شرح القصيدة اللامية لابن تيمية - عبد الرحيم السلمي

عبد الرحيم السلمي

[1]

القصيدة اللامية لابن تيمية [1] تضمنت القصيدة اللامية لشيخ الإسلام ابن تيمية بيان معتقده رحمه الله تعالى الذي هو معتقد أهل السنة والجماعة في جملة من المسائل, ومنها محبة الصحابة الكرام والثناء عليهم, واعتقاد تفاضلهم فيما بينهم, ومحبة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم, ومجانبة مسلك الطوائف الضالة من الغلاة المنحرفين في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته, كالشيعة والخوارج.

بيان فضل العلم وأهله

بيان فضل العلم وأهله الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد: فإن طلب العلم من أشرف الأعمال وأجلها، ولهذا أثنى الله سبحانه وتعالى على أهل العلم، فقال سبحانه وتعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]، وأشهدهم على أكبر قضية في الوجود، وهي: توحيده، فقال سبحانه وتعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18]. قال عليه الصلاة والسلام: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين). والفقه في الدين والفهم له يقتضي العمل به، ولهذا يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (العلم يهتف بالعمل؛ فإن أجاب وإلا ارتحل). فطلب العلم له أهمية كبرى في حياة الإنسان الخاصة والعامة؛ ولهذا ينبغي علينا أن نعتني به ونحيي مجالسه، ونهتم بمذاكرته في كافة التخصصات، ولعل من أبرز العلوم التي ينبغي على طالب العلم أن يعتني بها: علم العقيدة؛ فهي التي يصح بها دين الإنسان، وهي أصل الدين وأساسه، ولا غنى للإنسان عنها، خصوصاً في هذا الزمان الذي كثر فيه الخلاف، والنزاع، وكثرت فيه الطوائف والجماعات، والفرق والمذاهب والآراء والفلسفات. هذا الوقت أحوج ما يكون فيه طالب العلم إلى معرفة العقيدة الصحيحة التي يأخذها من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم. ولعل هذا الدرس -بإذن الله تعالى- يؤدي جزءاً من هذا الغرض، وهو متن صغير لطيف لعالم من أكبر علماء أهل السنة، وهو: شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحنبلي الحراني ابن تيمية رحمه الله، وهو عالم مشهور معروف، له مصنفات كبرى سارت بها الأخبار، وأصبحت معلماً من معالم الإسلام، ولعل من أكبر مصنفاته، كتابه العظيم: درء تعارض العقل والنقل، وقد طبع في أكثر من عشر مجلدات، وله: منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة القدرية، وله رد خاص على النصارى في كتاب: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، وله كتاب كبير لم يطبع بعد وهو من أنفس كتبه رحمه الله وهو: بيان تلبيس الجهمية، وقد يسمى: نقض التأسيس، وهو رد على كتاب لإمام الأشعرية الثاني الفخر الرازي في كتابه المشهور: أساس التقديس، والذي بدأه بقانون من أعظم القوانين التي عارضت نصوص الكتاب والسنة وهو القانون الكلي العقلي. وهذا المتن الذي بين أيدينا لشيخ الإسلام ابن تيمية العالم الموسوعي الذي كان يتقن اللغة العبرية بالإضافة إلى اللغة العربية: هو عبارة عن منظومة صغيرة نظمها رحمه الله في ستة عشر بيتاً تقريباً، وقد اشتملت على أهم المسائل العقدية، وسيكون شرحنا لها بإذن الله تعالى على ثلاث نقاط: النقطة الأولى: شرح مختصر للمعاني العامة. والنقطة الثانية: شرح المسائل العقدية في الأبيات. والنقطة الثالثة: إعراب الأبيات.

ثبات عقيدة أهل السنة وتيقنهم منها

ثبات عقيدة أهل السنة وتيقنهم منها قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [يا سائلي عن مذهبي وعقيدتي رزق الهدى من للهداية يسأل اسمع كلام محقق في قوله لا ينثني عنه ولا يتبدل حب الصحابة كلهم لي مذهب ومودة القربى بها أتوسل ولكلهم قدر علا وفضائل لكنما الصديق منهم أفضل] يقول رحمه الله تعالى: (يا سائلي عن مذهبي وعقيدتي رزق الهدى من للهداية يسأل) هذا البيت جعله ابن تيمية رحمه الله بداية لهذه المنظومة، فحدد فيه المقصود من هذه المنظومة، وهي بيان مختصر لعقيدته التي هي عقيدة أهل السنة والجماعة. قوله مذهبي: يعني المذهب في الأصول الذي يذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وعقيدته أيضاً: هي عقيدة السلف الصالح رضوان الله عليهم، فـ شيخ الإسلام لم يأتِ بعقيدة جديدة، ولم يأتِ بمذهب جديد، وإنما هو مجدد لمذاهب الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وهو مجدد لمذهب الإمام أحمد وأبي حنيفة والشافعي ومالك، ومن كان في القرن الثالث والرابع والخامس من علماء السلف إلى زمنه رحمه الله. قال: (رزق الهدى من للهداية يسأل) فإن أعظم ما يحتاج إليه الإنسان في هذه الدنيا هو الوصول إلى الهداية، والإنسان خلق في هذه الدنيا من أجل أن يهتدي إلى الحق والصدق، ويجتهد في أن يصل إلى العقيدة الصحيحة من بين العقائد الكثيرة الموجودة في هذا الزمان، وهذه العقائد موجودة من قبل زمن ابن تيمية رحمه الله؛ فإن الافتراق ظهر في الأمة من القرن الأول ابتلاء وفتنة، كما أخبر الله سبحانه وتعالى في قوله: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:118 - 119]، قال العلماء في قوله: ((وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)) يعني: خلقهم للاختلاف والتفرق ابتلاء وامتحاناً؛ ليرى سبحانه وتعالى من يهتدي إلى الحق، ومن يتنكب الصراط المستقيم. قال: (اسمع كلام محقق في قوله) محقق بمعنى موقن في قوله، يعني: أنه يعتقد هذه العقيدة، وهو موقن بها غير شاكٍ ولا متردد، فهو إنسان متيقن بما يعتقد، ليس عنده ذلك الاضطراب أو الحيرة التي وقع فيها أهل الفرق الضالة من أهل الكلام وغيرهم، فإن عظماء علماء أهل الكلام الكبار قد أظهروا الحيرة والشك والريب والتعب النفسي من الضياع الفكري الذي وقعوا فيه، فهذا أحد كبار علماء الكلام المشهورين وهو الشهرستاني يقول في كتابه: نهاية الإقدام في علم الكلام: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تروي غليلاً، ولا تشفي عليلاً، فلم أجد مثل الكتاب والسنة، ثم قال: اقرأ في الإثبات قول الله سبحانه وتعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، ونحوها، واقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، ثم قال: نهاية إقدام العقول عقال وآخر سعي العالمين ضلال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا وهذه الأبيات تنسب أيضاً للفخر الرازي. والرازي أيضاً جاء هو وأحد المعتزلة إلى أحد العباد، وقالا له: هل أنت موقن بما تعتقد؟ فقال لهم: نعم، قالوا: وعلى أي شيء تستند؟ -فالعابد ليس عنده شبهات عقلية، وليست عنده مشكلات عقلية كما هي موجودة عندهم، فهم يتصورون بسبب الشبه الموجودة عندهم أن العقل مناقض للنصوص الشرعية، ويحاولون أن يجمعوا بين العقل والنقل- فقال لهم هذا العابد: شيء أجده في قلبي لا أستطيع أن أدفعه، فقال المعتزلي: أما أنا فقد أحرقت قلبي الشبهات، فسألزم هذه الطريقة التي أنت عليها، وأما الرازي فإنه اعتذر ببعض المعاذير، وكانت نهايته الحيرة والاضطراب. فقوله: (اسمع كلام محقق في قوله) يعني: اسمع كلام إنسان موقن بما يعتقد وما يقول. وهذه السمة واضحة عند أهل السنة ولله الحمد؛ فإن الله عز وجل يقول: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]، ويقول الله سبحانه وتعالى عن ضد ذلك: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه:124 - 126]، ولهذا سمى الله سبحانه وتعالى مصدر هذه العقيدة -وهو القرآن-: (روح)؛ لأن الحياة الحقيقة تتوقف على هذا القرآن، وسماه: (نور)؛ لأن الإنسان يعيش في دياجير الظلام حتى يهتدي بهذا القرآن، قال الله: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْر

اعتقاد أهل السنة في الصحابة

اعتقاد أهل السنة في الصحابة قال رحمه الله: حب الصحابة كلهم لي مذهب ومودة القربى بها أتوسل ولكلهم قدر علا وفضائل لكنما الصديق منهم أفضل بدأ أولاً بأصل من أصول العقيدة وهو حب الصحابة. موضوع الصحابة من أهم الموضوعات لورود الأدلة الشرعية من القرآن والسنة في كيفية التعامل مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. هذا من جهة. ومن جهة أخرى: لكثرة من سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، واتخذ سبهم ديناً يتدين لله سبحانه وتعالى به، وما أقبحه من دين!

تعريف الصحابي لغة

تعريف الصحابي لغةً الصحابي: مأخوذ من الصحبة، والأصحاب والصحبة والصحابة تطلق على من صحب أحداً قليلاً كان أو كثيراً، فإذا قيل: فلان صحب فلاناً، فمعنى هذا: أنه التقى به ولو لساعة من زمان، فلا يشترط في مدلول الصحابة كثرة المقابلة، أو أن يجلس معه سنة أو سنتين، فليس هناك حد معين للصحبة حتى يسمى صحابياً، ولهذا لا يصح التعريف الذي نقل عن سعيد بن المسيب -ويبدو أنه لا يصح عنه سنداً- قال: لا نعد الصحابة إلا من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين، وغزا معه غزوة أو غزوتين، هذا التعريف ليس بصحيح، فكل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، ومات على ذلك يعتبر من الصحابة، وليس هناك حد لأقل اللقيا، فلو جلس معه ساعة واحدة فقط، سواء روى عنه أو لم يروِ عنه، غزا معه أو لم يغزُ معه؛ فهو من الصحابة. والدليل على هذا: أن مدلول الصحبة في اللغة يطلق على الكثير والقليل، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في النساء: (إنكن صواحب يوسف)، والمعنى: إنكن كصواحب يوسف اللاتي قطعن أيديهن وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا، وهن لم يحصل لهن لقاء مع يوسف عليه الصلاة والسلام إلا بمجرد أنه دخل إليهن، ونظرن إليه وقطعن أيديهن، فبمدلول اللغة يمكن أن تطلق الصحبة على اللقيا كثرت أو قلت، فلا يأتي شخص ويقول: ما هو حد الصحابة؟ هل بمجرد أن ينظر رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة يصبح من الصحابة؟ نقول: نعم حتى لو لم يغزُ معه حتى لو لم يروِ عنه حديثاً واحداً حتى لو كان النبي صلى الله عليه وسلم نفسه لا يعرفه معرفة تفصيلية. وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسبوا أصحابي)، فأطلق كلمة أصحابي. وإذا حللنا الحديث لا بد أن نرجع إلى معناها اللغوي، وهل هناك تحديد شرعي من الرسول صلى الله عليه وسلم بأن من عاش معه سنة فهو من الصحابة، ومن لم يعش معه كذلك فليس من الصحابة؟ ليس هناك تحديد شرعي لذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد وقتاً أو عدداً من اللقاءات لمن يسمى صحابياً، وهناك قاعدة شرعية نفيسة وهي: أن الأصل في المعاني الشرعية الرجوع إلى الحقيقية الشرعية، ومعنى الحقيقية الشرعية هي ما دل الشرع عليه من الحدود والأقسام والمعاني والاصطلاحات، فالأصل الأخذ بالشرع، فإن لم نجد لهذا المصطلح أو المدلول معنى محدداً في الشرع، نرجع إلى المعنى اللغوي -الحقيقية اللغوية- فإن لم يكن هناك في لغة العرب معنى محدداً للمدلول أو المصطلح نرجع للعرف الذي تعارف الناس عليه. ولهذا في مسافة السفر لم يرد هناك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يحدد مسافة معينة، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: من سافر مائة كيلو أو كذا وكذا من الأميال فإنه يكون مسافراً، وما كان أقل من ذلك فإنه ليس بمسافر، فلم يأت في القرآن أو السنة ما يحدد مسافة القصر، فنرجع إلى اللغة، فلا نجد أن العرب حددوا مسافة محددة وضبطوها وجعلوا هذا سفراً وما عداه ليس بسفر، فنرجع حينئذٍ إلى عرف الناس، فما تعارف الناس عليه بأنه سفر فهو سفر، وما لم يتعارف عليه الناس فليس بسفر، فقديماً كان الذهاب إلى مكة يعتبر سفراً، ويحتاج إلى شد رحال، وإلى وقت طويل ذهاباً وإياباً. أما الآن فالناس يذهبون دائماً إلى مكة، ولهذا لا يعتبروا مكة سفراً، فلا يقول أحدهم: إني أريد أن أسافر إلى مكة. وهكذا مدلول لفظة: (الصحابة) فقد وردت في كلام النبي صلى الله عليه وسلم مطلقة، ولم يحدد لها النبي صلى الله عليه وسلم مجموعة من اللقاءات، أو فترة معينة من أجل أن يسمى هذا صحابي وهذا ليس بصحابي. فنعود إلى المعنى اللغوي، وقد سبق أن قررت: أن المعنى في لغة العرب: كل ما اقتضى اللقيا فهو صحبة، وصحبت فلاناً، يعني: لقيته ولو ساعة واحدة.

تعريف الصحابي شرعا

تعريف الصحابي شرعاً أما التعريف الشرعي له: فهو كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك. قولنا: (كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم) يشمل من لقيه أوقاتاً كثيرة، ومن لقيه مرة واحدة، ومن لقيه ورآه أو من لقيه ولم يره لعارض مثل العمى، مثل: عبد الله بن أم مكتوم من الصحابة، فهو لم يرَ النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أعمى، ويشمل أيضاً كبار الصحابة ممن لقيه وهو رجل راشد، ويشمل أيضاً الصغار كـ السائب بن يزيد، وأبي الطفيل عامر بن واثلة ومحمود بن لبيد الذي قال: (عقلت مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي عام الفتح) وهو معدود من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا عدّ بعض العلماء -ومنهم الحافظ ابن حجر في الإصابة- المسيح عيسى ابن مريم عليه والسلام من الصحابة؛ لأنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم في السماء عندما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم هناك وهو لم يمت إلى الآن، وسيموت بعد أن ينزل في آخر الزمان كما وردت به الأحاديث الصحيحة. وقولنا: (وهو مؤمن به) يخرج به من لم يكن مؤمناً بالنبي صلى الله عليه وسلم، مثل من لقيه من كفار قريش، أو من أهل الكتاب، أو من غيرهم، فهؤلاء لا يسمون صحابة؛ لأن الصحابة ممدوحون في الكتاب والسنة، وهؤلاء كفار فكيف يمدحون؟! وقولنا: (ومات على ذلك) يعني: مات على الإسلام، فلو أن إنساناً أسلم ثم ارتد، كما ينقل عن عبيد الله بن جحش -وإن كانت الروايات ليست قوية في هذا الباب- أنه ارتد وهو في الحبشة؛ حينئذٍ لا يكون من الصحابة، ومن لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو كافر ثم أسلم بعد موته لا يعتبر من الصحابة، ومن عاش في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأمكن لقياه بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه، وأسلم بعد ذلك، فهو ليس من الصحابة أيضاً، بل يسمى من كبار التابعين.

الثناء على الصحابة في القرآن والسنة

الثناء على الصحابة في القرآن والسنة الصحابة ممدوحون في نصوص الكتاب والسنة سواء كثرت صحبتهم أو قلت. من ذلك: قول الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143] فقوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) يعني: وكذلك جعلناكم أمة خيرة، ليس المقصود التوسط في الزمان، فإننا في آخر الزمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب قبلنا)، وخير هذه الأمة: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ويقول الله عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100]، فقوله: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ) المراد به الصحابة رضوان الله عليهم من المهاجرين الذين أسلموا قبل الهجرة وهاجروا، ومن الأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان، كما أخبر الله سبحانه وتعالى في سورة الحشر: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} [التوبة:100]. الصحابة في هذه الآية موصوفون بثلاثة أوصاف: المهاجرون: وهم الذين هاجروا من مكة -وقد كانت بلد كفر- إلى المدينة وهي بلد إسلام في ذاك الزمان، والأنصار: وهم الذين استقبلوهم، {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر:10]، المقصود بهم: مسلمة الفتح بعد أن انقطعت الهجرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية)، فبعد أن فتحت مكة لم تعد مكة دار هجرة ودار كفر، ولهذا أخذ الحافظ ابن حجر من هذا الحديث فائدة جليلة، قال: إن مكة لا يمكن أن تنقلب في يوم من الأيام إلى دار كفر، ولا يمكن أن يحكمها الكفار، ولا يمكن أن تستعمر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح)؛ لأنه لو كان هناك إمكانية أن تستعمر مكة، وأن يستقر فيها الكفار ويحكمونها ويحتلونها، لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح)؛ لأنها ستكون حينئذٍ مكان هجرة. وقوله: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} [التوبة:100] المقصود بهم: مسلمة الفتح، وهم الطلقاء الذين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء)، فهم الذين أسلموا بعد الفتح، وهذه الآية تنزل عليهم، وهي قوله: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} [التوبة:100] إلى آخر الآية، كل ذلك مدحاً لهم، فإنه قال: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)، وهذا يشتمل على أوصاف: الوصف الأول: رضا الله عنهم، والوصف الثاني: رضاهم عنه، والوصف الثالث: ((وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا))، ثم قال: {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100]. ويقول الله عز وجل في فضل الصحابة: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:29]، فهذه الأوصاف في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلها أوصاف مدح وثناء لهم، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفس محمد بيده! لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مثل مُدّ أحدهم ولا نصيفه)، وهذا عام في الصحابة جميعاً. وما ورد في سبب هذا الحديث من كون خالد بن الوليد رضي الله عنه كان بينه وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فتكلم عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، فلا يصح، فإن هذه الرواية شاذة. والصحيح: أن هذا الحديث باقٍ على عمومه، وأنه شامل لكل أنواع الصحابة رضوان الله عليهم.

تفاضل الصحابة فيما بينهم

تفاضل الصحابة فيما بينهم مسألة: الصحابة مع فضلهم جميعاً، ومع مكانتهم جميعاً، إلا أنهم يتفاضلون فيما بينهم، فأفضل الصحابة على الإطلاق: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، وهذا الأمر انعقد عليه الإجماع؛ ولهذا قال ابن عمر: كنا نفاضل بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنقول: أفضل الصحابة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت، لكن الإجماع منعقد على أن أفضل الناس بعد عثمان هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والبدريون أفضل المهاجرين والأنصار، والمهاجرون أفضل من الأنصار، وأيضاً من بايع تحت الشجرة، وأصحاب بيعة العقبة الأولى والثانية، ومن أسلم من قبل الفتح أفضل ممن أسلم من بعد الفتح، كما قال الله عز وجل: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد:10]، قال: ((لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ)) الفتح المقصود به: فتح مكة، فمن أسلم قبل الفتح أفضل من الطلقاء الذين أسلموا بعد ذلك، وأفضل ممن لقيه النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فإنهم في حجة الوداع اجتمع خلق كثير كانوا في مكة، ورأوا النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم أشخاص لم يروه إلا في تلك اللحظة ولم يروه بعد ذلك، فمن أسلم من قبل فهو أفضل، قال: ((لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا))، ثم قال: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد:10]، وقوله هذا يدل على فضيلة الصحابة ومكانتهم وعلو منزلتهم عموماً. وهناك كما قلت: فضل فيما بينهم، فأفضلهم على الإطلاق أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، ومن فضل أحداً على أبي بكر رضي الله عنه فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، فهذا أمر أجمعوا واتفقوا عليه، وذلك لكونه صديق هذه الأمة، ولأنه جاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وماله، وهو من أوائل الصحابة رضوان الله عليهم إسلاماً، وله من المميزات ما ليست في غيره.

محبة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم

محبة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أهل البيت لهم من الفضيلة ما ليس لغيرهم، فقوله: (ومودة القربى بها أتوسل) يعني: أتوسل بمحبتي للقربى من النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أهل البيت. والمقصود بأهل البيت: أقارب النبي صلى الله عليه وسلم كآل علي بن أبي طالب: الحسن والحسين، وآل العباس وآل عقيل، فكل هؤلاء يعتبرون من قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمحبة قرابته والتزامهم، ولهذا قال: (عليكم بشيئين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي)، والعترة: هم أهل البيت، وهم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: (ومودة القربى بها أتوسل) يعني: أتوسل إلى الله عز وجل بمودة القربى، وهذا نوع من أنواع التوسل الجائز، فإن التوسل ينقسم إلى قسمين: توسل مشروع وتوسل ممنوع، فالتوسل المشروع يكون بثلاثة أمور: الأمر الأول: التوسل بأسماء الله وصفاته. والأمر الثاني: التوسل بدعاء الصالحين في حياتهم. والأمر الثالث: التوسل بالأعمال الصالحة. وهذا النوع من التوسل بالأعمال الصالحة، فإن مودة القربى من الأعمال الصالحة، وأما التوسل الممنوع فله مجال آخر. ومن هنا نلاحظ: أن محبة الصحابة فريضة، وأن بغض الصحابة كبيرة من كبائر الذنوب، وقد توصل إلى الكفر.

الطوائف التي قدحت في الصحابة وبيان ضلالهم

الطوائف التي قدحت في الصحابة وبيان ضلالهم وقد ظهرت طوائف ممن عادت الصحابة إجمالاً، أو عادت بعض الصحابة رضوان الله عليهم، وهذه الطوائف معدودة عند أهل العلم من الفرق الضالة المبتدعة، فالشيعة قبحهم الله يتقربون إلى الله بسب وذم وتكفير أغلب الصحابة! فهم يكفرون أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة وطلحة والزبير وأبا هريرة وأبا سفيان وأبناءه وكل الصحابة إلا مجموعة يسيرة مثل سلمان الفارسي والمقداد بن الأسود وعدد قليل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فهم ويكفرون جماعات من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويذمونهم ويسبونهم، بل إنهم يعتقدون أن من سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإن له الأجر عند الله، وأنه له المكانة العظمى عند الله؛ لأنهم -قبحهم الله- يزعمون أن هؤلاء ظلموا علي بن أبي طالب. وهم يحصرون دينهم في الولاية، ويقولون: إن الولاية هي أصل الدين، وأنها مقارنة لعبادة الله، وللشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة. فيقولون: من لم يؤمن بأن علي بن أبي طالب هو الولي بعد محمد صلى الله عليه وسلم فهو زنديق كافر خارج عن الإسلام، ولا شك أن هذه العقيدة عقيدة كفرية خطيرة، فإن تكفير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأسلوب معناه في الحقيقة طمس للدين وتغيير لمعالمه، فإن هؤلاء الصحابة هم الذين نقلوا الدين والقرآن، وأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأحكامه صلى الله عليه وسلم، وهم الذين ربوا هذه الأمة على الإيمان والتقوى وفتحوا هذه البلاد الشاسعة الكبيرة، والذين أقاموا فيها الدين، وهم حواريو النبي صلى الله عليه وسلم الذين لا يسبهم إلا خبيث مجرم. وبعض الفرق الضالة تسب بعض الصحابة مثل الخوارج؛ فإنهم نواصب، يسبون علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبعض من وقف معه من الصحابة، وبعضهم كان يطعن في بعض الصحابة، مثل معاوية بن أبي سفيان ويسبه ويذمه، أو في مسلمة الفتح، وبعض المعاصرين -قبحهم الله- يتكلمون فيهم، ويذمونهم ذماً قبيحاً، ولا شك أن هؤلاء مخالفون للنصوص الشرعية؛ فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد:10] يعني: من أسلم من قبل الفتح أو بعده. والسب والذم لا يمكن أبداً أن يكون مبدءاً ولا ديناً لأحد إلا من قبح فعله، وخبثت سريرته كحال الروافض ومن شايعهم. هؤلاء الذين يذمون معاوية يذمون كاتب الوحي، كما ثبت في الصحيح أن أبا سفيان جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واستأذنه بأن يكتب معاوية الوحي، فأذن له بذلك، فكان يكتب الوحي، وكان من أفضل ملوك الإسلام على الإطلاق، ولهذا لابد من معرفة قاعدة أهل السنة والجماعة فيما شجر بين الصحابة رضوان الله عليهم. وقعت فتنة في آخر زمن عثمان قتل فيها عثمان رضي الله عنه، ووقعت معركتان كبيرتان، الأولى: الجمل، والثانية: صفين، كانت هذه من الفتن التي وقعت في زمن الصحابة رضوان الله عليهم، وعقيدة أهل السنة والجماعة في هذه الفتنة: أنه يجب الإمساك وترك الكلام فيما شجر بين الصحابة، وأن هؤلاء ثبت فضلهم بنصوص الكتاب والسنة، وما وقع منهم في هذه الفتنة فهو ما بين خطأ واجتهاد، فما وقعوا فيه من خطأ فإن ما لهم من الفضل أعظم من هذا الخطأ، والله عز وجل يقول: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114]، وما وقعوا فيه من اجتهاد، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: (إذا اجتهد المجتهد فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر)، فهم ما بين الأجر والأجرين. ولهذا لا يجوز لأحد أن يتكلم فيهم، ولا يجوز لأحد أن يفتح هذا المجال للقدح في الصحابة رضوان الله عليهم، فإن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لم يجلد أحداً في ولايته إلا رجلاً سمعه يسب معاوية، والشيعة -قبحهم الله- يروون أحاديث موضوعة في ذم معاوية وكل ما ينقلونه فهو من الكذب؛ لأن الشيعية يتدينون لله بالكذب. والحقيقة أن الشيعة من أحمق الطوائف كما قال عدد من العلماء، قال أبو الربيع الزهراني: (الشيعة لو كانوا من البهائم لكانوا حمراً، ولو كانوا من الطيور لكانوا رخماً، وصدق فهم شر الطوائف، حتى أنه ينقل عن الشعبي أنه كان له جني يلتقي به، فقال له: من شر الطوائف لديكم؟ قال: الروافض، قال: وكذلك نحن، فشر الطوائف لدينا هم الروافض. ولهذا فاليهود مع كونهم بدلوا كلام الله -التوراة- إلا أنهم لا يسبون أصحاب موسى، والنصارى مع تحريفهم الإنجيل، لكنهم مع هذا لا يسبون أيضاً أصحاب عيسى، ووقعت هذه الشرذمة الخبيثة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال: (ولكلهم قدر علا وفضائل) ولهذا أفرد العلماء -مثل الإما

إعراب الأبيات

إعراب الأبيات (يا سائلي)، يا: حرف نداء، والحروف كلها مبنية، فهو مبني على السكون. (سائلي) سائل: منادى منصوب وعلامة نصبه الفتحة، لكن العلامة قد تكون ظاهرة، وقد تكون مقدرة، والتقدير أحياناً يكون للتعذر؛ لأن المحل مشتغل بحركة لوجود حرف بعدها، فالياء لا يناسبه إلا الكسرة، فيكون (سائل) منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على اللام منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، وهي الكسرة. والياء في محل جر بالإضافة. (عن مذهبي): (عن) حرف جر. ومذهب: اسم مجرور والباء في (مذهبي) عليها كسرة، فهل هذه الكسرة كسرة الجر، أم كسرة المناسبة؟ ما دام أن الكسرة موجودة فمن التعمق المذموم بحث مثل هذه المسائل، يعني: هذه المسائل كثرت عند المتأخرين إلا أنها ليست مهمة، وهي: هل هذه الكسرة علتها حرف الجر، أو علتها ياء المناسبة؟ وإن كان حرف الجر هو الأقوى، ولكن ليس مهماً أن نشتغل بهذا. (وعقيدتي) تابع لها. (رزق): فعل ماضي مبني للمجهول مبني على الفتح. (الهدى) مفعول ثاني مقدم منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. (مَن) اسم موصول، بمعنى: الذي وهو نائب الفاعل. (للهداية) اللام الأول زائدة وهي حرف جر، (هداية) مجرور (يسأل) فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر. (اسمع) فعل أمر مبني على السكون، وفاعله ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت. (كلام) مفعول به منصوب. و (كلام) مضاف، (ومحقق) مضاف إليه. (في قوله) جار ومجرور. (لا ينثني): لا نافية، وهذا فرع عن المعنى، يعني: فائدة الإعراب هو تحديد المعنى، (ينثني): فعل مضارع. (عنه) جار ومجرور، (ولا) هنا: نافية، (يتبدل) فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة. (حب الصحابة) حب: مبتدأ، وهو مضاف والصحابة: مضاف إليه مجرور. (كلِّهم) مضاف والضمير مضاف إليه. (لي مذهب) هذه جملة مستقلة، وهي خبر حب. (ومودة القربى): معطوف على ما قبله. (بها) جار ومجرور. (أتوسل): فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر. (ولكلهم) جار ومجرور. (قدر) مبتدأ مؤخر. (علا) صفة. (و) الواو حرف عطف، (فضائل) معطوف على قدر. (لكنما الصديق منهم أفضل). (لكنما) كافة ومكفوفة. (الصديق) مبتدأ مرفوع. (منهم) جار ومجرور والميم علامة الجمع. (أفضل) خبر لقوله: (الصديق).

