاً؛ لأنها تتلقى عن طريق السماع، وأدلة القرآن والسنة تنقسم إلى قسمين: أدلة عقلية تتضمن البراهين العقلية. وأدلة خبرية: تتضمن الخبر المجرد عن الله سبحانه وتعالى. فأصل قوله (بالسمع)، أي: ما ورد عن الله من الخبر عن صفاته، وأبطل هذه العلة أيضاً بالعقل، والذين عطلوا الصفات يعتبرون أنفسهم أرباب المعقولات، وهم في الحقيقة أرباب الجهالات وليس لهم معقولات، ومعقولاتهم هي الأهواء فقط، فإنهم يأتون إلى النصوص ويحرفون معانيها ويعبثون بها، ثم يظنون أن هذا من العقل وهم في الحقيقة أبعد الناس عن العقل، بل هي أهواء وشهوات نفسية تجعلهم يعبثون بالنصوص، ثم يسمونها معقولات، وإنما أهل العقل هم أهل السنة؛ لأنهم وافقوا النصوص، ولا يمكن أبداً أن يكون هناك خلاف بين العقل والشرع؛ لأن صاحب الشريعة هو الله سبحانه وتعالى، والذي خلق العقل هو الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]، فلا يمكن حدوث تضارب بين شرعه وخبره وبين العقل، إلا أن يكون الخبر ضعيفاً، أو يكون العقل باطلاً، فالعقل الصحيح لا يعارض النقل الصحيح الصريح بأي وجه من الوجوه. قال المصنف رحمه الله تعالى: [أما السمع: فلأن الله تعالى وصف نفسه بأوصاف كثيرة مع أنه الواحد الأحد، فقال تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:12 - 16]. وقال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} [الأعلى:1 - 5]. ففي هذه الآيات الكريمة أوصاف كثيرة لموصوف واحد ولم يلزم من ثبوتها تعدد القدماء. وأما العقل: فلأن الصفات ليست ذواتاً بائنة من الموصوف حتى يلزم من ثبوتها التعدد]. معنى قوله: (ليست ذواتاً بائنة أي: ليست منفصلة عن الموصوف، وإنما هي صفات متعلقة بالموصوف، فلا يلزم منها ثبوت التعدد كما يظنون. قال المؤلف رحمه الله: [وإنما هي من صفات من اتصف بها فهي قائمة به، وكل موجود فلابد له من تعدد صفاته، ففيه صفة الوجود، وكونه واجب الوجود أو ممكن الوجود وكونه عيناً قائماً بنفسه أو وصفاً في غيره]. قوله: (واجب الوجود، وممكن الوجود) هي في الأصل ألفاظ فلسفية، أتى بها الفلاسفة وقسموا ما يمكن، أو ما يتخيل أن يوجد إلى ثلاثة أقسام: واجب الوجود، وممكن الوجود، ومستحيل الوجود. فواجب الوجود: هو الذي لابد أن يكون ويجب أن يوجد، وهو الإله. وممكن الوجود: هي المخلوقات، فإن هذه المخلوقات ممكن أن تكون موجودة وممكن ألا تكون موجودة، فقبل مائتين سنة كان بالإمكان ألا نكون وكان بالإمكان أن نكون، فكنا كما أراد الله سبحانه وتعالى، فهذا ما يسمونه ممكن الوجود، أي: أن وجودنا ليس لازماً وإنما هو ممكن وأراده الله عز وجل فكان. وأما المستحيل أو ممتنع الوجود: فهو الأمور التي يستحيل وجودها مثل اجتماع النقائض، كاجتماع الحركة والسكون في جسم واحد، فهذا مستحيل، ولا يمكن أن توجد حركة وسكون في جسم واحد، وهذا ما يسمونه ممتنع الوجود، ولهذا ذكرها الشيخ على أنها من الصفات.

الدهر ليس من أسماء الله تعالى

الدهر ليس من أسماء الله تعالى قال المصنف رحمه الله تعالى: [وبهذا أيضاً علم أن الدهر ليس من أسماء الله تعالى؛ لأنه اسم جامد لا يتضمن معنى يلحقه بالأسماء الحسنى، ولأنه اسم للوقت والزمن، قال الله تعالى عن منكري البعث: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:24]، يريدون مرور الليالي والأيام. فأما قوله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار) فلا يدل على أن الدهر من أسماء الله تعالى؛ وذلك أن الذين يسبون الدهر إنما يريدون الزمان الذي هو محل الحوادث لا يريدون الله تعالى، فيكون معنى قوله: (وأنا الدهر) ما فسره بقوله: (بيدي الأمر أقلب الليل والنهار)، فهو سبحانه خالق الدهر وما فيه، وقد بين أنه يقلب الليل والنهار، وهما الدهر ولا يمكن أن يكون المقلِّب بكسر اللام هو المقلَّب بفتحها، وبهذا تبين أنه يمتنع أن يكون الدهر في هذا الحديث مراداً به الله تعالى]. أي: أن الدهر ليس اسماً من أسماء الله تعالى؛ فلابد أن تكون أسماؤه حسنى وأن تتضمن معان جليلة، والدهر ليس اسماً حسناً؛ لأنه -كما ذكر الشيخ- اسم للوقت والزمان، واسم لمرور الليالي والأيام، وليس فيه معنى حسناً، ولهذا فالله عز وجل يقول عن منكري البعث: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:24] يعني: لا يهلكنا إلا مرور الأيام، فلم ينسبوا الهلاك إلى الله تعالى. وأما ما يروى عن الله تعالى في الحديث القدسي أنه قال: (يؤذيني ابن آدم: يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار)، فليس المقصود بقوله: (وأنا الدهر) أن اسمه الدهر؛ لأن الذين يسبون الدهر في الأصل لا يريدون سب الله سبحانه وتعالى، وإنما يريدون سب الأيام والليالي النحسات التي مرت عليهم، وقوله: (وأنا الدهر) يعني: أنه سبحانه وتعالى لما خلق الأيام والليالي وهو سبحانه وتعالى مبنيها ومدبرها سبحانه وتعالى قال: (وأنا الدهر)، ثم فسر ذلك بقوله: (أقلب الليل والنهار)، وسيأتي معنا إن شاء الله جملة من النصوص الشرعية التي استغلها أهل التأويل لمحاولة زعزعة العقيدة الصحيحة وإشغال الناس بهذه النصوص، وسيأتي تفسيرها بإذن الله تعالى. وهذه القاعدة كان مصدر المصنف فيها هو كتاب التنبيهات السنية في شرح العقيدة الواسطية للشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد، فقد ذكر هذه القاعدة بنفس الطريقة التي ذكرها.

دلالة أسماء الله تعالى على إثبات الاسم والصفة والأثر

دلالة أسماء الله تعالى على إثبات الاسم والصفة والأثر وخلاصة هذه القاعدة هي: أن أسماء الله عز وجل تدل على ثلاثة أمور: الأول: إثبات الاسم لله سبحانه وتعالى. الثاني: إثبات ما تضمنه من الصفة لله سبحانه وتعالى. الثالث: إثبات أثرها ومقتضاها الذي يحصل للناس. ومن الأشياء اللطيفة التي ذكرها الشيخ محمد بن عثيمين حفظه الله أن أهل العلم أخذوا حكماً فقهياً من أسماء الله وصفاته، وهذا يدل على أن أسماء الله وصفاته لها آثار على الناس، فمثلاً قول الله عز وجل في قطاع الطرق: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:34]، فقوله: ((فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ))، يعني: إن وجدتموهم بعد أن تابوا فإن هذا يسقط عنهم الحد، وأن الله عز وجل قد غفر ذنوبهم وأسقط عنهم الحد. والمصنف ذكر أن أسماء الله عز وجل تدل على معان وهي الصفات، ثم ذكر أن الصفات تنقسم إلى قسمين: صفات متعدية. وصفات غير متعدية. ثم قال: إن الصفات المتعدية إذا أُخذت من الأسماء فإن هذه الأسماء تدل على ثلاثة أشياء سابقة الذكر. وأما الصفات غير المتعدية إذا أخذت من الأسماء فإنها تدل على أمرين فقط: وهو ثبوت الاسم وثبوت الصفة فقط. قال المصنف رحمه الله تعالى: [أسماء الله تعالى إن دلت على وصف متعد تضمنت ثلاثة أمور: أحدها: ثبوت ذلك الاسم لله عز وجل. الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنها لله عز وجل. الثالث: ثبوت حكمها ومقتضاها. ولهذا استدل أهل العلم على سقوط الحد عن قطاع الطريق بالتوبة؛ استدلوا على ذلك بقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:34]؛ لأن مقتضى هذين الاسمين أن يكون الله تعالى قد غفر لهم ذنوبهم ورحمهم بإسقاط الحد عنهم. مثال ذلك: السميع يتضمن إثبات السميع اسماً لله تعالى، وإثبات السمع صفة له، وإثبات حكم ذلك ومقتضاه، وهو أنه يسمع السر والنجوى، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1]. وإن دلت على وصف غير متعد تضمنت أمرين: أحدهما: ثبوت ذلك الاسم لله عز وجل. الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنتها لله عز وجل. مثال ذلك: الحي يتضمن إثبات الحي اسماً لله عز وجل، وإثبات الحياة صفة له]. يلاحظ الآن من كلام الشيخ أنه يقسم أسماء الله عز وجل إلى قسمين: قسم يتضمن معان متعدية. وقسم يتضمن معان غير متعدية. فالمتعدية يكون لها آثار على المخلوقين، فيقول: الأسماء التي لها آثار على المخلوقين وهي المتعدية، تتضمن ثلاثة أمور: إثبات الاسم، وإثبات الصفة، وإثبات الأثر المتعدي على المخلوقين. وأما الأسماء التي تتضمن معان غير متعدية فلا يؤخذ منها إلا أمرين: الأمر الأول: إثبات الاسم. والأمر الثاني: إثبات الصفة المأخوذة من هذا الاسم فقط. وأقول: الصحيح هو أن أسماء الله سبحانه وتعالى المتعدية وغير المتعدية تدل على ثلاثة أمور فكل أسماء الله عز وجل تدل على إثبات الاسم لله، وتدل على إثبات الصفة، وتدل على الآثار، فإنه لا يوجد اسم من أسماء الله تعالى ليس له آثار على الناس، بل كلها لها آثار، وسيأتي معنا إن شاء الله أن الصفات وبالذات الأفعال تنقسم إلى قسمين: أفعال لازمة وأفعال متعدية، فمثل الفعل اللازم الاستواء والرضا والغضب ونحو ذلك من الأفعال اللازمة، وأما الأفعال المتعدية، فهي أفعال الربوبية، مثل: الخلق والرزق والإحياء والإماتة ونحو ذلك، لكن الأسماء عموماً لابد أن يكون لها آثار، وآثارها إما أن تكون آثاراً كونية وإما أن تكون آثاراً إيمانية. فمثلاً: اسم الخالق يؤخذ منه إثبات اسم الله الخالق ويؤخذ منه إثبات صفة الخلق لله تعالى، ويؤخذ منه إثبات أن الله سبحانه وتعالى هو خالق هذه المخلوقات الموجودة، فله أثر من آثار الفعل، ومن آثار الصفة، ومن آثار الاسم. وأما اسمه الحي الذي ذكر الشيخ أنه يدل على أمرين فإن له أثراً؛ وهو أثر إيماني وجداني، وكل أسماء الله لابد أن يكون لها أثر إيماني وسلوكي على الإنسان، ويدل على ذلك فعل من الأفعال اللازمة التي تأثر بها أحد الصحابة رضوان الله عليهم أثراً كبيراً وهي صفة الضحك، فقد سمع لقيط بن صبرة رسول صلى الله عليه وسلم يقول: (يضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، فقال: يا رسول الله! أويضحك الرب؟ قال: نعم، قال: لن نعدم من رب يضحك خيراً) فاستفاد من هذه الصفة -وهي صفة لازمة غير متعدية- أثراً متعدياً لنفسه، ولهذا كل أسماء الله عز وجل سيكون لها تأثير في النفوس، تأثير إيماني وتأثير كوني في بعض الأحيان، فينبغي الاهتمام بهذه القضية، ولهذا يجتمع في آثار أسماء الله سبحانه وتعالى المسلكان اللذان سبق أن ذكرتهما في الدرس الماضي، فمن مسالك السلف رضوان الله عليهم في العقيدة مسلك التصحيح ومسلك التعميم، فمسلك التصحيح يكون بالتالي: أولاً:

