شرح القواعد الفقهية

أحمد الزرقا

القاعدة الأولى

(الْقَاعِدَة الأولى (الْمَادَّة / 2)) (" الْأُمُور بمقاصدها ") (أَولا _ الشَّرْح) الْأُمُور جمع أَمر، وَهُوَ: لفظ عَام للأفعال والأقوال كلهَا، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {إِلَيْهِ يرجع الْأَمر كُله} ، {قل إِن الْأَمر كُله لله} ، {وَمَا أَمر فِرْعَوْن برشيد} ، أَي مَا هُوَ عَلَيْهِ من قَول أَو فعل. (ر: مُفْرَدَات الرَّاغِب) . ثمَّ إِن الْكَلَام على تَقْدِير مُقْتَضى، أَي: أَحْكَام الْأُمُور بمقاصدها، لِأَن علم الْفِقْه إِنَّمَا يبْحَث عَن أَحْكَام الْأَشْيَاء لَا عَن ذواتها، وَلذَا فسرت الْمجلة الْقَاعِدَة بقولِهَا: " يَعْنِي أَن الحكم الَّذِي يَتَرَتَّب على أَمر يكون على مُقْتَضى مَا هُوَ الْمَقْصُود من ذَلِك الْأَمر ". أصل هَذِه الْقَاعِدَة فِيمَا يظْهر قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ ". (ثَانِيًا _ التطبيق) إِن هَذِه الْقَاعِدَة تجْرِي فِي كثير من الْأَبْوَاب الْفِقْهِيَّة مثل: (1) الْمُعَاوَضَات والتمليكات الْمَالِيَّة. (2) وَالْإِبْرَاء. (3) وتجري فِي الوكالات. (4) وإحراز الْمُبَاحَات. (5) والضمانات والأمانات. (6) والعقوبات. 1 - أما الْمُعَاوَضَات والتمليكات الْمَالِيَّة: فكالبيع وَالشِّرَاء وَالْإِجَارَة وَالصُّلْح وَالْهِبَة، فَإِنَّهَا كلهَا عِنْد إِطْلَاقهَا _ أَي إِذا لم يقْتَرن بهَا مَا يقْصد بِهِ إخْرَاجهَا عَن إِفَادَة مَا وضعت لَهُ _ تفِيد حكمهَا، وَهُوَ الْأَثر الْمُتَرَتب عَلَيْهَا من التَّمْلِيك والتملك

لَكِن إِذا اقْترن بهَا مَا يُخرجهَا عَن إِفَادَة هَذَا الحكم، وَذَلِكَ كإرادة النِّكَاح بهَا وكالهزل والاستهزاء والمواضعة والتلجئة، فَإِنَّهُ يسلبها إِفَادَة حكمهَا الْمَذْكُور، فَإِنَّهُ إِذا أُرِيد بهَا النِّكَاح كَانَت نِكَاحا. وَلَكِن يشْتَرط فِي الْإِجَارَة وَالصُّلْح أَن تكون الْمَرْأَة بَدَلا ليَكُون نِكَاحا، فَلَو كَانَت فِي الْإِجَارَة معقوداً عَلَيْهَا لَا تكون نِكَاحا، وَفِي الصُّلْح لَو كَانَت مصالحاً عَنْهَا بِأَن ادّعى عَلَيْهَا النِّكَاح فأنكرت ثمَّ صالحت الْمُدَّعِي على مَال دَفعته لَهُ ليكف صَحَّ وَكَانَ خلعاً. (ر: الدُّرَر وحاشيته، من كتاب النِّكَاح وَمن كتاب الصُّلْح) . وَكَذَلِكَ لَو بَاعَ إِنْسَان أَو شرى وَهُوَ هازل، فَإِنَّهُ لَا يَتَرَتَّب على عقده تمْلِيك وَلَا تملك. 2 - وَأما الْإِبْرَاء: فَكَمَا لَو قَالَ الطَّالِب للْكَفِيل، أَو قَالَ الْمحَال للمحتال عَلَيْهِ: بَرِئت من المَال الَّذِي كفلت بِهِ، أَو المَال الَّذِي أحلّت بِهِ عَلَيْك، أَو قَالَ: بَرِئت إِلَيّ مِنْهُ، وَكَانَ الطّلب أَو الْمحَال حَاضرا، فَإِنَّهُ يرجع إِلَيْهِ فِي الْبَيَان لما قَصده من هَذَا اللَّفْظ، فَإِن كَانَ قصد بَرَاءَة الْقَبْض والاستيفاء مِنْهُ كَانَ للْكَفِيل أَن يرجع على الْمَكْفُول عَنهُ لَو الْكفَالَة بِالْأَمر، وَكَانَ للمحال عَلَيْهِ أَن يرجع على الْمُحِيل لَو لم يكن للْمُحِيل دين عَلَيْهِ. وَإِن كَانَ قصد من ذَلِك بَرَاءَة الْإِسْقَاط فَلَا رُجُوع لوَاحِد مِنْهُمَا. أما إِذا كَانَ الطَّالِب أَو الْمحَال غير حَاضر فَفِي (بَرِئت إِلَيّ) لَا نزاع فِي أَنه يحمل على بَرَاءَة الِاسْتِيفَاء، وَكَذَلِكَ فِي بَرِئت، عِنْد أبي يُوسُف فَإِنَّهُ جعله كَالْأولِ، وَهُوَ الْمُرَجح، (ر: تنوير الْأَبْصَار وَشَرحه الدّرّ الْمُخْتَار، كتاب الْكفَالَة، بحث كَفَالَة المَال) . 3 - وَأما الوكالات، فَمِنْهَا: مَا لَو وكل إِنْسَان غَيره بشرَاء فرس معِين أَو نَحوه فَاشْترى الْوَكِيل فرسا فَفِيهِ تَفْصِيل: إِن كَانَ نوى شِرَاءَهُ للْمُوكل أَو أضَاف العقد إِلَى دَرَاهِم الْمُوكل يَقع الشِّرَاء للْمُوكل، وَإِن نوى الشِّرَاء لنَفسِهِ أَو أضَاف العقد إِلَى دَرَاهِم نَفسه يَقع الشِّرَاء لنَفسِهِ. وَكَذَا لَو أضَاف العقد إِلَى

دَرَاهِم مُطلقَة فَإِنَّهُ إِذا نوى بهَا دَرَاهِم الْمُوكل يَقع الشِّرَاء للْمُوكل وَإِن نوى بهَا دَرَاهِم نَفسه يَقع لنَفسِهِ، وَإِن تكاذبا فِي النِّيَّة يحكم النَّقْد فَيحكم بالفرس لمن وَقع نقد الثّمن من مَاله، لِأَن فِي النَّقْد من أحد الْمَالَيْنِ دلَالَة ظَاهِرَة على أَنه أُرِيد الشِّرَاء لصَاحبه (وَالْمَسْأَلَة مبسوطة فِي فصل الْوكَالَة بِالشِّرَاءِ من الْهِدَايَة) . 4 - وَأما الإحرازات، وَهِي: استملاك الْأَشْيَاء الْمُبَاحَة، فَإِن النِّيَّة وَالْقَصْد شَرط فِي إفادتها الْملك، فَلَو وضع إِنْسَان وعَاء فِي مَكَان فَاجْتمع فِيهِ مَاء الْمَطَر ينظر: فَإِن كَانَ وَضعه خصيصاً لجمع المَاء يكون مَا اجْتمع فِيهِ ملكه، وَإِن وَضعه بِغَيْر هَذَا الْقَصْد فَمَا اجْتمع فِيهِ لَا يكون ملكه، وَلغيره حينئذٍ أَن يَتَمَلَّكهُ بِالْأَخْذِ، لِأَن الحكم لَا يُضَاف إِلَى السَّبَب الصَّالح إِلَّا بِالْقَصْدِ. (ر: رد الْمُحْتَار، كتاب الْبيُوع، متفرقات، عِنْد قَول الْمَتْن: وَلَو فرخ طير أَو باض _ نقلا عَن الْبَحْر) . وَكَذَلِكَ الصَّيْد، فَلَو وَقع الصَّيْد فِي شبكة إِنْسَان أَو حُفْرَة من أرضه ينظر: فَإِن كَانَ نشر الشبكة أَو حفر الحفرة لأجل الِاصْطِيَاد بهما فَإِن الصَّيْد ملكه وَلَيْسَ لأحد أَن يَأْخُذهُ، وَإِن كَانَ نشر الشبكة لتجفيفها مثلا أَو حفر الحفرة لَا لأجل الِاصْطِيَاد فَإِنَّهُ لَا يملكهُ، وَلغيره أَن يستملكه بِالْأَخْذِ. (ر: الْمجلة، مَادَّة / 1303) . 5 - وَأما الضمانات والأمانات فمسائلها كَثِيرَة: (أ) مِنْهَا اللّقطَة، فَإِن التقطها ملتقط بنية حفظهَا لمَالِكهَا كَانَت أَمَانَة لَا تضمن إِلَّا بِالتَّعَدِّي، وَإِن التقطها بنية أَخذهَا لنَفسِهِ كَانَ فِي حكم الْغَاصِب فَيضمن إِذا تلفت فِي يَده بِأَيّ صُورَة كَانَ تلفهَا، وَالْقَوْل للملتقط بِيَمِينِهِ فِي النِّيَّة لَو اخْتلفَا فِيهَا. وَكَذَا لَو التقطها ثمَّ ردهَا لمكانها، فَإِن كَانَ التقطها للتعريف لم يضمن بردهَا لمكانها سَوَاء ردهَا قبل أَن يذهب بهَا أَو بعده وَسَوَاء خَافَ بإعادتها هلاكها أَولا، وَإِن كَانَ التقطها لنَفسِهِ لَا يبرأ بإعادتها لمكانها مَا لم يردهَا لمَالِكهَا. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، أَوَائِل كتاب اللّقطَة، نقلا عَن كَافِي الْحَاكِم وَعَن نور الْعين عَن الْخَانِية) .

(ب) وَمِنْهَا الْوَدِيعَة، فَإِن الْمُودع إِذا استعملها ثمَّ تَركهَا بنية الْعود إِلَى اسْتِعْمَالهَا لَا يبرأ عَن ضَمَانهَا لِأَن تعديه باقٍ، وَإِن كَانَ تَركهَا بنية عدم الْعود إِلَى اسْتِعْمَالهَا يبرأ وَلَكِن لَا يصدق فِي ذَلِك إِلَّا بِبَيِّنَة، لِأَنَّهُ أقرّ بِمُوجب الضَّمَان ثمَّ ادّعى الْبَرَاءَة. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ، صفحة / 144) . وَهَذَا إِذا كَانَ تعديه عَلَيْهَا بِغَيْر الحجز أَو الْمَنْع عَن الْمَالِك، فَإِن كَانَ بِأحد هذَيْن فَإِنَّهُ لَا يبرأ عَن الضَّمَان إِلَّا بِالرَّدِّ على الْمَالِك وَإِن أَزَال تعديه بالاعتراف بهَا. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ، بحث مَا يصدق فِيهِ الْمُودع، صفحة / 145) . وَكَذَلِكَ كل أَمِين من قبل الْمَالِك إِذا تعدى ثمَّ أَزَال التَّعَدِّي بنيته أَنه لَا يعود إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يبرأ عَن الضَّمَان، فَلَو لم يكن مسلطاً من قبل الْمَالِك أصلا، كَمَا فِي مَسْأَلَة الْمُلْتَقط الْآتِيَة عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ بحثا، أَو كَانَ مسلطاً فِي مُدَّة مُؤَقَّتَة وانتهت ثمَّ تعدى ثمَّ أَزَال تعديه وَعَاد إِلَى الْحِفْظ لَا يبرأ. قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَو كَانَ مَأْمُورا بِحِفْظ شهر فَمضى شهر ثمَّ اسْتعْمل الْوَدِيعَة ثمَّ ترك الِاسْتِعْمَال وَعَاد إِلَى الْحِفْظ لَا يبرأ، إِذْ عَاد وَأمر الْحِفْظ غير قَائِم. (ر: الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ مِنْهُ، بحث ضَمَان الْمُودع بِالدفع، صفحة / 145) . (ج) وَمن قبيل فرع الْوَدِيعَة الْمَذْكُور مَا جَاءَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَكيل بِالْبيعِ لَو خَالف بِأَن اسْتَعْملهُ أَو دفع الثَّوْب إِلَى قصار لقصره حَتَّى صَار ضَامِنا، فَلَو عَاد إِلَى الْوِفَاق يبرأ كمودع، وَالْوكَالَة بَاقِيَة فِي بَيْعه. (ر: الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ مِنْهُ، بحث ضَمَان الْمَأْمُور والدلال، صفحة / 142 - 145 /، وَمثله فِي معِين الْحُكَّام، الْبَاب السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ، فصل التَّسَبُّب وَالدّلَالَة) . واستثنوا من الْأُمَنَاء: (1) الْمُسْتَعِير لأجل الِانْتِفَاع، (2) وَالْمُسْتَأْجر، (3) وَمثلهمَا الْأَجِير، لَو خَالف ثمَّ عَاد إِلَى الْوِفَاق لَا يبرأ. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ، بحث إجَازَة الدَّوَابّ، صفحة / 164) . فَإِنَّهُمَا إِذا تَعَديا على الْعين المستعارة أَو الْمُسْتَأْجرَة ثمَّ تركا التَّعَدِّي بنية عدم الْعود إِلَيْهِ

لَا يبرآن عَن الضَّمَان إِلَّا بِالرَّدِّ على الْمَالِك. (4) وَيُزَاد رَابِع لَهَا (ذكره صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ بحثا فِي الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ مِنْهُ حَيْثُ قَالَ _ بعد أَن رمز لفتاوى القَاضِي ظهير وللواقعات _) : أَخذ لقطَة ثمَّ ضَاعَت مِنْهُ فَوَجَدَهَا فِي يَد آخر فَلَا خُصُومَة بَينهمَا، بِخِلَاف الْوَدِيعَة، وَالْفرق بَينهمَا أَن للثَّانِي ولَايَة أَخذ اللّقطَة كَالْأولِ بِخِلَاف الْوَدِيعَة. ثمَّ قَالَ عقبه: " أَقُول: دلّ هَذَا على أَنه لَو تعدى ثمَّ أَزَال التَّعَدِّي ثمَّ هَلَكت يضمن، لِأَن يَده لَيست بيد مَالك لما مر من عدم الْخُصُومَة، فبتعديه ظهر أَنه غَاصِب فَلَا يبرأ إِلَّا بِمَا يبرأ بِهِ الْغَاصِب ". وَلَكِن لم يظْهر لي مَا بَحثه من أَن الْمُلْتَقط يضمن إِذا هَلَكت بعد أَن تعدى ثمَّ أَزَال التَّعَدِّي، بل ظهر لي خِلَافه وَذَلِكَ أَن الِالْتِقَاط بِقصد الرَّد على الْمَالِك مَنْدُوب إِلَيْهِ عِنْد عدم الْخَوْف على اللّقطَة، وواجب عِنْد الْخَوْف عَلَيْهَا، وَمَا ذَلِك إِلَّا للْإِذْن بِهِ من الْمَالِك دلَالَة، وَالْإِذْن من الْمَالِك دلَالَة، كالإذن الصَّرِيح، يَنْفِي الضَّمَان كَمَا قَالُوا فِيمَا لَو ذبح الرَّاعِي الْبَعِير فِي المرعى بعد أَن مرض مَرضا لَا ترجى مَعَه حَيَاته فَإِنَّهُ لَا يضمن، لِأَن الْإِذْن من الْمَالِك يذبحه وَالْحَالة هَذِه حَاصِل عَادَة. فَإِذا كَانَ الِالْتِقَاط للْمَالِك كَانَ الْإِذْن للملتقط بِوَضْع يَده حَاصِلا من الْمَالِك دلَالَة، وَلذَا كَانَ مَنْدُوبًا إِلَيْهِ وواجباً شرعا، فَتكون يَده يدا مَأْذُونا فِيهَا، وَإِذا كَانَت مَأْذُونا فِيهَا فَهِيَ يَد نائبة عَن يَد الْمَالِك، فَإِذا تعدى ثمَّ أَزَال التَّعَدِّي لَا يبْقى غَاصبا بل تعود يَد النِّيَابَة عَن الْمَالِك فَإِذا هَلَكت بعد ذَلِك لَا يضمن. وَمَا نَقله عَن فَتَاوَى القَاضِي ظهير الدّين والواقعات من نفس الْخُصُومَة بَين الْمُلْتَقط الأول وَالثَّانِي لَيْسَ مُعَللا بِأَن يَد الأول لَيست يَد الْمَالِك، كَمَا قَالَ، حَتَّى ينْتج الْمَطْلُوب، بل هُوَ مُعَلل كَمَا ترى بِأَن للثَّانِي ولَايَة الْأَخْذ كَالْأولِ إِذْ إِن أَخذ الثَّانِي، كأخذ الأول، مَأْذُون فِيهِ دلَالَة، فَتكون يَده يَد نِيَابَة كَذَلِك فَلَا يتَرَجَّح الأول عَلَيْهِ، على أَنه نقل فِي الدّرّ الْمُخْتَار فِي كتاب اللّقطَة، عَن السراج، أَن الصَّحِيح أَن الْمُلْتَقط الأول لَهُ أَن يُخَاصم الْمُلْتَقط الثَّانِي فِي اللّقطَة ويأخذها مِنْهُ

وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَن ذَلِك عَام فِي كل أَمِين كَانَت يَده لَيست يَد استحفاظ من الْمَالِك، كوارث الْمُودع وَمن أَلْقَت الرّيح ثوبا فِي دَاره وَنَحْوهمَا. أما لَو كَانَ الْمُسْتَعِير غير مستعير لينْتَفع بل ليرهن الْعين المعارة، وَهُوَ الْمُسَمّى بالمستعير للرَّهْن، فَإِن حكمه كَسَائِر الْأُمَنَاء، فَإِذا تعدى على الْعين المعارة وَهِي فِي يَده، أَي قبل أَن يرهنها أَو بَعْدَمَا افتكها، ثمَّ أَزَال التَّعَدِّي يبرأ عَن الضَّمَان. وَالْفرق بَين الْمُسْتَعِير لعمل نَفسه وَالْمُسْتَأْجر وَبَين الْمُودع وَمن بِمَعْنَاهُ كالمستعير للرَّهْن، أَن الْمُسْتَعِير الْمَذْكُور أَو الْمُسْتَأْجر عَامل لنَفسِهِ فَكَانَت يَده على الْعين يَد نَفسه لَا يَد مَالِكهَا، فَبعد إِزَالَة التَّعَدِّي وَالْعود إِلَى الْوِفَاق تبقى يَده فَلَا يُمكن أَن يعْتَبر ردا على الْمَالِك لَا حَقِيقَة وَلَا حكما، بِخِلَاف الْمُودع وَمن بِمَعْنَاهُ فَإِن يَده على الْعين كيد مَالِكهَا فبالعود إِلَى الْوِفَاق تظهر يَد الْمَالِك فَيصير راداً عَلَيْهِ حكما فَيبرأ عَن الضَّمَان. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الْوَدِيعَة، وَكتاب الرَّهْن بَاب التَّصَرُّف فِي الرَّهْن وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ) . تَنْبِيه: أطلق فِي بعض الْكتب ضَمَان الْمُسْتَعِير وَالْمُسْتَأْجر فِيمَا إِذا تَعَديا ثمَّ أزالا التَّعَدِّي، وَلم يفصل بَين مَا إِذا كَانَت انْتَهَت الْإِعَارَة وَالْإِجَارَة أَو لم تكن انْتَهَت، وَنقل فِي الْفَصْل الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ من نور الْعين عَن الْهِدَايَة تَرْجِيحه بعلامة الْأَصَح. وَبَعْضهمْ فصل بَين مَا إِذا كَانَت انْتَهَت الْإِعَارَة وَالْإِجَارَة فَلَا يبرأ إِلَّا بِالرَّدِّ على الْمَالِك، وَبَين مَا إِذا كَانَت لم تَنْتَهِ فَيبرأ بِالْعودِ، وَنقل أَيْضا فِي نور الْعين عَن الْكَافِي تَرْجِيحه بعلامة الْأَصَح. لكنه نقل فِي الْمحل الْمَذْكُور. قبل ذَلِك بأسطر، أَن القَوْل بضمانها مُطلقًا من غير تَفْصِيل عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَكَذَلِكَ حكى فِي الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ من جَامع الْفُصُولَيْنِ، من بحث رد الْعَارِية وَمَا يتَعَلَّق بِهِ، أَن الْفَتْوَى على أَنه لَا يبرأ بِالْعودِ إِلَى الْوِفَاق. 6 - وَأما الْعُقُوبَات: فكالقصاص: فَإِنَّهُ يتَوَقَّف على أَن يقْصد الْقَاتِل

ثالثا المستثنى

الْقَتْل، لَكِن الْآلَة المفرقة للأجزاء تُقَام مقَام قصد الْقَتْل، لِأَن هَذَا الْقَصْد مِمَّا لَا يُوقف عَلَيْهِ، وَدَلِيل الشَّيْء فِي الْأُمُور الْبَاطِنَة يُقَام مقَامه، ويتوقف على أَن يقْصد قتل نفس الْمَقْتُول لَا غَيره. فَلَو لم يقْصد الْقَتْل أصلا، أَو قصد الْقَتْل وَلَكِن أَرَادَ غير الْمَقْتُول فَأصَاب الْمَقْتُول، فَإِنَّهُ لَا يقْتَصّ مِنْهُ فِي شَيْء من ذَلِك بل تجب الدِّيَة، سَوَاء كَانَ مَا قَصده مُبَاحا، كَمَا لَو أَرَادَ قتل صيد أَو إِنْسَان مُبَاح الدَّم فَأصَاب آخر مُحْتَرم الدَّم، أَو كَانَ مَا قَصده مَحْظُورًا، كَمَا لَو أَرَادَ قتل شخص مُحْتَرم الدَّم فَأصَاب آخر مثله. (ثَالِثا: الْمُسْتَثْنى) (تَنْبِيه) : إِن هَذِه الْقَاعِدَة لَا تجْرِي بَين أَمريْن مباحين لَا تخْتَلف بِالْقَصْدِ صفتهما، كَمَا لَو وَقع الْخلاف فِي كَون البيع صدر هزلا أَو مواضعة مثلا، لِأَن اخْتِلَاف الْقَصْد بَين الْهزْل والمواضعة لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ ثَمَرَة، إِذْ كل مِنْهُمَا لَا يُفِيد تَمْلِيكًا وَلَا تملكاً. بل تجْرِي بَين مباحين تخْتَلف صفتهما بِالْقَصْدِ، كَمَا لَو دَار الْأَمر بَين البيع المُرَاد حكمه وَبَين بيع الْمُوَاضَعَة وَنَحْوه كَمَا تقدم. وتجري بَين مُبَاح ومحظور، كَمَا فِي فرع اللّقطَة الْمُتَقَدّم فَإِن التقاطها بنية حفظهَا لمَالِكهَا مُبَاح، وبنية أَخذهَا لنَفسِهِ مَحْظُور، كَمَا فِي مَسْأَلَة الْمُودع إِذا لبس ثوب الْوَدِيعَة ثمَّ نَزعه فَإِن عدم الْعود إِلَى لبسه مَطْلُوب وَالْعود إِلَيْهِ مَحْظُور. وَبِذَلِك يَتَّضِح أَن مَا قَالَه بعض شرَّاح الْمجلة من أَن الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة لَا تجْرِي إِلَّا فِي الْمُبَاحَات غير ظَاهر.

القاعدة الثانية

(الْقَاعِدَة الثَّانِيَة (الْمَادَّة / 3)) (" الْعبْرَة فِي الْعُقُود للمقاصد والمعاني، لَا للألفاظ والمباني ") (أَولا _ الشَّرْح) [" الْعبْرَة فِي الْعُقُود للمقاصد والمعاني لَا للألفاظ والمباني "] كَمَا فِي الْبَاب الموفي أَرْبَعِينَ من معِين الْحُكَّام، لَكِن بِلَفْظ فِي التَّصَرُّفَات بدل الْعُقُود، وَهُوَ أَعم من التَّعْبِير بِالْعُقُودِ، فَيشْمَل الدَّعَاوَى كَمَا سَيَأْتِي عَن أصُول الْكَرْخِي: " وَلذَا يجْرِي حكم الرَّهْن فِي بيع الْوَفَاء ". هَذِه الْقَاعِدَة بِالنِّسْبَةِ للَّتِي قبلهَا كالجزئي من الْكُلِّي، فَتلك عَامَّة وَهَذِه خَاصَّة فتصلح أَن تكون فرعا مِنْهَا. وَالْمرَاد بالمقاصد والمعاني: مَا يَشْمَل الْمَقَاصِد الَّتِي تعينها الْقَرَائِن اللفظية الَّتِي تُوجد فِي عقد فتكسبه حكم عقد آخر كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبا فِي انْعِقَاد الْكفَالَة بِلَفْظ الْحِوَالَة، وانعقاد الْحِوَالَة بِلَفْظ الْكفَالَة، إِذا اشْترط فِيهَا بَرَاءَة الْمَدْيُون عَن الْمُطَالبَة، أَو عدم بَرَاءَته. وَمَا يَشْمَل الْمَقَاصِد الْعُرْفِيَّة المرادة للنَّاس فِي اصْطِلَاح تخاطبهم، فَإِنَّهَا مُعْتَبرَة فِي تعْيين جِهَة الْعُقُود، فقد صرح الْفُقَهَاء بِأَنَّهُ يحمل كَلَام كل إِنْسَان على لغته وعرفه وَإِن خَالَفت لُغَة الشَّرْع وعرفه: (ر: رد الْمُحْتَار، من الْوَقْف عِنْد الْكَلَام على قَوْلهم: وَشرط الْوَاقِف كنص الشَّارِع) . وَمن هَذَا الْقسم مَا ذَكرُوهُ من انْعِقَاد بعض الْعُقُود بِأَلْفَاظ غير الْأَلْفَاظ الْمَوْضُوعَة لَهَا مِمَّا يُفِيد معنى تِلْكَ الْعُقُود فِي الْعرف، كانعقاد البيع وَالشِّرَاء بِلَفْظ

ثانيا التطبيق

الْأَخْذ والإعطاء. (ر: مَادَّة / 169 و 172 / من الْمجلة) ، وَكَذَا انْعِقَاد شِرَاء الثِّمَار على الْأَشْجَار بِلَفْظ " الضَّمَان " فِي عرفنَا الْحَاضِر. (ثَانِيًا _ التطبيق) 1 - إِن جَرَيَان حكم الرَّهْن فِي بيع الْوَفَاء لَيْسَ فِي جَمِيع الْأَحْكَام بل فِي بَعْضهَا، وَبَيَان ذَلِك أَنه اخْتلف فِي بيع الْوَفَاء فَقيل هُوَ بيع صَحِيح، وَقيل بيع فَاسد، وَقيل هُوَ رهن. والمفتى بِهِ هُوَ القَوْل الْجَامِع، وَعَلِيهِ جرت الْمجلة فِي الْمَادَّة / 118 / وَهُوَ أَن بيع الْوَفَاء لَهُ شبه بِالْبيعِ الصَّحِيح، وَشبه بالفاسد، وَشبه بِالرَّهْنِ، وَله من كل شبه بعض أَحْكَام الْمُشبه بِهِ. وَلَا مَانع من أَن يكون للْعقد الْوَاحِد أَكثر من حكم وَاحِد بِاعْتِبَار الْمَقْصُود مِنْهُ، كَالْهِبَةِ بِشَرْط الْعِوَض كَمَا سَيَأْتِي. وكقرض القيمي، فَإِنَّهُ قرض من وَجه بِحَيْثُ يملكهُ الْمُسْتَقْرض بِالْقَبْضِ، وعارية من وَجه حَيْثُ إِنَّه يجب رد عينه على الْمقْرض كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَام على هَذِه الْمَادَّة نقلا عَن رد الْمُحْتَار أول فصل الْقَرْض. وكالمضاربة، فَإِن المَال عِنْد الْمضَارب أَمَانَة، فَإِذا تصرف فَهُوَ وَكيل، فَإِذا ربح فَهُوَ شريك، فَإِذا فَسدتْ فَهُوَ أجِير إِجَارَة فَاسِدَة، فَإِذا خَالف فَهُوَ غَاصِب. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّلَاثِينَ، صفحة / 61) . وكالاستصناع، فَإِن لَهُ شبها بِالْبيعِ، وشبهاً بِالْإِجَارَة، فَإِنَّهُ إِذا وَقع على مَا جرى فِيهِ تعامل وَلم يُؤَجل أَو أجل دون أجل السّلم على وَجه الاستعجال كَانَ لَهُ شبهان، شبه بِالْبيعِ بِخِيَار للمتبايعين حَتَّى إِن لكل مِنْهُمَا فَسخه، وَشبه بِالْإِجَارَة حَتَّى إِنَّه يبطل بِمَوْت الصَّانِع. وَثُبُوت الْخِيَار لَهما قبل الْعَمَل لَا خلاف فِيهِ عندنَا، وَأما بعد الْعَمَل فثبوته لَهما هُوَ الصَّحِيح فِي الْمَذْهَب، وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف لُزُومه بِلَا خِيَار لأحد الْمُتَعَاقدين. (ر: الْبَدَائِع، كتاب الاستصناع، والدر الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، أَوَاخِر بَاب السّلم) .

وعَلى هَذَا فَمَا جرت عَلَيْهِ الْمجلة فِي الْمَادَّة / 392 / من أَن الاستصناع ينْعَقد لَازِما لَيْسَ مذهبا لأحد من أَئِمَّتنَا، وَمَا ذكرته فِي الْمقَالة الأولى من الْمُقدمَة من أَنَّهَا جرت فِيهَا على قَول أبي يُوسُف لَيْسَ بِصَحِيح، لما سَمِعت من أَنه لَا خلاف لأحد من أَئِمَّتنَا فِي ثُبُوت الْخِيَار لكل مِنْهُمَا قبل الْعَمَل، إِنَّمَا الْخلاف بعد الْعَمَل. كَمَا إِنَّهَا جرت أَيْضا قبل ذَلِك فِي الْمَادَّة / 389 / على مَا ظَاهره بفيد صِحَة الاستصناع فِيمَا لَا تعامل فِيهِ، وَلم أره قولا لأحد فِي الْمَذْهَب، بل الْمَنْصُوص عَلَيْهِ فِي الْمُتُون أَنه لَا يَصح استصناعاً وَلَكِن إِذا استوفى شَرَائِط السّلم يكون سلما. فَأَما شبه بيع الْوَفَاء بِالْبيعِ الصَّحِيح: (أ) فَمن جِهَة أَنه لَو كَانَ بِالدّينِ كَفِيل فشرى الطَّالِب بِهِ عقار الْمَدْيُون وَفَاء بطلت الْكفَالَة ثمَّ لَا تعود لَو تفاسخا بيع الْوَفَاء. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّامِن عشر، صفحة / 247) . (ب) وَمن جِهَة أَن المُشْتَرِي لَهُ أَن ينْتَفع بِالْبيعِ وَفَاء وَيملك من زوائده مَا قَابل مُدَّة بَقَائِهِ فِي يَده بِحكم البيع، وَلَا يضمنهَا بإتلافها، حَتَّى لَو بَاعَ إِنْسَان بستاناً مثلا وَفَاء ثمَّ فسخ البيع بعد مُضِيّ بعض السّنة تقسم الْغلَّة بِالْحِصَّةِ على اثْنَي عشر شهرا، فَيَأْخُذ المُشْتَرِي حِصَّة مَا مضى سَوَاء كَانَت ظَهرت فِيهِ الْغلَّة أَو لَا، وَلَو لم يخرج الثَّمر أصلا فَلَيْسَ للْمُشْتَرِي أَن يَأْخُذ من البَائِع شَيْئا، وَلَو أدْركْت الْغلَّة وَأَخذهَا المُشْتَرِي فَلَيْسَ لَهُ نقض البيع وَطلب الثّمن حَتَّى تتمّ السّنة من وَقت البيع، إِلَّا إِذا أَرَادَ أَن يَأْخُذ من الْغلَّة نصيب مَا مضى وَيتْرك عَلَيْهِ نصيب مَا بَقِي فَلهُ ذَلِك. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّامِن عشر) . (ج) وَمن جِهَة أَنه يجوز إِجَارَته للْبَائِع بعد الْقَبْض وَتلْزَمهُ الْأُجْرَة، أما لَو آجر قبل قَبضه فقد نقل فِي الْفَصْل الثَّامِن عشر من جَامع الْفُصُولَيْنِ، عَن شيخ الْإِسْلَام برهَان الدّين وَعَن فَوَائِد بعض الْمُتَأَخِّرين وَعَن أبي الْفضل الْكرْمَانِي، أَنه يجوز، وَنقل عَن مُحِيط الديناري أَن الْأَصَح عدم الْجَوَاز وَأَنه بِهِ يُفْتى، وأدلة كل من الْقَوْلَيْنِ مبسوطة هُنَاكَ. غير أَن الْعرف جارٍ الْيَوْم على إِجَارَته من البَائِع قبل قَبضه، فَلَو أفتى مفتٍ

بِالْجَوَازِ بِنَاء على القَوْل بِهِ كَانَ حسنا، لِأَن هَذَا القَوْل لَيْسَ بضعيف لِأَنَّهُ مُقَابل للأصح فَيكون صَحِيحا، على أَن الْعرف يصلح أَن يكون مُخَصّصا شرعا فِي مثل هَذَا، كَمَا يُسْتَفَاد مِمَّا سَيَأْتِي فِي كلامنا على الْمَادَّة / 36 /. وَأما شبهه بِالْبيعِ الْفَاسِد: فَمن جِهَة أَن كلا من الْمُتَبَايعين يملك فَسخه واسترداد مَا دَفعه وَإِن لم يرض الآخر. وَأما شبهه بِالرَّهْنِ: (أ) فَمن جِهَة أَنه لَيْسَ للْبَائِع وَلَا للْمُشْتَرِي بيع مَبِيع الْوَفَاء للْغَيْر إِلَّا بِإِذن الآخر. (ب) وَأَن الْعقار الْمَبِيع بِالْوَفَاءِ لَا يُؤْخَذ بِالشُّفْعَة. (ج) وَأَنه لَو بيع عقار بجانبه فَالشُّفْعَة فِيهِ للْمَالِك وَهُوَ البَائِع، لَا للْمُشْتَرِي. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّامِن عشر) . (د) وَأَنه لَو مَاتَ البَائِع وَفَاء فَلَيْسَ لسَائِر الْغُرَمَاء التَّعَرُّض مَا لم يسْتَوْف المُشْتَرِي دينه. (هـ) وَأَن الْمَبِيع وَفَاء إِذا هلك فِي يَد المُشْتَرِي من غير تعد مِنْهُ ضمنه ضَمَان الرَّهْن، فَإِن كَانَت قِيمَته مُسَاوِيَة للدّين سقط الدّين بمقابلته، وَإِن كَانَت نَاقِصَة عَن الدّين سقط من الدّين بِقدر قِيمَته واسترد المُشْتَرِي الْبَاقِي من البَائِع، وَإِن كَانَت قِيمَته زَائِدَة على الدّين سقط مِنْهَا مِقْدَار الدّين، وَمَا زَاد من قِيمَته عَن مِقْدَار الدّين يعْتَبر أَمَانَة فِي يَد المُشْتَرِي. فَإِن كَانَ هَلَاك الْمَبِيع بتعد من المُشْتَرِي كَانَ مَا زَاد من الْقيمَة مَضْمُونا عَلَيْهِ أَيْضا. (ر: الْموَاد / 118 و 396 و 397 و 399 و 403) . وَلم أر حكم مَا لَو انْتقض بعض الْبناء أَو يبس بعض الْأَشْجَار فِي بيع الْوَفَاء، لمن يكون النَّقْض أَو الْحَطب، وَالظَّاهِر أَنَّهُمَا للْمَالِك، لِأَنَّهُ عين الْمَبِيع أَو وصف فِيهِ وَأَنه مَمْلُوك لَهُ بأجزائه وأوصافه وَلَيْسَ مَنْفَعَة من مَنَافِعه، وَيكون

للْمُشْتَرِي حق حَبسه إِلَى اسْتِيفَاء الثّمن، لِأَنَّهُ شَبيه بِالرَّهْنِ من جِهَة حق الْحَبْس عِنْد المُشْتَرِي وَحقّ الِاسْتِرْدَاد للْبَائِع عِنْد أَدَاء الثّمن. ويفترق بيع الْوَفَاء عَن الرَّهْن فِي أُمُور: (أ) مِنْهَا أَن بيع الْوَفَاء يَصح فِي الْمشَاع وَلَو كَانَ يحْتَمل الْقِسْمَة. (ب) وَأَن البَائِع وَفَاء إِذا رد للْمُشْتَرِي نصف الثّمن الَّذِي قَبضه يَنْفَسِخ البيع فِي نصف الْمَبِيع فيتمكن حِينَئِذٍ من بيع النّصْف للْغَيْر بِلَا إجَازَة المُشْتَرِي. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، بيع الْوَفَاء) . وَوَضعه الْمَسْأَلَة فِي النّصْف غير احترازي كَمَا هُوَ ظَاهر. (ج) وَأَن الْمَبِيع وَفَاء تصح إِجَارَته من البَائِع وَمن غَيره كَمَا تقدم، بِخِلَاف الرَّهْن فَإِن إِجَارَته من الرَّاهِن لَا تصح بل تكون إِعَارَة وللمرتهن اسْتِرْدَاده مِنْهُ وحبسه بِالدّينِ، وَأما إِجَارَته من غير الرَّاهِن فَإِذا بَاشَرَهَا أَحدهمَا من رَاهن أَو مُرْتَهن بِإِذن الآخر خرج بهَا عَن الرَّهْن ثمَّ لَا يعود إِلَّا بِعقد رهن جَدِيد: (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، بَاب التَّصَرُّف فِي الرَّهْن وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ) . وَإِذ خرج عَن الرَّهْن لَا يكون بدل الْإِجَارَة رهنا بدله، لِأَن الْأُجْرَة بدل الْمَنْفَعَة لَا الْعين، بِخِلَاف مَا إِذا بَاعه أَحدهمَا من رَاهن أَو مُرْتَهن بِإِذن الآخر حَيْثُ يخرج من الرَّهْن وَيكون الثّمن رهنا بدله، لِأَنَّهُ بدل الْعين. (ر: الدُّرَر، والدر الْمُخْتَار، بَاب التَّصَرُّف فِي الرَّهْن وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ) . وَالْفرق بَين إِجَارَة الْمُرْتَهن الرَّهْن للرَّاهِن وَبَين إِجَارَة أَحدهمَا من أَجْنَبِي بِإِذن الآخر _ حَيْثُ تكون الْإِجَارَة فِي الأولى عَارِية أَو وَدِيعَة لَا يخرج بهَا عَن الرَّهْن، بل يستعيده مِنْهُ ويحبسه بِالدّينِ، وَفِي الثَّانِيَة يخرج عَن الرَّهْن ثمَّ لَا يعود إِلَّا بِعقد جَدِيد _ هُوَ أَن الْإِجَارَة من الْعُقُود اللَّازِمَة، والعقود إِنَّمَا ترَاد وتقصد لأحكامها، وَحكم الْإِجَارَة ملك الْمُسْتَأْجر للِانْتِفَاع بالمأجور وَاسْتِحْقَاق الْمَالِك للأجرة، وكل من الْحكمَيْنِ مُتَوَقف على نَزعه من يَد الْمُرْتَهن وتسليمه للْمُسْتَأْجر، إِذْ بِدُونِ ذَلِك لَا يتَمَكَّن من الِانْتِفَاع وَإِذا لم يتَمَكَّن من الِانْتِفَاع لَا تجب الْأُجْرَة عَلَيْهِ.

فَحَيْثُ بَاشر الْمُرْتَهن هَذَا العقد إِلَى ثَالِث بِإِذن الْمَالِك، وَهُوَ الرَّاهِن، أَو أذن بِهِ للرَّاهِن فَفعله اسْتحق الْمُسْتَأْجر عَلَيْهِ نَزعه من يَده وَوضع يَده عَلَيْهِ بِحكم هَذَا العقد اللَّازِم، وَسقط حَقه فِي حَبسه بِالدّينِ، وَإِذا سقط لَا يعود إِلَّا بِعقد رهن جَدِيد، هَكَذَا ظهر لي فِي وَجه الْفرق، ثمَّ رَأَيْته بِهَذَا الْمَعْنى فِي مَبْسُوط السَّرخسِيّ. (ر: الْمَبْسُوط، كتاب الرَّهْن، بَاب رهن الْحَيَوَان، ج / 21 / صفحة / 108 وَغَيرهَا من الْبَاب الْمَذْكُور) . بِخِلَاف إِجَارَته من الرَّاهِن، فَإِنَّهُم صَرَّحُوا ببطلانها، وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون عين الرَّهْن ملكا لَهُ، وَالْإِنْسَان لَا يُمكن أَن يسْتَأْجر مَا هُوَ ملكه، وَإِذا بطلت كَانَ وجودهَا كَالْعدمِ فَلم يبْق إِلَّا مُجَرّد تَسْلِيم الْمُرْتَهن الرَّهْن للرَّاهِن بِوَجْه غير مُسْتَحقّ عَلَيْهِ وَلَا وَاجِب، وَهَذَا لَا يُوجب سُقُوط حَقه فِي حبس الرَّهْن فَلِذَا كَانَ لَهُ اسْتِرْدَاده مِنْهُ وإعادته إِلَى يَده بِحكم الرَّهْن. إِن هَذِه الْقَاعِدَة تجْرِي فِي كثير من الْعُقُود، غير (1) بيع الْوَفَاء، فتجري: (2، 3) بَين الْكفَالَة وَالْحوالَة، (4) وَبَين البيع وَالْهِبَة، (5) وَبَين الْهِبَة وَالْإِجَارَة، [ (6) وَبَين الْهِبَة وَالْإِقَالَة] ، (7) وَبَين الْهِبَة وَالْقِسْمَة، (8) وَبَين الْمُضَاربَة وَالْقَرْض والبضاعة، (9) وَبَين الصُّلْح وَغَيره من الْعُقُود، (10) وَبَين الْوِصَايَة وَالْوكَالَة، (11) وَبَين الْعَارِية وَالْقَرْض، (12) وَبَين الْعَارِية وَالْإِجَارَة، (13) وَبَين الْإِقَالَة وَالْبيع فِي حق غير الْمُتَبَايعين، (14) وَبَين الشُّفْعَة وَالْبيع، (15) وَبَين الْإِقْرَار وَالْبيع، وَكثير غَيرهَا. 2 - أما الْكفَالَة فَهِيَ ضم ذمَّة إِلَى ذمَّة فِي الْمُطَالبَة، فَإِذا اشْترط فِيهَا بَرَاءَة الْمَدْيُون عَن الْمُطَالبَة تعْتَبر حِوَالَة فَيشْتَرط حِينَئِذٍ فِيهَا مَا يشْتَرط فِي الْحِوَالَة، وَلَا يُطَالب الدَّائِن إِلَّا الْكَفِيل فَقَط، وَلَا يرجع على الْمَكْفُول عَنهُ إِلَّا إِذا توي المَال، أَي هلك، عِنْد الْكَفِيل، وَذَلِكَ بِأَن يجْحَد الْكفَالَة مَعَ عجز الدَّائِن عَن إِثْبَاتهَا وَيحلف عِنْد تَكْلِيف الْحَاكِم لَهُ الْيَمين، أَو يَمُوت الْكَفِيل مُفلسًا، أَو يفلسه الْحَاكِم فَحِينَئِذٍ يرجع الدَّائِن على الْمَدْيُون الْمَكْفُول. 3 - وَكَذَلِكَ الْحِوَالَة، وَهِي نقل الدّين من ذمَّة الْمُحِيل إِلَى ذمَّة الْمحَال

عَلَيْهِ، فَإِنَّهَا إِذا اشْترط فِيهَا عدم بَرَاءَة الْمُحِيل عَن الْمُطَالبَة تعْتَبر كَفَالَة، فَيشْتَرط فِيهَا مَا يشْتَرط فِي الْكفَالَة، وَيُطَالب الْمحَال كلا من الْمُحِيل والمحال عَلَيْهِ. (ر: الْمَادَّة / 148 و 149 من الْمجلة) . وَكَذَا لَو ادّعى كَفَالَة وَأقَام شَاهِدين شهد أَحدهمَا بِالْكَفَالَةِ وَشهد الآخر بالحوالة تقبل وَتثبت الْكفَالَة، لِأَنَّهَا أقل، وَهَذَانِ اللفظان جعلا كلفظة وَاحِدَة. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، آخر الْفَصْل الْحَادِي عشر) . 4 - وَأما الْهِبَة فَإِنَّهَا إِذا شَرط فِيهَا تعويض الْوَاهِب تصح وَتعْتَبر هبة ابْتِدَاء وبيعاً انْتِهَاء، فبالنظر لكَونهَا هبة يشْتَرط لصحتها شُرُوط الْهِبَة، فَلَا تصح من الصَّغِير وَلَو كَانَ الْعِوَض كثيرا. (ر: تأسيس النّظر للدبوسي) ، وَكَذَا لَا تصح من وليه وَلَو بعوض مَا. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، كتاب الْهِبَة) ، وَيجب فِيهَا التَّقَابُض فِي الْعِوَضَيْنِ، وَلَا تصح فِي مشاعٍ يحْتَمل الْقِسْمَة وَلَا فِيمَا هُوَ مُتَّصِل بِغَيْرِهِ اتِّصَال الْأَجْزَاء أَو مَشْغُول بِغَيْرِهِ، كَمَا لَو وهب الزَّرْع دون الأَرْض أَو الأَرْض دون الزَّرْع أَو الثَّمر دون الشّجر أَو الشّجر دون الثَّمر، لِأَن ذَلِك فِي معنى الْمشَاع، إِلَى غير ذَلِك من شَرَائِط الْهِبَة. وبالنظر لكَونهَا بيعا لَا يَصح الرُّجُوع فِيهَا، وَيجْرِي فِيهَا الرَّد بِالْعَيْبِ وَخيَار الرُّؤْيَة، وَتُؤْخَذ بِالشُّفْعَة. أما اشْتِرَاط كَون الْعِوَض مَعْلُوما فَفِيهِ خلاف، وَظَاهر مِثَال الْمَادَّة / 855 / من الْمجلة اشْتِرَاط علمه. وَهَذَا التَّفْصِيل فِيمَا إِذا قَالَ الْوَاهِب: وَهبتك بِشَرْط أَن تعوض كَذَا، أما لَو قَالَ: وَهبتك بِكَذَا دَرَاهِم مثلا كَانَت بيعا ابْتِدَاء وانتهاءً. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الْهِبَة) . 5 - وكما تكون هبة الْعين بِشَرْط الْعِوَض بيعا، على الْوَجْه المشروح، تكون هبة الْمَنْفَعَة بِشَرْط الْعِوَض إِجَارَة. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر لِابْنِ نجيم، كتاب الْبيُوع) . 6 - وَقد تعْتَبر الْهِبَة إِقَالَة، كَمَا لَو وهب المُشْتَرِي الْمَبِيع الْمَنْقُول من البَائِع قبل قَبضه مِنْهُ كَانَ إِقَالَة إِذا قبل البَائِع الْهِبَة، وَيسْتَرد المُشْتَرِي مِنْهُ حِينَئِذٍ الثّمن،

لِأَن تصرف المُشْتَرِي فِي الْمَنْقُول قبل قَبضه من البَائِع لَا يجوز، فَلَا يُمكن تَصْحِيح الْهِبَة، بل تعْتَبر مجَازًا عَن الْإِقَالَة. (ر: تنوير الْأَبْصَار وَشَرحه الدّرّ الْمُخْتَار، كتاب الْبيُوع، أَوَائِل بَاب التَّصَرُّف فِي الْمَبِيع وَالثمن. وَمن بَاب الْإِقَالَة فِي رد الْمُحْتَار) . وكما لَو وهب رب السّلم الْمُسلم فِيهِ من الْمُسلم إِلَيْهِ وَقبل الْهِبَة كَانَت الْهِبَة إِقَالَة. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من بَاب السّلم) لِأَن تصرف رب السّلم فِي الْمُسلم فِيهِ قبل قَبضه لَا يَصح فَكَانَ مجَازًا عَن الْإِقَالَة. وكما تكون الْهِبَة فِي معنى البيع وَالشِّرَاء قد يكون الشِّرَاء هبة، فقد قَالَ فِي الدّرّ الْمُخْتَار (فِي الْفُرُوع آخر متفرقات الْبيُوع، عَن الْمُلْتَقط) : شرت لطفلها على أَن لَا ترجع عَلَيْهِ بِالثّمن جَازَ، وَهُوَ كَالْهِبَةِ اسْتِحْسَانًا، وَقَالَ فِي حَاشِيَته، نقلا عَن الْخَانِية: تكون الْأُم مشترية لنَفسهَا ثمَّ يصير هبة مِنْهَا لولدها الصَّغِير وصلَة، وَلَيْسَ لَهَا أَن تمنع المشري عَن وَلَدهَا الصَّغِير. 7 - وَأما جريانها بَين الْقِسْمَة وَالْهِبَة فَكَمَا لَو أَمر أَوْلَاده أَن يقتسموا أرضه الْفُلَانِيَّة بَينهم وَأَرَادَ بِهِ التَّمْلِيك، فاقتسموها وتراضوا على هَذِه الْقِسْمَة تثبت لَهُم الْملك، وَلَا حَاجَة أَن يَقُول لَهُم جملَة: ملكتكم هَذِه الْأَرَاضِي، وَلَا أَن يَقُول لكل وَاحِد مِنْهُم، مَلكتك هَذَا النَّصِيب المفرز. (ر: رد الْمُحْتَار، عَن التَّتارْخَانِيَّة، قبيل الرُّجُوع فِي الْهِبَة، موضحاً) ، وكما لَو اقتسم الْوَرَثَة التَّرِكَة ذُكُورا وإناثاً على السوية صَحَّ بطرِيق الْهِبَة لَا الْإِرْث. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّامِن وَالْعِشْرين، صفحة / 39) . 8 - وَأما الْمُضَاربَة، فَإِنَّهَا إِذا شَرط فِيهَا أَن يكون كل الرِّبْح للْمُضَارب تعْتَبر قرضا، فَإِذا تلف المَال فِي يَد الْمضَارب يكون مَضْمُونا عَلَيْهِ. وَإِذا شَرط فِيهَا أَن يكون كل الرِّبْح لرب المَال تعْتَبر بضَاعَة _ وَهِي: أَن يكون المَال وَربحه لوَاحِد وَالْعَمَل من الآخر _ وَيكون المَال حِينَئِذٍ فِي يَد الْقَابِض أَمَانَة. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر، كتاب الْبيُوع) . 9 - وَأما الصُّلْح فَإِنَّهُ يعْتَبر بأقرب الْعُقُود إِلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ إِمَّا أَن يكون الْمُدعى عَلَيْهِ مقرا للْمُدَّعِي بالمدعى بِهِ أَو مُنْكرا

فَفِي حَالَة إِقْرَاره إِن وَقع الصُّلْح عَن مَال بِمَال يَدْفَعهُ الْمُدعى عَلَيْهِ يعْتَبر بيعا، فَيجْرِي فِي الْمُدعى بِهِ الرَّد بِالْعَيْبِ، وَيُؤْخَذ بِالشُّفْعَة إِن كَانَ عقارا. وَإِن وَقع عَن مَال بِمَنْفَعَة يعْتَبر إِجَارَة. وَإِن كَانَ الصُّلْح عَن دَعْوَى النِّكَاح يعْتَبر خلعاً فتجري فِيهِ أَحْكَام الْخلْع. وَفِي حَالَة إِنْكَار الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا تصالحا على بدل يَدْفَعهُ الْمُدَّعِي يكون ذَلِك فِي حَقه صلحا مَحْضا لقطع الْمُنَازعَة، فَلَا يُمكنهُ بعد عقد الصُّلْح أَن يرد الْمُدعى بِهِ، أَي الْمصَالح عَنهُ، بِالْعَيْبِ، وَلَا يُؤْخَذ بِالشُّفْعَة لَو كَانَ عقارا. أما فِي حق الْمُدعى عَلَيْهِ الْمُنكر، وَهُوَ الَّذِي قبض بدل الصُّلْح، فَإِن رَجَعَ عَن إِنْكَاره وَصدق الْمُدَّعِي أَو لم يرجع وَلَكِن برهن الْمُدَّعِي على دَعْوَاهُ كَانَ فِي حَقه أَيْضا بيعا فتترتب عَلَيْهِ أَحْكَام البيع من الرَّد بِخِيَار الرُّؤْيَة وَالْعَيْب وَالْأَخْذ بِالشُّفْعَة لَو كَانَ الْبَدَل عقارا. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّلَاثِينَ، صفحة / 67) . وَهَذَا لَا يظْهر إِلَّا فِيمَا إِذا كَانَ دَافع الْبَدَل هُوَ الْمُدعى عَلَيْهِ وَإِلَّا كَانَ صلحا مَحْضا كَمَا هُوَ ظَاهر. (ر: التَّنْبِيه الأول وَالثَّانِي الْآيَتَيْنِ فِي الْكَلَام على هَذِه الْقَاعِدَة) . 10 - وَأما الْوِصَايَة وَالْوكَالَة فَكَمَا لَو أوصى الْإِنْسَان غَيره بِبيع شَيْء من مَاله فَإِن ذَلِك يكون وكَالَة، وَلَو وَكله بتنفيذ وَصيته بعد مَوته يكون ذَلِك وصاية. (ر: الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّة) . 11 - وَكَذَلِكَ الْعَارِية وَالْقَرْض، فَإِن إِعَارَة مَا يجوز قرضه، كالنقود والمثليات، تعْتَبر قرضا. (ر: الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة) . وَكَذَا قرض مَا لَا يجوز قرضه، كالقيمي، يعْتَبر عَارِية، لَكِن من جِهَة أَنه يجب رد عينه لَا من جَمِيع الْوُجُوه، لِأَنَّهُ فِي هَذِه الصُّورَة يملك بِالْقَبْضِ وَيكون مَضْمُونا كالقرض الْمَحْض. (ر: رد الْمُحْتَار، أول الْقَرْض) . 12 - وَأما جريانها بَين الْعَارِية وَالْإِجَارَة فَكَمَا لَو قَالَ رجل لآخر: أعرتك دَاري هَذِه مثلا شهرا بِكَذَا كَانَ إِجَارَة. (ر: تنوير الْأَبْصَار وَشَرحه، أَوَائِل كتاب الْإِجَارَة) . 13 - وَأما جريانها بَين الْإِقَالَة وَالْبيع فَكَمَا لَو بَاعَ الْمَوْهُوب لَهُ الْعين

تنبيهات

الْمَوْهُوبَة من آخر ثمَّ تقايل مَعَه البيع وعادت الْعين الْمَوْهُوبَة إِلَى يَده فَلَيْسَ للْوَاهِب الرُّجُوع فِي الْهِبَة، لِأَن تقايل الْمَوْهُوب لَهُ البيع مَعَ المُشْتَرِي مِنْهُ بِمَنْزِلَة بيع جَدِيد فَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ من مُشْتَرِيه. (ر: تنوير الْأَبْصَار وَشَرحه، من الْإِقَالَة) . وَهُنَاكَ فروع كَثِيرَة تُؤْخَذ من الْمحل الْمَذْكُور. 14 - وَأما جريانها بَين الشُّفْعَة وَالْبيع فَكَمَا سَيَأْتِي فِي التَّنْبِيه آخر الْقَاعِدَة / 71 / القائلة: " لَا عِبْرَة بِالظَّنِّ الْبَين خَطؤُهُ " فِي الْمَسْأَلَة الْخَارِجَة عَنْهَا. 15 - وَأما جريانها بَين الْإِقْرَار وَالْبيع فَلَمَّا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، فِي الْفَصْل الموفي عشْرين: " الْإِقْرَار المقرون بِالْعِوَضِ تمْلِيك مُبْتَدأ، فَإِن من قَالَ لآخر: أقرّ لي بِهَذَا، لشَيْء فِي يَده، حَتَّى أُعْطِيك مائَة مثلا كَانَ بيعا، حَتَّى لَو قَالَ: إِلَى الْحَصاد لم يجز ". أَي يفْسد لتأجيل الثّمن إِلَى أجل مَجْهُول. (تَنْبِيهَات) التَّنْبِيه الأول: إِن ذكر لفظ الْعُقُود فِي هَذِه الْقَاعِدَة لَيْسَ لإِفَادَة أَن اعْتِبَار الْمَقَاصِد والمعاني لَا يجْرِي إِلَّا فِي الْعُقُود بل جَريا على الْغَالِب، وَإِلَّا فَإِن الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة تجْرِي فِي غير الْعُقُود، كالدعاوى. قَالَ الإِمَام أَبُو الْحسن الْكَرْخِي فِي رِسَالَة الْأُصُول: " الأَصْل أَنه يعْتَبر فِي الدَّعَاوَى مَقْصُود الْخَصْمَيْنِ فِي الْمُنَازعَة دون الظَّاهِر ". وَقَالَ الإِمَام أَبُو حَفْص النَّسَفِيّ فِي شَرحه للرسالة: " من مسَائِل هَذَا الأَصْل: (أ) أَن الْمُودع إِذا طُولِبَ برد الْوَدِيعَة فَقَالَ: رَددتهَا عَلَيْك، فَقَالَ الْمُودع: لم تردها، فَالْقَوْل قَول قَابل الْوَدِيعَة مَعَ أَنه يَدعِي خلاف الظَّاهِر بقوله رددت، وَذَلِكَ لِأَن الْمَقْصُود هُوَ الضَّمَان وَهُوَ مُنكر لَهُ فَكَانَ القَوْل قَوْله ". (ب) وَمثله مَا فِي الرسَالَة الْمَذْكُورَة أَيْضا، من أَن الْمُودع الْمَأْمُور بِدفع الْوَدِيعَة لفُلَان إِذا قَالَ: دفعتها لَهُ، وَقَالَ فلَان: مَا دَفعهَا إِلَيّ، فَالْقَوْل قَول الْمُودع فِي بَرَاءَة نَفسه لَا فِي إِيجَاب الضَّمَان على فلَان بِالْقَبْضِ.

(ج) وَمِنْهَا مَا لَو ادّعى رجلَانِ نِكَاح امْرَأَة ميتَة وَأقَام كل مِنْهُمَا الْبَيِّنَة وَلم يؤرخا، أَو أرخا تَارِيخا متحداً، فَإِنَّهُ يقْضى بِالنِّكَاحِ بَينهمَا، وعَلى كل مِنْهُمَا نصف الْمهْر، ويرثان مِنْهَا مِيرَاث زوج وَاحِد. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، كتاب الدَّعْوَى، دَعْوَى الرجلَيْن) لَان الْمَقْصُود من دَعْوَى النِّكَاح بعد مَوتهَا الْإِرْث فَكَانَت الدَّعْوَى دَعْوَى مَال وَلَا مَانع من اشتراكهما فِي المَال. أما لَو كَانَت حَيَّة وَأقَام كل مِنْهُمَا الْبَيِّنَة وَلَا مُرَجّح لإحدى الْبَيِّنَتَيْنِ بسبق تَارِيخ أَو دُخُوله بِالْمَرْأَةِ أَو غَيره من المرجحات الْمَذْكُورَة هُنَاكَ فَإِنَّهُ لَا يقْضى لأحد مِنْهُمَا، لِأَن الْمَقْصُود حِينَئِذٍ نفس النِّكَاح وَالشَّرِكَة فِيهِ لَا تكون. (ر: مَا سَيَأْتِي تَحت الْمَادَّة / 13 / من الْمجلة) . (د) وَمِنْهَا مَا لَو ادّعى اثْنَان عينا، كل يَدعِي أَن كلهَا رهن عِنْده من فلَان بِدِينِهِ، وَفُلَان ميت، وبرهنا، فَإِنَّهُ يقْضى لكل مِنْهُمَا بِنِصْفِهَا رهنا عِنْده سَوَاء كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا أَو يَد غَيرهمَا، لِأَن دعواهما الرَّهْن _ والراهن ميت _ يكون الْمَقْصُود مِنْهَا الِاسْتِيفَاء من ثمن الْعين بِالْبيعِ، والشائع يقبله، بِخِلَاف مَا إِن كَانَ الرَّاهِن حَيا فَإِن الْمَقْصُود حِينَئِذٍ حكم الرَّهْن، وَهُوَ حبس الْعين، والشائع لَا يقبله. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، والدرر، من بَاب مَا يَصح رَهنه وَمَا لَا يَصح) . (هـ) وَمن مسَائِل الدَّعَاوَى أَيْضا فِي هَذَا الأَصْل: مَا لَو ادّعى الْمُتَوَلِي دفع الْغلَّة للمستحقين من ذُرِّيَّة الْوَاقِف، وهم يُنكرُونَ، فَالْقَوْل للمتولي مَعَ أَنه يَدي خلاف الظَّاهِر، لِأَنَّهُ يَدعِي بَرَاءَة ذمَّته وَالْأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة. (و) وَمِنْهَا مَا سَيَأْتِي، فِي مستثنيات الْمَادَّة / 11 /، من انه لَو قَالَ الْوَكِيل بِالْبيعِ بعد علمه بِالْعَزْلِ، وَالْمَبِيع مستهلك، بِعْت وسلمت قبل الْعَزْل، وَقَالَ الْمُوكل: بعد الْعَزْل، فَالْقَوْل للْوَكِيل مَعَ أَنه يَدعِي خلاف الظَّاهِر بِإِضَافَة الْحَادِث إِلَى أبعد أوقاته، لِأَن الْمَقْصُود من الدَّعْوَى بعد هَلَاك الْعين تَضْمِينه، وَهُوَ يُنكر سَبَب الضَّمَان. وَكَذَلِكَ بَقِيَّة مستثنيات الْمَادَّة / 11 / الْمَذْكُورَة، فَإِنَّهَا من فروع هَذَا الأَصْل، لاعْتِبَار الْمَقْصُود من الدَّعْوَى فِيهَا.

التنبيه الثاني

(التَّنْبِيه الثَّانِي) : يذكرُونَ أَن الصُّلْح يعْتَبر بأقرب الْعُقُود إِلَيْهِ، كَمَا ذكرنَا فِي البند 9 من تطبيقات هَذِه الْقَاعِدَة، بِمَعْنى أَنه إِن كَانَ فِيهِ معنى البيع بِأَن وَقع عَن مَال بِمَال يعْتَبر بيعا، وَإِن كَانَ فِيهِ معنى الْإِجَارَة بِأَن وَقع عَن مَال بِمَنْفَعَة يعْتَبر إِجَارَة، وَهَكَذَا. وَأما إِذا لم يكن تطبيقه على عقد من الْعُقُود الْمَعْرُوفَة فَإِنَّهُ يبْقى صلحا مَحْضا لقطع الْمُنَازعَة. وَلَكِن قد يَقع الصُّلْح على صُورَة تكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى أحد المتصالحين فِي معني البيع مثلا، وبالنسبة إِلَى الآخر صلحا مَحْضا لِأَنَّهَا لَيست مُبَادلَة فِي زَعمه ودعواه، كَمَا لَو تصالحا، وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ مُنكر، على أَن يدْفع الْمُدَّعِي إِلَى الْمُدعى عَلَيْهِ مَالا معينا وَيَأْخُذ مِنْهُ الْعين الْمُدعى بهَا فَهَذَا فِي زعم الْمُدَّعِي صلح مَحْض وَلَيْسَ مُبَادلَة، لِأَنَّهُ اسْتردَّ عين مَاله الَّذِي يَدعِيهِ، وَفِي زعم الْمُدعى عَلَيْهِ الْمُنكر لدعوى الْمُدَّعِي هُوَ بيع. فَفِي أَمْثَال هَذِه الْحَالة هَل يعْتَبر عقد الصُّلْح على حسب زعم الْمُدَّعِي، فَإِن كَانَ فِي زَعمه مُبَادلَة مَالِيَّة اعْتبر بيعا وَإِجَارَة وأجريت فِيهِ أَحْكَام البيع وَالْإِجَارَة، وَإِن كَانَ صلحا مَحْضا اعتبرناه صلحا؟ أَو هَل نعتبره على حسب زعم الْمُدعى عَلَيْهِ؟ أَو هَل نعتبر زعم كل وَاحِد على حِدة بِحَيْثُ لَو كَانَ الصُّلْح فِي زعم أحد المتصالحين مُعَاوضَة وَفِي زعم الآخر صلحا مَحْضا أَخذنَا كلا بِزَعْمِهِ واعتبرناه فِي حَقه على خلاف مَا نعتبره فِي حق رَفِيقه؟ هَذَا مَا توقفنا فِيهِ، وَلم نر للفقهاء تَصْرِيحًا شافياً فِيهِ. وَالَّذِي ظهر لنا بعد طول الْبَحْث، استنباطاً من بعض تصريحاتهم وانطبقت عَلَيْهِ الْفُرُوع المنقولة وتوجيهاتها: أَنه فِيمَا بَين المتصالحين أَنفسهمَا يعْتَبر عقد الصُّلْح على الصّفة الَّتِي يقتضيها زعم الْمُدَّعِي دون زعم الْمُدعى عَلَيْهِ، وَأما فِيمَا بَين كل وَاحِد مِنْهُمَا وثالث خَارج، كالشفيع، فيؤاخذ كل وَاحِد من المتصالحين بِزَعْمِهِ على حِدة، سَوَاء أَكَانَ فِي عقد الصُّلْح مُدعيًا أَو مدعى عَلَيْهِ. يُوضح ذَلِك مَا جَاءَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، فِي الْفَصْل السَّادِس عشر مِنْهُ

نقلا عَن فَتَاوَى رشيد الدّين، مَا نَصه: " لَو صَالح عَن الدَّار المدعاة فَاسْتحقَّ الدَّار فالمدعى عَلَيْهِ يَأْخُذ من الْمُدَّعِي مَا دفع إِلَيْهِ، أما لَو كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ مقرا فَظَاهر، لِأَنَّهُ يصير مُشْتَريا فَيرجع إِذا اسْتحق، وَأما لَو كَانَ مُنْكرا فَيرجع أَيْضا، إِذْ الصُّلْح جَوَازه على زعم الْمُدَّعِي، وزعمه بِأَنَّهُ بَاعه، فَإِذا اسْتحق يرجع، وَأما لَو دفع الْمُدَّعِي شَيْئا إِلَى ذِي الْيَد وَأخذ الدَّار مِنْهُ فَاسْتحقَّ الدَّار لَا يرجع الدَّافِع بِمَا دفع، إِذْ الْمُدَّعِي يزْعم: إِنِّي آخذ حَقي وَإِنَّمَا أدفَع المَال لقطع خُصُومَة، فَلَا يصير الْمُدَّعِي مُشْتَريا فَلَا يرجع ". فقد اعْتبر زعم الْمُدَّعِي فَقَط فِيمَا بَينه وَبَين الْمُدعى عَلَيْهِ وأهمل زعم الْمُدعى عَلَيْهِ، مَعَ أَنه فِي صُورَة مَا إِذا كَانَ دَافع الْبَدَل هُوَ الْمُدَّعِي، وَكَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ مُنْكرا، يكون الصُّلْح بيعا فِي زعم الْمُدعى عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهر وَمَعَ ذَلِك لم يثبتوا للْمُدَّعِي حق الرُّجُوع عَلَيْهِ ومؤاخذته بِزَعْمِهِ. وَجَاء فِي شرح النقاية للقهستاني، فِي كتاب الصُّلْح مِنْهُ، فِيمَا إِذا كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ غير مقرّ وَكَانَ هُوَ دَافع بدل الصُّلْح مَا لَفظه: " فَلَا شُفْعَة للشَّرِيك وَغَيره على الْمُدعى عَلَيْهِ فِي صلح عَن دَار، لِأَنَّهُ زاعم أَنه على أصل حَقه، وَلَا يلْزم زعم الْمُدَّعِي، لِأَن الْمَرْء لَا يُؤَاخذ إِلَّا بِزَعْمِهِ ". فقد اعْتبر هُنَا زعم الْمُدعى عَلَيْهِ فِيمَا بَينه وَبَين الْأَجْنَبِيّ الْخَارِج، وَهُوَ الشَّفِيع، فَلم يثبتوا لَهُ حق الشُّفْعَة، لِأَن هَذَا الصُّلْح فِي زعم الْمُدعى عَلَيْهِ لَيْسَ مُعَاوضَة مَالِيَّة، لِأَنَّهُ لما كَانَ مُنْكرا لدعوى الْمُدَّعِي لم بكن اعْتِبَاره بِدفع الْبَدَل مُشْتَريا، بل قَاطعا للنزاع ومستبقيا لملكه، وَلَو كَانَ زعم الْمُدَّعِي مُعْتَبرا، وَالْحَالة هَذِه، دون زعم الْمُدعى عَلَيْهِ لَوَجَبَتْ الشُّفْعَة للشَّفِيع على الْمُدعى عَلَيْهِ فِي الدَّار الْمصَالح عَنْهَا، لِأَن هَذَا الصُّلْح فِي زعم الْمُدَّعِي الْقَابِض للبدل بيع. وَقد جَاءَت الْمَادَّة / 1550 / من الْمجلة على نَحْو مَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، وَشرح النقاية للقهستاني، وَشرح التَّنْوِير، منطبقة على مَا ذكرنَا ومؤيدة لَهُ. وَإِنَّمَا لم يعْتَبر فِيمَا بَين المتصالحين أَنفسهمَا زعم كل وَاحِد مِنْهُمَا لِأَن زعميهما متنافيان إِيجَابا وسلباً، فَمَا يَقْتَضِيهِ زعم أَحدهمَا يَنْفِيه زعم الآخر، فَوَجَبَ الِاقْتِصَار على أحد الزعيمين فِي مصير عقد الصُّلْح.

وَإِنَّمَا كَانَ الْمُعْتَبر زَعمه هُوَ الْمُدَّعِي، دون الْمُدعى عَلَيْهِ، لِأَن الْمُدعى عَلَيْهِ مُنكر متمسك بِالْأَصْلِ، وَهُوَ عدم مَا يَدعِيهِ الْمُدَّعِي، وَالْمُنكر فِي غنى عَن بَيَان الْأَسْبَاب الشَّرْعِيَّة وَغير مُكَلّف بهَا لتأييده إِنْكَاره، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ منشئاً للخصومة وَإِذا ترك لم يتْرك بل فِي موقف الدّفع، وَالْإِنْكَار لَا يتَضَمَّن إِثْبَات حق لأحد وَلذَا يقوم السُّكُوت بِلَا عذر مقَامه ويغني عَن الإفصاح بِهِ، فَكَمَا أَن السُّكُوت لَا يثبت حَقًا لأحد فَكَذَا مَا قَامَ مقَامه، فَإِذا ادّعى بعد ذَلِك خلاف مَا يَقْتَضِيهِ إِنْكَاره لَا يعد متناقضاً شرعا، لِأَن التَّنَاقُض لَا يمْنَع سَماع الدَّعْوَى إِلَّا إِذا كَانَ أول الْكَلَامَيْنِ فِيهِ مثبتاً حَقًا لمُعين. (ر: رد الْمُحْتَار، أول بحث التَّنَاقُض من بَاب الِاسْتِحْقَاق) معنى هَذَا لَا يمْنَع الْمُدعى عَلَيْهِ أَن يَدعِي بعد الصُّلْح مَا يُخَالف مُقْتَضى إِنْكَاره السَّابِق. بِخِلَاف الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ هُوَ المنشئ للخصومة والآتي بِأول الْكَلَامَيْنِ، وَلذَا لَو ترك ترك، وَهُوَ فِي موقف التهجم على الْمُدعى عَلَيْهِ والانتزاع من يَده، والنزع لَا بُد فِيهِ من كَون مَا يزعمه من السَّبَب مطابقاً لوجه شَرْعِي يسْتَحق بِهِ النزع، كَمَا يَقُول أَبُو يُوسُف، رَحمَه الله تَعَالَى، فِي كتاب الْخراج: " لَا ينْزع شَيْء من يَد أحد إِلَّا بِحَق ثَابت مَعْرُوف ". فَإِذا كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ مُنْكرا وَكَانَ دَافع الْبَدَل هُوَ الْمُدَّعِي لم يكن فِي معنى الْمُضْطَر، لِأَنَّهُ لَو ترك ترك، فَكَانَ ذَلِك العقد فِيمَا زَعمه صلحا مَحْضا لَيْسَ فِيهِ معنى الْمُعَاوضَة، لِأَنَّهُ بِدفع الْبَدَل قد استخلص فِي زَعمه ملكه، فَإِذا اسْتحق من يَده يقْتَصر الِاسْتِحْقَاق عَلَيْهِ وَلَا يُمكن اعْتِبَاره فِي حكم من تلقى الْملك من غَيره، كَمَا هُوَ صَرِيح من كَلَام رشيد الدّين الْمُتَقَدّم، أَلا ترى أَن المُشْتَرِي إِذا أنكر دَعْوَى الْمُسْتَحق الْملك وَادّعى أَن الْمُدعى ملكه وَلم يذكر تلقي الْملك من بَائِعه فَلَا يرجع عَلَيْهِ بِالثّمن. (ر: رد الْمُحْتَار، أَوَائِل الِاسْتِحْقَاق) فَهَذَا أولى. وَإِذا كَانَ دَافع الْبَدَل هُوَ الْمُدعى عَلَيْهِ الْمُنكر كَانَ فِي معنى الْمُضْطَر، لِأَنَّهُ لَو ترك لم يتْرك، فَإِذا اسْتحق الْمُدعى من يَده لم يكن هُنَاكَ مَا يمْنَع من اعْتِبَاره فِي حكم من تلقى الْملك من غَيره فَلَا يمْتَنع رُجُوعه بِالْبَدَلِ، إِذا لم يُوجد مِنْهُ سوى إِنْكَار كَون الْمُدعى بِهِ ملك الْمُدَّعِي، وعَلى تَسْلِيم صدقه فِي إِنْكَاره هَذَا فَإِنَّهُ

لَا يمْنَع من الرُّجُوع على البَائِع عِنْد الِاسْتِحْقَاق (ر: تنوير الْأَبْصَار، كتاب الدَّعْوَى، بَاب الِاسْتِحْقَاق) وَعدم ذكره فِي خُصُومَة الْمُسْتَحق تلقي الْملك من الْمُدَّعِي الأول الْقَابِض لبدل الصُّلْح لَا يمْنَع من اعْتِبَاره مقضياً عَلَيْهِ ورجوعه بِالْبَدَلِ عِنْد الِاسْتِحْقَاق، لِأَن هَذَا التلقي الْمُعْتَبر بيعا إِنَّمَا اعْتبر بيعا فِي ضمن عقد الصُّلْح، وَالشَّيْء إِذا ثَبت فِي ضمن غَيره لَا يجب أَن تتوفر شُرُوطه، بل يَكْتَفِي بتوفر شُرُوط المتضمن لَهُ فَقَط (ر: مَا جَاءَ من ذَلِك فِي الخاتمة الَّتِي كتبناها آخر الْمَادَّة / 52 / فَإِن فِيهَا مقنعا) . ثمَّ لينْظر مَا لَو أنكر ملك الْمُدعى وَزعم أَن الْمَبِيع ملكه بِأَن قَالَ: لَيْسَ هُوَ ملكه بل هُوَ ملكي، وَيُمكن أَن يُقَال: لَا يمْنَع ذَلِك دَعْوَاهُ الرُّجُوع بِالْبَدَلِ، لِأَن دَعْوَاهُ الْملك أَمر زَائِد على الْجَواب الْكَافِي، وَهُوَ إِنْكَاره، وَلَا دخل لَهُ فِيهِ وَلَا تتَوَقَّف عَلَيْهِ صِحَّته، فَكَانَ وجودهَا كَالْعدمِ فَلَا يتَعَلَّق بهَا حكم، أَلا ترى أَنه لَو وجد فِي دَعْوَى الْمُدَّعِي أَو فِي شَهَادَة الشُّهُود زِيَادَة لَا تتَوَقَّف عَلَيْهَا صِحَة الدَّعْوَى أَو الشَّهَادَة، كَمَا لَو بَين الْمُدَّعِي ذرعاً من الثَّوْب الْمُدعى أَو لون الدَّابَّة أَو سنّهَا أَو كَونهَا مشقوقة الْأذن، ثمَّ ظهر أَن الْأَمر على خلاف مَا وصف، فقد حكى فِي الْفَصْل السَّادِس من جَامع الْفُصُولَيْنِ خلافًا فِي سَماع الدَّعْوَى وَقبُول الشَّهَادَة، وجنح إِلَى عدم سَماع الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة (ر: مَا جَاءَ فِي التَّنْبِيه تَحت الْمَادَّة / 65 /) مَعَ أَنه ظهر فِي ذَلِك كذب الْمُدَّعِي وشهوده، فَمَا بالك بِمَا كَانَ زَائِدا فِي كَلَام الْمُدعى عَلَيْهِ؟ فَلِأَن لَا يتَعَلَّق بِهِ حكم بِلَا خلاف بِالْأولَى، خُصُوصا وَقد ارْتَفع زَعمه الْملك بتكذيب الْحَاكِم لَهُ فِيهِ بِالْقضَاءِ بِالْملكِ للْمُسْتَحقّ (ر: الْمَادَّة / 1654 / من الْمجلة) ، هَذَا مَا ظهر لفهمي وَالله أعلم. هَذَا وَقد اسْتشْكل صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ مَا نَقله عَن رشيد الدّين من قَوْله الْمُتَقَدّم: " أما لَو دفع الْمُدَّعِي شَيْئا إِلَى ذِي الْيَد وَأخذ الدَّار مِنْهُ فَاسْتحقَّ

الدَّار لَا يرجع الدَّافِع بِمَا دفع، إِذْ الْمُدَّعِي يزْعم: إِنِّي آخذ حَقي "، وَاسْتظْهر أَن يكون زعم الْمُدعى عَلَيْهِ مُعْتَبرا أَيْضا فَيكون للْمُدَّعِي حق الرُّجُوع عَلَيْهِ فِي هَذِه الصُّورَة. وَمَا استظهر يُنَافِيهِ الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول: أما الْمَعْقُول: فَلِأَن مَوْضُوع كَلَام رشيد الدّين فِيمَا بَين أحد المتصالحين وَالْآخر، لَا فِيمَا بَينه وَبَين الْأَجْنَبِيّ، فَلَا يُمكن اعْتِبَار زعم كل من المتصالحين، لتنافيهما. وَأما الْمَنْقُول: فَلِأَن مَا جَاءَ فِي فَتَاوَى رشيد الدّين مُوَافق لما جَاءَ فِي معتبرات كتب الْمَذْهَب، وَقد نقل صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ نَفسه، فِي الْفَصْل الْعشْرين، عَن الْهِدَايَة مَا ينطبق على مَا فِي فَتَاوَى رشيد الدّين، وَلَفظه: " ادّعى نِكَاحهَا، وَهِي تنكر فصالحته على مَال ليترك دَعْوَاهُ جَازَ خلعاً فِي جَانِبه، بِنَاء على زَعمه، وبذلاً لِلْمَالِ لدفع الْخُصُومَة فِي جَانبهَا. وَلَو ادَّعَت هِيَ عَلَيْهِ نِكَاحهَا فصالحها على مَال يَدْفَعهُ هُوَ إِلَيْهَا لم يجز ". فقد اعْتبر صَاحب الْهِدَايَة، فِيمَا بَين المتصالحين، زعم الْمُدَّعِي، فحين كَانَ الزَّوْج هُوَ الْمُدَّعِي وَكَانَ دَافع الْبَدَل هُوَ الزَّوْجَة صَحَّ الصُّلْح على أَنه خلع، وَحين كَانَت هِيَ المدعية وَكَانَ دَافع الْبَدَل هُوَ الزَّوْج لم يَصح الصُّلْح اعْتِبَارا لزعمها، لِأَنَّهَا لَيست صَاحِبَة حق النِّكَاح حَتَّى يجوز أَخذهَا الْبَدَل اعتياضاً عَنهُ فِي زعمها، فَإِن الْحل وَالْحُرْمَة فِي النِّكَاح عائدان للزَّوْج شرعا، وَلذَا لَو اعْترفت الزَّوْجَة بِطَلَاق، وَلَو ثَلَاثًا، أَو برضاع لَا يلْتَفت إِلَيْهَا (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الرَّضَاع) وَلم ينظر فِي هَذِه الصُّورَة الْأَخِيرَة إِلَى زعم الزَّوْج الْمُقْتَضِي لتصحيح الصُّلْح، بِاعْتِبَار أَنه دفع الْبَدَل لقطع خُصُومَة المدعية وَرفع النزاع، وَذَلِكَ لِأَن الزَّوْج مدعى عَلَيْهِ وزعمه غير مُعْتَبر، وَهَذَا يشْهد بانطباق مَا فِي فَتَاوَى رشيد الدّين على مَا فِي كتب الْمَذْهَب، فَانْدفع بِهَذَا إِشْكَال صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ الْمُتَقَدّم. وَقد أجَاب الرَّمْلِيّ، فِي حَاشِيَته على جَامع الْفُصُولَيْنِ، عَن استشكال صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ الْمُتَقَدّم بِجَوَاب منقوض غير صَحِيح، حَيْثُ ذكر أَن الْمُدَّعِي فِي تِلْكَ الصُّورَة إِذا دفع بدل الصُّلْح وَأخذ الدَّار لَا يكون هَذَا الصُّلْح فِي

التنبيه الثالث

زَعمه مُبَادلَة، فَإِذا اسْتحقَّت الدَّار مِنْهُ لَا يسوغ لَهُ أَن يرجع بِمَا دَفعه، لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ الْمُطَالبَة بِمَا يُخَالف زَعمه. وينقض هَذَا الْجَواب مَا ذكره رشيد الدّين، فِي صدر الْعبارَة، من أَنه لَو كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ مُنْكرا، وَكَانَ هُوَ دَافع الْبَدَل، ثمَّ اسْتحقَّت الدَّار من يَده يرجع على الْمُدَّعِي بِمَا دَفعه إِلَيْهِ، مَعَ أَن هَذَا الصُّلْح لَيْسَ مُبَادلَة فِي زَعمه، بل هُوَ مُبَادلَة فِي زعم الْمُدَّعِي فَقَط، فقد تمكن الْمُدعى عَلَيْهِ من الْمُطَالبَة بِمَا يُخَالف زَعمه. وَالْجَوَاب الْحَاكِم مَا قدمْنَاهُ، وبالمعقول وَالْمَنْقُول أيدناه، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم. (التَّنْبِيه الثَّالِث) قد يعْتَبر الْمَقْصد وَالْمعْنَى فِي بعض الْعُقُود، فَيحصل من اعتبارهما فِيهِ فَائِدَة من غير أَن يكْتَسب العقد صفة عقد آخر، كَمَا إِذا أعْطى الْغَاصِب الْمَغْصُوب مِنْهُ رهنا بِعَين الْمَغْصُوب، ثمَّ تلفت الْعين الْمَغْصُوبَة فِي يَد الْغَاصِب، فَإِن الرَّهْن يكون حينئذٍ ببدلها من مثل أَو قيمَة، وكما إِذا أعْطى الْمُسلم إِلَيْهِ لرب السّلم رهنا بِعَين الْمُسلم فِيهِ، ثمَّ انْفَسَخ عقد السّلم بِوَجْه مَا، فَإِن الرَّهْن يصير رهنا بِرَأْس المَال الَّذِي قَبضه الْمُسلم إِلَيْهِ (ر: الدُّرَر، وَغَيره، من بَاب مَا يَصح رَهنه وَمَا لَا يَصح) وَمَا ذَاك إِلَّا لِأَن الْمَقْصد من هَذَا الرَّهْن توثق الْمَغْصُوب مِنْهُ وَرب السّلم لِسَلَامَةِ حَقه وأمنه مِمَّا يلْحقهُ من الضَّرَر بِهَذَا الْغَصْب وَعقد السّلم. (التَّنْبِيه الرَّابِع) اخْتلف فِي جَوَاز بيع الْوَفَاء فِي الْمَنْقُول إِذا لم يكن الْمَنْقُول من تَوَابِع الْعقار. وَلم أجد فِي ذَلِك تَرْجِيحا، وَلم تتعرض الْمجلة لَهُ أَيْضا. وَمُقْتَضى مَا ذَكرُوهُ من أَن تَجْوِيز بيع الْوَفَاء بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّة الْمَعْرُوفَة إِنَّمَا كَانَ لضَرُورَة النَّاس وتعارفهم، أَنه إِذا لم يتعارف النَّاس إجراءه فِي المنقولات، التعارف الْمُعْتَبر، لَا يجوز كَمَا هُوَ الْوَاقِع فِي زَمَاننَا.

وَاخْتلف أَيْضا فِي ملك المُشْتَرِي للِانْتِفَاع بِالْمَبِيعِ وَفَاء وَملكه لزوائده، فَقيل لَا يملك ذَلِك إِلَّا بِالشّرطِ، وَقيل يملكهُ بِلَا شَرط، وَنقل فِي رد الْمُحْتَار، فِي بيع الْوَفَاء قبيل الْكفَالَة، أَن هَذَا القَوْل، أَعنِي ملكه لذَلِك بِدُونِ شَرط، عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَبَين أَن ملكه لذَلِك مَبْنِيّ أَيْضا على القَوْل الْجَامِع الَّذِي قدمنَا أَنه الْمُفْتى بِهِ وَأَن عَلَيْهِ الْمجلة. غير أَن شرَّاح الْمجلة جروا، فِي شرح الْمَادَّة / 398 / مِنْهَا، على أَن المُشْتَرِي لَا يملك الِانْتِفَاع إِلَّا بِالشّرطِ، مَعَ أَن الْمَادَّة الْمَذْكُورَة لَا صَرَاحَة فِيهَا بِأَن المُشْتَرِي لَا يملك الِانْتِفَاع إِلَّا بِالشّرطِ، بل ذكرت أَنه إِذا شَرط فِي بيع الْوَفَاء أَن يكون قدر، من مَنَافِع الْمَبِيع للْمُشْتَرِي، كَأَن تكون غلَّة الْكَرم الْمَبِيع مثلا بَينهمَا مُنَاصَفَة، صَحَّ ذَلِك، وَهَذَا ظَاهر لَا كَلَام فِيهِ، وَأما الحكم عِنْد عدم الِاشْتِرَاط فَهُوَ مسكوت عَنهُ فِيهَا لم تتعرض لَهُ أصلا. وَيرى النَّاظر فِي مَادَّة / 118 / مِنْهَا أَنَّهَا تفِيد ملك المُشْتَرِي للِانْتِفَاع بِلَا شَرط، حَيْثُ صرحت بِأَن بيع الْوَفَاء فِي حكم البيع الْجَائِز بِالنّظرِ إِلَى انْتِفَاع المُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ ... . إِلَخ، فَلَو كَانَ المُرَاد أَن الِانْتِفَاع إِنَّمَا يكون بِالشّرطِ لما صَحَّ، تشبيهه فِي هَذِه الْجِهَة بِالْبيعِ الْجَائِز اللَّازِم، بل كَانَ الصَّوَاب أَن يشبه فِي هَذِه الْجِهَة بِالرَّهْنِ، لِأَن الْمُرْتَهن يملك الِانْتِفَاع بِالرَّهْنِ بِالشّرطِ. وَبِذَلِك يظْهر أَنه يجب حمل الْمَادَّة / 398 / على مَا يفهم من الْمَادَّة / 118 / فَيكون معنى تِلْكَ أَنه إِذا اشْترط فِي بيع الْوَفَاء أَن تكون غلَّة الْمَبِيع مُشْتَركَة بَين البَائِع وَالْمُشْتَرِي مُنَاصَفَة أَو مرابعة مثلا يَصح ذَلِك. أما عِنْد عدم هَذَا الِاشْتِرَاط فَتكون الْغلَّة كلهَا للْمُشْتَرِي. على أَنه فِي زَمَاننَا الْيَوْم يجب الحكم بِملك المُشْتَرِي الِانْتِفَاع بِالْمَبِيعِ وَفَاء على كل حَال وَإِن لم يشْتَرط ذَلِك صَرِيحًا، لِأَن النَّاس متعارفة على ذَلِك، وَلَا يُمكن أَن يقدم أحد على الشِّرَاء وَفَاء إِلَّا وَيعلم هُوَ وَالْبَائِع، بِحكم الْعرف وَالْعَادَة، أَن المُشْتَرِي ينْتَفع بِالْمَبِيعِ بإجارته من البَائِع أَو من غَيره، وَيملك إنزاله وإغلاله، فَيكون حينئذٍ ملك المُشْتَرِي للِانْتِفَاع مَشْرُوطًا، لِأَن الْمَعْرُوف عرفا كالمشروط (ر:

التنبيه الخامس

مَادَّة / 43 / من الْمجلة) فَلذَلِك جرينا فِي شرح هَذِه الْقَاعِدَة على ملك المُشْتَرِي للمنافع وللزوائد بِلَا شَرط. وَمَا يُوجد فِي بعض شُرُوح الْمجلة من النقول الَّتِي تفِيد خلاف مَا جرينا عَلَيْهِ فَهِيَ مفرعة على القَوْل بالاشتراط، وَهُوَ خلاف الْمُفْتى بِهِ كَمَا علمت. (التَّنْبِيه الْخَامِس) إِن اعْتِبَار الْمَقَاصِد والمعاني فِي الْعُقُود مُقَيّد بِمَا إِذا لم يُعَارضهُ مَانع شَرْعِي يمْنَع اعْتِبَار الْمَقْصد وَالْمعْنَى ويصرفه إِلَى جِهَة أُخْرَى، فَلَو عَارضه تعْتَبر تِلْكَ الْجِهَة وَإِن قصد غَيرهَا، لما ذكر فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، فِي الْفَصْل الثَّلَاثِينَ مِنْهُ: " إِن المُشْتَرِي شِرَاء فَاسِدا لَو رد الْمَبِيع على بَائِعه انْفَسَخ البيع السَّابِق على أَي وَجه كَانَ رده، سَوَاء كَانَ بِبيع جَدِيد أَو بِهِبَة أَو صَدَقَة أَو عَارِية أَو وَدِيعَة، لِأَن فسخ البيع الْفَاسِد ورد الْمَبِيع وَاجِب شرعا، فعلى أَي وَجه رده يَقع عَن الْوَاجِب وَيبرأ عَن ضَمَانه "، فقد ألغى الْقَصْد فِي هَذِه التَّصَرُّفَات، وَاعْتبر تَسْلِيم الْمَبِيع للْبَائِع ردا بِحكم الْفَسْخ للْعقد الْفَاسِد السَّابِق. وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا ذكره فِي الدُّرَر وَغَيره، من بَاب الْمهْر، من أَنه لَو كَانَ الْمهْر دينا فِي ذمَّة الزَّوْج، كالدراهم وَالدَّنَانِير، فَوَهَبته الزَّوْجَة كُله أَو نصفه قبل أَن تقبضه مِنْهُ، أَو كَانَ الْمهْر عرضا معينا، فَوَهَبته مِنْهُ، وَلَو بعد قبضهَا لَهُ، ثمَّ طَلقهَا الزَّوْج قبل الدُّخُول فَإِنَّهُ لَا يرجع عَلَيْهَا بِشَيْء، وَيجْعَل مَا وصل إِلَيْهِ بِالْهبةِ واصلاً إِلَيْهِ بِحكم اسْتِحْقَاق نصف الْمهْر بِالطَّلَاق قبل الدُّخُول، وَغَايَة الْأَمر أَنه اخْتلف سَبَب وُصُوله إِلَيْهِ، وَلَا يبالى باخْتلَاف الْأَسْبَاب بعد سَلامَة الْمَقْصُود (انْتهى موضحاً) . وَمِنْه مَا جَاءَ فِي رد الْمُحْتَار (من كتاب الْإِجَارَة ج / 5 / صفحة / 6 / عِنْد قَول الْمَتْن: وَاعْلَم أَن الْأجر لَا يلْزم بِالْعقدِ فَلَا يجب تَسْلِيمه بِهِ بل تَعْجِيله ... .) ، حَيْثُ قَالَ: " إِذا عجل الْأُجْرَة لَا يملك الِاسْتِرْدَاد، وَلَو كَانَت الْأُجْرَة عينا فأعارها أَو أودعها رب الدَّار فَهُوَ كالتعجيل ". (ر: مثله فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة، كتاب الْإِجَارَة، الْبَاب الثَّانِي مِنْهُ) .

وأصل ذَلِك مَا ذكره الإِمَام الدبوسي، فِي كِتَابه تأسيس النّظر، حَيْثُ قَالَ: " الأَصْل عندنَا أَن كل فعل اسْتحق فعله على جِهَة بِعَينهَا فعلى أَي وَجه حصل كَانَ عَن الْوَجْه الْمُسْتَحق عَلَيْهِ، كرد الْوَدِيعَة وَالْمَغْصُوب ". ثمَّ فرع عَلَيْهِ فروعاً كَثِيرَة فانظرها فِيهِ. لَكِن مَا كَانَ مُسْتَحقّا بِجِهَة إِذا وصل إِلَى الْمُسْتَحق بِجِهَة أُخْرَى فَإِنَّمَا يعْتَبر واصلاً عَن الْجِهَة الْمُسْتَحقَّة إِذا وصل إِلَيْهِ من جِهَة الْمُسْتَحق عَلَيْهِ، أما إِذا وصل إِلَيْهِ من جِهَة غَيره فَلَا، حَتَّى إِن المُشْتَرِي شِرَاء فَاسِدا إِذا وهب الْمَبِيع من غير بَائِعه أَو بَاعه فوهبه ذَلِك الرجل من البَائِع الأول وَسلمهُ إِلَيْهِ لَا يبرأ المُشْتَرِي عَن قِيمَته، وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الْمهْر عينا فَوَهَبته الْمَرْأَة من غير زَوجهَا وَهُوَ وهبه من زَوجهَا ثمَّ طَلقهَا قبل الدُّخُول فلزوجها عَلَيْهَا نصف قيمَة الْعين (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّلَاثِينَ، صفحة / 52 / نقلا عَن الأَصْل للْإِمَام مُحَمَّد، رَحْمَة الله عَلَيْهِ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ وصل إِلَى الْمُسْتَحق، وَهُوَ البَائِع وَالزَّوْج، من غير جِهَة الْمُسْتَحق عَلَيْهِ، وَهُوَ المُشْتَرِي وَالْمَرْأَة. وَنقل صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ قبل ذَلِك، عَن الزِّيَادَات للْإِمَام مُحَمَّد أَيْضا " أَنه لَو اشْترى عينا من غير ذِي الْيَد وَسلم الثّمن إِلَيْهِ ثمَّ خَاصم المُشْتَرِي ذَا الْيَد فَأَخذهَا مِنْهُ بِهِبَة أَو صَدَقَة أَو شِرَاء أَو وَدِيعَة أَو غصب أَو نَحوه فَلَيْسَ لَهُ على الثّمن سَبِيل، لزعمه أَن الثّمن مُسْتَحقّ بِجِهَة الشِّرَاء فَوَقع عَنْهَا، إِذْ الْمُسْتَحق بِجِهَة، وَهُوَ الْمَبِيع، يَقع عَن الْجِهَة الْمُسْتَحقَّة وَلَو أوقعه الْموقع بِجِهَة أُخْرَى ". والجهة الْأُخْرَى هِيَ جِهَة الْهِبَة وَمَا عطف عَلَيْهَا. ثمَّ قَالَ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ عقبه: " أورد أَي مُحَمَّد، هَذِه الْمَسْأَلَة ليبين أَن المُشْتَرِي إِذا وصل إِلَى مُشْتَرِيه يعْتَبر وُصُوله بِجِهَة الشِّرَاء، وصل إِلَيْهِ من جِهَة البَائِع أَو من جِهَة غَيره، وَهَذَا بِخِلَاف مَا ذكر، أَي مُحَمَّد، فِي الأَصْل " - وسَاق عبارَة الأَصْل الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ - وَسكت عَمَّا ذكره من الْمُخَالفَة وَلم يجب عَنهُ وَلم يوفق بَين الْكَلَامَيْنِ، وَسكت عَنهُ محشيه الرَّمْلِيّ، وَكَذَلِكَ لم يتَعَرَّض لَهُ فِي نور الْعين. مَعَ أَنه لَا تخَالف بَين كَلَامي الإِمَام مُحَمَّد، رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَن الْمُسْتَحق، وَهُوَ الْمَبِيع فِي فرع الزِّيَادَات، لم يصل إِلَى الْمُسْتَحق، وَهُوَ المُشْتَرِي،

من غير جِهَة الْمُسْتَحق عَلَيْهِ، وَهُوَ البَائِع، لِأَن إقدام المُشْتَرِي على الشِّرَاء من البَائِع اعْتِرَاف لَهُ بِالْملكِ (ر: رد الْمُحْتَار، كتاب الدَّعْوَى، بحث الِاسْتِحْقَاق، عِنْد قَول الْمَتْن: فَلَو بِإِقْرَار المُشْتَرِي فَلَا رُجُوع، نقلا عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ نَفسه) فَتكون يَد ذِي الْيَد فِي زَعمه لَيست يَد ملك، وَإِذا لم تكن يَد ملك فَبِأَي كَيْفيَّة وصل إِلَيْهِ مِنْهَا يكون واصلاً إِلَيْهِ عَن الْمُسْتَحق عَلَيْهِ، وَهُوَ البَائِع، عين الْمَبِيع الْمُسْتَحق، وَمَا تِلْكَ الْعُقُود الَّتِي عَددهَا فِي الزِّيَادَات، من الْهِبَة وَمَا عطف عَلَيْهَا وَالْغَصْب، إِلَّا وَسَائِل غير مُرَاد للْمُشْتَرِي حقائقها وَلَا أَحْكَامهَا مستخلص بهَا عَن الْمُسْتَحق لَهُ، وإقدامه على الشِّرَاء ثَانِيًا من ذِي الْيَد وَإِن كَانَ يتَضَمَّن أَيْضا نَظِير مَا تضمنه إقدامه على الشِّرَاء الأول من الْإِقْرَار لَهُ بِالْملكِ فَإِنَّهُ لَا يبطل بِهِ إِقْرَاره الأول، إِذْ الْإِقْرَار لَا يبطل بِإِقْرَار يَأْتِي بعده مُخَالفا لَهُ، بل يصير بِالثَّانِي متناقضاً فَلَا يسمع مِنْهُ مَا لم يصر فِي الأول مُكَذبا شرعا (ر: مَا يَأْتِي فِي الْكَلَام على الْقَاعِدَة / 79 / القائلة لَا حجَّة مَعَ التَّنَاقُض) . بِخِلَاف فرعي " الأَصْل " فَإِن الْمَبِيع فَاسِدا وَالْمهْر الْعين فيهمَا خرجا بِالْهبةِ عَن ملك المُشْتَرِي وَالزَّوْجَة ودخلا فِي ملك الْمَوْهُوب لَهُ، وبخروجهما عَن ملكهمَا انْقَطع حق البَائِع من اسْتِرْدَاد عين الْمَبِيع بِالْفَسْخِ، بِحكم الْفساد، وَحقّ الزَّوْج من اسْتِرْدَاد نصف عين الْمهْر، بِالطَّلَاق قبل الدُّخُول، وَتعلق حَقّهمَا بِالْقيمَةِ شرعا، كَمَا يعلم ذَلِك بمراجعة أَحْكَام البيع الْفَاسِد وَأَحْكَام الْمهْر بِكُل سهولة. وَإِذا صَحَّ التَّمْلِيك والتملك بَين الْوَاهِب، وَهُوَ المُشْتَرِي وَالزَّوْجَة، وَبَين الْمَوْهُوب لَهُ، وَانْقطع حق الْمَالِك الْأَصْلِيّ عَن الْعين وَصَارَ الْمُسْتَحق لَهُ هُوَ الْقيمَة يكون بوصول الْعين إِلَيْهِ من الْمَوْهُوب لَهُ قد وصل إِلَيْهِ غير مَا يسْتَحقّهُ، وَهُوَ الْقيمَة، بِخِلَاف فرع الزِّيَادَات فَإِن الْوَاصِل فِيهِ إِلَى الْمُسْتَحق عين مَا يسْتَحقّهُ بِزَعْمِهِ فَلَا تخَالف بَين الْكَلَامَيْنِ. وعَلى هَذَا فَقَوْل صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ: أورد مُحَمَّد هَذِه الْمَسْأَلَة ليبين أَن المُشْتَرِي إِذا وصل ... إِلَخ، لَيْسَ بِظَاهِر، لِأَن الْمَبِيع فِي فرع الزِّيَادَات لم يصل للْمُشْتَرِي من جِهَة غير البَائِع كَمَا بَينا، هَذَا مَا ظهر لي وَالله سُبْحَانَهُ أعلم.

ثالثا المستثنى

(ثَالِثا: الْمُسْتَثْنى) يسْتَثْنى من هَذِه مسَائِل: مِنْهَا: أَن البيع بِلَا ثمن يبطل، وَلَا ينْعَقد هبة، وَلم أر فِيهِ خلافًا. وَكَذَا الْإِجَارَة بِلَا بدل لَا تَنْعَقِد عَارِية إِلَّا على قَول (ر: رد الْمُحْتَار، أَوَائِل الْإِجَارَة) . وَوجه عدم الِانْعِقَاد فِي الفرعين ظَاهر، وَذَلِكَ أَنه دَار الْأَمر فيهمَا بَين عقد مَحْظُور، وَهُوَ البيع بِلَا ثمن وَالْإِجَارَة بِلَا بدل وَكِلَاهُمَا فَاسد وَهُوَ مَحْظُور، وَبَين عقد مُبَاح، وَهُوَ الْهِبَة وَالْعَارِية، فغلب الحاظر، بِخِلَاف بَقِيَّة مَا فرع على الْقَاعِدَة فَإِنَّهُ قد دَار الْأَمر فِي جَمِيعهَا بَين أَمريْن مباحين فَاعْتبر فيهمَا الْمَقْصد وَالْمعْنَى. هَذَا مَا ظهر لي وَالله سُبْحَانَهُ أعلم. (خَاتِمَة) هَذِه فروع مُتَعَلقَة بِبيع الْوَفَاء، مقتطفة من جَامع الْفُصُولَيْنِ، من الْفَصْل الثَّامِن عشر مِنْهُ، تذكر فِي هَذِه الْمَادَّة زِيَادَة للفائدة وَتجْعَل خَاتِمَة لَهَا. (أ) لَا يدْخل الزَّرْع وَالثَّمَر وقوائم الْخلاف فِي بيع الْوَفَاء. وَلَو شَرط دُخُولهَا فِي البيع كَانَ البيع بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا نَافِذا باتاً، وَلها حِصَّة من الثّمن، حَتَّى لَو تفاسخا بيع الْوَفَاء بعد ذَلِك، وَكَانَ المُشْتَرِي قد أَخذ الزَّرْع وَالثَّمَر والقوائم، فَللْبَائِع أَن يقتطع على المُشْتَرِي من الثّمن الَّذِي قَبضه قدر قيمتهَا (كَمَا يُسْتَفَاد ذَلِك من أَوَاخِر صفحة / 240 / وأوائل صفحة / 241 / مِنْهُ) . (ب) مَا كَانَ مَوْجُودا وَقت بيع الْوَفَاء، من الزَّرْع وَالثَّمَر والقوائم، لَا يجْبر المُشْتَرِي على الصّرْف مِنْهُ على الْعقار الْمَبِيع، لِأَنَّهُ دخل فِي ملكه بِحِصَّة من الثّمن، حَتَّى لَو صرف مِنْهُ بعد البيع، وَلَو صرف مِنْهُ على الْمَبِيع فَلهُ رَفعه عِنْد الْفَسْخ، وَإِنَّمَا يجْبر على الصّرْف على الْمَبِيع بِقدر مُتَعَارَف من غلَّة حدثت بعد البيع.

(ج) بَاعَ كرماً بيعا بِالْوَفَاءِ، فَمضى بعض الْمدَّة وَخرج الثَّمر ثمَّ بَاعه من مُشْتَرِي الْوَفَاء بيعا باتاً وَلم يذكر الثَّمر، فالثمر للْبَائِع لَا للْمُشْتَرِي. وَالظَّاهِر أَن هَذَا مَبْنِيّ على القَوْل بِأَنَّهُ رهن من كل الْوُجُوه، فَتكون زوائده مَمْلُوكَة للْبَائِع، وَلَا تدخل فِي البيع بِدُونِ تنصيص عَلَيْهَا. (د) لَو اشْتَرَاهُ وَفَاء ثمَّ أجره ثمَّ البَائِع بَاعه من آخر بيعا باتاً وَأَجَازَ مُشْتَرِي الْوَفَاء هَذَا البيع لَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة، لِأَنَّهُ لَيْسَ بمضطر فِي هَذِه الْإِجَازَة فَبَقيت الْإِجَارَة، وَحَيْثُ إِنَّهَا بقيت تكون أُجْرَة مَا بَقِي من الْمدَّة بعد الْإِجَازَة للمؤجر، وَهُوَ المُشْتَرِي وَفَاء. أما لَو كَانَ فسخ بيع الْوَفَاء من جِهَة البَائِع ينظر، فَإِن كَانَت مُدَّة الْإِجَارَة متعارفة لم تَنْفَسِخ، وَلَو كَانَت غير متعارفة، كَأَن آجره عشر سِنِين، لَا تبقى الْإِجَارَة، لِئَلَّا يتفاحش الضَّرَر، بِخِلَاف الْمدَّة المتعارفة لقلَّة الضَّرَر فِيهَا، وَلَو طَالب المُشْتَرِي البَائِع بِثمن الْوَفَاء وَقد كَانَ آجر الْمَبِيع فَللْبَائِع أَن يمْتَنع من أَدَاء الثّمن مَا لم تَنْفَسِخ الْإِجَارَة، وَمثل انفساخها انْتِهَاء مدَّتهَا. (هـ) البيع بِالْوَفَاءِ يَنْفَسِخ بِالتَّخْلِيَةِ بَين المُشْتَرِي وَبَين ثمنه بِلَا قبض. (كل ذَلِك من صفحة / 241 /) . (و) لَو بَاعَ عقار غَيره لنَفسِهِ (أَي لأجل نَفسه لَا أَنه بَاعه من نَفسه وَجعل نَفسه مُشْتَريا) بيعا بِالْوَفَاءِ ليصرف ثمنه إِلَى مصلحَة نَفسه، وَكَانَ ذَلِك بِأَمْر مَالِكه صَحَّ وَكَانَ كمستعير (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، صفحة / 242 / بِالْمَعْنَى) وَقَوله: وَكَانَ كمستعير، أَي مستعير الرَّهْن. (ز) بَاعَ أرضه وَفَاء فزرعها المُشْتَرِي ثمَّ أدّى البَائِع مَال الْوَفَاء للْمُشْتَرِي حَتَّى انْفَسَخ البيع، وَالزَّرْع بقل، فَهَل يجْبر المُشْتَرِي على تَفْرِيغ الأَرْض أَو تتْرك فِي يَده بِأَجْر الْمثل؟ أجَاب بَعضهم بِأَنَّهُ لَو أدّى البَائِع ثمنه بِطَلَب المُشْتَرِي يجْبر المُشْتَرِي على تفريغها، لَا لَو أَدَّاهُ بِلَا طلبه، بل يتْرك فِي يَده بِأَجْر الْمثل. وَلَو قيل إِنَّه يتْرك فِي يَده بِأَجْر مثله فِي الْوَجْهَيْنِ فَلهُ وَجه (ر: صفحة / 244 / مِنْهُ) ثمَّ نقل بعده مَا يُؤَيّد أَنه يبْقى بِأَجْر الْمثل فِي الْوَجْهَيْنِ. (ح) ادّعى أَنه شراه باتاً ثمَّ ادّعى أَنه شراه وَفَاء لَا تسمع دَعْوَاهُ الثَّانِيَة، لِأَنَّهُ لَا يُمكن توفيقه (ر: صفحة / 247) .

(ط) بَاعه جَائِزا (أَي وَفَاء) ثمَّ احْتَاجَ إِلَى الْعِمَارَة فَفعل بِأَمْر القَاضِي على أَن يرجع فَلهُ الرُّجُوع (ر: نور الْعين، الْفَصْل الثَّامِن عشر) . (ي) بَاعَ كرماً بيعا باتاً أَو وَفَاء فِي أَوَان ورد الثَّمر، قيل يدْخل الثَّمر تبعا، وَهُوَ الصَّوَاب، إِذْ الثَّمر لم يظْهر أَو ظهر وَلَكِن لَا قيمَة لَهُ فَصَارَ كحادث بعد البيع (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ، صفحة / 100) . (ك) لَو قبض المُشْتَرِي الْمَبِيع بيعا جَائِزا (أَي بيع وَفَاء) بِحَضْرَة البَائِع قبل نقد الثّمن وَلم يَنْهَهُ لم يجز قَبضه قِيَاسا واستحساناً حَتَّى كَانَ لَهُ أَن يسْتَردّهُ (ر: بَدَائِع الصَّنَائِع، كتاب الْهِبَة، بحث الْقَبْض ج 6 / 124) . (ل) لَو تواضعا على الْوَفَاء قبل البيع ثمَّ عقد بِلَا شَرط الْوَفَاء فَالْعقد جَائِز، وَلَا عِبْرَة بالمواضعة السَّابِقَة إِلَّا إِذا تَصَادقا أَنَّهُمَا تبَايعا على تِلْكَ الْمُوَاضَعَة (ر: معِين الْحُكَّام، الْبَاب الْأَرْبَعين) . (م) الْكفَالَة بِمَال الْوَفَاء تصح مُضَافَة لَا فِي الْحَال، إِذْ المَال يجب على البَائِع بعد الْفَسْخ لَا فِي الْحَال (ر: الْمحل الْمَذْكُور قبلا) . (ن) بَاعه جَائِزا (أَي بيعا بِالْوَفَاءِ) بوكالة ثمَّ مَاتَ مُوكله لَا يَنْعَزِل بِمَوْتِهِ الْوَكِيل (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّامِن عشر، صفحة / 243) . وَالظَّاهِر أَن معنى عدم انعزال الْوَكِيل بِمَوْت الْمُوكل فِي هَذِه الصُّورَة هُوَ بَقَاء الْحُقُوق مُتَعَلقَة بالوكيل، كَمَا فِي البيع البات، فَالْمُرَاد بِهِ دفع توهم أَن الْوَكِيل بِبيع الْوَفَاء يغاير الْوَكِيل بِالْبيعِ البات.

القاعدة الثالثة

(الْقَاعِدَة الثَّالِثَة " الْمَادَّة / 4 " " الْيَقِين لَا يَزُول بِالشَّكِّ) (أَولا: الشَّرْح) الْيَقِين لُغَة: الْعلم الَّذِي لَا تردد مَعَه، وَهُوَ فِي أصل اللُّغَة: الِاسْتِقْرَار، يُقَال: يقن المَاء فِي الْحَوْض إِذا اسْتَقر. (ر: تعريفات السَّيِّد) . وَلَا يشْتَرط فِي تحقق الْيَقِين الِاعْتِرَاف والتصديق بل يتَصَوَّر مَعَ الْجُحُود، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وجحدوا بهَا واستيقنتها أنفسهم} . وَالْيَقِين فِي اصْطِلَاح عُلَمَاء الْمَعْقُول هُوَ: الِاعْتِقَاد الْجَازِم المطابق للْوَاقِع الثَّابِت. فَخرج بالقيد الأول، أَعنِي الْجَازِم، الظَّن وَغَلَبَة الظَّن، لِأَنَّهُ لَا جزم فيهمَا، وَخرج بالقيد الثَّانِي مَا لَيْسَ مطابقاً للْوَاقِع وَهُوَ الْجَهْل وَإِن كَانَ صَاحبه جَازِمًا. وَخرج بالقيد الثَّالِث اعْتِقَاد الْمُقَلّد فِيمَا كَانَ صَوَابا، لِأَن اعْتِقَاده لما لم يكن عَن دَلِيل كَانَ عرضة للزوال. فَكل ذَلِك لَيْسَ من الْيَقِين فِي شَيْء. لَكِن الْمُنَاسب هُنَا تَفْسِير الْيَقِين بِالْمَعْنَى الأول اللّغَوِيّ، لِأَن الْأَحْكَام الْفِقْهِيَّة إِنَّمَا تبنى على الظَّاهِر، فكثيراً مَا يكون الْأَمر فِي نظر الشَّرْع يَقِينا لَا يَزُول بِالشَّكِّ فِي حِين أَن الْعقل يُجِيز أَن يكون الْوَاقِع خِلَافه، وَذَلِكَ كالأمر الثَّابِت بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة فَإِنَّهُ فِي نظر الشَّرْع يَقِين كَالثَّابِتِ بالعيان، مَعَ أَن شَهَادَة الشُّهُود لَا تخرج عَن كَونهَا خبر آحَاد يُجِيز الْعقل فِيهَا السَّهْو وَالْكذب، وَهَذَا الِاحْتِمَال الضَّعِيف لَا يخرج ذَلِك عَن كَونه يَقِينا لِأَنَّهُ لقُوَّة ضعفه قد طرح أَمَام قُوَّة مُقَابِله وَلم يبْق لَهُ اعْتِبَار فِي نظر النَّاظر. (ر: مَا سَيَأْتِي قَرِيبا) .

وَالشَّكّ: التَّرَدُّد بَين النقيضين بِلَا تَرْجِيح لأَحَدهمَا على الآخر، فَإِن ترجح أَحدهمَا على الآخر بِدَلِيل وَوصل تَرْجِيحه إِلَى دَرَجَة الظُّهُور الَّذِي يَبْنِي عَلَيْهِ الْعَاقِل أُمُوره لَكِن لم يطْرَح الِاحْتِمَال الآخر فَهُوَ الظَّن. فَإِن طرح الِاحْتِمَال الآخر، بِمَعْنى أَنه لم يبْق لَهُ اعْتِبَار فِي النّظر لشدَّة ضعفه، فَهُوَ غَالب الظَّن، وَهُوَ مُعْتَبر شرعا بِمَنْزِلَة الْيَقِين فِي بِنَاء الْأَحْكَام عَلَيْهِ فِي أَكثر الْمسَائِل إِذا كَانَ مُسْتَندا إِلَى دَلِيل مُعْتَبر، وَذَلِكَ كَمَا إِذا رأى إِنْسَان عينا فِي يَد آخر يتَصَرَّف بهَا تَصرفا يغلب على ظن من يُشَاهِدهُ أَنَّهَا ملكه، وَكَانَ مثله يملك مثلهَا، وَلم يخبر الرَّائِي عَدْلَانِ بِأَنَّهَا ملك غَيره، فَإِنَّهُ يجوز لَهُ أَن يشْهد لذِي الْيَد بملكها. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، آخر كتاب الشَّهَادَات) . وَمن غير الْأَكْثَر بعض مسَائِل لَا تعْتَبر فِيهَا غَلَبَة الظَّن، بل لَا بُد فِيهَا من الْيَقِين: (أ) مِنْهَا: مَا لَو عقد الرجل على أُخْتَيْنِ بعقدين متعاقبين وَنسي الأول فَإِنَّهُ يفرق بَينه وَبَين الثِّنْتَيْنِ وَلَا يجوز تَرْجِيح أولية عقد أَحدهمَا على عقد الْأُخْرَى بِغَلَبَة الظَّن، بل لَا بُد من الْعلم، لِأَن التَّحَرِّي لَا يجْرِي فِي مسَائِل الْفروج. (ر: الدُّرَر، كتاب النِّكَاح، مُحرمَات النِّكَاح) . (ب) وَمِنْهَا مَا لَو طلق وَاحِدَة مُعينَة من نِسَائِهِ ثمَّ نَسِيَهَا فَإِنَّهُ لَا يجوز لَهُ أَن يطَأ وَاحِدَة مِنْهُنَّ إِلَّا بعد الْعلم بالمطلقة، وَلَا يَكْفِي التَّحَرِّي وتغليب الظَّن وَلَا يسع الْحَاكِم أَن يخلي بَينه وَبَين نِسَائِهِ حَتَّى يتَبَيَّن، لِأَن التَّحَرِّي إِنَّمَا يجوز فِيمَا يُبَاح عِنْد الضَّرُورَة، والفروج لَا تحل للضَّرُورَة. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر، الْقَاعِدَة السَّابِقَة مِنْهُ) . (ج) وَمِنْهَا الْحَبل، فَإِنَّهُم لم يعتبروا ظُهُور علاماته دَلِيلا جَازِمًا على وجود الْحمل وَلم يبنوا عَلَيْهِ الْأَحْكَام الجازمة وَإِن كَانَ يغلب على ظن كل من رأى الْمَرْأَة أَنَّهَا حَامِل. فَلَو أوصى إِنْسَان للْحَمْل بِشَيْء أَو وقف لَا تصح الْوَصِيَّة لَهُ أَو الْوَقْف عَلَيْهِ إِلَّا إِذا ولد لأَقل من سِتَّة أشهر من وَقت الْوَصِيَّة أَو الْوَقْف لكَي يتَيَقَّن بِوُجُودِهِ وقتهما. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر، الْقَاعِدَة الرَّابِعَة مِنْهُ) .

وَمثل الْولادَة لأَقل من سِتَّة أشهر، فِيمَا يظْهر، مَا لَو مَاتَ أَبوهُ قبل الْوَصِيَّة لَهُ وَالْوَقْف فَإِنَّهُ تصح الْوَصِيَّة لَهُ وَالْوَقْف، فقد قَالَ فِي جَامع أَحْكَام الصغار، فِي كتاب الشُّفْعَة: " قَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى فِي " الأَصْل ": وَالْحمل فِي اسْتِحْقَاق الشُّفْعَة وَالصَّغِير وَالْكَبِير سَوَاء، فَإِن وضعت لأَقل من سِتَّة أشهر مُنْذُ وَقع الشِّرَاء فَلهُ الشُّفْعَة، وَإِن جَاءَت بِهِ لسِتَّة أشهر فَصَاعِدا مُنْذُ وَقع الشِّرَاء فَإِنَّهُ لَا شُفْعَة لَهُ إِلَّا أَن يكون أَبوهُ قد مَاتَ قبل البيع وَورث الْحمل فحينئذٍ يسْتَحق الشُّفْعَة، وَإِن جَاءَت بِهِ لسِتَّة أشهر فَصَاعِدا ". نعم جعلُوا ظُهُور عَلَامَات الْحَبل أَمارَة رجحوا بهَا قَول الْمَرْأَة أَنَّهَا ولدت عِنْد إِنْكَار الزَّوْج للولادة ووقفوا بهَا الْمِيرَاث للْحَمْل. ولينظر فِيمَا إِذا علم وجود الْحمل قبل الْوَصِيَّة أَو الْوَقْف بِالْمُشَاهَدَةِ بِوَاسِطَة الأشعة المخترعة حَدِيثا الْمُسَمَّاة " أشعة رونتجن "، وَكَانَت الْمُشَاهدَة بطرِيق مَشْرُوع كالتداوي، ثمَّ وَلدته لأكْثر من سِتَّة أشهر من وَقت الْوَصِيَّة أَو الْوَقْف، فَهَل يعْتَبر ذَلِك مُوجبا لصِحَّة الْوَصِيَّة وَالْوَقْف للتيقن بِوُجُود الْحمل أَو لَا يعْتَبر؟ وَالظَّاهِر عدم اعْتِبَاره، فَلَا بُد من الْولادَة لأَقل من سِتَّة أشهر، لَا شكا فِيمَا أظهرته الأشعة، بل لِأَنَّهَا إِذا ولدت لأكْثر من سِتَّة أشهر لَا يتَيَقَّن حينئذٍ بِأَن الْمَوْلُود هُوَ الْحمل الَّذِي كَانَ شوهد بالأشعة، لجَوَاز أَن الْمشَاهد أسقط ثمَّ حصل بعده حمل جَدِيد. أما إِذا كَانَت غَلَبَة الظَّن غير مستندة إِلَى دَلِيل فَلَا كَلَام فِي عدم اعْتِبَارهَا مُطلقًا، كَمَا لَو غلب على ظن الْغَاصِب حل الْعين الْمَغْصُوبَة لَهُ بِنَاء على احْتِمَال جعل الْمَالِك إِيَّاه فِي حل مِنْهَا، وكما لَو ظفر إِنْسَان بِمَال الْغَيْر فَأَخذه بِنَاء على احْتِمَال أَن مَالِكه أَبَاحَهُ لمن يَأْخُذهُ، فَإِنَّهُ يكون ضَامِنا وَلَا تعْتَبر غَلَبَة الظَّن هَذِه مهما قويت، لِأَنَّهَا غير مستندة إِلَى دَلِيل، لِأَنَّهُ من مُجَرّد التَّوَهُّم، وَلَا عِبْرَة بالتوهم. (ر: الْمَادَّة / 74 / من الْمجلة) . إِن هَذِه الْقَاعِدَة من أُمَّهَات الْقَوَاعِد الَّتِي عَلَيْهَا مدَار الْأَحْكَام الْفِقْهِيَّة، وَقد قيل إِنَّهَا تدخل فِي جَمِيع أَبْوَاب الْفِقْه، والمسائل المخرجة عَلَيْهَا، من عبادات ومعاملات وَغَيرهَا، يبلغ ثَلَاثَة أَربَاع علم الْفِقْه.

ثانيا التطبيق

وَمَعْنَاهَا أَن مَا كَانَ ثَابتا متيقناً لَا يرْتَفع بِمُجَرَّد طروء الشَّك عَلَيْهِ، لِأَن الْأَمر اليقيني لَا يعقل أَن يُزِيلهُ مَا هُوَ أَضْعَف مِنْهُ بل مَا كَانَ مثله أَو أقوى. هَذَا، وَلَا فرق بَين أَن يكون الْيَقِين السَّابِق: (1) مقتضياً للحظر، (2) أَو مقتضياً للْإِبَاحَة، فَإِن الْعُمْدَة عَلَيْهِ فِي كلتا الْحَالَتَيْنِ، وَلَا يلْتَفت إِلَى الشَّك فِي عرُوض الْمُبِيح على الأول، وعروض الحاظر على الثَّانِي. فَمن الْقسم الأول: مَا لَو غَابَ إِنْسَان غيبَة مُنْقَطِعَة بِحَيْثُ لَا يعلم مَوته وَلَا حَيَاته، فَإِن الْمُعْتَبر الْيَقِين السَّابِق، وَهُوَ حَيَاته، إِلَى أَن يعلم مَوته بِالْبَيِّنَةِ أَو بِمَوْت جَمِيع أقرانه وَإِن كَانَ احْتِمَال مَوته قَائِما فِي كل لَحْظَة، فَلَا يجوز قبل ذَلِك قسْمَة مَاله بَين الْوَرَثَة، وَلَو كَانَ لَهُ وَدِيعَة عِنْد آخر فَيجب على الْمُسْتَوْدع حفظهَا، فَلَو أَعْطَاهَا للْوَرَثَة يكون ضَامِنا. (ر: الْمَادَّة / 785 / من الْمجلة) وَمن الْقسم الثَّانِي: الْفُرُوع الْآتِيَة الذّكر:. (ثَانِيًا: التطبيق) يتَفَرَّع على هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل: (أ) مِنْهَا: مَا إِذا كَانَ إِنْسَان يعلم أَن بكرا مديون لعَمْرو بِأَلف مثلا، فَإِنَّهُ يجوز لَهُ أَن يشْهد على بكر بِالْألف وَإِن خامره الشَّك فِي وفائها أَو فِي إِبْرَاء الدَّائِن لَهُ عَنْهَا، إِذْ لَا عِبْرَة للشَّكّ فِي جَانب الْيَقِين السَّابِق. (ب) وَمِنْهَا: مَا إِذا كَانَ يعلم أَن الْعين الْفُلَانِيَّة كَانَت ملك بكر ثمَّ نازعه فِيهَا أحد، فَإِنَّهُ يجوز لَهُ أَن يشْهد لبكر بِأَن الْعين ملكه وَإِن كَانَ يحْتَمل أَنه بَاعهَا لمن ينازعه. (ج) وَمِنْهَا: مَا لَو ادّعى زيد على عَمْرو ألفا مثلا فَأَقَامَ عَمْرو بَيِّنَة على الْأَدَاء أَو الْإِبْرَاء، فَأَقَامَ زيد أَيْضا بَيِّنَة على أَن لَهُ عَلَيْهِ ألفا، فَإِن بَيِّنَة زيد هَذِه لَا تقبل من غير أَن يبرهن أَن الْألف الْمَشْهُود عَلَيْهَا هِيَ غير تِلْكَ الْألف الَّتِي ادّعى عَمْرو أداءها أَو الْإِبْرَاء عَنْهَا، لِأَن فرَاغ ذمَّة عَمْرو بعد الْبَيِّنَة الَّتِي أَقَامَهَا أصبح يَقِينا، وَالْألف الَّتِي أَقَامَ زيد عَلَيْهَا الْبَيِّنَة مُطلقَة، فَيحْتَمل أَن تكون هِيَ

المرادة أَو المبروء عَنْهَا، فَلَا تشغل ذمَّة عَمْرو بِمُجَرَّد الشَّك، بعد التيقن بفراغها. وَلِأَن الْمُوجب والمسقط إِذا اجْتمعَا يعْتَبر الْمسْقط مُتَأَخِّرًا. (ر: تَنْقِيح الْفَتَاوَى الحامدية، كتاب الدَّعْوَى) . إِذْ السُّقُوط بعد الْوُجُوب. (ر: الْفَتَاوَى الْعمادِيَّة، صفحة / 27 / من الطبعة الكستلية، وَمَا جَاءَ فِي هَذَا الْكَلَام على الْقَاعِدَة / 46 / من الْمجلة) . (د) وَمِمَّا فرع عَلَيْهَا من هَذَا الْقَبِيل أَيْضا مَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَو أقرّ أَنه لَا حق لَهُ فِيمَا بيد فلَان، ثمَّ برهن على شَيْء فِي يَد فلَان أَنه غصبه مِنْهُ، لم يقبل حَتَّى يشْهد بغصبه بعد إِقْرَاره. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ، من بحث أَحْكَام الصّبيان، صفحة / 206) . لِأَن الْإِبْرَاء يعْمل فِيمَا قبله لَا فِيمَا بعده. وَلَا يعْمل فِيمَا بعده إِلَّا فِي مَسْأَلَة، وَهِي: مَا لَو شَرط البَائِع فِي البيع الْبَرَاءَة من كل عيب فِي الْمَبِيع دخل الْعَيْب الْقَدِيم والحادث بعد البيع قبل الْقَبْض. (ر: الدُّرَر وَغَيره، كتاب الْبيُوع، خِيَار الْعَيْب) . (هـ) وَمِنْهَا: مَا لَو اشْترى أحد شَيْئا ثمَّ ادّعى أَن بِهِ عَيْبا وَأَرَادَ رده، وَاخْتلف التُّجَّار أهل الْخِبْرَة فَقَالَ بَعضهم هُوَ عيب وَقَالَ بَعضهم لَيْسَ بِعَيْب، فَلَيْسَ للْمُشْتَرِي الرَّد، لِأَن السَّلامَة هِيَ الأَصْل الْمُتَيَقن فَلَا يثبت الْعَيْب بِالشَّكِّ. (ر: رد الْمُحْتَار، أَوَائِل خِيَار الْعَيْب، نقلا عَن الْخَانِية) فَكَذَا لَو وجد الْعَيْب عِنْد البَائِع ثمَّ عِنْد المُشْتَرِي وَلَكِن اشْتبهَ فَلم يدر أَنه عين الأول أَو غَيره، فَإِنَّهُ لَا يرد. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الْخَامِس وَالْعِشْرين، صفحة / 346) . (و) وَمِنْهَا: مَا لَو رد الْغَاصِب الْعين الْمَغْصُوبَة على من فِي عِيَال الْمَالِك، فَإِنَّهُ لَا يبرأ، لِأَن الرَّد على من فِي عِيَاله رد من وَجه دون وَجه، وَالضَّمان كَانَ وَاجِبا بِيَقِين فَلَا يبرأ بشك. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ، بحث مَا يصدق فِيهِ الْمُودع، صفحة / 150) . (ز) وَمِنْهَا: مَا لَو طلق الرجل زَوجته، وَكَانَت ذَات لبن، وَتَزَوَّجت بآخر بعد عدتهَا فَحملت مِنْهُ وأرضعت طفْلا فِي مُدَّة الْحمل، فَإِن لَبنهَا لم يزل مُعْتَبرا من الزَّوْج الأول، فَتثبت بِهِ حُرْمَة الرَّضَاع بِالنِّسْبَةِ لَهُ، لِأَنَّهُ كَانَ متيقناً أَن اللَّبن

تنبيه

مِنْهُ، فَلَا نحكم بِأَنَّهُ من الثَّانِي بِمُجَرَّد الشَّك الْحَاصِل بِسَبَب حبلها من الزَّوْج الثَّانِي، فَإِذا ولدت يحكم حينئذٍ بِأَن اللَّبن بعد الْولادَة من الثَّانِي. (ر: الدّرّ وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الرَّضَاع) . (تَنْبِيه:) إِن الشَّك، وَإِن كَانَ لَا يقوى على رفع مَا ثَبت حُصُوله يَقِينا فِيمَا مضى، فَإِنَّهُ قد يمْنَع وجوده حُصُول مَا يُزِيلهُ بعد وجوده، يدل لذَلِك مَا جَاءَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: برهن الْمُدعى عَلَيْهِ بعد الحكم، أَن الْمُدَّعِي أقرّ قبل الدَّعْوَى أَنه لَا حق لَهُ فِي الْعين الْمُدعى بهَا فَإِنَّهُ لَا يبطل الحكم، لجَوَاز التَّوْفِيق بِأَن يكون لَا حق لَهُ قبل الدَّعْوَى ثمَّ حدث لَهُ حق فَادّعى، فَلَا يبطل الحكم الْجَائِز: بشكٍ، وَلَو برهن على ذَلِك قبل الحكم تقبل وَلَا يحكم، إِذْ الشَّك يمْنَع الحكم وَلَا يرفعهُ. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، أَوَاخِر الْفَصْل الْعَاشِر، ج 1 / 165، برمز " مش " لمنهاج الشَّرِيعَة - بِبَعْض توضيح) . وَنقل عَن صَاحب التَّنْقِيح أَنه قَالَ عَقبهَا: لَكِن يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا مَبْنِيا على القَوْل بِأَن إِمْكَان التَّوْفِيق كَاف. وَلَكِن لم يظْهر لي صِحَة مَا ادَّعَاهُ من الْبناء الْمَذْكُور أصلا، وَالَّذِي حمله على القَوْل بِهَذَا قَول صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ بِجَوَاز التَّوْفِيق بِأَن يكون ... الخ. فَإِنَّهُ اعْتَبرهُ بَيَانا لما هُوَ مُمكن من التَّوْفِيق، وَلَيْسَ بِظَاهِر بل هُوَ تَوْجِيه وتعليل لعدم بطلَان الحكم، بعد وُقُوعه مُسْتَوْفيا طَرِيقه الشَّرْعِيّ، بِهَذَا الدّفع الْمَشْكُوك فِي إِبْطَاله لَهُ، بِخِلَاف مَا قبل وُقُوعه فَإِنَّهُ دفع لَهُ عَن الْوُقُوع، وَالدَّفْع أسهل من الرّفْع. وَلَو كَانَ كَمَا قَالَ لما اخْتلف حكم الْإِتْيَان بِالدفع الْمَذْكُور قبل الحكم

ثالثا المستثنى

عَمَّا بعده. وَيُقَال كَمَا أَنه إِذا أُتِي بِهِ بعد الحكم لَا يبطل الحكم لِإِمْكَان التَّوْفِيق، كَذَلِك إِذا أُتِي بِهِ قبل الحكم لَا يمْنَع الحكم لِإِمْكَان التَّوْفِيق. وَالْوَاقِع خِلَافه، فَإِن الحكم كَمَا ترى مُخْتَلف. فَلْيتَأَمَّل. هَذَا وَلَا تنَافِي بَين مَا نَقَلْنَاهُ آنِفا، عَن أَوَاخِر الْفَصْل الْعَاشِر من جَامع الْفُصُولَيْنِ، وَبَين مَا جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْخَانِية، من بحث تَكْذِيب الشُّهُود من كتاب الشَّهَادَات وَلَفظه: " فِي الْمُنْتَقى: رجل ادّعى فِي يَد رجل مَتَاعا أَو دَارا أَنَّهَا لَهُ، وَأقَام الْبَيِّنَة وَقضى القَاضِي لَهُ، فَلم يقبضهُ حَتَّى أَقَامَ الَّذِي فِي يَده الْبَيِّنَة أَن الْمُدَّعِي أقرّ عِنْد غير القَاضِي أَنه لَا حق لَهُ فِيهِ، قَالَ: إِن شهدُوا أَنه أقرّ بذلك قبل الْقَضَاء بَطل الْقَضَاء، وَإِن شهدُوا أَنه أقرّ بِهِ بعد الْقَضَاء لَا يبطل الْقَضَاء، لِأَن الثَّابِت بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عيَانًا، وَلَو عاين القَاضِي إِقْرَاره بذلك كَانَ الحكم على هَذَا الْوَجْه " انْتهى، وَنَقله عَن الْفَتَاوَى الْخَانِية فِي رد الْمُحْتَار، أَوَائِل بَاب الِاخْتِلَاف فِي الشَّهَادَة. وَبَيَان عدم التَّنَافِي أَن قَول الْفَتَاوَى الْخَانِية: " إِن شهدُوا أَنه أقرّ بذلك قبل الْقَضَاء " مَعْنَاهُ أَنه قَالَه قبل الْقَضَاء بعد الدَّعْوَى لم يبْق إِمْكَان لما ذكره فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ من جَوَاز التَّوْفِيق بِأَنَّهُ لم يكن لَهُ حق ثمَّ حدث حق فَادّعى فَيبْطل الْقَضَاء لَا محَالة، وَعدم بطلَان الْقَضَاء بِهِ فِيمَا إِذا شهدُوا أَنه قَالَه بعد الْقَضَاء إِنَّمَا هُوَ لكَون قَوْله: " لَا حق لي فِيهِ " يتَنَاوَل الْحَال فَقَط، وَلَيْسَ من ضَرُورَة انْتِفَاء الْحق فِي الْحَال انتفاؤه فِي الْمَاضِي، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ بعد الْقَضَاء: " لم يكن لي فِيهِ حق " فَإِنَّهُ يبطل الْقَضَاء، لِأَنَّهُ يتَنَاوَل الْمَاضِي. (ر: الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة، كتاب الْقَضَاء، الْبَاب الْعَاشِر) . (ثَالِثا _ الْمُسْتَثْنى) يسْتَثْنى من الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة: مَا لَو ادّعى المُشْتَرِي عَيْبا فِي الْمَبِيع مُوجبا لرده على البَائِع، بعد قَبضه الْمَبِيع، فَإِنَّهُ لَا يجْبر على دفع الثّمن للْبَائِع حَتَّى تَنْتَهِي الْخُصُومَة فِي الْعَيْب، فَإِن ثَبت قدم الْعَيْب عِنْد البَائِع يفْسخ القَاضِي البيع، فَإِن عجز المُشْتَرِي عَن الْإِثْبَات يجْبر على دفع الثّمن حينئذٍ. (ر: تنوير الْأَبْصَار وَغَيره، من خِيَار

الْعَيْب) . فقد زَالَ الْيَقِين هَا هُنَا، وَهُوَ وجوب دفع الثّمن الْمُتَيَقن بِهِ للْحَال بِمُجَرَّد الشَّك، وَهُوَ قدم الْعَيْب الْمُحْتَمل الثُّبُوت وَعَدَمه

القاعدة الرابعة

(الْقَاعِدَة الرَّابِعَة (الْمَادَّة / 5)) (" الأَصْل بَقَاء مَا كَانَ على مَا كَانَ ") (أَولا _ الشَّرْح) " الأَصْل بَقَاء مَا كَانَ على مَا كَانَ، حَتَّى يقوم الدَّلِيل على خِلَافه " لِأَن الأَصْل إِذا اعْترض عَلَيْهِ دَلِيل خِلَافه بَطل. (ر: رد الْمُحْتَار، كتاب الدَّعْوَى، آخر دَعْوَى الرجلَيْن، نقلا عَن الزَّيْلَعِيّ) . الأَصْل فِي اللُّغَة: أَسْفَل الشَّيْء، وَفِي الِاصْطِلَاح يُطلق على معَان كَثِيرَة، مِنْهَا أَنه يسْتَعْمل بِمَعْنى القانون وَالْقَاعِدَة المنطبقة على جزئياتها. (ر: كليات أبي الْبَقَاء) ، وَهُوَ المُرَاد هُنَا. وَمعنى هَذِه الْقَاعِدَة أَنه إِذا جهل فِي وَقت الْخُصُومَة حَال الشَّيْء وَلَيْسَ هُنَاكَ دَلِيل يحكم بِمُقْتَضَاهُ، وَكَانَ لذَلِك الشَّيْء حَال سَابِقَة معهودة، فَإِن الأَصْل فِي ذَلِك أَن يحكم بِبَقَائِهِ واستمراره على تِلْكَ الْحَال الْمَعْهُودَة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، حَتَّى يقوم الدَّلِيل على خلاف ذَلِك فيصار حِينَئِذٍ إِلَيْهِ. وَذَلِكَ الدَّلِيل أحد أَرْبَعَة أَشْيَاء: الْبَيِّنَة، وَالْإِقْرَار، والنكول، والأمارة الظَّاهِرَة؛ على أَن النّكُول يرجع إِلَى مُجَرّد الْقَرِينَة الظَّاهِرَة: (ر: مَا سَيَأْتِي عَن معِين الْحُكَّام أثْنَاء الْكَلَام على الْقَاعِدَة الثَّامِنَة: " الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة ") . فَأَما الْبَيِّنَة وَالْإِقْرَار والنكول فأمثلتها وَاضِحَة مَعْلُومَة، وَأما الأمارة الظَّاهِرَة فكتحكيم الْحَال الْآتِي قَرِيبا فِي الْكَلَام على النَّوْع الثَّانِي من نَوْعي الِاسْتِصْحَاب. إِن هَذِه الْقَاعِدَة لَيست من الْقَوَاعِد الْكُلية الَّتِي لَيست دَاخِلَة تَحت غَيرهَا،

ثانيا التطبيق

بل هِيَ _ وَمَا بعْدهَا من الْقَوَاعِد الْآتِيَة حَتَّى الْمَادَّة / 13 / _ من فروع الْمَادَّة الرَّابِعَة الْمُتَقَدّمَة وَهِي " الْيَقِين لَا يَزُول بِالشَّكِّ " وداخلات تحتهَا. (ثَانِيًا _ التطبيق) يتَفَرَّع على هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل كَثِيرَة: (أ) مِنْهَا: مَا لَو ادَّعَت الزَّوْجَة على زَوجهَا عدم وُصُول النَّفَقَة الْمقدرَة إِلَيْهَا، وَادّعى الزَّوْج الإيصال، فَالْقَوْل قَوْلهَا بِيَمِينِهَا، لِأَن الأَصْل بَقَاؤُهَا بعد أَن كَانَت ثَابِتَة فِي ذمَّته حَتَّى يقوم على خِلَافه دَلِيل من بَينه أَو نُكُول. وَمثله: كل مَدين، فَلَو ادّعى الْمُسْتَقْرض دفع الدّين إِلَى الْمقْرض، أَو ادّعى المُشْتَرِي دفع الثّمن إِلَى البَائِع، أَو ادّعى الْمُسْتَأْجر دفع بدل الْإِجَارَة إِلَى الْمُؤَجّر، وَأنكر الْمقْرض وَالْبَائِع والمؤجر الْقَبْض فَالْقَوْل قَوْلهم، لِأَن الأَصْل بَقَاء مبلغ الْقَرْض وَالثمن وَالْأُجْرَة بعد ثُبُوتهَا فِي الذِّمَّة. (ب) وَمِنْهَا: مَا لَو اخْتلف البَائِع وَالْمُشْتَرِي فِي مُضِيّ مُدَّة خِيَار الشَّرْط، أَو فِي مُضِيّ مُدَّة أجل الثّمن، فَالْقَوْل لمنكر الْمُضِيّ، لِأَنَّهُمَا تَصَادقا على ثُبُوت الْخِيَار وَالْأَجَل ثمَّ ادّعى أَحدهمَا السُّقُوط، وَالْأَصْل بقاؤهما بعد الثُّبُوت. (ر: الدُّرَر وحاشيته، أَوَاخِر خِيَار الشَّرْط من كتاب الْبيُوع) . (ج) وَمِنْهَا: مَا لَو بَاعَ إِنْسَان شَيْئَيْنِ صَفْقَة وَاحِدَة فَهَلَك أَحدهمَا عِنْد المُشْتَرِي وَجَاء بِالْآخرِ ليَرُدهُ بِعَيْب فِيهِ على البَائِع بِحِصَّتِهِ من الثّمن، فاختلفا فِي قيمَة الْهَالِك، فَالْقَوْل للْبَائِع. (ر: رد الْمُحْتَار، من البيع الْفَاسِد، عِنْد قَول المُصَنّف: وَفَسَد بيع زَيْت على أَن يزنه فِي ظرفه ويطرح عَن الظّرْف كَذَا رطلا) لِأَن الثّمن جَمِيعه ثَابت فِي ذمَّة المُشْتَرِي فَالْأَصْل بَقَاء الْقدر الْمُخْتَلف فِيهِ فِي ذمَّته حَتَّى يبرهن على دَعْوَاهُ. (د) وَمِنْهَا: مَا لَو ادَّعَت امتداد الطُّهْر وَعدم انْقِضَاء الْعدة، صدقت بِيَمِينِهَا، وَلها نَفَقَة الْعدة، لِأَن الأَصْل بَقَاء الْعدة بعد وجودهَا

يطلقون على هَذَا الأَصْل الْمَذْكُور، أَعنِي قَاعِدَة بَقَاء مَا كَانَ على مَا كَانَ، لَفْظَة (الِاسْتِصْحَاب) ، وَهُوَ عبارَة عَن الحكم على أَمر ثَابت فِي وقتٍ بِثُبُوتِهِ فِي وَقت آخر. وَهُوَ نَوْعَانِ: الأول _ جعل الْأَمر الثَّابِت فِي الْمَاضِي مستصحباً للْحَال، وَمن هَذَا النَّوْع هَذِه الْقَاعِدَة وَمَا تفرع عَلَيْهَا. الثَّانِي _ جعل الْأَمر الثَّابِت فِي الْحَال مستصحباً ومنسحباً للماضي، وَهُوَ الْمُسَمّى بالاستصحاب المعكوس، وبتحكيم الْحَال، وأمثلته كَثِيرَة: مِنْهَا: مَا لَو كَانَ للِابْن الْغَائِب مَال عِنْد أَبِيه، فأنفق الْأَب مِنْهُ على نَفسه، ثمَّ اخْتلفَا فَقَالَ الابْن للْأَب: إِنَّك أنفقت على نَفسك مِنْهُ وَأَنت مُوسر، وَقَالَ الْأَب: أنفقت وَأَنا مُعسر، وَلَا بَيِّنَة لأَحَدهمَا، فَإِنَّهُ يحكم الْحَال؛ فَلَو كَانَ حَال الْخُصُومَة مُعسرا فَالْقَوْل لَهُ، وَلَو مُوسِرًا فَالْقَوْل لِابْنِهِ، وَلَو برهن كل من الْأَب وَالِابْن على دعواهما تقدم بَيِّنَة الابْن. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، أَوَاخِر النَّفَقَة) ، فقد جعل الْيَسَار أَو الْإِعْسَار الْقَائِم فِي الْحَاضِر منسجماً مَعَ الْمَاضِي. وَإِنَّمَا لم يَجْعَل القَوْل قَول مدعي الْإِعْسَار مُطلقًا على أَنه الصّفة الْأَصْلِيَّة فِي الْإِنْسَان، وَالْأَصْل اعْتِبَار بَقَائِهِ، لِأَن اعْتِبَار بَقَاء مَا كَانَ على مَا كَانَ إِنَّمَا هُوَ عِنْد قيام دَلِيل على خِلَافه. (ر: مَا أسلفناه فِي أول الْكَلَام على هَذِه الْقَاعِدَة) ، وَلما كَانَ قيام صفة الْيَسَار حِين الْخُصُومَة أَمارَة ظَاهِرَة فِي تأييد كَلَام مدعيه طرح ذَلِك الأَصْل لقِيَام الدَّلِيل على خِلَافه وَاعْتبر القَوْل لمُدعِي الْيَسَار.