الأسئلة

الأسئلة

سب الصحابة من أصول دين الشيعة

سب الصحابة من أصول دين الشيعة Q هل جميع الشيعة يسبون الصحابة؟ A إن من أصولهم المميزة لهم عن غيرهم: سب الصحابة.

كتب في مذهب التكفير للخوارج

كتب في مذهب التكفير للخوارج Q ما هو أفضل كتاب يتكلم عن مذاهب الخوارج؟ A ليس هناك كتاب محدد عن مذهب الخوارج، ومن أفضل الكتب في باب التكفير: نواقض الإيمان القولية والعملية، وكتاب: الإيمان لـ ابن تيمية وكتاب: الإيمان لـ أبي عبيد القاسم بن سلام، لكن من أفضل كتب المعاصرين: نواقض الإيمان القولية والعملية، للشيخ عبد العزيز آل عبد اللطيف، وضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة للشيخ عبد الله القرني.

ضابط الصحبة

ضابط الصحبة Q هل الذي عاش مع النبي صلى الله عليه وسلم أو في زمنه ولم يشاهده يعتبر صحابياً؟ A اللقيا شرط في الصحبة، لكن إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ورجل في اليمن ولم يلقَ النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه لا تسمى صحبة.

فهم الصحابة لمعاني الصفات

فهم الصحابة لمعاني الصفات Q ما حكم من يقول: إن الصحابة لم يعلموا الأسماء والصفات ولم يتكلموا عليها؟ A هذا خطأ كبير، فالقرآن مليء بالصفات، والصحابة يقرءونه آناء الليل وأطراف النهار، فكيف يقرءون الأسماء والصفات ولا يفهمونها، والرجل الذي سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، قال: أو يضحك الرب؟ قال: نعم، قال: لن نعدم خيراً من رب يضحك) فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم من أعلم الناس بأسماء الله وصفاته، لكنهم يدرسونها بمنهج صحيح رشيد، وليس بمنهج أهل البدع والضلالة.

حكم دعاء المسلم لنفسه أن يكون أفضل من الصحابة

حكم دعاء المسلم لنفسه أن يكون أفضل من الصحابة Q هل يجوز للمسلم أن يدعو الله عز وجل أن يكون أفضل من الصحابة زهداً وورعاً وعلماً؟ A هذا اعتداء في الدعاء، ليس هناك فائدة أن تدعو الله أن تكون أفضل من فلان، يعني: مثلاً لو قلت: اللهم اجعلني أفضل من إمام المسجد ما هي الفائدة؟! المفترض أن تقول: اللهم اجعلني صالحاً هادياً مهدياً، فادع لنفسك بالصلاح، ولا تدع بأن تكون أفضل من فلان أو أحسن من فلان، فليس في هذا فائدة.

معنى المذهب والعقيدة

معنى المذهب والعقيدة Q ما الفرق بين المهذب والعقيدة، في قول الناظم: (يا سائلي عن مذهبي وعقيدتي)؟ A المذهب والعقيدة بمعنى واحد، وإنما كررها للوزن في النظم.

الحوار مع الشيعة

الحوار مع الشيعة Q أعلن في الصحف قبل يومين عن مؤتمر للدعوة إلى الحوار مع الشيعة؟ A كلمة (الحوار) كلمة عامة، فإذا كان المقصود بكلمة الحوار: دعوة الشيعة إلى الله عز وجل وإلى السنة فهذا مطلوب، لكن الحقيقة أن أكثر من يتكلم في موضوعات الحوار أهدافه سياسية، ومع الأسف أن مثل هؤلاء يحتاجون إلى حوار مع أنفسهم قبل أن يقيموا حواراً مع الآخرين.

حكم خروج المرأة إلى السوق

حكم خروج المرأة إلى السوق Q مع حكم خروج المرأة إلى السوق للضرورة؟ A إذا خرجت المرأة محتشمة غير متطيبة ومتحجبة فليس في خروجها إلى السوق مانع.

حكم لبس العباءة

حكم لبس العباءة Q ما حكم لبس العباءة التي على الكتف من غير تطريز؟ A لبس العباءة التي على الكتف لا تجوز؛ لأنها تزين المرأة، والحجاب الهدف منه الستر وليس الزينة، ووضع المرأة الحجاب على الكتفين يبين جسدها: هل هي صغيرة أو كبيرة، هل هي متينة أو نحيفة، وهذا مخالف لمقصود الحجاب الذي هو الستر.

كيفية التعامل مع أصحاب المعتقدات المبتدعة

كيفية التعامل مع أصحاب المعتقدات المبتدعة Q يوجد بعض الناس تكون أفكارهم ومعتقداتهم مختلفة تماماً عما نعلمه عن الدين، فكيف نواجههم؟ A الخطوة الأولى: أن يجتهد الإنسان في تعلم دينه بشكل صحيح. الخطوة الثانية: هي أن ينظر إلى ما عند الآخرين من انحرافات، إلى هذه الأفكار الغريبة عن الدين ويحددها، فإذا حددها عرف ما هو الخطأ وما هو الصواب، لكن أحياناً قد يكون الإنسان فطرته سليمة، لكن ليس عنده علم، فينظر إلى بعض الناس فيجد عندهم أفكاراً غريبة، فإذا به قد دخل معهم في نقاش بدون علم، وإنما أنكر ما هم عليه بمجرد الفطرة، فهذا قد تدخل عليه شبه لا يستطيع أن يردها، فأول ما يبتدئ الإنسان هو بالعناية بتصحيح عقيدته في نفسه.

التسمية الصحيحة للشيعة

التسمية الصحيحة للشيعة Q هل الصحيح تسميتهم شيعة أم روافض؟ A يمكن أن يسموا شيعة، ويمكن أن يسموا روافض، فهم سموا روافض؛ لأنهم رفضوا كلام زيد بن علي رضي الله عنه ورحمه عندما سألوه عن موقفه من الشيخين، فترضى عليهما، فلما ترضى عليهما غضبوا عليه، فقال لهم: رفضتموني، فسموا رافضة. وهم شيعة؛ لأنهم يقولون: نحن شيعة أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو منهم براء.

حكم الإيمان بدون عمل مع ارتكاب بعض نواقض الإسلام

حكم الإيمان بدون عمل مع ارتكاب بعض نواقض الإسلام Q هل الشيعة مخلدون في النار مع أنهم يؤمنون بالله؟ A الإيمان بالله وحده ليس كافياً، فلابد أن يفهم أن الإنسان حتى يكون مسلماً لابد من الإتيان بأمرين: الإيمان بالله وعبادته عملياً، والأمر الثاني: ترك نواقض الإيمان، فإذا كان مؤمناً بالله وبالرسل وبالملائكة وبالكتب ويعبد الله عز وجل، لكن عنده ناقض من نواقض الإيمان كأن يسب الله يسب الرسول يسجد للصنم يتحاكم إلى غير شريعة الله، هذا لا ينفعه الإيمان. لابد من معرفة هذه القاعدة، فكثير من الناس يقول: كيف تكفره وهو مؤمن بالله؟! إن أحد الكتاب تكلم بكلام خطير في الدين، فلما قال له أحدهم: هذا كفر، قال: تكفرني وأنا مؤمن بالله، قال له: هذا الكلام الذي أنت تقوله لا شك في كونه كفراً بإجماع المسلمين، وهل يمنع هذا أن تكون مؤمن بالله فقط؟ لا يمنع، إذا كنت مؤمناً بالله، فإن للإيمان بالله لوازم، منها: الابتعاد عن نواقض الإيمان، فإذا لم يبتعد عن نواقض الإيمان فإنه يقع عليه الكفر بشروطه وضوابطه بالنسبة للمعينين.

جزاء الشيوعيين عند الله

جزاء الشيوعيين عند الله Q ما جزاء الشيوعيين عند الله؟ A الشيوعيون ملاحدة، وجزاؤهم هو جزاء الكفار. نسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم إلى كل خير، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

[2]

القصيدة اللامية لابن تيمية [2] تضمنت القصيدة اللامية لشيخ الإسلام بيان معتقد أهل السنة والجماعة في إثبات صفة الكلام لله تعالى, وأنه بحرف صوت وليس بمخلوق كما ذهب إليه المعتزلة ومن نحا نحوهم في تحريف نصوص الكتاب الدالة على ذلك, كما تضمنت بيان مذهب أهل السنة في مجانبة تأويل النصوص الذي يعني تحريفها وصرفها عن ظواهرها كما صنع نفاة الصفات ومن حذا حذوهم.

القرآن كلام الله غير مخلوق

القرآن كلام الله غير مخلوق الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراًً إلى يوم الدين. أما بعد: في الدرس الماضي انتهينا من موضوع الصحابة، وسنبدأ في هذا الدرس بإذن الله في الحديث عن موضوع القرآن، وأنه كلام الله سبحانه وتعالى غير مخلوق. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [وأقول في القرآن ما جاءت به آياته فهو القديم المنزل وأقول: قال الله جل جلاله المصطفي الهادي ولا أتأول]. هذان البيتان في موضوع من الموضوعات المهمة في العقيدة، وهو موضوع القرآن وهو كلام الله سبحانه وتعالى غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.

إثبات صفة الكلام لله تعالى

إثبات صفة الكلام لله تعالى والكلام في موضوع القرآن فرع عن الكلام في صفة الكلام لله تعالى، فإن القرآن جزء من كلام الله سبحانه وتعالى، وكلام الله سبحانه وتعالى صفة من صفاته، وهذه الصفة دلت عليها النصوص الشرعية الكثيرة، منها قول الله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6]، فأضاف الكلام إلى الله سبحانه وتعالى، وهناك قاعدة نفيسة لأهل العلم في المضاف إلى الله سبحانه وتعالى ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه: (الجواب الصحيح) حيث قال: المضاف إلى الله سبحانه وتعالى نوعان: النوع الأول: إضافة الأعيان، والأعيان هي جمع عين، والعين ما يقوم بذاته، فالشيء الذي يقوم بذاته لا يحتاج إلى غيره، مثل: إضافة الناقة إلى الله: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس:13]، والعباد: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان:63]، والعبد مثلاً: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن:19] والبيت: بيت الله وهكذا. وهذه الإضافة تكون على نوعين: النوع الأول: إضافة خلق. والنوع الثاني: إضافة تشريف، فمن النوع الأول: ناقة الله، ومن النوع الثاني: عبد الله، {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن:19]، فهذا بالإضافة إلى كونه من مخلوقات الله عز وجل فالإضافة هنا لها معنى زائد وهو التشريف، ومن هذا الباب حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل). فقوله: (وأن عيسى عبد الله)، فهنا إضافة، (ورسوله) هذه إضافة ثانية، (وكلمته) هذه إضافة ثالثة، (وروح منه) هذه إضافة رابعة، فهذه الإضافات إضافات خلق وتشريف، وليس المقصود بكلمته وبروحه أن عيسى من كلام الله، أو أن عيسى صفة من صفات الله، أو أن عيسى روح الله بمعنى أنه صفة من صفاته كما فهم ذلك النصارى، فإن هذا فهم فاسد، فعيسى روح من الأرواح كغيره من الناس له روح وجسد، إلا أن عيسى لشرفه ومكانته وفضله فإن الله عز وجل أضاف روحه إليه، مثل: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان:63]، ومثل: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} [الجن:19]، فكل الناس عباد الله لكنه أضاف النبي صلى الله عليه وسلم إليه إضافة تشريف وبياناً للمكانة. ومن هذه الإضافة إضافة الفطرة في قول الله عز وجل: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30]. والنوع الثاني من المضاف إلى الله تعالى: إضافة الأوصاف، فالنوع الأول هو إضافة الأعيان، والنوع الثاني: هو إضافة الأوصاف، والأوصاف هي التي لا تقوم بذاتها، والأوصاف جمع وصف، والصفة لا تقوم بذاتها، فتكون الإضافة حينئذ إضافة صفة إلى الله تعالى، ومن ذلك: الكلام، فإن الكلام لا يقوم بذاته، فليس أمراً يقوم بذاته وإنما يقوم بالمتكلم، ولهذا فالإضافة في قوله: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6] إضافة صفة.

مذاهب أهل البدع في صفة الكلام والرد عليها

مذاهب أهل البدع في صفة الكلام والرد عليها وقد دلت النصوص الكثيرة القطعية على أن الكلام صفة من صفاته، يقول الله عز وجل: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]، فلفظ الجلالة هنا مرفوع بالضمة على أنه فاعل، فهو المتكلم، وموسى هو الذي تُكُلِّم إليه، فهو منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف المقصورة منع من ظهورها التعذر، ولهذا فإن المعتزلة الذين يقولون: إن الله عز وجل لا يوصف بالكلام، وأن الكلام هو خلق من خلق الله تعالى جاءوا إلى أحد القراء الكبار وهو أبو عمرو بن العلاء وطلبوا منه أن يقرأ هذه الآية بالنصب: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]؛ حتى يكون المتكلم هنا هو موسى وليس الله سبحانه وتعالى، فقال لهم هذا العالم الكبير - أبو عمرو بن العلاء وهو من علماء أهل السنة-: أرأيتم لو فعلت لكم ما تريدون -علماً أنه لم يفعل هذا، لكنه تنزل معهم في الخطاب- ماذا تفعلون بقول الله عز وجل: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:143]؟! فهذه ليس منها مفر، فإن الكلام هنا مضاف إلى الله عز وجل قطعاً، وهو قائم بالله سبحانه وتعالى، ولهذا فالكلام صفة من صفات الله سبحانه وتعالى، وهذه الصفة معناها: أنه متكلم بحرف وصوت، فكلام الله سبحانه وتعالى بحرف وصوت، والحقيقة أننا لم نكن بحاجة إلى أن نبين أن الكلام بحرف وصوت؛ لأن الكلام في اللغة وعند عقلاء الناس لا يكون إلا بالصوت وبالحرف، ولكن لوجود بدعة غريبة جاء بها الكلابية والأشعرية أثبتوا فيها كلام الله عز وجل اسماً وحرفوا حقيقته معنىً، فقالوا: إن كلام الله معنى قائم بنفسه سبحانه وتعالى، فهم يثبتون الكلام، وربما تجد أشعرياً يقرر العقيدة فيقول: ومن صفات الله تعالى صفة الكلام، ويستدل بقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:143]، ويستدل أيضاً بـ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]، وبغيرها من الأدلة، لكن تفسيره لها مختلف عن تفسير السلف الصالح لها، فالأشعرية والكلابية ومعهم أيضاً الماتريدية يفسرون هذه الصفة على أن الكلام معنىً قائم بالله سبحانه وتعالى، وأن كلام الله عز وجل قديم أزلي، وأنه غير متعلق بالإرادة والمشيئة.

كلام الله تعالى بحرف وصوت

كلام الله تعالى بحرف وصوت والذي عليه منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم: أن كلام الله يكون بحرف وصوت، وأنه مرتبط بمشيئة الله عز وجل فيتكلم متى شاء، ويسكت إذا شاء سبحانه وتعالى، وقد تكلم قديماً ويتكلم الآن ويتكلم يوم القيامة، فهي صفة من صفات الكمال يفعلها الله عز وجل متى شاء كيف شاء سبحانه وتعالى، والدليل على أن كلام الله يكون بحرف حديث ابن مسعود المشهور: (من قرأ حرفاً من كتاب الله كتب له عشر حسنات ثم قال: لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)، فهذا يدل على أن القرآن أحرف، وأن القرآن يتفاضل أيضاً، فبعضه أفضل من بعض، فسورة الفاتحة هي أفضل ما في القرآن كما جاء في حديث أبي سعيد بن المعلى، وآية الكرسي هي أفضل آية في كتاب الله، وسورة البقرة وآل عمران تأتيان يوم القيامة كغمامتين أو غيايتين أو فرقان من طير صواف كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتحاجان عن صاحبهما يوم القيامة، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] تعدل ثلث القرآن، فهذا يدل على أن القرآن يتفاضل بناء على تفاضل معناه، فإن كل سورة أو آية مما سبق الإشارة إليه معناها مختلف عن مثلاً سورة: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1]، أو عن أي سورة أخرى في القرآن كالنمل والنحل وغيرها، ولهذا فكلام الله سبحانه وتعالى حروف وأصوات أيضاً. والدليل على أن كلام الله عز وجل بصوت: التعبير بالنداء في الآيات التي تبين كلام الله عز وجل، يقول الله عز وجل: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65]، والنداء في لغة العرب هو الكلام بالصوت، فلا يقول أحد من العرب: أن الكلام الذي يكون في النفس يسمى نداءً، وأن خواطر النفس تسمى نداءً. ويقول الله عز وجل: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم:52]، ويقول: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى} [طه:11] والذي ناداه هو الله عز وجل؛ لأنه قال: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه:12]، فالنداء هنا كان من الله عز وجل لموسى عليه السلام، والنداء لا يكون إلا بصوت، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يبعث الله الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً بهماً، قيل: وما بهم؟ قال: ليس معهم شيء، فيناديهم بصوت يسمعه من قرب كما يسمعه من بعد: أنا الجبار، أنا الملك)، فقوله: (فيناديهم بصوت) صريح في أن لله عز وجل صوتاً يختلف عن صوت المخلوقين، كما أن الله عز وجل في ذاته يختلف عن ذوات المخلوقين، وكلامه مختلف عن كلام المخلوقين.

حكم إطلاق لفظ القديم على القرآن

حكم إطلاق لفظ القديم على القرآن والقرآن هو من كلام الله عز وجل، والناظم الذي هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا البيت يقرر أن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، فيقول: وأقول في القرآن ما جاءت به آياته فهو القديم المنزل والآيات القرآنية تدل على أن هذا القرآن من كلام الله، وأن هذا القرآن تكلم به الله عز وجل وسمعه منه جبريل، ثم جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل عليهم السلام. وأقول في القرآن ما جاءت به آياته فهو القديم المنزل وهنا لفظة القديم خطأ، وقد سبق أن بينت أن القرآن متعلق بمشيئة الله، والدليل على أنه متعلق بمشيئة الله قول الله عز وجل: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]، وأمره يكون بكلامه، فلا يمكن أن يكون الأمر بالإشارة، فلو أن إنساناً أشار إلى إنسان هكذا يعني: اخرج من المسجد، فإن هذه الإشارة وحدها لا يؤخذ منها الأمر حتى يقول: اخرج، وهذا أمر متفق عليه بين أهل اللغة، وهذا أمر معروف لا يجادله فيه أحد، فقوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]، يدل على أن الأمر مرتبط بالإرادة والمشيئة، فهو إذا شاء تكلم، وإذا شاء فإنه لا يتكلم سبحانه وتعالى، فهو سبحانه وتعالى يتكلم قديماً ويتكلم الآن وسيتكلم يوم القيامة، ولهذا يخاطب الكفار يوم القيامة عندما يقولون: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ} [المؤمنون:106] فيقول: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108]، فقوله: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] سيكون يوم القيامة، فالقول: بأن صفة الكلام قديمة قول غير صحيح، ولهذا لا يصح أن تنسب إلى شيخ الإسلام هذه الكلمة الموجودة في النظم، وهي قوله: (فهو القديم المنزل) والصحيح أنه قال: فهو الكريم المنزل، وهذا موجود في بعض النسخ، فكلمة القديم هنا غير صحيحة، بل إن ابن تيمية رحمه الله في بعض كتبه صرح بأنه لا يقال في وصف القرآن بأنه قديم، وقال: لا يوجد أحد من السلف يقول: إن القرآن قديم، فكيف يقال: بأن ابن تيمية رحمه الله يقول هذا القول، فالقرآن لا يقال عنه إنه قديم، والذين قالوا: إن القرآن قديم كان ذلك فرع عن قولهم: إن صفة الكلام قديمة، وهم يريدون أن يصلوا إلى أن كلام الله معانٍ ليست متعلقة بالمشيئة، وليست بحرف وصوت، وأنه لا يتكلم متى شاء، وكيف شاء، والسبب في هذا: هو أن أهل الكلام عندهم أصل عقلي فاسد، وهو ليس عقلياً في الحقيقة بل هو جهالة، وهذا الأصل الفاسد هو أن كل ما يدل على الحدوث عندهم فهو يستلزم الخلق، وكل ما يدل على الحركة ويدل على الوقت فهو يستلزم الحدوث، والحدوث وصف للمخلوق وليس وصفاً للخالق، وبناء على هذا أولوا كل الصفات الاختيارية، أي: أو لو كل الصفات الفعلية المتعلقة بمشيئة الله عز وجل، فقولهم هذا في كلام الله عز وجل ليس خاصاً بصفة الكلام بل هو عام في كل الصفات الاختيارية، فهم يؤولونها جميعاً ويقولون: إنه ليس هناك صفات متعلقة بالمشيئة، وهذا لا شك أنه قول باطل، فالصحيح إذاً: (فهو الكريم المنزل).