قاعدة: دلالة أسماء الله على ذاته وصفاته تكون بالمطابقة وبالتضمن وبالالتزام

قاعدة: دلالة أسماء الله على ذاته وصفاته تكون بالمطابقة وبالتضمن وبالالتزام القاعدة الرابعة هي أوجه دلالة أسماء الله سبحانه وتعالى. فالدلالة لها ثلاثة أنواع: النوع الأول: دلالة المطابقة. والنوع الثاني: دلالة التضمن. والنوع الثالث: دلالة الالتزام. فأما دلالة المطابقة: فهي دلالة اللفظ على تمام وكمال معناه الذي وضع له، مثل: دلالة البيت على الجدران والسقف، فإذا قلنا: بيت فإنه يدل على وجود الجدران والسقف. ودلالة التضمن: هو دلالة اللفظ على جزء معناه الذي وضع له، كما لو قلنا: البيت وأردنا السقف فقط، أو قلنا: البيت وأردنا الجدار فقط، فإذا أردنا واحداً منهما فهذا يسمونه المتضمن، يعني: فرداً واحداً من أفراد المعنى الآخر. ودلالة الالتزام: هي دلالة اللفظ على معنى خارج اللفظ يلزم منه هذا اللفظ. فإذا قلنا: كلمة السقف مثلاً، فالسقف لا يدخل فيه الحائط فإن الحائط شيء والسقف شيء آخر، لكنه يلزم منه؛ لأنه يتصور وجود سقف لا حائط له يحمله، فهذه هي دلالة الالتزام أو اللزوم. يمكن أن نستفيد من هذه الدلالات الثلاث في فهم أي لفظ من الألفاظ سواء كانت ألفاظ شرعية أو ألفاظ لغوية، أو أياً من الألفاظ. ومن هذه الألفاظ: الألفاظ الشرعية فإنها تارة تدل على معنى، وتارة تدل على جزء من معنى، وتارة تدل على أمر خارج المعنى، لكنه لا يكمله، ومن ذلك أسماء الله تعالى، فإن أسماء الله عز وجل ينطبق عليها هذه الدلالات الثلاث. مثال ذلك: الخالق -كما ذكر الشيخ- فإنه يدل على ذات الله سبحانه وتعالى وعلى صفة الخلق بدلالة المطابقة؛ لأنه إذا قلنا: خالق فنفهم من هذا ذاتاً وهي الله سبحانه وتعالى، فهذه دلالة المطابقة، وهذا هو المعنى الشامل لكلمة الخالق. ويمكن أن نأخذ دلالة التضمن من اسمه الخالق وهي صفة الخلق، فعندما يقول لك إنسان: اثبت صفة الخلق لله تعالى، فتقول: إن الخالق اسم من أسمائه، فيقول: بأي دلالة أثبتها، فنقول له: بدلالة التضمن؛ لأنه يتضمن معنى واحداً من معاني أخرى، والمعنى الثاني هو ذات الله سبحانه وتعالى. وأما دلالة اللزوم أو الامتناع فهو أن اسم الله الخالق يدل على صفة العلم والقدرة، فإنه لا يتصور خلق بغير علم وقدرة، فلابد أن يكون هناك علم وقدرة، لكن العلم والقدرة ليست مأخوذة من لفظ الخالق أو من الصفة، وإنما أخذت من معنى يلزم من معنى الخالق، وهذه هي دلالة الالتزام، وقد ذكر الشيخ في هذه القاعدة: أن لازم قول الله وقول رسوله حق، ثم استطرد بعد ذلك وذكر لازم القول عموماً في كلام الناس، هل لازم القول قول لصاحبه أو أنه ليس بقول لصاحبه. ويمكن أن نذكر كلام ابن القيم رحمه الله عن هذه الدلالات في النونية، يقول رحمه الله: ودلالة الأسماء أنواع ثلا ث كلها معلومة ببيان دلت مطابقة كذاك تضمناً وكذا التزاما واضح البرهان أما مطابقة الدلالة فهي أن الاسم يفهم منه مفهومان ذات الإله وذلك الوصف الذي يشتق منه الاسم بالميزان يعني: يفهم منه معنيان: دلالة المطابقة، وهي ذات الإله، والمعنى الذي هو صفة من صفات الله تعالى. وهو الوصف الذي يشتق منه الاسم بالميزان.

شرح القواعد المثلى [3]

شرح القواعد المثلى [3] أسماء المولى عز وجل توقيفية، لا مجال للعقل فيها، ولا مكان للمنطق والفلسفة والإدراك البشري والإحساس الآدمي في أي منها؛ وذلك لأنها متعلقة بالذات الإلهية التي لا يعرف كنهها إلا هو جل في علاه. كما أن أسماءه لا حصر لها، فقد جاء في السنة النبوية ما يدل دلالة قاطعة على ذلك

قاعدة: أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها

قاعدة: أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمداً إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً إنك أنت العليم الحكيم. أما بعد: سنتحدث عن القاعدة الخامسة وهي المتعلقة بأسماء الله سبحانه وتعالى، وهل هي توقيفية أم أنه يمكن الاستدلال عليها بالعقل؟ أقول: القاعدة الخامسة هي: أسماء الله سبحانه وتعالى توقيفية، أي: لا مصدر لها إلا النصوص الواردة في الكتاب والسنة. فعقيدة أهل السنة والجماعة في أسماء الله تعالى هي أنها توقيفية، ولا يمكن أبداً أن يؤخذ اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى أو صفة من صفاته إلا عن طريق الكتاب والسنة، فلا دخل للعقل في إثبات اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى. والدليل على هذه العقيدة مأخوذ من الشرع وهو الكتاب والسنة والعقل. أما الشرع فقد دل على أن أسماء الله سبحانه وتعالى خبرية، وأنه لا يجوز للإنسان أن يتكلم في أسماء الله سبحانه وتعالى بغير علم، كما قال الله عز وجل: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:36]. والإنسان إذا سمى الله سبحانه وتعالى باسم لم يسم به نفسه من غير دليل شرعي ومن غير خبر عن الصادق عليه الصلاة والسلام فإنه دخل في أمر لا علم له به، وحينئذ يدخل في قوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء:36]. وكذلك يدل على هذا قول الله عز وجل: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33]. فإذا أثبت إنسان لله اسماً لم يدل عليه دليل شرعي من القرآن أو من السنة فقد قال على الله بغير علم. ومن المعقول ما يدل على أنه لا يجوز أن يسمى الله سبحانه وتعالى إلا بما سمى به نفسه، وهو أن العقل له مجال محدد، وأسماء الله سبحانه وتعالى ليست داخلة في مدارك العقل، وبناءً على هذا فإذا تجاوز العقل مداركه للدخول في أمور لا قبل له بها فهذا باطل ممن أدخل نفسه فيه. وكذلك ثبت أنه لا يجوز أن يسمى الرسول صلى الله عليه وسلم بغير اسمه وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصح أن يسمى بغير اسمه فالله سبحانه وتعالى أولى. فلو أن رجلاً سمى الرسول صلى الله عليه وسلم بالبطل مثلاً وهذا لم يرد، ولم يسم رسول الله صلى الله عليه وسلم به نفسه فلا شك أن هذا باطل وإن كان معناه صحيح؛ لأن التسمية علم كما سبق أن بينا أن الأسماء أعلام، وإن كان معناها صحيح إلا أنه لا يصح أن يطلق الإنسان شيئاً من الأسماء والصفات على أحد إلا إذا ارتضاه وأقره، وبناءً على هذا فلا يصح لإنسان أن يطلق على الله عز وجل أسماء والله عز وجل لم يرضها ولم يقرها. ومن الأدلة على أن أسماء الله توقيفية أن الأسماء الحسنى من الغيب الذي لا سبيل إلى الوصول إليه إلا بالوحي، ومن المعلوم أن أهل الإسلام تميزوا بإيمانهم بالغيب، ولهذا لا يصح أن يسمي الإنسان الله عز وجل بغير اسمه إلا بالوحي، كما قال الله عز وجل في وصف المؤمنين: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:3]. فإيمانهم بالغيب ثابت ومستقر، والأسماء الحسنى من الغيب، ولا يمكن كشف هذه الأسماء الحسنى إلا بالوحي، أي: أنه لا يمكن أن يكشف الغيب إلا بالوحي. ومن الأمور المقررة هو أن هناك فرقاً بين ما يدعى به وبين ما يخبر به عن الله سبحانه وتعالى، فما يدعى الله سبحانه وتعالى به هو الأسماء الحسنى، ولا يصح لإنسان أن يدعو الله عز وجل أو أن يناديه بغير اسمه، كما قال الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180] وقد أخذ المفسرون من هذه الآية أنه لا يصح لأحد أن يسمي الله سبحانه وتعالى إلا بما سمى به نفسه. وأما ما يخبر به عن الله سبحانه وتعالى فقد سبق أن بينا أن مجال الخبر أوسع من مجال التسمية والوصف، وأن التسمية والوصف لا يجوز أن يكون إلا بما أخبر به الله سبحانه وتعالى وبما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم. وأما مجال الإخبار العام مثل أن توجد طائفة من الطوائف -تنفي مثلاً- كون الله سبحانه وتعالى مستو على عرشه ويقولون: إن الله عز وجل مخالط للناس، فيأتي إنسان ويخبر عن الله عز وجل ويقول: الله سبحانه وتعالى بائن عن خلقه. فقوله: بائن عن خلقه. لم يرد في القرآن والسنة هذه اللفظة بحروفها لكن معناها صحيح ثابت في النصوص، ولا إشكال عليه. وإذا قال قائل: إن الله عز وجل قديم أو موجد الوجود، أو أن له ذاتاً، وكل هذه لم ترد بألفاظها في النصوص، فإذا أخبر الإنسان عن الله عز وجل بها ف

عقيدة المعتزلة والأشاعرة في توقيف أسماء الله

عقيدة المعتزلة والأشاعرة في توقيف أسماء الله وأما عقيدة المعتزلة فإنهم انقسموا إلى قسمين: معتزلة البصرة، ومعتزلة بغداد. فأما معتزلة البصرة فقد كانوا يقولون: إنه يصح إجراء الأسماء على الله سبحانه وتعالى بمقتضى العدل من غير إذن منه، فإذا تصور الإنسان معنىً شريفاً يصح أن يسمى الله عز وجل به حتى ولو لم يرد به السمع، أي: لم ترد به النصوص. ومن أكثر من أشار إلى هذا وسمى الله عز وجل بأسماء غير لائقة أبو علي الجبائي وهو من معتزلة البصرة، ونص على ذلك القاضي عبد الجبار الهمداني في كتابه شرح الأصول الخمسة، وقال: إنه ثبت عقلاً أنه يصح أن يسمى المخلوق بأسماء إذا كانت معانيها صحيحة، وبناءً على هذا فكذلك الخالق يصح من باب قياس الغائب على الشاهد، كما يقولون. وهذا الكلام باطل، والسبب في ذلك: أن المخلوق في الواقع لا يصح أن يسمى بغير اسمه، فلو أن رجلاً كان اسمه علياً فسماه رجل محمداً؛ لأنه محمود بين الناس فلا يصح أن يسميه ويناديه: يا محمد! بإجماع العقلاء، والإشكال الذي وقع فيه هؤلاء أنهم لم يفرقوا بين الأسماء وبين الأخبار. فالأسماء والتي هي الأعلام لا يصح أن يسمى الله سبحانه وتعالى باسم منها إلا إذا دل عليه دليل من القرآن أو من السنة؛ لأنها أخبار غيب، والغيب لا يثبت بالعقل، وإنما يثبت بالخبر عنه أو بالسمع. وبناءً على ذلك فقد خلطوا وصح عندهم أن يسمى الله عز وجل بأي اسم من الأسماء التي يرونها فسموه بالقديم، وسموه بواجب الوجود، وأطلقوا عليه أنه المتكلم وأنه المريد، وهكذا. وكل هذه أسماء لم ترد في الكتاب ولا السنة. وقد سبق أن بينا أن الصفة إذا كانت عامة فهي منقسمة إلى معنى صحيح ومعنى فاسد، ولا يصح أن يؤخذ منها اسم من أسماء الله، فالمريد مثلاً أو وصف الله بالإرادة يمكن أن تكون إرادة خير ويمكن أن تكون إرادة شر فلا يصح أن يؤخذ منها اسم لله عز وجل وهو المريد؛ وذلك لأمرين: الأمر الأول: عدم ورود اسم المريد في الكتاب والسنة أنه اسماً لله سبحانه وتعالى. والأمر الثاني: أن معناها منقسم إلى معنى حسن ومعنى قبيح، وكما تعلمون أن الله سبحانه وتعالى وصف كل أسمائه بأنها حسنى، فقال الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف:180]. وأما معتزلة بغداد فإنهم قالوا بأن أسماء الله عز وجل توقيفية فوافقوا بذلك السلف. أما الأشاعرة فإن جمهورهم قالوا: إن أسماء الله سبحانه وتعالى توقيفية، وخالف جمهور الأشاعرة القاضي أبو بكر الباقلاني ووافق المعتزلة البصريين، وقال: يصح أن يسمى الله سبحانه وتعالى من غير توقيف، يعني: يصح أن يطلق على الله عز وجل أسماء لم ترد في الكتاب ولا السنة. أما إمام الحرمين الجويني -وهو من الأشاعرة- فقد توقف وقال: لا نقول: إنه يصح إطلاق الأسماء على الله عز وجل من غير توقيف مطلقاً، ولا يصح أيضاً أن نقول: إنه يشترط فيها التوقيف، فنتوقف في هذه المسألة، وقال: إنه ليس عندي دليل في ذلك، وقد ذكر ذلك في كتابه الإرشاد. والحق هو ما سبق أن بيناه: أن أسماء الله عز وجل توقيفية لا تؤخذ إلا من النصوص الشرعية فقط. وقد ذكر السفاريني رحمه الله في منظومته أن أسماء الله عز وجل توقيفية، فقال: لكنها في الحق توقيفية لنا بذا أدلة وفية (لكنها) أي: أسماء الله عز وجل. (في الحق) أي: في القول الصحيح. ثم ذكر رحمه الله في الشرح: أن أسماء الله عز وجل تنقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: الأسماء التي ورد الإذن بإطلاقها، قال: وقد أجمع أهل السنة على أنه يجوز إطلاقها على الله عز وجل؛ لأن الله عز وجل أذن بذلك. وهناك أسماء ورد المنع من إطلاقها. قال: وقد أجمع أهل السنة على أنه لا يجوز إطلاقها على الله سبحانه وتعالى. ثم قال: إن هناك نوعاً ثالثاً من الأسماء وهي الأسماء التي لم يرد إطلاقها، ولم يرد المنع منها. ثم قال: إن أهل السنة اختلفوا في ذلك، وذكر أنهم على قسمين: جمهور أهل السنة وهم الذين قالوا: إنه يمنع أن يطلق على الله عز وجل اسماً لم يطلقه على نفسه. ثم ذكر طائفة سماهم من أهل السنة وقال: إنهم جوزوا أن يطلق على الله عز وجل اسماً لم يرد المنع منه ولم يرد إثباته. والحق هو أن السفاريني رحمه الله يخلط في مصطلح أهل السنة فيجعل طوائف من الأشاعرة من أهل السنة، وقد ذكر هذا في مقدمة شرحه في لوامع الأنوار. والواجب هو أن تمحص كلمة أهل السنة، فلا تطلق إلا على المتبعين لآثار الرسول صلى الله عليه وسلم في الاعتقاد والعمل. وأما الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة فإنهم لا يدخلون في السنة بهذا المعنى، وبناءً على ذلك فنقول: إن أهل السنة تنقسم عندهم أسماء الله عز وجل إلى قسمين: القسم الأول: هو الذي ثبت بالنصوص وحينئذ نطلقها على الله سبحانه وتعالى. ونوع آخر: وهي التي لم ترد في الكتاب ولا السنة سواءً بنفي أو بإثبات وهذا ما نرده ولا نثبته لله سبحانه وتعالى ما دام أن الخبر لم يرد من الله عز وجل ومن الرسول صلى الله