وَمِنْهَا: مَا لَو ادّعى الْمُسْتَأْجر سُقُوط الْأُجْرَة بزعم أَن الْمَأْجُور غصب مِنْهُ ففات الِانْتِفَاع بِهِ وَأنكر الْمُؤَجّر ذَلِك فَإِنَّهُ يحكم الْحَال وَينظر: إِن كَانَ الْمَأْجُور فِي يَد الْغَاصِب حِين الْخُصُومَة فَالْقَوْل للْمُسْتَأْجر، وَإِن لم يكن فِي يَد غَاصِب فَالْقَوْل للمؤجر. (ر: الذَّخِيرَة، من كتاب الْإِجَارَة، الْبَاب الثَّانِي وَالْعِشْرين) . وَالْحَالة الثَّانِيَة وَهِي عدم كَونه فِي يَد غَاصِب، تَشْمَل صُورَتَيْنِ، إِحْدَاهمَا: أَن يكون فِي يَد الْمُسْتَأْجر، وَالثَّانيَِة: أَن لَا يكون فِي يَد أحد. وَمِنْهَا: مَا لَو بَاعَ الْأَب مَال طِفْله ثمَّ بلغ، فَادّعى _ بعد بُلُوغه _ على المُشْتَرِي أَن البيع كَانَ بِغَبن فَاحش وَالْمُشْتَرِي يُنكر ذَلِك، فَإِنَّهُ يحكم الْحَال لَو لم تكن الْمدَّة قدر مَا يتبدل بِهِ السّعر. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل السَّابِع وَالْعِشْرين، صفحة / 28) . وَمِنْهَا: مَسْأَلَة اخْتِلَاف مؤجر الطاحون ومستأجرها فِي أصل انْقِطَاع مَائِهَا الْمَذْكُورَة فِي الْمَادَّة / 1776 / من الْمجلة. وَمَسْأَلَة الِاخْتِلَاف فِي حُدُوث طَرِيق المَاء الَّذِي يجْرِي إِلَى دَار إِنْسَان وَقدمه الْمَذْكُورَة فِي الْمَادَّة / 1777 / مِنْهَا. وَقد اخْتلف فِي حجية الِاسْتِصْحَاب بنوعيه، وَالْمَشْهُور فِي الْمَذْهَب أَنه يصلح حجَّة للدَّفْع لَا للاستحقاق. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر، وجامع الْفُصُولَيْنِ، أَوَائِل الْفَصْل السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ مِنْهُ) . وَذَلِكَ: كَمَا لَو تنَازع اثْنَان فِي جِدَار، وَكَانَ لأَحَدهمَا عَلَيْهِ جُذُوع وَللْآخر اتِّصَال تربيع، فذو التربيع أولى، إِذْ الِاسْتِعْمَال بالتربيع _ وَهُوَ تدَاخل أَطْرَاف اللبنات حِين بنائِهِ _ سَابق على الِاسْتِعْمَال بالجذوع، إِلَّا أَنه لَا ترفع جُذُوع الآخر لِأَن اتِّصَال التربيع من قبيل الظَّاهِر، وَالْملك الثَّابِت بِهِ ثَابت بِنَوْع ظَاهر، وَالظَّاهِر يصلح للدَّفْع لَا للاستحقاق. بِخِلَاف مَا لَو برهن ذُو التربيع أَن الْحَائِط لَهُ، فَإِن جُذُوع الآخر ترفع، إِذْ الْبَيِّنَة حجَّة تصلح للدَّفْع والاستحقاق على الْغَيْر. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ، صفحة / 278، موضحاً) ثمَّ أعَاد الْمَسْأَلَة ثَانِيًا، فِي صفحة / 280 /، وَحكى الْإِجْمَاع على أَن جُذُوع الآخر ترفع لَو برهن

وَلَا يخفى أَن مَا ذكره من أَن جُذُوع الآخر ترفع عِنْد الْإِثْبَات بِالْبَيِّنَةِ إِنَّمَا هُوَ إِذا لم يثبت قدم وَضعهَا، أما إِذا ثَبت أَنَّهَا مَوْضُوعَة من الْقَدِيم فَإِنَّهَا لَا ترفع، إِذا ظهر أَنَّهَا مَوْضُوعَة بِحَق، فَإِن الْقَدِيم يتْرك على قدمه. (ر: مَا سَيَأْتِي فِي الْقَاعِدَة التالية لهَذِهِ) . وكما فِي مَسْأَلَة الْمَفْقُود _ وَهُوَ الْغَائِب غيبَة مُنْقَطِعَة بِحَيْثُ لَا يعرف مَوته أَو حَيَاته _ فَإِنَّهُ يعْتَبر حَيا فِي حق نَفسه، أَي فِي دفع اسْتِحْقَاق الْغَيْر مِنْهُ، إِلَى أَن يثبت مَوته حَقِيقَة بِالْبَيِّنَةِ أَو حكما بِأَن يقْضِي القَاضِي بِمَوْتِهِ بعد موت جَمِيع أقرانه، فَلَا يقسم، قبل ذَلِك، مَاله بَين ورثته وَلَا تفسخ إِجَارَته. وَلَو كَانَ لَهُ وَدِيعَة عِنْد أحد يجب على الْمُسْتَوْدع حفظهَا، وَلَيْسَ لأحد من وَارِث أَو قَاض أَن يَأْخُذهَا مِنْهُ إِذا كَانَ مَأْمُونا عَلَيْهَا. (ر: مَا تقدم فِي شرح الْمَادَّة الرَّابِعَة) . وَيعْتَبر كالميت فِي جَانب الِاسْتِحْقَاق من غَيره، لِأَن اسْتِصْحَاب حَيَاته السَّابِقَة لَا يَكْفِي حجَّة للاستحقاق، فَلَا يَرث من غَيره بل يُوقف نصِيبه من الْمُورث، فَإِن ظهر حَيا أَخذه، وَإِن ثَبت مَوته حَقِيقَة أَو حكما أُعِيد النَّصِيب إِلَى وَرَثَة ذَلِك الْمُورث (ر: الدُّرَر وحاشيته، كتاب الْمَفْقُود) . وكما لَو مَاتَ نَصْرَانِيّ مثلا فَجَاءَت امْرَأَته مسلمة وَقَالَت: أسلمت بعد مَوته فلي الْمِيرَاث، وَقَالَ الْوَرَثَة: أسلمت قبل مَوته فَلَا مِيرَاث لَك، فَالْقَوْل للْوَرَثَة لَا للْمَرْأَة، فَهُنَا كل من الطَّرفَيْنِ متمسك بِنَوْع من الِاسْتِصْحَاب، فالمرأة تُرِيدُ اسْتِحْقَاق الْإِرْث تمسكاً بالاستصحاب الْحَقِيقِيّ، وَهُوَ استمرارها إِلَى مَا بعد موت زَوجهَا على دينه الَّذِي كَانَت تدين بِهِ، والاستصحاب لَا يَكْفِي حجَّة للاستحقاق، وَالْوَرَثَة يدفعونها عَن اسْتِحْقَاق الْإِرْث تمسكاً بالاستصحاب المعكوس، وَهُوَ انسحاب مَانع الْإِرْث الْقَائِم بِالْمَرْأَةِ حِين الْخُصُومَة، أَعنِي إسْلَامهَا، إِلَى مَا قبل موت الزَّوْج، والاستصحاب يَكْفِي حجَّة للدَّفْع، فَكَانَ القَوْل لَهُم. أما لَو مَاتَ الْمُسلم وَله امْرَأَة نَصْرَانِيَّة مثلا، فَجَاءَت بعد مَوته مسلمة وَقَالَت: أسلمت قبل مَوته فلي الْمِيرَاث، وَقَالَ الْوَرَثَة: أسلمت بعد مَوته، فَإِنَّهُ

لَا يكون القَوْل قَوْلهَا حكما لَهَا بالاستصحاب المعكوس الْمُتَقَدّم، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تُرِيدُ بِهِ اسْتِحْقَاق الْإِرْث، وَهُوَ لَا يصلح حجَّة للاستحقاق بل يكون القَوْل للْوَرَثَة أَيْضا حكما بالاستصحاب الْحَقِيقِيّ وَهُوَ بَقَاؤُهَا على دينهَا إِلَى مَا بعد الْمَوْت، لِأَن الْوَرَثَة يدفعونها بذلك عَن الِاسْتِحْقَاق (ر: الْأَشْبَاه والنظائر) وَيشْهد لَهُم ظَاهر الْحُدُوث أَيْضا حَيْثُ يضيفون إسْلَامهَا الْحَادِث لأَقْرَب أوقاته (ر: مَا سَيَأْتِي فِي مستثنيات الْمَادَّة / 11) . هَذَا، وَإِنَّمَا كَانَ الِاسْتِصْحَاب غير حجَّة فِي الِاسْتِحْقَاق لِأَنَّهُ من قبيل الظَّاهِر، وَمُجَرَّد الظَّاهِر لَا ينتهض حجَّة فِي إِلْزَام الْغَيْر، وَلما كَانَ الِاسْتِحْقَاق على الْغَيْر إلزاماً لَهُ لم يكتف فِيهِ بِالظَّاهِرِ. قَالَ الإِمَام الْكَرْخِي فِي أُصُوله: " الأَصْل أَن الظَّاهِر يدْفع الِاسْتِحْقَاق وَلَا يُوجب الِاسْتِحْقَاق "، وَقَالَ الإِمَام النَّسَفِيّ فِي شرح ذَلِك: " من مسَائِل هَذَا الأَصْل أَن من كَانَ فِي يَده دَار فجَاء رجل يدعيها فَظَاهر يَده يدْفع اسْتِحْقَاق الْمُدعى، حَتَّى لَا يقْضى لَهُ إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ. وَلَو بِيعَتْ دَار لجنب هَذِه الدَّار فَأَرَادَ أَخذ الدَّار الْمَبِيعَة بِالشُّفْعَة بِسَبَب الْجوَار لهَذِهِ الدَّار، فَأنْكر الْمُدعى عَلَيْهِ أَن تكون هَذِه الدَّار الَّتِي فِي يَده مَمْلُوكَة لَهُ، فَإِنَّهُ بِظَاهِر يَده لَا يسْتَحق الشُّفْعَة مَا لم يثبت أَن هَذِه الدَّار ملكه. وَذكر ابْن نجيم فِي الْأَشْبَاه، نقلا عَن التَّحْرِير، أَن الْأَوْجه أَن الِاسْتِصْحَاب لَيْسَ بِحجَّة مُطلقًا لَا فِي الدّفع وَلَا فِي الِاسْتِحْقَاق، وَأَن مَا يدل بِظَاهِرِهِ من الْفُرُوع على أَنه حجَّة فِي الدّفع فَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَة احتجاجاً بالاستصحاب، بل باستمرار الْعَدَم الَّذِي هُوَ الأَصْل فِي الْأَشْيَاء. هَكَذَا ذكرُوا، وَلم يظْهر لي، لِأَن اسْتِمْرَار الْعَدَم فِي الْمسَائِل العدمية هُوَ عين الِاسْتِصْحَاب الْمَذْكُور، وَلَا فرق بَينهمَا إِلَّا فِي التَّعْبِير. على أَن كثيرا من الْأُمُور الَّتِي حكمُوا فِيهَا بالاستصحاب لَيست من الْأُمُور العدمية حَتَّى يَصح أَن يُقَال فِيهَا إِن الِاحْتِجَاج بهَا من قبيل الِاحْتِجَاج باستمرار الْعَدَم الْأَصْلِيّ، بل هُوَ من الْأُمُور الوجودية الْعَارِضَة، كَمَا فِي مَسْأَلَة اخْتِلَاف الْأَب وَالِابْن فِي الْيَسَار والإعسار الْمُتَقَدّمَة، فقد حكم فِيهَا بيسار الْأَب الْمَاضِي لما كَانَ مُوسِرًا وَقت الْخُصُومَة، فَكيف يُمكن أَن يعْتَبر هَذَا حكما باستمرار الْعَدَم الْأَصْلِيّ؟ ... .

ثالثا المستثنى

(ثَالِثا _ الْمُسْتَثْنى) خرج عَن هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل: مِنْهَا: مَا تقدم فِي الْمَادَّة / 3 / من أَن الْمُودع إِذا ادّعى رد الْوَدِيعَة أَو هلاكها، وَالْمَالِك يُنكر، فَالْقَوْل للْمُودع، مَعَ أَن الأَصْل بَقَاؤُهَا عِنْده، وَذَلِكَ لِأَن كل أَمِين ادّعى رد الْأَمَانَة إِلَى مستحقها فَالْقَوْل قَوْله بِيَمِينِهِ، لِأَن الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة وَعدم التَّعَدِّي وَالتَّقْصِير. وَمِنْهَا: مَا لَو ادَّعَت الْمَرْأَة مُضِيّ عدتهَا فِي مُدَّة تحْتَمل، صدقت بِيَمِينِهَا (ر: التَّنْوِير، بَاب الْعدة) مَعَ أَن الأَصْل بَقَاء الْعدة بعد وجودهَا، وَذَلِكَ لِأَن مُضِيّ الْعدة من الْأُمُور الَّتِي لَا تعلم إِلَّا مِنْهَا، فَإِذا لم يقبل قَوْلهَا فِي مضيها لَا يُمكن ثُبُوت مضيها أصلا، فَقبل قَوْلهَا فِي ذَلِك ضَرُورَة.

((صفحة فارغة))

القاعدة الخامسة

(الْقَاعِدَة الْخَامِسَة (الْمَادَّة / 6)) (" الْقَدِيم يتْرك على قدمه ") (أَولا _ الشَّرْح) [" الْقَدِيم يتْرك على قدمه "] إِلَّا إِذا قَامَ الدَّلِيل على خِلَافه، كَمَا فِي الْمَادَّة / 1224 / من الْمجلة. الْقَدِيم: هُوَ الَّذِي لَا يُوجد من يعرف أَوله. (ر: الْمَادَّة / 166 / من الْمجلة) . وَمعنى هَذِه الْقَاعِدَة أَن الْمُتَنَازع فِيهِ إِذا كَانَ قَدِيما تراعى فِيهِ حَالَته الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا من الْقَدِيم، بِلَا زِيَادَة وَلَا نقص وَلَا تَغْيِير وَلَا تَحْويل. وَإِنَّمَا لم يجز تَغْيِير الْقَدِيم عَن حَاله أَو رَفعه بِدُونِ إِذن صَاحبه لِأَنَّهُ لما كَانَ من الزَّمن الْقَدِيم على هَذِه الْحَالة الْمُشَاهدَة فَالْأَصْل بَقَاؤُهُ على مَا كَانَ عَلَيْهِ، ولغلبة الظَّن بِأَنَّهُ مَا وضع إِلَّا بِوَجْه شَرْعِي (ر: الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّة، فصل الْحِيطَان) . فَلَو كَانَ لأحد جنَاح فِي دَاره مَمْدُود على أَرض الْغَيْر، أَو كَانَ لداره مسيل مَاء أَو أقذار فِي أَرض الْغَيْر، أَو كَانَ لَهُ ممر إِلَى دَاره مثلا فِي أَرض الْغَيْر، وَكَانَ ذَلِك الْجنَاح أَو المسيل أَو الْمَمَر قَدِيما لَا يعرف أحد من الْحَاضِرين مبدأ لحدوثه، فَأَرَادَ صَاحب الأَرْض أَن يمْنَع صَاحب الدَّار من مد الْجنَاح أَو التسييل أَو الْمُرُور فِي أرضه، أَو أَرَادَ أَن يحول المسيل أَو الْمَمَر ويغيره عَن حَاله الْقَدِيم فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك إِلَّا بِإِذن صَاحبه (ر: الْموَاد / 1224 و 1225 و 1229 / من الْمجلة) .

وَكَذَا لَيْسَ لصَاحب الْحق نَفسه أَن يحوله من جِهَة إِلَى جِهَة، أَو يصرف الْمَمَر مثلا إِلَى دَار أُخْرَى لَهُ، إِلَّا إِذا أذن لَهُ الآخر، وللآذن ولورثته من بعده الرُّجُوع عَن هَذَا الْإِذْن وتكليف صَاحب الْحق بإعادته إِلَى الْحَالة الأولى، وَوجه جَوَاز الرُّجُوع، كَمَا فِي الْخَانِية، أَن ذَلِك الْإِذْن من قبيل الْإِعَارَة، وَهِي غير لَازِمَة. بِخِلَاف مَا لَو بنى صَاحب الأَرْض بِنَاء فِي الْمَمَر بِإِذن صَاحب حق الْمُرُور فَإِنَّهُ يسْقط حق مروره وَلَا يكون لَهُ بعد ذَلِك حق الْمُخَاصمَة مَعَ صَاحب الأَرْض لاستعادته، لِأَن إِذْنه ذَلِك إِسْقَاط لحقه، إِلَّا إِذا كَانَ صَاحب الْحق مَالِكًا لرقبة الطَّرِيق فَلَا يمْنَع من الْمُخَاصمَة واستعادته بعد إِذْنه بِالْبِنَاءِ، لِأَن الْملك لَا يسْقط بالإسقاط، قَالَ فِي فصل الْأَنْهَار من الْفَتَاوَى الْخَانِية: " وَلَو قَالَ صَاحب المسيل: أبطلت حَقي فِي المسيل، فَإِن كَانَ لَهُ حق إِجْرَاء المَاء دون الرَّقَبَة بَطل حَقه، وَإِن كَانَ لَهُ رَقَبَة المسيل لَا يبطل ذَلِك بالإبطال ". وَكَذَلِكَ لَو كَانَ نهر، بَين قوم، يَأْخُذ المَاء من النَّهر الْأَعْظَم، فَمنهمْ من لَهُ فِيهِ كوتان وَمِنْهُم من لَهُ ثَلَاث، فَقَالَ أَصْحَاب الكوى السُّفْلى لأَصْحَاب الْعليا: إِنَّكُم تأخذون من المَاء أَكثر من نصيبكم، لِأَن كَثْرَة المَاء وَرَفعه يكون فِي أَعلَى النَّهر فَيدْخل فِي كواكم شَيْء كثير، وَنحن لَا نرضى بِهَذَا، ونجعل لكم أَيَّامًا مَعْلُومَة ونسد فِي أيامكم كوانا وَلنَا أَيَّامًا مَعْلُومَة وَأَنْتُم تسدون فِيهَا كواكم، فَلَيْسَ لَهُم ذَلِك، بل يتْرك على حَاله كَمَا كَانَ. وَكَذَا لَو اخْتصم أهل النَّهر فَادّعى بَعضهم زِيَادَة لم يكن ذَلِك إِلَّا بِحجَّة. وَالْأَصْل فِي جنس هَذَا أَن مَا كَانَ قَدِيما يتْرك على حَاله وَلَا يُغير إِلَّا بِحجَّة (ر: الْفَتَاوَى الْخَانِية، فصل الْأَنْهَار) . لَا يشْتَرط فِي اعْتِبَار التَّصَرُّف الْقَدِيم أَن يكون مَا يتَصَرَّف بِهِ قَائِما فِي يَد الْمُتَصَرف إِلَى حِين الْخُصُومَة، بل يَكْفِي أَن يثبت الْمُدَّعِي وجوده فِي يَده قبل الْخُصُومَة، وَأَن الْمُدعى عَلَيْهِ أحدث يَده عَلَيْهِ وَمنع الْمُدَّعِي مِنْهُ، فَإِنَّهُ يحكم بِهِ للْمُدَّعِي، لِأَن الْيَد الْحَادِثَة لَا عِبْرَة بهَا بل الْعبْرَة لليد الْحَقِيقِيَّة (ر: الْبَحْر الرَّائِق شرح كنز الدقائق، كتاب الدَّعْوَى، أَوَائِل دَعْوَى الرجلَيْن، ج 7 / 256) . وَقد نصوا أَنه لَو كَانَ لرجل نهر يجْرِي فِي أَرض غَيره لسقي أراضيه، وَهُوَ فِي يَده يكريه ويغرس فِي حافتيه الْأَشْجَار مثلا، فَأَرَادَ صَاحب الأَرْض أَن

لَا يجْرِي النَّهر فِي أرضه فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك، بل يتْرك على حَاله، لِأَن من هُوَ فِي يَده يَسْتَعْمِلهُ بإجراء مَائه وَنَحْوه، فَعِنْدَ الِاخْتِلَاف القَوْل قَوْله، فَلَو لم يكن فِي يَده وَلم يكن جَارِيا وَقت الْخُصُومَة، فَإِن كَانَ يَدعِي رَقَبَة النَّهر فَعَلَيهِ أَن يثبت أَنه لَهُ، وَإِن كَانَ يَدعِي حق الإجراء فِي النَّهر فَعَلَيهِ أَن يثبت أَنه كَانَ يجْرِي من الْقَدِيم لسقي أراضيه، فَيحكم لَهُ حِينَئِذٍ بِملك رَقَبَة النَّهر فِي الصُّورَة الأولى، وبحق الإجراء فِي الثَّانِيَة. وبمثل ذَلِك يحسم الِاخْتِلَاف إِذا وَقع فِي حق الْمُرُور، أَو حق التسييل فِي أَرض أَو على سطح، أَو فِي دَار، أَو فِي طَرِيق خَاص، أَو بَين علو وسفل (ر: الْهِدَايَة وشروحها والملتقى والتنوير، فصل الشّرْب، والمادة / 1177 / من الْمجلة) . هَذَا، ثمَّ إِذا جهل حَال الْمُتَنَازع فِيهِ وَلم يعرف هَل هُوَ قديم أَو حَادث، فَالْأَصْل فِيهِ أَنه إِن كَانَ فِي طَرِيق خَاص يعْتَبر قَدِيما حَتَّى يقوم الدَّلِيل على خِلَافه، وَإِن كَانَ فِي طَرِيق الْعَامَّة يعْتَبر حَدِيثا، فللإمام أَن ينْقضه (ر: شرح الْمَادَّة / 224 / من مرْآة الْمجلة) . وَالْمرَاد بِالطَّرِيقِ الْخَاص فِي قَوْلهم: " فَالْأَصْل فِيهِ أَنه إِن كَانَ فِي طَرِيق خَاص يعْتَبر قَدِيما " هُوَ مَا كَانَ مَمْلُوكا رَقَبَة لقوم وَلَيْسَ للعامة فِيهِ حق أصلا، كَمَا إِذا كَانَت أَرض مُشْتَركَة بَين قوم بنوا فِيهَا مسَاكِن وَجعلُوا بَينهم مِنْهَا طَرِيقا حَتَّى كَانَ مَمْلُوكا لَهُم على الْخُصُوص، فَأَما إِذا كَانَت السِّكَّة مختطة من الأَصْل فَحكمهَا حكم طَرِيق الْعَامَّة وَلَو غير نَافِذَة إِذْ هِيَ ملك الْعَامَّة، أَلا يرى أَن لَهُم أَن يدخلوها عِنْد الزحام. وَهَذَا التَّفْسِير يَأْتِي فِي جَمِيع الْأَحْكَام الَّتِي تذكر فِي غير النافذة (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ الْفَصْل الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ، صفحة / 263 / نقلا عَن خُوَاهَر زَاده) . اخْتلف الْإِفْتَاء فِي اعْتِبَار التَّصَرُّف الْقَدِيم فِي الْحُقُوق، فَأفْتى المرحوم خير الدّين الرَّمْلِيّ، فِي سُؤال رفع إِلَيْهِ، بِمَا يُفِيد عدم اعْتِبَاره، وَأَنه لَا بُد من إِقَامَة الْبَيِّنَة على الْحق الْمُدعى بِهِ بِخُصُوصِهِ، وَتمسك بمسائل نصوا عَلَيْهَا، وَهِي أَن من

ادّعى حق الْمُرُور أَو رَقَبَة الطَّرِيق، وَأقَام بَيِّنَة شهِدت لَهُ بِأَنَّهُ كَانَ يمر فِي هَذِه لَا يسْتَحق بذلك شَيْئا، وَأَن الشَّاهِد إِذا فسر للْقَاضِي أَنه يشْهد بِالْملكِ بِنَاء على مُعَاينَة الْيَد لَا تقبل شَهَادَته. وَاسْتشْهدَ لَهُ المرحوم ابْن عابدين، فِي تَنْقِيح الْفَتَاوَى الحامدية، بِمَا نصوا عَلَيْهِ من أَن الْوَقْف إِذا كَانَ على الْقَرَابَة، وَادّعى رجل أَنه من الْقَرَابَة وَأقَام بَيِّنَة شهِدت أَن الْوَاقِف كَانَ يُعْطِيهِ كل سنة مَعَ الْقَرَابَة لَا يسْتَحق بِهَذِهِ الشَّهَادَة شَيْئا، وَكَذَا لَو شهدُوا بِإِعْطَاء القَاضِي لَهُ مَعَ الْقَرَابَة كل سنة لَا يكون إِعْطَاء القَاضِي حجَّة. انْتهى. وكل هَذِه الْفُرُوع لَا تصلح للتمسك، لِأَن الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة فِيهَا لَيست من قبيل دَعْوَى التَّصَرُّف الْقَدِيم الْمُفَسّر بِمَا تقدم، وَلَا من قبيل الشَّهَادَة بِهِ كَمَا هُوَ ظَاهر. كَيفَ وَكتب الْمَذْهَب والفتاوى ناطقة بِلُزُوم اعْتِبَاره، وَقد أفتى بِاعْتِبَارِهِ حَامِد أَفَنْدِي الْعِمَادِيّ، فِي محلات عديدة من فَتَاوِيهِ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهَا نفس المرحوم ابْن عابدين، وَنقل عَن الشَّيْخ إِسْمَاعِيل الحائك أَنه أفتى بِاعْتِبَارِهِ أَيْضا، وكل ذَلِك بِنَاء على مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كتب الْمَذْهَب من اعْتِبَاره. وصرحوا أَيْضا بِأَن اعْتِبَاره هُوَ الِاسْتِحْسَان، وَأَن عَلَيْهِ الْفَتْوَى. لَو ادّعى أحد الْخَصْمَيْنِ الْحُدُوث، وَادّعى الآخر الْقدَم، فَالْقَوْل قَول من يَدعِي الْقدَم، وَالْبَيِّنَة بَيِّنَة من يَدعِي الْحُدُوث (ر: تَنْقِيح الْفَتَاوَى الحامدية، والمادة / 1768 / من الْمجلة) . بَقِي هَا هُنَا شَيْء يكثر وُقُوعه، وَلم أر من تعرض لَهُ وَهُوَ مَا لَو ادّعى أَحدهمَا الْحُدُوث وَادّعى الآخر مُرُور الزَّمن، فَهَل يُكَلف مدعي الْحُدُوث الْبَيِّنَة أَو يُكَلف الْبَيِّنَة مدعي مُرُور الزَّمن؟ لقَائِل أَن يَقُول بِالْأولِ، وَأَنه إِذا ثَبت الْحُدُوث لَا تسمع دَعْوَى مُرُور الزَّمن، وَذَلِكَ لِأَن مدعي الْقدَم يَدعِي مُضِيّ مُدَّة على الْأَمر الْمُتَنَازع فِيهِ هِيَ أَضْعَاف مُدَّة مُرُور الزَّمن، لِأَن الْقَدِيم، كَمَا تقدم، مَا لَا يُوجد من يعرف أَوله، وَهَذَا لَا يكون غَالِبا إِلَّا بعد أَن يمْضِي عَلَيْهِ أَكثر من ثَمَانِينَ أَو تسعين سنة، وَقد

تقدم، فِي الْكَلَام على الْقَاعِدَة الثَّانِيَة، أَن كَون الْعبْرَة للمعاني يجْرِي فِي الدَّعَاوَى والخصومات أَيْضا، فَكَأَنَّهُ بِدَعْوَى الْقدَم يَدعِي مُرُور الزَّمن مضاعفاً، وَلم يجْعَلُوا لَهُ، وَالْحَالة هَذِه، غير كَون القَوْل قَوْله فَقَط، وَلم يجْعَلُوا الْبَيِّنَة بَينته بل جعلُوا الْبَيِّنَة بَيِّنَة مدعي الْحُدُوث بِلَا اسْتثِْنَاء. وَلَو قُلْنَا بِتَقْدِيم بَيِّنَة مُرُور الزَّمن لم يبْق من فَائِدَة لتدوين مَا بني على اعْتِبَار الْقدَم والحدوث من الْأَحْكَام، ولأصبح كثير من مواد الْمجلة الَّتِي تَدور عَلَيْهَا سدى ومعطلاً عَن الْعَمَل بِهِ، كهذه الْمَادَّة وَالَّتِي بعْدهَا، ومادة / 1224 و 1228 و 1229 و 1230 و 1232 /، وَلَيْسَ ادِّعَاء ذَلِك والإقدام عَلَيْهِ بِالْأَمر السهل! . وَلقَائِل أَن يَقُول بِتَقْدِيم بَيِّنَة مدعي مُرُور الزَّمن وَذَلِكَ لِأَن مدعيه يَدعِي عدم صَلَاحِية الْحَاكِم لرؤية الدَّعْوَى عَلَيْهِ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة يُنَازع الْحَاكِم فِي ذَلِك قبل الدُّخُول فِي الدَّعْوَى، فَإِذا ثَبت مُرُور الزَّمن تبين أَن الْحَاكِم لَيْسَ بحاكم فِي هَذِه الدَّعْوَى، بِخِلَاف مَا إِذا ادّعى الْقدَم دون مُرُور الزَّمن فَإِنَّهُ يكون حِينَئِذٍ قد اخْتَار جِهَة الدُّخُول فِي الدَّعْوَى، وَأجَاب خَصمه عَنْهَا، وَذَلِكَ مِنْهُ تَسْلِيم لصلاحية الْحَاكِم لسَمَاع الدَّعْوَى عَلَيْهِ، وَحَيْثُ كَانَ خَصمه يَدعِي الْحُدُوث فَالْبَيِّنَة بَينته، وَهَذَا بِلَا شكّ أوجه وأمتن. وَالله سُبْحَانَهُ أعلم.

((صفحة فارغة))

القاعدة السادسة

(الْقَاعِدَة السَّادِسَة (الْمَادَّة / 7)) (" الضَّرَر لَا يكون قَدِيما ") (أَولا _ الشَّرْح) الْمَعْنى أَن الضَّرَر قديمه كحديثه فِي الحكم، فَلَا يُرَاعى قدمه وَلَا يعْتَبر، بل يزَال. وَلَيْسَ المُرَاد أَنه لَا يتَصَوَّر تقادم عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يُوجد من يعرف أَوله. إِن هَذِه الْقَاعِدَة بِمَنْزِلَة الْقَيْد للَّتِي قبلهَا، فَوضعت عَقبهَا لإِفَادَة أَن الْقَاعِدَة السَّابِقَة لَيست على إِطْلَاقهَا، بل هِيَ مُقَيّدَة بِأَن لَا يكون الْقَدِيم ضَرَرا، فَلَو كَانَ ضَرَرا فَإِنَّهُ يزَال وَلَا عِبْرَة بقدمه، على مَا سَيَأْتِي تَفْصِيله، كَمَا صرحت بِهِ الْمَادَّة بقولِهَا: أَي إِذا كَانَ الْقَدِيم ... الخ. وَذَلِكَ لِأَن الْقَدِيم إِنَّمَا اعْتبر لغَلَبَة الظَّن بِأَنَّهُ مَا وضع إِلَّا بِوَجْه شَرْعِي (ر: مَا قدمْنَاهُ فِي الْقَاعِدَة السَّابِقَة عَن الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّة) فَإِذا كَانَ مضراً يكون ضَرَره دَلِيلا على أَنه لم يوضع بِوَجْه شَرْعِي، إِذْ لَا وَجه شَرْعِيًّا يجوز الْإِضْرَار بِالْغَيْر (ر: الْمَادَّة / 19 / من الْمجلة) . (ثَانِيًا: التطبيق وتتمة الشَّرْح) ثمَّ إِن المُرَاد بِالضَّرَرِ الَّذِي يزَال وَلَا يُرَاعى قدمه مَا كَانَ ضَرَرا بَينا، أَي فَاحِشا. وَبَيَان ذَلِك أَن الضَّرَر قِسْمَانِ: (1) عَام، (2) وخاص. 1 - أما الْعَام فَإِنَّهُ يزَال مُطلقًا بِلَا تَفْصِيل فِيهِ بَين الْفَاحِش وَغير الْفَاحِش، لِأَن كَونه عَاما يَكْفِي لاعتباره فَاحِشا، كَمَا لَو كَانَ لدار مسيل مَاء

أَو أقذار فِي الطَّرِيق الْعَام يضر بالمارين، أَو غرفَة بارزة وطيئة تمنع النَّاس من الْمُرُور تحتهَا لتسفلها، فَإِن كل ذَلِك يزَال مهما كَانَ قَدِيما (ر: الْمَادَّة / 1214 و 1224 / من الْمجلة) . 2 - وَأما الْخَاص فَهُوَ نَوْعَانِ: فَاحش، وَغير فَاحش. (أ) فالفاحش يزَال كَمَا يزَال الضَّرَر الْعَام، وَلَا عِبْرَة لقدمه، وَذَلِكَ كَمَا لَو كَانَ لرجل مسيل مَاء أَو أقذار يجْرِي فِي دَار آخر من الْقَدِيم، وَكَانَ يوهن بِنَاء الدَّار أَو ينجس مَاء بِئْرهَا، فَإِن لصَاحب الدَّار أَن يُكَلف ذَلِك الرجل بِإِزَالَة هَذَا الضَّرَر بِصُورَة تحفظ الْبناء من التوهين وَالْمَاء من التَّنْجِيس بِأَيّ وَجه كَانَ. وَمثله مَا ذكره فِي الْفَتَاوَى الْخَانِية، فِي فصل الْأَنْهَار، بقوله: بالوعة قديمَة لرجل على شفة نهر يدْخل فِي سكَّة غير نَافِذَة، قَالَ أَبُو بكر الْبَلْخِي رَحمَه الله تَعَالَى: لَا عِبْرَة للقديم والْحَدِيث فِي هَذَانِ وَيُؤمر بِرَفْعِهِ فَإِن لم يرفعهُ يرفع الْأَمر إِلَى صَاحب الْحِسْبَة ليأمره بِالرَّفْع. انْتهى. وَكَذَا لَو كَانَ داران قديمتان ولإحداهما مطل أَو شباك من الْقَدِيم على مقرّ النِّسَاء فِي الدَّار الْأُخْرَى، فَإِن صَاحب المطل أَو الشباك يجْبر على إِزَالَة هَذَا الضَّرَر، بِمَنْع النّظر بِوَجْه من الْوُجُوه، فَلَو كَانَت الدَّار الَّتِي فِيهَا المطل أَو الشباك هِيَ قديمَة فجَاء آخر فأحدث بجانبها دَارا بِحَيْثُ صَار المطل أَو الشباك مشرفاً على مقرّ النِّسَاء فِيهَا، فَإِن صَاحب الدَّار الحديثة هُوَ الَّذِي يُكَلف حِينَئِذٍ بِإِزَالَة هَذَا الضَّرَر عَن نَفسه لِأَنَّهُ هُوَ محدثه والمتعرض لَهُ (ر: الْمَادَّة / 1207 / من الْمجلة) . (ب) وَأما الضَّرَر الْخَاص غير الْفَاحِش، كَمَا لَو كَانَ لدار رجلٍ حق إِلْقَاء القمامات والثلوج أَو حق التسييل فِي أَرض الْغَيْر أَو فِي طَرِيق خَاص، فَإِن كل ذَلِك فِيهِ نوع ضَرَر وَلكنه دون الضَّرَر السَّابِق الْفَاحِش. فَإِذا كَانَ من الْقَدِيم يعْتَبر قدمه ويراعى وَلَا يجوز تَغْيِيره أَو تبديله بِغَيْر رضَا صَاحب الْحق، كَمَا تقدم مفصلا فِي شرح الْقَاعِدَة السَّابِقَة، لِأَنَّهُ يُمكن حِينَئِذٍ أَن يكون مُسْتَحقّا بِوَجْه من الْوُجُوه الشَّرْعِيَّة.

هَذَا وَلم أر من أفْصح عَن ضَابِط كلي يُمَيّز الضَّرَر الْفَاحِش من غير الْفَاحِش، وتطبق عَلَيْهِ الْفُرُوع الْمَذْكُورَة وأمثالها، وَإِنَّمَا بيّنت الْمجلة الضَّرَر الْفَاحِش فِي الْمَادَّة / 1199 / بِأَنَّهُ كل مَا يمْنَع الْحَوَائِج الْأَصْلِيَّة الْمَقْصُودَة من الْبناء كالسكنى، أَو يضر بِالْبِنَاءِ ويوهنه، لَكِن هَذَا كَمَا ترى غير مُفِيد فِي تَمْيِيز الْفَاحِش من غَيره الْفَائِدَة الْمَطْلُوبَة، لِأَن الْحَوَائِج الْأَصْلِيَّة كلمة مجملة تتنازع فِيهَا الأفهام وتتخالف فِي تحديدها، على أَن مَوْضُوع مَادَّة الْمجلة الْمَذْكُورَة فِي الضَّرَر الَّذِي يُرِيد الْإِنْسَان إحداثه مجدداً بِإِزَاءِ جَاره، لَا فِي تَقْسِيم الضَّرَر الْقَدِيم الَّذِي نتكلم الْآن فِيهِ، وَفرق بَينهمَا. فَالَّذِي يظْهر من إجالة النّظر فِي الْفُرُوع الْمُتَقَدّمَة وتعاليلها وَالْوُجُوه الَّتِي بهَا اخْتلفت أَحْكَامهَا أَن يُقَال: الضَّابِط لذَلِك هُوَ: " أَن كل مَا يُمكن أَن يسْتَحق على الْغَيْر بِوَجْه من الْوُجُوه الشَّرْعِيَّة فَهُوَ لَيْسَ بِضَرَر فَاحش، فَتجب حِينَئِذٍ مُرَاعَاة قدمه إِذا كَانَ قَدِيما، وَمَا لَا يُمكن أَن يسْتَحق على الْغَيْر بِوَجْه شَرْعِي فَهُوَ ضَرَر فَاحش، وَيرْفَع مهما كَانَ قَدِيما ". فَمثل توهين بِنَاء الْغَيْر، وتنجيس مَاء بئره، وَالنَّظَر إِلَى مقرّ نِسَائِهِ لَا يُمكن أَن يسْتَحقّهُ الْإِنْسَان على الْغَيْر بِوَجْه من الْوُجُوه. وَمثل حق الْمُرُور أَو التسييل فِي أَرض الْغَيْر، وَحقّ وضع الْجذع على جِدَار الْغَيْر، وَمد الْجنَاح أَو الغرفة البارزين الواطئين فِي ملك الْغَيْر وَالطَّرِيق الْخَاص هُوَ مِمَّا يُمكن أَن يسْتَحقّهُ الْإِنْسَان على الْغَيْر بِوَجْه شَرْعِي، كَمَا لَو كَانَت الداران مشتركتين على الشُّيُوع بَين رجلَيْنِ فاقتسماها واختص كل وَاحِد بِوَاحِدَة على شَرط بَقَاء الْحُقُوق الْمَذْكُورَة، أَو أَن من كَانَتَا فِي ملكه بَاعَ إِحْدَاهمَا وَشرط حِين البيع إبْقَاء الْحُقُوق لَهُ فِي الدَّار الْمَبِيعَة، فَإِن تِلْكَ الْقِسْمَة وَذَلِكَ البيع وَالشّرط صَحِيحَانِ (ر: الْمَادَّة / 1166 / من الْمجلة، ورد الْمُحْتَار، كتاب الْبيُوع، بَاب الْحُقُوق _ نقلا عَن النَّوَازِل) . وَيُؤَيّد هَذَا الضَّابِط مَا قدمْنَاهُ، فِي الْقَاعِدَة السَّابِقَة عَن الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّة، من أَن عِلّة وجوب إبْقَاء الْقَدِيم على قدمه هِيَ غَلَبَة الظَّن بِأَنَّهُ مَا وضع إِلَّا بِوَجْه

شَرْعِي، فقد أشعر هَذَا التَّعْلِيل بِأَن الْقَدِيم الَّذِي يُرَاعى قدمه هُوَ الَّذِي يُمكن أَن يسْتَحق بِوَجْه شَرْعِي فَيتْرك وَلَا يلْتَفت إِلَى دَعْوَى الْجَار التضرر مِنْهُ، وَأَنه مَا لَا يُمكن أَن يسْتَحق بِوَجْه شَرْعِي يكون ضَرَرا فَاحِشا فيزال وَلَا عِبْرَة لقدمه للجزم بِأَنَّهُ لم يوضع بِحَق. وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا قَول الْمَادَّة / 1224 / من الْمجلة، فِي بَيَان عدم اعْتِبَار الضَّرَر الْقَدِيم، مَا لَفظه: " أما الْقَدِيم الْمُخَالف للشَّرْع فَلَا اعْتِبَار لَهُ، فَإِن الْمُخَالف للشَّرْع هُوَ الَّذِي لَا يُمكن أَن يسْتَحق بِوَجْه شَرْعِي، إِذْ لَو أمكن أَن يسْتَحق على الْغَيْر بِوَجْه شَرْعِي لَا يُمكن أَن يكون مُخَالفا للشَّرْع ".

القاعدة السابعة

(الْقَاعِدَة السَّابِعَة (الْمَادَّة / 8)) (" الأَصْل بَرَاءَة الذمّة ") (أَولا _ الشَّرْح) " الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة " لِأَن الذمم خلقت بريئة غير مَشْغُولَة بِحَق من الْحُقُوق. (ر: مَا ذكره الإِمَام النَّسَفِيّ فِي إِيضَاح قَوَاعِد الْكَرْخِي) . الذِّمَّة لُغَة: الْعَهْد، وَاصْطِلَاحا: " وصف يصير الشَّخْص بِهِ أَهلا للْإِيجَاب لَهُ أَو عَلَيْهِ ". وَمِنْهُم من جعلهَا ذاتاً فعرفها بِأَنَّهَا: " نفس لَهَا عهد " فَإِن الْإِنْسَان يُولد وَله ذمَّة صَالِحَة للْوُجُوب لَهُ وَعَلِيهِ. (ر: تعريفات السَّيِّد) . من الْمَعْلُوم أَنه عِنْد تنَازع الْخَصْمَيْنِ تتخالف مزاعمهما نفيا وإثباتاً، فَيحْتَاج فِي فصل الْخُصُومَة إِلَى مُرَجّح يرجح بِهِ، فِي مبدأ الْأَمر، زعم أَحدهمَا على زعم الآخر. ولدى تتبع الْمسَائِل وَالنَّظَر فِي وُجُوه التَّرْجِيح الأولية، وَفِي تَقْدِيم أحد المرجحات على الآخر إِذا تَعَارَضَت، بعد ذَلِك يظْهر أَن التَّرْجِيح، فِي مبدأ الْأَمر، يكون بِأحد شَيْئَيْنِ، هما: الأَصْل، وَالظَّاهِر. أما الأَصْل _ وَقد تقدم تَفْسِيره فِي شرح الْمَادَّة الْخَامِسَة _ فأنواعه كَثِيرَة: - مِنْهَا: هَذِه الْقَاعِدَة، وَهِي بَرَاءَة الذِّمَّة. - وَمِنْهَا: كَون الْيَقِين لَا يَزُول بِالشَّكِّ. - وَكَذَا: الأَصْل بَقَاء مَا كَانَ على مَا كَانَ. - وَكَون الأَصْل إِضَافَة الْحَادِث إِلَى أقرب أوقاته.

- وَكَون الأَصْل فِيمَا جهل قدمه وحدوثه أَن يعْتَبر قَدِيما إِذا كَانَ فِي ملك خَاص، وحادثاً إِذا كَانَ فِي غَيره. (ر: مَا قدمْنَاهُ عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ، فِي شرح الْمَادَّة السَّادِسَة) . - وَكَون الأَصْل فِي الْكَلَام الْحَقِيقَة. - وَالْأَصْل فِي الصِّفَات والأشياء الْعَارِضَة الْعَدَم، وَالصِّفَات الوجودية الْوُجُود. - وككون الأَصْل فِي البيع أَن يكون باتاً قَطْعِيا. - وَكَون الأَصْل فِي الْعُقُود _ غير الْمُزَارعَة بعد وجودهَا _ أَن تكون صَحِيحَة، فَلَو اخْتلف العاقدان فِي صِحَة البيع وفساده فَالْقَوْل لمُدعِي الصِّحَّة. أما الْمُزَارعَة فَالْقَوْل فِيهَا قبل الزِّرَاعَة لمُدعِي الْفساد، وَبعدهَا لرب الْبذر سَوَاء ادّعى صِحَة أَو فَسَادًا، وَالْبَيِّنَة لمُدعِي الصِّحَّة. (ر: نور الْعين تَرْتِيب جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل التَّاسِع وَالْعِشْرين) . _ وككون الأَصْل فِي الْوكَالَة وَالْعَارِية الْخُصُوص، وَفِي الْمُضَاربَة وَالشَّرِكَة الْعُمُوم. (ر: مَا يَأْتِي تَحت الْمَادَّة / 77) . - وككون الأَصْل فِيمَا لَا يعلم إِلَّا من جِهَة أحد الْخَصْمَيْنِ، أَو كَانَ أَحدهمَا أدرى من الآخر، أَن يقبل قَوْله فِيهِ بِيَمِينِهِ، وَلذَا قبلوا قَول الْمَرْأَة فِي انْقِضَاء عدتهَا _ والمدة تحْتَمل _ أَو عدم انْقِضَائِهَا بِيَمِينِهَا، لكَون ذَلِك لَا يعلم إِلَّا من جِهَتهَا، وقبلوا قَول المملك فِي بَيَان جِهَة التَّمْلِيك، والدافع فِي بَيَان جِهَة الدّفع، لِأَنَّهُمَا أدرى بهَا مِمَّن تلقى الْملك وَمن الْقَابِض، فَلَو ادّعى المملك

الْقَرْض وَادّعى الآخر الْهِبَة مثلا فَالْقَوْل قَول المملك، وَكَذَا لَو كَانَ عَلَيْهِ دينان، وبأحدهما رهن أَو كَفِيل، فَدفع لَهُ مبلغا ثمَّ اخْتلفَا فَطلب الدَّافِع رد الرَّهْن إِلَيْهِ بزعم أَن مَا دَفعه عَن دين الرَّاهِن، أَو زعم بَرَاءَة الْكَفِيل وَأَن مَا دَفعه إِنَّمَا دَفعه عَن دين الْكفَالَة، وَزعم الدَّائِن أَنه عَن الدّين الآخر، فَالْقَوْل قَول الدَّافِع بِيَمِينِهِ، لِأَن المملك والدافع أدرى بِجِهَة التَّمْلِيك وَالدَّفْع. - وككون الأَصْل هُوَ الْجد فِي البيع لَا الِاسْتِهْزَاء. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الرَّابِع وَالْعِشْرين) . فَلَو اخْتلف المتعاقدان فيهمَا فَالْقَوْل لمُدعِي الْجد لِأَنَّهُ الأَصْل. - وككون الأَصْل فِي مُطلق الشّركَة التنصيف، فَلَو أقرّ بِأَن هَذَا الشَّيْء مُشْتَرك بيني وَبَين فلَان، أَو هُوَ لي وَلفُلَان، أَو هُوَ بيني وَبَينه، فَهُوَ على المناصفة. (ر: رد الْمُحْتَار، كتاب الْإِقْرَار، إِقْرَار الْمَرِيض، صفحة / 465) ، فَيكون القَوْل قَول من يدعيها لِأَنَّهَا الأَصْل. وَمن يَدعِي خلَافهَا فَعَلَيهِ الْبُرْهَان، إِلَّا إِذا بَين الْمقر خلاف المناصفة مَوْصُولا بِإِقْرَارِهِ كَقَوْلِه: هُوَ مُشْتَرك بيني وَبَينه أَثلَاثًا ثُلُثَاهُ لي وَثلثه لَهُ مثلا صدق، كَمَا فِي الْمحل الْمَذْكُور، وَالظَّاهِر أَنه يصدق بِيَمِينِهِ. إِلَى غير ذَلِك من الْأُصُول الَّتِي يعسر استقصاؤها. وَلَا يخفى أَن هَذِه الْأُصُول يتداخل بَعْضهَا فِي بعض، لِأَن بَعْضهَا فرع عَن الآخر، كفرعية " بَقَاء مَا كَانَ على مَا كَانَ " عَن " الْيَقِين لَا يَزُول بِالشَّكِّ " وفرعية " بَرَاءَة الذِّمَّة " عَن " الأَصْل فِي الصِّفَات الْعَارِضَة الْعَدَم ". فَأَي وَاحِد من المتنازعين يشْهد لَهُ أصل من هَذِه الْأُصُول يتَرَجَّح قَوْله حَتَّى يقوم دَلِيل على خِلَافه، لقَولهم: إِن القَوْل قَول من يشْهد لَهُ الأَصْل. وأمثلة كل من هَذِه الْأُصُول تعلم من كلامنا عَلَيْهَا فِيمَا تقدم من الْموَاد وَفِيمَا سَيَأْتِي. وَأما الظَّاهِر _ وَهُوَ الْحَالة الْقَائِمَة الَّتِي تدل على أَمر من الْأُمُور _ فَهُوَ قِسْمَانِ: (1) الْقسم الأول: هُوَ مَا لم يصل فِي الظُّهُور إِلَى دَرَجَة الْيَقِين. (2) وَالْقسم الثَّانِي: هُوَ الَّذِي وصل فِيهِ إِلَى دَرَجَة الْيَقِين، وَهُوَ غير مُرَاد هُنَا فِي

هَذَا التَّقْسِيم، لِأَن الْكَلَام الْآن فِي المرجحات الأولية غير اليقينية، وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ بعد سطور. الْقسم الأول: الظَّاهِر، الَّذِي جَعَلْنَاهُ قسيم الأَصْل وَيَقَع بِهِ التَّرْجِيح فِي الِابْتِدَاء، وَتَحْته نَوْعَانِ: النَّوْع الأول _ هُوَ تحكيم الْحَال الَّذِي يتَوَصَّل بِهِ إِلَى الحكم بِوُجُود أَمر فِي الْمَاضِي، بِأَن يَجْعَل مَا فِي الْحَاضِر منسحباً على الْمَاضِي، وَهُوَ " الِاسْتِصْحَاب المعكوس " الْمُتَقَدّم فِي شرح الْمَادَّة الْخَامِسَة فَانْظُرْهُ. وَالنَّوْع الثَّانِي _ هُوَ دلَالَة الْحَال الَّتِي لَيْسَ فِيهَا سحب مَا فِي الْحَاضِر على الْمَاضِي، بل يسْتَأْنس بهَا ويعتمد عَلَيْهَا فِي تَرْجِيح أحد الزعمين على الآخر. وَذَلِكَ: _ كوضع الْيَد فِيمَا لَو ادّعى شخصان ملك عين وَهِي فِي يَد أَحدهمَا، فَإِن القَوْل قَول ذِي الْيَد. _ وكالحمولة على الْجِدَار، واتصال التربيع فِيهِ، فَإِنَّهُ يتَرَجَّح بِهِ زعم من يشْهد لَهُ أَحدهمَا من الْخَصْمَيْنِ على الآخر. (ر: معِين الْحُكَّام، الْبَاب التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ، وَمثله فِي كثير من الْكتب) . - وكتأييد مهر الْمثل لقَوْل أحد الزَّوْجَيْنِ فِيمَا لَو اخْتلفَا فِي مِقْدَار الْمهْر الْمُسَمّى، فَادّعى الزَّوْج الْأَقَل وَادعت الزَّوْجَة الْأَكْثَر، فَإِن القَوْل لمن يشْهد لَهُ مهر الْمثل بِيَمِينِهِ، فَإِن كَانَ كَمَا قَالَ أَو أقل فَالْقَوْل قَوْله، وَإِن كَانَ كَمَا قَالَت أَو أَكثر فَالْقَوْل قَوْلهَا فِي الزِّيَادَة. (ر: الدُّرَر وَغَيره، كتاب النِّكَاح، بَاب الْمهْر) . - وكتأييد نُقْصَان الثّمن الْمُسَمّى عَن ثمن الْمثل فِيمَا لَو تبَايعا عقارا وَلم ينصا على الْبَتَات، ثمَّ اخْتلفَا فَادّعى أَحدهمَا أَن البيع كَانَ باتاً وَالْآخر أَنه كَانَ وَفَاء، فَإِن القَوْل لمُدعِي الْبَتَات، لِأَنَّهُ الأَصْل فِي البيع، إِلَّا إِذا كَانَ الثّمن الْمُسَمّى نَاقِصا عَن ثمن الْمثل فَإِن القَوْل حِينَئِذٍ لمُدعِي الْوَفَاء، لِأَن الظَّاهِر شَاهد لَهُ.

- وكتأييد قَرَائِن الْحَال فِيمَا إِذا كَانَ رجلَانِ فِي سفينة مشحونة بالدقيق، فَادّعى كل وَاحِد السَّفِينَة وَمَا فِيهَا، وَأَحَدهمَا يعرف بِبيع الدَّقِيق وَالْآخر يعرف بِأَنَّهُ ملاح، فَإِنَّهُ يحكم بالدقيق للَّذي يعرف بِبيعِهِ، وبالسفينة لمن يعرف بِأَنَّهُ ملاح، عملا بِالظَّاهِرِ من الْحَال. (ر: تنوير الْأَبْصَار وَشَرحه الدّرّ الْمُخْتَار، كتاب الدَّعْوَى، من آخر بَاب التَّحَالُف) . - وككون أحد المتداعيين متضمناً سَعْيه فِي إِسْقَاط وَاجِب عَن ذمَّته، كَمَا لَو بعث الزَّوْج إِلَى زَوجته شَيْئا ثمَّ اخْتلفَا، فَقَالَت: أَرْسلتهُ هَدِيَّة، وَقَالَ: أَرْسلتهُ من الْمهْر، فَالْقَوْل قَول الزَّوْج بِيَمِينِهِ فِي غير المهيأ للْأَكْل، لِأَن الْهَدِيَّة تبرع وَالْمهْر وَاجِب فِي ذمَّته، فَالظَّاهِر أَنه يسْعَى فِي إِسْقَاط الْوَاجِب عَن ذمَّته. (ر: الدُّرَر وَغَيره، كتاب النِّكَاح، من بَاب الْمهْر) . وَمُقْتَضى هَذَا التَّعْلِيل جَرَيَان الحكم الْمَذْكُور بَين كل دائن ومدين وَقع بَينهمَا نَظِير هَذَا الِاخْتِلَاف، يُؤَيّد ذَلِك أَن الْمَدْيُون إِذا كَانَ لَهُ كَفِيل وَقد كفله بأَمْره فَدفع لَهُ الدّين، فَإِن كَانَ دَفعه لَهُ على وَجه قَضَاء الدّين ثمَّ أَرَادَ اسْتِرْدَاده مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِك، لِأَنَّهُ ملكه بِالدفع، وَإِن كَانَ دَفعه لَهُ على وَجه الرسَالَة ليدفعه إِلَى الطَّالِب ثمَّ أَرَادَ اسْتِرْدَاده مِنْهُ فَلهُ الِاسْتِرْدَاد، لِأَنَّهُ أَمَانَة فِي يَد الْكَفِيل، وَإِن أطلق الْمَدْيُون عِنْد الدّفع للْكَفِيل وَلم يبين أَنه على وَجه الْقَضَاء أَو الرسَالَة فَإِنَّهُ يَقع عَن الْقَضَاء فَلَا يملك اسْتِرْدَاده. (ر: رد الْمُحْتَار، كتاب الْكفَالَة، من بحث الْكفَالَة بِالْمَالِ، عِنْد قَول الْمَتْن " لَا يسْتَردّ أصيل مَا دَفعه إِلَى الْكَفِيل ... . نقلا عَن الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَن الْقنية ونقلاً عَن غَيرهَا) ، فقد حمل عِنْد الْإِطْلَاق على جِهَة الْقَضَاء لما عَلَيْهِ من الدّين، لكَون الْقَضَاء فِيهِ تَفْرِيغ الذِّمَّة وَإِسْقَاط الْوَاجِب، والأليق بالمديون أَن يكون ساعياً وَرَاء ذَلِك، وَهَذَا كَمَا ترى مؤيد لما قُلْنَاهُ. - وكظهور الثيوبة أَو الْبكارَة فِيمَا لَو تزوج الْعنين بكرا ثمَّ طلبت التَّفْرِيق بِدَعْوَى عدم وُصُوله إِلَيْهَا، وَادّعى هُوَ الْوُصُول، فأراها الْحَاكِم للنِّسَاء وقلن إِنَّهَا ثيب أَو بكر، فَإِن القَوْل لمن يشْهد لَهُ الْحَال من الثيوبة والبكارة. (ر: مَا سَيَأْتِي فِي شرح الْمَادَّة التَّاسِعَة) إِلَى غير ذَلِك من مسَائِل الظَّاهِر الْمَذْكُور.

فَهَذِهِ مقتضيات التَّرْجِيح الأولية الَّتِي يتقوى بهَا زعم أحد المتنازعين على الآخر، وَالَّتِي يجمعها كلمتا: الأَصْل وَالظَّاهِر. ثمَّ إِن هَذَا الأَصْل وَالظَّاهِر إِذا تَعَارضا مَعَ بعضهما تقدم جِهَة الظَّاهِر، لِأَنَّهُ أَمر عَارض على الأَصْل يدل على خِلَافه، وَقدمنَا، فِي أول الْكَلَام على الْمَادَّة الْخَامِسَة على رد الْمُحْتَار عَن الزَّيْلَعِيّ " أَن الأَصْل إِذا اعْترض عَلَيْهِ دَلِيل خِلَافه بَطل ". وَذَلِكَ: كالقضاء بِالنّكُولِ فَإِن اعْتِبَاره فِي الْأَحْكَام لَيْسَ إِلَّا رُجُوعا إِلَى مُجَرّد الْقَرِينَة الظَّاهِرَة، فَقدمت على أصل بَرَاءَة الذِّمَّة. (ر: معِين الْحُكَّام، الْبَاب الْحَادِي وَالْخمسين) . وكما فِي مَسْأَلَة الْعنين إِذا ادّعى الْوُصُول إِلَى زَوجته الَّتِي تزَوجهَا بكرا وَأنْكرت الْوُصُول إِلَيْهَا، وَقَالَ النِّسَاء إِنَّهَا ثيب، فَإِن الْوُصُول إِلَيْهَا من الْأُمُور الْعَارِضَة فَالْأَصْل عَدمه، لَكِن لما عَارضه الظَّاهِر، وَهُوَ الثيوبة، قدم عَلَيْهِ فَكَانَ القَوْل للزَّوْج. وكما فِي مَسْأَلَة اخْتِلَاف الزَّوْجَيْنِ فِي مِقْدَار الْمهْر الْمُسَمّى، الْمُتَقَدّمَة، إِذا كَانَ مهر الْمثل شَاهدا لقَوْل الزَّوْجَة، فَإِن الأَصْل، وَهُوَ عدم الزِّيَادَة الَّتِي تدعيها الْمَرْأَة، شَاهد للزَّوْج، وَلَكِن لما عَارضه الظَّاهِر، الَّذِي هُوَ شَهَادَة مهر الْمثل المؤيدة لدعوى الْمَرْأَة بِالزِّيَادَةِ، قدم عَلَيْهِ، فَكَانَ القَوْل قَوْلهَا. وَكَذَلِكَ مَسْأَلَة اخْتِلَاف متبايعي الْعقار فِي كَون البيع باتاً أَو وَفَاء، الْمُتَقَدّمَة، فَإِنَّهُ قدم فِيهَا الظَّاهِر على الأَصْل حينما كَانَ الثّمن دون ثمن الْمثل. وكما فِي مَسْأَلَة الِاسْتِصْحَاب المعكوس إِذا دلّ تحكيم الْحَال لمن يَدعِي وجود مَا أَصله الْعَدَم فَإِنَّهُ يقدم قَوْله. (ر: مَا تقدم فِي شرح الْمَادَّة الْخَامِسَة) . وكما لَو أشهد المُشْتَرِي أَنه يَشْتَرِي هَذَا الشَّيْء لفُلَان، ثمَّ بعد أَن اشْتَرَاهُ ادّعى فلَان أَن شِرَاءَهُ كَانَ بأَمْره وَأَرَادَ أَخذه، وَأنكر المُشْتَرِي كَونه بأَمْره، فَالْقَوْل لفُلَان. (ر: رد الْمُحْتَار، مُلَخصا من أَوَائِل بَاب الْفُضُولِيّ، عَن قَول الشَّارِح: " قيد بِالْبيعِ لِأَنَّهُ لَو اشْترى لغيره نفذ عَلَيْهِ ") . فَإِن الأَصْل عدم الْأَمر من فلَان،

وَلَكِن رجحت دَعْوَاهُ الْأَمر حَيْثُ أيدها الظَّاهِر، وَهُوَ إِشْهَاد المُشْتَرِي على أَنه يَشْتَرِي لَهُ. وكدفع الْوَكِيل بشرَاء شَيْء غير معِين الثّمن من دَرَاهِم الْمُوكل، أَو إِضَافَة العقد إِلَيْهَا، فَإِن كلا مِنْهُمَا ظَاهر فِي نِيَّة الشِّرَاء للْمُوكل، فَإِذا تكاذبا فِي النِّيَّة يكون القَوْل قَول من يشْهد لَهُ هَذَا الظَّاهِر من بَائِع أَو مُشْتَر. (ر: مَا تقدم فِي الْكَلَام على الْقَاعِدَة الأولى، عَن الْهِدَايَة) . وكما لَو اشْترى دَابَّة ثمَّ اطلع على عيب قديم فِيهَا فركبها وَجَاء ليردها، فَقَالَ البَائِع: ركبتها لحاجتك، وَقَالَ المُشْتَرِي: بل ركبتها لأردها، فَإِن القَوْل للْمُشْتَرِي. (ر: الدُّرَر وحاشيته، كتاب الْبيُوع، من خِيَار الْعَيْب قبيل قَول الْمَتْن: " اخْتلفَا بعد التَّقَابُض فِي عدد الْمَبِيع ") . وَذَلِكَ لِأَن الظَّاهِر من حَاله لما جَاءَ وابتدأ ردهَا رَاكِبًا أَن يكون ركُوبه لأجل الرَّد. الْقسم الثَّانِي: وَأما وُجُوه التَّرْجِيح الثانوية فَهِيَ حجج الشَّرْع الثَّلَاثَة: " الْبَيِّنَة، وَالْإِقْرَار، والنكول عَن الْيَمين ". وَكَذَا الْقَرِينَة القاطعة الْمَذْكُورَة فِي الْمَادَّة / 1741 / من الْمجلة.

فَهَذِهِ الْأَرْبَعَة إِذا تعَارض أَحدهَا مَعَ أحد المرجحات الأولية، الَّتِي هِيَ الأَصْل وَالظَّاهِر، يتَقَدَّم عَلَيْهَا وَيتْرك الأَصْل وَالظَّاهِر، لِأَن التَّرْجِيح بهما إِنَّمَا كَانَ استئناساً حَتَّى يقوم دَلِيل أقوى على خلافهما، فَإِذا قَامَ عَلَيْهِ أحد الْأَدِلَّة الْأَرْبَعَة القوية الَّتِي هِيَ فِي نظر الشَّرْع تعْتَبر بِمَنْزِلَة الْيَقِين، يتبع وَيحكم بِمُقْتَضَاهُ دون الأَصْل وَالظَّاهِر. هَذَا ثمَّ الْبَيِّنَة إِنَّمَا تترجح على الْقسم الأول من قسمي الظَّاهِر الْمُتَقَدِّمين، أما الْقسم الثَّانِي _ الَّذِي ذكرنَا أَنه وصل فِي الظُّهُور إِلَى دَرَجَة الْيَقِين الْقطعِي _ فَإِنَّهُ يتَرَجَّح على الْبَيِّنَة، حَتَّى لَا تُقَام على خِلَافه. بِدَلِيل مَا نصوا عَلَيْهِ من أَن الْوَصِيّ إِذا ادّعى أَنه أنْفق على الْيَتِيم أَو على عقاره مبلغا معينا، فَإِن كَانَ مبلغا لَا يكذبهُ فِيهِ الظَّاهِر فَالْقَوْل قَوْله بِيَمِينِهِ، وَإِن كَانَ مبلغا يكذبهُ فِيهِ الظَّاهِر فَإِنَّهُ لَا يقبل فِيهِ قَوْله، وَلَو أَرَادَ أَن يُقيم على ذَلِك بَيِّنَة لَا تقبل بَينته أَيْضا، (ذكره ابْن بلبان الْفَارِسِي فِي شرح تَلْخِيص الْجَامِع الْكَبِير للخلاطي، وَنَقله عَنهُ فِي تَنْقِيح الْفَتَاوَى الحامدية، أَوَائِل بَاب الْوَصِيّ) . وبدليل مَا نصوا عَلَيْهِ، فِي بَاب دَعْوَى الرجلَيْن، من أَنه لَو ادّعى رجل دَابَّة فِي يَد آخر وَذكر أَنَّهَا ملكه ومنتوجه عِنْده وَأقَام بَيِّنَة شهِدت بذلك، وأرخت النِّتَاج بتاريخ تنافيه سنّ الدَّابَّة وَتكَذبه، ترد الشَّهَادَة وتترك الدَّابَّة فِي يَد من هِيَ فِي يَده. وَلَو تنَازع رجلَانِ الدَّابَّة الَّتِي فِي يَد ثَالِث، وكل مِنْهُمَا يَدعِي ملكه لَهَا ونتاجها عِنْده، وَأقَام كل مِنْهُمَا بَيِّنَة شهِدت لَهُ بِالْملكِ والنتاج، وأرخت الْبَيِّنَتَانِ النِّتَاج بتاريخين مُخْتَلفين، وَكَانَت سنّ الدَّابَّة توَافق جحد التاريخين دون الآخر، يحكم بالدابة لمن وَافَقت سنّهَا التَّارِيخ الَّذِي أحد بَينته. (ر: شرح الزَّيْلَعِيّ للكنز، وشروح الْهِدَايَة) . وَإِن رد الشَّهَادَة، حِين مُخَالفَة سنّ الدَّابَّة

لما أرخته الْبَيِّنَة لدَلِيل على أَنه لَو بَين الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ تَارِيخا للنتاج وَظهر مُخَالفَة سنّ الدَّابَّة للتاريخ الَّذِي ذكره ترد دَعْوَاهُ من أَصْلهَا، وَلَا يُكَلف إِقَامَة الْبَيِّنَة. (ر: مَا سَيَأْتِي نَقله عَن الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّة فِي الْمَادَّة الْخَامِسَة وَالسِّتِّينَ: " الْوَصْف فِي الْحَاضِر لَغْو ") . وبدليل مَا نصوا عَلَيْهِ أَيْضا من أَنه لَو أقرّ إِنْسَان لمن كَانَ مَجْهُول النّسَب بِأَنَّهُ ابْنه، وَكَانَ لَا يُولد مثله لمثل الْمقر، فَإِن الْإِقْرَار يبطل، وَذَلِكَ يُفِيد أَن الْبَيِّنَة أَيْضا لَا تقبل عَلَيْهِ بِالْأولَى، لِأَن الْإِقْرَار قد بَطل، مَعَ أَنهم صَرَّحُوا أَن الْإِقْرَار أقوى من الْبَيِّنَة حَتَّى لَو أقرّ الْخصم بعد إِقَامَة الْبَيِّنَة فَقضى الْحَاكِم عَلَيْهِ يعْتَبر الْقَضَاء قَضَاء بِإِقْرَارِهِ لَا بِالْبَيِّنَةِ. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الدَّعْوَى، بَاب الِاسْتِحْقَاق) إِلَّا فِي سبع مسَائِل يقْضى فِيهَا بِالْبَيِّنَةِ دون الْإِقْرَار مَذْكُورَة فِي رد الْمُحْتَار، آخر بَاب دَعْوَى النّسَب، سنذكر بَعْضهَا فِي الْكَلَام على الْمَادَّة التَّاسِعَة عشرَة. فَظهر من ذَلِك أَن قَوْلهم: " إِن الْبَينَات تُقَام لإِثْبَات خلاف الظَّاهِر " إِنَّمَا يُرَاد بِهِ النَّوْع الأول الَّذِي يذكر بِإِزَاءِ قسيم الأَصْل، لَا النَّوْع الثَّانِي الَّذِي وصل فِي الظُّهُور إِلَى دَرَجَة يطْرَح مَعهَا احْتِمَال خِلَافه. وَالْحَاصِل أَن تَرْجِيح زعم أحد المتخاصمين على زعم الآخر، فِي الِابْتِدَاء، يكون بِشَهَادَة الأَصْل وَالظَّاهِر حَتَّى يقوم دَلِيل من المرجحات الثانوية على خِلَافه، فَإِذا كَانَ الأَصْل شَاهدا لجِهَة وَالظَّاهِر لجِهَة يرجح زعم من يشْهد لَهُ الظَّاهِر. ثمَّ إِذا عَارض الأَصْل أَو الظَّاهِر شَيْء من المرجحات الثانوية يقدم عَلَيْهِمَا، وَهَذَا فِي النَّوْع الأول من الظَّاهِر، أما النَّوْع الثَّانِي فَإِنَّهُ لَا تُقَام بَيِّنَة على خِلَافه لِأَن احْتِمَال خِلَافه مَعْدُوم. وَهَذَا الْبَيَان وَالتَّفْصِيل الَّذِي أَتَيْنَا بِهِ يقرب الْمسَائِل من الأذهان ويسهل معرفَة الْوُجُوه والعلل، وتطبيق الْفُرُوع على قواعدها بِصُورَة معقولة. إِذا علمنَا ذَلِك ظهر أَن القَوْل الرَّاجِح هُوَ قَول من يتَمَسَّك بِبَرَاءَة ذمَّته لِأَنَّهُ يشْهد لَهُ الأَصْل، وَهُوَ عدم شغلها، حَتَّى يقوم دَلِيل على خِلَافه.

ثانيا التطبيق

(ثَانِيًا _ التطبيق) يتَفَرَّع على هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل شَتَّى من أَبْوَاب متنوعة، كَالْبيع وَالْإِجَارَة وَالْعَارِية والوديعة والضمانات وَالْغَصْب وَالْقَرْض وَالْإِقْرَار وَغير ذَلِك. فَمن ذَلِك: مَا لَو اخْتلف البَائِع وَالْمُشْتَرِي فِي مِقْدَار الثّمن بعد هَلَاك الْمَبِيع أَو خُرُوجه عَن ملكه مثلا، أَو اخْتلف الْمُؤَجّر وَالْمُسْتَأْجر فِي مِقْدَار بدل الْإِجَارَة بعد اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة، فَإِن القَوْل قَول المُشْتَرِي وَالْمُسْتَأْجر، وَالْبَيِّنَة على البَائِع والمؤجر لإِثْبَات الزِّيَادَة، أما لَو كَانَ اخْتِلَافهمَا قبل هَلَاك الْمَبِيع أَو خُرُوجه عَن ملكه مثلا فِي البيع، وَقبل اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة فِي الْإِجَارَة، وَلَا بَيِّنَة لأَحَدهمَا فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ. (ر: الْمَادَّة / 1778 و 1779 / من الْمجلة) . وَمِنْهَا: مَا لَو ادّعى الْمُسْتَعِير رد الْعَارِية فَإِن القَوْل قَوْله، إِذْ الأَصْل بَرَاءَة ذمَّته. وَكَذَا لَو ادّعى الْوَدِيع رد الْوَدِيعَة. (ر: مَا تقدم فِي شرح الْمَادَّة الثَّالِثَة) . وَمِنْهَا: مَا لَو أتلف إِنْسَان مَال آخر وَاخْتلفَا فِي مِقْدَاره، فَإِن القَوْل للمتلف بِيَمِينِهِ، لِأَنَّهُ يُنكر ثُبُوت الزِّيَادَة فِي ذمَّته، وَالْأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة، وَالْبَيِّنَة على صَاحب المَال لإِثْبَات الزِّيَادَة. وَكَذَا لَو غصب إِنْسَان شَيْئا وَهلك فِي يَده ثمَّ اخْتلف الْمَالِك وَالْغَاصِب فِي قيمَة الْمَغْصُوب فَالْقَوْل للْغَاصِب، وعَلى الْمَالِك إِثْبَات الزِّيَادَة. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر) . وَكَذَلِكَ لَو جَاءَ الْغَاصِب ليرد عين الْمَغْصُوب فَاخْتلف هُوَ وَالْمَالِك فِي مِقْدَاره، فَالْقَوْل للْغَاصِب. وَمِنْهَا: مَا لَو أقْرض إِنْسَان آخر ثمَّ اخْتلف هُوَ والمستقرض فِي مبلغ الْقَرْض فَالْقَوْل للمستقرض. وَمِنْهَا: مَا لَو أقرّ إِنْسَان لآخر بِمَجْهُول، بِأَن قَالَ: لفُلَان عَليّ شَيْء أَو حق، فَإِنَّهُ يَصح وَيلْزمهُ تَفْسِيره، أَي بَيَانه، وَيقبل مِنْهُ أَن يُبينهُ بِمَا لَهُ قيمَة، فَلَو بَينه وَادّعى الْمقر لَهُ أَكثر مِمَّا بَينه الْمقر فَإِن القَوْل للْمقر، وعَلى الْمُدَّعِي إِثْبَات الزِّيَادَة. أما لَو بَينه بِمَا لَا قيمه لَهُ فَلَا يقبل بَيَانه، لِأَنَّهُ بقوله: " لَهُ عَليّ " أخبر عَن الْوُجُوب فِي ذمَّته، وَمَا لَا قيمَة لَهُ لَا يجب فِي الذِّمَّة، فَيكون بَيَانه رُجُوعا عَن الْإِقْرَار، وَالرُّجُوع عَنهُ لَا يَصح. (ر: الدُّرَر، كتاب الْإِقْرَار) .

وَمِنْهَا: مَسْأَلَة مَا لَو اخْتلف الْمُوكل مَعَ الْوَكِيل بِالْبيعِ، فِي بَيْعه قبل علمه بِالْعَزْلِ أَو بعده، الْآتِيَة فِي مستثنيات الْمَادَّة الْحَادِيَة عشرَة، إِلَى غير ذَلِك من الْفُرُوع.

((صفحة فارغة))

القاعدة الثامنة

(الْقَاعِدَة الثَّامِنَة (الْمَادَّة / 9)) (" الأَصْل فِي الصِّفَات الْعَارِضَة الْعَدَم ") (أَولا _ الشَّرْح) " الأَصْل فِي الصِّفَات الْعَارِضَة الْعَدَم، كَمَا أَن الأَصْل فِي الصِّفَات الْأَصْلِيَّة الْوُجُود (ر: الْأَشْبَاه والنظائر) حَتَّى يقوم الدَّلِيل على خِلَافه ". الصِّفَات بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوُجُود والعدم على قسمَيْنِ: الأول: هُوَ الصِّفَات الَّتِي يكون وجودهَا فِي الشَّيْء طارئاً وعارضاً بِمَعْنى أَن الشَّيْء بطبيعته يكون خَالِيا عَنْهَا غَالِبا، وَهَذِه تسمى الصِّفَات الْعَارِضَة، وَالْأَصْل فِيهَا الْعَدَم، وَمثل هَذِه الصِّفَات غَيرهَا من الْأُمُور الَّتِي تُوجد بعد الْعَدَم كَسَائِر الْعُقُود وَالْأَفْعَال، كَمَا سيتضح من الْأَمْثِلَة الْآتِيَة. وَهَذَا الْقسم وَمَا ألحق بِهِ من الْعُقُود وَالْأَفْعَال هُوَ مَوْضُوع هَذِه الْقَاعِدَة. الثَّانِي: هُوَ الصِّفَات الَّتِي يكون وجودهَا فِي الشَّيْء مُقَارنًا لوُجُوده، فَهُوَ مُشْتَمل عَلَيْهَا بطبيعته غَالِبا، وَهَذِه تسمى الصِّفَات الْأَصْلِيَّة، وَالْأَصْل فِيهَا الْوُجُود، كبكارة الْجَارِيَة وسلامة الْمَبِيع من الْعُيُوب وَالصِّحَّة فِي الْعُقُود بعد انْعِقَادهَا. وَيلْحق بِالصِّفَاتِ الْأَصْلِيَّة الصِّفَات الْعَارِضَة الَّتِي ثَبت وجودهَا فِي وَقت مَا، فَإِن الأَصْل فِيهَا حينئذٍ الْبَقَاء بعد ثُبُوت وجودهَا (ر: مَا تقدم فِي شرح الْمَادَّة الْخَامِسَة، وَهُوَ أَيْضا معنى الْمَادَّة الْعَاشِرَة الْآتِيَة) . فَلَو اخْتلف العاقدان فِي سَلامَة الْمَبِيع من الْعُيُوب وَعدم سَلَامَته، أَو فِي صِحَة البيع مثلا وفساده، فَالْقَوْل لمن يتَمَسَّك بسلامة الْمَبِيع وَصِحَّة العقد، لِأَنَّهُ

ثانيا التطبيق

يشْهد لَهُ الأَصْل، بِخِلَاف مَا لَو اخْتلف المتعاقدان فِي صِحَة البيع وبطلانه فَإِن القَوْل قَول من يتَمَسَّك بِالْبُطْلَانِ، لِأَن الْبَاطِل غير مُنْعَقد فَهُوَ يُنكر وجود العقد وَالْأَصْل عَدمه. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر، من قَاعِدَة الأَصْل الْعَدَم، وَمن كتاب الْبيُوع) . (ثَانِيًا _ التطبيق) يتَفَرَّع على هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل كَثِيرَة: مِنْهَا: مِثَال الْمَادَّة الْمَذْكُورَة، وَهُوَ مَا لَو اخْتلف الْمضَارب وَرب المَال فِي حُصُول الرِّبْح وَعَدَمه، فَالْقَوْل للْمُضَارب، وَالْبَيِّنَة على رب المَال لإِثْبَات الرِّبْح لِأَن الأَصْل عَدمه. وَمِنْهَا: مَا لَو قَالَ الْوَصِيّ: لم أتجر فِي مَال الْيَتِيم، أَو اتجرت فَلم أربح أصلا، أَو مَا ربحت إِلَّا كَذَا، فَالْقَوْل قَوْله. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر وحاشيته، من قَاعِدَة الأَصْل الْعَدَم) . وَمِنْهَا: مَا لَو أدخلت الْمَرْأَة حلمة ثديها فِي فَم الرَّضِيع وَلم يعلم هَل دخل اللَّبن فِي حلقه أَو لَا، فَإِن النِّكَاح لَا يحرم، لِأَن الأَصْل عدم الْمَانِع الَّذِي هُوَ دُخُول اللَّبن. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر، من الْمحل الْمَذْكُور) . وَمِنْهَا: مَا لَو اخْتلف البَائِع وَالْمُشْتَرِي فِي قبض الْمَبِيع أَو الثّمن، أَو اخْتلف الْمُؤَجّر وَالْمُسْتَأْجر فِي قبض الْمَأْجُور أَو بدل الْإِجَارَة فَالْقَوْل لمنكر الْقَبْض فِي جَمِيع ذَلِك، لِأَن الأَصْل عَدمه. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر، وَغَيره) . وَمِنْهَا: مَا لَو اخْتلف البَائِع وَالْمُشْتَرِي فِي شَرط الْخِيَار، فَالْقَوْل لمنكره.

(ر: تنوير الْأَبْصَار وَشَرحه الدّرّ الْمُخْتَار، كتاب الْبيُوع، أَوَاخِر خِيَار الشَّرْط) لِأَنَّهُ صفة عارضة. وَمِنْهَا: مَا لَو دفع إِنْسَان لآخر شَيْئا ثمَّ أَرَادَ اسْتِرْدَاده مُدعيًا أَنه دَفعه لَهُ عَارِية، وَقَالَ الْقَابِض: إِنَّك كنت بعتني إِيَّاه أَو وهبتني إِيَّاه، فَالْقَوْل للدافع فِي كَونه عَارِية. (ر: الْمَادَّة / 1763 / من الْمجلة) ، لِأَن الأَصْل عدم البيع وَالْهِبَة. وَمِنْهَا: مَا لَو قَالَ رجل لامْرَأَته: إِن لم أدفَع لَك نَفَقَتك الْيَوْم فَأَنت طَالِق، ثمَّ مضى الْيَوْم، فاختلفا فَقَالَ: دفعتها لَك، وَقَالَت: لم تدفعها لي، فَالْقَوْل قَوْلهَا، وَيَتَرَتَّب عَلَيْهِ وُقُوع الطَّلَاق. بِخِلَاف مَا لَو قَالَ لَهَا: إِن لم أَدخل الدَّار الْيَوْم مثلا فَأَنت طَالِق ثمَّ اخْتلفَا فَقَالَ دخلت وَقَالَت لم تدخل فَإِن القَوْل قَوْله، وَإِن كَانَ الأَصْل عدم الدُّخُول. وَذَلِكَ لِأَن الشَّرْط الْمُعَلق عَلَيْهِ إِذا كَانَ مِمَّا يَصح التَّنَازُع فِيهِ لذاته بِقطع النّظر عَن التَّعْلِيق، كوصول النَّفَقَة وَعَدَمه، فحينئذٍ ينظر إِلَى صُورَة التَّنَازُع، فَيكون القَوْل قَول منكره، وَهُوَ هُنَا الزَّوْجَة، لِأَن الأَصْل عدم وُصُول النَّفَقَة إِلَيْهَا. وَأما إِذا كَانَ الشَّرْط مِمَّا لَا يَصح التَّنَازُع فِيهِ لذاته، كدخول الدَّار وَعَدَمه، فَإِنَّهُ لَا ينظر فِيهِ إِلَى صُورَة التَّنَازُع، لِأَنَّهُ غير مُمكن، بل ينظر فِيهِ إِلَى الْمَقْصُود مِنْهُ، وَهُوَ وُقُوع الطَّلَاق أَو عَدمه، وَلما كَانَ مَقْصُود الزَّوْج بِدَعْوَاهُ الدُّخُول إِنْكَار وُقُوع الطَّلَاق كَانَ القَوْل قَوْله، لِأَن الأَصْل عدم الْوُقُوع. (ر: ذخيرة الْفَتْوَى، كتاب الْكفَالَة، الْبَاب السَّابِع فِي تَعْلِيق الْكفَالَة بِالشّرطِ) . إِلَى غير ذَلِك من الْفُرُوع الْكَثِيرَة. هَذَا، وَلَكِن إِذا قَامَ دَلِيل على خلاف ذَلِك الأَصْل، بِأَن كَانَ الظَّاهِر مُعَارضا لَهُ، فَإِن الأَصْل يتْرك ويترجح جِهَة الظَّاهِر، كَمَا قَالُوا فِي زَوْجَة الْعنين من أَنَّهَا لَو ادَّعَت عَلَيْهِ عدم وُصُوله إِلَيْهَا وَادّعى هُوَ الْوُصُول، وَكَانَت بكرا حِين العقد، فَإِن الْحَاكِم يريها حِين الْخُصُومَة للنِّسَاء، فَإِن قُلْنَ إِنَّهَا بكر فَالْقَوْل قَوْلهَا وَإِن قُلْنَ إِنَّهَا ثيب فَالْقَوْل قَوْله فِي الْوُصُول إِلَيْهَا، مَعَ أَن الأَصْل عدم الْوُصُول، لِأَن ظُهُور ثيوبتها مؤيد لدعواه فَترك بِهِ الأَصْل.

ثالثا المستثنى

(ثَالِثا _ الْمُسْتَثْنى) يسْتَثْنى من هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل: مِنْهَا: مَا لَو تصرف الزَّوْج فِي غلات زَوجته ثمَّ مَاتَت فَادّعى أَن تصرفه كَانَ بِإِذْنِهَا وَأنكر الْوَرَثَة، فَإِن القَوْل قَوْله بِيَمِينِهِ، مَعَ أَن الأَصْل عدم الْإِذْن. (ر: تنوير الْأَبْصَار وَشَرحه الدّرّ الْمُخْتَار، من كتاب الْغَصْب) . وَمِنْهَا: مَا لَو أَرَادَ الْوَاهِب الرُّجُوع فِي هِبته، فَادّعى الْمَوْهُوب لَهُ هَلَاك الْمَوْهُوب، فَالْقَوْل قَوْله وَلَا يَمِين عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ حكى أمرا يملك استئنافه. وَمِنْهَا: مَا لَو اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي هبة الْمهْر فَقَالَت الزَّوْجَة: وهبته لَك بِشَرْط أَن لَا تُطَلِّقنِي، وَقَالَ الزَّوْج: بِغَيْر شَرط، فَالْقَوْل قَوْلهَا، مَعَ أَن الشَّرْط من الْعَوَارِض وَالْأَصْل عَدمه. وَمِنْهَا: مَا لَو جَاءَ الْمضَارب بمبلغ وَقَالَ: هُوَ أصل وَربح، وَقَالَ رب المَال: كُله أصل، فَالْقَوْل قَول الْمضَارب، مَعَ أَن الأَصْل عدم الرِّبْح. وَمِنْهَا: مَا لَو طلبت الْمَرْأَة نَفَقَة أَوْلَادهَا الصغار بعد أَن فَرضهَا القَاضِي لَهُم، فَادّعى الْأَب أَنه أنْفق عَلَيْهِم فَالْقَوْل قَوْله مَعَ الْيَمين، مَعَ أَن الأَصْل عدم الْإِنْفَاق. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر وحاشية الْحَمَوِيّ عَلَيْهِ، فِي قَاعِدَة الأَصْل الْعَدَم _ لكل هَذِه الْفُرُوع المستثناة) .

القاعدة التاسعة

(الْقَاعِدَة التَّاسِعَة (الْمَادَّة / 10)) (" مَا ثَبت بِزَمَان يحكم بِبَقَائِهِ مَا لم يقم الدَّلِيل على خِلَافه ") (أَولا _ الشَّرْح) " مَا ثَبت بِزَمَان يحكم بِبَقَائِهِ مَا لم يقم الدَّلِيل على خِلَافه " لِأَنَّهُ إِذا اعْترض على الأَصْل دَلِيل خِلَافه بَطل. (ر: مَا قدمْنَاهُ فِي شرح الْمَادَّة الْخَامِسَة) . وَلذَلِك كَانَت الشَّهَادَة بِالْملكِ المنقضي، أَي الْمَاضِي، وَالْإِقْرَار بِهِ أَيْضا مقبولين، فَإِذا ثَبت فِي زمَان ملك شَيْء لأحد يحكم بِبَقَاء الْملك مَا لم يُوجد مَا يُزِيلهُ، سَوَاء كَانَ ثُبُوت الْملك الْمَاضِي بِالْبَيِّنَةِ أَو بِإِقْرَار الْمُدعى عَلَيْهِ. هَذِه الْمَسْأَلَة على ثَلَاثَة أوجه: الأول _ أَن يَدعِي ملكا خَالِيا عَن الْإِسْنَاد إِلَى الْمَاضِي، بِأَن يَقُول: إِن الْعين الَّتِي بيد الْمُدعى عَلَيْهِ هِيَ ملكي (سَوَاء بَين سَببا للْملك أَو لَا) وَيشْهد الشُّهُود لَهُ بِالْملكِ فِي الْمَاضِي فيقولوا: إِنَّهَا كَانَت ملكه، أَي فِي صُورَة مَا إِذا أطلق الْمُدَّعِي الْملك، أَو يَقُولُوا: إِنَّهَا كَانَت ملكه بِالسَّبَبِ الَّذِي ادَّعَاهُ، أَي فِي صُورَة مَا إِذا بَين الْمُدَّعِي سَببا للْملك. الثَّانِي _ أَن يَدعِي ملكا مَاضِيا فَيَقُول: إِنَّهَا كَانَت ملكي، وَيشْهد الشُّهُود بِالْملكِ الْمُطلق كَذَلِك، وَهُوَ عكس الأول. الثَّالِث _ أَن يَدعِي ملكا مَاضِيا، وَيشْهد الشُّهُود بالماضي أَيْضا. فَفِي الصُّورَة الأولى تصح الدَّعْوَى من الْمُدَّعِي وَتقبل من الشُّهُود، فَيحكم

للْمُدَّعِي بِالْملكِ، لِأَنَّهُ لما ثَبت ملكه فِي الزَّمن الْمَاضِي فَالْأَصْل أَن يحكم بِبَقَائِهِ، حَيْثُ لم يقم دَلِيل على خِلَافه إِلَى أَن يُوجد مَا يُزِيلهُ، كَأَن يُقيم الْمُدعى عَلَيْهِ بَيِّنَة على الشِّرَاء مِنْهُ مثلا. وَأما فِي الصُّورَتَيْنِ، الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة، فَإِن دَعْوَى الْمُدَّعِي غير صَحِيحَة، وَشَهَادَة الشُّهُود المترتبة عَلَيْهَا غير مَقْبُولَة أَيْضا، لِأَن إِسْنَاد الْمُدَّعِي ملكه إِلَى الْمَاضِي يدل على نفي الْملك فِي الْحَال، إِذْ لَا فَائِدَة للْمُدَّعِي فِي إِسْنَاده مَعَ قيام ملكه فِي الْحَال، بِخِلَاف الشَّاهِدين لَو أسْند ملكه إِلَى الْمَاضِي، لِأَن إسنادهما لَا يدل على النَّفْي فِي الْحَال لِأَنَّهُمَا قد لَا يعرفان بَقَاءَهُ إِلَّا بالاستصحاب. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الشَّهَادَات، بَاب الِاخْتِلَاف فِي الشَّهَادَة، وجامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الْحَادِي عشر) . هَذَا، وَفِي الصُّورَة الأولى المقبولة لَو سَأَلَ القَاضِي الشَّاهِدين: هَل تعلمان ملكه للْحَال؟ لَا يجبران على الْجَواب، لَكِن لَو أجاباه بقولهمَا: لَا نعلم قيام الْملك للْحَال ترد شَهَادَتهمَا، لِأَنَّهُمَا لما صرحا بجهلهما قيام الْملك للْحَال لم يبْق إِمْكَان للْحَمْل على أَنَّهُمَا يعرفان بَقَاء الْملك بالاستصحاب فَلم تعد شَهَادَتهمَا صَالِحَة لِأَن يحكم بهَا فِي ذَلِك. (ر: الْمَادَّة / 1695 / من الْمجلة) . وَمثل الشَّهَادَة بِملك الْعين، فِي جَمِيع الصُّور الْمُتَقَدّمَة، الشَّهَادَة بِالدّينِ، فَلَو ادّعى إِنْسَان دينا فِي ذمَّة حَيّ أَو ميت وَأقَام بَيِّنَة شهِدت لَهُ أَنه كَانَ لَهُ عَلَيْهِ هَذَا الْمبلغ الْمُدعى بِهِ تقبل الشَّهَادَة وَيحكم بِهِ. (ر: الْمَادَّة / 1694 / من الْمجلة) . تَنْبِيه: إِن قبُول الْحَاكِم الْبَيِّنَة وإلزام الْخصم بِمَا قَامَت عَلَيْهِ فِي الصُّورَتَيْنِ _ أَعنِي فِيمَا إِذا شهِدت الشُّهُود أَن الْعين كَانَت ملك الْمُدَّعِي، أَو شهِدت انه كَانَ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا _ إِنَّمَا هُوَ عمل بالاستصحاب، وَهُوَ عمل بِالظَّاهِرِ، وَالظَّاهِر يصلح حجَّة للدَّفْع لَا للاستحقاق، كَمَا تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الْمَادَّة الْخَامِسَة: " الأَصْل بَقَاء مَا كَانَ "، وَالْحكم بِهَذِهِ الشَّهَادَة حكم بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا بِالدفع فَيَنْبَغِي أَن لَا تقبل.

تنبيه

لَكِن نقل فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، فِي أَوَائِل الْفَصْل الْحَادِي عشر، هَذَا الْإِشْكَال عَن صَاحب الْقنية وَأَنه أجَاب عَنهُ بِأَن فِي رد مثل هَذِه الْبَينَات حرجاً فَتقبل دفعا للْحَرج. انْتهى موضحاً. وَقد نقل فِي معِين الْحُكَّام، فِي الْبَاب الثَّامِن عشر مِنْهُ فِي الْقَضَاء بِغَلَبَة الظَّن، عَن الْقَرَافِيّ الْمَالِكِي مَا لَفظه: " اعْلَم أَن قَول الْعلمَاء إِن الشَّهَادَة لَا تجوز إِلَّا بِالْعلمِ لَيْسَ على ظَاهره، فَإِن ظَاهره يَقْتَضِي أَنه لَا يجوز أَن يُؤَدِّي الشَّاهِد إِلَّا مَا هُوَ قَاطع بِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل حَالَة الْأَدَاء دَائِما عِنْد الشَّاهِد الظَّن الضَّعِيف فِي كثير من الصُّور، بل المُرَاد بذلك أَن يكون أصل الْمدْرك علما فَقَط، فَلَو شهد بِقَبض الدّين جَازَ أَن يكون الَّذِي عَلَيْهِ الدّين قد دَفعه فَتجوز الشَّهَادَة عَلَيْهِ بالاستصحاب الَّذِي لَا يُفِيد إِلَّا الظَّن الضَّعِيف، وَكَذَلِكَ الثّمن فِي البيع يشْهد بِهِ مَعَ احْتِمَال دَفعه، وَيشْهد فِي الْملك الْمَوْرُوث لوَارِثه مَعَ جَوَاز بَيْعه بعد أَن وَرثهُ، وَيشْهد بِالْإِجَارَة وَلُزُوم الْأُجْرَة مَعَ جَوَاز الْإِقَالَة بعد ذَلِك بِنَاء على الِاسْتِصْحَاب. والمحقق فِي هَذِه الصُّور كلهَا وَشبههَا إِنَّمَا هُوَ الظَّن الضَّعِيف، وَلَا يكَاد يُوجد مَا يبْقى فِيهِ الْعلم إِلَّا الْقَلِيل من الصُّور، مِنْهَا: النّسَب وَالْوَلَاء فَإِنَّهُ لَا يقبل النَّقْل فَيبقى الْعلم على حَاله، وَمِنْهَا: الْوَقْف إِذا حكم بِهِ حَاكم، أما إِذا لم يحكم بِهِ حَاكم فَإِن الشَّهَادَة إِنَّمَا فِيهَا الظَّن فَقَط، فَإِذا شهد بِأَن هَذِه الدَّار وقف احْتمل أَن يكون حَاكم حَنَفِيّ حكم بنقضه ". انْتهى. وَهُوَ كَلَام وجيه جدا مؤيد لجواب صَاحب الْقنية. (تَنْبِيه:) الشَّهَادَة بِالْيَدِ المنقضية لَا تقبل، وعَلى الْملك المنقضي تقبل، فَلَو ادّعى أحد على آخر بِأَن الْعين الَّتِي فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ كَانَت فِي يَد الْمُدَّعِي حَتَّى أَخذهَا ذَلِك مِنْهُ بِلَا حق فيطلب إِعَادَتهَا إِلَيْهِ، وَأقَام بَيِّنَة شهِدت بِأَنَّهَا كَانَت فِي يَده، لَا تقبل حَتَّى يشهدَا أَن الْمُدعى عَلَيْهِ أَخذهَا مِنْهُ بِلَا حق فَحِينَئِذٍ يقْضى بإعادتها إِلَيْهِ فَقَط، لَا بِالْملكِ، وَهَذَا يُسمى: قَضَاء ترك. وَإِنَّمَا لم تقبل الشَّهَادَة بِالْيَدِ المنقضية كَمَا قبلت على الْملك المنقضي لِأَنَّهَا

شَهَادَة بِمَجْهُول، وَالشَّهَادَة بِالْمَجْهُولِ لَا تقبل، وَذَلِكَ لِأَن أَنْوَاع وضع الْيَد كَثِيرَة، فقد تكون الْيَد يَد ملك أَو وَدِيعَة أَو إِجَارَة، وَيحْتَمل أَيْضا أَن الْعين كَانَت للْمُدَّعِي فاشتراها الْمُدعى عَلَيْهِ مِنْهُ، بِخِلَاف الْملك فَإِنَّهُ غير متنوع فَلذَلِك كَانَ الأَصْل أَن الشَّهَادَة بِالْملكِ المنقضي مَقْبُولَة لَا بِالْيَدِ المنقضية، حَتَّى لَو ثبتَتْ بِالْيَدِ المنقضية بِإِقْرَار الْخصم أَنَّهَا كَانَت فِي يَد الْمُدَّعِي أَو بِالْبَيِّنَةِ على الْإِقْرَار فَإِنَّهَا تعْتَبر وَيُؤمر الْمُدعى عَلَيْهِ بدفعها للْمُدَّعِي على الْوَجْه الْمُتَقَدّم، لِأَن الْإِقْرَار لَا تضره الْجَهَالَة. (ر: تنوير الْأَبْصَار وَشَرحه الدّرّ الْمُخْتَار، قبيل بَاب الشَّهَادَة على الشَّهَادَة، والمادة / 1579 / من الْمجلة) . هَذَا كُله فِيمَا إِذا كَانَت الشَّهَادَة بِالْيَدِ المنقضية لشخص حَيّ، أما إِذا شَهدا بيد شخص ميت فَإِنَّهَا تقبل مُطلقًا وَإِن كَانَت غير منقضية، لِأَنَّهَا إِن كَانَت فِي الْوَاقِع يَد ملك فَالْأَمْر ظَاهر، وَإِن كَانَت يَد غير ملك فبموت من هِيَ فِي يَده مجهلاً، أَي من غير أَن يبين أَنَّهَا لَيست لَهُ، يملكهَا وَتَكون مَضْمُونَة لصَاحِبهَا فِي التَّرِكَة. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، من الْمحل الْمَذْكُور) .

القاعدة العاشرة

(الْقَاعِدَة الْعَاشِرَة (الْمَادَّة / 11)) (" الأَصْل إِضَافَة الْحَادِث إِلَى أقرب أوقاته ") (أَولا _ الشَّرْح) يَعْنِي أَنه إِذا وَقع الِاخْتِلَاف فِي زمن حُدُوث أَمر فَحِينَئِذٍ ينْسب إِلَى أقرب الْأَوْقَات إِلَى الْحَال، مَا لم تثبت نسبته إِلَى زمن بعيد فَإِذا ثبتَتْ نسبته إِلَى الزَّمن الْبعيد يحكم بذلك، وَهَذَا إِذا كَانَ الْحُدُوث مُتَّفقا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَقع الِاخْتِلَاف فِي تَارِيخ حُدُوثه، كَمَا يفِيدهُ قَوْلهم فِي الْمَادَّة الْمَذْكُورَة: " يَعْنِي أَنه إِذا وَقع الِاخْتِلَاف فِي زمن حُدُوث أَمر "، أما إِذا كَانَ الْحُدُوث غير مُتَّفق عَلَيْهِ بِأَن كَانَ الِاخْتِلَاف فِي أصل حُدُوث الشَّيْء وَقدمه، كَمَا لَو كَانَ فِي ملك أحدٍ مسيل لآخر وَوَقع بَينهمَا اخْتِلَاف فِي الْحُدُوث والقدم، فَادّعى صَاحب الدَّار حُدُوثه وَطلب رَفعه وَادّعى صَاحب المسيل قدمه، فَإِن القَوْل لمُدعِي الْقدَم، وَالْبَيِّنَة لمُدعِي الْحُدُوث، حَتَّى إِذا أَقَامَ كل مِنْهُمَا بَينته رجحت بَيِّنَة مدعي الْحُدُوث وَهُوَ صَاحب الدَّار. (ر: الْمَادَّة / 1768 / من الْمجلة، ومرآة الْمجلة، نقلا عَن الْقنية) وَذَلِكَ لِأَن بَينته تثبت ولَايَة النَّقْض فَكَانَت أولى، أما مدعي الْقدَم فَهُوَ مُنكر متمسك بِالْأَصْلِ. (ر: تَنْقِيح الْفَتَاوَى الحامدية) . ثمَّ إِن الْوَجْه فِي كَون الأَصْل إِضَافَة الْحَادِث إِلَى أقرب أوقاته هُوَ أَن الْخَصْمَيْنِ لما اتفقَا على حُدُوثه، وَادّعى أَحدهمَا حُدُوثه فِي وَقت وَادّعى الآخر حُدُوثه قبل ذَلِك الْوَقْت، فقد اتفقَا على أَنه كَانَ مَوْجُودا فِي الْوَقْت الْأَقْرَب، وَانْفَرَدَ أَحدهمَا بِدَعْوَى أَنه كَانَ مَوْجُودا قبل ذَلِك، وَالْآخر يُنكر دَعْوَاهُ، وَالْقَوْل للْمُنكر.

ثانيا التطبيق

إِن اعْتِبَار هَذِه الْقَاعِدَة مُقَيّد بِأَن لَا يُؤَدِّي إِلَى نقض مَا هُوَ ثَابت مُقَرر، فقد نقل عَليّ حيدر أَفَنْدِي فِي شَرحه عَن الْفَتَاوَى الْوَلوالجِيَّة، فِي كتاب الدَّعْوَى مَا نَصه: " الأَصْل فِي الْحَوَادِث أَن يحكم بحدوثها لأَقْرَب مَا ظهر إِذا لم يتَضَمَّن الحكم بحدوثها للْحَال نقض مَا هُوَ ثَابت، لِأَن الحكم بحدوثها لأَقْرَب مَا ظهر ثَابت باستصحاب الْحَال لَا بِدَلِيل أوجب الْحُدُوث للْحَال، وَالثَّابِت باستصحاب الْحَال لَا يصلح لنقض مَا هُوَ ثَابت " وَنَظِير هَذَا مَا نَقله فِي رد الْمُحْتَار من بَاب الْمهْر، عَن الرحمتي عَن قاضيخان، عِنْد قَول الْمَتْن " وَهَذَا إِذا لم تسلم نَفسهَا ": إِن الظَّاهِر لَا يصلح حجَّة لإبطال مَا كَانَ ثَابتا. وستتضح فَائِدَة هَذَا الْقَيْد من مستثنيات هَذِه الْقَاعِدَة الَّتِي سنذكرها، لِأَن مُعظم تِلْكَ المستثنيات إِنَّمَا خرجت عَن هَذِه الْقَاعِدَة لِأَن تطبيقها عَلَيْهَا يسْتَلْزم نقض مَا هُوَ ثَابت متقرر. (ر: مَا سَيَأْتِي تَحت الْمَادَّة / 12 فِي التَّنْبِيه) . (ثَانِيًا _ التطبيق) يتَفَرَّع على هَذِه الْقَاعِدَة كثير من مسَائِل الطَّلَاق، وَالْمِيرَاث، وَالْإِقْرَار، وَالْهِبَة، وَالْبيع وفسخه، وَالْحجر، وَالْوكَالَة وَغَيرهَا. (أ) فَمن ذَلِك: مَا إِذا طلق رجل زَوجته طَلَاقا بَائِنا ثمَّ مَاتَ قبل أَن تَنْقَضِي عدتهَا، فادعت الزَّوْجَة أَنه أَبَانهَا وَهُوَ فِي مَرضه فَصَارَ بذلك فَارًّا فترث هِيَ مِنْهُ، وَقَالَ الْوَرَثَة: إِنَّه أَبَانهَا وَهُوَ فِي صِحَّته فَلم يكن فَارًّا فَلَا تَرث، فَإِن القَوْل فِي ذَلِك قَول الزَّوْجَة، وَالْبَيِّنَة على الْوَرَثَة، لِأَن الزَّوْجَة تضيف الْحَادِث، وَهُوَ الطَّلَاق، إِلَى أقرب الْأَوْقَات من الْحَال وَهُوَ زمن الْمَرَض. (ب) وَمِنْه مَا لَو مَاتَ رجل مُسلم وَله امْرَأَة نَصْرَانِيَّة فَجَاءَت امْرَأَته بعد مَوته مسلمة وَقَالَت: أسلمت قبل مَوته فَأَنا وارثة مِنْهُ، وَقَالَ الْوَرَثَة: إِنَّك أسلمت بعد مَوته فَلَا ترثين مِنْهُ لاخْتِلَاف دينيكما عِنْد مَوته، فَالْقَوْل للْوَرَثَة وَالْبَيِّنَة على الزَّوْجَة. (ر: مَا تقدم فِي بحث الِاسْتِصْحَاب من شرح الْمَادَّة الْخَامِسَة) . (ج) وَمِنْه: مَا لَو أقرّ إِنْسَان لأحد ورثته بِعَين أَو دين ثمَّ مَاتَ فَاخْتلف

الْمقر لَهُ مَعَ الْوَرَثَة فَقَالَ الْمقر لَهُ: أقرّ لي فِي صِحَّته فالإقرار نَافِذ، وَقَالَ الْوَرَثَة: أقرّ لَك فِي مَرضه فالإقرار غير نَافِذ، فَإِن القَوْل للْوَرَثَة وَالْبَيِّنَة على الْمقر لَهُ. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر وحاشية الْحَمَوِيّ _ لكل مَا سبق) . وَكَذَا الحكم فِيمَا لَو وهب إِنْسَان شَيْئا لأحد ورثته ثمَّ مَاتَ فَاخْتلف الْمَوْهُوب لَهُ وَبَقِيَّة الْوَرَثَة على الْكَيْفِيَّة الْمَذْكُورَة (ر: الْمَادَّة / 1766 / من الْمجلة) . (د) وَمِنْه: مَا لَو اشْترى إِنْسَان شَيْئا بِالْخِيَارِ ثمَّ بعد مُضِيّ مُدَّة الْخِيَار جَاءَ المُشْتَرِي ليَرُدهُ على البَائِع قَائِلا: إِنَّه فسخ قبل مُضِيّ مُدَّة الْخِيَار، وَقَالَ البَائِع: فسخت بعد مُضِيّ الْمدَّة فَلَا يَصح فسخك، فَإِن القَوْل قَول البَائِع، لإضافة الْفَسْخ إِلَى أقرب أوقاته من الْحَال (ر: دُرَر الْحُكَّام لعَلي حيدر أَفَنْدِي) . (هـ) وَمِنْه مَا لَو بَاعَ الْأَب مَال ابْنه بِحكم الْولَايَة ثمَّ اخْتلف المُشْتَرِي وَالِابْن فَقَالَ المُشْتَرِي: كَانَ ذَلِك قبل بلوغك وَالْبيع نَافِذ، وَقَالَ الابْن: كَانَ بعد بلوغي فَالْبيع غير نَافِذ، فَإِن القَوْل للِابْن على الْأَصَح (ر: جَامع أَحْكَام الصغار، من الْحَضَانَة، وتنقيح الْفَتَاوَى الحامدية من الحامدية) . وَكَذَا لَو قَالَ الْمَحْجُور: بِعْت وتصرفت بعد الْحجر عَليّ فتصرفي غير صَحِيح، وَقَالَ الْخصم: قبل الْحجر، فَالْقَوْل للمحجور وَالْبَيِّنَة على الْخصم. وَلَو أطلق من حجره فَاخْتلف مَعَ المُشْتَرِي فَقَالَ الْمَحْجُور: بِعْت مِنْك قبل فك الْحجر، وَقَالَ المُشْتَرِي: بعده، فَالْقَوْل للْمُشْتَرِي. (ر: الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة، من الْبَاب الثَّانِي من الْحجر نقلا عَن الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّة) . (و) وَمِنْه: مَا لَو قَالَ الْوَكِيل بِالْبيعِ بعد عَزله: بِعْت وسلمت قبل الْعَزْل، وَقَالَ مُوكله: إِنَّك بِعْت وسلمت بعد الْعَزْل، وَكَانَ الْمَبِيع قَائِما غير مستهلك فَإِن القَوْل للْمُوكل الَّذِي يضيف الْحَادِث إِلَى أقرب أوقاته. وَأما إِذا كَانَ الْمَبِيع مُسْتَهْلكا فَإِن القَوْل للْوَكِيل. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر) وَتَكون الْمَسْأَلَة حِينَئِذٍ من جملَة المستثنيات. وَالْفرق بَين الْحَالَتَيْنِ أَنه فِي حَالَة هَلَاك الْمَبِيع يكون مَقْصُود الْمُوكل إِيجَاب

ثالثا المستثنى

الضَّمَان فِي ذمَّة الْوَكِيل، وَالْوَكِيل يُنكر الضَّمَان فَالْقَوْل قَوْله، لِأَن الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة. أما فِي حَالَة قيام الْمَبِيع فَإِن إِرَادَة التَّضْمِين غير مُمكنَة، وَإِنَّمَا يَدعِي الْوَكِيل حِينَئِذٍ انْتِقَال الْعين من ملك الْمُوكل إِلَى ملك الآخر المُشْتَرِي، وَالْمُوكل يُنكر الِانْتِقَال فَالْقَوْل قَوْله، لِأَن الِانْتِقَال من الْأُمُور الْعَارِضَة فَالْأَصْل عدمهَا. (ز) وَمِنْه: مَا لَو اشْترى إِنْسَان شَيْئا ثمَّ جَاءَ ليَرُدهُ بِعَيْب فِيهِ مُدعيًا أَنه كَانَ مَوْجُودا فِيهِ عِنْد البَائِع، وَقَالَ البَائِع: لَا بل حدث الْعَيْب عنْدك بعد الْقَبْض، وَكَانَ الْعَيْب مِمَّا يحدث مثله، فَإِن القَوْل قَول البَائِع وَالْبَيِّنَة على المُشْتَرِي. أما لَو كَانَ الْعَيْب مِمَّا لَا يحدث مثله كالإصبع الزَّائِدَة فِي العَبْد، وكالخيف فِي الْفرس - وَهُوَ أَن تكون إِحْدَى عَيْنَيْهِ سَوْدَاء وَالْأُخْرَى زرقاء - فَإِن البَائِع يلْزم بِهِ. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، كتاب الْبيُوع، بَاب خِيَار الْعَيْب) . (ثَالِثا: الْمُسْتَثْنى) خرج عَن هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل: (أ) مِنْهَا: مَا لَو ادّعى الْأَجِير على الْحِفْظ أَن الْعين هَلَكت بعد تَمام الْمدَّة الْمَعْقُود عَلَيْهَا فَيسْتَحق كل الْأُجْرَة، وَقَالَ الْمُسْتَأْجر: هَلَكت قبل تَمام الْمدَّة بِكَذَا أَيَّامًا، فَالْقَوْل للْمُسْتَأْجر بِيَمِينِهِ (ر: حَاشِيَة الْحَمَوِيّ على الْأَشْبَاه والنظائر) وَذَلِكَ لِأَن من الْمُقَرّر الثَّابِت فرَاغ ذمَّة الْمُسْتَأْجر على الْحِفْظ من الْأُجْرَة، وَإِنَّمَا تثبت الْأُجْرَة فِي ذمَّته بِمِقْدَار الْمدَّة الَّتِي يُوجد فِيهَا الْحِفْظ من الْأَجِير فعلا، فَلَو جعل القَوْل للْأَجِير فِي حُدُوث هَلَاك الْعين بعد تَمام الْمدَّة بِنَاء على إِضَافَة الْحَادِث إِلَى أقرب أوقاته يلْزم مِنْهُ نقض الْأَمر الثَّابِت المتقرر، وَهُوَ فرَاغ ذمَّة الْمُسْتَأْجر، لِأَنَّهُ لم يثبت بالمقدار الزَّائِد الَّذِي يَدعِيهِ الْأَجِير، وَإِضَافَة الْحَادِث إِلَى أقرب أوقاته إِنَّمَا تعْتَبر إِذا لم يؤد اعْتِبَارهَا إِلَى نقض مَا هُوَ ثَابت، كَمَا قدمْنَاهُ عَن الْفَتَاوَى الْوَلوالجِيَّة، فَكَانَ القَوْل قَول الْمُسْتَأْجر. وَلِأَن إِضَافَة الْحَادِث، وَهُوَ الْهَلَاك هُنَا، إِلَى أقرب الْأَوْقَات من قبيل الظَّاهِر، وَالظَّاهِر لَا يَكْفِي حجَّة للاستحقاق (ر: حَاشِيَة الْحَمَوِيّ على الْأَشْبَاه والنظائر، من الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة، نقلا عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ) .

(ب) وَمِنْهَا: الْفَرْع الْمُتَقَدّم آنِفا فِيمَا إِذا اخْتلف الْوَكِيل بِالْبيعِ مَعَ الْمُوكل فِي بيع الْوَكِيل الْعين قبل عَزله أَو بعده، وَكَانَت الْعين الْمَبِيعَة مستهلكة (ر: الْفَقْرَة / و / من تطبيقات هَذِه الْمَادَّة) . (ج) وَمِنْهَا: مَا لَو اشْترى إِنْسَان شَيْئا ثمَّ جَاءَ ليَرُدهُ على البَائِع بِعَيْب فِيهِ بعد أَن كَانَ اسْتَعْملهُ اسْتِعْمَالا يُفِيد الرِّضَا بِهِ معيبا، فَقَالَ البَائِع لَهُ: إِنَّك استعملته بعد اطلاعك على الْعَيْب فَسقط حَقك فِي الرَّد، وَقَالَ المُشْتَرِي: إِنَّمَا استعملته قبل الِاطِّلَاع على الْعَيْب، فَالْقَوْل للْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ. فقد قَالَ فِي رد الْمُحْتَار، فِي كتاب الْبيُوع، فِي بَاب خِيَار الْعَيْب، قبيل قَول الْمَتْن " اسْتحق بعض الْمَبِيع " - نقلا عَن الْبَحْر الرَّائِق -: " لَو أَرَادَ المُشْتَرِي الرَّد وَلم يدع البَائِع عَلَيْهِ مسْقطًا للرَّدّ لم يحلف المُشْتَرِي " فقد أَفَادَ أَنه لَو ادّعى عَلَيْهِ البَائِع مسْقطًا فَالْقَوْل قَوْله بِيَمِينِهِ. وَوجه كَون القَوْل للْمُشْتَرِي فِي أَن اسْتِعْمَاله للْمَبِيع كَانَ قبل الِاطِّلَاع على الْعَيْب لَا بعده أَن خِيَار الْعَيْب فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة قد ثَبت للْمُشْتَرِي حِين الشِّرَاء لَا محَالة، فيتقرر بَقَاؤُهُ إِلَى أَن يُوجد الْمسْقط يَقِينا، لِأَن مَا ثَبت بِزَمَان فَالْأَصْل بَقَاؤُهُ حَتَّى يقوم الدَّلِيل على خِلَافه كَمَا تقدم فِي الْقَاعِدَة السَّابِقَة، فدعوى البَائِع سُقُوط الْخِيَار الثَّابِت للْمُشْتَرِي تكون على خلاف الأَصْل المتقرر، فَلَو حكمنَا بِأَن القَوْل قَوْله بِنَاء على إِضَافَة الْحَادِث لأَقْرَب أوقاته يلْزم مِنْهُ نقض ذَلِك الْأَمر الثَّابِت الَّذِي لم نتيقن بإزالته، فَلذَلِك كَانَ القَوْل للْمُشْتَرِي فِي بَقَاء خِيَاره. هَذَا، وَلَا يغْفل هُنَا عَن قَول أبي يُوسُف الْمُفْتِي بِهِ من أَنه لَا يقْضى لَهُ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ إِلَّا بعد أَن يحلفهُ الْحَاكِم أَنه لم يرض بِالْعَيْبِ قولا أَو دلَالَة، وَإِن لم يدع عَلَيْهِ البَائِع أَنه رَضِي بِهِ وَلم يطْلب تَحْلِيفه، وَعَلِيهِ جرت الْمجلة فِي الْمَادَّة / 1746 /. وَيظْهر من هَذِه الْفُرُوع أَن قَاعِدَة " إِضَافَة الْحَادِث إِلَى أقرب أوقاته " إِذا تَعَارَضَت مَعَ قَاعِدَة " الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة " أَو " الأَصْل بَقَاء مَا كَانَ على مَا كَانَ ".

تتْرك " إِضَافَة الْحَادِث إِلَى أقرب أوقاته " وَيعْمل بِهَاتَيْنِ القاعدتين دونهَا، لِأَنَّهُمَا أقوى. (د) وَمِنْهَا: مَا لَو اشْترى إِنْسَان شَيْئا ثمَّ جَاءَ ليَرُدهُ على البَائِع بِخِيَار الرُّؤْيَة، فَقَالَ البَائِع لَهُ: إِنَّك رضيت بِالْمَبِيعِ بَعْدَمَا رَأَيْته فَسقط خيارك، وَقَالَ المُشْتَرِي: رضيت بِهِ قبل أَن أرَاهُ فَلم يسْقط خياري فَالْقَوْل للْمُشْتَرِي (ر: رد الْمُحْتَار، كتاب الْبيُوع، من آخر خِيَار الرُّؤْيَة - عَن الْبَحْر الرَّائِق - عِنْد قَول الْمَتْن " كَمَا لَو اخْتلفَا فِي أصل الرُّؤْيَة ") . (هـ) وَمِنْهَا: مَا لَو مَاتَ ذمِّي فَجَاءَت امْرَأَته مسلمة وَقَالَت: إِنَّنِي أسلمت بعد مَوته فأرث، وَقَالَ الْوَرَثَة: إِنَّك أسلمت قبل مَوته فَلَا إِرْث لَك، فَالْقَوْل لَهُم، مَعَ أَن إِسْلَام الزَّوْجَة أَمر حَادث، وَهِي تضيفه إِلَى أقرب أوقاته وَهُوَ مَا بعد موت الزَّوْج، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا اعْترفت بِسَبَب الحرمان من الْإِرْث، وَهُوَ اخْتِلَاف الدينَيْنِ، وتمسكت بِالظَّاهِرِ الَّذِي هُوَ إِضَافَته إِلَى أقرب الْأَوْقَات لكَي تسْتَحقّ الْإِرْث بذلك، وَالظَّاهِر لَا يَكْفِي حجَّة للاستحقاق (ر: الْأَشْبَاه والنظائر - مَعَ زِيَادَة إِيضَاح) . وَلَا يرد على هَذَا مَا تقدم تفريعه على هَذِه الْقَاعِدَة، من أَن امْرَأَة الْمَيِّت إِذا ادَّعَت أَنه أَبَانهَا فِي مرض مَوته، وَقَالَ الْوَرَثَة: فِي صِحَّته، فَالْقَوْل قَول الزَّوْجَة وتستحق الْإِرْث، فَلَا يُقَال: كَيفَ اسْتحقَّت الْإِرْث هُنَا بِالظَّاهِرِ، وَهُوَ إضافتها الْبَيْنُونَة الْحَادِثَة إِلَى أقرب الْأَوْقَات الَّذِي هُوَ زمن الْمَرَض؟ فَإِن بَينهمَا فرقا، وَذَلِكَ أَن امْرَأَة الذِّمِّيّ اعْترفت باخْتلَاف الدينَيْنِ، وَاخْتِلَاف الدينَيْنِ مَانع من الْإِرْث، وَلَا يجْتَمع مَعَه فِي حَال بِيَقِين، فتمسكها بِالظَّاهِرِ، وَهُوَ إِضَافَته إِلَى مَا بعد الْمَوْت، يلْزم مِنْهُ نقض ذَلِك الْيَقِين الثَّابِت. وَأما مَسْأَلَة المبانة فعلى الْعَكْس، لِأَن إرثها بِسَبَب الزَّوْجِيَّة ثَابت بِيَقِين، والبينونة لَا تجانب الْإِرْث فِي جَمِيع الْأَحْوَال بل تَجْتَمِع مَعَه فِي حَال دون حَال، فَإِن إبانة الزَّوْج زَوجته فِي مرض مَوته لَا يمْنَع الزَّوْجَة من الْإِرْث، وَهِي إِنَّمَا اعْترفت بِوُجُود الْبَيْنُونَة الَّتِي لَا تمنع من الْإِرْث لحصولها فِي الْمَرَض، وَأما احْتِمَال كَون

الْبَيْنُونَة صدرت من الزَّوْج فِي زمن الصِّحَّة الْأَبْعَد فَلَيْسَ إِلَّا مُجَرّد شكّ، وإرثها بِالزَّوْجِيَّةِ ثَابت بِيَقِين فَلَا يَزُول بِهَذَا الشَّك بل يبْقى إِلَى أَن يقوم دَلِيل أقوى على خِلَافه. (و) وَمِنْهَا: مَا لَو تزوج رجل بِامْرَأَة ثمَّ جَاءَت بِولد وَاخْتلفَا، فَقَالَ الزَّوْج: إِنَّك ولدت قبل أَن يتم لعقد النِّكَاح سِتَّة أشهر فَالْوَلَد لَيْسَ بِثَابِت النّسَب مني، وَقَالَت الزَّوْجَة: ولدت بعد أَن تمّ للْعقد سِتَّة أشهر فَالْوَلَد ثَابت النّسَب مِنْك، فَالْقَوْل قَول الزَّوْجَة بِيَمِينِهَا. وَلَو أَرَادَ الزَّوْج أَن يُقيم بَيِّنَة على دَعْوَاهُ لَا تقبل أَيْضا، لِأَن بَينته تقوم فِي الْمَعْنى على النَّفْي، وَهُوَ عدم تَمام سِتَّة أشهر من حِين العقد إِلَى حِين الْولادَة، وَالْبَيِّنَة على النَّفْي لَا تقبل (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، والدرر وحاشية الشُّرُنْبُلَالِيّ عَلَيْهِ من بَاب ثُبُوت النّسَب، وَمَا سَيَأْتِي تَحت الْمَادَّة / 77 / من المحلات الَّتِي تقبل فِيهَا الْبَيِّنَة على النَّفْي) . (ز) وَمِنْهَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، فِي الْفَصْل السَّادِس عشر: شرى دَارا فاستحقت عرصتها وَنقض الْبناء فَادّعى بِقِيمَتِه على بَائِعه، فاختلفا فِيهِ فَقَالَ البَائِع: بعتها مَبْنِيَّة، وَقَالَ المُشْتَرِي: أَنا بنيتها - أَي بعد الشِّرَاء - ولي الرُّجُوع، فَالْقَوْل للْبَائِع. (انْتهى موضحاً) فقد جعل القَوْل قَول البَائِع مَعَ أَنه يضيف الْحَادِث، وَهُوَ الْبناء، إِلَى أبعد الْأَوْقَات، وَهُوَ مَا قبل البيع. (ح) وَمِنْهَا: مَا لَو دفع لآخر ألفا مثلا ليَشْتَرِي لَهُ شَيْئا بِعَيْنِه، فَاشْتَرَاهُ وَهَلَكت الدَّرَاهِم فِي يَده، ثمَّ اخْتلفَا فَقَالَ الْآمِر: هَلَكت قبل الشِّرَاء، أَي وَبَطلَت الْوكَالَة بهلاكها، فَوَقع الشِّرَاء للْوَكِيل، وَقَالَ الْمَأْمُور: هَلَكت بعد الشِّرَاء، أَي فَيكون الشِّرَاء للْآمِر، وَيكون للْمَأْمُور الرُّجُوع عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا، فَالْقَوْل للْآمِر بِيَمِينِهِ (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، أول الْفَصْل السَّابِع عشر، صفحة / 228 و 229 / موضحاً) .

صفحة فارغة.

القاعدة الحادية عشرة

(الْقَاعِدَة الْحَادِيَة عشرَة (الْمَادَّة / 12)) (الأَصْل فِي الْكَلَام الْحَقِيقَة) (أَولا: الشَّرْح) " الأَصْل فِي الْكَلَام الْحَقِيقَة " وَالْمجَاز فرع فِيهِ وَخلف عَنْهَا، ولكونها أصلا قدمت على الْمجَاز وَكَانَ الْعَمَل بهَا أولى من الْعَمَل بِهِ، مَا لم يُوجد مُرَجّح لَهُ فيصار إِلَيْهِ. الْحَقِيقَة فِي اللُّغَة من حق الشَّيْء إِذا ثَبت، وَهِي فعيلة بِمَعْنى فاعلة. وَهِي فِي الِاصْطِلَاح: الْكَلِمَة المستعملة فِيمَا وضعت لَهُ فِي اصْطِلَاح التخاطب، كاستعمال لَفْظَة الْقَتْل مثلا فِي إزهاق الرّوح، فَإِنَّهُ حَقِيقَة لاستعماله فِي الْمَعْنى الوضعي لَهُ، وكاستعمال لفظ الْوَصِيَّة مثلا عِنْد أهل الشَّرْع فِي التَّمْلِيك الْمُضَاف لما بعد الْمَوْت، فَإِنَّهُ حَقِيقَة أَيْضا بِالنِّسْبَةِ لاصطلاحهم وتخاطبهم. وَالْمجَاز: هُوَ اسْتِعْمَال الْكَلِمَة فِي غير مَا وضعت لَهُ لقَرِينَة (ر: تعريفات السَّيِّد) ، وَذَلِكَ كاستعمال لَفْظَة الْقَتْل الْمَذْكُورَة فِي الإيلام، وَاسْتِعْمَال لَفْظَة الْوَصِيَّة عِنْد أهل الشَّرْع فِي الْعَهْد الَّذِي هُوَ مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ، فَإِن كلا مِنْهُمَا مجَاز، لاستعمال الأول فِي غير مَا وضع لَهُ لُغَة وَاسْتِعْمَال الثَّانِي فِي غير مَا وضع لَهُ اصْطِلَاحا. المُرَاد بِهَذِهِ الْقَاعِدَة أَنه إِذا كَانَ للفظ مَعْنيانِ متساوٍ اسْتِعْمَالهَا، معنى حَقِيقِيّ وَمعنى مجازي، وَورد مُجَردا عَن مُرَجّح يرجح أحد الْمَعْنيين على الآخر

يُرَاد بِهِ حينئذٍ الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ لَا الْمجَازِي، لِأَن الْمجَاز، كَمَا قُلْنَا أَولا، خلف عَن الْحَقِيقَة، فترجح هِيَ عَلَيْهِ فِي نَفسهَا. وَذَلِكَ كلفظة النِّكَاح، فَإِنَّهَا حَقِيقَة فِي الْوَطْء مجَاز فِي العقد، وَقد تساوى استعمالهما فيهمَا، فَإِذا جَاءَ مُجَردا عَن مُرَجّح يرجح أحد الْمَعْنيين على الآخر، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح آباؤكم من النِّسَاء} ترجحت الْحَقِيقَة، لِأَنَّهَا الأَصْل وَلم يُوجد صَارف عَنْهَا إِلَى الْمجَاز فَتكون حُرْمَة مَوْطُوءَة الْأَب ثَابِتَة بِالنَّصِّ، وَأما حُرْمَة من عقد عَلَيْهَا الْأَب عقدا صَحِيحا وَلم يدْخل بهَا فثابتة بِالْإِجْمَاع. وَإِذا قدمت الْحَقِيقَة على الْمجَاز عِنْد تساويهما فِي الِاسْتِعْمَال كَانَ تَقْدِيمهَا حِين تكون هِيَ أَكثر اسْتِعْمَالا بِالْأولَى. أما إِذا وجد مُرَجّح للمجاز فَلَا شكّ فِي تَقْدِيمه على الْحَقِيقَة، كَمَا فِي قَول الْأَعْشَى: (فَلَا تقربن جَارة إِن سرها ... عَلَيْك حرَام فانكحن أَو تأبدا) فَإِن المُرَاد الْمَعْنى الْمجَازِي وَهُوَ العقد، والقرينة فِيهِ صدر الْبَيْت. وَقد تتحتم الْحَقِيقَة لِاسْتِحَالَة الْمَعْنى الْمجَازِي، كَمَا فِي قَول الفرزدق: (إِذا سقى الله قوما صوب غادية ... فَلَا سقى الله أهل الْكُوفَة المطرا) (التاركين على طهر نِسَاءَهُمْ ... والناكحين بشطي دجلة البقرا) وكما يُصَار إِلَى الْمجَاز عِنْد وجود مُرَجّح لَهُ على الْحَقِيقَة يُصَار إِلَيْهِ أَيْضا عِنْد تعذر الْحَقِيقَة، أَو تعسرها، أَو مُعَارضَة الْعرف وَالْعَادَة لَهَا. أما تعذرها فَإِنَّهُ يكون إِمَّا باستحالتها لعدم وجود فَرد لَهَا فِي الْخَارِج، كَمَا لَو وقف على أَوْلَاده وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا أحفاد، فَإِنَّهُ يصرف إِلَيْهِم لأَنهم أَوْلَاده مجَازًا. فَإِذا ولد لَهُ ولد صلبي يصرف إِلَيْهِ تَقْدِيمًا للْحَقِيقَة. وَإِمَّا بِكَوْنِهَا غير جَائِزَة شرعا، كَالْوكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ فَإِنَّهَا بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيّ غير جَائِزَة شرعا. لِأَن

ثانيا التطبيق

مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيّ هُوَ الْمُنَازعَة، والمنازعة مَنْهِيّ عَنْهَا قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَلَا تنازعوا} فَتحمل على الْمَعْنى الْمجَازِي لَهَا وَهُوَ إِعْطَاء الْجَواب. وَأما تعسرها فَإِنَّهُ يكون بِعَدَمِ حُصُولهَا إِلَّا بِمَشَقَّة. كَمَا سَيَأْتِي تَوْضِيحه فِي الْكَلَام على الْمَادَّة / 61 /. وَأما مُخَالفَة الْعرف وَالْعَادَة لَهَا فَسَيَأْتِي فِي الْكَلَام على الْمَادَّة الموفية أَرْبَعِينَ. وَأما إِذا كَانَ الْمَعْنى الْمجَازِي أَكثر اسْتِعْمَالا من الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ فَالْعَمَل بالمجاز على وَجه عَام يَجْعَل الْحَقِيقَة فَردا من أَفْرَاده أولى عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى، تَرْجِيحا بِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يريدونه من لَفْظَة (عُمُوم الْمجَاز) . وَعند أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ، وَالْحَالة هَذِه، أولى أَيْضا، لِأَنَّهَا الأَصْل فَمَا دَامَت مستعملة لَا يعدل عَنْهَا وَإِن قل اسْتِعْمَالهَا. وَذَلِكَ كَمَا لَو حلف بِطَلَاق امْرَأَته على أَن لَا يَأْكُل من هَذِه الْحِنْطَة، أَو على أَن لَا يَأْكُل من هَذِه الْغنم، وَكَانَت مقتناة للدر والنسل، فَإِن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ، وَهُوَ الْأكل من عين الْحِنْطَة أَو الْغنم، مُسْتَعْمل، وَلَكِن الْمَعْنى الْمجَازِي، وَهُوَ الْأكل مِمَّا يخرج مِنْهُمَا، أَكثر اسْتِعْمَالا. فَعِنْدَ أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى لَا يَقع الطَّلَاق على الْحَالِف إِلَّا بِالْأَكْلِ من عينهَا لِأَنَّهُ الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ، وَعِنْدَهُمَا يَقع عَلَيْهِ بِالْأَكْلِ من عينهما وبالأكل مِمَّا يخرج مِنْهُمَا، وَذَلِكَ بِأَن يُرَاد بِمَا يَقع عَلَيْهِ الْأكل مِنْهُمَا معنى أَعم تكون الْحَقِيقَة فَردا من جملَة أَفْرَاده، كَأَن يُرَاد لَا يُوقع فعل الْأكل على شَيْء حَاصِل من هَذِه الْعين مثلا. (ثَانِيًا _ التطبيق) مِمَّا يتَفَرَّع على هَذِه الْقَاعِدَة:

(أ) مَا لَو أوصى أَو وقف على أَوْلَاد أَوْلَاده، دخل أَوْلَاد الْبَنَات على الرَّاجِح، لِأَن ولد بنت الْإِنْسَان ولد وَلَده حَقِيقَة. (ب) وَمِنْه مَا لَو حلف بِطَلَاق زَوجته أَن لَا يفعل الشَّيْء الْفُلَانِيّ، فَوكل غَيره فَفعله الْوَكِيل لَا يَحْنَث إِذا كَانَ فعل ذَلِك الشَّيْء لَا يقبل التَّوْكِيل بِهِ أصلا، أَو كَانَ يقبل التَّوْكِيل وَلكنه كَانَ من الْأَفْعَال الَّتِي لَا يلْزم الْوَكِيل حِين فعله لَهَا أَن يضيفها إِلَى الْمُوكل. وَبَيَان ذَلِك أَن الْأَفْعَال بِالنِّسْبَةِ لقبُول التَّوْكِيل وَعَدَمه على نَوْعَيْنِ: (1) نوع مِنْهَا يقبل التَّوْكِيل، (2) وَنَوع مِنْهَا لَا يقبله. أَولا _ أما الْأَفْعَال الَّتِي لَا تقبل التَّوْكِيل أصلا فَهِيَ الْأَفْعَال الحسية، كَالْأَكْلِ وَالشرب وَالدُّخُول وَالْخُرُوج وَالنَّوْم وَمَا شاكلها. فَلَو حلف على عدم فعل شَيْء من هَذِه الْأَفْعَال فَأمر غَيره فَفعل لَا يَحْنَث لعدم صِحَة أمره بهَا، وَإِذا لم يَصح أمره بهَا لَا يُمكن أَن يعْتَبر فَاعِلا الْمَحْلُوف عَلَيْهِ، إِذْ لَا يُمكن أَن يعْتَبر أكل غَيره مثلا أَو دُخُوله أَو خُرُوجه أَو نَحْو ذَلِك من الْأَفْعَال الحسية وَاقعا عَنهُ أصلا، فَلَا يَحْنَث فِي شَيْء مِنْهَا إِلَّا أَن يفعل الْمَحْلُوف عَلَيْهِ بِنَفسِهِ. ثَانِيًا _ وَأما الْأَفْعَال الَّتِي تقبل التَّوْكِيل فَهِيَ على نَوْعَيْنِ أَيْضا: (1) نوع مِنْهَا يجب على الْوَكِيل لأجل وُقُوعه عَن الْمُوكل أَن يضيفه إِلَى مُوكله، (2) وَنَوع مِنْهَا لَا يجب على الْوَكِيل إِضَافَته إِلَيْهِ، بل يَقع عَنهُ وَينفذ عَلَيْهِ وَإِن لم يضفه إِلَيْهِ. 1 - فَالَّذِي يَقع عَن الْمُوكل وَينفذ عَلَيْهِ من التَّصَرُّفَات بِدُونِ إِضَافَة إِلَيْهِ سَبْعَة، هِيَ: البيع، وَالشِّرَاء، والإيجار، والاستئجار، وَالْقِسْمَة، وَالْخُصُومَة، وَالصُّلْح عَن مَال بِمَال، فَلَو حلف على شَيْء مِنْهَا أَنه لَا يَفْعَله، وَكَانَ مِمَّن يُبَاشر هَذِه التَّصَرُّفَات بِنَفسِهِ، فَأمر أَو وكل غَيره فَفعل عَنهُ لَا يَحْنَث، وَذَلِكَ لِأَن هَذِه الْعُقُود يَسْتَغْنِي الْمَأْمُور فِيهَا عَن إضافتها إِلَى آمره ويضيفها إِلَيّ نَفسه فَيَقُول: بِعْت أَو اشْتريت أَو آجرت ... الخ. وَلَا يلْزمه لأجل أَن تقع عَن الْمُوكل أَن يَقُول: بَاعَ موكلي أَو بِعْت عَن موكلي، أَو اشْترى موكلي أَو اشْتريت عَن موكلي

أَو لموكلي ... الخ. وَكَذَلِكَ وَكيل الْخُصُومَة يقر أَو يُنكر أَو يَأْتِي بِالدفع وَيَقَع ذَلِك عَن مُوكله بِدُونِ أَن يضيفه إِلَيْهِ سَوَاء كَانَ مُدعيًا أَو مدعى عَلَيْهِ. فَإِذا كَانَ الْحَالِف مِمَّن يُبَاشر هَذِه الْعُقُود بِنَفسِهِ لم يكن هُنَاكَ مُرَجّح للمجاز فتصرف الْيَمين إِلَى الْحَقِيقَة، وَهِي فعله بِنَفسِهِ، وَلم يُوجد فَلَا يَحْنَث، لِأَن الْفَاعِل حَقِيقَة غَيره، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الْمَعْهُود من حَال الْحَالِف أَن لَا يُبَاشر هَذِه الْأَعْمَال بِنَفسِهِ فَإِن ذَلِك مِنْهُ قرينَة على تَرْجِيح الْمجَاز، وَهُوَ إِرَادَة مَا يَشْمَل فعل نَائِبه، فَيحنث حينئذٍ بِفعل وَكيله كَمَا يَحْنَث بِفعل نَفسه. وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لما عدا الصُّلْح من التَّصَرُّفَات السِّتَّة الْمَذْكُورَة جَار على إِطْلَاقه، وَأما فِي الصُّلْح فَإِنَّهُ يشْتَرط أَن يكون فِيهِ معنى أحد عُقُود الْمُعَاوَضَات الْمَالِيَّة، كَالْبيع وَالْإِجَارَة، فَإِذا وجد معنى أَحدهمَا فِيهِ كَانَ فِي حكمهَا، إِذْ الصُّلْح يعْتَبر بأقرب الْعُقُود إِلَيْهِ وَحكمهَا _ أَي عُقُود الْمُعَاوَضَات الْمَالِيَّة _ كَمَا ذَكرْنَاهُ آنِفا حكما للمسائل السِّت، من أَن الْحَالِف إِذا كَانَ مِمَّن يُبَاشر الْعُقُود بِنَفسِهِ لَا يَحْنَث بِفعل وَكيله وَإِلَّا فَيحنث، وَإِن الصُّور الَّتِي يكون الصُّلْح بِمَعْنى أحد عُقُود الْمُعَاوَضَات الْمَالِيَّة تعلم مِمَّا كتبناه فِي شَأْن الصُّلْح تَحت الْقَاعِدَة الثَّانِيَة فَليرْجع إِلَيْهِ. 2 - وَأما الَّذِي لَا يَقع عَن الْمُوكل وَلَا ينفذ عَلَيْهِ من الْأَفْعَال الَّتِي تقبل التَّوْكِيل إِلَّا إِذا أَضَافَهُ الْوَكِيل إِلَيْهِ حِين يَفْعَله فَهِيَ مَا عدا هَذِه السَّبْعَة الْمَذْكُورَة من التَّصَرُّفَات الَّتِي تقبل التَّوْكِيل، كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاق وَالْإِبْرَاء وَالصُّلْح عَن دم الْعمد وَالْهِبَة وَالصَّدَََقَة والإيداع والإعارة وَمَا شاكلها. وَحكمهَا أَنه يَحْنَث الْحَالِف فِيهَا بِفِعْلِهِ وَفعل وَكيله، فَلَو حلف بِالطَّلَاق لَا يتَزَوَّج مثلا فَوكل آخر فَزَوجهُ حنث، وَكَذَلِكَ بَقِيَّة الْمَذْكُورَات، وَذَلِكَ لِأَن الْوَكِيل فِيهَا سفير ومعبر عَن الْمُوكل وناقل لعبارته، وَلذَا لَا تتَعَلَّق حُقُوق هَذِه التَّصَرُّفَات بِهِ بل بالموكل، فَاعْتبر الْمُوكل فَاعِلا لَهَا فَيحنث. وَالْحَاصِل: أَن من حلف لَا يفعل أمرا فَوكل غَيره فَفعله لَا يَحْنَث فِي ثَمَانِيَة محلات، السَّبْعَة الْمَذْكُورَة الَّتِي هِيَ البيع وَمَا عطف عَلَيْهِ، وَالثَّامِن

تنبيه

مَا لَا يقبل التَّوْكِيل من الْأَفْعَال الْمَذْكُورَة وَنَحْوهَا. وَيحنث فِيمَا عدا هَذِه الثَّمَانِية بِفِعْلِهِ وَفعل وَكيله. وَقد نظم بَعضهم مَا لَا يَحْنَث فِيهِ بِفعل وَكيله فَقَالَ: (بِفعل وَكيل لَيْسَ يَحْنَث حَالف ... بِبيع شِرَاء صلح مَال خُصُومَة) (إِجَارَة اسْتِئْجَار الضَّرْب لِابْنِهِ ... كَذَا قسمه والحنث فِي غَيرهَا اثْبتْ) وَمرَاده بِالضَّرْبِ لِابْنِهِ الْإِشَارَة إِلَى كل مَا لَا يقبل التَّوْكِيل والاستنابة من الْأَفْعَال، وَلذَا قَالُوا إِن مُرَاده بالابن الْوَلَد الْكَبِير فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي لَا يَصح أَمر الْأَب بضربه لانْقِطَاع ولَايَته عَنهُ بِالْبُلُوغِ، وَإِذا لم يَصح أمره لَا يَقع فعل الْمَأْمُور عَنهُ فَلَا يَحْنَث (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، من بَاب الْيَمين فِي البيع وَالشِّرَاء، وَمن بَاب الْحلف على القَوْل من الدُّرَر وَغَيره من كتب الْمَذْهَب _ لكل هَذِه الْأَحْكَام) لَكِن نقل فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّة من الْحَضَانَة عَن الْإِسْبِيجَابِيّ أَن للْأَب أَن يُؤَدب وَلَده الْبَالِغ إِذا وَقع مِنْهُ شَيْء فَلْيتَأَمَّل. وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ يملك تأديبه بِحكم حق الْأُبُوَّة وَوُجُوب الطَّاعَة، لَا يحكم الْولَايَة فَإِنَّهَا مُنْقَطِعَة. (تَنْبِيه:) لَا يخفى أَن كَون الْحَقِيقَة تقدم على الْمجَاز عِنْد التَّسَاوِي فِي الِاسْتِعْمَال لَيْسَ من الْأَدِلَّة القوية الَّتِي يرفع لَهَا مَا كَانَ ثَابتا ومتقرراً، بل هُوَ مسَاوٍ فِي الْقُوَّة للظَّاهِر الَّذِي يسْتَأْنس بِهِ ليترجح أحد الِاحْتِمَالَيْنِ المتساويين على الآخر، (ر: مَا تقدم فِي الْكَلَام على الْمَادَّة الثَّامِنَة) . فَإِذا كَانَ تَقْدِيم الْحَقِيقَة على الْمجَاز يُؤَدِّي إِلَى رفع مَا هُوَ ثَابت ومتقرر يتَرَجَّح الْمجَاز الَّذِي لَا يُؤَدِّي إِلَى ذَلِك حِينَئِذٍ على الْحَقِيقَة، فقد قدمنَا تَحت الْمَادَّة السَّابِقَة عَن الرحمتي عَن قاضيخان مَا لَفظه: " إِن الظَّاهِر لَا يصلح حجَّة لإبطال مَا كَانَ ثَابتا ". وَلِهَذَا شرطت نِيَّة الْهِبَة فِي منحتك ثوبي هَذَا وحملتك على دَابَّتي هَذِه ليَكُون تَمْلِيكًا، وَبِدُون نِيَّة الْهِبَة يكون عَارِية، مَعَ أَن كلا اللَّفْظَيْنِ حَقِيقَة فِي

تنبيه آخر

تمْلِيك الْعين عرفا مجَاز فِي تمْلِيك الْمَنْفَعَة عَارِية (ر: الدُّرَر، من أَوَائِل كتاب الْعَارِية) . وَقَالَ صَاحب الدُّرَر فِي تَعْلِيله _ بعد كَلَام _: " لِأَن الْحَقِيقَة إِنَّمَا ترَاد بِاللَّفْظِ بِلَا قرينَة إِذا لم يعارضها مجَاز مُسْتَعْمل، فَإِن النِّيَّة إِذا انْتَفَت كَانَ الْمَعْنى الْعرفِيّ واللغوي الْمُسْتَعْمل متساويين فِي الْإِرَادَة، فَيجب حمل اللَّفْظ على الْأَدْنَى لِئَلَّا يلْزم الْأَعْلَى بِالشَّكِّ ". وتعليله هَذَا هُوَ بِمَعْنى مَا قدمْنَاهُ من تَرْجِيح الْمجَاز إِذا لزم من تَقْدِيم الْحَقِيقَة رفع أَمر متقرر ثَابت فَإِن الْأَمر الْأَعْلَى الَّذِي احْتَرز عَن لُزُومه بقوله " لِئَلَّا يلْزم الْأَعْلَى بِالشَّكِّ " هُوَ الْأَمر المتقرر الثَّابِت بِعَيْنِه، وَهُوَ ملك صَاحب الثَّوْب وَالدَّابَّة، فَإِن ملكه ثَابت ومتقرر فيهمَا فَلَا يرْتَفع بِدَلِيل فِيهِ شكّ وَاحْتِمَال وَإِن كَانَ مُسْتَعْملا فِي حَقِيقَة، حَيْثُ زاحمها الْمجَاز الْمسَاوِي لَهَا فِي الِاسْتِعْمَال، وَهُوَ احْتِمَال إِرَادَة معنى تمْلِيك الْمَنْفَعَة عَارِية دون الْعين. وعَلى هَذَا يتَخَرَّج مَا ذَكرُوهُ من أَن البيع لَا ينْعَقد بِلَفْظ الْمُضَارع كأبيع إِلَّا بِالنِّيَّةِ مَعَ أَن الْأَصَح أَنه حَقِيقَة فِي الْحَال، وَذَلِكَ لِكَثْرَة اسْتِعْمَاله فِي الِاسْتِقْبَال (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، من أَوَائِل الْبيُوع) فقد قدم فِيهِ الْمَعْنى الْمجَازِي، وَهُوَ الْوَعْد، على الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ، وَهُوَ تَنْجِيز البيع فِي الْحَال، لِأَن تَقْدِيم الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ فِيهِ يلْزم مِنْهُ رفع الْأَمر الثَّابِت المتقرر، وَهُوَ ملك البَائِع، بِدَلِيل فِيهِ شكّ وَاحْتِمَال، وَهُوَ غير جَائِز وَإِن كَانَ مُسْتَعْملا فِي حَقِيقَة بعد أَن زاحمها الْمَعْنى الْمجَازِي الْمُسْتَعْمل وَلزِمَ من تَقْدِيمهَا رفع الْأَمر الثَّابِت المتقرر الْمَذْكُور. (تَنْبِيه آخر:) الأولى وضع هَذِه الْمَادَّة عقب الْمَادَّة الموفية سِتِّينَ، لتَكون هِيَ والمادة / 61 و 62 / بِمَنْزِلَة الْبَيَان وَالتَّفْصِيل لما أجمل فِي تِلْكَ.