الأدلة على أن القرآن كلام الله غير مخلوق

الأدلة على أن القرآن كلام الله غير مخلوق والقرآن كما قلت: هو كلام الله عز وجل غير مخلوق، والسلف ينصون على هذا؛ لأن المعتزلة قالت: بأن القرآن مخلوق من الخلق، ويقولون: إن القرآن ليس صفة من صفات الله، بل هو خلق من خلقه، ويقولون: إن الله عز وجل خلق الكلام في الهواء فأخذه جبريل وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فالقرآن مخلوق. ولا شك أن هذا باطل، ويدل على بطلان هذا أدلة كثيرة، منها: قول الله عز وجل: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:54]، ففرق بين الخلق والأمر، ولا شك أن القرآن من أمر الله وليس من خلقه، وهذا ما استدل به الإمام أحمد ومن قبله سفيان بن عيينة الهلالي رحمهما الله، فاستدلوا على أن القرآن ليس مخلوقاً بالتفريق بين الخلق والأمر واعتبار الأمر غير الخلق، فالأمر صفة من صفات الله عز وجل كما أن الخلق صفة من صفاته، لكن لا يصح أن يقال في صفة: إنها مخلوقة. الدليل الثاني: قول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن:1 - 4]، والقرآن من البيان، ولهذا قال الإمام أحمد: القرآن من علم الله تعالى، واستدل على أنه من علم الله عز وجل بقول الله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [آل عمران:61]، والذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم هو القرآن، فاعتبر القرآن من علم الله عز وجل، ومن قال: إن علم الله عز وجل مخلوق فلا شك في كفره؛ فإن علم الله عز وجل صفة من صفاته، وليس في صفات الله مخلوق؛ لأنه لو كان علم الله مخلوق لاقتضى هذا أن يكون الله سبحانه وتعالى مخلوق، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، ولهذا يجب الحذر من هذه المقالة البدعية الضالة وهي: القول بأن القرآن مخلوق. ومما يدل على أن القرآن ليس مخلوقاًَ وإنما هو صفة من صفاته: أنك تحلف بأسماء الله فتقول: وعزة الله، وتقول: والله العظيم، ونحن عرفنا هذه الأسماء من القرآن، فلو كان القرآن مخلوقاً لاستلزم أن تكون هذه الأسماء مخلوقة، ولو كانت هذه الأسماء مخلوقة لما جاز الحلف بها؛ لأن الحلف بالمخلوق شرك، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، وهذا دليل صريح على أن القرآن ليس مخلوقاً، بل هو من كلام الله عز وجل الذي هو صفة من صفاته سبحانه وتعالى؛ ولهذا ربط السلف رضوان الله عليهم بين القول بخلق القرآن والقول: بخلق الأسماء، والتزم المعتزلة بأن الأسماء مخلوقة بناء على أنهم يقولون في القرآن بأنه مخلوق، وقد صرح السلف الصالح بأن من قال: أسماء الله مخلوقة فهو كافر. ومما يدل على أن القرآن من كلام الله وليس مخلوقاً: كل الأحاديث الواردة في الاستعاذة بكلمات الله عز وجل، منها حديث خولة بنت حكيم: (من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك)، وكلمات الله كثيرة ومنها القرآن، فلو كانت كلمات الله مخلوقة كما قالت المعتزلة لما جازت الاستعاذة بها؛ لأن الاستعاذة تكون بالله ولا تكون بالمخلوق، والاستعاذة بالمخلوق شرك كما هو معلوم. وكذلك جاء التعبير بالسماع، فالقرآن يسمع، ولو لم يكن كلاماً بصوت لما جاز التعبير بلفظ السماع، فالله عز وجل يقول: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6]، وهذا يدل على أن السماع يكون لما كان بصوت، فكلام الله مسموع مع أنه غير مخلوق، فقد سمعه موسى عليه السلام، وسمعه محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، ويسمعه يوم القيامة أهل الجنة عندما يخاطبهم الله سبحانه وتعالى. ويقول عز وجل: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204]. وأيضاً فالقرآن مقروء، فهو يقرأ كما قال الله عز وجل: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل:20]، وقال: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل:98]، إذاً كل هذا يدل على أن القرآن كلام الله عز وجل وهو صفة من صفات الله عز وجل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود. وقولنا: (منه بدأ) يعني: أن الكلام من الله بدأ، فهو المتكلم الأول به، قال العلماء: إن المقصود بإليه يعود أنه قبل القيامة يأخذ الله عز وجل هذا القرآن من المصاحف ومن صدور الرجال، حتى لا يكاد أحد يستطيع أن يأتي بشيء منه، فيكون في آخر الزمان شرار الخلق وعليهم تقوم الساعة.

الكلام على التأويل وبيان أنواعه وحكم كل نوع

الكلام على التأويل وبيان أنواعه وحكم كل نوع يقول ابن تيمية رحمه الله: (وأقول قال الله جل جلاله). قال الله يعني: يصح أن ينسب الإنسان القول إلى الله سبحانه وتعالى، ومقتضى القول: أن الله تكلم بما قاله، فإن القول يكون بالحرف والصوت. وأقول قال الله جل جلاله المصطفي الهادي ولا أتأول. المصطفي: هو الذي اصطفى من شاء من الخلق سبحانه وتعالى، كما قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فاطر:32]. والهادي من أسماء الله سبحانه وتعالى، ولا أتأول يعني: لا أحرف معاني القرآن ومعاني السنة النبوية على خلاف معناها، والتأويل مصطلح له معنى شرعي صحيح ثم استعمله أهل الباطل والتعطيل بمعنى فاسد، فأما المعنى الشرعي الصحيح للتأويل فهو دائر بين أمرين: الأمر الأول: أن يكون بمعنى التفسير. والأمر الثاني: أن يكون بمعنى حقيقة الشيء. ولهذا جاء في حديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه: سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي)، قالت عائشة رضي الله عنها: يتأول القرآن، تعني: يأتي بحقيقته، وأيضاً جاء في آية التأويل الطويلة في سورة آل عمران: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:7]، والمقصود بالتأويل هنا: حقيقة الشيء، فلا يعلم حقائق الأشياء كما هي إلا الله سبحانه وتعالى، وفي الوقف في هذه الآية خلاف مشهور بين أهل العلم، ويختلف معنى التأويل بناء على الوقف، في قوله: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:7]، فالوقوف على لفظ الجلالة معناه أن التأويل يكون بمعنى حقيقة الشيء، وحينئذ يكون الراسخون في العلم لا يعلمون حقائق الأشياء، وأما إذا تم الوصل: {إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران:7] فإن التأويل يكون حينئذ بمعنى التفسير، ولهذا ورد عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: أنا ممن يعلم تأويله، على معنى أن التأويل هنا بمعنى التفسير، إذاً فالتأويل يأتي بمعنى التفسير، ويأتي بمعنى حقيقة الشيء، فحقيقة الشيء لا يعلمها إلا الله، والتفسير يعلمه الراسخون في العلم، ولهذا دعا النبي صلى الله عليه وسلم لـ عبد الله بن عباس ترجمان القرآن فقال: (اللهم علمه التأويل)، وتفسير الطبري المشهور اسمه (جامع البيان في تأويل آي القرآن) فتأويل يعني: تفسير، فهذا معنى التأويل عند أهل السنة وفي المصطلح الشرعي. وأما التأويل عند المتأخرين فإنه أخذ مفهوماً باطلاً وهو التحريف، فإنهم قالوا: إن التأويل هو صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلى ظاهره المرجوح لوجود قرينة، فكل لفظ عندهم جعلوا له ظاهراً راجحاً وظاهراً مرجوحاً، فإذا كان هذا الأمر لا يوافق أهواءهم صرفوه من معنى إلى معنى آخر ويزعمون أن هناك قرينة، فمثلاً أولوا صفات الله سبحانه وتعالى وقالوا: إن إثبات الصفات يقتضي التشبيه بالمخلوقات كما سيأتي معنا، وأولوا كل النصوص الشرعية الواردة في إثبات الصفات، فجاءوا مثلاً إلى قوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] أو {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:10] فقالوا: ليس المقصود باليد هنا اليد الحقيقية، وإنما معناها: النعمة، فاليد كلمة تستخدم تارة في اليد الحقيقية، وتستخدم تارة بمعنى النعمة، فقالوا: إذاً يراد بهذه الآية النعمة وليس اليد الحقيقية، وصرفوها عن اليد الحقيقية لوجود قرينة، والقرينة أن إثباتها بمعنى اليد الحقيقية يقتضي التشبيه. قلنا: ومن قال: إنها تقتضي التشبيه؟ ثم إذا صرفتموها إلى النعمة فهي أيضاً تقتضي التشبيه، فتصبح نعمته مثل نعمة خلقه، فللخلق نعمة وللخالق نعمة، ولهذا يجب أن يفرق بين أسماء الله وصفاته وبين صفات خلقه منذ البداية، فنثبت كل ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات وننفي عنها مشابهة ومماثلة المخلوقات، وسيأتي تفسير ذلك وبيانه بإذن الله.

من الأدلة على أن القرآن كلام الله أنه لو لم يكن من كلام الله لما كان معجزا

من الأدلة على أن القرآن كلام الله أنه لو لم يكن من كلام الله لما كان معجزاً ويمكن أن أختم بقضية مهمة جداً وهي أن هذا القرآن لو لم يكن هو كلام الله سبحانه وتعالى لما كان معجزاً، يعني: لو كان هذا القرآن من كلام غير الله لما كان لنا حجة في إثبات الإعجاز، فالقرآن يتضمن أدلة ثبوته في نفسه، فهو يتضمن الإعجاز البلاغي والبياني، ولهذا تحداهم الله عز وجل بأن يأتوا بمثله، أو بعشر سور، أو بسورة واحدة، وأيضاً يتضمن الإعجاز في أحكامه وسلامة هذه الأحكام من النقص، وكونها موافقة لحاجة الإنسان لطبيعته، وأيضاً هذا القرآن معجز من حيث إخباره بالمغيبات، فلو كان هذا القرآن ليس كلام الله عز وجل بل هو مخلوق لما دل ذلك على هذا الإعجاز كله، ولهذا فإن القول بأن القرآن مخلوق من العقائد الفاسدة الباطلة الضالة، ولا يزال لها أتباع يروجونها إلى اليوم.

فتنة خلق القرآن وثبات الإمام أحمد فيها

فتنة خلق القرآن وثبات الإمام أحمد فيها انكسرت شوكة المعتزلة في زمن الإمام أحمد وظهرت السنة ولله الحمد، وحصلت فتنة مشهورة في زمن المأمون تزعم فيها المأمون القول: بخلق القرآن، وامتحن علماء أهل السنة في ذلك الوقت، وأخافهم وأرهبهم، وكثير من علماء السنة في تلك الفترة خافوا وتأولوا وخرجوا من السجن إلا الإمام أحمد رحمه الله ومحمد بن نوح، وكان شاباً صغيراً، فالإمام أحمد رحمه الله جاءته هذه الفتنة وهو في الثامنة والخمسين من عمره، أي: بعد أن صار عالماً مشهوراً في الأمة، فثبت الإمام أحمد رحمه الله وأوذي، واستمرت فتنته عشر سنين، ثم بعد ذلك نصره الله سبحانه وتعالى عليهم، وألف كتابه المشهور: (الرد على الزنادقة والجهمية) وهو كتاب مطبوع وموجود، وأتمنى من الإخوة أن يقرءوه فهو من أنفس الكتب ومن أفضلها، وعليه نور، وهذا النور جاء بفضل زهده وخوفه من الله، وتقواه، وثباته على الحق، وقد ناقش قضية خلق القرآن مناقشة تدل على العلم بالنصوص الشرعية، وأيضاً على استعمال الأساليب العقلية والمناقشات الجدلية التي تثبت أن هذا الإمام يملك العلم في العقل والنقل أيضاً. وهذه الفتنة انتصر فيها أهل الحديث ولله الحمد والمنة، فقدر الله أن تذهب شوكة المعتزلة، فذابت في الفرق، وأصبحت بعد هذه المرحلة ليس لها كيان مستقل باسم المعتزلة وإنما ذابت في الفرق، فأصبحت عند الأباضية الخوارج وعند الشيعة، فالشيعة اليوم معتزلة.

الرد على القائلين بعدم جدوى دراسة الفرق الضالة بحجة أنها قد اندثرت

الرد على القائلين بعدم جدوى دراسة الفرق الضالة بحجة أنها قد اندثرت كثير من الناس يظن أن تدريس مثل هذه العقائد بعيد عن الواقع، ويقول: إن الواجب هو أن نترك القضايا التراثية القديمة ونناقش الأمور العلمية في الحياة، وأنا أقول وأجزم بما أقول: أن هذا جزء من أمرين: الأمر الأول: من الديانة التي يجب أن نشرحها للناس؛ لأن هذا هو الحق الذي يجب أن نبينه للناس، ومن جهة أخرى أن هذا علم الواقع، ويؤسفني أنه قبل حوالي عشر سنين حضرت محاضرة لداعية على مستوى العالم الإسلامي بأكمله، داعية من خارج هذه البلاد استضيف في نادي أدبي، وكان عنوان محاضرته: (الإسلام والتحديات المعاصرة) فيقول: إن من أبرز التحديات التي تواجه المسلمين اليوم العلمانية والحداثة وغيرها، وهذا كلام صحيح وممتاز، لكنه تجاوز فأخطأ وقال: إن الذين يناقشون آراء الفرق الضالة في المساجد إن هؤلاء يحاربون في الهواء، وإن هؤلاء يتكلمون عن الماضي، وإن هذه الفرق لا وجود لها وقد اندثرت وهلكت وماتت منذ زمن بعيد، فقال بهذا النص: أعطوني شخصاً واحداً يقول: بأن القرآن مخلوق، فتعجبت غاية العجب من هذا الرجل المشهور والذي له محاضرات كثيرة في الخارج خصوصاً في أمريكا وأوروبا، وله إفتاء في الفضائيات بشكل واسع. وهذا يدل على عدم معرفة الواقع على حقيقته، فإن مفتي عمان الآن من أبرز من يقول بأن القرآن مخلوق، وقد ألف كتاباً سماه: (الحق الدامغ)، وقد بناه على ثلاث مسائل: المسألة الأولى: إنكار رؤية الله عز وجل يوم القيامة، والثانية: أن القرآن مخلوق، والثالثة: أن الفاسق الملي يخلد يوم القيامة في النار، فهذا هو المفتي فكيف بغيره من تلاميذه وأساتذة الجامعات والتخصصات الشرعية، والشيعة اليوم في إيران وفي غيرها يدرسون في مناهجهم بالإضافة إلى الغلو الذي أوصلهم إلى الكفر وعبادة غير الله عز وجل يدرسون أيضاً أن القرآن مخلوق، وهناك كتاب اسمه: (التوحيد) لـ ابن بابويه القمي وهو من علماء الشيعة المشهورين، وهذا الكتاب عندما تقرؤه تظن أنك تقرأ لكاتب معتزلي، بل من أئمة المعتزلة، مع أنه شيعي في نفس الوقت، ولو تجاوزنا الاعتزال وجئنا إلى الأشعرية الذين هم عدد كبير، ولعل هذا الدكتور الذي سبق أن أشرت إلى محاضرته ممن درس هذه العقيدة مع أنه لا يعتقدها، فالأشعرية يقولون: إن كلام الله عز وجل معنىً قائم بذات الله عز وجل، وأما القرآن نفسه فهو مخلوق؛ لأن المعبر هو جبريل أو محمد صلى الله عليه وسلم، إذاً فتوصلوا إلى نتيجة واحدة، ولهذا يقول شارح (الجوهرة) وهو متن مشهور يدرس في كثير من البلاد الإسلامية يقول: ولا بأس أن نقول: بأن القرآن مخلوق على سبيل التعليم للطلاب، حتى نعلم الطلاب ونفهمهم كيف يفهمون قضية أن القرآن من كلام الله، وأن كلام الله معنى قائم بذات الله تعالى. هذا ما أحببت أن أشير إليه، وأختم هذا الدرس بالإعراب:

إعراب الأبيات

إعراب الأبيات (وأقول): الواو حسب ما قبلها. (أقول) فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا. (في القرآن): (في) حرف جر و (القرآن) اسم مجرور. و (ما) اسم موصول مبني، وهو في محل نصب مفعول به. (جاءت به) جاء فعل ماضي مبني على الفتح، فالفعل الماضي إذا اتصل بتاء التأنيث يكون مبنياً على الفتح. (به) جار ومجرور. (آياته) فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة، وهو مضاف والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه. (فهو) الفاء عاطفة، وهي تدل على التعقيب، والحروف لها معان، ومعاني الحروف لها أهمية كبيرة جداً في طلب العلم خصوصاً في الاستنباط؛ فكل حرف من هذه الحروف له معنىً، ولهذا ألف المرادي كتاب (الجنى الداني في حروف المعاني)، وللرماني كتاب بعنوان (معاني الحروف). (هو) ضمير في محل رفع مبتدأ. (الكريم) خبر. (المنزل) صفة. (وأقول) هذه مثل السابقة، (قال الله) فعل وفاعل، (جل جلاله) جل فعل ماضي، (جلاله) هو الفاعل، وهو مضاف والضمير مضاف إليه. (المصطفي الهادي) هاتان صفتان. (ولا أتأول) (لا): هنا نافية، ولا النافية سبق وأن قلنا: إنها لا تعمل، (أتأول) فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر.

الأسئلة

الأسئلة

الفائدة من الخوض في أسماء الله وصفاته والتفصيل في ذلك

الفائدة من الخوض في أسماء الله وصفاته والتفصيل في ذلك Q ما الفائدة من خوضنا في أسماء الله وصفاته والتفصيل فيه؟ A دراسة أسماء الله وصفاته لها منهجان ينبغي الإشارة إليهما: المنهج الأول: منهج التصحيح، ومعنى منهج التصحيح: أن نصحح ما شاب هذه الأسماء والصفات من الآراء البدعية الضالة، وهذا الأمر في غاية الأهمية، وهذه الطريقة هي التي نتبعها، وغالب المتون العلمية التي تشرح على هذا المنهج، وهناك منهج ثانٍ لا بد من الإشارة إليه وهو الاستفادة من إثبات هذه الأسماء والصفات في الإيمان، فإن إثباتك مثلاً لاسم الله العليم يجعلك تتربى على الخوف من الله، وعلى مراقبة الله سبحانه وتعالى، فهو يعلم كل شيء، وهذه الصفة صفة كريمة عظيمة تجعلك توقن بقضاء الله وقدره؛ لأنه ما من شيء يحصل إلا بعلم الله عز وجل. وهذا المنهج هو الذي كان عليه الصحابة؛ لأنه في زمن الصحابة لم تكن هناك آراء ضالة وفرقاً منحرفة أثرت على الأمة وغيرت مدلول الأسماء والصفات أو القدر أو الإيمان، ولهذا كانوا بمجرد أن يسمعوا الصفة من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة يتأثرون بها ويأخذون منها فائدة عملية وسلوكية، فهذا لقيط بن صبرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسمعه يقول: (يضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، قال: يا رسول الله! أويضحك الرب؟! قال: نعم)، فلم تحصل عنده شبه في ذهنه أن هذا يقتضي أن يكون مماثل للمخلوقات كما حصل عند المتأخرين، وإنما استفاد منها فائدة سلوكية فقال: (لن نعدم من رب يضحك خيراً)، فأخذ منها عبادة عظيمة وهي الرجاء، فتعلق قلبه بالله عز وجل، فينبغي أن ندرس أسماء الله وصفاته على هذين المنهجين: المنهج الأول: تصحيح العقيدة، وهذا يقتضي الرد على الفرق الضالة، وهو الأسلوب المتبع في شرح متون العقيدة، وهذا الأسلوب ليس كافياً، فلا بد أن ينضاف إليه أن معاني أسماء الله ومعاني صفات الله وقضايا أعمال القلوب وقضايا القدر وغيرها لها آثار إيمانية عجيبة في المجتمع، لكن هذه الدروس الهدف منها التصحيح، وهناك دروس في شرح أسماء الله الحسنى الهدف منها تعميق الآثار الإيمانية، ولهذا كان الصحابة يتأملون القرآن ويتأثرون بما فيه من العقائد العظيمة.

حكم وصف الله بالقديم

حكم وصف الله بالقديم Q هل نقول: بأن الله قديم؟ A لم يرد في القرآن ولا في السنة وصف الله بأنه قديم، لكن وصف بأنه الأول، فسمى الله عز وجل نفسه فقال: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد:3]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء)، ولم يرد وصفه بالقديم في الكتاب والسنة. ولا يجوز أن يسمى الله بالقديم؛ لأن أسماء الله عز وجل موقوفة على ما وردت في النصوص، وهذا لم يرد في النصوص الشرعية. ولأنه يتضمن معنى غير تام، فالقديم هو ما يكون قبله شيء، فالله عز وجل يقول: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس:39]، فالعرجون القديم يمكن أن يدل على أن هناك عراجين أقدم منه لكن هذا قديم، ولهذا فإن استخدام الألفاظ الشرعية في وصف الله عز وجل وفي العقيدة له أهمية كبرى، وأما إذا قيل: القديم من باب الإخبار عن الله عز وجل فهذا لا بأس به، فإذا كان الإنسان يخبر عن الله بأنه قديم ويقصد أنه الأول فهذا لا بأس به، ولهذا قد يرد هذا اللفظ في كتب ابن تيمية رحمه الله كثيراً من هذا الباب وهو: باب الإخبار، وليس من باب الصفات، وليس أيضاً من باب الأسماء، فيمكن أن يقال: بأن الله قديم من باب الإخبار عن الله عز وجل، والإخبار أوسع من باب الأسماء وباب الصفات.

حم السكوت في موضوع خلق القرآن بحجة أن الصحابة لم يخوضوا في هذه المسألة

حم السكوت في موضوع خلق القرآن بحجة أن الصحابة لم يخوضوا في هذه المسألة Q لماذا لا نسكت في موضوع خلق القرآن ونقول: الله أعلم؛ لأن الصحابة لم يخوضوا في هذا الموضوع؟ A كيف نسكت والله عز وجل يعلمنا أنه غير مخلوق؟ وكيف نسكت عن الباطل؟ وقضية أن القرآن مخلوق أو غير مخلوق ليست مسألة اجتهادية أو مسألة جاءت فيما بعد، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يعتقد أن القرآن غير مخلوق؛ لأنه من صفات الله، وكيف تكون صفات الله مخلوقة؟! فهذه القضية ليست من المسائل الاجتهادية، والذين قالوا: بأنه مخلوق ضلال ومبتدعة، ولا شك في انحرافهم، فهذه المسألة ليست من المسائل التي يمكن أن يتهاون فيها، فكثير من الإخوان قد يكون تصوره عن هذه المسألة تصوراً سطحياً، فيتصور أن المسألة بسيطة وأن الخلاف جاء متأخراً. ولو سئل المسلم: هل القرآن مخلوق أو غير مخلوق؟ فقال: لا مخلوق ولا غير مخلوق لكان ضالاً منحرفاً؛ لأن الله عز وجل نص في القرآن على أن القرآن كلامه فقال: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6]، ولا يمكن أن يكون كلام الله مخلوق، فهذه القضية ليست قضية ثقافية يمكن أن يكون للإنسان فيها وجهة نظر، فهي قضية قطعية، وكون الإنسان لم يقرأ فيها لا يعني أنها ليست قطعية. وكذلك لو سئل المسلم: هل الله عز وجل يرى يوم القيامة؟ فقال: والله ما أدري يمكن يرى ويمكن ما يرى، فإنه يكون ضالاً؛ لأن الله أخبر في القرآن أنه يرى، فكيف ينفي العلم عن شيء أخبر الله به؟ وكيف ينفي العلم عن شيء أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم؟ إذاً فالقضية ليست بهذه الصورة التي يتخيلها بعض الإخوة.

الفرق بين تكفير الفعل وتكفير الفاعل

الفرق بين تكفير الفعل وتكفير الفاعل Q يرتكب أحدهم ناقضاً من نواقض الإيمان فيستهزئ بالدين مثلاً، فيقال: لا يصح أن تكفر هذا الشخص الذي ارتكب ذلك بل كفر فعله، فهل هناك فرق؟ A الفعل قد يكون كفراً، والشخص الفاعل قد يكون كافراً وقد لا يكون؛ لأن تكفير المعين يحتاج إلى وجود شروط وانتفاء موانع، فإذا وجدت فيه الشروط التامة وانتفت عنه الموانع فهو كافر، وأما أن نقول: لا نكفر الناس أبداً ولكن نكفر الأفعال فقط، فهذا خطأ وانحراف كبير؛ لأن هناك باباً في الفقه اسمه: باب حكم المرتد، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من بدل دينه فاقتلوه)، والمرتد الذي يكفر بعد إيمانه يقتل، فإذا كنا لا نكفره ونكفر فعله فكيف نقيم عليه الحد؟! ولهذا جاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: أنه أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ردفاً لـ أبي موسى الأشعري فلما جاء وجد رجلاً مربوطاً خارج الخيمة، فقال لهم: ما شأنه؟ قالوا: ارتد بعد إسلامه، قال: لا أجلس حتى تقتلوه. وجاء في بعض الروايات أنه قال: استتيبوه مرة واحدة، وهذه الرواية رواها أحمد في المسند، وحسن إسنادها الحافظ في الفتح، قال: استتيبوه مرة واحدة فإن تاب وإلا فاقتلوه، فإذا كان الكافر المرتد يقتل فلا يصح القول: بأنا لا نكفر الشخص ونكفر الفعل فقط هكذا مطلقاً، لكن أيضاً لا نطالب الآخرين بالاستعجال، ولا نقول لهم: بمجرد أن الشخص يرتكب ناقضاً أو يقع في كفر فإنه يكفر مباشرة، فلا بد من وجود الشروط وانتفاء الموانع، ووجود الشروط وانتفاء الموانع تقتضي ألا يكون متأولاً، فالأشعرية مثلاً والمعتزلة الذين يقولون: بأن القرآن مخلوق لا نكفرهم حتى تقوم عليهم الحجة، فإن قامت عليهم الحجة وارتفعت عنهم الشبهة واتضح بعد ذلك أنهم زنادقة يدافعون عن الزندقة فنكفرهم بأعيانهم، ومن هنا فعقيدة أهل السنة والجماعة في تكفير أهل البدع: أنهم لا يكفرون إلا من قامت عليه الحجة وظهرت له المحجة.

حكم أخذ شعر الحاجبين

حكم أخذ شعر الحاجبين Q هل يجوز أخذ شعر الحاجبين بالشفرة؟ A لا يجوز للمرأة أن تأخذ شيئاً من حواجبها بأي وسيلة من الوسائل؛ لأن هذا هو النمص الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم من قامت به.

شروح اللامية لابن تيمية

شروح اللامية لابن تيمية Q هل توجد شروح للامية ابن تيمية؟ A هناك شرح لأحد علماء الحنابلة وهو: أحمد بن عبد الله المرداوي الحنبلي وشرحه مطبوع، وعلى هذا الشرح تعليقات للشيخ الفوزان، فيمكن مراجعة هذا الشرح.