قاعدة: أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين

قاعدة: أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين القاعدة السادسة هي حول أسماء الله عز وجل، وهل هي محصورة في عدد معين؟ وإذا كانت محصورة فما هي؟ أو أنها غير محصورة في عدد معين؟ مذهب أهل السنة أن أسماء الله سبحانه وتعالى ليست السنة ليست محصورة في عدد معين، ويدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك، عدل في قضاؤك، أسأل بكل اسم هو لك سميت به نفسك) -هذه أقسام أسماء الله عز وجل- (سميت به نفسك) هذا أولاً- (أو أنزلته في كتابك) هذا ثانياً، (أو علمته أحداً من خلقك) هذا ثالثاً، (أو استأثرت به في علم الغيب عندك)، إلى آخر الحديث. وموضع الشاهد من الحديث هو قوله: (أو استأثرت به في علم الغيب عندك) فإنه يدل على أن هناك أسماء لله سبحانه وتعالى في الغيب لم يخبرنا عنها، وبناءً على هذا نقول: إن أسماء الله سبحانه وتعالى ليست محصورة بعدد معين. وهذا الحديث حسنه الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه: نتائج الأفكار في تخريج الأذكار، والحافظ ابن حجر له كتاب خرج فيه أذكار النووي على مجالس وكان يمليها، فحسن هذا الحديث في هذا الكتاب. لكن ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث قد يشكل على البعض، وهذا الحديث ثابت في الصحيحين وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة). وقد يكون الإشكال عند البعض في قوله: (من أحصاها) فقد يفهم منه على أنه بالإمكان أن تحصى أسماء الله سبحانه وتعالى، مع أننا نقول: إن أسماء الله عز وجل ليست محصورة في عدد معين بحيث يمكن للإنسان أن يحصيها بغير استثناء. وكما قلنا: إنه لا يمكن إحصاء أسماء الله عز وجل التي سمى بها نفسه مطلقاً، ويدل على هذا الحديث الذي سبق عندما قال: (واستأثرت به في علم الغيب عندك) فإن قوله هذا يدل على أنه لا يمكن إحصاؤها؛ لأن الغيب لا يمكن إحصاؤه بالنسبة للإنسان، لكن هذا الحديث وهو قوله: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) أورده العلماء رحمهم الله وأوردوا الإشكال الذي يقع فيه وأجابوا عنه، بل نقل النووي رحمه الله اتفاق العلماء على أن هذا الحديث لا يدل على أن أسماء الله عز وجل محصورة في عدد معين. وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن القول بأن أسماء الله عز وجل ليست محصورة في عدد معين هو قول جمهور العلماء؛ وذلك لأن ابن حزم رحمه الله في كتابه المحلى ذكر أن أسماء الله عز وجل محصورة في عدد معين وهي التسعة والتسعين واستدل بهذا الحديث. وأما حديث: (من أحصاها دخل الجنة) فإن الإجابة عليه كما ذكرها عدد من أهل العلم ومنهم الإمام النووي في شرح مسلم وفي الأذكار، ومنهم الخطابي رحمه الله في شأن الدعاء، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مواضع من كتبه. الجواب عن هذا هو: أن الإحصاء في هذا الحديث هو للتسعة والتسعين اسماً وليس لكل أسماء الله سبحانه وتعالى. فالإحصاء المترتب عليه الجزاء خاص بالتسعة والتسعين، وهذا مثل قول الإنسان: عندي مائة ريال أعددتها للصدقة، وهذا لا يعني أن كل ما يملك هو المائة الريال؛ لأنه من الممكن أن يكون لديه مائة ريال أخرى أعدها لغير الصدقة، لأن هذه المائة مائة معينة أعدها للصدقة. وكذلك التسعة والتسعون اسماً ليست كل أسماء الله عز وجل، لكن هي التي رتب عليها الثواب بدخول الجنة إذا أحصيت. فذكر العدد لا يعني الحصر، ومثل ذلك عندما يقول إنسان مثلاً: لي زميل وهو فلان، فهذا لا يعني أنه لا زميل له إلا هو. وبناءً على هذا يكون معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعاً وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) يعني: أن هذه التسعة والتسعين هي التي رتب عليها الثواب بدخول الجنة إذا أحصيت. وهناك أسماء أخرى لله عز وجل زيادة على التسعة والتسعين لم يرتب عليها هذا الثواب، ويدل على ذلك عدة أمور، منها الحديث السابق وهو أن هناك أسماء كثيرة استأثر الله عز وجل بها في علم الغيب، والغيب لا يمكن إحصاؤه. ويدل على ذلك أيضاً: أن الأسماء الحسنى الواردة في الكتاب والسنة أكثر من تسعة وتسعين، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن العربي في كتابه العواصم من القواصم. فالإنسان إذا عد أسماء الله عز وجل في القرآن وفي السنة يجد أنها أكثر من تسعة وتسعين اسماً. وطائفة منها اختلف العلماء هل هي أسماء لله عز وجل أو أنها ليست أسماء، وبناءً على هذا يكون المعنى السابق هو توجيه هذا الحديث الذي ذكرنا.

معنى الإحصاء

معنى الإحصاء بقي أن ننبه على معنى الإحصاء الذي جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة). وقد جاء في بعض الأحاديث ما يبين معنى الإحصاء، ومنها قوله: (من حفظها دخل الجنة) وهذا اللفظ في البخاري وفي مسلم، وبناءً على هذا فالروايات تفسر بعضها بعضاً، فهذا يدل على أن قوله: (من أحصاها) يعني: من حفظها. فالحفظ - أي: حفظ التسعة والتسعين اسماً- داخل في معنى الإحصاء. والإحصاء له عدة معان: أول معنى فيه هو حفظ هذه الأسماء وفهم معانيها، وهذا ما رجحه النووي رحمه الله في كتابه شرح صحيح مسلم، وكذلك الخطابي في شأن الدعاء فقد رجح أن المقصود بالإحصاء الحفظ. وأفضل من رأيتُ ممن تكلم على مسألة الإحصاء هو ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد، فقد ذكر كلاماً محققاً وهو أن الإحصاء شامل لثلاثة أمور: الأمر الأول: الحفظ، ويدل عليها رواية البخاري: (من أحصاها) ورواية مسلم (من حفظها دخل الجنة). والأمر الثاني: فهم معانيها، ويدل على ذلك أن كلمة (من أحصاها) في اللغة يمكن أن تستخدم لمعنى العقل، فإن العرب تسمي المحصي أو صاحب الحصاة العاقل الذي يعقل الأمور، لأن فيه معنى التدقيق، ولا يدقق إلا من فهم. والمعنى الثالث: الدعاء بها والتعبد بها، ويدل على ذلك قول الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]. وقوله: {فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180] يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة، فدعاء المسألة مثل: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، أي: أن يسأل الإنسان ربه سبحانه وتعالى بأسمائه ومثل ذلك الرجل الذي دعا وقال: اللهم إنك أنت الله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، ثم دعا بعد ذلك. فهذا الدعاء بأسماء الله عز وجل يسمى دعاء المسألة وهو الطلب. وأما دعاء العبادة فهو التعبد بمعناها، وهو أنواع: أولها: الإيمان بها، وإثباتها كما أمر الله سبحانه وتعالى وكما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم. وثانيها: الاتصاف بما تضمنته من معان إذا أمكن الاتصاف بها، فمثلاً: الله عز وجل هو الكريم، فيستحب أن يكون الإنسان كريماً، وهو العفو، فيستحب أن يكون الإنسان عفواً، وهو سبحانه وتعالى العليم، فينبغي للإنسان أن يهتم بالعلم، وهكذا التعبد لله عز وجل بما تضمنته أسماؤه إذا أمكن من دعاء العبادة، وهذا الأمر دل عليه ما ثبت في صحيح مسلم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله جميل يحب الجمال)، فأخذوا من هذا الحديث أنه يستحب للإنسان أن يتصف بأسماء الله سبحانه وتعالى وبما تدل عليه من المعاني إذا أمكن. وقولنا: إذا أمكن؛ لأن هناك أسماء لله عز وجل لا يمكن أن يتصف الإنسان بما تدل عليه من المعاني مثل: الخالق والمتكبر ونحو ذلك، فهناك أسماء تدل على معان خاصة بالله سبحانه وتعالى، لا يمكن أن يتصف بها الإنسان، وإنما يتصف الإنسان بما تدل عليه من المعاني الممكنة مثل الرحمن فيأخذ الإنسان منها صفة الرحمة، وهكذا كثير في أسماء الله سبحانه وتعالى. وهناك أسماء متعددة لهذا النوع من التعبد، أطلقها عدد من المشتغلين بأسماء الله عز وجل، وأخطئوا في الإطلاق، فالفلاسفة يقولون: ينبغي على الإنسان أن يتشبه بالله، ولا شك أن هذا استخدام سيء وقبيح. وبعضهم يقول: إنه ينبغي التخلق بأخلاق الله، وهذا استخدام عند بعض الصوفية وهو استخدام ليس بمناسب. وبعض من تكلم في هذا الأمر يقول: إنه ينبغي أن يتعبد الإنسان بما تدل عليه معاني أسماء الله سبحانه وتعالى، وأفضلها أن يقول الإنسان الدعاء بمعناه، والدعاء كما سبق ينقسم إلى دعاء المسألة ودعاء العبادة، وحينئذ يكون الإنسان موافقاً للهدي النبوي وللأمر الشرعي. بقي أن ننبه في هذه القاعدة إلى أمرين مهمين: الأمر الأول: أن هناك أسماء لله سبحانه وتعالى تدل على صفة واحدة، مثاله القدير والقادر والمقتدر فكلها مشتقة من صفة واحدة وهي القدرة، وهي ثلاثة أسماء حتى ولو كانت تدل على معنى واحد، ومثل العلي والأعلى والمتعال وهي تدل على معنى العلو: علو الشرف وعلو الذات، وهذه وإن دلت على معنى واحد إلا أنها أيضاً ثلاثة أسماء لله سبحانه وتعالى. الأمر الثاني: هناك أسماء مقترنة، لا يصح أن يطلق واحد منها على الله عز وجل دون الآخر، مثاله: المعز المذل، أو الرافع الواضع، أو القابض الباسط أو نحو ذلك من الأسماء المقترنة فلا يصح أن يطلق الإنسان واحداً منها دون الآخر لأنه يكمل بعضها بعضاً في المعنى، ولكنهما يعتبران مع هذا اسمان. وهناك عدد من أهل العلم اجتهدوا في جمع أسماء الله سبحانه وتعالى، واختلفوا في هذه الأسماء، فبعضهم يذكر اسماً من أسماء الله عز وجل ويقول: إنه اسم ثابت، وبعضهم ينفيه، وخاصة الأسماء التي وردت

الأسئلة

الأسئلة

خطأ مقولة: يعلم الله أني فعلت كذا

خطأ مقولة: يعلم الله أني فعلت كذا Q قرأت في إحدى المنشورات الصادرة عن مركز الدعوة والإرشاد أن لفظة يعلم الله أني فعلت كذا أنها خطأ وسبب النهي أنه إذا وقع الأمر خلاف ما قال فإنه يكون قد اتهم الله بالجهل، نرجو توضيح هذا المعنى؟ A إذا قال الإنسان يعلم الله كذا وكذا فهو يخبر أن الله عز وجل يعلم ذلك الأمر، فإذا كان الأمر على خلاف ما قال فهذا يدل على أنه نسب لعلم الله عز وجل شيئاً وهو ليس ثابتاً وإنما هو كذب محض، فلا شك أن هذا أمر مذموم ومنهي عنه.

كتاب الأسماء والصفات للبيهقي على طريقة الأشاعرة

كتاب الأسماء والصفات للبيهقي على طريقة الأشاعرة Q هل كتاب البيهقي في الأسماء والصفات على منهج الأشاعرة؟ A البيهقي رحمه الله له كتاب اسمه الاعتقاد بناه على طريقة الأشاعرة، وهو محدث رحمه الله إلا أنه في الاعتقاد لا سيما في باب الأسماء والصفات على طريقة الأشاعرة، فكتابه الأسماء والصفات على منهج الأشاعرة لكنه كان يخالفهم في أحيان كثيرة.

الفرق بين دلالة المطابقة والالتزام

الفرق بين دلالة المطابقة والالتزام Q ما هو الفرق بين التضمن والالتزام؟ A المطابقة هي دلالة الاسم على معنى واحد فقط من المعاني. وأما دلالة الالتزام فهي دلالة الاسم على أمر خارج اللفظ، لكن يلزم من هذا اللفظ معنى آخر، مثل اسم الله سبحانه وتعالى القدير، فهو يدل على القدرة ويلزم من إثبات القدرة إثبات العلم، ويلزم من إثبات القدرة كذلك إثبات الحياة؛ لأنه لا يتصور أن قديراً ليس بحي، ولا يتصور أن قديراً ليس عنده علم، فهذه من اللوازم، وهذه هي دلالة الالتزام.