((صفحة فارغة))

القاعدة الثانية عشرة

(الْقَاعِدَة الثَّانِيَة عشرَة (الْمَادَّة / 13)) (" لَا عِبْرَة بِالدّلَالَةِ فِي مُقَابلَة التَّصْرِيح ") (أَولا _ الشَّرْح) " لَا عِبْرَة بِالدّلَالَةِ فِي مُقَابلَة التَّصْرِيح " لِأَنَّهَا دونه فِي الإفادة وَهُوَ فَوْقهَا. وَالدّلَالَة بِفَتْح الدَّال فِي المعقولات، وبكسرها فِي المحسوسات. وَهِي: كَون الشَّيْء بِحَال يُفِيد الْغَيْر علما. وَتَكون لفظية وَغير لفظية، وكل مِنْهُمَا ثَلَاثَة أَقسَام: وضعية، وعقلية، وطبيعية، فاللفظية الوضعية: كدلالة الْأَلْفَاظ على مَا وضعت لَهُ. واللفظية الْعَقْلِيَّة: كدلالة اللَّفْظ على وجود اللافظ. واللفظية الطبيعية: كدلالة (أح) على وجع الصَّدْر و (أَخ) على مُطلق الوجع. وَغير اللفظية الوضعية: كدلالة الدوال الْأَرْبَع على مدلولاتها. وَغير اللفظية الْعَقْلِيَّة: كدلالة المصنوعات على وجود الصَّانِع. وَغير اللفظية الطبيعية: كدلالة الْحمرَة على الخجل والصفرة على الوجل. وَالظَّاهِر أَن الدّلَالَة الوضعية اللفظية وَالدّلَالَة الْعَقْلِيَّة بقسميها اللَّفْظِيّ وَغَيره غير مرادتين فِي الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة، لِأَن اللفظية الوضعية هِيَ التَّصْرِيح الَّذِي تلغى الدّلَالَة بمقابله، وَلِأَن الْعَقْلِيَّة بقسميها إِذا لم نقل إِنَّهَا فَوق التَّصْرِيح فَلَيْسَتْ دونه. فَيبقى المُرَاد حِينَئِذٍ بالقاعدة الْمَذْكُورَة دلالات ثَلَاثًا، وَهِي: اللفظية الطبيعية، وَغير اللفظية الوضعية، وَغير اللفظية الطبيعية.

ثانيا التطبيق

فَالْأولى: كَمَا إِذا قبل التهنئة بعد تَزْوِيج الْفُضُولِيّ لَهُ كَانَ ذَلِك إجَازَة مِنْهُ للْعقد طبعا وَلَكِن إِذا كَانَ وَقع رده قبل ذَلِك صَرِيحًا ارْتَدَّ. وَالثَّانيَِة: مثل المحاريب والأعلام والأميال والحفر والأغلاق والستور الَّتِي تتَّخذ وتنصب بِإِزَاءِ ملك الْغَيْر من أَرض أَو بُسْتَان أَو حَانُوت لتدل على الْإِذْن بِالدُّخُولِ أَو على عَدمه، فَإِنَّهَا تعْتَبر ويعتمد عَلَيْهَا وَلَكِن إِذا وجد التَّصْرِيح بِخِلَافِهَا تلغى تِلْكَ الدّلَالَة. وَالثَّالِثَة: مثل دلَالَة ضحك الْبكر بِلَا استهزاء عِنْدَمَا بلغَهَا خبر تَزْوِيج الْوَلِيّ فَإِنَّهُ يعْتَبر إجَازَة لَكِن إِذا وجد قبله أَو مَعَه تَصْرِيح بِالرَّدِّ تلغى تِلْكَ الدّلَالَة. (ثَانِيًا _ التطبيق) يتَفَرَّع على تِلْكَ الْقَاعِدَة مسَائِل كَثِيرَة: (أ) مِنْهَا: أَنه يسْتَدلّ على مصارف الْوَقْف بتعامل القوام السَّابِقين، وَلَكِن إِذا وجد كتاب الْوَاقِف الموثوق بِهِ فَلَا عِبْرَة بتعامل القوام على خِلَافه. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، وتنقيح الْفَتَاوَى الحامدية، من كتاب الْوَقْف) . (ب) وَمِنْهَا: مَا إِذا بَاعَ عقارا بيعا صَحِيحا شَرْعِيًّا، ثمَّ ادّعى أَن البيع كَانَ وَفَاء، وَقَالَ المُشْتَرِي إِنَّه بَات قَطْعِيّ، ينظر: فَإِن كَانَ هُنَاكَ دلَالَة على الْوَفَاء ككون الثّمن دون ثمن الْمثل بِغَبن فَاحش تسمع دَعْوَى الْوَفَاء من البَائِع وَيكون القَوْل قَوْله. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، قبيل الْكفَالَة) . وَلَكِن إِذا وجد التَّصْرِيح بالبتات فَلَا يعْمل بِتِلْكَ الدّلَالَة، وَلَا تسمع دَعْوَى الْوَفَاء حِينَئِذٍ. (ر: الْمَادَّة / 1658 / من الْمجلة) . (ج) وَمِنْهَا: مَا إِذا قبض المُشْتَرِي الْمَبِيع قبل نقد الثّمن بمشهد من البَائِع وَلم يَنْهَهُ، صَحَّ الْقَبْض وَسقط حق الْحَبْس بِالثّمن بِدلَالَة السُّكُوت على الْإِذْن، وَلَا يملك

اسْتِرْدَاده بل يُطَالِبهُ بِالثّمن فَقَط. (ر: رد الْمُحْتَار، من فصل مَا يدْخل فِي البيع تبعا، عِنْد قَول الْمَتْن: وَيسلم السّلْعَة) . أما لَو وجد صَرِيح النَّهْي فَلَا يسْقط حق الْحَبْس، وَله أَن يسْتَردّهُ مِنْهُ ويحبسه بِالثّمن، كَمَا يُسْتَفَاد من الْمحل الْمَذْكُور، وَكَذَلِكَ لَو قبض الْمَوْهُوب لَهُ الْهِبَة بِحَضْرَة الْوَاهِب وَلم يَنْهَهُ صَحَّ قَبضه وتمت الْهِبَة، وَلَا يملك الِاسْتِرْدَاد مِنْهُ بِدُونِ قَضَاء أَو رِضَاء. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، كتاب الْهِبَة) ، وَمَفْهُومه أَنه لَو نَهَاهُ صَرِيحًا لم يَصح قَبضه، فَلهُ اسْتِرْدَاده مِنْهُ. (ر: الْمَادَّة / 57 / من الْمجلة) . (د) وَمِنْهَا: مَا لَو زوج الْأَب ابْنه الصَّغِير وَضمن عَنهُ الْمهْر ثمَّ دَفعه عَنهُ، أَو كَانَ دَفعه بِلَا ضَمَان، فَإِنَّهُ لَا يرجع على الصَّغِير إِلَّا إِذا أشهد عِنْد الضَّمَان أَو عِنْد الدّفع أَنه يدْفع ليرْجع. (ر: رد الْمُحْتَار، من الْمهْر، عِنْد قَول الْمَتْن: لَا يُطَالب الْأَب بِمهْر ابْنه الصَّغِير ... الخ.) وعللوه بِأَن عدم الرُّجُوع إِنَّمَا هُوَ لجَرَيَان الْعَادة بِأَن يتَحَمَّل الْأَب مهر ابْنه الصَّغِير بِلَا طمع فِي الرُّجُوع فَيكون مُتَبَرعا دلَالَة، وَلَكِن إِذا شَرط الرُّجُوع صَرِيحًا تَنْتفِي تِلْكَ الدّلَالَة، لِأَن الصَّرِيح يفوقها. (هـ) وَمِنْهَا: مَا لَو اشْترى إِنْسَان حمارا مثلا ثمَّ جَاءَ ليَرُدهُ بطرِيق الْإِقَالَة فَصرحَ لَهُ البَائِع بِأَنَّهُ لَا يقيله، وَاسْتعْمل البَائِع ذَلِك الْحمار أَيَّامًا فطالبه المُشْتَرِي برد الثّمن فَامْتنعَ عَن رده وَعَن قبُول الْإِقَالَة، كَانَ لَهُ ذَلِك، لِأَنَّهُ لما رفض الْإِقَالَة صَرِيحًا بَطل كَلَام المُشْتَرِي فَلَا تتمّ الْإِقَالَة بِاسْتِعْمَالِهِ لَهُ. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، عَن الْفَتَاوَى الْخَانِية، من الْإِقَالَة عِنْد قَول الْمَتْن: ويتوقف على قبُول الآخر فِي الْمجْلس) . فقد لغت دلَالَة اسْتِعْمَال البَائِع للحمار على الْإِقَالَة فِي مُقَابلَة تصريحه برفضها. (و) وَمِنْهَا: مَا فِي الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، عَن الْقنية، أثْنَاء الْكَلَام على بيع التعاطي: لَو وضع الدَّرَاهِم وَأخذ البطاطيخ وَذهب بهَا وَالْبَائِع يَصِيح: لَا أعطيها بِهَذَا الثّمن، وَكَانَ مَعْلُوما أَن مُرَاده تطييب قلب المُشْتَرِي بذلك لَا عدم الرِّضَا، فَإِنَّهُ لَا ينْعَقد البيع.

تنبيهات

(ز) وَمِنْهَا: مَا لَو عقد على أُخْتَيْنِ متعاقباً وَنسي الأول، ثمَّ دخل على إِحْدَاهمَا اعْتبر دُخُوله بهَا بَيَانا لكَونهَا هِيَ السَّابِق نِكَاحهَا فَإِذا صرح بعد دُخُوله بهَا أَن تِلْكَ الْأُخْرَى هِيَ السَّابِق نِكَاحهَا يعْتَبر تصريحه بذلك، إِذْ الدّلَالَة لَا تعَارض التَّصْرِيح. (ر: رد الْمُحْتَار، من الْمُحرمَات، عِنْد قَول الْمَتْن: وَإِن تزوجهما مَعًا أَو بعقدين وَنسي الأول) . (ح) وَمِنْهَا: مَا لَو تنَازع شخصان شَيْئا فِي يَد أَحدهمَا وكل مِنْهُمَا يزْعم أَنه ملكه بِالشِّرَاءِ من شخص ثَالِث وَلم يذكرَا تَارِيخ الشِّرَاء أَو ذكره أَحدهمَا فَقَط وَأقَام كل مِنْهُمَا الْبَيِّنَة على دَعْوَاهُ، ترجح بَيِّنَة ذِي الْيَد، لِأَن تمكنه من قَبضه دَلِيل على سبق شِرَائِهِ، لَكِن لَو ادّعى الْخَارِج أَن شِرَاءَهُ قبل شِرَاء ذِي الْيَد وَأقَام بَيِّنَة شهِدت لَهُ بذلك يحكم لَهُ، لِأَن تَصْرِيح الشُّهُود يفوق دلَالَة الْيَد على سبق الشِّرَاء. (ر: الدُّرَر وَغَيره من بَاب دَعْوَى الرجلَيْن) . (ط) وَكَذَلِكَ مِنْهَا: مَا لَو تنَازع رجلَانِ فِي امْرَأَة، فَكل مِنْهُمَا يَدعِي أَنَّهَا زَوجته، وَأَقَامَا بينتين على ذَلِك وَلم يبينا تَارِيخا للنِّكَاح، ينظر: فَإِن لم يكن دخل بهَا أَو نقلهَا إِلَى منزله أَحدهمَا ترد الْبَيِّنَتَانِ، لعدم إِمْكَان الِاشْتِرَاك فِي النِّكَاح، وَيحكم بنكاحها لمن تصدقه هِيَ مِنْهُمَا، وَإِن كَانَت فِي بَيت أَحدهمَا أَو كَانَ دخل بهَا ترجح بَينته وَلَا يلْتَفت إِلَى تصديقها لخصمه الآخر، لِأَن تمكنه من نقلهَا أَو الدُّخُول بهَا هُوَ دلَالَة على سبق عقده، إِلَّا إِذا برهن الآخر على أَنه تزَوجهَا قبله فَيكون حينئذٍ هُوَ أولى بهَا، لِأَن الصَّرِيح يفوق الدّلَالَة. (ر: الدُّرَر، من الْبَاب الْمَذْكُور) . وَإِذا كَانَت الْمُدعى نِكَاحهَا ميتَة يخْتَلف الحكم فِيهَا حينئذٍ، وَقد قدمْنَاهُ فِي البند / 12 / من كلامنا على الْمَادَّة الثَّالِثَة: " الْعبْرَة فِي الْعُقُود للمقاصد والمعاني " فَانْظُرْهُ هُنَاكَ. (تَنْبِيهَات) - إِنَّمَا يعْتَبر الصَّرِيح وَيقدم على الدّلَالَة إِذا لم يجِئ بعد أَن تعْمل الدّلَالَة عَملهَا، أما إِذا جَاءَ بعد أَن عملت الدّلَالَة عَملهَا تعْتَبر الدّلَالَة دون التَّصْرِيح.

ثالثا المستثنى

(ر: الدُّرَر، أَوَائِل الْبيُوع، عِنْد قَول الْمَتْن: وَيبْطل الْإِيجَاب بِقِيَام أَيهمَا عَن الْمجْلس قبل الْقبُول) ، حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ: لِأَن الْقيام دَلِيل الرُّجُوع، وَالدّلَالَة تعْمل عمل الصَّرِيح. اعْترض بِأَنَّهَا إِنَّمَا تعْمل عمله إِذا لم يُوجد صَرِيح يعارضها، وَهَا هُنَا لَو قَالَ بعد الْقيام قبلت وجد الصَّرِيح وَلم يعْتَبر. ورد بِأَن الصَّرِيح إِنَّمَا وجد بعد الدّلَالَة وَلذَا لم يعارضها. - قد تكون الدّلَالَة فِي بعض الْأَوْقَات أقوى من الصَّرِيح، يثبت بهَا مَا لَا يثبت بِهِ، وَذَلِكَ فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة لم أظفر بثانية لَهَا، وَهِي مَا نصوا عَلَيْهِ من أَن الْحَاكِم لَيْسَ لَهُ أَن يَسْتَنِيب آخر عَنهُ إِلَّا إِذا كَانَ مفوضاً لَهُ بالاستنابة صَرِيحًا، كول من شِئْت وَنَحْوه، أَو مفوضاً لَهُ دلَالَة كجعلناك قَاضِي الْقُضَاة، فَإِذا كَانَ التَّفْوِيض لَهُ صَرِيحًا بِمَا ذكر فَإِنَّهُ يملك الِاسْتِنَابَة وَلَا يملك عزل النَّائِب، أما إِذا كَانَ التَّفْوِيض لَهُ دلَالَة فَإِنَّهُ يملك الِاسْتِنَابَة والعزل. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، فصل الْحَبْس، عِنْد قَول الْمَتْن: وَلَا يسْتَخْلف قَاض) . فقد عملت الدّلَالَة هُنَا مَا لَا يعمله الصَّرِيح، وَيثبت بهَا مَا لم يثبت بِهِ. - إِن مَا نقل عَن الدُّرَر من كتاب الْبيُوع يشكل عَلَيْهِ مَا نقل سَابِقًا عَن رد الْمُحْتَار من كتاب النِّكَاح، بَاب الْمُحرمَات، من اعْتِبَار وَطْء الزَّوْج إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ بَيَانا لكَونهَا هِيَ السَّابِق نِكَاحهَا ثمَّ إِذا صرح بِأَن الثَّانِيَة هِيَ ذَات النِّكَاح السَّابِق اعْتبر تصريحه، حَيْثُ إِن التَّصْرِيح فِيهَا جَاءَ مُعْتَبرا بعد أَن عملت الدّلَالَة عَملهَا. وَيُمكن أَن يُجَاب بِأَن تبين ذَات النِّكَاح السَّابِق أَمر تَابع للْوَاقِع وَنَفس الْأَمر، لَا للْبَيَان. فوطء الزَّوْج لإحداهما لَا يَجْعَلهَا هِيَ ذَات النِّكَاح السَّابِق فِي نفس الْأَمر، بل يَجْعَل بَيَانا ضَرُورَة حمل فعله على الصّلاح، فَإِذا صرح بعده بِأَن الْأُخْرَى هِيَ السَّابِق نِكَاحهَا كَانَ تصريحه فَوق الْبَيَان الَّذِي صير إِلَيْهِ ضَرُورَة، وَأقوى فِي الدّلَالَة على الْوَاقِع وَنَفس الْأَمر، فَاعْتبر. (ثَالِثا _ الْمُسْتَثْنى) يسْتَثْنى من هَذِه الْقَاعِدَة:

(أ) مَا لَو اشْترى شَيْئا ثمَّ اطلع على عيب فِيهِ فَاسْتَعْملهُ اسْتِعْمَالا يدل على الرِّضَا بِالْعَيْبِ وَهُوَ يُصَرح بِعَدَمِ الرِّضَا بِهِ فَإِنَّهُ يلْزمه الْمَبِيع وَلَا يقبل مِنْهُ تصريحه بِعَدَمِ الرِّضَا. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، من خِيَار الْعَيْب) . (ب) وَيسْتَثْنى أَيْضا مَا لَو بنى الْمُتَوَلِي أَو غرس فِي عقار الْوَقْف وَلم يشْهد أَنه لنَفسِهِ ثمَّ اخْتلف مَعَ الْمُسْتَحقّين فَقَالَ: فعلته لنَفْسي، وَقَالُوا: بل للْوَقْف، فَالْقَوْل قَوْلهم، تَرْجِيحا للدلالة بِكَوْنِهِ مُتَوَلِّيًا، وبناؤه وغرسه لنَفسِهِ غير جَائِز ويعد خِيَانَة مِنْهُ، وَالْأَصْل عَدمه على تصريحه بِأَنَّهُ فعل لنَفسِهِ. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، من الْوَقْف) . (ج) وَيسْتَثْنى أَيْضا: مَا لَو اشْترى إِنْسَان حَيَوَانا ثمَّ قَالَ لمن يساومه عَلَيْهِ: اشتره فَلَا عيب بِهِ، وَلم يتَّفق بَينهمَا البيع ثمَّ وجد بِهِ عَيْبا، فَلهُ رده على بَائِعه، وَلَا يمنعهُ إِقْرَاره السَّابِق لمن ساومه بِأَنَّهُ لَا عيب فِيهِ لِأَن كَلَامه ذَلِك مجَاز عَن الترويج، لظُهُور أَنه لَا يَخْلُو عَن عيب، فيتيقن بِأَن ظَاهر إِقْرَاره غير مُرَاد. إِلَّا إِذا كَانَ عين نوع الْعَيْب فَقَالَ: لَا شلل بِهِ أَو لَا عور مثلا، فَإِنَّهُ لَا يردهُ بعد ذَلِك بِهَذَا الْعَيْب الَّذِي نَفَاهُ، لِأَنَّهُ يُحِيط الْعلم بِهِ فَيعْتَبر إِقْرَاره وَيحكم بِأَن هَذَا الْعَيْب حدث عِنْده بعد إِقْرَاره بِعَدَمِهِ. (ر: تنوير الْأَبْصَار وَشَرحه الدّرّ الْمُخْتَار، فِي بَاب خِيَار الْعَيْب، عِنْد قَول المُصَنّف: اشْترى عبدا فَقَالَ لمن ساومه إِيَّاه اشتره فَلَا عيب بِهِ) .

القاعدة الثالثة عشرة

(الْقَاعِدَة الثَّالِثَة عشرَة (الْمَادَّة / 14)) (لَا مساغ للِاجْتِهَاد فِي مورد النَّص) (أَولا: الشَّرْح) " لَا مساغ للِاجْتِهَاد فِي مورد النَّص " لِأَن الحكم الشَّرْعِيّ حَاصِل بِالنَّصِّ، فَلَا حَاجَة لبذل الوسع فِي تَحْصِيله، وَلِأَن الِاجْتِهَاد ظَنِّي وَالْحكم الْحَاصِل بِهِ حَاصِل بظني، بِخِلَاف الْحَاصِل بِالنَّصِّ فَإِنَّهُ يقيني، وَلَا يتْرك اليقيني للظني. المُرَاد بِالنَّصِّ الَّذِي لَا مساغ للِاجْتِهَاد مَعَه هُوَ الْمُفَسّر الْمُحكم، وَإِلَّا فغيرهما من الظَّاهِر وَالنَّص لَا يَخْلُو عَن احْتِمَال التَّأْوِيل. وَبَيَان ذَلِك أَن أَقسَام الدَّلِيل اللَّفْظِيّ بِحَسب الْإِفْضَاء إِلَى الْأَحْكَام أَرْبَعَة: - ظَاهر: وَهُوَ مَا ظهر المُرَاد مِنْهُ بصيغته مَعَ احْتِمَال التَّأْوِيل. - وَنَصّ: وَهُوَ مَا ازْدَادَ وضوحاً على الظَّاهِر بِمَعْنى سيق لَهُ الْكَلَام لأَجله، لَا من نفس الصِّيغَة، مَعَ احْتِمَال التَّأْوِيل أَيْضا. - ومفسر: وَهُوَ مَا ازْدَادَ وضوحاً على النَّص على وَجه لَا يبْقى مَعَه احْتِمَال التَّأْوِيل. - ومحكم: وَهُوَ مَا أحكم المُرَاد مِنْهُ من غير احْتِمَال تَأْوِيل وَلَا نسخ. فَحَيْثُ كَانَ الْأَوَّلَانِ لَا يخلوان عَن احْتِمَال التَّأْوِيل يكون مساغ للِاجْتِهَاد مَوْجُود مَعَهُمَا. المُرَاد بِالنَّصِّ هَا هُنَا: الْكتاب وَالسّنة الْمَشْهُورَة وَالْإِجْمَاع، فَلَا يجوز

تنبيه

الِاجْتِهَاد فِي مُقَابلَة الْمُفَسّر والمحكم مِنْهَا، فَبَطل القَوْل بِحل الْمُطلقَة ثَلَاثًا للْأولِ بِمُجَرَّد عقد الثَّانِي عَلَيْهَا بِلَا وَطْء، وَالْقَوْل بِحل نِكَاح الْمُتْعَة، وَالْقَوْل بِسُقُوط الدّين بِمُضِيِّ سِنِين بِلَا مُطَالبَة، وَالْقَوْل بِالْقصاصِ بِتَعْيِين الْوَلِيّ وَاحِدًا من أهل الْمحلة وَحلف أيماناً على أَنه هُوَ الْقَاتِل، وَبَطل القَوْل بِأَن لَا دخل للنِّسَاء فِي الْعَفو عَن دم الْعمد، وَالْقَوْل بِبُطْلَان إِقْرَار الْمَرْأَة، وَبطلَان وصيتها بِغَيْر رِضَاء زَوجهَا، لعدم استنادها إِلَى دَلِيل مُعْتَبر، ولمخالفتها للنصوص الشَّرْعِيَّة الَّتِي لَا تحْتَمل التَّأْوِيل. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الْقَضَاء. ومعين الْحُكَّام، من فصل فِيمَا لَا ينْعَقد من أَحْكَام القَاضِي) . وَمثل لفظ الْكتاب وَالسّنة لفظ شَرط الْوَاقِف وَلَفظ الْمُوصي، فَإِنَّهُمَا كنص الشَّارِع فِي الْمَفْهُوم وَالدّلَالَة وَوُجُوب الْعَمَل بِهِ. (ر: التَّنْقِيح) ، مَا لم يكن فِيهِ تَغْيِير لحكم الشَّرْع، فَلَو كَانَ، كَمَا لَو شَرط أَن الْمُتَوَلِي أَو الْوَصِيّ لَا يُحَاسب، فَإِن شَرطه لَا يُرَاعى. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وَغَيره، من كتاب الْوَقْف) . (تَنْبِيه) قَوْلهم: لَا مساغ للِاجْتِهَاد فِي مورد النَّص " لَا فَائِدَة لوضعه هُنَا فِيمَا يتَبَادَر، لِأَن بَاب الِاجْتِهَاد مسدود الْآن فِي وَجه من يتَصَدَّى لدُخُوله مُطلقًا، سَوَاء كَانَ فِي مورد نَص لَا يسوغ الِاجْتِهَاد فِيهِ أَولا. فَفِي " الْخُلَاصَة " من آخر فصل الْحَبْس: لَيْسَ أحد من أهل الِاجْتِهَاد فِي زَمَاننَا. وَيحْتَمل أَن يكون الْمَقْصُود من وضع هَذِه الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة الْإِيمَاء للمفتين والقضاة بِأَن يقفوا عِنْد حَدهمْ، ويقصروا أنظارهم أَن تتطلع وأعناقهم أَن تمتد إِلَى مُجَاوزَة مَا فوض إِلَيْهِم من الِاجْتِهَاد فِي تَرْجِيح إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ متساويتين أَو أحد قَوْلَيْنِ متعادلين يخْتَلف التَّرْجِيح فيهمَا بِحَسب الْحَوَادِث والأشخاص إِلَى مَا لم يُفَوض إِلَيْهِم. وَذَلِكَ مثل مَا قَالُوا فِي الزَّوْج إِذا أوفى زَوجته معجل مهرهَا فَهَل لَهُ أَن يُسَافر بهَا أَو لَا؟ فَظَاهر الرِّوَايَة أَن لَهُ ذَلِك، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الصفار

وَأَبُو اللَّيْث: لَيْسَ لَهُ ذَلِك لفساد الزَّمَان وَسُوء حَال الْأزْوَاج، وَاخْتَارَ بَعضهم تَفْوِيض ذَلِك للمفتي، فَمَتَى علم من حَاله الْإِضْرَار بهَا أفتاه بِعَدَمِ الْجَوَاز، وَمَتى علم مِنْهُ غير ذَلِك أفتاه بِالْجَوَازِ. وَقد نصوا فِي مثل هَذَا على أَن الْمُفْتِي لَا بُد لَهُ من نوع اجْتِهَاد وَأَنه يُفْتِي بِمَا وَقع عِنْده من الْمصلحَة. وكما قَالُوا فِي حق سُقُوط نَفَقَة الزَّوْجَة بِالطَّلَاق الْبَائِن إِذا كَانَت غير مستدانة بِأَمْر القَاضِي، أَن القَاضِي ينظر فِي حَال الزَّوْج، فَإِن كَانَ طَلقهَا بَائِنا توصلاً لإِسْقَاط النَّفَقَة المتراكمة عَن نَفسه رد قَصده عَلَيْهِ وَحكم عَلَيْهِ بِعَدَمِ سُقُوطهَا عَنهُ، وَإِن كَانَ أَبَانهَا لَا لهَذَا حكم بسقوطها. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، من النَّفَقَة) . وكما فوض إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد فِي تَقْدِير حبس الْمَدْيُون مُدَّة يغلب على ظَنّه أَنه لَو كَانَ لَهُ مَال لأظهره. وفوضوا إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد فِي تَقْدِير تَعْزِير المذنب بِحَسب مَا يرَاهُ كَافِيا لزجره من حبس أَو ضرب أَو تعبيس فِي وَجهه. وفوضوا إِلَيْهِ النّظر وَالِاجْتِهَاد فِي بيع الْأَب وَالْوَصِيّ عقار الصَّغِير، فَإِن رأى أَن نقضه أصلح للصَّغِير وأنفع فَلهُ نقضه. (ر: فيض المستفيض فِي مسَائِل التَّفْوِيض للغزي) . وَقد فَوضُوا أَيْضا للْحَاكِم تَحْلِيف الشُّهُود إِذْ رأى ذَلِك، لفساد الزَّمَان، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَام على الْمَادَّة / 39 /: " لَا يُنكر تغير الْأَحْكَام بِتَغَيُّر الْأَزْمَان " نقلا عَن معِين الْحُكَّام. فَيحْتَمل أَنهم أَرَادوا بِوَضْع هَذِه الْقَاعِدَة هُنَا إيقاف اجتهادهم وقصره على مثل هَذَا. وَأما فِيمَا عداهُ مِمَّا لم يُفَوض إِلَيْهِم وَقد وَقع فِيهِ الْخلاف فَلَا مساغ لاجتهادهم فِيهِ، بل التَّرْجِيح فِيهِ تَابع لترجيح المرجحين من عُلَمَاء الْمَذْهَب على حسب مَا هُوَ مَبْسُوط فِي " رسم الْمُفْتِي " فَلَيْسَ للمفتي وَلَا للْقَاضِي مُخَالفَة

مَا رجحوه بِاجْتِهَاد مِنْهُ، وَلَو فعل لَا يقبل مِنْهُ، لِأَنَّهُ اجْتِهَاد فِي مورد النَّص، وَالنَّص لَا مساغ للِاجْتِهَاد فِي مورده. وَإِذا صَحَّ مَا ذَكرْنَاهُ يكون المُرَاد بِالنَّصِّ هَا هُنَا هُوَ الْمَنْقُول فِي كتب الْمَذْهَب. لَا مَا سبق.

القاعدة الرابعة عشرة

(الْقَاعِدَة الرَّابِعَة عشرَة (الْمَادَّة / 15)) (" مَا ثَبت على خلاف الْقيَاس فَغَيره لَا يُقَاس عَلَيْهِ ") (أَولا _ الشَّرْح) " مَا ثَبت " من الْأَحْكَام بِالنَّصِّ الْوَارِد " على خلاف الْقيَاس فَغَيره لَا يُقَاس عَلَيْهِ ". الْقيَاس: جعل الحكم فِي الْمَقِيس مثل الحكم فِي الْمَقِيس عَلَيْهِ بعلة وَاحِدَة فيهمَا، وَهُوَ حجَّة عِنْد الْفُقَهَاء والمتكلمين بقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} لِأَن الِاعْتِبَار هُوَ النّظر فِي الثَّابِت لأي معنى ثَبت وإلحاق نَظِيره بِهِ، وَهُوَ الْقيَاس بِعَيْنِه. وَشرط الِاسْتِدْلَال بِالْقِيَاسِ عدم وجود النَّص فِي الْمَقِيس، لِأَن الْقيَاس إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ ضَرُورَة خلو الْفَرْع عَن حكم ثَبت لَهُ بطرِيق التَّنْصِيص، فَإِذا وجد التَّنْصِيص على الحكم فَلَا قِيَاس. وَالِاسْتِدْلَال فِي بعض الْمسَائِل بِالنَّصِّ وَالْقِيَاس مَعًا إِنَّمَا هُوَ لأجل أَن الْخصم إِن طعن فِي النَّص بِأَنَّهُ مَنْسُوخ أَو غير متواتر أَو غير مَشْهُور أَو مؤول يبْقى الْقيَاس سالما لَا مطْعن فِيهِ، لَا لِأَنَّهُ دَلِيل على تَقْدِير سَلامَة النَّص من الطعْن. وَلَيْسَ الْقيَاس عملا بِالظَّنِّ كَمَا يَقُول الْبَعْض، بل هُوَ عمل بغالب الظَّن وأكبر الرَّأْي، وَالْعَمَل بغالب الظَّن وَاجِب وَإِن بَقِي مَعَه ضرب احْتِمَال. والمماثلة بَين الْمَقِيس والمقيس عَلَيْهِ من جَمِيع الْوُجُوه غير وَاجِبَة لصِحَّة الْقيَاس، بل الْوَاجِب الْمُمَاثلَة فِي عِلّة الحكم فَقَط.

ثانيا التطبيق

(ثَانِيًا _ التطبيق) قد ثَبت على خلاف الْقيَاس أَحْكَام كَثِيرَة تفوق الْحصْر، فَيقْتَصر فِيهَا على مورد النَّص، وَلَا يُقَاس عَلَيْهَا غَيرهَا. (أ) مِنْهَا: الْحُدُود، فقد ورد للسارق الْقطع فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ النباش مثلا. (ب) وَمِنْهَا: الْإِجَارَة، فَإِنَّهَا بيع الْمَنَافِع وَهِي مَعْدُومَة، وَبيع الْمَعْدُوم بَاطِل، وَلَكِن جوزت للضَّرُورَة، وَهِي الْحَاجة إِلَيْهَا، فَإِن الْمُعْتَمد فِي الْمَذْهَب أَن الْقيَاس يتْرك فِيمَا فِيهِ ضَرُورَة. (ر: الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّة فِي كتاب الْوَقْف، فِي أثْنَاء جَوَاب سُؤال رفع إِلَيْهِ فِي استدانة الْمُتَوَلِي، نقلا عَن الْبَحْر وَغَيره) ، فَيقْتَصر فِيهَا على مَوضِع الْحَاجة، وَلَا يُقَاس عَلَيْهَا مَا لَا حَاجَة فِيهِ، فَلَا يجوز إِيجَار متحدي الْمَنْفَعَة مقايضة، كسكنى دَار أَو حَانُوت بسكنى نَظِيره، لعدم الْحَاجة إِلَيْهَا. (ج) وَمِنْهَا: الْمُزَارعَة وَالْمُسَاقَاة، فَإِن الْقيَاس عدم جوازهما لِأَنَّهُمَا اسْتِئْجَار للمزارع والمساقي بِبَعْض الْخَارِج من عملهما وَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ. ولكنهما جَوَّزنَا لوُرُود الْأَثر فيهمَا، فَلَا يُقَاس عَلَيْهِمَا غَيرهمَا مِمَّا فِيهِ اسْتِئْجَار بِبَعْض الْخَارِج من الْعَمَل، كعصر الزَّيْتُون والسمسم وغزل الْقطن بِجُزْء من زيته أَو شيرجه أَو غزله مثلا. (د) وَمِنْهَا: التَّحَالُف، فَإِنَّهُ ثَبت فِي البيع على خلاف الْقيَاس إِذا كَانَ الْمَبِيع مَقْبُوضا، فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ النِّكَاح مثلا. أما قبل قبض الْمَبِيع فَهُوَ على الْقيَاس. (ر: الدُّرَر شرح الْغرَر، كتاب الدَّعْوَى، التَّحَالُف) . (هـ) وَمِنْهَا: السّلم والاستصناع وَالْوَصِيَّة ... . والتتبع يَنْفِي الْحصْر. (تَنْبِيه:) لَا مُخَالفَة بَين كَون الْحَنَفِيَّة يقدمُونَ الْقيَاس على خبر الْوَاحِد وَبَين قَوْلهم فِي الْوَقْف إِنَّهُم يعْملُونَ بالمرسل ويقدمون خبر الْوَاحِد على الْقيَاس. وَذَلِكَ لِأَن تقديمهم الْقيَاس على خبر الْوَاحِد إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا كَانَ الْمَقِيس عَلَيْهِ ثَبت حكمه

تنبيه آخر

بِدَلِيل قَطْعِيّ أَو مَشْهُور، وتقديمهم خبر الْوَاحِد على الْقيَاس إِذا ثَبت حكم الْمَقِيس عَلَيْهِ بآحاد. (تَنْبِيه آخر:) الْقيَاس بعد الأربعمائة مُنْقَطع، فَلَيْسَ لوَاحِد أَن يقيس مَسْأَلَة على مَسْأَلَة. (ر: رد الْمُحْتَار، من الْإِمَامَة) ، وَعَلِيهِ فَلَا يكون هُنَاكَ فَائِدَة لوضعهم هَذِه الْقَاعِدَة فِي الْمجلة، إِذْ الْقيَاس غير سَائِغ الْآن مُطلقًا، لَا فِيمَا ثَبت على الْقيَاس وَلَا فِيمَا ثَبت على خِلَافه. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون تصديرهم الْمجلة بِهَذِهِ الْقَوَاعِد بِمَثَابَة بَيَان الْأُصُول الَّتِي استنبطت مِنْهَا الْموَاد المفرعة فِيهَا.

((صفحة فارغة))

القاعدة الخامسة عشرة

(الْقَاعِدَة الْخَامِسَة عشرَة (الْمَادَّة / 16)) (" الِاجْتِهَاد لَا ينْقض بِمثلِهِ ") (أَولا _ الشَّرْح) الِاجْتِهَاد لَا ينْقض بِمثلِهِ إِجْمَاعًا أَي فِي الْمسَائِل الَّتِي يسوغ فِيهَا الِاجْتِهَاد، لِأَنَّهُ لَو نقض الأول بِالثَّانِي لجَاز أَن ينْقض الثَّانِي بثالث، لِأَنَّهُ مَا من اجْتِهَاد إِلَّا وَيجوز أَن يتَغَيَّر، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى عدم الِاسْتِقْرَار. وَهَذَا فِي حق الْمَاضِي، فَلَو كَانَ قضى قَاض فِي حَادِثَة بِاجْتِهَادِهِ ثمَّ تبدل اجْتِهَاده فَرفع إِلَيْهِ نظيرها فَقضى فِيهَا بِاجْتِهَادِهِ الثَّانِي لَا ينْقض الأول، كَمَا فِي الْأَشْبَاه والنظائر، لقَوْل عمر، رَضِي الله عَنهُ، حِين قضى فِي حَادِثَة بِخِلَاف مَا قضى فِي نظيرها قبلا: تِلْكَ على مَا قضينا وَهَذِه على مَا نقضي. (ر: شرح السِّرَاجِيَّة للسَّيِّد) . وَكَذَلِكَ لَو كَانَ بَين قاضيين، بِأَن قضى شَافِعِيّ مثلا فِي حَادِثَة مُجْتَهد فِيهَا بمذهبه، ثمَّ رفعت لآخر حَنَفِيّ مثلا يرى فِيهَا غير ذَلِك لَا يجوز لَهُ نقض قَضَاء الأول، بل يجب عَلَيْهِ تنفيذه وَيحكم فِي غَيرهَا بِمَا يرَاهُ. وَهَذَا، أَي عدم جَوَاز مُخَالفَة قَضَاء القَاضِي السَّابِق، فِيمَا هُوَ مَحل النزاع الَّذِي ورد عَلَيْهِ الْقَضَاء، أما فِيمَا هُوَ من توابعه فَلَا يتَقَيَّد بِمذهب الأول، فَلَو قضى شَافِعِيّ بِالْبيعِ فِي عقار فللقاضي الْحَنَفِيّ أَن يقْضِي فِيهِ بِالشُّفْعَة للْجَار، وَإِن كَانَ القَاضِي الأول لَا يَرَاهَا. وَكَذَلِكَ لَو حكم قاضٍ بِصِحَّة الْوَقْف لَا يكون حكما بِالشُّرُوطِ، فَلَو وَقع التَّنَازُع فِي شَيْء من الشُّرُوط عِنْد من يُخَالف فِيهَا، فَلهُ أَن يحكم فِيهَا بمذهبه، لِأَن ذَلِك لَيْسَ مَحل النزاع لَدَى القَاضِي

تنبيه

الأول، كَمَا لَو حكم بِالْوَقْفِ ثمَّ وَقع التَّنَازُع فِي رُجُوع الشَّرْط الْمُتَأَخر للجملة الْمُتَقَدّمَة مثلا كَمَا هُوَ مَذْهَب الْحَنَفِيَّة، أَو للأخيرة كَمَا هُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي، فَإِنَّهُ يقْضِي القَاضِي الْحَنَفِيّ بمذهبه. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر لِابْنِ نجيم) . وَكَذَلِكَ لَو كَانَ مقلد الْمُجْتَهد فِي عمل فاستفتي فَأفْتى فِيهَا بِمذهب مُجْتَهد آخر يُخَالف اجْتِهَاد الْمُجْتَهد الأول، لَا ينْقض عمله السَّابِق. أما فِي حق الْمُسْتَقْبل فَلَا يتَقَيَّد بِاجْتِهَادِهِ واستفتائه السَّابِق أصلا. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الطَّلَاق، من بَاب تَعْلِيق الطَّلَاق) . (تَنْبِيه:) مَا ذكر هُوَ فِي القَاضِي الْمُجْتَهد، أما الْمُقَلّد الَّذِي تقلد الْقَضَاء مُقَيّدا بِمذهب معِين، فَإِنَّهُ يتَقَيَّد بِهِ، فَلَو حكم بِخِلَافِهِ ينْقض وَإِن وَافق أصلا مُجْتَهدا فِيهِ. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الْقَضَاء، من فصل الْحَبْس) . وَلذَا لَو أَخطَأ فِي تطبيق الْحَادِثَة على الحكم الشَّرْعِيّ، ثمَّ ظهر أَن النَّقْل الشَّرْعِيّ بِخِلَافِهِ فَإِن حكمه ينْقض. (ر: الْمَادَّة / 1838 / من الْمجلة) . (تَنْبِيه آخر:) القَاضِي إِذا قضى بالجور ثمَّ ظهر الْحق، فَإِن كَانَ قضى خطأ فإمَّا أَن يكون التَّدَارُك مُمكنا أَولا، فَإِن أمكن، كَمَا إِذا قضى بِمَال أَو طَلَاق ثمَّ ظهر أَن الشُّهُود محدودون فِي قذف مثلا، بَطل الْقَضَاء وعادت الْمَرْأَة إِلَى زَوجهَا ورد المَال إِلَى من أَخذ مِنْهُ. وَإِن لم يُمكن التَّدَارُك كَالْقصاصِ إِذا نفذ لَا يقتل الْمقْضِي لَهُ بل تجب الدِّيَة فِي مَاله. هَذَا إِذا ظهر خَطؤُهُ بِالْبَيِّنَةِ أَو بِإِقْرَار الْمقْضِي لَهُ، فَلَو بِإِقْرَار القَاضِي لَا يظْهر فِي حق الْمقْضِي لَهُ حَتَّى لَا يبطل الْقَضَاء فِي حَقه. كل ذَلِك فِي حق العَبْد، أما فِي حق الْمولى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كَحَد الزِّنَى وَالسَّرِقَة وَالشرب، إِذا نفذ ثمَّ ظهر خَطؤُهُ فَالضَّمَان فِي بَيت المَال. وَإِن كَانَ قضى بالجور عمدا وَأقر بِهِ، فَالضَّمَان فِي مَاله فِي الْوُجُوه كلهَا، ويعذر ويعزل عَن الْقَضَاء. (ر: رد الْمُحْتَار، كتاب الْقَضَاء، من فصل الْحَبْس) .

القاعدة السادسة عشرة

(الْقَاعِدَة السَّادِسَة عشرَة (الْمَادَّة / 17)) (" الْمَشَقَّة تجلب التَّيْسِير) (أَولا _ الشَّرْح) الْمَشَقَّة تجلب التَّيْسِير لِأَن الْحَرج مَدْفُوع بِالنَّصِّ، وَلَكِن جلبها التَّيْسِير مَشْرُوط بِعَدَمِ مصادمتها نصا، فَإِذا صادمت نصا روعي دونهَا. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر لِابْنِ نجيم) . المُرَاد بالمشقة الجالبة للتيسير: الْمَشَقَّة الَّتِي تنفك عَنْهَا التكليفات الشَّرْعِيَّة. أما الْمَشَقَّة الَّتِي لَا تنفك عَنْهَا التكليفات الشَّرْعِيَّة كمشقة الْجِهَاد وألم الْحُدُود ورجم الزناة وَقتل الْبُغَاة والمفسدين والجناة، فَلَا أثر لَهَا فِي جلب تيسير وَلَا تَخْفيف. (ثَانِيًا _ التطبيق) الْمَشَقَّة الَّتِي تجلب التَّيْسِير تحتهَا سَبْعَة أَنْوَاع: أَولهَا _ السّفر، وتيسيراته كَثِيرَة، مِنْهَا: (أ) جَوَاز تحميل الشَّهَادَة للْغَيْر فِي غير حد وقود. (ب) وَمِنْهَا: جَوَاز بيع الْإِنْسَان مَال رَفِيقه وَحفظ ثمنه لوَرثَته بِدُونِ ولَايَة وَلَا وصاية إِذا مَاتَ فِي السّفر وَلَا قَاضِي ثمَّة. (ج) وَمِنْهَا: جَوَاز فسخ الْإِجَارَة بِعُذْر السّفر.

(د) وَمِنْهَا: جَوَاز تَزْوِيج الْوَلِيّ الْأَبْعَد للصغيرة عِنْد عدم انْتِظَار الْكُفْء الْخَاطِب استطلاع رَأْي الْوَلِيّ الْأَقْرَب الْمُسَافِر. (هـ) وَمِنْهَا: جَوَاز إِنْفَاق الْمضَارب على نَفسه فِي السّفر من مَال الْمُضَاربَة. (و) وَمِنْهَا: جَوَاز كِتَابَة القَاضِي إِلَى القَاضِي فِي بلد الْمُدعى عَلَيْهِ بِشَهَادَة شُهُود الْمُدَّعِي عِنْده. ثَانِيهَا _ الْمَرَض. وتيسيراته كَذَلِك كَثِيرَة مِنْهَا: (أ) جَوَاز تحميل الشَّهَادَة، كَمَا مر قَرِيبا. (ب) وَتَأْخِير إِقَامَة الْحَد على الْمَرِيض غير حد الرَّجْم إِلَى أَن يبرأ. (ج) وَمِنْهَا: عدم صِحَة الْخلْوَة مَعَ قيام الْمَرَض الْمَانِع من الْوَطْء، سَوَاء كَانَ فِي الزَّوْج أَو فِي الزَّوْجَة. ثَالِثهَا _ الْإِكْرَاه. وَهُوَ: التهديد مِمَّن هُوَ قَادر على الْإِيقَاع بضربٍ مبرح أَو بِإِتْلَاف نفس أَو عضوٍ أَو بِحَبْس أَو قيد مديدين مُطلقًا، أَو بِمَا هُوَ دون ذَلِك لذِي جاه، وَيُسمى إِكْرَاها ملجئاً، وَبِمَا يُوجب غماً يعْدم الرِّضَا، وَهُوَ مَا كَانَ بِغَيْر ذَلِك، وَيُسمى غير ملجئ. وَهُوَ بقسميه إِمَّا أَن يكون فِي الْعُقُود أَو فِي الإسقاطات أَو فِي المنهيات. والعقود والإسقاطات إِمَّا أَن تُؤثر فيهمَا الْهزْل أَو لَا. والمنهيات إِمَّا أَن تكون مِمَّا يُبَاح عِنْد الضَّرُورَة أَو لَا. وَمَا لَا يُبَاح عِنْد الضَّرُورَة إِمَّا أَن يكون جِنَايَة على الْغَيْر كَقَتل محقون الدَّم أَو قطع عُضْو مُحْتَرم، أَو لَا يكون جِنَايَة على الْغَيْر كالردة. (أ) أما الْعُقُود والإسقاطات الَّتِي يُؤثر فِيهَا الْهزْل، كَالْبيع وَالْإِجَارَة وَالرَّهْن وَالْهِبَة وَالْإِقْرَار وَالْإِبْرَاء، إِذا أكره عَلَيْهَا بملجئ أَو بِغَيْر ملجئ ففعلها ثمَّ زَالَ الْإِكْرَاه، فَلهُ الْخِيَار، إِن شَاءَ فسخ وَإِن شَاءَ أمضى. (ب) وَأما الْعُقُود والإسقاطات الَّتِي لَا يُؤثر فِيهَا الْهزْل، كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاق وَالْعَفو عَن دم الْعمد، فَلَا تَأْثِير للإكراه فِيهَا، فَلَا خِيَار للمكره بعد زَوَال الْإِكْرَاه، بل هِيَ مَاضِيَة على الصِّحَّة، وَلَكِن لَهُ أَن يرجع على الْمُكْره لَهُ على

تنبيه

الطَّلَاق غير الزَّوْجَة فَلَو كَانَت هِيَ المكرهة سقط الْمهْر على الزَّوْج. (ج) وَأما المنهيات الَّتِي تُبَاح عِنْد الضَّرُورَة، كإتلاف مَال الْغَيْر وَشرب الْمُسكر، فَإِنَّهَا تحل بل تجب بالملجئ لَا بِغَيْر الملجئ، وَضَمان المَال الْمُتْلف على الْمُكْره. (د) وَأما المنهيات الَّتِي لَا تُبَاح عِنْد الضَّرُورَة وَهِي جِنَايَة على الْغَيْر كَمَا تقدم فَإِنَّهَا لَا تحل وَلَا بالملجئ، وَلَو فعل فموجبها وَهُوَ الْقصاص على الْمُكْره (بِالْكَسْرِ) . (هـ) وَمَا لَا جِنَايَة فِيهِ على الْغَيْر وَلَيْسَ فِي معنى الْجِنَايَة، وَهُوَ الرِّدَّة، فَإِنَّهُ يرخص لَهُ أَن يجْرِي كلمتها على لِسَانه وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان، ويوري وجوبا إِن خطر بِبَالِهِ التورية، فَإِن لم يور يكفر وَتبين زَوجته. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، من كتاب الْإِكْرَاه) . رَابِعهَا _ النسْيَان. وَهُوَ: عدم تذكر الشَّيْء عِنْد الْحَاجة إِلَيْهِ. وَاتفقَ الْعلمَاء على أَنه مسْقط للعقاب. وَمن تيسيراته: (أ) أَنه إِذا وَقع فِيمَا يُوجب عُقُوبَة كَانَ شُبْهَة فِي إِسْقَاطهَا. (ب) وَمِنْهَا: مَا لَو نسي الْمَدْيُون الدّين حَتَّى مَاتَ، وَالدّين ثمن مَبِيع أَو قرض، لم يُؤْخَذ بِهِ، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ غصبا. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر لِابْنِ نجيم) . (تَنْبِيه:) لَا تَأْثِير للنسيان على الْحِنْث فِي التَّعْلِيق، فَلَو علق على فعل شَيْء ثمَّ فعله نَاسِيا التَّعْلِيق فَإِنَّهُ يَقع. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر لِابْنِ نجيم، والدر الْمُخْتَار وَغَيرهمَا، من بحث تَعْلِيق الطَّلَاق) . خَامِسهَا _ الْجَهْل. وَهُوَ: عدم الْعلم مِمَّن شَأْنه أَن يعلم. وَهُوَ قد يجلب التَّيْسِير.

وَمن تيسيراته: (أ) مَا لَو جهل الشَّفِيع بِالْبيعِ فَإِنَّهُ يعْذر فِي تَأْخِير طلب الشُّفْعَة. (ب) وَمِنْهَا: مَا لَو جهل الْوَكِيل أَو القَاضِي بِالْعَزْلِ أَو الْمَحْجُور بِالْحجرِ، فَإِن تصرفهم صَحِيح إِلَى أَن يعلمُوا بذلك. (ج) وَمِنْهَا: مَا لَو بَاعَ الْأَب أَو الْوَصِيّ مَال الْيَتِيم ثمَّ ادّعى أَن البيع وَقع بِغَبن فَاحش وَقَالَ: لم أعلم، تقبل دَعْوَاهُ. (د) وَمِنْهَا: مَا لَو جهلت الزَّوْجَة الْكَبِيرَة أَن إرضاعها لضرتها الصَّغِيرَة مُفسد للنِّكَاح لَا تضمن الْمهْر. (هـ) وَمِنْهَا: الْوَكِيل بِقَضَاء الدّين إِذا قَضَاهُ بَعْدَمَا وهب الدَّائِن الدّين من الْمَدْيُون جَاهِلا بِالْهبةِ لَا يضمن. (و) وَمِنْهَا: مَا لَو أجَاز الْوَرَثَة الْوَصِيَّة وَلم يعلمُوا مَا أوصى بِهِ الْمَيِّت لَا تصح إجازتهم. (ز) وَمن الْمسَائِل الَّتِي يعْذر فِيهَا بِالْجَهْلِ أَيْضا: مَا لَو كَانَ فِي الْمَبِيع مَا يشْتَبه على النَّاس كَونه عَيْبا وَاشْتَرَاهُ المُشْتَرِي عَالما بِهِ وَلم يعلم أَنه عيب ثمَّ علم أَنه عيب، فَإِنَّهُ لَهُ رده وَلَا يعد اطِّلَاعه عَلَيْهِ حِين الشِّرَاء رضَا بِالْعَيْبِ. (ر: رد الْمُحْتَار، فِي خِيَار الْعَيْب، عَن الْفَتَاوَى الْخَانِية عِنْد قَول الشَّارِح: وَكَذَا كل مُفِيد رضَا بعد الْعلم بِالْعَيْبِ يمْنَع الرَّد) . (ح) وَمِنْهَا: الْعَفو عَن التَّنَاقُض فِي الدَّعْوَى فِيمَا كَانَ سَببه خفِيا كالتناقض فِي النّسَب وَالطَّلَاق، كَمَا لَو ادّعى أحد على آخر أَنه أَبوهُ فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ إِنَّه لَيْسَ ابْني، ثمَّ قَالَ: هُوَ ابْني، يثبت النّسَب، لِأَن سَبَب الْبُنُوَّة الْعلُوق مِنْهُ، وَهُوَ خَفِي. (ط) وكما لَو اخْتلعت الْمَرْأَة من زَوجهَا على بدل ثمَّ ادَّعَت أَنه كَانَ طَلقهَا ثَلَاثًا قبل الْخلْع وبرهنت، فَإِنَّهَا تسترد الْبَدَل وَيغْتَفر تناقضها الْوَاقِع فِي إقدامها على الاختلاع ثمَّ دَعْوَاهَا الطَّلَاق، لِأَن الطَّلَاق فعل الْغَيْر فَإِن الزَّوْج

تنبيه

يستبد بِهِ بِدُونِ علمهَا، فَكَانَت معذورة. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، من بحث التَّنَاقُض فِي الدَّعْوَى فِي آخر بحث الِاسْتِحْقَاق) . (ي) وَمِنْهَا: أَن من أسلم فِي دَار الْحَرْب وَلم تبلغه أَحْكَام الشَّرِيعَة، فَتَنَاول الْمُحرمَات جَاهِلا حرمتهَا فَهُوَ مَعْذُور. (ر: رد الْمُحْتَار، أَوَائِل بَاب اسْتِيلَاء الْكفَّار، من كتاب الْجِهَاد) . وَقد ذكر الشَّيْخ مَحْمُود حَمْزَة مفتي دمشق فِي رسَالَته الْمُسَمَّاة " التَّعَارُض فِي التَّنَاقُض " المطبوعة بِدِمَشْق سنة 1303 هـ مسَائِل كَثِيرَة من محلات الخفاء الَّتِي يُعْفَى عَن التَّنَاقُض فِيهَا فانظرها. سادسها _ الْعسر وَعُمُوم الْبلوى. وَله تيسيرات مِنْهَا: (أ) تَجْوِيز بيع الْوَفَاء والمزارعة وَالْمُسَاقَاة وَالسّلم وَالْإِجَارَة، وَلِهَذَا لَا تجوز إِجَارَة الْعين بِمَنْفَعَة عين مثلهَا، وَلَا عقد الْإِجَارَة على مَنْفَعَة غير مَقْصُودَة، لعدم تحقق الْعسر والبلوى. (ب) وَمِنْهَا: إِبَاحَة نظر الطَّبِيب وَالشَّاهِد والخاطب، للأجنبية. (ج) والتيسير على الْمُجْتَهدين بالاكتفاء مِنْهُم بِغَلَبَة الظَّن. (د) وَالْعَفو عَمَّا يدْخل بَين الوزنين فِي الربويات. سابعها _ النَّقْص، وَفِيه نوع من الْمَشَقَّة يتسبب عَنْهَا التَّخْفِيف، وَذَلِكَ كالصغر، وَالْجُنُون، وَالْأُنُوثَة. فالأولان يجلبان التَّخْفِيف عَن الصَّغِير وَالْمَجْنُون لعدم تكليفهما أصلا فِيمَا يرجع إِلَى غير خطاب الْوَضع الْآتِي بَيَانه فَإِنَّهُ موجه إِلَيْهِمَا. وَأما التَّخْفِيف بِسَبَب الْأُنُوثَة فَمِنْهُ عدم تَكْلِيف النِّسَاء بِكَثِير مِمَّا كلف بِهِ الرجل، كالجهاد والجزية وَتحمل الدِّيَة إِذا كَانَ الْقَاتِل غَيرهَا. (تَنْبِيه:) خطاب الْوَضع هُوَ خطاب الله تَعَالَى الْمُتَعَلّق بِكَوْن الشَّيْء سَببا أَو شرطا: فَالْأول: كوجوب الْعشْر وَالْخَرَاج فِيمَا خرج من أَرض الصَّغِير وَالْمَجْنُون،

وَوُجُوب نَفَقَة الزَّوْجِيَّة والأقارب وَضَمان الْمُتْلفَات فِي مَالهمَا، إِلَّا مَا قبضاه قرضا أَو وَدِيعَة أَو عَارِية أَو عينا اشترياها وتسلماها بِدُونِ إِذن وليهما، فَإِنَّهُمَا لَا تلزمهما فِي الْجَمِيع لِأَنَّهُ مسلط عَلَيْهَا بِإِذن الْمَالِك. وكالدية فِي الْقَتْل، وكإقامة التعازير. وَالثَّانِي: هُوَ خطاب الله تَعَالَى الْمُتَعَلّق بِكَوْن الشَّيْء شرطا كَمَا إِذا عقد الصَّغِير مَعَ مثله عقدا فاقداً لشرط الصِّحَّة فَإِنَّهُ يعْتَبر فَاسِدا، وَيجب على الْحَاكِم فَسخه عَلَيْهِمَا إِن لم يفسخاه. وإننا مهما أشبعنا الْكَلَام على هَذِه الْقَاعِدَة لَا نوفها حَقّهَا، إِذْ هِيَ من أُمَّهَات الْقَوَاعِد الْخمس الَّتِي يَدُور عَلَيْهَا مُعظم أَحْكَام الْفِقْه. وَقد نظمها بعض الشَّافِعِيَّة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، ونفعنا بهم فَقَالَ: (خمس مقررة قَوَاعِد مَذْهَب ... للشَّافِعِيّ فَكُن بِهن خَبِيرا) (ضَرَر يزَال، وَعَادَة قد حكمت، ... وَكَذَا الْمَشَقَّة تجلب التيسيرا) (وَالشَّكّ لَا ترفع بِهِ متيقناً، ... وَالنِّيَّة أخْلص إِن أردْت أجورا)

القاعدة السابعة عشرة

(الْقَاعِدَة السَّابِعَة عشرَة (الْمَادَّة / 18)) (" إِذا ضَاقَ الْأَمر اتَّسَع ") (أَولا _ الشَّرْح) هَذَا فِي معنى الْمَادَّة / 21 /: الضرورات تبيح الْمَحْظُورَات، وَتَمام الْقَاعِدَة الْفِقْهِيَّة، كَمَا فِي " مرْآة الْمجلة ": " وَإِذا اتَّسع ضَاقَ ". وَكَانَ فِي معنى الشق الثَّانِي مِنْهَا أَنه إِذا دعت الضَّرُورَة وَالْمَشَقَّة إِلَى اتساع الْأَمر فَإِنَّهُ يَتَّسِع إِلَى غَايَة اندفاع الضَّرُورَة وَالْمَشَقَّة، فَإِذا اندفعت وزالت الضَّرُورَة الداعية عَاد الْأَمر إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل نُزُوله. وَيقرب مِنْهُ الْمَادَّة / 22 /: الضَّرُورَة تقدر بِقَدرِهَا. (ثَانِيًا _ التطبيق) هَذِه الْقَاعِدَة من جزئيات الْقَاعِدَة السَّابِقَة، يجْتَمع تحتهَا من مسائلها كل مَا كَانَ التَّيْسِير فِيهِ موقتاً. وَمن جملَة مَا تفرع عَلَيْهَا غير مَا تقدم: (أ) جَوَاز دفع السَّارِق والباغي مَا أمكن إِلَى أَن ينْدَفع شَره وَلَو بِالْقَتْلِ، وَلذَا قَالَ سيدنَا عَليّ، كرم الله وَجهه: لَا تتبعوا موليا، وَلَا تجهزوا على جريح. لِأَن الْقَصْد من الْقِتَال كَانَ دفع الضَّرَر، وَقد حصل بهربه أَو جرحه فَلَا يجوز الزِّيَادَة عَلَيْهِ، لِأَن مَا جَازَ لعذر امْتنع بزواله. (ر: الْمَادَّة / 23 / من الْمجلة) . (ب) وَمِنْه: وجوب إنظار الْمُعسر إِلَى الميسرة.

(ج) وَجَوَاز طعن الْمُزَكي فِي الشُّهُود، وَطعن الْمُحدث فِي الروَاة. (د) وَجَوَاز قبُول شَهَادَة الأمثل فالأمثل عِنْد فقد الْعَدَالَة أَو ندرتها. (ر: معِين الْحُكَّام، بَاب الْقَضَاء بِشَهَادَة غير الْعُدُول للضَّرُورَة) . (هـ) وَمِنْه: عدم وجوب الْخُرُوج على الإِمَام الجائر إِذا كَانَ متغلباً وَفِي الْخُرُوج عَلَيْهِ مفْسدَة.

القاعدة الثامنة عشرة

(الْقَاعِدَة الثَّامِنَة عشرَة (الْمَادَّة / 19)) (" لَا ضَرَر وَلَا ضرار ") (أَولا _ الشَّرْح) أَي لَا فعل ضَرَر وَلَا ضرار بِأحد فِي ديننَا، أَي لَا يجوز شرعا لأحد أَن يلْحق بآخر ضَرَرا وَلَا ضِرَارًا، وَقد سيق ذَلِك بأسلوب نفي الْجِنْس ليَكُون أبلغ فِي النَّهْي والزجر. هَذِه الْقَاعِدَة لفظ حَدِيث شرِيف حسن، رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَغَيرهمَا عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَابْن عَبَّاس وَعبادَة بن الصَّامِت رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم مُسْندًا، وَمَالك فِي الْمُوَطَّأ مُرْسلا. والضرار (بِكَسْر الصَّاد) من ضره وضاره بِمَعْنى، وَهُوَ خلاف النَّفْع، كَذَا قَالَه الْجَوْهَرِي. فَيكون الثَّانِي على هَذَا تَأْكِيدًا للْأولِ، لَكِن الْمَشْهُور أَن بَينهمَا فرقا فَحمل اللَّفْظ على التأسيس أولى من التَّأْكِيد. وَاخْتلف فِي الْفرق على أَقْوَال ذكرهَا ابْن حجر الهيتمي فِي شرح الْأَرْبَعين النووية، أحْسنهَا: أَن معنى الأول إِلْحَاق مفْسدَة بِالْغَيْر مُطلقًا، وَمعنى الثَّانِي إِلْحَاق مفْسدَة بِالْغَيْر على وَجه الْمُقَابلَة لَهُ، لَكِن من غير تَقْيِيد بِقَيْد الاعتداء بِالْمثلِ والانتصار للحق. وَهَذَا أليق بِلَفْظ الضرار، إِذْ الفعال مصدر قياسي لفاعل الَّذِي يدل على الْمُشَاركَة. الْقَاعِدَة مُقَيّدَة إِجْمَاعًا بِغَيْر مَا أذن بِهِ الشَّرْع من الضَّرَر، كَالْقصاصِ وَالْحُدُود وَسَائِر الْعُقُوبَات والتعازير، لِأَن دَرْء الْمَفَاسِد مقدم على جلب الْمصَالح، على أَنَّهَا لم تشرع فِي الْحَقِيقَة إِلَّا لدفع الضَّرَر أَيْضا.

ثانيا التطبيق

ذكرت الْمجلة ثَلَاث قَوَاعِد بشأن الضَّرَر هِيَ أصُول بِالنِّسْبَةِ لغَيْرهَا: (الأولى) للنَّهْي عَن إِيقَاعه وَهِي هَذِه و (الثَّانِيَة) لوُجُوب إِزَالَته إِذا وَقع، وَهِي الْقَاعِدَة الَّتِي تَلِيهَا و (الثَّالِثَة) لبَيَان أَن إِزَالَته إِذا لم تمكن تَمامًا فبقدر مَا يُمكن، وَهِي الْقَاعِدَة الْحَادِيَة وَالثَّلَاثُونَ. وَمَا عداهن مِمَّا ذكر بشأن الضَّرَر، كالقاعدة السَّابِعَة، وَالْخَامِسَة وَالْعِشْرين، وَمَا بعْدهَا إِلَى نِهَايَة الثَّلَاثِينَ، فَلَيْسَتْ أصولاً، بل هِيَ مَا بَين تَقْيِيد لغَيْرهَا، كالسابعة فَإِنَّهَا قيد لما قبلهَا وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا، أَو تَكْمِيل لهَذِهِ الثَّلَاثَة الْأُصُول. وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهَا كلهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. (ثَانِيًا _ التطبيق) يتَفَرَّع على هَذِه الْقَاعِدَة كثير من أَبْوَاب الْفِقْه مِمَّا كَانَت مشروعيته توقياً من وُقُوع الضَّرَر. فَمن ذَلِك: (أ) اتِّخَاذ السجون، ثمَّ جعلهَا على صُورَة مضجرة لَا يُمكن فِيهَا المسجون من بسط فرَاش وَلَا غطاء، وَلَا من التكسب، وَلَا يُمكن أحد من الدُّخُول عَلَيْهِ للاستئناس، وَهُوَ وَإِن كَانَ أسلم الْعُقُوبَات فَهُوَ من الْعُقُوبَات الْعَظِيمَة ومقرون بِالْعَذَابِ الْأَلِيم فِي قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي سُورَة يُوسُف: {إِلَّا أَن يسجن أَو عَذَاب أَلِيم} . فَإِن من يعلم من الدعار وَأهل الْفساد أَن مثل هَذَا السجْن وَاقِف لَهُ بالمرصاد يرتدع ويكف أَذَاهُ عَن النَّاس. على أَن مَنْفَعَة السجْن لَيست مَقْصُورَة على ردع الدعار، بل هُنَاكَ أَيْضا مَنْفَعَة أُخْرَى وَهِي وقاية المجرم من إِضْرَار الْحَاكِم بِهِ إِذا عاقبه فِي وَقت غَضَبه من جرمه، فَإِن الْحَاكِم مَمْنُوع شرعا من معاقبة المجرم وَقت غَضَبه مِنْهُ لِئَلَّا يُجَاوز فِي عُقُوبَته الْحَد الْكَافِي لزجره، بل يرفعهُ إِلَى الْحَبْس ريثما يسكن غَضَبه فيعاقبه حِينَئِذٍ بِمَا يسْتَحقّهُ. (ب) وَمن ذَلِك بعض الخيارات، كَخِيَار الرُّؤْيَة وَخيَار الشَّرْط، فَإِن الأول شرع لدفع الضَّرَر عَن المُشْتَرِي بِدُخُول مَا لَا يلائمه فِي ملكه. وَالثَّانِي شرع للْحَاجة إِلَى التروي لِئَلَّا يَقع فِي ضَرَر الْغبن.

(ج) وَمن ذَلِك أَنْوَاع الْحجر، فَإِنَّهَا شرعت توقياً من وُقُوع الضَّرَر الْعَائِد تَارَة لذات الْمَحْجُور وَتارَة لغيره، فَإِن من وَجب حجره إِذا ترك بِدُونِ حجر قد يضر بِنَفسِهِ وَقد يضر بِغَيْرِهِ كَمَا هُوَ ظَاهر. (د) وَمِنْهَا: الشُّفْعَة، فَإِنَّهَا شرعت توقياً من ضَرَر جَار السوء. (هـ) وَمِنْهَا: جبر الشَّرِيك على الْعِمَارَة إِذا أَبَاهَا فِي ثَلَاثَة محلات وَهِي: (1) مَا إِذا كَانَ وَصِيّ يَتِيم، (2) أَو مُتَوَلِّي وقف، (3) وَعند ضَرُورَة تعذر الْقِسْمَة. فَإِنَّهُ شرع توقياً من تضرر الصَّغِير وَالْوَقْف وَالشَّرِيك من تداعي الْعقار للخراب. (و) وَمِنْهَا: مَا لَو بَاعَ لآخر مَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد وَغَابَ المُشْتَرِي قبل قَبضه وَقبل نقد الثّمن فَأَبْطَأَ، فَللْبَائِع بَيْعه لغيره توقياً من تضرره بفساده، وَلَا يرجع على المُشْتَرِي بِشَيْء لَو نقص الثّمن الثَّانِي عَن الأول (ر: رد الْمُحْتَار، من كتاب الْبيُوع، متفرقات) . (ز) وَمِنْهَا: حبس الْمُوسر إِذا امْتنع عَن الْإِنْفَاق على أَوْلَاده أَو قَرِيبه الْمحرم وَجَوَاز ضربه فِي الْحَبْس إِذا أصر على الِامْتِنَاع، توقياً من وُقُوع الضَّرَر بأولاده أَو قَرِيبه الْفُقَرَاء ببقائهم بِلَا نَفَقَة. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر لِابْنِ نجيم، بَاب الْقَضَاء) . (ح) وَمِنْهَا: مَا لَو أعَار أَرضًا للزِّرَاعَة أَو آجرها لَهَا فزرعها الْمُسْتَعِير أَو الْمُسْتَأْجر، ثمَّ رَجَعَ الْمُعير أَو انْتَهَت مُدَّة الْإِجَارَة قبل أَن يستحصد الزَّرْع، فَإِنَّهَا تتْرك فِي يَد الْمُسْتَعِير أَو الْمُسْتَأْجر بِأَجْر الْمثل إِلَى أَن يستحصد الزَّرْع (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الْعَارِية) . وَذَلِكَ توقياً من تضرره بقلع الزَّرْع وَهُوَ بقل. (ط) وَمِنْهَا: مَا لَو حدث للظئر أثْنَاء مُدَّة الْإِجَارَة عذر يسوغ لَهَا فسخ الْإِجَارَة، وَكَانَ الصَّغِير لم يعد يَأْخُذ ثدي غَيرهَا وَلم يسْتَغْن بِالطَّعَامِ، فَإِنَّهَا تمنع من فَسخهَا، توقياً من حُصُول ضَرَر للصَّغِير (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من كتاب الْإِجَارَة، الْإِجَارَة الْفَاسِدَة، عَن الْفَتَاوَى التَّتارْخَانِيَّة) .

(ي) وَمِنْهَا: مَا صرح بِهِ فِي كثير من الْكتب، من أَنه لَو انْتَهَت مُدَّة إِجَارَة الظِّئْر، وَالصَّغِير لَا يَأْخُذ ثدي غَيرهَا وَلم يسْتَغْن بِالطَّعَامِ، فَإِنَّهَا تجبر على إرضاعه بِأَجْر الْمثل توقياً من تضرر الصَّغِير. (ك) وَمِنْهَا: مَشْرُوعِيَّة الْخِيَار للْبَائِع فِي فسخ البيع إِذا كَانَ يتَضَرَّر فِي غير مَا بَاعه، كَمَا لَو بَاعَ جذعاً مثلا من سقف، أَو بَاعَ حِصَّة شائعة من زرع مَمْلُوك لَهُ غير مستحصد فَإِن لَهُ الْخِيَار فِي فسخ البيع فِي الأولى، لِأَنَّهُ بقلع الْجذع يتَضَرَّر فِي غير مَا بَاعه وَهُوَ بَقِيَّة السّقف، وَكَذَلِكَ لَهُ الْخِيَار فِي الثَّانِيَة إِذا طَالبه المُشْتَرِي بِالْقِسْمَةِ قبل استحصاد الزَّرْع توقياً من تضرره فِيمَا لم يَبِعْهُ وَهُوَ بَقِيَّة الزَّرْع، إِذْ لَا تمكن الْقِسْمَة إِلَّا بعد قلع الْكل (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، من أَوَائِل كتاب الشّركَة، وَمن البيع الْفَاسِد) . (ل) وَمِنْهَا جَوَاز كسر الدَّرَاهِم النبهرجة، أَي المصنوعة من غير الْفضة، إِذا دَفعهَا لأحد عَمَّا عَلَيْهِ أَو دَفعهَا لَهُ لينْظر إِلَيْهَا فَكَسرهَا الْآخِذ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، بل قَالُوا: نعم مَا صنع لِأَن فِي بَقَائِهَا ضَرَرا على الْعَوام، إِذْ قد تقع تِلْكَ الدَّرَاهِم فِي أَيدي من يُدَلس بهَا عَلَيْهِم (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، من آخر كتاب الْبيُوع، متفرقات) . (م) وَمِنْهَا: مَا لَو ثَبت الْحق على الْمُدعى عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ وبإقراره وَقضي عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يعْتَبر قَضَاء بِالْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ أقوى لَكِن إِذا كَانَ فِي اعْتِبَاره قَضَاء بِالْبَيِّنَةِ تحرز عَن إِيقَاع ضَرَر بالمدعى عَلَيْهِ، فحينئذٍ يعْتَبر الْقَضَاء مُسْتَندا إِلَى الْبَيِّنَة، وَذَلِكَ كَمَا إِذا اسْتحق الْمَبِيع من يَد المُشْتَرِي بِإِقْرَارِهِ وبالبينة وَقضي عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يعْتَبر الْقَضَاء مُسْتَندا إِلَى الْبَيِّنَة لَا إِلَى الْإِقْرَار، إِذْ فِي اعْتِبَاره قَضَاء عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ إِيقَاع ضَرَر بِهِ وَهُوَ عدم تمكنه من الرُّجُوع على بَائِعه بِالثّمن، لِأَن الْإِقْرَار حجَّة

قَاصِرَة لَا يتَعَدَّى إِلَى البَائِع، بِخِلَاف الْبَيِّنَة فَإِنَّهُ حجَّة متعدية، فَإِذا اعْتبر الْقَضَاء مُسْتَندا إِلَيْهَا يتَمَكَّن المُشْتَرِي من الرُّجُوع على بَائِعه بِالثّمن وَلَا يتَضَرَّر. وَمثل دَعْوَى الِاسْتِحْقَاق دَعْوَى الرَّد بِالْعَيْبِ الْقَدِيم إِذا أُقِيمَت على المُشْتَرِي من الْمُشْتَرى مِنْهُ، وَثَبت قدم الْعَيْب بِإِقْرَارِهِ وبالبينة، فَإِنَّهُ يعْتَبر الْقَضَاء عَلَيْهِ وَالْحَالة هَذِه قَضَاء بِالْبَيِّنَةِ، تَحَرُّزًا عَن الْإِضْرَار بِهِ، ليتَمَكَّن من رده على البَائِع الأول (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الدَّعْوَى، من بَاب الِاسْتِحْقَاق) . (ن) وَمِنْهَا: مَا لَو اشْترى شَيْئا فآجره ثمَّ اطلع على عيب قديم فِيهِ فَلهُ نقض الْإِجَارَة ليَرُدهُ بِالْعَيْبِ (ر: رد الْمُحْتَار، كتاب الْبيُوع، من خِيَار الْعَيْب عِنْد قَول الْمَتْن: كَمَا لَا يرجع لَو بَاعَ المُشْتَرِي الثَّوْب، وَقَالَ بعده: بِخِلَاف رَهنه من غَيره فَإِنَّهُ يردهُ بعد فكه. انْتهى) . وَكَأن الْفرق بَين الرَّهْن وَالْإِجَارَة هُوَ أَن الْإِجَارَة تفسخ بالأعذار وَهَذَا مِنْهَا، بِخِلَاف الرَّهْن. ثمَّ رَأَيْته فِي الْفَصْل المكمل الثَّلَاثِينَ من جَامع الْفُصُولَيْنِ صفحة / 49 / مُعَللا بِهَذَا. (س) وَمِنْهَا: مَا لَو أعَار شَيْئا ليرهنه الْمُسْتَعِير فرهنه بدين عَلَيْهِ ثمَّ أَرَادَ الْمُعير اسْتِرْدَاده، فَلهُ أَن يدْفع الدّين للْمُرْتَهن وَيَأْخُذ الْعين الْمَرْهُونَة، وَلَا يعد مُتَبَرعا بل يرجع بِمَا دفع على الرَّاهِن الْمُسْتَعِير. وَكَذَلِكَ مَا لَو رهن الْأَب بدين عَلَيْهِ مَال وَلَده الصَّغِير الَّذِي تَحت ولَايَته، فَبلغ الصَّغِير فَلهُ أَن يقْضِي دين أَبِيه ويفك الرَّهْن، وَلَا يكون مُتَبَرعا بل يرجع على أَبِيه بِجَمِيعِ مَا قَضَاهُ عَنهُ (ر: بَدَائِع الصَّنَائِع للكاساني، أَوَائِل الرَّهْن صفحة / 135 /) . (ع) وَمِنْهَا: مَا لَو بَاعَ الْمُؤَجّر الْمَأْجُور من أَجْنَبِي بِإِذن الْمُسْتَأْجر وَغَابَ البَائِع فَأدى المُشْتَرِي من الثّمن بدل الْإِجَارَة للْمُسْتَأْجر ليسلم لَهُ الْمُسْتَأْجر الْمَبِيع، لَا يكون المُشْتَرِي مُتَبَرعا. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّامِن عشر، برمز الذَّخِيرَة) وَعلله بِأَنَّهُ مُضْطَر للْأَدَاء فِي حَال غيبته لتخليص ملكه، كمصير الرَّهْن، ثمَّ نقل بعده عَن " الْعدة " أَنه يكون مُتَبَرعا لكنه لم يضع الْمَسْأَلَة فِي حَال غيبَة البَائِع بل أطلقها عَن التَّقْيِيد بغيبة أَو حُضُور، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يُخَالف

الْكَلَام " الذَّخِيرَة " إِلَّا أَن يحمل كَلَام " الْعدة " على حَالَة حُضُور البَائِع فيرتفع التخالف. (ف) وَمِنْهَا: أَن الْمُسْتَأْجر إِذا وجد بالمأجور عَيْبا قَدِيما أَو حدث فِيهِ عيب وَهُوَ فِي يَده، فَإِنَّهُ يسْتَقلّ بِفَسْخ الْإِجَارَة إِذا أَرَادَ، بِلَا حَاجَة إِلَى رضَا الْمُؤَجّر أَو قَضَاء القَاضِي، سَوَاء فِي ذَلِك أَكَانَ قبل الْقَبْض للمأجور أم بعده (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الْخَامِس وَالْعِشْرين، صفحة / 339 / بِالْمَعْنَى) وَجه اسْتِقْلَال الْمُسْتَأْجر بِالْفَسْخِ مُطلقًا أَنه لَو كلف انْتِظَار رضَا الْمُؤَجّر أَو قَضَاء القَاضِي لتضرر بجريان الْأُجْرَة عَلَيْهِ أثْنَاء ذَلِك. (ص) وَمِنْهَا: لَو أَمر غَيره بشرَاء شَيْء مَعْلُوم بِأَلف مثلا، فشراه وَلم يقبضهُ وَلم يدْفع الثّمن إِلَى البَائِع حَتَّى أعْطى الآخر الثّمن للْمَأْمُور ليدفعه إِلَى البَائِع فأتلف الْمَأْمُور الثّمن وَهُوَ مُعسر فَللْبَائِع أَن يحبس الْمَبِيع إِلَى أَن يَأْخُذ الثّمن فَإِذا دفع الْآمِر الثّمن إِلَى البَائِع كَانَ عَلَيْهِ أَن يُسلمهُ الْمَبِيع، وللآمر أَن يرجع على الْمَأْمُور بِالثّمن لِأَنَّهُ مُضْطَر فِي قَضَائِهِ فَهُوَ كمصير الرَّهْن (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، أَوَائِل الْفَصْل السَّابِع عشر، صفحة / 229 / مُلَخصا) . (ق) وَمِنْهَا مَا لَو اشْترى اثْنَان شَيْئا قيمياً وَغَابَ أَحدهمَا فللحاضر دفع كل ثمنه وَقَبضه وحبسه عَن شَرِيكه إِذا حضر حَتَّى ينْقد لَهُ ثمن حِصَّته، لِأَنَّهُ مُضْطَر، وَيجْبر البَائِع على قبُول كل الثّمن من الْحَاضِر وَدفع كل الْمَبِيع لَهُ (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، من كتاب الْبيُوع، متفرقات) فتجويزهم

قَضَاء دين الرَّاهِن وَالْبَائِع بِلَا أمره وإثباتهم حق الرُّجُوع للْمُعِير وَالصَّغِير وَالْمُشْتَرِي فِي هَذِه الصُّور إِنَّمَا كَانَ لدفع ضَرَر حبس ملكه عَنهُ. (ر) وَمِنْهَا: مَا لَو اسْتقْرض بالمرابحة إِلَى أجل مَعْلُوم ثمَّ حل الدّين بِمَوْت الْمَدْيُون أَو وَفَاة الْمَدْيُون قبل حُلُول الْأَجَل فَلَيْسَ للدائن من الْمُرَابَحَة إِلَّا بِقدر مَا مضى من الْأَيَّام (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الْبيُوع، آخر بَاب التَّصَرُّف فِي الْمَبِيع وَالثمن) . (ش) وَمِنْهَا: إبِْطَال إِقْرَار ذِي الْيَد لشخص ثَالِث بِالْعينِ الْمُدعى بهَا قبل الحكم بعد أَن أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهدا وَاحِدًا أَو شَاهِدين. وَكَذَا إبطالهم بَيْعه الْعين الْمُدعى بهَا من شخص ثَالِث بعد أَن برهن عَلَيْهِ الْمُدَّعِي قبل أَن يحكم لَهُ (ر: مَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَام على الْمَادَّة / 79 / نقلا عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّالِث) وَذَلِكَ دفعا لضَرَر هَذَا الْإِقْرَار وضرر هَذَا البيع من ذِي الْيَد على الْمُدعى. (ت) وَمِنْهَا: مَا لَو أحدث الْغَاصِب فِي الْعين الْمَغْصُوبَة مَا يقطع حق الْمَالِك فِي استردادها، كَمَا إِذا كَانَ الْمَغْصُوب كرباساً فَقَطعه وخاطه ثوبا أَو كَانَ حديداً فصنعه سِلَاحا مثلا أَو كَانَ نُحَاسا فصنعه آنِية ثمَّ مَاتَ الْغَاصِب أَو حجر عَلَيْهِ وَكَانَ لَهُ غُرَمَاء فَإِن الْمَالِك يَجْعَل أَحَق بِالْعينِ الْمَغْصُوبَة من سَائِر الْغُرَمَاء حَتَّى يَأْخُذ مِنْهَا حَقه، وَهَذِه الْعين المحبوسة لحق الْمَغْصُوب مِنْهُ إِذا هَلَكت قبل أَن يَسْتَوْفِي مِنْهَا حَقه تكون مَضْمُونَة على الْغَاصِب، وَلَا تكون مَضْمُونَة بِهَذَا الْهَلَاك على الْمَغْصُوب مِنْهُ ضَمَان الرَّهْن، وَإِن كَانَت محبوسة لحقه، كل ذَلِك دفعا للضَّرَر عَن الْمَغْصُوب مِنْهُ. فقد قَالَ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ مَا لَفظه: وَفِي كل مَوضِع يَنْقَطِع حق الْمَالِك فالمالك أَحَق بذلك الشَّيْء من الْغُرَمَاء حَتَّى يَأْخُذ حَقه فَلَو ضَاعَ فَهُوَ من مَال غاصبه وَلم يكن كرهن (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ، صفحة / 134 / برمز الذَّخِيرَة) . (ث) وَمِنْهَا: مَا لَو قَالَ لآخر: بَايع فلَانا مَا بِعته فعلي، كَانَ كَفِيلا بِثمن مَا يَبِيعهُ إِيَّاه، وَلَكِن لَهُ أَن يرجع عَن هَذِه الْكفَالَة قبل أَن يبايعه، فَإِذا قَالَ

للمكفول لَهُ: رجعت عَن كفالتي بطلت (ر: رد الْمُحْتَار، كتاب الْكفَالَة، عِنْد قَول المُصَنّف: مَا غصبك فلَان فعلي) . وَذَلِكَ دفعا لما عساه يلْحقهُ من الضَّرَر من هَذِه الْكفَالَة، إِذْ الْمَرْء لَا يجْبر على تحمل الضَّرَر وَإِن رَضِي بِهِ، وَلَيْسَ فِي رُجُوعه قبل الْمُبَايعَة ضَرَر على الْمَكْفُول لَهُ. (خَ) وَمِنْهَا: أَن الْوَكِيل بشرَاء شَيْء معِين لَا يملك أَن يَشْتَرِيهِ لنَفسِهِ من غير أَن يعلم الْمُوكل بِأَنَّهُ يُرِيد أَن يَشْتَرِيهِ لنَفسِهِ، كَمَا ذَكرُوهُ فِي الْوكَالَة، فَمَنعهُمْ لَهُ عَن شِرَائِهِ لنَفسِهِ إِنَّمَا كَانَ دفعا للضَّرَر عَن الْمُوكل، إِذْ عساه أَن يتَضَرَّر من عدم الْحُصُول على مَقْصُوده ليسد حَاجته. (ذ) وَمِنْهَا: مَنعهم شِرَاء الْحُبُوب وإخراجها من بَلْدَة يضر بِأَهْلِهَا، فقد قَالَ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَعَن أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى لَو أَن أعراباً قدمُوا الْكُوفَة وَأَرَادُوا أَن يمتاروا مِنْهَا ويضر ذَلِك بِأَهْلِهَا أمنعهم عَنهُ، أَلا يرى أَن أهل الْبَلدة يمْنَعُونَ عَن الشِّرَاء للحكرة؟ فَهَذَا أولى. (ض) وَمِنْهَا: أَنهم لم يجوزوا شَهَادَة الْعَدو على عدوه إِذا كَانَت الْعَدَاوَة دنيوية (ر: الْمَادَّة / 1702 / من الْمجلة) . وأوجبوا فسخ حكم الْحَاكِم إِذا كَانَ بَين الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَالْحَاكِم أَو بَينه وَبَين ابْنه أَو بَينه وَبَين أَبَوَيْهِ عَدَاوَة دنيوية بَيِّنَة، فقد قَالَ فِي معِين الْحُكَّام: الثَّالِث إِن كَانَ قِيَامه لعداوة بَينه وَبَينه أَي بَينه وَبَين القَاضِي، أَو بَينه وَبَين ابْنه أَو بَينه وَبَين الْأَبَوَيْنِ وَجب الْفَسْخ (ر: معِين الْحُكَّام، فصل فِي قيام الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بِطَلَب فسخ الحكم) وَقَالَ فِي معِين الْحُكَّام أَيْضا، فِي أَوَائِل الرُّكْن الْخَامِس الْمقْضِي عَلَيْهِ: وَلَا يحكم على عدوه كَمَا لَا تجوز شَهَادَته عَلَيْهِ فِي رِوَايَة. وَمَا أحسن هَذَا فِي زَمَاننَا، كل ذَلِك لِئَلَّا يصل إِلَى الْمَشْهُود عَلَيْهِ أَو الْمَحْكُوم عَلَيْهِ ضَرَر من هَذِه الْعَدَاوَة، لِأَنَّهَا تحمل الشَّاهِد على المجازفة فِي شَهَادَته عَلَيْهِ، وَتحمل الْحَاكِم على التحامل عَلَيْهِ، إِلَّا من رحم الله؛ وَقَلِيل ماهم. وَقد نقل فِي " لِسَان الْحُكَّام "، فِي نوع فِيمَن تقبل شَهَادَته وَمن لَا تقبل،

عَن شَارِح الْمَنْظُومَة الْوَهْبَانِيَّة أَنه توقف فِي جَوَاز قَضَاء القَاضِي على عدوه، وَقَالَ: لم أَقف على هَذَا فِي كتب أَصْحَابنَا، ثمَّ بحث أَنه إِذا كَانَ قضى عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ فَيَنْبَغِي أَن لَا ينفذ، وَإِن بِشَهَادَة الْعُدُول وبمحضر من النَّاس فَيَنْبَغِي أَن يجوز. انْتهى. وَالْمَنْقُول فِي الْمَذْهَب عدم الْجَوَاز بِلَا تَفْصِيل، كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَلَا عِبْرَة بالبحث إِذا خَالف الْمَنْقُول. (ظ) وَمِنْهَا: أَن المعروفين بالدعارة وَالْفساد يستدام حَبسهم حَتَّى تظهر تَوْبَتهمْ (ر: أحد فُصُول الْقسم الثَّالِث من الْكتاب فِي الْقَضَاء بالسياسة الشَّرْعِيَّة من " معِين الْحُكَّام "، صفحة / 215 و 218 / نقلا عَن الْخُلَاصَة) . فقد جوزوا إدامة حَبسهم إِلَى أَن تظهر عَلَيْهِم عَلامَة التَّوْبَة، من غير أَن يثبت عَلَيْهِم بِالْقضَاءِ بطريقه الشَّرْعِيّ مَا يُوجب ذَلِك بعد أَن كَانَت دعارتهم مستفيضة مَعْرُوفَة، دفعا لضررهم عَن الْعباد، وَلَو أنيط ذَلِك بِثُبُوتِهِ عَلَيْهِم بطريقه الشَّرْعِيّ لملؤوا الدُّنْيَا فَسَادًا لندرة ثُبُوته عَلَيْهِم بِالْبَيِّنَةِ أَو بإقرارهم. (غ) وَمِنْهَا: أَن الْمُدَّعِي إِذا انْكَشَفَ للْحَاكِم أَنه مُبْطل فِي دَعْوَاهُ فَإِنَّهُ يؤدبه، وَأَقل ذَلِك الْحَبْس، ليندفع بذلك أهل الْبَاطِل واللدد (ر: الْفَصْل الثَّانِي من الْقسم الثَّالِث من " معِين الْحُكَّام " الْمَذْكُور) . وَالظَّاهِر أَن مُرَادهم بالمبطل فِي دَعْوَاهُ: من تعمد البطل فِيهَا، لَا كل من ظهر أَن الْحق فِي جَانب خَصمه. (غ / أ) وَمِنْهَا: عدم تصحيحهم عزل الْوَكِيل بِبيع الرَّهْن فِيمَا لَو وَكله بِبيعِهِ وإيفاء الدّين من ثمنه إِذا لم يؤد الدّين عِنْد حُلُول الْأَجَل، وَعدم تصحيحهم عزل وَكيل الْخُصُومَة إِذا كَانَ تَوْكِيله بِطَلَب الْمُدَّعِي عِنْد إِرَادَة الْمُدعى عَلَيْهِ السّفر، لِأَن عزل الْوَكِيل فِي هَاتين الصُّورَتَيْنِ يضر بِحَق الْمُرْتَهن فِي الأولى وبحق الْمُدَّعِي فِي الثَّانِيَة، كَمَا نصوا عَلَيْهِ فِي الرَّهْن وَالْوكَالَة. وَمثل هَاتين الصُّورَتَيْنِ: مَا لَو اشْترى شَيْئا بِخِيَار للْمُشْتَرِي وَأخذ وَكيلا من البَائِع ليرد عَلَيْهِ الْمَبِيع بِحكم الْخِيَار إِذا غَابَ البَائِع، فَإِنَّهُ يظْهر من كَلَامهم فِي بَاب خِيَار الشَّرْط أَنه لَا يملك الْمُوكل عَزله فِي هَذِه الْحَالة، لِأَن عَزله يضر بالمشتري.

تنبيه

(غ / ب) وَمِنْهَا: مَا لَو كَانَت الْفُلُوس النافقة ثمنا فِي البيع، أَو كَانَت قرضا، فغلت أَو رخصت بعد عقد البيع أَو بعد دفع مبلغ الْقَرْض، فَعِنْدَ أبي يُوسُف: تجب عَلَيْهِ قيمتهَا يَوْم عقد البيع وَيَوْم دفع مبلغ الْقَرْض (ر: رد الْمُحْتَار، من أَوَائِل كتاب الْبيُوع، عِنْد قَول الْمَتْن: وَصَحَّ بِثمن حَال ومؤجل إِلَى مَعْلُوم، وَبِخِلَاف جنسه) وَنقل هُنَاكَ تَرْجِيحه عَن الكثيرين، فقد أوجبوا قيمَة الْفُلُوس النافقة يَوْم البيع، وَقيمتهَا يَوْم دفع الْقَرْض، فِي صُورَة مَا إِذا غلت، دفعا للضَّرَر عَن المُشْتَرِي والمستقرض، وأوجبوا قيمتهَا كَذَلِك فِي صُورَة مَا إِذا كسدت أَو رخصت، دفعا للضَّرَر عَن البَائِع والمقرض. هَذَا وَالَّذِي يظْهر أَن الْوَرق النقدي الْمُسَمّى الْآن بالورق السوري الرائج فِي بِلَادنَا الْآن، وَنَظِيره الرائج فِي الْبِلَاد الْأُخْرَى، هُوَ مُعْتَبر من الْفُلُوس النافقة، وَمَا قيل فِيهَا من الْأَحْكَام السَّابِقَة يُقَال فِيهِ، لِأَن الْفُلُوس النافقة هِيَ مَا كَانَ متخذاً من غير النَّقْدَيْنِ _ الذَّهَب وَالْفِضَّة _ وَجرى الِاصْطِلَاح على اسْتِعْمَاله اسْتِعْمَال النَّقْدَيْنِ، وَالْوَرق الْمَذْكُور: من هَذَا الْقَبِيل. وَمن يَدعِي تَخْصِيص الْفُلُوس النافقة بالمتخذ من الْمَعَادِن فَعَلَيهِ الْبَيَان. (تَنْبِيه) إِن مَا نَقَلْنَاهُ من أَحْكَام الْفُلُوس النافقة عَن " رد الْمُحْتَار " قد ذكره كَمَا ترى فِي صُورَتي البيع وَالْقَرْض، وَلَا يخفى أَن الثّمن فِي البيع والمبلغ الْمَدْفُوع فِي الْقَرْض يثبتان فِي ذمَّة المُشْتَرِي والمستقرض، وهما من المضمونات، وَالْحكم فِيهَا هُوَ مَا نَقَلْنَاهُ. أما لَو كَانَت الْفُلُوس النافقة معقوداً عَلَيْهَا ومدفوعة فِي عقد تعْتَبر فِيهِ أَمَانَة فِي يَد الْقَابِض، كالمضاربة، فَإِن رب المَال إِذا أَرَادَ اسْتِرْدَاد رَأس مَاله من الْمضَارب فَلهُ أَن يسْتَردّ مثله لَا غير، من غير أَن ينظر إِلَى غلاء أَو رخص، وَله أَن يقاسم الْمضَارب مَال الْمُضَاربَة وَيَأْخُذ مِنْهُ بِقِيمَة رَأس مَاله وَتعْتَبر فِيهِ الْقيمَة يَوْم الْقِسْمَة لَا يَوْم الدّفع، فقد نقل فِي كتاب الْمُضَاربَة من " رد الْمُحْتَار " قبيل المتفرقات، عَن الْقنية مَا لَفظه: أعطَاهُ دَنَانِير مُضَارَبَة ثمَّ أَرَادَ الْقِسْمَة، لَهُ أَن يَسْتَوْفِي دَنَانِير وَله أَن يَأْخُذ من المَال بِقِيمَتِهَا وَتعْتَبر بِقِيمَتِهَا يَوْم الْقِسْمَة لَا يَوْم

الدّفع. انْتهى. وَمَا ذكره من الحكم فِي الدَّنَانِير يجْرِي نَظِيره فِي الْفُلُوس النافقة بِالْأولَى، فَلَا تعْتَبر قيمتهَا يَوْم الدّفع إِذا غلت أَو رخصت، وَذَلِكَ لِأَن مَال الْمُضَاربَة أَمَانَة فِي يَد الْمضَارب، وَيَده عَلَيْهِ كيد رب المَال، فَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا لَو كَانَ رَأس المَال بَاقِيا بِعَيْنِه تَحت يَده، فَلَا يلْزمه إِلَّا رده بِذَاتِهِ من غير نظر إِلَى غلاء أَو رخص، وَحَيْثُ صَار بِالصرْفِ الْمَأْذُون بِهِ عرُوضا فَلَا يلْزمه إِلَّا رد مثله إِن اخْتَار رب المَال ذَلِك، وَإِن أَرَادَ الْقِسْمَة مَعَ الْمضَارب يَأْخُذ بِقِيمَتِه يَوْم الْقِسْمَة لَا يَوْم الدّفع، إِذْ بِالدفع لَهُ لم يثبت فِي ذمَّته وَلم يدْخل فِي ضَمَانه. وَقد ذكر السَّرخسِيّ فِي " الْمَبْسُوط " فِي الْجُزْء الثَّانِي وَالْعِشْرين مِنْهُ من بَاب الْمُضَاربَة بالعروض صفحة / 34 / فِيمَا لَو دفع رجل إِلَى آخر فُلُوسًا مُضَارَبَة بِالنِّصْفِ فَاشْترى الْمضَارب بهَا ثوبا وَدفعهَا وَقبض الثَّوْب ثمَّ كسدت، فالمضاربة جَائِزَة على حَالهَا (وَاحْترز بقوله: " ثمَّ كسدت " عَمَّا إِذا كسدت قبل الشِّرَاء، فقد قدم فِي " الْمَبْسُوط " من الْبَاب الْمَذْكُور أَنَّهَا لَو كسدت قبل الشِّرَاء فَسدتْ الْمُضَاربَة) فَإِذا بَاعَ الثَّوْب بِدَرَاهِم أَو عرض فَهُوَ على الْمُضَاربَة، فَإِن ربح وَأَرَادُوا الْقِسْمَة أَخذ رب المَال قيمَة فلوسه يَوْم كسدت، لِأَنَّهُ لَا بُد من رد رَأس المَال إِلَيْهِ، وَرَأس المَال كَانَ فُلُوسًا رائجة، وَهِي للْحَال كاسدة، فقد تعذر رد مثل رَأس المَال، وَقد تحقق هَذَا التَّعَذُّر يَوْم الكساد فَتعْتَبر قيمتهَا فِي ذَلِك الْوَقْت. انْتهى مُلَخصا، وَقد نَقله فِي متفرقات الْمُضَاربَة فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة بأخصر من هَذَا. فقد اعْتبر قيمَة الْفُلُوس يَوْم الكساد وَلم يعْتَبر قيمتهَا يَوْم العقد وَلَا يَوْم الدّفع كَمَا فِي البيع وَالْقَرْض. وَقَول الْمَبْسُوط: " فقد تعذر رد مثل رَأس المَال " يُفِيد أَنه لَو أمكن رد مثله بِأَن بقيت الْفُلُوس رائجة يرد مثلهَا فَقَط من غير نظر إِلَى غلاء أَو رخص. وَقد صَارَت هَذِه الْقَضِيَّة حَادِثَة الْفَتْوَى، وسئلت عَنْهَا فأفتيت فِيهَا بذلك مُسْتَندا إِلَى النقلين الْمَذْكُورين، وَعلمت أَن غَيْرِي مِمَّن سئلوا أفتوا برد قيمتهَا يَوْم العقد فِي الْمُضَاربَة، بِغَيْر تَفْرِقَة بَين المضمونات والأمانات، بَيْنَمَا النَّقْل هُوَ مَا ذكرته، وَالله المرشد للصَّوَاب.

تنبيه

واستقصاء مَا يُمكن تفريعه على هَذِه الْقَاعِدَة من الْمسَائِل تَنْقَطِع الآمال دون الْوُصُول إِلَيْهِ، وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ من التفاريع مستوضح لذِي لب. (تَنْبِيه) إِن تَفْسِير لَفْظَة: " وَلَا ضرار " بِالْمَعْنَى السَّابِق الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي صدر الْكَلَام على الْمَادَّة هُوَ بِمَعْنى قَول الْمجلة، فِي الْمَادَّة / 921 / " لَيْسَ للمظلوم أَن يظلم غَيره " وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ شَامِل للظالم أَيْضا، فَلَيْسَ للمظلوم أَن يَظْلمه أصلا، بل لَهُ أَن يتَخَلَّص من ظلمه وَيَأْخُذ الْحق مِنْهُ وَيسْعَى وَرَاء ردعه عَن الظُّلم بِمَا يَكْفِي رادعاً لأمثاله عَن المعاودة، كَمَا يعلم ذَلِك من مُرَاجعَة أَحْكَام التَّعْزِير، أما مَا زَاد على ذَلِك فَلَا يجوز، قَالَ الله تَعَالَى: {وَلمن انتصر بعد ظلمه فَأُولَئِك مَا عَلَيْهِم من سَبِيل إِنَّمَا السَّبِيل على الَّذين يظْلمُونَ النَّاس ويبغون فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق} . وَلِهَذَا لم يجوز الشَّرْع لأحد الاعتداء على حق أحد وَلَو كَانَ غَاصبا، فَلَو غصب أَرضًا مثلا وزرعها فجَاء رَبهَا، فإمَّا أَن يكون الزَّرْع قد نبت أَو لَا، وَإِذا كَانَ نبت فإمَّا أَن يكون قد استحصد أَو لَا، فَإِن كَانَ نبت واستحصد فَهُوَ للْغَاصِب، وللمالك أَن يرجع بِنُقْصَان أرضه، وَإِن كَانَ نبت وَلم يستحصد فللمالك أَن يَأْمر الْغَاصِب بقلعه وتفريغ ملكه، فَإِن أَبى يقلعه بِنَفسِهِ أَو يرفع الْأَمر للْحَاكِم ليقلعه، وَإِن كَانَ لم ينْبت فالمالك مُخَيّر إِن شَاءَ تَركهَا حَتَّى ينْبت فيأمره بقلعه وَإِن شَاءَ أعطَاهُ مَا زَاد الْبذر فِي الأَرْض فتقوم مبذورة ببذر يجب قلعه إِذا نبت وَتقوم غير مبذورة، فَيعْطى فصل مَا بَينهمَا؛ وَهُوَ الْأَصَح، وَعَن أبي يُوسُف أَنه يُعْطِيهِ مثل بذره؛ وَرجح بعلامة الْمُخْتَار، (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ وحاشيته للرملي، الْفَصْل الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ، صفحة / 100 - 101) وَالظَّاهِر أَنه فِي صُورَة مَا إِذا كَانَ الزَّرْع لم ينْبت بعد وَاخْتَارَ الْمَالِك تَركهَا إِلَى أَن ينْبت فَإِنَّهَا تتْرك بِأَجْر الْمثل لَا مجَّانا، وَهُوَ دَاخل تَحت قَول صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ، فِي الْمحل الْمَذْكُور برمز " الْوَاقِعَات ": قَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله: لَو غصب أَرضًا وزرعها وَلم تنْبت حَتَّى جَاءَ رَبهَا فَهُوَ مُخَيّر لَو شَاءَ ترك بذره فِيهَا بِأَجْر الْمثل وَلَو شَاءَ ضمن الْبذر للْغَاصِب. انْتهى.

فَانْظُر كَيفَ حفظ الشَّرْع حق الْغَاصِب وَلم يتساهل فِيهِ، بل أوجب لَهُ مَا زَاد بذره فِي قيمَة الأَرْض، على مَا هُوَ الْأَصَح، أَو أوجب لَهُ مثل بذره، على مَا هُوَ الْمُخْتَار، مَعَ كَونه أَلْقَاهُ بِاخْتِيَارِهِ فِي أَرض الْغَيْر بِلَا حق يسوغ لَهُ ذَلِك؛ وَذَلِكَ لِأَن فعله هَذَا لَا يخرج الْبذر عَن كَونه ملكا لَهُ مُحْتَرما، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلَا يجوز ظلمه بتفويته عَلَيْهِ بِلَا عوض، وَذَلِكَ غير منَاف لوُجُوب ردعه عَن ظلمه بِمَا يَكْفِي زاجراً لَهُ عَن الْعود إِلَى مثله. وَكَذَلِكَ لَو غصب ثوبا فصبغه، فالمالك مُخَيّر بَين ترك الثَّوْب لَهُ وَأخذ قِيمَته مِنْهُ غير مصبوغ وَبَين أَخذه مصبوغاً وَيُعْطِي للْغَاصِب مَا زَاد الصَّبْغ فِيهِ (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من كتاب الْغَصْب، والمادة / 898 / من الْمجلة) . هَذَا وكما لم يجوز الشَّارِع ظلم الْغَاصِب بتفويت ملكه عَلَيْهِ لم يجوز مُجَاوزَة الْحَد فِي تَضْمِينه غير مَا تنَاوله فعله وَورد عَلَيْهِ مُبَاشرَة، وَلذَا كَانَت زَوَائِد الْمَغْصُوب أَمَانَة لَا تضمن بِدُونِ تعدٍ أَو منع لَهَا عَن الْمَالِك، فَلَو غصب بقرة مثلا فَولدت عِنْده فَهَلَك وَلَدهَا فِي يَده بِلَا تعد وَلَا منع لَهُ عَن الْمَالِك، أَو غصب كرماً مثلا فأثمر فِي يَده ثمَّ هلك الثَّمر كَذَلِك فِي يَده بِلَا تعدٍ وَلَا منع لَهُ عَن الْمَالِك يهْلك أَمَانَة، لِأَنَّهُ لم يرد عَلَيْهِ الْغَصْب مُبَاشرَة (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وَغَيره فِي كتاب الْغَصْب) . وَكَذَلِكَ لَو أتْلفه لغيره مثلِيا ثمَّ التقيا فِي بلد آخر قيمَة الْمُتْلف من الْمثْلِيّ فِيهِ أَكثر من قِيمَته فِي بلد الْغَصْب، فالغاصب مُخَيّر بَين إِعْطَاء مثله وَإِعْطَاء قِيمَته الْمُعْتَبرَة فِي بلد الْغَصْب مَا لم يرض الْمَالِك بِتَأْخِير الْمُطَالبَة بِالْمثلِ إِلَى بلد الْغَصْب (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ، صفحة / 130 /) فَلم يُوجب الشَّرْع الْمثل فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة على الْغَاصِب حتما بل خَيره وسوغ لَهُ دفع الْقيمَة مَعَ أَن الْمثْلِيّ مَضْمُون بِمثلِهِ، وَلم يجوز إضراره وَإِن كَانَ ظَالِما، وَلذَا يشْتَرط فِي دَعْوَى غصب الْمثْلِيّ غير النَّقْدَيْنِ ذكر مَكَان الْغَصْب، ليعلم هَل للْمُدَّعِي حق الْمُطَالبَة (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْمحل السَّابِق) .

صفحة فارغة

القاعدة التاسعة عشرة

(الْقَاعِدَة التَّاسِعَة عشرَة (الْمَادَّة / 20)) (الضَّرَر يزَال) (أَولا: الشَّرْح) " الضَّرَر يزَال " أَي تجب إِزَالَته، لِأَن الْأَخْبَار فِي كَلَام الْفُقَهَاء للْوُجُوب. وَهَذِه هِيَ الْقَاعِدَة الثَّانِيَة من الْقَوَاعِد الثَّلَاث الْأُصُول المسوقات بشأن الضَّرَر، من حظر إِيقَاعه، وَوُجُوب إِزَالَته بعد الْوُقُوع، كَمَا ذَكرْنَاهُ تَحت الْقَاعِدَة السَّابِقَة، وَهَذِه هِيَ المسوقة لبَيَان وجوب إِزَالَته إِذا وَقع. (ثَانِيًا: التطبيق) مِمَّا يتَفَرَّع على هَذِه الْقَاعِدَة: (أ) مَا لَو اسْتقْرض من الْفُلُوس النافقة مبلغا فكسدت، فَعَلَيهِ قيمتهَا عِنْدهمَا، وَرجح قَوْلهمَا، ثمَّ إنَّهُمَا اخْتلفَا، فَقَالَ مُحَمَّد: عَلَيْهِ قيمتهَا فِي آخر أَيَّام رواجها؛ وَرجح بعلامة الْفَتْوَى، وَقَالَ أَبُو يُوسُف: عَلَيْهِ قيمتهَا يَوْم الْقَبْض؛ وَرجح أَيْضا بِأَن عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَبِأَنَّهُ أنظر للمقرض من قَول مُحَمَّد، وأيسر لِأَن ضبط قِيمَته يَوْم الِانْقِطَاع عسر، وكما رجحوا قَول أبي يُوسُف فِي كساد الْفُلُوس رجحوا قَوْله أَيْضا فِيمَا لَو غلت أَو رخصت بِأَنَّهُ تجب قيمتهَا يَوْم البيع لَو كَانَت ثمنا وَيَوْم الْقَبْض لَو كَانَت قرضا. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، من فصل الْقَرْض مُلَخصا) .

المسألة الأولى

(ب) وَمِنْه: مَا لَو اسْتقْرض طَعَاما بالعراق فَأَخذه الْمقْرض بِمَكَّة مثلا وَقِيمَة الطَّعَام فِيهَا أغْلى أَو أرخص، فَعَلَيهِ قيمَة الطَّعَام يَوْم الْقَرْض فِي بلد الْمقْرض عِنْد أبي يُوسُف، وَقَوله الرَّاجِح (كَمَا فِي الْمحل الْمَذْكُور من الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار) . فإيجاب قيمَة الْفُلُوس يَوْم صيرورتها دينا فِي الذِّمَّة بِالْقَبْضِ أَو بِالْبيعِ، وَإِيجَاب قيمَة الطَّعَام فِي بلد الْقَرْض مَعَ أَنَّهُمَا مثليان أَيْضا؛ إِزَالَة للضَّرَر عَن الْمقْرض وَالْبَائِع فِيمَا إِذا رخصا، وَعَن الْمُسْتَقْرض وَالْمُشْتَرِي فِيمَا إِذا غليا. انْتهى. (ج) وَمِنْه مَشْرُوعِيَّة خِيَار التَّغْرِير القولي فِي البيع إِذا كَانَ مَعَه غبن فَاحش، سَوَاء كَانَ التَّغْرِير من البَائِع للْمُشْتَرِي أَو من المُشْتَرِي للْبَائِع، أَو كَانَ من الدَّلال لأَحَدهمَا، فَإِن الْمَغْرُور يُخَيّر بَين إِمْضَاء البيع أَو فَسخه واسترداد مَاله من مَبِيع أَو ثمن. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، من بَاب الْمُرَابَحَة وَالتَّوْلِيَة، وَمن بَاب الِاسْتِحْقَاق عِنْد قَول الشَّارِح: شرى دَارا وَبنى فِيهَا فاستحقت) . (د) وَمِنْه مَشْرُوعِيَّة ضَمَان التَّغْرِير، فَإِن الْغَار يضمن للمغرور مَا تضرر بِسَبَب تغريره لَهُ، وَذَلِكَ فِي ثَلَاث مسَائِل: (الْمَسْأَلَة الأولى) : أَن يكون التَّغْرِير وَاقعا فِي ضمن عقد الْمُعَاوضَة، وَلَو كَانَ فَاسِدا، أَو كَانَ غير مَالِي كعقد النِّكَاح، فَلَو بَاعَ مَال غَيره فضولاً وَقبض ثمنه فَهَلَك فِي يَده وَلم يجز الْمَالِك بَيْعه، وَكَانَ المُشْتَرِي حِين دفع لَهُ الثّمن لَا يعلم أَنه فُضُولِيّ، فَإِنَّهُ يضمن لَهُ الثّمن. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الرَّابِع وَالْعِشْرين صفحة / 317) . وَكَذَا لَو زوجه امْرَأَة على أَنَّهَا حرَّة فَولدت مِنْهُ ثمَّ ظَهرت أمة واستحقت وَضَمنَهُ الْمُسْتَحق قيمَة الْوَلَد، لِأَن ولد الْمَغْرُور حر بِالْقيمَةِ، رَجَعَ على المزوج. (ر: رد الْمُحْتَار، قبيل الْفُرُوع الَّتِي قبل كَفَالَة الرجلَيْن من كتاب الْكفَالَة) . وَكَذَا لَو قَالَ رجل لآخر: " بَايع ابْني هَذَا " أَي أَضَافَهُ لنَفسِهِ وَأمره بمبايعته

المسألة الثانية

" فقد أَذِنت لَهُ بِالتِّجَارَة " فَبَايعهُ ثمَّ ظهر أَنه ابْن الْغَيْر، فَإِن الْمَأْمُور يرجع على الْآمِر بِثمن مَا بَاعه. وكما لَو اشْترى دَارا مثلا ثمَّ بنى فِيهَا ثمَّ اسْتحقَّت وَقلع بِنَاؤُه فَإِن لَهُ أَن يسلم النَّقْض لبَائِعه وَيرجع عَلَيْهِ بِقِيمَة الْبناء مَبْنِيا يَوْم تَسْلِيمه، سَوَاء كَانَت أَكثر من قِيمَته يَوْم بناه أَو أقل. وَقَوْلهمْ: " شرى دَارا ثمَّ بنى فِيهَا ... إِلَخ ". للِاحْتِرَاز عَمَّا إِذا بنى الدَّار ثمَّ اشْترى أرْضهَا فاستحقت، فَإِنَّهُ لَا يرجع وَالْحَالة هَذِه بِقِيمَة الْبناء. (ر: معِين الْحُكَّام، من فصل المُشْتَرِي يرجع على وَكيل البيع، من الْبَاب التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ) . وَعدم الرُّجُوع فِي هَذِه الصُّورَة لكَون الْبناء قبل الشِّرَاء فَلم يكن فِي ضمن الْمُعَاوضَة. هَذَا، ثمَّ إِذا رَجَعَ المُشْتَرِي الْمَغْرُور على البَائِع الْغَار بِقِيمَة الْبناء إِذا سلمه النَّقْض فَإِنَّمَا يرجع بِمَا يُمكن نقضه وتسليمه وَله قيمَة فَلَا يرجع بِمَا لَا قيمَة لَهُ بعد النَّقْض كتطيينها. وكما لَا يرجع فِي ذَلِك لَا يرجع فِيمَا غرمه للْمُسْتَحقّ لِقَاء مَنْفَعَة استوفاها، كَمَا لَو نقصت الأَرْض الْمُسْتَحقَّة بزراعة لَهَا وَضَمنَهُ الْمُسْتَحق نقصانها، فَإِنَّهُ لَا يرجع على بَائِعه بِمَا ضمنه لنقصانها، وكما لَو ظَهرت الدَّابَّة الْمُشْتَرَاة وَقفا أَو ليتيم أَو معدة للِاسْتِغْلَال، فضمنه الْمُسْتَحق بدل مَنْفَعَتهَا عَن الْمدَّة الْمَاضِيَة عِنْده، فَإِنَّهُ لَا يرجع على بَائِعه بِمَا ضمنه من الْبَدَل، لِأَنَّهُ كَانَ لِقَاء مَنْفَعَة استوفاها، بالزراعة فِي الأولى، وبالسكنى بِالْفِعْلِ - أَو بالتمكن مِنْهَا - فِي الثَّانِيَة. (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) : أَن يكون التَّغْرِير فِي ضمن قبض يرجع نَفعه إِلَى الدَّافِع، كوديعة وَإِجَارَة، فَلَو هَلَكت الْوَدِيعَة أَو الْعين المأجورة ثمَّ اسْتحقَّت وَضمن الْمُسْتَحق الْوَدِيع أَو الْمُسْتَأْجر رَجَعَ بِمَا ضمنه على الدَّافِع من مُودع أَو مؤجر. وَمثل الْوَدِيعَة وَالْإِجَارَة الْمَذْكُورين الرَّهْن، فَلَو رَهنه عينا ثمَّ هَلَكت فِي يَده ثمَّ اسْتحقَّت وضمنها الْمُسْتَحق للْمُرْتَهن رَجَعَ على الدَّافِع، وَهُوَ الرَّاهِن، بِمَا ضمن. (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) : إِذا ضمن الْغَار للمغرور صفة السَّلامَة نصا، كَمَا إِذا قَالَ لآخر: " اسلك هَذَا الطَّرِيق فَإِنَّهُ آمن، وَإِن سلكته وَأخذ مَالك فَأَنا ضَامِن "،

تنبيه

فسلكه وَأخذ مَاله فَإِنَّهُ يضمن. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، من الِاسْتِحْقَاق وَالْغَصْب قبل الْفَصْل، وَأخر الْمُرَابَحَة وَالتَّوْلِيَة، وَمن الْفَصْل السَّادِس عشر من جَامع الْفُصُولَيْنِ، صفحة / 217) . (تَنْبِيه) إِن مَا تقدم من حصرهم ضَمَان التَّغْرِير فِي الْمسَائِل الثَّلَاث الْمَذْكُورَات غير ظَاهر، فَإِن هُنَاكَ مسَائِل أخر يجب فِيهَا الضَّمَان بِسَبَب التَّغْرِير وَلَيْسَت دَاخِلَة تَحت إِحْدَى الثَّلَاث الْمَذْكُورَة أصلا. مِنْهَا: (أ) مَا إِذا أعَار لغيره أَرضًا مُدَّة مَعْلُومَة للْبِنَاء أَو للغراس، فَبنى الْمُسْتَعِير فِيهَا أَو غرس، ثمَّ رَجَعَ الْمُعير قبل انْتِهَاء الْمدَّة المضروبة، فَإِن لَهُ أَن يكلفه قلع الْبناء وَالْغَرْس وَيضمن الْمُعير للْمُسْتَعِير مَا نقص الْبناء وَالْغَرْس بِالْقَلْعِ، وَذَلِكَ بِأَن يقوم قَائِما إِلَى نِهَايَة الْمدَّة، وَيقوم مقلوعاً - أَي مُسْتَحقّ الْقلع فِي الْحَال - فَيضمن فرق مَا بَينهمَا بِسَبَب تغريره لَهُ، بالتوقيت ثمَّ رُجُوعه قبل انْتِهَاء الْوَقْت. فَلَو قوم مُسْتَحقّ الْقلع بِخَمْسَة مثلا، وَقوم مُسْتَحقّ الْبَقَاء إِلَى نِهَايَة الْمدَّة بِعشْرَة، يضمن للْمُسْتَعِير فرق مَا بَينهمَا وَهُوَ خَمْسَة. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، فِي الْعَارِية) . (ب) وَمِنْهَا: مَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَام على الْقَاعِدَة التَّاسِعَة والثمانين، من أَنه لَو أَمر غَيره بِالْحفرِ فِي جِدَار دَار، وَهُوَ سَاكن فِيهَا، وَهِي لغيره، فحفر، فضمن الْمَالِك الْحَافِر، فَإِنَّهُ يرجع بِمَا ضمن على الْآمِر إِذا كَانَ لَا يعلم أَن الدَّار لغيره، لِأَنَّهُ غره، وَكَذَا يرجع عَلَيْهِ لَو لم يكن سَاكِنا فِي الدَّار، وَلَكِن قَالَ لَهُ: احْفِرْ لي فَإِنَّهُ يعد مغروراً من قبله فَيرجع عَلَيْهِ. (ج) وَمِنْهَا: أَن شُهُود الْقيمَة أَو الْقِسْمَة إِذا قومُوا أَمْوَال الْيَتَامَى والأوقاف بِغَبن فَاحش وهم يعلمُونَ، أَو غبنوا الْوَقْف فِي الِاسْتِبْدَال، أَو أخبروا بِوُجُود

تنبيه آخر

المسوغ وَلم يكن هُنَاكَ مسوغ وهم عالمون بذلك فَإِنَّهُم يضمنُون النَّقْص. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، آخر الْغَصْب نقلا عَن الْوَهْبَانِيَّة وَشَرحهَا للشرنبلالي، بِتَصَرُّف) . فَكل تِلْكَ التضمينات من قبيل ضَمَان التَّغْرِير، وَلَيْسَت من الثَّلَاث الْمُتَقَدّمَة. وَقد ذكر فِي رد الْمُحْتَار هُنَاكَ مَا يُفِيد أَن كَون المَال الْمُقَوّم وَقفا أَو ليتيم غير قيد، بل خرج مخرج الْمُعْتَاد من التساهل فِي مَالهمَا، وَإِلَّا فَغير الْوَقْف وَمَال الْيَتِيم كَذَلِك. (تَنْبِيه آخر) : قَالَ الطرابلسي الْحَنَفِيّ فِي " معِين الْحُكَّام " فِي (فصل فِي التَّسَبُّب وَالدّلَالَة) : وَلَو قَالَ الطَّحَّان لرب الْبر اجْعَل الْبر فِي الدَّلْو، فَجعله فِيهِ، فَذهب من الثقب إِلَى المَاء، والطحان كَانَ عَالما بِهِ، يضمن، إِذْ غره فِي ضمن العقد وَهُوَ يَقْتَضِي السَّلامَة. انْتهى. وَهَذَا يُفِيد أَن الْغرُور الْمُوجب للرُّجُوع فِي ضمن عقد الْمُعَاوضَة لَا يشْتَرط فِيهِ أَن يكون فِي صلب العقد، بل يَكْفِي أَن يكون مترتباً عَلَيْهِ، كَمَا فِي الْفَرْع الْمَذْكُور، وَيُؤَيّد ذَلِك أَيْضا بعض الْفُرُوع الْمُتَقَدّمَة هَا هُنَا.

صفحة فارغة

القاعدة العشرون

(الْقَاعِدَة الْعشْرُونَ (الْمَادَّة / 21)) (الضرورات تبيح الْمَحْظُورَات) (أَولا: الشَّرْح) هَذِه الْقَاعِدَة من فروع القاعدتين / 17 و 18 / لِأَن مَا تفرع عَلَيْهَا يُمكن أَن يتَفَرَّع على تينك، فَإِن من فروعها: جَوَاز إِتْلَاف مَال الْغَيْر إِذا أكره عَلَيْهِ بملجئ. (ر: مَا تقدم فِي الْكَلَام على الْمَادَّة / 17) . وَجَوَاز أَخذ الدَّائِن مَال الْمَدْيُون الْمُمْتَنع عَن الْأَدَاء إِذا ظفر، وَإِن كَانَ من خلاف جنس حَقه فِي زَمَاننَا. وَقيد بعض الشَّافِعِيَّة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة بِأَن لم تنقص الضَّرُورَة عَن الْمَحْظُورَات، فَإِذا نقصت فَإِنَّهُ لَا يُبَاح لَهُ الْمَحْظُور. وقواعدنا لَا تأباه، فقد ذكرُوا أَنه إِذا دَار الْأَمر بَين السّنة الْبِدْعَة فَتَركه أولى، وَإِذا دَار بَين الْوَاجِب والبدعة فَفعله أولى. وَذكروا أَنه لَو دفن الْمَيِّت بِلَا كفن لَا ينبش، لِأَن هتك حرمته أَشد من تَركه بِلَا كفن. وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا الْموَاد / 27 و 28 و 29 / الْآتِيَة.

صفحة فارغة.

القاعدة الحادية والعشرون

(الْقَاعِدَة الْحَادِيَة وَالْعشْرُونَ (الْمَادَّة / 22)) (الضرورات تقدر بِقَدرِهَا) (أَولا: الشَّرْح) هِيَ فِي قُوَّة التَّقْيِيد للمادة / 21 / بِمَعْنى مَا فسرنا بِهِ قَوْلهم فِي تَتِمَّة الْمَادَّة / 18 /: " وَإِذا اتَّسع ضَاقَ ". وَفَائِدَة وضع هَذِه الْقَاعِدَة عقب السَّابِقَة التَّنْبِيه على أَن مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الضَّرُورَة من الْمَحْظُورَات إِنَّمَا يرخص مِنْهُ الْقدر الَّذِي تنْدَفع بِهِ الضَّرُورَة فَحسب. فَإِذا اضْطر الْإِنْسَان لمحظور فَلَيْسَ لَهُ أَن يتوسع فِي الْمَحْظُور، بل يقْتَصر مِنْهُ على قدر مَا تنْدَفع بِهِ الضَّرُورَة فَقَط. (ثَانِيًا: التطبيق) وَمن جملَة مَا يتَفَرَّع على هَذِه الْقَاعِدَة: (أ) أَن المُشْتَرِي إِذا ادّعى بِالْمَبِيعِ عَيْبا لَا يطلع عَلَيْهِ إِلَّا النِّسَاء، فَإِنَّهُ يقبل فِيهِ لأجل تَوْجِيه الْخُصُومَة فَقَط قَول الْوَاحِدَة الْعدْل، والثنتان أحوط. فَإِن قَالَت وَاحِدَة أَو ثِنْتَانِ أَن الْعَيْب الْمُدعى بِهِ قَائِم يحلف البَائِع وَلَا يثبت حق الرَّد بِشَهَادَة النِّسَاء وحدهن، لِأَن ثُبُوت الْعَيْب بشهادتهن ضَرُورِيّ، وَمن ضَرُورَته ثُبُوت تَوْجِيه الْخُصُومَة دون الرَّد، فَيحلف البَائِع فَإِن نكل تأيدت شَهَادَتهنَّ بِنُكُولِهِ فَيثبت الرَّد. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، من خِيَار الْعَيْب، نقلا عَن الْقَدُورِيّ، قبيل قَول الْمَتْن: اسْتحق بعض الْمَبِيع) .

(ب) وَمِنْهَا: أَن من اضْطر لأكل مَال الْغَيْر فَإِن الضَّرُورَة تقتصر على إِبَاحَة إقدامه على أكل مَا يدْفع بِهِ الضَّرُورَة بِلَا إِثْم فَقَط، وَلَكِن لَا تدفع عَنهُ الضَّمَان. (ر: مَا يَأْتِي فِي الْمَادَّة / 33) . (ج) وَمن ذَلِك من أكره على الْيَمين الكاذبة فَإِنَّهُ يُبَاح لَهُ الْإِقْدَام على التَّلَفُّظ مَعَ وجوب التورية والتعريض فِيهَا إِن خطرت على باله التورية والتعريض، فَإِن فِي المعاريض مندوحة.

القاعدة الثانية والعشرون

(الْقَاعِدَة الثَّانِيَة وَالْعشْرُونَ (الْمَادَّة / 23)) (مَا جَازَ لعذر بَطل بزواله) (أَولا: الشَّرْح) هِيَ فِي قُوَّة التَّقْيِيد للمادة / 22 / بِأَن إِبَاحَة الْمَحْظُور للضَّرُورَة مُقَيّدَة بِمدَّة قيام الضَّرُورَة. أَو أَنَّهَا فِي قُوَّة التَّعْلِيل للمادة قبلهَا. (ثَانِيًا: التطبيق) (أ) لَو آلى من زَوجته وَهُوَ مَرِيض فَإِن فيئه إِلَيْهَا بالْقَوْل، وَلَكِن إِذا مَرضت الزَّوْجَة ثمَّ برِئ وَبقيت مَرِيضَة فَإِن فيئه بِالْوَطْءِ لَا بِاللِّسَانِ، لِأَن تبدل أَسبَاب الرُّخْصَة يمْنَع من الاحتساب بِالرُّخْصَةِ الأولى. (ر: رد الْمُحْتَار، فِي بَاب الظِّهَار) . (ب) وَكَذَا يجوز تحميل الشَّهَادَة للْغَيْر بِعُذْر السّفر أَو الْمَرَض، فَإِذا زَالَ ذَلِك الْعذر قبل أَدَاء الْفَرْع للشَّهَادَة بَطل الْجَوَاز. (ج) وَكَذَا يتَفَرَّع على الْمَادَّة مَا جَاءَ فِي الْمَادَّة / 517 / من الْمجلة فلتراجع. (د) وَكَذَا مَا لَو اشْتَرَاهُ فآجره ثمَّ اطلع على عيب قديم فِيهِ فَلهُ فسخ الْإِجَارَة بِعُذْر الرَّد بِالْعَيْبِ. (ر: رد الْمُحْتَار، من خِيَار الْعَيْب) . فَإِذا زَالَ الْعَيْب امْتنع حق الْفَسْخ. (هـ) مِمَّا يتَفَرَّع على هَذِه الْمَادَّة مَا لَو وَقع الْحَرِيق فِي دَار الْمُودع فَدَفعهَا إِلَى

أَجْنَبِي لم يضمن، فَلَو فرغ من ذَلِك وَلم يستردها يضمن، إِذْ يجب عَلَيْهِ الِاسْتِرْدَاد لِأَن الْإِيدَاع عقد غير لَازم فَكَانَ لدوامه حكم الِابْتِدَاء. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ، صفحة / 149 - 150) .

القاعدة الثالثة والعشرون

(الْقَاعِدَة الثَّالِثَة وَالْعشْرُونَ (الْمَادَّة / 24)) (إِذا زَالَ الْمَانِع عَاد الْمَمْنُوع) (أَولا: الشَّرْح) هَذَا نَصهَا كَمَا فِي أَوَائِل بَاب الْحَضَانَة من كتاب الدُّرَر. أفادت هَذِه الْقَاعِدَة حكم عكس مَا أفادته الْقَاعِدَة السَّابِقَة، فَإِن السَّابِقَة أفادت حكم مَا جَازَ بِسَبَب ثمَّ زَالَ، وَهَذِه أفادت حكم مَا امْتنع لسَبَب ثمَّ زَالَ السَّبَب الْمَانِع. المُرَاد بِلَفْظ " عَاد " من قَوْلهم: " عَاد الْمَمْنُوع ": (ظهر) أَو (حصل) ، ليشْمل مَا وجد فِي أَصله مُمْتَنعا بمانع ثمَّ زَالَ، كَمَا فِي بعض الْفُرُوع الْآتِيَة. (ثَانِيًا: التطبيق) يتَفَرَّع على هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل: (أ) مِنْهَا: مَا لَو أوصى لوَارث ثمَّ امْتنع إِرْثه بمانع صحت، كَمَا لَو أوصى لِأَخِيهِ ثمَّ ولد لَهُ ابْن ثمَّ مَاتَ الْمُوصي. (ب) وَمِنْهَا: مَا لَو وهب حِصَّة شائعة قَابِلَة للْقِسْمَة ثمَّ قسم وَسلمهَا صحت الْهِبَة. (ج) وَمِنْهَا: مَا لَو وهب عينا لآخر فَزَاد الْمَوْهُوب لَهُ فِيهَا زِيَادَة مُتَّصِلَة غير مُتَوَلّدَة حَتَّى امْتنع حق الرُّجُوع، فَإِذا زَالَت تِلْكَ الزِّيَادَة عَاد حق الرُّجُوع.

(د) وَمِنْهَا: مَا لَو عوض الْمَوْهُوب لَهُ الْوَاهِب عَن هِبته امْتنع حق الرُّجُوع، فَإِذا اسْتحق الْعِوَض عَاد حق الرُّجُوع. (هـ) وَمِنْهَا: مَا لَو انْهَدَمت الدَّار المأجورة سَقَطت الْأُجْرَة، فَإِذا بناها الْمُؤَجّر فِي الْمدَّة قبل أَن يفْسخ الْمُسْتَأْجر الْإِجَارَة عَادَتْ فِي الْمُسْتَقْبل. (و) وَمِنْهَا: مَا لَو اطلع على عيب قديم فِي الْمَبِيع لَهُ رده، وَلَكِن إِذا حدث عِنْده عيب آخر امْتنع الرَّد، فَإِذا زَالَ الْعَيْب الْحَادِث وَلَو بمداواة المُشْتَرِي عَاد حق الرَّد. (ز) وَمِنْهَا: مَا لَو رهن المُشْتَرِي الْمَبِيع فَاسِدا امْتنع حق الْفَسْخ، فَإِذا افتكه عَاد الْفَسْخ لَو لم يكن قضي على المُشْتَرِي بِقِيمَتِه. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، صفحة / 49) وَفِي الموطن الْمَذْكُور: الأَصْل أَن الْمَانِع إِذا زَالَ بِمَا هُوَ فسخ من كل وَجه كفك رهن، وَرُجُوع فِي هبة، ورد الْمَبِيع على المُشْتَرِي (الَّذِي هُوَ البَائِع الثَّانِي) بِعَيْب بعد قَبضه بِقَضَاء، فَللْبَائِع فَاسِدا حق الْفَسْخ لَو لم يقْض بِقِيمَتِه، وَلَو زَالَ الْمَانِع بِسَبَب هُوَ بِمَنْزِلَة عقد جَدِيد فِي حق الْغَيْر، كَأَن رد على المُشْتَرِي بعد الْقَبْض بِعَيْب بتراض بَطل حق البَائِع فِي الرَّد كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ ثَانِيًا، وَلَو قضى بِقِيمَتِه بَطل حق الِاسْتِرْدَاد فِي الْوُجُوه كلهَا. انْتهى بِبَعْض توضيح. (ح) وَمِنْهَا: مَا لَو اشْتَرَاهُ فرهنه ثمَّ اطلع على عيب قديم عِنْد البَائِع يمْتَنع الرَّد، فَإِذا افتكه فَلهُ رده. (ر: رد الْمُحْتَار، فِي خِيَار الْعَيْب) . (ط) وَمِنْهَا: مَا لَو شهد وَهُوَ صبي أَو أعمى وَقد تحملهَا بَصيرًا فَردَّتْ، ثمَّ بلغ الصَّبِي أَو أبْصر الْأَعْمَى فَشهد بهَا تقبل. وَالْأَصْل أَنه إِذا ردَّتْ شَهَادَته لتهمة فَزَالَتْ ثمَّ شهد لَا تقبل، وَإِن ردَّتْ لشُبْهَة فَزَالَتْ ثمَّ شهد بهَا تقبل. (ي) وَمِنْهَا: مَا لَو تنَاقض الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ ثمَّ ارْتَفع التَّنَاقُض بِتَصْدِيق الْخصم أَو بتكذيب الْحَاكِم فَإِن دَعْوَاهُ تسمع. (ر: الْمَادَّتَيْنِ / 1653 - 1654 / من الْمجلة. (ك) وَمِنْهَا: مَا لَو أقرّ لآخر بِعَين فِي يَد غَيره فَإِن إِقْرَاره لَا يعْمل عمله،

وَلَكِن إِذا ملكهَا الْمقر يَوْمًا مَا فَإِن الْمقر لَهُ يُطَالِبهُ بِمُوجب إِقْرَاره. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من الِاسْتِحْقَاق) . (ل) وَمِنْهَا: مَا لَو أذن الرَّاهِن للْمُرْتَهن بِاسْتِعْمَال الرَّهْن أَو إعارته، فَاسْتَعْملهُ أَو أَعَارَهُ فَإِنَّهُ يخرج من ضَمَانه فَلَو هلك فِي أثْنَاء ذَلِك يهْلك أَمَانَة فَإِذا انْتهى الْعَمَل عَاد رهنا. (م) وَمِنْهَا: مَا لَو زَالَ سَبَب الْفساد فِي الْمجْلس فَإِنَّهُ يَنْقَلِب البيع صَحِيحا فِي بعض المفسدات. (ن) وَمِنْهَا: مَا لَو شرى شَيْئا بِعقد فَاسد فتعيب عِنْده لَا بِفعل البَائِع ثمَّ فسخ البيع بِسَبَب الْفساد وَأخذ البَائِع الْمَبِيع ونقصان الْعَيْب ثمَّ زَالَ الْعَيْب يسْتَردّ المُشْتَرِي من البَائِع مَا دَفعه لَهُ من نُقْصَان الْعَيْب. (ر: رد الْمُحْتَار، فِي البيع الْفَاسِد قبيل قَول الْمَتْن: وَكره تَحْرِيمًا البيع عِنْد الْأَذَان الأول) . (س) وَمِنْهَا: مَا لَو أذن الْمُسْتَأْجر للمؤجر بِبيع الْمَأْجُور فَبَاعَهُ حَتَّى انْفَسَخت الْإِجَارَة ثمَّ رد المُشْتَرِي الْعين الْمَبِيعَة بطرِيق هُوَ فسخ (كَمَا إِذا ردهَا بِعَيْب قبل الْقَبْض مُطلقًا أَو بعده بِقَضَاء) تعود الْإِجَارَة، وَبِه يُفْتى. (ر: رد الْمُحْتَار، عَن الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّة، أواسط فسخ الْإِجَارَة) . (ع) وَمِنْهَا: مَا لَو آجر إِجَارَة مُضَافَة ثمَّ بَاعَ الْمَأْجُور أَو وهبه قبل مَجِيء الْوَقْت فَإِن الْإِجَارَة تبطل (هَذَا مَبْنِيّ على الْمُعْتَمد فِي الْمَذْهَب من عدم لُزُوم الْإِجَارَة المضافة، وَلَكِن الْمجلة على خِلَافه) فَلَو رد عَلَيْهِ بِعَيْب بِقَضَاء أَو رَجَعَ فِي الْهِبَة قبل الْوَقْت عَادَتْ الْإِجَارَة. (ر: رد الْمُحْتَار، من مَا يبطل بِالشّرطِ الْفَاسِد وَلَا يَصح تَعْلِيقه بِهِ، عِنْد قَول الْمَتْن: وَمَا تصح إِضَافَته إِلَى الْمُسْتَقْبل نقلا عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ) . (ف) وَمِنْهَا: مَا لَو وَكله بِبيع شَيْء ثمَّ بَاعه الْمُوكل ثمَّ ارْتَفع البيع بِمَا هُوَ فسخ من كل وَجه (كَأَن رد عَلَيْهِ بِعَيْب قَضَاء) فَإِن الْوَكِيل لَو بَاعَ وَالْحَالة هَذِه يَصح. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، آخر بَاب عزل الْوَكِيل، صفحة / 418 / من الْجُزْء الرَّابِع من رد الْمُحْتَار) .

(ص) وَمِنْهَا: مَا لَو تزوجت صَاحِبَة حق الْحَضَانَة بِغَيْر محرم من الصَّغِير الْمَحْضُون، ثمَّ طلقت، فَإِنَّهَا يعود إِلَيْهَا حق حضانتها لزوَال الْمَانِع. (ق) وَكَذَلِكَ لَو نشزت الزَّوْجَة ثمَّ عَادَتْ إِلَى بَيت زَوجهَا، فَإِنَّهَا يعود إِلَيْهَا اسْتِحْقَاق النَّفَقَة، لزوَال الْمَانِع أَيْضا وَهُوَ النُّشُوز. وَقد يتَوَهَّم فِي هَاتين الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ (ص) و (ق) أَنَّهُمَا قد سقط فيهمَا الْحق ثمَّ عَاد على سَبِيل الِاسْتِثْنَاء من قَاعِدَة أَن (السَّاقِط لَا يعود) الْآتِيَة. لَكِن نَص فِي الدُّرَر والشرنبلالية: أَوَائِل الْحَضَانَة، على أَن هَذَا من قبيل زَوَال الْمَانِع وعودة الْمَمْنُوع، لِأَن الْحق فيهمَا لَا يسْقط.

القاعدة الرابعة والعشرون

(الْقَاعِدَة الرَّابِعَة وَالْعشْرُونَ (الْمَادَّة / 25)) (" الضَّرَر لَا يُزال بِمثلِهِ ") (أَولا _ الشَّرْح) الضَّرَر لَا يزَال بِمثلِهِ، وَلَا بِمَا هُوَ فَوْقه بِالْأولَى، بل بِمَا هُوَ دونه. هَذِه الْمَادَّة تصلح أَن تكون قيدا للمادة / 20 / " الضَّرَر يزَال " أَي إِلَّا إِذا كَانَت إِزَالَته لَا تتيسر إِلَّا بِإِدْخَال ضَرَر مثله على الْغَيْر، فَحِينَئِذٍ لَا يرفع بل يجْبر بِقدر الْإِمْكَان. فَإِن كَانَ مِمَّا يُقَابل بعوض كالعيب الْقَدِيم إِذا اطلع عَلَيْهِ المُشْتَرِي وَقد تعيب الْمَبِيع عِنْده امْتنع الرَّد وَرجع المُشْتَرِي على بَائِعه بِمَا قَابل الثّمن، إِلَّا إِذا رَضِي بِأَخْذِهِ معيبا فَيَأْخذهُ وَيرد جَمِيع الثّمن. وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يُقَابل بعوض كَمَا إِذا أَرَادَ صَاحب الْعُلُوّ بِنَاء السّفل المهدم ليضع عَلَيْهِ علوه وأبى الآخر فَإِن الآبي لَا يجْبر على الْعِمَارَة، وَلَكِن ينْفق صَاحب الْعُلُوّ من مَاله على الْبناء وَيمْنَع صَاحبه من الِانْتِفَاع إِلَى أَن يدْفع لَهُ مَا أنفقهُ على الْبناء إِن كَانَ بناه بِإِذْنِهِ أَو بِإِذن الْحَاكِم، وَإِلَّا فحتى يدْفع لَهُ قيمَة الْبناء يَوْم بناه. وكما إِذا امْتنع الرَّاهِن عَن الْإِنْفَاق على الْعين الْمَرْهُونَة فَإِنَّهُ لَا يجْبر على الْإِنْفَاق، لِأَن الْإِنْسَان لَا يجْبر على الْإِنْفَاق على ملكه، وَلَكِن لما تعلق حق الْمُرْتَهن بماليتها وَحبس عينهَا وَلَا يُمكن ذَلِك بِدُونِ الْإِنْفَاق عَلَيْهَا لتبقى عينهَا، فَإِن الْحَاكِم يَأْذَن للْمُرْتَهن بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا ليَكُون مَا يُنْفِقهُ دينا على الرَّاهِن. (ر: الدُّرَر، من كتاب الرَّهْن) .