صفة الكلام قديمة النوع متجددة الآحاد

صفة الكلام قديمة النوع متجددة الآحاد Q من السلف من يعرف صفة الكلام: بأنه قديم النوع متجدد الآحاد، بصوت وحروف يسمع، فهل يصح النفي المطلق الذي ذكرتموه وهو: لا يصح إطلاق أن كلام الله ليس قديماً، ومما يرد ذلك: أن صفة الكلام صفة ذاتية فعلية، فيكون الكلام قديم النوع متجدد الآحاد متعلق بالإرادة والمشيئة؟ A قولهم: حادث الآحاد ليس فيها إشكال، وهذا ما نقول به، وهذا ما ينفيه الأشعرية والمعتزلة، وأما القول: بأنه قديم النوع، فهذا ليس خاصاً بالكلام، فكل الصفات الفعلية يقال فيها: إنها قديمة النوع. وأصل الصفة لا شك أنه قديم، والله عز وجل ليس له أول، فهذا الهدف من قولهم: قديم النوع حادث الآحاد، والهدف هو بيان أن الحدوث ليس متعلقاً بالصفة من أصلها؛ حتى لا يستلزم أن يكون الله عز وجل في ذاته حادث، لكن هذا تفريق علمي قد يرد عليه إيراد علمي أيضاً، ولسنا في إطار الكلام في الاعتقاد وإنما في الحديث عن التدقيق اللفظي، فيرد عليه أن هذا ليس خاصاً بصفة الكلام، بل هو يشمل كل الصفات الفعلية التي لها مقتضى من المفعولات، فإنها تكون أيضاً قديمة النوع حادثة الآحاد، وهذا ما لا يقول به هؤلاء، فالمسألة خلاف في اللفظ وليس خلافاً حقيقياً.

حكم إلزام المسلم أن يختار عقيدة الطحاوي أو العقيدة الأشعرية ويختار أحد المذاهب الأربعة

حكم إلزام المسلم أن يختار عقيدة الطحاوي أو العقيدة الأشعرية ويختار أحد المذاهب الأربعة Q بعض المنتسبين إلى أهل السنة والجماعة يقولون: إن على السني أن يختار بين عقيدة الطحاوي أو العقيدة الأشعرية، كما أنه يجب عليه أن يختار أحد المذاهب الأربعة، ويقولون: إن من لم يفعل هذا فهو ليس من أهل السنة والجماعة؟ A هذا خطأ، هو فهم فاسد؛ لأن اختبار الناس بالكتب لا يجوز، فلا يجوز أن تختبر الناس: هل أنت على عقيدة الطحاوي أو على العقيدة الأشعرية؟ والصحيح: ما هي عقيدتك؟ فإن كانت موافقة للسنة فحي هلا بها، وإن كانت مخالفة رددناها. وأما الإلزام باتباع المذاهب الأربعة فهذا ليس بصحيح، وإنما الإلزام يكون باتباع الدليل الشرعي.

حكم قول: إن الله موجود في كل الوجود بذاته

حكم قول: إن الله موجود في كل الوجود بذاته Q ما هو الحكم فيمن يقول: إن الله تعالى موجود في كل الوجود بذاته؟ A من قال بأن الله عز وجل موجود في كل الوجود بذاته فهو ضال بل كافر؛ لأن الله عز وجل مستو على عرشه، وهو يعلم وقادر على ما يعمله العباد، فهو سبحانه وتعالى عالٍ على خلقه وليس مع الناس بذاته.

صفة الكلام صفة فعلية

صفة الكلام صفة فعلية Q هل صفة الكلام فعلية أم ذاتية؟ A هي صفة فعلية.

حكم قول بعض الخطباء: قال الله ولم يزل قائلا عليما

حكم قول بعض الخطباء: قال الله ولم يزل قائلاً عليماً Q قول بعض الخطباء: قال الله ولم يزل قائلاً عليماً، أليس فيه متابعة للأشعرية؟ A هذا اللفظ يشعر بأن أصله من عند الأشعرية؛ لأن قوله: لم يزل قائلاً عليماً يدل على أنهم يقصدون المعنى القائم بذاته، وهو المستمر في كل وقت وفي كل حال.

كيفية التوسل بمودة القربى

كيفية التوسل بمودة القربى Q نرجو منكم أن توضحوا لنا كيف نتوسل بمودة القربى؟ A يجوز أن تتوسل بمودة القربى فتقول: اللهم إني أسألك بمحبتي لأقارب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من الدعاء بالعمل الصالح وليس فيه شيء إن شاء الله، وأما تجاوز الحد فيه بالمبالغة في التعظيم وغيره فهو من الغلو المذموم.

حكم قراءة وسماع المحاضرات والأناشيد والمقابلات للشيعة

حكم قراءة وسماع المحاضرات والأناشيد والمقابلات للشيعة Q هل يجوز قراءة وسماع المحاضرات والأناشيد والمقابلات للشيعة؟ A إذا كان ذلك على سبيل معرفة ما عندهم من الباطل وللرد عليه فلا بأس، وإلا فالأصل هو أن الإنسان يبتعد عن سماع أهل الباطل؛ لأن من المجالس قد يكون فيها كلام باطل، فلا يجوز الجلوس فيها، والله عز وجل يقول: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} [القصص:55].

علاج الرياء

علاج الرياء Q هذه أخت تسأل عن قضايا الرياء؟ A علاج مشكلات الرياء هي في عدم التفكير في الناس، والاشتغال فيما ينفع، فالإنسان يفكر فيما ينفعه هو ويصلحه ولا يفكر في الناس، فمدح الناس لا ينفعه، وذمهم لا يضره، وإنما الذي ينفعه ويضره في الحقيقة هو العمل الصالح، ويمكن أن تراجع بعض أشرطة لبعض أهل العلم تحدثوا فيها عن هذا الموضوع بشكل موسع.

كيفية تنظيم الوقت للعمل وقراءة القرآن وغيره

كيفية تنظيم الوقت للعمل وقراءة القرآن وغيره Q أخت تقول: أعيش في شغل دائم مع أطفالي، فكلما أفتح المصحف لأقرأ يناديني أحدهم: أمي أريد كذا وهكذا إلى أن ينتهي اليوم وأنا لا أجد الوقت الطويل المناسب؟ A يمكن أن ترتب وقتها، فتجعل لأولادها وقتاً للنوم، ووقتاً للعب، وتنظم وقتها بحيث إنها تستغل ساعتين أو ثلاث ساعات في الوقت الذي يكونون فيه نائمين، فتقرأ القرآن أو تحفظ شيئاً منه، أو من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فترتيب الوقت هذا راجع إلى طبيعة الأخت نفسها وبيئتها الاجتماعية ووضع ودوام زوجها، فهي عملية فنية فتحتاج منها أن ترتب وقتها بشكل يتناسب مع وضعها. أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لكل خير. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

[3]

القصيدة اللامية لابن تيمية [3] مما يعتقده أهل السنة والجماعة من العقائد التي أبانها شيخ الإسلام في لاميته إمرار صفات الله تعالى الذي يعني إثباتها وفهمها على لغة العرب وانتفاء العلم بكيفيتها, ويعتقدون ما ثبت من صفات الله تعالى جميعًا سواء أكانت ذاتية أم فعلية, ثبوتية أم سلبية تتضمن إثبات كمال ضدها, مخالفين بذلك منهج المنحرفين المعارضين لنصوص الوحي بما ينسبونه إلى الشعراء ونحوهم ليؤيدوا به كليل أفهامهم وكد عقولهم.

إثبات الصفات لله تعالى كما يليق بجلاله

إثبات الصفات لله تعالى كما يليق بجلاله الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [وجميع آيات الصفات أمرها حقاً كما نقل الطراز الأول وأرد عهدتها إلى نقالها وأصونها عن كل ما يتخيل قبحاً لمن نبذ القران وراءه وإذا استدل يقول قال الأخطل]. هذه الأبيات موضوعها الأساسي هو إثبات الصفات لله تعالى ونفي مشابهتها للمخلوقات، ويمكن أن نتحدث عن خمس مسائل ضمن هذه الأبيات الثلاثة: المسألة الأولى: قواعد في الصفات وفي أدلتها. المسألة الثانية: معنى إمرار الصفات. المسألة الثالثة: مصدر التلقي في الصفات وفي العقيدة عموماً. المسألة الرابعة: مسألة الاستواء والعلو والفوقية والمعية. المسألة الخامسة: تناقض المتكلمين بترك النصوص الشرعية والاستدلال بكلام الأخطل.

قواعد في الصفات وفي أدلتها

قواعد في الصفات وفي أدلتها الصفات جمع صفة، وصفة الله تعالى هي: ما أخبر الله سبحانه وتعالى به في القرآن، وما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه في السنة من اتصاف الله سبحانه وتعالى بالصفات العلا، وهذه الصفات تؤخذ من مصدرين: المصدر الأول: النص الشرعي على هذه الصفة، ومثال ذلك: صفة اليد يقول الله عز وجل: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:10]، ويقول: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64]. صفة أخرى وهي صفة النزول: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا في الثلث الآخر من الليل فيقول: هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل فأعطيه إلى أن يطلع الفجر). مثال ثالث: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يضع الرحمن قدمه في النار حتى تقول: قط قط)، وهذا يدل على صفة القدم. مثال رابع: قال تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:14]، وهذه الآية تدل على ثبوت صفة العين لله عز وجل. وهكذا نص القرآن على مجموعة من صفات الله سبحانه وتعالى التي وصف بها نفسه فالواجب أن نثبت ما أثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه وننفي ما نفاه الله سبحانه وتعالى عن نفسه. والمصدر الثاني من مصادر أخذ الصفات: الأسماء الحسنى، فالقاعدة: أن كل اسم من الأسماء الحسنى يدل على صفة، فالرحمن يدل على صفة الرحمة، والعزيز يدل على صفة العزة، والكريم يدل على صفة الكرم، والجبار يدل على صفة الجبروت، والعلي يدل على صفة العلو وهكذا، وهذا هو معنى (الحسنى) في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]، فإن (الحسنى) هنا على وزن (فعلى)، و (حسنى) يعني: بلغت الغاية في الحسن والجمال والكمال، ولا شك أن من مدلول كونها بلغت الغاية في الحسن والجمال والكمال أنها تدل على معانٍ، فالرحمن لا بد أن يدل على معنى، والعزيز لا بد أن يدل على معنى، وهذه المعاني المأخوذة من الأسماء هي الصفات.

تقسيم الصفات إلى ثبوتية وسلبية

تقسيم الصفات إلى ثبوتية وسلبية القاعدة الثانية: إثبات ما أثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه من الصفات، ونفي ما نفاه الله سبحانه وتعالى عن نفسه من الصفات، وهذا يدل على أن الصفات تنقسم إلى قسمين: صفات ثبوتية، وصفات سلبية. الصفات الثبوتية: ما أثبته الله لنفسه من الصفات مثل: العلم والحياة والعزة والرحمة والإرادة والسمع والبصر وهذه كلها صفات ثبوتية؛ لأن الله أثبتها لنفسه. الصفات السلبية: معناها الصفات المنفية التي نفاها الله عن نفسه مثل: النوم والنعاس كما قال الله عز وجل: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255]. ونفى عن نفسه الجهل، قال: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [يونس:61]. ونفى عن نفسه المثيل والشبيه فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]. ونفى عن نفسه الكفؤ والند فقال: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4]، وقال: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:22]. وكل ذلك يعتبر من الصفات السلبية التي نفاها الله سبحانه وتعالى عن نفسه، وهناك قاعدة تتعلق بالصفات السلبية وهي أن الصفات المنفية لا بد أن تتضمن كمال الضد، فإذا نفى الله سبحانه وتعالى عن نفسه النوم والسنة؛ فلأنه سبحانه وتعالى كامل في قيوميته وكامل في حياته، وإذا نفى عن نفسه عزوب مثقال ذرة في السماوات والأرض، فلكمال علمه سبحانه وتعالى، ونفى عن نفسه الكفؤ والند والمثيل؛ لأنه لا سمي له كما قال الله عز وجل: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65]، وهذا استفهام إنكاري يتضمن النفي، أي: سمي لله عز وجل، وأما النفي المجرد فإنه لا فائدة منه، وهو نفي محض لا قيمة له ولا فائدة، وإنما الفائدة في المعنى الثبوتي الذي يتضمنه كمال الضد. وتوجد قاعدة أخرى تتعلق بالصفات السلبية، وهي أن هذا النفي جاء في القرآن والسنة نفياً مجملاً، وذلك أن النفي المفصل لا يقتضي المدح ولا يقتضي الكمال، فأنت عندما تأتي إلى حاكم أو إلى أمير وتريد أن تمدحه فلا تفصل له في النفي، فلا تقل: أنت لست مجنوناً ولا أحمق ولا أهبل ولا قبيحاً ولا سيء الخلق، وهكذا وإنما تنفي عنه نفياً مجملاً وتمدحه بالأشياء التفصيلية، وهذا أمر معروف في واقع الحياة، ولهذا جاءت النصوص الشرعية بالنفي المجمل العام والإثبات التفصيلي؛ لأن هذا هو مقتضى الكمال ومقتضى إثبات الثناء لله سبحانه وتعالى، ولهذا خالف هذه الطريقة أهل الكلام فنفوا عن الله عز وجل الصفات غير اللائقة به نفياً تفصيلياً، وأثبتوا لله عز وجل إثباتاً مجملاً، فعكسوا طريقة القرآن. ولا شك أن هذا يدل على الضلال والانحراف في العقيدة.

أقسام الصفات الثبوتية

أقسام الصفات الثبوتية الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: صفات ذاتية وصفات فعلية. والصفات الذاتية: هي الصفات التي لا تنفك عن الله سبحانه وتعالى بأي حال من الأحوال وهي ليست مرتبطة بمشيئة الله عز وجل، فهذه الصفات صفات ملازمة لله عز وجل في كل الأحوال، مثاله: العلم والحياة والعينين، والصفات الذاتية الأخرى مثل: العينين الساق. وأما الصفات الفعلية فيمكن أن تنفك عن الله سبحانه وتعالى وهي متعلقة بمشيئة الله تعالى إذا شاء فعلها وإذا شاء تركها ومثال ذلك: النزول، فهو لا ينزل في كل وقت وإنما ينزل في أوقات معينة: في الثلث الأخير من الليل، ويوم عرفة، ونزل يوم معركة بدر يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، فهو ينزل سبحانه وتعالى متى شاء، وقد أخبر أنه ينزل في أوقات معينة، وارتباط النزول بوقت المعين يدل على أن النزول صفة فعلية، وليست صفة ذاتية ملازمة لله عز وجل، بل هو يفعلها متى شاء، وكيف شاء. ومن الصفات الفعلية: الضحك والخلق والاستواء والغضب والانتقام وجنس التدبير، يقول الله عز وجل: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف:55]، (آسَفُونَا) يعني: أغضبونا، وهذا يدل على فائدتين: الفائدة الأولى: أن الغضب غير الانتقام، فإن الانتقام أثر من آثار الغضب والذين أولوا الغضب إلى الانتقام تأويلهم فاسد وذلك أن الآية فرقت بينهما، قال: (فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ). الفائدة الثانية: أن الغضب من الصفات الفعلية، فإنه لا يغضب دائماً وإنما يغضب متى شاء سبحانه وتعالى، ولهذا ربطها بوقت معين، قال: (فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ). والصفات الفعلية تسمى أيضاً صفات اختيارية ومعنى اختيارية أي: متعلقة بالاختيار والإرادة، فالله عز وجل يفعلها متى شاء كيف شاء. وأهل السنة والجماعة يثبتون هذه الصفات جميعاً وينفون مشابهة المخلوقات عن الله سبحانه وتعالى وقد اجتمع ذلك في آية في كتاب الله وهي قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، فقوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) هذا نفي مشابهة المخلوقات، وهذه من الصفات السلبية. وقوله: (وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) فيه إثبات الصفات لله عز وجل، وهذا داخل في الصفات الثبوتية. وأيضاً اجتمعت في سورة من كتاب الله وهي سورة الإخلاص: فقوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]، فيها إثبات الأحدية لله عز وجل وأنه موصوف بأنه الواحد سبحانه. {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:2]، ومعنى (الصَّمَدُ) الذي لا جوف له ولا أحشاء، فكل المخلوقات الحية لها أجواف وأحشاء؛ لحاجتها في قوامها إلى الأكل والشرب، أما الله عز وجل فهو الغني سبحانه وتعالى عن كل شيء، ولهذا قال العلماء في قوله: (الصَّمَدُ) الذي لا جوف له. وقيل: (الصَّمَدُ) الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، فهذه من الصفات الثبوتية. وقوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:3]، من الصفات السلبية، فنفى عنه الولادة، فهو لم يلد ولم يولد يعني: ليس مولوداً ولا والداً سبحانه وتعالى، وهذه من الصفات السلبية. وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4]، أيضاً من الصفات السلبية. فآيتان من السورة في الصفات الثبوتية، وآيتان في الصفات السلبية، فجاءت هذه السورة بأنواع الصفات كاملة كما جاءت بها آية الشورى التي سبق أن أشرنا إليها. والصفات الفعلية يقسمها العلماء إلى قسمين: القسم الأول: صفات فعلية لازمة. والقسم الثاني: صفات فعلية متعدية. فأما الصفات الفعلية اللازمة: فهي الصفات التي يفعلها الله عز وجل ولا يكون لها أثر على الخلق بشكل مباشر، مثل: النزول والضحك ونحو ذلك. وهناك صفات فعلية متعدية وهي صفات الربوبية مثل: الخلق والرزق، والإحياء والإماتة، والتدبير، فهذه كلها أفعال يفعلها الله عز وجل وهي متعدية إلى خلقه، أي: لها آثار على خلقه. ولا بد من بيان قضية مهمة جداً وهي أن هذه التقسيمات وهذه التفريعات لم تكن موجودة بهذه الألفاظ وهذه التقسيمات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما جاءت فيما بعد من باب تقريب العلوم، فالعلوم عندما انتشرت وتوزعت احتاج العلماء لتقريبها إلى الناس من خلال التفريعات والتقسيمات والأنواع، فالتقاسيم والأنواع ظهرت في كل العلوم وليست خاصة في الاعتقاد، فقد ظهرت في النحو، وفي لغة العرب والبلاغة وفي الأصول والمصطلح، وحتى العلوم الطبيعية فيها أقسام؛ لأن التقسيم تمييز بين أمرين متشابهين، ومن الدقة العلمية أن الإنسان يميز بين الأمور المتشابهة، وهذا التقسيم في حد ذاته عملية اصطلاحية، ولهذا قال العلماء: لا مشاحة في الاصطلاح، أي: ليست المشكلة في الاصطلاحات، فيمكن أن يستخدم الإنسان المصطلح أو ممكن أن يقسم، أو يذكر أنواع.

موقف أهل السنة من المصطلحات المتعلقة بالصفات ونحوها

موقف أهل السنة من المصطلحات المتعلقة بالصفات ونحوها والمهم في الاصطلاح هو أن يكون التقسيم منضبط وأن تكون المعاني الداخلة في التقسيم معانٍ صحيحة، وليست باطلة، ولهذا لم ينكر علماء السلف أقسام أصول الفقه، ولم ينكروا الأقسام الموجودة في النحو ولا البلاغة ولا أي علم من العلوم، فلم ينكروا الأقسام لأنها أقسام، ولم ينكروا المصطلحات لأنها مصطلحات، وإنما أنكروا المصطلحات التي تتضمن معاني باطلة مثل مصطلحات علماء الكلام ومصطلحات الصوفية، فهذه المصطلحات لم ينكرها السلف لكونها مصطلحات جديدة وإنما أنكروها لتضمنها معنى باطلاً. ولا بد من الإشارة إلى قاعدة مهمة جداً في التعامل مع مصطلحات أهل الكلام والصوفية، وهي أنه إذا سمعت مصطلحاً من مصطلحات أهل الكلام فيجب عليك أن تستفصل، ولا يصح أن تنفيه مطلقاً ولا أن تثبته مطلقاً، فإذا جاءك أحد أهل الكلام وقال: هل تعتقد أن الله جسم؟ لا تقل مباشرة: لا، ليس جسماً، ولا تقل: نعم، بل يجب أن تستفصل، وتقول: ماذا تعني بالجسم، إن كنت تعني بالجسم المعنى اللغوي المعروف عند العرب وهو أن الجسم معناه البدن، فالله عز وجل ليس بجسم إذا كان هذا معناه؛ لأنه لو قلنا أنه جسم بهذا المعنى نكون قد جئنا بشيء لم يرد في القرآن والسنة هذا الأول، والأمر الثاني شبهناه بالمخلوق الذي له بدن، وإن كنت تعني بالجسم معنى غير المعنى الموجود في لغة العرب وجعلت الجسم هو كل صفة، وجعلت كل موصوف بصفة فهو جسم، فالكتاب جسم والميكرفون جسم واللمبات جسم، بل الهواء جسم والماء جسم، وكل مركب من أمرين فهو جسم، سواء كان مادياً أو معنوياً، فحينئذٍ نقول: هذا مصطلح جديد ومقتضى هذا المصطلح أن تنفي الصفات، وإذا قلنا: إن لله يدين وعلم، وله حياة، وإن الله ينزل، قالوا أنتم جعلتموه جسماً مركباً من هذه الأشياء، فنقول: هذا مصطلح جديد فاسد، والنصوص الشرعية تدل على بطلانه؛ لأنها جاءت بإثبات الصفات حتى ولو كانت كثيرة فالواحد يمكن أن يوصف بأوصاف كثيرة، ولهذا تعريف الواحد عند علماء الكلام: هو الذي لا يوجد له نظير عند العرب ولا يفهمه العرب أصلاً، والواحد عندنا: هو الواحد الذي لا يوجد ثان مشابه له فيقال: رجل واحد، ويقال: فرس واحد، ويقال: بيت واحد، ومعنى فرس واحد أنه لا يوجد فرس ثانٍ معه، ورجل واحد أي: ليس معه رجل ثانٍ، وهذا معنى الواحد في لغة العرب، ولهذا يقول الله عز وجل: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر:11]، فسمى الوليد بن المغيرة وحيداً، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل أنه لا يجوز له أن يصلي بالثوب الواحد، فالمقصود بالواحد هو الفرد، أما الواحد عند علماء الكلام فهو ما ليس بمركب، فهم لا يسمون الإنسان واحداً، لأنه -مثلاً- يلبس الشماغ، وهذه صفة، ولأن له يدين وهذه صفة ثانية، ولأن له عينين وهذه صفة ثالثة، ولأن له رجلين، وهذه صفة رابعة، ولأنه أسمر أو أبيض وهذه صفة خامسة، ولأنه يتحرك وهذه صفة سادسة، ولأنه يتكلم وهذه صفة سابعة، وتعداد الصفات عندهم يدل على أنه ليس بواحد، مع أننا نقول في لغة العرب: هذا واحد مع اتصافه بأكثر من صفة، فلا يعني كون الواحد واحداً أنه ليس موصوفاً بصفة، وإنما يمكن أن يكون الواحد موصوفاً بأكثر من صفة، فالله عز وجل عندما قال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]، يعني: أن الله واحد لا شريك له في صفاته وأفعاله وعبادته سبحانه وتعالى، أما هم فقالوا: واحد في ذاته لا قسيم له، وقصدوا بمعنى واحد في ذاته أنه ليس موصوفاً بصفة، فإذا قلنا إن لله يدين، قالوا: هذا يدل على أنه مركب، وإذا قلنا إن لله عز وجل يدين وعينين وأنه سبحانه وتعالى حي وأنه سبحانه تعالى يعلم وأنه سميع بصير وأنه يضحك وأن له هذه الصفات، قالوا: بهذه الصفات ليس واحداً، فيعتبرون اليد واحدة، والعلم واحد، والحياة واحد وهكذا، وبسبب هذا الاصطلاح الجديد أولوا كل هذه الصفات، ولهذا لا يجوز للإنسان أن يقبل اصطلاح أهل الكلام مطلقاً ولا أن يرده مطلقاً، فهم يقولون مثلاً: هل تعتقد أن الله في جهة؟ فلا بد أن تقول: ماذا تعنون بالجهة، إن كنتم تعنون بالجهة مكاناً محصوراً، فالله عز وجل ليس في جهة بهذا المعنى، وإن كنتم تعنون بالجهة جهة العلو المطلق فالله عز وجل أثبت لنفسه العلو المطلق. وهكذا الفناء عند الصوفية، فالفناء له أكثر من معنى عندهم فقد يقصدون بالفناء أن العابد أثناء عبادته يفنى عن نفسه فلا يشاهدها حتى يتحد مع الخالق فيصبح الخالق والمخلوق واحداً، وحينئذ يكون الفناء معنى فاسداً مناقضاً لأصول الدين، ونحن لا نقبل الفناء بهذا المعنى، بل هو كفر وردة ومخالف لشريعة الله عز وجل، وقد يقصد بالفناء معنى آخر وهو أن الإنسان أثناء قيامه بالعبادة قد ينشغل بها ويتعلق قلبه بها إلى درجة أنه قد لا يشعر بمن حوله وهذا لا مانع منه، ولهذا جاء في قصة التابعي الجليل عروة بن الزبير -على القول بصحتها- أنه قطعت رجله في الصلاة، وهذا يدل على أنه إذا صلى فإنه لا يشعر بما حوله وهذا نوع من الفناء ولا بأس به ول

القرآن والسنة هما المصدر الوحيد لإثبات الصفات

القرآن والسنة هما المصدر الوحيد لإثبات الصفات من القواعد المتعلقة بأدلة الصفات: أن الصفات تؤخذ من النصوص الشرعية من القرآن ومن السنة، فتؤخذ من القرآن ومن صحيح السنة، فالقرآن دل على الصفات وصحيح السنة دلت على الصفات، ومن السنة تؤخذ من المتواتر ومن الآحاد أيضاً، فالآحاد يدل على العقيدة كما يدل على الأحكام ولا يجوز أن يقال إن أخبار الآحاد لا تؤخذ في العقائد، فهذا قول باطل وهذه بدعة وضلالة، ولهذا أفرد الإمام البخاري رحمه الله كتاباً خاصاً في صحيحه سماه كتاب: أخبار الآحاد، وأورد فيه من الأدلة ما يدل على وجوب قبول العقيدة من أخبار الآحاد، ومن الأدلة على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أرسل إلى هرقل وإلى كسرى وإلى المقوقس وإلى ملك اليمن وملك البحرين أرسل إليهم أفراداً يدعونهم إلى التوحيد، والتوحيد هو أساس العقيدة، ولم يشترط النبي صلى الله عليه وسلم إرسال عدد التواتر، ولم يشترط من يرسل إليه عدد التواتر أيضاً، فليس هناك داع إلى اشتراط عدد التواتر، ثم إذا كان الآحاد مقبولاً في باب الأحكام ويتعبد الإنسان لله سبحانه وتعالى بها فالتفريق بين الأحكام والعقائد ليس له معنى، فنحن نتعبد لله عز وجل بالعقائد الصحيحة أيضاً من خلال أخبار الآحاد، يقول الله عز وجل: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122]، قال: (وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) والإنذار هنا كلمة عامة تشمل الإنذار ببيان الأحكام وتشمل أيضاً الإنذار ببيان العقائد، مع أنه ذكر أن هناك طائفة والطائفة تشمل الفرد الواحد كما قال الإمام البخاري، ولهذا فقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن وهو فرد واحد وقال: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، وهذه هي العقيدة، فأرسل إليهم معاذاً ومع هذا لم يقل أهل الكتاب إنه يشترط عدد التواتر، وعدم قبول أخبار الآحاد في العقيدة بدعة وضلالة يجب الحذر والتحذير منها، فهي إلغاء لعدد كبير من أحاديث الوحي. معنى عدم قبول أخبار الآحاد في العقيدة: أن نصف أدلة العقيدة بعدم القبول. وأهل الكلام لم يكتفوا بالقول بأن خبر الآحاد لا يقبل في العقيدة، بل حتى الأخبار المتواترة عندهم لا تقبل؛ لأن مدلولاتها ودلالاتها لفظية، والدلالات اللفظية لا تقتضي اليقين حتى تتجاوز عشر عقبات ذكرها الرازي في محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين، منها: ألا تقتضي الاشتراك، ومنها: عدم اقتضاء المجاز، ومنها: عدم وجود المعارض العقلي، ولو لم يوجد إلا المعارض العقلي لكان كافياً في رد هذه الأخبار، إذاً هؤلاء لا يرجون لله وقاراً، ولا يعملون بالأدلة القرآنية، ولا يعملون بالأخبار النبوية، فالأخبار النبوية مردودة عندهم؛ لأنها آحاد، والآيات القرآنية مردودة؛ لأن مدلولاتها ظنية، ولأن ما تدل عليه ظن، والأصل عندهم هو العقل، ولهذا فإن السلف لم يسموا هؤلاء بالعقلانيين؛ لأنهم ليسوا عقلانيين في الحقيقة، وإنما هم أهل أهواء، فسموهم أهل الأهواء والبدع، فينبغي التنبه في مثل هذه الحالة.