اعتقاد أهل السنة في الإخبار عن الله

اعتقاد أهل السنة في الإخبار عن الله Q ما هو الاعتقاد الصحيح عند أهل السنة في الإخبار عن الله؟ A سبق أن بينا أن ما يطلق على الله عز وجل ثلاثة أنواع: النوع الأول: أسماء الله عز وجل. والنوع الثاني: صفات الله عز وجل. والنوع الثالث: الإخبار عن الله سبحانه وتعالى. فالإخبار عن الله عز وجل هو أن يخبر الإنسان عن الله سبحانه وتعالى بمعان صحيحة، مثل أن يترجم إنسان معنى اسمه العليم إلى لغة أخرى، فهو يترجمها بكلام لم يرد في القرآن والسنة، لكن المعنى صحيح، فهو يخبر عن الله سبحانه وتعالى. فالإخبار عن الله سبحانه وتعالى هو: أن يتحدث الإنسان عن الله عز وجل بمعنىً صحيح ولا يزعم أن هذا اسم من أسماء الله أو صفة من صفاته، وإنما هو معنى. والداعي لأن يخبر الإنسان عن الله سبحانه وتعالى بمعان أو بألفاظ لم ترد في القرآن والسنة هو أن هناك فرقاً ضالة تنفي اسماً فيريد أحد أن يثبته فيذكر لفظاً يخبر به عن الله لم يرد في القرآن والسنة، فهم ينفون مثلاً أن يكون الله سبحانه وتعالى مستوياً على عرشه ويقولون: إنه مخالط للناس، فنقول: الله عز وجل ليس مخالطاً للناس وإنما هو بائن عن خلقه، وقولنا: بائن عن خلقه لم يرد في القرآن ولا في السنة لكن معناه صحيح واحتجنا إليه لكي نرد على طائفة مبتدعة. ويمكن أن يقال: إن الله عز وجل واجب الوجود وأنه سبحانه وتعالى قديم، وأنه أزلي، ونحو ذلك من الأخبار، وهذه الأخبار ليست من أسمائه وليست من صفاته وإنما هي أخبار يخبر بها الإنسان عن الله عز وجل بمعنى صحيح.

أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم

أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم Q هل للرسول صلى الله عليه وسلم أسماء غير محمد وأحمد؟ A له أسماء أخرى غير محمد وأحمد، لكن في بعض المصاحف الشامية يذكرون أسماء للرسول صلى الله عليه وسلم تقارب تسعة وتسعين اسماً، فيزيد في هذه الأسماء وهذا خطأ، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم له أسماء أخرى غير محمد وأحمد.

من هم الصوفية؟

من هم الصوفية؟ Q من هم الصوفية؟ A الصوفية فرقة من الفرق الضالة، وهم أنواع وأقسام، فبعضهم غلاة وبعضهم أقل من ذلك، لكنهم بالجملة طائفة انحرفوا في باب السلوك إلى الله سبحانه وتعالى، وابتدعوا بدعاً في كيفية التقرب إلى الله عز وجل في الأذكار، وابتدعوا بدعاً في المآلات التي يتوصل الإنسان إليها من خلال العبادة. فقالوا مثلاً: إن الإنسان إذا عبد الله عز وجل بطريقة معينة يذكر ورداً معيناً ويقرأه بآلاف المرات ويجلس بهيئة معينة بعد ذلك يحصل له الكشف، والكشف هو علوم إلهامية تأتيه من الله سبحانه وتعالى، ثم تطورت عقيدتهم ودخلت ضمن عقائد أخرى فأصبحوا يستغيثون بالأولياء، وينذرون، ويذبحون لهم، ونحو ذلك من الأعمال الكثيرة، وهي طائفة أكبر من أن يختصر الكلام عنها في لحظات، لكن هذا جانب من جوانب الحديث عنها.

حكم ترجمة معاني أسماء الله تعالى إلى لغة أخرى

حكم ترجمة معاني أسماء الله تعالى إلى لغة أخرى Q هل يجوز ترجمة أسماء الله تعالى وصفاته إلى غير العربية؟ A يجوز ترجمة معاني الأسماء، وقد يشرح معنى اسم من أسماء الله في سطرين أو ثلاثة ولا يمكن أن يكون اسم في سطرين، فالشرح والترجمة إنما يكونان للمعاني وليس للألفاظ؛ لأن الله عز وجل سمى نفسه ووصف نفسه سبحانه وتعالى بالعربية.

حكم قول: نتعبد الله بمقتضى أسمائه

حكم قول: نتعبد الله بمقتضى أسمائه Q ما هو الإشكال في قولنا: نتعبد الله بمقتضى أسمائه؟ A هذا ليس فيه إشكال أو انحراف أو خطأ أو ضلال، وإنما الأولى هو الاكتفاء باللفظ الشرعي الوارد وهو الدعاء بأسمائه.

مثال على أسماء الله التي تدل على معنى واحد

مثال على أسماء الله التي تدل على معنى واحد Q هل يمكن ذكر مثال على الأسماء التي تدل على معنى واحد؟ A سبق أن بينت هذا مثل القدير والقادر والمقتدر، فكلها تدل على معنى واحد وهي القدرة، لكن تعتبر ثلاثة أسماء.

أسماء الله تعالى تؤخذ من المعاني لا من الصفات

أسماء الله تعالى تؤخذ من المعاني لا من الصفات Q ذكرتم أن الأسماء لا تؤخذ من الصفات وإنما من المعاني، فما معنى ذلك؟ A أصل الاشتقاق اللغوي هو أن الأعلام تؤخذ من المعاني، وتؤخذ من المصادر، لكن لا يصح للإنسان أن يتتبع صفات الله عز وجل ويأخذ منها أسماء، وإنما يقف عند الأسماء الواردة في النصوص الشرعية ويكتفي بها.

شرح القواعد المثلى [4]

شرح القواعد المثلى [4] الإلحاد في أسماء الله تعالى وصفاته من المحرمات، وهو الميل بها عما يجب فيها والعدول عن الحق فيها إلى قول الباطل، ومن ذلك إنكار شيء من أسماء الله تعالى أو مما دلت عليه من الصفات والأحكام، فينبغي للمؤمن الحذر من ذلك، والتحذير من أهل البدع الذي يلحدون في أسماء الله تعالى.

الإلحاد في أسماء الله تعالى

الإلحاد في أسماء الله تعالى إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله. أما بعد: وقفنا في الدرس الماضي عند القاعدة السابعة من قواعد الأسماء الحسنى، وهي آخر قاعدة في باب الأسماء الحسنى: وهي عن موضوع الإلحاد في أسماء الله الحسنى. والإلحاد في اللغة: هو الميل، وأما الإلحاد في الأسماء الحسنى فهو الميل بها عما يجب فيها، أو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها. فالإلحاد في أسماء الله تعالى هو العدول بها عما يجب لله سبحانه وتعالى فيها من الحق الثابت الذي يجب التزامه. والإلحاد المراد به في هذه الفقرة أو في هذه القاعدة ليس المقصود به إنكار وجود الله، وإنما المقصود به الابتداع والانحراف في أسماء الله سبحانه وتعالى بكل الأنواع، وسيأتي تفصيل ذلك بإذن الله تعالى. وهذه القاعدة التي ذكرها الشيخ مصدرها (بدائع الفوائد) لـ ابن القيم أيضاً، وكتاب (بدائع الفوائد) لـ ابن القيم ذكر فيه أكثر من عشرين قاعدة تقريباً في باب أسماء الله الحسنى، ومنها استفاد الشيخ ابن عثيمين في هذا الكتاب. والذين ذكروا أنواع الإلحاد في أسماء الله تعالى، بعضهم ذكر نوعين، مثل ابن العربي في (أحكام القرآن)، وبعضهم ذكر خمسة أنواع مثل ابن القيم في (بدائع الفوائد)، والشيخ هنا ذكر أربعة أنواع، فبعضهم يبسطها ويفصلها وبعضهم يجملها، ومن هنا اختلف عدد أنواع الإلحاد في باب أسماء الله الحسنى.

حرمة الإلحاد في أسماء الله الحسنى

حرمة الإلحاد في أسماء الله الحسنى إن الإلحاد في أسماء الله الحسنى محرم ومذموم، والدليل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:180]، وموطن الشاهد هو قوله: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وقد جاء في قوله: ((يلحدون في أسمائه)) قراءتان: القراءة الأولى -وهي القراءة المشهورة- قراءة عامة القراء: وهي بلفظ: ((يُلْحِدون)) بضم الياء، وسكون اللام وكسر الحاء. وقرأ حمزة وغيره -وهي متواترة ومشهورة وثابتة-: (يَلْحَدُون) بفتح الياء، وسكون اللام، وفتح الحاء. وكما سبق أن بينا أن الإلحاد هو الميل والعدول، واختلاف القراءة هنا في قوله: (يُلحدون) أو (يَلحدون) لا يؤثر في المعنى، لكن (يُلحدون) مشتق من ألحد، و (يَلحدون)، مشتق من لَحْد، وكلاهما بمعنى واحد. فقول الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:180]، يدل على حرمة الإلحاد في أسماء الله تعالى، وقد سبق أن بينا أنه ليس المقصود بالإلحاد، إنكار وجود الله، وإنما المقصود هو الميل في باب أسماء الله والعدول عن الحق فيها إلى قول الباطل.

أنواع الإلحاد في أسماء الله الحسنى

أنواع الإلحاد في أسماء الله الحسنى

النوع الأول: إنكار شيء منها أو مما دلت عليه من الصفات

النوع الأول: إنكار شيء منها أو مما دلت عليه من الصفات قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الأول: أن ينكر شيئاً منها]، يعني: أن ينكر شيئاً من أسماء الله سبحانه وتعالى، [أو مما دلت عليه من الصفات والأحكام، كما فعل أهل التعطيل من الجهمية وغيرهم] وهذا نوع من الإلحاد. ثم بين الشيخ وجه كون ذلك من الإلحاد، فقال: وإنما كان ذلك إلحاداً لوجوب الإيمان بها، وبما دلت عليه من الأحكام والصفات اللائقة بالله، فإنكار شيء من ذلك ميل بها عما يجب فيها]، يعني: عدول عن الحق إلى القول الباطل. والأنواع التي سنذكرها في الإلحاد بأسمائه تعالى مأخوذة من أقوال المفسرين، فالمفسرين لهم أقوال مختلفة في تفسير الإلحاد في أسمائه تعالى. وهذا الاختلاف الموجود في تفسير الإلحاد في أسمائه تعالى في الآية هو اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد، ومن هنا فكل الأنواع التي ذكرها المفسرون تعتبر نوعاً من أنواع الإلحاد، وهذه طريقة من طرق التفسير التي كانت عند السلف رضوان الله عليهم، وهي أنهم قد يفسرون المعنى العام بفرد من أفراده، أو بمثال من الأمثلة فيه ونحو ذلك، وهي طريقة مشهورة عندهم، والذي يقرأ مثلاً القرآن يجد أن كثيراً من الألفاظ العامة يفسرها السلف بنوع من الأنواع، ولا يقصدون بذلك الحصر، وإنما يقصدون أن هذا النوع هو أعلى من حيث كذا، أو أنه مجرد نوع من الأنواع. وإنكار شيء من أسماء الله سبحانه وتعالى أو ما دلت عليه من الصفات هي طريقة المعطلة، والمعطلة هم النفاة، كما سبق أن بينا، وهم أربعة طوائف: الطائفة الأولى: الجهمية. الطائفة الثانية: المعتزلة. الطائفة الثالثة: الأشاعرة. الطائفة الرابعة: الماتريدية. وقد سبق أن ذكرنا شيئاً عن هذه الطوائف، لكن يمكن أن نذكر باختصار عقائد هذه الطوائف في باب أسماء الله وصفاته. فأما الجهمية: فهم أتباع الجهم بن صفوان -وقد انقرضوا- وهم ينكرون أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته بشكل عام، ولهذا كفرهم السلف الصالح رضوان الله عليهم، يقول عبد الله بن المبارك: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نحكي كلام الجهمية. وفي لفظ له آخر: الجهمية ليسوا من الفرق الواردة في الحديث، يعني: حديث الافتراق عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)، هذه الفرق الواردة في الحديث هم مبتدعة؛ لكنهم مسلمون؛ لأنه قال: (ستفترق هذه الأمة) وجعلهم في مقابلة اليهود والنصارى، والمقصود بالافتراق افتراق عدد من أهل البدع عن جادة السنة، مع أنهم مسلمون، فإخراج ابن المبارك رحمه الله للجهمية من فرق المسلمين يدل على أنه يرى أنهم كفار. وأما المعتزلة فإنهم كما سبق أن بينا يثبتون أسماء الله سبحانه وتعالى، ولكنهم يزعمون أنها أعلام محضة لا تتضمن شيئاً من الصفات، فهم ينكرون كل الصفات الثبوتية. وأما الأشاعرة والماتريدية فإنهم يثتبون الأسماء، ويثبتون بعض الصفات، وينفون بعضها، يثبتون سبعاً من الصفات وينفون بقية الصفات، يثبتون الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، وينفون سائر صفات الله سبحانه وتعالى التي سيأتي ذكر أنواعها مفصلة بإذن الله تعالى. إذاً: إنكار أسماء الله الحسنى، أو إنكار ما تضمنته من الصفات، نوع من أنواع الإلحاد في أسماء الله تعالى، وهو داخل في قوله تعالى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:180]، ويدل على هذا تفسير ابن عباس رضي الله عنهما فإنه قال رضي الله عنهما في هذه الآية: الإلحاد التكذيب. وقال قتادة: ((يلحدون في أسمائه)) يكذبون فيها، فهذا نوع من أنواع الإلحاد، وهو داخل في عموم الآية كما سبق.