وَإِذا كَانَ الضَّرَر لَا تتيسر إِزَالَته إِلَّا بِإِدْخَال ضَرَر على الْغَيْر مثله وَلَا يُمكن جبره يتْرك على حَاله، كَمَا إِذا لم يجد الْمُضْطَر لدفع الْهَلَاك جوعا إِلَّا طَعَام مُضْطَر مثله أَو بدن آدَمِيّ حَيّ فَإِنَّهُ لَا يُبَاح تناولهما. وكما لَو تعسرت ولادَة الْمَرْأَة، وَالْولد حَيّ يضطرب فِي بَطنهَا، وَخيف على الْأُم فَإِنَّهُ يمْتَنع من تقطيع الْوَلَد لإخراجه، لِأَن موت الْأُم بِهِ أَمر موهوم. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، من بَاب الصَّلَاة على الْجِنَازَة) .

القاعدة الخامسة والعشرون

(الْقَاعِدَة الْخَامِسَة وَالْعشْرُونَ (الْمَادَّة / 26)) (" يتَحَمَّل الضَّرَر الْخَاص لدفع الضَّرَر الْعَام ") (أَولا _ الشَّرْح) اسْتُفِيدَ بمنطوق هَذِه الْقَاعِدَة بعض مَا أفادته الْقَاعِدَة السَّابِقَة بمفهومها الْمُخَالف، فَإِن مفهومها أَن أحد الضررين إِذا كَانَ لَا يماثل الآخر فَإِن الْأَعْلَى يزَال بالأدنى. وَعدم الْمُمَاثلَة بَين الضررين إِمَّا لخُصُوص أَحدهمَا وَعُمُوم الآخر، وَهُوَ مَا أفادته هَذِه الْقَاعِدَة، أَو لعظم أَحدهمَا على الآخر وشدته فِي نَفسه، وَهُوَ مَا أفادته الْقَاعِدَة الْآتِيَة. (ثَانِيًا _ التطبيق) فَمن الأول: (أ) مَا تقدم فِي الْمَادَّة / 7 / من الغرفة الوطية البارزة، والجناح الداني، والمسيل المضر، إِذا كَانَت فِي طَرِيق الْعَامَّة تزَال وَإِن كَانَت قديمَة. (ب) وَمِنْه: الْحَائِط المتوهن إِذا كَانَ فِي الطَّرِيق، فَإِنَّهُ يجب نقضه على مَالِكه دفعا للضَّرَر الْعَام. (ج) وَمِنْه: وجوب قتل قَاطع الطَّرِيق إِذا قتل بِأَيّ كَيْفيَّة كَانَت بِدُونِ قبُول عَفْو عَنهُ من ولي الْقَتِيل، دفعا للضَّرَر الْعَام. (د) وَمِنْه: حبس العائن، وَقتل السَّاحر إِذا أخذا قبل التَّوْبَة، وَقتل الخناق إِذا تكَرر مِنْهُ ذَلِك، وَوُجُوب قتل كل مؤذ لَا ينْدَفع أَذَاهُ إِلَّا بِالْقَتْلِ، كَمَا أفتى بِهِ الناصحي (ر: الدّرّ الْمُخْتَار من بَاب التَّعْزِير) .

(هـ) وَمِنْه: جَوَاز التسعير إِذا تعدى أَرْبَاب الْقُوت فِي بَيْعه بِالْغبنِ الْفَاحِش (وَفسّر هُنَا بِضعْف الْقيمَة) وَرُبمَا كَانَ مفرعاً على مُقَابل الصَّحِيح لِأَن الْغبن الْفَاحِش مَا لَا يدْخل تَحت تَقْوِيم المقومين. (و) وَمِنْه: بيع الْفَاضِل من طَعَام المحتكر عَن قوته وقوت عِيَاله إِلَى وَقت السعَة (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، من الْحَظْر وَالْإِبَاحَة) . (ز) وَمن ذَلِك: الْمَنْع من اتِّخَاذ حَانُوت للطبخ أَو للحدادة مثلا بَين البزازين. (ح) وَمِنْه: جَوَاز الْحجر على الطَّبِيب الْجَاهِل (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من الْحجر) . (ط) وَمِنْه: جَوَاز خرب العقارات الْمُجَاورَة للحريق لمنع السريان بِإِذن الإِمَام (ر: الْمَادَّة / 919 / من الْمجلة) فَلَو هدمها بِغَيْر إِذن الإِمَام ضمن قيمتهَا معرضة للحريق. (ي) وَمِنْه: مَا فِي الْمَادَّة / 1325 / من الْمجلة. (ك) وَمِنْه: جَوَاز الْمُرُور فِي ملك الْغَيْر لإِصْلَاح النَّهر الْعَام كالفرات، فَإِن فِيهِ ضَرَر الْخَاص لدفع الضَّرَر الْعَام وَهُوَ يجوز (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ، صفحة / 272) .

القاعدة السادسة والعشرون

(الْقَاعِدَة السَّادِسَة وَالْعشْرُونَ (الْمَادَّة / 27)) (" الضَّرَر الأشد يزَال بِالضَّرَرِ الأخف ") (أَولا _ الشَّرْح) أفادت هَذِه الْقَاعِدَة حكم النَّوْع الثَّانِي من النَّوْعَيْنِ الداخلين فِي مَفْهُوم الْقَاعِدَة / 25 / كَمَا بَيناهُ سَابِقًا. (ثَانِيًا _ التطبيق) مِمَّا تفرع على هَذِه الْقَاعِدَة: (أ) وجوب النَّفَقَات فِي مَال الموسرين لأصولهم وفروعهم (لَكِن لَا يشْتَرط فِي نَفَقَة الْأَبَوَيْنِ الْيَسَار بل إِذا كَانَ كسوباً ضمهما إِلَيْهِ) وأرحامهم الْمَحَارِم من النّسَب المحتاجين. (ب) وَمِنْه: حبس من وَجَبت عَلَيْهِ النَّفَقَة إِذا امْتنع عَن أَدَائِهَا وَلَو نَفَقَة ابْنه وَجَوَاز ضربه فِي الْحَبْس إِذا امْتنع عَن الْإِنْفَاق. (ج) وَمِنْه: مَا لَو بنى أَو غرس فِي الْعَرَصَة بزعم سَبَب شَرْعِي، كَمَا لَو ورث إِنْسَان أَرضًا فَبنى فِيهَا أَو غرس ثمَّ اسْتحقَّت فَإِنَّهُ ينظر إِلَى قيمَة الْبناء أَو الْغِرَاس مَعَ قيمَة الْعَرَصَة فَأَيّهمَا كَانَ أَكثر قيمَة يتَمَلَّك صَاحبه الآخر بِقِيمَتِه جبرا على مَالِكه. أما لَو غصب أَرضًا فَبنى فِيهَا أَو غرس ثمَّ طلبَهَا مَالِكهَا فَإِن الْغَاصِب يُؤمر بقلع الْبناء أَو الْغَرْس مهما بلغت قِيمَته، إِلَّا إِذا كَانَ قلعهما يضر بِالْأَرْضِ فَإِن الْمَالِك يتملكهما بقيمتهما مستحقين للقلع (ر: الْمَادَّة / 906 / من الْمجلة) .

تنبيه

(تَنْبِيه:) يضْرب السجين فِي ثَلَاث: 1 - إِذا امْتنع عَن الْإِنْفَاق على رَحمَه الْمحرم يحبس، فَإِذا امْتنع أَيْضا يضْرب. 2 - إِذا امْتنع عَن كَفَّارَة الظِّهَار يحبس، فَإِذا امْتنع أَيْضا ضرب. 3 - إِذْ امْتنع عَن الْقسم بَين زَوْجَاته يحبس، فَإِذا امْتنع أَيْضا يضْرب. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر، الْقَضَاء) .

القاعدة السابعة والعشرون

(الْقَاعِدَة السَّابِعَة وَالْعشْرُونَ (الْمَادَّة / 28)) (" إِذا تعَارض مفسدتان روعي أعظمهما ضَرَرا بارتكاب أخفهما ") (أَولا _ الشَّرْح) مُرَاعَاة أعظمهما تكون بإزالته، لِأَن الْمَفَاسِد تراعى نفيا، كَمَا أَن الْمصَالح تراعى إِثْبَاتًا. قَالَ بَعضهم: إِن هَذِه الْقَاعِدَة عين السَّابِقَة. وَلَكِن يُمكن أَن يدعى تَخْصِيص الأولى بِمَا إِذا كَانَ الضَّرَر الأشد وَاقعا وَأمكن إِزَالَته بالأخف كَمَا فِي الْأَمْثِلَة المسوقة فِيهَا، وَتَخْصِيص هَذِه بِمَا إِذا تعَارض الضرران وَلم يَقع أَحدهمَا بعد. وَهَذَا أحسن من دَعْوَى التّكْرَار، إِذْ التأسيس أولى من التَّأْكِيد إِذا أمكن. وَإِلَى هَذَا التَّخْصِيص يُشِير التَّعْبِير بيزال فِي الأولى وبتعارض فِي الثَّانِيَة. (ثَانِيًا _ التطبيق) يتَفَرَّع على هَذِه الْقَاعِدَة: (أ) تَجْوِيز أَخذ الْأُجْرَة على مَا دعت إِلَيْهِ الضَّرُورَة من الطَّاعَات، كالأذان، والإمامة وَتَعْلِيم الْقُرْآن وَالْفِقْه. (ب) وتجويز السُّكُوت على الْمُنكر إِذا كَانَ يَتَرَتَّب على إِنْكَاره ضَرَر أعظم، كَمَا تجوز طَاعَة الْأَمِير الجائر إِذا كَانَ يَتَرَتَّب على الْخُرُوج عَلَيْهِ شَرّ أعظم.

(ج) وَمِنْه: جَوَاز شقّ بطن الْميتَة لإِخْرَاج الْوَلَد إِذا كَانَ ترجى حَيَاته (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، الْجَنَائِز) .

القاعدة الثامنة والعشرون

(الْقَاعِدَة الثَّامِنَة وَالْعشْرُونَ (الْمَادَّة / 29)) (" يخْتَار أَهْون الشرين ") (الشَّرْح مَعَ التطبيق) هَذِه الْقَاعِدَة عين سابقتها، وَمَا قيل فِيهَا يُقَال فِي هَذِه.

((الصفحة فارغة))

القاعدة التاسعة والعشرون

(الْقَاعِدَة التَّاسِعَة وَالْعشْرُونَ (الْمَادَّة / 30)) (" دَرْء الْمَفَاسِد أولى من جلب الْمصَالح ") (أَولا _ الشَّرْح) " دَرْء الْمَفَاسِد أولى من جلب الْمصَالح " فَإِذا تَعَارَضَت مفْسدَة ومصلحة قدم دفع الْمفْسدَة غَالِبا، لِأَن اعتناء الشَّارِع بالمنهيات أَشد من اعتنائه بالمأمورات. قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (مَا نَهَيْتُكُمْ عَنهُ فَاجْتَنبُوهُ، وَمَا أَمرتكُم بِهِ فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم) ، رَوَاهُ الإِمَام النَّوَوِيّ فِي الْأَرْبَعين. (ثَانِيًا _ التطبيق) مِمَّا تفرع على هَذِه الْقَاعِدَة: (أ) أَن كلا من صَاحب السّفل وَصَاحب الْعُلُوّ لَيْسَ لَهُ أَن يتَصَرَّف تَصرفا مضراً بِالْآخرِ، وَإِن كَانَ يتَصَرَّف فِي خَالص ملكه وَله مَنْفَعَة. (ر: الْمَادَّة / 1192 / من الْمجلة) . (ب) وَمِمَّا يتَفَرَّع عَلَيْهَا أَيْضا: الْحجر على السَّفِيه. (ج) وَمِنْه: أَنه لَيْسَ للْإنْسَان أَن يفتح كوَّة تشرف على مقرّ نسَاء جَاره، بل يُكَلف أَن يتَّخذ فِيهَا مَا يقطع النّظر. وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَن يحدث فِي ملكه مَا يضر بجاره ضَرَرا بَينا، كاتخاذه بِجَانِب دَار جَاره طاحوناً مثلا يوهن الْبناء أَو معصرة أَو فرناً يمْنَع السُّكْنَى بالرائحة وَالدُّخَان. وَكَذَا لَو اتخذ بِجَانِب دَار جَاره كنيفاً أَو بالوعة أَو ملقى قمامات يضر بالجدار فَلصَاحِب الْجِدَار أَن يكلفه إِزَالَة

الضَّرَر (ر: الْمَادَّة / 1200 / من الْمجلة) وَإِذا كَانَ الضَّرَر لَا يَزُول إِلَّا بِرَفْعِهِ بالمرة فَإِنَّهُ يرفع (ر: الْمَادَّة / 1212 / من الْمجلة) وَإِن كَانَ لمحدثه مَنْفَعَة فِي إبقائه لِأَن دَرْء الْمَفَاسِد أولى من جلب الْمَنَافِع. (د) وَمِنْه: مَا تقدم تَحت الْمَادَّة / 26 / من أَنه يمْنَع من اتِّخَاذ حَانُوت للطبخ أَو للحدادة بَين البزازين كَمَا تُشِير إِلَيْهِ الْقَاعِدَة (ر: الْمَادَّة / 25) . (هـ) وجوزوا الْكَذِب بَين المتعاديين للإصلاح. وَالظَّاهِر أَن هَذَا (أَي تَقْدِيم الْمَنْفَعَة ومراعاتها حِين تربو على الْمفْسدَة) فِيمَا إِذا كَانَت الْمفْسدَة عَائِدَة على نفس الْفَاعِل، كَمَسْأَلَة تَجْوِيز الْكَذِب الْمَذْكُورَة، أما إِذا كَانَت الْمفْسدَة عَائِدَة لغيره، كَمَسْأَلَة الْعُلُوّ والسفل الْمُتَقَدّمَة ونظائرها، فَإِنَّهُ يمْنَع مِنْهَا لمُجَرّد وجود الضَّرَر للْغَيْر وَإِن كَانَت الْمَنْفَعَة تربو كثيرا على الْمفْسدَة.

القاعدة المكملة ثلاثين

(الْقَاعِدَة المكملة ثَلَاثِينَ (الْمَادَّة / 31)) (" الضَّرَر يدْفع بِقدر الْإِمْكَان ") (أَولا _ الشَّرْح) الضَّرَر يدْفع بِقدر الْإِمْكَان، فَإِن أمكن دَفعه بِالْكُلِّيَّةِ فبها، وَإِلَّا فبقدر مَا يُمكن. فَإِن كَانَ مِمَّا يُقَابل بعوض جبر بِهِ كَمَا تقدم التَّمْثِيل بِهِ تَحت الْمَادَّة / 25 /. وكما لَو عَفا بعض أَوْلِيَاء الْقَتِيل عَن الْقصاص انْقَلب نصيب البَاقِينَ دِيَة. وكما فِي الْمَغْصُوب فَإِنَّهُ يدْفع الضَّرَر برده إِذا بَقِي عينه وَكَانَ سليما، فَإِن لم تبْق عينه أَو بقيت وَلَكِن غير سليمَة بِأَن تعيبت، فَفِي الأول: يجْبر الضَّرَر برد مثله أَو قِيمَته، سَوَاء كَانَ عدم بَقَائِهِ حَقِيقِيًّا كالطعام إِذا أكله الْغَاصِب، أَو حكمياً كَمَا إِذا كَانَت شَاة مثلا فذبحها وطبخها أَو حِنْطَة فطحنها، وَفِي الثَّانِي: إِن كَانَ الْعَيْب فَاحِشا (وَهُوَ مَا فَوت بعض الْمَنْفَعَة) ، فَإِذا كَانَ الْمَغْصُوب غير رِبَوِيّ يتَخَيَّر الْمَالِك فِي جبر الضَّرَر بَين أَخذه وتضمين الْغَاصِب مَا نقص بِالْعَيْبِ أَو طَرحه عَلَيْهِ وتضمينه الْقيمَة، وَإِن كَانَ ربوياً يتَخَيَّر بَين أَخذه معيبا بِلَا ضَمَان النُّقْصَان أَو طَرحه عَلَيْهِ وتضمينه مثله أَو قِيمَته من خلاف جنسه فِي مثل مَسْأَلَة الْقلب، وَإِن كَانَ غير فَاحش (وَهُوَ مَا فَوت الْجَوْدَة وَنقص الْمَالِيَّة) كالحرق الْيَسِير فَإِن جبر الضَّرَر يتَعَيَّن بِأَخْذِهِ وتضمين النُّقْصَان إِلَّا فِي الرِّبَوِيّ فَإِن حكمه مَا تقدم. أما إِذا لم يُمكن دفع الضَّرَر بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا جبره فَإِنَّهُ يتْرك على حَاله كَمَا مثلنَا

تنبيه

بِهِ تَحت الْكَلَام على الْمَادَّة / 25 / وكما إِذا أخرج المُشْتَرِي الْمَبِيع عَن ملكه وَلم يكن حدث عِنْده مَا يمْنَع الرَّد ثمَّ اطلع على عيب قديم فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يرجع بِنُقْصَان الْعَيْب. وَقد تقدم مسَائِل إِزَالَة الضَّرَر بِقدر الْإِمْكَان بأزيد من هَذَا فِي أثْنَاء الْكَلَام على الْمَادَّة / 5 / وَقد أعدناها هُنَا بأمثلة غير الَّتِي تقدّمت زِيَادَة للإيضاح. (تَنْبِيه:) إِنَّمَا قيدنَا بِالْإِخْرَاجِ فِي قَوْلنَا أخيراً " كَمَا إِذا أخرج المُشْتَرِي الْمَبِيع عَن ملكه " لِأَنَّهُ لَو هلك فِي يَده أَو أعْتقهُ لَا على مَال أَو وَقفه فَإِنَّهُ يرجع بِنُقْصَان الْعَيْب.

القاعدة الحادية والثلاثون

(الْقَاعِدَة الْحَادِيَة وَالثَّلَاثُونَ (الْمَادَّة / 32)) (" الْحَاجة تنزل منزلَة الضَّرُورَة، عَامَّة كَانَت أَو خَاصَّة ") (أَولا _ الشَّرْح) الْحَاجة تتنزل فِيمَا يحظره ظَاهر الشَّرْع منزلَة الضَّرُورَة عَامَّة كَانَت أَو خَاصَّة. وتنزيلها منزلَة الضَّرُورَة فِي كَونهَا تثبت حكما. وَإِن افْتَرقَا فِي كَون حكم الأولى مستمراً وَحكم الثَّانِيَة موقتاً بِمدَّة قيام الضَّرُورَة إِذْ الضَّرُورَة تقدر بِقَدرِهَا. وكيفما كَانَت الْحَاجة فَالْحكم الثَّابِت بِسَبَبِهَا يكون عَاما بِخِلَاف الحكم الثَّابِت بِالْعرْفِ وَالْعَادَة فَإِنَّهُ يكون مُقْتَصرا وخاصاً بِمن تعارفوه وتعاملوا عَلَيْهِ واعتادوه، وَذَلِكَ لِأَن الْحَاجة إِذا مست إِلَى إِثْبَات حكم تسهيلاً على قوم لَا يمْنَع ذَلِك من التسهيل على آخَرين وَلَا يضر، بِخِلَاف الحكم الثَّابِت بِالْعرْفِ وَالْعَادَة فَإِنَّهُ يقْتَصر على أهل ذَلِك الْعرف إِذْ لَيْسَ من الْحِكْمَة إِلْزَام قوم بعرف آخَرين وعادتهم ومؤاخذاتهم بهَا. ثمَّ الضَّرُورَة فِي الْحَالة الملجئة إِلَى مَا لَا بُد مِنْهُ. وَالْحَاجة هِيَ الْحَالة الَّتِي تستدعي تيسيراً أَو تسهيلاً لأجل الْحُصُول على الْمَقْصُود، فَهِيَ دون الضَّرُورَة من هَذِه الْجِهَة، وَإِن كَانَ الحكم الثَّابِت لأَجلهَا مستمراً، وَالثَّابِت للضَّرُورَة موقتاً كَمَا تقدم. ثمَّ إِنَّمَا يُضَاف تَجْوِيز الحكم إِلَى الْحَاجة فِيمَا يظْهر إِذا كَانَ تجويزه مُخَالفا للْقِيَاس، وَإِلَّا كَانَت إِضَافَته للْقِيَاس أولى.

وَالظَّاهِر أَن مَا يجوز للْحَاجة إِنَّمَا يجوز فِيمَا ورد فِيهِ نَص يجوزه، أَو تعامل، أَو لم يرد فِيهِ شَيْء مِنْهُمَا وَلَكِن لم يرد فِيهِ نَص يمنعهُ بِخُصُوصِهِ وَكَانَ لَهُ نَظِير فِي الشَّرْع يُمكن إِلْحَاقه بِهِ وَجعل مَا ورد فِي نَظِيره وارداً فِيهِ. كَمَا فِي بيع الْوَفَاء فَإِن مُقْتَضَاهُ عدم الْجَوَاز، لِأَنَّهُ إِمَّا من قبيل الرِّبَا لِأَنَّهُ انْتِفَاع بِالْعينِ بِمُقَابلَة الدّين، أَو صَفْقَة مَشْرُوطَة فِي صَفْقَة كَأَنَّهُ قَالَ: بِعته مِنْك بِشَرْط أَن تبيعه مني إِذا جئْتُك بِالثّمن. وَكِلَاهُمَا غير جَائِز، وَلَكِن لما مست الْحَاجة إِلَيْهِ فِي بُخَارى بِسَبَب كَثْرَة الدُّيُون على أَهلهَا جوز على وَجه أَنه رهن أُبِيح الِانْتِفَاع بأنزاله، وَالرَّهْن على هَذِه الْكَيْفِيَّة جَائِز. أَو كَانَ لم يرد فِيهِ نَص يجوزه أَو تعامل، وَلم يرد فِيهِ نَص يمنعهُ، وَلم يكن لَهُ نَظِير جَائِز فِي الشَّرْع يُمكن إِلْحَاقه بِهِ، وَلَكِن كَانَ فِيهِ نفع ومصلحة. كَمَا وَقع فِي الصَّدْر الأول من تدوين الدَّوَاوِين، وَضرب الدَّرَاهِم، والعهد بالخلافة وَغير ذَلِك مِمَّا لم يَأْمر بِهِ الشَّرْع وَلم ينْه عَنهُ وَلم يكن لَهُ نَظِير قبل، فَإِنَّهُ دعت إِلَيْهِ الْحَاجة وسوغته الْمصلحَة، بِخِلَاف الضَّرُورَة فَإِن مَا يجوز لأَجلهَا لَا يعْتَمد شَيْئا من ذَلِك. أما مَا لم يرد فِيهِ نَص يسوغه، وَلَا تعاملت عَلَيْهِ الْأمة، وَلم يكن لَهُ نَظِير فِي الشَّرْع يُمكن إِلْحَاقه بِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ مصلحَة عملية ظَاهِرَة، فَإِن الَّذِي يظْهر عندئذ عدم جَوَازه، جَريا على ظواهر الشَّرْع، لِأَن مَا يتَصَوَّر فِيهِ أَنه حَاجَة وَالْحَالة هَذِه يكون غير منطبق على مَقَاصِد الشَّرْع. وَقد ذكر ابْن الْهمام أَن نفي الْمدْرك الشَّرْعِيّ يَكْفِي لنفي الحكم الشَّرْعِيّ (ر: فتح الْقَدِير فِي بَاب شُرُوط الصَّلَاة) . وَأما مَا ورد فِيهِ نَص يمنعهُ بِخُصُوصِهِ فَعدم الْجَوَاز فِيهِ وَاضح وَلَو ظنت فِيهِ مصلحَة لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ وهم. (ر: مَا سَيَأْتِي تَحت الْقَاعِدَة / 38) .

ثانيا التطبيق

(ثَانِيًا _ التطبيق) مِمَّا فرع على هَذِه الْقَاعِدَة: (أ) تَجْوِيز الْإِجَارَة، فَإِنَّهَا جوزت بِالنَّصِّ على خلاف الْقيَاس، للْحَاجة إِلَيْهَا، وَذَلِكَ لِأَن عقد الْإِجَارَة يرد على الْمَنَافِع وَهِي مَعْدُومَة، وتمليك الْمَعْدُوم قبل وجوده يَسْتَحِيل، وَلَا يُمكن جعل العقد فِيهَا مُضَافا إِلَى زمن وجود الْمَنْفَعَة لِأَن التمليكات لَا تقبل الْإِضَافَة. (ب) وَمِنْه: تَجْوِيز السّلم، فَإِنَّهُ جوز بِالنَّصِّ أَيْضا على خلاف الْقيَاس للْحَاجة، لِأَنَّهُ بيع الْمَعْدُوم أَيْضا. (ج) وَمِنْه: تَجْوِيز ضَمَان الدَّرك، فَإِنَّهُ جوز بِالْإِجْمَاع، على خلاف الْقيَاس. وَذَلِكَ لِأَن الْكفَالَة من جِهَة الْمَطْلُوب، وَهُوَ الْمَكْفُول عَنهُ، بِمَنْزِلَة الطَّلَاق وَالْعتاق لَا تتَوَقَّف على قبُوله، وَمن جِهَة الطَّالِب، وَهُوَ الْمَكْفُول لَهُ، بِمَنْزِلَة البيع لِأَنَّهَا تملكه حق مُطَالبَة الْكَفِيل، فتستدعي التَّنْجِيز كَسَائِر التمليكات، وَضَمان الدَّرك عبارَة عَن ضَمَان الثّمن للْمُشْتَرِي عِنْد اسْتِحْقَاق الْمَبِيع، فَهُوَ كَفَالَة مُضَافَة، وَالْقِيَاس يأباها لِأَنَّهَا تمْلِيك للطَّالِب كَمَا ذكرنَا، والتمليكات لَا تقبل الْإِضَافَة، لَكِنَّهَا جوزت بِالْإِجْمَاع (ر: الْهِدَايَة، من الْكفَالَة) لمَكَان التَّعَامُل، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلمن جَاءَ بِهِ حمل بعير وَأَنا بِهِ زعيم} على مَا فِيهِ من الْبَحْث. (د) وَمِنْه: تجويزهم اسْتِئْجَار السمسار على أَنه لَهُ فِي كل مائَة كَذَا، فَإِن الْقيَاس يمنعهُ، وَيُوجب لَهُ أجر الْمثل. وَلَكِن جوزوه للتعامل (ر: رد الْمُحْتَار، من الْإِجَارَة الْفَاسِدَة، نقلا عَن التَّتارْخَانِيَّة عَن مُحَمَّد بن سَلمَة) وَقَالَ عقبه: وَكثير من هَذَا غير جَائِز فجوزوه لحَاجَة النَّاس إِلَيْهِ. (هـ) وَمِنْه: تَجْوِيز اسْتِئْجَار الظِّئْر للإرضاع، على القَوْل بِأَن العقد يرد على اللَّبن والخدمة تثبت تبعا، فَإِنَّهُ جوز للْحَاجة، بالتعامل وَبِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {فَإِن أرضعن لكم فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} ، وَإِلَّا فَالْقِيَاس يأباه لِأَنَّهُ وَارِد على اسْتِهْلَاك الْعين، وَالْإِجَارَة إِذا وَردت على اسْتِهْلَاك الْأَعْيَان مَقْصُودا لَا تجوز.

(و) وَمِنْه: تَجْوِيز الاستصناع فِيمَا فِيهِ تعامل، على الصَّحِيح من أَن الاستصناع بيع لَا عدَّة، فَإِن الْقيَاس يأباه لِأَنَّهُ بيع الْمَعْدُوم، لَكِن جوزوه اسْتِحْسَانًا بِالْإِجْمَاع للْحَاجة بِسَبَب تعامل النَّاس عَلَيْهِ. وَمَا فِيهِ من الْخلاف فَلَيْسَ فِي أصل جَوَازه بل فِي أَنه بيع أَو عدَّة. (ز) وَمِنْه: تَجْوِيز دُخُول الْحمام بِأَجْر، فَمُقْتَضى الْقيَاس عدم جَوَازه، لِأَنَّهُ وَارِد على اسْتِهْلَاك الْأَعْيَان وَهُوَ المَاء الْحَار، وَمَعَ ذَلِك فَإِن مَا يَسْتَوْفِيه كل من الآخر مَجْهُول. لكنه جوز لحَاجَة النَّاس، بالتعامل، وَله نَظِير فِي الشَّرْع يُمكن إِلْحَاقه بِهِ، وَهُوَ جَوَاز اسْتِئْجَار الظِّئْر بطعامها وكسوتها (ر: تنوير الْأَبْصَار، من الْإِجَارَة الْفَاسِدَة) فَإِن مَا يَسْتَوْفِيه كل من الْمُؤَجّر وَالْمُسْتَأْجر من صَاحبه مَجْهُول. وَهَذَا النظير (أَعنِي اسْتِئْجَار الظِّئْر بطعامها وكسوتها) هُوَ من السوابق الشائعة من صدر الْإِسْلَام بِلَا نَكِير، وجوازه مَرْوِيّ عَن أبي حنيفَة نَفسه (كَمَا فِي شُرُوح الْهِدَايَة ورد الْمُحْتَار من الْإِجَارَة الْفَاسِدَة) . (ح) وَمِنْه: تَجْوِيز الْوَصِيَّة، فَإِن الْقيَاس يأباها لِأَنَّهَا تمْلِيك مُضَاف لما بعد الْمَوْت، والتمليكات لَا تقبل الْإِضَافَة، وَأَيْضًا بِالْمَوْتِ ينْتَقل الْملك إِلَى الْوَارِث فَلم يبْق ملك للمورث بعد الْمَوْت حَتَّى يملك تَمْلِيكه للْغَيْر. وَلَكِن جوزت بِنَصّ الْكتاب الْعَزِيز، للْحَاجة.

القاعدة الثانية والثلاثون

(الْقَاعِدَة الثَّانِيَة وَالثَّلَاثُونَ (الْمَادَّة / 33)) (" الِاضْطِرَار لَا يبطل حق الْغَيْر ") (أَولا _ الشَّرْح) الِاضْطِرَار لَا يبطل حق الْغَيْر سَوَاء كَانَ الِاضْطِرَار: (1) بِأَمْر سماوي، كالمجاعة وَالْحَيَوَان الصَّائِل، (2) أَو غير سماوي، كالإكراه الملجئ. فَفِي الأول: يجوز لَهُ أَن يَأْكُل من مَال الْغَيْر بِقدر مَا يدْفع بِهِ الْهَلَاك عَن نَفسه جوعا، وَيدْفَع الصَّائِل بِمَا أمكن وَلَو بِالْقَتْلِ، وَيضمن فِي المحلين وَإِن كَانَ مُضْطَرّا، فَإِن الِاضْطِرَار يظْهر فِي حل الْإِقْدَام لَا فِي رفع الضَّمَان وَإِبْطَال حق الْغَيْر. وَفِي الثَّانِي: إِذا كَانَ وارداً على إِتْلَاف مَال الْغَيْر، فَإِن الْمُكْره (بِالْكَسْرِ) يضمنهُ، أما غير الملجئ فَإِنَّهُ لَا يُبِيح الْإِقْدَام على الْإِتْلَاف وَلَو أقدم فَإِن الضَّمَان عَلَيْهِ لَا على الْمُكْره لِأَن الِاضْطِرَار لَا يتَحَقَّق فِي غير الملجئ بِالنِّسْبَةِ لمَال الْغَيْر. (تَنْبِيه:) الظَّاهِر أَن ضَمَان الْمُكْره (بِالْكَسْرِ) لَا يخْتَص بِمَا إِذا كَانَ الْمُكْره على إِتْلَافه مَال الْغَيْر، بل مثله مَا إِذا كَانَ مَال الْمُكْره (بِالْفَتْح) بِدَلِيل مَا نصوا عَلَيْهِ من أَنه لَو أكره على أكل طَعَام نَفسه وَكَانَ غير جَائِع فَإِن الْمُكْره يضمنهُ لَهُ. (ثَانِيًا _ التطبيق) بِالْإِضَافَة للمسائل الْوَارِدَة فِي (قسم الشَّرْح) :

(أ) مِنْهَا: مَا لَو انْتَهَت مُدَّة الْإِجَارَة أَو الْعَارِية وَالزَّرْع بقل لم يحصد بعد، فَإِنَّهُ يبْقى إِلَى أَن يستحصد، وَلَكِن بِأَجْر الْمثل، لِأَن اضطرار الْمُسْتَأْجر وَالْمُسْتَعِير لإبقائه لَا يبطل حق الْمَالِك فتلزم الْأُجْرَة. (ب) وَكَذَلِكَ: لَو انْتَهَت مُدَّة إِجَارَة الظِّئْر، وَقد صَار الرَّضِيع لَا يَأْخُذ ثدي غَيرهَا، وَلم يسْتَغْن بِالطَّعَامِ، فَإِنَّهَا تجبر على إرضاعه وَلَكِن بِأَجْر الْمثل. (ج) وَكَذَا مَا ذكرُوا من أَنه لَو علق طَلَاق زَوجته على فعل نَفسه الَّذِي لَا بُد مِنْهُ، وَكَانَ التَّعْلِيق فِي الصِّحَّة وَالشّرط فِي الْمَرَض، يكون فَارًّا وترث، لِأَن اضطراره إِلَى فعل مَا لَا بُد مِنْهُ لَا يبطل حق زَوجته فِي الْإِرْث فترث. (ر: الدُّرَر وَغَيره، من بَاب طَلَاق الْمَرِيض) .

القاعدة الثالثة والثلاثون

(الْقَاعِدَة الثَّالِثَة وَالثَّلَاثُونَ (الْمَادَّة / 34)) (" مَا حرم أَخذه حرم إِعْطَاؤُهُ ") (أَولا _ الشَّرْح) معنى هَذِه الْقَاعِدَة أَن الشَّيْء الْمحرم الَّذِي لَا يجوز لأحد أَن يَأْخُذهُ ويستفيد مِنْهُ يحرم عَلَيْهِ أَيْضا أَن يقدمهُ لغيره وَيُعْطِيه إِيَّاه سَوَاء أَكَانَ على سَبِيل المنحة ابْتِدَاء أم على سَبِيل الْمُقَابلَة، وَذَلِكَ لِأَن إعطاءه الْغَيْر عندئذ يكون من قبيل الدعْوَة إِلَى الْمحرم أَو الْإِعَانَة والتشجيع عَلَيْهِ، فَيكون الْمُعْطِي شريك الْفَاعِل. وَمن الْمُقَرّر شرعا أَنه كَمَا لَا يجوز فعل الْحَرَام لَا يجوز الْإِعَانَة والتشجيع عَلَيْهِ، لقَوْله تَعَالَى: {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان} . (ثَانِيًا _ التطبيق) (أ) كَمَا يحرم أَخذ الرِّبَا يحرم إِعْطَاؤُهُ. (ب) وَكَذَلِكَ: الرِّشْوَة، وَلَا تملك بِالْقَبْضِ، وَيجب ردهَا وَلَو كَانَت بِغَيْر طلب المرتشي. (ج) وَكَذَلِكَ حلوان الكاهن، وَأُجْرَة الْمُغنِي، والزامر، والنائحة، والواشمة، والواشرة، والمتوسطة لعقد النِّكَاح، والمصلح بَين المتخاصمين، وعسب التيس، وَأَصْحَاب المعازف، والقراد، والمسخرة، وَالْقصاص وَلَو بمغازي رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِذا كَانَ مَشْرُوطًا لَهُم.

ثالثا المستثنى

(ثَالِثا _ الْمُسْتَثْنى) يسْتَثْنى من عُمُوم الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة: (أ) مَا يدْفع للشاعر وَنَحْوه للتخلص من هجوه. (ب) وَمَا يَدْفَعهُ الْمُسْتَقْرض بالربا إِذا كَانَ مُحْتَاجا. (ج) وَمَا يَدْفَعهُ الْوَصِيّ من بعض مَال الْيَتِيم لتخليص الْبَاقِي. (د) وَمَا يَدْفَعهُ الْإِنْسَان لتسوية أمره عِنْد السُّلْطَان أَو الْأَمِير. فَإِنَّهُ (أَي جَمِيع مَا دفع فِي هَذِه الْوُجُوه) يحرم على الْآخِذ، دون الْمُعْطِي.

القاعدة الرابعة والثلاثون

(الْقَاعِدَة الرَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ (الْمَادَّة / 35)) (" مَا حرم فعله حرم طلبه ") (أَولا _ الشَّرْح) مَا حرم فعله حرم طلبه، وَكَذَا مَا يكره فعله يكره طلبه، إِذْ السُّكُوت على الْحَرَام أَو الْمَكْرُوه والتمكين مِنْهُ حرَام ومكروه، وَلَا شكّ أَن طلبه فَوق السُّكُوت عَلَيْهِ والتمكين مِنْهُ، فَيكون مثله فِي أصل الْحُرْمَة بِالْأولَى وَإِن تفاوتت الحرمتان بِالْقُوَّةِ. (ثَانِيًا _ التطبيق) (أ) كَمَا لَا يجوز غش الْغَيْر، وَلَا خديعته، وَلَا خيانته، وَلَا إِتْلَاف مَاله، وَلَا سَرقته، وَلَا غَضَبه، وَلَا الرِّشْوَة، وَلَا فعل مَا يُوجب حدا أَو تعزيراً أَو إساءة: لَا يجوز طلب شَيْء مِنْهَا أَن يَفْعَله الْغَيْر. (ثَالِثا _ الْمُسْتَثْنى) يسْتَثْنى من الْقَاعِدَة مَسْأَلَة، وَهِي: مَا لَو ادّعى دَعْوَى صَادِقَة فَأنْكر الْخصم فَلهُ طلب تَحْلِيفه. وَفِي الْحَقِيقَة لَا اسْتثِْنَاء، لِأَن طلب الْيَمين يكون رَجَاء لظُهُور الْحق بِنُكُولِهِ عَن الْيَمين الكاذبة لَا رَجَاء الْإِقْدَام عَلَيْهَا.

((الصفحة فارغة))

القاعدة الخامسة والثلاثون

(الْقَاعِدَة الْخَامِسَة وَالثَّلَاثُونَ (الْمَادَّة / 36)) (" الْعَادة محكمَة ") (أَولا _ الشَّرْح) يَعْنِي أَن الْعَادة عَامَّة كَانَت أَو خَاصَّة تجْعَل حكما لإِثْبَات حكم شَرْعِي لم ينص على خِلَافه بِخُصُوصِهِ، فَلَو لم يرد نَص يُخَالِفهَا أصلا، أَو ورد وَلَكِن عَاما، فَإِن الْعَادة تعْتَبر على مَا سَيَأْتِي. أصل هَذِه الْقَاعِدَة قَول ابْن مَسْعُود، رَضِي الله عَنهُ: " مَا رَآهُ الْمُسلمُونَ حسنا فَهُوَ عِنْد الله حسن، وَمَا رَآهُ الْمُسلمُونَ قبيحاً فَهُوَ عِنْد الله قَبِيح "، وَهُوَ حَدِيث حسن. وَإنَّهُ وَإِن كَانَ مَوْقُوفا عَلَيْهِ فَلهُ حكم الْمَرْفُوع، لِأَنَّهُ لَا مدْخل للرأي فِيهِ. الْعَادة: هِيَ الِاسْتِمْرَار على شَيْء مَقْبُول للطبع السَّلِيم، والمعاودة إِلَيْهِ مرّة بعد أُخْرَى. وَهِي المرادة بِالْعرْفِ العملي. فَالْمُرَاد بهَا حِينَئِذٍ مَا لَا يكون مغايراً لما عَلَيْهِ أهل الدّين وَالْعقل الْمُسْتَقيم وَلَا مُنْكرا فِي نظرهم. وَالْمرَاد من كَونهَا عَامَّة: أَن تكون مطردَة أَو غالبة فِي جَمِيع الْبلدَانِ، وَمن كَونهَا خَاصَّة: أَن تكون كَذَلِك فِي بَعْضهَا، فالاطراد وَالْغَلَبَة شَرط لاعتبارها سَوَاء كَانَت عَامَّة أَو خَاصَّة. (ر: مَا يَأْتِي فِي الْمَادَّة / 41 و 42) . ثمَّ إِذا لم يرد نَص مُخَالف يشملها فَلَا كَلَام فِي اعْتِبَارهَا، فقد نقل ابْن عابدين أَن الْعَادة إِحْدَى حجج الشَّرْع فِيمَا لَا نَص فِيهِ. (ر: رد الْمُحْتَار، من

تنبيه

فصل بُلُوغ الْغُلَام) وَنقل أَيْضا أَن الْبناء على الْعَادة الظَّاهِرَة وَاجِب. (ر: رد الْمُحْتَار، من كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي، عَن الْعَيْنِيّ بِلَفْظِهِ) . أما إِذا ورد فإمَّا أَن يكون نصا فِي مخالفتها فَلَا كَلَام فِي اعْتِبَاره دونهَا مُطلقًا عَامَّة كَانَت أَو خَاصَّة، لِأَن النَّص أقوى من الْعرف. (ر: رد الْمُحْتَار، من بَاب الرِّبَا) فَالْعَمَل بهَا حِينَئِذٍ عبارَة عَن رد النَّص ورفضه للْعَادَة وَهُوَ لَا يجوز. وَإِمَّا أَن يكون عَاما وَيكون الْمُعْتَاد جزيئاً من جزئياته، فَحِينَئِذٍ: إِمَّا أَن تكون عَامَّة فتصلح أَن تكون مخصصة لعمومه اتِّفَاقًا، عملية كَانَت أَو قولية. وَإِمَّا أَن تكون خَاصَّة، وَاخْتلف فِي أَنَّهَا هَل تصلح مخصصة للنَّص الْعَام بِالنِّسْبَةِ لمن اعتادها أم لَا، وَالْمذهب أَنَّهَا لَا تصلح، وَعَلِيهِ مَشى الْفَقِيه أَبُو جَعْفَر وَأَبُو بكر الْبَلْخِي. وَلَكِن أفتى كثير من الْمَشَايِخ باعتبارها مخصصة بِالنِّسْبَةِ لمن اعتادها، مِنْهُم مَشَايِخ بَلخ كنصير بن يحيى وَمُحَمّد بن سَلمَة، وَعَلِيهِ فروع كَثِيرَة أفتوا بجوازها كَشِرَاء الْكتاب على شَرط أَن يشرزه، والقفل على أَن يسمره، أَو الفروة على أَن يخيط بهَا الظهارة، أَو القبقاب على أَن يضع لَهُ سيراً، أَو النَّعْل على أَن يشركهُ، فِي مَحل تعارفوا فِيهِ ذَلِك، وَغير مَا ذكر مِمَّا لَا يُحْصى من الْفُرُوع. (تَنْبِيه:) إِذا كَانَ الشَّرْع يَقْتَضِي الْخُصُوص وَاللَّفْظ يَقْتَضِي الْعُمُوم فَالْمُعْتَبر الْخُصُوص، فَلَو أوصى لأقاربه لَا يدْخل الْوَارِث اعْتِبَارا لخُصُوص الشَّرْع، كَذَا قَالَ صَاحب الْأَشْبَاه، وَلَيْسَ بِظَاهِر لِأَنَّهُ من قبيل مصادمة الْعَمَل للنَّص الْمُخَالف لَهُ بِخُصُوصِهِ وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " لَا وَصِيَّة لوَارث ". (تَنْبِيه آخر:) إِنَّمَا تعْتَبر الْعَادة إِذا كَانَت سَابِقَة، فَلَا عِبْرَة بِالْعرْفِ الطَّارِئ، وَعَلِيهِ فَلَو كَانَ الْوَقْف سَابِقًا على مَا تعورف من البطالة فِي الْأَشْهر الثَّلَاثَة لَا يعْتَبر ذَلِك الْعرف، وَكَذَلِكَ لَو كَانَ التَّعْلِيق سَابِقًا على الْعرف فَلَا يُقيد الْعرف لفظ التَّعْلِيق الْمُطلق.

ثانيا التطبيق

وَالْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة من جملَة الْقَوَاعِد الْكُلية الَّتِي تقدّمت منظومة فِي الْكَلَام على الْمَادَّة / 17 / والمواد / 37 - 40 و 42 - 45 / كلهَا ناشئة مِنْهَا. (ثَانِيًا _ التطبيق) الَّذِي تفرع عَلَيْهَا من الْفُرُوع الْفِقْهِيَّة تعسر الْإِحَاطَة بِهِ. (أ) فَمن ذَلِك: لَو بَعثه إِلَى مَاشِيَته فَركب الْمَبْعُوث دَابَّة الْبَاعِث برِئ لَو بَينهمَا انبساط، وَإِلَّا ضمن. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْبَاب الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ، صفحة / 140) . (ب) وَمِنْه: جَوَاز الْتِقَاط الثِّمَار الَّتِي يتسارع إِلَيْهَا الْفساد من الْبَسَاتِين والرساتيق، على الْمُعْتَمد، مَا لم تُوجد دلَالَة الْمَنْع. (ج) وَمِنْه: اعْتِبَار الْكَيْل أَو الْوَزْن فِيمَا تعورف كَيْله أَو وَزنه مِمَّا لَا نَص فِيهِ من الْأَمْوَال الربوية كالزيتون وَغَيره. وَأما مَا نَص عَلَيْهِ فَلَا اعْتِبَار للْعُرْف فِيهِ عِنْد الطَّرفَيْنِ. (د) وَمِنْه: اعْتِبَار عرف الْحَالِف والناذر إِذا كَانَ الْعرف مُسَاوِيا للفظ أَو أخص، فَلَو حلف لَا يَأْكُل رَأْسا، أَو لَا يركب دَابَّة، أَو لَا يجلس على بِسَاط:

لَا يَحْنَث بِرَأْس عُصْفُور، وَلَا بركوب إِنْسَان، وَلَا بجلوس على الأَرْض، لِأَن الْعرف خص الرَّأْس بِمَا لَا يُبَاع للْأَكْل فِي الْأَسْوَاق، وَالدَّابَّة بِمَا يركب عَادَة، والبساط بالمنسوج الْمَعْرُوف الَّذِي يفرش وَيجْلس عَلَيْهِ. وَأما الْعرف الزَّائِد على اللَّفْظ فَلَا عِبْرَة بِهِ، كَمَا لَو قَالَ لأجنبية: إِن دخلت بك فَأَنت كَذَا، فنكحها وَدخل بهَا لَا تطلق وَإِن كَانَ يُرَاد فِي الْعرف من هَذَا اللَّفْظ دُخُوله بهَا، عَن ملك النِّكَاح، لِأَن هَذَا زِيَادَة على اللَّفْظ بِالْعرْفِ، وَالْعرْف لَا يَجْعَل غير الملفوظ ملفوظاً، فقد قَالَ الإِمَام مُحَمَّد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: " بِالْعرْفِ يخص وَلَا يُزَاد ". لَكِن هَذَا إِذا لم يَجْعَل اللَّفْظ فِي الْعرف مجَازًا عَن معنى آخر، وَلم يهجر الْمَعْنى الْأَصْلِيّ. فَإِن هجرت حَقِيقَته وَاسْتعْمل فِي مَعْنَاهُ الْمجَازِي، كَمَسْأَلَة وضع الْقدَم، فَفِي مثلهَا يعْتَبر الْمَعْنى الْعرفِيّ دون الْحَقِيقِيّ اللَّفْظِيّ. وَكَذَلِكَ فِي الْمُوصى والواقف، فَإِنَّهُ يحمل كَلَام كلٍ على لغته وعرفه وَإِن خَالف لُغَة الشَّرْع وعرفه، إِلَّا فِي مسَائِل، استثناها صَاحب الْأَشْبَاه، الْعَمَل فِيهَا على عرف الشَّرْع. وَهِي: لَو حلف لَا يُصَلِّي أَو لَا يَصُوم أَو لَا ينْكح فُلَانَة وَهِي أَجْنَبِيَّة، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث إِلَّا بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْم الشرعيين وَفِي النِّكَاح بِالْعقدِ. وَلَكِن فِي الْحَقِيقَة لَا اسْتثِْنَاء، فَإِن الْعرف فِيهَا مُوَافق للشَّرْع.

القاعدة السادسة والثلاثون

(الْقَاعِدَة السَّادِسَة وَالثَّلَاثُونَ (الْمَادَّة / 37)) (" اسْتِعْمَال النَّاس حجَّة يجب الْعَمَل بهَا ") (أَولا _ الشَّرْح) الظَّاهِر أَن المُرَاد بِاسْتِعْمَال النَّاس هُوَ نفس المُرَاد بِالْعَادَةِ، وَقد تقدم، وَهُوَ أحد قَوْلَيْنِ فِي تَفْسِير الِاسْتِعْمَال. وَقيل: الِاسْتِعْمَال هُوَ نقل اللَّفْظ عَن مَوْضِعه الْأَصْلِيّ إِلَى مَعْنَاهُ الْمجَازِي شرعا وَغَلَبَة اسْتِعْمَاله فِيهِ. وَلَا تظهر إِرَادَته هُنَا لِأَنَّهُ لَا يتمشى إِلَّا على قَول الصاحبين الْمَرْجُوح من أَنه إِذا كَانَت الْحَقِيقَة مستعملة وَالْمجَاز أَكثر اسْتِعْمَالا مِنْهَا يُرَاد بِاللَّفْظِ معنى أَعم يَشْمَل الْحَقِيقَة وَالْمجَاز. (ر: مَا تقدم فِي الْكَلَام على الْمَادَّة / 12) وَلم يرجح قَوْلهمَا، وَإِذا لم يرجح يكون الْمَعْمُول بِهِ قَول الإِمَام، وَحملهَا على الْمَرْجُوح بِلَا دَاع إِلَيْهِ غير مُوَافق. وَإِذا أُرِيد بِالِاسْتِعْمَالِ الْعرفِيّ العملي يكون مَوْضُوع الْمَادَّة غير دَاخل تَحت الْخلاف وَهُوَ أولى. وَحِينَئِذٍ فَتكون الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة تَأْكِيدًا لسابقتها، وَمَا قيل فِي تِلْكَ يُقَال فِي هَذِه.

((الصفحة فارغة))

القاعدة السابعة والثلاثون

(الْقَاعِدَة السَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ (الْمَادَّة / 38)) (" الْمُمْتَنع عَادَة كالممتنع حَقِيقَة ") (أَولا _ الشَّرْح) الْمُمْتَنع عَادَة كالممتنع حَقِيقَة، فَكَمَا أَن الْمُمْتَنع حَقِيقَة لَا تسمع الدَّعْوَى بِهِ وَلَا تُقَام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ، للتيقن بكذب مدعيه، كَقَوْلِه لمن لَا يُولد مثله لمثله: هَذَا ابْني، فَكَذَلِك الْمُمْتَنع عَادَة كدعوى مَعْرُوف بالفقر على آخر أَمْوَالًا جسيمة لم يعْهَد عَنهُ أَنه أصَاب مثلهَا بِإِرْث أَو بِغَيْرِهِ. (ثَانِيًا _ التطبيق) وكدعوى الْمُدَّعِي إِقْرَار الْمُدعى عَلَيْهِ بعد أَن طَالَتْ الْخُصُومَة بَينهمَا. وكدعوى الْقَرِيب أَو أحد الزَّوْجَيْنِ ملك مَا بَاعه وَسلمهُ الآخر باطلاعه أَو أَن لَهُ فِيهِ حِصَّة. وكدعوى الْأَجْنَبِيّ على المُشْتَرِي أَن الْمَبِيع ملكه أَو أَن لَهُ فِيهِ حِصَّة بَعْدَمَا رَآهُ يتَصَرَّف فِي الْمَبِيع تصرف الْملاك فِي أملاكهم بالهدم أَو الْبناء أَو الْغِرَاس. وكدعوى الْوَلَد الَّذِي فِي عائلة أَبِيه وصنعتهما وَاحِدَة أَن المَال الَّذِي تَحت يَد وَالِده ملكه أَو لَهُ فِيهِ حِصَّة. وكدعوى الْمُتَوَلِي أَو الْوَصِيّ أَنه أنْفق أَمْوَالًا عَظِيمَة كذبه فِيهَا الظَّاهِر على الْوَقْف أَو الْيَتِيم.

تنبيه يجب التيقظ له

فَكل ذَلِك، وَكَذَا تَكْذِيب التَّوَاتُر، لَا تسمع الدَّعْوَى بِشَيْء مِنْهُ وَلَا تُقَام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ. (تَنْبِيه يجب التيقظ لَهُ:) وَهُوَ أَن الظَّاهِر أَن الْمُمْتَنع حَقِيقَة كدعوى بنوة أَو أبوة من لَا يُولد مثله لمثله يسْتَقلّ الْحَاكِم برد الدَّعْوَى فِيهِ بِدُونِ حَاجَة إِلَى سُؤال الْخصم عَنْهَا ويستبد بِهِ وَلَا حَاجَة إِلَى أَن يدْفع الْخصم بِأَنَّهَا ممتنعة حَقِيقَة وَأَنَّهَا لَا تسمع، إِذْ لَا فَائِدَة فِي سُؤَاله عَنْهَا، لِأَنَّهُ لَو أقرّ لَا ينفذ إِقْرَاره لِأَن شَرط نُفُوذ الْإِقْرَار على الْمقر إِمْكَان تصور صِحَّته. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر، من الْإِقْرَار) وَلَا يتَصَوَّر صِحَة ذَلِك. وَيلْحق بِهِ دَعْوَى الْمُتَوَلِي أَو الْوَصِيّ أَنه أنْفق على عقار الْوَقْف أَو على الْيَتِيم أَو عقاره مبلغا يكذبهُ فِيهِ الظَّاهِر، فَإِن الْحَاكِم يستبد بردهَا من غير أَن يسْأَل الْخصم عَنْهَا إِن كَانَ هُنَاكَ خُصُومَة، وَلَا يقبل قَوْله وَلَا يَمِينه إِن كَانَ ذَلِك أثْنَاء محاسبته لَهُ، إِذْ لَا فَائِدَة فِي سُؤال الْخصم عَنْهَا لِأَن السُّؤَال إِنَّمَا يكون رَجَاء الِاعْتِرَاف وَهُوَ لَا يملك الِاعْتِرَاف على الْوَقْف أَو الْيَتِيم بذلك فيردها. بِخِلَاف بَقِيَّة الْمسَائِل المفرعة على الْمَادَّة فَإِن الظَّاهِر أَن الْحَاكِم لَا يردهَا ابْتِدَاء بل يسْأَل الْخصم عَنْهَا فَإِن دَافع بِأَنَّهَا لَا تسمع لامتناعها عَادَة ردهَا حِينَئِذٍ، وَذَلِكَ لِأَن الْخصم لَو أقرّ بالمدعى بِهِ لَدَى الْحَاكِم، وَالْحَالة هَذِه، نفذ عَلَيْهِ خُصُوصا أَن فِي بَعْضهَا لَا بُد من إِقَامَة الْمُدعى عَلَيْهِ الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي بِمَا يُفِيد امْتنَاع مدعاة عَادَة، كقرابته لَهُ واطلاعه على بَيْعه الْعين الْمُدعى بهَا، وكاطلاعه على الشِّرَاء وعَلى تصرف الْمُشْتَرى زَمَانا تصرف الْملاك، وككون الْوَلَد فِي عائلة أَبِيه وَإِن صنعتهما وَاحِدَة، وككون الْمُدَّعِي مَعْرُوفا بالفقر. وَإِقَامَة الْبَيِّنَة لَا تكون إِلَّا بعد سُؤال الْحَاكِم لَهُ عَن الدَّعْوَى ومدافعته بذلك.

القاعدة الثامنة والثلاثون

(الْقَاعِدَة الثَّامِنَة وَالثَّلَاثُونَ (الْمَادَّة / 39)) (" لَا يُنكر تغير الْأَحْكَام بِتَغَيُّر الْأَزْمَان ") (أَولا _ الشَّرْح) لَا يُنكر تغير الْأَحْكَام بِتَغَيُّر الْأَزْمَان، أَي بِتَغَيُّر عرف أَهلهَا وعادتهم، فَإِذا كَانَ عرفهم وعادتهم يستدعيان حكما ثمَّ تغيرا إِلَى عرف وَعَادَة أُخْرَى فَإِن الحكم يتَغَيَّر إِلَى مَا يُوَافق مَا انْتقل إِلَيْهِ عرفهم وعادتهم، وَلذَا لما كَانَ لون السوَاد فِي زمن الإِمَام، رَضِي الله عَنهُ، يعد عَيْبا قَالَ بِأَن الْغَاصِب إِذا صبغ الثَّوْب أسود يكون قد عَيبه، ثمَّ بعد ذَلِك لما تغير عرف النَّاس وصاروا يعدونه زِيَادَة قَالَ صَاحِبَاه إِنَّه زِيَادَة. وَكَذَلِكَ الدّور لما كَانَت تبنى بيوتها على نمط وَاحِد قَالَ المتقدمون غير زفر: يَكْفِي لسُقُوط خِيَار الرُّؤْيَة رُؤْيَة بَيت مِنْهَا، وَلما تبدلت الْأَزْمَان وَصَارَت بيُوت الدّور تبنى على كيفيات مُخْتَلفَة رجح الْمُتَأَخّرُونَ قَول زفر من أَن لَا بُد من رُؤْيَة كل الْبيُوت ليسقط الْخِيَار. وَكَذَلِكَ قَالَ المتقدمون إِن الدَّائِن لَيْسَ لَهُ اسْتِيفَاء دينه من مَال الْمَدْيُون حَال غيبته إِلَّا إِذا كَانَ من جنس حَقه، وَقَالُوا على الزَّوْجَة أَن تتَابع زَوجهَا بعد إيفائه لَهَا معجل مهرهَا حَيْثُ أحب، لما كَانَ فِي زمانهم من انقياد النَّاس إِلَى الْحُقُوق. ثمَّ لما انْتَقَلت عَادَة النَّاس إِلَى العقوق قَالَ الْفُقَهَاء للدائن اسْتِيفَاء دينه وَلَو من غير جنس حَقه، وَقَالَ الْمُتَأَخّرُونَ لَا تجبر الزَّوْجَة على مُتَابعَة الزَّوْج إِلَى غير وطنها الَّذِي نَكَحَهَا فِيهِ وَإِن أوفاها معجل مهرهَا، لتغير حَال النَّاس إِلَى العقوق.

ثانيا التطبيق

بل إِن ذَلِك مُقَرر وَمُسلم وثابت، وَهُوَ سنة الله سُبْحَانَهُ فِي تشريعه لِعِبَادِهِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى حِين بَدَأَ خلق الْإِنْسَان وَكَانَ الْحَال ضيقا لقلَّة عدد الذُّرِّيَّة أَبَاحَ نِكَاح الْأُخْت لأَخِيهَا ووسع فِي أَشْيَاء كَثِيرَة، وَبَقِي ذَلِك إِلَى أَن حصل الاتساع وَكَثُرت الذُّرِّيَّة فَحرم ذَلِك فِي زمن بني إِسْرَائِيل، وَحرم السبت والشحوم وَلُحُوم الْإِبِل وأموراً كَثِيرَة. وَكَانَت تَوْبَة الْإِنْسَان بقتْله نَفسه، وَإِزَالَة النَّجَاسَة بقطعها، إِلَى غير ذَلِك من التشديدات، ثمَّ لما جَاءَ آخر الزَّمن وَضعف التَّحَمُّل وَقل الْجلد لطف الله سُبْحَانَهُ بعباده وخفف عَنْهُم بإحلال تِلْكَ الْمُحرمَات وَرفع تِلْكَ التكليفات وَقبُول التوبات، كل ذَلِك بِحَسب اخْتِلَاف الْأَحْوَال والأزمان، سنة الله الْجَارِيَة فِي خلقه. وَقيل تغير الْأَحْكَام إحداثها وَابْتِدَاء سنّهَا بعد أَن لم تكن، كَمَا فعل عمر بن عبد الْعَزِيز فَإِنَّهُ قَالَ: ستحدث للنَّاس أقضية بِقدر مَا أَحْدَثُوا من الْفُجُور. ثمَّ إِذا ادعِي اخْتِلَاف الْأَحْوَال إِلَى تغير بعض الْأَحْكَام أَو إِثْبَات أَحْكَام، فَلَا بُد أَن تكون تِلْكَ الْأَحْكَام المسنونة بِحَال تشهد لَهَا قَوَاعِد الشَّرْع بِالِاعْتِبَارِ، أَو تكون بحالٍ إِذا لم تشهد لَهَا بِالِاعْتِبَارِ لَا تشهد عَلَيْهَا بالإبطال، كَأَن تكون من الْمصَالح الْمُرْسلَة، وَهِي الَّتِي يشْهد الشَّرْع باعتبارها وَلَا بإلغائها ولوحظ فِيهَا جِهَة مَنْفَعَة، فَإِنَّهَا يجوز الْعَمَل بهَا وَإِن لم يتقدمها نَظِير فِي الشَّرْع يشْهد باعتبارها، كَمَا وَقع لسيدنا الصّديق فِي تَوليته عهد الْخلَافَة لعمر رَضِي الله عَنْهُمَا، وكترك الْخلَافَة شُورَى بَين سِتَّة، وكتدوين الدَّوَاوِين، وَضرب السِّكَّة، واتخاذ السجون، وَغير ذَلِك كثير مِمَّا دَعَا إِلَى سنّه تغير الْأَحْوَال والأزمان، وَلم يتَقَدَّم فِيهِ أَمر من الشَّرْع، وَلَيْسَ لَهُ نَظِير يلْحق بِهِ، ولوحظ فِيهِ جِهَة الْمصلحَة. (ر: معِين الْحُكَّام، الْفَصْل الثَّانِي فِي الْقسم الثَّالِث من الْكتاب) . وَلنَا نَظِير هَذَا كَلَام أسلفناه فِي شرح الْقَاعِدَة الثَّانِيَة وَالثَّلَاثِينَ فَانْظُرْهُ هُنَاكَ. (ثَانِيًا _ التطبيق) مِمَّا يفرع على الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة أَيْضا:

(أ) أَنه لما ندرت الْعَدَالَة وعزت فِي هَذِه الْأَزْمَان قَالُوا بِقبُول شَهَادَة الأمثل فالأمثل والأقل فجوراً فالأقل. (ر: معِين الْحُكَّام، بَاب الْقَضَاء بِشَهَادَة غير الْعُدُول، وَغَيره) . (ب) وَقَالُوا نَظِير ذَلِك فِي الْقُضَاة وَغَيرهم، إِذا لم يُوجد إِلَّا غير الْعُدُول أَقَمْنَا أَصْلحهم وَأَقلهمْ فجوراً، لِئَلَّا تضيع الْمصَالح وتتعطل الْحُقُوق وَالْأَحْكَام. فقد حسن مَا كَانَ قبيحاً واتسع مَا كَانَ ضيقا، وَاخْتلفت الْأَحْكَام باخْتلَاف الْأَزْمَان، فَإِن خِيَار زَمَاننَا هم أراذل أهل الْعَصْر الأول، وَولَايَة الأراذل فسوق. (ر: معِين الْحُكَّام، الْقسم الثَّالِث، قبيل الْفَصْل الثَّالِث فِي الدَّعَاوَى بالتهم والعدوان) . (ج) وجوزوا تَحْلِيف الشُّهُود عِنْد إلحاح الْخصم. (ر: الْمَادَّة / 1727 / من الْمجلة) ، وَإِذا رأى الْحَاكِم ذَلِك لفساد الزَّمَان. (ر: معِين الْحُكَّام، الْفَصْل الثَّانِي من الْقسم الثَّالِث فِي الْقَضَاء بالسياسة) . (د) وجوزوا أَيْضا إِحْدَاث أَحْكَام سياسية لقمع الدعار وأرباب الجرائم عِنْد كَثْرَة فَسَاد الزَّمَان. وَأول من فعله عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: ستحدث للنَّاس أقضية بِقدر مَا أَحْدَثُوا من الْفُجُور. (هـ) وَمِمَّا فرع على الْقَاعِدَة: منع عمر بن عبد الْعَزِيز عماله عَن الْقَتْل إِلَّا بعد إِعْلَامه وإذنه بِهِ بعد أَن كَانَ مُطلقًا لَهُم، لما رأى من تغير حَالهم.

((صفحة فارغة))

القاعدة التاسعة والثلاثون

(الْقَاعِدَة التَّاسِعَة وَالثَّلَاثُونَ (الْمَادَّة / 40)) (" الْحَقِيقَة تتْرك بِدلَالَة الْعَادة ") (الشَّرْح) الْحَقِيقَة تتْرك بِدلَالَة الْعَادة وَالْعرْف لِأَن الِاسْتِعْمَال والتعارف يَجْعَل إِطْلَاق اللَّفْظ على مَا تعورف اسْتِعْمَاله فِيهِ حَقِيقَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى المستعملين، وَيجْعَل إِطْلَاقه على مَعْنَاهُ الوضعي الْأَصْلِيّ فِي نظرهم مجَازًا. وَمن الْمَعْلُوم أَن الْأَمر إِذا دَار بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز تترجح الْحَقِيقَة، وَهِي هُنَا الْعرف وَالْعَادَة، وَيتْرك الْمجَاز، وَهُوَ الْمَعْنى الوضعي الْأَصْلِيّ. فقد قَالَ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ: " مُطلق الْكَلَام مَحْمُول على الْمُعْتَاد ". (ر: الْفَصْل الْأَرْبَعين، ص / 243) . وَفَائِدَة وضع هَذِه الْمَادَّة بعد الْمَادَّتَيْنِ / 36 و 37 / دفع مَا عساه يتَوَهَّم من أَن تحكيم الْعَادة وَالْعَمَل بِاسْتِعْمَال النَّاس إِنَّمَا يكونَانِ حَيْثُ لم تعارضهما الْحَقِيقَة، وَذَلِكَ بِأَن لم يكن بإزائهما حَقِيقَة أصلا، كَمَسْأَلَة الْتِقَاط الثِّمَار الساقطة، الْمُتَقَدّمَة تَحت الْقَاعِدَة / 36 / أَو كَانَ بإزائهما حَقِيقَة وَلكنهَا كَانَت مُوَافقَة لَهما. وَأما إِذا كَانَت مصادمة لَهما فَلَا يكونَانِ معتبرين، فنبهوا بِهَذِهِ الْمَادَّة على أَن تحكيم الْعَادة وَالْعَمَل بِاسْتِعْمَال النَّاس لَا تقوى الْحَقِيقَة على معارضتهما، بل يعْمل بهما دونهَا على مَا تقدم. وَذَلِكَ كَمَسْأَلَة وضع الْقدَم، وَمَسْأَلَة مَا لَو حلف لَا يَأْكُل رَأْسا وَلَا يركب دَابَّة، المتقدمتين فِي الْمَادَّة / 36 / الْمَذْكُورَة. فَظهر بِمَا ذكر أَن المُرَاد بِالْحَقِيقَةِ الْمَذْكُورَة فِي لفظ الْمَادَّة هِيَ الْحَقِيقَة

المهجورة، وَإِلَّا فَإِن الْحَقِيقَة المستعملة هِيَ الْمُعْتَبرَة عِنْد الإِمَام دون الْمجَاز، وَإِن كَانَ اسْتِعْمَاله أَكثر من اسْتِعْمَالهَا. فَكَانَ يَنْبَغِي وضع هَذِه الْمَادَّة عقب الْمَادَّة / 37 /.

القاعدة المتممة أربعين

(الْقَاعِدَة المتممة أَرْبَعِينَ (الْمَادَّة / 41)) (" إِنَّمَا تعْتَبر الْعَادة إِذا اطردت أَو غلبت ") (أَولا _ الشَّرْح) لما كَانَ ظَاهر الْقَاعِدَة / 36 / أَن الْعَادة مرعية على الْإِطْلَاق، أثبتوا هَذِه الْمَادَّة هُنَا لتفيد تقييدها بِمَا إِذا اطردت أَو غلبت، أما إِذا ساوت أَو ندرت فَلَا تراعى. وَلذَا أفتى الأكابر من فقهائنا بِفساد الْإِجَارَة المتعارفة عِنْد خَواص أهل بُخَارى فِيمَا لَو اسْتقْرض ألفا مثلا واستأجر الْمقْرض لحفظ ملعقة أَو مَا شاكلها مُدَّة مَعْلُومَة بِأُجْرَة تزيد على قيمَة الملعقة توصلاً لحل الْمُرَابَحَة فِي الْقَرْض. وَذكر بَعضهم أَن فَسَادهَا هُوَ الصَّوَاب، وَعلله بِأَن هَذَا الشَّيْء لم تعرفه عامتهم بل تعارفه خواصهم، وَالْعرْف لَا يثبت بِهَذَا الْقدر. (ثَانِيًا _ التطبيق) مِمَّا يتَفَرَّع على هَذِه الْقَاعِدَة: (أ) مَا لَو بَاعَ بِدَرَاهِم، أَو بِدَنَانِير، وَكَانَت مُخْتَلفَة فِي الْمَالِيَّة والرواج، ينْصَرف البيع إِلَى أغلبها رواجاً. وَإِذا كَانَت مُتَسَاوِيَة فِي الرواج، وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا، فسد العقد لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى التَّنَازُع.

((الصفحة فارغة))

القاعدة الحادية والأربعون

(الْقَاعِدَة الْحَادِيَة وَالْأَرْبَعُونَ (الْمَادَّة / 42)) (" الْعبْرَة للْغَالِب الشَّائِع لَا للنادر ") (الشَّرْح) الْعبْرَة للْغَالِب الشَّائِع لَا للنادر، فَلَو بني حكم على أَمر غَالب فَإِنَّهُ يبْنى عَاما، وَلَا يُؤثر على عُمُومه واطراده تخلف ذَلِك الْأَمر فِي بعض الْأَفْرَاد أَو فِي بعض الْأَوْقَات. فقد جوز الْمُتَأَخّرُونَ للدائن فِي هَذَا الزَّمن اسْتِيفَاء دينه من غير جنس حَقه، لغَلَبَة العقوق. وَقَالُوا: لَيْسَ للزَّوْج أَن يجْبر زَوجته على السّفر من وطنها إِذا كَانَ نَكَحَهَا فِيهِ وَإِن أوفاها معجل مهرهَا؛ لغَلَبَة الْإِضْرَار فِي الْأزْوَاج. وَقَالُوا: لَيْسَ للْقَاضِي أَن يقْضِي بِعِلْمِهِ، لفساد حَال الْقُضَاة. وصححوا الِاسْتِئْجَار على الْإِمَامَة وَالْأَذَان والتعليم؛ لتكاسل النَّاس عَن الْقيام بهَا مجَّانا. وقدروا فِي الْحَضَانَة اسْتغْنَاء الصَّبِي بالسبع، وحد الشَّهْوَة للْأُنْثَى بِالتسْعِ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِب. وَمنعُوا من سَماع دَعْوَى الزَّوْجَة بِكُل الْمهْر الْمُعَجل على زَوجهَا بعد الدُّخُول بهَا، بل يُقَال لَهَا: إِمَّا أَن تقري بِمَا تعجلت وَإِلَّا قضينا عَلَيْك بالمتعارف

تَعْجِيله؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تسلم نَفسهَا عَادَة من غير أَن تقبض. وقدروا مُدَّة الْإِيَاس من الْحيض للْمَرْأَة بِخمْس وَخمسين سنة لأجل أَن تَعْتَد؛ لِأَن الْمَرْأَة إِذا بلغت هَذِه السن فَفِي الْغَالِب يَنْقَطِع حَيْضهَا. وَجعلُوا كل ذَلِك أحكاماً عَامَّة، مَعَ أَنه لَا شكّ فِي التَّخَلُّف فِي بعض الْأَفْرَاد وَفِي بعض الْأَوْقَات، وَلَكِن لم ينْظرُوا لَهُ وَجعلُوا الْعبْرَة للكثير الْغَالِب.

القاعدة الثانية والأربعون

(الْقَاعِدَة الثَّانِيَة وَالْأَرْبَعُونَ (الْمَادَّة / 43)) (" الْمَعْرُوف عرفا كالمشروط شرطا ") (أَولا _ الشَّرْح) الْمَعْرُوف عرفا كالمشروط شرطا، فَفِي كل مَحل يعْتَبر ويراعى فِيهِ شرعا صَرِيح الشَّرْط الْمُتَعَارف، وَذَلِكَ بِأَن لَا يكون مصادماً للنَّص بِخُصُوصِهِ. (ر: مَا تقدم فِي الْمَادَّة / 36) ، إِذا تعارف النَّاس واعتادوا التَّعَامُل عَلَيْهِ بِدُونِ اشْتِرَاط صَرِيح فَهُوَ مرعي وَيعْتَبر بِمَنْزِلَة الِاشْتِرَاط الصَّرِيح. فَكَمَا لَا تسمع الدَّعْوَى بِخِلَاف مَا شَرط صَرِيحًا مِمَّا تعورف، لَا تسمع الدَّعْوَى بِخِلَاف مَا تعورف واعتيد الْعَمَل بِهِ بِدُونِ شَرط؛ وَلذَا قَالُوا: لَو ادّعى نَازل الخان وداخل الْحمام وَسَاكن الْمعد للِاسْتِغْلَال الْغَصْب، وَلم يكن مَعْرُوفا بِهِ لم يصدق فِي ذَلِك، وَيلْزمهُ الْأجر، كَمَا لَو استخدم صانعاً فِي صَنْعَة مَعْرُوف بهَا وَبهَا قوام حَاله ومعيشته، وَلم يعين لَهُ أُجْرَة ثمَّ طَالبه بِالْأَجْرِ، فَادّعى أَنه اسْتَعَانَ بِهِ مثلا، فَإِنَّهُ لَا يسمع مِنْهُ وَيلْزمهُ أجر مثله. وَأما إِذا كَانَ الشَّرْط الْمُتَعَارف الصَّرِيح غير مُعْتَبر شرعا، وَذَلِكَ بِأَن كَانَ مصادماً للنَّص بِخُصُوصِهِ، فَلَا يكون مُعْتَبرا إِذا تعارف النَّاس الْعَمَل عَلَيْهِ بِدُونِ اشْتِرَاط، فَلَو تعارف النَّاس مثلا تضمين الْمُسْتَعِير وَالْمُسْتَأْجر مَا تلف من الْعين المعارة أَو المأجورة بِدُونِ تعد مِنْهُ وَلَا تَقْصِير، لَا يعْتَبر ذَلِك التعارف وَلَا يُرَاعى، لِأَنَّهُ مضاد للشارع.

ثانيا التطبيق

(ثَانِيًا _ التطبيق) مِمَّا يتَفَرَّع على هَذِه الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة: (أ) مَا لَو جهز الْأَب ابْنَته بجهاز وَدفعه لَهَا ثمَّ ادّعى أَنه عَارِية، وَلَا بَيِّنَة، فَإِنَّهُ ينظر إِن كَانَ الْعرف مستمراً أَن مثل ذَلِك الْأَب يدْفع مثل ذَلِك الجهاز عَارِية أَو ملكا فَإِنَّهُ يتبع، وَيكون القَوْل قَول من يشْهد لَهُ الْعرف، وَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الآخر، وَإِن كَانَ الْعرف مُشْتَركا فَالْقَوْل للْأَب وَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الْبِنْت. (ب) وَمِنْه: مَا لَو اخْتلف البَائِع وَالْمُشْتَرِي فِي دُخُول البرذعة أَو الإكاف فِي البيع، فَإِنَّهُ يحكم الْعرف. (ج) وَمِنْه: مَا لَو دفع الْأَب ابْنه إِلَى الْأُسْتَاذ مُدَّة مَعْلُومَة ليعلمه الحرفة، ثمَّ اخْتلفَا فَطلب كل مِنْهُمَا من الآخر الْأجر، فَإِنَّهُ يحكم بِالْأَجْرِ لمن يشْهد لَهُ عرف الْبَلدة. (د) وَكَذَا يعْتَبر الْعرف فِي أَن الْحمال يدْخل الْمَحْمُول إِلَى دَاخل الْبَاب أَولا. (تَنْبِيه:) إِنَّمَا قيدنَا الشَّرْط بالمتعارف لِأَن غير الْمُتَعَارف لَا يعْتَبر إِلَّا إِذا كَانَ شرطا يَقْتَضِيهِ العقد؛ كاشتراط حبس الْمَبِيع لِاسْتِيفَاء الثّمن، أَو يلائمه؛ كاشتراط كَفِيل حَاضر أَو رهن مَعْلُوم، فَهُوَ غير مَا نَحن فِيهِ.

القاعدة الثالثة والأربعون

(الْقَاعِدَة الثَّالِثَة وَالْأَرْبَعُونَ (الْمَادَّة / 44)) (" الْمَعْرُوف بَين التُّجَّار كالمشروط بَينهم ") (الشَّرْح) هَذِه الْقَاعِدَة فِي معنى سابقتها لَا تفترق عَنْهَا، إِلَّا أَن تِلْكَ فِي مُطلق عرف، وَهَذِه خَاصَّة فِي عرف التُّجَّار، فَإِذا وَقع التعارف والاستعمال بَينهم على شَيْء غير مصادم للنَّص يتبع وينصرف إِلَيْهِ عِنْد الْإِطْلَاق، وَلَا تسمع دَعْوَى إِرَادَة خِلَافه؛ كَمَا لَو بَاعَ التَّاجِر شَيْئا وَقد جرى الْعرف على أَن يكون بعض مَعْلُوم الْقدر من الثّمن حَالا، أَو على أَن دفع كل الثّمن يكون منجماً على نُجُوم مَعْلُومَة يكون ذَلِك الْعرف مرعياً بِمَنْزِلَة الشَّرْط الصَّرِيح. (تَنْبِيه:) رُبمَا يتَوَهَّم متوهم مِمَّا ذكر فِي هَذِه الْمَادَّة وَالَّتِي قبلهَا من أَن الدَّعْوَى بِخِلَاف الْمُتَعَارف لَا تسمع، أَنه فِي الْفَرْع الأول المفرع على هَذِه الْقَاعِدَة لَو سلم البَائِع السّلْعَة ثمَّ جَاءَ يَدعِي بِكُل الثّمن وَأَنه سلم السّلْعَة وَلم يقبض بعض الثّمن الْمُتَعَارف دَفعه قبل التَّسْلِيم لَا تسمع دَعْوَاهُ بِالْكُلِّ، بل بِالْبَعْضِ الْمُتَعَارف تنجيمه. وَالْحَال أَن الدَّعْوَى تسمع مِنْهُ بِالْكُلِّ، وَلَيْسَ فِي سماعهَا مُخَالفَة للْعُرْف، وَذَلِكَ لِأَن الْعرف يَجْعَل الْمَسْكُوت عَنهُ كالمشروط، فَهُوَ يقْضِي بِجعْل الْمُتَبَايعين كَأَنَّهُمَا شرطا تَعْجِيل بعض مَعْلُوم من الثّمن وتنجيم الْبَاقِي صَرِيحًا، لَا بِأَكْثَرَ من ذَلِك، حَتَّى لَو أَرَادَ البَائِع قبض كل الثّمن قبل تَسْلِيم السّلْعَة بِحجَّة أَنَّهُمَا

لم يشترطا شَيْئا لم تسمع دَعْوَاهُ، وَلَا يُجَاب طلبه، لِأَن الثّمن كَانَ وَاجِبا كُله بِالْعقدِ، فَلَا يقْضى بِسُقُوط شَيْء مِنْهُ بِحكم الظَّاهِر، لِأَن الظَّاهِر لَا يصلح حجَّة لإبطال مَا كَانَ ثَابتا. وَالْحَاصِل أَن البَائِع بِدَعْوَاهُ هَذِه يُنكر قيام المُشْتَرِي بِمَا يَقْتَضِيهِ الْعرف، وَذَلِكَ مِنْهُ لَا يصادم الْعرف. يجب التَّعَرُّض هُنَا لإشكال يرد على جَوَاب هَذَا الْإِشْكَال، وَهُوَ مَا ذَكرُوهُ فِي الْمهْر من أَن الْمَدْخُول بهَا إِذا ادَّعَت كل الْمهْر على الزَّوْج أَو ورثته وَادّعى الزَّوْج أَو ورثته دفع شَيْء لَهَا من الْمهْر، يُقَال لَهَا: إِمَّا أَن تقري بِمَا تعجلت وَإِلَّا قضينا عَلَيْك بِمَا تعورف تَعْجِيله. جَوَاب هَذَا: هُوَ أَن عرف التُّجَّار الْمَذْكُور جارٍ على التقسيط والتنجيم، لَا على الْقَبْض فعلا، بل إِن الْقَبْض فعلا قد يَقع وَقد لَا يَقع، بِخِلَاف مَسْأَلَة الْمهْر الْمَذْكُورَة فَإِنَّهَا معللة بِأَن الْعرف جارٍ على أَنَّهَا لَا تسلم نَفسهَا حَتَّى تتعجل شَيْئا من الْمهْر.

القاعدة الرابعة والأربعون

(الْقَاعِدَة الرَّابِعَة وَالْأَرْبَعُونَ (الْمَادَّة / 45)) (" التَّعْيِين بِالْعرْفِ كالتعيين بِالنَّصِّ ") (أَولا _ الشَّرْح) هَذِه الْقَاعِدَة فِي معنى الْقَوَاعِد / 37 و 43 و 44 /. (ثَانِيًا _ التطبيق) وَمِمَّا يُمكن أَن يتَفَرَّع عَلَيْهَا: (أ) مَا لَو اسْتَأْجر دَارا أَو حانوتاً بِلَا بَيَان من يسكن، أَو بِلَا بَيَان مَا يعْمل فِيهِ، فَلهُ أَن ينْتَفع بِجَمِيعِ أَنْوَاع الِانْتِفَاع، غير أَنه لَا يسكن وَلَا يسكن حداداً وَلَا قصاراً وَلَا طحاناً، من غير إِذن الْمُؤَجّر. (ب) وَكَذَلِكَ لَو اسْتَأْجر حانوتاً فِي سوق البزازين مثلا، فَلَيْسَ لَهُ أَن يَتَّخِذهُ للحدادة أَو الطَّبْخ أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا يُؤْذِي جِيرَانه.

((الصفحة فارغة))

القاعدة الخامسة والأربعون

(الْقَاعِدَة الْخَامِسَة وَالْأَرْبَعُونَ (الْمَادَّة / 46)) (إِذا تعَارض الْمَانِع والمقتضي يقدم الْمَانِع) (أَولا: الشَّرْح) إِذا تعَارض الْمَانِع والمقتضي يقدم الْمَانِع لِأَن اعتناء الشَّارِع بالمنهيات أَشد من اعتنائه بالمأمورات، لحَدِيث: (مَا نَهَيْتُكُمْ عَنهُ فَاجْتَنبُوهُ، وَمَا أَمرتكُم بِهِ فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم) . وَيَنْبَغِي أَن يُقيد إِطْلَاق قَاعِدَة تَقْدِيم الْمَانِع على الْمُقْتَضى بِمَا إِذا لم يرب الْمُقْتَضِي على الْمَانِع، بِأَن تَسَاويا، كَمَا فِي مَسْأَلَة بيع الرَّاهِن الْعين الْمَرْهُونَة المفرعة على الْمَادَّة تمثيلاً لَهَا، فَإِن الْمَانِع والمقتضي متساويان فِيهَا لتعلقهما بِالْمَالِ الْمَرْهُون على السوَاء، أَو رَبًّا الْمَانِع؛ كَمَا فِي مَسْأَلَة الْخُرُوج على الإِمَام الجائر إِذا كَانَ يَتَرَتَّب على الْخُرُوج عَلَيْهِ مفْسدَة أعظم من جوره، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يقدم الْمَانِع. أما إِذا رَبًّا الْمُقْتَضِي على الْمَانِع فَالظَّاهِر أَنه يقدم الْمُقْتَضِي، بِدَلِيل مَا ذكرُوا فِي الْمُضْطَر إِذا لم يجد مَا يدْفع بِهِ الْهَلَاك عَن نَفسه إِلَّا طَعَام الْغَيْر فَإِنَّهُ يجوز لَهُ تنَاوله جبرا عَلَيْهِ، وَيضمنهُ لَهُ، وتجويزهم التَّنَاوُل جبرا على الْمَالِك فِيهِ تَرْجِيح للمقتضي، وَهُوَ إحْيَاء المهجة، على الْمَانِع وَهُوَ كَون الطَّعَام ملك الْغَيْر، وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون الْمُقْتَضِي رابياً على الْمَانِع فَإِن حُرْمَة النَّفس أعظم من حُرْمَة المَال. (ثَانِيًا: التطبيق) يتَفَرَّع على هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل كَثِيرَة، مِنْهَا:

(أ) مَا لَو أقرّ الْمَرِيض مرض الْمَوْت لوَارِثه ولأجنبي بدين أَو عين مُشْتَركا على الشُّيُوع، بَطل فيهمَا. (ب) وَمِنْهَا: مَا إِذا كَانَ السّفل لوَاحِد والعلو لآخر، فَإِن كلا مِنْهُمَا مَمْنُوع عَن التَّصَرُّف فِي ملكه بِمَا يضر بِملك صَاحبه، تَغْلِيبًا للمانع على الْمُقْتَضِي. (ج) وَمِنْهَا: مَا لَو ضم مَا لَا يحل بَيْعه كالخنزير إِلَى مَا يحل فِي صَفْقَة وَاحِدَة يفْسد البيع (ر: الدُّرَر، من أَوَاخِر كتاب النِّكَاح) . (د) وَمِنْهَا: منع الْمُؤَجّر عَن التَّصَرُّف فِي الْعين المأجورة بِمَا يمس حق الْمُسْتَأْجر، تَقْدِيمًا للمانع وَهُوَ حق الْمُسْتَأْجر. (هـ) وَمِنْهَا: بطلَان كل الْقَضَاء وكل الشَّهَادَة إِذا بَطل بعضهما، كَمَا لَو قضى القَاضِي أَو شهد الشَّاهِد لمن تقبل شَهَادَته لَهُ وَلمن لَا تقبل: بَطل فِي كليهمَا. (و) وَمِنْهَا: مَا لَو حط البَائِع كل الثّمن عَن المُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَصح حطه وَلَكِن لَا يلْتَحق بِأَصْل العقد، بل يعْتَبر بِمَنْزِلَة هبة مُبتَدأَة (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، آخر بَاب التَّصَرُّف فِي الْمَبِيع وَالثمن) . وَذَلِكَ تَقْدِيمًا للمانع عَن التحاقه بِهِ، وَهُوَ تأديته إِلَى بطلَان العقد، لفقد رُكْنه بخلو العقد حِينَئِذٍ عَن الثّمن، على الْمُقْتَضِي للإلحاق، وَهُوَ المحطوط ثمنا وَهُوَ من متعلقات البيع وناشئ عَنهُ، بل هُوَ ركن فِيهِ. وعَلى مَا ذكرنَا: لَو بَاعه المُشْتَرِي بعد الْحَط مُرَابحَة، يرابح على كل الثّمن الْمَذْكُور فِي العقد. وَلَو كَانَ الْمَبِيع عقارا فَأخذ بِالشُّفْعَة فالشفيع يَأْخُذهُ بِكُل الثّمن. بِخِلَاف مَا إِذا حط البَائِع بعض الثّمن فَإِنَّهُ يلْتَحق الْحَط بِالْعقدِ، لعدم الْمَانِع حِينَئِذٍ من التحاقه، فيرابح على مَا بَقِي من الثّمن بعد الْحَط، وَيَأْخُذ بِهِ الشَّفِيع أَيْضا. (ز) وَمِنْه: مَا لَو تصارفا ذَهَبا بِذَهَب أَو فضَّة بِفِضَّة، ثمَّ حط أَحدهمَا عَن الآخر بعض الْبَدَل أَو زَاده فِي الْبَدَل - أَي وَقبل الآخر كَمَا فِي رد الْمُحْتَار نقلا

تنبيه

عَن الْبَحْر، أَوَائِل بَاب الصّرْف - فَإِن الْحَط يَصح عِنْد مُحَمَّد، وَلَا يلْتَحق بِالْعقدِ بل يَجْعَل كَهِبَة مُبتَدأَة، وَالزِّيَادَة تبطل عِنْده (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، أَوَائِل بَاب الرِّبَا نقلا عَن الذَّخِيرَة) ، تَقْدِيمًا للمانع، وَهُوَ أَن التحاق الْحَط وَتَصْحِيح الزِّيَادَة يُؤَدِّي إِلَى فَسَاد العقد لعدم التَّسَاوِي فِي الْبَدَلَيْنِ، على الْمُقْتَضِي، وَهُوَ كَون الْمُتَصَرف بالحط وَالزِّيَادَة يتَصَرَّف فِي خَالص ملكه. وَظَاهر كَلَام " الذَّخِيرَة " يُفِيد تَرْجِيح قَول مُحَمَّد على قَول غَيره، حَيْثُ علله وَوَجهه وَلم يُوَجه قَول غَيره. وَإِنَّمَا أبطل مُحَمَّد الزِّيَادَة وَلم يصححها هبة مُبتَدأَة كالحط، لِأَن تَسْمِيَتهَا زِيَادَة تستدعي مزيداً فِيهِ وتستلزمه للالتحاق بِهِ، فتلتحق، بِخِلَاف الْحَط فَإِنَّهُ إِسْقَاط. (ح) وَمِنْهَا: أَن الْهِبَة لَا تَنْعَقِد بِالْبيعِ بِلَا ثمن، وَلَا الْعَارِية بِالْإِجَارَة بِلَا بدل، تَقْدِيمًا للمانع على الْمُقْتَضِي، وَذَلِكَ لِأَن الْأَمر فيهمَا دائر بَين بيع وَإِجَارَة فاسدين، وَذَلِكَ مَانع، وَبَين هبة وعارية صَحِيحَيْنِ، وَهُوَ مُقْتَض، فَقدم الْمَانِع. (انْظُر: الفرعين الْمَذْكُورين فِيمَا كتبناه تَحت الْقَاعِدَة الثَّانِيَة) . (ط) وَيتَفَرَّع على الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة: مَا لَو شهد اثْنَان أَنه مَاتَ وَهِي امْرَأَته، وآخران أَنه طَلقهَا قبل مَوته، يُفْتِي بأولوية بَيِّنَة الطَّلَاق. وَكَذَا بَيِّنَة الْخلْع أولى من بَيِّنَة النِّكَاح (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، من الْفَصْل الْعَاشِر، ص 142 و 143 و 146 و 147) . (تَنْبِيه) الظَّاهِر أَن مَحل تَقْدِيم الْمَانِع على الْمُقْتَضِي إِنَّمَا يكون إِذا وردا على مَحل وَاحِد، كالأمثلة المفرعة الْمَذْكُورَة، أما إِذا لم يردا على مَحل وَاحِد فَإِنَّهُ يعْطى كل مِنْهُمَا حكمه، بِدَلِيل مَا قَالُوا فِيمَا لَو جمع بَين من تحل لَهُ وَمن لَا تحل لَهُ فِي عقد وَاحِد: صَحَّ فِي الْحَلَال وَبَطل فِي الْأُخْرَى. وكما لَو جمع بَين وقف وَملك وباعهما صَفْقَة وَاحِدَة: صَحَّ فِي الْملك بِحِصَّتِهِ من الثّمن.

وكما لَو جمع بَين مَاله وَمَال غَيره وباعهما صَفْقَة وَاحِدَة، فَإِنَّهُ يَصح فِي مَاله ويتوقف فِي مَال الْغَيْر على إجَازَة الْمَالِك. يَنْبَغِي التَّعَرُّض لإشكال عساه يرد، وَهُوَ مَا نصوا عَلَيْهِ من أَنه لَو جمع بَين حر وَعبد، أَو مَسْجِد عَامر وَملك فِي عقد وَاحِد، فَإِنَّهُ يفْسد فِي العَبْد وَالْملك. وَيُمكن دَفعه بِأَنَّهُ فِيهِ البيع بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاء. وَلَو جمع بَين مُدبر وَعبد: صَحَّ فِي العَبْد بِحِصَّتِهِ، لكَون الْمُدبر مَالا فِي الْجُمْلَة لمَكَان الْخلاف فِي جَوَاز بَيْعه، كَمَا هُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي، فقد نصوا على أَنه يدْخل فِي البيع ثمَّ يخرج مِنْهُ، فَلَيْسَ فِيهِ البيع بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاء. وَأما صِحَة النِّكَاح فِي الْحَلَال فلكون المَال فِي النِّكَاح غير مَقْصُود. وَمثل العَبْد وَالْمُدبر: الْوَقْف وَالْملك، فَإِن الْوَقْف مَال فِي الْجُمْلَة، للْخلاف فِي جَوَاز بيع الْوَقْف. وكما لَو أوصى لأَجْنَبِيّ ووارث، أَو لأَجْنَبِيّ وَقَاتل فللأجنبي نصفهَا، وَبَطلَت فِي حق الآخر، أَي على تَقْدِير عدم الْإِجَازَة، وَقَوْلهمْ فِي الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة: " إِذا تعَارض " يُشِير إِلَى هَذَا، فَإِنَّهُ لَا تعَارض عِنْد انفكاكهما، إِذْ يُمكن مُرَاعَاة الْمُقْتَضِي بِدُونِ أَن يلْزم الْمَانِع. وَلَا يشكل فرع الْوَصِيَّة للْأَجْنَبِيّ وَالْوَارِث مَعَ فرع الْإِقْرَار لَهما السَّابِق، حَيْثُ صحت الْوَصِيَّة بِالنِّسْبَةِ للْأَجْنَبِيّ وَبَطل الْإِقْرَار بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كَمَا بَطل فِي حق الْوَارِث، لِأَن الْوَصِيَّة تمْلِيك مُبْتَدأ مُضَاف لما بعد الْمَوْت والشائع يقبله، وَبطلَان التَّمْلِيك لأَحَدهمَا لَا يسْتَلْزم بطلَان التَّمْلِيك للْآخر. أما الْإِقْرَار فَإِنَّهُ إِخْبَار يثبت بِهِ مَا أخبر عَنهُ طبق مَا أخبر بِهِ مُشْتَركا على الشُّيُوع، فَيثبت كَذَلِك فَيكون مَا من جُزْء يَأْخُذهُ الْأَجْنَبِيّ إِلَّا وللوارث حق الْمُشَاركَة فِيهِ، فَيصير كَأَنَّهُ إِقْرَار للْوَارِث فَيبْطل. (ي) وَيتَفَرَّع على الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة أَيْضا: مَا لَو تعَارض جرح الشَّاهِد وتعديله فَإِنَّهُ يقدم الْجرْح على التَّعْدِيل (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الشَّهَادَات، بَاب الْقبُول وَعَدَمه) .

ثالثا الاستثناء

(ثَالِثا _ الِاسْتِثْنَاء) وَخرج عَن هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل: (أ) مِنْهَا: مَا لَو سكن أحد الشَّرِيكَيْنِ الْعقار الْمُشْتَرك فِي غيبَة شَرِيكه، فَإِنَّهُ يجوز، وللشريك الْغَائِب أَن يسكن بعد عودته نَظِير مَا سكن شَرِيكه (ر: الْمَادَّة / 1083 / من الْمجلة) . (ب) وَمِنْهَا: تجويزهم للْمُسْتَأْجر على الْعَمَل فِي عين أَن يسْتَأْجر غَيره للْعَمَل فِيهَا ويدفعها لَهُ، وللمستعير أَن يعير لغيره وَيدْفَع الْعين لَهُ فِيمَا لَا يخْتَلف اسْتِعْمَاله، مَعَ أَن الْعين وَدِيعَة فِي أَيْدِيهِمَا وَالْمُودع لَا يودع لغير من فِي عِيَاله أَو من يحفظ بِهِ مَاله. وَهَذَا مَانع وَلم يعْمل عمله هُنَا بل قدم الْمُقْتَضِي، وَهُوَ كَون الْمُسْتَعِير ملك الْمَنَافِع فَملك تمليكها، وَكَون الْمُسْتَأْجر للْعَمَل يعْمل بِنَفسِهِ وبأجيره، وَذَلِكَ لِأَن الإبداع ثَبت ضمنا لَا قصدا كَمَا علل بِهِ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ (ر: آخر الْفَصْل التَّاسِع عشر، آخر ص 250 بِخُصُوص الْأَجِير، نقلا عَن فُصُول الْعِمَادِيّ) . (ج) وَمِنْهَا: مَا لَو كَانَ كرم مُشْتَرك بَين حَاضر وغائب، أَو بَالغ ويتيم، فَأدْرك ثمره فَبَاعَهُ وَأخذ حِصَّته ووقف حِصَّة الْغَائِب يَسعهُ ذَلِك (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ من بحث الِانْتِفَاع بالمشترك) . (د) وَمِنْهَا: تجويزهم لأحد الشَّرِيكَيْنِ تعمير الْمُشْتَرك، بِدُونِ إِذن الشَّرِيك وَبِدُون إِذن قَاض، ورجوعه بِقِيمَة الْبناء عِنْد ضَرُورَة تعذر قسمته وَامْتِنَاع الْجَبْر على الْعِمَارَة، كحمام ورحى وجدار لَا يقسم (ر: رد الْمُحْتَار، كتاب الشّركَة) فها هُنَا قدم الْمُقْتَضِي على الْمَانِع كَمَا هُوَ ظَاهر. (هـ) وَمِنْهَا: مَا لَو ادّعى على ذِي الْيَد أَن الْعين الَّتِي فِي يَده كَانَت ملك فلَان الْغَائِب، وَأَنه كَانَ اشْتَرَاهَا مِنْهُ، وَأَنه ملكهَا بذلك الشِّرَاء، وَبرهن على ذَلِك غب إِنْكَار الْمُدعى عَلَيْهِ، وَقضي لَهُ بذلك كَانَ حكما على الْغَائِب بِالْبيعِ، فَلَو حضر وَأنكر البيع لَا يسمع مِنْهُ (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من فصل

الْحَبْس) . فها هُنَا قدم الْمُقْتَضِي، وَهُوَ دَعْوَى الْمُدَّعِي وبينته الْقَائِمَة وإحياء حَقه، على الْمَانِع، وَهُوَ كَون الْمَالِك الأول الْمقْضِي عَلَيْهِ بِالْبيعِ غَائِبا. وَقد نصوا فِي الْمُتُون أَنه لَا يقْضى على غَائِب وَلَا لَهُ إِلَّا بِحُضُور نَائِب عَنهُ. (و) وَمن الْمُسْتَثْنى أَيْضا: مَا لَو أَقَامَ بَيِّنَة على آخر أَنه اشْترى هَذِه الدَّار من فلَان الْغَائِب، وَأَنه شفيعها، فقضي لَهُ بذلك، صَار الْمَالِك الأول مقضياً عَلَيْهِ بِالْبيعِ وَإِن كَانَ غَائِبا، وَلَو حضر وَأنكر لَا يعْتَبر إِنْكَاره. (ز) وَمِنْه: مَا لَو أَقَامَ الْكَفِيل بِالْأَمر بَينته على الْأَصِيل أَنه أوفى الطَّالِب دينه، والطالب غَائِب، يقْضى لَهُ، وَيصير الطَّالِب مقضياً عَلَيْهِ بِالِاسْتِيفَاءِ، وَلَو حضر وَأنكر الْإِيفَاء لَا يسمع مِنْهُ، وَلَا حَاجَة إِلَى إِعَادَة الْبَيِّنَة بمواجهته فِي جَمِيع ذَلِك (للصورتين / و، ز / ر: رد الْمُحْتَار، فصل الْحَبْس) . " وَالضَّابِط فِي ذَلِك: أَنه إِذا كَانَ مَا يدعى على الْغَائِب سَببا لَا محَالة لما يدعى على الْحَاضِر يصير الْغَائِب مقضياً عَلَيْهِ بِالْقضَاءِ على الْحَاضِر ". فَفِي الْفُرُوع المستثناة الْمَذْكُورَة مَا يدعى على الْغَائِب، وَهُوَ البيع فِي الأول وَالثَّانِي، وإيفاء الْكَفِيل لَهُ فِي الثَّالِث، سَبَب لَا تحول لَهُ عَن السَّبَبِيَّة لما يدعى على الْحَاضِر، وَهُوَ كَون الْمُدعى عَلَيْهِ يجب عَلَيْهِ تَسْلِيم الْعين الْمُدعى بهَا للْمُدَّعِي، بِحكم كَونه مَالِكًا لَهَا فِي الأول، وَكَونه يجب تَسْلِيمهَا عَلَيْهِ بِحكم الشُّفْعَة فِي الثَّانِي، وَكَونه يحِق للْكَفِيل الرُّجُوع بمبلغ الدّين فِي الثَّالِث.

فائدة

وَقد فرعوا على الضَّابِط الْمَذْكُور فروعاً كَثِيرَة، نقل مِنْهَا فِي " رد الْمُحْتَار " من الْمحل الْمَذْكُور، عَن الْمُجْتَبى، تِسْعَة وَعشْرين فرعا تنظر هُنَاكَ فَإِن مِنْهَا قسما عَظِيما كثير الْوُقُوع. (فَائِدَة:) ذكر صَاحب " معِين الْحُكَّام " جانباً من مسَائِل الْقَضَاء على الْغَائِب الْمُتَقَدّمَة، وَمِنْه الْمَسْأَلَة الأولى الْمُتَقَدّمَة عَن " الدّرّ الْمُخْتَار " ثمَّ قَالَ: أعجوبة! ذكر فِي " الْفَتَاوَى الصُّغْرَى ": لَو صدقه ذُو الْيَد فِي ذَلِك _ أَي فِي أَن الْعين الْمُدعى بهَا كَانَت ملك فلَان الْغَائِب وَأَن الْمُدَّعِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ _ فَالْقَاضِي لَا يَأْمر ذَا الْيَد بِالتَّسْلِيمِ إِلَى الْمُدَّعِي، لِئَلَّا يحكم على الْغَائِب بِالشِّرَاءِ بِإِقْرَارِهِ. وَالظَّاهِر أَن الحكم كَذَلِك فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة، وَهِي مَسْأَلَة الشُّفْعَة الْمُتَقَدّمَة، فَلَو أقرّ المُشْتَرِي بِأَن الدَّار كَانَت ملكا للْغَائِب وَأَنه اشْتَرَاهَا مِنْهُ لَا يُؤمر بِالتَّسْلِيمِ للشَّفِيع، بل يُؤمر الشَّفِيع بِإِقَامَة الْبَيِّنَة على ذَلِك، لِئَلَّا يصير الْمَالِك الْغَائِب مقضياً عَلَيْهِ بِالْبيعِ بِإِقْرَارِهِ، بِخِلَاف الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة، وَهِي مَسْأَلَة الْكفَالَة الْمُتَقَدّمَة إِذا أقرّ الْمَدْيُون الْمُدعى عَلَيْهِ بِأَن الْكَفِيل أدّى الدّين للأصيل، فَالظَّاهِر أَنه يُؤمر بأَدَاء الدّين إِلَيْهِ بِمُقْتَضى إِقْرَاره، لِأَن الْقَضَاء عَلَيْهِ وَالْحَالة هَذِه لَا يَجْعَل الْأَصِيل مقضياً عَلَيْهِ بِالِاسْتِيفَاءِ من الْكَفِيل، بل إِقْرَاره يقْتَصر عَلَيْهِ فَحسب، إِذْ الدُّيُون تقضى بأمثالها، بِخِلَاف الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَوليين، وهما مسألتا البيع وَالشُّفْعَة، فَإِن الْمُدعى فيهمَا عين، وَإِقْرَاره بِالْعينِ فيهمَا إِقْرَار على الْغَائِب فَلَا ينفذ. (ر: معِين الْحُكَّام، الْفَصْل الثَّالِث من الْقسم الثَّالِث فِي ذكر الدَّعَاوَى وأقسامها) . وَذَلِكَ نَظِير لما لَو صدقه بِأَنَّهُ وَكيل فلَان الْغَائِب بِقَبض دينه مِنْهُ، حَيْثُ يُؤمر بِالدفع لَهُ. وَلَو صدقه بِأَنَّهُ وَكيله بِقَبض الْعين الْوَدِيعَة مِنْهُ لَا يُؤمر بِالدفع لَهُ لما ذكرنَا (ر: التَّنْوِير وَشَرحه، من بَاب الْوكَالَة بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْض) . اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال فِي فرع الشُّفْعَة أَن الْمُدعى عَلَيْهِ يزْعم بِدَعْوَاهُ الشِّرَاء من الْغَائِب أَن يَده يَد ملك، فَينفذ عَلَيْهِ إِقْرَاره لمُدعِي الشُّفْعَة وَيُؤمر بِالتَّسْلِيمِ لَهُ.

تنبيه

(تَنْبِيه:) المُرَاد من تَقْدِيم الْمَانِع فِي الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة على الْمُقْتَضِي رعايته وَالْعَمَل بِهِ دون الْمُقْتَضِي، كَمَا يظْهر من تطبيق الْفُرُوع على الْقَاعِدَة، فَهُوَ على هَذَا مقدم فِي الرُّتْبَة وَالِاعْتِبَار لَا فِي الزَّمن. إِذْ لَا يظْهر فِي شَيْء من الْفُرُوع المفرعة على الْقَاعِدَة تقدم للمانع على الْمُقْتَضِي فِي الزَّمن وَلَا تَأَخّر عَنهُ، بل لَا يَصح أَن يُلَاحظ ذَلِك فِي شَيْء من فروع الْقَاعِدَة كَمَا يظْهر للمتأمل، حَتَّى لَو كَانَ الْمَانِع والمقتضي يجْرِي بَينهمَا التَّقَدُّم والتأخر فِي الزَّمن فهناك يعْتَبر الْمَانِع مُتَأَخِّرًا فِي الزَّمن عَن الْمُقْتَضِي لتتحقق حِينَئِذٍ رعايته وَالْعَمَل بِهِ وَيحصل اعْتِبَاره وتقدمه الرتبي، بِدَلِيل مَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: شهد اثْنَان أَنه مَاتَ وَهِي امْرَأَته، وآخران أَنه طَلقهَا قبل مَوته، يُفْتى بأولوية بَيِّنَة الطَّلَاق. وَكَذَلِكَ بَيِّنَة الْخلْع أولى من بَيِّنَة النِّكَاح وَلَو ادَّعَت الزَّوْجَة النِّكَاح فِي الْحَال، لِأَن الْخلْع يكون أبدا بعد النِّكَاح. وَكَذَا بَيِّنَة الْإِبْرَاء أولى من بَيِّنَة أَن لَهُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْحَال. وَلَو ادّعى دينا أَو عينا فبرهن خَصمه أَنَّك أَقرَرت أَن لَا دَعْوَى وَلَا خُصُومَة لي عَلَيْك، تسمع وتدفع دَعْوَاهُ، وَإِن كَانَ يحْتَمل أَنه يَدعِي عَلَيْهِ بِسَبَب بعد إِقْرَاره؛ لِأَن الأَصْل أَن الْمُوجب والمسقط إِذا تَعَارضا يعْتَبر الْمسْقط مُتَأَخِّرًا، إِذْ السُّقُوط يكون بعد الْوُجُوب، سَوَاء اتَّصل الحكم بِالْمُوجبِ أَو لم يتَّصل. (ر: محلات مُتَفَرِّقَة من النّصْف الْأَخير من الْفَصْل الْعَاشِر من جَامع الْفُصُولَيْنِ) . (تَنْبِيه آخر:) قد يتعارض الْمَانِع والمقتضي وَلَا يقدم أَحدهمَا على الآخر بل يعْمل فِي كل

تنبيه آخر

مِنْهُمَا بِمَا يَقْتَضِيهِ. من ذَلِك الْمَسْأَلَة التالية: رجل قَالَ لامْرَأَته: إِن لم أطلقك الْيَوْم ثَلَاثًا فَأَنت طَالِق، ثمَّ أَرَادَ أَن لَا يُطلق امْرَأَته وَلَا يصير حانثاً. قَالُوا: الْحِيلَة فِي هَذَا مَا رُوِيَ عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى _ وَعَلِيهِ الْفَتْوَى _ أَن يَقُول لامْرَأَته فِي الْيَوْم: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا على ألف دِرْهَم، فَإِذا قَالَ لَهَا ذَلِك تَقول الْمَرْأَة: لَا أقبل، فَإِذا قَالَت الْمَرْأَة ذَلِك وَمضى الْيَوْم كَانَ الزَّوْج باراً فِي يَمِينه وَلَا يَقع الطَّلَاق؛ لِأَنَّهُ طَلقهَا فِي الْيَوْم ثَلَاثًا وَإِنَّمَا لم يَقع الطَّلَاق عَلَيْهَا لرد الْمَرْأَة، وَهَذَا لَا يخرج كَلَام الزَّوْج من أَن يكون تطليقاً. (ر: حَاشِيَة الرَّمْلِيّ على جَامع الْفُصُولَيْنِ من الْبَاب الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ صفحة / 213 / نقلا عَن الْخَانِية) . فقد عمل فِي الْفَرْع الْمَذْكُور بكليهما: عمل بالمقتضي، وَهُوَ اعْتِبَار الزَّوْج موقعاً للطَّلَاق الثَّلَاث عَلَيْهَا على ألف فَلِذَا لم يَحْنَث فِي يَمِينه، وَعمل بالمانع من وُقُوع الثَّلَاث، وَهُوَ رد الْمَرْأَة وَعدم قبُولهَا. (تَنْبِيه آخر:) لَا فرق فِي تَقْدِيم الْمَانِع على الْمُقْتَضِي بَين أَن يجيئا مَعًا، كأكثر الْفُرُوع المخرجة على الْقَاعِدَة، أَو يطْرَأ الْمَانِع على الْمُقْتَضِي قبل حُصُول الْمَقْصُود من الْمُقْتَضِي، فَإِنَّهُ يقدم الْمَانِع كَمَا لَو شهد لامْرَأَة أَجْنَبِيَّة عَنهُ ثمَّ تزَوجهَا قبل الْقَضَاء بِشَهَادَتِهِ، أَو شهد وَلَيْسَ بأجير ثمَّ صَار أَجِيرا _ أَي أَجِيرا خَاصّا _ قبل الْقَضَاء بِشَهَادَتِهِ بطلت شَهَادَته فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (ر: معِين الْحُكَّام، الْفَصْل السَّابِع من فُصُول مُقَدّمَة الْفَصْل السَّابِع، فِي ذكر الْبَينَات، ص / 108) .

((الصفحة فارغة))

القاعدة السادسة والأربعون

(الْقَاعِدَة السَّادِسَة وَالْأَرْبَعُونَ (الْمَادَّة / 47)) (" التَّابِع تَابع ") (الشَّرْح مَعَ التطبيق) " التَّابِع تَابع " أَي التَّابِع لشَيْء فِي الْوُجُود، بِأَن كَانَ جُزْءا مِمَّا يضرّهُ التَّبْعِيض، كالجلد من الْحَيَوَان، أَو كالجزء وَذَلِكَ كالجنين وكالفص للخاتم، فَلَو أقرّ بِخَاتم دخل فصه (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، كتاب الْإِقْرَار) . أَو كَانَ وَصفا فِيهِ، كالشجر وَالْبناء القائمين فِي الأَرْض، أَو كَانَ من ضروراته، كالطريق للدَّار وكالعجول للبقرة الحلوب والمفتاح للقفل وكالجفن والحمائل للسيف. فَلَو أقرّ بِسيف دخل جفْنه وحمائله (ر: الدّرّ الْمُخْتَار أَيْضا) " تَابع " لَهُ فِي الحكم، فَيدْخل الْجَنِين فِي بيع الْأُم تبعا وَإِن لم ينص عَلَيْهِ. وَإِذا ضرب بطن امْرَأَة فَمَاتَتْ، ثمَّ بعد مَوتهَا أَلْقَت جَنِينا مَيتا، فعلى الضَّارِب دِيَة الْأُم وَلَا غرَّة فِي الْجَنِين، فقد اعْتبرت غرته دَاخِلَة فِي دِيَة الْأُم، لكَونه تبعا لَهَا (ر: أَحْكَام الصغار، آخر الْجِنَايَات) . وَكَذَلِكَ الطَّرِيق فِي السِّكَّة غير النافذة الموصلة إِلَى الطَّرِيق الْعَام يدْخل فِي بيع الأَرْض تبعا وَإِن لم ينص عَلَيْهِ، بِخِلَاف الطَّرِيق إِذا كَانَ فِي ملك الْغَيْر فَإِنَّهُ لَا يدْخل بِلَا تنصيص عَلَيْهِ أَو على الْحُقُوق والمرافق. وَكَذَلِكَ يدْخل الْبناء، وَتدْخل الْأَشْجَار الَّتِي غرست للقرار، مثمرة كَانَت أَو من غير ذَوَات الثَّمر، صَغِيرَة أَو كَبِيرَة. أما المثمرة فَلَا كَلَام فِي دُخُولهَا.

وَأما الَّتِي لَا تثمر فقد نقل فِي رد الْمُحْتَار (من فصل فِيمَا يدْخل فِي البيع تبعا وَمَا لَا يدْخل) عَن التَّتارْخَانِيَّة عَن الْمُحِيط أَن الْأَصَح الدُّخُول بِلَا تَفْصِيل بَين الصَّغِيرَة والكبيرة وَذَات الثَّمر وَغير ذَات الثَّمر نعم نقل هُنَاكَ فِي الدّرّ وحاشيته، عَن الْفَتْح، اسْتثِْنَاء الْيَابِسَة من الدُّخُول تبعا، وَعلله بِأَنَّهَا على شرف الْقطع، فَهِيَ كحطب مَوْضُوع فِيهَا. اه. وَالظَّاهِر أَن هَذَا حَيْثُ لَا عرف هُنَاكَ، فَلَو كَانَ هُنَاكَ عرف يجب أَن يتبع. وَأما الْأَشْجَار الَّتِي غرست لَا للقرار بل لتقطع بعد كبرها، كالحور وَنَحْوه، فقد وَقع فِيهَا اضْطِرَاب يعلم من مُرَاجعَة الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته من الْمحل الْمَذْكُور، وَأثبت مَا نقل فِي شَأْنهَا مَا نقل فِي رد الْمُحْتَار هُنَاكَ، عَن شرح الْوَهْبَانِيَّة عَن الْوَاقِعَات أَن الْأَشْجَار إِذا كَانَت تقطع فِي كل ثَلَاث سِنِين فَلَو كَانَت تقطع عَن الأَصْل تدخل فِي البيع تبعا، وَلَو كَانَت تقطع من وَجه الأَرْض لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الثَّمَرَة. اه بِبَعْض توضيح. وَقَوله فِي " الْوَاقِعَات ": " إِذا كَانَت تقطع فِي كل ثَلَاث سِنِين " مُرَاده _ فِيمَا يظْهر _ أَنَّهَا تقطع بعد استكمالها عَاميْنِ ودخولها فِي الثَّالِث، بِدَلِيل مَا فِي " الْإِسْعَاف " (من بَاب بَيَان مَا يجوز وَقفه وَمَا لَا يجوز وَمَا يدْخل تبعا وَمَا لَا يدْخل) حَيْثُ قَالَ: " وَأما الْأُصُول الَّتِي تبقى وَالشَّجر الَّذِي لَا يقطع إِلَّا بعد عَاميْنِ أَو أَكثر فَإِنَّهَا تدخل تبعا ". وَيَنْبَغِي أَن يُقيد إِطْلَاقه فِي " الْإِسْعَاف " دُخُول الْأَشْجَار الَّتِي تقطع بعد عَاميْنِ _ فِي الْوَقْف _ بِمَا يفِيدهُ كَلَام " الْوَاقِعَات " من أَن الدُّخُول مَخْصُوص بِمَا يقطع من أُصُوله، لَا من سطح الأَرْض. وكما يدْخل مَا ذكر فِي البيع تبعا تدخل زَوَائِد الرَّهْن، كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَة وَاللَّبن وَالصُّوف تكون رهنا تبعا للْأَصْل. وَكَذَلِكَ زَوَائِد الْمَبِيع إِذا حدثت قبل الْقَبْض تكون للْمُشْتَرِي.

تنبيه

وَكَذَلِكَ زَوَائِد الْمَغْصُوب تكون للْمَغْصُوب مِنْهُ تبعا لمَاله. (تَنْبِيه:) كَمَا أَن التَّابِع يدْخل فِي البيع يدْخل أَيْضا فِي الشَّهَادَة وَالْقَضَاء. لَكِن إِذا كَانَ دُخُوله فِي الشَّهَادَة وَالْقَضَاء تبعا فَإِنَّمَا يعْتَبر دُخُوله وتبعيته مَا دَامَ مسكوتاً عَنهُ وَغير متنازع فِيهِ، أما إِذا لم يكن مسكوتاً عَنهُ بل ادّعى الْمُدعى عَلَيْهِ عدم دُخُوله فَإِن الدَّعْوَى لَا تسمع بِهِ وَالشَّهَادَة تقبل عَلَيْهِ. يثبت ذَلِك مَا جَاءَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ من أَنه لَو ادّعى رجل على آخر وَأقَام شَاهِدين شَهدا لَهُ بِالْأَرْضِ وسكتا عَن الْبناء: دخل الْبناء تبعا، وَلَكِن تسمع دَعْوَى الْمُدعى عَلَيْهِ الْبناء؛ إِذْ صَار مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ تبعا فصح دَعْوَاهُ مَقْصُودا. وَكَذَلِكَ لَو ادّعى أَرضًا فِيهَا أَشجَار فَهِيَ على هَذَا التَّفْصِيل. وَكَذَا لَو ادّعى بقرة مثلا فقضي لَهُ بهَا فَدخل وَلَدهَا بالتبعية، ثمَّ ادّعى الْمُدعى عَلَيْهِ الْوَلَد: تسمع عِنْد أبي يُوسُف، خلافًا لمُحَمد. وَكَذَا لَو شَهدا لَهُ بِخَاتم أَو سيف وَلم يذكرَا فصاً أَو حلية: يحكم بالخاتم وفصه وبالسيف وحليته للْمُدَّعِي، من غير أَن يكون الفص والحلية مشهوداً بهما، حَتَّى لَو برهن الْمُدعى عَلَيْهِ أَن الفص أَو الْحِلْية لَهُ تقبل قبل الحكم وَبعده. أما لَو لم يدْخل التَّابِع بالتبعية، بل دخل قصدا، فَإِنَّهُ لَا تسمع دَعْوَى عدم دُخُوله. كَمَا لَو ادّعى حانوتاً وَأقَام شَاهِدين شَهدا لَهُ بِكُل الْحَانُوت فَحكم لَهُ بِهِ، فَادّعى الْمُدعى عَلَيْهِ كل الْبناء أَو بعضه: لَا تسمع دَعْوَاهُ وَإِن لم يشهدَا بِالْبِنَاءِ مَقْصُودا؛ إِذْ الْحَانُوت اسْم للجملة، (أَي الأَرْض وَالْبناء) ، فَصَارَ الْمُدعى عَلَيْهِ مَحْكُومًا عَلَيْهِ فِي الْكل مَقْصُودا. يُقيد أَيْضا فِي هَذِه الْقَاعِدَة مَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ من أَنه لَو بَاعَ جداراً دخل أرضه، وَكَذَا لَو شرى نَخْلَة دخل أرْضهَا، وَحكى قبل هَذَا خلاف أبي يُوسُف فِي دُخُول الأَرْض فِي بيع الْجِدَار، وَعزا الدُّخُول لمُحَمد

تنبيه آخر

(ر: الْفَصْل / 36 / من جَامع الْفُصُولَيْنِ ص / 291) أَقُول: وَهُوَ مُوَافق لعرفنا إِذا كَانَ بَيْعه للقرار لَا للنقض وَأخذ الْأَبْنِيَة. (تَنْبِيه آخر:) مَا يدْخل فِي البيع تبعا، إِذا هلك (أَي فِي يَد البَائِع) لَا يسْقط بمقابله شَيْء من الثّمن، وَيُخَير المُشْتَرِي بَين أَخذه بِكُل الثّمن أَو تَركه (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، من فصل فِيمَا يدْخل فِي البيع تبعا) . وَأما إِذا اسْتحق، فإمَّا أَن يسْتَحق بعد قبض المُشْتَرِي للْمَبِيع أَو قبل قَبضه لَهُ، فَإِن اسْتحق قبل الْقَبْض ينظر، فإمَّا أَن يكون يجوز بَيْعه وَحده كالشجر وبرذعة الْحمار، أَو يكون لَا يجوز بَيْعه وَحده كالشرب. فَالْأول: لَهُ حِصَّة من الثّمن فَيرجع المُشْتَرِي بِحِصَّتِهِ على البَائِع إِذا اسْتحق، وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ حِصَّة من الثّمن فَلَا يرجع المُشْتَرِي على البَائِع بِشَيْء وَلَكِن يُخَيّر بَين أَخذه بِكُل الثّمن أَو تَركه على البَائِع (ر: رد الْمُحْتَار، أَوَاخِر بَاب الِاسْتِحْقَاق) .

القاعدة السابعة والأربعون

(الْقَاعِدَة السَّابِعَة وَالْأَرْبَعُونَ (الْمَادَّة / 48)) (" التَّابِع لَا يفرد بالحكم مَا لم يصر مَقْصُودا ") (أَولا _ الشَّرْح) " التَّابِع لَا يفرد بالحكم مَا لم يصر مَقْصُودا " فالجنين الَّذِي فِي بطن أمه لَا يُبَاع مُنْفَردا على أمه وَلَا يرْهن، وكما لَا يُبَاع وَلَا يرْهن لَا يسْتَثْنى من البيع وَلَا من الرَّهْن، لِأَن مَا لَا يَصح إِيرَاد العقد عَلَيْهِ مُنْفَردا لَا يَصح اسْتِثْنَاؤُهُ من العقد، وَلَو اسْتثْنِي فسد البيع لَا الرَّهْن. وَكَذَلِكَ لَا يفرد بِهِبَة وَلَا يسْتَثْنى عَن الْهِبَة، وَلَو اسْتثْنِي صحت الْهِبَة وَبَطل الِاسْتِثْنَاء. وَكَذَا لَو اسْتثْنِي فِي الصَّدَقَة أَو الْمهْر أَو النِّكَاح أَو بدل الْخلْع أَو بدل الصُّلْح عَن دم الْعمد صحت وَبَطل الِاسْتِثْنَاء. (ر: رد الْمُحْتَار، من البيع الْفَاسِد، عِنْد قَول الْمَتْن: " وَأمة إِلَّا حملهَا " مَنْقُولًا عَن الزَّيْلَعِيّ) . وَمثل الْجَنِين فِي الْأَحْكَام الْمَذْكُورَة: كل مَا كَانَ اتِّصَاله خلقه، كاللبن فِي الضَّرع، واللؤلؤ فِي الصدف، وَالصُّوف على ظهر الْغنم، وَالْجَلد على الْحَيَوَان، والنوى فِي الثَّمر. أما إِذا صَار التَّابِع مَقْصُودا فَإِنَّهُ يفرد بالحكم، وَذَلِكَ كزوائد الْمَغْصُوب الْمُنْفَصِلَة المتولدة فَإِنَّهَا أَمَانَة فِي يَد الْغَاصِب غير مَضْمُونَة عَلَيْهِ إِلَّا بِالتَّعَدِّي عَلَيْهَا أَو منعهَا بعد الطّلب، فَإِنَّهُ يضمنهَا حِينَئِذٍ، لِأَنَّهَا صَارَت مَقْصُودَة. وَكَذَلِكَ زَوَائِد الرَّهْن الْمُنْفَصِلَة المتولدة تكون رهنا تبعا وَلَا يقابلها شَيْء من الدّين، فَلَو هَلَكت لَا يسْقط شَيْء من الدّين، وَلَكِن إِذا صَارَت مَقْصُودَة

ثانيا الاستثناء

بالفكاك بِأَن بقيت بعد هَلَاك الأَصْل تفك بحصتها من الدّين، فَيقسم الدّين على قيمتهَا يَوْم الفكاك وَقِيمَة الأَصْل يَوْم الْقَبْض، وَيسْقط من الدّين حِصَّة الْأَجَل، وتفتك الزَّوَائِد بحصتها. وَكَذَلِكَ زَوَائِد الْمَبِيع الْمُنْفَصِلَة المتولدة إِذا حدثت قبل الْقَبْض تكون تبعا للْمَبِيع وَلَا يقابلها شَيْء من الثّمن لَو تلفت، وَلَكِن لَو أتلفهَا البَائِع سَقَطت حصَّتهَا من الثّمن فَيقسم الثّمن على قيمَة الأَصْل يَوْم العقد وعَلى قيمَة الزِّيَادَة يَوْم الِاسْتِهْلَاك. (ثَانِيًا _ الِاسْتِثْنَاء) وَقد خرج عَن هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل: (أ) مِنْهَا: أَن الْجَنِين يُورث فَتكون غرته بَين ورثته. (ب) وَمِنْهَا: أَنه يَصح الْإِيصَاء بِهِ وَله إِذا ولد لأَقل من أقل مُدَّة الْحمل وَقت الْوَصِيَّة. (ر: مَا كتب تَحت الْمَادَّة الرَّابِعَة، عَن أَحْكَام الصغار) ، وَيصِح الْإِقْرَار لَهُ بِالشّرطِ الْمَذْكُور إِذا بَين سَببا صَالحا لملك الْحمل للْمقر بِهِ، كإرث أَو وَصِيَّة. وَيصِح الْإِقْرَار بِهِ بِدُونِ أمه أَيْضا بِالشّرطِ نَفسه وَإِن لم يبين الْمقر سَببا صَالحا. وَالْفرق بَين الْإِقْرَار لَهُ وَالْإِقْرَار بِهِ حَيْثُ يشْتَرط لصِحَّة الأول أَن يبين الْمقر سَببا صَالحا دون الثَّانِي فَإِن الْمقر لَهُ فِي الثَّانِي أهل للتَّمَلُّك على الْإِطْلَاق بِخِلَافِهِ فِي الأول، فَإِن الْحمل لَيْسَ بِأَهْل للتَّمَلُّك على الْإِطْلَاق، وَإِذا بَين سَببا صَالحا يَصح. (ج) وَمِنْهَا: مَا لَو أبطل الْمَدْيُون الْأَجَل صَحَّ وَيحل الدّين، مَعَ أَن الْأَجَل صفة لَهُ، وَالصّفة تَابِعَة للموصوف. (د) وَمِنْهَا: أَن الدَّابَّة الْمَبِيعَة إِذا اسْتحقَّت بِالْبَيِّنَةِ، وَكَانَت قد ولدت فِي يَد المُشْتَرِي، فَإِن وَلَدهَا يتبعهَا فِي الِاسْتِحْقَاق وَإِن لم يَدعه الْمُسْتَحق، وَلَكِن بِشَرْط الْقَضَاء بِهِ. وَهَذَا إِذا سكت الشُّهُود عَنهُ، أما إِذا بينوا أَنه لذِي الْيَد، أَو سئلوا فَقَالُوا: لَا نَدْرِي، فَلَا يتبعهَا. (ر: الدّرّ، من الِاسْتِحْقَاق) .

تنبيه

(تَنْبِيه:) أقل مُدَّة الْحمل للآدمي سِتَّة أشهر، ومدته للفيل أحد عشر شهرا، وللإبل وَالْخَيْل وَالْحمير سنة، وللبقر تِسْعَة أشهر، وللشاة خَمْسَة أشهر، وللسنور شَهْرَان، وللكلب أَرْبَعُونَ يَوْمًا، وللطير وَاحِد وَعِشْرُونَ يَوْمًا. (ر: الْقُهسْتَانِيّ، فِي الْوَصَايَا) وَنقل فِي الدّرّ الْمُخْتَار، من الْإِقْرَار، عَن الْجَوْهَرَة أَن مُدَّة الْحمل فِي الشَّاة أَرْبَعَة أشهر، فَليُحرر ذَلِك. (تَنْبِيه آخر:) مِمَّا تحسن الْإِشَارَة إِلَيْهِ هُنَا مَا سَيَأْتِي فِي آخر شرح الْقَاعِدَة الْحَادِيَة وَالْخمسين من أَن مَا يثبت تبعا لَا تراعى فِيهِ شَرَائِط الأَصْل، كَمَا لَو أقرّ رجلَانِ من الْوَرَثَة، أَو رجل وَامْرَأَتَانِ بِابْن للْمَيت يثبت نسبه ويسري ثُبُوته على غير المقرين، وَلَا تشْتَرط لَهُ شُرُوط الشَّهَادَة كَمَا فِي دُرَر الْحُكَّام من بَاب ثُبُوت النّسَب. وَكَذَلِكَ يثبت نسب الْوَلَد بِشَهَادَة الْقَابِلَة، وَيثبت اسْتِحْقَاق الْإِرْث تبعا لَهُ، كَمَا فِي جَوَاهِر الرِّوَايَات نقلا عَن الشلبي.

((الصفحة فارغة))

القاعدة الثامنة والأربعون

(الْقَاعِدَة الثَّامِنَة وَالْأَرْبَعُونَ (الْمَادَّة / 49)) (" من ملك شَيْئا ملك مَا هُوَ من ضروراته ") (الشَّرْح) من ملك شَيْئا، أَعم من كَونه ملك عين أَو تصرف، ملك مَا هُوَ من ضروراته. فمثال الْعين مَا لَو اشْترى دَارا مثلا ملك الطَّرِيق الْموصل إِلَيْهَا بِدُونِ تنصيص عَلَيْهِ مَا لم يكن فِي ملك خَاص. (ر: مَا تقدم فِي الْمَادَّة / 6 و 47) وَكَذَلِكَ لَو اشْترى رحى مَبْنِيَّة دخل المجرى الْأَعْلَى، أَو قفلاً دخل مفتاحه، أَو بقرة حلوباً لأجل اللَّبن دخل عجولها. وَمِثَال التَّصَرُّف مَا جَاءَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَو عرضه الدَّلال على رب الدّكان وَتَركه عِنْده فهرب رب الدّكان وَذهب بِهِ لم يضمن الدَّلال فِي الصَّحِيح، لِأَنَّهُ أَمر لَا بُد مِنْهُ فِي البيع. (ر: الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ مِنْهُ، صفحة / 141 / برمز بعض الْفَتَاوَى) ، فقد ملك الدَّلال تَركه عِنْد رب الدّكان، لِأَنَّهُ من ضرورات البيع وَلَا بُد مِنْهُ فِيهِ، فَكَانَ مَأْمُورا بِهِ، بِخِلَاف مَا لَو أَخذ وَكيل الشِّرَاء على سوم الشِّرَاء فَهَلَك فِي يَده، وَقد بَين الثّمن، فَإِنَّهُ يضمن وَلَا يرجع على مُوكله إِذا لم يكن أمره بِالْأَخْذِ على سوم الشِّرَاء. إِذْ الْأَمر بِالشِّرَاءِ لم يكن أمرا بِالْقَبْضِ على سوم الشِّرَاء. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ أَيْضا، صفحة / 142) .

((الصفحة فارغة))

القاعدة التاسعة والأربعون

(الْقَاعِدَة التَّاسِعَة وَالْأَرْبَعُونَ (الْمَادَّة / 50)) (" إِذا سقط الأَصْل سقط الْفَرْع ") (أَولا _ الشَّرْح) إِذا سقط الأَصْل سقط الْفَرْع، وَلَا عكس. فَلَو أَبْرَأ الدَّائِن الْأَصِيل عَن الدّين برِئ الْكَفِيل بِالْمَالِ عَن الْكفَالَة. بِخِلَاف مَا إِذا أَبْرَأ الْكَفِيل فَإِنَّهُ لَا يبرأ الْأَصِيل. وَكَذَا لَو أَبْرَأ الْمُرْتَهن الرَّاهِن عَن الدّين أَو وهبه لَهُ سقط ضَمَان الرَّهْن وانقلب أَمَانَة، فَإِذا هلك فِي يَد مرتهنه بِلَا حَبسه يهْلك أَمَانَة، بِخِلَاف مَا بعد إِيفَاء الدّين فَإِنَّهُ مَضْمُون. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، صفحة / 80، الْفَصْل / 30) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بالإيفاء لم يسْقط الدّين، لِأَن الدُّيُون تقضى بأمثالها. (ثَانِيًا _ التطبيق) يَنْبَغِي أَن يفرع على هَذِه الْمَادَّة: مَا لَو حلف ليقضين دينه غَدا مثلا، فَأَبْرَأهُ الدَّائِن عَن الدّين قبل مُضِيّ الْغَد، أَو حلف ليشربن مَاء هَذَا الْكوز الْيَوْم، وَكَانَ فِيهِ مَاء فصب قبل مُضِيّ الْيَوْم، بطلت الْيَمين، لكَون بَقَائِهَا فرعا عَن بَقَاء الدّين وَبَقَاء المَاء. خرج عَن هَذِه الْقَاعِدَة مَسْأَلَة سقط فِيهَا الأَصْل وَلم يسْقط الْفَرْع، وَهِي: مَا إِذا كفل بِنَفس الْمَدْيُون فَأَبْرَأهُ الطَّالِب عَن الدّين يسْقط الدّين وَتبقى كَفَالَة النَّفس فَيُطَالب الْكَفِيل بإحضاره، إِلَّا إِذا قَالَ الطَّالِب: لَا حق لي قبله

_ أَي الْمَدْيُون _ وَلَا لموكل لي وَلَا لصغير أَنا وليه أَو وَصِيّه وَلَا لوقف أَنا متوليه، فَحِينَئِذٍ يبرأ كَفِيل النَّفس. يلْزم الْبَحْث هُنَا عَمَّا إِذا كَانَ كَفِيل النَّفس قد كفل بِنَفس الْمَدْيُون وتسليمه للدائن لأجل هَذَا الدّين فَقَط ثمَّ أَبْرَأ الدَّائِن الْمَدْيُون أَو أوفاه الْمَدْيُون الدّين. وَالظَّاهِر سُقُوط الْكفَالَة حِينَئِذٍ.

القاعدة الخمسون

(الْقَاعِدَة الْخَمْسُونَ (الْمَادَّة / 51)) (" السَّاقِط لَا يعود، كَمَا أَن الْمَعْدُوم لَا يعود ") (أَولا _ الشَّرْح) السَّاقِط من الْحُقُوق الْقَابِلَة للسقوط لَا يعود، مَعْنَاهُ أَن مَا يقبل السُّقُوط من الْحُقُوق، إِذا سقط مِنْهُ شَيْء بمسقط فَإِنَّهُ لَا يعود بعد سُقُوطه، وكما أَن الْمَعْدُوم لَا يعود، والساقط أصبح مَعْدُوما بعد سُقُوطه فَلَا يعود. فقولنا: " الْقَابِلَة للسقوط " صفة كاشفة وَلَيْسَت قيدا للِاحْتِرَاز عَن الْحُقُوق غير الْقَابِلَة للسقوط، كحق فسخ العقد الْفَاسِد، وَحقّ الرُّجُوع فِي الْهِبَة، وَحقّ الِاسْتِحْقَاق فِي الْوَقْف. وَكَذَا حق الْوَكِيل فِي الْقيام بِمَا وكل بِهِ، وَحقّ الْمُسْتَعِير فِي الِانْتِفَاع بالعارية، وَحقّ الإدخال والإخراج فِي الْوَقْف لمن شَرط لَهُ من وَاقِف أَو غَيره، كَمَا بَحثه ابْن نجيم فِي هَذِه الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة، وَحقّ خِيَار الرُّؤْيَة على مَا سَيَأْتِي، وَحقّ تَحْلِيف الْيَمين المتوجهة على أحد المتداعيين. (ر: تنوير الْأَبْصَار، قبيل التَّحَالُف) فَإِنَّهَا لَا تسْقط حَتَّى يتعرف عودهَا من عَدمه. (ثَانِيًا _ التطبيق) مِمَّا فرع على هَذِه الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة: مَا لَو كَانَ الثّمن غير مُؤَجل وَسلم البَائِع الْمَبِيع للْمُشْتَرِي قبل قبض الثّمن، فَإِنَّهُ يسْقط حَقه فِي حبس الْمَبِيع، وَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَاده بعد ذَلِك وحبسه ليستوفي الثّمن. وَكَذَلِكَ لَو قَبضه المُشْتَرِي وَالْحَالة هَذِه بمرأى من البَائِع وَلم يَنْهَهُ، وَالْبيع بَات، فَإِنَّهُ يسْقط حَقه فِي الْحَبْس للْمَبِيع. أما لَو كَانَ البيع وَفَاء فَلَا يسْقط

حق الْحَبْس قِيَاسا واستحساناً، وَله أَن يسْتَردّهُ ليحبسه بِالثّمن. (ر: الْبَدَائِع / 124) . وَكَذَلِكَ الْأَجِير إِذا كَانَ لَهُ حق حبس الْعين، بِأَن كَانَ لعمله أثر فِيهَا (والأثر مَا كَانَ عينا قَائِمَة) كالخياط والصباغ إِذا سلمهَا حَقِيقَة أَو سلمهَا حكما بِأَن عمل فِي بَيت اسْتَأْجرهُ سقط حَقه فِي الْحَبْس. وَكَذَلِكَ حق الْمُرْتَهن فِي حَبسه الرَّهْن فَإِنَّهُ إِذا أسْقطه يسْقط. وَكَذَلِكَ من لَهُ خِيَار الرُّؤْيَة إِذا تصرف فِي الْمَبِيع تَصرفا يُوجب حَقًا للْغَيْر، كَالْإِجَارَةِ وَالْبيع بِدُونِ رِضَاء لَهُ، وكالهبة وَالرَّهْن مَعَ التَّسْلِيم، فَإِن خِيَاره يسْقط وَإِن كَانَ ذَلِك قبل الرُّؤْيَة عِنْد أبي يُوسُف وَهُوَ الْأَصَح. وَكَذَلِكَ لَو كَانَ أَرضًا بِيعَتْ بِخِيَار فَأذن للأكار بزرعها _ وَلَو بطرِيق الْعَارِية _ فزرعها سقط خِيَاره. وَأما مَا لَا يُوجب حَقًا للْغَيْر، كَهِبَة وَرهن بِلَا تَسْلِيم، وَبيع وَإِجَارَة بِخِيَار لَهُ وَعرض الْمَبِيع للْبيع وإعارته وَطلب الشُّفْعَة بِهِ فَإِنَّهُ يسْقط الْخِيَار بعد الرُّؤْيَة لَا قبلهَا، كقبضه وَنقد الثّمن. وَمِنْه مَا لَو أَبْرَأ مديونه عَن الدّين فَقبل أَو سكت وَلم يرد سقط الدّين وَلَا تسمع دَعْوَاهُ بِهِ وَإِن أقرّ بِهِ الْمَدْيُون بعد ذَلِك. نعم لَو ادّعى الْمَدْيُون الْإِبْرَاء وَأنْكرهُ الدَّائِن وَقَالَ: إِنَّك أَقرَرت بِالدّينِ بعد التَّارِيخ الَّذِي ادعيت الْإِبْرَاء فِيهِ تسمع دَعْوَاهُ إِقْرَار الْمَدْيُون. وَكَذَلِكَ من كَانَ لَهُ حق فِي الْمُرُور أَو التسييل فِي ملك الْغَيْر فأسقطه صَرِيحًا أَو أذن لمَالِك الرَّقَبَة أَن يَبْنِي فِي الْمَمَر أَو المسيل فَإِنَّهُ يسْقط حَقه. بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ مَالِكًا لرقبة الْمَمَر أَو المسيل وَأسْقط حَقه عَنهُ فَإِنَّهُ لَا يسْقط. وَمِنْه مَا لَو ردَّتْ شَهَادَته لعِلَّة غير الْعَمى والصغر وَالْكفْر وَالرّق، ثمَّ زَالَت الْعلَّة فَأَعَادَهَا لَا تسمع. وَمِنْه الْمُوصى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ إِذا أسقط حَقه مِنْهَا سقط.

تنبيه

وَمِنْه من لَهُ حق الشُّفْعَة أَو خِيَار الشَّرْط أَو الْعَيْب أَو حق الْقصاص إِذا أسْقطه سقط. وَمَتى سقط شَيْء من جَمِيع ذَلِك لَا يعود. وَمِنْه فرع الشِّرَاء بِالدّينِ الْمُؤَجل الْآتِي فِي مستثنيات الْمَادَّة التالية لهَذِهِ. (تَنْبِيه:) لم أر من ذكر ضابطاً جَامعا لما يسْقط من الْحُقُوق بِإِسْقَاط صَاحبه لَهُ وَمَا لَا يسْقط. وَبعد إِعْمَال الْفِكر وإجالة النّظر فِي الْفُرُوع السَّابِقَة ظهر لي من خلالها ضَابِط يغلب على الظَّن صدقه وَصِحَّته وَهُوَ: " أَن كل مَا كَانَ حَقًا صَاحبه عَامل فِيهِ لنَفسِهِ، وَكَانَ قَائِما حِين الْإِسْقَاط خَالِصا للمسقط أَو غَالِبا، وَلم يَتَرَتَّب على إِسْقَاطه تَغْيِير وضع شَرْعِي، وَلَيْسَ مُتَعَلقا بتملك عين على وَجه متأكد، يسْقط بالإسقاط. وَمَا لَا فَلَا ". فقولنا: " حَقًا " خرج بِهِ ملك الْعين، فَإِنَّهُ لَا يسْقط. وَلذَا لَو أسقط الْوَارِث حَقه من الْإِرْث، أَو أسقط الْمُسْتَحق فِي الْوَقْت حَقه من بعد حُصُول الْغلَّة فِي يَد الْمُتَوَلِي لَا يسْقط. وَقَوْلنَا: " صَاحبه عَامل فِيهِ " خرج بِهِ نَحْو حق النّظر على الْوَقْف، والوظيفة فِيهِ، وَتصرف الْوَكِيل فِيمَا وكل بِهِ، وَتصرف الْمَأْذُون. فَإِن أَصْحَاب هَذِه الْحُقُوق عاملون لغَيرهم فِيهَا، فَلَا تسْقط بالإسقاط. وَمِمَّا لَا يسْقط بالإسقاط حق الرّجْعَة. (ر: الدُّرَر، قبيل بَاب تَفْوِيض الطَّلَاق، عِنْد قَول الْمَتْن طَلقهَا رَجْعِيًا فَجعله قبل الرّجْعَة بَائِنا) . وَمثله يُقَال فِي الإدخال والإخراج فِي الْوَقْف لمن شَرط لَهُ.

وَقَوْلنَا: " قَائِما حِين الْإِسْقَاط " خرج بِهِ خِيَار الرُّؤْيَة فَإِنَّهُ لَا يسْقط بالإسقاط لِأَنَّهُ غير قَائِم للْحَال، لِأَنَّهُ يثبت بعد الرُّؤْيَة لَا قبلهَا، فَإِذا أسْقطه قبلهَا لَا يسْقط بالْقَوْل بل بِالْفِعْلِ عِنْد أبي يُوسُف كَمَا تقدم. وَكَذَا حق الشُّفْعَة قبل البيع، فَلَو أسْقطه الشَّفِيع قبله لَا يسْقط، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يثبت بعد البيع. وَخرج بِهِ الِاسْتِحْقَاق فِي الْوَقْف قبل بَدو الْغلَّة فَإِنَّهُ لَا يسْقط، لِأَنَّهُ لَيْسَ قَائِما للْحَال لِأَن حق الْمُسْتَحق يتَعَلَّق بالغلة عِنْد ظُهُورهَا لَا قبله. وَخرج بِهِ حق انْتِفَاع الْمُسْتَعِير بالعارية فَإِنَّهُ لَا يسْقط، لِأَن الْمَنْفَعَة لَيست قَائِمَة بل تحدث شَيْئا فَشَيْئًا على ملك الْمُسْتَعِير كَمَا فِي الْإِجَارَة. وَمثله حق الزَّوْجَة فِي الْقسم، وَحقّ الحاضنة فِي الْحَضَانَة، فَإِنَّهُمَا لَا يسقطان، لِأَنَّهُمَا يتحددان آناً فآناً. وَقَوْلنَا: " خَالِصا للمسقط أَو غَالِبا " خرج بِهِ مَا كَانَ حَقًا لغير الْمسْقط، خَالِصا فِيهِ أَو غَالِبا أَو مُسَاوِيا. فَالْأول: كحق تَحْلِيف الْخصم الْيَمين لِأَن التَّحْلِيف حق الْحَاكِم. وَالثَّانِي: حق الْقَذْف، فَإِن حق الله تَعَالَى غَالب فِيهِ. وَالثَّالِث: كحق الْمضَارب فِي بيع مَال الْمُضَاربَة بَعْدَمَا صَار عرُوضا، فَإِن حَقه لَيْسَ بغالب بل يُسَاوِيه فِيهِ حق رب المَال أَو يغلب، إِذْ رَأس المَال عَائِد إِلَيْهِ وَله شركَة فِي الرِّبْح، وَالْمُضَارب إِنَّمَا اسْتَفَادَ التَّصَرُّف من جِهَته. وَخرج بِهِ أَيْضا حق الْفَسْخ فِي الْعُقُود الْفَاسِدَة، فَإِنَّهُ حق خَالص لَهُ سُبْحَانَهُ أَو غَالب، حَتَّى لَو أصر عَلَيْهِ المتعاقدان وَعلم بِهِ القَاضِي فَسخه، قَالَ الكاساني: " إِن حق الْفَسْخ فِي البيع الْفَاسِد لَا يبطل بِصَرِيح الْإِبْطَال والإسقاط لِأَن وجوب الْفَسْخ فِيهِ ثَبت حَقًا لله تَعَالَى دفعا للْفَسَاد، وَمَا ثَبت حَقًا لله تَعَالَى خَالِصا لَا يقدر العَبْد على إِسْقَاطه مَقْصُودا كَخِيَار الرُّؤْيَة، لَكِن قد يسْقط بطرِيق الضَّرُورَة بِأَن يتَصَرَّف العَبْد فِي حق نَفسه مَقْصُودا فيتضمن ذَلِك سُقُوط حق الله عز وَجل، وَذَلِكَ كَمَا إِذا بَاعَ الْإِنْسَان مَا اشْتَرَاهُ فَاسِدا أَو وهبه أَو تصدق بِهِ بَطل حق الْفَسْخ. (ر: الْبَدَائِع 5 / 297 و 301) .