معنى إمرار الصفات كما جاءت في الكتاب والسنة

معنى إمرار الصفات كما جاءت في الكتاب والسنة المسألة الثانية: معنى إمرارها. يقول ابن تيمية: (وجميع آيات الصفات أمرها) ومعنى أمرها يعني: أثبتها كما جاءت في القرآن، فإنها جاءت مثبتة، أو أنفي ما نفاه الله عز وجل عن نفسه إذا جاءت منفية، وهذا هو الإمرار، ومثال ذلك قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64]، وقول الله عز وجل: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54]، وقوله: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16]، هذه الأدلة أمرها على الصيغة التي جاءت بها، فمثلاً: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) جاءت بصيغة الإثبات، وهو إثبات استواء الله على عرشه، فأمرها بإثبات استواء الله على عرشه. وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4]، أمرها بنفي الكفؤ والند والمثيل لله عز وجل. وقوله: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) أمرها بإثبات اليدين لله سبحانه وتعالى. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا) أمرها بإثبات النزول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أثبته، وهذا هو الإمرار. إذاً: الإمرار يقتضي إثباتها. الأمر الثاني: أن الإمرار يقتضي فهمها على معنى لغة العرب، في الحديث (فينزل ربنا إلى السماء الدنيا) النزول في لغة العرب مفهوم وهو الحركة من أعلى إلى أسفل، لكن لا يمكن أن نتخيل صفة النزول؛ لأن الإله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء، ونحن لا نعرف حقيقة صفاته، ولهذا نحن نمرها ونفهم معانيها كما جاءت في لغة العرب، وهناك فرق في لغة العرب بين العلم وبين السمع والبصر وهذا أمر معروف في لغة العرب، وهناك فرق بين النزول وبين الاستواء، لكن الإمرار لا يقتضي معرفة الكيفية، فالإمرار بمعنى: نثبتها كما أثبتها الله ونفهمها كما وردت معانيها في لغة العرب؛ لأن الله خاطبنا بلغة العرب، لكن لا نفهم الكيفية، فصفات الله عز وجل لها كيفية في نفس الأمر نحن لا نعلمها؛ لأن الله عز وجل لم يخبرنا بكيفية هذه الصفات ولم يقل لنا: إنها تشبه كذا، بل نفى أن تشبه أي شيء من صفات المخلوقات، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65]، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4] {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} [النحل:74] {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا} [البقرة:22]، كل هذه الآيات تقتضي نفي مشابهة صفات الله لصفات المخلوقات أياً كانت هذه المخلوقات مع تنوعها واختلافها. ولهذا فإن الإمرار يقتضي ثلاثة أمور: يقتضي الإثبات، ويقتضي فهمها على لغة العرب؛ لأن الله عز وجل خاطبنا بلغة العرب، وأخبر أن القرآن نزل بلسان عربي مبين، والأمر الثالث يقتضي ألا نعلم كيفية هذه الصفات مع أن لها كيفية في نفس الأمر، لكننا نجهلها، ولهذا لما جاء الرجل إلى الإمام مالك فقال له: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، كيف استوى؟ فسأل عن الكيفية ولم يسأل عن المعنى، ولو قال له: ما معنى استوى؟ لقال: معناه علا، وارتفع، وجلس، فلم يسأل عن المعنى ولكن سأل عن كيفية الاستواء، فأطرق الإمام مالك وعلته الرحضاء -وهو العرق- من ضخامة هذا السؤال فقال له: الاستواء معلوم، يعني: معروف معناه في لغة العرب، والكيف مجهول -يعني: مجهول بالنسبة لنا، لكن هذا يعني أن لها كيفية لكن نحن لا نعلمها- والإيمان به واجب -لأن الله أخبرنا بذلك- والسؤال عنه بدعة؛ لأنه سؤال عن أمر لا يعلمه إلا الله ولم يعهد أن الصحابة سألوا عن هذا الأمر الذي لا يعرفه إلا الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال: أخرجوه فلا أراك إلا مبتدعاً، وهذا التفصيل في معنى الإمرار يرد على مذهب المفوضة، وهم الذين يقولون بتفويض الصفات فلا نعرف معناها ولا كيفيتها، والفرق بين مذهب السلف ومذهب المفوضة هو أن السلف يقولون: نحن نفهم معاني الصفات لكن لا نعرف الكيفية، أما المفوضة فإنهم يقولون: نحن نفوض المعنى والكيفية، والحقيقة أن مذهب التفويض في أساسه نشأ في بيئة التعطيل، والمقصود بالمعطلة هم الذين ينفون الصفات، فالمفوضة والمعطلة اجتمعوا في نفي المعنى الحقيقي للصفات، ثم اختلفوا في معنى الآية، فالمؤلة قالت بالتأويل والمفوضة قالت بتفويض هذا الأمر إلى الله عز وجل وقالوا: لا نعرف لها معنى، فعطلوا جميعاً الصفة، فالمفوضة والمؤلة نفاة، فهم يقولون في قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى): أن الاستواء بمعناه اللغوي غير صحيح، ثم اختلفوا في معنى (استوى)، فقالت المؤولة: معناه استولى، وقالت المفوضة: لا ندري، ونسبوا هذا التفويض إلى مذهب السلف، ونسبوا هذا التأويل إلى مذهب الخلف وقالوا مقالة مشهورة: مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم، ويقصدون بمذهب السلف التفويض مع نفي الصفة -هذا سلفهم ليس سلفنا- وقالوا: مذهب الخلف أعلم

مصدر التلقي في العقيدة عموما وفي الصفات خصوصا

مصدر التلقي في العقيدة عموماً وفي الصفات خصوصاً المسألة الثالثة: مصدر التلقي في العقيدة عموماً والصفات خصوصاً. نتلقى العقيدة من القرآن والسنة؛ لأن الله عز وجل أمرنا باتباع كتابه وسنة رسوله، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:132]، وقد جاء في أكثر من ثلاثين آية الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك قول الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، وهذا يشمل كل شيء. ويقول الله سبحانه وتعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]. والله سبحانه وتعالى توعد من خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعقاب فقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]. ويقول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]، وأدلة كثيرة تدل على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم يقول: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وقال في لفظ أعم منه: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وهذا يشمل العمل والاعتقاد، والأول خاص بالعمل. والعقل ليس مصدراً في تلقي العقيدة لكن الله عز وجل استدل في القرآن وذكر أدلة عقلية على المطالب الإلهية، فهناك أدلة على وجود الله عز وجل وأدلة على البعث، وأدلة على الصفات، وأدلة على التوحيد، وأدلة على النبوات، وأدلة على الجزاء الأخروي، والقرآن مليء بالأدلة العقلية الصحيحة مثل قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35]، وهذا دليل عقلي منضبط، ولهذا قد يتصور كثير من الناس أن أهل السنة والجماعة لا يستعملونه، والحقيقة أنهم يستعملون العقل لكن في مجاله المحدود، ولهذا قال العلماء: إن علاقة العقل مع النقل مثل علاقة الضوء مع العين، فالعقل مثل العين والنقل مثل النور، فإذا لم يوجد نور فلا ترى العين، ولا يكون لها فائدة، وإذا كان هناك نور بدون عقل، فإنه لا يمكن للإنسان أن يرى شيئاً، فلا بد أن من اجتماع العقل مع النقل ولا يمكن أن يتعارضا، ولهذا ألف ابن تيمية رحمه الله كتاباً في تعارض العقل والنقل توصل فيه إلى أن النقل الصحيح لا يمكن أن يعارض العقل، وأنه إذا توهم إنسان التعارض فهو إما أن يكون النقل غير صحيح أو العقل غير سليم وصحيح أو صريح، فوجود التعارض في غاية المحال؛ لأن خالق العقل هو الله عز وجل والذي جاء بالنقل هو الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن يحصل خلاف بين خلقه وأمره، {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:54].

الكلام على الاستواء والعلو

الكلام على الاستواء والعلو المسألة الرابعة: مسألة الاستواء والعلو الاستواء دلت عليه كثير من النصوص الشرعية منها: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، والعلو نصت عليه نصوص كثيرة مع الفطرة والعقل، فمن الأدلة: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16] {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]، وهناك أدلة كثيرة على علو الله سبحانه وتعالى وقد ذكر الأئمة ومنهم ابن القيم رحمه الله في اجتماع الجيوش الإسلامية أن هناك أكثر من ألف دليل على علو الله تعالى، ومن أدلة الفطرة أن الإنسان يجد في نفسه حاجة إلى الله عز وجل ويستشعر في نفسه أن الله في السماء، ولهذا إذا دعا فإنه يرفع يديه إلى السماء، ولم يعرف عن أحد من الصالحين من السلف الأولين إنكار علو الله عز وجل حتى ظهر أهل البدع من الجهمية والمعتزلة والأشعرية فنفوا علو الله عز وجل، والأشعرية المتقدمون كـ أبي الحسن الأشعري والباقلاني يثبتون العلو ويثبتون الاستواء لكن يفسرون الاستواء بتفسير غير صحيح بسبب مشكلة في موضوع الصفات الاختيارية وهي الخوف من استلزام ذلك للحدوث، وقد سبق أن أشرنا إلى هذا المعنى في الكلام على صفة الكلام والقرآن. إذاً: صفة علو الله عز وجل واضحة يمكن أن تراجع الأدلة عليها في كتاب اجتماع الجيوش الإسلامية لـ ابن القيم رحمة الله فقد أفرده لهذا الغرض، وعلو الله عز وجل لا ينافي معيته، كما قال الله عز وجل: {وَاللَّهُ مَعَكُمْ} [محمد:35]، وهذا المعية هي معية العلم والإحاطة والقدرة فهو سبحانه وتعالى مع العباد بعلمه لا يعزب عنه مثقال ذرة وهو سبحانه وتعالى قادر على كل عبد من عباده؛ لأنه هو خالقهم وهم مخلوقون بالنسبة له

تناقض المتكلمين في الاستدلال

تناقض المتكلمين في الاستدلال المسألة الخامسة: تناقض المتكلمين في الاستدلال. إن أهل الكلام قالوا لا يستدل بالقرآن؛ لأن دلالته ظنية والسنة لا يستدل بها؛ لأن ثبوتها ظني، وحينئذ يستدل بالعقل، فنفوا الاستواء عن الله عز وجل وقالوا: إن الاستواء ليس من صفات الله سبحانه وتعالى، ومعنى الاستواء هو الاستيلاء، قيل لهم: ما الدليل على أن الاستواء هو الاستيلاء قالوا يقول الأخطل: قد استوى بشر على العراق من غير سيف ولا دم مهراق يعني: استولى عليها دون أن يستخدم السيف بحيث أنه يقتل الناس. وهذا البيت لم يثبت عن الأخطل من حيث الإسناد، فانظروا كيف يتركون الاستدلال بالكتاب والسنة ويستدلون بما قال الأخطل وبناء عليه فسروا النص القرآني {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] بمعنى استولى. والرد عليهم من أوجه: أولاً: أنه قول لم يثبت عن صاحبه ولا يمكن لهم أن يثبتوه بإسناد صحيح حتى ولو كان آحاداً، مع أن الأحاديث لا يقبلونها إذا كانت آحاداً. ثانياً: أن هذا قول لرجل نصراني وربما يكون قاله لغرض في نفسه. ثالثاً: هذا القول أخطأ فيه الأخطل لو ثبت عنه، فإن الاستواء إذا كان معدى بـ (إلى) لا يحتمل إلا معنى الارتفاع والعلو، ولا يحتمل معنى الاستيلاء، فهناك فرق بين استوى عليه وبين استولى إليه، فالتعدية تفرق في المعنى، وحينئذ نقول أن هؤلاء أخطئوا خطأ كبيراً في الاستدلال وهو أساس القضية، وهو أنهم تركوا الكتاب والسنة وتركوا الاستدلال بهما لاعتقادهم أنها ظنية واستدلوا بكلام للأخطل في معنى الاستواء، وبناء عليه فسروا الآية القرآنية وأولها وحرفوها. لهذا قال ابن تيمية: (وإذا استدل يقول قال الأخطل).

إعراب الأبيات

إعراب الأبيات وجميع آيات الصفات أمرها حقاً كما نقل الطراز الأول (الواو) حسب ما قبلها سواء كانت عاطفة أو استئنافية. (جميع) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة. (آيات) مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة، والكسرة دائماً هي علامة الجر لجمع المؤنث السالم. (الصفات) مضاف إليه، ولا يمكن إعرابها على أنها صفة؛ لأنها اختلفت في التنكير والتعريف، (فآيات) نكرة، و (الصفات) معرفة ويشترط في الصفة أن تكون مطابقة للموصوف في التنكير والتعريف. (أمرها) (أمر) فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة، والفاعل ضمير مستتر تقديره (أنا)؛ لأنه جاء بصيغة الخطاب، والجملة الفعلية في محل رفع خبر مبتدأ (جميع). (ها) ضمير متصل في محل نصب مفعول به. فالضمائر المتصلة إذا كانت ملحقة بالأفعال تكون في الغالب في محل نصب مفعول أو فاعل، وإذا كانت ملحقة بالأسماء تكون في محل جر بالإضافة. (حقاً) تمييز منصوب. (كما) الكاف حرف تشبيه وجر، و (ما) اسم موصول بمعنى الذي في محل جر. (نقل) فعل ماضٍ مبني على الفتح. (الطراز) فاعل مرفوع. (الأول) صفة مرفوعة. (وأرد) أرد فعل مضارع وعلامة رفعه الضمة، والفاعل ضمير مستتر تقديره (أنا). فأي فعل لا بد أن يكون له فاعل، فإذا أعربت شيئاً على أنه فعل، لا بد له من الفاعل سواء كان ظاهراً أو مستتراً، وأي مبتدأ لا بد له من خبر، وكثير من أهل الإعراب يعرب حسب الجملة الظاهرة بين يديه وينسى الأمور التي المستترة. (عهدتها) مفعول به وهو مضاف، والهاء مضاف إليه. (إلى) حرف جر. (مثقالها) اسم مجرور بـ (إلى) وعلامة جره الكسر وهو مضاف، والهاء مضاف إليه. (وأصونها) الواو حرف عطف، (أصون) فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة، والفاعل ضمير مستتر تقديره (أنا) والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به. (عن كل) جار ومجرور. (ما) موصولة بمعنى (الذي) في محل مضاف إليه. (يتخيل) فعل مضارع وعلامة رفعه الضمة، ونائب الفاعل مستتر تقديره (هو). (قبحاً) مفعول مطلق منصوب، فعله (قبح). (لمن) اللام حرف جر، (من) اسم موصول بمعنى (الذي) في محل جر. (نبذ) فعل ماضٍ مبني على الفتح، والفاعل ضمير مستتر تقديره (هو). (القرآن) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. (وراءه) ظرف منصوب وهو مضاف والهاء مضاف إليه. (وإذا) ليست عاملة. (استدل) فعل ماضٍ. (يقول) فعل مضارع (قال الأخطل) مقول يقول، في محل نصب مفعول.

الأسئلة

الأسئلة

الصوفية من الفرق الهالكة

الصوفية من الفرق الهالكة Q هل الصوفية من الثنتين والسبعين فرقة الهالكة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأمة أم هي الفرقة الناجية؟ A الصوفية ليست من الفرق الناجية؛ لأن عندها بدعاً مخالفة للسنة سواء في العقائد النظرية أو في الأعمال التعبدية ولهذا تعتبر من الفرق الضالة الهالكة الواردة في الحديث.

معنى أخبار الآحاد

معنى أخبار الآحاد Q ما معنى أخبار الآحاد؟ A الحديث يقسمونه باعتبار كثرة الرواة إلى قسمين: متواتر وآحاد، المتواتر: هو ما نقله جمع كثير عن جمع كثير يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب وأسندوه إلى شيء محسوس، ومثال ذلك: حديث ينقله عشرة عن عشرة عن عشرة وينتشر، مثل حديث: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)، أما حديث الآحاد فهو الذي ينقله الأفراد، فينقله واحد عن واحد عن واحد ويسمى غريباً، أو ينقله اثنان أو ثلاثة أو أربعة بحسب العدد الذي لا يبلغ حد التواتر، وأغلب السنة منقول بهذه الطريقة، وما دام أن الناقل ثقة فيجب قبول خبره إلا إذا دل الدليل على أن فيه خطأ.

الكاف في قوله تعالى: (ليس كمثله شيء) تفيد التوكيد

الكاف في قوله تعالى: (ليس كمثله شيء) تفيد التوكيد Q قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، هل الكاف هنا للتشبيه في قوله (ليس كمثله)؟ A ليس المقصود بالكاف هنا للتشبيه وإنما الكاف هنا للتوكيد.

حكم سب الشيعة

حكم سب الشيعة Q هل يجوز سب الشيعة؟ A الحقيقة أن السب ليس من آداب المسلم عموماً والواجب ألا يتعود الإنسان على السب والشتم، لكن يمكن أن يسب الشيعة عموماً إذا ارتكبوا ما يسب على مثله في النصوص، فمن لعن أبا بكر وعمر فهو ملعون، ومن كفر عموم الصحابة في الجملة فهذا لا شك في أنه كافر، ومن اتهم عائشة رضي الله عنها بالزنا فهو من أشد الناس المتهمين بالكذب والعدوان والكفر والعياذ بالله.

نفي المعتزلة لصفة الكلام لله عز وجل

نفي المعتزلة لصفة الكلام لله عز وجل Q هل مذهب المعتزلة في صفة الكلام نفي الكلام عن الله ويقولون إنه من مخلوقاته؟ A المعتزلة يقولون الكلام ليس من صفات الله بل هو من مخلوقات الله، ولا يثبتون لله صفة تسمى الكلام، ويقولون تكلم بمعنى: يخلق كلاماً، ولا يتكلم بمعنى أنها صفة من صفاته، وهذا مذهب المعتزلة.

معنى قول: كلام الله معنى قائم بنفسه

معنى قول: كلام الله معنى قائم بنفسه Q ما معنى قول الكلابية والأشعرية والماتريدية كلام الله معنى قائم بنفسه؟ A هذا أساسه حقيقة الكلام، والمعتزلة قالوا: إن حقيقة الكلام اللفظ، والأشاعرة قالوا: إن حقيقة الكلام المعنى، وأهل السنة قالوا: إن حقيقة الكلام اللفظ والمعنى، فالمعتزلة قالوا: حقيقة الكلام هو اللفظ واللفظ مخلوق، لأنه لو قلنا بأن الله عز وجل يتكلم بالقرآن لفظاً لاستلزم ذلك الحدوث، والحدوث ممتنع عن الله سبحانه وتعالى؛ لأنه يقتضي حلول الحوادث بذاته ولهم قاعدة طويلة في هذا الموضوع وهي قاعدة فاسدة. والقول الثاني وهو أن حقيقة الكلام المعنى، قال به الأشعرية وأن الله عز وجل عندما قال: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6]، والمقصود بالكلام: المعنى، ولما كان المعنى لا يمكن له أن يُسمع كان القرآن عبارة عن كلام الله، وعبر به جبريل أو محمد على خلاف بينهم، وتوصلوا إلى أن لفظ القرآن ومن حيث هو حرف وصوت مخلوق كما قالت المعتزلة، والفارق بينهم وبين المعتزلة هو أن الأشعرية قالوا بأن حقيقة الكلام هو المعنى والله عز وجل متكلم، بمعنى أن الكلام صفة من صفاته أي: أن عنده معاني الكلام، وأما الألفاظ فليست من كلام الله سبحانه وتعالى، أما أهل السنة فقالوا الكلام يشمل اللفظ والمعنى وكل ذلك من كلام الله والقرآن لفظ ومعنى من الله سبحانه وتعالى.

جواز الدعاء للنفس بدعاء النبي لأحد أصحابه: (اللهم فقهه في الدين)

جواز الدعاء للنفس بدعاء النبي لأحد أصحابه: (اللهم فقهه في الدين) Q هل يجوز لي أن أدعو لنفسي بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)؟ A نعم، يجوز لك أن تدعو وأن تقول: اللهم فقهني في الدين وعلمني التأويل.

العرض والجوهر من مصطلحات أهل الكلام وبيان معانيهما

العرض والجوهر من مصطلحات أهل الكلام وبيان معانيهما Q يرد لفظ العرض والجوهر عند دراستنا لكتاب الإتقان، فبعد تأصيل المسألة وذكر موقف أهل السنة والجماعة عن ذلك وموقف أهل الكلام، هل يصح لنا من باب التطبيق على النصوص أن نذكر أن كذا من الألفاظ في هذه الآية عرض وهذا جوهر؟ A العرض والجوهر من مصطلحات أهل الكلام، ومعنى العرض الذي لا يقوم بذاته، ومعنى الجوهر الذي يقوم بذاته، ويمثلون للعرض بالألوان والطعوم والروائح، ويقولون إنه لا يمكن أن يفك الجوهر عن العرض، وأما الجوهر الذي ينفك عن العرض مطلقاً فهو الجوهر الفرد وهو الذي لا ينقسم ولا يتجزأ، والجوهر عندهم هو المتألف من شيئين فأكثر، وخلاصة الكلام أن هذا المصطلح في ذاته مصطلح فاسد ولا يحتاج إليه عند التطبيق ولا عند التنظير ويمكن التعبير بالمعاني الصحيحة التي يمكن ذكرها بعيداً عن هذه المصطلحات، أما إذا استعمل الإنسان كلمة عرض وكلمة جوهر ليس بمعناها الاصطلاحي عند أهل الكلام فلا مانع من ذلك، ولهذا الأطباء يقولون للمريض مثلاً: ما هي أعراض المرض عندك، ويقصدون بالأعراض الأشياء والصفات التي تحصل للإنسان حتى يعرفون من خلاله المرض الذي أصابه، فاستعمال لفظ عرض وجوهر بمعناها اللغوي لا إشكال فيه، لكن محاولة إسقاط المعنى الكلامي على المعاني الشرعية سواء كان في علوم القرآن أو الحديث أو في الاصطلاح أو في أي علم من علوم المصطلحات مثل اللغة ونحوها فلا يصح ذلك؛ لأن هذه المصطلحات مصطلحات فاسدة في ذاتها.