النوع الثاني: جعل أسماء الله دالة على صفات تشابه صفات المخلوقين

النوع الثاني: جعل أسماء الله دالة على صفات تشابه صفات المخلوقين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثاني: أن يجعلها دالة على صفات تشابه صفات المخلوقين، كما فعل أهل التشبيه والتمثيل] يعني: سبب قولهم كونهم يدخلون في الإلحاد في أسمائه. قال: [وذلك لأن التشبيه معنىً باطل لا يمكن أن تدل عليه النصوص، بل هي دالة على بطلانه فجعلها دالة عليه ميل بها عما يجب فيها]. يعني: المشبهة عندما يقرءون مثلاً: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، يقولون: نثبت اسم (الرحمن) ثم ما يتضمنه (الرحمن) من صفة وهي الرحمة، يجعلونها مشابهة لرحمة المخلوق، فيجعلون الله عز وجل مشابهاً للمخلوق فيما تضمنته أسماء الله سبحانه وتعالى، وكذلك العزة، وكذلك العلم، وكذلك القدرة، وكذلك غيرها من صفات الله سبحانه وتعالى يجعلونها مشابهة للمخلوق. وهؤلاء المشبهة هم طائفة ظهرت أولاً في صفوف الشيعة، فإن بداية أمر الشيعة كانوا مشبهة، ثم بعد ذلك صاروا إلى التعطيل وأخذوا عقائد المعتزلة، والمشبهة الذين شبهوا صفات الله سبحانه وتعالى بصفات خلقه يدخلون في هذا الإلحاد، وسبب ذلك أن النصوص الشرعية التي جاءت بأسماء الله سبحانه وتعالى وما دلت عليه من المعاني، قد عدلوا فيها ومالوا بها عن وجهها الصحيح، فحرفوا معناها، وجعلوا معاني أسماء الله تعالى الثابتة في النصوص تشابه صفات المخلوقين، وهذا معنىً باطل لم يرد في المعاني الشرعية، ولا تتضمنه النصوص الشرعية. ويدل على دخول هذا النوع من أنواع الإلحاد في الآية قول قتادة: يُلحدون: يشركون. يعني: يجعلون مع الله عز وجل شريكاً في أسمائه وما دلت عليه من الصفات، وهذا الشريك هو المخلوق. وقال عطاء: الإلحاد: المضاهاة، يعني: المشابهة. ويدل على اختصاص الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أدلة كثيرة سبق أن ذكرناها، منها قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180] فتقديم الجار والمجرور في قوله: ((ولله)) على قول: ((الأسماء الحسنى)) يفيد الحصر، ويفيد القصر والاختصاص، وحينئذٍ تكون الأسماء الحسنى لله سبحانه وتعالى وحده ليست لغيره، فإذا جُعل مع الله شريك في هذه الأسماء الحسنى أو فيما تضمنته من الصفات، فهذا نوع من أنواع الميل والإلحاد والعدول عن المعاني الشرعية التي أمرنا بالتزامها.

النوع الثالث: أن يسمى الله سبحانه وتعالى بما لم يسم به نفسه

النوع الثالث: أن يسمى الله سبحانه وتعالى بما لم يسمّ به نفسه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثالث: أن يسمى الله تعالى بما لم يسم به نفسه، كتسمية النصارى لله عز وجل: (الأب) وتسمية الفلاسفة لله عز وجل: (بالعلة الفاعلة)]. وقد سبق أن قلنا: إن معتزلة البصرة يرون أنه يجوز أن يسمى الله سبحانه وتعالى بما لم يسمِّ به نفسه، وقد نص على ذلك القاضي عبد الجبار، وقد جاء أبو علي الجبائي بكثير من الأسماء التي لم ترد في القرآن ولا في السنة؛ بسبب أنه يرى أنه يجوز أن يطلق على الله عز وجل ما لم يسمّ به نفسه، وهذا نوع من الإلحاد والميل بالنصوص عن وجهها الصحيح. ويدل على دخول هذا النوع في الآية تفسير الأعمش رحمه الله تعالى، حيث قال في قراءة حمزة السابقة (يَلحدون): يُدخلون فيها ما ليس منها، يعني: يدخلون في أسماء الله تعالى ما ليس منها، فيسمون الله عز وجل بأسماء وهي ليست من أسمائه، مثل أهل الكلام عندما سموا الله عز وجل: (القديم)، ولم يرد هذا الاسم من أسماء الله سبحانه وتعالى، وإن كان معناه قد يكون صحيحاً لو أخبر به، لكن كونه اسماً لله عز وجل لم يرد في ذلك نص في الكتاب ولا في السنة.

النوع الرابع: أن يشتق من أسماء الله أسماء للأصنام

النوع الرابع: أن يشتق من أسماء الله أسماء للأصنام مثال ذلك: ما فعله المشركون، فإنهم سموا العزى أخذاً من اسم الله (العزيز)، وسموا اللات أخذاً من (الإله) أو من (الله) على أحد القولين، ويدل على هذا تفسير ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد رحمه الله تعالى لقوله: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف:180]، فإن ابن عباس رضي الله عنه قال: (اشتقوا -يعني: المشركين- العزى من (العزيز) واشتقوا (اللات) من الله)، وثبت مثله عن مجاهد رحمه الله تعالى. وهذا يدل على أنه إذا سمي المخلوق باسم من أسماء الله، أو أخذ معناه الخاص لمخلوق فهذا إلحاد في أسماء الله تعالى. ويمكن أن نذكر مثالاً آخر: هذا أحد الإسماعيلية يسمى سلمان المرشد ظهر في سوريا أثناء الاستعمار الفرنسي لسوريا، يقول مصطفى الشكعة في كتابه: (إسلام بلا مذاهب): كان سلمان المرشد يسمي نفسه (الرب)، وادعى هذا الرجل الألوهية، ونصب نفسه إلهاً يعبد من دون الله، وكان له أتباع يعبدونه من دون الله، وقد سبق أن ذكرنا في دروس التوحيد أن هذا الرجل كان يلبس كعباً طويلاً، ويلبس لباساً ساتراً لهذا الكعب، ويجعل له مثل البطارية ويسلك لباسه من البطارية بحيث إنها تكون في رجليه وفي قدميه وفي بطنه ويكون لها أشعة قوية، فإذا جاء الرجل الذي من أتباعه وأدخلوه عليه شغل هذه البطارية بحيث تتحرك وتصدر أصواتاً وأنواراً فيسجد له، ويظن أنه إله! وقد ذكر عنه هذا كثيراً، والعجيب أن الذي كان يصلح له هذه البطارية المندوب الفرنسي في سوريا في تلك الفترة، وكان إذا أدخل عليه أحد أتباعه سجد معه، وقال: سبحانك يا إلهي! يعني: كان يضحك على أناس ويدجل عليهم والعياذ بالله. قال: [فسموا بها أصنامهم؛ وذلك لأن أسماء الله تعالى مختصة به؛ لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]، ويقول الله عز وجل: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه:8]، ويقول: {لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الحشر:24]، فكما أن الله عز وجل اختص بالعبادة والتأله له وحده سبحانه وتعالى، وكذلك سائر أسمائه وسائر صفاته هي خاصة به سبحانه لا يشركه فيها أحد. وهذه أنواع من حيث الحكم، وبعضها توصل إلى درجة الشرك، وبعضها تكون مجرد بدعة، وهي أنواع مختلفة ليست نوعاً واحد. بهذا نكون قد انتهينا من الكلام عن قواعد الأسماء الحسنى السبع، ونشرع إن شاء الله في قواعد صفات الله سبحانه وتعالى.

قواعد في صفات الله عز وجل

قواعد في صفات الله عز وجل باب الصفات من أعظم الأبواب الشرعية والعقدية التي بينها الله سبحانه وتعالى بياناً كافياً وشافياً في القرآن، وكذلك بينها الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة، وعقيدة السلف الصالح رضوان الله عليهم في هذا الباب العظيم مبنية على قاعدتين: القاعدة الأولى: إثبات الصفات لله تعالى. والقاعدة الثانية: نفي مماثلة المخلوقات ومشابهتها. وهاتان القاعدتان مأخوذتان من قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، فقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} يدل على قاعدة التنزيه، ونفي مشابهة المخلوقين ومماثلتهم، وقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] يدل على إثبات هذه الصفات، وبهاتين القاعدتين يتميز منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم عن غيرهم من الطوائف الضالة في هذا الباب، السلف الصالح يثبتون الصفات، وفي نفس الوقت ينفون مشابهة المخلوقات، لكن أهل التعطيل لا يثبتون الصفات، بل يخالفون السلف في إثبات الصفات وغلبوا جانب النفي، وأهل التشبيه والتمثيل غلبوا جانب الإثبات، وشبهوا الله سبحانه وتعالى بالمخلوقات، وأما أهل السنة والجماعة فهم وسط: يثبتون الصفات، وينفون مشابهة المخلوقات، وهم أهل الحق والاستقامة والعدل في هذا الباب. نافي الصفات يعبد عدماً، والمشبه لله تعالى بالمخلوقات يعبد صنماً، كما قال بعض السلف رضوان الله عليهم، وهذه قضية ينبغي أن تتضح، وهي واضحة تماماً على المنهج السلفي، وهذه القواعد تخدم هذه القضية مفصلة بإذنه تعالى. بعض القواعد تكون في باب الإثبات، وبعض القواعد تكون في باب النفي، يعني: السلف الصالح رضوان الله عليهم لهم قواعد مفصلة في باب الإثبات، ولهم قواعد مفصلة في باب النفي، فمثلاً في باب النفي لا يمكن أن ينفى عن الله سبحانه وتعالى بطريقة مفصلة، يعني: لا يقال: ليس بطويل ولا بقصير ولا بكذا ولا بكذا، كما هي طريقة المبتدعة الضلال، وإنما يكتفي بالنفي المجمل، وهذه هي طريقة النصوص، يقال: الله عز وجل لا يشبه شيئاً من المخلوقات. وما ورد من النصوص الشرعية فيه نفي مفصل مثل نفي النوم عن الله سبحانه وتعالى، فإنه ليس نفياً محضاً، وإنما يتضمن كمال ضده، وهذا النفي هو النفي الإيجابي، والذي يكون له ثمرة، وهي الإثبات، فإن الله عز وجل لما قال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255]، قوله: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255]، لا يؤخذ منها: نفي السنة وهو النعاس، والنوم عن الله عز وجل فقط، وإنما يدل أيضاً على كمال حياته، وهذا جانب إثبات، وعلى كمال قيوميته، وأنه قائم بأمور العباد تدبيراً وعملاً سبحانه وتعالى، وستأتي قواعد مفصلة في البابين. القاعدة الأولى: وهي قاعدة الكمال لله سبحانه وتعالى. وهذه القاعدة فصلها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مكانين من كتابه العظيم (الفتاوى)، وفي أماكن متفرقة من كتبه، فصلها في المجلد السادس من الفتاوى في رسالة خاصة اسمها: (الرسالة الأكملية) فقد بين فيها إثبات ما يستحقه الله سبحانه وتعالى من الكمال، ونفي النقص عنه سبحانه وتعالى بكل وجه من الوجوه. الموضع الثاني: في المجلد السادس عشر في تفسير سورة العلق، حيث ذكر الطرق التي تدل على إثبات الكمال لله تعالى وسيأتي تفصيلها بإذن الله تعالى.