وَخرج بِهِ أَيْضا نَحْو حق رب السّلم فِي لُزُوم التَّسْلِيم فِي الْمَكَان الْمعِين فِي عقد السّلم، وَحقّ الْمُسلم إِلَيْهِ فِي قبض الثّمن فِي مجْلِس السّلم، فَإِنَّهُمَا لَا يسقطان، لِأَنَّهُمَا حق الشَّرْع إِذْ بدونهما يفْسد العقد. وَخرج بِهِ أَيْضا حق خِيَار الرُّؤْيَة بعد الرُّؤْيَة فَإِنَّهُ لَا يسْقط بقوله أسقطت خياري لِأَنَّهُ حق الشَّرْع، إِلَّا إِذا قَالَ: أجزت العقد، أَو رضيت. (ر: الْبَدَائِع 5 / 297) . وَخرج بقولنَا: " وَلم يَتَرَتَّب على إِسْقَاطه تَغْيِير وضع شَرْعِي " مَا سَيَأْتِي تَحت الْمَادَّة المكملة الْمِائَة من أَنه لَو اشْترى الْعين المأجورة أَو الْمَرْهُونَة بِدُونِ إِذن الْمُسْتَأْجر أَو الْمُرْتَهن، وَكَانَ يعلم حِين الشِّرَاء بِالْإِجَارَة أَو بِالرَّهْنِ أَو لَا يعلم، فَإِن لَهُ الْخِيَار فِي أَن يفْسخ البيع أَو ينْتَظر انْتِهَاء مُدَّة الْإِجَارَة أَو فكاك الرَّهْن. وَإِذا أسقط حَقه فِي هَذَا الْخِيَار وَلَو بِصَرِيح الْإِسْقَاط لَا يسْقط. وَذَلِكَ لِأَن تَصْحِيح هَذَا الْإِسْقَاط يَتَرَتَّب عَلَيْهِ تَصْحِيح أَمر مُغَاير للأوضاع الشَّرْعِيَّة، لِأَنَّهُ عبارَة عَن الْتِزَام المُشْتَرِي تَأْجِيل الْمَبِيع إِلَى انْتِهَاء مُدَّة الْإِجَارَة فِي الْمَأْجُور، أَو إِلَى فكاك الرَّهْن فِي الْمَرْهُون، وتأجيل الْأَعْيَان بَاطِل. وَكَذَا خرج بِهِ حق الْوَكِيل بِالْبيعِ فِي الْمُطَالبَة بِالثّمن، فَإِنَّهُ لَا يسْقط بالإسقاط فِيمَا يظْهر، لِأَن الْمُوكل لَا يملك شرعا هَذِه الْمُطَالبَة، لكَون الشَّرْع جعل حُقُوق العقد عَائِدَة أَصَالَة للعاقد وَإِن لم يكن مَالِكًا. وَخرج بِهِ أَيْضا حق الزَّوْجَة، فَإِنَّهَا لَو رضيت بِالْخرُوجِ من وطنها الَّذِي نَكَحَهَا فِيهِ وسكنت مَعَه فِي بَلْدَة أُخْرَى ثمَّ امْتنعت وأرادت العودة إِلَى وطنها، فَإِنَّهَا لَا تمنع من الْعود إِلَيْهِ فِيمَا يظْهر، لِأَن رِضَاهَا فِيمَا مضى بِإِسْقَاط حَقّهَا لَا يُوجب سُقُوطه فِيمَا يَأْتِي. وَخرج بِهِ أَيْضا الدَّرك، وَهُوَ حق رُجُوع المُشْتَرِي بِالثّمن إِذا ظهر الْمَبِيع مُسْتَحقّا. فَفِي " رد الْمُحْتَار ": لَو أَبْرَأ المُشْتَرِي البَائِع عَن كل حق قبله دخلت الْعُيُوب لَا الدَّرك. (ر: رد الْمُحْتَار / 67) . وَخرج بقولنَا: " وَلَيْسَ مُتَعَلقا بتملك عين ... الخ " مثل حق الرُّجُوع

تنبيه

فِي الْهِبَة، وَحقّ الْمُسْتَحق فِي الْوَقْف بعد بَدو الْغلَّة قبل حُصُولهَا فِي يَد الْمُتَوَلِي، فَإِنَّهُمَا لَا يسقطان بالإسقاط. وَلَا يرد حق الغانم فِي الْغَنِيمَة قبل الْقِسْمَة حَيْثُ إِنَّه مثل الرُّجُوع فِي الْهِبَة مُتَعَلق بتملك عين مَعَ أَنه يسْقط بالإسقاط لِأَنَّهُ غير متأكد، فَإِن للْإِمَام أَن يقسمها بَين الْغَانِمين بل يقر أَهلهَا عَلَيْهَا وَيَضَع عَلَيْهِم الْجِزْيَة وعَلى أراضيهم الْخراج. وَلَا يرد أَيْضا حق الْمُوصى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ، حَيْثُ إِنَّه مثل الْمُسْتَعِير تحدث الْمَنْفَعَة الْمُوصى لَهُ بهَا شَيْئا فَشَيْئًا مَعَ أَنه لَو أسقط حَقه مِنْهَا يسْقط، وَذَلِكَ لِأَن الْوَصِيَّة وَارِدَة على خلاف الْقيَاس، حَتَّى إِن ابْن أبي ليلى قَالَ: إِن الْوَصِيَّة بِالْمَنْفَعَةِ لَا تصح أصلا لِأَنَّهَا تحدث على ملك الْوَرَثَة لَا على ملك الْمُورث فَلَا يَصح تَمْلِيكه لَهَا. وَلَا يُقَال إِن الْعَارِية وَارِدَة أَيْضا على خلاف الْقيَاس مَعَ أَنَّهَا لَا تسْقط بالإسقاط لِأَن الْفَرْع إِذا ورد على خلاف الْقيَاس لَا يلْزم أَن يكون منطبقاً على غَيره مِمَّا ورد على خلاف الْقيَاس، وَإِلَّا وَجب أَن يتشكل قِيَاس آخر وَلَا قَائِل بِهِ. على أَنه قد يفرق بِأَن المملك فِي الْعَارِية حَيّ تعْتَبر مَعَه حُدُوث الْمَنْفَعَة على ملك الْمُسْتَعِير آناً فآناً، بِمَنْزِلَة عاريات متجددة كَمَا قَالُوا فِي الْمَنْفَعَة الْحَادِثَة على ملك الْمُسْتَأْجر، بِخِلَافِهَا فِي جَانب الْمُوصى لَهُ بعد وَفَاة الْمُوصي. (تَنْبِيه:) قد تقدم أَن حق تَحْلِيف الْخصم الْيَمين المتوجهة عَلَيْهِ لَا يسْقط بالإسقاط. وَقد ذكر ذَلِك فِي متن التَّنْوِير، قبيل التَّحَالُف، وَعلله الشَّارِح نقلا عَن الْبَزَّازِيَّة بِأَن التَّحْلِيف للْحَاكِم. وَهَذَا إِذا أسْقطه قصدا، أما لَو صَالح عِنْد أَو افتداه بِمَال صَحَّ وَسقط الْيَمين، لِأَن الْمُدَّعِي أسقط خصومته بِأخذ المَال من الْمُدعى عَلَيْهِ. (ر: الدّرّ وحاشيته، من الْمحل الْمَذْكُور) . وَإِذا سَقَطت الْخُصُومَة سَقَطت الْيَمين ضَرُورَة لِأَنَّهَا فرع توجه الدَّعْوَى. هَذَا، ولينظر مَا لَو اسقط الْمُدَّعِي حَقه من طلب التَّحْلِيف. وَمُقْتَضى تَعْلِيل الْبَزَّازِيَّة لعدم السُّقُوط هُنَاكَ بقوله: " لِأَن التَّحْلِيف للْحَاكِم " أَن يسْقط هُنَا، لِأَن طلب التَّحْلِيف للْمُدَّعِي.

تنبيه

(تَنْبِيه:) لَو أسقط الْأَب أَو الْوَصِيّ شُفْعَة الصَّغِير تسْقط عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف خلافًا لمُحَمد. (ر: أَحْكَام الصغار، كتاب الشُّفْعَة، أَوَائِله) . فرع يحلق بِهَذِهِ الْقَاعِدَة. " لَو أشهد على مَالك الْجِدَار المائل فجن الْمَالِك بعد الْإِشْهَاد عَلَيْهِ أَو بَاعَ الْجِدَار ثمَّ أَفَاق من جُنُونه ورد عَلَيْهِ بِعَيْب وَلَو بِدُونِ قَضَاء أَو بِخِيَار رُؤْيَة أَو بِخِيَار شَرط للْمُشْتَرِي، ثمَّ وَقع الْجِدَار لم يضمن إِلَّا بإشهاد جَدِيد بعد الْإِفَاقَة أَو بعد رده. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، صفحة / 291، من الْفَصْل / 36) فَسقط الْإِشْهَاد بجنونه وبخروج الْجِدَار عَن ملكه ثمَّ لم يعد بإفاقته وبعود الْجِدَار إِلَى ملكه ".

((الصفحة فارغة))

القاعدة الحادية والخمسون

(الْقَاعِدَة الْحَادِيَة وَالْخَمْسُونَ (الْمَادَّة / 52)) (" إِذا بَطل الشَّيْء بَطل مَا فِي ضمنه ") (أَولا _ الشَّرْح) إِذا بَطل الشَّيْء بَطل مَا فِي ضمنه، وَبِمَعْنَاهُ قَوْلهم: إِذا بَطل المتضمن (بِكَسْر الْمِيم) بَطل المتضمن (بِفَتْحِهَا) . (ثَانِيًا _ التطبيق) مِمَّا فرع على هَذِه الْقَاعِدَة: (أ) مَا لَو أقرّ إِنْسَان لآخر، أَو أَبرَأَهُ وَلَو إِبْرَاء عَاما، وَكَانَ الْإِقْرَار أَو الْإِبْرَاء مترتباً على عقد كَبيع أَو صلح، ثمَّ انْتقض البيع أَو الصُّلْح بِوَجْه مَا، بَطل الْإِقْرَار وَالْإِبْرَاء، وَذَلِكَ كَمَا إِذا اشْترى شَيْئا من آخر، فَإِن شِرَاءَهُ مِنْهُ

يتَضَمَّن إِقْرَاره لَهُ بِالْملكِ، أَو شراه مِنْهُ وَأقر لَهُ بِوُجُوب الثّمن فِي ذمَّته، ثمَّ ظهر أَن الْمَبِيع مُسْتَحقّ للْغَيْر، وَلم يجز الْمُسْتَحق البيع، بَطل البيع وَبَطل مَا تضمنه أَو ترَتّب عَلَيْهِ من الْإِقْرَار بِالْملكِ أَو بِوُجُوب الثّمن، وَرجع المُشْتَرِي على البَائِع بِالثّمن إِذا كَانَ دَفعه لَهُ، وَلَا يمنعهُ إِقْرَاره من ذَلِك، لِأَنَّهُ بَطل بِبُطْلَان البيع الَّذِي تضمنه. وكما إِذا صَالح البَائِع المُشْتَرِي عَن دَعْوَى الْعَيْب على مَال دَفعه لَهُ ثمَّ برأَ الْمَبِيع بِدُونِ معالجة المُشْتَرِي بَطل الصُّلْح وَرجع البَائِع على المُشْتَرِي بِمَا دَفعه لَهُ. أَو صَالح الْمُدعى عَلَيْهِ الْمُنكر الْمُدَّعِي على مَال دَفعه لَهُ، ثمَّ اعْترف الْمُدَّعِي بعد الصُّلْح بِأَنَّهُ لم يكن لَهُ عَلَيْهِ شَيْء، بَطل الصُّلْح وَرجع الْمُدعى عَلَيْهِ على الْمُدَّعِي بِمَا دَفعه لَهُ من الْبَدَل. (وَلَا يمنعهُ من الرُّجُوع مَا تضمن عقد الصُّلْح من اعْتِرَاف الْمُدعى عَلَيْهِ بِالْمَالِ الْمُدعى بِهِ، لبطلانه بِبُطْلَان الصُّلْح) كَمَا يعلم جَمِيع ذَلِك من الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته (4 / 199 - 200) من الِاسْتِحْقَاق وَخيَار الْعَيْب أَو من كتاب الصُّلْح. (ب) وَمِمَّا فرع عَلَيْهَا مَا لَو اشْترى شَيْئا مِمَّن أكره على البيع، وَتصرف فِيهِ المُشْتَرِي تَصرفا يقبل النَّقْض، ثمَّ زَالَ الْإِكْرَاه، فالبائع لَهُ نقض تَصَرُّفَات المُشْتَرِي (ر: الدُّرَر، والشرنبلالية، من الْإِكْرَاه) . (ج) وَمِمَّا فرع عَلَيْهَا: مَا لَو بَاعَ بيعا فَاسِدا بِغَيْر الْإِكْرَاه، ثمَّ سلم البَائِع الْمَبِيع للْمُشْتَرِي وَسلم المُشْتَرِي الثّمن للْبَائِع لَا ينْعَقد هَذَا بَينهمَا بيعا بالتعاطي.

وَكَذَا لَو اشْترى ثوبا مثلا شِرَاء فَاسِدا ثمَّ لَقِي البَائِع بعد فَقَالَ: قد بعتني ثَوْبك هَذَا بِكَذَا؟ فَقَالَ البَائِع: بلَى فَخذه، فَقَالَ: قد أَخَذته. فَهُوَ فَاسد مَا لم يَكُونَا تتاركا الأول (ر: رد الْمُحْتَار، من بحث بيع التعاطي) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي الصُّورَتَيْنِ مَبْنِيّ ومترتب على عقد فَاسد. أما إِذا كَانَ فَسَاده بِالْإِكْرَاهِ ثمَّ سلمه بعد زَوَاله نفذ البيع (ر: الدُّرَر) . (د) وَمِنْه: مَا لَو قَالَ لآخر: بِعْتُك دمي بِكَذَا، فَقتله، وَجب الْقصاص. وَكَذَا لَو اشْترى من خَصمه الْيَمين الَّتِي تَوَجَّهت عَلَيْهِ بِمَال، لم يلْزم المَال وَكَانَ للخصم أَن يستحلفه. لِأَنَّهُ لما بَطل العقد فِي الصُّورَتَيْنِ بَطل مَا فِي ضمنه من الْإِذْن بِالْقَتْلِ وَإِسْقَاط الْيَمين بِخِلَاف مَا لَو أمره بقتْله، أَو صَالحه عَن طلب الْيَمين على مَال، أَو افتداه مِنْهُ بِهِ، حَيْثُ يسْقط الْقصاص فِي الأولى وَالْيَمِين فِي الثَّانِيَة وَيلْزم فِيهَا المَال. (هـ) وَمِنْه: مَا لَو اسْتَأْجر الأَرْض ليترك الزَّرْع قَائِما عَلَيْهَا إِلَى أَن يدْرك، فسد العقد وَلم يطْلب لَهُ مَا زَاد الزَّرْع، لفساد الْإِذْن بإبقائه فِيهَا لفساد عقد الْإِجَارَة (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من بَاب مَا يدْخل فِي البيع تبعا) بِخِلَاف مَا لَو اسْتَأْجر الشّجر لإبقاء الثَّمر كَمَا سَيَأْتِي. (و) وَمِنْه: مَا لَو كَانَ لَهُ على آخر دين مُؤَجل فَاشْترى مِنْهُ بِهِ شَيْئا فَإِن الْأَجَل يسْقط، فَإِذا رده الدَّائِن على البَائِع الْمَدْيُون بِخِيَار عيب بِحكم الْحَاكِم انْفَسَخ البيع وَعَاد الدّين مُؤَجّلا كَمَا كَانَ (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، من أَوَائِل الْإِقَالَة، عِنْد قَول الْمَتْن: " هِيَ فسخ فِي حق الْمُتَعَاقدين ") . وَالظَّاهِر أَن هَذَا فِيمَا إِذا قبض المُشْتَرِي الْمَبِيع، لِأَنَّهُ حينئذٍ يحْتَاج إِلَى الْقَضَاء ليَكُون فسخا. وَلَو كَانَ ذَلِك قبل الْقَبْض لَا يحْتَاج إِلَى الْقَضَاء بل يسْتَقلّ بِهِ المُشْتَرِي وَيكون فسخا بِدُونِهِ كَمَا نصوا عَلَيْهِ فِي خِيَار الْعَيْب. وَالظَّاهِر أَنه حينئذٍ يعود الْأَجَل أَيْضا، بِخِلَاف مَا إِذا رده بعد الْقَبْض بِالتَّرَاضِي، فَإِن الْأَجَل لَا يعود، وَبِخِلَاف مَا لَو رده بالإقالة فَإِنَّهُ لَا يعود كَمَا يَأْتِي قَرِيبا. (ز) وَمِنْه: مَا لَو كَانَت النَّفَقَة المتراكمة على الزَّوْج غير مستدانة بِأَمْر

ثالثا المستثنى

القَاضِي، فأبان الزَّوْجَة لَا بِقصد إِسْقَاط النَّفَقَة بل بِسَبَب آخر، أَو مَاتَ عَنْهَا، فَإِن النَّفَقَة المتراكمة عَلَيْهِ تسْقط عَن ذمَّته، كَمَا نصوا عَلَيْهِ فِي النَّفَقَات، لِأَنَّهُ لما بَطل النِّكَاح بَطل مَا ترَتّب عَلَيْهِ من النَّفَقَة (انْظُر: فرع النَّفَقَة المرسوم تَحت الْمَادَّة / 100) . ثمَّ لَا فرق فِي بطلَان المتضمن (بِفَتْح الْمِيم) بَين أَن يكون متضمناً حَقِيقَة للباطل، كَمَسْأَلَة بيع الْإِنْسَان دَمه للْآخر وَمَسْأَلَة شِرَائِهِ الْيَمين من خَصمه المارتين، وَبَين أَن يكون مترتباً عَلَيْهِ ترتباً بِأَن أفرد بِذكرِهِ مَعَه وقرنه بِهِ، كالإبراء وَالْإِقْرَار بعد عقد فَاسد وكتصرفات المُشْتَرِي من الْمُكْره على البيع المارات. (ثَالِثا: الْمُسْتَثْنى) خرج عَن هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل كَثِيرَة: (أ) مِنْهَا: لَو صَالح الشَّفِيع عَن شفعته أَو اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِمَال لم يَصح الصُّلْح وَلم يلْزم المَال وَسَقَطت شفعته، بِخِلَاف مَا لَو صَالحه عَن دَعْوَى الشُّفْعَة فَإِنَّهُ يَصح وَيلْزم المَال. (ب) وَمِنْهَا: مَا لَو صَالح الزَّوْج زَوجته المخيرة على مَال لتختاره، فَفعلت واختارت زَوجهَا لم يَصح الصُّلْح وَلم يلْزم المَال وَسقط خِيَارهَا. (ج) وَمِنْهَا: مَا لَو جعل الْكَفِيل بِالنَّفسِ مَالا للمكفول لَهُ ليسقط عَنهُ الْكفَالَة، فأسقطها، سَقَطت وَلم يلْزم المَال. (د) وَمِنْهَا: مَا لَو اشْترى ثمراً غير مدرك، ثمَّ اسْتَأْجر الْأَشْجَار ليبقى الثَّمر عَلَيْهَا إِلَى وَقت الْإِدْرَاك، فَالْإِجَارَة بَاطِلَة، وَلَا يبطل مَا فِي ضمنهَا من الْإِذْن بإبقاء الثَّمر، فَإِذا أبقاه فَزَاد طابت لَهُ الزِّيَادَة. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من بَاب مَا يدْخل فِي البيع تبعا وَمَا لَا يدْخل) . (هـ) وَمِنْهَا: مَا لَو اشْترى دَارا وَقبل أَن يَرَاهَا بِيعَتْ دَار بجانبها فَأَخذهَا بِالشُّفْعَة، ثمَّ رد الأولى بِخِيَار الرُّؤْيَة، تبقى الثَّانِيَة الَّتِي أَخذهَا بِالشُّفْعَة لَهُ (ر: رد الْمُحْتَار، من خِيَار الرُّؤْيَة) فقد بَطل شِرَاؤُهُ الَّذِي ترَتّب عَلَيْهِ الْأَخْذ بِالشُّفْعَة وَلم يبطل الْأَخْذ بهَا.

(و) وَمِنْهَا: مَا لَو طلق إِحْدَى زوجتيه طَلَاقا مُبْهما، ثمَّ مَاتَت إِحْدَاهمَا قبل الْبَيَان، تتَعَيَّن الْأُخْرَى الْحَيَّة للطَّلَاق. فَلَو قَالَ: كنت عنيت المتوفاة بِالطَّلَاق لَا يعْتَبر قَوْله ذَلِك، وَلَكِن يحرم بِسَبَبِهِ الْمِيرَاث (ر: الْمَبْسُوط 6 / 123) فَإِن قَوْله: " كنت عنيت المتوفاة بِالطَّلَاق " لم يعْمل عمله، وَلَكِن لم يبطل مَا ترَتّب عَلَيْهِ من حرمَان الْإِرْث. (ز) وَمِنْهَا: مَا لَو طلق زَوجته غير الْمَدْخُول بهَا ثِنْتَيْنِ، ثمَّ قَالَ: كنت طَلقتهَا قبل ذَلِك وَاحِدَة، لَا يبطل عَنهُ الثنتان وَيلْزم بِالَّتِي أقرّ بهَا، وَلَا تحل لَهُ إِلَّا من بعد زوج آخر (ر: الذَّخِيرَة، فِي الْفَصْل الثَّالِث من كتاب الطَّلَاق، قبيل نوع فِي تَغْيِير صفة الْوَاقِع) فقد بَطل هَا هُنَا المتضمن وَالْإِقْرَار بالطلقة السَّابِقَة وَلم يبطل مَا فِي ضمنه من الْحُرْمَة الْمُغَلَّظَة. (ح) وَمِنْهَا: مَا لَو كَانَ لَهُ على آخر دين مُؤَجل، فشرى بِهِ مِنْهُ شَيْئا، فَإِن الْأَجَل يسْقط، فَإِذا تَقَايلا عقد البيع انْفَسَخ البيع وَلَا يعود الْأَجَل وَصَارَ دينه حَالا (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، فِي الْإِقَالَة، عِنْد قَول الْمَتْن: " هِيَ فسخ فِي حق الْمُتَعَاقدين ") فقد بَطل المتضمن، وَهُوَ عقد البيع، وَلم يبطل مَا وَقع فِي ضمنه وَهُوَ سُقُوط الْأَجَل وحلول الدّين. (ط) وَمِنْهَا: مَا لَو أقرّ الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ على مُوكله فِي غير مجْلِس الْحَاكِم، فَإِن إِقْرَاره لَا يعْتَبر، وَلَكِن يَنْعَزِل بِهِ عَن الْوكَالَة (ر: الْمَادَّة / 1517 من الْمجلة) . فقد بَطل الْإِقْرَار هَا هُنَا وَلم يبطل مَا تضمنه من أَنه لَا يحِق لَهُ مخاصمة الْمُدَّعِي فِيمَا يَدعِي على مُوكله. (ي) وَمِنْهَا: مَا لَو أقرّ مُتَوَلِّي الْوَقْف الْمُدَّعِي ملكية الْمَوْقُوف، فَإِن إِقْرَاره لَا يسري على الْوَقْف، وَلَكِن يخرج بِهِ عَن الْخُصُومَة، لما صَرَّحُوا بِهِ من أَن من أقرّ بِشَيْء لغيره فَكَمَا لَا يملك أَن يَدعِيهِ لنَفسِهِ لَا يملك أَن يَدعِيهِ لغيره.

(ك) وَمِنْهَا: مَا إِذا بَاعَ سلْعَة وَقبض ثمنهَا ثمَّ سلمهَا للْمُشْتَرِي ثمَّ وجد الثّمن زُيُوفًا - أَي مغشوشاً وغشه مغلوب - فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَاد السّلْعَة وحبسها بِالثّمن، بل لَهُ رد الزُّيُوف على المُشْتَرِي ومطالبته بالجيد فَقَط (ر: متن التَّنْوِير وَشَرحه، آخر فصل مَا يدْخل فِي البيع تبعا وَمَا لَا يدْخل) . فقد ارْتَفع قبض البَائِع برد الزُّيُوف وَلم يبطل مَا تضمنه من الْإِذْن للْمُشْتَرِي بِقَبض الْمَبِيع، بِخِلَاف مَا لَو وجد الثّمن ستوقة - أَي رصاصاً - فَإِنَّهُ يسْتَردّ السّلْعَة ويحبسها بِالثّمن، لِأَنَّهَا لَيست بِدَرَاهِم أصلا (ر: الدّرّ، الْمحل الْمَذْكُور) . (ل) وَمِنْهَا: مَا لَو بَاعَ عقارا بيعا فَاسِدا وَسلمهُ للْمُشْتَرِي فَبنى فِيهِ أَو غرس، فَإِنَّهُ يَنْقَطِع حق الْفَسْخ وَلَا يُؤمر بِنَقْض الْبناء أَو قلع الْغَرْس، لِأَنَّهُ كَانَ بتسليط البَائِع (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، من البيع الْفَاسِد، عِنْد قَول الْمَتْن: " بنى أَو غرس فِيمَا اشْتَرَاهُ فَاسِدا ") . فقد فسد العقد وَلم يبطل مَا تضمنه من التسليط على الْبناء وَالْغَرْس. (م) وَمِنْهَا: مَا لَو اشْترى شَيْئا وَأعْطى بِثمنِهِ للْبَائِع رهنا، ثمَّ ظهر أَن البيع بَاطِل، كَمَا إِذا كَانَ البيع شَاة مذبوحة مثلا فَظهر أَنَّهَا ميتَة، فَإِنَّهُ لَا يبطل الرَّهْن، بل يبْقى على الصِّحَّة وَيكون مَضْمُونا على البَائِع ضَمَان الرَّهْن، فَإِذا هلك فِي يَده يدْفع للرَّاهِن قِيمَته إِن كَانَت أقل من قدر الثّمن، وَيدْفَع لَهُ قدر الثّمن إِن كَانَت قِيمَته مثله أَو أَكثر (ر: الدّرّ، من بَاب مَا يَصح رَهنه وَمَا لَا يَصح) . (ن) وَمِنْهَا: مَا لَو دخل بِالزَّوْجَةِ بعد نِكَاح فَاسد قد سمى لَهَا فِيهِ مهْرا، فَإِنَّهُ يجب لَهَا مهر الْمثل لَا يتَجَاوَز بِهِ الْمُسَمّى، وَمَا لَو استوفى الْمَنْفَعَة فِي الْإِجَارَة الْفَاسِدَة فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ أجر الْمثل لَا يتَجَاوَز بِهِ الْمُسَمّى لَو كَانَ هُنَاكَ مُسَمّى، لرضا الزَّوْجَة بِالْمُسَمّى فِي الأول، ورضا الْمُؤَجّر بِهِ فِي الثَّانِي، (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، من كتاب النِّكَاح، وأوائل الْإِجَارَة الْفَاسِدَة) فقد فسد المتضمن، وَهُوَ النِّكَاح وَالْإِجَارَة، وَلم يفْسد المتضمن، وَهُوَ الرِّضَا بِالْمُسَمّى فيهمَا الَّذِي

تضمنه العقد. (س) وَمِنْهَا: مَا لَو برهن أَنه ابْن عَم الْمَيِّت، وَذكر النّسَب، فَقبل أَن يقْضى لَهُ برهن خَصمه أَنه ابْن عَم فلَان الآخر أَو أَن جد الْمَيِّت فلَان غير مَا بَينه الْمُدَّعِي، يقبل فِي حق الْمُدَّعِي لَا فِي إِثْبَات النّسَب من الآخر (ر: معِين الْحُكَّام، من الْفَصْل الأول، من بَاب الْقَضَاء بالتناقض، نقلا عَن الْفَتَاوَى الرشيدية وَعَن جَامع الْفَتَاوَى مُلَخصا) فقد بَطل المتضمن هُنَا، وَهُوَ الشَّهَادَة بِالنّسَبِ، فَلم يقْض بِهِ وَلَكِن لم يبطل المتضمن وَهُوَ دفع دَعْوَى الْمُدَّعِي. وَعلل صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ عدم الْقَضَاء بِالنّسَبِ فِي هَذَا بِأَنَّهُ لَيْسَ بخصم فِي إثْبَاته على الْغَيْر (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، آخر الْفَصْل الْعَاشِر) . وَانْظُر مَا سَيَأْتِي من هَذَا النَّوْع تَحت الْكَلَام على الْمَادَّة / 81.

تنبيه في مفهوم القاعدة والمستثنى منه

(تَنْبِيه: فِي مَفْهُوم الْقَاعِدَة والمستثنى مِنْهُ) إِن الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة تفِيد بمفهومها أَنه إِذا صَحَّ المتضمن (بِصِيغَة الْفَاعِل) صَحَّ مضمونه، وَهُوَ بمفهومها كمنطوقها غير مطرد، بل قد يتَخَلَّف: (أ) وَذَلِكَ كَمَا إِذا تقايل الْمُتَبَايعَانِ البيع على أقل من الثّمن الْمُسَمّى فِي عقد البيع، وعَلى أَن يكون الثّمن الَّذِي قَبضه البَائِع من المُشْتَرِي مُؤَجّلا عَلَيْهِ إِلَى وَقت كَذَا، صحت الْإِقَالَة على الثّمن الْمُسَمّى فِي عقد البيع فِي الأولى، وَبَطل التَّأْجِيل فِي الثَّانِيَة وَلزِمَ البَائِع كل الثّمن حَالا (ر: التَّنْوِير وَشَرحه، من الْإِقَالَة) . (ب) وَكَذَلِكَ مَا لَو خلع زَوجته على بدل مَا هُوَ مَال مُتَقَوّم، فَإِن وُقُوع الْبَيْنُونَة بَينهمَا وَلُزُوم الْبَدَل مُتَوَقف على قبُولهَا، فَإِذا أكرهها على الْقبُول صَحَّ الْقبُول مِنْهَا وَوَقع الْبَائِن، وَلَا يلْزمهَا مَال. (ج) وَكَذَلِكَ لَو خلعها على مَا لَيْسَ بِمَال أصلا، كَالدَّمِ وَالْميتَة، أَو على مَال غير مُتَقَوّم، كَالْخمرِ وَالْخِنْزِير، فَقبلت وَلَو طَائِعَة صَحَّ الْقبُول وَوَقع الْبَائِن، وَلَا يلْزم الْمَرْأَة شَيْء مِمَّا سمى (ر: الدُّرَر، من بَاب الْخلْع) . (د) وَمثل ذَلِك مَا لَو خلع زَوجته القاصرة على مَال، فَقبلت، وَقع الطَّلَاق الْبَائِن لوُجُود الْقبُول الَّذِي هُوَ شَرط، وَلكنهَا لَا يلْزمهَا المَال لكَونهَا لَيست بِأَهْل للالتزام كَمَا هُوَ مرسوم فِي الْمُتُون والشروح من الْخلْع. (هـ) وَمن ذَلِك أَنه لَو علق طَلَاق امْرَأَته على قَتله فلَانا، فَشهد رجل وَامْرَأَتَانِ عَلَيْهِ أَنه قَتله، يثبت عَلَيْهِ وُقُوع الطَّلَاق وَلَا يثبت الْقصاص عَلَيْهِ، إِذْ لَا مدْخل لشهادة النِّسَاء فِي الْقصاص. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، من الشَّهَادَات، موضحاً) . فقد صَحَّ فِي هَذِه الْمسَائِل كلهَا المتضمن وَلم يَصح الْمَضْمُون. (تَنْبِيه آخر) الْبطلَان الْمَفْهُوم من قَول الْقَاعِدَة: " إِذا بَطل الشَّيْء " يجب أَن يُرَاد بِهِ

بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعُقُود الْفساد، فَإِنَّهُم كثيرا مَا يطلقون الْبَاطِل ويريدون بِهِ الْفَاسِد وَلَا يُرِيدُونَ بِهِ حَقِيقَة الْبطلَان، لِأَن العقد إِذا كَانَ بَاطِلا لَا يبطل مَا تضمنه، لِأَن العقد الْبَاطِل وجوده والعدم سَوَاء لعدم مشروعيته أصلا، فَإِذا كَانَ متضمناً لأمر يكون ذَلِك الْأَمر كَأَنَّهُ وجد مُسْتقِلّا غير مُتَضَمّن فِي آخر فَيعْتَبر ويراعى. بِخِلَاف العقد الْفَاسِد فَإِنَّهُ لمشروعية أَصله ترَتّب عَلَيْهِ الْأَحْكَام، فَلَا يُمكن اعْتِبَاره كَالْعدمِ. فَإِذا تضمن أمرا سرى فَسَاده إِلَى مَا فِي ضمنه (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، من بَاب مَا يدْخل فِي البيع تبعا وَمَا لَا يدْخل. وَمثله فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل / 32) . أما غير الْعُقُود من التَّصَرُّفَات فَلَيْسَ فِيهِ فَسَاد وباطل حَتَّى تقع التَّفْرِقَة وتختلف الْأَحْكَام. وَمِمَّا ذكرنَا يظْهر الْفرق بَين مَا تخرج على الْقَاعِدَة من الْعُقُود وَبَين مَا خرج عَنْهَا. وَلَا يرد على مَا ذكر من التَّفْرِقَة بَين الْفَاسِد وَالْبَاطِل تخلف الفرعين المخرجين عَن الْقَاعِدَة، وهما: مَا لَو قَالَ لآخر بِعْتُك دمي بِكَذَا، وَفرع شِرَاء الْيَمين من خَصمه بِمَال، فَإِن البيع فيهمَا بَاطِل وَقد بَطل مَا تضمناه من الْإِذْن بِالْقَتْلِ وَإِسْقَاط الْيَمين. وَذَلِكَ لِأَن مَا تضمنه البيع من الْإِذْن بِالْقَتْلِ لَا يعد شُبْهَة تسْقط الْقصاص، لِأَن الْإِذْن لَا يُفِيد أَكثر من الْبَذْل وَالْإِبَاحَة، وَهِي لَا تصلح شُبْهَة، لِأَن الْفِعْل بعْدهَا مُضَاف إِلَى الْفَاعِل من كل وَجه. بِخِلَاف مَا لَو أمره بقتْله فَقتله فَإِن الْأَمر يعد شُبْهَة، لِأَن فعل الْمَأْمُور بعده يعد وَالْحَالة هَذِه امتثالاً لأَمره ومطاوعة لَهُ فيضاف للْآمِر، وَالْإِذْن خَال عَن ذَلِك، وَحَاصِله أَن وجوب الْقصاص لَا لبُطْلَان الْإِذْن بِبُطْلَان البيع، بل لعدم انتصاب الْإِذْن شُبْهَة تسْقط الْقصاص. وَلِأَن بيع الْيَمين لَيْسَ متضمناً لإسقاطها من قبل الْمُدَّعِي، بل لتمليكها للْمُشْتَرِي، وَهِي لَا تقبل التَّمْلِيك والتملك بل تسْقط بالإسقاط ضمنا، وَلم يُوجد فِي ضمن البيع إِسْقَاط. بِخِلَاف الصُّلْح عَنْهَا بِبَدَل، فَإِنَّهُ إِسْقَاط لَهَا لِأَنَّهُ بِأخذ

الْبَدَل أسقط خصومته فَتسقط ضمنا (ر: الدّرّ وحاشيته، قبيل التَّحَالُف) فَالْأولى عدم عده فِي مستثنيات الْقَاعِدَة. وَلَا يرد أَيْضا مَا تقدم فِي مستثنيات هَذِه الْقَاعِدَة (عَن الدّرّ وحاشيته، من البيع الْفَاسِد) من أَنه لَو سلم البَائِع الْعقار الْمَبِيع فَاسِدا لمشتريه، فَبنى أَو غرس فِيهِ، فَإِنَّهُ يَنْقَطِع حق الْمَالِك فِي الْفَسْخ وَلَا يُؤمر بِنَقْض الْبناء وَقلع الْغِرَاس، لِأَنَّهُ مُعَلل بِأَنَّهُ كَانَ بتسليط من البَائِع، كَمَا تقدم، والتسليط إِنَّمَا كَانَ فِي ضمن الْفِعْل وَهُوَ التَّسْلِيم لَا فِي ضمن العقد، لِأَن العقد الْفَاسِد لَا يتَضَمَّن التسليط، بل الَّذِي يتَضَمَّن التسليط هُوَ التَّسْلِيم. فَلَا يُقَال إِن العقد فِيهِ فَاسد لَا بَاطِل وَلم يُؤثر فَسَاده فِي فَسَاد التسليط الَّذِي تضمنه العقد. وَلَا يُقَال أَيْضا إِن التَّسْلِيم والتسليط إِذا لم يَكُونَا متضمنين للْعقد الْفَاسِد فهما مترتبان عَلَيْهِ وَالْعقد الْفَاسِد كَمَا يفْسد مَا تضمنه يفْسد مَا ترَتّب عَلَيْهِ كَمَا تقدم، وَذَلِكَ لِأَن العقد الْفَاسِد لَا يَقْتَضِي التَّسْلِيم بل يَقْتَضِي عَدمه قبل وجوده وإعدامه بعد وجوده بِالْفَسْخِ والتراد، فَلَا يُمكن اعْتِبَاره مترتباً عَلَيْهِ وَهُوَ يأباه. وَكَذَلِكَ لَا يرد مَا سَيَأْتِي تَحت الْكَلَام على الْمَادَّة / 57 " التَّبَرُّع لَا يتم إِلَّا بِالْقَبْضِ " وَهُوَ مَا لَو وهب مَا فِي بطن غنمه أَو ضرْعهَا، أَو سمناً فِي اللَّبن، أَو حلا فِي سمسم، أَو زيتاً فِي زيتون، أَو دَقِيقًا فِي حِنْطَة، لم يجز الْقَبْض وَإِن سلطه على قَبضه عِنْد الْولادَة أَو عِنْد اسْتِخْرَاج ذَلِك. وَلَا يُقَال: إِن عقد الْهِبَة الْمَذْكُور بَاطِل وَقد بَطل مَا ترَتّب عَلَيْهِ من التسليط على الْقَبْض، وَذَلِكَ لِأَن بطلَان التسليط الْمَذْكُور لَا لبُطْلَان عقد الْهِبَة، بل لعدم صلاحيته أَن يعْتَبر هبة مُسْتَقلَّة مُبتَدأَة، إِذْ الْهِبَة لَا تَنْعَقِد بالتسليط على الْقَبْض مُجَردا كَمَا هُوَ ظَاهر. وَكَذَلِكَ لَا يرد أَيْضا مَا نقل من أَن التعاطي إِنَّمَا يكون بيعا إِذا لم يكن مَبْنِيا على عقد فَاسد أَو بَاطِل. أما إِذا كَانَ فَلَا (رد الْمُحْتَار فِي بحث بيع التعاطي، نقلا عَن الْبَزَّازِيَّة. وَنَظِيره فِي أَوَاخِر الْفَنّ الثَّالِث من الْأَشْبَاه عَن الْخُلَاصَة) وَذَلِكَ أَن التعاطي لَيْسَ إِلَّا قبضا مَحْضا لَيْسَ مَعَه مَا يشْعر باستئناف البيع،

تنبيه مهم

وَتقدم العقد الْبَاطِل عَلَيْهِ يرجح حجَّة كَونه مرَادا بِنَاؤُه وترتبه عَلَيْهِ وَأَنه أثر من آثاره، فَلم يعْتَبر بيعا مُبْتَدأ، على أَن البيع بالتعاطي بيع مُسْتَقل، وَلَيْسَ متضمناً للْبيع السَّابِق، إِذْ الشَّيْء لَا يتَضَمَّن مثله، فَلَيْسَ مِمَّا نَحن فِيهِ. (تَنْبِيه مُهِمّ) المتضمن (بِفَتْح الْمِيم) للباطل إِذا لم يفرد عَنهُ بِالذكر بل اكْتفي بِثُبُوتِهِ فِي ضمنه فَلَا كَلَام فِي بُطْلَانه. أما إِذا أفرد ذكره مَعَه وَقرن بِهِ فَإِنَّمَا يبطل إِذا انتظمه العقد، بِأَن كَانَ حكما لَهُ. وَلَا يمْنَع بُطْلَانه تنصيص أحد الْعَاقِدين عَلَيْهِ وقصده بِالذكر، وَذَلِكَ مثل إِقْرَار المُشْتَرِي للْبَائِع بِثُبُوت الثّمن دينا لَهُ فِي ذمَّته، أَو إبراؤه ذمَّة البَائِع عَن اسْتِرْدَاد الثّمن الَّذِي دَفعه لَهُ بقوله: لَا حق لي قبله بِخُصُوص الثّمن وَلَا دَعْوَى. فَإِذا بَطل العقد بَطل مَا ذكر وَإِن كَانَ نَص عَلَيْهِ مُسْتقِلّا، لِأَنَّهُ حكم من أَحْكَامه على تَقْدِير صِحَّته فَإِن العقد الصَّحِيح يُوجب ثُبُوت الثّمن دينا للْبَائِع فِي ذمَّة المُشْتَرِي، وَيُوجب بَرَاءَة البَائِع عَن دَعْوَى المُشْتَرِي اسْتِرْدَاد الثّمن مِنْهُ بعد دَفعه لَهُ، فَكَانَ إِفْرَاده بِالذكر لما حصل بِنَفس العقد، فَلِذَا فسد بفساده. أما إِذا لم ينتظمه العقد بِأَن لم يكن حكما من أَحْكَامه بل كَانَ خَارِجا عَنهُ إِلَّا أَنه ذكر مَعَه وَقرن بِهِ فَإِنَّهُ لَا يبطل بِبُطْلَان العقد. فَلَو آجر مُتَوَلِّي الْوَقْف عقارا من عقاراته إِجَارَة فَاسِدَة وَأذن للْمُسْتَأْجر بتعميره وترميمه من مَاله فعمر ورمم، فَإِنَّهُ يرجع بِمَا أنفقهُ فِي غلَّة الْوَقْف، وَلَا يبطل الْإِذْن الْمَذْكُور بِبُطْلَان الْإِجَارَة لِأَنَّهَا تنتظمه، إِذْ لَيْسَ من حكم إِجَارَة عقار الْوَقْف تعمير الْمُسْتَأْجر لَهُ وترميمه من مَاله ليرْجع، بل لَا يملك ذَلِك الْمُسْتَأْجر إِلَّا بِإِذن خَاص مِمَّن لَهُ ولَايَة الْإِذْن، وَمَا وجود الْإِذْن بالتعمير بعد الْإِجَارَة وقرنه بهَا إِلَّا مثل إِذن الْمُتَوَلِي لَهُ بعْدهَا بِأَن يعمر ويرمم لَهُ فِي دَار نَفسه، أَو مثل إِقْرَار المُشْتَرِي للْبَائِع بعد عقد البيع الْفَاسِد بدين آخر غير الثّمن لَا يفْسد بِفساد عقد الْإِجَارَة أَو البيع. وَهَذَا كَمَا لَو رهن إِنْسَان شَيْئا بدين مُؤَجل وسلط الْعدْل على بَيْعه عِنْد حُلُول الْأَجَل إِن لم يدْفع الدّين، ثمَّ لم يسلم الرَّهْن وَحل الْأَجَل فالرهن بَاطِل، لِأَن صِحَّته بِالْقَبْضِ وَلم يُوجد. لَكِن لَو بَاعَ الْعدْل الرَّهْن فَالْبيع صَحِيح، لِأَن

التَّوْكِيل بِالْبيعِ لَا تقف صِحَّته على الْقَبْض. وَكَذَلِكَ لَو رهن مشَاعا وسلطه على بَيْعه، فالرهن بَاطِل للشيوع، وَالْوكَالَة بِالْبيعِ صَحِيحَة. (ر: الْبَدَائِع / 135 - 136 كتاب الرَّهْن) . يقطع الشَّك فِي ذَلِك مَا جَاءَ فِي التَّنْقِيح نقلا عَن الْفَتَاوَى الْكُبْرَى للصدر الشَّهِيد حَيْثُ أفتى فِيمَن آجر عقار الْوَقْف إِجَارَة طَوِيلَة، فأنفق الْمُسْتَأْجر فِي عِمَارَته بِأَمْر الْمُؤَجّر، بِأَنَّهُ إِن كَانَ للمؤجر ولَايَة فِي الْوَقْف فعلى الْمُسْتَأْجر أجر الْمثل فِي الْمدَّة الَّتِي كَانَت فِي يَده، لَا عِبْرَة بِمَا سمى. وَفِي هَامِش التَّنْقِيح مَا لَفظه: قَوْله " فعلى الْمُسْتَأْجر أجر الْمثل " أَي لِأَن الْإِجَارَة الطَّوِيلَة الزَّائِدَة على سنة فَاسِدَة. (انْتهى) . وَيرجع الْمُسْتَأْجر بِالَّذِي أنْفق فِي غلَّة الْوَقْف. وَإِن لم يكن للمؤجر ولَايَة فِي الْوَقْف فالمستأجر مُتَطَوّع لَا يرجع لَا على الْمُؤَجّر وَلَا على غلَّة الْوَقْف، لِأَنَّهُ لما لم يكن لَهُ ولَايَة كَانَ وجود الْأَمر كَعَدَمِهِ، وَلَو أنْفق بِدُونِ أَمر لَا يرجع على أحد (انْتهى مُلَخصا) . فقد اعْتبر الْإِذْن وَجعله مُوجبا للرُّجُوع مَعَ أَن الْإِجَارَة فَاسِدَة، وَمَا ذَلِك إِلَّا لكَون الْإِذْن بِالْإِنْفَاقِ لَيْسَ خَاصّا بالمستأجر، وَلكَون إِنْفَاق الْمُسْتَأْجر على الْعقار لَيْسَ من مواجب العقد وَلَا حكما من أَحْكَامه، فَذكره وَالْإِذْن بِهِ بعد العقد لَا يَجعله من متضمنات العقد فَلَا يفْسد بفساده. وَنقل فِي التَّنْقِيح، من الْإِجَارَة، عَن أَوَائِل إِجَارَة " الْخَيْرِيَّة " مَا يُوَافق ذَلِك. وعَلى هَذَا فَمَا وجد فِي التَّنْقِيح فِي عدَّة محلات من الْوَقْف وَالْإِجَارَة مُصَرحًا فِيهَا بِفساد الْإِذْن لفساد الْإِجَارَة مُسْتَندا فِي ذَلِك تَارَة لإِطْلَاق قَوْلهم: " إِذا بَطل المتضمن بَطل المتضمن " وَتارَة لقَولهم: " إِذا آجر الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَلم يكن مُتَوَلِّيًا وَأذن للْمُسْتَأْجر بالعمارة فأنفق كَانَ مُتَطَوعا ". فَمَا كَانَ فِيهِ فَسَاد الْإِذْن لعدم أَهْلِيَّة الْآذِن وَعدم ولَايَة الْإِذْن لَا يعول عَلَيْهِ، بل هُوَ سَهْو ظَاهر. وَقد أفتى فِي الحامدية، فِي الْإِجَارَة، بِاعْتِبَار إِذن الْمُتَوَلِي للْمُسْتَأْجر مِنْهُ إِجَارَة فَاسِدَة بتعمير مَا تحْتَاج إِلَيْهِ العقارات من مَاله، ليَكُون مَا صرفه مرْصدًا لَهُ على رَقَبَة الْمَأْجُور، وَبِأَن للمتولي محاسبته بِتمَام أجر الْمثل ومساقطته بِهِ من الْمبلغ الَّذِي صرفه بعد ثُبُوت المرصد.

خاتمة

ثمَّ اسْتشْكل فِي التَّنْقِيح بِأَن الْإِجَارَة فَاسِدَة فَيفْسد مَا فِي ضمنهَا من الْإِذْن بالعمارة. وَنقل عَن جد الْمُؤلف أَن الْإِذْن بالغراس بَاطِل إِذا فَسدتْ الْإِجَارَة، وَعلله بِأَن الشَّيْء إِذا بَطل بَطل مَا فِي ضمنه ثمَّ قَالَ: لَكِن فِي أَوَائِل إجارات الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّة مَا يُخَالِفهُ، مَعَ أَنه لَا إِشْكَال أصلا، وَمَا فِي الْخَيْرِيَّة هُوَ الْمُوَافق للمنقول، بل هُوَ الْمَعْقُول. وَمِمَّا يثبت ذَلِك أَيْضا الْفَرْع الْأَخير من الْفُرُوع الَّتِي خرجت عَن الْقَاعِدَة، فَإِن عقد الرَّهْن لَيْسَ من مواجب عقد البيع وَلَا حكما لَهُ، بل عقد آخر اقْترن بِهِ، فَلِذَا لم يبطل بِبُطْلَانِهِ، وَإِنَّمَا صَحَّ الرَّهْن مَعَ أَنه تبين أَن لَا دين، لِأَن الرَّهْن يَصح بِالدّينِ الموهوم كَمَا هُنَا. (خَاتِمَة) الشَّيْء إِذا ثَبت ضمنا لشَيْء آخر فَإِنَّمَا يثبت بِشُرُوط المتضمن لَهُ لَا بِشُرُوط نَفسه، كَمَا لَو قَالَ لامْرَأَة: زوجيني نَفسك كَانَ توكيلاً - على أحد الْقَوْلَيْنِ - لكنه يقْتَصر على الْمجْلس، لِأَن المتضمن (بِفَتْح الْمِيم) لَا تعْتَبر شُرُوطه بل شُرُوط المتضمن (بِالْكَسْرِ) ، وَالْأَمر طلب للنِّكَاح فتشترط فِيهِ شُرُوط النِّكَاح من اتِّحَاد الْمجْلس فِي ركنيه، لَا شُرُوط مَا فِي ضمنه من الْوكَالَة، حَتَّى لَو ثَبت عقد البيع ضمنا، كَمَا فِي أعتق عَبدك عني بِكَذَا لم يشْتَرط فِيهِ الْإِيجَاب وَالْقَبُول، وَلَا يثبت فِيهِ خِيَار الرُّؤْيَة وَالْعَيْب، وَلَا يشْتَرط كَونه مَقْدُور التَّسْلِيم (ر: رد الْمُخْتَار، أَوَائِل كتاب النِّكَاح، عَن " الْمنح "، عِنْد قَول الْمَتْن: وَينْعَقد بِمَا وضع أَحدهمَا لَهُ وَالْآخر للاستقبال كَمَا فِي زوجيني) . وَنَظِير ذَلِك مَا جَاءَ فِي الدُّرَر، من بَاب ثُبُوت النّسَب، من أَن مَا ثَبت تبعا لَا تراعى فِيهِ شَرَائِط الأَصْل، وَذَلِكَ كَمَا لَو أقرّ رجلَانِ من الْوَرَثَة، أَو رجل وَامْرَأَتَانِ، بِابْن للْمَيت ثَبت النّسَب فِي حق غَيرهم وَلَا تشْتَرط لَهُ شُرُوط الشَّهَادَة.

صفحة فارغة

القاعدة الثانية والخمسون

(الْقَاعِدَة الثَّانِيَة وَالْخَمْسُونَ (الْمَادَّة / 53)) (إِذا بَطل الأَصْل يُصَار إِلَى الْبَدَل) (أَولا: الشَّرْح) " إِذا بَطل الأَصْل " بِأَن صَار متعذراً " يُصَار إِلَى الْبَدَل ". أما مَا دَامَ الأَصْل مُمكنا فَلَا يُصَار إِلَى الْبَدَل، فَيجب رد عين الْمَغْصُوب إِذا كَانَ قَائِما فِي يَد الْغَاصِب، لِأَنَّهُ تَسْلِيم عين الْوَاجِب، وَهُوَ الأَصْل على الرَّاجِح، لِأَنَّهُ رد صُورَة وَمعنى وَتَسْلِيم الْبَدَل رد معنى فَقَط، وَهُوَ مخلص وَخلف عَن الْوَاجِب، وَالْخلف لَا يُصَار إِلَيْهِ إِلَّا عِنْد الْعَجز عَن الأَصْل. أما إِذا تعذر رد الأَصْل، وَهُوَ رد عين الْمَغْصُوب بِأَن كَانَ هَالكا أَو مُسْتَهْلكا، فَيجب حِينَئِذٍ رد بدله من مثل أَو قيمَة (ر: الْمَادَّة / 891 / من الْمجلة) . وَكَذَا لَو عقد الْإِجَارَة على شهر، فَإِن وَقع العقد فِي ابْتِدَاء الشَّهْر اعْتبر الْهلَال، إِذْ هُوَ الأَصْل، وَإِن فِي أَثْنَائِهِ تعذر اعْتِبَار الأَصْل وَهُوَ الْهلَال، فيصار إِلَى الْبَدَل وَهُوَ الْأَيَّام. وَكَذَا لَو بَاعَ بِالْوكَالَةِ عَن الْمَالِك، وَكَانَ للْمُشْتَرِي دين على الْمُوكل وَدين على الْوَكِيل، تقع الْمُقَاصَّة بدين الْمُوكل دون دين الْوَكِيل. فَإِذا لم يكن لَهُ دين على الْمُوكل بل كَانَ دينه على الْوَكِيل فَقَط وَقعت الْمُقَاصَّة بِهِ، وَيضمن الْوَكِيل للْمُوكل، لِأَنَّهُ قضى دينه بِمَالِه (ر: رد الْمُحْتَار، من الْوكَالَة، قبيل بَاب الْوكَالَة بِالْبيعِ وَالشِّرَاء، نقلا عَن الْعَيْنِيّ) .

ثانيا التطبيق

(ثَانِيًا: التطبيق ( وَمِمَّا يتَفَرَّع على هَذِه الْمَادَّة أَيْضا مَا قدمْنَاهُ تَحت الْقَاعِدَة الثَّانِيَة: " الْعبْرَة فِي الْعُقُود للمقاصد والمعاني " من أَن الْغَاصِب إِذا أعْطى للْمَغْصُوب مِنْهُ رهنا بِعَين الْمَغْصُوب، ثمَّ تلفت الْعين الْمَغْصُوبَة فِي يَد الْغَاصِب، فَإِن الرَّهْن يكون حِينَئِذٍ رهنا ببدلها من مثل أَو قيمَة. وَأَن الْمُسلم إِلَيْهِ لَو أعْطى لرب السّلم رهنا بِعَين الْمُسلم فِيهِ ثمَّ انْفَسَخ عقد السّلم بِوَجْه مَا، فَإِن الرَّهْن يصير رهنا بِرَأْس مَال السّلم الَّذِي قَبضه الْمُسلم إِلَيْهِ. وَكَذَا يجب تَسْلِيم عين بدل الْإِجَارَة إِذا كَانَ عرضا، فَإِذا هلك الْعرض قبل تَسْلِيمه يجب أجر الْمثل بَالغا مَا بلغ (كَمَا فِي الْفَصْل / 20 / من جَامع الْفُصُولَيْنِ، صفحة / 52) . وَمِمَّا يتَفَرَّع عَلَيْهَا أَيْضا مَا كتب تَحت الْمَادَّة / 76 /، عَن " معِين الْحُكَّام " من الْبَاب السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ، من الْقَضَاء بِدَعْوَى الْوَقْف وَالشَّهَادَة عَلَيْهِ، من أَنه لَو ادّعى دَارا فَقَالَ ذُو الْيَد: إِنَّه وقف على الْفُقَرَاء وَأَنا متولٍ عَلَيْهِ، صَحَّ إِقْرَاره وَيكون وَقفا. فَلَو أَرَادَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفه ليَأْخُذ الدَّار لَو نكل لَا يحلف اتِّفَاقًا، وَلَو أَرَادَ تَحْلِيفه ليَأْخُذ الْقيمَة فعلى قِيَاس قَول مُحَمَّد يحلفهُ وَإِن نكل يَأْخُذ مِنْهُ الْقيمَة، ويفتى بقول مُحَمَّد. وعَلى هَذَا لَو أقرّ بِالدَّار لِابْنِهِ الصَّغِير (أَي إِنَّه يسْتَحْلف لأخذ قيمتهَا مِنْهُ) . وَكَذَلِكَ لَو ادّعى على الْوَرَثَة عينا كَانَ وَقفهَا مُورثهم فِي صِحَّته فأقروا لَهُ ضمنُوا قيمَة الْعين من التَّرِكَة، وَلَا يبطل الْوَقْف بإقرارهم. وَلَو أَنْكَرُوا فَلهُ تحليفهم لأخذ الْقيمَة، أما لَو أَرَادَ تحليفهم لأخذ الْوَقْف، فَلَا يَمِين لَهُ عَلَيْهِم. انْتهى مُلَخصا.

فَإِن هَذِه الْمسَائِل صير فِيهَا إِلَى الْبَدَل عِنْد عدم إِمْكَان الأَصْل. وَمِمَّا يتَفَرَّع عَلَيْهَا أَيْضا: مَا لَو كَانَ رَأس مَال السّلم قيمياً كالحيوان، فَقَبضهُ الْمُسلم إِلَيْهِ فَهَلَك فِي يَده ثمَّ تَقَايلا، أَو تَقَايلا ثمَّ هلك، صحت الْإِقَالَة، وَعَلِيهِ قِيمَته لرب السّلم، (كَمَا أَفَادَهُ فِي الدُّرَر، من أَوَاخِر السّلم) .

صفحة فارغة.

القاعدة الثالثة والخمسون

(الْقَاعِدَة الثَّالِثَة وَالْخَمْسُونَ (الْمَادَّة / 54)) (يغْتَفر فِي التَّابِع مَا لَا يغْتَفر فِي الْمَتْبُوع) (أَولا: الشَّرْح) " يغْتَفر " أَي يتَسَامَح ويتساهل " فِي التَّابِع " أَي مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ غَيره، سَوَاء كَانَ من حُقُوق الْمَتْبُوع الْمُشْتَمل أَو لوازمه أَو عقدا أَو فسخا متضمناً لَهُ (بِفَتْح الْمِيم) أَو من حُقُوق عقد مُتَعَلق بِهِ، كَمَا يَتَّضِح ذَلِك من الْفُرُوع الْآتِيَة على طَرِيق النشر الْمُرَتّب " مَا لَا يغْتَفر فِي الْمَتْبُوع " أَي يغْتَفر فِي التَّابِع مَا دَامَ تَابعا مَا لَا يغْتَفر فِيهِ إِذا صَار متبوعاً، أَي أصلا ومقصوداً. وَيقرب من هَذَا قَوْلهم فِي الْقَاعِدَة / 48: " التَّابِع لَا يفرد بالحكم ". وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا. (ثَانِيًا: التطبيق) مِمَّا يتَفَرَّع على هَذِه الْقَاعِدَة: مَا لَو بَاعَ عقارا يدْخل غير مَا كَانَ فِي ملك خَاص. أما مَا كَانَ فِي ملك خَاص فَلَا بُد من التَّنْصِيص عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ، أَو على الْحُقُوق والمرافق، كَمَا تقدم فِي شرح الْمَادَّة / 47 / من الْحُقُوق والمرافق تبعا. وَلَو أورد العقد عَلَيْهَا قصدا لَا يَصح. وَمِنْه: مَا لَو وقف الْعقار ببقره وأكرته يَصح. وَيغْتَفر دُخُول الْبَقر والأكارين تبعا، لِأَنَّهُمَا من حوائج الْمَتْبُوع ولوازمه، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار) . وَلَو أَرَادَ الْوَقْف عَلَيْهَا مُنْفَرِدَة لَا يَصح إِلَّا عِنْد مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى إِذا كَانَ فِيهَا تعامل.

وَمِنْه: مَا لَو أعتق أحد الشَّرِيكَيْنِ حِصَّته من العَبْد الْمُشْتَرك، ثمَّ اشْترى حِصَّة شَرِيكه السَّاكِت، فَإِنَّهُ لَا يَصح وَلَا يملك السَّاكِت نقل ملكه إِلَى أحد. وَلَكِن إِذا أدّى الْمُعْتق الضَّمَان لشَرِيكه السَّاكِت ملكه واغتفر التَّمْلِيك والتملك لِأَنَّهُ وجد ضمنا وتبعاً. وَمِنْه: مَا لَو زوجه فُضُولِيّ امْرَأَة، ثمَّ أَرَادَ الْفُضُولِيّ فسخ النِّكَاح فَإِنَّهُ لَا يَنْفَسِخ. وَلَكِن لَو وكل الرجل الْفُضُولِيّ أَن يُزَوجهُ امْرَأَة فَزَوجهُ إِيَّاهَا أَو أُخْتهَا انْفَسَخ العقد الأول ضمنا. وَمِنْه: مَا لَو وكل المُشْتَرِي البَائِع فِي قبض الْمَبِيع فَقَبضهُ لَا يَصح قَبضه عَنهُ، لِأَن الْوَاحِد لَا يصلح مُسلما ومتسلماً، حَتَّى لَو هلك فِي يَده، وَالْحَالة هَذِه، يهْلك عَلَيْهِ لَا على المُشْتَرِي. أما لَو أعْطى للْبَائِع جوالقاً ليكيل وَيَضَع فِيهِ الطَّعَام الْمَبِيع فَقبل صَحَّ التَّوْكِيل فِي ضمن الْأَمر بِالْكَيْلِ والوضع فِي الجوالق تبعا، وَكَانَ ذَلِك قبضا من المُشْتَرِي. وَمن حُقُوق العقد الْمُتَعَلّق بالمتبوع أَيْضا الْوَكِيل بِقَبض الْمَبِيع إِذا رَآهُ فأسقط خِيَار رُؤْيَة مُوكله قبل أَن يقبضهُ أَو بَعْدَمَا قَبضه لَا يسْقط. وَلَكِن لَو قَبضه وَهُوَ يرَاهُ سقط خِيَار مُوكله عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى تبعا لصِحَّة الْقَبْض، خلافًا لَهما.

القاعدة الرابعة والخمسون

(الْقَاعِدَة الرَّابِعَة وَالْخَمْسُونَ (الْمَادَّة / 55)) (" يغْتَفر فِي الْبَقَاء مَا لَا يغْتَفر فِي الِابْتِدَاء ") (أَولا _ الشَّرْح) " يغْتَفر " أَي قد يتَسَامَح ويتساهل " فِي الْبَقَاء " أَي فِي خلال الْأَمر وأثناءه " مَا لَا يغْتَفر فِي الِابْتِدَاء ". وَذَلِكَ لِأَن الْبَقَاء أسهل من الِابْتِدَاء، كَمَا هُوَ نَص الْمَادَّة الْآتِيَة. وَلذَلِك كَانَ الِاسْتِصْحَاب يَكْفِي حجَّة للدَّفْع لَا للاستحقاق، لِأَن الدّفع: عبارَة عَن اسْتِبْقَاء وَتَقْرِير مَا كَانَ على مَا كَانَ عَلَيْهِ. والاستحقاق: نزع وَابْتِدَاء. وَرفع الأول أسهل، فاكتفي فِيهِ بالاستصحاب حجَّة، بِخِلَاف الثَّانِي، فَإِنَّهُ أهم فَلَا بُد فِيهِ من الْبَيِّنَة. فقد قَالَ أَبُو يُوسُف، رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ فِي كتاب الْخراج: " لَا ينْزع شَيْء من يَد أحد إِلَّا بِحَق ثَابت مَعْرُوف ". (ثَانِيًا _ التطبيق) مِمَّا فرع على هَذِه الْقَاعِدَة: مَا لَو وهب حِصَّة شائعة قَابِلَة للْقِسْمَة فَإِنَّهُ لَا يَصح. وَلَكِن إِذا وهب عينا بِتَمَامِهَا ثمَّ اسْتحق جُزْء شَائِع مِنْهَا، أَو رَجَعَ الْوَاهِب فِي جُزْء مِنْهَا شَائِع لَا تفْسد الْهِبَة فِي الْبَاقِي وَإِن كَانَ شَائِعا يقبل الْقِسْمَة. وَمِنْه: مَا لَو آجر مشَاعا فَإِنَّهُ لَا يَصح، سَوَاء كَانَ يقبل الْقِسْمَة أَو لَا. وَلَكِن لَو طَرَأَ الشُّيُوع بعد العقد بِأَن آجر عقارا بِتَمَامِهِ ثمَّ اسْتحق جُزْء مِنْهُ شَائِع، أَو تفاسخ العاقدان الْإِجَارَة فِي بعض شَائِع مِنْهُ، تبقى الْإِجَارَة فِي الْبَاقِي وَإِن كَانَ شَائِعا.

وَمِنْه: أَن الْوَكِيل بِالْبيعِ لَا يملك التَّوْكِيل بِدُونِ إِذن مُوكله أَو تفويضه. وَلَكِن إِذا بَاعَ فُضُولِيّ عَنهُ فَبَلغهُ فَأجَاز جَازَ مَعَ أَن الْإِجَارَة اللاحقة كَالْوكَالَةِ السَّابِقَة. وَلَا يرد الْوَكِيل بِالشِّرَاءِ حَيْثُ لَا تصح إِجَازَته لشراء الْفُضُولِيّ، لِأَن الشِّرَاء لَا يتَوَقَّف، فَإِنَّهُ إِذا لم يجد نفاذاً على الْمَعْقُود لَهُ نفذ على الْعَاقِد، وَبعد نفاذه على الْعَاقِد، وَهُوَ هُنَا الْفُضُولِيّ، ملكه فَلَا ينْتَقل ملكه بِإِجَازَة الْوَكِيل. وَمِنْه: مَا لَو اعْترفت الْمَرْأَة بالعدة، فَإِنَّهَا تمنع عَن التَّزَوُّج. أما لَو تزوجت ثمَّ ادَّعَت الْعدة فَإِنَّهَا لَا يلْتَفت إِلَيْهَا، وَيكون القَوْل قَول الزَّوْج. وَمِنْه: مَا فِي الْبَدَائِع من أَنه لَو طرأت الْعدة على الْمَرْأَة بعد النِّكَاح، كَمَا لَو وطِئت بِشُبْهَة لَا يبطل نِكَاحهَا، بِخِلَاف مَا لَو عقد عَلَيْهَا وَهِي مُعْتَدَّة فَإِن النِّكَاح لَا يَصح. وَكَذَلِكَ مَا لَو أبق العَبْد بعد البيع، فَإِن البيع لَا يفْسد. بِخِلَاف مَا لَو بَاعه وَهُوَ آبق فَإِن العقد حينئذٍ غير صَحِيح. انْتهى موضحاً. وَمِنْه: مَا لَو شرى دَارا بِخِيَار لَهُ، فدام على السُّكْنَى فِيهَا لَا يبطل خِيَاره. وَلَو ابْتَدَأَ السُّكْنَى فِيهَا بَطل خِيَاره. (ر: معِين الْحُكَّام، من الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ) . وَمَا يتَفَرَّع عَلَيْهَا أَيْضا: أَن البيع بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاء لَا يَصح. أما بعد تَمام العقد فَإِنَّهُ يَصح. وَمِنْه: أَنه لَو عقد البيع بِثمن مُؤَجل إِلَى أجل مَجْهُول جَهَالَة يسيرَة، كالحصاد والدياس لَا يَصح. وَلَو عقد خَالِيا عَن الْأَجَل ثمَّ أَجله بعد العقد إِلَى الْحَصاد أَو الدياس يَصح. وَمِنْه: أَن الزَّوْجَة لَا تملك حط الْمهْر عَن الزَّوْج فِي ابْتِدَاء العقد. فَلَو عقدت مَعَه النِّكَاح على أَن لَا مهر لَهَا لم يَصح الْحَط وَوَجَب مهر الْمثل. وَلَو حطت الْمهْر عَن الزَّوْج بعد العقد صَحَّ حطها وَبرئ الزَّوْج عَن الْمهْر (ر: الدُّرَر، بَاب الْمهْر) . وَمِنْه: مَا لَو عقد الْمُتَبَايعَانِ البيع ابْتِدَاء بِلَا ثمن فسد البيع، وَلَو تعاقدا

تنبيه

بِثمن ثمَّ حط البَائِع عَن المُشْتَرِي صَحَّ حطه وَلَا يفْسد البيع (ر: الدُّرَر وحاشيته، بَاب التَّصَرُّف بِالْمَبِيعِ وَالثمن) . (تَنْبِيه:) إِنَّمَا أَتَيْنَا بِلَفْظ " قد " فِي تَفْسِير لَفْظَة " يغْتَفر " إِشَارَة إِلَى أَن هَذِه الْقَاعِدَة لَيست مطردَة عَامَّة، بل قد تتخلف كَمَا فِي الرَّهْن، فَإِنَّهُ يُفْسِدهُ الشُّيُوع الطَّارِئ كالمقارن، فَلم يغتفروا فِيهِ فِي الْبَقَاء كَمَا اغتفروا فِي الْهِبَة وَالْإِجَارَة. (تَنْبِيه آخر:) مَشى صدر الشَّرِيعَة وَابْن كَمَال على أَن الشُّيُوع بِالِاسْتِحْقَاقِ شيوع طَارِئ، وَنَقله الْقُهسْتَانِيّ أَيْضا عَن النِّهَايَة وَغَيرهَا، وَعَلِيهِ مِثَال الْمَادَّة الْمَذْكُورَة. وَمَشى فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ وَالْخَانِيَّة وَغَيرهمَا على أَنه شيوع مُقَارن يفْسد الْهِبَة. فَالظَّاهِر أَن فِي الْمَسْأَلَة رِوَايَتَيْنِ. (ثَالِثا _ الْمُسْتَثْنى) يسْتَثْنى من هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل اغتفر فِيهَا فِي الِابْتِدَاء مَا لم يغْتَفر فِي الْبَقَاء: (أ) مِنْهَا مَا لَو فوض طَلَاق امْرَأَته لعاقل، فجن فَطلق لم يَقع. وَلَو فوض إِلَيْهِ مَجْنُونا فَطلق وَقع. (ب) وَمِنْهَا: مَا لَو وكل عَاقِلا بِالْبيعِ، فجن جنوناً يعقل مَعَه البيع وَالشِّرَاء، فَبَاعَ، لم ينفذ. وَلَو وَكله _ وَهُوَ بِهَذِهِ الْحَالة من الْجُنُون _ فَبَاعَ نفذ (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، من بَاب تَفْوِيض الطَّلَاق) . (ج) وَمِنْهَا: مَا لَو ولى السُّلْطَان قَاضِيا عدلا ففسق، انْعَزل _ على قَول _ وَلَو ولاه فَاسِقًا صَحَّ. (د) وَمِنْهَا: مَا لَو أذن لعَبْدِهِ فِي التِّجَارَة، فأبق انحجر. وَلَو أذن لَهُ _ وَهُوَ آبق _ صَحَّ. (ر: الْأَشْبَاه، من قَاعِدَة " يغْتَفر فِي التوابع مَا لَا يغْتَفر فِي غَيرهَا ") .

(هـ) وَمِنْهَا: مَا لَو ارْتَدَّ الْمُسلم فَإِن وَقفه الَّذِي وَقفه حَال إِسْلَامه يبطل. وَأما لَو وقف الْمُرْتَد عقاره ابْتِدَاء فِي حَال ردته، فَإِن كَانَ امْرَأَة صَحَّ وَقفهَا لِأَنَّهَا لَا تقتل بِالرّدَّةِ. وَإِن كَانَ رجلا يتَوَقَّف وَقفه، فَإِن عَاد مُسلما صَحَّ، وَإِن قتل أَو مَاتَ بَطل (ر: الدّرّ وحاشيته، من أَوَائِل كتاب الْوَقْف) . (و) وَمِنْهَا مَا نصوا عَلَيْهِ فِي الْوَقْف من الدُّرَر وَغَيرهَا: لَو وقف على وَلَده، وَلَيْسَ لَهُ ولد، وَله ولد ولد، صرف إِلَى ولد وَلَده. وَلَو كَانَ لَهُ ولد وَقت الْوَقْف ثمَّ مَاتَ يصرف إِلَى الْفُقَرَاء لَا إِلَى ولد الْوَلَد. فقد اغتفر فِي هَذَا الْفَرْع فِي الِابْتِدَاء فصرف إِلَى ولد الْوَلَد عِنْد عدم الْوَلَد مَا لم يغْتَفر فِي الْبَقَاء، إِذْ لم يصرف إِلَى ولد الْوَلَد عِنْد موت الْوَلَد.

القاعدة الخامسة والخمسون

(الْقَاعِدَة الْخَامِسَة وَالْخَمْسُونَ (الْمَادَّة / 56)) (" الْبَقَاء أسهل من الِابْتِدَاء ") هَذِه الْقَاعِدَة هِيَ أصل الْمَادَّة السَّابِقَة. وَجَمِيع مَا قيل فِي تِلْكَ وَمَا تفرع عَلَيْهَا يُمكن أَن يجْرِي فِي هَذِه. فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمهَا عَلَيْهَا ليَكُون ذكر تِلْكَ بعْدهَا فِي قُوَّة التَّفْرِيع عَلَيْهَا. إِلَّا أَن يدعى أَنَّهَا أخرت عَنْهَا لتَكون بِمَثَابَة التَّعْلِيل لَهَا، وَهُوَ حسن.

((الصفحة فارغة))

القاعدة السادسة والخمسون

(الْقَاعِدَة السَّادِسَة وَالْخَمْسُونَ (الْمَادَّة / 57)) (" لَا يتم التَّبَرُّع إِلَّا بِالْقَبْضِ ") (الشَّرْح، مَعَ التطبيق) لَا يتم التَّبَرُّع إِلَّا بِالْقَبْضِ، لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا تجوز الْهِبَة إِلَّا مَقْبُوضَة "، وَلما رُوِيَ عَن السادات أبي بكر وَعمر وَابْن عَبَّاس ومعاذ بن جبل رَضِي الله عَنْهُم أَنهم قَالُوا: لَا تتمّ الصَّدَقَة إِلَّا بِالْقَبْضِ، وَلِأَن عقد التَّبَرُّع لَو تمّ بِدُونِ قبض لثبت للمتبرع عَلَيْهِ مُطَالبَة الْمُتَبَرّع بِالتَّسْلِيمِ فَيصير عقد ضَمَان، وَهُوَ تَغْيِير للمشروع. وَلَا فرق فِي اشْتِرَاط الْقَبْض لتَمام التَّبَرُّع بَين مَا كَانَ تَبَرعا ابْتِدَاء وانتهاء كالهدية وَالصَّدَََقَة (وَالْفرق بَين الصَّدَقَة وَالْهِبَة أَن الْهِبَة يشْتَرط لَهَا أَن لَا تكون شائعة قَابِلَة للْقِسْمَة. وَفِي الصَّدَقَة لَا يشْتَرط ذَلِك إِذا كَانَت بَين اثْنَيْنِ، كَمَا لَو تصدق على اثْنَيْنِ مشَاعا) وَالْهِبَة بِلَا شَرط عوض، وَبَين مَا كَانَ تَبَرعا ابْتِدَاء مُعَاوضَة انْتِهَاء، كَالْهِبَةِ بِشَرْط الْعِوَض وَالْقَرْض وَالرَّهْن، فَإِن الْقَبْض شَرط لتَمام جَمِيعهَا. فَإِذا وجد (أَي الْقَبْض) مُسْتَوْفيا شُرُوط صِحَّته، تمت (أَي تِلْكَ الْعُقُود التبرعية) وَإِلَّا فَلَا. وشروط صِحَّته: 1 - أَن يكون بِإِذن الْمَالِك صَرِيحًا، نَحْو: اقبضه أَو أَذِنت لَك بِالْقَبْضِ، أَو رضيت، وَمَا شاكل ذَلِك. فَيجوز قَبضه وَلَو بعد الِافْتِرَاق. أَو دلَالَة، وَذَلِكَ

تنبيه

أَن يقبض الْعين فِي الْمجْلس وَلَا ينهاه، إِذا كَانَت الْعين لَا تحْتَاج إِلَى الْفَصْل عَن غَيرهَا. فَلَو تحْتَاج إِلَى الْفَصْل عَن غَيرهَا، كالثمر على الشّجر وَالصُّوف على الْغنم والحلية على السَّيْف والقفيز من الصُّبْرَة، ففصلها وَقَبضهَا بِدُونِ إِذْنه الصَّرِيح لم يجز الْقَبْض سَوَاء كَانَ الْفَصْل وَالْقَبْض بِحَضْرَة الْمَالِك أَو لَا. 2 - وَأَن يكون الْمَقْبُوض غير مَشْغُول وَقت الْقَبْض بِغَيْرِهِ، وَإِن كَانَ شاغلاً يَصح، كَمَا لَو وهب الْحمل على الدَّابَّة، أَو الْحِنْطَة فِي الجوالق وَنَحْو ذَلِك. فَلَو وهب دَابَّة عَلَيْهَا حمل، أَو دَارا فِيهَا مَتَاع الْوَاهِب وَسلمهَا مَعَ الشاغل لم يجز الْقَبْض، بِخِلَاف مَتَاع غير الْوَاهِب فَإِنَّهُ لَا يمْتَنع صِحَة الْقَبْض. 3 - وَأَن لَا يكون الْمَقْبُوض مُتَّصِلا بِغَيْرِهِ اتِّصَال الْأَجْزَاء، لِأَنَّهُ حينئذٍ فِي معنى الْمشَاع. فَلَو وهب الزَّرْع دون الأَرْض، أَو الأَرْض دون الزَّرْع، أَو الثَّمر دون الشّجر، أَو الشّجر دون الثَّمر، وَسلمهَا جَمِيعًا لم يجز الْقَبْض. 4 - وَأَن يكون الْمَقْبُوض محلا للقبض. فَلَو وهب مَا فِي بطن غنمه أَو ضرْعهَا، أَو سمناً فِي اللَّبن، أَو حلا فِي سمسم، أَو زيتاً فِي زيتون، أَو دَقِيقًا فِي حِنْطَة، لم يجز الْقَبْض، وَإِن سلطه على قَبضه عِنْد الْولادَة أَو عِنْد اسْتِخْرَاج ذَلِك. 5 - وَأَن يكون الْقَابِض أَهلا للقبض. فَلَا يجوز قبض الْمَجْنُون وَالصَّغِير الَّذِي لَا يعقل. 6 - وَأَن يكون هُنَاكَ ولَايَة لمن يقبض بطرِيق النِّيَابَة. فَيقبض للصَّغِير أَبوهُ، أَو وَصِيّه، أَو جده أَبُو أَبِيه، أَو وَصِيّ جده، سَوَاء كَانَ الصَّغِير فِي عِيَالهمْ أَو لَا. وَيجوز قبض غير هَؤُلَاءِ مَعَ وجود وَاحِد مِنْهُم إِن كَانَ الصَّغِير فِي عِيَال من يُرِيد الْقَبْض، وَلَو زوجا لصغيرة. وَلَا يجوز قبض من لَيْسَ الصَّغِير فِي عِيَاله وَلَو ذَا رحم محرم مِنْهُ، على مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى من قَوْلَيْنِ مصححين. (تَنْبِيه:) الْقَبْض السَّابِق يَنُوب عَن الْقَبْض اللَّاحِق إِذا كَانَ السَّابِق مثل اللَّاحِق أَو أقوى مِنْهُ. أما إِذا كَانَ دونه فَلَا. فينوب قبض الْأَمَانَة مثل الْوَدِيعَة وَالْعَارِية

تنبيه آخر

عَن قبض التَّبَرُّع، لِأَنَّهُ مثله. وَكَذَلِكَ يَنُوب عَنهُ قبض الْغَصْب وَالْبيع الْفَاسِد وَالْقَبْض على سوم الشِّرَاء لِأَنَّهُ أقوى، إِذْ هُوَ قبض ضَمَان. وَلَا يحْتَاج فِي جَمِيع ذَلِك إِلَى تَجْدِيد الْقَبْض، بل يصير قَابِضا بِمُجَرَّد العقد. بِخِلَاف مَا لَو بَاعَ الْأَمَانَة مِمَّن هِيَ عِنْده، فَإِنَّهُ لَا يَنُوب قبض الْأَمَانَة عَن قبض البيع، لِأَن قبض البيع قبض ضَمَان، وَقبض الْأَمَانَة دونه، فَلَا يَنُوب عَنهُ بل لَا بُد من تَجْدِيد الْقَبْض بِأَن يخلي بَين نَفسه وَبَين الْأَمَانَة الْمَبِيعَة بعد العقد. بَقِي مَا لَو كَانَ مَقْبُوضا فِي يَده بِحكم الْملك فَبَاعَهُ مِمَّن هُوَ تَحت ولَايَته فَإِنَّهُ لَا يَنُوب قَبضه بِحكم الْملك عَن قَبضه بِحكم التَّمْلِيك بعوض للمولي عَلَيْهِ، بل لَا بُد من التَّمَكُّن من تَجْدِيد الْقَبْض عَلَيْهِ حَقِيقَة، فقد قَالَ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَو بَاعَ مَاله من وَلَده الصَّغِير لَا يعْتَبر قَابِضا لوَلَده بِمُجَرَّد العقد، حَتَّى لَو هلك قبل التَّمَكُّن من قَبضه حَقِيقَة هلك على الْأَب (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل السَّابِع وَالْعِشْرين) . (تَنْبِيه آخر:) ذكر فِي آخر الْفَصْل السَّابِع عشر من جَامع الْفُصُولَيْنِ أَن الْقَبْض بطرِيق المساومة لَا يكون قبضا للْمَبِيع، فَللْبَائِع أَخذه من المُشْتَرِي بعد البيع للثّمن. فَلَو فَارقه البَائِع قبل أَن يطْلب أَخذه مِنْهُ فَهَذَا رضَا مِنْهُ بِقَبْضِهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَن يسْتَردّهُ. ثمَّ قَالَ عقبَة: وَهَذَا يشكل على أصل مر أَن مَا هُوَ مَضْمُون بِقِيمَتِه يَقع فِيهِ الشِّرَاء وَالْقَبْض مَعًا، والمقبوض على سوم الشِّرَاء لَو سمى ثمنه، فَهُوَ مَضْمُون بِقِيمَتِه، فَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا كَذَلِك، أَي مَقْبُوضا بِالْقَبْضِ السَّابِق. انْتهى. وَسكت عَنهُ محشيه الرَّمْلِيّ، وَنقل إشكاله صَاحب نور الْعين وَلم يجب عَنهُ أَيْضا. وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن الْقَبْض على سوم الشِّرَاء قبض مُؤَقّت، بِمَعْنى أَنه صدر على وَجه غير مُرَاد فِيهِ الدَّوَام، بل مُرَاد فِيهِ حُصُول تمكن المساوم من التبصر فِي ملاءمة الْمَقْبُوض لَهُ من عدمهَا، فَهُوَ مُرَاد من الطَّرفَيْنِ لقَضَاء هَذِه الْحَاجة فَقَط، وَإنَّهُ سَابق على ثُبُوت حق البَائِع فِي حبس الْمَبِيع بِالثّمن، فَلَا يُمكن

تنبيه آخر

أَن يعْتَبر مسْقطًا لَهُ، لِأَن الْحق قبل ثُبُوته لَا يحْتَمل الْإِسْقَاط، كَيفَ وَالْبيع إِذا بَين فِيهِ الثّمن وَسكت فِيهِ عَن التَّأْجِيل يكون الْمَعْهُود فِيهِ دفع الثّمن أَولا شرعا وَعرفا، فَهُوَ قبض مقرون بِمَا يدل بجاري الْعَادة على الْتِزَام المُشْتَرِي دفع الثّمن معجلا، فَيثبت مَعَه للْبَائِع حق اسْتِرْدَاد الْمَبِيع وحبسه إِلَى اسْتِيفَاء الثّمن. وَلَا تنَافِي بَين كَونه مَضْمُونا على المُشْتَرِي بِالْقَبْضِ السَّابِق وَبَين ثُبُوت حق اسْتِرْدَاده للْبَائِع وحبسه بِالثّمن. كَمَا لَو قَبضه بعد البيع بِغَيْر إِذن البَائِع قبل أَن يدْفع الثّمن. بِخِلَاف قبض الْغَاصِب، فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ سَابِقًا على ثُبُوت حق البَائِع فِي حبس الْمَبِيع بِالثّمن، لكنه غير موقت وَغير مُرَاد مِنْهُ قَضَاء مأرب خَاص، وَلَيْسَ قبض استبدال كَالْقَبْضِ على سوم الشِّرَاء، بل قبض استبداد يُرَاد مِنْهُ الدَّوَام والاستمرار غير مصحوب وَلَا مقرون بِمَا يدل على الْتِزَام المُشْتَرِي دفع الثّمن معجلا، بل هُوَ مصحوب بِمَا يدل على خلاف ذَلِك من حَالَة الْغَاصِب. ثمَّ إقدام الْمَالِك على بَيْعه لَهُ وَهُوَ فِي يَده المتغلبة، وَلَا دَلِيل يدل على الْتِزَامه تَعْجِيل الثّمن يَجْعَل الْمَالِك رَاضِيا فِي ضمن عقد البيع بِسُقُوط حَقه فِي اسْتِرْدَاد الْمَبِيع مِنْهُ وحبسه بِالثّمن، إِذْ السُّكُوت فِي معرض الْحَاجة إِلَى الْبَيَان بَيَان. هَذَا مَا ظهر، وَالله سُبْحَانَهُ أعلم. (تَنْبِيه آخر:) الْقَبْض قد يكون بِالِاسْتِيلَاءِ على الشَّيْء فعلا وَحَقِيقَة وَهُوَ ظَاهر، وَقد يكون بِدُونِ ذَلِك، وَذَلِكَ بِالتَّخْلِيَةِ وَهِي الْإِذْن بِالْقَبْضِ، كَقَوْلِه: خليت بَيْنك وَبَينه، أَو خُذْهُ، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يُفِيد الْإِذْن، بِشَرْط أَن لَا يكون الْمَأْذُون بِقَبْضِهِ بَعيدا، فَلَو كَانَ بَعيدا وَأذن لَهُ بِقَبْضِهِ وَمضى زمن يُمكنهُ الْوُصُول إِلَيْهِ مِنْهُ وَقَبضه صَار قَابِضا. وَالْمرَاد بِغَيْر الْبعيد مَا يقدر على قَبضه بِلَا كلفة، وَهَذَا يخْتَلف باخْتلَاف الْعين المقبوضة، فَفِي نَحْو دَار أَو حِنْطَة فِي بَيت، فَدفع الْمِفْتَاح إِذا كَانَ يُمكنهُ الْفَتْح بِلَا كلفة قبض، وَكَذَلِكَ قدرته على إغلاقه الدَّار يكون قبضا بِالتَّخْلِيَةِ.

تنبيه آخر

وَفِي نَحْو دَابَّة فِي سرج ومرعى أَن تكون بِحَيْثُ ترى ويشار إِلَيْهَا. وَفِي نَحْو ثوب فكونه بِحَيْثُ لَو مد يَده يصل إِلَيْهِ قبض، وَإِن كَانَ يحْتَاج إِلَى الْقيام ليصل إِلَيْهِ لَا يكون قبضا. وَفِي نَحْو طير أَو فرس فِي بَيت فَأذن لَهُ بِقَبْضِهِ، إِن أمكنه أَخذه بِلَا عون كَانَ قبضا. وكما يشْتَرط أَن لَا يكون بَعيدا يشْتَرط أَن لَا يكون مَانع يمْنَع الْقَبْض، فَقبض المشغول بِغَيْرِهِ لَا يَصح كَمَا قدمْنَاهُ آنِفا. بِخِلَاف تَسْلِيم الشاغل لغيره فَإِنَّهُ يَصح. فَلَو بَاعَ حِنْطَة وَسلمهَا فِي جوالق نَفسه فَإِنَّهُ يَصح، بِخِلَاف مَا لَو بَاعَ حِنْطَة فِي سنبلها أَو قطناً فِي فرَاش وَسلمهُ كَذَلِك فَإِنَّهُ لَا يَصح التَّسْلِيم، كَمَا لَو بَاعَ الجوالق وَسلمهُ مملوءاً حِنْطَة. (كَمَا يعلم جَمِيع ذَلِك من الْكتاب الرَّابِع من بُيُوع الْمجلة، وَمن بُيُوع الدّرّ وحاشيته، قبيل خِيَار الشَّرْط) . (تَنْبِيه آخر:) قد استثنوا من كَون التَّخْلِيَة قبضا مسَائِل لَا تَكْفِي فِيهَا التَّخْلِيَة، بل لَا بُد فِيهَا من حَقِيقَة الْقَبْض: (أ) مِنْهَا: الْهِبَة الْفَاسِدَة، فَإِن التَّخْلِيَة لَا تكون قبضا فِيهَا بِاتِّفَاق الرِّوَايَات. (ب) وَمِنْهَا: مَا لَو قبض المُشْتَرِي الْمَبِيع قبل نقد الثّمن بِدُونِ إِذن بَائِعه ثمَّ طَالبه برده إِلَيْهِ، فخلى بَينه وَبَينه، لَا تكون التَّخْلِيَة قبضا حَتَّى يُسلمهُ بِيَدِهِ. (ر: رد الْمُحْتَار، قبيل خِيَار الشَّرْط، نقلا عَن الْخَانِية وَالْبَزَّازِيَّة) . (ج) وَمِنْهَا: مَا لَو تلف الْمَغْصُوب فجَاء الْغَاصِب بِقِيمَتِه ووضعها قُدَّام صَاحبه لَا يبرأ بِهَذِهِ التَّخْلِيَة مَا لم يُوجد حَقِيقَة الْقَبْض. (د) وَمِنْهَا كَذَلِك: إِيفَاء الدُّيُون وَتَسْلِيم قيمَة الْمُتْلفَات من ودائع وَغَيرهَا، فَإِنَّهُ لَا يكون بِالتَّخْلِيَةِ، بل لَا بُد من وَضعه فِي يَده أَو فِي حجره. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ) .

(هـ) وَمِنْهَا: تَسْلِيم الْمَبِيع فَاسِدا، لَا يكون بِالتَّخْلِيَةِ على مَا صَححهُ الْعِمَادِيّ، وَصحح قاضيخان أَن التَّخْلِيَة فِيهِ قبض. (ر: الْأَشْبَاه، كتاب الْبيُوع) . وَقد اسْتشْكل بعض أفاضل الدَّرْس عدم جعل التَّخْلِيَة قبضا فِي هَذِه الْفُرُوع بِمَا جَاءَ فِي الْمَادَّة / 893 / من الْمجلة من أَن الْغَاصِب لَو وضع عين الْمَغْصُوب قُدَّام صَاحبه بِحَيْثُ يقدر على أَخذه فَإِنَّهُ يكون قد رد الْمَغْصُوب. انْتهى. وَقَالَ: إِن فَاعل التَّخْلِيَة فِي الْفُرُوع الْمَذْكُورَة لَيْسَ بِأَسْوَأ حَالا من الْغَاصِب وَقد اكْتفي من الْغَاصِب بِالتَّخْلِيَةِ كَمَا ترى، فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَكْتَفِي فِي هَذِه الْفُرُوع بالتلخية بِالْأولَى. وَقد أَجَبْته بِأَن إشكاله غير وَارِد، وَذَلِكَ لِأَن الْفُرُوع الْمَذْكُورَة إِنَّمَا لم تجز فِيهَا التَّخْلِيَة لِأَن الْأَمر دائر فِيهَا بَين إِدْخَال مَال فِي ضَمَان الْغَيْر وَبَين إشغال ذمَّة الْغَيْر بدين، فالفرعان الْأَوَّلَانِ، وهما فرع التَّخْلِيَة فِي الْهِبَة الْفَاسِدَة وَفرع تخلية المُشْتَرِي بَين البَائِع وَبَين الْمَبِيع الَّذِي قَبضه بِدُونِ إِذن قبل نقد الثّمن، فيهمَا إِدْخَال المَال فِي ضَمَان الْغَيْر، فَإِن الْمَوْهُوب فَاسِدا إِذا اعتبرناه مَقْبُوضا بِالتَّخْلِيَةِ صَار مَضْمُونا على الْمَوْهُوب لَهُ بِقِيمَتِه، لِأَن الْهِبَة الْفَاسِدَة تضمن بِالْقَبْضِ. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، أَوَائِل كتاب الْهِبَة) ، وَكَذَلِكَ الْمَبِيع إِذا اعتبرناه مردوداً على البَائِع بِالتَّخْلِيَةِ عَاد مَضْمُونا عَلَيْهِ بِالثّمن، والتخلية لَيست بِقَبض حَقِيقَة لِأَنَّهَا عبارَة عَن رفع الْمَوَانِع، فَهِيَ قبض من وَجه، وَذمَّة الْمَوْهُوب لَهُ وَالْبَائِع فارغة عَن الضَّمَان من كل وَجه، فَلَا يُمكن أَن نشغلها بِالضَّمَانِ بِمَا هُوَ قبض من وَجه وَهُوَ التَّخْلِيَة. وَبَقِيَّة الْفُرُوع المستثناة الْمَذْكُورَة، وَهِي فرع التَّخْلِيَة بَين الدَّائِن وَالدّين، والتخلية بَين قيمَة الْمَغْصُوب وَالْمَالِك، وَفِي مَعْنَاهُ التَّخْلِيَة بَين قيمَة الْمُتْلف وَالْمَالِك، يكون فِيهَا على تَقْدِير اعْتِبَار التَّخْلِيَة قبضا إشغال ذمَّة الدَّائِن وَالْمَالِك بنظير مَا فِي ذمَّته لَهُ من بدل الدّين وَقِيمَة الْمُتْلف، لِأَن الْمُتْلف يتَعَلَّق بدله فِي مثل أَو قيمَة فِي الذِّمَّة بعد التّلف فَتَصِير دينا، والديون تقضى بأمثالها، بِمَعْنى أَنه يثبت للمديون بِالْقضَاءِ فِي ذمَّة الدَّائِن دين نَظِير مَا للدائن فِي ذمَّته، فيلتقيان قصاصا

تنبيه آخر

وتنقطع الْمُطَالبَة بَينهمَا لعدم الْفَائِدَة، إِذْ لَو طَالب أَحدهمَا الآخر بِمَا فِي ذمَّته لطالبه الآخر كَذَلِك، حَتَّى لَو أَبْرَأ الدَّائِن الْمَدْيُون إِبْرَاء إِسْقَاط رَجَعَ الْمَدْيُون عَلَيْهِ بِمَا كَانَ دَفعه لَهُ، لِأَنَّهُ بَقِي دينا لَهُ عَلَيْهِ بِلَا مُقَابل لَهُ فِي ذمَّته. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، بَاب التَّصَرُّف فِي الْمَبِيع وَالثمن) . فَحَيْثُ كَانَ فِي الْفُرُوع الْمَذْكُورَة إشغال ذمَّة الدَّائِن وَالْمَالِك بنظير مَا فِي ذمَّة الدَّافِع وذمتهما فارغة من كل وَجه فَلَا يُمكن بِمَا هُوَ قبض من وَجه وَهُوَ التَّخْلِيَة، بِخِلَاف رد الْغَاصِب عين الْمَغْصُوب، وَهُوَ فرع الْمَادَّة / 893 / الْمَذْكُورَة، فَإِنَّهُ لَيْسَ إِلَّا عبارَة عَن إعدام جِنَايَته بِإِزَالَة يَده المبطلة عَنهُ إِلَى مَالِكه، وَذَلِكَ يحصل بنقله إِلَيْهِ وَرفع الْمَوَانِع بِالتَّخْلِيَةِ بَينه وَبَينه، بِحَيْثُ يقدر على أَخذه بِلَا كلفة مَا، وَلَيْسَ فِي ذَلِك إِدْخَال شَيْء فِي ضَمَان الْغَيْر وَلَا إشغال ذمَّة الْغَيْر بدين، وَعَلِيهِ فَلَا إِشْكَال، وَهَذَا مَا ظهر لي، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم. لَكِن يرد على مَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ من أَن إِيفَاء الدُّيُون لَا يكون بِالتَّخْلِيَةِ بل لَا بُد فِيهِ من الْقَبْض بِالْفِعْلِ، مَا جَاءَ فِي بَاب الْيَمين بِالضَّرْبِ وَالْقَتْل من " التَّنْوِير " و " الْبَحْر " نقلا عَن الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّة، أَنه لَو حلف ليقضين دينه الْيَوْم فَأعْطَاهُ فَلم يقبل، إِن وَضعه بِحَيْثُ تناله يَده يبر. وَهُوَ مُخَالف لما فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، فإمَّا أَن يكون فِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ، أَو يكون مَا فِي التَّنْوِير وَالْبَحْر مَبْنِيا على الْعرف لكَونه من الْأَيْمَان، وَهِي تبنى على الْعرف، وَهَذَا أقرب فَإِنَّهُ إِذا وضع لَهُ الدّين بِحَيْثُ لَو مد يَده يَنَالهُ يُقَال فِي الْعرف إِنَّه قَضَاهُ إِيَّاه. (تَنْبِيه آخر:) إِذا انْتقض التَّبَرُّع بعد تَمَامه بِالْقَبْضِ يعود المَال الْمُتَبَرّع بِهِ إِلَى الْمُتَبَرّع، فَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَو تبرع الْإِنْسَان بِقَضَاء دين غَيره، ثمَّ ظهر أَن لَا دين عَلَيْهِ، يعود إِلَى ملك الْمُتَبَرّع، وَكَذَا لَو تبرع بِدفع مهر زَوْجَة غَيره وَلَو كَانَ ابْنه، ثمَّ خرج كل الْمهْر عَن المهرية بردة الزَّوْجَة، أَو خرج نصفه عَن المهرية بِطَلَاق قبل دُخُول الزَّوْج بهَا، فَإِنَّهُ يرجع إِلَى ملك الْمُتَبَرّع. وَكَذَا لَو تبرع بِثمن الْمَبِيع فانفسخ البيع رَجَعَ بِالثّمن. (ر: الْفَصْل الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ من جَامع الْفُصُولَيْنِ) .

تنبيه آخر

وَفِي الدُّرَر: لَو تطوع إِنْسَان بِقَضَاء دين غَيره، وَكَانَ بِالدّينِ رهن، ثمَّ هلك الرَّهْن فِي يَد الْمُرْتَهن، رد مَا قبض للمتطوع. (ر: الدُّرَر، قبيل كتاب الْغَصْب _ بِالْمَعْنَى) . (تَنْبِيه آخر:) الْعرض على الْقَبْض لَا يكون قبضا، وَلَكِن قد يُوجب الْبَرَاءَة عَن الضَّمَان فِيمَا يكون مَضْمُونا، فَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَو جَاءَ بِالْمَبِيعِ فَاسِدا إِلَى بَائِعه فَلم يقبله، فَأَعَادَهُ مُشْتَرِيه إِلَى منزله، فَهَلَك، لَا يضمن. وَكَذَا الْغَصْب وَهُوَ الْأَصَح. وَلَو وَضعه المُشْتَرِي بَين يَدي بَائِعه، أَو الْغَاصِب بَين يَدي مَالِكه، وَلم يقبله فَحَمله إِلَى منزله ضمن، إِذْ الرَّد يتم بِوَضْعِهِ وَإِن لم يقبلاه، فَإِذا حمله إِلَى منزله صَار غَاصبا ثَانِيًا. بِخِلَاف مَا إِذا لم يَضَعهُ بَين يَدَيْهِ إِذا لم يتم رده. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الموفي الثَّلَاثِينَ، آخر صفحة / 51 مُلَخصا) . وَالظَّاهِر أَن هَذَا لَا يجْرِي فِيمَا لَا تَكْفِي فِيهِ التَّخْلِيَة كالمسائل الْمُتَقَدّمَة (فِي التَّنْبِيه بعد عدد 3) الَّتِي لَا بُد فِيهَا من حَقِيقَة الْقَبْض. (ر: مَا سَيَأْتِي تَحت الْمَادَّة / 81) . (تَنْبِيه آخر:) لَو بَاعَ الْأَب لِابْنِهِ الصَّغِير دَاره، وَهُوَ ساكنها أَو فِيهَا مَتَاعه أَو جبته، أَو طيلساناً وَهُوَ لابسه، أَو خَاتمًا وَهُوَ فِي إصبعه أَو دَابَّة وَهُوَ راكبها، لَا يكون الابْن قَابِضا حَتَّى يفرغ الْأَب الدَّار، ويخلع الْخَاتم والطيلسان والجبة، وَينزل عَن الدَّابَّة. (ر: أَحْكَام الصغار، من مسَائِل الْوَصَايَا، صفحة / 38 /، مُلَخصا) . (تَنْبِيه آخر:) الْإِذْن دلَالَة بِقَبض التَّبَرُّع، كَأَن يقبض الْمَوْهُوب بِحَضْرَة الْوَاهِب وَلَا ينهاه، يَكْفِي فِي قبض الْعين لَا فِي قبض الدّين. فَلَو وهب الدّين لآخر فَقبض الْمَوْهُوب لَهُ من الْمَدْيُون الدّين الْمَوْهُوب بِحَضْرَة الْوَاهِب وَلم يَنْهَهُ عَن ذَلِك لَا يجوز قِيَاسا واستحساناً إِذا كَانَ قَبضه بِدُونِ إِذْنه الصَّرِيح، وَإِذا كَانَ بِإِذْنِهِ الصَّرِيح جَازَ قَبضه اسْتِحْسَانًا، بِخِلَاف الْعين. (ر: الْبَدَائِع 6 / 124) .

تنبيه آخر

(تَنْبِيه آخر:) الظَّاهِر أَن نِيَابَة قبض الْأَمَانَة عَن قبض التَّبَرُّع خَاص بِمَا كَانَ تَبَرعا ابْتِدَاء وانتهاء كَالْهِبَةِ والهدية وَالصَّدَََقَة، أما مَا كَانَ تَبَرعا ابْتِدَاء مُعَاوضَة انْتِهَاء، كَالرَّهْنِ وَالْقَرْض، فَالظَّاهِر أَنه لَا يَنُوب فِيهِ قبض الْأَمَانَة لِأَنَّهُ دونه. وَيسْتَثْنى مِمَّا تقدم: مَا لَو آجر الرَّاهِن الْعين الْمَرْهُونَة من الْمُرْتَهن فَإِنَّهُ لَا بُد من تَجْدِيد الْقَبْض، وَلَا يَنُوب قبض الرَّهْن السَّابِق عَن قبض الْإِجَارَة، مَعَ أَنه قبض ضَمَان. (ر: رد الْمُحْتَار، كتاب الرَّهْن، من بَاب التَّصَرُّف فِي الرَّهْن وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ) وَقد صرح فِي الْبَدَائِع، فِي بَاب حكم الرَّهْن، أَن قبض الرَّهْن من قبض الْإِجَارَة. (الْمُسْتَثْنى) خرج عَن الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة: الْوَصِيَّة، فَإِنَّهَا تبرع وتتم بِدُونِ قبض. وَيسْتَثْنى من قَوْلهم: " الْقَبْض السَّابِق يَنُوب عَن الْقَبْض اللَّاحِق إِذا كَانَ السَّابِق مثله أَو أقوى مِنْهُ " مَا فِي رد الْمُحْتَار: مَا لَو غصب شَيْئا ثمَّ أَعَارَهُ الْمَالِك من الْغَاصِب أَو أودعهُ إِيَّاه، فَإِن الْغَاصِب لَا يكون قَابِضا بِمُجَرَّد عقد الْإِعَارَة أَو الْوَدِيعَة إِلَّا إِذا وصل إِلَيْهِ بعد التَّخْلِيَة. (ر: رد الْمُحْتَار، الْبيُوع، من أَوَاخِر فصل مَا يدْخل فِي البيع تبعا وَمَا لَا يدْخل، عِنْد قَول الْمَتْن: وَيسلم الثّمن أَولا) . وَيُسْتَفَاد من لِسَان الْحُكَّام أَن الْغَاصِب لَا يبرأ بإعارة الْمَالِك لَهُ مَا لم يَسْتَعْمِلهُ. (ر: لِسَان الْحُكَّام، قبيل نوع فِي ضَمَان أحد الشَّرِيكَيْنِ، نقلا عَن الْمُحِيط) . أما لَو آجره الْمَالِك من الْغَاصِب، فقد ذكر فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ أَنه يبرأ بِنَفس عقد الْإِجَارَة، ثمَّ نقل عَن الْمُنْتَقى أَن الْغَاصِب لَا يبرأ عَن الضَّمَان حَتَّى يَسْتَعْمِلهُ. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ، فِي بحث مَا يبرأ بِهِ الْغَاصِب صفحة / 132) . ذكر فِي الْبَدَائِع أَن حق الْقَبْض عَن الصَّغِير فِي الْهِبَة لِأَبِيهِ، ثمَّ لوصيه، ثمَّ للْجدّ، ثمَّ لوصيه، وَأَنه لَا يقبض غَيرهم مَعَ وجود أحدهم وَإِن كَانَ

ذَا رحم محرم وَكَانَ الصَّغِير فِي عِيَاله. (ر: الْبَدَائِع 6 / 126) وَهَذَا مُخَالف لما كتبناه فِي شرح الْقَاعِدَة. وَمَا فِي الْبَدَائِع صَححهُ فِي الْهِدَايَة والجوهرة، لَكِن نقل فِي الْهِنْدِيَّة عَن فَتَاوَى قاضيخان تَصْحِيح مَا كتبناه وَعَن الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَن عَلَيْهِ الْفَتْوَى. (ر: تَكْمِلَة رد الْمُحْتَار / 422) من الْهِبَة. وَكَذَلِكَ شَرط فِي الْمحل الْمَذْكُور من الْبَدَائِع، عِنْد ذكره صِحَة قبض زوج الصَّغِيرَة عَنْهَا أَن يكون دخل بهَا. وَالظَّاهِر أَن مُرَاده من الدُّخُول بهَا أَن تكون زفت إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ علل صِحَة قَبضه عَنْهَا بِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تكون فِي عِيَاله، وَلَا يخفى أَن كَونهَا فِي عِيَاله يحصل بالزفاف.

القاعدة السابعة والخمسون

(الْقَاعِدَة السَّابِعَة وَالْخَمْسُونَ (الْمَادَّة / 58)) (" التَّصَرُّف على الرّعية مَنُوط بِالْمَصْلَحَةِ ") (أَولا _ الشَّرْح) التَّصَرُّف على الرّعية مَنُوط بِالْمَصْلَحَةِ، أَي: إِن نَفاذ تصرف الرَّاعِي على الرّعية ولزومه عَلَيْهِم شاؤوا أَو أَبَوا مُعَلّق ومتوقف على وجود الثَّمَرَة وَالْمَنْفَعَة فِي ضمن تصرفه، دينية كَانَت أَو دنيوية. فَإِن تضمن مَنْفَعَة مَا وَجب عَلَيْهِم تنفيذه، وَإِلَّا رد، لِأَن الرَّاعِي نَاظر، وتصرفه حينئذٍ مُتَرَدّد بَين الضَّرَر والعبث وَكِلَاهُمَا لَيْسَ من النّظر فِي شَيْء. وَالْمرَاد بالراعي: كل من ولي أمرا من أُمُور الْعَامَّة، عَاما كَانَ كالسلطان الْأَعْظَم، أَو خَاصّا كمن دونه من الْعمَّال، فَإِن نَفاذ تَصَرُّفَات كل مِنْهُم على الْعَامَّة مترتب على وجود الْمَنْفَعَة فِي ضمنهَا، لِأَنَّهُ مَأْمُور من قبل الشَّارِع [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَن يحوطهم بالنصح، ومتوعد من قبله على ترك ذَلِك بأعظم وَعِيد، وَلَفظ الحَدِيث أَو مَعْنَاهُ: " من ولي من أُمُور هَذِه الْأمة عملا فَلم يحطهَا بنصح لم يرح رَائِحَة الْجنَّة ". (ثَانِيًا _ التطبيق) فَلَو عَفا السُّلْطَان عَن قَاتل من لَا ولي لَهُ لَا يَصح عَفوه وَلَا يسْقط الْقصاص، لِأَن الْحق للعامة وَالْإِمَام نَائِب عَنْهُم فِيمَا هُوَ أنظر لَهُم، وَلَيْسَ من النّظر إِسْقَاط حَقهم مجَّانا وَإِنَّمَا لَهُ الْقصاص أَو الصُّلْح.

ثالثا المستثنى

وَكَذَا عَلَيْهِ أَن يُسَوِّي فِي الْعَطاء. وَإِذا فَاضل فَإِنَّهُ يفاضل على حسب الْغناء _ وهون النَّفْع للدّين وَالْمُسْلِمين _ لَا على حسب الْهوى. وَكَذَلِكَ لَيْسَ لمتولي الْوَقْف وَلَا للْقَاضِي إِحْدَاث وَظِيفَة فِي الْوَقْف بِغَيْر شَرط الْوَاقِف وَإِن كَانَ فِي الْغلَّة فضلَة. فَلَو قرر فراشا مثلا لم يَشْتَرِطه الْوَاقِف لَا يحل لَهُ الْأَخْذ لِإِمْكَان اسْتِئْجَار فرَاش بِلَا تَقْرِير. وَكَذَا لَو آجر الْمُتَوَلِي عقار الْوَقْف بِغَبن فَاحش لَا يَصح. وَكَذَا لَو زوج القَاضِي الصَّغِيرَة من غير كُفْء، أَو قضى بِخِلَاف شَرط الْوَاقِف، أَو أَبْرَأ عَن حق من حُقُوق الْعَامَّة، أَو أجل الدّين على الْغَرِيم بِدُونِ رضَا الدَّائِن لم يجز. وَكَذَا لَو صَالح الْوَلِيّ أَو الْوَصِيّ عَن الصَّغِير صلحا مضراً بِهِ لَا يَصح، كَمَا لَو صَالح الْخصم قبل أَن يَنْوِي رد دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ، أَو قبل الْحِوَالَة بدين الصَّغِير على من لَيْسَ بأملأ _ أَي أغْنى _ من الْمُحِيل لَا يَصح. وَكَذَا لَو دفع للْوَصِيّ بِمَال الْيَتِيم ألفا، وَدفع آخر ألفا وَمِائَة، وَالْأول أملأ، يَبِيع الْوَصِيّ من الأول وَكَذَا الْإِجَارَة يُؤجر بِثمَانِيَة للأملأ لَا بِعشْرَة لغيره. وَكَذَا مُتَوَلِّي الْوَقْف. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل / 27) . (ثَالِثا _ الْمُسْتَثْنى) يسْتَثْنى من هَذِه الْقَاعِدَة: مَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ من قَوْله: سلم مَال الصَّغِير قبل قبض ثمنه لَا يسْتَردّهُ للثّمن، بِخِلَاف تَسْلِيم الصَّغِيرَة فِي بَاب النِّكَاح. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل السَّابِع وَالْعِشْرين، صفحة / 28) . وَيسْتَثْنى أَيْضا مَا فِي الدُّرَر والدر وَغَيرهمَا، من بَاب الْوَلِيّ، من أَن الْأَب أَو الْجد إِذا لم يكن سَكرَان، وَلم يكن مَعْلُوما بِسوء الِاخْتِيَار ينفذ تزوجيه للصَّغِير وَالصَّغِيرَة من غير كُفْء وبغبن فَاحش.

القاعدة الثامنة والخمسون

(الْقَاعِدَة الثَّامِنَة وَالْخَمْسُونَ (الْمَادَّة / 59)) (الْولَايَة الْخَاصَّة أقوى من الْولَايَة الْعَامَّة) (أَولا: الشَّرْح) الْولَايَة الْخَاصَّة أقوى من الْولَايَة الْعَامَّة، لِأَن كل مَا كَانَ أقل اشتراكاً كَانَ أقوى تَأْثِيرا وامتلاكاً، أَي تمَكنا. و" الْولَايَة " - بِالْفَتْح - مَعْنَاهَا لُغَة: النُّصْرَة - وبالكسر - مَعْنَاهَا لُغَة: السلطة والتمكن. واستعملت الثَّانِيَة شرعا فِي نُفُوذ التَّصَرُّف على الْغَيْر شَاءَ أَو أَبى. وَتَكون عَامَّة وخاصة: أما الْعَامَّة فَتكون فِي الدّين وَالدُّنْيَا وَالنَّفس وَالْمَال، وَهِي ولَايَة الإِمَام الْأَعْظَم ونوابه، فَإِنَّهُ يَلِي على الكافة تجهيز الجيوش، وسد الثغور، وجباية الْأَمْوَال من حلهَا وصرفها فِي محلهَا، وَتَعْيِين الْقُضَاة والولاة، وَإِقَامَة الْحَج وَالْجَمَاعَات، وَإِقَامَة الْحُدُود والتعازير، وقمع الْبُغَاة والمفسدين، وحماية بَيْضَة الدّين، وَفصل الْخُصُومَات وَقطع المنازعات، وَنصب الأوصياء والمتولين ومحاسبتهم، وتزويج الصغار والصغائر الَّذين لَا ولي لَهُم وَغير ذَلِك من صوالح الْأُمُور. وَأما الْخَاصَّة فَتكون أَيْضا فِي النَّفس وَالْمَال مَعًا، وَفِي المَال فَقَط: أما الأولى فعلى أَرْبَعَة أضْرب - أَي أَنْوَاع -: قَوِيَّة فيهمَا، وضعيفة فيهمَا، وقوية فِي أَحدهمَا ضَعِيفَة فِي الآخر.

أما القوية فيهمَا فولاية الْأَب ثمَّ الْجد أَب الْأَب وَإِن علا، فَإِنَّهُمَا يملكَانِ على هَذَا التَّرْتِيب تَزْوِيج الصغار، ومداواتهم بالكي وبط القرحة وَغير ذَلِك، وَالتَّصَرُّف فِي أَمْوَالهم على مَا عرف فِي النِّكَاح والوصايا بِشَرْط حريَّة، وتكليف، واتحاد فِي الدّين بِالْإِسْلَامِ أَو بِغَيْرِهِ، أَي بِأَن يكون كل مِنْهُمَا مُسلما أَو كل مِنْهُمَا غير مُسلم، وَغير الْإِسْلَام من الْأَدْيَان بِمَنْزِلَة دين وَاحِد. وَأما الضعيفة فيهمَا فولاية من كَانَ الصَّغِير فِي حجره من الْأَجَانِب أَو من الْأَقَارِب، وَكَانَ هُنَاكَ أقرب مِنْهُ لَهُ، فَإِنَّهُ يَلِي على نفس الصَّغِير وَمَاله ولَايَة ضَعِيفَة، فَإِنَّهُ يملك تأديبه وإيجاره وَدفعه فِي حِرْفَة تلِيق بأمثاله، وَيَشْتَرِي لَهُ مَا لَا بُد لَهُ مِنْهُ، وَيقبض لَهُ الْهِبَة وَالصَّدَََقَة ويحفظ لَهُ مَاله. وَأما القوية فِي النَّفس الضعيفة فِي المَال فولاية غير الْأَب وَالْجد من الْعَصَبَات وَذَوي الْأَرْحَام، فَإِنَّهُم يملكُونَ من التَّصَرُّف فِي نفس الصَّغِير وَالْمَعْتُوه بِالشّرطِ السَّابِق مَا يملكهُ الْأَب وَالْجد عِنْد عدمهما، وبشرط الْكَفَاءَة وَمهر الْمثل فِي النِّكَاح بِالنِّسْبَةِ لغير الابْن. وَأما الابْن فَإِنَّهُ لَا يتَقَيَّد بالكفاءة وَمهر الْمثل لِأَن ولَايَته فِي النَّفس كولاية الْأَب وَالْجد، بل هُوَ مقدم عَلَيْهِمَا، وَإِن كَانَت فِي المَال ضَعِيفَة بِمَنْزِلَة غَيره من الْأَقَارِب. ويملكون هم وأوصياؤهم شِرَاء مَا لَا بُد للصَّغِير مِنْهُ، وَقبض الْهِبَة وَالصَّدَََقَة لَهُ، وَحفظ مَاله دون التَّصَرُّف فِيهِ وَلَو موروثاً لَهُ من قبل موصيهم. وَأما القوية فِي المَال الضعيفة فِي النَّفس فولاية وَصِيّ الْأَب أَو الْجد أَو القَاضِي على الصغار، فَإِنَّهُ يتَصَرَّف فِي مَالهم تَصرفا قَوِيا، وَلَكِن تصرفه فِي أنفسهم ضَعِيف كتصرف من كَانَ الصَّغِير فِي حجره من الْأَجَانِب. وَأما ولَايَة المَال فَقَط فولاية مُتَوَلِّي الْوَقْف فِي مَال الْوَقْف، وَولَايَة الْوَصِيّ فِي مَال الْكَبِير الْغَائِب، فَإِنَّهُ يَلِي بيع غير الْعقار من التَّرِكَة إِلَّا لدين أَو وَصِيَّة لَا وَفَاء لَهما إِلَّا بِبيعِهِ فيبيعه عَلَيْهِ وَلَو كَانَ حَاضرا إِذا امْتنع عَن وَفَاء الدّين.

ثانيا التطبيق

(ثَانِيًا: التطبيق) مِمَّا يتَفَرَّع على الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة أَن القَاضِي لَا يملك التَّصَرُّف فِي الْوَقْف مَعَ وجود متولٍ عَلَيْهِ وَلَو من قبله، حَتَّى لَو تصرف بإيجار أَو قبض أَو صرف لَا ينفذ. وَكَذَلِكَ لَا يملك القَاضِي التَّصَرُّف فِي مَال الصَّغِير مَعَ وجود وَصِيّ الْأَب أَو وَصِيّ الْجد أَو وَصِيّ نفس القَاضِي. أما مَعَ وَصِيّ غير من ذكر كوصي الْأُم وَمن شاكلها مِمَّن كَانَت ولَايَته ضَعِيفَة فِي المَال من الْأَقَارِب فَإِنَّهُ يملك التَّصَرُّف. وَكَذَا لَا يملك القَاضِي تَزْوِيج الصغار مَعَ وجود الْوَلِيّ إِلَّا بعد عضله. (ثَالِثا: الْمُسْتَثْنى) أخرج بَعضهم عَن الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة مَا نصوا عَلَيْهِ من أَن الْوَصِيّ لَا يملك اسْتِيفَاء الْقصاص إِذا قتل مورث الصَّغِير الَّذِي تَحت وصايته، مَعَ أَن القَاضِي يملك استيفاءه، فَتكون الْولَايَة الْعَامَّة هُنَا أقوى من الْولَايَة الْخَاصَّة. وَفِي الْحَقِيقَة لَا اسْتثِْنَاء، فَإِن ولَايَة اسْتِيفَاء الْقصاص عَن الصَّغِير تَابِعَة للولاية على نَفسه، وَلَا ولَايَة على نَفسه للْوَصِيّ، وَمَا لَهُ من الْولَايَة الْمُتَقَدّمَة ضَعِيفَة وَلَا تزيد على ولَايَة الْأَجْنَبِيّ إِذا كَانَ الصَّغِير فِي حجره. وَلَكِن يَنْبَغِي أَن يسْتَثْنى من الْقَاعِدَة مَا ذكرُوا من أَن الْمُتَوَلِي لَا يملك الْعَزْل وَالنّصب لأرباب الْجِهَات بِدُونِ أَن يشْتَرط الْوَاقِف ذَلِك لَهُ، ويملكه القَاضِي بِدُونِ شَرط. وَكَذَلِكَ يملك القَاضِي إقراض مَال الصَّغِير دون الْأَب وَالْوَصِيّ. وَكَذَلِكَ يملك القَاضِي الاستقراض للْوَقْف واستبداله بِشُرُوطِهِ وإيجاره مُدَّة طَوِيلَة عِنْد مَسِيس الْحَاجة إِلَى تعميره، وَلَا يملك الْمُتَوَلِي ذَلِك. (تَنْبِيه) إِن مَا ذكر من أَن القَاضِي لَا يملك التَّصَرُّف مَعَ وجود وَصِيّ أَو متول وَلَو من قبله مُقَيّد بِغَيْر مداخلته بِالسَّبَبِ الْعَام، أما بِهِ فَإِنَّهُ يتداخل، فَإِنَّهُ يُحَاسب

الأوصياء والمتولين ويعزل الخائن مِنْهُم وَإِن شَرط الْمُوصي أَو الْوَاقِف عدم مداخلته. وَكَذَلِكَ مَا ذكر من المستثنيات فِي التَّنْبِيه السَّابِق، فَإِن ملكه لَهَا بِالسَّبَبِ الْعَام. وَكَذَلِكَ يملك بِالسَّبَبِ الْمَذْكُور إِيجَار عقار الْوَقْف من الْمُتَوَلِي أَو مِمَّن لَا تقبل شَهَادَته للمتولي وَلَو لم يكن هُنَاكَ خيرية.

القاعدة التاسعة والخمسون

(الْقَاعِدَة التَّاسِعَة وَالْخَمْسُونَ (الْمَادَّة / 60)) (إِعْمَال الْكَلَام أولى من إهماله) (أَولا: الشَّرْح) إِعْمَال الْكَلَام مَا أمكن إعماله أولى من إهماله، لِأَن المهمل لَغْو، وَكَلَام الْعَاقِل يصان عَنهُ، فَيجب حمله مَا أمكن على أقرب وَأولى وَجه يَجعله مَعْمُولا بِهِ من حَقِيقَة مُمكنَة وَإِلَّا فمجاز. (ثَانِيًا: التطبيق) فَلَو أوصى أَو وقف على أَوْلَاده تنَاول أَوْلَاده الصلبية فَقَط إِن كَانُوا لِأَنَّهُ الْحَقِيقَة، وَإِلَّا تنَاول أَوْلَادهم بطرِيق الْمجَاز لِأَن إِعْمَال الْكَلَام أولى من إهماله. وَكَذَلِكَ لَو أوصى أَو وقف على موَالِيه الأعلين أَو الأسفلين، فَإِن كَانَ لَهُ موالٍ استحقوا، وَإِلَّا فلموالي موَالِيه. (تَنْبِيه) الأَصْل فِي الْكَلَام أَن يُفِيد فَائِدَة مستأنفة غير مَا أَفَادَهُ سابقه، لِأَن الِاسْتِئْنَاف تأسيس، وإفادة مَا أَفَادَهُ السَّابِق تَأْكِيد، والتأسيس أولى من التَّأْكِيد، وَعَلِيهِ فيراد بالإهمال فِي الْقَاعِدَة مَا هُوَ أَعم من الإلغاء بالمرة وإلغاء الْفَائِدَة المستأنفة بجعله مؤكداً. فَلَو أقرّ بِأَلف فِي صك وَلم يبين سَببهَا ثمَّ أقرّ بِأَلف كَذَلِك

يُطَالب بالألفين. وَكَذَا لَو قَالَ لزوجته الْمَدْخُول بهَا: أَنْت طَالِق طَالِق طَالِق، وَقع ثَلَاثًا، ويدين فِي أَنه نوى التَّأْكِيد.

القاعدة الستون

(الْقَاعِدَة السِّتُّونَ (الْمَادَّة / 61)) (" إِذا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَة يُصَار إِلَى الْمجَاز ") (الشَّرْح، مَعَ التطبيق) إِذا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَة أَو تعسرت أَو هجرت يُصَار إِلَى الْمجَاز. وَتعذر الْحَقِيقَة إِمَّا: بِعَدَمِ إمكانها أصلا لعدم وجود فردٍ لَهَا فِي الْخَارِج، كَمَا لَو وقف على أَوْلَاده وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا أحفاد. أَو بِعَدَمِ إمكانها شرعا كَالْوكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ، فَإِن الْخُصُومَة هِيَ التَّنَازُع وَهُوَ مَحْظُور شرعا قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تنازعوا} . وتعسرها بِعَدَمِ إمكانها إِلَّا بِمَشَقَّة، كَمَا لَو حلف: لَا يَأْكُل من هَذَا الْقدر أَو من هَذِه الشَّجَرَة أَو هَذَا الْبر، فَإِن الْحَقِيقَة وَهِي الْأكل من عينهَا مُمكنَة لَكِن بِمَشَقَّة. فيصار فِي كل من الْأَقْسَام الثَّلَاثَة إِلَى الْمجَاز، وَهُوَ الصّرْف إِلَى الأحفاد فِي الأول، وَإِعْطَاء إِقْرَارا أَو إنكاراً أَو دفعا فِي الثَّانِي، وَالْأكل مِمَّا فِي الْقدر أَو من ثَمَر الشَّجَرَة إِن كَانَ وَإِلَّا فَمن ثمنهَا أَو مِمَّا يتَّخذ من الْبر فِي الثَّالِث. وَمثل تعذر الْحَقِيقَة: هجرها، كَمَا لَو حلف: لَا يضع قدمه فِيهِ هَذِه الدَّار، فَإِن الْحَقِيقَة فِيهِ مُمكنَة وَلكنهَا مهجورة. وَالْمرَاد فِي ذَلِك فِي الْعرف الدُّخُول. فَلَو وضع قدمه فِيهَا بِدُونِ دُخُول لَا يَحْنَث، وَلَو دَخلهَا رَاكِبًا حنث. وَمثله مَا لَو قَالَ لَهُ: أشعل الْقنْدِيل _ الفنار _ فَإِنَّهُ مَصْرُوف إِلَى الشمعة فِيهِ عرفا، فَلَو أشعله نَفسه فَاحْتَرَقَ يضمن.

((الصفحة فارغة))

القاعدة الحادية والستون

(الْقَاعِدَة الْحَادِيَة وَالسِّتُّونَ (الْمَادَّة / 62)) (" إِذا تعذر إِعْمَال الْكَلَام يهمل ") (الشَّرْح، مَعَ التطبيق) إِذا تعذر إِعْمَال الْكَلَام بِأَن كَانَ لَا يُمكن حمله على معنى حَقِيقِيّ لَهُ مُمكن، لتعذر الْحَقِيقَة بِوَجْه من وُجُوه التَّعَذُّر الْمُتَقَدّمَة فِي الْمَادَّة السَّابِقَة، أَو لتزاحم المتنافيين من الْحَقَائِق تحتهَا وَلَا مُرَجّح، وَلَا على معنى مجازي مُسْتَعْمل، أَو كَانَ يكذبهُ الظَّاهِر من حس أَو مَا هُوَ فِي حكمه من نَحْو الْعَادة فَإِنَّهُ يهمل حِينَئِذٍ، أَي يلغى وَلَا يعْمل بِهِ. أما تزاحم المتنافيين فَكَمَا لَو أوصى لمواليه أَو وقف عَلَيْهِم وَكَانَ لَهُ معتقون ومعتقون فَإِن الْوَصِيَّة وَالْوَقْف لَغْو. وكما لَو كفل بالعهدة فَإِن الْكفَالَة لَا تصح لِأَن الْعهْدَة اسْم مُشْتَرك يَقع على الصَّك الْقَدِيم، وعَلى العقد، وعَلى حُقُوق العقد، وعَلى الدَّرك، وَخيَار الشَّرْط (ر: نور الْعين فِي تَرْتِيب جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل التَّاسِع وَالْعِشْرين) . وكما لَو كفل وَلم يعلم أَنَّهَا كَفَالَة نفس أَو مَال فَإِنَّهَا لَا تصح (ر: رد الْمُحْتَار، أَوَائِل الْكفَالَة) . وَمن هَذَا: مَا لَو قَالَ رجل: ادفعوا هَذِه الدَّار وَالثيَاب إِلَى فلَان، وَلم يقل: فَإِنَّهَا لَهُ، وَلَا قَالَ: هِيَ وَصِيَّة، قَالُوا: هَذَا بَاطِل، إِذْ لَيْسَ بِإِقْرَار وَلَا وَصِيَّة. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ، من كتاب الْوَصِيَّة، صفحة / 257) . وَأما مَسْأَلَة تعذر الْحَقِيقَة وَعدم إِمْكَان الْحمل على الْمَعْنى الْمجَازِي لكَونه غير مُسْتَعْمل فَكَمَا لَو قَالَ لمعروف النّسَب: هَذَا ابْني، فَإِنَّهُ كَمَا لَا يَصح إِرَادَة

الْحَقِيقَة مِنْهُ لثُبُوت نسبه من الْغَيْر لَا تصح أَيْضا إِرَادَة الْمجَاز، وَهُوَ الْإِيصَاء لَهُ بإحلاله مَحل الابْن فِي أَخذ مثل نصِيبه من التَّرِكَة، لِأَن ذَلِك الْمجَاز غير مُسْتَعْمل، والحقيقة إِذا لم تكن مستعملة لَا يُصَار إِلَيْهَا فالمجاز أولى. وَأما تَكْذِيب الْحس فكدعوى قتل الْمُورث وَهُوَ حَيّ، أَو قطع الْعُضْو وَهُوَ قَائِم، وكدعوى الدُّخُول بِالزَّوْجَةِ وَهُوَ مجبوب. وَأما مَا فِي حكم الْحس فكدعوى الْبلُوغ مِمَّن لَا يحْتَملهُ سنه أَو جِسْمه، وكدعوى صرف الْمُتَوَلِي أَو الْوَصِيّ على الْوَقْف أَو الصَّغِير مبلغا لَا يحْتَملهُ الظَّاهِر، فَإِن كل ذَلِك يلغى وَلَا يعْتَبر وَلَا يعْمل بِهِ وَإِن أُقِيمَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة.

القاعدة الثانية والستون

(الْقَاعِدَة الثَّانِيَة وَالسِّتُّونَ (الْمَادَّة / 63)) (" ذكر بعض مَا لَا يتَجَزَّأ كذكر كُله ") (الشَّرْح، مَعَ التطبيق) ذكر بعض مَا لَا يتَجَزَّأ على وَجه الشُّيُوع كنصفه مثلا، كذكر كُله، لأَنا إِذا لم نقل بذلك والموضوع أَن الْمُحدث عَنهُ لَا يتَجَزَّأ يلْزم إهمال الْكَلَام بالمرة، وَالْحَال أَن إِعْمَال الْكَلَام مَا أمكن إعماله أولى من إهماله كَمَا تقدم. فَلَو قَالَ لامْرَأَة: تزوجت نصفك فَقبلت صَحَّ العقد على الْمُفْتى بِهِ، كَمَا نَقله الْحَمَوِيّ محشي الْأَشْبَاه عَن الصيرفية. وَلَو طلق ثلث امْرَأَته أَو نصفهَا مثلا طلقت كلهَا، أَو طَلقهَا نصف طَلْقَة أَو ربع طَلْقَة وَقع عَلَيْهَا طَلْقَة كَامِلَة. وَكَذَلِكَ لَو أضَاف كَفِيل النَّفس الْكفَالَة إِلَى جُزْء شَائِع من الْمَدْيُون كربعه مثلا كَانَ كَفِيلا بِالنَّفسِ. وَكَذَا لَو قَالَ ولي الْقَتِيل: عَفَوْت عَن ربع الْقصاص أَو خمسه مثلا سقط كُله. وكما لَو سلم الشَّفِيع حَقه عَن نصف الشُّفْعَة مثلا سَقَطت كلهَا. (تَنْبِيه:) إِنَّمَا قيدنَا ذكر بعض مَا لَا يتَجَزَّأ بِأَن يكون على وَجه الشُّيُوع احْتِرَازًا عَمَّا إِذا لم يكن كَذَلِك، بِأَن كَانَ على وَجه التَّعْيِين، كَمَا لَو أضَاف الطَّلَاق إِلَى عُضْو

تنبيه آخر

من أَعْضَاء الْمَرْأَة، فَإِن كَانَ عضوا يعبر بِهِ عَن كلهَا كالرأس والرقبة وأضافه إِلَيْهَا وَقع الطَّلَاق. فَلَو لم يضفه إِلَيْهَا بِأَن قَالَ: الرَّأْس مِنْك أَو الرَّقَبَة مِنْك طَالِق، أَو كَانَ عضوا لَا يعبر بِهِ عَن الْكل كالظفر وَالشعر لم يَقع فيهمَا. (تَنْبِيه آخر:) خرج عَن الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة مَا لَو قَالَ رجل لدائن آخر كفل لَك بِهِ نصفي أَو ثُلثي مثلا لم يكن كَفِيلا (يلْزم تَعْلِيل هَذَا الْفَرْع) . وَمِنْهَا مَا لَو قَالَ لامْرَأَته: أَنْت طَالِق وَاحِدَة إِن شِئْت، فَقَالَت: شِئْت نصف وَاحِدَة لم يَقع شَيْء (يلْزم تَعْلِيله أَيْضا) . (مُلَاحظَة مهمة:) قد يزِيد حكم الْبَعْض على الْكل فِي مسَائِل: مِنْهَا: مَا لَو ختن صَبيا بِإِذن وليه فَقطع حشفته، فَإِن مَاتَ فَعَلَيهِ نصف الدِّيَة، وَإِلَّا فَعَلَيهِ الدِّيَة كلهَا. وَمِنْهَا: مَا لَو خرج رَأس الْمَوْلُود فَقطع إِنْسَان أَنفه فَخرج حَيا وعاش فَعَلَيهِ الدِّيَة، وَلَو قطع رَأسه وَالْحَالة هَذِه فَعَلَيهِ الْغرَّة (يلْزم التَّعْلِيل) . وَمِنْهَا: أَن قطع الإصبعين عيبان، وَقطع الْأَصَابِع مَعَ الْكَفّ عيب وَاحِد. (يلْزم التَّفْرِيع على الْفَرْع الْأَخير) .

القاعدة الثالثة والستون

(الْقَاعِدَة الثَّالِثَة وَالسِّتُّونَ (الْمَادَّة / 64)) (" الْمُطلق يجْرِي على إِطْلَاقه مَا لم يقم دَلِيل التَّقْيِيد نصا أَو دلَالَة ") (الشَّرْح، مَعَ التطبيق) " الْمُطلق ": عرف الْمُطلق قوم بِأَنَّهُ مَا دلّ على الْمَاهِيّة بِلَا قيد، أَي الْمَاهِيّة المستحضرة فِي الذِّهْن بِلَا قيد وجودهَا فِي ضمن الْأَفْرَاد، فَهُوَ على هَذَا مرادف لعلم الْجِنْس. وعرفه آخَرُونَ بِأَنَّهُ: مَا دلّ على شَائِع فِي جنسه. فَهُوَ عِنْدهم مرادف للنكرة، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْكَمَال بن الْهمام وَجرى عَلَيْهِ السعد فِي حَوَاشِي التَّلْوِيح، وأيده الْبنانِيّ بِأَن الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة إِنَّمَا تتَعَلَّق بالماهية بِاعْتِبَار وجودهَا فِي ضمن الْأَفْرَاد، لَا بِاعْتِبَار أَنَّهَا مفهومات كُلية وَأُمُور عقلية كَمَا يُفِيد التَّعْرِيف الأول. " يجْرِي على إِطْلَاقه مَا لم يقم دَلِيل التَّقْيِيد نصا " أَي لفظا، وَذَلِكَ بِأَن يكون مَقْرُونا بِنَحْوِ صفة، أَو حَال، أَو إِضَافَة، أَو مفعول، أَو نهي، أَو شَرط، أَو اسْتثِْنَاء. فَالْأول: كَثوب هروي، وَفرس عَرَبِيّ، وَنَحْو ذَلِك. وَالثَّانِي: كَإِن دخلت رَاكِبًا مثلا. وَالثَّالِث: كاشتر لي فرس بكر مثلا. وَالرَّابِع: كبعه من فلَان. وَالْخَامِس: كلا تبعه فِي سوق كَذَا.

تنبيهات

وَالسَّادِس: كَالطَّلَاقِ الْمُعَلق وَالنّذر الْمُعَلق. وَالسَّابِع: كالاستثناء الْوَاقِع فِي الأقارير والعقود والتعاليق، كَقَوْلِه: لَك عَليّ مائَة إِلَّا عشرَة، وَقَوله: كفلت لَك بِمِائَة إِلَّا خَمْسَة مثلا، وَقَوله: إِن خرجت إِلَّا بإذني فَأَنت كَذَا. فَكل ذَلِك تَقْيِيد لَفْظِي يعْمل عمله. " أَو دلَالَة " كَقَوْل المكاري لآخر: اشْتَرِ لي بغلاً أَو بغلة، فَاشْترى لَهُ بغلة من مراكيب الْأُمَرَاء بِخَمْسِينَ دِينَارا مثلا {وكقول من قدم بَلْدَة لغيره: اسْتَأْجر لي دَارا، فاستأجرها لَهُ بعد سنة مثلا} فَإِنَّهُ لَا ينفذ فعل الْمَأْمُور على الْأَمر فِي المحلين، لِأَنَّهُ فِي الأول يتَقَيَّد دلَالَة بِدَابَّة يحمل عَلَيْهَا الأثقال، وَفِي الثَّانِي بدار يسد بهَا حَاجته الْقَائِمَة فِي الْحَال. وكما لَو جَاءَت امْرَأَة بغزلها إِلَى السُّوق وَأمرت رجلا بِبيعِهِ، فَبَاعَهُ نَسِيئَة، لم ينفذ عَلَيْهَا (ر: متن التَّنْوِير، من الْوكَالَة) وَذَلِكَ لتقيده بِالنَّقْدِ حَالا بِدلَالَة الْحَاجة. (تَنْبِيهَات) (التَّنْبِيه الأول) إِن الْمُطلق إِذا كَانَ عبارَة عَن الْإِذْن بِشَيْء وإطلاقه لَهُ فَإِنَّهُ لَا يجْرِي على إِطْلَاقه حِينَئِذٍ، بل يعْتَبر بِغَيْر مظان التُّهْمَة ومواطن الْخِيَانَة، فَإِذا كَانَ بمعزل عَن التُّهْمَة والخيانة يجْرِي على إِطْلَاقه وَلَا يُقيد بعد ذَلِك بِأَن يكون مُوَافقا للْعُرْف وَالْعَادَة عِنْد أبي حنيفَة، وَعند صَاحِبيهِ يُقيد بِأَن يكون مُوَافقا للْعُرْف وَالْعَادَة (ر: تأسيس النّظر، للدبوسي) . فَلَو وكل شخص آخر بِبيع شَيْء وَلم يُقَيِّدهُ، فَعِنْدَ الإِمَام للْوَكِيل أَن يَبِيع بِالثّمن الَّذِي يرَاهُ مناسباً نَقْدا أَو عرضا، بِثمن الْمثل، أَو بِغَبن فَاحش، وَله أَن يَبِيع بِثمن حَال أَو نَسِيئَة إِلَّا إِذا كَانَ البيع للْحَاجة فيتقيد حِينَئِذٍ بِدلَالَة الْحَال كَمَا فِي الْمسَائِل الْمَارَّة، فَلَا يَبِيع إِلَّا بِالنَّقْدِ وبالثمن الْحَال (ر: التَّنْوِير، من فصل لَا يعْقد وَكيل البيع وَالشِّرَاء ... . والمادة / 1494 / من الْمجلة) .

وَكَذَا لَو كَانَ وَكيلا بِالتَّزْوِيجِ فَزَوجهُ امْرَأَة بِأَكْثَرَ من مهر مثلهَا بِغَبن فَاحش جَازَ عِنْده. وَكَذَلِكَ لَو أودع عِنْد آخر وَدِيعَة جَازَ للْمُودع أَن يُسَافر بهَا إِذا كَانَ الطَّرِيق آمنا، كَانَ لَهَا حمل وَمؤنَة أَو لم يكن. وَكَذَلِكَ لَو وَكله بِإِجَارَة دَاره مثلا فآجرها سِنِين طَوِيلَة جَازَ عِنْده. كَمَا لَو وَكله بيع شَيْء وَأمره أَن يَأْخُذ بِثمنِهِ رهنا، فَبَاعَهُ وَأخذ بِالثّمن رهنا قَلِيلا أَو كثيرا جَازَ عِنْده. وَنَظِير ذَلِك مَا لَو وَكله بشرَاء شَيْء بِعَيْنِه، فَاشْتَرَاهُ ثمَّ قبل أَن يقبضهُ وجد بِهِ عَيْبا فَاحِشا فَرضِي بِهِ وَقَبضه، نفذ على مُوكله، عِنْده (ر: تأسيس النّظر) . كل ذَلِك حكما للإطلاق، لعدم وجود التُّهْمَة والخيانة. فَلَو كَانَ التَّصَرُّف مصحوباً _ وَالْحَالة هَذِه _ بالتهمة أَو الْخِيَانَة لم يجز على الْآذِن، فَلَا يملك وَكيل البيع وَلَا وَكيل الْإِجَارَة أَن يَبِيع أَو يُؤجر من نَفسه وَلَا مِمَّن تقبل شَهَادَته لَهُ، لمَكَان التُّهْمَة. كَمَا أَنه لَا يملك الْمُودع السّفر بالوديعة إِذا كَانَ الطَّرِيق مخوفا، لمَكَان الْخِيَانَة والتفريط فِي حفظهَا الْمَعْقُود عَلَيْهِ. وَعند الصاحبين: كل تِلْكَ الإطلاقات مُقَيّدَة بِالْعرْفِ، فَلَا يملك وَكيل البيع عِنْدهمَا أَن يَبِيع إِلَّا بِثمن من جنس النَّقْدَيْنِ، وَأَن يكون حَالا غير مُؤَجل، وَأَن يكون الثّمن بِثمن الْمثل أَو بِغَبن يسير. وَكَذَا يشْتَرط _ عِنْدهمَا _ كَون الرَّهْن وثيقاً حَافِظًا للقيمة. وَلَا يجوزان للْمُودع السّفر بالوديعة إِذا كَانَ لَهَا حمل وَمؤنَة وَإِن كَانَ الطَّرِيق آمنا. وَلَا يجوزان إِيجَار دَار الْآمِر أَكثر من الْمدَّة المتعارفة. وَلَا يجوزان النِّكَاح إِلَّا بِمهْر الْمثل أَو غبن يسير. وَإِذا كَانَ الْغبن فَاحِشا يُخَيّر الْمُوكل بَين إِجَازَته أَو رده.