حكم الإمساك بشيء أثناء الصلاة من مصحف وغيره

حكم الإمساك بشيء أثناء الصلاة من مصحف وغيره Q هل يجوز أن نقرأ الدعاء في الوتر من المطوية أو من كتاب، أي نمسك المطوية؟ A يستحب في الصلاة للإنسان ألا يمسك شيئاً سواء كان قرآناً أو أوراقاً فيها أدعية؛ لأنها تشغل المصلي عن صلاته، ولهذا لا يستحب للإنسان أن يأخذ المصحف ويتابع وراء الإمام ويقلب صفحات المصحف، بل الواجب عليه الإنصات وأن تكون يده اليمنى على اليسرى على صدره، وهذا هو الوارد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

سبب تسمية قصيدة شيخ الإسلام باللامية والفائدة منها

سبب تسمية قصيدة شيخ الإسلام باللامية والفائدة منها Q لماذا سميت هذا القصيدة باللامية، وما الفائدة من دراستها وحفظها؟ A سميت باللامية لأن آخرها حرف لام، والدالية تسمى إذا كان آخرها حرف دال، ونونية ابن القيم؛ لأن آخرها حرف النون، فالقصيدة تتكون من بيت والبيت يتكون من فقرتين، الفقرة الأولى هي صدر البيت والفقرة الثانية هي عجز البيت، وآخر حرف يسمى في العجز حرف الروي، وهو الذي قد تسمى به القصيدة، والفائدة هو أن ابن تيمية رحمه الله جمع بعض مسائل العقيدة في هذا النظم فإذا حفظها طالب العلم فستكون المسائل موجودة في باله.

ضرورة الاحتراز من أهل البدع عند تلقي بعض العلوم منهم

ضرورة الاحتراز من أهل البدع عند تلقي بعض العلوم منهم Q هل من في عقيدته دخن يؤخذ منه علوم في مجالات أخرى؟ A لا يؤخذ منه والواجب أن يهجر؛ لابتداعه، فلا يؤخذ منه علم النحو مثلاً، لأن من علماء أهل السنة من هو عالم في النحو، وفيه غنى عنه، لكن إذا لم يكن هناك أحد فيمكن أخذ النحو والبلاغة والفقه والتفسير وغير ذلك بشرط أن يحترز الإنسان من بدعته فلا يمرر شيئاً من هذه البدع عليه، لكن الأصل هو أن الإنسان يبتعد عن أهل البدع عموماً.

وجوب تكفير أهل الكتاب

وجوب تكفير أهل الكتاب Q ما رأيكم فيمن يقول إن اليهود والنصارى ليسوا كفاراً، بل هم أهل الكتاب وأنهم تحت مشيئة الله، خصوصاً من لم يعرف الإسلام منهم؟ A من قال إن اليهود والنصارى الآن ليسوا كفاراً فهو كافر، لأن الله عز وجل كفرهم في القرآن صراحة: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [البينة:1] وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:73]، فكفرهم الله عز وجل فمن لم يكفرهم فقد كذب الآيات.

الفرق بين الأسماء والصفات

الفرق بين الأسماء والصفات Q ما هو الفرق بين الأسماء والصفات؟ A الأسماء أعلام مثل: الرحيم، الرحمن، العزيز، والصفات معانٍ مثل العزة، والكرم، والرحمة، هذا هو الفرق بين الأسماء والصفات.

جواز القسم بآيات الله

جواز القسم بآيات الله Q هل يجوز أن أقول: أقسم بآيات الله؟ A ليس هناك مانع من القسم بآيات الله إذا كان الحالف يقصد بها آيات الله القرآنية لأن كلمة آيات قد تشمل آيات الله الكونية، والقرآن صفة من صفات الله سبحانه وتعالى ويجوز القسم به، لكن ما دام أن الكلمة (آيات) تشمل الآيات القرآنية والآيات الكونية مثل السماوات والأرض وغيرها، فالأولى البعد عن ذلك كله.

[4]

القصيدة اللامية لابن تيمية [4] لقد أبان شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في قصيدته اللامية عن معتقد أهل السنة والجماعة في مسائل عدة, ومنها الإيمان برؤية المؤمنين ربهم تبارك وتعالى عيانًا يوم القيامة تصديقًا للنصوص, وخلافًا لمن أنكر الرؤية بصريح قوله كالخوارج والشيعة والمعتزلة, أو بفحوى قوله كمتأخري الأشاعرة, كما أبان عن معتقد أهل السنة في إثبات صفة نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا, والإيمان بالحوض والميزان كما نطقت بذلك أخبار الكتاب والسنة.

إثبات الرؤية والنزول والميزان والحوض

إثبات الرؤية والنزول والميزان والحوض الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [والمؤمنون يرون حقاً ربهم وإلى السماء بغير كيف ينزل وأقر بالميزان والحوض الذي أرجو بأني منه رياً أنهل]. هذان البيتان مشتملان على أربع مسائل: المسألة الأولى: رؤية الله تعالى يوم القيامة. المسألة الثانية: نزوله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا. المسألة الثالثة: إثبات الميزان. المسألة الرابعة: إثبات الحوض. يقول: (والمؤمنون يرون حقاً ربهم) وذلك يوم القيامة، أما في الدنيا فإنهم لا يرونه سبحانه وتعالى، ولذلك عندما طلب موسى عليه السلام الرؤية في الدنيا قال الله سبحانه وتعالى له: ((لَنْ تَرَانِي)) {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف:143]. وقوله: (حقاً) هذا توكيد للرؤية يوم القيامة، وأن هذه الرؤية رؤية حقيقية، فالله سبحانه وتعالى نراه بأعيننا رؤية حقيقة، لكن هذه الرؤية ليست رؤية تامة بحيث أن الرائي يحيط بالمرئي، وإنما هي رؤية ليس فيها إدراك ولا إحاطة؛ ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام:103]، فهو سبحانه وتعالى كبير عظيم لا يمكن للأبصار أن تدركه سبحانه وتعالى، ولكن المؤمنين يرونه يوم القيامة وفي ذلك سعادة عظيمة لهم. قال: (وإلى السماء بغير كيف ينزل)، هذه من صفات الله عز وجل: أنه ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، وهذه الصفة لها كيفية لكننا لا نعلم هذه الكيفية ولا نعرفها، وإنما نعرف ونعلم المعنى المراد من النزول. قوله: (وأقر بالميزان) وهذا سيأتي بيانه، وهو ميزان حقيقي توزن فيه أعمال العباد. (والحوض) وهو حوض خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم فيه ماء عظيم، من شرب منه شربة فإنه لا يظمأ بعدها أبداً. يقول: (الذي أرجو بأني منه رياً أنهل) ويصح أن يقال: رِياً، يعني: يصح أن يكون بالفتح، ويصح أن يكون بالكسر، والاسم هو الرَي أو الرِي، وهو من الارتواء، وهو ضد الظمأ. وقوله: (أنهل)، النهل هو الشرب الأول عند العرب. هذا ما يتعلق بهذه الأبيات بشكل عام، أما من الناحية التفصيلية فنبدأ أولاً بمسألة الرؤية.

إثبات رؤية الله تعالى يوم القيامة بالأدلة

إثبات رؤية الله تعالى يوم القيامة بالأدلة من عقيدة أهل السنة والجماعة: أن الله سبحانه وتعالى يرى يوم القيامة، وقد دلت على ذلك الأدلة الشرعية من القرآن والسنة، وقد أجمع على ذلك علماء السلف. يقول الله سبحانه وتعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23]، وقوله: ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ)) من النظرة، وهي الجمال والبهاء، وقوله: ((إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)) من النظر، والنظر إذا عدي بإلى فمعناه نظر العين، ((إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ))، يعني: تنظر إلى الله عز وجل بأعينها. ومن الأدلة من القرآن على هذا الأمر: قول الله عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيح- (الحسنى بأنها الجنة، والزيادة هي رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة). ومما يدل على ذلك من القرآن: قول الله عز وجل: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} [الإنسان:20]، هذه قراءة حفص، وقرء: {رَأَيْتَ مَلِكًا كَبِيرًا} [الإنسان:20]، وهي قراءة متواترة صحيحة، والمعنى الذي تدل عليه هو: أن الله عز وجل وهو الملك الكبير الذي يرى يوم القيامة. ومن الأدلة أيضاً على أن الله سبحانه وتعالى يرى يوم القيامة: قوله سبحانه وتعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]، فبين الله سبحانه وتعالى أنه عذب الكافرين بحجبهم عنه فلا يرونه؛ ولهذا قال السلف: لما عذبهم بالحجب أنعم على المؤمنين بالرؤية، وقد استدل بذلك بعض السلف كـ عبد الله بن المبارك، والشافعي من بعده، وغيرهم من أئمة السلف. وهذا الاستدلال هو استدلال بمفهوم المخالفة، وهذا يدل على قاعدة في الاستدلال العقدي وهي: أن كل أنواع الاستدلال الصحيح في باب الأحكام يمكن أن تكون استدلالاً في باب العقيدة، فكما أن الاستدلال في باب الأحكام يكون بالمنطوق والمفهوم فكذلك الاستدلال في باب العقيدة يمكن أن يكون بالمنطوق والمفهوم، وهذا النوع الذي معنا في هذه الآية هو استدلال بالمفهوم. وكذلك أيضاً يستدل على العقيدة بالقول والفعل والإقرار، كما يستدل على الأحكام بالقول والفعل والإقرار، أما القول فأكثر النصوص الدالة على العقيدة نصوص قولية من كلام الله عز وجل، أو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. وأما الفعل: فيدل عليه حديث عرفة عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد، وكان يرفع إصبعه إلى السماء ثم ينكتها إلى الأرض)، وهذا يدل على علو الله عز وجل بالفعل. وأما الإقرار: فيدل على إثبات علو الله سبحانه وتعالى به حديث مسلم، عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم الجارية فقال لها: (أين الله؟ قالت في السماء، قال: من أنا؟ قالت: رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة)، وهذا إقرار لها بأن الله سبحانه وتعالى في السماء. فالاستدلال في العقدية مثل الاستدلال في الأحكام، فكل ما صح أن يكون دليلاً في الأحكام، يصح أن يكون دليلاً في العقيدة؛ ولهذا يستدل بالمتواتر والآحاد، ويستدل بالقول والفعل والإقرار، ويستدل بالمنطوق والمفهوم. وأما الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات الرؤية فهي كثيرة، ومن أشهرها حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته)، وقوله: (عياناً) ليست في مسلم، لكن إسنادها صحيح، وإن لم تكن ثابتة في الصحيح، وإن كان بعض أهل العلم يناقش في صحتها من حيث الإسناد. وأيضاً ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سئل: (هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل ترون القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: نعم. قال: هل ترون الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: نعم. قال: فإنكم ترون ربكم كذلك)، يعني: ترونه رؤية حقيقية بأعينكم، وهذا يدل على أن الله عز وجل يرى، وأن العبد المؤمن في الجنة يراه بعينه؛ ولهذا من نفى الرؤية فإنه أفسد عقيدته بهذه البدعة، وأفسد عمله بأن حجب عن نفسه الشوق إلى رؤية الله سبحانه وتعالى، وتمني لقاء الله سبحانه وتعالى. وأدلة الرؤية من حيث السنة بلغت حد التواتر المعنوي، يعني: اتفقت في المعنى وإن لم تتفق في اللفظ، وقد رواها أكثر من عشرين من الصحابة، منهم أبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعائشة رضي الله عنهم.

إنكار المعتزلة للرؤية وأدلتهم

إنكار المعتزلة للرؤية وأدلتهم أنكر الرؤية المعتزلة، وقالوا: إن الله لا يرى يوم القيامة، وإنما ترى الأجسام، والله ليس بجسم، وقد سبق: أن لفظة: (جسم) اصطلاح جديد جاء به المعتزلة، وليس مقصودهم به المعنى اللغوي الذي هو البدن، فإننا لا نثبت لله عز وجل البدن لعدم وروده في النصوص الشرعية؛ ولأنه يقتضي تمثيل الله عز وجل بخلقه، لكنهم جعلوا كل موصوف بالصفات يعتبر جسماً، فنفوا عن الله سبحانه وتعالى الرؤية، وأنه غير قابل لها. والحقيقة: أن نفي المعتزلة للرؤية السبب الأساسي فيه هو الاستدلال بالأصول العقلية التي أصلوها في حِجاجهم مع الفلاسفة، ثم التزموا من ضمن ما التزموا به: نفي رؤية الله سبحانه وتعالى. واستدلوا ببعض النصوص الشرعية، ولكن استدلالهم لم يأت للاعتماد بل جاء للاعتضاد، وهو موقفهم من النصوص الشرعية، فأهل الكلام لا يستدلون بالنصوص الشرعية استدلال اعتماد، وإنما يستدلون بها من باب الاعتضاد. ومن الأدلة التي استدلوا بها على نفي الرؤية: طلب موسى عليه السلام للرؤية، ونفي الله سبحانه وتعالى لها، فإن الله عز وجل قال مخبراً عنه: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} [الأعراف:143]. فاستدلوا بطلب موسى الرؤية، ونفي الله لها على أن الله لا يرى يوم القيامة، والحقيقة أن هذا الطلب كان طلباً دنيوياً، ولم يطلب موسى الرؤية يوم القيامة، وإنما طلبها في الدنيا، فنفاها الله سبحانه وتعالى وقال: (لن تراني) يعني: لن تراني في الدنيا، و (لن) لا تفيد النفي المؤبد، وإنما تفيد مطلق النفي؛ ولهذا حاولوا أن يجعلوا (لن) تفيد النفي المؤبد، فوقعوا في خطأين: الخطأ الأول: خطأ عقدي بنفي الرؤية. والخطأ الثاني: خطأ لغوي بجعل (لن) تفيد النفي المؤبد، مع أنها تفيد عموم النفي، ولا تفيد النفي المؤبد الدائم؛ ولهذا استدل علماء السنة بهذه الآية على جواز الرؤية، فقالوا: إن موسى عليه السلام لما قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143]، هذا يدل على أن من المستقر عنده أن الله عز وجل يرى؛ لأنه لو كان لا يعتقد أن الله عز وجل يرى، فكيف يطلب منه الرؤية؟ ولكن ظن موسى أنه لما كلمه الله عز وجل في الدنيا أنه بإمكانه أن يراه في الدنيا أيضاً، فنفى الله عز وجل إمكانية رؤية موسى له في الدنيا. وأيضاً استدلوا بقول الله عز وجل: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام:103]، فقالوا: إن الله عز وجل لا تدركه الأبصار، وظنوا أن هذا يدل على نفي الرؤية عن الله سبحانه وتعالى، وهذا فهم باطل؛ فإن النفي في هذه الآية هو للإدراك، والإدراك معناه الإحاطة، فالله عز وجل لا تدركه الأبصار، بمعنى: لا تحيط به، ولكن لا يعني: أنها لا تره، بل تراه سبحانه وتعالى لكن لا تدركه. والحقيقة: أن اجتماع الرؤية مع عدم الإدراك واقع حتى في أمور الدنيا، فأنت عندما تنظر إلى السماء تراها، لكن لا تدرك هذه السماء لسعتها وكبرها وعظمتها، فأنت إذا نظرت إلى السماء فلا يعني هذا أنك أحطت بالسماء من كل أطرافها؛ لأن هناك طرفاً منها بعيداً، والإنسان أصغر من أن يحيط بهذه السماء الكبيرة التي هي أعظم من الأرض، ومن المجموعة الشمسية، وغيرها من المجرات الأخرى. فعندما نقول: إن الله يرى لكن لا يدرك. هذا أمر منطقي معقول حتى في الأمور الدنيوية، حتى على مستوى غير السماء، كالبحر مثلا: أنت عندما تقف على شاطئ البحر وتنظر إليه، تعتبر نظرت إليه، لكنك لم تحط بالبحر بأكمله. فهو كبير وعظيم، فهناك أطراف من البحر بعيدة لم يقع عليها نظرك، لكن هل معنى عدم الإحاطة بالبحر كله أنك لم تره؟ لا. ولهذا أخذ العلماء من نفي الإحاطة والإدراك في قوله: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام:103]، دليل إثبات الرؤية؛ لأن نفي الإدراك يدل على أن هناك رؤية، ثم حصل نفي الإدراك، حتى لا يظن الرائي أنه أدرك المرئي، ولو لم يكن هناك رؤية لكان النفي واقعاً على الرؤية؛ لأن الرؤية هي المقدمة للإدراك، فإذا نفى الإدراك فمعنى هذا: أنه يتضمن إثبات الرؤية بدون إدراك، فلو كانت الرؤية مستحيلة لكان النفي لها وليس للإدراك. وهذا من أبلغ الأدلة التي استدلوا بها، وليس فيها دليل على ما ذهبوا إليه، بل الأدلة فيها لأهل السنة الجماعة. وممن نفى الرؤية الشيعة والخوارج والإباضية، وقد سبق أن الخليلي له كتاب اسمه: الحق الدامغ، بناه على ثلاثة مسائل، منها: نفي رؤية الله سبحانه وتعالى.

إنكار الأشاعرة للرؤية حقيقة وإثباتها اسما

إنكار الأشاعرة للرؤية حقيقة وإثباتها اسماً ممن ينفي الرؤية حقيقية متأخرو الأشعرية؛ فإن المتقدمين منهم يثبتون الرؤية اسماً، ويحرفون معناها، مثلما حصل في صفة الكلام، فإنهم يقولون: الله عز جل موصوف بالكلام، أما إذا جاءوا في التفسير فسروه بمعنى مخالف لمعتقد أهل السنة والجماعة المأخوذ من النصوص القرآنية والنبوية. وهكذا الحال في الرؤية. قد تطلع على بعض كتب الأشعرية فتجد فيها إثبات الرؤية، وتجد فيها الاستدلال بالأدلة السابقة من القرآن والأحاديث النبوية على رؤية الله سبحانه وتعالى، لكنهم إذا جاءوا يفسرونها قالوا: إنها رؤية علمية، وليست رؤية بصرية. وهذا أمر لا ينكره المعتزلة القائلون: بأن الإنسان يعرف ربه، لكن يقولون: بأن العبد لا يراه بعينيه، فاتفقوا حينئذ في الحقيقة واختلفوا في الاسم فقط. ولهذا قال العلماء: من أثبت الرؤية ونفى الجهة فقد أضحك الناس على عقله. وأساس المشكلة عند الأشعرية في نفي المعنى الشرعي للرؤية هو: أنهم لا يثبتون العلو لله تعالى، وينفونه بحجة أنه يستلزم الجهة، والجهة تستلزم التحيز، والتحيز يستلزم الحدوث، والحدوث لا يمكن أن يوصف به الله سبحانه وتعالى. وهذا لا شك فهم باطل، فإن العلو ثابت في القرآن وفي السنة وفي فطرة الناس؛ ولهذا أثبته المتقدمون من الأشعرية، بل إن علماء الأئمة الأربعة من المالكية والشافعية والحنابلة والحنفية يثبتونه، وقد نقل الإمام ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية نصوصاً كثيرة عن علماء المذاهب الأربعة، وعن علماء اللغة والشعر ونحوهم: أنهم يثبتون علو الله سبحانه وتعالى على خلقه. لما أنكر الأشاعرة علو الله عز وجل على خلقه انقسموا بعد ذلك إلى طائفتين: طائفة قالت: إن الله عز وجل لا داخل العالم ولا خارج العالم، وهؤلاء هم أهل الكلام الذين لم يتأثروا بالتصوف، فعندما يسألون: هل الله في العلو؟ يجيبون: أولاً: لا يجوز لك أن تسأل وتقول: أين هو؟ وثانياً: هو ليس في مكان، ولا يحويه مكان، إذا: هل هو داخل العالم؟ قالوا: لا، لا داخل العالم ولا خارج العالم، ولا بجوار العالم، ولا بمداخل له، وهذا أمر باطل عقلاً وشرعاً. أما شرعاً فالأدلة كثيرة في إثبات علو الله عز وجل على خلقه، كقوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16]، وقوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:1]، وقوله: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255]، فإن الأعلى والعلي يدل على أنه فوق العالم، وقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:10]، يدل على أنه في السماء، لو كان ليس له جهة -كما يقول الأشعرية- لما قال: (يصعد)، وأنت عندما تدعو ترفع يديك إلى السماء، ولو لم يكن في السماء لما كان هناك فائدة من رفع اليدين. ثم قولهم: بأنه يحرم السؤال عن الله بأين؛ لأن أين ظرفية مخالف للنص الشرعي، فقد ثبت في صحيح مسلم في قصة الجارية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (أين الله)، وهذا منه صلى الله عليه وسلم يدل على جواز السؤال (بأين) (قالت: في السماء، قال: أعتقها فإنها مؤمنة)، وهذا حديث صحيح صريح في هذا الباب. أما دليل العقل على إبطال قولهم: لا داخل العالم ولا خارج العالم، فواضح جداً؛ حتى إن الإمام أحمد رحمه الله لما أراد أن يبين بطلان نفي العلو عند الجهمية، قال لهم: إما أن يكون خارج العالم أو داخل العالم، فإن قلتم: داخل العالم، وقعتم في الكفر ومناقضة العقل، فإنا لا نراه في العالم، وإن قلتم: خارج العالم، فيلزمكم إثبات العلو، فإن العلو هو: كل ما علا وارتفع عن العالم؛ ولهذا يروى عن بعض السلف -وأظنه الحسن البصري - أنه قال: لو دليت دلواً في الأرض، لسقط على الله. يقصد: أنك لو بدأت تحفر وتحفر فإنك ستصل إلى مركز هذه الكرة، فإذا أكملت فإنك ستصعد وتصعد حتى تخرق من الجهة الأخرى؛ لأن الكرة الأرضية كرة دائرية، فإذا حفرت هنا حتى خرجت من هنا أصبحت إلى العلو، وإذا حفرت من هنا حتى تخرج من هنا أصبحت إلى العلو، فالعلو محيط بالكرة الأرضية من كل جهة؛ وقد ذكر ابن تيمية في الرسالة العرشية وصف عرش الله عز وجل وأنه كالقبة؛ لأن العالم مثل القبة، وأنه في كل اتجاه يكون العلو، والله عز وجل عال على خلقه، وهو سبحانه وتعالى لا يشبه المخلوقين بأي وجه، وهو الكبير المتعال، والسماوات والأرض هذه التي نراها بهذه العظمة، ما هي إلا حلقة ألقيت في فلاة بالنسبة للكرسي، والكرسي حلقة ألقي في فلاة بالنسبة للعرش الذي استوى عليه الرب سبحانه وتعالى. أما الصوفية من الأشعرية فإنهم لم يقولوا: إن الله عز وجل لا خارج العالم ولا داخله، بل قالوا: إنه موجود في العالم، وأنه حال في الأشياء؛ لأن المتكلمين من الأشعرية تعودوا على التجريد النظري، أما الصوفية من الأشعرية، فلما كان من طبيعة التعبد التوجه إلى شيء محدود لم يمكنهم أن يقولوا: لا خارج ولا داخل، ولذا قالوا: هو

إثبات صفة النزول لله تعالى

إثبات صفة النزول لله تعالى يقول ابن تيمية: (وإلى السماء بغير كيف ينزل)، هذه هي الصفة الثانية وهي صفة النزول، وهي صفة ثابتة لله سبحانه وتعالى، وهي مرتبطة بمشيئة الله سبحانه وتعالى، وهذه الصفة من الصفات الاختيارية الفعلية التي يفعلها الله عز وجل متى شاء، كيف شاء، ولم يرد نص من القرآن في إثبات النزول، ولكن ورد في السنة النبوية، فقد ثبت حديث النزول ثبوتاً متواتراً كما نص على ذلك أبو زرعة الدمشقي من أهل الحديث، وابن تيمية والذهبي من المتأخرين وغيرهم، وهو حديث مشهور، روي بألفاظ متعددة، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا في الثلث الآخر من الليل إلى السماء الدنيا، فيسأل: هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ حتى يطلع الفجر)، وهذا حديث صحيح متواتر، مروي في الصحيحين وغيرهما، وهو منقول في كتب أهل العلم. وقد حاول الإمام الدارقطني رحمه الله أن يجمع مرويات هذا الحديث في كتاب مستقل سماه: كتاب النزول، ولـ ابن تيمية رحمه الله شرح طويل وكبير رد فيه الشبه التي جاء بها نفاة هذه الصفة، في كتاب مستقل سماه: شرح حديث النزول. مطبوع ضمن الفتاوى، وطبع مستقلاً. وصفة النزول يثبتها أهل السنة، وينفون عنها مشابهة المخلوقات كعامة صفات الله عز وجل، ولكن الأشعرية والمعتزلة ينفون هذه الصفة؛ لأنهم يقولون: إنها تستلزم الحدوث، وتستلزم حلول الحوادث بذات الله سبحانه وتعالى، ولا شك أن هذا قول فاسد؛ لأنه مناقض لخبر النبي صلى الله عليه وسلم. هناك شبهة ذكرها ابن تيمية رحمه الله في شرح حديث النزول، وهي ترد عند كثير من الناس، وهي قولهم: إذا كان الله سبحانه وتعالى ينزل في الثلث الأخير من الليل؛ فإن الليل يختلف من قطر إلى قطر، ومن بلد إلى بلد، فكيف نفهم هذا الحديث؟ فقال ابن تيمية رحمه الله: إن هذه الصفة من صفات الله عز وجل، والصفات فرع عن الذات، فإذا كنا لا نعرف كيفية الذات فنحن أيضاً لا نعرف كيفية الصفات، بل لله عز وجل صفات تليق بجلاله، ولهذا نقول: ينزل مع اختلاف الأقطار، واختلاف أوقات هذه البلدان وتنوعها، لكن لا نعرف الكيفية. وقد ذكر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في رسالة له في الصفات قاعدة عظيمة جداً، وهي: (قطع الطمع بإدراك الكيفية)، فيجب أن يقطع الإنسان الطمع بإدراك الكيفية؛ لأن الكيفية لم يعلمنا الله عز وجل إياها، ولا أخبرنا بها، نعم لصفات الله عز وجل كيفية في ذاتها، لكن نحن لا نعرفها، ولم يعلمنا الله عز وجل هذه الكيفية؛ ولهذا نحن نفهم معاني الأسماء ومعاني الصفات، لكن لا ندرك كيفيتها، فقدعلمنا الله سبحانه وتعالى أنه لا يشبهه شيء من خلقه، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65]، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4]، وغير ذلك من الأدلة الثابتة في هذا الباب.