صفات الله صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه

صفات الله صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [القاعدة الأولى: صفات الله تعالى كلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، وهذا أمر متفق عليه بين طوائف المسلمين جميعاً، فلا يوجد أحد يقول: إن صفات الله عز وجل صفات نقص، لكن اختلف أهل الإسلام في تحقيق الكمال، يعني: من كون هذه صفة كمال أو صفة نقص، وكان أسعد الناس بالحق هم أهل السنة والجماعة رضوان الله عليهم، الذين جمعوا بين إثبات الصفات، وبين نفي مشابهة المخلوقات. وقد أثبت الله سبحانه وتعالى لنفسه الكمال المطلق من كل وجه من الوجوه، وقد استخدم القرآن الكريم إثبات الكمال المطلق لله تعالى بطرق: الطريقة الأولى: هي الاستدلال على كماله سبحانه وتعالى بمخلوقاته؛ فإن الإنسان حين يرى المخلوقات وما فيها من الدقة البالغة، وما فيها من الآثار العجيبة يستنبط منها كثيراً من أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته، فمثلاً: نصرة الله سبحانه وتعالى للمؤمنين وإعانته لهم، وتمكينه لهم، يؤخذ منها: صفة المحبة لله سبحانه وتعالى. وتضييقه على الكافرين، وإهلاكه لهم، وتدميره لهم كسائر الأمم وإضعافه من شأنهم يؤخذ منها: صفة الغضب لله سبحانه وتعالى. والدقة الموجودة في هذا الكون تدل على صفة العلم والإرادة والحياة لله سبحانه وتعالى، ويمكن أن نضرب على هذا مثالاً، وهو قول الله عز وجل: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]، هذه الآية تدل على الكمال المطلق لله عز وجل في صفة العلم، يعني: ألا يعلم أن الذي يخلق؟ يعني: كيف لا يعلم وهو الذي يخلق؟ فإن الذي يخلق لابد أن يكون عالماً؛ لأنه لا يمكن أبداً أن يخلق وهو جاهل لا يدري ما يخلق، وليس عنده علم مفصل بما يخلق، بل لابد أن يكون عنده علم مفصل بما يخلقه بكل دقيقة وكبيرة وصغيرة فيه، فإذا كانت هذه المخلوقات كلها غير الله عز وجل هي مخلوقة له سبحانه وتعالى، فهذا يدل على كمال علمه، فإثبات الكمال يمكن أن يؤخذ من مخلوقات الله عز وجل. طريقة أخرى: هي أن الله سبحانه وتعالى قد جعل بعض خلقه متصفاً بالكمال، فجعل الإنسان لديه مثلاً علم وبصيرة ولديه حكمة، ولديه فهم، فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد جعل المخلوق متصفاً بشيء من صفات الكمال، فإن الله عز وجل أولى أن يتصف بها، وهذا أمر متفق عليه بين العقلاء. فإذا كان المخلوق متصفاً بصفات الكمال في بعض الأحيان، ومن بعض الوجوه فقط؛ فالله عز وجل أولى بها، فلا يصح مثلاً أن ننفي صفة العلم عن الله كما يفعل الجهمية، وإنما نقول: إن العلم صفة كمال، فما دام أنها صفة كمال وقد اتصف بها المخلوق فالخالق أولى بها، وهذا يدل على فساد عقول الجهمية، وأنهم ليسو على منهج مستقيم وطريقة مستقيمة، وإنما هم على طريق ضالة منحرفة من جهة النصوص الشرعية، ومن جهة العقل أيضاً. وهناك استدلال ثالث على استحقاق الله عز وجل لصفات الكمال: حيث إن الله عز وجل هو واهب الكمال وهو معطيه، فالله عز وجل يعطي كثيراً من صفات الكمال للمخلوقات، فيقال: إن واهب الكمال أحق به وأولى، فلا يمكن أن يهب الكمال لغيره وهو ناقص بأي وجه من الوجوه، ويمكن أن نثبت هذا بقول الله سبحانه وتعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت:15]. إذاً: هم عندهم قوة، فقالوا: ((من أشد منا قوة)) A الذي وهب لكم هذه القوة هو أشد منكم قوة؛ لأنكم كنتم ولا قوة لكم، فأعطاكم هذه القوة، فلا يمكن أبداً أن تكونوا أقوى منه وهو الذي أعطاكم هذه القوة، وهذا دليل عقلي شرعي من أوضح الأدلة. ويقول الله عز وجل: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الروم:27] يعني: له الوصف الأعلى والأكمل من كل وجه من الوجوه. وكذلك مما يدل على إثبات الكمال لله سبحانه وتعالى أن الله عز وجل عندما ذكر آلهة المشركين بين أن عبادتها باطلة، حيث إنها اتصفت بصفات النقص، والإله لا يمكن أن يكون ناقصاً، ومثال ذلك: يقول الله عز وجل في قصة محاجة إبراهيم عليه السلام لأبيه: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم:42]، فقوله: ((يا أبت لم تعبد ما لا يسمع)) هذا نقص، ((ولا يبصر)) هذا نقص، ((ولا يغني عنك شيئاً)) هذا نقص ثالث، والله عز وجل قد بين أن الآلهة المعبودة من دونه باطلة؛ لأنها ناقصة، فهذا يدل على أنه هو الإله الحق، وأنه لا بد أن يكون كاملاً، ولهذا استدل عليهم أئمة السنة بمثل هذه الأدلة على إثبات الصفات، فمثلاً: يثبتون صفة السمع بقوله: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ} فالإله لابد أن يكون سميعاً، ويثبتون صفة البصر بقوله: ((ولا يبصر))، ويثبتون صفة الملك والأفعال لله عز وجل بقوله: {وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا}، ي

دلالة السمع والعقل والفطرة على إثبات صفات الكمال لله عز وجل

دلالة السمع والعقل والفطرة على إثبات صفات الكمال لله عز وجل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد دل على هذا السمع والعقل والفطرة] يعني: هذه الأمور دلت على إثبات صفات الكمال لله عز وجل، وأنها لا تتضمن النقص بأي وجه من الوجوه. وكذلك نحن نقول: إن النصوص الشرعية تتضمن أدلة عقلية؛ لأن بعض الأشخاص يقول: لابد أن نستدل بالأدلة العقلية ونترك الأدلة الشرعية، فإذا سألناه لماذا؟ قال: لأننا إذا جئنا إلى الملاحدة والمشركين وقلنا لهم: قال الله تعالى، قال الله تعالى، قالوا: نحن لا نعترف لكم بالقرآن أصلاً؛ فكيف يكون دليلاً عليهم؟ نقول: لا حاجة لك إلى أن تخترع أدلة عقلية، بل ارجع إلى القرآن وإلى السنة وستجدها مليئة بالأدلة العقلية. مثل الدليل الذي سبق معنا وهو محاجة إبراهيم لأبيه، فإبراهيم أراد أن يبطل عبادة أبيه لهذا الصنم الذي كان يعبده من دون الله عز وجل، وأراد أن يبين أن الصنم لا يستحق العبادة، فقال: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ} [مريم:42] يعني: أنت أفضل من هذا الصنم؛ لأنك تسمع، {وَلا يُبْصِرُ} [مريم:42] وأنت تبصر، {وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم:42] والإله لابد أن يكون نافعاً لمن يعبده. وحينئذٍ نقول: إن الأدلة القرآنية والنبوية مليئة بالأدلة العقلية، ولا حاجة للإنسان أن يستجدي ويطلب الأدلة العقلية من غيرهما. فالقرآن كما وصفه الله عز وجل: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89]، وهو هدى، ونور، وهو مشتمل على كل الخير، ومنها الأدلة العقلية على إثبات العقائد، وعلى إثبات وجود الله، وعلى إثبات أن الله له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وعلى إثبات نبوة الأنبياء، وعلى إثبات البعث والجزاء، وعلى إثبات إفراد الله عز وجل بالعبادة وهكذا. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أما السمع فمنه قوله تعالى: {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل:60]، والمثل الأعلى: هو الوصف الأعلى. وأما بالعقل فوجهه: أن كل موجود حقيقة بد أن يكون له صفة]. يعني: أي موجود سواء خالق أو مخلوق لابد أن يكون له صفة، هذه الصفة إما أن تكون صفة كمال أو صفة نقص، ولا يمكن أن يكون الإله فيه صفة نقص، لأنه إذا كان فيه صفة نقص لا يستحق أن يكون إلهاً، وحينئذٍ فلما كان الله عز وجل إلهاً حقاً دلّ هذا على أن جميع صفاته صفات كمال؛ لأنه إله حق. وهناك جملة من الأدلة العقلية يمكن مراجعتها في كتاب مجموع الرسائل والمسائل (5/ 41 - 50). قال: [ثم إنه قد ثبت بالحس والمشاهدة أن للمخلوق صفات كمال]. وقد سبق أن بينا أن هذا دليل عقلي شرعي، عقلي من ناحية أنه استدل عليه بالعقل، وشرعي من ناحية أن الشرع استخدم هذا الدليل وهو أن للمخلوق صفات كمال. قال: [وهي من الله تعالى فمعطي الكمال أولى به] كما سبق أن بينا في هذا المثال الذي في قصة عاد عندما قالوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت:15]، يعني: هو أشد منهم قوة سبحانه وتعالى. قال المؤلف رحمه الله: [وأما الفطرة] الفطرة: هي غريزة في الإنسان من محبة الله عز وجل وتعظيمه. قال: [فلأن النفوس السليمة مجبولة مفطورة على محبة الله وتعظيمه وعبادته، وهل تحب وتعظم وتعبد إلا من علمت أنه متصف بصفات الكمال اللائقة بربوبيته وألوهتيه]. يعني: لا يصح أن يكون الإله مشتملاً على صفات النقص، وحينئذٍ فالإله اشتمل على صفات الكمال سبحانه وتعالى.

امتناع وصف الله تعالى بصفات النقص التي لا كمال فيها

امتناع وصف الله تعالى بصفات النقص التي لا كمال فيها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا كانت الصفة نقصاً لا كمال فيها فهي ممتنعة في حق الله] يعني: يجب نفيها عن الله سبحانه وتعالى، مثل: الجهل والعجز والموت والصمم والعي ونحو ذلك، كل هذه صفات نقص يجب نفيها عن الله، وقد ودلت الأدلة الشرعية على ذلك، كقوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58]، وكقوله تعالى: {فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى} [طه:52]، وكقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ} [فاطر:44] وكقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن الدجال: (إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور)، وكقوله تعالى: {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} [سبأ:3]، وكقوله تعالى في آية الكرسي: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255] فكل ما فيه صفات نقص لا مدح فيها ولا كمال فيجب أن تنفى عن الله، وإنما نثبت لله عز وجل صفات الكمال فقط. ولهذا لما وصفه اليهود بصفات النقص عاقبهم الله عز وجل، فعندما قالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:64]، قال: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64]، ولما وصفوه بالفقر وقالوا: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:181] قال: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران:181]. فعاقبهم الله عز وجل بأن جعل مصيرهم العذاب المحرق، والله عز وجل قد نزه نفسه عن النقائص والعيوب جميعاً، وهناك أدلة كثيرة مثل: قول الله عز وجل: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) [الشورى:11] وقول الله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65]، ومثل: قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]. هذه السورة من أعظم السور المشتملة على التنزيه لله سبحانه وتعالى، وعندما يذكر الإنسان ربه سبحانه وتعالى بقوله: (سبحان الله)؛ فإن هذه الكلمة تشتمل على معنى التنزيه ونفي النقائص والعيوب عن الله سبحانه وتعالى، ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما ثبت في البخاري: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، وكلها تدل على التنزيه ونفي النقائص عن الله عز وجل، كما يدل عليه قول الله عز وجل: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:180 - 182]. أما إذا كانت الصفة مشتملة على النقص في حال وعلى الكمال في حال آخر، مثل: المخادعة والمكر، فالمخادعة في بعض الأحيان تكون نقصاً، وفي بعض الأحيان تكون كمالاً. فلا نطلقها على الله عز وجل بإطلاق، ولا ننفيها عنه بإطلاق، وإنما نثبتها في المواطن التي أثبتها الله لنفسه كما قال الله عز وجل: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142]، ونحو ذلك مثل: الكيد، قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق:15 - 16]، ومثل: المكر، قال تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30]. فلا يصح أن نثبت صفة المكر لله مطلقاً، فالإطلاق في الإثبات والإطلاق في النفي خطأ، وإنما نثبت المكر لله عز وجل بالمشركين الذين يمكرون، ونثبت الخداع لله عز وجل بالمشركين الذين يخادعونه وهكذا. أما إذا كانت الصفة لا تشتمل على كمال بأي وجه من الوجوه، فإنه لا يصح إثباتها لله عز وجل، مثل: الخيانة، فليس فيها كمال بأي وجه من الوجوه، حتى لو خانه غيره، كما قال الله عز وجل: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} [الأنفال:71] قال: {فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} [الأنفال:71] ولم يقل: فخانهم؛ لأن الخيانة ليس فيها مدح بأي وجه من الوجوه.

ضابط الصفة المتضمنة للكمال المطلق لله تعالى

ضابط الصفة المتضمنة للكمال المطلق لله تعالى عندنا مسألتان في القاعدة الأولى: المسألة الأولى: ضابط الصفة التي هي كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه. فالضابط فيها يمكن أن يذكر في فقرتين: الفقرة الأولى: أن تكون هذه الصفة كمالاً في ذاتها، بقطع النظر عما نسبت إليه، فإذا كانت هي في ذاتها صفة كمال لا نقص فيها، فهذه تثبت لله سبحانه وتعالى. مثال ذلك: (الحياة) فالحياة في ذاتها صفة كمال؛ لأنه ضد الموت، والموت صفة نقص بإجماع العقلاء، وحينئذٍ الحياة صفة كمال سواء نسبت إلى الخالق أو نسبت إلى المخلوق، فنثبتها لله عز وجل. كذلك العلم، والسمع، والبصر ونحو ذلك، هذه كلها صفات ثابتة لله سبحانه وتعالى وهي صفات كمال في ذاتها، سواء نسبت إلى المخلوق أو نسبت إلى الخالق. الفقرة الثانية: أن تكون الصفة سالمة من استلزامها لما ينافي صفات الكمال. فبعض الأحيان قد تكون صفة من الصفات كمالاً لكنها بالنسبة للمخلوق نقص، ومثال ذلك: صفة الذرية: فالذي له أولاد تعتبر هذه الصفة كمال بالنسبة له؛ ولهذا يعيبون الذي لا أولاد له، لكن هذه لا يمكن أن تثبت لله؛ لأنها تضمنت الحاجة إلى الغير، والله عز وجل لا يحتاج إلى غيره سبحانه وتعالى، وحينئذٍ هذه تكون صفة كمال بالنسبة للمخلوق، ولا تكون صفة كمال بالنسبة إلى الخالق، هذا هو الضابط في مسألة الصفة التي تكون كمالاً لا نقص فيها بوجه من الوجوه.

حكم إطلاق اسم الكامل على الله عز وجل

حكم إطلاق اسم الكامل على الله عز وجل المسألة الثانية: إذا كان الكمال ثابتاً لله سبحانه وتعالى، فهل يصح أن نطلق على الله عز وجل اسم (الكامل) أو لا يصح؟ والجواب على هذه المسألة أن نقول: إنه يصح أن نطلق على الله عز وجل (الكامل) إذا كان على سبيل الخبر، ولا يصح أن نطلقه على الله عز وجل إذا كان على سبيل الاسم، فلا يصح أن يقال: إن الله اسمه (الكامل): لكن لا شك أن الكمال صفة من صفاته، ولا شك أنه يخبر عن الله عز وجل بأنه كامل، لكنه لم يسم نفسه بهذا الاسم، ولهذا لا يصح أن يسمي إنسان نفسه: (عبد الكامل) مثلاً. وهذه المسألة ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى والرسائل (5/ 41).