التنبيه الثاني

وَكَذَلِكَ رضَا وَكيل الشِّرَاء بِالْعَيْبِ الْفَاحِش نَافِذ عَلَيْهِ دون مُوكله، جَريا فِي جَمِيع ذَلِك على تَقْيِيد تِلْكَ الإطلاقات وتخصيصها عرفا بِمَا ذكر. وَقد جرت الْمجلة فِي الْمَادَّة / 1494 و 1498 / على قَول الإِمَام. (التَّنْبِيه الثَّانِي:) لَا يَنْبَغِي أَن يفهم من الْقَاعِدَة أَن الْمُطلق أَيْنَمَا وَقع وكيفما كَانَ إِذا لم يقم دَلِيل على تَقْيِيده فَهُوَ مرعي ومعتبر على إِطْلَاقه ومحتمل على جهالته وَإِن كَانَت فَاحِشَة، وَأَن الْعُقُود والتصرفات الَّتِي تَتَضَمَّن ذَلِك الْمُطلق تعْتَبر صَحِيحَة شَرْعِيَّة أياً كَانَت، بِنَاء على عُمُوم الْقَاعِدَة، كلا، بل الَّذِي يظْهر أَن ذَلِك لَيْسَ مطرداً أَو عَاما، بل هُوَ خَاص بِمَا لَا تضره الْجَهَالَة الْفَاحِشَة كالأقارير والأيمان وَالْكَفَالَة وَمَا لَا يحْتَاج إِلَى قَبضه من الْأَثْمَان والمبيعات. كَمَا لَو أقرّ لغيره بِأَن لَهُ فِي ذمَّته دينا وَلم يُبينهُ أَو حلف ليشترين الْيَوْم ثوبا، أَو كفل لزيد بِمَا زَاد لَهُ على فلَان، أَو قَالَ لَهُ: بَايع فلَانا وَمَا بايعته فعلي، أَو أقرّ أَن لفُلَان عَلَيْهِ دينا فَاشْترى فلَان مِنْهُ شَيْئا، أَو أقرّ أَن لَهُ تَحت يَده مَتَاعا غصبا أَو وَدِيعَة وَلم يُبينهُ لَهُ، ثمَّ اشْترى الْمقر مِنْهُ: فَإِن الْجَهَالَة الْفَاحِشَة فِي جَمِيع ذَلِك لَا تضر، وَيجْبر على الْبَيَان فِي فرع الْإِقْرَار، وتنعقد الْيَمين الْمَذْكُورَة على إِطْلَاقهَا ويبر بشرَاء أَي ثوب كَانَ، وَتَصِح الْكفَالَة فِي الصُّورَتَيْنِ المرسومتين، وَيصِح البيع فِي فرعي البيع لِأَن الدّين المشرى بِهِ فِي الأول يسْقط بِالشِّرَاءِ والساقط لَا تضر جهالته، وَلِأَن الْمَبِيع فِي الثَّانِي غير مُحْتَاج إِلَى تَسْلِيمه وتسلمه فَلَا يُؤَدِّي إِلَى التَّنَازُع (كَمَا يعلم جَمِيع ذَلِك من الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، من الْإِقْرَار والأيمان وَالْكَفَالَة، وأوائل الْبيُوع، والمادة / 630 و 1579 / من الْمجلة، وجامع الْفُصُولَيْنِ الْفَصْل / 30 / ج 2 / 67) . أما مَا تضره الْجَهَالَة الْفَاحِشَة كالمهر فِي النِّكَاح وَالثمن وَالْمَبِيع الْمُحْتَاج إِلَى قبضهما فِي البيع وَالْمُوكل بِفِعْلِهِ من التَّصَرُّفَات أَو بِشِرَائِهِ من البَائِع، إِذا كَانَ الْمُطلق فِيهَا مَجْهُولا جَهَالَة فَاحِشَة، فَلَا يعْتَبر ذَلِك الْإِطْلَاق وَلَا يحْتَمل جهالته. كَمَا إِذا وَكله فِي جَمِيع أُمُوره وَلَيْسَ للْمُوكل صَنْعَة مَعْرُوفَة لتنصرف الْوكَالَة

تنبيه آخر

إِلَيْهَا، أَو وَكله بشرَاء شَيْء مَجْهُول الْجِنْس كَثوب أَو دَابَّة، أَو تزوج امْرَأَة على مهر كَذَلِك _ أَي مَجْهُول الْجِنْس _ أَو بَاعه بِدَرَاهِم أَو دَنَانِير مَجْهُولَة كَأَن كَانَت مُخْتَلفَة فِي الْمَالِيَّة مُتَسَاوِيَة فِي الرواج، أَو بَاعَ الغواص أَو القناص مَا يخرج من ضَربته، بطلت الْوكَالَة فِي الأول وَالثَّانِي، وَوَجَب مهر الْمثل فِي الثَّالِث لكَون النِّكَاح، لَا يفْسد بِفساد التَّسْمِيَة، وَلم يَصح البيع فِي الفرعين الْأَخيرينِ (كَمَا يعلم ذَلِك من مُرَاجعَة الْمَادَّة / 1468 / والمادة / 200 / و / 238 / 1459 / من الْمجلة، ومراجعة الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، من الْوكَالَة، وَالْمهْر، وَالْبيع الْفَاسِد) . (تَنْبِيه آخر:) يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد فِي الرِّوَايَات، وَلِهَذَا نرى مطلقات الْمُتُون يقيدها الشُّرَّاح. وَقد نصوا على أَنه إِذا صرح بعض الْأَئِمَّة بِقَيْد لم يُصَرح بِهِ غَيره يجب اتِّبَاعه. (تَنْبِيه آخر:) إِذا كَانَ مَا قيد بِهِ الْأَمر الْمَأْمُور مُفِيدا من كل وَجه يلْزم رعايته، أكده بِالنَّفْيِ أَو لَا، كَمَا إِذا قَالَ لَهُ: بِعْهُ بِخِيَار أَو بكفيل أَو برهن، فَبَاعَهُ بِدُونِهِ. أَو قَالَ الْمُودع للوديع: احفظ الْوَدِيعَة فِي هَذَا الدَّار تتَعَيَّن، لتَفَاوت الْحِرْز. وَإِذا كَانَ لَا يُفِيد أصلا لَا تجب مراعاته، كبعه بنسيئة، فَبَاعَهُ بِالنَّقْدِ بِمَا يُبَاع بِهِ نَسِيئَة جَازَ. وَإِن كَانَ مُفِيدا من وَجه، إِن أكده بِالنَّفْيِ تجب مراعاته وَإِن لم يؤكده لَا تجب مراعاته. فَلَو قَالَ: بِعْهُ بسوق كَذَا، أَو احفظ الْوَدِيعَة فِي الْبَيْت الْفُلَانِيّ من دَارك، أَو بِعْهُ بِشُهُود مثلا لَا تجب مراعاته، وَلَو قَالَ: لَا تبعه إِلَّا فِي سوق كَذَا، أَو لَا تحفظها إِلَّا فِي الْبَيْت الْفُلَانِيّ من دَارك، أَو لَا تبع إِلَّا بِشُهُود وَجَبت مراعاته. وَإِذا كَانَ مَا قَيده بِهِ غير مُقَيّد أصلا لَا تلْزم مراعاته وَإِن أكده، كَمَا لَو قَالَ: لَا تحفظها إِلَّا فِي هَذَا الصندوق (ر: رد الْمُحْتَار، من فصل " لَا يعْقد وَكيل البيع وَالشِّرَاء " نقلا عَن الذَّخِيرَة وَالْبَزَّازِيَّة) .

تنبيه آخر

(تَنْبِيه آخر:) مِمَّا جَاءَ فِيهِ الْمُطلق جَارِيا على إِطْلَاقه مَا ذكره فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ من أَن رب المَال لَو قَالَ للْمُضَارب: اعْمَلْ بِرَأْيِك، فَدفع الْمضَارب المَال إِلَى آخر مُضَارَبَة على أَكثر من نصِيبه يجوز. انْتهى بِالْمَعْنَى. وَقد ذكر هَذَا عقب قَوْله: وَلَو كَانَ الْبذر لرب الأَرْض فَقَالَ للمزارع: اعْمَلْ بِرَأْيِك، فَدفع الْمزَارِع إِلَى آخر مُزَارعَة، فَلَو دفع بِأَقَلّ من نصِيبه جَازَ لَا بِأَكْثَرَ (انْتهى بِلَفْظِهِ) ثمَّ ذكر مَا لَفظه: قَالَ ابْن أبي عمرَان: سَأَلت عليا الرَّازِيّ عَن الْفرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَالَ: إِن فِيمَا تفرد مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى بتصنيفه مسَائِل لَو رُوجِعَ فِيهَا لرجع عَنْهَا، مِنْهَا هَذِه الْمَسْأَلَة (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الموفي الثَّلَاثِينَ، صفحة / 66) . وَلَقَد استولى عَليّ الدهش حِين وقفت على صُدُور مثل هَذَا فِي حق الإِمَام مُحَمَّد بن الْحسن مُحَرر الْمَذْهَب النعماني من مثل عَليّ الرَّازِيّ الَّذِي أَخذ الْفِقْه عَن الْحسن بن زِيَاد وروى عَن أبي يُوسُف وَمُحَمّد، وَقبُول مثل أَحْمد بن أبي عمرَان لَهُ، الَّذِي تفقه على ابْن سَمَّاعَة تلميذ أبي يُوسُف وَمُحَمّد، وَالَّذِي هُوَ شيخ أبي جَعْفَر الطَّحَاوِيّ. فَإِن صُدُور مثل هَذَا من مثلهمَا مَعَ أَنَّهُمَا من أعرف النَّاس بِفضل الإِمَام مُحَمَّد يقلل من الوثوق بعلمهما بفضله، وَكَانَ من الْوَاجِب الْأَلْيَق بعلي الرَّازِيّ تجاه الإِمَام مُحَمَّد رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ أَن يقف عِنْد كلمة " لَا أَدْرِي " وَأَن لَا يكره التَّصْرِيح بهَا. ورحم الله تَعَالَى ابْن دُرَيْد حَيْثُ يَقُول: (وَمن كَانَ يهوى أَن يرى متصدراً ... وَيكرهُ " لَا أَدْرِي " أُصِيبَت مقاتله) هَذَا مَعَ أَن الْفرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ ظَاهر فِيمَا أرى، فَإِن الْمُضَاربَة تَتَضَمَّن الْوكَالَة، وَالْمُضَارب وَكيل فِي التَّصَرُّف عَن رب المَال كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَوَائِل كتاب الْمُضَاربَة. فَإِذا عمم لَهُ رب المَال وَأطلق يَده فِي التَّصَرُّف بقوله: اعْمَلْ بِرَأْيِك يملك حِينَئِذٍ على رب المَال أَن يدْفع المَال لآخر مُضَارَبَة على أَكثر من حِصَّته، وَينفذ ذَلِك عَلَيْهِ عملا بتفويضه وإطلاقه لَهُ بقوله: اعْمَلْ بِرَأْيِك. وَأما الْمُزَارعَة فَإِنَّهَا لَا تَتَضَمَّن وكَالَة، بل الْمزَارِع فِي صُورَة مَا إِذا كَانَ الْبذر من جِهَة رب الأَرْض أجِير بِبَعْض الْخَارِج من عمله، وبإطلاق الْمُسْتَأْجر وتعميمه

لَهُ بقوله: اعْمَلْ بِرَأْيِك لَا يملك أَن يسْتَأْجر من يقوم عَنهُ بِعَمَلِهِ بِحِصَّة من الْخَارِج أَكثر من حِصَّته، لِأَنَّهُ يكون وَالْحَالة هَذِه مُسْتَأْجرًا لَهُ بِبَدَل بعضه من مَال الْمُسْتَأْجر وَهُوَ رب الأَرْض وَالْبذْر، لِأَن مَا زَاد عَن حِصَّة الْمزَارِع عَائِد لَهُ، وَلَا حق فِيهِ للمزارع، فَلَا يجوز ذَلِك مِنْهُ وَلَا ينفذ على رب الأَرْض. فقد ظهر الْفرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَالله سُبْحَانَهُ ملهم الصَّوَاب، وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب.

((الصفحة فارغة))

القاعدة الرابعة والستون

(الْقَاعِدَة الرَّابِعَة وَالسِّتُّونَ (الْمَادَّة / 65)) (" الْوَصْف فِي الْحَاضِر لَغْو ") (أَولا _ الشَّرْح) الْوَصْف فِي الشَّيْء الْحَاضِر الْمشَار إِلَيْهِ فِي الْمجْلس لَغْو، أَي سَاقِط الِاعْتِبَار، لِأَن الْمَقْصُود من الْوَصْف التَّعْرِيف وَإِزَالَة الِاشْتِبَاه والاشتراك، وَقد حصل من ذَلِك بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ مَا هُوَ أَعلَى وأبلغ، فَإِن الْإِشَارَة تقطع الِاشْتِرَاك بِالْكُلِّيَّةِ، وَالْوَصْف يقلله. فَإِذا وجدت يَلْغُو مَعهَا مَا هُوَ دونهَا من الْوَصْف الَّذِي يقلل الِاشْتِرَاك وَلَا يقطعهُ. وَهَذَا إِذا كَانَ الْمشَار إِلَيْهِ من جنس الْمُسَمّى الْمَوْصُوف، كَمَا لَو أَرَادَ البَائِع بيع فرس أَشهب حَاضر فِي الْمجْلس، وَقَالَ فِي إِيجَابه: بِعْتُك هَذَا الْفرس الأدهم، وَقبل المُشْتَرِي صَحَّ البيع ولغا وصف الأدهم، لما تقدم. وَأما إِذا كَانَ من غير جنسه فَلَا عِبْرَة للْإِشَارَة، بل للتسمية وَالْوَصْف. فَلَو بَاعَ فصاً حَاضرا وَأَشَارَ إِلَيْهِ على أَنه ياقوت، فَإِذا هُوَ زجاج، لَا ينْعَقد البيع (ر: الْمَادَّة / 208 / من الْمجلة) . وَأما إِذا لم تُوجد الْإِشَارَة بل كَانَ التَّعْرِيف بِالتَّسْمِيَةِ وَالْوَصْف فَقَط فَإِن الْوَصْف مُعْتَبر حِينَئِذٍ، كَمَا لَو بَاعَ فرسا غَائِبا وَذكر أَنه أَشهب، وَالْحَال أَنه أدهم، لَا ينْعَقد البيع لَازِما بل مَوْقُوفا على رضَا المُشْتَرِي بِالْبيعِ.

ثانيا التطبيق

(ثَانِيًا _ التطبيق) وَمن فروع هَذِه الْقَاعِدَة: مَا لَو حلف لَا يدْخل هَذِه الدَّار، فَدَخلَهَا بَعْدَمَا انْهَدَمت وَصَارَت صحراء يَحْنَث، لِأَن الدَّار هِيَ الْعَرَصَة، وَالْبناء وصف فِيهَا، فَفِي حَال الْإِشَارَة إِلَيْهَا يَلْغُو الْوَصْف لعدم إفادته. بِخِلَاف مَا لَو حلف لَا يدْخل دَارا، فَدخل دَارا منهدمة فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث لِأَنَّهَا عِنْد عدم الْإِشَارَة من قبيل الْغَائِب، فَيعْتَبر فِيهَا الْوَصْف (كَمَا فِي كتاب الْأَيْمَان) . (تَنْبِيه:) قَوْلهم فِي الْمَادَّة: " الْوَصْف فِي الْحَاضِر لَغْو " إِنَّمَا يجْرِي فِي البيع والأثمان، لَا فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة، فقد قَالَ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَو ادّعى ثوبا وَبَين طوله كَذَا، وَبرهن بِحَضْرَة الثَّوْب طبق مدعاه، فذرع الثَّوْب فَظهر أَن ذرعه أنقص مِمَّا بَين أَو أَزِيد لَا تقبل بَينته لظُهُور كذبهَا. وَالْوَصْف فِي الْإِشَارَة لَغْو فِي البيع والأثمان، أما فِي بَاب الشَّهَادَة إِذا شهدُوا بِوَصْف فَظهر بِخِلَاف مَا شهدُوا لَا تقبل، كَمَا لَو ادّعى دَابَّة وَقَالَ: هَذِه الدَّابَّة الَّتِي سنّهَا أَربع سِنِين ملكي، وشهدوا كَذَلِك، فَظهر أَنَّهَا أَزِيد أَو أنقص، لَا تقبل لظُهُور كذبهمْ؛ كَذَا هُنَا. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل السَّادِس، بِبَعْض توضيح) وَعزا ذَلِك فِيهِ إِلَى فَتَاوَى رشيد الدّين، وَنقل قبله وَبعده مَا بِظَاهِرِهِ مُخَالف لَهُ، وأوله بِمَا يدْفع الْمُخَالفَة، ثمَّ قَالَ: وَيُمكن فِي مثله رِوَايَتَانِ، ثمَّ اعْتمد عدم قبُول الشَّهَادَة بقوله: وَيَنْبَغِي أَن لَا تقبل، لِأَن الشَّهَادَة تختل بِالْكَذِبِ. انْتهى بِبَعْض تصرف. وَنقل فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ أَيْضا (من آخر الْفَصْل الرَّابِع عشر) عَن صَاحب الْمُحِيط مَا هُوَ صَرِيح فِي ميله إِلَى عدم الْقبُول أَيْضا، وَأقرهُ على ذَلِك (فِي الْفَصْلَيْنِ) صَاحب نور الْعين، وَنَقله عَنهُ فِي فَتَاوَى الْأَنْقِروِيّ (أول الْبَاب الثَّانِي من كتاب الشَّهَادَات) وَأقرهُ، وَنقل فِي منهوات الْأَنْقِروِيّ عَن الثَّالِث من كتاب الشَّهَادَات من الْبَزَّازِيَّة نَظِير مَا نَقله عَن الرَّابِع عشر من الْفُصُولَيْنِ. ثمَّ نقل عَن نوع من الْخَامِس عشر فِي أَنْوَاع الدَّعَاوَى من الْبَزَّازِيَّة مَا لَفظه: إِذا خَالف سنّ الدَّابَّة الدَّعْوَى أَو الشَّهَادَة بطلت الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة. انْتهى. وَعَلِيهِ فَلَو ادّعى

تنبيه

دَابَّة ووصفها بِأَنَّهَا مشقوقة الْأذن أَو مكوية فِي الْمحل الْفُلَانِيّ أَو لَوْنهَا كَذَا فظهرت سليمَة الْأذن أَو لَا كي بهَا أَو أَن لَوْنهَا مُخَالف لما وصف مُخَالفَة وَاضِحَة، وَبَين اللونين بعد ظَاهر لَا تسمع. وَكَذَلِكَ الشُّهُود لَو وَقع مثل ذَلِك فِي شَهَادَتهم ترد. هَذَا، وَالظَّاهِر أَن مثل البيع والأثمان فِي كَون الْوَصْف فِي الْحَاضِر لَغْو فيهمَا الْأَيْمَان، كَمَا يظْهر فِي فرع الدُّرَر السَّابِق. وَقد رُوجِعَ " الْفُصُولَيْنِ " (فِي الْفَصْل السَّادِس) عَمَّا إِذا استحضر الْمُدعى بِهِ فَوجدَ مُخَالفا لما وَصفه بِهِ الْمُدَّعِي، وَلَكِن لما أحضر قَالَ: أَدعِي هَذَا، وَلم يقل: هَذَا الَّذِي أدعيه، تسمع. وَعبارَته هَكَذَا: " ادّعى قِنَا تركياً وَبَين صِفَاته وَطلب إِحْضَاره ليبرهن، فأحضر قِنَا خَالف بعض صِفَاته بعض مَا وَصفه، فَقَالَ الْمُدَّعِي: هَذَا ملكي، وَبرهن يقبل. قَالَ: وَهَذَا الْجَواب مُسْتَقِيم فِيمَا لَو ادّعى أَنه ملكه فَقَالَ: هَذَا ملكي، وَلم يزدْ عَلَيْهِ، فَتسمع دَعْوَاهُ وَيجْعَل كَأَنَّهُ ادَّعَاهُ ابْتِدَاء. فَأَما لَو قَالَ: هَذَا هُوَ الْقِنّ الَّذِي ادعيته أَولا لَا تسمع، للتناقض ". انْتهى (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ 1 / 72 الْفَصْل السَّادِس) . (تَنْبِيه:) يَنْبَغِي تَقْيِيد قَوْلهم: " الْوَصْف فِي الْحَاضِر لَغْو " بِمَا إِذا لم يكن الْوَصْف الْمَذْكُور فِي الْكَلَام هُوَ الْبَاعِث على الِالْتِزَام كاليمين مثلا، فقد نصوا فِي الْأَيْمَان على أَنه لَو حلف أَن لَا يَأْكُل من هَذَا الْبُسْر، فَأَكله بَعْدَمَا صَار رطبا لَا يَحْنَث، لِأَن صفة البسرية دَاعِيَة إِلَى الْيَمين على عدم أكله. وكما لَو حلف: لَا يَأْكُل من هَذَا الحصرم، فَأَكله بَعْدَمَا صَار عنباً (ر: التَّنْوِير وَشَرحه، بَاب الْيَمين على الْأكل وَالشرب) .

((الصفحة فارغة))

القاعدة الخامسة والستون

(الْقَاعِدَة الْخَامِسَة وَالسِّتُّونَ (الْمَادَّة / 66)) (" السُّؤَال معاد فِي الْجَواب ") (الشَّرْح، مَعَ التطبيق) السُّؤَال معاد فِي الْجَواب، فَلَو قيل لآخر: طلقت امْرَأَتك؟ أَو هَل لفُلَان عَلَيْك كَذَا _ إِشَارَة لدين سَمَّاهُ _؟ أَو هَل أوصيت بِكَذَا؟ أَو هَل بِعْت الشَّيْء الْفُلَانِيّ من فلَان؟ أَو هَل آجرته دَارك مثلا؟ أَو قتلت فلَانا؟ فَقَالَ مجيباً بنعم، فَإِنَّهُ يكون مقرا بِمَا سُئِلَ عَنهُ. وَمثل السُّؤَال غَيره من أَلْفَاظ الْإِنْشَاء. كَمَا لَو قَالَت لَهُ امْرَأَته: أَنا طَالِق، فَقَالَ: نعم، طلقت، أَو قَالَ آخر: امْرَأَة فلَان طَلَاق، وَعَلِيهِ الْمَشْي إِلَى بَيت الله الْحَرَام إِن دخل هَذِه الدَّار، فَقَالَ فلَان: نعم، كَانَ حَالفا. وَكَذَا لَو قَالَ لآخر: اسرج لي دَابَّتي هَذِه أَو جصص لي دَاري هَذِه، فَقَالَ: نعم، كَانَ إِقْرَارا مِنْهُ بالدابة وَالدَّار.

((الصفحة فارغة))

القاعدة السادسة والستون

(الْقَاعِدَة السَّادِسَة وَالسِّتُّونَ (الْمَادَّة / 67)) (" لَا ينْسب إِلَى سَاكِت قَول، لَكِن السُّكُوت فِي معرض الْحَاجة بَيَان ") (الْجُمْلَة الأولى من الْقَاعِدَة) (أَولا _ الشَّرْح) " لَا ينْسب إِلَى سَاكِت " قَادر على التَّكَلُّم غير كَائِن فِي معرض الْحَاجة إِلَى الْبَيَان (كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيله) وَلَا مستعين بِالْإِشَارَةِ لتفسير لفظ مُبْهَم فِي كَلَامه " قَول "، يَعْنِي أَنه لَا يُقَال لساكت إِنَّه قَالَ كَذَا. أما غير الْقَادِر على التَّكَلُّم، والمستعين بِالْإِشَارَةِ فسيأتيان فِي الْمَادَّة الموفية السّبْعين وَفِي الْكَلَام عَلَيْهَا. وَأما من كَانَ فِي معرض الْحَاجة إِلَى الْبَيَان فَسَيَأْتِي فِي الْكَلَام على الْجُمْلَة الثَّانِيَة من هَذِه الْقَاعِدَة. (ثَانِيًا _ التطبيق) يتَفَرَّع على هَذِه الْجُمْلَة الأولى مسَائِل: 1 - مِنْهَا: مَا لَو رأى أَجْنَبِيّا يَبِيع مَاله فَسكت لَا يكون سُكُوته إجَازَة، بِخِلَاف مَا لَو قَبضه المُشْتَرِي بعد ذَلِك بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ سَاكِت فَإِنَّهُ يكون إجَازَة كَمَا سَيَأْتِي من حَاشِيَة الرَّمْلِيّ على جَامع الْفُصُولَيْنِ. 2 - وَمِنْهَا: مَا لَو رأى القَاضِي الصَّبِي أَو الْمَعْتُوه يَبِيع وَيَشْتَرِي فَسكت لَا يكون سُكُوته إِذْنا بِالتِّجَارَة وَلَو لم يكن لَهما ولي. 3 - وَمِنْهَا: مَا لَو رأى غَيره يتْلف مَاله فَسكت لَا يكون سُكُوته إِذْنا بإتلافه.

الجملة الثانية من القاعدة

4 - وَمِنْهَا: مَا لَو تزوجت الْمَرْأَة غير كُفْء فكست وَليهَا عَن طلب التَّفْرِيق لَا يكون سُكُوته رضَا على ظَاهر الْمَذْهَب مَا لم تَلد، فَإِذا ولدت فَلَيْسَ للْوَلِيّ التَّفْرِيق، حفظا للْوَلَد عَن التشتيت من الزَّوْج. وَلَكِن روى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَن العقد لَا يجوز؛ وعَلى رِوَايَته الْفَتْوَى. 5 - وَمِنْهَا: مَا لَو سكتت زَوْجَة الْعنين لَا يكون سكُوتهَا رضَا وَلَو أَقَامَت مَعَه سِنِين. (الْجُمْلَة الثَّانِيَة من الْقَاعِدَة) (أَولا _ الشَّرْح) " ... . وَلَكِن السُّكُوت " من الْقَادِر على التَّكَلُّم " فِي معرض الْحَاجة " إِلَى الْبَيَان " بَيَان " بِشَرْط أَن يكون هُنَاكَ دلَالَة من حَال الْمُتَكَلّم، أَو يكون هُنَاكَ ضَرُورَة لدفع الْغرَر وَالضَّرَر. يَعْنِي أَن السُّكُوت فِيمَا يلْزم التَّكَلُّم بِهِ إِقْرَار وَبَيَان. (ثَانِيًا _ التطبيق) (أ) يتَفَرَّع على دلَالَة حَال الْمُتَكَلّم مسَائِل: 1 - مِنْهَا: مَا لَو بَاعَ شَيْئا فَاسِدا وَسلمهُ للْمُشْتَرِي ثمَّ عيب البَائِع الْمَبِيع يَنْفَسِخ العقد وَيصير بتعييبه لَهُ مسترداً، حَتَّى لَو هلك عِنْد المُشْتَرِي من غير أَن يمنعهُ عَن البَائِع هلك على البَائِع (الدُّرَر وحاشيته، من البيع الْفَاسِد، قبيل قَول الْمَتْن: وَكره البيع عِنْد الْأَذَان الأول) لِأَن العقد الْفَاسِد مَعْصِيّة يجب على كل من الْعَاقِدين رَفعهَا بِالْفَسْخِ، فاللائق بِحَال البَائِع أَن يكون ساعياً وَرَاء رَفعهَا، فَاعْتبر فعله التعييب اسْتِيلَاء على الْمَبِيع واختياراً لفسخ العقد، رفعا للمعصية، فَإِن الْمَبِيع فَاسِدا إِذا وصل إِلَى البَائِع من جِهَة المُشْتَرِي بِأَيّ وَجه كَانَ يعْتَبر فسخا (انْظُر مَا قدمْنَاهُ فِي أَوَاخِر شرح الْمَادَّة / 3) . 2 - وَمِنْهَا: سكُوت الْبكر عِنْد استئمار وَليهَا لَهَا قبل التَّزْوِيج. وَكَذَا سكُوتهَا إِذا بلغَهَا النِّكَاح بَعْدَمَا زَوجهَا. وسكوتها عِنْد بُلُوغهَا بكرا عَالِمَة بتزويجه لَهَا. فَإِن سكُوتهَا فِي كل ذَلِك كصريح القَوْل، لِأَن حالتها (وَهِي استحياؤها عَن

إِظْهَار الرَّغْبَة فِي الرِّجَال لَا عَن إِظْهَار عدمهَا) تدل على أَن سكُوتهَا مَعَ إِمْكَان تصريحها بِالرَّدِّ وَلَا حَيَاء يمْنَعهَا بَيَان وإفصاح، فَفِي الأولى يكون العقد لَازِما، وَفِي الثَّانِيَة ينبرم وَيلْزم بعد وجوده مَوْقُوفا، وَفِي الثَّالِثَة يسْقط خِيَارهَا. 3 - وَمِنْهَا: أَن سكُوت الْمَالِك عِنْد قبض الْمَوْهُوب لَهُ، والمتصدق عَلَيْهِ، وَالْمُرْتَهن، وَالْمُشْتَرِي قبل نقد الثّمن إِذن، لِأَن حَالَته من إقدامه على العقد الْمَوْضُوع لإِفَادَة حكمه ثمَّ سُكُوته عِنْد الْقَبْض مَعَ قدرته على النَّهْي تدل، كصريح القَوْل، على الْإِذْن. وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ للشراء مُقَيّد بِأَن يكون البيع باتاً، أما لَو كَانَ البيع وَفَاء، وَهُوَ الْمعبر عَنهُ فِي بعض الْكتب بِالْبيعِ الْجَائِز، فقد نَص صَاحب الْبَدَائِع على أَنه لَو قبض المُشْتَرِي الْمَبِيع جَائِزا (أَي وَفَاء) بِحَضْرَة البَائِع قبل نقد الثّمن وَلم يَنْهَهُ لم يجز قَبضه قِيَاسا واستحساناً، حَتَّى كَانَ لَهُ أَن يسْتَردّهُ. (الْبَدَائِع 6 / 124 فِي كتاب الْهِبَة) . وَمثله يُقَال فِي سكُوت أحد الْمُتَبَايعين فِي بيع التلجئة إِذا قَالَ صَاحبه: قد بدا لي أَن أجعله بيعا صَحِيحا فَإِنَّهُ يصير كَمَا قَالَ، لما ذكرنَا. 4 - وَمِنْهَا: عُقُود التعاطي، وسكوت السَّاكِن عِنْد قَول الْمَالِك: فرغها وَإِلَّا فأجرتها كل يَوْم كَذَا. 5 - وَمِنْهَا: سكُوت الْمُزَكي عِنْد سُؤَاله عَن الشَّاهِد فَإِنَّهُ تَعْدِيل إِذا كَانَ الْمُزَكي عَالما، لِأَن حَالَته الدِّينِيَّة تدل على أَنه لَو لم يكن عدلا لما سكت عَنهُ. 6 - وَمِنْهَا أَن الْأُم لَو اشترت للصَّغِير مَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ لَا ينفذ عَلَيْهِ إِلَّا إِذا اشترت لَهُ من أَبِيه أَو مِنْهُ وَمن أَجْنَبِي. اه. فقد جعلُوا إقدام الْأَب على الِاشْتِرَاك فِي البيع مَعَ الْأَجْنَبِيّ إِذْنا للْأُم بِالشِّرَاءِ للصَّغِير من الْأَجْنَبِيّ. 7 - وَمِنْهَا أَنه لَو اشْترى سلْعَة من فُضُولِيّ وَقبض المُشْتَرِي الْمَبِيع بِحَضْرَة صَاحب السّلْعَة فَسكت يكون رضَا (جَامع الْفُصُولَيْنِ بحاشية الرَّمْلِيّ 1 / 315 من الْبَاب الرَّابِع وَالْعِشْرين فِي الْحَاشِيَة نقلا عَن فَتَاوَى أَمِين الدّين عَن الْمُحِيط وَالْبَزَّازِيَّة) .

8 - وَمِنْهَا: مَا لَو سُئِلَ عَن مَجْهُول النّسَب هَل هُوَ ابْنه؟ فَأَشَارَ بِالْإِقْرَارِ بِهِ ثَبت نسبه، لِأَن إِشَارَته هَذِه مَعَ حرصه على صِيَانة النّسَب وتمكنه من النَّفْي يقوم مقَام القَوْل. 9 - وَمِنْهَا: مَا إِذا دفعت الْأُم فِي جهاز بنتهَا أَشْيَاء من أَمْتعَة الْأَب وَالْأَب يعلم ذَلِك وَهُوَ سَاكِت فَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَاد من بنته. 10 - وَمِنْهَا: أَن إِنْفَاق الْأُم فِي جهاز بنتهَا من مَال الْأَب مَا هُوَ مُعْتَاد وَالْأَب سَاكِت إِذن مِنْهُ وَلَا تضمن الْأُم. (ب) وَيتَفَرَّع على ضَرُورَة دفع الْغرَر وَالضَّرَر مسَائِل: 1 - مِنْهَا: مَا لَو أصر الْمُدعى عَلَيْهِ على السُّكُوت حِين طلب الْحَاكِم مِنْهُ الْجَواب عَن دَعْوَى الْمُدَّعِي، فَإِنَّهُ يعد مُنْكرا (ر: الْمَادَّة / 1822) دفعا للضَّرَر عَن الْمُدَّعِي. 2 - وَمِنْهَا: سكُوت الشَّفِيع حِين علم بِالْبيعِ، فَإِنَّهُ تَسْلِيم للشفعة، لِأَنَّهُ إِذا لم يَجْعَل تَسْلِيمًا كَانَ تغريراً للْمُشْتَرِي وإضراراً بِهِ: إِمَّا بامتناعه عَن التَّصَرُّف أَو بِنَقْض الشَّفِيع تصرفه إِذا تصرف. 3 - وَمِنْهَا أَن سكُوت الْمُدعى عَلَيْهِ عَن الْجَواب بِلَا عذر يعد إنكاراً، دفعا للضَّرَر عَن الْمُدَّعِي بِتَأْخِير حَقه. 4 - وَمِنْهَا: أَنه إِذا وضع رجل مَتَاعه عِنْد رجل وَهُوَ يرَاهُ فَسكت صَار مودعاً، دفعا للغرر. 5 - وَمِنْهَا: مَا لَو اشْترى مَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد وَغَابَ قبل الْقَبْض وَلم ينْقد الثّمن وَأَبْطَأ، فَللْبَائِع بَيْعه لغيره لرضاه بِالْفَسْخِ دلَالَة، ولدفع الضَّرَر عَن البَائِع (أَي لِأَنَّهُ يتْلف عَلَيْهِ) . وَإِذا نقص الثّمن لَا يرجع على المُشْتَرِي (رد الْمُحْتَار، من متفرقات كتاب الْبيُوع) .

ثالثا المستثنى

6 - وَمِنْهَا: مَا لَو اطلع على عيب فِي الْمَبِيع فَقَبضهُ أَو دفع ثمنه، فَإِن ذَلِك مِنْهُ إِسْقَاط لحق الرَّد بِخِيَار الْعَيْب، كَمَا نصوا عَلَيْهِ (فِي بَاب خِيَار الْعَيْب من الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته وَغَيرهمَا) . 7 - وَمِنْهَا: مَا لَو آجر الأَرْض للزِّرَاعَة وَلم يبين مَا يزرع فِيهَا، فَالْعقد فَاسد، فَإِذا زرع الْمُسْتَأْجر فِيهَا وَعلم الْمُؤَجّر بِمَا زرعه وَسكت انْقَلب العقد صَحِيحا ولزمت الْإِجَارَة وَلم يبْق للمؤجر حق الْفَسْخ. 8 - وَمِنْهَا: مَا لَو بَاعَ الْمَالِك الْعين الْمَغْصُوبَة من الْغَاصِب وَهِي فِي يَده يكون بيعهَا لَهُ مسْقطًا لحق حَبسهَا بِالثّمن، فَلَيْسَ لَهُ استردادها ليحبسها بِالثّمن. 9 - وَمِنْهَا: مَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ من قَوْله: سكُوت الْبكر عِنْد قبض المزوج لَهَا، أَبَا كَانَ أَو غَيره، مهرهَا إِذن مِنْهَا بِقَبْضِهِ مَا لم تَنْهَهُ (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ 2 / 193) . (ثَالِثا _ الْمُسْتَثْنى) يسْتَثْنى من هَذِه الْقَاعِدَة: مَا ذكره فِي الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته من أَن الزَّوْجَيْنِ لَو شرطا فِي عقد النِّكَاح تَأْجِيل كل الْمهْر وَلم يشترطا الدُّخُول قبل حُلُول الْأَجَل فللزوجة أَن تمنع نَفسهَا عَن الزَّوْج إِلَى أَن تقبض الْمهْر اسْتِحْسَانًا، وَبِه يُفْتى. وعللوه هُنَاكَ بِأَن الزَّوْج لما طلب تَأْجِيل كل الْمهْر فقد رَضِي بِإِسْقَاط حَقه فِي الِاسْتِمْتَاع (حَاشِيَة رد الْمُحْتَار، قبيل قَول الْمَتْن: " وَلها النَّفَقَة وَالسّفر وَالْخُرُوج من بَيته بِلَا إِذن مَا لم تقبضه ") . فقد عدوه مسْقطًا حَقه فِي الِاسْتِمْتَاع بِدُونِ قَول مِنْهُ. وَسَيَأْتِي هَذَا الْفَرْع أَيْضا فِي الْكَلَام على الْمَادَّة / 83 /. (تَنْبِيه:) قد فرعوا على قَوْلهم: " السُّكُوت فِي معرض الْحَاجة بَيَان " مسَائِل غير مَا ذَكرْنَاهُ لَا يظْهر تفريعها لعدم نِيَابَة السُّكُوت فِيهَا عَن القَوْل. فَمن ذَلِك قَوْلهم:

- سكُوت الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ قبُول لَا سكُوت الْمَوْهُوب لَهُ. - وسكوت الْوَكِيل قبُول للوكالة. - وسكوت الْمُفَوض إِلَيْهِ الطَّلَاق قبُول للتفويض. - وسكوت الْمَوْقُوف عَلَيْهِ قبُول للْوَقْف. - وسكوت الْمقر لَهُ قبُول للإقرار. - وسكوت الزَّوْج عِنْد الْولادَة اعْتِرَاف بِالنّسَبِ. - وسكوت المُشْتَرِي عِنْد البيع بعد أَن أخبر بِالْعَيْبِ رضَا مِنْهُ بِهِ إِن كَانَ الْمخبر عدلا عِنْد الإِمَام. - وسكوت أحد شَرِيكي الْعَنَان عِنْد قَول صَاحبه لَهُ: إِنِّي أُرِيد شِرَاء هَذَا الشَّيْء لنَفْسي إِذن لَهُ. - وسكوت الْمُوكل إِذا قَالَ لَهُ وَكيله بشرَاء شَيْء معِين: إِنِّي أُرِيد شِرَاءَهُ لنَفْسي إِذن لَهُ. - وسكوت الْمَالِك حِين يرى غَيره يشق زقه حَتَّى سَالَ مَا فِيهِ إِذن لَهُ. - وسكوت الْمَدْيُون إِذا وهبه الدَّائِن الدّين أَو أَبرَأَهُ عَنهُ قبُول للهبة وَالْإِبْرَاء. - وسكوت من حلف: لَا ينزل فلَانا فِي دَاره، وَهُوَ نَازل فِيهَا، إِنْزَال لَهُ. وَكلهَا غير ظَاهِرَة التَّفْرِيع: أما الصَّدَقَة فَإِنَّهَا لَا تحْتَاج إِلَى الْقبُول، يَكْفِي فِيهَا الْإِيجَاب وَقبض الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ. وَقَوْلهمْ: " لَا الْمَوْهُوب لَهُ " مَبْنِيّ على كَون الْقبُول فِي الْهِبَة ركنا، وَالْمُحَرر الْمُقَرّر خِلَافه، فَهِيَ حينئذٍ مثل الصَّدَقَة. وَأما الْوكَالَة وَالْوَقْف وَالْإِقْرَار فَكَذَلِك لَا تحْتَاج إِلَى الْقبُول وَإِن كَانَت ترتد بِالرَّدِّ.

تنبيه آخر

وَأما تَفْوِيض الطَّلَاق فَكَذَلِك لَا يحْتَاج إِلَى الْقبُول، لِأَنَّهُ تَعْلِيق من الزَّوْج وَلذَا لَا يملك الرُّجُوع عَنهُ. وَأما ثُبُوت نسب ولد الزَّوْجَة فَلَيْسَ بِالسُّكُوتِ، بل بِحكم الْفراش الْقَائِم بِالنِّكَاحِ. وَأما سكُوت المُشْتَرِي عِنْد البيع بعد إخْبَاره بِالْعَيْبِ، فَإِن خِيَار الْعَيْب لَا يثبت لَهُ إِذا كَانَ عَالما بِالْعَيْبِ عِنْد الشِّرَاء فَكيف يتَصَوَّر سُقُوطه بِالسُّكُوتِ. وَأما سكُوت أحد شَرِيكي الْعَنَان فَلِأَن الشّركَة عقد غير لَازم، يسْتَقلّ كل مِنْهُمَا بفسخه، فَقَوله: إِنِّي أُرِيد شراءها لنَفْسي رفض للشَّرِكَة فِيهَا، وَهُوَ لَا يتَوَقَّف على قبُول الآخر. وَأما سكُوت الْمُوكل بشرَاء معِين، فَلِأَن الْوَكِيل يملك شِرَاءَهُ لنَفسِهِ بِشَرْط إِعْلَام الْمُوكل وَقد فعل، لِأَنَّهُ عزل لنَفسِهِ عَن الْوكَالَة، وَهُوَ لَا يتَوَقَّف على الْقبُول. وَأما سكُوت من يرى غَيره يشق زقه حَتَّى سَالَ مَا فِيهِ فَلِأَنَّهُ لم يُبَاشر الْإِتْلَاف لما فِيهِ، بل بَاشر شقّ الزق فَقَط، وَتلف مَا فِيهِ كَانَ بسيلانه مَعَ ترك الْمَالِك لَهُ، وَلذَا قيدوه بِمَا إِذا كَانَ يُمكن تَدَارُكه وَإِلَّا فَيضمن. وَأما سكُوت الْمَدْيُون إِذا وهبه الدَّائِن الدّين أَو أَبرَأَهُ عَنهُ فَلِأَنَّهُ إِسْقَاط والدائن يسْتَقلّ بِهِ وَأَنه كَانَ يرْتَد بِالرَّدِّ لما فِيهِ من معنى التَّمْلِيك. وَأما سكُوت من حلف: لَا ينزل فلَانا فِي دَاره، فَكَذَلِك لَيست مِمَّا نَحن فِيهِ، لِأَن السُّكُوت قَامَ مقَام الْفِعْل وَهُوَ الْإِنْزَال، لَا مقَام القَوْل. (تَنْبِيه آخر:) لَا تدافع بَين مَا فرع على الْجُمْلَة الثَّانِيَة من هَذِه الْقَاعِدَة من أَن الْأُم لَو دفعت أَشْيَاء من أَمْتعَة الْأَب فِي جهاز بنتهَا وَالْأَب يعلم بذلك وَهُوَ سَاكِت فَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَاد ذَلِك من بنته، وَبَين مَا تقدم فِي الْقَاعِدَة (43) من أَن الْأَب لَو جهز ابْنَته ثمَّ ادّعى أَنه عَارِية فَالْقَوْل قَول من يشْهد لَهُ الْعرف، وَالْبَيِّنَة بَيِّنَة

تنبيه آخر

الآخر، فَإِنَّهُ يُفِيد أَنه لَو كَانَ الْعرف يشْهد للْبِنْت بِأَنَّهُ تمْلِيك وَأقَام الْأَب الْبَيِّنَة على الْعَارِية تسمع وَيسْتَرد مَا دَفعه. وَبَيَان عدم التدافع أَن المُرَاد هُنَا بِعَدَمِ الِاسْتِرْدَاد عَدمه بِمُجَرَّد اعْتِرَاف الْبِنْت أَن الْأَعْيَان كَانَت ملك الْأَب الْمُوجب ذَلِك للتسليم لَهُ، لَا عَدمه مُطلقًا، فَإِن الْأَب إِذا أَقَامَ الْبَيِّنَة على صَرِيح الْعَارِية وَقت الدّفع كَانَ ذَلِك مقدما على استفادة التَّمْلِيك من دلَالَة الْعرف أَو السُّكُوت. (تَنْبِيه آخر:) من جملَة مَا فرع على قَوْلهم: " السُّكُوت فِي معرض الْحَاجة إِقْرَار وَبَيَان " سكُوت الْقَرِيب أَو أحد الزَّوْجَيْنِ إِذا رأى قَرِيبه أَو زوجه يَبِيع شَيْئا فَإِنَّهُ اعْتِرَاف مِنْهُ بِأَنَّهُ لَا حق لَهُ فِيهِ مَعَ أَنه لَيْسَ هُنَاكَ دلَالَة من الْحَال وَلَا ضَرُورَة لدفع الْغرَر وَالضَّرَر. وتفريعهم لَهُ على مَا ذكر بِنَاء على مَا هُوَ الِاسْتِحْسَان فِي الْفَرْع الْمَذْكُور، قطعا للتزوير الْمُمكن بَين الْأَقَارِب أَكثر من غَيرهم. وَالْقِيَاس فِيهِ أَن لَا يكون السُّكُوت اعترافاً، وَأَن يكون مفرعاً على الْجُمْلَة الأولى. (تَنْبِيه آخر:) قد ينْسب إِلَى السَّاكِت قَول فِي غير معرض الْحَاجة للْبَيَان أَو ضَرُورَة دفع الضَّرَر وَالْغرر. وَذَلِكَ فِيمَا يبْنى من الْأَحْكَام على الْعرف، كمسائل الْأَيْمَان فَمن ذَلِك: مَا لَو حلف: لَا يظْهر سر فلَان، أَو ليتمكنه، أَو حلف: لَا يدل على فلَان؛ فَسئلَ: هَل كَانَ سره كَذَا؟ أَو هَل فلَان بمَكَان كَذَا؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ _ أَي: نعم _ حنث فِي يَمِينه. وَكَذَلِكَ لَو حلف: لَا يستخدم فلَانا، فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْء من الْخدمَة حنث فِي يَمِينه، سَوَاء خدمه أَو لم يَخْدمه. وَإِنَّمَا حنث فِي جَمِيع ذَلِك لِأَن الْأَيْمَان تبنى على الْعرف، وَهُوَ فِي الْعرف يكون بذلك مفشياً سر فلَان ومعلماً بِهِ (ر: الْحَمَوِيّ على الْأَشْبَاه، من كتاب الْوَصَايَا) .

القاعدة السابعة والستون

(الْقَاعِدَة السَّابِعَة وَالسِّتُّونَ (الْمَادَّة / 68)) (" دَلِيل الشَّيْء فِي الْأُمُور الْبَاطِنَة يقوم مقَامه ") (أَولا _ الشَّرْح) دَلِيل الشَّيْء فِي الْأُمُور الْبَاطِنَة يقوم مقَامه فيحال الحكم عَلَيْهِ، وَيجْعَل وجود الدَّلِيل وثبوته بِمَنْزِلَة وجود الْمَدْلُول وثبوته، يَعْنِي أَنه يحكم بِالظَّاهِرِ، وَهُوَ الدَّلِيل، فِيمَا يتعسر الِاطِّلَاع عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَمر الباطني. وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بِالدَّلِيلِ هُنَا الْعَلامَة، كالنصب الَّتِي وضعت لتدل على الْإِذْن بِالدُّخُولِ أَو على عَدمه، كَمَا تقدم فِي الْمَادَّة / 13، لَا مَا يلْزم من الْعلم بِهِ الْعلم بِشَيْء آخر، لِأَن ذَلِك لَيْسَ من الظَّاهِر بل من الْقطعِي الَّذِي لَا يتَخَلَّف. (ثَانِيًا _ التطبيق) يتَفَرَّع على هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل: (أ) مِنْهَا: أَن المُشْتَرِي إِذا اطلع على عيب قديم فِي الْمَبِيع، فداواه أَو عرضه للْبيع مثلا كَانَ ذَلِك رضَا مِنْهُ بِالْعَيْبِ. (ب) وَمِنْهَا إِذا أوجب أحد الْمُتَعَاقدين فتشاغل الآخر بِمَا يدل على الْإِعْرَاض من قَول أَو عمل بَطل الْإِيجَاب. (ج) وَمِنْهَا: أَن الْمُلْتَقط إِذا أشهد حِين الْأَخْذ وَعرفهَا كَانَت أَمَانَة عِنْده لَا تضمن، وَإِلَّا فَهِيَ غصب، لِأَن الْقَصْد لَا يُوقف عَلَيْهِ. فمداواته أَو عرضه للْبيع فِي الْفَرْع الأول دَلِيل الرِّضَا، والاشهاد والتعريف

فِي الْفَرْع الثَّالِث دَلِيل قصد الرَّد على الْمَالِك، وَقَالَ أَبُو يُوسُف: لَو لم يشْهد أَو لم يعرفهَا فَقَالَ الْمَالِك: أَخَذتهَا لنَفسك، وَقَالَ الْآخِذ: أَخَذتهَا لأردها، فَالْقَوْل قَول الْآخِذ بِيَمِينِهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمد. (د) وَمِنْهَا: أَن من رأى شَيْئا فِي يَد آخر يتَصَرَّف فِيهِ تصرف الْملاك بِلَا معَارض وَلَا مُنَازع، وَكَانَ مِمَّن يملك أَمْثَاله مثله، جَازَ لَهُ أَن يشْهد لَهُ بِأَنَّهُ ملكه، لِأَن الْملك من الْأُمُور الْخفية غير الْمُشَاهدَة، وَإِنَّمَا تشاهد دلائله من وضع الْيَد وَالتَّصَرُّف. (هـ) وَمِنْهَا: عدم سَماع الدَّعْوَى فِيمَا إِذا تَركهَا الْمُدَّعِي مُدَّة مُرُور الزَّمن الْمقدرَة ب (36) سنة فِي الْوَقْف، وب (15) سنة فِي غَيره. وَكَذَا لَو كَانَ حَاضرا عقد البيع ثمَّ شَاهد المُشْتَرِي يتَصَرَّف بِالْمَبِيعِ تصرف الْملاك فِي أملاكهم من هدم وَبِنَاء وَنَحْوهمَا وَهُوَ سَاكِت بِلَا عذر، وَبعد ذَلِك جَاءَ يَدعِي بِأَن هَذَا الْمَبِيع ملكه، فَإِن دَعْوَاهُ أَيْضا لَا تسمع وَإِن لم يمض عَلَيْهَا مُرُور الزَّمن. (ر: الْمَادَّتَيْنِ / 1659 و 1660 / من الْمجلة) . لِأَن تَركه الدَّعْوَى مُدَّة مُرُور الزَّمن فِي الْمَسْأَلَة الأولى، وسكوته فِي الثَّانِيَة دَلِيل عدم الْحق الَّذِي هُوَ من الْأُمُور الْخفية. (و) وَمِنْهَا: الْقَتْل الْعمد، فَإِن قصد الْقَتْل لَا يُوقف عَلَيْهِ، فأقيم اسْتِعْمَاله الْآلَة الْجَارِحَة مقَام الْقَصْد والتعمد (ر: شرح الْمَادَّة / 2) . (ز) وَمِنْهَا: إقامتهم الْخلْوَة بِالزَّوْجَةِ مقَام الْوَطْء فِي إِلْزَام الزَّوْج كل الْمهْر لِأَن الْوَطْء مِمَّا يخفى، وَالْخلْوَة الصَّحِيحَة دَلِيل عَلَيْهِ فأقيمت مقَامه. (ح) وَمِنْهَا: أَن الْعمَّال والجباة وَالتَّابِعِينَ لبيت المَال ومتولي الْأَوْقَاف وكتبتها إِذا توسعوا فِي الْأَمْوَال، وبنوا الْأَمَاكِن، وتعاطوا أَنْوَاع اللَّهْو كَانَ ذَلِك دَلِيلا على خيانتهم الْبَاطِنَة، فللحاكم حِينَئِذٍ مصادرتهم بِأخذ الْأَمْوَال وعزلهم. فَإِن عرف خِيَانَة أَرْبَاب الْأَوْقَاف فِي وقف معِين رد المَال إِلَيْهِ، وَإِلَّا وَضعه فِي بَيت المَال (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، قبيل كَفَالَة الرجلَيْن) .

ثالثا المستثنى

فَلْينْظر إِلَى عَدَالَة هَذَا الشَّرْع المطهر، وحزمه وَضَبطه وسياسته الكافية الكافلة لسعادة الْأمة. (ط) وَمِنْهَا: ردهم شَهَادَة الْأَجِير الْخَاص لمستأجره، وَشَهَادَة الْآبَاء للأبناء، وَالزَّوْج لزوجته وَعَكسه. فقد أَقَامُوا دَلِيل الْخِيَانَة من الْأَمْوَال فِي الْفَرْع الأول (رقم ز) ، وَدَلِيل الْمُحَابَاة فِي الشَّهَادَة فِي الْفَرْع الْأَخير، مقَام الِاطِّلَاع على الْخِيَانَة والمحاباة حَيْثُ كَانَت الْخِيَانَة والمحاباة من الْأُمُور الْبَاطِنَة. (ي) وَمِنْهَا: مَا لَو دخل رجل مَعْرُوف بالدعارة على رجل فِي منزله، فبادره صَاحب الْمنزل فَقتله وَقَالَ: إِنَّه دخل عَليّ ليقتلني، لم يجب الْقصاص حَيْثُ كَانَ الدَّاخِل مَعْرُوفا بالدعارة (ر: معِين الْحُكَّام، الْقسم الثَّالِث، الْفَصْل الثَّالِث فِي الدَّعَاوَى بالتهم والعدوان) . (ثَالِثا _ الْمُسْتَثْنى) يسْتَثْنى من هَذِه الْقَاعِدَة: - مَا لَو أدخلت الْمَرْأَة حلمة ثديها فِي فَم الرَّضِيع وَلم يدر أَدخل اللَّبن فِي حلقه أم لَا؟ فَإِنَّهُ لَا يحرم. (ر: مَا تقدم فِي الْمَادَّة / 9) .

((الصفحة فارغة))

القاعدة الثامنة والستون

(الْقَاعِدَة الثَّامِنَة وَالسِّتُّونَ (الْمَادَّة / 69)) (" الْكتاب كالخطاب ") (أَولا _ الشَّرْح) " الْكتاب " المستبين المرسوم الصَّادِر من الْغَائِب " كالخطاب " من الْحَاضِر. وَكَذَا الْإِرْسَال؛ حَتَّى إِنَّه يعْتَبر فيهمَا مجْلِس بُلُوغ الْكتاب ومجلس أَدَاء الرسَالَة. وَالتَّقْيِيد بالمستبين لإِخْرَاج غير المستبين، كالكتابة على المَاء أَو الْهَوَاء فَإِنَّهَا لَا تعْتَبر. وَالتَّقْيِيد بالمرسوم، وَهُوَ مَا كَانَ فِيهِ الْخط والمخطوط عَلَيْهِ على الْوَجْه الْمُعْتَاد، ليخرج غَيره. أما الْخط فبأن يكون معنوناً بقوله: " من فلَان ابْن فلَان إِلَى فلَان ابْن فلَان ". وَالظَّاهِر أَنه فِي زَمَاننَا يَكْفِي أَن يكون مذيلاً بإمضائه أَو خَتمه (كَمَا تفيده الْمَادَّة / 1609) وَأَن ذَلِك يُغني عَن تصديره بقوله: من فلَان. وَأما المخطوط عَلَيْهِ فبأن يكون كاغداً، فَلَو كتب على الْجِدَار أَو ورق الشّجر أَو على الكاغد وَلَكِن لَا على وَجه الرَّسْم فَإِنَّهُ لَا يكون حجَّة إِلَّا بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ أَو الْإِمْلَاء على الْغَيْر ليكتبه. وَالتَّقْيِيد بالغائب لإِخْرَاج الْحَاضِر، فَإِن كِتَابَته لَا حكم لَهَا. ثمَّ اعْتِبَار مجْلِس بُلُوغ الْكتاب إِنَّمَا يظْهر فِيمَا يتَوَقَّف على الْقبُول كالعقود، وَفِيمَا يقْتَصر على الْمجْلس من غير الْعُقُود كتفويض الطَّلَاق. أما فِيمَا يتَوَقَّف على

ثانيا التطبيق

الْعلم فَقَط كَالْوكَالَةِ فَلَا يظْهر تَقْيِيده بِالْمَجْلِسِ، بل يَكْفِي فِيهِ الِاطِّلَاع على مَا فِي الْكتاب. وَأما فِيمَا لَا يفْتَقر إِلَى الِاطِّلَاع مِمَّا يسْتَقلّ بِهِ الْإِنْسَان كَالْإِقْرَارِ وَالطَّلَاق وَالْعتاق وَالْإِبْرَاء، كَمَا إِذا كتب: امْرَأَته طَالِق، أَو عَبده حر (بِالْإِضَافَة إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم فيهمَا) فَإِنَّهُ لَا حَاجَة فِي ذَلِك إِلَى الِاطِّلَاع بل لَا إِلَى الْإِرْسَال. وَلَا يتَقَيَّد بالغيبة، وَيَقَع الطَّلَاق وَالْعتاق بِمُجَرَّد الْكِتَابَة نوى أَو لم ينْو إِذا كَانَ مرسوماً. وَكَذَلِكَ لَو كتب: إِن الدّين الَّذِي لي على فلَان ابْن فلَان أَبرَأته عَنهُ صَحَّ وَسقط الدّين. وَظَاهره أَنه يسْقط بِمُجَرَّد الْكِتَابَة أَيْضا. (ثَانِيًا _ التطبيق) وَمن فروع هَذِه الْمَادَّة الْبَاب الرَّابِع من كتاب الْإِقْرَار من الْمجلة، وبدؤه من مَادَّة / 1606 / إِلَى / 1612 /. وَالْفرق بَين الْكتاب وَالْخطاب مَا ذكره شيخ الْإِسْلَام خُوَاهَر زَاده فِي مبسوطه حَيْثُ قَالَ: الْكتاب أَو الْخطاب سَوَاء إِلَّا فِي فصل وَاحِد، وَهُوَ أَنه لَو كَانَ حَاضرا فخاطبها بِالنِّكَاحِ فَلم تجب فِي مجْلِس الْخطاب ثمَّ أجابت فِي مجْلِس آخر فَإِن النِّكَاح لَا يَصح، وَفِي الْكتاب إِذا بلغَهَا وقرأت الْكتاب وَلم تزوج نَفسهَا مِنْهُ فِي الْمجْلس الَّذِي قَرَأت الْكتاب فِيهِ ثمَّ زوجت نَفسهَا فِي مجْلِس آخر بَين يَدي الشُّهُود وَقد سمعُوا كَلَامهَا وَمَا فِي الْكتاب يَصح النِّكَاح، لِأَن الْغَائِب إِنَّمَا صَار خاطباً لَهَا بِالْكتاب، وَالْكتاب بَاقٍ فِي الْمجْلس الثَّانِي فَصَارَ بَقَاء الْكتاب فِي مَجْلِسه وَقد سمع الشُّهُود مَا فِيهِ فِي الْمجْلس الثَّانِي بِمَنْزِلَة مَا لَو تكَرر الْخطاب من الْحَاضِر فِي مجْلِس آخر. فَأَما إِذا كَانَ حَاضرا فَإِنَّمَا صَار خاطباً لَهَا بالْكلَام وَمَا وجد من الْكَلَام لَا يبْقى إِلَى الْمجْلس التَّالِي، وَإِنَّمَا سمع الشُّهُود فِي الْمجْلس الثَّانِي أحد شطري العقد. اه.

القاعدة التاسعة والستون

(الْقَاعِدَة التَّاسِعَة وَالسِّتُّونَ (الْمَادَّة / 70)) (" الْإِشَارَة الْمَعْهُودَة للأخرس كالبيان بِاللِّسَانِ ") (الشَّرْح، مَعَ التطبيق) " الْإِشَارَة الْمَعْهُودَة " أَي الْمَعْلُومَة الْمُعْتَادَة " للأخرس " الْأَصْلِيّ، بعضو من أَعْضَائِهِ كَيده أَو رَأسه مُعْتَبرَة " كالبيان بِاللِّسَانِ " وقائمة مقَامه فِي كل شَيْء غير الْحُدُود وَالشَّهَادَة. وَذَلِكَ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاق وَالْعتاق وَالْبيع وَالْإِجَارَة وَالْهِبَة وَالرَّهْن وَالْإِبْرَاء وَالْإِقْرَار وَالْإِنْكَار وَالْحلف والنكول، وَكَذَا الْقصاص فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي أُخْرَى: هُوَ كالحدود وَالشَّهَادَة لَا يثبت بإشارته. وَلَا يشْتَرط لاعْتِبَار إِشَارَته عدم علمه بِالْكتاب على الْمُعْتَمد (كَمَا فِي الْأَشْبَاه، من أَحْكَام الْإِشَارَة) فَإِذا كَانَ عَالما بِالْكِتَابَةِ فَكتب وَلم يشْهد، أَو أَشَارَ وَلم يكْتب فَإِنَّهُ يكون مُعْتَبرا، وَلَكِن شرطُوا لإيقاعه الطَّلَاق أَن يكون مَقْرُونا مِنْهُ بتصويت. وَكَيْفِيَّة تَحْلِيفه أَن يَقُول لَهُ القَاضِي: عَلَيْك عهد الله وميثاقه إِن كَانَ كَذَا، فَإِذا أَوْمَأ بِرَأْسِهِ نعم يصير حَالفا. وَلَا يَقُول لَهُ: بِاللَّه إِن كَانَ كَذَا، لِأَنَّهُ لَو أَشَارَ بِرَأْسِهِ بنعم يكون مقرا بِاللَّه لَا حَالفا بِهِ. وَالظَّاهِر أَنه لَا بُد فِي تَحْلِيفه من إِشَارَة مَعَ اللَّفْظ من القَاضِي أَو جلوازه تفهمه أَن ذَلِك تَحْلِيف لَهُ. والاحتراز بالأخرس عَن الْقَادِر على التَّكَلُّم، فَإِن إِشَارَته لَا تعْتَبر إِذا كَانَت مُسْتَقلَّة إِلَّا فِي مسَائِل، مِنْهَا: الْإِسْلَام، وَالْكفْر، وَالنّسب، والإفتاء، وَأما إِذا

لم تكن مُسْتَقلَّة بِأَن اسْتَعَانَ بهَا على تَفْسِير لفظ مُبْهَم فِي كَلَامه، كَمَا لَو قَالَ لزوجته: أَنْت طَالِق هَكَذَا (وَأَشَارَ بِثَلَاث مثلا) فيقعن، بِخِلَاف مَا لَو قَالَ: أَنْت طَالِق (وَأَشَارَ بِثَلَاث) فَإِنَّهُ يَقع وَاحِدَة. والاحتراز بالأصلي عَن الْعَارِض، وَهُوَ معتقل اللِّسَان، فَإِنَّهُ لَا تعْتَبر إِشَارَته إِلَّا إِذا اتَّصل بعقلته الْمَوْت، أَو دَامَت سنة، فَحِينَئِذٍ تعْتَبر إِشَارَته الْمَعْهُودَة، وَإِلَّا فَلَا. اه

القاعدة السبعون

(الْقَاعِدَة السبعون (الْمَادَّة / 71)) (" يقبل قَول المترجم مُطلقًا ") " يقبل قَول المترجم " الْوَاحِد فِي الدَّعَاوَى والبينات وَمَا يتَعَلَّق بهَا " مُطلقًا ". أَي فِي أَي نوع كَانَ مِنْهَا، وَلَو فِي الْحُدُود والقود. (شَرَائِطه:) أَولا _ يشْتَرط أَن يكون المترجم فِي الْحُدُود والقود رجلا، فَلَو كَانَ امْرَأَة لَا يقبل. ثَانِيًا _ ويتشرط أَن يكون المترجم مُطلقًا وَلَو فير غير الْحُدُود عدلا، فَلَو كَانَ فَاسِقًا لَا يقبل وَلَو كَانَ أَكثر من وَاحِد. وَكَذَا لَو كَانَ مَسْتُورا، فَإِن خَبره _ كَخَبَر الْفَاسِق _ لَا يقبل وَإِن كَانَ مُتَعَددًا إِلَّا فِي عشر مسَائِل يَكْتَفِي فِيهَا بِأحد شطري الشَّهَادَة: الْعدَد وَالْعَدَالَة، فَيقبل فِيهَا خبر المستورين كالفاسقين، وَهِي: (1 - 3) عزل الْوَكِيل، وَالْمُتوَلِّيّ، وَالْقَاضِي. (4) وَحجر الْمَأْذُون. (5) وَفسخ الشّركَة. (6) وإخبار الْبكر بِالنِّكَاحِ. (7) وإخبار الشَّفِيع بِالْبيعِ. (8) وإخبار الْمُسلم الَّذِي لم يُهَاجر بالشرائع. (9) وإخبار المُشْتَرِي بِالْعَيْبِ. (10) وإخبار السَّيِّد بِجِنَايَة عَبده.

تنبيه

(ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الْقَضَاء، مسَائِل شَتَّى) . فَلَو أخبر بِهَذِهِ وَاحِد عدل، أَو اثْنَان وَلَو فاسقين يقبل. ثَالِثا _ وَيشْتَرط أَن يكون عَارِفًا باللغتين: المترجم عَنْهَا والمترجم إِلَيْهَا معرفَة كَافِيَة، ليَكُون مَأْمُون الْخَطَأ. رَابِعا _ وَيشْتَرط أَن يكون بَصيرًا، لِأَنَّهُ لَو كَانَ أعمى لَا يُؤمن عَلَيْهِ اشْتِبَاه النغمات، فَلَا تقبل تَرْجَمته عِنْد أبي حنيفَة، خلافًا لأبي يُوسُف (ر: الْبَحْر، من كتاب الشَّهَادَات) . خَامِسًا _ وَيشْتَرط أَن الْحَاكِم غير عَالم بلغَة الْخُصُوم، فَلَو كَانَ الْحَاكِم يعلم لُغَة الْخُصُوم لَا يقبل قَول المترجم. (تَنْبِيه:) جَاءَ فِي حَاشِيَة الشُّرُنْبُلَالِيّ على الدُّرَر (فِي الشَّهَادَات من بَاب الْقبُول وَعَدَمه، عِنْد الْكَلَام على شَهَادَة الْأَعْمَى) مَا هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي أَن تَرْجَمَة الْأَعْمَى تقبل عِنْد الْكل. وَظَاهره أَنَّهَا تقبل عِنْد أبي حنيفَة وَأَصْحَابه، وَعَزاهُ إِلَى الْفَتْح، وَهُوَ مُخَالف لما نَقَلْنَاهُ عَن الْبَحْر من أَنَّهَا لَا تقبل عِنْد أبي حنيفَة. ولدى مُرَاجعَة الْفَتْح وجدت عِبَارَته (تَحت قَول الْهِدَايَة: وَقَالَ زفر _ وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى _: تقبل " أَي شَهَادَة الْأَعْمَى " فِيمَا تجوز فِيهِ بِالتَّسَامُعِ، لِأَن الْحَاجة فِيهِ للسماع وَلَا خلل فِي سَمعه) هَكَذَا: " وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد وَالنَّخَعِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَسَعِيد بن جُبَير وَالثَّوْري، وَتقبل التَّرْجَمَة عِنْد الْكل " اه. وَعبارَته كَمَا ترى لَيست قَطْعِيَّة فِي أَن المُرَاد بِالْكُلِّ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه، بل الْأَقْرَب أَن يكون المُرَاد من " الْكل " كل من عَددهمْ هُوَ من الشَّافِعِي وَمن بعده، أَو يُرَاد بِالْكُلِّ مَا يَشْمَل الإِمَام وَلَكِن بِنَاء على الرِّوَايَة الَّتِي حَكَاهَا عَنهُ صَاحب الْهِدَايَة، كَمَا نَقَلْنَاهُ عَنهُ أَعْلَاهُ. (تَنْبِيه:) اتِّخَاذ المترجم وَقع قَدِيما فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام. وَاسْتَعْملهُ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَإِنَّهُ لما جَاءَهُ سلمَان الْفَارِسِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ترْجم يَهُودِيّ كَلَامه فخان فِيهِ فَنزل

تنبيه آخر

جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بذلك، فَأمر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] زيد بن ثَابت رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن يتَعَلَّم العبرانية، فَكَانَ يترجم بهَا للنَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . (تَنْبِيه آخر:) قبُول تَرْجَمَة الْوَاحِد الْعدْل هِيَ إِحْدَى الْمسَائِل الاثنتي عشرَة الَّتِي لَا يقبل فِيهَا إِلَّا خبر الْعدْل وَلَو وَاحِدًا، نظم ابْن وهبان مِنْهَا إِحْدَى عشرَة فِي منظومته فَقَالَ: (وَيقبل عدل وَاحِد فِي تقوم ... وجرح وتعديل وَأرش يقدر) (وترجمةٍ وَالسّلم هَل هُوَ جيد ... وإفلاسه، الْإِرْسَال، وَالْعَيْب يظْهر) (وصومٍ على مَا مر، أَو عِنْد علةٍ ... وموتٍ إِذا للشاهدين يخبر) وَالثَّانيَِة عشرَة: أَمِين القَاضِي إِذا أخبرهُ بِشَهَادَة شُهُود على عين تعذر إحضارها (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، الشَّهَادَات) . ونظم بَعضهم سِتّ مسَائِل يَصح أَن يشْهد بهَا من غير أَن يَرَاهَا وَيقف عَلَيْهَا فَقَالَ: (افهم مسَائِل سِتَّة وَأشْهد بهَا ... من غير رؤياها وَغير وقُوف) (نسب، وَمَوْت، والولاد، وناكح، ... وَولَايَة القَاضِي، وأصل وقُوف) (تَنْبِيه آخر:) تَارَة لَا يشْتَرط فِي الْإِخْبَار عدد وَلَا عَدَالَة، وَذَلِكَ فِيمَا لَا إِلْزَام فِيهِ، كالإخبار بِالْوكَالَةِ فَإِنَّهَا تثبت بِإِخْبَار وَاحِد حرا كَانَ أَو عبدا، عدلا أَو فَاسِقًا، صَبيا أَو بَالغا، صدقه الْوَكِيل أَو كذبه (ر: أَحْكَام الصغار، مسَائِل الْوكَالَة، صفحة / 280) خلافًا لما نَقله فِي رد الْمُحْتَار (من كتاب الشَّهَادَات) عَن غَايَة الْبَيَان من تَسَاوِي الْإِخْبَار بِالتَّوْكِيلِ والإخبار بعزل الْوَكِيل، فِي أَنه يشْتَرط تَصْدِيق الْمخبر إِذا كَانَ فَاسِقًا، مَعَ أَن الْإِخْبَار بِالتَّوْكِيلِ لَا إِلْزَام فِيهِ، فَإِن الْوَكِيل لَا يجْبر على فعل مَا وكل بِهِ، والإخبار بِالْعَزْلِ فِيهِ إِلْزَام الْوَكِيل بالامتناع عَن التَّصَرُّف وَهُوَ حجر عَلَيْهِ. فَلِذَا شَرط فِيهِ _ كَبَقِيَّة الْمسَائِل الْعشْر _ الْعدَد أَو الْعَدَالَة، لما فِيهَا من الْإِلْزَام أَيْضا. وكالإخبار بطرِيق الرسَالَة وَلَو فِيمَا فِيهِ إِلْزَام.

كالمسائل الْعشْر الْمُتَقَدّمَة، فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط فِيهِ أَيْضا عدد وَلَا عَدَالَة (ر: الدّرّ وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الشَّهَادَات) . وَتارَة يشْتَرط فِي الْإِخْبَار أحد شطري الشَّهَادَة: الْعدَد وَالْعَدَالَة وَذَلِكَ كالمسائل الْعشْر الْمُتَقَدّمَة، وَتارَة تشْتَرط الْعَدَالَة عينا، وَذَلِكَ كَمَا فِي الْمسَائِل الاثنتي عشرَة الْمُتَقَدّمَة أَيْضا نظماً ونثراً، وَتارَة يشْتَرط الْعدَد وَالْعَدَالَة، وَلَفظ الشَّهَادَة. وَذَلِكَ كَمَا إِذا عاين الشَّاهِدَانِ نِكَاحا أَو عاينا بيع عبد، أَو جريمة قتل، أَو عاينا وَاحِدًا يتَصَرَّف فِي شَيْء تصرف الْملاك، فَلَمَّا أَرَادَا أَن يشهدَا شهد عِنْدهمَا عَدْلَانِ بِأَن الزَّوْج طلق الزَّوْجَة ثَلَاثًا، أَو أَن البَائِع أعتق العَبْد الْمَبِيع قبل البيع، أَو أَن ولي الْقصاص عَفا عَنهُ بعد الْقَتْل، أَو أَن الشَّيْء الْمُتَصَرف بِهِ هُوَ لفُلَان آخر. فَلَا يحل لَهما أَن يشهدَا بِشَيْء من ذَلِك. وَيشْتَرط فِي إِخْبَار العدلين لَهما بذلك لفظ الشَّهَادَة، ذكر ذَلِك فِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّة (فِي كتاب الشَّهَادَة عِنْد قَوْله: " وَلَا يشْتَرط فِي الْمخبر بِالْمَوْتِ لفظ الشَّهَادَة ") . وَتارَة يشْتَرط الْعدَد وَالْعَدَالَة، وَلَكِن بِدُونِ لفظ الشَّهَادَة. كَمَا لَو ادّعى الزَّوْج الْإِعْسَار، وَالزَّوْجَة يسَاره، فَالْقَوْل قَول الزَّوْج وَالْبَيِّنَة بينتها، وَلَا يشْتَرط فِي هَذِه الْبَيِّنَة لفظ الشَّهَادَة (ر: رد الْمُحْتَار، من كتاب النَّفَقَات، قبيل قَول الْمَتْن: " وَلَو لَهُ أَوْلَاد لَا يَكْفِيهِ خَادِم وَاحِد ") . وكما لَو أخبر اثْنَان من الْوَرَثَة بوارث، فَإِن كَانَا عَدْلَيْنِ شاركهما وشارك الْبَقِيَّة من الْوَرَثَة المنكرين، حَتَّى إِنَّه يُطَالِبهُ بديون الْمَيِّت، أما لَو كَانَ الْمخبر وَاحِدًا فَإِنَّهُ يُشَارِكهُ فِي حِصَّته فَقَط (ر: الدّرّ ورد الْمُحْتَار، من فصل ثُبُوت النّسَب) . وكما لَو وَقع التخاصم فِي كفاءة الزَّوْج بَينه وَبَين ولي الزَّوْجَة، فَأَقَامَ الْوَلِيّ شَاهِدين بِعَدَمِ الْكَفَاءَة، أَو أَقَامَ الزَّوْج شَاهِدين على الْكَفَاءَة، فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط فِي كلا الشَّاهِدين لفظ الشَّهَادَة (ر: رد الْمُحْتَار، كتاب النِّكَاح، من بَاب الْوَلِيّ، قبيل قَول الْمَتْن: " وَلَا تجبر الْبَالِغَة الْبكر على النِّكَاح ") . وكما فِي التَّزْكِيَة العلنية، فَإِنَّهُ يشْتَرط لَهَا جَمِيع شُرُوط الشَّهَادَة إِلَّا لفظ الشَّهَادَة إِجْمَاعًا، كَمَا يُسْتَفَاد مِمَّا نَقله فِي رد الْمُحْتَار من كتاب الشَّهَادَات عَن الْبَحْر عِنْد قَول الْمَتْن: " كفى وَاحِد للتزكية ".

القاعدة الحادية والسبعون

(الْقَاعِدَة الْحَادِيَة وَالسَّبْعُونَ (الْمَادَّة / 72)) (" لَا عِبْرَة بِالظَّنِّ الْبَين خَطؤُهُ ") (أَولا _ الشَّرْح) " لَا عِبْرَة " أَي لَا اكتراث وَلَا مبالاة " بِالظَّنِّ الْبَين خَطؤُهُ " بل يلغى وَيجْعَل كَأَن لم يكن، سَوَاء أَكَانَ الْخَطَأ ظَاهرا ومبيناً للْحَال، أَو كَانَ خفِيا ثمَّ ظهر بعد، كَمَا سيتضح من الْفُرُوع الْآتِيَة: (ثَانِيًا _ التطبيق) مِمَّا فرع على هَذِه الْقَاعِدَة: (أ) مَا لَو أقرّ بِالطَّلَاق بِنَاء على إِفْتَاء الْمُفْتِي لَهُ بالوقوع ثمَّ تبين عَدمه لم يَقع ديانَة. (ب) وَمِنْه: مَا لَو تَكَلَّمت زَوجته فَقَالَ: هَذَا كفر، وَحرمت عَليّ: ثمَّ تبين أَن ذَلِك اللَّفْظ لَيْسَ بِكفْر لَا تحرم. (ج) وَمِنْه: مَا لَو ادّعى أَن لَهُ عَلَيْهِ دينا أَو حَقًا فَصَالحه عَنهُ على بدل. ثمَّ تبين أَن الدّين لم يكن عَلَيْهِ أَو أَن الْحق لم يكن ثَابتا كَانَ لَهُ أَن يسْتَردّ الْبَدَل، وَلَكِن يشْتَرط فِي ذَلِك أَن يكون الصُّلْح لَا عَن إِقْرَار وَأَن يكون تبين عدم ثُبُوت الدّين أَو الْحق بِغَيْر إِقْرَار الْمُدَّعِي قبل الصُّلْح بِأَنَّهُ لَا حق لَهُ قبله. فَلَو كَانَ الصُّلْح عَن إِقْرَار أَو أثبت الْمُدعى عَلَيْهِ أَن الْمُدَّعِي كَانَ أقرّ قبل العقد الصُّلْح أَنه لَيْسَ لَهُ على الْمُدعى عَلَيْهِ دين أَو حق فَإِنَّهُ لَا يبطل الصُّلْح وَلَا يسْتَردّ الْمُدَّعِي

عَلَيْهِ الْبَدَل، لِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه لم يكن مَوْجُودا عِنْد الْإِقْرَار ثمَّ وجد بعده وصولح عَنهُ فَلْينْظر فِي الْمحل الَّذِي حررنا فِيهِ هَذَا الحكم من شرح الْقَوَاعِد، هُوَ مَذْكُور فِي شرح الْقَاعِدَة الرَّابِعَة: " الْيَقِين لَا يَزُول بِالشَّكِّ ". (د) وَمِنْه: مَا لَو ظن أَن للْآخر عَلَيْهِ دينا فقضاه إِيَّاه ثمَّ تبين لَهُ عَدمه رَجَعَ بِمَا دفع. (هـ) وَمِنْه: مَا لَو دفع نَفَقَة فَرضهَا القَاضِي عَلَيْهِ. ثمَّ تبين عدم وُجُوبهَا رَجَعَ بهَا. (و) وَمِنْه: مَا لَو ادّعى عَلَيْهِ ألفا مثلا، فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ للْمُدَّعِي: إِن حَلَفت أَنَّهَا لَك عَليّ أديتها لَك، فَحلف، فأداها لَهُ الْمُدعى عَلَيْهِ ظنا مِنْهُ أَنَّهَا لَزِمته بِحلف الْمُدَّعِي استردها مِنْهُ. (ز) وَمِنْه: مَا لَو أتلف مَال غَيره يَظُنّهُ مَاله ضمنه. (ر: الْمَادَّة / 914 / من الْمجلة) . (ح) وَمِنْه: قَول الْفُقَهَاء الْمَشْهُور: كل من دفع مَا لَيْسَ بِوَاجِب عَلَيْهِ على ظن وُجُوبه فَلهُ اسْتِرْدَاده قَائِما، أَو اسْتِرْدَاد مثله أَو قِيمَته هَالكا، كَمَا لَو دفع الْأَصِيل الدّين بعد أَن دَفعه وَكيله أَو كفيله وَهُوَ لَا يعلم، فَإِنَّهُ يسْتَردّهُ. وَكَذَا لَو دفع الْوَكِيل أَو الْكَفِيل وَكَانَ الْأَصِيل قد دفع فَإِنَّهُ يسْتَردّ. وَكَذَا لَو دفع الْكَفِيل الدّين ثمَّ تبين لَهُ فَسَاد الْكفَالَة فَإِنَّهُ يرجع بِمَا دفع، وَذَلِكَ كَمَا لَو كَانَ لاثْنَيْنِ على آخر دين مُشْتَرك، فكفل أَحدهمَا لصَاحبه نصِيبه من الدّين لم تجز تِلْكَ الْكفَالَة. فَلَو دفع نصيب صَاحبه فَإِنَّهُ يرجع عَلَيْهِ (ر: الْفَصْل / 30 / من جَامع الْفُصُولَيْنِ صفحة / 72) . وَكَذَا لَو كفل وَكيل البيع الثّمن لمُوكلِه لم تجز تِلْكَ الْكفَالَة، فَلَو دفع الثّمن لمُوكلِه رَجَعَ عَلَيْهِ بِهِ (ر: الْفَصْل / 30 / من جَامع الْفُصُولَيْنِ، صفحة / 73) . وَأما إِذا لم يكن الدّفع على ظن الْوُجُوب، بل كَانَ تَبَرعا، بِأَن كَانَ على وَجه الْهِبَة أَو الصَّدَقَة فَلَا رُجُوع، إِلَّا فِي الْهِبَة إِذا كَانَ الْمَوْهُوب قَائِما بِشُرُوطِهِ. وَلَو كَانَ الدّفع على سَبِيل التَّمْلِيك كَانَ وَدِيعَة فيسترد.

ثالثا المستثنى

(ط) وَمِمَّا يتَفَرَّع عَلَيْهَا مَا لَو دفع الْقصار إِلَى الْمَالِك ثوب غَيره فَأَخذه على ظن أَنه لَهُ ضمن، لما مر (أَي من أَنه أَخذ ثوبا بِلَا أَمر ربه) وَالْجهل فِيهِ لَيْسَ بِعُذْر (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ، من بحث ضَمَان الْقصار، المجلد الثَّانِي، صفحة / 182) . وَكَذَا مَا فِي الْمحل الْمَذْكُور عقب مَا تقدم: طلب ثَوْبه من قصار، فَقَالَ: دفعت ثَوْبك إِلَى رجل ظَنَنْت أَنه ثَوْبه، ضمن الْقصار، كثيابي حمام سلم إِلَيْهِ رجل ثِيَابه ليحفظها، فَقَالَ الثيابي: خرج رجل وَلبس ثِيَابك فَظَنَنْت أَنَّهَا لَهُ ضمن. (ثَالِثا _ الْمُسْتَثْنى) يسْتَثْنى من هَذِه الْقَاعِدَة: - مَا لَو دخل رجل الْحمام وَقَالَ للحمامي: احفظ الثِّيَاب، فَخرج وَلم يجد ثِيَابه، فَقَالَ الحمامي: إِنِّي رَأَيْت أحدا رفع ثِيَابك إِلَّا أَنِّي ظَنَنْت أَن الرافع أَنْت، لَا يضمن، إِذْ لم يتْرك الْحِفْظ لما ظن أَن الرافع هُوَ (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل / 33 / فِي أَحْكَام ضَمَان الحمامي والثيابي _ مُلَخصا) . لكنه ذكر بعد ذَلِك أَن الضَّمَان هُوَ الْأَصَح، فَيكون عدم الضَّمَان على مُقَابِله (ر: صفحة / 187 / من جَامع الْفُصُولَيْنِ) . (تَنْبِيه:) خرج عَن هَذِه الْقَاعِدَة مَسْأَلَة، وَهِي: مَا إِذا اشْترى مَنْقُولًا فجَاء آخر وَطَلَبه بِالشُّفْعَة وَظن المُشْتَرِي أَن الشُّفْعَة تجْرِي فِي الْمَنْقُول فَدفعهُ لَهُ وَقبض مِنْهُ الثّمن. ثمَّ علم أَن الشُّفْعَة لَا تجْرِي فِي الْمَنْقُول لَا يملك اسْتِرْدَاده وانعقد بيعا بالتعاطي.

((الصفحة فارغة))

القاعدة الثانية والسبعون

(الْقَاعِدَة الثَّانِيَة وَالسَّبْعُونَ (الْمَادَّة / 73)) (" لَا حجَّة مَعَ الِاحْتِمَال ") (أَولا _ الشَّرْح) " لَا حجَّة " أَي لَا برهَان مَقْبُول وَلَا احتجاج مسموع " مَعَ " قيام " الِاحْتِمَال " وانتصابه على أَن مَا قَامَت عَلَيْهِ الْحجَّة لَيْسَ خَالِيا من التُّهْمَة، فَإِن التُّهْمَة إِذا تمكنت من فعل الْفَاعِل حكم بِفساد فعله (ر: تأسيس النّظر صفحة / 19) . لَكِن هَذَا فِي الِاحْتِمَال النَّاشِئ عَن دَلِيل. (ثَانِيًا _ التطبيق) مثلا: لَو أقرّ أحد لأحد ورثته بدين أَو عين فَإِن كَانَ فِي مرض مَوته لَا يَصح مَا لم يصدقهُ بَاقِي الْوَرَثَة وَلَو فِي حَيَاة الْمُورث، أَو يجيزوه بعد مَوته. وَذَلِكَ لِأَن احْتِمَال كَون الْمَرِيض قصد بِهَذَا الْإِقْرَار حرمَان سَائِر الْوَرَثَة مُسْتَند إِلَى دَلِيل، وَهُوَ كَونه فِي الْمَرَض. وَنَظِير ذَلِك: مَا لَو وكل آخر بشرَاء شَيْء فشراه وَلم يبين أَنه شراه لنَفسِهِ أَو لمُوكلِه، ثمَّ بعد أَن تلف المشرى بِيَدِهِ أَو حدث بِهِ عيب قَالَ: إِنِّي كنت شريته لموكلي، لَا يصدق. وَكَذَلِكَ لَو بَاعَ الْوَكِيل بِالشِّرَاءِ مَاله لمُوكلِه، أَو اشْترى الْوَكِيل بِالْبيعِ مَال مُوكله لنَفسِهِ لَا يَصح فيهمَا. وَكَذَلِكَ لَو بَاعَ الْوَكِيل بِالْبيعِ مَال مُوكله، وَلَو بِثمن الْمثل، مِمَّن لَا تقبل

شَهَادَتهم لَهُ كأبويه وَأَوْلَاده وَزَوجته بِدُونِ تَفْوِيض من الْمُوكل (ر: الْمَادَّة / 1486 و 1488 و 1496 و 1497 / من الْمجلة) . وكل ذَلِك لتمكن احْتِمَال التُّهْمَة فِي فعل الْوَكِيل، وَقيام الدَّلِيل على ذَلِك الِاحْتِمَال " وَهُوَ أَن يكون الْحَامِل لَهُ فِي الْفَرْع الأول على طَرحه على الْمُوكل هَلَاك الْمَبِيع أَو تعيبه، وَفِي بَقِيَّة الْفُرُوع حب الأثرة الْحَامِل على الْمُحَابَاة لنَفسِهِ أَو لمن لَا تقبل شَهَادَته لَهُ ". وَمِنْه: مَا لَو بَاعَ الْمَرِيض (مرض الْمَوْت) مَاله من وَارثه، وَلَو بأضعاف قِيمَته، لم يجز عِنْد أبي حنيفَة، إِلَّا أَن يُجِيز الْوَرَثَة، لِأَنَّهُ مُتَّهم، لجَوَاز أَنه أَرَادَ إيثاره على سَائِر الْوَرَثَة بِعَين من أَعْيَان مَاله. وَمِنْه: مَا لَو أقرّ الْمَرِيض لامْرَأَته بِأَنَّهُ كَانَ طَلقهَا فِي صِحَّته وَانْقَضَت عدتهَا، وصدقته الْمَرْأَة، ثمَّ أوصى لَهَا بِوَصِيَّة، أَو أقرّ لَهَا بدين، ثمَّ مَاتَ، فلهَا الْأَقَل من الْمِيرَاث ومبلغ الْوَصِيَّة أَو الدّين الْمقر بِهِ عِنْد أبي حنيفَة، لدَلِيل احْتِمَال التُّهْمَة فِي إِقْرَاره. وَمِنْه: مَا لَو بَاعَ شَيْئا وَسلمهُ، وَقبل أَن يقبض ثمنه اشْتَرَاهُ من لَا تقبل شَهَادَته لَهُ من المُشْتَرِي بِأَقَلّ من الثّمن الأول. لَا يجوز شِرَاؤُهُ عِنْد أبي حنيفَة، لقِيَام دَلِيل التُّهْمَة فِي ذَلِك. وَمِنْه: مَا لَو شهد الْوَصِيّ الْوَارِث الْكَبِير بدين على الْمَيِّت لَا تقبل شَهَادَته عِنْد أبي حنيفَة، لمَكَان التُّهْمَة (ر: تأسيس النّظر، للدبوسي، وَفِيه فروع أخر تنظر هُنَاكَ) . أما إِذا لم يكن ذَلِك الِاحْتِمَال ناشئاً وَلَا منبعثاً عَن دَلِيل، بل عَن مُجَرّد توهم وحدس، فَلَا يُقَاوم الْحجَّة وَلَا يقوى على معارضتها، إِذْ لَا عِبْرَة بِالِاحْتِمَالِ إِذا لم يكن ناشئاً عَن دَلِيل (ر: توضيح التَّنْقِيح، لصدر الشَّرِيعَة، من بحث الْعَام) . وَذَلِكَ بِأَن كَانَ الْإِقْرَار فِي مِثَال الْمَادَّة وَاقعا فِي حَال الصِّحَّة جَازَ، وَاحْتِمَال إِرَادَة الْمقر حرمَان سَائِر الْوَرَثَة حينئذٍ من حَيْثُ إِنَّه احْتِمَال مُجَرّد وَنَوع من التَّوَهُّم لَا يمْنَع حجية الْإِقْرَار اه.

القاعدة الثالثة والسبعون

(الْقَاعِدَة الثَّالِثَة وَالسَّبْعُونَ (الْمَادَّة / 74)) (" لَا عِبْرَة للتوهم ") (أَولا _ الشَّرْح) " لَا عِبْرَة للتوهم " أَي لَا اكتراث بِهِ وَلَا يبْنى عَلَيْهِ حكم شَرْعِي، بل يعْمل بالثابت قطعا أَو ظَاهرا دونه. فَلَو أثبت الْوَرَثَة إرثهم بِشُهُود قَالُوا: لَا نعلم لَهُ وَارِثا غَيرهم يقْضى لَهُم، وَلَا عِبْرَة بِاحْتِمَال ظُهُور وَارِث آخر يزحمهم، لِأَنَّهُ موهوم. وَكَذَلِكَ لَو أثبت الْغُرَمَاء دُيُونهم بِشُهُود قَالُوا: لَا نعلم لَهُ غريماً غَيرهم فَإِنَّهُ يقْضى لَهُم فِي الْحَال، وَلَا عِبْرَة لما عساه يظْهر من الدُّيُون، لِأَنَّهُ وهم مُجَرّد. وَكَذَلِكَ لَو كَانَ للدَّار الْمَبِيعَة شفيعان، غَائِب وحاضر، وَطلب الْحَاضِر الشُّفْعَة، فَإِنَّهُ يقْضى لَهُ بهَا عِنْد تحقيقها، وَلَا يتَأَخَّر حَقه لما عساه يحدث من طلب الشَّفِيع الآخر عِنْد حُضُوره، لِأَنَّهُ موهوم. وَكَذَلِكَ لَو كَانَ لزيد جِدَار ملاصق لدار جَاره فَأَرَادَ أَن يفتح فِيهِ كوَّة فَوق قامة الرجل فَلهُ ذَلِك، وَلَيْسَ لجاره مَنعه عَن فتحهَا بِحجَّة أَنه يطلّ على مقرّ نِسَائِهِ إِذا استعلى على شَيْء، لِأَنَّهُ موهوم. وَكَذَلِكَ لم يجوزوا الرَّهْن بالدرك (كَمَا فِي رهن " الدُّرَر " وَغَيرهَا) لِأَن اسْتِحْقَاق الْمَبِيع أَمر موهوم. بِخِلَاف الرَّهْن بِالدّينِ الْمَوْعُود فَإِنَّهُ صَحِيح وَيضمن ضَمَان الرَّهْن (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وَغَيره، كتاب الرَّهْن) لِأَن الدّين الْمَوْعُود لَيْسَ

موهوماً بل متوقع الْحُصُول، فَكَذَلِك المُشْتَرِي بِخِيَار لَو أعْطى بِالثّمن رهنا جَازَ (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الْخَامِس وَالْعِشْرين، صفحة / 333) . وَذَلِكَ لِأَن الْإِجَازَة متوقعة الْحُصُول لَا متوهمة. وَكَذَلِكَ إِذا قَامَت الْبَيِّنَة المعدلة على أحد بِحَق وَجب الحكم بهَا فَوْرًا لذِي الْحق ويفسق الْحَاكِم بِتَأْخِيرِهِ (كَمَا فِي أَوَائِل كتاب الشَّهَادَات من الدّرّ وَغَيره) وَإِن كَانَ من الْمُحْتَمل كذب الشُّهُود والمعدلين. لَان هَذَا خَال احْتِمَال مُجَرّد توهم لَا دَلِيل عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ يكْتَفى فِي تَعْرِيف الشُّهُود عَلَيْهِ إِن كَانَ غَائِبا عَن مجْلِس الحكم بِذكر اسْمه وَاسم أَبِيه وجده، وَاحْتِمَال مُشَاركَة سواهُ لَهُ فِي اسْمه وَاسم أَبِيه وجده مُجَرّد توهم لَا عِبْرَة لَهُ. التَّوَهُّم: هُوَ إِدْرَاك الطّرف الْمَرْجُوح من طرفِي أَمر مُتَرَدّد فِيهِ. وَالْأَمر الموهوم يكون نَادِر الْوُقُوع وَلذَلِك لَا يعْمل فِي تَأْخِير حق صَاحب الْحق، لِأَن الثَّابِت قطعا أَو ظَاهرا لَا يُؤَخر لأمر موهوم، بِخِلَاف المتوقع فَإِنَّهُ كثير الْوُقُوع، فَيعْمل بِتَأْخِير الحكم، كَمَا جوزوا للْحَاكِم تَأْخِير الحكم للْمُدَّعِي بعد استكمال أَسبَابه لرجاء الصُّلْح بَين الْأَقَارِب، وَمَا ذَاك إِلَّا لِأَنَّهُ متوقع بِخِلَاف غَيرهم. وكما إِذا ادّعى دينا على ميت بمواجهة أحد الْوَرَثَة فَأقر الْوَارِث، أَو ادّعى دينا بوكالة أَو وصاية، فَأقر الْمُدعى عَلَيْهِ بِالْوكَالَةِ أَو الْوِصَايَة. أَو ادّعى الْمُسْتَحق على المُشْتَرِي الْعين الْمَبِيعَة أَنَّهَا ملكه، فَأقر المُشْتَرِي لَهُ بِالْملكِ جَازَ تَأْخِير الحكم إِلَى إِقَامَة الْبَيِّنَة، دفعا للضَّرَر المتوقع بإنكار الْمُوكل الْوكَالَة أَو الْوَارِث الْوِصَايَة، وَلأَجل التَّعَدِّي على الْمُدعى عَلَيْهِ من المدينين، وَلأَجل التَّعَدِّي لبَقيَّة الْوَرَثَة فِي دَعْوَى الدّين على الْمَيِّت، وللتعدي للْبَائِع وَتمكن المُشْتَرِي من الرُّجُوع عَلَيْهِ فِي دَعْوَى الِاسْتِحْقَاق، لِأَن الْإِنْكَار متوقع. لَا تكْرَار فِيمَا يظْهر بِوَضْع هَذِه الْمَادَّة بعد الْمَادَّة / 72 / فَإِن (الظَّن) هُوَ إِدْرَاك الطّرف الرَّاجِح، و (الْوَهم) إِدْرَاك الْمَرْجُوح، وَلَكِن يُمكن أَن يُقَال: إِن

ثانيا التطبيق

حكم هَذِه يفهم من تِلْكَ بِالْأولَى. وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْمَادَّة / 72 / مَوْضُوعَة فِيمَا إِذا تبين خطأ الظَّن فَجزم بعكسه فَلَا يُفِيد حكم هَذِه بِالْأولَى. (ثَانِيًا _ التطبيق) يتَفَرَّع على هَذِه الْمَادَّة: (أ) مَا لَو دفع مَاله مُضَارَبَة لرجل جَاهِل جَازَ أَخذ ربحه مَا لم يعلم أَنه اكْتسب الْحَرَام. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، آخر متفرقات كتاب الْبيُوع) . (ب) وَكَذَلِكَ لَو ادّعى ثمنين أَو ثَلَاثَة أَثمَان بِسَبَب بيع هَذَا الشَّيْء مِنْهُ لَا يجب إِلَّا ثمن وَاحِد وَإِن احْتمل أَنه بَاعَ ثمَّ اشْترى ثمَّ بَاعَ، فَإِنَّهُ لَا يعْتَبر هَذَا الِاحْتِمَال (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الموفي عشْرين ج / 1 صفحة 230) . (ثَالِثا _ الْمُسْتَثْنى) خرج عَن الْقَاعِدَة المسطورة مَا لَو اسْتَأْجر مبانته لإرضاع وَلَده مِنْهَا، ثمَّ تزَوجهَا، لَا تبطل الْإِجَارَة وَإِن كَانَت لم يبْق لَهَا من فَائِدَة متيقنة، وَذَلِكَ لِأَن الحكم (أَي حكم العقد) وَهُوَ هُنَا لُزُوم الْأجر للْمُسْتَأْجر، وَإِن كَانَ لَا يثبت ابْتِدَاء بوهم الْفَائِدَة لكنه يبْقى مَا بَقِي توهم الْفَائِدَة، وتوهم الْفَائِدَة هُنَا ثَابت بِأَن يطلقهَا بعد ذَلِك فتظهر حينئذٍ فائدتها (ر: أَحْكَام الصغار، آخر مسَائِل الْإِجَارَة) . وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا لَو انْهَدم بِنَاء الدَّار المأجورة كُله فَإِن الْإِجَارَة لَا تبطل وَإِن سَقَطت الْأُجْرَة، لِأَن توهم الْفَائِدَة بِإِعَادَة الْبناء ثَابت. حَتَّى لَو بناها الْمُؤَجّر والمدة بَاقِيَة لم تنقض بعد ظُهُور فائدتها ولزمت الْمُسْتَأْجر الْأُجْرَة لما بَقِي من الْمدَّة (ر: الْبَدَائِع، كتاب الْإِجَارَة، وَغَيره) .

وَيتَفَرَّع عَلَيْهَا: مَا لَو آجر مشَاعا فَإِنَّهُ لَا يَصح سَوَاء كَانَ يقبل الْقِسْمَة أَو لَا. وَلَكِن لَو طَرَأَ الشُّيُوع بعد العقد بِأَن آجر عقارا بِتَمَامِهِ ثمَّ اسْتحق جُزْء مِنْهُ شَائِع أَو تفاسخ العاقدان الْإِجَارَة فِي بعض شَائِع مِنْهُ تبقى الْإِجَارَة فِي الْبَاقِي وَإِن كَانَ شَائِعا. وَخرج عَنْهَا أَيْضا مَا فِي حَاشِيَة الرَّمْلِيّ على جَامع الفصوليين (من الْبَاب الرَّابِع وَالْعِشْرين صفحة / 317 نقلا عَن الْمُجْتَبى) من أَن المُشْتَرِي من الْفُضُولِيّ لَو دفع الثّمن لَهُ على رَجَاء إجَازَة الْمَالِك، ثمَّ أَرَادَ اسْتِرْدَاده مِنْهُ لم يملك ذَلِك. اه. أَي لم يملك اسْتِرْدَاده قبل أَن يفْسخ الْمَالِك البيع، فقد منعُوهُ عَن اسْتِرْدَاد الثّمن مَعَ أَن الْإِجَارَة موهومة الْحُصُول. وَمن هَذَا الْقَبِيل مَنعهم أَن يرجع الباعة بَعضهم على بعض الثّمن (إِذا ظهر الْمَبِيع مُسْتَحقّا) قبل أَن يفْسخ الْمُسْتَحق البيع أَو يقْضِي القَاضِي بِالرُّجُوعِ بِالثّمن، لِأَنَّهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ ظهر أَن عُقُود الباعة كَانَت بالفضول وَأَنَّهَا تقبل الْإِجَارَة. وَفِي عقد الْفُضُولِيّ لَو دفع المُشْتَرِي الثّمن لَهُ لَا يملك الِاسْتِرْدَاد قبل انْفِسَاخ العقد فَمَا لم ينتف احْتِمَال الْإِجَازَة بِفَسْخ الْمُسْتَحق أَو بِقَضَاء القَاضِي بِالرُّجُوعِ لَا يرجع الباعة بِالثّمن. (ر: رد الْمُحْتَار، من الِاسْتِحْقَاق) . وَخرج عَنْهَا أَيْضا مَا لَو دفع الْمَدْيُون الدّين إِلَى فُضُولِيّ على رَجَاء أَن يُجِيز الْمَالِك فَلَيْسَ لَهُ أَن يسْتَردّهُ مِنْهُ لاحْتِمَال الْإِجَازَة (انْتهى مُلَخصا، ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ، صفحة / 201 برمز فَتَاوَى رشيد الدّين وبرمز الْمُنْتَقى) . ثمَّ رمز للهداية بِأَن لَهُ أَن يسْتَردّهُ مِنْهُ، وَلَا يقوى كَلَام الْهِدَايَة على مُعَارضَة كَلَام الْمُنْتَقى لِأَنَّهُ من كتب ظَاهر الرِّوَايَة، وَالْوَجْه يشْهد لَهُ أَيْضا، فَإِن الْفُضُولِيّ قبض فضولاً عَن الدَّائِن رَجَاء الْإِجَازَة مِنْهُ لقبضه وَلم يقبض بطرِيق الْوكَالَة عَن الْمَدْيُون ليدفع إِلَى الدَّائِن، وَلَو كَانَ قَبضه بطرِيق الْوكَالَة عَنهُ لم يكن فضولياً، فَحَيْثُ كَانَ قَبضه عَن الدَّائِن رَجَاء الْإِجَازَة لم يكن للدافع حق اسْتِرْدَاد مَا دَفعه إِلَيْهِ. هَذَا مَا ظهر لي.

القاعدة الرابعة والسبعون

(الْقَاعِدَة الرَّابِعَة وَالسَّبْعُونَ (الْمَادَّة / 75)) (" الثَّابِت بالبرهان كَالثَّابِتِ بالعيان ") (الشَّرْح مَعَ التطبيق) " الثَّابِت بالبرهان " المُرَاد بِهِ مَا عَلَيْهِ اصْطِلَاح الْفُقَهَاء، وَهُوَ الْبَيِّنَة الشخصية العادلة " كَالثَّابِتِ بالعيان " وَهُوَ الْمُشَاهدَة. فَكَمَا أَن الْأَمر الْمشَاهد بحاسة الْبَصَر لَا يسع الْإِنْسَان مُخَالفَته فَكَذَلِك مَا ثَبت بِالْبَيِّنَةِ المزكاة لَا تسوغ مُخَالفَته، لِأَن الْبَيِّنَة كاسمها مبينَة، فَإِذا ثَبت بِالْبَيِّنَةِ إِقْرَار الْمُدعى عَلَيْهِ بالمدعى مثلا يحكم عَلَيْهِ بِمَنْزِلَة مَا إِذا أقرّ بالحضرة والمشاهدة. وَكَذَلِكَ إِذا ثَبت الدّين الْمُدعى أَو البيع أَو الْكفَالَة أَو الْغَصْب أَو الْملك مثلا بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنَّهُ يحكم بِهِ بِمَنْزِلَة مَا إِذا شوهد بالحس. (تَنْبِيه:) يفْتَرق مَا ثَبت بِالْبَيِّنَةِ عَمَّا ثَبت بالحس والمشاهدة فِي شَيْء وَاحِد، وَهُوَ أَن مَا كَانَ قَائِما مشاهداً لَا تسمع دَعْوَى مَا يُخَالِفهُ وَلَا تُقَام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ وَلَا على الْإِقْرَار، كَمَا إِذا ادّعى على آخر أَنه قتل مُوَرِثه، وَهُوَ حَيّ، أَو أَنه قطع يَده، وَهِي قَائِمَة، بِخِلَاف مَا كَانَ أمرا منقضياً وَثَبت بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنَّهُ تسمع دَعْوَى مَا يُخَالِفهُ. كَمَا إِذا ادّعى عَلَيْهِ دينا مثلا فأثبته بِالْبَيِّنَةِ فَادّعى عَلَيْهِ الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه أقرّ بِأَن لَا شَيْء لَهُ عَلَيْهِ تسمع. (الْمُسْتَثْنى) يسْتَثْنى من الْقَاعِدَة: مَا لَو أنكر الْمُدعى عَلَيْهِ المَال وَحلف بِالطَّلَاق على

ذَلِك، فَأَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدين شَهدا بإقراضه لَهُ لم يَحْنَث (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، آخر الْفَصْل الرَّابِع عشر) . وَقد وَقع فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: " شَهدا بِإِقْرَارِهِ " وَهُوَ غلط مَعَ الطَّبْع، وَصَوَابه: " بإقراضه ". وَوجه الْفَرْع أَنه بِالشَّهَادَةِ على الْإِقْرَاض لم يتَحَقَّق قيام الدّين حِين الْحلف، كَمَا يعلم من الْمحل الْمَذْكُور. انْتهى.

القاعدة الخامسة والسبعون

(الْقَاعِدَة الْخَامِسَة وَالسَّبْعُونَ (الْمَادَّة / 76)) (" الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي، وَالْيَمِين على من أنكر ") (الشَّرْح مَعَ التطبيق) " الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي، وَالْيَمِين على من أنكر " هَذَا لفظ حَدِيث نبوي شرِيف، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ. وَالْحكمَة فِيهِ أَن جَانب الْمُدَّعِي ضَعِيف، لِأَنَّهُ يَدعِي خلاف الظَّاهِر، فَكَانَت الْحجَّة القوية وَاجِبَة عَلَيْهِ ليتقوى بهَا جَانِبه الضَّعِيف، وَالْحجّة القوية هِيَ الْبَيِّنَة. وجانب الْمُدعى عَلَيْهِ قوي، لِأَن الأَصْل عدم الْمُدعى بِهِ، فاكتفي مِنْهُ بِالْحجَّةِ الضعيفة وَهِي الْيَمين. وَهَذَا أصل لَا يعدل عَنهُ، حَتَّى لَو اصْطلحَ المتخاصمان على أَن الْمُدَّعِي لَو حلف فالمدعى عَلَيْهِ ضَامِن لِلْمَالِ، وَحلف الْمُدَّعِي لم يضمن خَصمه. وتحليف الْمُدَّعِي وَالشَّاهِد أَمر مَنْسُوخ لَا يعْمل بِهِ، وَلَكِن لما غلب الْفسق فِي زَمَاننَا اخْتَار الْقُضَاة استحلاف الشُّهُود لتَحْصِيل غَلَبَة الظَّن، فَلَا ترد الْيَمين على مدعٍ، وَلَا يقْضى بِشَاهِد وَيَمِين عندنَا، خلافًا لسيدنا الإِمَام الشَّافِعِي فيهمَا. ثمَّ إِن التَّحْلِيف يكون بِاللَّه تَعَالَى، وَلَكِن يحلف النَّصْرَانِي بِاللَّه الَّذِي أنزل الْإِنْجِيل على عِيسَى، واليهودي بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى، والمجوسي بِاللَّه الَّذِي خلق النَّار. فَلَا يحلف الْمُسلم بِالطَّلَاق وَلَا بِاللَّه مَا هِيَ زَوجته إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة، وَهِي مَا لَو ادَّعَت امْرَأَة على رجل نِكَاحهَا وَأنكر فَإِنَّهُ يحلف بِاللَّه

تنبيه

مَا هِيَ زَوْجَة لَهُ، وَإِن كَانَت زوجه لَهُ فَهِيَ طَالِق بَائِن. قَالُوا: وَإِنَّمَا حلفناه بِالطَّلَاق، لجَوَاز أَن يكون كَاذِبًا فِي الْحلف، فَلَو لم يحلف بِالطَّلَاق تبقى الْمَرْأَة معلقَة لَا ذَات بعل وَلَا مُطلقَة، فَلَا تتمكن من التَّزْوِيج بآخر، لِأَن جحود النِّكَاح لَيْسَ بِطَلَاق (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الْعشْرين، وَالرَّابِع عشر من نِكَاح الْبَزَّازِيَّة) . (تَنْبِيه:) يشْتَرط للْقَضَاء بِالْبَيِّنَةِ حُضُور الْخصم بِنَفسِهِ، أَو حُضُور نَائِب عَنهُ عِنْد أَدَاء الشُّهُود الشَّهَادَة إِذا كَانَ الْخصم تَحت ولَايَة الْحَاكِم، وَإِذا لم يكن تَحت ولَايَة الْحَاكِم فَسَمعَهَا وَكتب بهَا للْحَاكِم الَّذِي كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ تَحت ولَايَته، فَيشْتَرط للْقَضَاء بهَا تلاوتها من طرف الْحَاكِم الْمَكْتُوب إِلَيْهِ على الْمُدعى عَلَيْهِ أَو نَائِبه، لِأَنَّهُ لَا يقْضى على غَائِب وَلَا لَهُ من غير حُضُوره أَو حُضُور نَائِب عَنهُ (ر: الدّرّ الْمُخْتَار بَاب كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي) إِلَّا فِي بعض مسَائِل تسمع فِيهَا الْبَيِّنَة بِدُونِ حُضُور الْخصم وَلَا حُضُور نَائِب عَنهُ. وَمِنْهَا: مَا لَو اشْترى مَنْقُولًا، وَقيد بالمنقول إِذْ الْعقار لَا يَبِيعهُ القَاضِي (الدّرّ الْمُخْتَار، من الْمحل الْمَذْكُور سَابِقًا) ، وَغَابَ قبل أَن ينْقد ثمنه ويقبضه وَجَهل مَكَانَهُ فَأَقَامَ بَائِعه بَيِّنَة شهِدت لَدَى الْحَاكِم بذلك فَإِن الْحَاكِم يَبِيعهُ وَيدْفَع للْبَائِع الثّمن، فَإِن زَاد شَيْء حفظه للْمُشْتَرِي، وَإِن نقص شَيْء يبْقى دينا على الْغَائِب يَسْتَوْفِيه البَائِع مِنْهُ إِذا ظفر بِهِ (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من متفرقات كتاب الْبيُوع) وَذكر فِي معِين الْحُكَّام، قبيل فصل فِي الشَّهَادَة فِي الْوَصِيَّة بعد الْمَوْت، أَن القَاضِي يستوثق من البَائِع بكفيل. وَنقل فِي رد الْمُحْتَار عَن الْبَحْر تَوْجِيه الْقَضَاء بِالْبَيِّنَةِ هُنَا من غير حُضُور الْخصم بِأَن السّلْعَة فِي يَده وَقد أقرّ بهَا للْغَائِب على وَجه تكون مَشْغُولَة بِحقِّهِ. انْتهى. ثمَّ قَالَ: قَالَ فِي الْخَامِس من الْفُصُولَيْنِ (رمز لَهُ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ بعلامة الْفَتَاوَى الصُّغْرَى للصدر الشَّهِيد) : الْخصم شَرط لقبُول الْبَيِّنَة لَو أَرَادَ الْمُدَّعِي أَن يَأْخُذ من يَد الْخصم الْغَائِب شَيْئا أما إِذا أَرَادَ أَن يَأْخُذ حَقه من ثمن مَال كَانَ للْغَائِب فِي يَده، فَلَا يشْتَرط وَلَا يحْتَاج لوكيل لهَذِهِ الْمَسْأَلَة.

وَكَذَا لَو اسْتَأْجر إبِلا إِلَى مَكَّة ذَاهِبًا وجائياً وَدفع الْكِرَاء وَمَات رب الْإِبِل فِي الذّهاب فانفسخت الْإِجَارَة فَلهُ أَن يركبهَا وَلَا يضمن، وَعَلِيهِ أجرتهَا إِلَى مَكَّة فَإِذا أَتَاهَا وَرفع الْأَمر إِلَى القَاضِي فَرَأى بيعهَا وَدفع بعض الْأجر إِلَى الْمُسْتَأْجر جَازَ. وعَلى هَذَا لَو رهن الْمَدْيُون وَغَابَ غيبَة مُنْقَطِعَة، فَرفع الْمُرْتَهن الْأَمر إِلَى القَاضِي ليبيع الرَّهْن يَنْبَغِي أَن يجوز كَمَا فِي هَاتين الْمَسْأَلَتَيْنِ. انْتهى، وَأقرهُ فِي الْبَحْر (انْتهى كَلَام رد الْمُحْتَار) . أَقُول: وَأقرهُ فِي نور الْعين أَيْضا. وَظَاهره أَنه فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (مَسْأَلَة اسْتِئْجَار الْإِبِل، وَمَسْأَلَة الرَّهْن) لَا بُد من إِقَامَة الْبَيِّنَة لَدَى القَاضِي على مَا ذكر ليجيبه القَاضِي إِلَى طلبه كَمَا فِي الْمَسْأَلَة الأولى. ثمَّ هَذِه الْبَيِّنَة إِنَّمَا تُقَام لَا لأجل الْقَضَاء على الْغَائِب، بل لنفي التُّهْمَة وانكشاف الْحَال (ر: رد الْمُحْتَار، من الْمحل الْمَذْكُور عَن الزَّيْلَعِيّ) . وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا جَاءَ فِي الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، من خِيَار الشَّرْط _ عِنْد قَول المُصَنّف وَالشَّارِح: " فَإِن فسخ " بالْقَوْل " لَا " يَصح " إِلَّا إِذا علم "، نقلا عَن الْعَيْنِيّ _ من أَن البَائِع إِذا غَابَ وَلم يعلم بِالْفَسْخِ فَإِن المُشْتَرِي بِالْخِيَارِ يرفع الْأَمر للْحَاكِم لينصب عَن البَائِع الْغَائِب من يرد عَلَيْهِ الْمَبِيع. وَنقل فِي رد الْمُحْتَار _ تَحت هَذَا _ عَن الْعمادِيَّة أَن هَذَا أحد قَوْلَيْنِ، وَقيل: لَا ينصب لِأَنَّهُ ترك النّظر لنَفسِهِ بِعَدَمِ أَخذ وَكيل مِنْهُ ليرد عَلَيْهِ. انْتهى موضحاً. وَظَاهر كَلَام الْعمادِيَّة اخْتِيَار القَوْل الأول، وَهُوَ الَّذِي جزم بِهِ الْعَيْنِيّ. وَمن هَذَا الْقَبِيل أَيْضا مَا جَاءَ فِي خِيَار الْعَيْب من التَّنْوِير وَشَرحه، نقلا عَن الدُّرَر مَا لَفظه: (ظهر عيب بمشري) البَائِع (الْغَائِب) وأثبته (عِنْد القَاضِي فَوَضعه عِنْد عدل) فَإِذا هلك (هلك على المُشْتَرِي إِلَّا إِذا قضى) القَاضِي (بِالرَّدِّ على بَائِعه) لِأَن الْقَضَاء على الْغَائِب بِلَا خصم ينفذ على الْأَظْهر. انْتهى. لَكِن كتب فِي رد الْمُحْتَار، تَحت قَول الشَّارِح ينفذ على الْأَظْهر، مَا لَفظه: (أَي لَو كَانَ القَاضِي يرى ذَلِك، كشافعي وَنَحْوه، بِخِلَاف الْحَنَفِيّ، كَمَا حَرَّره فِي الْبَحْر وقدمناه فِي كتاب الْمَفْقُود، وَسَيَأْتِي تَمَامه فِي الْقَضَاء) انْتهى. وَكتب الخادمي محشي الدُّرَر، نقلا عَن الْمنح، نَظِير مَا كتبه فِي رد الْمُحْتَار نقلا عَن الْبَحْر الَّذِي هُوَ مَأْخَذ

صَاحب الْمنح أَيْضا، فَإِن مَتنه التَّنْوِير وَشَرحه الْمنح مأخوذان من بَحر شَيْخه ابْن نجيم، وَلم أر ذَلِك صَوَابا، فَإِن الَّذِي حَرَّره فِي الْبَحْر من كتاب الْقَضَاء، وَكَذَا مَا قدمه محشي الدّرّ الْمُخْتَار فِي الْمَفْقُود، وَمَا وعد بِهِ فِي كتاب الْقَضَاء إِنَّمَا هُوَ فِي مُطلق الْقَضَاء على الْغَائِب بِلَا خصم عَنهُ حَاضر، لَا فِي خُصُوص فرع الرَّد بِالْعَيْبِ على الْغَائِب الَّذِي هُوَ مَوْضُوع الْبَحْث، بل أرى أَن الصَّوَاب أَن يكون الْقَضَاء بِالرَّدِّ على الْغَائِب بِحكم خِيَار الْعَيْب فِي الْفَرْع الْمَذْكُور نَظِير فرع الْقَضَاء بِالرَّدِّ على الْغَائِب بِحكم خِيَار الشَّرْط الْمَذْكُور آنِفا، وَأَن يكون كلا الفرعين جَارِيا على مَذْهَبنَا أَيْضا كَبَقِيَّة الْفُرُوع المسوقة أول التَّنْبِيه، وَلَيْسَ خَاصّا بِمذهب من يرى إِطْلَاق جَوَاز الْقَضَاء على الْغَائِب كَمَا قَالَه المحشيان، محشي الدّرّ ومحشي الدُّرَر الْمَذْكُور، فَإِن الْمَعْنى الَّذِي فِي فرع الرَّد على الْغَائِب بِخِيَار الشَّرْط، وَهُوَ دفع الضَّرَر عَن المُشْتَرِي لِئَلَّا يدْخل فِي ملكه مَا لَا يلائمه من غير رضَا مِنْهُ، مَوْجُود نَظِيره فِي فرع الرَّد على الْغَائِب بِخِيَار الْعَيْب، فَإنَّا إِذا لم نمكنه من الرَّد على البَائِع لغيبته فَاتَ عَلَيْهِ الْمَقْصُود من الْملك إِلَى أجل غير مَعْلُوم، إِذْ لَا يُمكنهُ وَالْحَالة هَذِه سوى إِمْسَاكه مَضْمُونا عَلَيْهِ إِلَى أَن يحضر البَائِع (وحضوره موهوم) من غير ارتفاق بِهِ بِاسْتِيفَاء شَيْء من مَنَافِعه أَو بِبيعِهِ وَالِانْتِفَاع بِثمنِهِ، لِأَنَّهُ إِن فعل شَيْئا من ذَلِك لزمَه الْمَبِيع بِعَيْبِهِ من غير رُجُوع بِنُقْصَان الْعَيْب، وَهَذَا مَا لَا يرتضيه الشَّرْع. وَهَكَذَا قررت فِي الدَّرْس حِين مروري بِهَذِهِ الْقَاعِدَة، ثمَّ فِي أثْنَاء إِحْدَى تدريساتي للدرر ومروري بِخِيَار الْعَيْب رَأَيْت فِي حَاشِيَة الْمولى عبد الْحَلِيم على الدُّرَر عِنْد الْكَلَام على فرع الْقَضَاء بِالرَّدِّ على الْغَائِب بِخِيَار الْعَيْب مَا لَفظه: " تَصْوِير الْقَضَاء بِالرَّدِّ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَن يكون هَكَذَا: نصب القَاضِي وَكيلا مسخراً على الْغَائِب، فَسمع دَعْوَى مدعي الْعَيْب، فَأثْبت المُشْتَرِي الشِّرَاء وَالْعَيْب وَطلب الْوَكِيل التَّحْلِيف بِأَنَّهُ مَا رَضِي بِهِ أَو أَبرَأَهُ عَنهُ فَحلف فَقضى القَاضِي بِالرَّدِّ على البَائِع، ثمَّ وَضعه عِنْد الْوَكِيل المسخر لَو عدلا أَو عِنْد غَيره. وَيدل عَلَيْهِ مَا سبق عَن الْخَانِية فِي خِيَار الشَّرْط من أَن القَاضِي ينصب خصما عَمَّن عَلَيْهِ الْخِيَار ليرد عَلَيْهِ " انْتهى بِلَفْظِهِ. وَهُوَ مُوَافق لما فهمته وَللَّه الْحَمد.

تنبيه آخر

(تَنْبِيه آخر:) إِن الْبَيِّنَة لَا تُقَام إِلَّا على خصم جَاحد، إِلَّا مَا اسْتثْنِي كَمَا هُوَ مرسوم فِيمَا كتبناه على الْمَادَّة / 78 / الْآتِيَة. انْتهى. (تَنْبِيه:) جَاءَ فِي الْمَادَّة / 1769 / من الْمجلة فِي بحث تَرْجِيح الْبَينَات مَا لَفظه: إِذا أظهر الطّرف الرَّاجِح الْعَجز عَن الْبَيِّنَة تطلب الْبَيِّنَة من الطّرف الْمَرْجُوح إِن أثبت فِيهَا وَإِلَّا يحلف. انْتهى. وَلَا شكّ أَن هَذَا الحكم _ كَمَا قَالَ الْأُسْتَاذ المحاسني فِي شَرحه على الْمجلة _ عَام فِي مسَائِل تَرْجِيح الْبَينَات. انْتهى. وَذَلِكَ لِأَن الطّرف الْمَرْجُوح فِيهَا يَدعِي كَمَا يظْهر من تتبع فروعها أمرا وجودياً تُقَام عَلَيْهِ الْبَيِّنَة. وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا نصوا عَلَيْهِ من أَن الْبَيِّنَة تُقَام لإِسْقَاط الْيَمين. ومثلوا لَهُ برد الْوَدِيعَة وَالْعَارِية لَو ادَّعَاهُ الْمُودع وَالْمُسْتَعِير وَأنْكرهُ الْمَالِك وكلف مدعي الرَّد الْيَمين، فَأَقَامَ بَينته على الرَّد تنْدَفع عَنهُ الْيَمين، وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون مَا يَدعِيهِ من الرَّد أمرا وجودياً تمكن إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ. وَمثله فِيمَا يظْهر مَا لَو ادّعى المُشْتَرِي أَن ثمن الْعقار كَانَ كَذَا، وَادّعى الشَّفِيع أقل مِنْهُ وَعجز عَن إِثْبَات مَا ادَّعَاهُ وَطلب يَمِين المُشْتَرِي على أَن الثّمن كَانَ كَمَا ادعِي من الْأَكْثَر فَإِن لَهُ تَحْلِيفه (ر: الدُّرَر، كتاب الشُّفْعَة) . فَلَو أَرَادَ المُشْتَرِي أَن يُقيم بَيِّنَة على مَا ادَّعَاهُ لدفع الْيَمين فَالظَّاهِر أَنه يقبل مِنْهُ ذَلِك، ثمَّ لَا يُمكن أَن يدعى أَن جَوَاز تَكْلِيف الْمُدعى عَلَيْهِ الْبَيِّنَة عِنْد عجز الْمُدَّعِي عَنْهَا، وَأَن إِقَامَة الْبَيِّنَة لإِسْقَاط الْيَمين أَمر عامٌ فِي سَائِر الدَّعَاوَى والخصومات أياً كَانَت، بل هُوَ خَاص _ فِيمَا يظْهر ظهوراً وَاضحا _ بِمَا إِذا كَانَ مَا يزعمه الْمُدَّعِي عَلَيْهِ أمرا وجودياً. فَلَو كَانَ نفيا مَحْضا، كَمَا لَو ادّعى عَلَيْهِ دينا أَو غصبا أَو عقدا مثلا فَأنكرهُ وَعجز الْمُدَّعِي عَن الْبَيِّنَة وَطلب تَحْلِيفه فَإِنَّهُ لَا تُقَام الْبَيِّنَة هُنَا من طرف الْمُدعى عَلَيْهِ على مَا يزعمه من عدم شغل ذمَّته بِالدّينِ أَو عدم غصبه أَو عدم وجود العقد بَينهمَا لإِسْقَاط الْيَمين عَنهُ لكَون مَا يزعمه نفيا مَحْضا. على أَن مَا نصوا عَلَيْهِ من أَن الْبَيِّنَة تُقَام لإِسْقَاط الْيَمين لَيْسَ عَاما فِي كل الدَّعَاوَى الَّتِي

يكون الْمُدعى عَلَيْهِ فِيهَا يَدعِي أمرا وجودياً، بل هُوَ خَاص بِغَيْر الْغَصْب. فَلَو ادّعى الْمَالِك أَن قيمَة الْمَغْصُوب كَذَا، وَادّعى الْغَاصِب أَن قِيمَته كَذَا (لمبلغ أقل مِنْهُ) وَعجز الْمَالِك عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة على مدعاه وَطلب يَمِين الْغَاصِب على نفي دَعْوَاهُ فَأَرَادَ الْغَاصِب أَن يُقيم البنية على أَن قِيمَته كَمَا زعم هُوَ، لَا تسمع مِنْهُ على الصَّحِيح مَعَ أَن مَا يَدعِيهِ أَمر وجودي. فقد كتب الشُّرُنْبُلَالِيّ فِي حَاشِيَته على الدُّرَر (أَوَائِل فصل " غيب مَا غصبه " من كتاب الْغَصْب) مَا لَفظه: (قَوْله: إِن برهن الْمَالِك " أَي على الزِّيَادَة الَّتِي يدعيها فِي قيمَة الْمَغْصُوب " قبل، وَإِلَّا صدق الْغَاصِب بِيَمِينِهِ فِي نفي الزِّيَادَة) يُشِير إِلَى عدم قبُول بَيِّنَة الْغَاصِب، وَبِه صرح فِي النِّهَايَة؛ قَالَ: لَا تقبل لِأَنَّهَا تَنْفِي الزِّيَادَة وَالْبَيِّنَة على النَّفْي لَا تقبل. قَالَ بعض مَشَايِخنَا: يَنْبَغِي أَن تقبل بَيِّنَة الْغَاصِب لإِسْقَاط الْيَمين عَن نَفسه كَالْمُودعِ على رد الْوَدِيعَة. وَكَانَ القَاضِي أَبُو عَليّ النَّسَفِيّ رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول: هَذِه الْمَسْأَلَة عدت مشكلة، وَمن الْمَشَايِخ من فرق بَين مَسْأَلَة الْوَدِيعَة وَبَين هَذِه وَهُوَ الصَّحِيح، وَكتب الْمولى عبد الْحَلِيم، تَحت قَول الدُّرَر: " وَإِن برهن الْمَالِك قبل وَإِلَّا صدق الْغَاصِب " مَا لَفظه: أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن الْغَاصِب لَو برهن على قِيمَته فللمالك أَن يحلفهُ وَلَا يقبل برهانه، كَمَا فِي الْخُلَاصَة نقلا عَن الأَصْل. وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا: يَنْبَغِي أَن يقبل لإِسْقَاط الْيَمين، كَالْمُودعِ إِذا رد الْوَدِيعَة فَإِن القَوْل قَوْله مَعَ الْيَمين، وَلَو برهن على ذَلِك قبل، وَكَانَ القَاضِي أَبُو عَليّ النَّسَفِيّ يَقُول: هَذِه الْمَسْأَلَة عِنْدِي مشكلة، وَمن الْمَشَايِخ من فرق بَين هَذِه الْمَسْأَلَة وَمَسْأَلَة الْوَدِيعَة وَهُوَ الصَّحِيح، وَقد رد الْفرق بعض الْمُحَقِّقين وَصحح الْقيَاس عَلَيْهِ، وَمِنْهُم من رد الرَّد. أَقُول: فِي مثل هَذَا الْعَمَل بالرواية، وَهِي مَا فِي الْخُلَاصَة، وَقد سبق نَظَائِره. انْتهى. وَلم يبْق بعد تَصْحِيح القَاضِي النَّسَفِيّ مقَال لقائلٍ. وَالظَّاهِر أَن مَا قيل فِي الْغَصْب يُقَال مثله فِي كل مَا كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ فِيهِ مُتَعَدِّيا، كدعوى قيم الْمُتْلفَات وقيم الْأَمَانَات الَّتِي ضمنت للتقصير فِي حفظهَا، وكالتنازع فِي قدر الْخِيَانَة فِي الْمُرَابَحَة وَمَا شاكلها، فَلَا تسمع بَيِّنَة الْمُدعى عَلَيْهِ فِيهَا على مَا يزعمه لإِسْقَاط الْيَمين عَنهُ.

هَذَا، وَقد نقل فِي مرْآة الْمجلة، تَحت الْمَادَّة / 1769 / الْمَذْكُورَة، عَن حَاشِيَة الْأَشْبَاه للبيري مَا لَفظه: قَالَ فِي الْخُلَاصَة نَاقِلا عَن الأَصْل (للْإِمَام مُحَمَّد) : أَقَامَ الْمَغْصُوب مِنْهُ الْبَيِّنَة أَن قيمَة الْمَغْصُوب كَذَا، وَأقَام الْغَاصِب أَنَّهَا كَذَا، فَبَيِّنَة الْمَالِك أولى، فَإِن لم يكن للْمَالِك بَيِّنَة فَأَرَادَ الْغَاصِب إِقَامَة الْبَيِّنَة فَقَالَ الْمَالِك: أحلفه وَلَا أُرِيد الْبَيِّنَة لَهُ ذَلِك. انْتهى. ثمَّ قَالَ صَاحب الْمرْآة بعد هَذَا: أَقُول: يفهم مِنْهُ أَن الْمَالِك إِن لم يطْلب حلفه تسمع بَيِّنَة الْغَاصِب. انْتهى. وَهَذَا يصلح تَوْفِيقًا حسنا بَين مَا نقل فِي الشرنبلاية أَنه الصَّحِيح وَبَين مَا نَقله عَن بعض الْمَشَايِخ من أَنه يَنْبَغِي أَن تقبل بَيِّنَة الْغَاصِب لإِسْقَاط الْيَمين عَن نَفسه، كَالْمُودعِ، فَيُقَال: عدم الْقبُول فِيمَا إِذا لم يرض الْمُدَّعِي إِلَّا بتحليفه، وَالْقَبُول فِيمَا إِذا رَضِي بِالْبَيِّنَةِ وَلم يَأْتِ بهَا. وَبِه يرْتَفع الِاخْتِلَاف. وَيُؤَيِّدهُ ظَاهر عبارَة الْخُلَاصَة كَمَا هُوَ وَاضح مِنْهَا. فرع: جَاءَ فِي الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، فِي كتاب الْغَصْب، من أَوَائِل فصل غيب مَا غصبه، وَهُوَ: أَن الْمَالِك لَو ادّعى على الْغَاصِب، أَو على الْمُودع الْمُتَعَدِّي، أَن قيمَة الْمَغْصُوب مائَة مثلا، وَقَالَ الْغَاصِب أَو الْمُودع الْمُتَعَدِّي: لَا أعرف قِيمَته لَكِن علمت أَنَّهَا أقل مِمَّا يَدعِي الْمَالِك، فَالْقَوْل للْغَاصِب أَو الْمُودع بِيَمِينِهِ، وَيجْبر على الْبَيَان، فَإِن لم يبين يحلف على مَا يَدعِيهِ الْمَغْصُوب مِنْهُ من الزِّيَادَة، فَإِن حلف يحلف الْمَغْصُوب مِنْهُ أَن قِيمَته مائَة وَيَأْخُذ من الْمُدعى عَلَيْهِ مائَة. انْتهى مُلَخصا، فقد لَزِمت الْيَمين هُنَا الْمُودع. وَالْفرع الْمَذْكُور مَنْقُول عَن الإِمَام مُحَمَّد بن الْحسن كَمَا ذكره فِي رد الْمُحْتَار. وَقد نقل فِيهِ أَن بَعضهم بحث فِيهِ، وَمَا بعد النَّقْل إِلَّا الرُّجُوع إِلَيْهِ، وَلَا عِبْرَة بالبحث إِذا خَالف الْمَنْقُول. وَقَوله فِي هَذِه الْمَادَّة / 76 / إِن الْيَمين على من أنكر، إِذا كَانَ مدعى عَلَيْهِ لَا إِذا كَانَ شَاهدا أَو مُدعيًا، فَإِنَّهُ لَو كَانَ الْمُنكر شَاهدا لَا يحلف، فقد قَالَ فِي الْفَصْل الرَّابِع عشر من الْفُصُولَيْنِ: لَو برهن أَن الشَّاهِد أقرّ أَنه ملكي تقبل (أَي وَترد الشَّهَادَة) ، وَلَو أنكر الشَّاهِد الْإِقْرَار لَا يحلف. انْتهى.

وَكَذَا لَو أنكر الشَّاهِد الشَّهَادَة لَا يحلف (ر: الْفَصْل الْخَامِس عشر من جَامع الْفُصُولَيْنِ، صفحة / 202) . وَكَذَلِكَ الْمُدَّعِي لَا يحلف (فِي غير محلات يَمِين الِاسْتِظْهَار) فَلَو طلب الْمُدعى عَلَيْهِ تَحْلِيف الْمُدَّعِي على أَن مَا يَأْخُذهُ بِحَق لَا يُجَاب إِلَى ذَلِك (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، من الْفَصْل الْخَامِس عشر، بِالْمَعْنَى) . ثمَّ التَّحْلِيف حق الْحَاكِم، لَكِن بِطَلَب الْخصم. فَلَو اسْتحْلف الْمُدَّعِي الْمُدعى عَلَيْهِ فَحلف وَلَو بِحَضْرَة الْحَاكِم، أَو حلفه الْحَاكِم وَلَكِن بِدُونِ طلب الْمُدَّعِي فَحلف فَلَا عِبْرَة بِهِ، وَله تَحْلِيفه ثَانِيًا. (انْتهى بِالْمَعْنَى من الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، كتاب الدَّعْوَى، وجامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الْخَامِس عشر) . ثمَّ يشْتَرط فِي الْيَمين أَن تكون بِحَيْثُ يتَوَقَّف عَلَيْهَا قطع النزاع، فَلَو كَانَ النزاع يَنْقَطِع بِدُونِهَا لَا يُصَار إِلَيْهَا. يدل لذَلِك مَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، أَوَاخِر الْفَصْل الْخَامِس عشر، من أَن الصَّانِع والمستصنع لَو اخْتلفَا فِي أَنه صنع كَمَا أَمر أَو لَا لَا يحلف وَاحِد مِنْهُمَا (ر: صفحة / 204) وَذَلِكَ لِأَن النزاع الْقَائِم لَيْسَ متوقفاً قطعه على هَذَا الْيَمين، لِأَن الاستصناع لَيْسَ بِعقد مُلْزم، فَإِن المستصنع مُخَيّر فِي أَخذ الْمَصْنُوع أَو تَركه وَإِن خرج الْمَصْنُوع كَمَا أَمر، وَعَلِيهِ فَيمكن قطع النزاع بِدُونِ الْيَمين، بل بترك الْمَصْنُوع على الصَّانِع فَلَا يحلف، لَكِن هَذَا يجْرِي على الْمُعْتَمد فِي الْمَذْهَب من التَّخْيِير فِي الاستصناع مُطلقًا وَإِن ظهر كَمَا أَمر، لَا على قَول أبي يُوسُف من عدم التَّخْيِير، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمجلة فِي الْمَادَّة / 392 /. انْظُر مَا كتبناه على الْمَادَّة / 392 / أَوَائِل الْقَاعِدَة الثَّانِيَة " الْعبْرَة فِي الْعُقُود للمقاصد ". فَالظَّاهِر أَنه على قَول أبي يُوسُف يحلف. وَالظَّاهِر أَن مَا قيل فِي الاستصناع يُقَال فِي البيع بِخِيَار للْمُشْتَرِي: لَو اخْتلف فِي مُدَّة الْخِيَار مَعَ البَائِع فِي كَون الْمَبِيع معيبا أَو فاقداً وَصفا مرغوباً فِيهِ مثلا شَرط فِي العقد، لَا يحلف وَاحِد مِنْهُمَا لكَون المُشْتَرِي يُمكنهُ الْفَسْخ بِحكم خِيَار الشَّرْط، فَيَنْقَطِع النزاع بِدُونِ أَن يُصَار إِلَى الْيَمين ليفسخ بِحكم الْعَيْب لَا خِيَار فَوَات الْوَصْف المرغوب فِيهِ. هَذَا إِذا لم يكن مُجَرّد دَعْوَى المستصنع، فِي

فرع جَامع الْفُصُولَيْنِ أَنه لم يصنع كَمَا أَمر، مُعْتَبرَة ردا للمصنوع على الصَّانِع شرعا بِحكم الْخِيَار الثَّابِت لَهُ، أما إِذا كَانَ ذَلِك مِنْهُ مُعْتَبرا ردا بِحكم الْخِيَار كَانَت عِلّة عدم تَحْلِيف وَاحِد مِنْهُمَا هِيَ انْفِسَاخ العقد بَينهمَا وارتفاع سَبَب الْخُصُومَة. وَلم أظفر بِنَقْل يفصح عَن الْعلَّة هَل هِيَ الْقُدْرَة على فسخ العقد أَو انفساخه بِمُجَرَّد الدَّعْوَى وَالله سُبْحَانَهُ أعلم. ثمَّ رَأَيْته فِي رد الْمُحْتَار _ آخر كتاب الْوَقْف عِنْد تعداد صَاحب الدّرّ الْمُحْتَار مَا لَا يجْرِي فِيهِ التَّحْلِيف، وَذكر مَسْأَلَة الاستصناع المرقومة _ نقل عَن الطَّحَاوِيّ مَا يُفِيد أَن عِلّة عدم التَّحْلِيف فِيهَا هِيَ تمكن المستصنع من الْفَسْخ بِدُونِ التَّحْلِيف. وَهُوَ بِمَعْنى مَا عللناه بِهِ أَولا. ثمَّ كَمَا لَا يُصَار إِلَى الْيَمين إِلَّا إِذا توقف قطع النزاع عَلَيْهَا لَا يُصَار إِلَيْهَا إِلَّا إِذا كَانَ المستحلف لَو أقرّ بِمَا يسْتَحْلف عَلَيْهِ نفذ إِقْرَاره. فَلَو كَانَ لَو أقرّ لَا ينفذ إِقْرَاره لَا يسْتَحْلف، فقد قَالَ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ: الْوَكِيل بِقَبض الدّين ادّعى عَلَيْهِ الْمَدْيُون الْإِيفَاء إِلَى مُوكله أَو ادّعى إبراءه وَأَرَادَ تَحْلِيف الْوَكِيل أَنه لَا يعلم بِهِ لَا يحلف، إِذْ لَو أقرّ بِهِ لم يجز على مُوكله لِأَنَّهُ على الْغَيْر. وَكَذَا أَب طَالب زوج ابْنَته الْبَالِغَة بمهرها وَقَالَ: ابْنَتي بكر فِي منزلي، وَقَالَ الزَّوْج: دخلت بهَا وَلم يبْق لَك حق الْقَبْض، وَالْأَب يُنكر، صدق الْأَب لتمسكه بِالْأَصْلِ، وَلَا يحلف الْأَب أَنه لَا يعلم بِدُخُولِهِ إِذْ لَو أقرّ لم يجز عَلَيْهَا. ادّعى وَصِيّ الْمَيِّت دينا على آخر، فَادّعى الْإِيفَاء حَال حَيَاته وَأنكر وَصِيّه لَا يحلف، لما مر من عدم الْفَائِدَة وَيدْفَع الدّين إِلَى الْوَصِيّ. انْتهى مُلَخصا (صفحة / 199) . يظْهر من فرع الْوَكِيل بِقَبض الدّين وتعليله أَنه لَو ادّعى المُشْتَرِي على

تنبيه

الْوَكِيل بِالْبيعِ قبض مُوكله الثّمن مِنْهُ وَأنكر الْوَكِيل ذَلِك يحلف على أَنه لَا يعلم لِأَنَّهُ لَو أقرّ الْوَكِيل بِالْبيعِ بِقَبض مُوكله الثّمن يبرأ المُشْتَرِي، كَمَا لَو أقرّ بِقَبض نَفسه (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ، صفحة / 202 برمز الْجَامِع الْكَبِير وَسَيَأْتِي فِي مستثنيات الْقَاعِدَة / 78) . ثمَّ اسْتشْكل صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ عدم التَّحْلِيف فِي الْفُرُوع الْمَذْكُورَة بقوله: فَإِن قلت فِيهِ فَائِدَة، وَهِي قصر يَده، قلت: أُرِيد بالفائدة أَن يكون نُكُوله كنكول مُوكله وَلَيْسَ كَذَلِك، وَلكنه لَا يَخْلُو عَن المناقشة، لتحَقّق الْفَائِدَة فِي الْجُمْلَة، فَلم لم يكف هَذَا الْقدر فِي جَوَاز التَّحْلِيف؟ انْتهى. وَسكت عَن إشكاله هَذَا محشيه الرَّمْلِيّ وَصَاحب نور الْعين، وَلم يجيبا عَنهُ بِشَيْء. وَالَّذِي يظْهر أَن استشكاله بقوله: وَلكنه لَا يَخْلُو عَن المناقشة لتحَقّق الْفَائِدَة ... الخ غير وَارِد أصلا، وَذَلِكَ لِأَن الْفَائِدَة المتحققة فِي الْجُمْلَة هُوَ قصر يَد الْمُدَّعِي من وَكيل وَأب ووصي كَمَا ذكر قبلا. وَقصر يَده إِنَّمَا [هُوَ] ثَمَرَة تنَاقض لَا ثَمَرَة نَفاذ إِقْرَاره على من يَدعِي عَنهُ، فَإِن إِقْرَاره لَيْسَ نَافِذا عَلَيْهِ دَعْوَاهُ مَعَ إِقْرَاره الَّذِي احتوى عَلَيْهِ نُكُوله (إِذا اسْتحْلف فنكل) ، والنكول لَيْسَ قَطْعِيا فِي الْإِقْرَار، بل هُوَ مُحْتَمل للبذل كَمَا هُوَ مُحْتَمل للإقرار، فعلى تَقْدِير كَونه إِقْرَارا يصير متناقضاً وتناقضه نَافِذ عَلَيْهِ، فتقصر يَده، وعَلى تَقْدِير كَونه بذلاً لَا يصير متناقضاً، وبذله كإقراره فَلَا ينفذ على غَيره فَلَا تقصر يَده، وَحقّ الادعاء ثَابت لَهُ بِيَقِين فَلَا يمْنَع عَنهُ بِمَا هُوَ مَشْكُوك فِيهِ. فَإِذن لم يفد التَّحْلِيف فَائِدَته الْمَطْلُوبَة فِي هَذِه الصُّور فَلَا يجْرِي فِيهَا. (تَنْبِيه:) وكما يشْتَرط فِي الْيَمين أَن يتَوَقَّف عَلَيْهَا قطع النزاع يشْتَرط فِيهَا أَيْضا أَن يكون النّكُول عَنْهَا مُفِيدا للْمُدَّعِي، فَلَو كَانَ النّكُول عَنْهَا لَا يُفِيد الْمُدَّعِي فَلَا يسْتَحْلف الْخصم، فَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: اشْترى دَارا بَابهَا فِي سكَّة نَافِذَة وَكَانَ لَهَا بَاب قديم فِي سكَّة غير نَافِذَة، فَأَرَادَ أَن يفتح بَابهَا الْقَدِيم، فَلَو أقرّ أهل السِّكَّة بذلك الْبَاب فَلهُ فَتحه كبائعه، لقِيَامه مقَامه. وَلَو أنكر أهل السِّكَّة حلفوا، فَلَو حلفهم وَاحِدًا بعد وَاحِد فبحلف الأول يسْقط الْأَيْمَان عَن البَاقِينَ، إِذْ لَا فَائِدَة فِي تحليفهم لأَنهم لَو نكلوا لَيْسَ لَهُ فَتحه، إِذْ للْحَالِف الأول

تنبيهات

مَنعه، فَلَو نكل الأول فَلهُ أَن يحلف غَيره، ثمَّ وَثمّ، فَإِذا نكلوا كلهم فَلهُ أَن يفتح. انْتهى بِبَعْض توضيح، من الْفَصْل / 35 / آخر صفحة / 270 وَأول صفحة / 271 من الْجلد الثَّانِي من جَامع الْفُصُولَيْنِ. وَمن ذَلِك أَيْضا: مَا لَو ادّعى نِكَاح امْرَأَة هِيَ فِي نِكَاح غَيره وَلَا بَيِّنَة للْمُدَّعِي فَلَيْسَ لَهُ تحليفها، لِأَن نكولها لَا يفِيدهُ بعد كَونهَا ذَات زوج، وَلَكِن لَهُ أَن يحلف زَوجهَا على الْعلم، فَإِن حلفه انْقَطَعت الْخُصُومَة إِذْ لم يبْق من فَائِدَة فِي تحليفها، وَإِن نكل صَار مقرا بِبُطْلَان نِكَاحه فتحلف هِيَ حِينَئِذٍ على الْبَتَات، فَإِن نكلت فَهِيَ للْمُدَّعِي (ر: معِين الْحُكَّام، الْبَاب الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ، فِي الْقَضَاء بِدَعْوَى النِّكَاح وَالْمهْر وَالنَّفقَة، مُلَخصا) . وَيصْلح هَذَا أَن يفرع أَيْضا على قَوْلنَا سَابِقًا: لَا يُصَار إِلَى الْيَمين إِلَّا إِذا كَانَ المستحلف لَو أقرّ بِمَا يسْتَحْلف عَلَيْهِ نفذ إِقْرَاره ... إِلَى آخِره ... وَلكنه بسابقه أليق. (تَنْبِيهَات) (التَّنْبِيه الأول:) إِن الْيَمين إِذا تَوَجَّهت على الْخصم، فَإِن كَانَ مَا يحلف عَلَيْهِ فعل نَفسه حلف على الْبَتَات، وَإِن كَانَ فعل غَيره حلف على الْعلم إِلَّا إِذا كَانَ شَيْئا يتَّصل بِهِ فَيحلف على الْبَتَات. كَمَا لَو ادّعى المُشْتَرِي على البَائِع أَن العَبْد الْمَبِيع سَارِق أَو آبق مذ كَانَ عِنْده، فَأنْكر، فَحلف فَإِنَّهُ يحلف على الْبَتَات أَنه لم يأبق أَو لم يسرق عِنْده، لَا على أَنه لَا يعلم أَنه سرق أَو أبق، لِأَن هَذَا أَمر يتَّصل بِهِ، إِذْ إقدامه على البيع يتَضَمَّن الْتِزَامه مَا أوجبه البيع من لُزُوم تَسْلِيم الْمَبِيع سليما. أَو كَانَ شَيْئا تَمَامه بِهِ، كَمَا إِذا ادّعى شَيْئا على ذِي الْيَد أَنه ملكه بِالشِّرَاءِ من زيد، فَقَالَ ذُو الْيَد: أودعنيه زيد ذَلِك، دفعت الْخُصُومَة برهن أَو لَا، فَإِن لم يبرهن وَطلب

تنبيه ثان

الْمُدَّعِي يَمِينه على أَن زيدا أودعهُ إِيَّاه يحلف على الْبَتَات، بِاللَّه لقد أودعهُ إِيَّاه زيد، وَلَا يحلف على الْعلم وَلَو كَانَ فعل غَيره، لِأَن تَمَامه بِهِ، وَهُوَ الْقبُول. وَكَذَلِكَ لَو ادّعى على آخر أَنه اسْتقْرض أَو اسْتَأْجر أَو اشْترى مِنْهُ، فَإِنَّهُ يحلف على الْبَتَات، لِأَنَّهُ فعل الْمُدعى عَلَيْهِ من وَجه، أَو كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ يَدعِي الْعلم فَيحلف على الْبَتَات، كَمَا إِذا ادّعى الْمُودع أَن الْمُودع قبض الْوَدِيعَة فَإِنَّهُ يحلف على الْبَتَات، وكما لَو بَاعَ الْوَكِيل بِالْبيعِ وَسلم الْمَبِيع للْمُشْتَرِي ثمَّ أقرّ أَن مُوكله قبض ثمنه وَأنكر الْمُوكل فَيحلف الْوَكِيل على الْبَتَات بِأَن مُوكله قد قبض، فَإِذا حلف برِئ المُشْتَرِي، وَهُوَ تَحْلِيف فِي الفرعين على فعل الْغَيْر، وَلَكِن لما ادّعى الْمُودع وَالْوَكِيل أَنه عَالم بِهِ حلف على الْبَتَات. وَلَو ملك عينا بِالْإِرْثِ فَادَّعَاهُ عَلَيْهِ آخر فَأنْكر يحلف على الْعلم. وَلَو ملكه بشرَاء أَو بِهِبَة فَإِنَّهُ يحلف على الْبَتَات، وَذَلِكَ لِأَن الْوَارِث نَائِب عَن الْمُورث، والنيابة لَا تجْرِي فِي الْحلف ليحلف، بِخِلَاف المُشْتَرِي والموهوب لَهُ فَإِنَّهُ أصل بِنَفسِهِ لَا نَائِب عَن غَيره، وَالظَّاهِر شَاهد لَهُ أَن مَا فِي يَده مَمْلُوك لَهُ، فَيحلف بتاً (ر: نور الْعين، من الْفَصْل الْخَامِس عشر، بِبَعْض توضيح) . (تَنْبِيه ثانٍ) : من الْمَعْلُوم أَن الشَّهَادَة تُقَام حسبَة على نَحْو طَلَاق الْمَرْأَة وَالْوَقْف، فَهَل يجْرِي فيهمَا التَّحْلِيف حسبَة؟ حكى فِي الْفَصْل الْخَامِس عشر من نور الْعين قَوْلَيْنِ فِيهِ، وَقدم القَوْل بجريان التَّحْلِيف حسبَة، وَنقل بعده عَن الْمُحِيط أَن مُحَمَّدًا رَحمَه الله تَعَالَى أَشَارَ إِلَى أَنه يحلف. ثمَّ رمز بعلامة (شيخ) قَالَ: لَا يحلف. ثمَّ قَالَ: وَالظَّاهِر أَن رِوَايَة التَّحْلِيف أصح وَأولى. انْتهى. وَالظَّاهِر أَن معنى جَرَيَان التَّحْلِيف حسبَة أَنه إِذا لم يتم نِصَاب الشَّهَادَة، أَو تمّ، وَلَكِن الشُّهُود لم يعدلُوا فطلبوا يَمِين من فِي يَده عقار الْوَقْف أَو الزَّوْج، لَا أَن مَعْنَاهُ أَن القَاضِي لَهُ أَن يجلب الزَّوْج أَو من فِي يَده عقار الْوَقْف ويحلفه من غير طلب أحد، كَمَا ظَنّه بعض قُضَاة الْعَصْر، لِأَن الْوَاحِد لَا يصلح خصما وقاضياً حَتَّى نصوا أَن شَاهد الْحِسْبَة لَا بُد أَن يَدعِي بِمَا شهد بِهِ (ر: رد الْمُحْتَار، كتاب الْوَقْف) .