إثبات الميزان

إثبات الميزان يقول: (وأقر بالميزان والحوض الذي أرجو بأني منه رياً أنهل) رِياً ورَياً بالكسر وبالفتح. في هذا البيت مسألتان: المسألة الأولى: إثبات الميزان: والحديث في الميزان والصراط والحوض والحساب والجنة والنار، داخل في باب الإيمان باليوم الآخر، والإيمان باليوم الأخر يشمل الإيمان بالبعث والحشر وبما يحصل في عرصات يوم القيامة، وبالصراط والميزان والحساب، والجنة والنار ونحو ذلك. قال: (وأقر بالميزان) يعني: أعتقد عقيدة جازمة بالميزان، والميزان هو ميزان حقيقي له كفتان، وقد ورد ذكر الموازين في القرآن في آيات كثيرة، منها: قول الله عز وجل: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] وقوله: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون:102 - 103]. وهناك أدلة كثيرة على وزن الأعمال، وعلى إثبات الميزان. والميزان ميزان حقيقي له كفتان، والدليل على أن له كفتان: الحديث الصحيح في قصة صاحب البطاقة الذي يأتي به الله عز وجل يوم القيامة أمام الخلائق، وينشر له تسعة وتسعين سجلاً ويقرره بها، فيقر بها، ثم يقول: هل عملت شيئاً غيرها؟ فيقول: لا، فيقول الله عز وجل: إن لك عندنا بطاقة، فتوضع التسعة والتسعين في كفة والبطاقة في كفة، فترجح بها هذه البطاقة، وينجو صاحب هذه البطاقة من النار. هذا حديث صحيح مروي في مسند الإمام أحمد والترمذي وعند بعض أصحاب السنن وإسناده صحيح. وورد حديث في إسناده ضعف -وإن كان له شاهد قد يقويه- وهو: (أن موسى قال لله عز وجل: يا رب! علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به، قال: يا موسى! قل: لا إله إلا الله، قال: يا رب كل عبادك يقولون ذلك، قال: يا موسى، لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري، والأراضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة، لمالت بهن لا إله إلا الله)، لكن لا يشترط أن يكون هذا هو الميزان الذي نحن في صدد الحديث عنه، وإنما الميزان الذي نحن نتحدث عنه هو الميزان الذي توزن به أعمال الناس. وهنا مسألة وهي: ماذا يوزن في هذا الميزان؟ هل الأعمال توزن فقط، أو سجلات الأعمال، أو أصحاب الأعمال، أو ذلك كله؟ قال بكل واحدة من هذه الآراء السابقة قوم، والصحيح: أنه يحصل ذلك كله، فأما وزن السجلات فقد سبق في حديث صاحب البطاقة، وأما وزن الأعمال فقد جاء في الحديث الصحيح: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن؛ سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) وفي الحديث: (والحمد لله تملأ الميزان)، هذا يدل على أن الأعمال توزن أيضاً. ومما يدل على أن الإنسان يوزن: الحديث المشهور: (إنه يؤتى بالرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة)، وذلك هو معنى قول الله عز وجل: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف:105]، هذا الرجل مع أنه عظيم في الدنيا، وسمين في حجمه، إلا أنه لا يزن عند الله جناح بعوضة. ومما يدل أيضاً على أن الناس يوزنون: حديث ابن مسعود رضي الله عنه عندما كان متسلقاً شجرة، فحركت الريح ثوبه فكشفت عن ساقيه، فضحك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! لهي في الميزان أثقل من جبل أحد)، وهذا يدل على أنها توزن. فالوزن يكون للسجلات التي تكتب فيها الأعمال، ويكون للأعمال وللأشخاص أيضاً. وبالنسبة لثقل هذه الأعمال وخفتها فهو بناء على ما فيها من الإخلاص وموافقة سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن الأعمال تتفاوت تفاوتاً عظيماً، فقد يتفق أشخاص في صورة العمل لكن تختلف حقيقة الأعمال، فقد يجتمع رجلان في صف واحد في الصلاة، أحدهما صلاته مقبولة والثاني صلاته مردودة، وقد يجتمعان أحدهما لا يكتب له من صلاته إلا ربعها، والآخر كتب له ثلثها، والآخر كتب لها نصفها، وربما يكون آخر كتبت له كاملة بحسب إخلاصه، وحضور قلبه، وموافقته لسنة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أنكر المعتزلة والخوارج الميزان، وقالوا: كيف توزن الأعمال وهي أعراض، وإنما توزن الأجسام؟ وليس في هذا ما يدعو إلى نفي الميزان، فإن هذه الأعراض -التي هي أعمال- يصيرها الله عز وجل أجساماً توزن، ولا مانع من وزن الأعمال، ولكن هؤلاء جعلوا لهم قاعدة وهي: أن كل ما لا يوافقه العقل فهو مردود، فظنوا أن هذا مما لا يوافقه العقل، فردوه بناء على ذلك. وقال بعض الزنادقة: ما الفائدة في وزن الأعمال؟ وما هي الحكمة من وزن الأعمال؟ وهل ربنا سبحانه وتعالى بقالاً أو فوالاً حتى يحصل الوزن؟! ولا شك أن هذا من الزندقة

إثبات الحوض

إثبات الحوض الحوض: مفرد وجمعه: حياض وأحواض، والحوض: هو مجمع الماء، وهذا الحوض الذي نتكلم عنه هو حوض للنبي صلى الله عليه وسلم الذي يكون يوم القيامة تجتمع عليه أمته وحدها ويشربون منه، إلا طائفتان: الطائفة الأولى: من ارتد عن الإسلام، والطائفة الثانية: أهل البدع والضلالة. وهذا الحوض -على الصحيح- بعد الصراط، وأصل مائه من الجنة؛ فإن الله عز وجل أعطى النبي صلى الله عليه وسلم نهراً عظيماً في الجنة يسمى نهر الكوثر، وهذا النهر يشخب منه ميزابان يصبان في هذا الحوض، والنهر في الجنة، والحوض في عرصات القيامة قبل دخول الجنة، فبعد أن يمر الناس على الصراط -وكل الأمم سوف تمر على الصراط- يخرج من هؤلاء من أنقذه الله عز وجل من النار، وهم الذي يردون الحوض. ومن الأدلة التي استدل بها أهل العلم على ثبوت هذا الحوض: قول الله عز وجل: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:1]، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن الكوثر نهر أعطاه الله عز وجل إياه في الجنة، وأن منه يكون الحوض. وقال ابن عباس في الكوثر: هو الخير الكثير. وسأل رجل سعيد قال له: أليس نهراً في الجنة؟ قال: النهر من الخير الكثير. وقد استدل بهذه الآية على إثبات الحوض البخاري في صحيحه، فقد قال في كتاب الرقاق: باب في الحوض، وقول الله عز وجل: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:1]. ومن الأدلة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا فرطكم على الحوض)، ويقول عليه الصلاة والسلام في وصفه للحوض: (حوضي مسيرة شهر -يعني: في طوله- ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه -يعني: الأكواب- عدد نجوم السماء، من شرب منه لا يظمأ بعدها أبداً)، وورد: أن طوله وعرضه سواء. وجاء في بعض الأحاديث: (ما بين حافتيه كما بين إيلة وصنعاء) إيلة المقصود بها العقبة التي تقع في شمال البحر الأحمر، وصنعاء المدينة المعروفة في اليمن، وهناك فرق بين إيلة وإيلياء، فإيلة هي العقبة، وإيلياء القدس، فحوض النبي صلى الله عليه وسلم طوله وعرضه مثل هذه المسافة. وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يذاد أقوام -يعني: يمنعون عن الحوض- وقد عرفتهم، فأقول: يا رب! أصيحابي أصيحابي، فيقال: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك)، قال العلماء: والإحداث يشمل الردة والرجوع عن الإسلام، ويشمل البدعة أيضاً، فإن البدعة إحداث؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار). ويقول عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، فيقال: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)؛ ولهذا لا يرد أهل البدع الحوض. لكن قد يرد Q كيف يعرف النبي صلى الله عليه وسلم أمته وفي أمته من لم يره بعينه عليه الصلاة والسلام؟! والجواب أنه عليه الصلاة والسلام يعرفهم بالغرة والتحجيل، فإنهما من سمات هذه الأمة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يأتي يوم القيامة أمتي غراً محجلين من آثار الوضوء)، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل، هذا من قول أبي هريرة، لكن قوله: (غراً محجلين)، من قول النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا يدل على أن الأمة يوم القيامة تكون مميزة بهذا، فهي مثل الخيول التي تتميز بغرتها، والغرة هي البياض الذي يكون في الوجه، وفي الجبهة تحديداً، والتحجيل: هو البياض الذي يكون في القدمين واليدين. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي)، فمكان الحوض في السماء هو في مكان المنبر في الأرض. ووقته يكون بعد نصب الصراط والمرور عليه، كما يدل عليه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي، قال: أنا فاعل إن شاء الله، قلت: أين ألقاك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اطلبني أول ما تطلبني عند الصراط، قال: فإن لم ألقك؟ قال: فعند الميزان، قال: فإن لم ألقك؟ قال: عند الحوض) رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي بإسناد صحيح.

إعراب الأبيات

إعراب الأبيات والمؤمنون يرون حقاً ربهم وإلى السماء بغير كيف ينزل الواو عطف أو حسب ما قبلها. (المؤمنون): مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الواو؛ لأنه جمع مذكر سالم. (يرون) مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. ما الفرق بين واو الجماعة في (المؤمنون) وفي (يرون)؟ الواو التي في كلمة (المؤمنون) تدل على الرفع، والواو التي في كلمة (يرون) تدل على الجمع. (حقاً) مصدر منصوب. (ربهم) مفعول به منصوب، وهو مضاف والضمير مضاف إليه، والميم علامة للجمع. (إلى السماء) جار ومجرور. (بغير) جار ومجرور. (كيف) مضاف إليه. (ينزل): فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره هو. (بالميزان) جار ومجرور. (والحوض) الواو حرف عطف. و (الحوض) معطوف على الميزان ومجرور مثله، وهو بدل. (أرجو) فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة على الواو؛ لأن الواو هنا من نفس الكلمة، وليست واو جماعة حتى تكون فاعلاً، مثل (يرون). (بأني منه رياً أنهل) أن حرف توكيد ونصب والياء اسمها وجملة (منه رياً أنهل) خبرها.

الأسئلة

الأسئلة

العمل بالحديث الحسن في العقائد

العمل بالحديث الحسن في العقائد Q ما حكم الحديث الحسن في العقيدة؟ A الحديث الحسن مقبول في العقيدة؛ لأن الحديث الحسن من أنواع الحديث المقبول؛ لأن الحديث إما صحيح وإما حسن وإما ضعيف، والضعيف هو المردود الذي لا يقبل، أما الحسن فإنه يكون مقبولاً.

العمل بأحاديث الآحاد في العقائد

العمل بأحاديث الآحاد في العقائد Q هل أخبار الآحاد تفيد الظن، وإن كان كذلك، فكيف نرد على القائلين بأن العقيدة يجب أن تكون يقيناً؟ A مسألة أخبار الآحاد هل تفيد الظن أو العلم مسألة حادثة، وحصلت متأخرة عند أهل السنة، وعند علماء الحديث، وصار معنى الظن واليقين له ارتباط برأي أهل الكلام؛ ولهذا قال العلماء: إن هناك أحاديث من الآحاد تفيد اليقين كالأحاديث الثابتة في الصحيحين مثلاً، أو ما اجتمعت فيه من القرائن ما تدل على أنه يقيني وليس بظني.

موضوع العمل بالعقل في العقيدة

موضوع العمل بالعقل في العقيدة Q ما هو العقل المقبول في العقيدة؟ A قضايا الغيبيات لا يؤخذ بالعقل فيها، وإنما يكون التسليم هو الواجب، والعقل ممدوح باعتبارين في قضايا العقيدة: الاعتبار الأول: في فهم مسائل العقيدة، والاعتبار الثاني: في كون العقيدة الصحيحة يمكن الاستدلال عليها عقلاً، وقد وجدت أدلة كثيرة في القرآن تستدل بالأدلة العقلية.

حكم قول: لفظي بالقرآن مخلوق

حكم قول: لفظي بالقرآن مخلوق Q ما حكم هذه العبارة: القرآن كلام الله غير مخلوق، ولفظي بالقرآن مخلوق؟ A يجوز للإنسان أن يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، إذا كان يقصد لفظه هو، فأنت مخلوق، وبطبيعة الحال يكون لفظك مخلوقاً. وهذه الكلمة تاريخياً ارتبطت بمسألة هامة جداً وهي: أن الجهمية أرادوا تسويق قولهم بخلق القرآن، فجاءوا بحيلة جديدة وهي قولهم: (لفظي بالقرآن مخلوق)، وهي كلمة عامة تشمل لفظك أنت الذي هو مخلوق، وتشمل تلفظك بالقرآن الذي هو الأصل، فلما كانت هذه الكلمة مبهمة بهذا الأسلوب قال علماء السنة كالإمام أحمد رحمه الله، بأن من قال: القرآن مخلوق، ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو من الجهمية.

الفرق بين متأخري الأشاعرة ومتقدميهم في الصفات

الفرق بين متأخري الأشاعرة ومتقدميهم في الصفات Q ما الفرق بين مذهب متقدمي الأشاعرة ومتأخريهم؟ A متقدمو الأشاعرة كانوا أقرب إلى الإثبات، أما المتأخرون فقد اتجهوا إلى طريقة المعتزلة. ومن يقارن مثلاً بين أبي حسن الأشعري وبين أبي المعالي الجويني يجد أن هناك فرقاً كبيراً، فـ أبو الحسن الأشعري يثبت الصفات الذاتية، مثل صفة الوجه والعينين والاستواء، وإن كان معنى الاستواء عنده فيه خلل في طريقة إثباته، إلا أن المتأخرين نفوا الصفات الذاتية كلها بحجة التركيب، وشابهوا المعتزلة، وكذلك في مسألة العلو والاستواء، فالمتقدمون يختلفون عن المتأخرين.

معنى: مستقر رحمة الله

معنى: مستقر رحمة الله Q ما حكم من قال: (نسأل الله أن يجمعنا في مستقر رحمته)، هل مستقر رحمته الجنة أم نفسه سبحانه؟ A مستقر رحمته المقصود بها الجنة، والرحمة مصدر، واحتمال أن يكون المقصود بها الصفة، واحتمال أن يكون المقصود بها الموصوف، مثل الخلق، فأنت من خلق الله، والصفة خلق لله، يتحدد معناها من السياق.

الموقف ممن يقول بخلق القرآن

الموقف ممن يقول بخلق القرآن Q ما موقفنا تجاه من يقول بخلق القرآن، وأعرف بعض الإباضية من عمان كما ذكرت؟ A القول بخلق القرآن بدعة خطيرة، وقد قال السلف: من قال بأن القرآن مخلوق فهو كافر، لكن المعينين لا يكفرون إلا بعد وجود الشروط وانتفاء الموانع، يعني: لا يكفر مباشرة وإنما يكون بعد النظر في حاله، وحينئذ إذا وجدت فيه الشروط وانتفت عنه الموانع فإنه يكفر، لكن الأصل أنهم من أهل البدع. والموقف من أهل البدع أنه يجب مناصحتهم ودعوتهم إلى السنة، لكنهم يبقون -في العموم- من المسلمين. وهل يجوز قتلهم كما قتل خالد القسري الجعد بن درهم؟ وهل قتلهم قربة؟ الجواب: بالنسبة لأهل البدع فإن التعامل معهم مبني على المصلحة والمفسدة، فإذا كانت هناك مثلاً دولة سنية تتبنى العقيدة السلفية، وفيها رجل يتبنى عقيدة الإباضية، فإنه يناقش ويعلم، ويكون معه حوار، فإذا أصر على بدعته وعاند؛ فإنه يمنع من هذه البدعة حتى لا يكون سبباً في الإضرار بغيره، إلا إذا ترتب على بدعته خطراً على الأمة فإنه يقتل كما قتل الجعد بن درهم، وكما قتل الجهم بن صفوان سليم بن أحوز، وكما قاتل علي بن أبي طالب الخوارج في النهروان، وكان عددهم ألف وخمسمائة فقتلهم جميعاً، وكما قتل علي بن أبي طالب السبئية من الشيعة الأوائل، وقال: لما رأيت الأمر أمراً منكراً أججت ناري ودعوت قمبرا وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج: (لئن وجدتهم لأقتلنهم قتل عاد)، وهذا يدل على خطورتهم، لكن مسألة التعامل مع المبتدع تخضع للظروف المحيطة بحال هذا المبتدع، فليس المبتدعة كلهم سواء، وليست أحوالهم كلها سواء، وليست أحوال الأمة كلها سواء، أحياناً الأمة تكون في مرحلة ضعف، وأحياناً تكون في مرحلة قوة، وأحياناً يكون المبتدع خطيراً على الناس، وأحياناً يكون غير داع إلى بدعته، ولا يشكل خطراً، فالتعامل مع المبتدع يختلف من حال إلى حال، وهو خاضع لقاعدة المصالح والمفاسد.

دلالة النصوص بين القطع والظن

دلالة النصوص بين القطع والظن Q ماذا يقصدون بقولهم: إن القرآن ثبوته ثبوت ظني؟ A لا يوجد هناك أحد يقول إن القرآن ثبوته ثبوت ظني، حتى المتكلمون يرون أن القرآن ثبوته قطعي، ولكن يقولون: دلالة القرآن ظنية؛ ولهذا لا يحتج بها في العقائد. أما الأحاديث فالمتواتر ثبوته قطعي، والآحاد ثبوته ظني، وهو الذي يؤول.

شرط الندم على الذنب في التوبة

شرط الندم على الذنب في التوبة Q كلما أردت التوبة من ذنب لا أجد في نفسي الندم عليه، وإذا ازددت قرباً من الله وطاعةً أو صلاةً أو دعاءً ازددت خطأ، فماذا أفعل؟ A لا بد للتائب أن يشعر بالندم على هذا العمل؛ لأنه إذا كان لا يندم فإنه لا يعتبر تائباً، وما معنى التوبة إلا الندم، فالندم شرط أساسي في التوبة، ومعنى الندم: أن يتمنى أنه لم يفعله. أما إذا كان قلبه مستقر بأن ما فعله له ليس فيه خطأ، فهنا تكون الخطورة، وهنا يكون الإصرار والعياذ بالله، فلابد من الندم، والشعور بأن هذا الفعل الذي فعله غير صحيح.

أجر المستمع للقرآن

أجر المستمع للقرآن Q هل تعتبر متابعة قارئ القرآن في التلفزيون أو المسجل والراديو قراءة لنا؟ وهل يكتب لنا فيها أجر؟ A نعم يكتب فيها أجر، لكن ليست مثل قراءتك أنت، يعني: لو أن إنساناً استمع لقارئ قرآن، وقصد الاستماع في ذلك فله أجر المستمع، لكن ليس له أجر القارئ نفسه، فأجر القارئ أكثر.

حكم اتخاذ مصحف واحد للقراءة

حكم اتخاذ مصحف واحد للقراءة Q يوجد لدي مصاحف كثيرة وقديمة جداً تكاد تتقطع، بل تقطعت بعض أوراقها، فماذا أفعل بها؟ علماً بأني سمعت أنه يجب علينا القراءة بجميع المصاحف الموجودة عندنا؟ A هذا الكلام غير صحيح، فلا يلزم أن تكون القراءة من مصاحف مختلفة، ولو أن إنساناً اتخذ مصحفاً واحداً، وجلس يقرأ منه بشكل دائم ومستمر واعتنى به، واهتم به فإن هذا مباح ولا إشكال فيه، وليس هناك أجر في القراءة من المصحف هذا، ثم القراءه مرة أخرى بمصحف آخر؛ لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم. أما المصاحف إذا تقطعت فإنه بجب على الإنسان أن يحافظ عليها وأن يعتني بها، وأن يبعدها عن الأماكن القذرة.

حكم القراءة من المصحف في قيام الليل

حكم القراءة من المصحف في قيام الليل Q ما حكم الإمساك بالمصحف في صلاة القيام؟ A لا بأس بمسكه، لكن الأفضل هو أن لا يمسك به.

وقت صلاة العشاء

وقت صلاة العشاء Q يقال: إنه يجوز تأخير صلاة العشاء إلى حدود الساعة الحادية عشرة، لكي تصلي معها صلاة الوتر، وهذا بالنسبة للذي لا يستطيع أن يصلي الوتر في آخر الليل، فهل هذا القول صحيح؟ A بالنسبة لوقت صلاة العشاء لا يضبط بالساعة، وإنما يختلف الليل طولاً وقصراً من الصيف إلى الشتاء، وإذا أراد الإنسان أن يعرف الوقت بشكل دقيق فإنه ينظر غروب الشمس وصلاة الفجر، ويجمع عدد الساعات ويقسمها على نصفين، ووقت العشاء ينتهي بعد نصف الليل.

رؤية الله متحققة لكل من دخل الجنة

رؤية الله متحققة لكل من دخل الجنة Q هل صحيح أن الذين يعذبون ثم يدخلون الجنة لا يرون الله تعالى؟ A كل من دخل الجنة يرى الله تعالى.

حكم تصوير النساء في الأعراس والحفلات

حكم تصوير النساء في الأعراس والحفلات Q ما حكم التصوير بالفيديو في الحفلات والأعراس؟ A لا يجوز بالنسبة للنساء التصوير مطلقاً إلا من حاجة ضرورية ماسة، وكذلك تصوير الحفلات والأعراس بالنسبة للنساء لا يجوز؛ لأن هذه الأفلام بعض الناس يقول: أنا سوف أحافظ عليها، لكن هذا كله كلام قد لا يتحقق، فيمكن أن تخرج وأن ينظر إليها رجال، وربما دبلجت، وربما صارت فيها فتن ومشكلات كثيرة، فلا يجوز التصوير بالنسبة للنساء، سواء في الحفلات أو الأعراس أو غيرها.

حكم كثرة سماع الأناشيد

حكم كثرة سماع الأناشيد Q ما حكم سماع الأناشيد وكثرتها؟ A إذا كانت الأناشيد ليس فيها طبل -بالنسبة للرجال- وليس فيها أدوات موسيقية، وليست مشابهة للغناء؛ فلا بأس بسماعها دون إفراط؛ لأن الأولى هو كثرة الاستماع للقرآن.

حكم الجلوس في مجالس الغيبة

حكم الجلوس في مجالس الغيبة Q لو رأيت أن مجموعة من الناس يغتابون أحداً ونصحتهم ولم ينفع معهم ذلك النصح، مع أني أعلم أنهم يغتابون أحد صديقاتي فماذا أفعل؟ A تترك المجلس الذي يغتابون فيه؛ لأنه من مجالس المعصية.

أثر الرياء والوسواس في العبادة

أثر الرياء والوسواس في العبادة Q هل الوسواس وخواطر الرياء تؤثر على العبادة إذا حاول العبد دفعها ولم يستطع، وكيف نتخلص منها؟ A الوساوس إذا لم يطمئن الإنسان إليها لا تؤثر عليه، إنما تؤثر عليه إذا اطمأن إليها وارتاحت نفسه بها، فإذا دافعها فإن له أجر عند الله عز وجل، ولا تؤثر عليه.

من أسباب ظهور الفرق الضالة

من أسباب ظهور الفرق الضالة Q ما سبب ظهور الفرق المختلفة كالصوفية والشيعة والمعتزلة؟ وما هي المصادر التي يستمدون منها معتقداتهم؟ A هناك كتب كثيرة في موضوع الفرق، لكن من أسباب الاختلاف: الجهل بأحكام الدين، والتعصب والهوى، واتخاذ مصادر للتلقي غير المصدر الشرعي.

حكم إنكار رؤية الله تعالى

حكم إنكار رؤية الله تعالى Q هل من ينكر رؤية الله تعالى يكفر؟ A إنكار الرؤية كفر، لكن ليس كل من ينكر الرؤية يكفر، وإن كانت المقالة في حد ذاتها مقالة كفرية.

الجمع بين المرور على الصراط والمنع من الحوض لمن منع منه

الجمع بين المرور على الصراط والمنع من الحوض لمن منع منه Q كيف نوفق بين أن أهل البدع يمنعون من الحوض وهم قد مروا على الصراط، فهل أهل البدع يمرون على الصراط؟ A نعم يمرون على الصراط، ولكنهم يمنعون من الحوض، وقد جمع الحافظ ابن حجر رحمه الله بين هذا الأمر بقوله: ربما وهم على الصراط يرون الحوض، ثم يحتجزون دونه، ويسقطون في النار. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

[5]

القصيدة اللامية لابن تيمية [5] ختم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قصيدته اللامية بذكر عقيدة أهل السنة والجماعة في جملة من أمور اليوم الآخر, ومن ذلك الإيمان بالجنة دار المتقين, وبالنار دار الأشقياء, وبالصراط المنصوب على ظهر جهنم, وبالقبر وما فيه من النعيم والعذاب, وما يتبع الميت من عمله, ثم أفصح رحمه الله تعالى ببيان أن ما ذكره من مسائل اعتقادية في لاميته هو مذهب الأئمة الأربعة المتبوعين, وأنه المنهج الموفق سالكه, والمبتدع مجانبه.