الأسئلة

الأسئلة

حكم إطلاق كلمة (فلسفة) على بعض المصطلحات الشرعية

حكم إطلاق كلمة (فلسفة) على بعض المصطلحات الشرعية Q هل يجوز للإنسان أن يطلق كلمة (فلسفة) على بعض المصطلحات الشرعية، كأن يقول القائل: فلسفة الإسلام في الخير والشر؟ A لا يصح أن يقول الإنسان: فلسفة الخير والشر، أو فلسفة الإسلام، أو الفلسفة الإسلامية؛ لأن الفلسفة هي عقيدة وفكر نشأ عند اليونان، وطوروه، وهو يشتمل على كثير من العقائد الكفرية؛ لأن اليونان كما تعلمون أمة وثنية لا تعرف الدين، ولا تعرف الرسل، ولا تعرف نور الوحي، وحينئذٍ فكلمة (فلسفة) هي كلمة نشأت وترعرعت عند اليونانيين، وهي كلمة ليست عربية، وكانوا يسمون المحب للحكمة (فيلسوف) أو (فيلاسوف) وهي مكونة من فقرتين: (فيلا) و (سوف) يعني: محب الحكمة، (فيلا) يعني: الحكمة، و (سوف) معناه: المحب، أو عاشق، يعني: عاشق الحكمة؛ لأنهم كانوا يجتمعون ويفكرون: ماذا وراء هذا الكون؟ ولا وعي عندهم ولا دين يضبطهم، وكانوا يعبدون الأوثان، لكنهم يشتغلون بالكلام عما وراء الطبيعة ويسمونه (الميتا فيزيقيا) ويتكلمون عن الأخلاق، ويتكلمون عن أحوال الناس، ويتكلمون عن خصائص المادة التي فيما بعد أصبحت تسمى بـ (الكيمياء) ونحوها. الشاهد في الموضوع أنه لا يصح أن يقال عن المصطلحات الشرعية: إنها فلسفة؛ لأن هذه الكلمة نشأت وترعرعت عند اليونان، وإن كان كثير ممن يطلقها لا يقصد الفلسفة القديمة، وإنما يقصد التفكير، يعني: بعض من يستخدم كلمة (فلسفة) للتفكير، لكن الأولى هو ألا تستخدم هذه الكلمة مطلقاً.

مشروعية الدعاء بصفات الله عز وجل

مشروعية الدعاء بصفات الله عز وجل Q هل يجوز الدعاء بصفة من صفات الله تعالى؟ A يجوز أن يدعو الإنسان بصفة من صفات الله، مثل أن يقول: (اللهم يا منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم) كما قال صلى الله عليه وسلم، وهذه كلها صفات وليست أسماء.

حرمة الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله

حرمة الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله Q يقول بعض الناس حين يحصل له شيء: يا جبريل، فهل يجوز هذا؟ A هذه من الألفاظ التي اعتادها كثير من أهل البوادي، فهم يستغيثون بجبريل، وهذه استغاثة شركية؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يستغيث بغير الله عز وجل فيما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى، فهي لفظة غير مناسبة وهي شركية كما سبق أن بينا.

حقيقة وجود فرقة الجهمية في وقتنا الحاضر وغيرها من الفرق المنحرفة

حقيقة وجود فرقة الجهمية في وقتنا الحاضر وغيرها من الفرق المنحرفة Q هل هناك فرقة الآن في الأرض تتبنى عقائد الجهمية النافية للأسماء والصفات؟ A ربما لا توجد فرقة تتبناها بنفس طريقة الجهمية، لكن يوجد هناك فرق مثل: الشيعة فهم ينفون الصفات عن الله عز وجل، ومثل: الباطنية الإسماعيلية، فإنهم ينفون الأسماء والصفات عن الله سبحانه وتعالى، وفرقة الإسماعيلية موجودة إلى الآن. والإسماعيلية انقسمت إلى طائفتين: طائفة اسمها: البهرة، وطائفة أخرى اسمها الآغاخانية. والبهرة ما زالت موجودة الآن في جبال حراز في اليمن، وفي نجران، والآغاخانية ما زالت موجودة إلى الآن في الهند، بل ولهم مراكز كبيرة في أوروبا، ولهم مبنى كبير جداً في وسط لندن، ينشرون فيه عقائدهم الفاسدة المضلة، وهم ينفون الأسماء والصفات عن الله تعالى، وينسبون هذه الأسماء والصفات للمخلوقين، لآلهتهم وأئمتهم، فمثلاً: كريم الدين الحسيني كان إلى وقت قريب يعبد من دون الله، وكانوا في فرنسا يأتون بميزان ويضعون في كفة الميزان ذهباً ويضعونه في كفة أخرى، ثم يأخذ هذا الذهب، وتكون ضرائب على أتباعه. وهذا الحسيني هو إله الآغاخانية، سأله أحد الكتاب قال له: كيف تدعي أنك إله لهذه الطائفة من الناس وأنك معبودهم، وأنت تعلم أنك لم تخلقهم؟ فقال له: في الهند عندنا يعبدون البقر، فأنا أحسن من البقر، فاتركهم يعبدونني. أما المعتزلة فكما سبق أن ذكرت. وأما الأشاعرة والماتريدية: فما زالت إلى الآن موجودة، حيث توجد كثير من مناهج التعليم في كثير من أنحاء العالم الإسلامي تتبنى عقائد الأشاعرة، وتقرر لهم المناهج التعليمية، مثل: الأزهر مثلاً، فالأزهر مناهج العقيدة فيه على مذهب الأشاعرة، يدرسون فيه كتاب المواقف للإيجي والشرح للجرجاني، ويقررون عليهم كتاباً اسمه مقرر التوحيد، يقررون فيه عقائد الأشاعرة.

الفرق بين الأسماء والصفات

الفرق بين الأسماء والصفات Q ما الفرق بين الأسماء والصفات؟ A الاسم: هو العلم، والصفة: هي المعنى. (فالقادر) اسم، و (القدرة) صفة، و (العلم) صفة، و (العالم) اسم، و (العزيز) اسم، و (العزة) صفة وهكذا، وسبق أن ذكرنا فروقاً علمية تفصيلية، لكن بشكل عام، حتى يتصور الفرق بين الأسماء وبين الصفات.

عدم جواز التفكر في كيفية صفات الله تعالى وجواز التفكر في الفوائد المترتبة عليها

عدم جواز التفكر في كيفية صفات الله تعالى وجواز التفكر في الفوائد المترتبة عليها Q عندما أتكلم عن صفات الله عز وجل أوسوس وأتخيل -والعياذ بالله- كيفية صفات الله، ثم أقول: والله لا أنطق بها ولا أتكلم بها، فهل هذه الوسوسة تدل على ضعف الإيمان؟ وما العمل؟ A الإنسان إذا طبع في ذهنه أن الله عز وجل لا مثيل له، فلا يتخيل لصفته مثالاً، ولا يحتاج إلى تخيل؛ لأنه لا مثال لها في الواقع، وحينئذٍ يقطع الإنسان الطمع في إدراك كيفية صفات الله عز وجل؛ لأن صفات الله عز وجل لا يمكن أن ندركها نحن الآن، والله عز وجل لا تدركه الأبصار سبحانه وتعالى، وهو أعظم وأكبر من أن يدرك، وحينئذٍ لا داعي أن تشغل نفسك بالتفكير في كيفية الصفة، كأنك تفكر في مخلوق، وإنما تشغل نفسك في التفكير في آثار هذه الصفة في نفسك، وفي الفوائد المترتبة عليها، كما في قصة لقيط بن صبرة عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَرِهِ، قال: يا رسول الله أو يضحك الرب؟ قال: نعم -لم يتخيل كيف يضحك، وإنما قال-: لن نعدم من رب يضحك خيراً)، يعني: ما دام أن الله يضحك سيعطينا الخير سبحانه وتعالى، فاستفاد منها ثمرة عظيمة؛ ولهذا غضب ابن عباس عندما كان بعض التابعين إذا سمعوا بعض أسماء الله عز وجل ينتفضون، فغضب ابن عباس عليهم، وقال: (أحدكم يؤمن بمحكمه ويهلك عند متشابه) يعني: لا ينبغي للإنسان أن ينشغل بأشياء ليس له غرض فيها ولا أجر فيها، وإنما يشتغل بما يستفيده وما يعنيه.

حقيقة الرافضة والخوارج والمرجئة والقدرية والقبورية

حقيقة الرافضة والخوارج والمرجئة والقدرية والقبورية Q من هم الرافضة، والخوارج، والمرجئة، والقدرية، والقبورية؟ A الرافضة: هم الشيعة، وهم طائفة يصعب التفصيل في أخبارها وأوضاعها، ولكن عقائدهم هي أنهم يسبون الصحابة ويلعنونهم ويكفرونهم، لا سيما أبا بكر وعمر. وهؤلاء الروافض يستغيثون بالقبور ويذبحون لها وينذرون لها، ويعتقدون العصمة في أئمتهم الاثني عشر، وتسمى الطائفة الاثني عشرية في بعض الأحيان، وما زالوا يوجدون إلى الآن في إيران ويحكمون إيران، ولهم جهود ودعوة كبيرة ضالة في بقية أنحاء العالم الإسلامي وفي أوروبا. والخوارج: هم الذين يكفرون الناس بالذنوب، فيزني الزاني مثلاً ويكفرونه، ولا يفرقون بين المعاصي وبين الكفريات، وليس عندهم ضابط فيها، فيكفرون الناس بالذنوب. هؤلاء هم الخوارج: (وهم كلاب أهل النار)، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمرجئة: هؤلاء الذين أخرجوا العمل عن الإيمان، وحصروا الإيمان في مجرد التصديق القلبي فقط، وأخرجوا عمل الجوارح وعمل القلب من مسمى الإيمان، وقالوا: إن الإنسان لو ترك أعمال القلب وأعمال الجوارح بأكملها لا يكون كافراً ما دام أنه مصدق، ولهم أخبار ليس هذا مجال التفصيل فيها. والقدرية: هم الذين ينكرون القدر، وهم المعتزلة، فهم يقولون: لا قدر، وإنما الأمر أنف، يعني: حادث، وأن الله عز وجل لم يقدر الأشياء ولم يكتبها، ولم يخلق أفعال العباد، ولهم أخبار أخرى أيضاً. والقبوريون: هم الذين يعظمون القبور ويطوفون حولها، ويشتغلون بذلك.

ذكر المراجع التي ورد فيها ذكر سلمان المرشد

ذكر المراجع التي ورد فيها ذكر سلمان المرشد Q ما اسم الكتاب الذي وردت فيه قصة سلمان المرشد؟ A يمكن أن يراجع مثلاً كتاب الأعلام للزركلي، ذكر سلمان المرشد، وكتاب اسمه (إسلام بلا مذاهب) لـ مصطفى الشكعة وهذا الكتاب كتاب سيئ، وإن كان عنوانه جذاباً، لكنه مليء بالأخطاء.

صفة الحياة صفة كمال للمخلوق

صفة الحياة صفة كمال للمخلوق Q هل صفة الحياة للمخلوق صفة كمال؟ A صفة الحياة صفة كمال؛ لأن الموت نقص.

حكم إطلاق الجسم على الله تعالى

حكم إطلاق الجسم على الله تعالى Q هل لله تعالى جسم؟ A كلمة جسم لم يرد إثباتها ولا نفيها في الشرع، يعني: لم يثبت في القرآن ولا في السنة أن لله جسماً، ولم يرد في القرآن ولا في السنة أن الله ليس له جسم، فنسأل: ما معنى كلمة (جسم)؟ فإذا كان يقصد بكلمة (جسم) أنه مثل أجسام المخلوقين فهذا الكلام باطل؛ لأن الله ليس كمثله شيء، ولأن الله ليس له كفواً أحد سبحانه وتعالى، ولا يشبهه شيء. وإن كان المقصود بالجسم أن له صفات، وأن له يداً وقدماً، حتى ولو كانت مثل اسم أعضاء المخلوقات أثبتناها، ولا شك أن لله عز وجل صفات تليق بجلاله، فكلمة (جسم) يجب ألا تستخدم؛ لأنه لم ترد بإثبات ولا بنفي في الشرع، وحينئذٍ نسأل عن معناها، وأي لفظة لم ترد في القرآن ولا في السنة يسأل عن معناها، إذا كان معناها صحيحاً أثبت، وإذا كان معناها باطلاً رد، وإذا كان معناها محتملاً للحق والباطل أخذ الحق ورد الباطل، واستغني عن هذه الكلمة بما ورد في الشرع.

معنى قول السلف: المشبه يعبد وثنا والمعطل يعبد عدما

معنى قول السلف: المشبه يعبد وثناً والمعطل يعبد عدماً Q ما معنى قول السلف: المشبه يعبد وثناً والمعطل يعبد عدماً؟ A يعني: المشبه يعبد صنماً؛ لأنه شبه الله بمخلوقاته، فكأنه يتخيل أن الله مخلوق أمامه؛ لهذا كأنه يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً؛ لأنه نفى الصفات، ولم يبق شيئاً، وحينئذٍ كأنه يعبد لا شيء. هذا هو المقصود بكلام السلف.

معنى تحقيق الكمال

معنى تحقيق الكمال Q ما معنى: تحقيق الكمال؟ A يعني: إثبات الكمال لله عز وجل، هذا هو المقصود به.

إلى من تنسب فرقة الماتريدية

إلى من تنسب فرقة الماتريدية Q إلى من تنسب الماتريدية، وهل يوافقون أهل السنة في بعض أبواب العقيدة؟ A الماتريدية ينسبون إلى أبي منصور الماتريدي وهم من الأحناف، ويشبهون الأشاعرة بنسبة (95%) تقريباً، يعني: عقائد الأشاعرة وعقائد الماتريدية واحدة إلا في مسائل معدودة، ومن قلة هذه المسائل صنفت فيها كتب، مثل: كتاب لـ أبي عذبة في الفروق بين الأشاعرة والماتريدية، وجمع فروقاً تصل إلى عشرين فرقاً تقريباً، وبقية المسائل متفقون عليها. والفرق بين الأشعري والماتريدي: هو أن الماتريدي غالباً يكون حنفياً في الفروع، والأشعري يكون على غير ذلك.