تنبيه ثالث

(تَنْبِيه ثَالِث:) يجب أَن يكون الْمُدعى بِهِ مَعْلُوما، لما فِي الْمَادَّة / 1619 / إِذْ لَا يقْضى بِمَجْهُول. وكما أَنه يجب أَن يكون التَّحْلِيف على مَعْلُوم أَيْضا. فَلَا تَحْلِيف على حق مَجْهُول، فَلَو ادّعى أحد الشَّرِيكَيْنِ على الآخر خِيَانَة مُبْهمَة لم يحلف، لِأَن الْجَهَالَة كَمَا تمنع قبُول الْبَيِّنَة تمنع الِاسْتِحْلَاف (ر: الْحَمَوِيّ على الْأَشْبَاه من كتاب الْقَضَاء) . وَكَذَا لَو ادّعى على رجل: إِنَّه اسْتهْلك مَالِي، أَو قَالَ كَانَ هَذَا شَرِيكي وَقد خَان فِي الرِّبْح وَلَا أَدْرِي كم قدره، وَطلب التَّحْلِيف من القَاضِي، لَا يجِيبه إِلَى ذَلِك. وَكَذَا الْمَدْيُون إِذا قَالَ: قضيت بعض ديني، وَلَا أَدْرِي كم قضيت، أَو قَالَ: نسيت قدره وَأَرَادَ أَن يحلف الطَّالِب لَا يلْتَفت إِلَيْهِ لِأَن دَعْوَى الْمَجْهُول كَمَا تمنع قبُول الْبَيِّنَة تمنع الِاسْتِحْلَاف (ر: جَامع أَحْكَام الصغار من مسَائِل أدب القَاضِي) . إِلَّا فِي مسَائِل يجْرِي فِيهَا التَّحْلِيف على الْمَجْهُول: مِنْهَا: مَا إِذا اتهمَ القَاضِي وَصِيّ الْيَتِيم. وَمِنْهَا مَا إِذا اتهمَ مولى الْوَقْف فَإِنَّهُ يحلفهما، نظرا للْيَتِيم وَالْوَقْف. وَمِنْهَا: مَا إِذا ادّعى الْمُودع على الْمُودع خِيَانَة مُبْهمَة فَإِنَّهُ يحلفهُ. وَمِنْهَا: الْمسَائِل الثَّلَاث الَّتِي تسمع فِيهَا الدَّعْوَى بِمَجْهُول، وَهِي: دَعْوَى الرَّهْن، وَالْغَصْب، وَالسَّرِقَة. فَفِي هَذِه الْمسَائِل السِّت لَو طلب الْمُدَّعِي فِيهَا يَمِين الْمُدعى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يحلف وَإِن كَانَ على مَجْهُول (ر: نور الْعين، من آخر الْفَصْل الْخَامِس عشر نقلا عَن الْأَشْبَاه) . وَزَاد الْحَمَوِيّ سابعة لَهَا، وَهِي: دَعْوَى الْوَدِيعَة المجهولة.

فَإِذا اسْتحْلف على أحد هَذِه المجهولات فَحلف برِئ وَإِن نكل يجْبر على الْبَيَان (ر: الْحَمَوِيّ على الْأَشْبَاه، وَمثله فِي الدُّرَر، كتاب الدَّعْوَى) . وَالظَّاهِر أَن سَماع الدَّعْوَى بِمَجْهُول فِي السّرقَة مُقَيّد بِمَا إِذا ادّعى التَّضْمِين لَا الْقطع، لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْمَالِك يَدعِي الْقطع لَا يحلف السَّارِق، إِذْ لَا تَحْلِيف فِي الْحُدُود. أَقُول: وَيُزَاد أَيْضا مسَائِل أخر تسمع فِيهَا الدَّعْوَى بِمَجْهُول، فَيجْرِي حينئذٍ فِيهَا أَيْضا التَّحْلِيف على الْمَجْهُول، وَهِي: الْوَصِيَّة، وَالْإِقْرَار، وَالْإِبْرَاء (ر: رد الْمُحْتَار من كتاب الدَّعْوَى، نقلا عَن الْمِعْرَاج) . وَيُزَاد أَيْضا مَا لَو قَالَ مَرِيض: لَيْسَ لي فِي الدُّنْيَا شَيْء ثمَّ مَاتَ، فلبعض الْوَرَثَة أَن يحلفوا زَوجته وبنته على أَنَّهُمَا لَا يعلمَانِ شَيْئا من تَرِكَة الْمُتَوفَّى. (ر: رد الْمُحْتَار، من كتاب الْإِقْرَار ج / 462، نقلا عَن حاوي الزَّاهدِيّ) . نقل الْحَمَوِيّ فِي حَاشِيَة الْأَشْبَاه، عَن الْخَانِية (صفحة / 343) أَن دَعْوَى الْوَصِيَّة المجهولة لَا تسمع وَلَا يسْتَحْلف الْخصم عَنْهَا، وَهَذَا خلاف مَا نَقله فِي رد الْمُحْتَار عَن الْمِعْرَاج من سَماع دَعْوَى الْوَصِيَّة المجهولة كَمَا هُوَ مرسوم أدناه، وَنقل فِي تَكْمِلَة رد الْمُحْتَار أَيْضا عبارَة مِعْرَاج الدِّرَايَة الْمَذْكُورَة فبلغت الْمسَائِل عشرا بعد حذف الْوَصِيَّة. والتتبع رُبمَا نفى الْحصْر. يجب أَن يُزَاد أَيْضا فِي الْمسَائِل الَّتِي تصح الدَّعْوَى فِيهَا بِالْمَجْهُولِ مَا جَاءَ فِي الفرائد البهية فِي الْقَوَاعِد الْفِقْهِيَّة لمحمود حَمْزَة مفتي دمشق الأسبق رَحمَه الله، نقلا عَن فصل الْأَنْهَار من الْخَانِية، وَلَفظه: " فَائِدَة: الْجَهَالَة فِي الشّرْب لَا تمنع صِحَة الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة؛ كَذَا فِي فصل الْأَنْهَار من الْخَانِية " بَيَانه: رجل ادّعى شرب يَوْم من نهر مَعْلُوم فِي كل شهر، وَأقَام الْبَيِّنَة على ذَلِك صحت دَعْوَاهُ وَتسمع الشَّهَادَة وَيحكم بهَا. وَمثل ذَلِك مسيل المَاء، لِأَن الْجَهَالَة فِي مثل ذَلِك لَا تمنع من صِحَة الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة. انْتهى. وَالظَّاهِر أَن الْجَهَالَة فِي قدر مَا يستجره من المَاء بالسقي وَقدر مَا يسيله فِي المسيل. ثمَّ الْجَهَالَة المغتفرة فِي هَذِه الدَّعَاوَى إِذا كَانَ الْمُدعى بِهِ عينا، هَل هِيَ

تنبيه رابع

جَهَالَة عينه أم جَهَالَة قِيمَته؟ صَرِيح كَلَام رد الْمُحْتَار من كتاب الدَّعْوَى، نقلا عَن الْخَانِية وَغَيرهَا، عِنْد قَول الْمَتْن: (ومعلومية الْمُدعى إِذْ لَا يقْضى بِمَجْهُول) يُفِيد أَن الْجَهَالَة مغتفرة وَلَو كَانَت جَهَالَة عين الْمُدعى بِهِ. وعَلى هَذَا فاغتفار قِيمَته بعد معلومية عينه بِالْأولَى. (تَنْبِيه رَابِع:) لَو ادّعى على آخر دينا، فَحلف الْمُدعى عَلَيْهِ بِطَلَاق زَوجته أَنه لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دين، فبرهن بعد ذَلِك الْمُدَّعِي أَن لَهُ عَلَيْهِ كَذَا، فَهَل يَحْنَث الْمُدعى عَلَيْهِ أم لَا؟ ذكر فِي الْخَامِس عشر من نور الْعين أَن الْفَتْوَى على أَنه إِذا ادَّعَاهُ بِلَا سَبَب وَبرهن عَلَيْهِ يظْهر كذب الْحَالِف، وَلَو ادَّعَاهُ بِسَبَب وَبرهن على السَّبَب لَا يظْهر كذبه. وَأطلق فِي الدُّرَر، فِي كتاب الدَّعْوَى، عدم ظُهُور كذبه بِإِقَامَة الْبَيِّنَة، وَقَالَ: إِنَّه الصَّوَاب، وَعزا ذَلِك إِلَى الزَّيْلَعِيّ. وَقَالَ فِي رد الْمُحْتَار، فِي كتاب الدَّعْوَى: إِن مَا ذكره فِي الدُّرَر من عدم الْحِنْث مُطلقًا هُوَ رِوَايَة أُخْرَى عَن مُحَمَّد. انْتهى بِالْمَعْنَى. فقد اخْتلف التَّصْحِيح، وَقَول الزَّيْلَعِيّ: إِن عدم ظُهُور كذبه مُطلقًا بِإِقَامَة الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة هُوَ الصَّوَاب يُفِيد أَن مُقَابِله خطأ، وَالْوَجْه يشْهد لما قَالَه الزَّيْلَعِيّ، وَذَلِكَ لِأَن الْبَيِّنَة إِن قَامَت على السَّبَب فَالْأَمْر ظَاهر، وَإِن قَامَت على الْحق من غير بَيَان السَّبَب فَلَا شكّ فِي أَنَّهَا مستندة إِلَى مَا عاينته عِنْد التَّحَمُّل من السَّبَب وَإِن جزمها عِنْد الْأَدَاء بِقِيَام الْحق مَبْنِيّ على الِاسْتِصْحَاب وعَلى كَون الأَصْل بَقَاء الْحق بعد ثُبُوته وَإِن لم تصرح بِهِ، إِذْ الْإِحَاطَة علما بِبَقَائِهِ وقيامه للْحَال وَعدم عرُوض إِيفَاء أَو أَدَاء عَلَيْهِ غير مُمكنَة غَالِبا، فَهِيَ مستندة فِي جزمها بِقِيَام الدّين عِنْد الْأَدَاء إِلَى مَا يُفِيد الظَّن، فَكيف يظْهر بهَا كذب الْمُدعى عَلَيْهِ فِي حلفه؟ هَذَا هُوَ الْتِزَام مَا لَا يلْزم! (ر: مَا كتبناه فِي التَّنْبِيه الأول من الْقَاعِدَة التَّاسِعَة: " مَا ثَبت بِزَمَان يحكم بِبَقَائِهِ " عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ وَعَن معِين الْحُكَّام) . (تَنْبِيه:) نقل فِي تَكْمِلَة رد الْمُحْتَار (من الْجلد الأول صفحة / 295 فِي أَوَائِل كتاب الدَّعْوَى) أَن قبُول الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ (أَي من الْأَعْيَان الَّتِي تصح الدَّعْوَى بهَا مَعَ

تنبيه

جهالتها) وَإِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ إِنَّمَا تقبل عِنْد الْعَامَّة لأجل الْحَبْس فَقَط، وَمَعْنَاهُ أَن يحْبسهُ حَتَّى يحضرهُ ليقيم الْبَيِّنَة على عينه. فَلَو قَالَ: لَا أقدر عَلَيْهِ حبس قدر مَا لَو قدر عَلَيْهِ لأحضره ثمَّ يقْضى عَلَيْهِ بِقِيمَتِه. انْتهى. ثمَّ نقل بعده فِي صفحة / 296 عَن الْخَانِية، أَن مُدَّة الْحَبْس مقدرَة بشهرين. ثمَّ أَفَادَ أَيْضا أَن الْجَبْر على الْبَيَان فِيمَا إِذا أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ أَو اسْتحْلف فنكل، أما إِذا أثبت الْمُدَّعِي الْعين المجهولة فِي هَذِه الصُّور بِالْبَيِّنَةِ فَإِن الْمُدعى عَلَيْهِ يحبس إِلَى أَن يَأْتِي بهَا ... . إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ عَنهُ أَعْلَاهُ. وَنقل فِي رد الْمُحْتَار عِنْد الْكَلَام على دَعْوَى الْمَنْقُول، أَوَائِل الدَّعْوَى، عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَو ادّعى أَن الْمَنْقُول فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ، فَأنْكر كَونه فِي يَده فَأَقَامَ بَيِّنَة شهِدت أَنه كَانَ فِي يَده قبل سنة من هَذَا التَّارِيخ، هَل يقبل وَيجْبر على إِحْضَاره؟ قَالَ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ: يَنْبَغِي أَن تقبل، إِذْ لم يثبت خُرُوجه من يَده، فَتبقى وَلَا تَزُول بشك. وَأقرهُ فِي الْبَحْر، وَجزم بِهِ الْقُهسْتَانِيّ. ثمَّ قَالَ: ورده فِي نور الْعين بِأَن هَذَا اسْتِصْحَاب، وَهُوَ حجَّة فِي الدّفع لَا فِي الْإِثْبَات انْتهى. أَقُول: وَمَا بَحثه فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ وَجزم بِهِ الْقُهسْتَانِيّ وَأقرهُ فِي الْبَحْر هُوَ الصَّوَاب، وَذَلِكَ لِأَن الشَّهَادَة بِالْملكِ المنقضي مَقْبُولَة كَمَا قدمْنَاهُ تَحت الْمَادَّة / 10 / وَالْقَضَاء بهَا هُوَ عين الِاسْتِحْقَاق بالاستصحاب، وَقدمنَا هُنَاكَ عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ عَن صَاحب الْقنية أَنه اسْتشْكل هَذَا، ثمَّ أجَاب عَنهُ بِأَن فِي رد مثل هَذِه الْبَينَات حرجاً، فقلبت دفعا للْحَرج. انْتهى، وَهَذَا من هَذَا الْقَبِيل. ثمَّ لَا يَنْبَغِي أَن يتَوَهَّم أَن قَوْلهم: إِن الشَّهَادَة بِالْيَدِ المنقضية لَا تقبل، كَمَا قدمْنَاهُ هُنَاكَ، يرد مَا بَحثه فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، لِأَن ذَلِك فِيمَا إِذا أَرَادَ مدعي الْيَد المنقضية نَزعه من يَد الْمُدعى عَلَيْهِ بِحجَّة أَنه كَانَ فِي يَده، فَإِنَّهَا لَا تقبل حَتَّى يشْهدُوا أَن الْمُدعى عَلَيْهِ أَخذه مِنْهُ بِغَيْر حق، كَمَا قدمْنَاهُ هُنَاكَ. أما هُنَا فإننا لم نوجب على الْمُدعى عَلَيْهِ نَزعه من يَده بل إِحْضَاره ليشار إِلَيْهِ فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة. (تَنْبِيه:) إِن صَلَاحِية الْمُدَّعِي للخصومة تخْتَلف وتتغاير، فَتَارَة يكون لَهُ صَلَاحِية

إِقَامَة الْبَيِّنَة لإِثْبَات مدعاه وَعند عَجزه عَن إِقَامَتهَا يكون لَهُ صَلَاحِية استحلاف الْخصم، وَهَذَا هُوَ الْغَالِب فِي الدَّعَاوَى والخصومات، وَهُوَ غَنِي عَن التَّمْثِيل لَهُ. وَتارَة يكون للْمُدَّعِي صَلَاحِية إِقَامَة الْبَيِّنَة لإِثْبَات مدعاه، وَإِذا عجز عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة فَلَيْسَ لَهُ صَلَاحِية استحلاف خَصمه: من ذَلِك مَا لَو ادّعى الْمَشْهُود عَلَيْهِ أَن الشَّاهِد أقرّ أَن الْمَشْهُود بِهِ ملكي، فَإِن برهن على إِقْرَاره بذلك تقبل بَينته وَترد شَهَادَة الشَّاهِد، وَإِن عجز عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة فَلَيْسَ لَهُ أَن يطْلب تَحْلِيف الشَّاهِد (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الرَّابِع عشر) . وَمن ذَلِك مَا لَو ادّعى على الْوَصِيّ دينا فِي تَرِكَة الْمُوصي، فَأنْكر الْوِصَايَة، فَإِن أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة على الْوِصَايَة فبها، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ استحلافه. وَمِنْه مَا لَو اشْترى بِالْوكَالَةِ عَن آخر، ثمَّ جَاءَ ليرد الْمَبِيع بِعَيْب على البَائِع، فَادّعى البَائِع أَن مُوكله رَضِي بِالْعَيْبِ فَأنْكر المُشْتَرِي، فَإِن أَقَامَ البَائِع بَينته على مَا ادَّعَاهُ فبها، وَإِلَّا فَلَو طلب يَمِين الْوَكِيل على أَنه لَا يعلم أَن الْمُوكل رَضِي بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ لَا يحلف. وَمِنْه مَا لَو اشْترى عقار الصَّغِير تَحت ولَايَته فَادَّعَاهُ آخر بِالشُّفْعَة، وَاخْتلف الشَّفِيع مَعَ ولي الصَّغِير فِي الثّمن، فَادّعى الشَّفِيع مبلغا، وَادّعى الْوَلِيّ أَكثر مِنْهُ، وَعجز الشَّفِيع عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة وَطلب يَمِين الْوَصِيّ أَو الْوَلِيّ، فَإِنَّهُ لَا يحلف. وَمِنْه: مَا لَو ادّعى الْوَاهِب على الْمَوْهُوب لَهُ أَنه اشْترط عَلَيْهِ عوضا، وَأنكر الْمَوْهُوب لَهُ، فَإِذا عجز الْوَاهِب عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة وَأَرَادَ تَحْلِيف الْمَوْهُوب لَهُ، فَإِنَّهُ لَا يحلف ... إِلَى غير ذَلِك من مسَائِل كَثِيرَة تعلم من مُرَاجعَة الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته قبيل كتاب الْبيُوع. وَتارَة يكون للْمُدَّعِي صَلَاحِية اسْتِحْقَاق الْخصم وَلَيْسَ لَهُ صَلَاحِية إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ: من ذَلِك: مَا لَو ادّعى على آخر مَالا إِرْثا عَن أَبِيه مثلا، فَأقر لَهُ الْمُدعى

عَلَيْهِ بِمَوْت أَبِيه وَبِأَنَّهُ ابْنه ووارثه أَو اسْتحْلف على الْعلم بذلك فنكل، ثمَّ أنكر المَال، فَإِن للْمُدَّعِي أَن يحلفهُ على المَال (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ صفحة / 28، الْفَصْل الثَّامِن وَالْعِشْرين) . وَوجه ذَلِك، فِيمَا يظْهر لي، أَن أصل كَونه خصما قد ثَبت بِإِقْرَار الْمُدعى عَلَيْهِ أَو بِمَا هُوَ فِي حكم الْإِقْرَار (وَهُوَ نُكُوله عَن الْيَمين) على أبي الْمُدَّعِي بِالْمَوْتِ. وَبِأَن الْمُدَّعِي ابْنه ووارثه، وَالْإِقْرَار حجَّة قَاصِرَة، فَيملك الْمُدعى بِهِ من صَلَاحِية الْخُصُومَة مَا يوصله إِلَى مَا فِي حكم الْإِقْرَار، وَهُوَ النّكُول المرجو من الِاسْتِحْلَاف، فَإِن الشَّيْء يستتبع مَا هُوَ مثله، وَلَا يملك إِقَامَة الْبَيِّنَة لِأَنَّهَا حجَّة متعدية، وخصومته قد ملكهَا بِحجَّة قَاصِرَة، وَهُوَ الْإِقْرَار، فَلَا يملك بهَا مَا فَوْقهَا، إِذْ الشَّيْء لَا يستتبع مَا هُوَ فَوْقه. حَتَّى لَو كَانَ أثبت بِالْبَيِّنَةِ موت أَبِيه وَأَنه وَارثه فَلَا شكّ أَن لَهُ حِينَئِذٍ صَلَاحِية إِقَامَة الْبَيِّنَة على المَال، كَمَا هُوَ ظَاهر وَمُسلم. وَيظْهر لي أَن مثل الدَّعْوَى بِالْإِرْثِ على الْوَجْه المسطور فِي " الْفُصُولَيْنِ " الدَّعْوَى بِحكم الْوكَالَة أَو بِحكم الْوِصَايَة، كَمَا لَو ادّعى على آخر أَنه وَكيل فلَان بِقَبض دينه مِنْهُ أَو أَنه وَصِيّ فلَان وَأَنه يُطَالِبهُ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ فَأقر الْمُدعى عَلَيْهِ بِالْوكَالَةِ أَو الْوِصَايَة وَأنكر المَال، أَو أنكر الْوكَالَة أَو الْمَوْت والوصاية، فاستحلف (بِنَاء على الصَّحِيح من أَنه يحلف) كَمَا فِي الدّرّ الْمُخْتَار من بَاب دَعْوَى النّسَب، فنكل ثمَّ أنكر المَال، فَإِن الْمُدَّعِي، وَالْحَالة هَذِه، يكون خصما فِي تَحْلِيفه على المَال لَا فِي إِقَامَة الْبَيِّنَة لما ذكرنَا، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم. ثمَّ رَأَيْت فِي رد الْمُحْتَار (أَوَاخِر بَاب الْوكَالَة بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْض عِنْد قَول الشَّارِح: " الْوكَالَة الْمُجَرَّدَة لَا تدخل تَحت الحكم، وَبَيَانه فِي الدُّرَر ") مَا لَفظه: " قَوْله: وَبَيَانه فِي الدُّرَر " قَالَ فِيهَا: قَالَ فِي الصُّغْرَى: الْوَكِيل يقبض الدّين إِذا أحضر خصما فَأقر بِالتَّوْكِيلِ وَأنكر الدّين لَا تثبت الْوكَالَة، حَتَّى لَو أَرَادَ الْوَكِيل إِقَامَة الْبَيِّنَة على الدّين لَا تقبل. انْتهى. وَالظَّاهِر أَن مُرَاد الْفَتَاوَى بقوله: لَا تثبت الْوكَالَة، أَي فِي حق الْمُوكل أما فِي حق الْمُدعى عَلَيْهِ الْمقر بهَا فَإِنَّهَا تثبت وَيملك تَحْلِيفه على الدّين، لَا إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ. - وَتارَة يكون للْمُدَّعِي صَلَاحِية إِقَامَة الْبَيِّنَة على مَا يَدعِيهِ من عين فِي يَد

الْخصم، وَإِذا عجز عَن إِقَامَتهَا يكون لَهُ الْحق فِي تَحْلِيف الْخصم ليَأْخُذ مِنْهُ بدلهَا، وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفه ليَأْخُذ مِنْهُ الْعين الْمُدعى بهَا إِن نكل عَن الْيَمين مَعَ أَنَّهَا قَائِمَة فِي يَده. فقد قَالَ فِي معِين الْحُكَّام (فِي الْبَاب السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ فِي الْقَضَاء بِدَعْوَى الْوَقْف وَالشَّهَادَة عَلَيْهِ) : ادّعى دَارا، فَقَالَ ذُو الْيَد: إِنَّه وقف على الْفُقَرَاء وَأَنا متول عَلَيْهِ صَحَّ إِقْرَاره، وَيكون وَقفا. فَلَو ادّعى الْمُدَّعِي تَحْلِيفه ليَأْخُذ الدَّار لَو نكل لَا يحلف وفَاقا. وَلَو أَرَادَ تَحْلِيفه ليَأْخُذ الْقيمَة فعلى قِيَاس قَول مُحَمَّد: يحلفهُ وَإِن نكل يَأْخُذ مِنْهُ الْقيمَة. ويفتى بقول مُحَمَّد. وعَلى هَذَا لَو أقرّ بِالدَّار لِابْنِهِ الصَّغِير (أَي إِنَّه يسْتَحْلف لأخذ قيمتهَا مِنْهُ) . وَكَذَلِكَ لَو ادّعى على الْوَرَثَة عينا كَانَ وَقفهَا مُورثهم فِي صِحَّته فأقروا لَهُ ضمنُوا قيمَة الْعين من التَّرِكَة وَلَا يبطل الْوَقْف بإقرارهم. وَلَو أَنْكَرُوا فَلهُ تحليفهم لأخذ الْقيمَة، أما لَو أَرَادَ تحليفهم لأخذ الْوَقْف فَلَا يَمِين لَهُ عَلَيْهِم. انْتهى مُلَخصا. - وَتارَة يكون للْمُدَّعِي صَلَاحِية حلف الْيَمين وَالْبَيِّنَة فَيكون القَوْل قَوْله بِيَمِينِهِ، وَالْبَيِّنَة بَينته، وَلَا يقبل من خَصمه يَمِين وَلَا بَيِّنَة. وَذَلِكَ كَمَا لَو ولدت الْمَرْأَة فَادّعى زَوجهَا أَن الْوَلَد لَيْسَ مِنْهُ لِأَنَّهَا ولدت لأَقل من سِتَّة أشهر من وَقت النِّكَاح، وَقَالَت: ولدت لسِتَّة أشهر، فَالْقَوْل قَوْلهَا وَالْبَيِّنَة بينتها، كَمَا تقدم ذَلِك فِي مستثنيات الْقَاعِدَة / 11 " الأَصْل إِضَافَة الْحَادِث لأَقْرَب أوقاته " نقلا عَن الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته وَغَيره، من بَاب ثُبُوت النّسَب، وكما هُوَ الْحَال فِي الْأُمَنَاء، فَإِن القَوْل فِي كل أَمَانَة للأمين مَعَ يَمِينه وَالْبَيِّنَة بَينته (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، أَوَاخِر الْفَصْل الْخَامِس عشر، صفحة / 205) . وكما لَو ادّعى الرَّاهِن أَن الرَّهْن هلك فِي يَد الْمُرْتَهن، وَادّعى الْمُرْتَهن أَن الرَّاهِن قَبضه مِنْهُ بعد الرَّهْن وَهلك فِي يَده، فَالْقَوْل قَول الرَّاهِن بِيَمِينِهِ، لِأَن الْمُرْتَهن يَدعِي بَرَاءَة نَفسه من الضَّمَان بَعْدَمَا دخل فِي ضَمَانه، والراهن يُنكر. وَلَو أَقَامَا الْبَيِّنَة فَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الرَّاهِن أَيْضا لِأَنَّهَا تثبت بَقَاء الدّين فِي ذمَّة الْمُرْتَهن، وَبَيِّنَة الْمُرْتَهن تنفيه (ر: معِين الْحُكَّام، الْبَاب الْعَاشِر، فِي الْقَضَاء بالتحليف) . وكما لَو شَرط على الظِّئْر الْإِرْضَاع بلبنها. ثمَّ اخْتلفَا، فَقَالَت: أَرْضَعَتْه بلبني، وَقَالَ: بِلَبن شَاة، فَالْقَوْل قَوْلهَا. وَلَو أَقَامَا بَيِّنَة فبينتها أولى (ر: معِين الْحُكَّام، الْبَاب التَّاسِع عشر فِي الْقَضَاء بِشَهَادَة النَّفْي) .

فوائد في موضوع يمين الاستظهار

(فَوَائِد فِي مَوْضُوع يَمِين الِاسْتِظْهَار) (الْمُسَمَّاة بِيَمِين الْقَضَاء) (مقتطفة من الْبَاب الرَّابِع من الْقسم الثَّانِي فِي أَنْوَاع الْبَينَات من معِين الْحُكَّام، صفحة / 113) . يَمِين الْمُسْتَحق على الْبَتّ: أَنه مَا بَاعَ وَلَا وهب. وَيَمِين الْوَرَثَة على الْعلم أَنه مَا خرج عَن ملك مُورثهم بِوَجْه من الْوُجُوه كلهَا، وَأَن ملك جَمِيعهم (يَعْنِي الْوَرَثَة) بَاقٍ عَلَيْهِ إِلَى حِين يمينهم، وَهَذِه التَّتِمَّة فِي الْيَمين تكون على الْبَتّ. إِذا ادّعى رجل بدين على ميت وَأقَام الْبَيِّنَة التَّامَّة عَلَيْهِ، فَإِن كَانَ الْوَرَثَة كبارًا وَلم يدعوا دفع الدّين من مُورثهم وَلَا من أنفسهم لَا يلْزم رب الدّين يَمِين، بِخِلَاف مَا لَو كَانُوا صغَارًا فَلَا بُد من الْيَمين. وَنقل عَن الصفحة الْمَذْكُورَة قبل هَذَا، عَن التَّجْرِيد، أَن الْمَدْيُون إِذا أَقَامَ الْبَيِّنَة على إفلاسه، فَادّعى رب الدّين أَن لَهُ مَالا بَاطِنا حلفه القَاضِي بعد شَهَادَة الشُّهُود. وَعلله بِأَنَّهُ ادّعى شَيْئا خَارِجا عَن علم الشُّهُود. ثمَّ نقل مَا تقدم وَقَالَ عقبه: وَهُوَ (أَي قَوْلهم: فَإِن كَانَ الْوَرَثَة كبارًا وَلم يدعوا دفع الدّين وَلَا من أنفسهم لَا يلْزم رب الدّين يَمِين) يُؤَيّد عبارَة التَّجْرِيد. ثمَّ نقل عَن بعض الْمُتَأَخِّرين التَّحْلِيف وَأطْلقهُ، وَلم يفصل بَين مَا إِذا ادّعى شَيْئا خَارِجا عَن علم الشُّهُود أَولا. وَالْإِطْلَاق هُوَ الْمَذْكُور فِي عَامَّة الْكتب وَجَرت عَلَيْهِ الْمجلة فِي الْمَادَّة / 1746. ثمَّ قَالَ فِي معِين الْحُكَّام من الْبَاب الْمَذْكُور: وَالْيَمِين فِي ذَلِك (أَي فِيمَا إِذا ادّعى الْوَرَثَة دينا لمورثهم فِي تَرِكَة ميت) على من يظنّ بِهِ علم ذَلِك، وَلَا يَمِين على من لَا يظنّ بِهِ علم ذَلِك وَلَا على صَغِير. وَمن نكل مِمَّن تلْزمهُ الْيَمين مِنْهُم سقط من الدّين حِصَّته فَقَط.

ثمَّ زَاد فِي أول الْفَصْل بعد الْبَاب (صفحة / 114) مَسْأَلَة يحلف الْخصم فِيهَا يَمِين الِاسْتِظْهَار بعد إِقَامَة الْبَيِّنَة، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: إِذا قَامَت بَيِّنَة للْغَرِيم الْمَجْهُول الْحَال بِأَنَّهُ معدم، فَلَا بُد من يَمِينه أَنه لَيْسَ لَهُ مَال ظَاهر وَلَا بَاطِن، وَإِن وجد مَالا يُؤَدِّي حَقه عَاجلا. وَعلله بقوله: لِأَن الْبَيِّنَة إِنَّمَا شهِدت على الظَّاهِر، وَلَعَلَّه غيب مَالا. ثمَّ قَالَ فِي آخر الْفَصْل الْمَذْكُور: ضَابِط هَذَا الْبَاب: " أَن كل بَيِّنَة شهِدت بِظَاهِر فَإِنَّهُ يستظهر بِيَمِين الطَّالِب على بَاطِن الْأَمر " انْتهى. ثمَّ ذكر فِي الصفحة / 114 / الْمَذْكُورَة فِي الْفَصْل التَّالِي للفصل المسطور وَمَا لَفظه: " تَنْبِيه " فَإِذا حلف مرّة وَتَأَخر الْقَضَاء لم يَصح أَن يحلف ثَانِيَة للتوهم الْمُحْتَمل. انْتهى. أَي لتوهم أَنه استوفى أَو أَبرَأَهُ ... . إِلَخ.

((الصفحة فارغة)) .

القاعدة السادسة والسبعون

(الْقَاعِدَة السَّادِسَة وَالسَّبْعُونَ (الْمَادَّة / 77)) (" الْبَيِّنَة لإِثْبَات خلاف الظَّاهِر، وَالْيَمِين لإبقاء الأَصْل ") (الشَّرْح مَعَ التطبيق) " الْبَيِّنَة " شرعت " لإِثْبَات خلاف الظَّاهِر " أَي خلاف الأَصْل، كإضافة الْحَادِث إِلَى أبعد أوقاته، وكعدم بَقَاء مَا كَانَ، وكوجود الصِّفَات الْعَارِضَة، وكشغل الذِّمَّة. فَإِن كل ذَلِك خلاف الأَصْل، فَإِن الأَصْل إِضَافَة الْحَادِث إِلَى أقرب أوقاته، وَبَقَاء مَا كَانَ على مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَعدم وجود الصِّفَات الْعَارِضَة، وَبَرَاءَة الذِّمَّة. فَلَا يحكم بِخِلَاف الأَصْل إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ. وَكَذَلِكَ مَا كَانَ الأَصْل فِيهِ الْخُصُوص، كَالْوكَالَةِ وَالْعَارِية، والعموم كالمضاربة، وَالشَّرِكَة، فَإِنَّهُ لَا يحكم فِي كل مِنْهَا بِخِلَاف الأَصْل إِلَّا بِبَيِّنَة. " الْيَمين " شرعت " لإبقاء الأَصْل " على مَا كَانَ عَلَيْهِ من عدمٍ إِن كَانَ الأَصْل عدم الْمُتَنَازع فِيهِ، كالصفات الْعَارِضَة، أَو وجود إِن كَانَ الأَصْل وجود الْمُتَنَازع فِيهِ، كالصفات الْأَصْلِيَّة كَمَا تقدم فِي الْكَلَام على الْمَادَّة التَّاسِعَة. فَإِذا تمسك أحد المتخاصمين بِمَا هُوَ الأَصْل وَعجز الآخر عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة على مَا ادَّعَاهُ من خِلَافه يكون القَوْل قَول من يتَمَسَّك بِالْأَصْلِ بِيَمِينِهِ. (الْمُسْتَثْنى) خرج عَن هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل:

تنبيه

مِنْهَا: مَا لَو ادّعى الْمُودع رد الْوَدِيعَة أَو هلاكها، فَالْقَوْل قَوْله، مَعَ أَن كلا من الرَّد والهلاك عَارض وَالْأَصْل عَدمه ... وَمَا لَو اخْتلف فِي الصِّحَّة وَالْمَرَض، فَالْقَوْل قَول من يَدعِي الْمَرَض، وَالْبَيِّنَة بَيِّنَة من يَدعِي الصِّحَّة، كَمَا فِي الْمَادَّة / 1766 / من الْمجلة، مَعَ أَن الْمَرَض عَارض وَالْأَصْل الصِّحَّة. وَمِنْهَا: مَا لَو اخْتلف فِي الْعقل وَالْجُنُون، فَالْقَوْل قَول من يَدعِي الْجُنُون، وَالْبَيِّنَة بَيِّنَة من يَدعِي الْعقل، كَمَا فِي الْمَادَّة / 1767 / من الْمجلة. وَمِنْهَا مَا لَو اخْتلف فِي الْقدَم والحدوث فَالْقَوْل قَول من يَدعِي الْقدَم، وَالْبَيِّنَة بَيِّنَة مدعي الْحُدُوث، كَمَا فِي الْمَادَّة / 1768 / من الْمجلة. (انْظُر مَا كتبناه على الْمَادَّة الثَّامِنَة) . وَإِنَّمَا خرجت هَذِه لِأَن مدعي الْهَلَاك، أَو الرَّد، أَو الْمَرَض، أَو الْجُنُون، أَو الْقدَم إِنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَة مُنكر لما يَدعِيهِ الْمُدَّعِي من الضَّمَان فِي الأولى، وَمن حق إِزَالَة مَا يَدعِي حُدُوثه فِي الْأَخِيرَة، وَمن مُوجب عقد الْمَرِيض وَالْمَجْنُون فِي الْبَاقِي. (تَنْبِيه:) حَيْثُ كَانَت الْبَيِّنَة لإِثْبَات خلاف الظَّاهِر فَهِيَ لَا تُقَام على النَّفْي، لِأَن نفي الْمُدعى بِهِ إِمَّا عبارَة عَن دَعْوَى عدم وجوده، وَدَعوى عدم وجوده هِيَ الأَصْل فِيمَا كَانَ عارضاً، أَو عبارَة عَن دَعْوَى عدم زَوَاله، وَإِن دَعْوَى عدم زَوَاله هِيَ الأَصْل فِيمَا كَانَ وجودياً (انْظُر مَا كتبناه على الْمَادَّة التَّاسِعَة) . والبينات تُقَام لإِثْبَات خلاف الأَصْل. وَلَا فرق فِي عدم سماعهَا على النَّفْي بَين مَا يُحِيط بِهِ علم الشَّاهِد وَبَين مَا لَا يُحِيط (كَمَا فِي الْهِدَايَة، من بَاب الْيَمين فِي الْحَج وَالصَّلَاة) . فَلَو ادّعى عَلَيْهِ أَنه بَاعَ أَو اشْترى أَو آجر أَو اسْتَأْجر أَو أقرّ أَو فعل كَذَا مِمَّا يلْزمه بِهِ ضَمَان أَو قصاص مثلا فِي الْمَكَان الْفُلَانِيّ فِي الْيَوْم الْفُلَانِيّ من السّنة الْفُلَانِيَّة، فَأَقَامَ الْمُدعى عَلَيْهِ بَيِّنَة شهِدت أَنه لم يفعل ذَلِك فِي ذَلِك الْيَوْم

القسم الثاني الشروط التي تتوقف عليها الصحة في العقود

لَا تقبل، أَو أَقَامَ بَيِّنَة شهِدت بِأَنَّهُ فِي الْيَوْم الْمَذْكُور لم يكن فِي ذَلِك الْمَكَان لَا تقبل. نعم، إِذا كَانَ عدم وجوده فِي ذَلِك الْمَكَان أمرا مستفيضاً متواتراً عِنْد النَّاس لَا تسمع الدَّعْوَى بِهِ، لِئَلَّا يلْزم تَكْذِيب الثَّابِت بِالضَّرُورَةِ (كَمَا فِي رد الْمُحْتَار، قبيل بَاب الِاخْتِلَاف فِي الشَّهَادَة) . وَلم يقبلُوا الشَّهَادَة على النَّفْي إِلَّا فِي الشُّرُوط (كَمَا فِي رد الْمُحْتَار، من بَاب الْيَمين فِي البيع وَالشِّرَاء، من كتاب الْأَيْمَان، نقلا عَن الْمَبْسُوط) . ثمَّ الشُّرُوط على قسمَيْنِ: الْقسم الأول _ الشُّرُوط الْمُعَلق عَلَيْهَا: كَمَا لَو علق طَلَاق زَوجته على عدم فعل الشَّيْء الْفُلَانِيّ فِي وَقت معِين، ثمَّ اخْتَصمَا بعد مُضِيّ الْوَقْت الْمعِين، فَادّعى أَنه فعله، وَادعت أَنه لم يَفْعَله، فَإِن القَوْل قَوْله بِيَمِينِهِ أَنه فعله، لِأَنَّهُ بِدَعْوَاهُ الْفِعْل يُنكر وُقُوع الطَّلَاق، وَالْبَيِّنَة بينتها. فَلَو أَقَامَت بَيِّنَة شهِدت أَنه لم يَفْعَله فِي ذَلِك الْوَقْت تقبل وَيقْضى بِوُقُوع الطَّلَاق. وَكَذَا لَو قَالَ الآخر: إِن لم أوافك بمديونك فلَان فِي الْيَوْم الْفُلَانِيّ فَأَنا كَفِيل بِمَا لَك عَلَيْهِ، ثمَّ اخْتلفَا بعد مُضِيّ الْيَوْم الْمَذْكُور فَقَالَ: وافيتك بِهِ، وَأنكر الدَّائِن، فَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الدَّائِن على أَنه لم يوافه بِهِ وَالْقَوْل قَول الآخر بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ يُنكر الْكفَالَة. وَانْظُر مَا نَقَلْنَاهُ فِي كلامنا على الْمَادَّة التَّاسِعَة، عَن الْبَاب السَّابِع من الْكفَالَة من كتاب الذَّخِيرَة، فَإِنَّهُ ضَرُورِيّ. (الْقسم الثَّانِي _ الشُّرُوط الَّتِي تتَوَقَّف عَلَيْهَا الصِّحَّة فِي الْعُقُود:) فَإِذا اخْتلف المتعاقدان فِي صِحَة عقد وفساده، فَالْقَوْل قَول مدعي الصِّحَّة، وَالْبَيِّنَة بَيِّنَة مدعي الْفساد (كَمَا هُوَ مَعْلُوم) حَتَّى لَو كَانَ الْفساد لفقد شَرط من شُرُوط الصِّحَّة فَالْبَيِّنَة بَيِّنَة مدعي الْفساد على نفي وجوده. فقد قَالَ فِي الْفَصْل الثَّانِي عشر من جَامع الْفُصُولَيْنِ: ادّعى الْمُسلم إِلَيْهِ أَن السّلم فَاسد لِأَنَّهُ لم يذكر الْأَجَل تقبل بَينته، لِأَن الْأَجَل شَرط لصِحَّة السّلم، فَتقبل الْبَيِّنَة عَلَيْهِ وَلَو كَانَ نفيا.

لَكِن قَوْلهم الْبَيِّنَة تقبل على النَّفْي فِي هَذِه الْمسَائِل مُقَيّد بِمَا إِذا لم تظهر فِي شَهَادَة الشَّاهِد مجازفة، بِأَن كَانَ النَّفْي مِمَّا يُحِيط بِهِ علمه. أما إِذا كَانَ النَّفْي مِمَّا لَا يُحِيط بِهِ علم الشَّاهِد كَمَا لَو حلف إِن لم يَأْكُل الطَّعَام الْفُلَانِيّ فِي السّنة الْفُلَانِيَّة فامرأته طَالِق، ثمَّ مَضَت السّنة وَاخْتلف هُوَ وَالزَّوْجَة فَادّعى أَنه أكله، وأقامت الْبَيِّنَة على أَنه لم يَأْكُل، فَالظَّاهِر أَن هَذِه الْبَيِّنَة لَا تقبل، لظُهُور المجازفة فِيهَا لِاسْتِحَالَة إحاطتهم بِهِ عَادَة.

القاعدة السابعة والسبعون

(الْقَاعِدَة السَّابِعَة وَالسَّبْعُونَ (الْمَادَّة / 78)) (" الْبَيِّنَة حجَّة متعدية، وَالْإِقْرَار حجَّة قَاصِرَة ") (أَولا _ الشَّرْح) " الْبَيِّنَة حجَّة متعدية " أَي متجاوزة إِلَى غير من قَامَت عَلَيْهِ، وملزمة لَهُ " وَالْإِقْرَار حجَّة قَاصِرَة " على نفس الْمقر لَا تتجاوزه إِلَى غَيره، لِأَن كَونه حجَّة يبتنى على زَعمه، وزعمه لَيْسَ بِحجَّة على غَيره (انْظُر مَا نقل عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ تَحت الْقَاعِدَة التالية) . (ثَانِيًا _ التطبيق) - وَلذَا صَحَّ الْإِقْرَار بِلَا وجود مُنَازع وَلَا مُوَاجهَة خصم. - وَاقْتصر إِقْرَار الْوَارِث بدين على التَّرِكَة. - وَاقْتصر إِقْرَار الْمُسْتَحق عَلَيْهِ بِالْعينِ الْمُسْتَحقَّة على أَنفسهمَا، فَينفذ إِقْرَار الْوَارِث على نَفسه بِقدر حِصَّته، وَلَا يرجع الْمُسْتَحق عَلَيْهِ على بَائِعه بِالثّمن، وَتسمع دَعْوَى بَائِعه الْملك الْمُطلق على الْمُسْتَحق. - وَبَطل إِقْرَار الْوَصِيّ وَالْمُتوَلِّيّ على التَّرِكَة وَالْوَقْف. - وَكَانَ الْإِقْرَار يعْتَمد الْأَهْلِيَّة بِالْبُلُوغِ وَالْعقل فَقَط، وَلَا يعْتَمد الْولَايَة على غير الْمقر، بِخِلَاف الشَّهَادَة، فَإِنَّهَا حجَّة متعدية، وَلذَا كَانَت تعتمد الْولَايَة، فَلَا تقبل شَهَادَة من لَا ولَايَة لَهُ أصلا، كالصغير، أَو لَا ولَايَة لَهُ على الْمَشْهُود عَلَيْهِ كَغَيْر الْمُسلم إِذا كَانَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ مُسلما، فَحَيْثُ كَانَت الْبَيِّنَة متعدية وتعتمد

تنبيه

الْولَايَة تكون حجَّة على من قَامَت بمواجهته وعَلى غَيره، وَيشْتَرط لَهَا حُضُور الْخصم واتصال الْقَضَاء بهَا، فَإِذا ثَبت الدّين على التَّرِكَة بِالْبَيِّنَةِ يثبت فِي حق جَمِيع الْوَرَثَة، سَوَاء كَانَ الثُّبُوت بمواجهة الْوَصِيّ أَو بمواجهة أحد الْوَرَثَة. وَكَذَا إِذا ثَبت الِاسْتِحْقَاق بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يثبت فِي حق ذِي الْيَد وَفِي حق من تلقى ذُو الْيَد الْملك مِنْهُ، فَلَا تسمع دَعْوَى بَائِعه الْملك على الْمُسْتَحق (إِلَّا دَعْوَى النِّتَاج أَو دَعْوَى تلقي الْملك مِنْهُ مُبَاشرَة أَو بالواسطة) لِأَنَّهُ صَار مقضياً عَلَيْهِ، لَكِن بِشَرْط أَن يكون الْمُسْتَحق عَلَيْهِ قد ادّعى حِين الْخُصُومَة قبل الحكم بِالِاسْتِحْقَاقِ الْملك بالتلقي مِنْهُ. (تَنْبِيه:) الْمسَائِل الَّتِي تُقَام فِيهَا الْبَيِّنَة مَعَ إِقْرَار الْمُدعى عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لأجل تعدِي الثُّبُوت إِلَى غير الْمقر: وَمن جملَة هَذِه الْمسَائِل: مَا لَو ادّعى رجل على آخر حَقًا لأبي الْمُدَّعِي، وَهُوَ مقرّ بِهِ أَو لَا، فَلهُ إِثْبَات نسبه عِنْد القَاضِي بِحَضْرَة الْمُدعى عَلَيْهِ (ر: بَاب دَعْوَى النّسَب من الدّرّ الْمُخْتَار) . وَمِنْهَا: مَا لَو كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ مقرا فِي دَعْوَى الدّين على التَّرِكَة بمواجهة أحد الْوَرَثَة، وَدَعوى الِاسْتِحْقَاق المذكورتين فِي هَذِه الْمَادَّة، فَإِن للْمُدَّعِي إِقَامَة الْبَيِّنَة مَعَ إقرارهم، ليتعدى الثُّبُوت إِلَى بَقِيَّة الْوَرَثَة وَإِلَى البَائِع الْأَصْلِيّ. (ثَالِثا _ الْمُسْتَثْنى) خرج عَن هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل يتَعَدَّى فِيهَا الْإِقْرَار على غير الْمقر: مِنْهَا: مَا لَو أقرّ الْمُؤَجّر بدين لَا وَفَاء لَهُ إِلَّا بِبيع الْعين المأجورة، فَإِن الْإِجَارَة تفسخ وَيُبَاع الْمَأْجُور لوفاء الدّين. وَمِنْهَا مَا لَو كَانَ شَيْء فِي يَد رجل فَادَّعَاهُ اثْنَان بِالشِّرَاءِ مِنْهُ، كل على حِدة، أَو ادّعى كل مِنْهُمَا أَنه رَهنه مِنْهُ وَسلمهُ إِيَّاه، أَو ادّعى أَحدهمَا الشِّرَاء

تنبيه

وَالْآخر الرَّهْن، أَو ادّعى أَحدهمَا الْإِجَارَة وَالْآخر الشِّرَاء، أَو أَحدهمَا الصَّدَقَة مَعَ الْقَبْض وَالْآخر الشِّرَاء، أَو ادّعى كل مِنْهُمَا الْإِجَارَة، وَلَا بَيِّنَة فِي جَمِيع ذَلِك، فَأقر ذُو الْيَد لأَحَدهمَا يمْنَع الآخر بِمُجَرَّد إِقْرَاره للْأولِ وَلَا يسْتَحْلف لَهُ (ر: الدّرّ، آخر كتاب الْوَقْف، والمادة / 1742 / من الْمجلة) . وَمِنْهَا: مَا لَو أقرّ الْأَب على ابْنَته الْبكر الْبَالِغَة بِقَبْضِهِ مهرهَا من زَوجهَا، فَإِنَّهُ حجَّة عَلَيْهَا، وتبرأ بِهِ ذمَّة الزَّوْج. وَمِنْهَا: مَا لَو أقرّ اثْنَان من الْوَرَثَة بِولد للمتوفى فَإِنَّهُ يثبت نسبه فِي حق غَيرهم من الْوَرَثَة، وَفِي حق النَّاس كَافَّة، وَلَا يحْتَاج فِي ذَلِك للفظ الشَّهَادَة وَلَا لمجلس الْقَضَاء على الْأَصَح (ر: الدّرّ وحاشيته، دَعْوَى النّسَب) . وَمِنْهَا: مَا فِي الْفَصْل الْخَامِس عشر من جَامع الْفُصُولَيْنِ (صفحة / 202 من المجلد الأول) : لَو ادّعى عينا على آخر وَأَرَادَ تَحْلِيفه فَأقر بِهِ لِابْنِهِ الصَّغِير تنْدَفع عَنهُ الْيَمين، لِأَنَّهُ بعد أَن أقرّ بِهِ لِابْنِهِ الصَّغِير لَا يَصح إِقْرَاره بِهِ لغيره، فَلَا يُفِيد تَحْلِيفه، لِأَن التَّحْلِيف رَجَاء النّكُول، وَهُوَ كَالْإِقْرَارِ. انْتهى بِالْمَعْنَى. فقد يتَعَدَّى الْإِقْرَار فِي هَذِه الصُّورَة، لَكِن تقدم (آخر الْكَلَام عَن الْمَادَّة / 76) نقلا عَن الْبَاب السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ فِي الْقَضَاء بِدَعْوَى الْوَقْف من معِين الْحُكَّام أَن الْمُفْتى بِهِ قَول مُحَمَّد من أَنه لَو أَرَادَ تَحْلِيف الْأَب ليَأْخُذ الْقيمَة مِنْهُ لَو نكل فَإِنَّهُ يحلف، وَلَو أَرَادَ تَحْلِيفه ليَأْخُذ الْعين لَا يحلف. وَعَلِيهِ فَيحمل مَا فِي الْفُصُولَيْنِ على مَا إِذا طلب تَحْلِيفه ليَأْخُذ الْعين لَو نكل. (انْظُر مَا سَيَأْتِي تَحت الْمَادَّة / 79 / نقلا عَن الْفَصْل الثَّالِث والفصل الْخَامِس عشر من جَامع الْفُصُولَيْنِ) . (تَنْبِيه:) إِذا اجْتمعت الْبَيِّنَة مَعَ الْإِقْرَار ثمَّ وَقع الْقَضَاء فَإِنَّهُ يعْتَبر الْقَضَاء وَاقعا

بِسَبَب الْإِقْرَار، إِلَّا فِي مسَائِل تقدّمت فِي الْكَلَام على الْمَادَّة التَّاسِعَة عشرَة يعْتَبر فِيهَا الْقَضَاء وَاقعا بِالْبَيِّنَةِ، لِئَلَّا يتَضَرَّر الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا اعْتبر وَاقعا بِسَبَب الْإِقْرَار فلتراجع. انْتهى. مِمَّا خرج عَن هَذِه الْقَاعِدَة أَيْضا مَا فِي الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ من جَامع الْفُصُولَيْنِ (صفحة / 202) برمز الْجَامِع الْكَبِير: وَكيل البيع أقرّ بِقَبض مُوكله الثّمن يبرأ المُشْتَرِي، كَمَا لَو أقرّ بِقَبض نَفسه. انْتهى. وَنقل صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ بعد هَذَا عَن صَاحب الذَّخِيرَة أَنه قَالَ: فعلى قِيَاس هَذِه الْمَسْأَلَة يَنْبَغِي أَن يَصح إِقْرَاره بِقَبض الطَّالِب فِي مَسْأَلَة الْوَكِيل بِقَبض الدّين. وَقَالَ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ عقبه: " أَقُول: يُمكن الْفرق بَينهمَا بِأَن وَكيل البيع أصيل فِي قبض الثّمن تعود الْحُقُوق إِلَيْهِ، كَمَا هُوَ مُقَرر فِي مَحَله، فَلهُ أَن يُوكل غَيره بِقَبض ثمنه، كَمَا مر قبيل هَذَا، فَأقر بِمَا لَهُ تسليطه فصح، بِخِلَاف وَكيل الْقَبْض إِذْ لَيْسَ لَهُ التَّوْكِيل فَكَانَ مقرا بِمَا لَيْسَ لَهُ تسليطه فلغا. وَالله أعلم ". وَنقل هَذَا الْفرق فِي نور الْعين وَاسْتَشْكَلَهُ بِأَن وَكيل الْخُصُومَة يَصح إِقْرَاره على مُوكله فِي مجْلِس القَاضِي لَا فِي غير مجْلِس القَاضِي وَإِن انْعَزل بِهِ. ثمَّ قَالَ: فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يَصح إِقْرَار الْوَكِيل بِقَبض الطَّالِب كَمَا قَالَ صَاحب الذَّخِيرَة آنِفا. ثمَّ أيد كَلَام صَاحب الذَّخِيرَة بِمَا ذكره مُحَمَّد فِي الأَصْل من أَن وَكيل الْخُصُومَة أَو الْقَبْض لَو أقرّ فِي مجْلِس الْقَضَاء بِقَبض مُوكله، وَالْمُوكل قد اسْتثْنى إِقْرَاره لم يجز. انْتهى. ثمَّ قَالَ: وَوَجهه التأييد هُوَ أَن الْمَفْهُوم من قَوْله: " وَالْمُوكل قد اسْتثْنى إِقْرَاره " أَنه لَو لم يسْتَثْن جَازَ إِقْرَاره عَلَيْهِ. انْتهى كَلَام نور الْعين. ولي فِيهِ نظر، فَإِن جَوَاب صَاحب الْفُصُولَيْنِ سديد، وَمَا استشكله بِهِ فِي نور الْعين لَا يرد عَلَيْهِ، فَإِن إِقْرَار وَكيل قبض الدّين بِقَبض مُوكله جنس، وَإِقْرَار

وَكيل البيع بِقَبض مُوكله الثّمن جنس آخر لَا تشابه بَينهمَا فِيمَا يظْهر حَتَّى يَصح تَخْرِيج أَحدهمَا على الآخر وَقِيَاسه عَلَيْهِ. وَذَلِكَ أَن وَكيل البيع أصيل فِي حُقُوق العقد، وَمن جُمْلَتهَا قبض الثّمن، لَا وَكيل فِيهَا، وَلذَا لَا يملك الْمُوكل عَزله عَنْهَا، وَلَا يجْبر المُشْتَرِي على دفع الثّمن للْمُوكل الْمَالِك وَإِن كَانَ لَو دفع لَهُ يبرأ، فَيكون إِقْرَار الْوَكِيل بِقَبض مُوكله الثّمن من المُشْتَرِي إِقْرَارا على نَفسه بِبَرَاءَة ذمَّة المُشْتَرِي حَيْثُ أقرّ بِدَفْعِهِ الثّمن للْمَالِك، وَهُوَ دفع صَحِيح تَبرأ بِهِ ذمَّته. بِخِلَاف وَكيل قبض الدّين ووكيل الْخُصُومَة فَإِنَّهُمَا ليسَا أصليين، وَلذَا يملك الْمُوكل عزلهما أَو يجْبر الْمَدْيُون على الدّفع للْمُوكل لَو طَالبه، فَيكون إِقْرَار الْوَكِيل بِالْقَبْضِ، وَالْحَالة هَذِه، من قبيل إِقْرَار الْإِنْسَان على غَيره لَا إِقْرَاره على نَفسه. فعلى قَول الإِمَام من أَن وَكيل قبض الدّين يملك الْخُصُومَة يَصح إِقْرَاره على مُوكله فِي مجْلِس الْقَضَاء كوكيل الْخُصُومَة، لِأَن الْخُصُومَة إِقْرَار أَو إِنْكَار فالتوكيل بهَا تَوْكِيل بِالْإِقْرَارِ، وَعَلِيهِ يتمشى مَفْهُوم كَلَام الأَصْل الَّذِي تمسك بِهِ نور الْعين لتأييد بحث صَاحب الذَّخِيرَة. وعَلى قَوْلهمَا من أَن وَكيل الْقَبْض لَا يملك الْخُصُومَة وَجَرت عَلَيْهِ الْمجلة فِي الْمَادَّة / 1520 / _ لَا يَصح إِقْرَاره على مُوكله بِالْقَبْضِ، وَلَا تَبرأ بِإِقْرَارِهِ هَذَا ذمَّة الْمَدْيُون من الدّين الْمُوكل بِقَبْضِهِ، وَلَا يلْزم من عدم صِحَة إِقْرَاره على مُوكله وَعدم بَرَاءَة ذمَّة الْمَدْيُون أَن تسمع دَعْوَاهُ عَلَيْهِ فَإِن إِقْرَاره بِقَبض مُوكله الدّين يمنعهُ من سَماع دَعْوَاهُ على الْمَدْيُون بِالدّينِ لتناقضه، والمتناقض لَا تسمع دَعْوَاهُ وَإِن كَانَ وَكيلا عَن غَيره. هَذَا مَا ظهر لي، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم. هَذَا وَقد ذكر هَذَا الْفَرْع فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ عَن فرع الْجَامِع الْكَبِير مُطلقًا عَن التَّقْيِيد، وَلَكِن قَيده فِي الْفَصْل الرَّابِع فِي الْوكَالَة بِالْبيعِ من الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّة بِأَن يكون الْمُوكل سلم الْمَبِيع إِلَى وَكيل البيع. وَزَاد أَن الْمُوكل لَهُ أَن يحلف الْوَكِيل على مَا زعم من أَنه، أَي الْمُوكل، قبض الثّمن من المُشْتَرِي، فَإِن حلف برِئ هُوَ أَيْضا، وَإِن نكل ضمن الثّمن للْمُوكل. وَمِمَّا خرج عَنْهَا أَيْضا مَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ (الْفَصْل / 34

صفحة / 224) : لَو أنْفق أَجْنَبِي على بعض الْوَرَثَة فَقَالَ: أنفقت بِأَمْر الْوَصِيّ، وَأقر بِهِ الْوَصِيّ، وَلَا يعلم ذَلِك إِلَّا بقول الْوَصِيّ بعد مَا أنْفق يقبل قَول الْوَصِيّ لَو كَانَ الْمُنفق عَلَيْهِ صَغِيرا (انْتهى) فقد تعدى إِقْرَار الْوَصِيّ على الصَّغِير.

القاعدة الثامنة والسبعون

(الْقَاعِدَة الثَّامِنَة وَالسَّبْعُونَ (الْمَادَّة / 79)) (" الْمَرْء مؤاخذ بِإِقْرَارِهِ ") (الشَّرْح، مَعَ التطبيق) الْمَرْء مؤاخذ بِإِقْرَارِهِ إِذا كَانَ بَالغا عَاقِلا طَائِعا فِيهِ، وَلم يصر مُكَذبا فِيهِ بِحكم الْحَاكِم، وَلم يكن محالاً من كل وَجه عقلا أَو شرعا، وَلم يكن مَحْجُورا عَلَيْهِ، وَأَن لَا يكون مِمَّا يكذبهُ ظَاهر الْحَال، وَأَن لَا يكون الْمقر لَهُ مَجْهُولا جَهَالَة فَاحِشَة (ر: الْمَادَّة / 1573 و 1575 و 1577 و 1578 من الْمجلة) . فَلَو اقر صَغِيرا أَو معتوهاً أَو مكْرها لَا يعْتَبر إِقْرَاره إِلَّا فِي السَّارِق إِذا أقرّ مكْرها، فَأفْتى بَعضهم بِصِحَّتِهِ وَرجحه فِي الْبَزَّازِيَّة وَغَيرهَا، كَمَا فِي التكملة. وَكَذَا إِذا صَار مُكَذبا بِحكم الْحَاكِم بَطل إِقْرَاره (ر: الْمَادَّة / 1587 و 1654) كَمَا إِذا ادّعى مُشْتَرِي الْعقار أَنه اشْتَرَاهُ بِأَلف مثلا، وَأثبت البَائِع أَن الشِّرَاء كَانَ بِأَلفَيْنِ وَقضى لَهُ، فَإِن الشَّفِيع يَأْخُذهُ بِأَلفَيْنِ وَإِن كَانَ المُشْتَرِي أقرّ بِالشِّرَاءِ بِأَلف، لِأَنَّهُ لما قضى عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ صَار مُكَذبا بِحكم الْحَاكِم وَبَطل إِقْرَاره. وَكَذَا إِذا كَانَ الْمقر بِهِ محالاً من كل وَجه، عقلا، أَو شرعا: فَالْأول: كَمَا إِذا أقرّ لَهُ بِأَرْش يَده الَّتِي قطعهَا وَهِي قَائِمَة. وَالثَّانِي: كَمَا إِذا أقرّ لوَارث مَعَه أَنه يسْتَحق بطرِيق الْإِرْث أَكثر من حِصَّته الشَّرْعِيَّة كَانَ بَاطِلا.

تنبيه

وكما لَو أقرّ بِالدّينِ بعد أَن قبل إِبْرَاء الدَّائِن مِنْهُ كَانَ بَاطِلا (كَمَا فِي فصل الاستشراء من دَعْوَى الدُّرَر) . وكما لَو أقرَّت الْمَرْأَة أَن الْمهْر الَّذِي لَهَا على زَوجهَا هُوَ لفُلَان أَو لوالدها فَإِنَّهُ لَا يَصح (كَمَا فِي مداينات الْأَشْبَاه) . وكما لَو أقرّ لزوجته بِنَفَقَة مُدَّة مَاضِيَة كَانَت فِيهَا نَاشِزَة، فَإِنَّهُ لَا يَصح إِقْرَاره (كَمَا فِي الْحَمَوِيّ على الْأَشْبَاه، من الْإِقْرَار) . وَبَقِيَّة التَّمْثِيل للمحترزات يعلم من مُرَاجعَة بَقِيَّة الْموَاد. أما إِذا كَانَ الْمقر بِهِ لَيْسَ محالاً من كل وَجه، بِأَن كَانَ يُمكن ثُبُوته فِي الْجُمْلَة، كَمَا إِذا أقرّ لصغير بقرض، أَو ثمن مَبِيع بَاعه إِيَّاه أَو أقْرضهُ، صَحَّ وَإِن كَانَ لَا يتَصَوَّر صدوره من الصَّغِير، لِأَن الْمقر مَحل لثُبُوت الدّين عَلَيْهِ للصَّغِير فِي الْجُمْلَة (ر: الْأَشْبَاه) . (تَنْبِيه:) يعلم مِمَّا هُنَا حكم حَادِثَة شَرْعِيَّة، وَهِي أَن رجلا فِي عهدته جِهَة إِمَامَة بمعلومها الشهري الْمعِين لَهَا من غلَّة الْوَقْف، فَأقر لغيره بِأَن فلَانا يسْتَحق نصف مَعْلُوم تِلْكَ الْجِهَة دوني، وَلَا شكّ فِي بطلَان هَذَا الْإِقْرَار، لِأَنَّهُ لَا يُمكن شرعا أَن تكون الْجِهَة فِي عُهْدَة زيد أَصَالَة وَالْقِيَام بهَا مُسْتَحقّا عَلَيْهِ، وَيكون شَيْء من معلومها مُسْتَحقّا لعَمْرو، إِذْ يَسْتَحِيل شرعا أَن يكون مَا يسْتَحقّهُ الْإِنْسَان الْحر لِقَاء عمله حَقًا لغيره دونه، وَفِي تَصْحِيح هَذَا الْإِقْرَار تَغْيِير للمشروع، وَهُوَ لَيْسَ فِي وسع الْمقر. (تَنْبِيه آخر:) يشْتَرط لاعْتِبَار الْإِقْرَار شرعا وَالْعَمَل بِمُوجبِه أَن لَا يكون اعْتِبَاره وَالْعَمَل بِمُوجبِه مضراً بِالْغَيْر ومفوتاً عَلَيْهِ حَقًا، فَإِن كَانَ مفوتاً عَلَيْهِ حَقًا بَطل، فقد قَالَ فِي أَوَاخِر الْفَصْل الثَّالِث من جَامع الْفُصُولَيْنِ: " وَلَو أقرّ (أَي الْمُدعى عَلَيْهِ دَار) بِالدَّار لغيره بَعْدَمَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهدا وَاحِدًا أَو شَاهِدين قبل الحكم بَطل إِقْرَاره وَلَا تنْدَفع بِهِ الدَّعْوَى. فَلَو جَاءَ الْمُدَّعِي بِالشَّاهِدِ الآخر أَو ظَهرت عَدَالَة الشَّاهِدين وَالدَّار فِي يَد الْمقر بعد فَالْقَاضِي يحكم على الْمقر. انْتهى.

تنبيه آخر

وَمثل إِقَامَة الشَّاهِد أَو الشَّاهِدين فِي الحكم مَا لَو أَرَادَ الْمُدَّعِي تَحْلِيف الْمُدعى عَلَيْهِ فَأقر بِالْعينِ الْمُدعى بهَا لغيره فَإِنَّهُ لَا تنْدَفع عَنهُ الْيَمين (كَمَا فِي الْفَصْل الْخَامِس عشر من جَامع الْفُصُولَيْنِ، أَو ص 202) . وَالظَّاهِر أَن هَذَا مُقَيّد بِمَا إِذا كَانَ الْمقر لَهُ، وَالْحَالة هَذِه، غير صَغِير أَو وقف، بِدَلِيل مَا تقدم تَحت الْمَادَّة / 78 / عَن الْفَصْل الْخَامِس من جَامع الْفُصُولَيْنِ فَانْظُرْهُ. فقد بَطل الْإِقْرَار لما كَانَ تَصْحِيحه وَالْعَمَل بِمُوجبِه مضراً بِالْغَيْر، وَهُوَ الْمُدَّعِي، ومفوتاً عَلَيْهِ حَقًا. وَلَيْسَ بمستنكر تَفْرِيع هَذَا على الْفَقْرَة الثَّانِيَة من الْقَاعِدَة السَّابِقَة وَهِي: " الْإِقْرَار حجَّة قَاصِرَة " ثمَّ لينْظر مَا لَو كَانَت الدَّار الْمُدعى بهَا فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة عِنْد ظُهُور عَدَالَة الشَّاهِدين لَيست فِي يَد الْمقر، بل كَانَ سلمهَا للْمقر لَهُ. وَالظَّاهِر أَن الْحَاكِم يَنْزِعهَا من يَده ويسلمها للْمُدَّعِي. وَإِذا كَانَ غَائِبا يُخَيّر الْحَاكِم المُشْتَرِي: إِن شَاءَ أَخذ من الْمقر الْقيمَة، وَإِن شَاءَ انْتظر، حَتَّى يقدم الْغَائِب. فقد نقل فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، من الْمحل الْمَذْكُور، عَن الأَصْل بعيد مَا تقدم مَا لَفظه: " فَلَو برهن (أَي الْمُدَّعِي) ثمَّ بَاعه (أَي بَاعَ الْمُدعى عَلَيْهِ الْمُدعى) فَلَو قدرت على المُشْتَرِي أبطلت البيع وَلَو لم أقدر عَلَيْهِ وَعدلت الْبَيِّنَة خيرت الْمُدَّعِي: لَو شَاءَ أَخذ من البَائِع قِيمَته، وَلَو شَاءَ وقف الْأَمر حَتَّى يقدم المُشْتَرِي " (انْتهى) . وَالظَّاهِر أَن مَا قيل فِي صُورَة التَّسْلِيم بِحكم البيع يُقَال فِي التَّسْلِيم بِحكم الْإِقْرَار، بل هُوَ أولى. (تَنْبِيه آخر:) لَو أقرّ ثمَّ ادّعى الْخَطَأ لَا يصدق (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، قبيل كتاب الصُّلْح) . وَلَو أقرّ فَلَمَّا اسْتندَ خَصمه إِلَى إِقْرَاره ادّعى أَنه كَانَ كَاذِبًا فِيهِ وَطلب من الْحَاكِم تَحْلِيف الْيَمين على أَنه لم يكن كَاذِبًا فِي إِقْرَاره فَإِن الْحَاكِم يحلفهُ (ر: الْمَادَّة / 1589 من الْمجلة) إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة لَو طلب فِيهَا تَحْلِيف الْخصم

تنبيه آخر

على ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يحلف، وَهِي: مَا إِذا أقرّ ثمَّ مَاتَ فَادّعى ورثته أَنه كَانَ أقرّ كَاذِبًا وطلبوا تَحْلِيف الْمُدَّعِي الْيَمين على أَنه لم يكن كَاذِبًا فِي إِقْرَاره لَا يحلف، لأَنهم حِين أقرّ لم يكن تعلق حَقهم فِي مَاله، وَحين تعلق حَقهم فِي مَاله صَار المَال حَقًا للْمقر لَهُ. وَلَو ادعوا أَنه كَانَ أقرّ لَهُ تلجئة وطلبوا تَحْلِيفه على أَنه لم يكن إِقْرَاره تلجئة يحلف الْمقر لَهُ: بِاللَّه لقد أقرّ لَك إِقْرَارا صَحِيحا (ر: نور الْعين، وجامع الْفُصُولَيْنِ، فِي الْفَصْل الْخَامِس عشر) . وَقَالَ فِي نور الْعين بعده: يَقُول الحقير: وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يتحد حكم الْمَسْأَلَتَيْنِ إِذْ الْإِقْرَار كَاذِبًا مَوْجُود فِي التلجئة أَيْضا. وَلَعَلَّ وَجه الْفرق هُوَ أَنه فِي دَعْوَى التلجئة يَدعِي الْوَرَثَة على الْمقر لَهُ فعلا وَهُوَ تواضعه مَعَ الْمقر فِي السِّرّ، فَلِذَا يحلفهُ بِخِلَاف دَعْوَى الْإِقْرَار كَاذِبًا. انْتهى بِبَعْض توضيح. بَقِي مَا لَو أقرّ ثمَّ ادّعى الْخَطَأ فِي الْإِقْرَار، هَل يحلف الْخصم على عدم كَون الْمقر مخطئاً كَمَا يحلف لَو ادّعى الْكَذِب فِي الْإِقْرَار على عدم كَونه كَاذِبًا فِي إِقْرَاره؟ الظَّاهِر أَنه يحلف (ر: الْمَادَّة / 1589 من الْمجلة) . إِذْ معنى كَونه مخطئاً أَن إِقْرَاره لَهُ لَيْسَ بصواب وَلَا مُوَافقا للْحَقِيقَة وَهُوَ معنى كَونه كَاذِبًا فِيهِ، وَهُوَ أولى فِيهِ، لِأَن دَعْوَى الْكَذِب تعمد للإقرار فإقدامه عَلَيْهِ مَعَ علمه بِعَدَمِ وجوب شَيْء عَلَيْهِ، أَحَق بِأَن يُؤَاخذ فِيهِ فَلم يُؤَاخذ، فَكَانَ عدم مؤاخذته فِي الْخَطَأ أولى. (تَنْبِيه آخر:) إِن مُؤَاخذَة الْمَرْء بِإِقْرَارِهِ تجْرِي على إِطْلَاقهَا فِي الْقَضَاء لَا فِي الدّيانَة، لِأَن الْمقر لَهُ إِذا كَانَ يعلم أَن الْمقر كَاذِب فِي إِقْرَاره لَا يحل لَهُ أَخذه عَن كره مِنْهُ. أما لَو اشْتبهَ الْأَمر عَلَيْهِ حل لَهُ الْأَخْذ عِنْد مُحَمَّد خلافًا لأبي يُوسُف (ر: رد الْمُحْتَار، من البيع الْفَاسِد، عَن النَّهر، قبيل قَول الْمَتْن: بنى أَو غرس فِيمَا اشْتَرَاهُ فَاسِدا) .

القاعدة التاسعة والسبعون

(الْقَاعِدَة التَّاسِعَة وَالسَّبْعُونَ (الْمَادَّة / 80)) (" لَا حجَّة مَعَ التَّنَاقُض وَلَكِن لَا يخْتل مَعَه حكم الْحَاكِم ") (الشَّرْح، مَعَ التطبيق) " لَا حجَّة مَعَ التَّنَاقُض " أَي لَا تعْتَبر الْحجَّة وَلَا يعْمل بهَا مَعَ قيام التَّنَاقُض فِيهَا، أَو فِي دَعْوَى الْمُدَّعِي " وَلَكِن " إِذا وَقع التَّنَاقُض فِي الْحجَّة، أَي الشَّهَادَة، بَعْدَمَا حكم بهَا " لَا يخْتل مَعَه حكم الْحَاكِم ". مثلا: لَو رَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَن شَهَادَتهمَا لَا تبقى شَهَادَتهمَا حجَّة، لَكِن لَو كَانَ القَاضِي حكم بِمَا شَهدا بِهِ أَولا لَا ينْتَقض حكم ذَلِك الْحَاكِم، وَإِنَّمَا يلْزم على الشَّاهِدين ضَمَان الْمَحْكُوم بِهِ. إِن التَّنَاقُض إِمَّا أَن يكون فِي الدَّعْوَى فَقَط، أَو فِي الشَّهَادَة فَقَط، أَو بَين الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة. (أ) فَإِن كَانَ فِي الدَّعْوَى ترد ابْتِدَاء، فَلَا تسمع حَتَّى يُمكن التَّوَصُّل لإِقَامَة الْحجَّة عَلَيْهَا؛ إِلَّا فِيمَا إِذا كَانَ التَّنَاقُض فِي محلات الخفاء الْآتِيَة، أَو فِيمَا إِذا وفْق الْمُدَّعِي بَين تناقضه. كَمَا لَو أقرّ أحد بِأَنَّهُ اسْتَأْجر دَارا ثمَّ ادّعى أَنَّهَا ملكه، فَإِن دَعْوَاهُ لَا تسمع، وَلَكِن إِذا إِذا وفْق _ كَأَن قَالَ: كنت مُسْتَأْجرًا ثمَّ اشْتَرَيْتهَا _ تسمع دَعْوَاهُ (ر: الْمَادَّتَيْنِ / 1655 و 1657 من الْمجلة) . (ب) وَإِن كَانَ التَّنَاقُض فِي الشَّهَادَة، بِأَن رَجَعَ الشُّهُود _ كَمَا فِي مِثَال الْمَادَّة السَّابِقَة _ فَإِنَّهُ يشْتَرط أَولا أَن يكون رجوعهم فِي مجْلِس حَاكم، أَي حَاكم

كَانَ، فَلَو رجعُوا خَارج مجْلِس الْحَاكِم لَا يلْتَفت إِلَى رجوعهم مُطلقًا، سَوَاء كَانَ قبل الحكم أَو بعده (ر: الْمَادَّة / 1731 من الْمجلة) . وَأما لَو رجعُوا فِي حُضُوره: فَإِن كَانَ قبل الحكم بِشَهَادَتِهِم ترد لِأَنَّهُ لَا يقْضى بِكَلَام متناقض ويعزرون، وَلَا ضَمَان عَلَيْهِم لأَنهم لم يتلفوا بِشَهَادَتِهِم شَيْئا. وَإِن كَانَ بعد الحكم بهَا لَا ينْقض حكم الْحَاكِم الَّذِي صدر قبل الرُّجُوع، لِأَن كَلَامهم الثَّانِي مثل الأول فِي احْتِمَال الصدْق، فَينْظر حِينَئِذٍ فِيمَا يرجح أحد الْكَلَامَيْنِ على الآخر، وَقد ترجح الأول باتصال الْقَضَاء بِهِ، وَالْقَضَاء يصان عَن الإلغاء مَا أمكن، فَلَا ينْقض برجوعهم هَذَا وَلَكِن يضمنُون للْمَشْهُود عَلَيْهِ مَا تلف بِشَهَادَتِهِم لأَنهم لما رجعُوا بعد الْقَضَاء فقد أقرُّوا على أنفسهم بِالْإِتْلَافِ، والإتلاف سَبَب للضَّمَان. وكونهم متناقضين لَا يُنَافِي مؤاخذتهم، لِأَن التَّنَاقُض لَا يمْنَع صِحَة الْإِقْرَار، كَمَا لَو أنكر الْخصم ثمَّ أقرّ فَإِنَّهُ يعْمل بِإِقْرَارِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بمتهم فِيهِ (ر: الْمرْآة، والدر الْمُخْتَار، من بَاب الْفُضُولِيّ) . وكما يضمن الشُّهُود بِالرُّجُوعِ بعد الْقَضَاء يضمنُون إِذا ذكرُوا فِي شَهَادَتهم شَيْئا لَازِما للْقَضَاء وَقضي بهَا، ثمَّ ظهر الْأَمر بِخِلَافِهِ. كَمَا لَو شهدُوا لمن يحجب بِغَيْرِهِ من الوراثة أَنه وَارِث، ثمَّ ظهر أَنه غير وَارِث وَأَن الْوَارِث غَيره، فَإِن الْوَارِث مُخَيّر بَين تضمين الشُّهُود أَو الْمَشْهُود لَهُ. وَكَذَلِكَ لَو شهدُوا أَن لَهُ عَلَيْهِ كَذَا، فقضي عَلَيْهِ، ثمَّ برهن على إِبْرَاء الدَّائِن، فَإِن الْمقْضِي عَلَيْهِ مُخَيّر فِي تضمين الشُّهُود أَو الْمَشْهُود لَهُ، بِخِلَاف مَا لَو شهدُوا بقرض فَقَط فقضي عَلَيْهِ، ثمَّ برهن على الْإِبْرَاء، فَإِنَّهُ لَا سَبِيل لَهُ على الشُّهُود وَإِنَّمَا يضمن الْمَشْهُود لَهُ. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، آخر الْفَصْل الرَّابِع عشر) . وَإِن كَانَ التَّنَاقُض فِي دَعْوَى الْمُدَّعِي وَالشَّهَادَة، كَمَا لَو ادّعى على آخر ألفا ثمن مَبِيع فَشهد الشُّهُود بِأَنَّهُ قرض، أَو ادّعى ملك الشَّيْء بِالْإِرْثِ من وَالِده فَشَهِدُوا أَنه ملكه بِالْإِرْثِ من أمه، أَو ادّعى بِأَلف قِرْش ذَهَبا فَوَافَقَ أحد الشُّهُود وَخَالف الآخر فَشهد أَنَّهَا فضَّة وَنَحْو ذَلِك، فَإِن الْبَيِّنَة فِي جَمِيع ذَلِك لَا تعْتَبر (ر: الْمَادَّتَيْنِ / 1711 و 1712 من الْمجلة) .

تنبيه

(تَنْبِيه:) علل فِي الْهِدَايَة اشْتِرَاط مجْلِس الْقَضَاء فِي الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة بِأَن الرُّجُوع فسخ للشَّهَادَة فَيخْتَص بِمَا يخْتَص أَدَاؤُهَا بِهِ، وَهُوَ مجْلِس الْقَضَاء، وَبِأَن الرُّجُوع تَوْبَة، وَهِي على حسب الْجِنَايَة، فالسر بالسر والإعلان بالإعلان. وَاعْترض الشُّرَّاح الأول بِأَن التلازم مَمْنُوع فِيهِ، فَلَا يلْزم من اخْتِصَاص ابْتِدَاء أَدَاء الشَّهَادَة بِمَجْلِس الحكم أَن يخْتَص الرُّجُوع عَنْهَا بِهِ، لِأَن الرُّجُوع لَيْسَ شَهَادَة، وَإِنَّمَا هُوَ إِقْرَار بِالْكَذِبِ الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَيْهِ ضَمَان المَال، فَيَنْبَغِي أَن تقبل الْبَيِّنَة عَلَيْهِ. وَاعْترض الثَّانِي فِي تَكْمِلَة فتح الْقَدِير بَان الإعلان لَا يجب أَن يكون فِي مجْلِس الحكم، بل يتَحَقَّق فِي مجاهرة النَّاس بِهِ وَالْإِشْهَاد عَلَيْهِ. وَلم يَأْتِ أحد بِجَوَاب فِيهِ مقنع. وَالَّذِي يظْهر فِي تَوْجِيه اشْتِرَاط مجْلِس الْقَضَاء أَن مدعي الرُّجُوع لَو أَرَادَ أَن يثبت رجوعهم بِالْبَيِّنَةِ، فإمَّا أَن يُثبتهُ بغيبتهم أَو بمواجهتهم، وَلَا سَبِيل إِلَى إثْبَاته بغيبتهم وَلَو سرا، لِأَنَّهُ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ تضمينهم، فَيكون قَضَاء على الْغَائِب بِدُونِ نَائِب عَنهُ، وَهُوَ لَا يُمكن. وَلَا سَبِيل إِلَى إثْبَاته بمواجهتهم، لِأَنَّهُ جرح مُجَرّد علني، فَلَا تقبل دَعْوَاهُ بِهِ، لِأَنَّهُ تفسيق قصدي، فَلم يبْق سَبِيل إِلَى ثُبُوت الرُّجُوع إِلَّا الْإِقْرَار فِي مجْلِس الْقَضَاء. وَلَا يُقَال: " إِن دَعْوَى رُجُوع الشُّهُود لَيست جرحا مُجَردا، بل هِيَ جرح مركب لما يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من تضمينهم فَيَنْبَغِي أَن يقبل علناً " لِأَن الْجرْح الْمركب يثبت فِيهِ التفسيق تبعا لدعوى المَال الْمَحْضَة، كَمَا لَو ادّعى الْمَشْهُود عَلَيْهِ بِأَن الْمُدَّعِي اسْتَأْجر الشُّهُود وَدفع لَهُم الْأُجْرَة من مَال الْمَشْهُود عَلَيْهِ فيطلب اسْتِرْدَاده، فَأخذ المَال هُنَا مُوجب بِنَفسِهِ للرَّدّ، وَيثبت تفسيق الشُّهُود المستأجرين تبعا، أما فِي مَسْأَلَتنَا فَإِن تضمين الشُّهُود المَال إِنَّمَا هُوَ فرع تفسيقهم بِإِثْبَات الرُّجُوع عَلَيْهِم، فَتكون دَعْوَى الرُّجُوع عَلَيْهِم _ وَالْحَالة هَذِه _ جرحا مُجَردا فَلَا تسمع.

تنبيه آخر

(تَنْبِيه آخر:) من محلات الخفاء مَا لَو اسْتَأْجر أحد دَارا، ثمَّ بعد الِاسْتِئْجَار علم أَنَّهَا منتقلة إِلَيْهِ بِالْإِرْثِ، وَادّعى بذلك فَإِن دَعْوَاهُ تسمع (ر: الْمجلة، الْمَادَّة / 1655) . وَمِنْهَا مَا ذكره الرَّمْلِيّ (فِي حَاشِيَته على جَامع الْفُصُولَيْنِ، من الْفَصْل الْعَاشِر، ص 127 من المجلد الأول) نقلا عَن القاعدي: غَابَ لَهُ ثوب من المقصرة، فَادَّعَاهُ على أحد تلاميذ الْقصار، ثمَّ ادَّعَاهُ على آخر تسمع، وَلَا تنَاقض بَينهمَا لما ذكرنَا، أَن الْحَال مَتى كَانَ مِمَّا يشْتَبه يُعْفَى. انْتهى. وَهَذَا يدل على أَن كل مَا كَانَ فعل غَيره مُسْتقِلّا عَنهُ فَهُوَ من محلات الخفاء، لِأَنَّهُ مِمَّا يشْتَبه، كَمَا هُنَا، بِخِلَاف مَا لَو كَانَ فعل نَفسه، فَإِنَّهُ لَا يُعْفَى، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يشْتَبه. فقد نقل الرَّمْلِيّ، فِي الْمحل الْمَذْكُور قبل مَا تقدم، عَن الْبَزَّازِيَّة: ادّعى على زيد أَنه دفع لَهُ مَالا ليدفعه إِلَى غَرِيمه وحلفه، ثمَّ ادَّعَاهُ على خَالِد وَزعم أَن دَعْوَاهُ على زيد كَانَت ظنا لَا تقبل، لِأَن الْحق الْوَاحِد كَمَا لَا يسْتَوْفى من اثْنَيْنِ لَا يُخَاصم مَعَ اثْنَيْنِ بِوَجْه وَاحِد. انْتهى. وَمثل هَذَا جَاءَ فِي الْمَادَّة / 1651 / من الْمجلة، وَهُوَ وَاضح لِأَن الدَّافِع هُوَ الْمُدَّعِي فَكيف يشْتَبه عَلَيْهِ فعل نَفسه؟ أَو كَانَ فعل غَيره وَلَكِن كَانَ غير مُسْتَقل ذَلِك الْغَيْر بِهِ. كَمَا لَو ادّعى أَن فلَانا غصب مِنْهُ الشَّيْء الْفُلَانِيّ واستهلكه وَعجز عَن إثْبَاته، ثمَّ ادّعى على آخر أَنه غصبه مِنْهُ، فَالظَّاهِر أَن دَعْوَاهُ الثَّانِيَة لَا تسمع، لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ فعل غَيره لكنه غير مُسْتَقل، إِذْ أَنه يَدعِي أَنه غصبه مِنْهُ وأزال يَده عَنهُ فَهُوَ غير مَجْهُول لَدَيْهِ فَلَا يُعْفَى. أما فرع الْقَاعِدَة الْمَذْكُور فَلَيْسَ فِيهِ هَذَا الْمَعْنى، بل ادّعى الْأَخْذ من مَحل الْقصار، وَهَذَا فعل مُسْتَقل ومنقطع عَنهُ لَا اتِّصَال لَهُ بِهِ حَتَّى يكون مَعْلُوما لَهُ الْآخِذ، فَكَانَ مِمَّا يشْتَبه، فعفي فِيهِ عَن التَّنَاقُض. وَمِنْهَا: مَا لَو اخْتلعت من زَوجهَا على بدل دَفعته لَهُ، ثمَّ ادَّعَت أَن كَانَ

تنبيه آخر

طَلقهَا قبل الْخلْع ثَلَاثًا مثلا، فبرهنت على ذَلِك، تقبل بينتها وتسترد الْبَدَل (ر: الدّرّ وحاشيته، من آخر بَاب الِاسْتِحْقَاق) . وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو ادّعى نِكَاحهَا فأنكرت فصالحها على بدلٍ على أَن تقر بِالنِّكَاحِ، ثمَّ وجد بَيِّنَة على النِّكَاح الأول الْمُدعى، لَا يرجع بِالْبَدَلِ لِأَنَّهُ كزيادة فِي الْمهْر (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل المكمل الْعشْرين، ص 258) . (تَنْبِيه آخر:) من الْمَعْلُوم أَن المتناقض إِذا صَار مُكَذبا شرعا بتكذيب الْحَاكِم لَهُ يرْتَفع تناقضه، فَلَو ادّعى عينا فِي يَد آخر أَنَّهَا ملكه، فَأجَاب الْمُدعى عَلَيْهِ بقوله: إِن الْعين كَانَت ملك فلَان وَأَنا اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ، وَأقَام الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة على دَعْوَاهُ وَحكم لَهُ بِالْعينِ، رَجَعَ الْمُدعى عَلَيْهِ على بَائِعه بِالثّمن، لِأَن التَّنَاقُض الَّذِي وَقع بَين إِقْرَاره بِكَوْن الْعين للْبَائِع وَبَين رُجُوعه بِالثّمن بعد الحكم قد ارْتَفع بتكذيب الْحَاكِم لَهُ فِي إِقْرَاره (ر: الْمَادَّة / 1654) . وأمثلة هَذَا كَثِيرَة. وَلَكِن هَذَا مُقَيّد بِمَا إِذا كَانَ المتناقض يجْرِي فِي رُجُوعه عَن تناقضه على مَا قَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة، كالمثال الْمَذْكُور، أما إِذا كَانَ يُرِيد أَن يجْرِي على خلاف مَا قَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة فَإِنَّهُ لَا يسمع مِنْهُ ذَلِك وَلَا تقبل: فَلَو ادّعى على آخر دينا فَأنْكر الْمُدعى عَلَيْهِ بقوله: مَا كَانَ لَك عَليّ شَيْء قطّ وَلَا أعرفك فبرهن الْمُدَّعِي على الدّين، فبرهن الْمُدعى عَلَيْهِ على الْإِيفَاء، أَو على الْإِبْرَاء، لَا تقبل. وَكَذَلِكَ لَو ادّعى على آخر عينا بِالشِّرَاءِ مِنْهُ، فَأنْكر البيع، فبرهن عَلَيْهِ المُشْتَرِي، ثمَّ وجد بِالْمَبِيعِ عَيْبا فَأَرَادَ رده عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ، فبرهن البَائِع أَنه برِئ إِلَيْهِ من كل عيب لَا تقبل بَينته مَعَ أَنه صَار مُكَذبا بِالْقضَاءِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَن الْبَيِّنَة قَامَت على قيام الدّين فِي الأول، وعَلى بيع مُطلق مُوجب لتسليم الْمَبِيع سليما فِي الثَّانِي. وبدعواه الْإِيفَاء أَو الْإِبْرَاء فِي الأول، والبراءة من الْعُيُوب فِي

تنبيه آخر

الثَّانِي يرد مَا قَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة، فَلَا يقبل وَإِن صَار مُكَذبا بِحكم الْحَاكِم، لِأَنَّهُ وَالْحَالة هَذِه لَا يجْرِي على مُوجب حكم الْحَاكِم. بِخِلَاف فروع الْمَادَّة / 1654 / الْمَارَّة، فَإِن الْمُدعى عَلَيْهِ بعد تَكْذِيب الْحَاكِم لَهُ جارٍ على مُوجب حكم الْحَاكِم وجاعله مبْنى لدعواه لَا معاكس لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهر، كَمَا يُسْتَفَاد من أَوَائِل الْفَصْل السَّادِس عشر من نور الْعين (بعد نَحْو ورقتين من أول الْفَصْل) وَهَذَا نَفِيس جدا، فَلْيحْفَظ. (تَنْبِيه آخر:) الشَّاهِد لَو أنكر شَهَادَته بعد الحكم بهَا لَا يضمن، لِأَن إِنْكَار الشَّهَادَة لَيْسَ بِرُجُوع، بل الرُّجُوع أَن يَقُول: كنت مُبْطلًا فِي الشَّهَادَة (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الرَّابِع عشر، صفحة / 191) . (الْخُلَاصَة) إِن التَّنَاقُض يُعْفَى عَنهُ فِي محلات الخفاء، كالنسب وَالْعِتْق وَالطَّلَاق. وَكَذَلِكَ يرْتَفع بِتَصْدِيق الْخصم وبتكذيب الْحَاكِم. وَيجب أَن يُضَاف إِلَى أَسبَاب الْعَفو عَن التَّنَاقُض غير محلات الخفاء سَبَب آخر هُوَ الِاضْطِرَار؛ فقد نقل فِي الدّرّ الْمُخْتَار (أَوَاخِر الْقَضَاء) أَنه لَو أقرّ أحد بدين لآخر ثمَّ ادّعى أَن بعضه قرض وَبَعضه رَبًّا تسمع دَعْوَاهُ وَيقبل برهانه على ذَلِك. وَنقل فِي رد الْمُحْتَار عَن الْقنية أَنه إِنَّمَا يقبل برهانه، وَإِن كَانَ متناقضاً فِي دَعْوَاهُ، لِأَنَّهُ مُضْطَر. فَهَذَا صَرِيح فِي أَن الِاضْطِرَار من أَسبَاب الْعَفو عَن التَّنَاقُض. وَوجه الِاضْطِرَار فِي إِقْرَاره فِي الْفَرْع الْمَذْكُور أَنه عِنْدَمَا يحْتَاج إِلَى الِاسْتِدَانَة وَلَا يقبل الدَّائِن أَن يدينه إِلَّا بالربا، فَإِنَّهُ لَا يُعْطِيهِ الْقَرْض إِلَّا إِذا أَخذ عَلَيْهِ صكاً مثلا يتَضَمَّن إِقْرَاره بِأَنَّهُ مَدين بِجَمِيعِ الْمبلغ الَّذِي هُوَ أصل وَربا، أَو أشهد على إِقْرَاره بذلك.

القاعدة الثمانون

(الْقَاعِدَة الثَّمَانُونَ (الْمَادَّة / 81)) (" قد يثبت الْفَرْع مَعَ عدم ثُبُوت الأَصْل ") (الشَّرْح، مَعَ التطبيق) " قد يثبت " أَي قد يُوجد وَيبقى " الْفَرْع مَعَ عدم ثُبُوت الأَصْل " أَي وجوده. أفادت هَذِه الْمَادَّة أَنه لَا تلازم بَين الأَصْل وَالْفرع فِي الْوُجُود: أما وجود الأَصْل بِدُونِ وجود الْفَرْع، كالمديون إِذا لم يكن لَهُ كَفِيل، فَهُوَ ظَاهر، إِذْ لَيْسَ كل أصل لَهُ فرع. وَأما وجود الْفَرْع بِدُونِ وجود الأَصْل فأمثلته كَثِيرَة: مِنْهَا: مَا أفادته الْمَادَّة بقولِهَا: " مثلا: لَو قَالَ رجل: إِن لفُلَان على فلَان دينا، وَأَنا كَفِيل بِهِ، وَبِنَاء على إِنْكَار الْأَصِيل ادّعى الدَّائِن على الْكَفِيل بِالدّينِ لزم الْكَفِيل أَدَاؤُهُ ". وَكَذَا لَو غصب إِنْسَان شَيْئا فَبَاعَهُ، ثمَّ تداولته الْأَيْدِي بِالْبيعِ وَالشِّرَاء، فَأجَاز الْمَالِك أحد الْعُقُود، جَازَ ذَلِك العقد الَّذِي أجَازه خَاصَّة لَا مَا قبله وَلَا مَا بعده (ر: رد الْمُحْتَار، بَاب الْفُضُولِيّ من كتاب البيع، عِنْد قَول المُصَنّف: " ووقف بيع الْغَاصِب ... الخ ") . وَكَذَا لَو ادّعى الزَّوْج بدل الْخلْع على الْمَرْأَة فأنكرت، بَانَتْ وَلَا يلْزم المَال. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من الْخلْع) .

وَكَذَا لَو أَقَامَت الْمَرْأَة الْبَيِّنَة على النِّكَاح، وَالزَّوْج غَائِب، يقْضى بِالنَّفَقَةِ لَا بِالنِّكَاحِ، كَمَا هُوَ مَذْهَب زفر الْمُفْتى بِهِ (ر: الدّرّ، من النَّفَقَة) . وَكَذَا لَو أوقع على إِحْدَى زوجتيه طَلَاقا مُبْهما ثمَّ مَاتَت إِحْدَاهمَا قبل الْبَيَان تتَعَيَّن الْأُخْرَى للطَّلَاق. فَلَو قَالَ: كنت عنيت بِالطَّلَاق الَّتِي مَاتَت، لَا يعْتَبر قَوْله، وَلَكِن يحرم بِسَبَبِهِ الْمِيرَاث (ر: الْبَدَائِع، من الْعدة ج 3 / 225) . وَكَذَا الْوَكِيل بِقَبض الْعين لَو طلبَهَا من ذِي الْيَد فَأَقَامَ ذُو الْيَد الْبَيِّنَة على أَنَّهَا ملكه بِالشِّرَاءِ أَو الْهِبَة من مُوكله، أَو أَنَّهَا رهن عِنْده مِنْهُ، تسمع بَينته فتقصر يَد الْوَكِيل بِدُونِ أَن يقْضى بِالشِّرَاءِ أَو الْهِبَة أَو الرَّهْن إِلَّا إِذا أحضر الْمُوكل وأقيمت الْبَيِّنَة بمواجهته. وَمثله الْوَكِيل بِنَقْل الزَّوْجَة أَو العَبْد، إِذا أَقَامَت الزَّوْجَة أَو العَبْد الْبَيِّنَة على الطَّلَاق، أَو الْعتاق، تقصر يَد الْوَكِيل وَلَا يقْضى بِأَحَدِهِمَا (ر: الْهِدَايَة، بَاب الْوكَالَة بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْض) . فقد قضي بقصر يَد الْوَكِيل الَّذِي هُوَ فرع من غير أَن يقْضى بالمدعى بِهِ الَّذِي هُوَ الأَصْل. وَكَذَا لَو ادّعى مَجْهُول النّسَب على آخر أَنه ابْنه، وَبرهن، فَأَقَامَ الآخر الْبَيِّنَة على أَن الْمُدَّعِي هُوَ ابْن فلَان الآخر، تقبل فِي دفع بَيِّنَة الْمُدَّعِي لَا فِي إِثْبَات نسبه من فلَان الآخر (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، أَوَاخِر الْفَصْل الْعَاشِر، عَن فَتَاوَى رشيد الدّين) . وَقد وَقع فِي الْفَتَاوَى الْخَانِية أَن الْبَيِّنَة الثَّانِيَة لَا تقبل، لَكِن نَقله فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ أَيْضا، وَاعْتمد بعد التَّحْقِيق حمله على التَّوْفِيق الْمُتَقَدّم من أَنَّهَا تقبل لدفع الدَّعْوَى لَا لإِثْبَات النّسَب من الْغَيْر.

وَكَذَا لَو ولدت الْأمة المتزوجة، فَادّعى مَوْلَاهَا نسب وَلَدهَا، فَإِنَّهَا لَا تصح دَعْوَاهُ، بل يثبت النّسَب من الزَّوْج، لَكِن يصير الْوَلَد حرا، وَتصير الْأمة أم ولد للْمولى. (ر: الدّرّ فِي ثُبُوت النّسَب) . هَذَا، وكما لَا تلازم بَين الْفَرْع وَالْأَصْل فِي الْوُجُود لَا تلازم بَينهمَا فِي السُّقُوط بعد الْوُجُود: أما عدم سُقُوط الأَصْل بِسُقُوط الْفَرْع فَكَذَلِك أَمر ظَاهر، إِذْ لَا يلْزم من إِبْرَاء كَفِيل المَال وَالنَّفس مثلا بَرَاءَة الْأَصِيل. أما عدم سُقُوط الْفَرْع بِسُقُوط الأَصْل، فكالفرع الْمُسْتَثْنى من الْقَاعِدَة الموفية الْخمسين. وكما لَا تلازم بَينهمَا فِي ذَلِك لَا تلازم بَينهمَا فِي السلطة والصلاحية، فكثيراً مَا يملك الأَصْل مَا لَا يملكهُ الْفَرْع، وَذَلِكَ ظَاهر، كالموكل يملك مَا لَا يملكهُ وَكيله. وَقد يملك الْفَرْع مَا لَا يملكهُ الأَصْل، كَالْمَرِيضِ إِذا صَار مديوناً بِمَا يُحِيط بِمَالِه إِذا بَاعَ فِي مرض مَوته وحابى فِيهِ وَلَو قَلِيلا، فَإِن محاباته لَا تجوز وَإِن قلّت: وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ بِالْخِيَارِ إِن وفى الثّمن إِلَى تَمام الْقيمَة وَإِن شَاءَ فسخ. وَأما وَصِيّه بعد مَوته إِذا بَاعَ تركته لقَضَاء دُيُونه وحابى قدر مَا يتَغَابَن فِيهِ صَحَّ بَيْعه وَيجْعَل عفوا (ر: رد الْمُحْتَار، أَوَائِل فصل لَا يعْقد وَكيل البيع وَالشِّرَاء) فقد ملك الْفَرْع مَا لَا يملكهُ الأَصْل فِي هَذَا.

((الصفحة فارغة))

القاعدة الحادية والثمانون

(الْقَاعِدَة الْحَادِيَة وَالثَّمَانُونَ (الْمَادَّة / 82)) (" الْمُعَلق بِالشّرطِ يجب ثُبُوته عِنْد ثُبُوت الشَّرْط ") (الشَّرْح، مَعَ التطبيق) " الْمُعَلق بِالشّرطِ " من الْأُمُور الْآتِيَة الَّتِي يَصح تَعْلِيقهَا بِالشّرطِ " يجب ثُبُوته " أَي وجود الْمُعَلق " عِنْد ثُبُوت الشَّرْط " أَي وجوده. التَّعْلِيق: هُوَ الْتِزَام أَمر لم يُوجد فِي أَمر يُمكن وجوده فِي الْمُسْتَقْبل. أَو هُوَ: ربط حُصُول مَضْمُون جملَة بِحُصُول مَضْمُون جملَة أُخْرَى، سَوَاء كَانَ الرَّبْط بِإِحْدَى أدوات الشَّرْط _ نَحْو: إِن، وَإِذا، وَإِذا مَا، وكل، وَمَتى، وَكلما، وَمَتى مَا، وَلَو _ أَو بِمَا يقوم مقَامهَا فِي إِفَادَة الرَّبْط الْمَذْكُور من نَحْو ظرف أَو حرف جر غير لَام التَّعْلِيل أَو اسْتثِْنَاء " بإلا أَن " إِذا تقدمه مَا لَا يحْتَمل التَّأْقِيت، كَالطَّلَاقِ. كَمَا لَو قَالَ: امْرَأَته طَالِق إِلَّا أَن يقدم زيد مثلا فَإِنَّهُ يحمل على الشَّرْط، فَيصير كَأَنَّهُ قَالَ: إِن لم يقدم زيد فامرأته طَالِق (ر: الدّرّ وحاشيته، من بَاب الْيَمين فِي الْأكل وَالشرب واللبس وَالْكَلَام) . أما مَا يحْتَمل التَّأْقِيت، كالأمر بِالْيَدِ فَإِنَّهُ يكون للغاية لَا للشّرط. وَيشْتَرط لصِحَّة التَّعْلِيق: كَون الشَّرْط الْمُعَلق عَلَيْهِ مَعْدُوما فِي الْحَال مُمكن الْوُجُود عَادَة فِي الْمُسْتَقْبل. فالتعليق بالمحقق الْوُجُود فِي الْحَال كَإِن كَانَت السَّمَاء فَوْقنَا: تَنْجِيز.

وَكَذَا التَّعْلِيق بالممكن عقلا لَا عَادَة، كَإِن لم أصعد السَّمَاء، وَإِن لم أقلب هَذَا الْحجر ذَهَبا، فَإِنَّهُ تَنْجِيز يَحْنَث بِهِ للْحَال. وَالتَّعْلِيق بالمستحيل الْوُجُود، كَإِن دخل الْجمل فِي سم الْخياط لَغْو وباطل (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، أول بَاب التَّعْلِيق، وَمن الْأَيْمَان) . ثمَّ الْأُمُور الَّتِي يرد عَلَيْهَا التَّعْلِيق بِالشّرطِ ثَلَاثَة أَنْوَاع: الأول _ مَا يَصح تَعْلِيقه بِمُطلق الشَّرْط ملائماً أَو غير ملائم، وَهِي: الإسقاطات الْمَحْضَة الَّتِي يحلف بهَا، كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق. فَإِن كلا مِنْهُمَا يَصح تَعْلِيقه بِالشّرطِ مُطلقًا ملائماً كَانَ، كَقَوْلِه لزوجته: إِن أَسَأْت إِلَيّ فَأَنت طَالِق، أَو غير ملائم، كَمَا إِذا علق طَلاقهَا بِدُخُول الدَّار مثلا، فَإِن الْمُعَلق فِي كل ذَلِك ينزل وَيثبت عِنْد ثُبُوت الشَّرْط. وَتَقْيِيد الإسقاطات ب " الْمَحْضَة " لإِخْرَاج غير الْمَحْضَة، وَهِي مَا فِيهَا تمْلِيك من وَجه كالإبراء، فَإِن التَّعْلِيق بِالشّرطِ يُبطلهُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَام على الْمَادَّة الْآتِيَة. وَتَقْيِيد الإسقاطات ب " الَّتِي يحلف بهَا " لإِخْرَاج مَا لَا يحلف بِهِ مِنْهَا، وَذَلِكَ كإسقاط الشُّفْعَة وَلَو بعد ثُبُوتهَا، فَلَو علقه بِغَيْر كَائِن لَا يَصح تَعْلِيقه، وَيبقى على شفعته. الثَّانِي _ مَا يَصح تَعْلِيقه بِالشّرطِ الملائم فَقَط. وَهُوَ مَا يُؤَكد مُوجب العقد، وَذَلِكَ كالإطلاقات، والولايات: فَالْأول: كالإذن بِالتِّجَارَة، وَالْإِذْن بِالْخرُوجِ فِيمَا لَو حلف على زَوجته أَن لَا تخرج إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَالْإِذْن من قبل البَائِع للْمُشْتَرِي إِذا بَاعه الْمَوْجُود من الثَّمر وَأذن لَهُ بِأَكْل مَا لم يظْهر. وَالثَّانِي: كالقضاء، والإمارة. فَإِن كلا مِنْهُمَا يَصح تَعْلِيقه بالملائم من الشُّرُوط، كَقَوْل الرجل لِابْنِهِ: إِن بلغت رشيدا فقد أَذِنت لَك بِالتِّجَارَة، وكقول الْحَالِف لزوجته: كلما خرجت فقد أَذِنت لَك (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، بَاب الْيَمين

تنبيه

بِالدُّخُولِ وَالْخُرُوج، وحاشيته) . وكقول بَائِع الثَّمر للْمُشْتَرِي بعد أَن أذن لَهُ بِأَكْل مَا سَيظْهر من الثَّمر إِذا خَافَ المُشْتَرِي أَن يرجع عَن الْإِذْن: كلما رجعت عَن الْإِذْن فَأَنت مَأْذُون بِالْأَكْلِ (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، بَاب مَا يدْخل فِي البيع تبعا) لَكِن قد مشت الْمجلة فِي الْمَادَّة / 207 / على قَول الْحلْوانِي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، من أَن البيع صَحِيح فِي الْمَعْدُوم تبعا للموجود. وكقول الإِمَام: إِن شغرت الْولَايَة الْفُلَانِيَّة فقد وليتك إِيَّاهَا. وَمِمَّا يَصح تَعْلِيقه بالملائم: الْكفَالَة وَالْإِبْرَاء، كَقَوْلِه: إِن اسْتحق الْمَبِيع فَأَنا كَفِيل بِالثّمن، وَقَوله: إِن غَابَ الْمَدْيُون أَو مَاتَ وَلم يدع شَيْئا فَأَنا كفيله، وَقَوله: إِن قدم فَأَنا كفيله، وَكَقَوْلِه: إِن وافيت بِهِ غَدا فَأَنت بَرِيء. وَالثَّالِث _ مَا لَا يَصح تَعْلِيقه بِالشّرطِ مُطلقًا. وَهُوَ الْمُعَاوَضَات الْمَالِيَّة، كَالْبيع وَالشِّرَاء وَالْإِجَارَة وَالْقِسْمَة وَالصُّلْح عَن مَال بِمَال. [وَكَذَا التمليكات، كَالْهِبَةِ. وَيسْتَثْنى الْوَصِيَّة إِذا علقت بِالْمَوْتِ، فَإِنَّهَا تصح على خلاف الْقيَاس] . كَمَا يعلم جَمِيع ذَلِك من تتبع بَاب مَا يبطل بِالشّرطِ الْفَاسِد وَلَا يَصح تَعْلِيقه بِهِ من الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته. (تَنْبِيه:) لَا يخفى أَنه إِذا اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي وجود شَرط الطَّلَاق الْمُعَلق وَعَدَمه فَالْقَوْل قَول مُنكر وجود الشَّرْط، وَهُوَ الزَّوْج، وَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الزَّوْجَة على وجوده (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من بَاب التَّعْلِيق) . وَلَكِن إِذا ثَبت وجود الشَّرْط بِالْبَيِّنَةِ فَلَيْسَ وُقُوع الطَّلَاق مطرداً فِي ذَلِك، بل فِي الْمَسْأَلَة تَفْصِيل، وَهُوَ أَن التَّنَازُع إِذا قَامَ على وجود الطَّلَاق لوُجُود شَرطه، وَثَبت وجود الشَّرْط بِالْبَيِّنَةِ، فَلَا كَلَام فِي وُقُوعه أَي شَيْء كَانَ الشَّرْط، أَي سَوَاء كَانَ الشَّرْط مِمَّا يَصح التَّنَازُع فِيهِ لذاته بِقطع النّظر عَن تَعْلِيق الطَّلَاق عَلَيْهِ أَو لَا.

وَأما إِذا قَامَ الْمُتَنَازع فِيمَا يَصح التَّنَازُع فِيهِ لذاته من غير أَن يكون شرطا للطَّلَاق، وَلَكِن كَانَ هُنَاكَ طَلَاق مُعَلّق عَلَيْهِ، كَمَا لَو تنَازع الزَّوْج مَعَ آخر فِي شَيْء فَحلف بِالطَّلَاق على مدعاه، ثمَّ ثَبت بِالْبَيِّنَةِ خِلَافه، فإمَّا أَن يكون الْمُتَنَازع فِيهِ عينا أَو دينا: - فَإِن كَانَ الْمُتَنَازع فِيهِ عينا، كَمَا لَو ادّعى على الزَّوْج دَارا مثلا فَحلف بِالطَّلَاق أَنَّهَا لَيست ملك الْمُدَّعِي، ثمَّ أثبت الْمُدَّعِي ملكه بِالْبَيِّنَةِ لَا يَحْنَث الزَّوْج فِي يَمِينه، لِأَن الْبَيِّنَة حجَّة فِي الظَّاهِر (أَي إِنَّهَا ظنية) . - وَإِن كَانَ الْمُتَنَازع فِيهِ دينا، فَحلف بِالطَّلَاق أَن لَا دين لَهُ عَلَيْهِ، فبرهن الْمُدَّعِي على الدّين فَينْظر: إِن كَانَ ادّعى الدّين بِسَبَب، كالقرض مثلا، وَبرهن على السَّبَب لَا يَحْنَث، لاحْتِمَال الْإِبْرَاء والإيفاء بعد السَّبَب. وَإِن كَانَ ادَّعَاهُ مُطلقًا عَن السَّبَب وَبرهن، كَذَلِك حنث، لِأَن الْبَيِّنَة قَامَت على وجود الدّين فِي الْحَال فَيحنث. وَالْفَتْوَى فِي الدّين على هَذَا التَّفْصِيل (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ وحاشيته للرملي، أَوَاخِر الْفَصْل الْخَامِس عشر، صفحة / 205) .

القاعدة الثانية والثمانون

(الْقَاعِدَة الثَّانِيَة وَالثَّمَانُونَ (الْمَادَّة / 83)) (" يلْزم مُرَاعَاة الشَّرْط بِقدر الْإِمْكَان ") (الشَّرْح، مَعَ التطبيق) " يلْزم مُرَاعَاة الشَّرْط " الْجَائِز " بِقدر الْإِمْكَان ". ومراعاته بِالْوَفَاءِ بِهِ، فَإِنَّهُ ورد فِي الحَدِيث عَن أنس وَعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " الْمُسلمُونَ عِنْد شروطهم مَا وَافق الْحق من ذَلِك ". وَالْمرَاد بِالشّرطِ هُنَا الْمُقَيد بِهِ، الْمُعَرّف بِأَنَّهُ: الْتِزَام أَمر لم يُوجد فِي أَمر وجد بِصِيغَة مَخْصُوصَة، لَا الْمُعَلق عَلَيْهِ، الْمُعَرّف بِمَا تقدم فِي الْمَادَّة السَّابِقَة، فَهُوَ هُنَا غَيره هُنَاكَ. وَالْفرق بَين الْمُعَلق بِالشّرطِ والمقيد بِالشّرطِ أَن الْمُعَلق بِالشّرطِ عدم قبل وجود الشَّرْط، لِأَن مَا توقف حُصُوله على حُصُول شَيْء يتَأَخَّر بالطبع عَنهُ. بِخِلَاف الْمُقَيد بِالشّرطِ فَإِن تَقْيِيده لَا يُوجب تَأَخره فِي الْوُجُود على الْقَيْد، بل سبقه عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهر. ثمَّ تَقْيِيد الشَّرْط ب " الْجَائِز " لإِخْرَاج غَيره. فَإِن الشَّرْط ثَلَاثَة أَنْوَاع: 1 - شَرط جَائِز، وَهُوَ: مَا يَقْتَضِيهِ العقد، أَي يجب بِدُونِ شَرط، كاشتراط حبس الْمَبِيع بِالثّمن. أَو يلائمه، وَذَلِكَ بِأَن يكون رَاجعا إِلَى صفة الْمُبدل، ككون الْفرس مثلا أَصله كَذَا، أَو إِلَى صفة الْبَدَل، كدراهم بيض أَو مُعجلَة أَو مُؤَجّلَة، أَو إِلَى

التَّوَثُّق بِهِ كاشتراط رهن بِالثّمن مَعْلُوم بِالْإِشَارَةِ أَو التَّسْمِيَة، أَو كَفِيل بِهِ حَاضر وَقبل الْكفَالَة أَو غَائِب فَحَضَرَ وَقبلهَا قبل التَّفَرُّق، أَو اشْتِرَاط أَن يحِيل المُشْتَرِي البَائِع على غَيره بِالثّمن. أَو لَا يَقْتَضِيهِ وَلَا يلائمه وَلَكِن جرى الْعرف بِهِ، كَشِرَاء نعل على أَن يشركها البَائِع. أَو ورد الشَّرْع بِهِ بِجَوَازِهِ، كاشتراط خِيَار الشَّرْط وَنَحْوه من الخيارات، فَإِن الشَّرْط فِي جَمِيع ذك تلْزم مراعاته. 2 - وَشرط فَاسد. وَهُوَ: مَا كَانَ بِخِلَاف ذَلِك وَفِيه نفع مَشْرُوط فِي صلب العقد من أحد الْمُتَعَاقدين للْآخر غير مَعْطُوف بِالْوَاو، كَشِرَاء ثوب على أَن يصبغه لَهُ البَائِع، أَو الدَّابَّة على أَن يركبهَا البَائِع شهرا مثلا، أَو على أَن يحِيل البَائِع رجلا بِالثّمن. أَو فِيهِ نفع لمبيع من أهل الِاسْتِحْقَاق، كَشِرَاء العَبْد على أَن يعتقهُ المُشْتَرِي، أَو على أَن لَا يُخرجهُ عَن ملكه. أَو فِيهِ نفع لأَجْنَبِيّ على الْأَظْهر من أحد قَوْلَيْنِ صَحِيحَيْنِ، كَمَا لَو شَرط على المُشْتَرِي أَن يَبِيعهُ من فلَان، أَو شَرط على أَحدهمَا أَن يقْرض فلَانا كَذَا. فَإِن كل ذَلِك مُفسد للْعقد. 3 - وَشرط لَغْو. وَهُوَ مَا كَانَ بِخِلَاف ذَيْنك الشَّرْطَيْنِ، كَأَن يشْتَرط على أَجْنَبِي شرطا لَو اشْترط على أحد الْمُتَبَايعين يفْسد البيع. أَو يشْتَرط مَا فِيهِ نفع لأَحَدهمَا على الآخر وَلَكِن بعد العقد، وَكَذَا لَو قبله وَلَكِن لم يتَّفقَا على بِنَاء العقد على مَا شرطا، على مَا بَحثه فِي رد الْمُحْتَار. وكبيع الدَّابَّة على أَن لَا يُخرجهَا عَن ملكه، أَو على أَن يَبِيعهَا وَلَكِن لم يعين المُشْتَرِي. أَو شَرط شرطا مُفْسِدا وَلَكِن عطف بِالْوَاو كبعتك بِكَذَا وعَلى أَن تقرضني كَذَا، فَإِن العقد فِي جَمِيع ذَلِك يَصح وَيَلْغُو الشَّرْط. ثمَّ إِن الْمُعَامَلَات الشَّرْعِيَّة بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّقْيِيد بِالشّرطِ الْفَاسِد تَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ: 1 - قسم مِنْهَا يفْسد بِالشّرطِ الْفَاسِد، وَهُوَ المبادلات الْمَالِيَّة، وَهِي: البيع، وَالْقِسْمَة، وَالْإِجَارَة، وَالصُّلْح عَن مَال بِمَال من خلاف جنس الْمُدعى

تنبيه

بِهِ، وَالْمُسَاقَاة، والمزارعة. فَإِنَّهَا كلهَا تفْسد بِالشّرطِ الْفَاسِد. وَمثلهَا إجَازَة مَا انْعَقَد من هَذِه الْعُقُود مَوْقُوفا. 2 - وَقسم مِنْهَا لَا يفْسد بِالشّرطِ الْفَاسِد. وَهِي كل مَا لَيْسَ من الْمُعَاوَضَات الْمَالِيَّة، سَوَاء كَانَ من الْمُعَاوَضَات غير الْمَالِيَّة، كَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاق على مَال، وَالْخلْع كَذَلِك، وَالصُّلْح عَن دم عمدا، وَعَن جِرَاحَة فِيهَا قَود، وَمثله فِيمَا يظْهر الصُّلْح على مَال عَن الْحُقُوق الَّتِي يجوز الِاعْتِيَاض عَنْهَا كحق الشّرْب والمرور، بِدَلِيل تقييدهم الصُّلْح فِي الْقسم الأول بِأَن يكون عَن مَال بِمَال. أَو لم يكن من الْمُعَاوَضَات أصلا، كالإبراء عَن الدّين، وكالهبة، وَالصَّدَََقَة، وَالْقَرْض، والإيصاء وَالْوَصِيَّة، وتولية الْقَضَاء، وَالْإِذْن وَالتِّجَارَة، وَالطَّلَاق، وَالْعتاق، وَالْوكَالَة، وَالشَّرِكَة، وَالْمُضَاربَة، وَالرَّهْن، وَالْكَفَالَة، وَالْحوالَة إِلَّا إِذا شَرط فِيهَا الدّفع من ثمن دَار الْمُحِيل مثلا فتفسد لعدم قدرته على الْوَفَاء بِمَا الْتزم، أَي من غير أَن يشْتَرط على الْمُحِيل بيع الْمحَال عَلَيْهِ الدَّار، فَإِذا شَرط عَلَيْهِ ذَلِك صحت وَلَا يملك عَزله أَو نَهْيه عَن بيع الدَّار وإيفاء الدّين من ثمنهَا وَيجْبر الْمحَال عَلَيْهِ على البيع (ر: رد الْمُحْتَار من الْحِوَالَة، ص 295) وكالإقالة، وعزل القَاضِي، وعزل الْوَكِيل، وَحجر الْمَأْذُون، فَإِن جَمِيع ذَلِك لَا يفْسد بِالشّرطِ الْفَاسِد، بل يَصح وَيَلْغُو الشَّرْط. (تَنْبِيه:) قَوْلنَا فِي التَّمْثِيل للشّرط اللَّغْو " كَأَن يشْتَرط على أَجْنَبِي شرطا لَو اشْترط على أحد الْمُتَعَاقدين لفسد البيع " فِيهِ احْتِرَاز عَمَّا لَو كَانَ الشَّرْط بِحَال لَو شَرط على أَحدهمَا لجَاز، كَمَا لَو قَالَ: اشْتريت مِنْك بِشَرْط أَن يحط عَن فلَان الْأَجْنَبِيّ كَذَا، فَإِن المُشْتَرِي يكون حِينَئِذٍ بِالْخِيَارِ: إِن شَاءَ أَخذ بِكُل الثّمن أَو ترك (ر: رد الْمُحْتَار، من البيع الْفَاسِد، عَن الْمُنْتَقى) بِخِلَاف الأول فَإِن الشَّرْط يَلْغُو فِيهِ وينبرم البيع بِلَا خِيَار. قد ذكرنَا أَنه لَو شَرط بَين الْمُتَعَاقدين شَرط بعد العقد لَا يفْسد، وَلَكِن بَقِي أَنه هَل يجب الْوَفَاء بِهَذَا الشَّرْط أم لَا يجب؟ ذكرُوا فِي جَوَاب بعض الْفُرُوع أَنه

تنبيه آخر

غير لَازم، وَذكروا فِي جَوَاب بَعْضهَا أَنه يلْزم الْوَفَاء بِهِ، وَالَّذِي يظْهر من تتبع الْفُرُوع أَن الشَّرْط إِن كَانَ بِحَيْثُ لَو شَرط فِي العقد يُفْسِدهُ فَإِنَّهُ إِذا شَرط بعد العقد يَلْغُو أَو لَا يلْزم الْوَفَاء بِهِ، كاشتراط بَائِع الزَّرْع على نَفسه بعد العقد أَن يسْقِيه وَيقوم عَلَيْهِ. فقد نقل فِي رد الْمُحْتَار عَن النَّهر أَنه غير لَازم. وَإِن كَانَ لَو شَرط فِي العقد يكون جَائِزا ومرعياً فَإِنَّهُ إِذا شَرط بعد العقد يلْزم الْوَفَاء بِهِ، كَمَا لَو شرطا تشريك النَّعْل أَو خِيَار الشَّرْط بعد العقد فَالظَّاهِر أَنه يلْزم الْوَفَاء بِهِ. (تَنْبِيه آخر:) أجمل بعض الْمُتُون، كالكنز والتنوير، فترجم لما يبطل بِالشّرطِ الْفَاسِد وَلما لَا يَصح تَعْلِيقه بِالشّرطِ تَرْجَمَة وَاحِدَة وسرد تحتهَا كلا النَّوْعَيْنِ، وسَاق من جملَة ذَلِك الْإِبْرَاء عَن الدّين، وَعلله صَاحب الدّرّ وَغَيره بِأَنَّهُ تمْلِيك من وَجه، وَنقل فِي رد الْمُحْتَار التَّمْثِيل لَهُ عَن الْعَيْنِيّ بقوله: أَبْرَأتك عَن ديني على أَن تخدمني شهرا أَو إِن قدم فلَان، ثمَّ نقل بعده عَن العزمية التَّمْثِيل لَهُ أَيْضا _ كَمَا فِي إِيضَاح الْكرْمَانِي _ من أَنه لَو قَالَ: أبرأت ذِمَّتك بِشَرْط أَن لي الْخِيَار فِي رد الْإِبْرَاء وتصحيحه فِي أَي وَقت شِئْت، أَو قَالَ: إِن دخلت الدَّار فقد أَبْرَأتك، أَو قَالَ لمديونه أَو كفيله: إِذا أدّيت إِلَيّ كَذَا، أَو مَتى أدّيت، أَو إِن أدّيت إِلَيّ خَمْسمِائَة فَأَنت برِئ عَن الْبَاقِي فَهُوَ بَاطِل وَلَا إِبْرَاء. انْتهى. وَظَاهر مَا فِي الْعَيْنِيّ والعزمية أَن الْإِبْرَاء مُفَرع على الجملتين وَأَنه لَا يَصح تَقْيِيده وَلَا تَعْلِيقه. ثمَّ نقل فِي رد الْمُحْتَار عقبه، عِنْد كَلَامه على التَّعْلِيل للإبراء بِأَنَّهُ تمْلِيك من وَجه، عَن الْحلَبِي مَا لَفظه: وَفِيه أَن الْإِبْرَاء عَن الدّين لَيْسَ من مُبَادلَة المَال بِالْمَالِ، فَيَنْبَغِي أَن لَا يبطل بِالشّرطِ الْفَاسِد. وَكَونه مُعْتَبرا بالتمليكات لَا يدل إِلَّا على بطلَان تَعْلِيقه بِالشّرطِ. ثمَّ نقل عَن الْبَحْر أَن الْإِبْرَاء يَصح تَقْيِيده بِالشّرطِ، وَأَن الزَّيْلَعِيّ ذكر فِي آخر الصُّلْح أَن الْإِبْرَاء يَصح تَقْيِيده لَا تَعْلِيقه. انْتهى. ثمَّ قَالَ: لَكِن لَا بُد أَن يكون الشَّرْط متعارفاً كَمَا يَأْتِي. وَالْحَاصِل أَن الْإِبْرَاء مُفَرع على الْقَاعِدَة الثَّانِيَة فَقَط. انْتهى مَا ذكر فِي رد الْمُحْتَار.

تنبيه

فَالظَّاهِر أَن بعض شرَّاح الْمجلة لم يرتضوا هَذَا الْكَلَام مَعَ مَا فِيهِ من الْقُوَّة، وعدوه من سقط الْمَتَاع، وجروا على أَن الْإِبْرَاء مِمَّا يفْسد بِالشّرطِ الْفَاسِد، وَلَا تمسك لَهُم فِي عَمَلهم هَذَا فِيمَا أَظن غير تَمْثِيل الْعَيْنِيّ وَنقل العزمية الْمَذْكُورين، وَلَا متمسك لَهُم فيهمَا: أما تَمْثِيل الْعَيْنِيّ فقد ظهر بعد مُرَاجعَته أَنه لم يسْتَند فِيهِ إِلَى نقل شَرْعِي، بل هُوَ من عِنْده فَلَا يصادم مَا تقدم. وَقد نَقله عَنهُ الشلبي محشي الزَّيْلَعِيّ وَلم يقْتَصر عَلَيْهِ، بل نقل بعده عَن بَعضهم تَصْوِيره بِمَا ذَكرْنَاهُ عَن العزمية إِشَارَة مِنْهُ إِلَى أَنه لم يرتضه. وَأما مَا نَقله فِي العزمية عَن إِيضَاح الْكرْمَانِي فَكَذَلِك لَا يثبت الْمَطْلُوب، فَإِن الظَّاهِر أَنه مَبْنِيّ على مَا نَقله فِي رد الْمُحْتَار من خِيَار الشَّرْط عَن فَخر الْإِسْلَام من بحث الْهزْل من أَن خِيَار الشَّرْط يجْرِي فِي الْإِبْرَاء فَيكون بطلَان الْإِبْرَاء فِيهِ حِينَئِذٍ لعدم توقيته. وَلَكِن نقل بعده فِي رد الْمُحْتَار عَن الْعمادِيَّة وَالْخُلَاصَة بطلَان الْخِيَار لَا الْإِبْرَاء وَقَالَ: وَبِه جزم الشَّارِح فِي أول الْهِبَة. انْتهى. وَمَا ذكره فَخر الْإِسْلَام إِنَّمَا ذكره فِي أُصُوله، والعمادية وَالْخُلَاصَة من معتبرات كتب الْفُرُوع، وَلَا عِبْرَة بِمَا فِي الْأُصُول إِذا خالفتها كتب الْفُرُوع. وَذكر فِي آخر الْخَامِس وَالْعِشْرين من جَامع الْفُصُولَيْنِ، وَفِي السَّابِع وَالْعِشْرين من كَرَاهِيَة الْهِنْدِيَّة مثل مَا فِي الْخُلَاصَة والعمادية. وَصِحَّة تَقْيِيده بالمتعارف، كإبراء المبانة زَوجهَا عَن الْمهْر بِشَرْط تَجْدِيد النِّكَاح لَهَا، لَا يسْتَلْزم فَسَاده بِغَيْرِهِ، بل يُفِيد عدم صِحَة تَقْيِيده بِغَيْر الْمُتَعَارف. وَبِمَا ذَكرْنَاهُ يعلم مَا ذكره فِي رد الْمُحْتَار بَعْدَمَا تقدم من قَوْله. وَالْحَاصِل أَنه لَا وَجه لعدهم لَهُ فِيمَا يفْسد بِالشّرطِ الْفَاسِد، وَلذَا لم نتابعهم عَلَيْهِ، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم. (تَنْبِيه:) يسْتَثْنى من قَوْلهم فِيمَا تقدم فِي بَيَان الشَّرْط الْجَائِز الَّذِي تلْزم مراعاته: " أَو إِلَى صفة الْبَدَل، كدراهم بيض أَو مُعجلَة أَو مُؤَجّلَة " مَا ذكره فِي الدّرّ

وحاشيته من بَاب الْمهْر من أَنه لَو شَرط فِي عقد النِّكَاح تَأْجِيل كل الْمهْر وَلم يشْتَرط الدُّخُول بِالزَّوْجَةِ قبل الْقَبْض، فللزوجة أَن تمنع نَفسهَا عَن الزَّوْج حَتَّى تقبض الْمهْر فِي رِوَايَة عَن أبي يُوسُف اسْتِحْسَانًا، وَبِه يُفْتى. انْتهى.

القاعدة الثالثة والثمانون

(الْقَاعِدَة الثَّالِثَة وَالثَّمَانُونَ (الْمَادَّة / 84)) (" المواعيد بصور التَّعْلِيق تكون لَازِمَة ") (أَولا _ الشَّرْح) " المواعيد " الَّتِي تصدر من الْإِنْسَان فِيمَا يُمكن وَيصِح الْتِزَامه لَهُ شرعا إِذا صدرت مِنْهُ " بصور التَّعْلِيق " أَي أَن كَانَت مصحوبة بأدوات التَّعْلِيق الدَّالَّة على الْحمل أَو الْمَنْع " تكون لَازِمَة " لحَاجَة النَّاس إِلَيْهَا. وَإِذا صدرت بِغَيْر صُورَة التَّعْلِيق لَا تكون لَازِمَة لعدم وجود مَا يدل على الْحمل وَالْمَنْع، بل تكون مُجَرّد وعد وَهُوَ لَا يجب الْوَفَاء بِهِ قَضَاء. مثلا: لَو قَالَ رجل لآخر: بِعْ هَذَا الشَّيْء لفُلَان وَإِن لم يعطك ثمنه فَأَنا أعْطِيه لَك، فَبَاعَهُ مِنْهُ، ثمَّ طَالبه بِالثّمن فَلم يُعْط المُشْتَرِي للْبَائِع بعد مُطَالبَته لَهُ، بِأَن امْتنع من الدّفع، أَو لم يمْتَنع وَلَكِن أَخذ فِي المماطلة، لزم على الرجل أَدَاء الثّمن الْمَذْكُور للْبَائِع، بِنَاء على وعده الْمُعَلق. أما قبل الْمُطَالبَة فَلَا يلْزم الرجل شَيْء. وَالظَّاهِر أَن تقدم قَوْله: بِعْ هَذَا الشَّيْء لفُلَان وَمَا أشبهه لَيْسَ بِشَرْط لصِحَّة الِالْتِزَام، بِدَلِيل مَا سَيَأْتِي فِي الْمَادَّة / 623 / من الْمجلة، من أَنه لَو قَالَ: إِن لم يعطك فلَان مطلوبك فَأَنا أُعْطِيك كَانَ كَفِيلا. انْتهى. وَلم يشْتَرط فِيهِ أَن يَقُول: أقْرضهُ مثلا. (ثَانِيًا _ التطبيق) وَمِمَّا يفرع على الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة:

تنبيه

- مَا لَو قَالَ كَفِيل النَّفس: إِن لم أوافك بمديونك فلَان غَدا فَأَنا أدفَع لَك دينه، فَلم يوافه بِهِ لزمَه الدّين، إِلَّا إِذا عجز عَن الموافاة بِغَيْر موت الْمَدْيُون أَو جُنُونه. أما لَو عجز بِأَحَدِهِمَا عَن الموافاة بِهِ لَهُ فالكفالة لَازمه لَهُ (ر: التَّنْوِير وَشَرحه) . وَالظَّاهِر أَن مثله مَا لَو قَالَ للْمُعِير أَو الْمُودع (بِالْكَسْرِ) : إِن أضاع أَو اسْتهْلك الْمُسْتَعِير أَو الْوَدِيع الْعَارِية أَو الْوَدِيعَة فَأَنا أؤدي ضَمَانهَا، فأضاعها أَو استهلكها لزمَه الضَّمَان بِنَاء على وعده الْمُعَلق. - وَمثل فرع الْكفَالَة: مَا لَو بَاعَ الْعقار بِغَبن فَاحش، ثمَّ وعد المُشْتَرِي البَائِع بِأَنَّهُ إِن أوفى لَهُ مثل الثّمن يفْسخ مَعَه البيع صَحَّ وَلزِمَ الْوَفَاء بالوعد. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، قبيل الْكفَالَة) . وَلَا فرق فِي لُزُوم الْوَعْد الْمُعَلق الْمَذْكُور بَين أَن يصدر فِي مجْلِس البيع الْمَذْكُور أَو بعده (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، الْمحل الْمَذْكُور) . ثمَّ إِن قَوْلنَا: " فِيمَا يُمكن وَيصِح الْتِزَامه لَهُ شرعا " خرج بِهِ مَا لَا يَصح الْتِزَامه شرعا، كضمان الخسران، كَمَا إِذا قَالَ: اشْتَرِ هَذَا المَال وَإِن خسرت فِيهِ فَأَنا أؤدي لَك مَا تخسره، فَاشْتَرَاهُ وخسر فَإِنَّهُ لَا يرجع عَلَيْهِ بِشَيْء. (تَنْبِيه:) ظَاهر هَذِه الْقَاعِدَة أَنَّهَا مُطلقَة عَامَّة فِي كل وعد أَتَى بِصُورَة التَّعْلِيق وَالْحَال خِلَافه، فَإِنَّهُم لم يفرعوا عَلَيْهَا غير مَسْأَلَتي البيع وَالْكَفَالَة المتقدمتين، وَلم يظْهر لي بعد التتبع ثَالِث لَهما، بل ذكر فِي بُيُوع التَّنْقِيح فِيمَا لَو تبَايعا بِثمن الْمثل بيعا باتاً، ثمَّ بعد ذَلِك أشهد المُشْتَرِي أَنه، أَي البَائِع، إِن دفع لَهُ نَظِير الثّمن بعده مُدَّة كَذَا يكن بَيْعه مردوداً عَلَيْهِ ومقالاً مِنْهُ، فَإِن الْإِشْهَاد الْمَذْكُور وعد من المُشْتَرِي فَلَا يجْبر عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ البيع بِثمن الْمثل وَعَزاهُ إِلَى التُّمُرْتَاشِيّ والبزازي مَعَ أَنه كَمَا ترى مُعَلّق بِالشّرطِ. (تَنْبِيه آخر:) ذكر بعض شرَّاح الْمجلة أَنه فِي مِثَال الْمَادَّة الْمَذْكُورَة لَو مَاتَ الْمَكْفُول عَنهُ

قبل أَن يُطَالِبهُ الْمَكْفُول لَهُ لَا يلْزم الْكَفِيل الضَّمَان من غير أَن يسْتَند فِي ذَلِك إِلَى مساعدة نقل شَرْعِي سوى قَوْلهم: الْمُعَلق بِالشّرطِ عدم قبل وجود الشَّرْط. وَتَابعه على ذَلِك بعض مدرسي الْمجلة فِي زَمَاننَا، وَلَكِن لم يعزه للشَّارِح الْمَذْكُور، بل عزاهُ إِلَى رد الْمُحْتَار عَن الإِمَام مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى. وَبعد مُرَاجعَة رد الْمُحْتَار وجد أَن لَفظه هَكَذَا: وَعنهُ أَيْضا (أَي عَن مُحَمَّد) إِن لم يعطك فَأَنا ضَامِن، فَمَاتَ قبل أَن يتقاضاه وَيُعْطِيه بَطل الضَّمَان. انْتهى. وَعَزاهُ إِلَى النَّهر عَن الدِّرَايَة. وَهُوَ غير صَحِيح، سَوَاء أرجعنا ضمير (مَاتَ) إِلَى الْكَفِيل كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر، أَو إِلَى الْمَكْفُول كَمَا فهمه الْفَاضِل الْمدرس، فَإِن الْكفَالَة لَا تبطل بِمَوْت وَاحِد مِنْهُمَا أياً كَانَ وَإِن كَانَ مَوته قبل الْمُطَالبَة. أما لَو مَاتَ الَّذِي عَلَيْهِ المَال فقد قَالَ فِي الذَّخِيرَة (فِي آخر الْفَصْل السَّابِع من الْكفَالَة) مَا ملخصه أَنه: إِذا كَانَ لرجل على رجل ألف دِرْهَم حَالَة فَقَالَ رجل: إِن لم يعطك فلَان مَا لَك عَلَيْهِ فَهُوَ ضَامِن، فتقاضاه وَلم يُعْطه فَإِنَّهُ يصير كَفِيلا اسْتِحْسَانًا لمَكَان الْعرف. ثمَّ قَالَ بعده: وَفِي الْمُنْتَقى: إِذا مَاتَ الَّذِي عَلَيْهِ المَال قبل أَن يُطَالِبهُ الطَّالِب لزم الْكَفِيل المَال. انْتهى. فَهُوَ صَرِيح كَمَا ترى فِي عدم بطلَان الضَّمَان بِمَوْت الْمَدْيُون قبل الْمُطَالبَة. أما لَو مَاتَ الْكَفِيل فقد قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة (فِي الْبَاب الثَّانِي من الْكفَالَة) : إِن لم يواف بِهِ غَدا فَعَلَيهِ مَا عَلَيْهِ، فَمَاتَ الْمَكْفُول عَنهُ لزم المَال بِمُضِيِّ الْغَد. وَإِن مَاتَ الْكَفِيل قبل الْأَجَل إِن سلمه ورثته قبل الْأَجَل أَو الْمَكْفُول سلم نَفسه عَن جِهَة الْكَفِيل قبل مُضِيّ الْأَجَل برِئ. انْتهى. فقد صرح بِعَدَمِ بطلَان الْكفَالَة بِمَوْت الْكَفِيل. وَمَا نَقله عَن رد الْمُحْتَار عَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى فِيهِ سقط لم يتَنَبَّه لَهُ الْفَاضِل الْمدرس، يعلم من مُرَاجعَة الْبَحْر، فَإِن الْعبارَة المنقولة عَن النَّهر عَن الدِّرَايَة مَأْخُوذَة مِنْهُ. وَقد نقلهَا فِي الْبَحْر عَن الْبَزَّازِيَّة لَا عَن الدِّرَايَة، وَإِنَّمَا نقل عَن الدِّرَايَة قبل ذَلِك كلَاما فِيهِ التَّمْثِيل للكفالة الْمُعَلقَة بِشَرْط ملائم وأنهاه ثمَّ قَالَ: وَمِنْه مَا فِي الْبَزَّازِيَّة: إِن غَابَ وَلم أوافك بِهِ فَأَنا ضَامِن لما عَلَيْهِ. فَإِن هَذَا على أَن يوافي بعد الْغَيْبَة. وَعَن مُحَمَّد قَالَ: إِن لم يدْفع مديونك مَالك،

أَو لم يقضه، فَهُوَ عَليّ، ثمَّ إِن الطَّالِب تقاضى الْمَطْلُوب، فَقَالَ الْمَدْيُون: لَا أدفعه، أَو لَا أقضيه، وَجب على الْكَفِيل السَّاعَة. وَعنهُ أَيْضا: إِن لم يعطك الْمَدْيُون دينك فَأَنا ضَامِن، إِنَّمَا يتَحَقَّق الشَّرْط إِذا تقاضاه وَلم يُعْطه ذَلِك. وَفِي الْفَتَاوَى: إِن تقاضيت وَلم يعطك فَأَنا ضَامِن، فَمَاتَ قبل أَن يتقاضاه وَيُعْطِيه بَطل الضَّمَان. انْتهى، وَهِي بحروفها فِي الْبَزَّازِيَّة (فِي نوع فِي أَلْفَاظ الْكفَالَة) ولدى مقابلتها على عبارَة رد الْمُحْتَار تبين أَنه سقط مِنْهَا سطر هُوَ مَا بعد (فَأَنا ضَامِن) الثَّانِيَة إِلَى قَوْله (فَمَاتَ قبل أَن يتقاضاه) الْوَاقِعَة بعد (فَأَنا ضَامِن) الثَّالِثَة، فاتصل قَوْله (فَمَاتَ) بقوله (فَأَنا ضَامِن) الثَّانِيَة، فاختل الْكَلَام. وَالْحق مَا نَقَلْنَاهُ. هَذَا مَا ظهر وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.