العمدة في معرفة الأحاديث الصحيحة من الضعيفة وحكم الاستدلال بالضعيف في الأصول

العمدة في معرفة الأحاديث الصحيحة من الضعيفة وحكم الاستدلال بالضعيف في الأصول Q كيف تتم معرفة الأحاديث الصحيحة من الضعيفة؟ وهل يجوز الاستدلال بالحديث الضعيف في الأصول؟ A أئمة السنة كالسفيانين وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وكالإمام أحمد وعلي بن المديني ويحيى بن معين وإسحاق بن راهويه والحميدي والبخاري ومسلم والترمذي إلى آخر أولئك الأئمة، العمدة في هذا الباب على أقوالهم وعلى تقريراتهم، أما الحديث الضعيف فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أهل الحديث لا يستدلون بحديث ضعيف في أصل من الأصول، بل إما في تأييده وإما في فرع من الفروع، فأهل الحديث طريقتهم أنهم يستدلون بالحديث الضعيف في تأييد أصل من الأصول، فإذا كان الأصل ثابتاً بالكتاب والسنة، فلا بأس أن تحشد له ما جاء من الأحاديث، حتى ولو كانت ضعيفة، أو في فرع من الفروع، يعني: في مسألة فقهية يرد فيها الحديث الضعيف؛ وذلك إذا لم يكن في الباب غيره، وهذه هي طريقة الإمام أحمد وأكثر أهل الحديث؛ لأنهم يحتجون بالحديث الضعيف في الفقه إذا لم يكن في الباب غيره؛ لأن الحديث الضعيف خير من الرأي. والمقصود بالحديث الضعيف الذي يقبل أن ينجبر. أما في فضائل الأعمال فيجوز أن يستشهد فيها بالحديث الضعيف، وأن يذكر لأجل ترغيب الناس في الخير، وهذا هو المنقول عن أئمة الحديث وعن السلف، وقد روي عن سفيان وعن غيره قال: (إذا روينا في الحلال والحرام شددنا، وإذا روينا في الفضائل تساهلنا) وهذا في باب الترغيب والترهيب فالأمر فيه واسع؛ بشرط أن يكون ما حواه ذلك الحديث من الترغيب أو من الترهيب لا يناقض أصلاً، أو قاعدة أو آية أو حديثاً، والله أعلم.

الفرق بين المسابقة في عمل الخير والدعوة وبين العجلة المنهي عنها

الفرق بين المسابقة في عمل الخير والدعوة وبين العجلة المنهي عنها Q فضيلة الشيخ! تكلمت عن المسابقة مع الزمن في عمل الخير والدعوة، فلو تذكر الفرق بين ذلك وبين العجلة المنهي عنها في الدعوة؟ A المسابقة هي أن يستغل جميع الوقت في عمل الخير؛ لأنك إذا تأخرت في الإقدام على الخير فإن أهل الشر لن يتأخروا في الإقدام على الشر، والدعوة إليه، وتحبيب الباطل والشهوات إلى الناس، فإن أنت سابقتهم فصاحب الخير سابق بإذن الله. أما العجلة المنهي عنها في بعض الآيات وفي بعض الأحاديث، كقوله جل وعلا: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} [الروم:60]، وكقوله عليه الصلاة والسلام: (ولكنكم قوم تستعجلون)، هذا المراد به العجلة في حصول ما وعد الله جل وعلا به من النصر لأوليائه، والعز لأهل طاعته، والذل لأهل معصيته، فنهي العبد عن أن يستعجل قدر الله جل وعلا، أو أن يستعجل أمر الله جل وعلا. الأمر الثاني مما نهي عنه في الاستعجال: أن تحمل العجلة المرء أن يرتكب منهياً عنه في الدعوة، أو أن يرتكب وسيلة من الوسائل التي لا يقرها أهل السنة والجماعة، ولا توافق ما جاءت به النصوص لأجل تحصيل الخير، فإن أهل السنة ليست عندهم الغاية تبرر الوسيلة، بل لابد أن تكون الوسيلة مشروعة حتى توصل إلى الغاية المحمودة، وإذا نظرت إلى قصص الأنبياء. فهذا نوح عليه السلام مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، وما آمن معه بعد ذلك إلا قليل، كما قال جل وعلا: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40]. قال المفسرون: إن الذي آمن مع نوح بضعة عشر ما بين رجل وامرأة، وأكثر ما قيل: إنهم كذا وسبعون ما بين رجل وامرأة، هذه حصيلة ألف سنة إلا خمسين عاماً. ليس المقصود أن تحصَّل النتائج، ولكن المقصود أن تسعى في الدعوة وفي الخير والإصلاح على نور من الله، وعلى وفق ما قرره أهل العلم، وما دلت عليه النصوص؛ حتى تكون هذه العبادة وهي الدعوة صائبة، أما إذا استعجل المرء في الإصلاح، واتخذ وسيلة غير مقرة شرعاً لأجل أن يصل إلى النتيجة بالعجلة، فإنه لو وصل لا يكون محموداً؛ لأنه اتخذ وسيلة غير مشروعة، فلابد أن تكون الوسيلة مشروعة، ولابد أن تكون الغاية محمودة، والله أعلم.

الحق واحد لا يتعدد

الحق واحد لا يتعدد Q فضيلة الشيخ! قلتم: إن الحق أنواع، فهل الحق يتعدد؟ A الحق الذي يرضاه الله جل وعلا وهو حكمه الشرعي واحد لا يتعدد في المسائل التي اختلف فيها العلماء، ليس ثم حق وحق وحق، بل الحق واحد، ومن خالف الحق إما أن يكون مخطئاً معذوراً، وإما أن يكون عاصياً. وأما الحق الذي عنيناه فهو فروع ذلك الحق، وهذا كقوله جل وعلا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153]، فوحد الصراط، وجعله صراطاً واحداً، وجعل سبل الباطل كثيرة، فقال: ((وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ)) ومع ذلك جعل الله جل وعلا لسبيل الحق سبلاً، قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. وهذه السبل في داخل الصراط يجمعها سبيل واحد وهو القرآن وهو الإسلام وهو السنة، كما فسر بذلك قوله جل وعلا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] يعني: أن الصراط المستقيم هو الإسلام وهو السنة وهو القرآن، وهذا الصراط في داخله سبل شعب، لكن ليست مخالفة لذلك الصراط وليست مبعدة عنه، بل هي فيه، فكذلك إذا قلنا: إن الحق أنواع، وإن الحق له فروع وشعب، فنريد به فروع الحق الداخلة في السبيل الواحد وفي الحق الواحد.

أقسام العلم والطرق المثلى لتحصيله

أقسام العلم والطرق المثلى لتحصيله Q من العلم ما تعلمه ضروري متعين على كل أحد فما الطريقة المثلى لتحصيله؟ A العلم قسمان: فرض عين، وفرض كفاية. فرض العين: هو الذي يجب على كل مسلم أن يتعلمه، وهو ما به تصح عباداته وتصح معاملاته، وأصل ذلك أن يتعلم التوحيد وضده، هذا فرض عين، وأن يتعلم ما تصح به صلاته من الشروط والأركان والواجبات، يتعلم هذا فترة من عمره، عند أهل العلم حتى يضبط ذلك، كذلك إذا كان له أموال يتعلم كيف يخرج الزكاة، أو كيف يحصي الزكاة، أو كيف يحسب الزكاة، وإذا كان يبيع ويشتري لابد أن يتعلم أحكام البيع الجائز وأحكام البيع غير الجائز، ويسأل أهل العلم حتى يكون على بينة فيما يأتي ويذر. هذا القسم فرض عين، فكل من احتاج في العمل أو في العبادة إلى أحكام شرعية يمارسها دائماً، فإنها تكون فرض عين عليه. من أمثل ما يطلب به ذلك في التوحيد كتاب (الأصول الثلاثة) للشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فإن ذلك الإمام نظر إلى سؤال الملكين في القبر: يسألان العبد عن ربه وعن دينه وعن نبيه صلى الله عليه وسلم. هذه الأسئلة الثلاثة سماها الشيخ محمد رحمه الله: (الأصول الثلاثة)، وأجاب عن هذه الأسئلة بالأدلة في رسالة صغيرة سماها: (الأصول الثلاثة) هي أجوبة تلك المسائل، فمن درسها وتحفظها وكانت دائماً على ذكر منه، فإنه حري بالتثبيت عند ذلك السؤال. قال العلماء: يكفي أن يتعلم المسلم أجوبة تلك المسائل في عمره مرة مع دليلها، حتى لو نسيها بعد ذلك يكون كافياً، إلا إذا أتى ردة تتخلل ذلك فإنه يجب عليه أن يعود فيتذكر ذلك حتى يدخل في الإسلام عن دليل لا عن تقليد، هذا في التوحيد. أما في أمور الصلاة والزكاة فله أيضاً رسالة سماها: (آداب المشي إلى الصلاة). انتزعها من بعض كتب الفقهاء.

التحذير من الاختلاف المؤدي إلى الفرقة بين المسلمين

التحذير من الاختلاف المؤدي إلى الفرقة بين المسلمين Q كثرت بين الشباب في هذه الأيام النقاشات والجدال وهم بين محق ومبطل؛ وذلك يعود لأسباب أهمها: اتباع الهوى، وترك منهج السلف الصالح، فإذا قيل لأحدهم: قال الله. قال رسوله. كان جوابه: هذا صحيح، ولكن، ثم بدأ يعدد حججاً عقلية لا صلة لها بالدليل، فهل من وصية لهذا الصنف من الشباب؟ A الوصية وصيتان: وصية لهذا الصنف، ووصية أيضاً لغيره. أما الوصية لهذا الصنف: فقد بينت في أثناء المحاضرة أن الواجب على العبد أن يكون مخلصاً لله جل وعلا، مبتعداً عن الهوى وعن أسبابه، وأهل الدين وأهل الخير كل واحد منهم يريد صلاح قلبه ونفسه وصلاح من حوله، ولابد أن يحاسب المرء نفسه في أن يكون الدليل وقول أئمة أهل السنة وأئمة الإسلام وعلماء السنة أن يكون قولهم محكماً، وألا يذهب إلى آراء وأفكار ليست مقرة عند أولئك الأئمة، وليست معروفة عند أهل السنة، فيما كتبوا في عقائدهم وأقوالهم. والواجب على هؤلاء أن يتقوا الله جل وجلاله، وأن يسعوا في تطبيق السنة على أنفسهم قولاً وعملاً، وأن يتبعوا ما قال الله جل جلاله، وما قاله رسوله صلى الله عليه وسلم، وألا يكون في القلب حرج مما جاء من الكتاب والسنة، فإن الصحابة رضوان الله عليهم لما عاهد النبي صلى الله عليه وسلم قريشاً عشر سنوات في الصلح المعروف بصلح الحديبية كان كثير من الصحابة يرون أن الخير في قتالهم، وأن جهاد أولئك المشركين وغزو مكة وفتح مكة أنه خير، فالنبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم ما أعطاهم حتى قال عمر: (يا رسول الله، ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى، قال: فعلامَ نقبل الدنية في ديننا)، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما فعل ما أمره الله جل وعلا به، فكانت عاقبة اتباع أمر الله جل وعلا وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وطاعة الله وطاعة رسوله أن كان ذلك الصلح الذي كان ظاهره ضد المسلمين وضد الصحابة، أن كان ذلك الصلح فتحاً مبيناً، فقد أنزل الله جل وعلا فيه آيات عظيمات، فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:1]؛ وذلك الفتح هو صلح الحديبية؛ لأن الله جل وعلا جعل ذلك الصلح فيه من الخيرات والفتح للمسلمين ما تقووا به، فانتشرت به الدعوة، وتبعه فتح خيبر، وتبعه انتشار الإسلام وقوة أهل الإسلام على من عداهم، فكان فيه أنواع من الخير والفلاح. إذاً: طاعة الله ورسوله فيها الخير والصلاح؛ فإذا ترك العبد هواه وما يشتهي وترك الآراء التي تعتاد ذهنه أو قلبه إلى ما دلت عليه النصوص على فهم الصحابة، وعلى فهم أئمة الإسلام، فإن ذلك عاقبته إلى الخير، ولا بد من الاتباع وترك الابتداع. الوصية الثانية: أنه يجب على المسلمين، وخاصة الذين يهتمون بهذه الأمور أمور الخلافات أن يمتثلوا الوصية العامة في الائتلاف وعدم الاختلاف، وألا يجعلوا للشيطان عليهم مدخلاً، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرهم في الصلاة بتسوية الصفوف وقال: (لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم). وقال أيضاً: (لينوا بأيدي إخوانكم)، وهذا هو الواجب أن المسلم يتعاون مع إخوانه على البر والتقوى، وألا يتعاون معهم على الإثم والعدوان، وألا يعتقد أنه هو المفضل على غيره، بل يحاسب نفسه ويتمنى أن يكون غيره مهتدياً، كما أن الله جل وعلا هداه، وكل يحب لأخيه ما يحب لنفسه، والواجب على الناس الائتلاف وعدم الاختلاف، فالله جل وعلا منّ علينا بالائتلاف والمحبة، ومنّ علينا بأنه لا مشاحنات ولا تحزبات ولا فئات فيما بيننا وهذه نعمة عظيمة، وتحصل النزاعات ويحصل الافتراق إذا فرط العباد في أمر الله جل جلاله، كما قال الله جل وعلا: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:14]. فقوله: ((وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ)) يعني: أن يتبعوا العلم وأن يتركوا الهوى وأن يتبعوا ما جاءهم وما أخذ عليهم من الميثاق والعهد، ((فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ)) يعني: تركوا بعض ما ذكروا به، تركوا نصيباً مما أمروا به ومما نهوا عنه، فكانت العاقبة أن عاقبهم الله جل وعلا بالفرقة فيما بينهم، قال سبحانه: ((فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)). وقد قال ابن شهاب الزهري وغيره: إنما تفرقت اليهود والنصارى من قبل الآراء والأهواء، فالآراء والأهواء هي التي تفرق، واعتماد الدليل واتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه جل وعلا هو الذي يجمع الناس ويؤلف بين قلوبهم، قال عز وجل: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَت

§1/1