القاعدة الرابعة والثمانون

(الْقَاعِدَة الرَّابِعَة وَالثَّمَانُونَ (الْمَادَّة / 85)) (" الْخراج بِالضَّمَانِ ") (أَولا _ الشَّرْح) " الْخراج " الْحَاصِل من الشَّيْء إِذا كَانَ مُنْفَصِلا عَنهُ غير متولد مِنْهُ، ككسب العَبْد، وسكنى الدَّار، وَأُجْرَة الدَّابَّة، " بِالضَّمَانِ " أَي بِمُقَابلَة دُخُوله فِي ضَمَان من سلم لَهُ خراجه، فَمَا لم يدْخل فِي ضَمَانه لم يسلم لَهُ خراجه. وَقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ربح مَا لم يضمن. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن حَكِيم بن حزَام رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ورمز السُّيُوطِيّ إِلَى حسنه. وخراج الشَّيْء: مَا حصل مِنْهُ، وَالَّذِي يكون مِنْهُ بِمُقَابلَة الضَّمَان مَا كَانَ مُنْفَصِلا غير متولد، كالكسب وَالْأُجْرَة، وَالْهِبَة، وَالصَّدَََقَة، فَإِنَّهُ يطيب لمن كَانَ عَلَيْهِ الضَّمَان. فَلَو رد المُشْتَرِي الْمَبِيع بعد قَبضه بِخِيَار الْعَيْب، وَكَانَ قد قد اسْتَعْملهُ مُدَّة لَا يلْزمه أجرته، لِأَنَّهُ لَو كَانَ قد تلف فِي يَده قبل الرَّد لَكَانَ يتْلف من مَاله. وَكَذَلِكَ لَو كَانَ آجره، فَإِن الْأُجْرَة تطيب لَهُ. لَكِن اخْتلف فِي الْمَبِيع قبل الْقَبْض إِذا حدثت الزِّيَادَة الْمُنْفَصِلَة غير المتولدة، ثمَّ رد بِالْعَيْبِ. فَعِنْدَ مُحَمَّد هِيَ للْمُشْتَرِي بِلَا ثمن، وَعِنْدَهُمَا: هِيَ للْبَائِع. وَاتَّفَقُوا على أَنَّهَا لَا تطيب لمن هِيَ لَهُ. لِأَن طيبها إِنَّمَا يكون بِالْملكِ وَالضَّمان، وَقبل الْقَبْض لم يجتمعا فِي أَحدهمَا، بل الْملك للْمُشْتَرِي، وَالضَّمان على البَائِع. حَتَّى لَو هلك الْمَبِيع، وَالْحَالة هَذِه، يهْلك من مَاله.

ثانيا التطبيق

(ثَانِيًا _ التطبيق) مِمَّا يتَفَرَّع على هَذِه الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة: مَا لَو شرطا فِي شركَة الْوُجُوه مُنَاصَفَة الْمُشْتَرى، أَو مثالثته، وشرطا الرِّبْح على خلاف ذَلِك، فَالشَّرْط بَاطِل (ر: الْمرْآة، عَن الدِّرَايَة) . وَمِنْه: مَا لَو اسْتَأْجر دَارا مثلا بِبَدَل، ثمَّ آجرها بِأَكْثَرَ مِنْهُ من جنس ذَلِك الْبَدَل، فَإِن الزِّيَادَة لَا تطيب لَهُ إِلَّا إِذا أصلحها بإحداث مَا تشاهد عينه فِيهَا، كبناء وتجصيص، وَجعل الْخصاف كري النَّهر من ذَلِك، بِخِلَاف كنس الدَّار وإلقاء التُّرَاب من الأَرْض وَإِن تيسرت الزِّرَاعَة فِيهَا (ر: الدّرّ وحواشيه، من بَاب مَا يجوز من الْإِجَارَة) .

القاعدة الخامسة والثمانون

(الْقَاعِدَة الْخَامِسَة وَالثَّمَانُونَ (الْمَادَّة / 86)) (" الْأجر وَالضَّمان لَا يَجْتَمِعَانِ ") (أَولا _ الشَّرْح) " الْأجر " أَي بدل الْمَنْفَعَة " وَالضَّمان " وَهُوَ الغرامة لقيمة الشَّيْء أَو نقصانه " لَا يَجْتَمِعَانِ " إِذا اتّحدت جهتهما، لِأَن الضَّمَان إِنَّمَا يكون بِسَبَب التَّعَدِّي، والتعدي على مَال الْغَيْر غصب لَهُ أَو كالغصب، وَمَنَافع الْمَغْصُوب غير مَضْمُونَة، لِأَن الْمَنَافِع مَعْدُومَة، وَعند وجودهَا فَهِيَ أَعْرَاض غير بَاقِيَة، وَإِنَّمَا تقوم بِعقد الْإِجَارَة على خلاف الْقيَاس لمَكَان الْحَاجة الضرورية إِلَيْهَا، وَعقد الْإِجَارَة لَا يبْقى مَعَ صيرورة الْمُسْتَأْجر ضَامِنا، بل يرْتَفع، إِذْ لَا يُمكن اعْتِبَاره مُسْتَأْجرًا أَمينا وغاصباً ضميناً فِي آن وَاحِد، لتنافي الْحَالَتَيْنِ. قيدنَا بقولنَا: " إِذا اتّحدت جهتهما " ليخرج مَا إِذا اخْتلفت جهتهما، وَذَلِكَ كَمَا لَو اسْتَأْجر دَابَّة لركوبه فركبها وَأَرْدَفَ وَرَاءه آخر ليستمسك بِنَفسِهِ، وَكَانَت تطِيق حمل الِاثْنَيْنِ، فعطبت بعد بُلُوغ الْمَقْصد، فَعَلَيهِ كل الْأجر وَيضمن نصف قيمتهَا، وَذَلِكَ لعدم اتِّحَاد جِهَة الْأجر وجهة الضَّمَان. وَلَو كَانَت لَا تطِيق حمل الِاثْنَيْنِ ضمن كل قيمتهَا (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من الْإِجَارَة) . وَالظَّاهِر أَنه لَا أجر عَلَيْهِ فِي صُورَة عدم إطاقتها، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يعد غَاصبا للْكُلّ من الِابْتِدَاء. كَمَا قَالُوهُ فِيمَا إِذا اسْتَأْجرهَا ليحمل عشرَة مخاتيم بر مثلا، فَحمل عَلَيْهَا أَكثر دفْعَة وَاحِدَة فَتلفت، فَإِن كَانَت تطِيق مَا حملهَا ضمن بِقدر الزِّيَادَة وَوَجَب الْأجر كُله. وَإِن كَانَت لَا تطِيق ضمن كل قيمتهَا وَلَا أجر عَلَيْهِ لصيرورته غَاصبا. وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ هَا هُنَا فِي تَنْبِيه خَاص.

ثانيا التطبيق

(ثَانِيًا _ التطبيق) ثمَّ إِن الصُّور الممكنة الَّتِي تَدور عَلَيْهَا الْمَادَّة الْمَذْكُورَة عشر، وَذَلِكَ لِأَن التَّعَدِّي الَّذِي هُوَ سَبَب الضَّمَان إِمَّا أَن يكون بعد اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة الْمَعْقُود عَلَيْهَا كلهَا، كَمَا إِذا اسْتَأْجر دَابَّة ليرْكبَهَا إِلَى مَكَان معِين فركبها إِلَيْهِ ثمَّ جاوزه بمسافة لَا يتَسَامَح فِي مثلهَا، أَو يكون التَّعَدِّي بعد اسْتِيفَاء بَعْضهَا، كَمَا إِذا اسْتَأْجرهَا ليرْكبَهَا إِلَى مَكَان معِين فركبها قَاصِدا لَهُ وَلَكِن فِي أثْنَاء الطَّرِيق عرج إِلَى مَكَان آخر لَا يتَسَامَح فِي مثله عَادَة، أَو اسْتَأْجرهَا ليرْكبَهَا إِلَى الْكُوفَة مثلا ذَاهِبًا وجائياً فجاوز بهَا الْكُوفَة بمسافة لَا يتَسَامَح فِي مثلهَا ثمَّ عَاد إِلَى الْكُوفَة، أَو يكون التَّعَدِّي قبل اسْتِيفَاء شَيْء من الْمَنْفَعَة، كَمَا إِذا اسْتَأْجرهَا ليرْكبَهَا إِلَى مَكَان معِين فركبها إِلَى غَيره. وَفِي كلا الْوَجْهَيْنِ الْأَخيرينِ من الثَّلَاثَة إِمَّا أَن يَسْتَوْفِي بعد التَّعَدِّي الْمَنْفَعَة الْمَعْقُود عَلَيْهَا أَو لَا. فَهَذِهِ مَعَ الْوَجْه الأول صَارَت خمس صور، وَفِي كل من الصُّور الْخمس إِمَّا أَن تسلم الْعين المأجورة أَو تتْلف، فَتلك عشرَة كَامِلَة حَاصِلَة من ضرب اثْنَيْنِ فِي خَمْسَة، يجب الْأجر فِي كل صُورَة استوفيت فِيهَا الْمَنْفَعَة الْمَعْقُود عَلَيْهَا كلهَا أَو بَعْضهَا قبل التَّعَدِّي وسلمت الْعين المأجورة. وَلَكِن عِنْد اسْتِيفَاء كلهَا يجب الْأجر، وَفِي اسْتِيفَاء بَعْضهَا بِحِسَابِهِ، وَلَا يجب الْأجر لما بعد التَّعَدِّي. وَأما أجر مَا اسْتَوْفَاهُ من الْمَنْفَعَة بعد التَّعَدِّي وصيرورته ضَامِنا فَإِنَّهُ سَاقِط. فَفِي (الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ) من جَامع الْفُصُولَيْنِ مَا لَفظه: اسْتَأْجرهُ من الْكُوفَة إِلَى الْبَصْرَة ذَاهِبًا وجائياً، فجاوز بِهِ الْبَصْرَة وَعَاد سليما إِلَى الْكُوفَة فَعَلَيهِ نصف الْأجر الْمُسَمّى عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف إِذْ غصب فَلَا يبرأ إِلَّا بِالرَّدِّ. وَبحث فِيهِ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ بقوله: وَقد مر أَن من خَالف ثمَّ عَاد يجب عَلَيْهِ كل الْأجر. وبحثه هَذَا غير ناهض، لِأَن مَا مر خلاف مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالْفَتْوَى على أَن الْمُسْتَأْجر لَا يبرأ بِالْعودِ إِلَى الْوِفَاق، وَإِذا لم يبرأ فَلَا أجر عَلَيْهِ كَمَا بعد التَّعَدِّي، كَمَا يعلم مِمَّا قدمْنَاهُ تَحت الْقَاعِدَة الأولى. وَمَا عزاهُ إِلَى أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف جزم بِهِ فِي نور الْعين والفتاوى الْهِنْدِيَّة، من غير حِكَايَة خلاف. فقد قَالَ فِي نور الْعين: " اسْتَأْجرهَا إِلَى مَكَان ذَاهِبًا وجائياً على أَن يرجع

فِي يَوْمه، وَرجع فِي الْغَد، فَعَلَيهِ نصف الْأجر للذهاب لَا للرُّجُوع إِذْ خَالف فِيهِ " (انْتهى) . وَنقل فِي (الْفَصْل السَّادِس وَالْعِشْرين من إجارات) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة، عَن التَّتارْخَانِيَّة، عَن جَامع الْفَتَاوَى، عدم وجوب الْأجر أصلا فِيمَا إِذا اسْتَأْجر دَابَّة إِلَى مَكَان مَعْلُوم، وَخرج بهَا إِلَى ذَلِك الْمَكَان، وَلَكِن بعد أَن مكث كثيرا مِقْدَار مَا لَا يمْكث فِي انْتِظَار الْقَافِلَة، وَقَالَ: قد تقرر عَلَيْهِ الضَّمَان فَلَا يرْتَفع بِالْخرُوجِ فَلَا يجب الْأجر. فَظهر بِهَذَا أَنه لَا يشْتَرط لانْتِفَاء الْأجر الضَّمَان بِالْفِعْلِ، فَإِنَّهُ قد يكون بِالْفِعْلِ وَذَلِكَ فِيمَا إِذا هَلَكت الْعين المأجورة بعد التَّعَدِّي، فَإِنَّهُ لَا أجر عَلَيْهِ لما قبل التَّعَدِّي وَلَا لما بعده. فقد قَالَ فِي (الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ) من جَامع الْفُصُولَيْنِ: (من بحث إِجَارَة الدَّوَابّ، آخر صفحة / 164) مَا لَفظه: " اسْتَأْجرهُ قروي ليحمل عَلَيْهِ برا إِلَى الْمَدِينَة فَفعل وَوضع عَلَيْهِ فِي الرُّجُوع إِلَى بَيته قفيز ملح بِلَا إِذن فَمَرض فَمَاتَ ضمن لغصبه وَلَا أجر، إِذْ لَا يَجْتَمِعَانِ " ثمَّ قَالَ: " لَو سلم الْحمار فَلهُ أجر مَا سمى فَقَط، إِذْ لَا أجر للغصب " (انْتهى) . وَقد تكون الْحَالة حَالَة تعد تجْعَل صَاحبهَا بمعرض الضَّمَان، وَذَلِكَ فِيمَا إِذا سلمت الْعين بعد التَّعَدِّي، فَإِنَّهُ لَا أجر عَلَيْهِ لما بعد التَّعَدِّي، وَإِن انْتفع بِالْفِعْلِ أَو تمكن من الِانْتِفَاع، لِأَنَّهُ غَاصِب وبمعرض الضَّمَان. وَهَذَا بِخِلَاف مَا إِذا اسْتَأْجر حمارا لحمل مَتَاعه فِي طَرِيق معِين فَحَمله فِي طَرِيق آخر مخوف، أَو ليحمله على دَابَّة مُعينَة فَحَمله فِي الْبَحْر فَتلف فَإِنَّهُ يضمنهُ، وَإِن أوصله سليما وَجب كل الْأجر (ر: الْفَصْل السَّابِع وَالْعِشْرين من إجارات الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة، نقلا عَن التُّمُرْتَاشِيّ) . وَلَا يرد هَذَا على مَا تقدم، لِأَن الْمَعْقُود عَلَيْهِ هُنَا إِيصَال الْمُسْتَأْجر (بِفَتْح الْجِيم) مَال الْمُسْتَأْجر (بِكَسْر الْجِيم) وَقد حصل. وَلَكِن مَعَ الْمُخَالفَة فِي كَيْفيَّة الإيصال الْمَشْرُوطَة، وَلَا عِبْرَة بِالْخِلَافِ عِنْد حُصُول الْمَقْصُود، بِخِلَاف مَا تقدم فَإِن العقد فِيهِ لَيْسَ وارداً على الْحمل والإيصال، بل على مَنْفَعَة دَابَّة مُعينَة ليعْمَل عَلَيْهِ الْمُسْتَأْجر (بِالْكَسْرِ) . وَالْفرق ظَاهر للمتأمل.

تنبيه

وَقد رسمت هَا هُنَا جدولاً حاوياً للمسائل الْعشْر وأحكامها سهل المتناول لمن أَرَادَ. وَهَذَا هُوَ: تعدى وَلم ينْتَفع مُطلقًا تعدى ثمَّ انْتفع انْتفع ثمَّ تعدى استوفى الْمَنْفَعَة كلهَا وتعدى فِي أَثْنَائِهَا استوفى بعض الْمَنْفَعَة ثمَّ تعدى وَلم ينْتَفع بعد ذَلِك سلمت فِي معرض الضَّمَان فَلَا أجر عَلَيْهِ فِي معرض الضَّمَان وَلَا أجر عَلَيْهِ يجب الْأجر كُله يجب الْأجر لما قبل التَّعَدِّي فَقَط يجب الْأجر لما قبل التَّعَدِّي بِحِسَابِهِ فَقَط تلفت ضَامِن بِالْفِعْلِ وَلَا أجر عَلَيْهِ ضَامِن وَلَا أجر عَلَيْهِ يضمن قيمتهَا وَلَا أجر يضمن قيمتهَا وَلَا أجر عَلَيْهِ يضمن قيمتهَا وَلَا أجر (تَنْبِيه:) جَاءَ فِي الذَّخِيرَة (من الْإِجَارَة، صفحة 449) مَا لَفظه: اسْتَأْجر حمارا ليحمل عَلَيْهِ اثْنَي عشر وقرا من التُّرَاب إِلَى أرضه بدرهم، وَله فِي أرضه لبن، فَصَارَ كلما عَاد يحمل عَلَيْهِ اللَّبن، فَإِذا سلم الْحمار فِي هَذِه الصُّورَة يجب عَلَيْهِ كل الْأجر، وَلَا مَانع من وجوب الْأجر مَعَ الْمُخَالفَة. انْتهى. وَاسْتشْهدَ لَهُ بِفُرُوع وَقع التَّعَدِّي فِيهَا بعد اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة، فَإِن مَا ذكره مَنْقُولًا فَهُوَ مَحْمُول على القَوْل السَّابِق لما عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَهُوَ أَن الْمُسْتَأْجر إِذا عَاد إِلَى الْوِفَاق بعد التَّعَدِّي يبرأ عَن الضَّمَان، وَالْفَتْوَى على خِلَافه كَمَا قدمْنَاهُ، وَإِن كَانَ قِيَاسا مِنْهُ رَحمَه الله تَعَالَى فَهُوَ قِيَاس مَعَ الْفَارِق. (تَنْبِيه آخر:) كَمَا لَا يجْتَمع أجر وَضَمان لَا يجْتَمع الْعشْر وَالْخَرَاج، وَلَا الْقصاص مَعَ الدِّيَة، وَلَا مُتْعَة وَاجِبَة مَعَ الْمهْر، وَلَا الْقَتْل مَعَ الْوَصِيَّة أَو الْمِيرَاث، وَلَا الْمِيرَاث مَعَ الْوَصِيَّة فِيمَن يرد عَلَيْهِ، وَلَا الْأجر مَعَ الشّركَة فِي الْعين، وَلَا الْحَد مَعَ اللّعان، وَلَا أُجْرَة الرَّضَاع مَعَ النِّكَاح، وَلَا الْحَد مَعَ ثُبُوت النّسَب.

تنبيه آخر

(تَنْبِيه آخر:) ذكرنَا سَابِقًا فِيمَا إِذا اسْتَأْجر الدَّابَّة لحمل مخاتيم بر مُعينَة فَزَاد عَلَيْهَا وَكَانَت الدَّابَّة لَا تطِيق حمل الزِّيَادَة أَنه يضمن جَمِيع الْقيمَة، وَلَا يجب عَلَيْهِ الْأجر. وَالْحكم على الْوَجْه الْمَذْكُور مُسلم وموافق للمنقول فِي كتب الْمَذْهَب. فَفِي الْفَتَاوَى الْخَانِية (من الْإِجَارَة) مَا لَفظه: لَو اسْتَأْجرهَا ليحمل عَلَيْهَا عشرَة مخاتيم حِنْطَة، فَحمل عَلَيْهَا خَمْسَة عشر مَخْتُومًا من الْحِنْطَة وَجَاء بالحمار سليما فَهَلَك قبل أَن يردهُ إِلَى صَاحبه، إِن كَانَ يعلم أَن الْحمار يُطيق ذَلِك كَانَ عَلَيْهِ ثلث الْقيمَة وَكَمَال الْأجر الْمُسَمّى، وَإِن كَانَ لَا يُطيق يضمن جَمِيع الْقيمَة وَلَا يجب الْأجر. انْتهى. وَنَقله أَيْضا عَن الْفَتَاوَى الْخَانِية فِي (السَّابِع وَالْعِشْرين من إجارات) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة، وَكَذَا نَقله فِي الْفَتَاوَى الأنقروية. وَكَذَا يُسْتَفَاد الحكم الْمَذْكُور من مَبْسُوط السَّرخسِيّ (من بَاب إِجَارَة الدَّوَابّ ج / 15 ص / 172) مَعَ مُرَاجعَة مَا ذكره فِي الْعَارِية (ج / 11 ص / 128) من الْمَبْسُوط الْمَذْكُور. وَمَا بعد النَّقْل إِلَّا الرُّجُوع إِلَيْهِ. وَأما مَا ذكره بعض العصريين فِي مؤلف لَهُ من تضمين الْمُسْتَأْجر كل الْقيمَة وَإِيجَاب كل الْأجر فِي صُورَة عدم إطاقة الدَّابَّة للزِّيَادَة فَلم يُوجد إِلَّا فِي كَلَام صَاحب التَّنْوِير (من بَاب مَا لَا يجوز فِي الْإِجَارَة وَمَا يكون خلافًا فِيهَا) وَعَزاهُ فِي شَرحه منح الْغفار إِلَى غَايَة الْبَيَان للإتقاني، وَتَابعه فِي هَذَا الْعزو صَاحب الدّرّ، وَأفَاد أَن مَأْخَذ التَّنْوِير للْحكم الْمَذْكُور المعزي للغاية هُوَ من الْبَحْر، وتابع صَاحب التَّنْوِير على هَذَا الحكم الْعَلامَة الخادمي فِي حَاشِيَته على الدُّرَر وَعَزاهُ إِلَيْهِ وَسكت عَنهُ محشو الدّرّ أَيْضا كلهم. وَهُوَ مُشكل {إِذْ فِيهِ إِيجَاب ضَمَان كل الْقيمَة وَإِيجَاب كل الْأجر فِي صُورَة عدم إطاقة الدَّابَّة للْحَمْل وَالزِّيَادَة، وَفِي هَذِه الصُّورَة يكون قد حصل التَّعَدِّي من الِابْتِدَاء وَاعْتبر الْمُسْتَأْجر بتحميلها ذَلِك وَهِي غير مطيقة غَاصبا ضَامِنا من حِين التحميل، فَكيف يجمع عَلَيْهِ الْأجر وَالضَّمان فِي آن وَاحِد والجهة متحدة، وهما لَا يَجْتَمِعَانِ؟} . وَبعد تتبع مَا عِنْدِي من الْكتب الْفِقْهِيَّة بِالْقدرِ الْمُمكن لم أر لما ذكره

صَاحب التَّنْوِير أصلا، ثمَّ لَدَى مُرَاجعَة الْبَحْر الَّذِي عزا إِلَيْهِ صَاحب الدّرّ كَلَام التَّنْوِير والغاية رَأَيْته نقل عَن الزَّيْلَعِيّ تَقْيِيد قَول متن الْكَنْز: وَيضمن بِالزِّيَادَةِ على الْحمل مَا زَاد بِأَن تطِيق الدَّابَّة مثله. ثمَّ قَالَ: وَلم يتَعَرَّض المُصَنّف لِلْأجرِ إِذا هَلَكت، وَفِي غَايَة الْبَيَان أَن عَلَيْهِ الْكِرَاء كَامِلا. انْتهى. وَلَا يخفى أَن قَول الْبَحْر: وَفِي غَايَة الْبَيَان ... . الخ _ بعد أَن نقل عَن الزَّيْلَعِيّ تَقْيِيد عبارَة الْمَتْن بِمَا ذكر _ مَوْضُوع فِيمَا إِذا كَانَت الدَّابَّة تطِيق مثل الْحمل، لَا فِيمَا إِذا كَانَت لَا تطِيق، كَمَا سبق إِلَيْهِ نظر صَاحب التَّنْوِير. ثمَّ لَدَى مُرَاجعَة كتاب غَايَة الْبَيَان الْمَذْكُور برح الخفاء وانكشف الغطاء وَظهر جلياً أَن قَوْله: " وَعَلِيهِ الْكِرَاء كَامِلا " مَوْضُوع فِي صُورَة ضَمَان الْمُسْتَأْجر بِقدر مَا زَاد فِي الْحمل. وَلَا يخفى أَن ضَمَانه قدر مَا زَاد لَيْسَ إِلَّا فِي صُورَة مَا إِذا كَانَت تطِيق، كَمَا هُوَ صَرِيح كَلَام الْخَانِية السَّابِق وَغَيرهَا وصريح كَلَام التَّنْوِير نَفسه فِي الْمحل الْمَذْكُور. ثمَّ رَأَيْت كَلَام الْغَايَة الْمَذْكُور مَنْقُولًا برمتِهِ فِي حَاشِيَة الشلبي المطبوعة على الزَّيْلَعِيّ (من الْإِجَارَة من الْمحل الْمَذْكُور) فَليرْجع إِلَيْهَا من أحب. وَعَلِيهِ فَلم يبْق للمقال من مجَال، وَالْحَمْد لله على كل حَال.

القاعدة السادسة والثمانون

(الْقَاعِدَة السَّادِسَة وَالثَّمَانُونَ (الْمَادَّة / 87)) (" الْغرم بالغنم ") (الشَّرْح، مَعَ التطبيق) " الْغرم " وَهُوَ مَا يلْزم الْمَرْء لِقَاء شَيْء، من مَال أَو نفس، مُقَابل " بالغنم " وَهُوَ مَا يحصل لَهُ من مرغوبه من ذَلِك الشَّيْء. أفادت هَذِه الْمَادَّة عكس مَا أفادته الْمَادَّة الْخَامِسَة وَالثَّمَانُونَ. ثمَّ لَا فرق فِي الْغرم بَين أَن يكون مَشْرُوعا كمؤونة تعمير الْملك الْمُشْتَرك فَإِنَّهَا عَلَيْهِم بِمُقَابلَة انتفاعهم بِهِ انْتِفَاع الْملاك. وكمؤونة تعمير من يرغب من الْمَوْقُوف عَلَيْهِم فِي سُكْنى الْعقار الْمَوْقُوف لسكناهم، فَإِنَّهَا عَلَيْهِم بِمُقَابلَة سكناهم فِيهِ. - وكمؤونة كري النَّهر الْمُشْتَرك وتعمير حَافَّاته وتطهير مَائه، فَإِنَّهَا على الشُّرَكَاء فِيهِ بِمُقَابلَة انتفاعهم بِحَق الشّرْب. - وكمؤونة كري السِّيَاق المالح الْمُشْتَرك، فَإِنَّهَا على الشُّرَكَاء بِمُقَابلَة انتفاعهم بِحَق التسييل. - وكإيجاب ضَمَان الْعين الْمَرْهُونَة على الْمُرْتَهن لِقَاء تمكنه من اسْتِيفَاء دينه مِنْهَا. - وكإيجاب أُجْرَة بَيت حفظهَا وَأُجْرَة حافظها عَلَيْهِ لِقَاء اسْتِحْقَاقه حَبسهَا بِدِينِهِ (ر: الدُّرَر وَغَيره من الرَّهْن) .

تنبيه

- وكما لَو بَاعَ الْوَصِيّ عينا من التَّرِكَة ليقضي دين الْغُرَمَاء، أَو لم يكن دين فَبَاعَهَا لأجل الْوَرَثَة وهم كبار وَقبض ثمنهَا فَضَاعَ الثّمن مِنْهُ وَتَلفت الْعين الْمَبِيعَة قبل تَسْلِيمهَا رَجَعَ المُشْتَرِي على الْوَصِيّ بِالثّمن، وَهُوَ يرجع على من كَانَ البيع لأَجله من الْغُرَمَاء أَو الْوَرَثَة الْكِبَار (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّامِن وَالْعِشْرين، ص / 41 و 42) . - وكقيمة مَا اتَّفقُوا على إلقائه فِي الْبَحْر من الْأَمْتِعَة المحمولة فِي السَّفِينَة إِذا أشفت على الْغَرق من ثقلهَا، فَإِنَّهَا على ركابهَا بِمُقَابلَة سَلامَة أنفسهم. - وكأجرة صك الشِّرَاء وحجج المبايعات، فَإِنَّهَا على المُشْتَرِي بِمُقَابلَة انتفاعه بهَا. - وكأجرة القسام والكيل والوزان، فَإِنَّهَا على الشُّرَكَاء، لِأَن نفع ذَلِك عَائِد لَهُم. أَو يكون غير مَشْرُوع، كالتكاليف الأميرية الَّتِي تطرح على الْأَمْلَاك، فَإِنَّهَا على أَرْبَابهَا بِمُقَابلَة سَلامَة أملاكهم. وكالتكاليف الَّتِي تطرح على الْأَنْفس، فَإِنَّهَا بِمُقَابلَة سَلامَة أنفسهم. وَلَا شَيْء من هَذِه على النِّسَاء وَالصبيان لِأَنَّهُ لَا يتَعَرَّض لَهُم. (تَنْبِيه:) الْقِسْمَة تكون بِحَسب الْأَنْصِبَاء إِلَّا فِي سَبْعَة، فَإِنَّهَا على عدد الرؤوس وَهِي: 1 - ساحة. 2 - الشُّفْعَة. 3 - نَوَائِب مُطلقَة. 4 - أُجْرَة القسام. 5 - مَا ألقِي من السفن خشيَة الْغَرق. 6 - طَرِيق. 7 - عقل.

تنبيه

وَقد نظمها الْحَمَوِيّ بقوله: (إِن التقاسم فِي الرؤوس يكون فِي ... سبع لَهُنَّ حلي عقد نظامي) (فِي ساحة، مَعَ شُفْعَة، ونوائب ... إِن من هَوَاء، أُجْرَة القسام) (وكذاك مَا يَرْمِي من السفن الَّتِي ... يخْشَى لَهَا غرق، وطرق كرام) (وكذاك عَاقِلَة، وَقد تمّ الَّذِي ... حررته لأفاضل الْأَعْلَام) (ذكره فِي آخر الشُّفْعَة من رد الْمُحْتَار) . (تَنْبِيه:) لَا يدْخل فِي قَول الْحَمَوِيّ " أُجْرَة القسام " الكيال والوزان، لِأَنَّهَا على حسب الْأَنْصِبَاء إِجْمَاعًا (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من الْقِسْمَة) . ونظمها بعض المعاصرين بقوله: (قَاسم على عدد الرؤوس، لساحةٍ ... ونوائب إِن أطلقت، مَعَ شُفْعَة) (ولأجر قسام، وعقل، والطرق ... ولمال سفن عِنْد خوف من غرق) ونظمها آخر بقوله: (إِن التقاسم فِي الرؤوس لساحة ... ولأجر قسام، وَمُطلق نَائِبه) (ولشفعة، دِيَة، وطرق، مثلهَا ... مرمي سفن عِنْد خشيَة نَائِبه)

((الصفحة فارغة))

القاعدة السابعة والثمانون

(الْقَاعِدَة السَّابِعَة وَالثَّمَانُونَ (الْمَادَّة / 88)) (" النِّعْمَة بِقدر النقمَة، والنقمة بِقدر النِّعْمَة ") " النِّعْمَة بِقدر النقمَة، والنقمة بِقدر النِّعْمَة " احتوت هَذِه الْمَادَّة على جملتين: الأولى مِنْهُمَا مرادفة للمادة الْخَامِسَة والثمانين. وَالثَّانيَِة مِنْهُمَا مرادفة لعكسها، وَهُوَ مَا أفادته السَّابِعَة وَالثَّمَانُونَ. هَكَذَا أَفَادَ بعض أفاضل الشُّرَّاح. وَحِينَئِذٍ فَمَا تفرع على كل من الْمَادَّتَيْنِ السابقتين المذكورتين يُمكن أَن يفرع على مرادفتها من جملتي هَذِه الْمَادَّة. وَيُمكن أَن يُقَال: إِن المُرَاد بالمادتين السابقتين المذكورتين هُوَ إِفَادَة أصل الْمُقَابلَة، وَهُوَ كَون الْخراج لِقَاء الضَّمَان، وَكَون الْغرم لِقَاء الْغنم، بِقطع النّظر عَن كَون أَحدهمَا بِقدر الآخر، فَإِن المُرَاد بِهَذِهِ الْمَادَّة أَن أَحدهمَا يكون بِقدر الآخر فِيمَا يُمكن فِيهِ مُحَافظَة التَّقْدِير، وَذَلِكَ فِيمَا تكون فِيهِ الْقِسْمَة عل حسب الْأَنْصِبَاء، وَهُوَ مَا عدا السَّبْعَة الْمَنْظُومَة الْمُتَقَدّمَة. وَهَذَا كَمَا تشعر بِهِ لَفْظَة (بِقدر) فِي الجملتين أولى من إخلائها من الْفَائِدَة وَجعلهَا تَكْرَارا مَحْضا! .

((الصفحة فارغة))

القاعدة الثامنة والثمانون

(الْقَاعِدَة الثَّامِنَة وَالثَّمَانُونَ (الْمَادَّة / 89)) (" يُضَاف الْفِعْل إِلَى الْفَاعِل، لَا إِلَى الْآمِر مَا لم يكن مجبراً ") (أَولا _ الشَّرْح) " يُضَاف الْفِعْل " أَي ينْسب حكمه، لِأَن الشَّرْع يبْحَث عَن أَفعَال الْمُكَلّفين من حَيْثُ أَحْكَامهَا، لَا من حَيْثُ ذواتها " إِلَى الْفَاعِل " ويقتصر عَلَيْهِ إِذا كَانَ عَاقِلا بَالغا، وَلم يَصح أَمر الْآمِر فِي زَعمه، لِأَنَّهُ _ أَي الْفَاعِل _ هُوَ الْعلَّة للْفِعْل. و " لَا " ينْسب الْفِعْل إِلَى " الْآمِر " بِهِ، لِأَن الْأَمر بِالتَّصَرُّفِ فِي ملك الْغَيْر بَاطِل (ر: الْمَادَّة / 95) وَمَتى بَطل الْأَمر لم يضمن الْآمِر (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل / 33) ، وَلِأَن الْآمِر قد يكون سَببا وَالْفَاعِل عِلّة، وَالْأَصْل فِي المعلولات أَن تُضَاف إِلَى عللها، لِأَنَّهَا هِيَ المؤثرة فِيهَا، لَا إِلَى أَسبَابهَا، لِأَنَّهَا موصلة إِلَيْهَا فِي الْجُمْلَة، والموصل دون الْمُؤثر. ثمَّ إِنَّمَا ينْسب حكم الْفِعْل إِلَى الْفَاعِل دون الْآمِر " مَا لم يكن " الْآمِر " مجبراً " أَي مكْرها للْفَاعِل على الْفِعْل، فَإِذا كَانَ مكْرها لَهُ عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ تنْسب مَا يُمكن نسبته من حكم الْفِعْل إِلَيْهِ، لَا إِلَى الْفَاعِل، لِأَن الْفَاعِل بِالْإِكْرَاهِ صَار كالآلة فِي يَد الْمُكْره. (ثَانِيًا _ التطبيق) فَلَو أَمر إِنْسَان غَيره بِإِتْلَاف مَال أَو تعييبه أَو بِقطع عُضْو مُحْتَرم أَو بقتل نفس معصومة فَفعل فَالضَّمَان وَالْقصاص على الْفَاعِل لَا على الْآمِر إِلَّا إِذا كَانَ الْآمِر مجبراً ومكرهاً للْفَاعِل على الْفِعْل، فَالضَّمَان وَالْقصاص يكونَانِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ

إِذا كَانَ إكراهه لَهُ بملجئ (ر: الْمَادَّة / 949) وَلَا مُعْتَبر بِغَيْر الملجئ فِي مثل هَذَا، لِأَنَّهُ من التَّصَرُّفَات الفعلية (ر: الْمَادَّة / 1007) . وَمن الْإِكْرَاه الْمُعْتَبر هَا هُنَا أَيْضا مَا إِذا كَانَ الْآمِر سُلْطَانا فَإِن أمره إِكْرَاه (ر: رد الْمُحْتَار، من آخر الْغَصْب) . ثمَّ إِنَّمَا قيدنَا اقْتِصَار الحكم على الْفَاعِل بقولنَا: " إِذا كَانَ عَاقِلا بَالغا " لِأَنَّهُ إِذا لم يكن كَذَلِك، بِأَن كَانَ غير عَاقل، أَو كَانَ صَبيا فَإِن الْفِعْل يُضَاف إِلَيْهِ وَيضمن المَال الَّذِي أتْلفه ودية الْعُضْو وَالنَّفس، لِأَن المحجورين يضمنُون الضَّرَر الَّذِي نَشأ من فعلهم (ر: الْمَادَّة / 960) وَلَكِن لَا يقْتَصر الضَّمَان عَلَيْهِ، بل يرجع بِمَا ضمنه على آمره إِذا كَانَ أمره مُعْتَبرا بِأَن كَانَ عَاقِلا بَالغا، أما إِذا كَانَ صَغِيرا أَو غير عَاقل فَلَا يرجع عَلَيْهِ (ر: الدّرّ، آخر الْغَصْب) . وَقَيَّدنَا أَيْضا اقْتِصَار الحكم على الْفَاعِل بقولنَا: " وَلم يَصح أَمر الْآمِر فِي زَعمه " لِأَنَّهُ لَو صَحَّ فِي زَعمه فَإِنَّهُ يرجع عَلَيْهِ بِمَا ضمن وَإِن كَانَ الْأَمر غير صَحِيح فِي الْوَاقِع (ر: رِسَالَة مَحْمُود أَفَنْدِي حَمْزَة الْمُسَمَّاة ب: التَّحْرِير فِي ضَمَان الْآمِر والمأمور والأجير، نقلا عَن الْعِنَايَة. طبعت تِلْكَ الرسَالَة فِي دمشق _ الشَّام 1303 هـ) . وَفِي الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته (من آخر الْغَصْب) : وَإِذا أمره بِحَفر بَاب فِي حَائِط الْغَيْر غرم الْحَافِر وَرجع على الْآمِر (أشباه) وَهَذَا فِيمَا إِذا قَالَ: احْفِرْ لي، أَو قَالَ احْفِرْ فِي حائطي، أَو كَانَ سَاكِنا فِي تِلْكَ الدَّار، أَو اسْتَأْجرهُ على ذَلِك، لِأَن ذَلِك كُله من عَلَامَات الْملك، وَإِلَّا فَلَا يرجع، لِأَن الْأَمر لم يَصح بزعم الْمَأْمُور. انْتهى. وَمِمَّا صَحَّ فِيهِ أَمر الْآمِر فِي زعم الْمَأْمُور مَا ذكره فِي رد الْمُحْتَار، عَن الْهِنْدِيَّة، عقب مَا تقدم من أَنه لَو أَمر غَيره أَن يذبح لَهُ هَذِه الشَّاة وَكَانَت لجاره ضمن الذَّابِح علم أَو لَا. لَكِن إِذا علم لَا يكون لَهُ حق الرُّجُوع، وَإِلَّا رَجَعَ. انْتهى. لِأَن تَعْبِيره بقوله: " يذبح لَهُ " يصحح أَمر الْآمِر بزعم الْمَأْمُور، كَمَا علم مِمَّا سبق. وَأفَاد كَلَام الْهِنْدِيَّة أَن عَلَامَات الْملك إِنَّمَا تَنْفَع إِذا لم يعلم الْمَأْمُور أَنه للْغَيْر،، أما إِذا علم فَإِنَّهَا لَا تَنْفَع.

تنبيه

وَمِنْه مَا لَو قَالَ رجل لأهل السُّوق: بَايعُوا ابْني هَذَا فقد أَذِنت لَهُ بِالتِّجَارَة، فَبَايعُوهُ، ثمَّ ظهر أَنه ابْن الْغَيْر، رجعُوا على الرجل (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من بَاب الْمُرَابَحَة وَالتَّوْلِيَة) لِأَن الْأَمر بقوله: بَايعُوا، وَالْإِضَافَة بقوله: ابْني يصححان أَمر الْآمِر فِي زعم الْمَأْمُور ويجعلانه مغروراً من قبل الْآمِر، فَلَا يقْتَصر فعل هَؤُلَاءِ، من الْحفر وَالذّبْح والمبايعة، عَلَيْهِم، بل يرجعُونَ بِمَا تضرروا بِهِ على الْآمِر. وَالتَّقْيِيد بقولنَا: " فَحِينَئِذٍ ينْسب مَا يُمكن نسبته من حكم الْفِعْل إِلَيْهِ " لإِخْرَاج مَا لَا يُمكن نسبته إِلَيْهِ من الْأَحْكَام، لكَونه لَا يصلح أَن يكون الْمُكْره فِيهِ آلَة للمكره، كالتكلم. وَلذَا لَو كره على الْإِعْتَاق ضمن الْمُكْره، لِأَن الْمُكْره فِي حق الْإِتْلَاف يصلح آلَة، لَكِن الْوَلَاء للمكره، لِأَنَّهُ لَا يصلح آلَة فِي حق التَّكَلُّم (ر: رد الْمُحْتَار، من الْإِكْرَاه، عَن الإتقاني) . (تَنْبِيه:) إِنَّمَا يشْتَرط كَون الْآمِر مجبراً لأجل إِضَافَة حكم الْفِعْل إِلَيْهِ إِذا لم يكن أمره للْغَيْر يضمن الْأَمر بِالضَّمَانِ، وَلم يكن أمره لَهُ بِدفع مَال عَنهُ لِقَاء وَاجِب دُنْيَوِيّ عَلَيْهِ يُطَالب بِهِ بِالْحَبْسِ والملازمة، أَو لِقَاء شَيْء يدْخلهُ الْمَأْمُور فِي ملك الْآمِر بِوَاسِطَة امتثاله أمره أَو لِقَاء سَلامَة نفس الْآمِر. أما إِذا كَانَ شَيْء من ذَلِك فَلَا يشْتَرط لإضافة حكم الْفِعْل إِلَيْهِ وَالرُّجُوع عَلَيْهِ كَونه مجبراً، فَلَو أَمر غَيره بِقَضَاء دين عَلَيْهِ مثلا فَفعل رَجَعَ عَلَيْهِ، لِأَن ذَلِك وَاجِب دُنْيَوِيّ على الْآمِر يُطَالب بِهِ بِالْحَبْسِ والملازمة. وَكَذَا لَو أمره بِالْإِنْفَاقِ على نَفسه أَو على بِنَاء دَاره فَفعل، رَجَعَ عَلَيْهِ فِي جَمِيع ذَلِك، لِأَن مَا أنفقهُ الْمَأْمُور كَانَ لِقَاء مَا أدخلهُ بِوَاسِطَة إِنْفَاقه فِي ملك الْآمِر من الطَّعَام وَالْكِسْوَة وَالْبناء. وَكَذَا لَو أَمر الْأَسير غَيره بفدائه فَفعل رَجَعَ عَلَيْهِ، لِأَن مَا دَفعه الْمَأْمُور على الْآمِر بِلَا اشْتِرَاط (كَمَا يُسْتَفَاد ذَلِك من الْأَشْبَاه وحواشيه، فِي الْغَصْب وَالْكَفَالَة) . نعم، فِي مَسْأَلَة الْأَسير الْمَذْكُورَة قَولَانِ مصححان صحّح فِي الْخَانِية الرُّجُوع بِلَا اشْتِرَاط وَعَلِيهِ اقْتصر فِي شرح السّير الْكَبِير، وَمَشى فِي الْمُحِيط على عدم

ثالثا المستثنى

الرُّجُوع بِلَا اشْتِرَاط. قَالَ فِي الْعمادِيَّة: وَهُوَ الْأَصَح، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى (ر: رد الْمُحْتَار، قبيل كَفَالَة الرجلَيْن) . (ثَالِثا _ الْمُسْتَثْنى) خرج عَن هَذِه الْقَاعِدَة مَا لَو كَانَ الْمَأْمُور أَجِيرا خَاصّا للْآمِر فَتلف بِعَمَلِهِ شَيْء من غير أَن يُجَاوز الْمُعْتَاد فَالضَّمَان على أستاذه الْآمِر لَهُ، فَلَو تخرق الثَّوْب من دقه، أَو غرقت السَّفِينَة من مده، فَالضَّمَان على أستاذه الْآمِر (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، من ضَمَان الْأَجِير) . وَكَذَا لَو أمره برش المَاء فِي فنَاء دكانه فرش، فَمَا تولد مِنْهُ فضمانه على الْآمِر، وَإِن بِغَيْر أمره فَالضَّمَان على الراش (ر: رد الْمُحْتَار: من آخر الْغَصْب، عَن الْبَزَّازِيَّة) وكما فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ (الْفَصْل / 33 ص 125) فصل فِي مَسْأَلَة مَا لَو أمره برش الطَّرِيق: بَين تلف الدَّابَّة فَيضمن مُطلقًا، وَبَين تلف الْآدَمِيّ فَيضمن إِذا رش كل الطَّرِيق وَلم يتْرك ممراً. انْتهى. (تَنْبِيه آخر:) إِن دَعْوَى الضَّمَان تكون على الْمُبَاشر لَا غير، صَحَّ الْأَمر أَو لم يَصح، فَإِن صَحَّ الْأَمر رَجَعَ الْمُبَاشر على الْآمِر، وَإِن لم يَصح فَلَا رُجُوع (ر: رِسَالَة مَحْمُود أَفَنْدِي حَمْزَة، عَن الذَّخِيرَة) . (تَنْبِيه آخر:) الظَّاهِر أَن إِضَافَة الْفِعْل للْفَاعِل لَا للْآمِر إِنَّمَا تكون فِي فعل ظهر فِيهِ تعد على الْغَيْر مُوجب للضَّمَان، فَلَو لم يكن فِيهِ شَيْء من هَذَا فَإِن الْفِعْل يُضَاف حِينَئِذٍ للْآمِر إِذا كَانَ الْفِعْل يقبل الِاسْتِنَابَة، بِدَلِيل مَا نَص عَلَيْهِ فِي الدُّرَر والدر الْمُخْتَار وَغَيرهمَا (من الْأَيْمَان) من أَنه لَو حلف بِطَلَاق زَوجته أَن لَا يدْخل دَار فلَان، فَأمر غَيره فَحَمله وَأدْخلهُ حنث. وبدليل مَا نصوا عَلَيْهِ من حنث من حلف بِطَلَاق زَوجته أَن لَا يفعل الْأَمر الْفُلَانِيّ، فَأمر غَيره بِفِعْلِهِ فَفعله. إِلَّا مَا استثنوه من الْمسَائِل السَّبع الَّتِي لَا يلْزم الْمُوكل إضافتها إِلَى مُوكله، أَو الَّتِي لَا ولَايَة للْآمِر فِيهَا، كضرب ابْنه الْكَبِير (ر: مَا تقدم من ذَلِك فِي الْكَلَام على الْمَادَّة الثَّانِيَة عشرَة نثراً ونظماً) .

القاعدة التاسعة والثمانون

(الْقَاعِدَة التَّاسِعَة وَالثَّمَانُونَ (الْمَادَّة / 90)) (" إِذا اجْتمع الْمُبَاشر والمتسبب يُضَاف الحكم إِلَى الْمُبَاشر ") (أَولا _ الشَّرْح) " إِذا اجْتمع الْمُبَاشر " للْفِعْل، أَي الْفَاعِل لَهُ بِالذَّاتِ " والمتسبب " لَهُ، أَي المفضي والموصل إِلَى وُقُوعه " يُضَاف الحكم إِلَى الْمُبَاشر " لما تقدم فِي الْمَادَّة السَّابِقَة، من أَن الْفَاعِل هُوَ الْعلَّة المؤثرة، وَالْأَصْل فِي الْأَحْكَام أَن تُضَاف إِلَى عللها المؤثرة لَا إِلَى أَسبَابهَا الموصلة، لِأَن تِلْكَ أقوى وَأقرب، إِذْ المتسبب هُوَ الَّذِي تخَلّل بَين فعله والأثر الْمُتَرَتب عَلَيْهِ، من تلف أَو غَيره، فعل فَاعل مُخْتَار، والمباشر هُوَ الَّذِي يحصل الْأَثر بِفِعْلِهِ من غير أَن يَتَخَلَّل بَينهمَا فعل فَاعل مُخْتَار، فَكَانَ أقرب لإضافة الحكم إِلَيْهِ من المتسبب. قَالَ الرَّمْلِيّ فِي حَاشِيَته على جَامع الْفُصُولَيْنِ (فِي الْفَصْل / 33 صفحة 124) : إِذا اجْتمع الْمُبَاشر والمتسبب فالمباشر مقدم، كالعلة وَعلة الْعلَّة، وَالْحكم يُضَاف إِلَى الْعلَّة لَا إِلَى عِلّة الْعلَّة. (ثَانِيًا _ التطبيق) مثلا لَو حفر رجل بِئْرا فِي الطَّرِيق الْعَام بِلَا إِذن ولي الْأَمر، فَألْقى أحد حَيَوَان شخص فِي تِلْكَ الْبِئْر، ضمن الَّذِي ألْقى الْحَيَوَان، لِأَنَّهُ الْعلَّة المؤثرة وَلم يَتَخَلَّل بَين فعله والتلف فعل فَاعل مُخْتَار، دون حافر الْبِئْر، لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ فعله مفضياً وموصلاً إِلَى التّلف، إِلَّا أَن التّلف لم يحصل بِفِعْلِهِ، بل تخَلّل بَين فعله والتلف فعل فَاعل مُخْتَار، وَهُوَ مبَاشر الْإِلْقَاء بِلَا وَاسِطَة، فَكَانَ الضَّمَان عَلَيْهِ. حَتَّى لَو لم يَتَخَلَّل بَين فعله والتلف فعل فَاعل مُخْتَار بِأَن تدهور فِيهِ الْحَيَوَان بِلَا صنع أحد ضمن الْحَافِر إِذا كَانَ مُتَعَدِّيا بِأَن كَانَ حفره بِغَيْر إِذن ولي

تنبيه

الْأَمر (ر: الْمَادَّة / 922 و 924 و 925) . وَيتَفَرَّع على الْقَاعِدَة مَا لَو دلّ سَارِقا على مَال إِنْسَان فسرقه أَو دلّ آخر على الْقَتْل أَو قطع الطَّرِيق، فَفعل فَلَا ضَمَان على الدَّال بل على السَّارِق وَالْقَاتِل وقاطع الطَّرِيق لِأَنَّهُ الْمُبَاشر. وَكَذَا لَو دفع سكيناً إِلَى صبي مُمَيّز ليمسكه لَهُ فَقتل الصَّبِي بِهِ نَفسه، فَلَا ضَمَان على الدَّافِع المتسبب، لِأَنَّهُ تخَلّل بَين فعله والتلف فعل فَاعل مُخْتَار، وَهُوَ الصَّبِي، لِأَنَّهُ ضرب نَفسه بِاخْتِيَار (ر: الْمرْآة) فَلَو لم يحصل التّلف بِاخْتِيَارِهِ بِأَن وَقع السكين من يَد الصَّبِي عَلَيْهِ فجرحه ضمن الدَّافِع (ر: الْأَشْبَاه) . (تَنْبِيه:) إِنَّمَا يجب الضَّمَان على الْمُبَاشر وَحده دون المتسبب إِذا كَانَ السَّبَب لَا يعْمل فِي الْإِتْلَاف إِذا انْفَرد عَن الْمُبَاشرَة، كحفر الْبِئْر، فَإِنَّهُ بِانْفِرَادِهِ لَا يُوجب التّلف مَا لم يُوجد الدّفع الَّذِي هُوَ الْمُبَاشرَة، وَإِن كَانَ لَوْلَا الْحفر لَا يتْلف بِالدفع. أما إِذا كَانَ السَّبَب يعْمل فِي الْإِتْلَاف إِذا انْفَرد عَن الْمُبَاشرَة، كالسوق مَعَ الرّكُوب، فَإِن الْمُبَاشر والمتسبب يَشْتَرِكَانِ حِينَئِذٍ فِي ضَمَان مَا تتلفه الدَّابَّة، لِأَن السَّائِق وَإِن كَانَ متسبباً والراكب وَإِن كَانَ مباشراً فَإِن السَّبَب هَا هُنَا، وَهُوَ السُّوق، يعْمل فِي الْإِتْلَاف إِذا انْفَرد عَن الرّكُوب فيضمنان بِالسَّوِيَّةِ (ر: رد الْمُحْتَار من جِنَايَة الْبَهِيمَة) . (ثَالِثا _ الْمُسْتَثْنى) خرج عَن هَذِه الْقَاعِدَة الْمَسْأَلَة التالية: لَو دلّ الْمُودع نَفسه السَّارِق على الْوَدِيعَة فسرقها، فَإِنَّهُ يضمن لترك الْحِفْظ، إِلَّا إِذا مَنعه حِين الْأَخْذ فَأَخذهَا كرها فَلَا يضمن. بِخِلَاف وَارِث الْمُودع إِذا دلّ السَّارِق عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا يضمن لِأَنَّهَا فِي يَده أَمَانَة مَحْضَة لم يلْتَزم الْحِفْظ فِيهَا. وَيظْهر أَن مثله مَا لَو أَلْقَت الرّيح ثوب الْجَار فِي دَاره، فَدلَّ السَّارِق عَلَيْهِ، لتصريحهم بِأَنَّهُ أَمَانَة مَحْضَة لَا الْتِزَام للْحِفْظ فِيهَا.

القاعدة التسعون

(الْقَاعِدَة التِّسْعُونَ (الْمَادَّة / 91)) (" الْجَوَاز الشَّرْعِيّ يُنَافِي الضَّمَان ") (أَولا _ الشَّرْح) " الْجَوَاز الشَّرْعِيّ " وَهُوَ كَون الْأَمر مُبَاحا، فعلا كَانَ أَو تركا " يُنَافِي الضَّمَان " لما حصل بذلك الْأَمر الْجَائِز من التّلف. وَلَكِن بِشَرْط: _ أَن لَا يكون ذَلِك الْأَمر الْجَائِز مُقَيّدا بِشَرْط السَّلامَة. - وَأَن لَا يكون عبارَة عَن إِتْلَاف مَال الْغَيْر لأجل نَفسه، وَذَلِكَ لِأَن الضَّمَان يَسْتَدْعِي سبق التَّعَدِّي، وَالْجَوَاز الشَّرْعِيّ يَأْبَى وجوده، فتنافيا. (ثَانِيًا _ التطبيق) أما إِذا كَانَ الْأَمر الْمُبَاح فعلا فَهُوَ مَا أفادته الْمَادَّة بقولِهَا: مثلا لَو حفر إِنْسَان بِئْرا فِي ملكه الْخَاص بِهِ أَو فِي طَرِيق الْعَامَّة وَلَكِن بِإِذن ولي الْأَمر، فَوَقع فِيهَا حَيَوَان رجل، أَو وَقع فِيهَا إِنْسَان فَهَلَك، لَا يضمن حافر الْبِئْر شَيْئا. وَكَذَا لَو خَالف فِي حفظ الْوَدِيعَة أَو اسْتِعْمَال الْمَأْجُور إِلَى مَا هُوَ مساوٍ كَمَا إِذا قَالَ: احفظها فِي الْبَيْت الْفُلَانِيّ من دَارك فحفظها فِي بَيت آخر مثله فِيهَا. أَو اسْتَأْجر الدَّابَّة ليحملها كراً معينا من حِنْطَة مثلا فحملها كراً من حِنْطَة أُخْرَى. أَو خَالف إِلَى مَا هُوَ خير، كَمَا إِذا حفظ الْوَدِيعَة فِي بَيت أحصن من الَّذِي

عينه لَهُ الْمُودع، أَو اسْتَأْجر الدَّابَّة ليحملها كرّ حِنْطَة فحملها كرّ شعير أَو سمسم، فَتلفت الْوَدِيعَة أَو الْعين الْمُسْتَأْجرَة فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي شَيْء من ذَلِك (ر: الْموَاد / 605، 784، 924 من الْمجلة والمرآة) . وَكَذَا لَو أَخذ الْوَكِيل بِالْبيعِ رهنا بِثمن مَا بَاعه فَهَلَك الرَّهْن لَا يضمن للْمُوكل وَسقط الدّين عَن المُشْتَرِي إِذا كَانَ مثل الثّمن (ر: الْمَادَّة / 1500 وَشَرحهَا من الْمرْآة) . وَكَذَا لَو حبس الْأَجِير الْعين الَّتِي لعمله فِيهَا أثر لأجل الْأُجْرَة فَهَلَكت فِي يَده لَا يضمن الْعين وَسقط الْأجر لهلاكها قبل التَّسْلِيم للْمُسْتَأْجر. وَكَذَا لَو فسخت الْإِجَارَة فحبس الْمُسْتَأْجر الْعين المأجورة لقبض مَا كَانَ عجله من الْأُجْرَة فَهَلَكت الْعين فِي يَده لَا يضمن وَلَا يسْقط مَا عجله (ر: التَّنْوِير من الْإِجَارَة) . وَكَذَا لَو أنْفق الْمُلْتَقط بِأَمْر القَاضِي ليرْجع بِمَا أنْفق على صَاحبهَا، ثمَّ طلبَهَا رَبهَا فَمنعهَا مِنْهُ ليَأْخُذ النَّفَقَة فَهَلَكت بعد مَنعه لَا يضمن وَلَا تسْقط النَّفَقَة على الْمُعْتَمد، وَذَلِكَ لِأَن كل مَا ذكر من الْأَعْمَال جَائِز، وَالْجَوَاز الشَّرْعِيّ يُنَافِي الضَّمَان. وَأما إِذا كَانَ الْأَمر الْمُبَاح تركا فَكَمَا إِذا امْتنع الْوَكِيل بِالْبيعِ أَو الشِّرَاء عَن فعل مَا وكل بِهِ حَتَّى هلك فِي يَده الْمَبِيع أَو الثّمن. أَو امْتنع الْمضَارب عَن الْعَمَل فِي رَأس مَال الْمُضَاربَة بعد أَن قَبضه حَتَّى هلك فِي يَده، أَو أخر إِنْسَان عِنْده المَال الْمَدْفُوع إِلَيْهِ ليوصله إِلَى آخر، أَو ليقضي بِهِ دين الدَّافِع حَتَّى هلك عِنْده فَإِنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِم، لِأَن امْتنَاع من ذكر جَائِز، وَالْجَوَاز يُنَافِي الضَّمَان. ثمَّ إِنَّمَا شرطنا لعدم الضَّمَان أَن لَا يكون الْفِعْل الْجَائِز مُقَيّدا بِشَرْط السَّلامَة، وَأَن لَا يكون عبارَة عَن إِتْلَاف مَال الْغَيْر لأجل نَفسه، ليخرج مَا لَو تلف بمروره بِالطَّرِيقِ الْعَام شَيْء، أَو أتلفت دَابَّته بِالطَّرِيقِ الْعَام شَيْئا بِيَدِهَا أَو فمها، وَهُوَ راكبها أَو سائقها أَو قائدها، فَيضمن. لِأَن مروره ذَلِك وَإِن كَانَ مُبَاحا لكنه مُقَيّد بِشَرْط السَّلامَة (ر: الْمَادَّة / 926، 923، 933 من الْمجلة) .

وليخرج الْمُضْطَر لأكل طَعَام الْغَيْر فَإِنَّهُ يضمن قِيمَته (ر: مَا تقدم فِي الْمَادَّة / 33) . وليخرج مَا لَو هدم دَار جَاره وَقت الحرق لمنع سريان الْحَرِيق بِغَيْر إِذن ولي الْأَمر وَبِغير إِذن صَاحبهَا، فَإِنَّهُ يجوز لَهُ ذَلِك وَيضمن قيمتهَا معرضة للحريق (ر: الْمَادَّة / 919 من الْمجلة والمرآة) لِأَنَّهُ فعل ذَلِك الْهدم لأجل نَفسه. ثمَّ إِن مَفْهُوم الْقَاعِدَة أَن عدم الْجَوَاز الشَّرْعِيّ لَا يُنَافِي الضَّمَان وَلَا يأباه، وَلَكِن هَل يستلزمه أَو لَا يستلزمه؟ مَحل نظر. وَقد صرح فِي رد الْمُحْتَار (أَوَائِل اللّقطَة) بِأَن الْإِثْم لَا يسْتَلْزم الضَّمَان، وَقَالَ: وَاسْتدلَّ لَهُ فِي الْبَحْر بِمَا قَالُوا: لَو منع الْمَالِك عَن أَمْوَاله حَتَّى هَلَكت يَأْثَم وَلَا يضمن. أَقُول: وَيدل لَهُ أَيْضا مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْإِكْرَاه من أَنه لَو أكره بملجئ على قتل الْغَيْر أَو قطع عضوه لَا يحل لَهُ الْإِقْدَام. فَلَو فعل فالقصاص على الْمُكْره (بِالْكَسْرِ) وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا مَا لَو دلّ وَارِث الْمُودع السَّارِق على الْوَدِيعَة فسرقها، فَإِنَّهُ لَا يضمن (كَمَا تقدم فِي الْكَلَام على الْمَادَّة السَّابِقَة) . وكما لَو قصر الْمُتَوَلِي فِي مُطَالبَة الْمُسْتَأْجر بِالْأُجْرَةِ حَتَّى اجْتمع عَلَيْهِ مَال كثير فهرب لَا يضمن (ر: الْفَتَاوَى الانقروية، من الْوَقْف، الْبَاب الثَّامِن) . وَكَذَا لَو قصر الْمُتَوَلِي فِي رفع الْمُسْتَأْجر للْحَاكِم لإبلاغ الْأُجْرَة إِلَى أجر الْمثل إِذا كَانَ الْمُسْتَأْجر مُمْتَنعا عَن دَفعهَا، مَعَ قدرته على رَفعه، لَا يضمن (ر: الْأَشْبَاه، من الْوَقْف) . وكما لَو أودع اثْنَان مثلِيا عِنْد آخر لم يجز لَهُ أَن يدْفع لأَحَدهمَا حِصَّة مِنْهُ بغيبة الآخر، وَلَو دفع لَا يضمن اسْتِحْسَانًا، وَرجحه فِي الْبَحْر، وَاخْتَارَ النَّسَفِيّ والمحبوبي الضَّمَان (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من الْوَدِيعَة) . وكما لَو سعى بِبَرِيءٍ إِلَى ظَالِم قد يغرم وَقد لَا يغرم. فَكل مَا ذكر من هَذِه الْأَعْمَال غير جَائِز شرعا وَلم يوجبوا بِهِ ضمانا.

ثالثا المستثنى

وكما لَو وجد اللّقطَة، وَقد أَمن من نَفسه تَعْرِيفهَا، وَكَانَت بمعرض الضّيَاع، فَلم يعرفهَا، فَإِنَّهُ يَأْثَم وَلَا يضمن لَو ضَاعَت على الْمُعْتَمد (ر: الدّرّ وحاشيته، من اللّقطَة) . (ثَالِثا _ الْمُسْتَثْنى) خرج عَن الْقَاعِدَة مسَائِل: مِنْهَا: أَن الْوَكِيل بِالشِّرَاءِ لَهُ حبس الْمَبِيع عَن مُوكله، حَتَّى يقبض مِنْهُ الثّمن، وَلَكِن لَو هلك الْمَبِيع فِي يَده، وَالْحَالة هَذِه، يلْزم الْوَكِيل الثّمن. (ر: الْمَادَّة / 1492) . وَمِنْهَا: مَا لَو استغل أحد الشَّرِيكَيْنِ فِي الْكَرم أثماره وباعها حِين غيبَة شَرِيكه فَإِن عمله هَذَا جَائِز، وَلَكِن إِذا حضر شَرِيكه فَهُوَ مُخَيّر بَين أَن يُجِيز البيع وَيَأْخُذ الثّمن وَبَين أَن يضمنهُ حِصَّته (ر: الْمَادَّة / 1086) . وَمِنْهَا: مَا لَو مَاتَ رَفِيقه فِي السّفر وَلَا قَاضِي، فَلهُ بيع أمتعته وَحفظ ثمنهَا لوَرثَته، وَالْوَرَثَة بِالْخِيَارِ بَين أَن يجيزوا البيع ويأخذوا الثّمن، أَو يَأْخُذُوا مَا وجدوا ويضمنوا مَا لم يَجدوا. وَمِنْهَا: مَا لَو تصدق الْمُلْتَقط باللقطة بعد تَعْرِيفهَا زَمنا كَافِيا ثمَّ جَاءَ صَاحبهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَين أَن يُجِيز تصدقه أَو يضمنهُ (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، من اللّقطَة) . وَمِنْهَا: مَا جَاءَ فِي الْمَادَّة / 919 من الْمجلة والمرآة، وقدمناه فِي الْكَلَام على الْمَادَّة / 26 من أَنه وَقع حريق فِي محلّة فهدم رجل بَيت جَاره لمنع سريان الْحَرِيق بِلَا إِذن الْجَار أَو ولي الْأَمر، ثمَّ انْقَطع الْحَرِيق ضمن قيمتهَا وَهِي فِي حَالَة الْحَرِيق لَا كَامِلَة، وَلَا يكون آثِما فِي فعله على كل حَال.

القاعدة الحادية والتسعون

(الْقَاعِدَة الْحَادِيَة وَالتِّسْعُونَ (الْمَادَّة / 92)) (" الْمُبَاشر ضَامِن وَإِن لم يتَعَمَّد ") (أَولا _ الشَّرْح) " الْمُبَاشر " للْفِعْل، وَقد تقدم بَيَانه فِي الْقَاعِدَة / 89 / " ضَامِن " لما تلف بِفِعْلِهِ إِذا كَانَ مُتَعَدِّيا فِيهِ، وَيَكْفِي لكَونه مُتَعَدِّيا أَن يتَّصل فعله فِي غير ملكه بِمَا لَا مسوغ لَهُ فِيهِ سَوَاء كَانَ نفس الْفِعْل سائغاً، كَمَا فِي الْفُرُوع الْآتِيَة، أَو غير سَائِغ كَمَا لَو أَرَادَ ضرب مَعْصُوم فَأصَاب آخر نَظِيره، وأمثال ذَلِك كَثِيرَة، فَيضمن حينئذٍ " وَإِن لم يتَعَمَّد " الْإِتْلَاف، لِأَن الْخَطَأ يرفع عَنهُ إِثْم مُبَاشرَة الْإِتْلَاف وَلَا يرفع عَنهُ ضَمَان الْمُتْلف بعد أَن كَانَ مُتَعَدِّيا، وَلِأَن الْمُبَاشرَة عِلّة صَالِحَة وَسبب مُسْتَقل للإتلاف، فَلَا يصلح عدم التعمد أَن يكون عذرا مسْقطًا للْحكم، وَهُوَ الضَّمَان عَن الْمُبَاشر الْمُتَعَدِّي. (ثَانِيًا _ التطبيق) يتَفَرَّع على هَذِه الْمَادَّة: مَا لَو زلق إِنْسَان فَوَقع على مَال آخر فأتلفه، أَو أتلف إِنْسَان مَال غَيره يَظُنّهُ مَال نَفسه فَإِنَّهُ يضمن فِي الصُّورَتَيْنِ (ر: الْمَادَّتَيْنِ 913 و 914 من الْمجلة) . وَمَا لَو سقط من ظهر الْحمال شَيْء فأتلف مَال أحد ضمن الْحمال. وَكَذَا لَو طرق الْحداد الحديدة المحماة فطار شررها فَأحرق ثوب إِنْسَان مار فِي الطَّرِيق ضمنه الْحداد (ر: الْمَادَّة / 926) .

تنبيه

وَمَا لَو انْقَلب النَّائِم أَو الصَّغِير، وَلَوْلَا يعقل أصلا، على مالٍ لغيره فأتلفه، أَو شخص فَقتله، فَإِنَّهُ يضمن. وكل هَذِه الْأَفْعَال لَا تُوصَف بالحظر. وَقد حكم على فاعليها بِالضَّمَانِ بِمَا اتَّصَلت بِهِ مِمَّا مسوغ لَهُ. (تَنْبِيه:) إِنَّمَا قيدنَا ضَمَان الْمُبَاشر بِمَا إِذا كَانَ مُتَعَدِّيا ليخرج مَا عساه يدْخل تَحت الْمَادَّة لَوْلَا الْقَيْد الْمَذْكُور، وَلَيْسَ بداخل لعدم مساعدة الْإِيجَاب الشَّرْعِيّ دُخُوله. وَذَلِكَ كَمَا لَو قتل الْإِنْسَان من جَاءَ ليَقْتُلهُ أَو ليَأْخُذ مَاله، وَكَانَ لَا يُمكن دَفعه إِلَّا بِالْقَتْلِ، فَإِنَّهُ لَا يضمن مَعَ أَنه مبَاشر للْفِعْل، وَذَلِكَ لكَونه غير مُتَعَدٍّ وَله فِيهِ مسوغ. وَلَوْلَا الْقَيْد الْمَذْكُور لَكَانَ الفرعان وَمَا شاكلهما داخلين فِي جملَة الْمَضْمُون وَلَيْسَ بِذَاكَ. وَإِنَّمَا قيدنَا فِي بَيَان مَا يَكْفِي لكَونه مُتَعَدِّيا بقولنَا: " فِي غير ملكه " ليخرج مَا لَو كَانَ فعله فِي ملكه وَلَكِن اتَّصل بِهِ مسوغ لَهُ. كَمَا لَو حفر فِي ملكه أَو سقى أرضه سقيا مُعْتَادا فَتلف بحفره أَو سقيه هَذَا شَيْء، فَإِنَّهُ لَا يضمنهُ، لكَونه فِي ملكه وَلم يتَجَاوَز. وَلَوْلَا الْقَيْد الْمَذْكُور لدخل الفرعان تَحت التَّعَدِّي، وليسا من التَّعَدِّي فِي شَيْء! .

القاعدة الثانية والتسعون

(الْقَاعِدَة الثَّانِيَة وَالتِّسْعُونَ (الْمَادَّة / 93)) (" المتسبب لَا يضمن إِلَّا بالتعمد ") (أَولا _ الشَّرْح) " المتسبب " للضَّرَر، وَهُوَ فَاعل مَا يُفْضِي ويوصل إِلَيْهِ " لَا يضمن " مَا أفْضى إِلَيْهِ عمله من الضَّرَر، لِأَنَّهُ بِانْفِرَادِهِ لَا يصلح عِلّة مُسْتَقلَّة للإتلاف " إِلَّا " إِذا كَانَ مُتَعَدِّيا (ر: الْمَادَّة / 924) . وَيَكْفِي فِي كَونه مُتَعَدِّيا أَن يتَّصل فعله فِي غير ملكه بِمَا لَا مسوغ لَهُ، كَمَا تقدم فِي الْمَادَّة السَّابِقَة، وَكَانَ فعله مَقْرُونا " بالتعمد " لِأَن الحكم لَا يُضَاف إِلَى السَّبَب الصَّالح إِلَّا بِالْقَصْدِ (ر: رد الْمُحْتَار، من متفرقات الْبيُوع عِنْد قَول الْمَتْن: " لَو فرخ طير أَو باض "، نقلا عَن الْبَحْر) . يَعْنِي بالتعمد: أَن يقْصد بِالْفِعْلِ الْأَثر الْمُتَرَتب عَلَيْهِ. وَلَا يشْتَرط أَن يقْصد أَيْضا مَا يَتَرَتَّب على ذَلِك الْأَثر. مثلا: لَو رمى بالبندقية فخافت الدَّابَّة فندت وأتلفت شَيْئا فَإِنَّهُ يشْتَرط لصيرورته ضَامِنا أَن يكون قصد الإخافة فَقَط (ر: الْمَادَّة / 923) . وَلَا يشْتَرط لصيرورته ضَامِنا أَكثر من ذَلِك بِأَن يكون قصد الإخافة لأجل الْإِتْلَاف، كَمَا أَنه يَكْفِي لتضمينه بسوقها أَن يكون قصد بِالسوقِ أَثَره الْمُتَرَتب عَلَيْهِ وَهُوَ سَيرهَا، وَلَا يشْتَرط أَن يكون قصد سَيرهَا لتتلف. (ثَانِيًا _ التطبيق) فَلَو دفع السكين إِلَى صبي فَوَقَعت من يَده فجرحته، أَو حفر فِي غير مَا لَهُ

تنبيه

حق الْحفر فِيهِ فتدهور فِي حفرته حَيَوَان فَهَلَك، أَو سقى أرضه سقيا غير مُعْتَاد فأضر بجاره، ضمن فِي الصُّور كلهَا لتعديه وتعمده. وَكَذَا مَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ (الْفَصْل / 33 صفحة 122) من أَنه لَو قعد إِنْسَان فِي الطَّرِيق للْبيع بِغَيْر إِذن ولي الْأَمر فَتلف بقعوده شَيْء يضمنهُ، أما لَو كَانَ قعوده بِإِذن ولي الْأَمر فَإِنَّهُ لَا يضمن. فَلَو لم يَتَعَدَّ أصلا، كَمَا لَو حفر فِي مَحل لَهُ حق الْحفر فِيهِ، أَو سقى سقيا مُعْتَادا فَتلف بِعَمَلِهِ شَيْء، أَو تعدى وَلَكِن لم يتَعَمَّد، كَمَا لَو رمى بالبندقية وَلم يقْصد إخافة الدَّابَّة وَلَكِن حصل خوفها أَو سَاق دَابَّة مَخْصُوصَة فانساقت أُخْرَى بجانبها وأتلفت، لَا يضمن فِي الْكل، لعدم التَّعَدِّي أَو لعدم التعمد. (تَنْبِيه:) يشْتَرط لتضمينه فِي صُورَة مَا إِذا حفر فِي ملك غَيره فتدهور فِي حفرته حَيَوَان فَهَلَك أَن لَا يكون الْمَالِك قد تقدم مِنْهُ رضَا بِالْحفرِ قبل أَن يَقع الْحَيَوَان فِي الحفرة، فَإِن كَانَ قد تقدم مِنْهُ الرِّضَا يسْقط الضَّمَان (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل / 33 صفحة / 126، وَسَيَأْتِي مفصلا فِي الْمَادَّة / 96) .

القاعدة الثالثة والتسعون

(الْقَاعِدَة الثَّالِثَة وَالتِّسْعُونَ (الْمَادَّة / 94)) (" جِنَايَة العجماء جَبَّار ") (أَولا _ الشَّرْح) " جِنَايَة العجماء " أَي مَا تَفْعَلهُ الْبَهِيمَة من الْإِضْرَار بِالنَّفسِ أَو بِالْمَالِ " جَبَّار " أَي هدر وباطل لَا حكم لَهُ، إِذا لم يكن منبعثاً عَن فعل فَاعل مُخْتَار، كسائق أَو قَائِد أَو رَاكب أَو ضَارب أَو ناخس أَو فَاعل للإخافة. أما إِذا كَانَ منبعثاً عَن فعل فَاعل مُخْتَار فقد جَاءَ تَفْصِيل أَحْكَامه فِي (الْفَصْل الرَّابِع من الْبَاب الثَّانِي من كتاب الْغَصْب، من الْمجلة الْمَادَّة 929 وَمَا بعْدهَا) . ثمَّ إِن الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة مَأْخُوذَة من حَدِيث شرِيف صَحِيح رَوَاهُ مَالك وَأحمد فِي مُسْنده وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن عَمْرو بن عَوْف رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِلَفْظ: " العجماء جرحها جَبَّار ". (ثَانِيًا _ التطبيق) مِمَّا يتَفَرَّع على هَذِه الْمَادَّة: مَا لَو كَانَ رَاكب الدَّابَّة يسير فِي ملكه فنفحت برجلها أَو بذنبها أَو كدمت بفمها أَو ضربت بِيَدِهَا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ (ر: مَا يَأْتِي فِي الْمَادَّة / 930) . بِخِلَاف مَا لَو داست شَيْئا وأتلفته فَإِنَّهُ يضمنهُ وَإِن كَانَ يسير فِي ملكه، لِأَنَّهُ جِنَايَته لَا جنايتها.

وَمِنْه: مَا لَو ربط اثْنَان دابتهما فِي مَحل لَهما حق الرَّبْط فِيهِ، فأتلفت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى فَلَا ضَمَان على صَاحبهَا (ر: الْمَادَّة / 939) . وَمِنْه: مَا لَو اغتالت هرة إِنْسَان طائراً لغيره فَلَا ضَمَان على صَاحبهَا (ر: دُرَر الْحُكَّام) . وَلَكِن لَو أتلفت العجماء شَيْئا بِنَفسِهَا وَكَانَ صَاحبهَا يَرَاهَا فَلم يمْنَعهَا ضمن (ر: مَا يَأْتِي فِي الْمَادَّة / 929) وَالظَّاهِر تَقْيِيده بِمَا إِذا كَانَ قَادِرًا على منعهَا.

القاعدة الرابعة والتسعون

(الْقَاعِدَة الرَّابِعَة وَالتِّسْعُونَ (الْمَادَّة / 95)) (" الْأَمر بِالتَّصَرُّفِ فِي ملك الْغَيْر بَاطِل ") (أَولا _ الشَّرْح) " الْأَمر " هُوَ مصدر أَمر " بِالتَّصَرُّفِ فِي ملك الْغَيْر " أَي غير الْآمِر " بَاطِل " أَي لَا حكم لَهُ إِذا كَانَ الْمَأْمُور عَاقِلا بَالغا وَلم يكن الْآمِر مجبراً للْمَأْمُور وَلم يَصح أَمر الْآمِر فِي زعم الْمَأْمُور، وَتَكون الْعهْدَة فِيهِ حينئذٍ على الْمَأْمُور الْمُتَصَرف، لِأَنَّهُ الْعلَّة المؤثرة والآمر سَبَب. وَالْأَصْل الْإِضَافَة إِلَى الْعِلَل المؤثرة لَا إِلَى الْأَسْبَاب المفضية الموصلة (كَمَا تقدم جَمِيعه مُبينًا فِي الْكَلَام على الْمَادَّة / 89) وَلِأَن أَمر الْآمِر إِذا كَانَ كَذَلِك لَا يُجَاوز أَن يكون مشورة، وَهِي غير ملزمة للْمَأْمُور، وَلَا تصلح مُسْتَندا لَهُ لتبرير عمله. ثمَّ لَا يلْزم لأجل بطلَان الْأَمر بِالتَّصَرُّفِ فِي ملك الْغَيْر أَن يكون ملك ذَلِك الْغَيْر قَائِما حِين الْأَمر بل يَكْفِي أَن يكون قَائِما حِين التَّصَرُّف. فَلَو أودع رجلا مَاله وَقَالَ: إِن مت فادفعه لِابْني، فَمَاتَ فَدفعهُ إِلَيْهِ وَله وَارِث غَيره ضمن نصِيبه. وَكَذَا لَو قَالَ: إِن مت فادفعه إِلَى فلَان وَهُوَ غير وَارِث، فَدفعهُ إِلَيْهِ ضمن (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، من آخر الْفَصْل / 28 صفحة / 42 بِبَعْض توضيح) . (ثَانِيًا _ التطبيق) مِمَّا يتَفَرَّع على هَذِه الْقَاعِدَة:

مَا إِذا أخبر أَنه وَصِيّ الْمَيِّت فَلم يضع يَده على التَّرِكَة وَلَكِن أَمر الْمخبر أَن يعْمل بهَا بطرِيق الْمُضَاربَة فَفعل وَضاع المَال، ثمَّ لم تثبت وصايته، فَالَّذِي عمل بِالْمَالِ ضَامِن، لعدم صِحَة أَمر الْآمِر وَعدم نفاذه فِي ملك الْغَيْر. وَلَا يضمن الْآمِر لِأَنَّهُ لم يضع يَده على المَال. انْتهى (من جَامع الْفُصُولَيْنِ، من الْفَصْل والصفحة الْمَذْكُورين، بِبَعْض تصرف) . وَمَا تقدم من الْكَلَام على الْمَادَّة / 89 يُغني عَن الْكَلَام هَا هُنَا، فَلَا حَاجَة لإعادته.

القاعدة الخامسة والتسعون

(الْقَاعِدَة الْخَامِسَة وَالتِّسْعُونَ (الْمَادَّة / 96)) (" لَا يجوز لأحد أَن يتَصَرَّف فِي ملك الْغَيْر بِلَا إِذْنه ") (الشَّرْح، مَعَ التطبيق) " لَا يجوز لأحد " أَي لَا يحل لَهُ وَلَا يَصح مِنْهُ " أَن يتَصَرَّف " تَصرفا فعلياً " فِي ملك الْغَيْر " سَوَاء كَانَ خَاصّا أَو مُشْتَركا " بِلَا إِذْنه " سَابِقًا، أَو إِجَازَته لاحقاً. وَالتَّصَرُّف نَوْعَانِ: فعلي، وَقَوْلِي: أما التَّصَرُّف الْفعْلِيّ فَإِن كَانَ تقدمه إِذن سَابق يحل وَيصِح، لِأَن الْإِذْن السَّابِق تَوْكِيل (ر: الْمَادَّة / 1452) . وَإِلَّا فَلَا يَخْلُو عَن أَن يكون غصبا بِوَضْع الْيَد فَقَط أَو تَصرفا بإحداث فعل ذِي أثر أَو إتلافاً. فَإِن كَانَ غصبا فَهُوَ مَحْظُور مُوجبه رد الْعين ومضمون بالتلف إِلَّا إِذا لحقته إجَازَة الْمَالِك وَكَانَت الْعين الْمَغْصُوبَة قَائِمَة، فَإِنَّهَا بِالْإِجَازَةِ تنْقَلب أَمَانَة (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، فِي الْفَصْل / 33) . وَإِن كَانَ تَصرفا بإحداث فعل ذِي أثر فِي الْعين، كالحفر فِي ملك الْغَيْر بِلَا إِذْنه فَلَيْسَ للْمَالِك أَن يجْبر الْحَافِر على الطم عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف، بل يضمنهُ النُّقْصَان، بِخِلَاف الْحفر فِي سكَّة غير نَافِذَة أَو فِي الطَّرِيق الْعَام، فَإِن الْحَافِر فِيهِ يجْبر على الطم اتِّفَاقًا. ثمَّ إِذا نَشأ عَن حفره هَذَا ضَرَر، كَمَا إِذا وَقع حَيَوَان فِي الحفرة فَتلف يضمنهُ الْحَافِر، لِأَنَّهُ متسبب مُتَعَدٍّ، إِلَّا إِذا كَانَ الْحفر فِي ملك الْغَيْر وَرَضي الْمَالِك بِالْحفرِ قبل وُقُوع الْحَيَوَان فَإِنَّهُ يسْقط الضَّمَان حينئذٍ وَيصير كَأَنَّهُ حفر بِإِذن

الْمَالِك ابْتِدَاء، حَتَّى أَنه لَو أَرَادَ الْحَافِر أَن يطم مَا حفر فَلَيْسَ لَهُ الطم (ر: مَا يُسْتَفَاد من الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ من جَامع الْفُصُولَيْنِ وحاشيته للرملي صفحة 126 و 135) . وَإِن كَانَ إتلافاً فَهُوَ مَضْمُون بِكُل حَال، سَوَاء أجَازه الْمَالِك أَو لَا، لِأَن الْإِجَازَة لَا تلْحق الْإِتْلَاف (ر: الدّرّ وحاشيته، من الْغَصْب) . وَأما التَّصَرُّف القولي فِي ملك الْغَيْر، كَبيع الْفُضُولِيّ وهبته وإجارته وَغَيرهَا، فَإِن أعقبه التَّسْلِيم كَانَ غَاصبا بِالتَّسْلِيمِ وضامناً وعقده مَوْقُوف، فَإِذا لحقته إجَازَة الْمَالِك بشرطها لزم. وَشَرطهَا: بَقَاء الْمَالِك، وَالْعين الْمُتَصَرف فِيهَا، والمتعاقدين. وَيُزَاد فِي البيع: قيام الثّمن لَو غير نقد (ر: رد الْمُحْتَار، من الْفُضُولِيّ) وَيُزَاد فِي الْإِجَارَة: بَقَاء الْمدَّة (ر: الْخَانِية، قبيل إِجَارَة الْوَقْف وَمَال الْيَتِيم) . وَإِن كَانَ التَّصَرُّف قولياً مَحْضا لم يعقبه تَسْلِيم فَهُوَ مَوْقُوف على إجَازَة الْمَالِك بشروطها، وَهُوَ سَائِغ صَحِيح مَعَ توقفه، لِأَن الْمَوْقُوف فِي قسم الصَّحِيح إِلَّا بيع الْمُكْره فَإِنَّهُ مَوْقُوف فَاسد (ر: رد الْمُحْتَار، من البيع الْفَاسِد) وَهَذَا الْقسم الْأَخير لَيْسَ من مَوْضُوع الْقَاعِدَة. هَذَا، وَإِذا تصرف ثمَّ ادّعى أَن تصرفه كَانَ بِالْإِذْنِ وَأنكر الْمَالِك فَالْقَوْل للْمَالِك، إِلَّا فِي الزَّوْج إِذا كَانَ قد تصرف فِي مَال زَوجته حَال حَيَاتهَا ثمَّ اخْتلف مَعَ ورثتها بعد مَوتهَا فَادّعى أَنه كَانَ بِإِذْنِهَا وَأنكر الْوَرَثَة، فَالْقَوْل للزَّوْج (ر: الدّرّ وحاشيته، من الْغَصْب) . ثمَّ الْإِذْن قد يكون صَرِيحًا، وَذَلِكَ ظَاهر. وَقد يكون دلَالَة، وَذَلِكَ كَمَا لَو مَرضت الشَّاة مَعَ الرَّاعِي الْمُسْتَأْجر فِي المرعى مَرضا لَا ترجى حَيَاتهَا مَعَه فذبحها فَإِنَّهُ لَا يضمنهَا، لِأَن ذَلِك مَأْذُون فِيهِ دلَالَة (ر: دُرَر الْحُكَّام) .

تنبيه

وَمثل ذَلِك: ملك الْغَيْر الْوَقْف وَإِن لم يكن مَمْلُوكا. وَمثل إِذن الْمَالِك: إِذن من لَهُ حق الْإِذْن من ولي أَو وَصِيّ أَو وَكيل أَو متول. (تَنْبِيه:) الظَّاهِر أَن مَا ذكره من شُرُوط صِحَة الْإِجَازَة إِنَّمَا هُوَ فِي إجَازَة عقد الْفُضُولِيّ الْمَحْض غير الْمَأْذُون دلَالَة. أما إِذا كَانَ مَأْذُونا دلَالَة فَلَا تشْتَرط هَذِه الشُّرُوط، يدل لذَلِك مَا نقل فِي رد الْمُحْتَار (من اللّقطَة، عِنْد قَول الْمَتْن: " مَاتَ فِي الْبَادِيَة " عَن أدب الأوصياء) من أَنه لَو مَاتَ فِي السّفر فَبَاعَ رفقاؤه تركته وهم فِي مَوضِع لَيْسَ فِيهِ قاضٍ، قَالَ مُحَمَّد: جَازَ بيعهم وَللْمُشْتَرِي الِانْتِفَاع بِمَا اشْتَرَاهُ. ثمَّ الْوَارِث إِن شَاءَ أجَاز البيع وَإِن شَاءَ أَخذ مَا وجد من الْمَتَاع وَضمن مَا لم يجد. فقد صحّح الْإِجَازَة مَعَ هَلَاك الْمَبِيع كَمَا ترى. وَعلله الْمحشِي هُنَاكَ بِكَوْن الْمُتَبَايعين مأذونين هُنَاكَ دلَالَة. وَكَذَا مَا نَقله أَيْضا (فِي أَوَائِل الشّركَة، قبيل قَول الْمَتْن: " وَشركَة عقد " عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ) فِي الْكَرم الْمُشْتَرك إِذا غَابَ أحد الشَّرِيكَيْنِ، من أَن الشَّرِيك الْحَاضِر يقوم عَلَيْهِ، فَإِذا أدْركْت الثَّمَرَة يَبِيعهُ وَيَأْخُذ حِصَّته وَيقف حِصَّة الْغَائِب، فَإِذا قدم الْغَائِب يُجِيز بَيْعه أَو يضمن. انْتهى. وَبِذَلِك جَاءَت الْمَادَّة / 1086 من الْمجلة، فقد صححت الْإِجَازَة مَعَ أَن الْعِنَب من الأثمار الَّتِي لَا تبقى، وَمَا ذَاك إِلَّا لِأَن الْحَاضِر مَأْذُون بِالْبيعِ وَحفظ الثّمن، دلَالَة من شركَة الْغَائِب الَّذِي لَا يرضى أَن تتْرك حِصَّته حَتَّى تتْلف. (ثَالِثا _ الْمُسْتَثْنى) خرج عَن هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل يجوز التَّصَرُّف فِيهَا بِمَال الْغَيْر ديانَة بِلَا إِذْنه: مِنْهَا: أَنه يجوز للْوَلَد وَالْوَالِد شِرَاء مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْأَب أَو الابْن الْمَرِيض بِلَا إِذْنه وَلَا يجوز فِي الْمَتَاع.

وَمِنْهَا: أَنه يجوز للرفقة فِي السّفر إِذا مَاتَ أحدهم أَو مرض أَو أُغمي عَلَيْهِ أَن ينفقوا عَلَيْهِ من مَاله. وَكَذَا لَو أنْفق بعض أهل الْمحلة على مَسْجِد لَا مُتَوَلِّي لَهُ من غَلَّته لحصير وَنَحْوه، أَو أنْفق الْوَرَثَة الْكِبَار على الصغار الَّذين لَا وَصِيّ لَهُم. فَفِي جَمِيع ذَلِك لَا يضمن المنفقون ديانَة، أما فِي الْقَضَاء فهم متطوعون (ر: رد الْمُحْتَار، من الْغَصْب) . وَكَذَا الْمَدْيُون إِذا مَاتَ دائنه وَعَلِيهِ دين لآخر مثله لم يقبضهُ فقضاه الْمَدْيُون، أَو مَاتَ رب الْوَدِيعَة وَعَلِيهِ مثلهَا دين لآخر لم يقضه فقضاه الْمُودع، أَو عرف الْوَصِيّ دينا على الْمَيِّت فقضاه، فَجَمِيع تصرفاتهم هَذِه جَائِزَة ديانَة، وَلَكنهُمْ متطوعون حكما (أَي قَضَاء) (ر: رد الْمُحْتَار، من النَّفَقَة عِنْد قَول الْمَتْن: " ضمن مُودع الابْن لَو أنْفق على أَبَوَيْهِ من غير أَمر قَاض ") . لَكِن فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ (أَوَائِل الْفَصْل الثَّامِن وَالْعِشْرين، صفحة / 35) لَو قضى الْمُودع دين مودعه بالوديعة ضمن فِي الصَّحِيح. انْتهى. وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يُفِيد ضعف القَوْل بِالْجَوَازِ ديانَة فِي خُصُوص الْمُودع، وَاحْتِمَال كَون مُقَابِله قولا بِعَدَمِ الضَّمَان قَضَاء احْتِمَال بعيد! ثمَّ فِي فرع الْوَصِيّ إِذا عرف دينا فقضاه لَو أنكر الْوَرَثَة الدّين فَأَقَامَ الْوَصِيّ بَيِّنَة على الدّين تقبل، وَإِذا عجز عَن الْبَيِّنَة فَلهُ تَحْلِيف الْوَرَثَة (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الْمَذْكُور، صفحة / 36) .

القاعدة السادسة والتسعون

(الْقَاعِدَة السَّادِسَة وَالتِّسْعُونَ (الْمَادَّة / 97)) (" لَا يجوز لأحد أَن يَأْخُذ مَال أحد بِلَا سَبَب شَرْعِي ") (الشَّرْح، مَعَ التطبيق) " لَا يجوز لأحدٍ " مَا، وَلَو والداً أَو ولدا أَو زوجا " أَن يَأْخُذ " جاداً أَو لاعباً " مَال أحدٍ " مَا، وَلَو وَلَده أَو وَالِده أَو زَوجته " بِلَا سَبَب شَرْعِي " يسوغ لَهُ الْأَخْذ. ثمَّ إِذا كَانَ السَّبَب شَرْعِيًّا فِي الظَّاهِر وَلَكِن لم يكن فِي الْوَاقِع وَنَفس الْأَمر حَقِيقِيًّا، كالصلح عَن دَعْوَى كَاذِبَة على بدل، فَإِن بدل ذَلِك الصُّلْح يقْضى لَهُ بِهِ، وَلَكِن لَا يحل لَهُ، وَيجب عَلَيْهِ ديانَة رده إِن أَخذه، وَإِن كَانَ السَّبَب فِي الحكم الظَّاهِر شَرْعِيًّا وَقضى بِهِ القَاضِي، لِأَنَّهُ _ وَالْحَالة هَذِه _ رشوة، أَخذه لِقَاء كف ظلمه وتعديه بِهَذِهِ الدَّعْوَى الكاذبة الَّتِي لَا تسوغ لَهُ أَخذ الْبَدَل فِيمَا بَينه وَبَين ربه سُبْحَانَهُ. فقد روى البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَمَالك وَأحمد فِي مُسْنده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " إِنَّمَا أَنا بشر، وَإِنَّكُمْ تختصمون إِلَيّ، فَلَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض فأقضي لَهُ على نَحْو مَا أسمع، فَمن قضيت لَهُ بِحَق [أَخِيه] فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَة من النَّار فليأخذها أَو ليتركها ". وَكَذَا لَو اعْترف بعد الصُّلْح بِكَوْنِهِ مُبْطلًا فِي الدَّعْوَى وَأَنه لم يكن لَهُ على الْمُدَّعِي شَيْء بَطل الصُّلْح وَيسْتَرد الْمُدعى عَلَيْهِ الْبَدَل (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من الصُّلْح) . ثمَّ إِن السَّبَب الشَّرْعِيّ يكون قَوِيا، وَيكون ضَعِيفا:

فالسبب الْقوي لَا يحْتَاج فِي تَجْوِيز الْأَخْذ إِلَى قَضَاء القَاضِي، وَذَلِكَ هُوَ الْكثير الْغَالِب، كَثمن الْبياعَات، وَمثل الْقَرْض، وَبدل الْمَغْصُوب، وَبدل الْإِجَارَة إِذا صَار دينا فِي الذِّمَّة، كَمَا إِذا شَرط تَعْجِيله أَو مَضَت مرحلة فِي إِجَارَة الدَّابَّة للسَّفر أَو يَوْم للسُّكْنَى أَو فرغ الْأَجِير من الْعَمَل، وَالْمَال الْمَكْفُول بِهِ، وَالْمَال الْمَوْرُوث، وَنَفَقَة الزَّوْجَة وَالْأَوْلَاد والأبوين وأمثال ذَلِك. فَإِن جَمِيع ذَلِك يجوز أَخذه شرعا بِلَا قَضَاء القَاضِي وَإِن لم يرض من عَلَيْهِ الْحق. وَالسَّبَب الضَّعِيف لَا يجوز الْأَخْذ مَعَه بِدُونِ رضَا من عَلَيْهِ الْحق إِلَّا بِقَضَاء القَاضِي. وَذَلِكَ: 1 - كاسترداد الْعين الْمَوْهُوبَة من الْمَوْهُوب لَهُ. 2 - وكنفقة غير الزَّوْجَة وَالْأَوْلَاد والأبوين من الْأَقَارِب. 3 - وكتناول أَوْلَاد الْبَنَات مَعَ أَوْلَاد الْبَنِينَ من غلَّة الْوَقْف على الْأَوْلَاد. 4 - وكأخذ المُشْتَرِي من بَائِعه مَا دَفعه لَهُ من ثمن الْمَبِيع الَّذِي ظهر لَهُ أَنه ملك الْغَيْر. 5 - وكأخذه من البَائِع مَا دَفعه لَهُ من ثمن مَبِيع ظهر بعد الْقَبْض معيبا. 6 - وكأخذ الشَّفِيع الْعقار الْمَبِيع بِالشُّفْعَة. 7 - وكأخذ الدَّائِن دينه من غير جنسه على الْمَرْوِيّ فِي الْمَذْهَب. فَإِن جَوَاز الْأَخْذ فِي جَمِيع ذَلِك مَوْقُوف على قَضَاء القَاضِي بِالرُّجُوعِ بِالْهبةِ فِي الأولى، وبالنفقة فِي الثَّانِيَة، وبدخول أَوْلَاد الْبَنَات فِي الثَّالِثَة، وبالاستحقاق الْمُوجب للرُّجُوع بِالثّمن بِشُرُوطِهِ فِي الرَّابِعَة، وبالرد بِالْعَيْبِ فِي الْخَامِسَة، وبالشفعة فِي السَّادِسَة، وعَلى بيع القَاضِي مَال الْمَدْيُون وصيرورته من جنس الدّين فِي السَّابِعَة. وَلَكِن الْفَتْوَى فِي الْأَخِيرَة على جَوَاز الْأَخْذ فِي زَمَاننَا إِذا ظفر الدَّائِن بِغَيْر جنس حَقه من مَال الْمَدْيُون من غير حَاجَة إِلَى أَن يَبِيعهُ القَاضِي بِجِنْس الدّين، لِكَثْرَة العقوق (ر: رد الْمُحْتَار، من الْحجر، عِنْد قَول الْمَتْن: " وَبَاعَ دنانيره بِدَرَاهِم دينه ") .

القاعدة السابعة والتسعون

(الْقَاعِدَة السَّابِعَة وَالتِّسْعُونَ (الْمَادَّة / 98)) (" تبدل سَبَب الْملك قَائِم مقَام تبدل الذَّات ") (أَولا _ الشَّرْح) " تبدل سَبَب الْملك " أَي علته " قَائِم مقَام تبدل الذَّات " وعامل عمله. وَالْأَصْل فِي ذَلِك مَا ورد صَحِيحا فِي لحم أهدته بَرِيرَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل لَهُ: إِنَّه تصدق بِهِ عَلَيْهَا، فَقَالَ: " هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَة وَلنَا هَدِيَّة " فَأَقَامَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تبدل سَبَب الْملك، من التَّصَدُّق إِلَى الإهداء، فِيمَا هُوَ مَحْظُور عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّدَقَة، مقَام تبدل الْعين. (ثَانِيًا _ التطبيق) وَيتَفَرَّع على ذَلِك نَوَادِر كَثِيرَة: مِنْهَا: مَا لَو اشْترى من آخر عينا، ثمَّ بَاعهَا من غَيره، ثمَّ اشْتَرَاهَا من ذَلِك الْغَيْر، ثمَّ اطلع على عيب قديم فِيهَا كَانَ عِنْد البَائِع الأول، فَلَيْسَ لَهُ أَن يردهَا عَلَيْهِ، لِأَن هَذَا الْملك غير مُسْتَفَاد من جَانِبه (ر: رد الْمُحْتَار، فِي أَوَائِل خِيَار الْعَيْب، عَن الذَّخِيرَة) . بِخِلَاف مَا لَو اشْترى من رجل دَارا وَقَبضهَا، ثمَّ بَاعهَا من غَيره، ثمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ ثَانِيًا، ثمَّ اسْتحقَّت الدَّار من يَد المُشْتَرِي، فَإِن لَهُ أَن يرجع على البَائِع الأول بِالثّمن (ر: ذخيرة الْفَتْوَى، من الْبيُوع، فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين، عَن شمس الْأَئِمَّة الأوز جندي) . وَمِنْهَا: مَا لَو وهب لغيره الْعين الْمَوْهُوبَة لَهُ ثمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ بِسَبَب جَدِيد بِأَن

تنبيه

بَاعهَا مِنْهُ أَو تصدق بهَا عَلَيْهِ، فَأَرَادَ الْوَاهِب أَن يرجع بهبته لَا يملك ذَلِك (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من الرُّجُوع فِي الْهِبَة) . وَلذَلِك لَو بَاعَ عقارا لغيره، وَكَانَ لَهُ شَفِيع، فَسلم الشَّفِيع الشُّفْعَة للْمُشْتَرِي، ثمَّ تقايل البَائِع مَعَ المُشْتَرِي البيع، فَللشَّفِيع أَن يَأْخُذ الْعقار من البَائِع بِالشُّفْعَة حَيْثُ كَانَ عوده إِلَيْهِ بِسَبَب جَدِيد وَهُوَ الْإِقَالَة، لِأَنَّهَا بيع جَدِيد فِي حق ثَالِث، وَالشَّفِيع هُنَا ثالثهما (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من الشُّفْعَة من بَاب مَا تثبت هِيَ فِيهِ) . وَكَذَا لَو اشْتَرَاهُ البَائِع من المُشْتَرِي كَانَ للشَّفِيع أَخذه بِالْأولَى. وَقد فرع شرَّاح الْمجلة هُنَا فروعاً لَا تدخل فِي الْقَاعِدَة فَلم نعرج عَلَيْهَا. (تَنْبِيه:) نقل فِي ذخيرة الْفَتْوَى (فِي الِاسْتِحْقَاق من الْبيُوع، الْفَصْل / 21) فرع الِاسْتِحْقَاق الْمَذْكُور أَعْلَاهُ عقب الْفَرْع الأول من فروع الْقَاعِدَة، وَاسْتَشْكَلَهُ من وَجْهَيْن: حَاصِل الأول أَن ظَاهر الرِّوَايَة أَنه إِذا اسْتحق الْمَبِيع لَا يرجع أحد من الباعة على بَائِعه بِالثّمن مَا لم يرجع عَلَيْهِ، فَكيف يرجع هُنَا على بَائِعه وَلم يرجع عَلَيْهِ المُشْتَرِي مِنْهُ؟ ! وَحَاصِل الثَّانِي: أَنه نقل الْفَرْع الأول (فرع الرَّد بِالْعَيْبِ) وَعلله بِأَنَّهُ لَو رده عَلَيْهِ كَانَ للمردود عَلَيْهِ أَن يردهُ عَلَيْهِ ثَانِيَة لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ فَلَا يُفِيد، وَلَيْسَ لَهُ أَن يردهُ على البَائِع الأول أَيْضا، لِأَن هَذَا الْملك غير مُسْتَفَاد من جِهَته وَأَنه يَنْبَغِي على قِيَاس هَذَا أَن يكون الحكم فِي فصل الِاسْتِحْقَاق كَالْحكمِ فِي فصل الرَّد بِالْعَيْبِ. ثمَّ قَالَ: وَيجوز أَن يكون بَين الِاسْتِحْقَاق وَبَين الرَّد بِالْعَيْبِ فرق. انْتهى مُلَخصا. وَلم يُنَبه على الْفرق وَلم يُبينهُ. وَلَعَلَّ الْفرق هُوَ أَنه بِالِاسْتِحْقَاقِ ظهر أَن البَائِع بَاعَ وَسلم مَا لَيْسَ ملكا لَهُ. وَلَا يخفى أَن هَذَا البيع وَالتَّسْلِيم لَهُ شبهان: فَهُوَ يشبه من جِهَة بيع الْفُضُولِيّ بِدَلِيل مَا نصوا عَلَيْهِ فِي بَاب الِاسْتِحْقَاق من أَنه بِالْقضَاءِ للْمُسْتَحقّ لَا تَنْفَسِخ الْبياعَات على الْأَصَح مَا لم يفْسخ الْمُسْتَحق، أَو يقْض على البَائِع بِالثّمن للْمُشْتَرِي أَو يرض البَائِع برد الثّمن لَهُ. وعللوه بِأَنَّهُ بيع فُضُولِيّ يحْتَمل الْإِجَازَة. وَهُوَ يشبه من جِهَة أُخْرَى

الْغَصْب بِدَلِيل مَا نصوا عَلَيْهِ فِي كتاب الْغَصْب من أَن البيع وَالتَّسْلِيم يُوجب الضَّمَان وَلَو الْمَبِيع عقارا على الْأَصَح، وَمن جِهَة كَونه غصبا يكون المُشْتَرِي بِمَنْزِلَة غَاصِب الْغَاصِب، وَيكون الْمَبِيع وَاجِب الرَّد، وَإِذا كَانَ وَاجِب الرَّد شرعا فَبِأَي جِهَة وَقع الرَّد يكون أَدَاء لذَلِك الْوَاجِب، كَالْمَبِيعِ فَاسِدا وَالْمَغْصُوب، إِذا بَاعه المُشْتَرِي من بَائِعه، أَو بَاعه الْغَاصِب من مَالِكه، أَو وهبه إِيَّاه، يكون ردا بِحكم الْفساد الْوَاجِب عَلَيْهِ رَفعه (ر: مَا تقدم تَحت الْمَادَّة / 2) وغاصب الْغَاصِب يبرأ برد الْعين الْمَغْصُوبَة على الْغَاصِب أَو برد بدلهَا عَلَيْهِ إِذا هَلَكت كَمَا يبرأ بِالرَّدِّ على الْمَغْصُوب مِنْهُ (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من الْغَصْب) وَعَلِيهِ فَيكون بيع المُشْتَرِي الْأَخير الْمَبِيع للْمُشْتَرِي الأول يعْتَبر بعد ظُهُور كَونه مُسْتَحقّا ردا على الْغَاصِب لَا بيعا، لما لَهُ من شبه الْغَصْب. وَإِذا كَانَ ردا لم يكن مستفيداً للْملك من جِهَة غير البَائِع، فَيرجع عَلَيْهِ بِالثّمن. بِخِلَاف مَا أوردهُ صَاحب الظَّهِيرِيَّة من فرع الرَّد بِالْعَيْبِ فَإِن شِرَاء المُشْتَرِي فِيهِ للْمَبِيع الْمَعِيب ثَانِيًا من مُشْتَرِيه هُوَ شِرَاء مَحْض، وَالْمَبِيع لَيْسَ لَهُ شبه الْغَصْب حَتَّى يُمكن اعْتِبَاره ردا، فَافْتَرقَا. هَذَا مَا ظهر لي، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.

((الصفحة فارغة))

القاعدة الثامنة والتسعون

(الْقَاعِدَة الثَّامِنَة وَالتِّسْعُونَ (الْمَادَّة / 99)) (" من استعجل الشَّيْء قبل أَوَانه عُوقِبَ بحرمانه ") (أَولا _ الشَّرْح) " من استعجل الشَّيْء " الَّذِي وضع لَهُ سَبَب عَام مطرد، وَطلب الْحُصُول عَلَيْهِ " قبل أَوَانه " أَي قبل وَقت حُلُول سَببه الْعَام، وَلم يستسلم إِلَى ذَلِك السَّبَب الْمَوْضُوع، بل عدل عَنهُ وَقصد تَحْصِيل ذَلِك الشَّيْء بِغَيْر ذَلِك السَّبَب قبل ذَلِك الأوان " عُوقِبَ بحرمانه " لِأَنَّهُ افتأت وَتجَاوز، فَيكون باستعجاله هَذَا أقدم على تَحْصِيله بِسَبَب مَحْظُور فيعاقب بحرمانه ثَمَرَة عمله الَّتِي قصد تَحْصِيلهَا بذلك السَّبَب الْخَاص الْمَحْظُور. (ثَانِيًا _ التطبيق) يتَفَرَّع على هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل: مِنْهَا: مَا لَو جَاءَت الْفرْقَة من قبل الزَّوْجَة بِسَبَب ردتها، فَلَيْسَ لَهَا أَن تتَزَوَّج بعد توبتها بِغَيْر زَوجهَا، وَبِه يفنى (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من بَاب الْمُرْتَد) وتجبر على تَجْدِيد العقد على زَوجهَا بِمهْر يسير، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من بَاب نِكَاح غير الْمُسلمين) وَذَلِكَ لرد عَملهَا عَلَيْهَا، فَإِن السَّبَب الْمَوْضُوع لحل عقدَة النِّكَاح بِالْوَجْهِ الْعَام مَنُوط بِالزَّوْجِ الَّذِي هُوَ قوام عَلَيْهَا، وَالَّذِي هُوَ أَحْرَى أَن يكون مَظَنَّة اسْتِعْمَال الروية وَالْحكمَة وتوخي الصَّوَاب فِيهِ، فَلَمَّا استحصلت على حل هَذِه الْعقْدَة بِهَذَا السَّبَب الْخَاص الْمَحْظُور، وَهُوَ المروق من

الدّين، عوقبت برد عَملهَا هَذَا عَلَيْهَا بحرمانها ثَمَرَته الخبيثة بِمَا ذكرنَا، حَتَّى إِن الدبوسي والصفار ومشايخ بَلخ وَبَعض مَشَايِخ سَمَرْقَنْد قَالُوا بِعَدَمِ وُقُوع الْفرْقَة أصلا بردتها زجرا لَهَا، قَالَ فِي النَّهر: وَهُوَ أولى. ثمَّ لَو مَاتَت فِي الرِّدَّة فعلى القَوْل الأول بِوُقُوع الْفرْقَة يَرِثهَا الزَّوْج إِذا كَانَت ردتها فِي الْمَرَض وَمَاتَتْ وَهِي فِي الْعدة لكَونهَا فارة، فَإِن الْفِرَار يتَحَقَّق من الزَّوْجَة كَمَا يتَحَقَّق من الزَّوْج (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من طَلَاق الْمَرِيض) . وعَلى قَول الدبوسي وَمن ذكر بعده يَرِثهَا مُطلقًا بِلَا قيد. وَمِنْهَا: مَا لَو طلق امْرَأَته فِي مرض مَوته ثمَّ مَاتَ وَهِي فِي الْعدة فَإِنَّهَا تَرث مِنْهُ ردا لعمله أَيْضا فَإِن السَّبَب الْعَام الَّذِي يمْنَع أحد الزَّوْجَيْنِ لَا على التَّعْيِين من إِرْثه من الآخر هُوَ تقدم مَوته، وَهَذَا يحْتَمل وُقُوعه عَلَيْهِ أَو عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَرَادَ الزَّوْج التنصل عَن هَذَا السَّبَب الْمَوْضُوع بِوَجْه عَام وَالْخُرُوج من دَائِرَة احْتِمَال وُقُوعه عَلَيْهِ دونهَا وَعمل على حصر عدم الْإِرْث فِي جَانبهَا بِهَذَا السَّبَب الْخَاص الْمَحْظُور اسْتِعْمَاله لمثل هَذَا الْمَقْصد السَّيئ عُوقِبَ برد عمله هَذَا عَلَيْهِ وحرمانه ثَمَرَته بتوريثها مِنْهُ. وَمِنْهَا: مَا لَو بَاشر الْمُكَلف قتل مُوَرِثه أَو من أوصى لَهُ سَوَاء كَانَ قَتله لَهُ عمدا، وَهُوَ أَن يتَعَمَّد بِلَا حق وَلَا تَأْوِيل ضربه بِآلَة مفرقة للأجزاء، أَو شبه عمد، وَهُوَ: أَن يتَعَمَّد ضربه كَذَلِك بِغَيْر آلَة مفرقة للأجزاء وَلَكِن بِمَا يقتل غَالِبا فَيَمُوت من ضربه. فَإِن كلا القتلين يمْنَع الْإِرْث وَيبْطل الْوَصِيَّة. وَلَا يعسر بَعْدَمَا تقدم تَوْجِيه مَسْأَلَتي الْقَتْل الْعمد وَشبهه، على النسق الَّذِي وجهت بِهِ الْمسَائِل الْمُتَقَدّمَة. وَأما الْقَتْل خطأ، كَأَن يَرْمِي الْمُكَلف صيدا مثلا فَيُصِيب آدَمِيًّا، أَو بِمَا جرى مجْرى الْخَطَأ، كمكلف نَائِم انْقَلب على غَيره فَقتله، فَلَيْسَ من فروع الْقَاعِدَة لعدم ظُهُور الاستعجال فِيهِ، وَإِنَّمَا امْتنع إِرْث الْمُكَلف فِيهِ لوُجُود الْمُبَاشرَة مِنْهُ بقتل مُوَرِثه مَعَه، وَلَا يشْتَرط فِي مُؤَاخذَة الْمُبَاشر أَن يكون مُتَعَمدا (ر: الْمَادَّة / 92) .

تنبيه

وَلَا يُؤثر على تَفْرِيع مَسْأَلَتي قتل الْعمد وَشبهه على هَذِه الْمَادَّة وجود الْمُبَاشرَة فيهمَا أَيْضا، لِأَنَّهُ لَا مَانع من تزاحم الْعِلَل، بِخِلَاف الْقَتْل تسبباً، كَمَا إِذا مَاتَ مُوَرِثه بِسُقُوط جنَاح عَلَيْهِ كَانَ أخرجه الْوَارِث إِلَى الطَّرِيق وَلَو بِغَيْر حق، أَو مَاتَ بسقوطه فِي بِئْر كَانَ حفره الْوَارِث وَلَو فِي مَحل لَا حق لَهُ فِي الْحفر فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يمْنَع إِرْثا وَلَا وَصِيَّة، لعدم ظُهُور معنى الاستعجال السَّابِق فِيهِ وَعدم الْمُبَاشرَة. وَبِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الْقَتْل بِحَق، كَمَا إِذا قتل مُوَرِثه قصاصا، أَو بِلَا حق وَلَكِن عَن تَأْوِيل، كالخوارج والبغاة إِذا كَانُوا متأولين وَصَارَ لَهُم مَنْعَة فَقتل أحدهم مُوَرِثه الْعَادِل، فَإِن كلا من القتلين لَا يمْنَع إِرْثا وَلَا وَصِيَّة. (تَنْبِيه:) يقرب مِمَّا دخل تَحت هَذِه الْمَادَّة وَلَيْسَ مِنْهُ لعدم ظُهُور الاستعجال فِيهِ مَا نَقله فِي الدّرّ الْمُخْتَار (من الْوَقْف، قبيل فصل: يُرَاعى شَرط الْوَاقِف، عَن معروضات الْمُفْتِي أبي السُّعُود) من منع الْقُضَاة عَن الحكم بِصِحَّة وقف الْمَدْيُون، لِئَلَّا يتَضَرَّر أَرْبَاب الدُّيُون، لهربه من الدّين بِوَاسِطَة التجائه إِلَى الْوَقْف، فَيرد عمله عَلَيْهِ بِعَدَمِ الحكم بِصِحَّة وَقفه. (تَنْبِيه آخر:) المستعجل على الشَّيْء قبل أَوَانه إِنَّمَا يُعَاقب بحرمانه ورد عمله عَلَيْهِ بِقدر الْإِمْكَان، فَإِن أمكن رد كل الْعَمَل، كَمَا فِي الْمسَائِل الْمُتَقَدّمَة، فبها وَإِلَّا فبقدر مَا يُمكن. فَلَو وَقعت الْفرْقَة بَين الزَّوْجَيْنِ من قبل الْمَرْأَة بِحرْمَة الْمُصَاهَرَة، كإرضاعها ضَرَّتهَا الصَّغِيرَة مثلا، فَإِنَّهُ لَا يُمكن رد عَملهَا عَلَيْهَا بإرجاعها إِلَى زَوجهَا وَالْحَالة هَذِه، وَلَكِن ينظر فَإِن جَاءَت الْفرْقَة من قبلهَا قبل الدُّخُول سقط الْمهْر، وَإِن جَاءَت بعد الدُّخُول تقرر الْمهْر كُله على الزَّوْج، وَلَكِن تسْقط نَفَقَة الْعدة عَنهُ، وَلَا يُمكن رد عَملهَا عَلَيْهَا بِأَكْثَرَ من هَذَا، لِأَن سُقُوط الْمهْر حينئذٍ يَجْعَل الدُّخُول السَّابِق بِلَا مهر وَلَا حد، وَهُوَ لَا يكون لِأَن الْوَطْء فِي دَار الْإِسْلَام لَا يَخْلُو عَن عُقُوبَة حدٍ أَو مهر.

ثالثا المستثنى

(ثَالِثا _ الْمُسْتَثْنى) وَخرج عَن هَذِه الْقَاعِدَة: مَا لَو قتل الدَّائِن مديونه وَله عَلَيْهِ دين مُؤَجل حل الدّين وَلَا يمْنَع قَتله لَهُ حُلُول الدّين.

القاعدة التاسعة والتسعون

(الْقَاعِدَة التَّاسِعَة وَالتِّسْعُونَ (الْمَادَّة / 100)) (" من سعى فِي نقض مَا تمّ من جِهَته فسعيه مَرْدُود عَلَيْهِ ") (أَولا _ الشَّرْح) " من سعى فِي نقض مَا تمّ " انبرامه " من جِهَته " وَكَانَ لَا يمس بِهِ حق صَغِير أَو حق وقف " فسعيه مَرْدُود عَلَيْهِ " لِأَنَّهُ وَالْحَالة هَذِه يكون متناقضاً فِي سَعْيه بذلك مَعَ مَا كَانَ أتمه وأبرمه، وَالدَّعْوَى المتناقضة لَا تسمع. (ثَانِيًا _ التطبيق) يتَفَرَّع على الْمَادَّة: مَا إِذا أقرّ ثمَّ ادّعى الْخَطَأ فِي الْإِقْرَار فَإِنَّهُ لَا يسمع مِنْهُ (ر: شرح الْمَادَّة / 79) . وَمِنْه: مَا إِذا ضمن الدَّرك لمشتري الدَّار، ثمَّ ادّعى شُفْعَة فِيهَا أَو ملكا لَهَا، فَإِنَّهُ لَا يسمع مِنْهُ، لِأَن ضَمَان الدَّرك للْمُشْتَرِي يتَضَمَّن بِلَا شكّ تَقْرِير سَلامَة الْمَبِيع لَهُ، ودعواه الشُّفْعَة أَو الْملك فِيهَا تنقضه فَلَا تسمع. وَمِنْه: مَا لَو بَادر إِلَى اقتسام التَّرِكَة مَعَ الْوَرَثَة، ثمَّ ادّعى بعد الْقِسْمَة أَن الْمَقْسُوم مَاله، فَإِنَّهُ لَا تسمع دَعْوَاهُ (ر: الْمَادَّة / 1656) لِأَن إقدامه على الْقِسْمَة فِيهِ اعْتِرَاف مِنْهُ بِأَن الْمَقْسُوم مُشْتَرك. وَمِنْه: مَا إِذا بَاعَ أَو اشْترى ثمَّ ادّعى أَنه كَانَ فضولياً، وَأَن الْمَالِك أَو المُشْتَرِي لم يجز العقد لم يسمع ذَلِك مِنْهُ (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من بَاب الْفُضُولِيّ، من كتاب الْبيُوع وَغَيره) .

وَمِنْه: مَا لَو تراكمت نَفَقَة الزَّوْجَة الْمقْضِي بهَا أَو المتراضى عَلَيْهَا، وَلم تكن مستدانة بِأَمْر القَاضِي، فَطلقهَا بَائِنا لتسقط النَّفَقَة المتراكمة فِي ذمَّته لَا لذنب مِنْهَا فَإِنَّهُ يرد قَصده وَيرد سَعْيه عَلَيْهِ (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، من بَاب النَّفَقَات) . فَلْيتَأَمَّل هَذَا الْفَرْع، فَإِنَّهُ فِي صُورَة مَا إِذا كَانَت متراضى عَلَيْهَا فَالْأَمْر ظَاهر. وَأما إِذا كَانَت مقضياً بهَا فَيمكن أَن يُقَال: إِنَّهَا تمت من جِهَته بِعقد النِّكَاح، فَإِن النَّفَقَة تجب بِالْعقدِ إِذا لم تمنع نَفسهَا عَنهُ. وَمِنْه: مَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ (فِي الْفَصْل الثَّامِن عشر، برمز فَتَاوَى أبي بكر مُحَمَّد بن الْفضل) حَيْثُ قَالَ: (وَاقعَة) كرم بَينهمَا بَاعَ أَحدهمَا حِصَّته من شَرِيكه بيعا جَائِزا (أَي بيعا بِالْوَفَاءِ) ثمَّ بَاعه من آخر باتاً حَتَّى توقف على إجَازَة شَرِيكه المُشْتَرِي وَفَاء، فَأجَاز شَرِيكه، فَهَل لشَرِيكه حق الشُّفْعَة؟ أجَاب جلّ الْمُفْتِينَ ببلدنا أَن لَهُ الشُّفْعَة، وأجبت: لَيْسَ لَهُ ذَلِك. انْتهى مُلَخصا. وَلَا يخفى أَن عدم ثُبُوت الشُّفْعَة لَهُ لكَونه بِدَعْوَى الشُّفْعَة يكون ساعياً فِي نقض ملك المُشْتَرِي الَّذِي تمّ من جِهَته بِالْإِجَازَةِ فَلَا تسمع مِنْهُ. لَكِن يرد على فَتْوَى أبي بكر بن الْفضل هَذِه مَا جَاءَ فِي أَحْكَام الصغار (فِي الشُّفْعَة) م قَوْله: إِذا اشْترى الْأَب دَارا لِابْنِهِ الصَّغِير وَالْأَب شفيعها كَانَ للْأَب أَن يَأْخُذهَا بِالشُّفْعَة عندنَا. انْتهى. وَهَذِه الْمَسْأَلَة من مستثنيات الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة، وَلَا يخفى أَن إجَازَة مُشْتَرِي الْوَفَاء للْبيع البات لَيست بأقوى من مُبَاشرَة الْأَب الشِّرَاء لِابْنِهِ الصَّغِير لنَفسِهِ. يظْهر أَن الصَّوَاب مَا أفتى بِهِ ابْن الْفضل من أَن الشَّرِيك الْمُجِيز لَيْسَ لَهُ الشُّفْعَة. وَبَيَان الْفرق حينئذٍ بَين هَذِه الْمَسْأَلَة وَمَسْأَلَة الْأَب أَن المُشْتَرِي بتاتاً فِي مَسْأَلَة الشَّرِيك يتَمَلَّك الْعقار بعد إجَازَة مُشْتَرِي الْوَفَاء بالاستناد إِلَى العقد السَّابِق الْحَاصِل قبل الْإِجَازَة، وبالإجازة يكون قد رَضِي بتملك ذَلِك المُشْتَرِي، وبهذه الْإِجَازَة أسقط حَقه بِالشُّفْعَة. أما فِي مَسْأَلَة الْأَب فَإِن حق الشُّفْعَة إِنَّمَا يثبت لَهُ مَعَ فَرَاغه من إِجْرَاء عقد الشِّرَاء لِابْنِهِ، فَإِذا طلب الشُّفْعَة مَعَ تَمام العقد بِلَا فاصل لَا يكون قد حصل مِنْهُ

ثالثا المستثنى

رضَا بِتَسْلِيم الشُّفْعَة بعد ثُبُوتهَا. وَأما رِضَاهُ الْمُسْتَفَاد من إقدامه على الشِّرَاء فَلَا عِبْرَة بِهِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ قبل ثُبُوت حق الشُّفْعَة، وَالْحق قبل ثُبُوته لَا يقبل الْإِسْقَاط. أَو يُقَال بِعِبَارَة أُخْرَى: إِن كلا من إجَازَة الشَّرِيك وإقدام الْأَب على الشِّرَاء لِابْنِهِ يُفِيد الرِّضَا الْمسْقط للشفعة، وَلَكِن إجَازَة الشَّرِيك تفِيد رِضَاهُ بعد ثُبُوت حق الشُّفْعَة لَهُ، لِأَن المُشْتَرِي يملك الْمَبِيع بعد الْإِجَازَة بِالْعقدِ السَّابِق. أما رضَا الْأَب الْمُسْتَفَاد من إقدامه على الشِّرَاء لِابْنِهِ فَإِنَّمَا كَانَ قبل ثُبُوت حق الشُّفْعَة لَهُ، لِأَن الشُّفْعَة تثبت بعد العقد، وَالْحق لَا يقبل الْإِسْقَاط قبل ثُبُوته. وَلذَا اشترطوا أَن يكون طلب الْأَب للشفعة إِثْر الشِّرَاء بِلَا فاصل، فَيَقُول: اشْتريت وَأخذت بِالشُّفْعَة. والأمثلة لهَذَا كَثِيرَة. ثمَّ لَا فرق فِيمَا تمّ من جِهَة الْمَرْء بَين أَن يكون تمّ من جِهَته حَقِيقَة، كَمَا إِذا فعل مَا تقدم بِنَفسِهِ، أَو يكون تمّ من جِهَته حكما، كَمَا إِذا كَانَ ذَلِك بِوَاسِطَة وَكيله، أَو صدر من مُوَرِثه فِيمَا يَدعِيهِ بِحكم الوراثة، فَإِن السَّعْي فِي نقضه لَا يسمع مِنْهُ، لِأَن الْوَكِيل مَعَ الْمُوكل والمورث مَعَ الْوَارِث بِمَنْزِلَة شخص وَاحِد. ثمَّ إِنَّمَا قيدنَا بقولنَا: " وَكَانَ لَا يمس بِهِ حق صَغِير أَو حق وقف " لإِخْرَاج مَا إِذا كَانَ الْأَمر التَّام من جِهَته يمس أَحدهمَا، كَمَا إِذا بَاعَ الْأَب أَو الْوَصِيّ أَو الْمُتَوَلِي مَال الصَّغِير أَو الْوَقْف ثمَّ ادّعى أَن بَيْعه كَانَ بِغَبن فَاحش، فَإِن دَعْوَاهُ تسمع (ر: الْأَشْبَاه، من الْقَضَاء) . وكما إِذا اشْترى أَرضًا ثمَّ ادّعى أَن بَائِعهَا كَانَ جعلهَا مَقْبرَة أَو مَسْجِدا فَإِنَّهُ يقبل. (ثَالِثا _ الْمُسْتَثْنى) يسْتَثْنى من الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة: مَا لَو اشْترى الْعين المأجورة أَو الْعين الْمَرْهُونَة بِدُونِ إِذن الْمُسْتَأْجر أَو الْمُرْتَهن عَالما بِأَنَّهَا مأجورة أَو بِأَنَّهَا مَرْهُونَة فَإِنَّهُ يبْقى على خِيَاره، كَمَا هُوَ الصَّحِيح الَّذِي

عَلَيْهِ الْفَتْوَى، إِن شَاءَ فسخ البيع، وَإِن شَاءَ انْتظر انْتِهَاء مُدَّة الْإِجَارَة أَو فكاك الرَّهْن (ر: الدّرّ وحاشيته، فِي بَاب التَّصَرُّف فِي الرَّهْن) . فَهُوَ فِي صُورَة اخْتِيَاره فسخ البيع ساعٍ كَمَا ترى فِي نقض مَا تمّ من جِهَته وَلم يرد سَعْيه عَلَيْهِ. وَالظَّاهِر أَن وَجهه أَن الْخِيَار _ وَالْحَالة هَذِه _ لم يجب بِتَمْلِيك البَائِع إِيَّاه لخيار الشَّرْط حَيْثُ يسْقط بمفيد الرِّضَا، بل وَجب بِإِيجَاب الشَّرْع لَهُ كَخِيَار الرُّؤْيَة، وَلذَا لَا يسْقط بالإسقاط الصَّرِيح. انْتهى.

ملحق

(مُلْحق) بقواعد أُخْرَى يحسن إلحاقها بالقواعد السَّابِقَة استخرجها مصطفى أَحْمد الزرقا (ابْن الْمُؤلف)

((الصفحة فارغة))

قواعد أخرى يحسن إلحاقها بالقواعد السابقة مرتبة على حروف المعجم بحسب أوائل كلماتها

(قَوَاعِد أُخْرَى يحسن إلحاقها بالقواعد السَّابِقَة مرتبَة على حُرُوف المعجم بِحَسب أَوَائِل كلماتها) هُنَاكَ بعض قَوَاعِد كُلية أُخْرَى جديرة بِأَن تلْحق بالقواعد التسع وَالتسْعين الَّتِي تقدم بَيَانهَا وَشَرحهَا، جمعناها من مناسباتها الْمُخْتَلفَة فِي الْكتب الْفِقْهِيَّة، وَبَعضهَا عِبَارَات مأثورة عَن بعض كبار الْأَئِمَّة الْفُقَهَاء خَلِيقَة بالتقعيد؛ وَمِنْهَا مَا قد تقدم ذكره فِي كتابي: الْمدْخل الفقهي الْعَام. وَقد رَأينَا أَن نختم تِلْكَ الْقَوَاعِد السَّابِقَة بهَا فنذكرها سرداً دون شرح إِلَّا بعض تعليقات يسيرَة أَحْيَانًا. مَعَ الإحالة على أَمَاكِن وجودهَا فِي الْمدْخل الفقهي الْعَام أَو سواهُ. وسنسردها فِيمَا يَلِي مرتبَة على تَرْتِيب حُرُوف المعجم بِحَسب أَوَائِل كلماتها، تسهيلاً لمراجعتها، وَهِي: (1) " الْإِجَازَة اللاحقة كَالْوكَالَةِ السَّابِقَة " (ر: ف / 283 / والمجلة / 1453) . (2) " الأَصْل فِي الْأَشْيَاء الْإِبَاحَة ". (الْأَشْبَاه ج 1 ص / 97 وقواعد الحمزاوي فِي مسَائِل الْحَظْر وَالْإِبَاحَة ص / 284 / ورد الْمُحْتَار ج 1 ص / 71 وَج 3 ص / 244 _ أول بَاب اسْتِيلَاء الْكفَّار، وَج 4 ص / 176 _ أول بَاب الرِّبَا) .

(3) " الأَصْل فِي العقد رضى الْمُتَعَاقدين، ونتيجته هِيَ مَا التزماه بالتعاقد ". من كَلَام شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية: وَقد تقدم فِي بحث " سُلْطَان الْإِرَادَة العقدية " (ر: ف / 237) . ويقابل هَذِه الْقَاعِدَة فِي الْفِقْه الْأَجْنَبِيّ المبدأ القانوني الَّذِي جَاءَت بِهِ الْمَادَّة / 1134 / من القانون الْمدنِي الفرنسي القائلة: " الاتفاقات المعقودة على الْوَجْه الْمَشْرُوع تقوم مقَام القانون فِي حق عاقديها ". ويعبر عَنهُ القانونيون الْعَرَب بقَوْلهمْ: " العقد شَرِيعَة الْمُتَعَاقدين ". وَبِهَذَا النَّص جَاءَت الْمَادَّة / 148 / من القانون الْمدنِي السوري. (4) " الْأمين مُصدق بِالْيَمِينِ " (ر: الْمجلة / 1774) . (5) " الْإِنْفَاق بِأَمْر القَاضِي كالإنفاق بِأَمْر الْمَالِك " (ر: قَوَاعِد الحمزاوي مسَائِل اللّقطَة، ص 282) . وَذَلِكَ كمن أنْفق على اللّقطَة بِأَمْر القَاضِي، فَلَا يكون مُتَبَرعا بل يحِق لَهُ الرُّجُوع على مَالِكهَا مَتى ظهر. وَكَذَا المَال الْمُشْتَرك الْقَابِل للْقِسْمَة إِذا أنْفق عَلَيْهِ أحد الشُّرَكَاء بِأَمْر القَاضِي. (6) " إِنَّمَا يقبل قَول الْأمين فِي بَرَاءَة نَفسه لَا فِي إِلْزَام غَيره ". (ر: م / 1774 /، وقواعد الحمزاوي فِي مسَائِل الْوَصَايَا ص / 335) . (7) " الْبَاطِل لَا يقبل الْإِجَازَة " (ر: ف / 359) . (8) " التَّعْلِيق على كَائِن تَنْجِيز ". (ر: ف / 242 /، وقواعد الحمزاوي، مسَائِل الْوَقْف، ص / 238) . (9) " الْجَهْل بِالْأَحْكَامِ فِي دَار الْإِسْلَام لَيْسَ عذرا "، فَمن بَاشر عملا مدنياً أَو جنائياً، ثمَّ أَرَادَ التَّخَلُّص من المسؤولية بِحجَّة جَهله الحكم الشَّرْعِيّ الْمُرَتّب على هَذَا الْفِعْل فجهله لَا يعفيه من النتائج المدنية _ أَي الْمَالِيَّة _ مُطلقًا.

أما النتائج الجزائية فللجهل فِيهَا إِذا تحقق تَأْثِيره ضمن حُدُود تعرف فِي مواطنها من مبَاحث الْعُقُوبَات. وَهَذِه أَيْضا قَاعِدَة تتبناها النظريات القانونية الحديثة، فَإِن من الْمُقَرّر فِيهَا أَن الْجَهْل بالقانون لَيْسَ عذرا، لِأَن الرّعية مكلفة أَن تعلم بِهِ بعد إعلانه، وَإِلَّا لتذرع كل إِنْسَان بِالْجَهْلِ للتخلص من طائلة القانون. وَيسْتَثْنى من هَذِه الْقَاعِدَة مَا إِذا تكلم الْإِنْسَان بِمَا يكفر جَاهِلا أَنه مكفر، فَإِنَّهُ لَا يحكم عَلَيْهِ بالْكفْر. (ر: خَاتِمَة " مجامع الْحَقَائِق " للخادمي، وقواعد الحمزواي مسَائِل التَّعْزِير ص / 322 /، ومسائل السّير _ أَي الْجِهَاد _ ص / 346) . (10) " الْحق لَا يسْقط بالتقادم " (ر: م / 1674 / وف / 102) . (11) " الحكم يَدُور مَعَ علته ". فَيثبت بثبوتها، وينتفي بانتفائها (ر: ف / 502 و 524 و 528) . هَذِه الْقَاعِدَة كَثِيرَة الدوران على أَلْسِنَة الْفُقَهَاء وأقلامهم فِي مقَام التَّعْلِيل (ر: رِسَالَة " تَعْلِيل الْأَحْكَام " للأستاذ مُحَمَّد مصطفى شلبي، ص / 38 و 42 و 310) . (12) " خطأ القَاضِي فِي بَيت المَال ". (قَوَاعِد الحمزاوي مسَائِل الْحُدُود، ص / 319) . وَذَلِكَ كَمَا لَو قضى القَاضِي بِالْقصاصِ وَتمّ التَّنْفِيذ، ثمَّ تبين أَن الْقَاتِل غير الْمقْضِي عَلَيْهِ، فبيت المَال يضمن الدِّيَة (ر: الدّرّ الْمُخْتَار ورد الْمُحْتَار) . وَهَذَا مبدأ تبنته النظريات الحديثة فِي مسؤولية الدولة مدنياً عَن أخطاء عمالها فِي عَمَلهم الحكومي، إِذا لم يتعمدوا الْإِسَاءَة؛ فَإِن تعمدوا كَانُوا هم الضامنين.

(13) " الْخِيَانَة لَا تتجزأ ". فَلَو أَن الْوَصِيّ على عدَّة تركات، أَو الْمُتَوَلِي على عدَّة أوقاف خَان فِي إِحْدَاهَا وَجب عَزله من جَمِيعهَا (ر: تَنْقِيح الْفَتَاوَى الحامدية، الْبَاب الثَّامِن من الْوَقْف 1 / 204) . (14) " شَرط الْوَاقِف كنص الشَّارِع ". (مجامع الْحَقَائِق، وقواعد الحمزاوي مسَائِل الْوَقْف ص / 214) . وَهَذَا التَّشْبِيه بِنَصّ الشَّارِع إِنَّمَا هُوَ من ناحيتين: 1 - أَنه يتبع فِي فهم شَرط الْوَاقِف وَتَفْسِيره الْقَوَاعِد الْأُصُولِيَّة الَّتِي يجب تحكيمها فِي تَفْسِير نَص الشَّارِع. 2 - أَنه يجب احترامه وتنفيذه كوجوب الْعَمَل بِنَصّ الشَّارِع، لِأَنَّهُ صادر عَن إِرَادَة مُحْتَرمَة، نَظِير الْوَصِيَّة. وَهَذَا لَيْسَ على إِطْلَاقه فَإِن شُرُوط الواقفين ثَلَاثَة أَنْوَاع: نوع بَاطِل لَا يعْمل بِهِ؛ وَنَوع صَحِيح مُحْتَرم وَلَكِن تجوز مُخَالفَته عِنْد الِاقْتِضَاء؛ وَنَوع مُحْتَرم مُطلقًا لَا تجوز مُخَالفَته بِحَال. وَهَذَا هُوَ الَّذِي تطبق عَلَيْهِ هَذِه الْقَاعِدَة. وَقد أوضحنا هَذِه الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة وأمثلتها فِي كتَابنَا " أَحْكَام الْأَوْقَاف " الْجُزْء الأول ف / 151 - 165 / فَليرْجع إِلَيْهِ. (15) " الظَّاهِر يصلح حجَّة للدَّفْع لَا للاستحقاق ". وَكَذَا قَوْلهم " الِاسْتِصْحَاب يصلح للدَّفْع لَا للاستحقاق " فَإِن الِاسْتِصْحَاب هُوَ من قبيل الظَّاهِر (ر: ف / 684 / والأشباه لِابْنِ نجيم ج 1 ص / 104) . (16) " على الْيَد مَا أخذت حَتَّى تُؤَدِّيه ". هَذِه الْقَاعِدَة نَص حَدِيث نبوي كَمَا تقدم (ر: ف / 47 و 655) . (17) " غَرَض الْوَاقِف مُخَصص لعُمُوم كَلَامه ". (قَوَاعِد الحمزاوي، مسَائِل الْوَقْف ص / 227) .

اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَام على غَرَض الْوَاقِف فِي كتَابنَا أَحْكَام الْأَوْقَاف، ف / 192 - 195 (وَانْظُر الْقَاعِدَة الْمُتَقَدّمَة ف / 700) . (18) " القَوْل للقابض فِي مِقْدَار الْمَقْبُوض ". (19) " كل شَرط يُخَالف أصُول الشَّرِيعَة بَاطِل ". (هَذَا معنى قَول عَلَيْهِ السَّلَام " كل شَرط لَيْسَ فِي كتاب الله فَهُوَ بَاطِل " ر: ف / 215) . (20) " كل شَهَادَة تَضَمَّنت جر مغنم للشَّاهِد أَو دفع مغرم عَنهُ ترد ". (قَوَاعِد الحمزاوي، مسَائِل الشَّهَادَات ص / 120) . (21) " كل مَا جَازَ بذله وَتَركه دون اشْتِرَاط فَهُوَ لَازم بِالشّرطِ " (ابْن الْقيم، ر: ف / 236) . (22) " كل مَالك مُلْزم بِنَفَقَة مَمْلُوكه ". (قَوَاعِد الحمزاوي، مسَائِل الْقِسْمَة، ص / 161) . (23) " كل من أدّى حَقًا عَن الْغَيْر بِلَا إِذن أَو ولَايَة فَهُوَ مُتَبَرّع، مَا لم يكن مُضْطَرّا ". (ر: قَوَاعِد الحمزاوي، مسَائِل الشّركَة، ص / 356) . (24) " لَا ينْزع شَيْء من يَد أحد إِلَّا بِحَق ثَابت ". (الإِمَام أَبُو يُوسُف فِي كتاب الْخراج. ر: ف / 560) . (25) " لَيْسَ لأحد تمْلِيك غَيره بِلَا رِضَاهُ ". وَلذَا يرْتَد الْإِبْرَاء وَتبطل الْهِبَة برد الْمَدِين والموهوب لَهُ، وَيبْطل الْوَقْف على شخص معِين برد الْمَوْقُوف عَلَيْهِ. وَكَذَا الْوَصِيَّة إِذا كَانَ الرَّد بعد وَفَاة الْمُوصي (ر: ف / 292) . وَهَذَا حكم التَّمْلِيك من قبل شخص، أما التَّمْلِيك بِحكم الشَّرْع فَلَا يشْتَرط فِيهِ الرضى، كَمَا فِي الْإِرْث والتولد من الْمَمْلُوك. (ر: ف / 107) . (26) " لَيْسَ لعرق ظَالِم حق ".

هَذَا جُزْء من حَدِيث نبوي نَصه: " من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لعرق ظَالِم حق " _ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ، وَيحيى بن آدم فِي كتاب " الْخراج "، وَأَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام فِي بحث " إحْيَاء موَات الأَرْض " من كِتَابه " الْأَمْوَال ". (ر: الْأَمْوَال ف / 702 / ص 286) _. والعرق: هُوَ أحد عروق الشّجر، وَوَصفه بالظلم مجَاز، وَالْمرَاد ظلم صَاحبه كَمَا فِي النِّهَايَة لِابْنِ الْأَثِير، مَادَّة " عرق ". وَهَذَا الحَدِيث أساس فِي أَن الْعدوان لَا يكْسب المعتدي حَقًا، فَمن غصب أَرضًا فزرع فِيهَا أَو غرس أَو بنى لَا يسْتَحق تَملكهَا بِالْقيمَةِ، أَو الْبَقَاء فِيهَا بِأَجْر الْمثل. وَيُقَاس على الأَرْض غَيرهَا من المغصوبات. (27) " مَا تشْتَرط فِيهِ عدَّة شَرَائِط يَنْتَفِي بِانْتِفَاء إِحْدَاهَا " فَلَا يثبت الْأَمر الْمَشْرُوط مَا لم تُوجد جَمِيع شَرَائِطه. (ر: ف / 141) . (28) " مَا لم يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب ". (ر: ف / 449) . (29) " مَا وَجب أَدَاؤُهُ فَبِأَي طَرِيق حصل كَانَ وَفَاء ". صِيغَة هَذِه الْقَاعِدَة فِي تأسيس النّظر للدبوسي ص / 61 / هَكَذَا: " الأَصْل عندنَا أَن كل فعل اسْتحق فعله على جِهَة بِعَينهَا، فعلى أَي وَجه حصل كَانَ من الْوَجْه الْمُسْتَحق عَلَيْهِ، كرد الْوَدِيعَة وَالْغَصْب " اه. وَقد صغناها نَحن بالصيغة الَّتِي أثبتناها. فَلَو أودع الْغَاصِب الْمَغْصُوب عِنْد مَالِكه برِئ. وَكَذَا لَو بَاعه إِيَّاه بيعا، فَينْتَقل حق الْمَالِك إِلَى اسْتِرْدَاد الثّمن. وَكَذَا لَو غصب الْوَدِيع الْوَدِيعَة أَو الْمُسْتَعِير الْعَارِية ثمَّ رَهنهَا عِنْد الْمَالِك فِي مُقَابل قرض أَخذه مِنْهُ، فَإِنَّهُمَا يبرآن من الْغَصْب. (30) " مقاطع الْحُقُوق عِنْد الشُّرُوط ". هَذِه كلمة تقدّمت قَالَهَا عمر بن الْخطاب. (ر: ف / 229) . (31) " الْوَكِيل مَعَ الْأَصِيل كالشخص الْوَاحِد ". (قَوَاعِد الحمزاوي، مسَائِل الدَّعْوَى ص 87) .

§1/1