شرح مجمل لخاتمة لامية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

شرح مجمل لخاتمة لامية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذا الصراط يمد فوق جهنم فمسلم ناج وآخر مهمل والنار يصلاها الشقي بحكمة وكذا التقي إلى الجنان سيدخل ولكل حي عاقل في قبره عمل يقارنه هناك ويسأل هذا اعتقاد الشافعي ومالك وأبي حنيفة ثم أحمد ينقل فإن اتبعت سبيلهم فموفق وإن ابتدعت فما عليك معول] هذه الأبيات مشتملة على مجموعة من المسائل سنتحدث عنها بالتفصيل إن شاء الله. قوله: (وكذا الصراط يمد فوق جهنم) يعني: مد الصراط بمعنى نصبه على جهنم، (فمسلم ناج)، يعني: بعد مجاوزته للصراط سلم ونجا من خدش هذا الصراط أو الوقوع في جهنم، (وآخر مهمل) يعني: ساقط في النار. قوله: (والنار يصلاها الشقي بحكمة وكذا التقي إلى الجنان سيدخل). معناها العام واضح: وهو أن النار يدخلها ويصلى لظاها الشقي الذي عصى الله سبحانه وتعالى، سواء كانت شقوته شقوة تامة، مثل: حال الكافر، أو كانت ناقصة مثل: حال العاصي الذي حكم الله عليه بأن يكون من أهل النار، ثم يخرج منها، (وكذا التقي إلى الجنان سيدخل). قوله: (ولكل حي عاقل في قبره عمل يقارنه هناك ويسأل). يعني: كل إنسان إذا دخل قبره فإن عمله سيكون معه مقارناً له، ويسأل عن ربه وعن نبيه وعن دينه، كما ورد في الأحاديث. قوله: (هذا اعتقاد الشافعي ومالك) يعني: هذا الاعتقاد السابق في باب الصحابة، وفي باب الصفات، وفي مسألة العلو والرؤية والنزول، وفي باب الغيبيات، وما سبق من الكلام في موضوع الميزان والحوض والصراط ونحو ذلك، كل هذا اعتقاد للشافعي وهو محمد بن إدريس الشافعي العالم المعروف، ومالك وهو مالك بن أنس وهو الإمام المعروف صاحب الموطأ. قوله: (وأبي حنيفة ثم أحمد ينقل) يعني: أن أبا حنيفة وهو النعمان بن ثابت وهو من علماء الكوفيين المشهورين، وأحمد وهو أحمد بن حنبل الشيباني رحمه الله تعالى ومن علماء بغداد المشهورين، ومن أئمة أهل السنة المقتدى بهم. قوله: (ينقل) يعني: ينقل هذا الاعتقاد عن التابعين وعن الصحابة وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (فإن اتبعت سبيلهم فموفق) يعني: إن سرت على طريقتهم، وعلى هديهم وسمتهم ومعتقدهم، فإنك ستكون بإذن الله تعالى موفقاً للسنة، (وإن ابتدعت فما عليك معول) يعني: إذا خرجت عن طريقتهم بالابتداع ومخالفة سبيلهم بالإحداث فليس عليك معول، وليس لك مكانة ومنزلة، هذا ما يتعلق بهذه الأبيات بشكل عام. أما المسائل الموجودة في هذه الأبيات، فهي مسألة الصراط، ومسألة الجنة والنار، ومسألة عذاب القبر ونعيمه، ومسألة اتفاق الأئمة الأربعة في العقيدة، ومسألة ضرورة موافقة الإجماع، هذه المجموعة من المسائل التي سنتحدث عنها بإذن الله تعالى.

الصراط وأدلة ثبوته ووجوب الإيمان به

الصراط وأدلة ثبوته ووجوب الإيمان به قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذا الصراط يمد فوق جهنم فمسلم ناج وآخر مهمل]. الصراط في اللغة: الطريق، يقول الله عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام:153]، ويقول عز وجل: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] يعني: الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، والمراد به هنا هو الجسر الذي يكون على جهنم، وهو أن الله عز وجل بعد الموقف يحاسب العباد ثم يمرون عليه، أما الكفار فإنهم يسحبون إلى جهنم، وأما أهل الإسلام من كل الأمم فيمرون على هذا الصراط، وبعد الصراط يكون الحوض، وبعد الحوض تكون الجنة. وقد ثبت الصراط في القرآن، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم:71 - 72]، هذه الآية جاءت في الصراط، فإن قوله: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا) يعني: وارد هذه النار، وهذا الورود يكون من فوق الصراط، فكل الناس يمرون على هذا الصراط، بما فيهم الأنبياء الكرام؛ ولهذا يكون كلامهم: (اللهم سلم سلم). وقد ورد في صحيح مسلم من حديث حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لا يلج أحد بايع تحت الشجرة)، يعني: لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، (فقالت له حفصة: يا رسول الله! إن الله تعالى يقول: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم:71]، قال: ألم تقرئي بعد ذلك: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم:72]؟). فهذا يدل على أن حفصة رضي الله عنها فهمت من هذه الآية {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم:71] مرور هؤلاء على النار من فوق الصراط، والنبي صلى الله عليه وسلم أقر هذا الفهم، لكنه بين أن المرور والورود لا يعني التعذيب؛ لأن أهل الإيمان ينجيهم الله سبحانه وتعالى من النار وإن كانوا يمرون عليها. وقد ورد ذكر جسر جهنم في صحيح البخاري، في باب الصراط جسر جهنم، في كتاب الرقاق، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، في حديث طويل في ذكر الشفاعة. وموطن الشاهد الذي يعنينا في موضوع الصراط قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ويضرب جسر جهنم، قال: فأكون أول من يجيز، ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم، يقول: وبه - يعني: بهذا الصراط - كلاليب مثل شوك السعدان، أما رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنها مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله، فتخطف الناس بأعمالهم، منهم الموبق بعمله، ومنهم المخردل ثم ينجو)، والمراد بكلمة المخردل يعني: المقطع، الذي قطعه الصراط؛ ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصف الصراط أنه قال: (لجهنم جسر أدق من الشعرة، وأحد من السيف، عليه كلاليب وحسك، تأخذ من شاء الله، والناس عليه كالطرف، وكالبرق، وكالريح، وكأجاويد الخيل، والركاب - يعني: الإبل - والملائكة يقولون: سلم سلم، فناج مسلم، ومخدوش مسلم - يعني: سالم من النار وإن كان أصابه خدش وقطع -، ومكردس في النار على وجهه)، ومعنى مكردس يعني: مجموعة يداه ورجلاه وهو يلقى في نار جهنم. وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في المسند وفي إسناده ابن لهيعة، وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى أن الراوي عن ابن لهيعة هو يحيى بن إسحاق، وقد روى عنه قديماً قبل الاختلاط؛ لأن عبد الله بن لهيعة كان قاضياً في مصر، واحترقت كتبه، وكان ضبطه من كتبه، فلما احترقت كتبه، أصبح يملي من حفظه فيخلط، فمن روى عنه قبل احتراق كتبه التي كانت في مصر في تلك الفترة فإن روايته قوية، ومن لم يرو عنه إلا بعد احتراق كتبه، فإن روايته ضعيفة وليست مقبولة. إذاً: فالصراط من القضايا الواردة في أوساط اليوم الآخر ويوم القيامة، ويجب الإيمان به، وقد أنكر الصراط طوائف من أهل الاعتزال والخوارج وبعض الشيعة؛ لأنه لا يتوافق مع معقولاتهم، ولهم ضلال كبير في باب السمعيات، والمقصود بباب السمعيات: هو الباب الذي يتلقى منه الأخبار الواردة من القرآن والسنة، وليس للعقل فيه مجال، فهم يريدون أن يجعلوا هذه المسائل من المسائل المعقولة؛ ولهذا وقعوا في ضلال كبير.

وجوب الإيمان بالجنة والنار وأنهما موجودتان الآن

وجوب الإيمان بالجنة والنار وأنهما موجودتان الآن قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والنار يصلاها الشقي بحكمة وكذا التقي إلى الجنان سيدخل]. النار والجنة مخلوقتان موجودتان الآن، والنار والجنة ذكْرها كثير في القرآن والسنة، والإيمان بها أساس في الاعتقاد؛ ولهذا جاء في حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل). يعني: الإيمان بوجود الجنة والنار يعتبر من أصول الدين، ويجب أن يؤمن الإنسان بكل ما ورد من القرآن والسنة من أوصاف الجنة والنار، ومن ذلك أنهما مخلوقتان وموجودتان الآن؛ ولهذا يقول الله عز وجل في الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133]، ويقول في النار: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:24]، وهذا يدل على أنهما معدتان وموجودتان سابقاً؛ ولهذا جاء في حديث الكسوف المشهور من رواية عائشة رضي الله عنها ومن رواية ابن عباس، ومن رواية ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى وهو يصلي الكسوف الجنة والنار رأي العين)، وهذا يدل على أنهما موجودتان الآن، فمن قال: إن هذه أمثال مضروبة فهذا خطأ كبير؛ لأن نصوص الكتاب والسنة بينت أن الله عز وجل خلق الجنة والنار قديماً، وأن الإنسان إذا مات فإنه يرى مقعده من الجنة أو مقعده من النار، وهذا يدل على أنهما موجودتان الآن، كما ورد في حديث البراء بن عازب. وأيضاً أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر معلقة بالعرش)، وهذا يدل على أن الجنة موجودة الآن، وأن الإنسان إذا مات فإن روحه تنعم فيها إن كان من أهل الإيمان، أو تعذب في النار إن كان من أهل العصيان. وقد وردت أوصاف كثيرة في القرآن والسنة للجنة، فورد أنها درجات، كما أن النار دركات، وورد أن أعلى الجنة الفردوس وأن سقفها هو عرش الرحمن، وورد أن منازل الشهداء مائة منزلة، وأن أصحاب الغرف يتراءون المنازل كما يتراءى أحدنا الكوكب الدري الغابر في الأفق، وهذا يدل على أن الجنة منازل عالية، وأن الفروق بينها كبيرة، وأن الإنسان يدخل هذه الجنة أولاً برحمة الله عز وجل وبفضله، وثانياً بما قدمه من العمل الصالح، ومنها: ترك الذنوب والمعاصي. والنار كذلك دركات، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، والنار والجنة لا تفنيان، بل هما باقيتان أبديتان لا تزولان أبداً، وأبدية الجنة والنار مجمع عليهما؛ ولهذا جاء في وصف الجنة وفي وصف النار الخلود الأبدي، والتأبيد هنا تأكيد للخلود، فإن الخلود قد يعنى به التأبيد، وقد يعنى به أحياناً طول المكث، كما ورد في آية القاتل المتعمد: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء:93]، فقوله: (خالداً فيها) ليس الخلود هنا بمعنى الخلود الأبدي، وإنما طول المكث، وقد حملها بعض أهل العلم على المستحل للقتل، أما إذا قتل مسلم مسلماً وهو ليس مستحلاً للقتل، فإنه لا يكفر بذلك؛ ولهذا يقول الله عز وجل: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178]، فهذا يدل على أن له وصف الأخوة الدينية التي لا تزول إلا بالكفر، وكون الدية تقبل في مثل هذه الحالة، يدل على أن القاتل ليس بكافر، إذ لو كان كافراً لما كانت الدية مقبولة، بل يجب أن يقتل، وقد ألف ابن القيم رحمه الله كتاباً عظيماً في وصف الجنة سماه (حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح) يمكن أن يراجع، وألف أيضاً ابن رجب الحنبلي رحمه الله، كتاباً عظيماً في وصف النار.

وجوب الإيمان بعذاب القبر ونعيمه وأدلة ذلك

وجوب الإيمان بعذاب القبر ونعيمه وأدلة ذلك قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولكل حي عاقل في قبره عمل يقارنه هناك ويسأل]. جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الميت إذا مات اتبعه أهله وماله وعمله، فإذا دفن رجع اثنان وبقي واحد، رجع المال والأهل، وبقي العمل)، وهذا حديث صحيح. وأيضاً الميت يسأل في قبره، وقد جاء عن السؤال قوله عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم:27]، وأيضاً جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس يفتنون في قبورهم، وأنهم يسألون، ويستثنى من ذلك الشهيد، فإن الشهيد لا يفتن في قبره، ولهذا جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (كفى ببارقة السيوف له فتنة، ولو كان أحد ينجو من هذه الفتنة لنجا منها سعد بن معاذ) وهو الصحابي الشهيد كما تعلمون، فكل الناس يسألون في قبورهم ويمتحنون إلا ما ورد في النصوص استثناؤه، وسؤالهم يكون عن ثلاثة أمور: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وهذا ورد في حديث البراء بن عازب الطويل في صفة حال الموت، ودخول القبر، فكل الناس يسألون في قبورهم، وتكون لهم حياة خاصة تسمى الحياة البرزخية، ومعنى البرزخ: هو الأمر المتوسط بين أمرين، وسميت حياة برزخية؛ لأنها متوسطة بين الدنيا والآخرة، وهذه الحياة البرزخية حياة خاصة ليست مثل الحياة الدنيا، وليست مثل الآخرة، وقد ذكر الحافظ ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية فائدة لطيفة: وهي أن علاقة الروح بالجسد تتميز في البرزخ عنها في الدنيا، ففي الدنيا الأصل هو الجسد والروح تابعة له، وأما في البرزخ فالعكس فالروح هي الأصل والجسد تابع لها، ونعيم القبر وعذاب القبر واقعان على الروح والجسد. والدليل على ثبوت عذاب القبر قول الله عز وجل: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46]، فإن هذه الآية ورد فيها نوعان من العذاب: النوع الأول: وارد في قوله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر:46]. والنوع الثاني: في قوله: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46]، وقد بين أن الساعة هي الفارق بين العذاب الأول والثاني، فقوله: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) هذا قبل قيام الساعة، ثم قال: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) وهذا يدل على أن العذاب الثاني بعد قيام الساعة، وهو الذي يكون في الآخرة، فدل هذا على أن العذاب الأول يكون في القبر. وقد دلت نصوص السنة وهي كثيرة على عذاب القبر، وأن الناس يمتحنون في قبورهم، وقد جاء أيضاً أن الذي يسأله ملكان عظيمان شديدان، يقال لأحدهما: منكر، وللآخر نكير، وهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: وأنهما يجلسانه ويسألانه هذه الأسئلة التي سبق أن أشرنا إليها، فأما أهل الإيمان فإنهم يثبتون، وأما أهل الفسق والطغيان والكفر فإنهم لا يستطيعون الجواب؛ ولهذا جاء في بعض الأحاديث أنه يقول: (هاه هاه لا أدري). وقوله: (والنار يصلاها الشقي بحكمة) فقوله: (بحكمة) إشارة إلى صفة من صفات الله سبحانه وتعالى وهي الحكمة، فإن الله هو الحكيم وهو الحكم سبحانه وتعالى. والحكمة متعلقة بأفعاله سبحانه وتعالى، وأفعاله مبنية على الحكم؛ ولهذا وجد التعليل لكثير من الأفعال، وأفعاله هي التي بلغت الغاية في الحسن، ومن ذلك الحكمة، فتعذيب الله عز وجل لهؤلاء سواء في القبر أو في الآخرة بحكمته سبحانه وتعالى، قد يعلمها الإنسان وقد يجهلها البعض.

اتفاق الأئمة الأربعة في باب الاعتقاد

اتفاق الأئمة الأربعة في باب الاعتقاد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [هذا اعتقاد الشافعي ومالك وأبي حنيفة ثم أحمد ينقل]. يعني: أئمة السنة كالأئمة الأربعة المتبوعين فإن عقيدتهم واحدة، فهم متفقون في باب الاعتقاد، لأن هذه القضايا التي هي قضايا العقيدة، مثل: باب الصفات، وباب الصحابة، وباب الإيمان، وباب الكفر، وباب الألوهية وغيرها من الأبواب العقدية، هي أبواب متفق عليها ومجمع عليها، وليست من مواطن الاختلاف، وإنما وقع الاختلاف بين العلماء في المسائل الفرعية الاجتهادية، في مسائل الحلال والحرام، وفي مسائل الطهارة والصلاة والغسل والبيوع وبعض أحكام المعاملات، وبعض أحكام العبادات. فهذه من الأمور التي وقع فيها الخلاف بينهم، ولم يقع الخلاف بينهم لذات الخلاف، وإنما وقع الخلاف بينهم؛ لأن بعضهم قد يبلغه الحديث، وبعضهم قد لا يبلغه، وبعضهم يبلغه الحديث ويكون ضعيفاً عنده، لكنه عند غيره يكون صحيحاً، وبعضهم قد يبلغه الحديث لكنه يفهمه بطريقة مختلفة عن الطريقة الأخرى التي يفهمه بها ذلك العالم، فقد يرد في الحديث أمر يفهمه شخص على وجه الإلزام، ويفهمه آخر على سبيل الإرشاد، وهذه الاختلافات هي من سنة الله في الكون، فإن الله عز وجل يقول: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:118 - 119]؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا اجتهد المجتهد فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر)، ولهذا عندما يختلف العلماء الآن في الواقع في مسائل فقهية في بعض أحكام الزكاة والبيوع، والصلاة، والنكاح وفي بعض أحكام الطلاق، مثل: هل الثلاث الطلقات تعتبر طلقة واحدة أو تعتبر ثلاثاً محققة؟ كذلك بعض المسائل مثل: مسألة اشتراط الولي هل يشترط أو لا يشترط؟ لكن أحياناً يكون الخلاف قوياً، وأحياناً يكون الخلاف ضعيفاً، ويكون الرأي الآخر شاذاً، وحينئذ تحدث العلماء في مسألة مهمة جداً: وهي عدم تتبع زلة العلماء والفقهاء، فإن العالم قد يجتهد فيقع في زلة ويخطئ، ولا يجوز للإنسان أن يتبع العالم في زلته، فإذا عرف أن قول هذا العالم مخالف للدليل الصحيح، فإنه يجب عليه أن يترك قول هذا العالم ويتبع الدليل الصحيح؛ ولهذا فإن الإمام أبا حنيفة ومالك والشافعي وأحمد كلهم قالوا: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وقال أحدهم: إذا وجدتم قولي يخالف الحديث الصحيح فاضربوا بقولي عرض الحائط، وهذا من تمام فقههم، فإن الله سبحانه وتعالى أمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يأمرنا باتباع أحد من أهل العلم، إلا إذا جاء بآية أو حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا كان ابن عباس رضي الله عنه يرى وجوب التمتع في الحج، وكان يفتي بهذا، ويستدل بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أن يفسخوا الحج ويجعلوها عمرة، وقال: إن هذه عزيمة عزم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان بعض الصحابة يرى رأي أبي بكر وعمر في نهيهم عن المتعة، فغضب عبد الله بن عباس وقال: أقول لكم: قال الله وقال رسوله وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟ يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء. إن بعض المتعصبين من أصحاب المذاهب إذا أتيته بآية صريحة من القرآن أو بحديث صريح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أنا لا أخالف قول الإمام، فالإمام الأعظم قال بهذه الفتوى وأنا لا أخالفه، وهذا خطأ، فإن الله عز وجل تعبدنا بالقرآن والسنة ولم يتعبدنا بأقوال العلماء -مع أن أقوال العلماء لها مكانة عظيمة- ولهذا نهى أهل العلم عن التقليد إلا للعامي الذي ليس له نظر، وحينئذ فإنه يستفتي من يثق به من أهل العلم ويطلب منه الدليل، ويتابع هذا الدليل، إلا إذا جاءه دليل صريح مخالف فإنه لا يجوز له أن يأخذ بقول هذا العالم ويترك الدليل. مثال على ذلك: مسألة القبض في الصلاة، إذا كبر المصلي فإنه يستحب له أن يقبض في الصلاة فيضع اليمنى على اليسرى، وحديث القبض وارد في صحيح البخاري، وهو حديث صحيح صريح في المسألة، ومع هذا لا يزال بعض المتأخرين من علماء المالكية يفتون بالإسبال، فإذا احتج عليهم بحديث البخاري وأن النبي صلى الله عليه وسلم قبض يده اليسرى بيده اليمنى، يتركون هذا الحديث ويتابعون ما ينقل عن الإمام مالك، مع أنه لم يثبت عنه، وهذا من التعصب. ومن التعصب أيضاً ما قاله الكرخي في أصوله، يقول: كل آية أو حديث جاء مخالفاً لقول إمامنا فهو إما منسوخ أو مؤول. فالعبرة عنده قول الإمام، وهذا خطأ، فإن أهل العلم كـ أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، اختلفوا في بعض المسائل الفقهية، إلا أنه ينبغي أن يتابع الإنسان الدليل. أما مسائل العقيدة فالمخالف فيها ضال منحرف، إلا ما ثبت من حصول الخلا

وجوب الاتباع والتحذير من الابتداع

وجوب الاتباع والتحذير من الابتداع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن اتبعت سبيلهم فموفق وإن ابتدعت فما عليك معول]. هذا يدل على أن من المهم أن يحرص الإنسان على اتباع السنة، فاتباع السنة ضرورة ومهمة، ومخالفة السنة هي من أعظم الأمور الخطيرة؛ ولهذا يعتبر أهل السنة هم أهل الحديث، وجاء عن الإمام أحمد في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين - وفي لفظ: منصورة - لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)، قال: هم أهل الحديث، وقال: إن لم يكن هم أهل الحديث فلا أدري من هم. ويقول بعضهم: الله أكبر في الدفاع سأبتدي وهو المعين على نجاح المقصد وهو الذي نصر النبي محمداً وسينصر المتتبعين لأحمد فسنة النبي صلى الله عليه وسلم تعتبر منارة عظيمة يجب على الإنسان أن يتبعها وينساق إليها، ومن الناس اليوم من يتبعون غيرهم: فالشيوعيون يتبعون ماركس ولينين وستالين وأنجلز، والعلمانيون يتبعون فولتير وروسو وغيرهم من أئمة الثورة الفرنسية، وكل فرقة تتبع متبوعاً لها، أما أهل السنة فإن متبوعهم هو أفضل إنسان وهو النبي صلى الله عليه وسلم. ومن العجائب أن الصوفية يدعون محبة النبي صلى الله عليه وسلم مع أنهم أبعد ما يكونون عن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في باب الاعتقاد وفي باب العمل، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل الدين احتفالات واجتماعات حول المقابر، وطوافاً بها وذبحاً لغير الله عز وجل، ولم يجعله شطحات، ولا طرباً ولارقصاً، ولم يجعله أكلاً للحيات وللعقارب كما تفعله الرفاعية والبكتاشية وغيرهم من الفرق الضالة، وإنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدين جهداً وجهاداً ودعوة وإصلاحاً وقياماً للليل وصياماً للنهار، وسنته أوضح ما يكون، ولكنّ كثيراً من الناس يظنون أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم هي دعوة باللسان، فهناك رجل ألف كتاباً سماه (أحبك أحبك أحبك يا رسول الله) مع أن هذا الرجل من أكبر من ينشر الفساد في العالم، وعنده شركة تنشر الصحف والمجلات التي تناقض دين الرسول صلى الله عليه وسلم، وتنسف مبادئ الرسالة من أساسها ومن جذورها، وتغري الناس في الفاحشة، وتشجع الشباب والشابات على العلاقات المحرمة، ومع هذا يقول: أحبك أحبك أحبك يا رسول الله. إذاً: هؤلاء يفهمون الدين بطريقة عبثية، وبطريقة بعيدة كل البعد عن المنهاج الصحيح، فليس كل من قال: أحب الرسول صلى الله عليه وسلم يكون صادقاً في محبته؛ لأن الصادق في المحبة هو المتبع، يقول: أحبك يا رسول الله، ثم ينشر كتاباً يفسد دين الرسول، ويجعل دين الرسول محفوظاً في المسجد، ويمنع الجهاد في سبيل الله، ويتهم أهل السنة ومن يتابع النبي صلى الله عليه وسلم بالتطرف والإرهاب وغيرها من الشعارات الخبيثة، وربما يكون حقيقة حال هذا الإنسان من حيث العمل أن اقتداءه بـ فولتير أكثر من اقتدائه بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يعتبر أن فولتير هو إمام الحرية في هذا الزمان، ويعتقد أن من الحرية هذا العبث الشهواني الذي يشتغل فيه. إن كثيراً من الناس -مع الأسف- أصبح التصوف بالنسبة له هو محاولة تفريغ شحنة إيمانية في قلبه، يعني: قد يصلي معك وتجد آثار السجود في وجهه، ومسبحته طويلة، ومع ذلك تجد أن أمواله في البنوك الربوية ويأخذ عليها الربا، وبناته كاشفات الوجوه والشعور، وربما يلعبن بالدبابات البحرية في البحر (بالمايوه) والملابس البحرية، وربما يكون بيته مليئاً بالأفلام الجنسية، وربما لا يرجو لله وقاراً في أمر من هذه الأمور، ويظن أنه بمجرد أنه جاء إلى الصف الأول، وأنه سبح بهذه المسبحة الطويلة بالطريقة الصوفية أنه على خير وعلى حق. ومن هؤلاء من يأتي يوم الجمعة إلى المسجد يسجد على خده الأيسر، ويقول: اللهم صل وسلم على نبينا محمد ألف ألف ألف ألف ألف ألف ألف ألف ويظل يردد: ألف ألف ألف ألف ألف ألف أكثر من ساعة ثم يتحول على الخد الثاني بهذه الطريقة وبهذا الأسلوب. وهذا لا شك أنه شيء مستغرب؛ لأنه لم يرد في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحداً من الصحابة أن يعمل هذا العمل، نعم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل الأعمال، حتى لو صلى الإنسان آلاف المرات، له بكل صلاة يصليها أجور عظيمة، لكن الخطأ في هذه الطريقة التي اعتمدها، هذا أولاً. ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم تقتضي العمل، والله عز وجل يقول: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31].

إعراب خاتمة لامية شيخ الإسلام وأهمية الإعراب في فهم المعنى

إعراب خاتمة لامية شيخ الإسلام وأهمية الإعراب في فهم المعنى قوله: (والمؤمنون يرون حقاً ربهم) في الدرس السابق ذكرنا إعراب (حقاً) أنه مفعول أول و (ربهم) مفعول ثان، وقد استدرك أحد الإخوة استدراكاً جيداً، وهو أن (رأى) تنصب مفعولين إذا كانت بمعنى رأى القلبية، أو العلمية، أما رأى البصرية فإنها لا تنصب إلا مفعولاً واحداً. ونحن هنا في مقام إثبات الرؤية البصرية، وهذا يتناقض مع إعرابنا بأن (حقاً) هي مفعول أول و (ربهم) مفعول ثان. إذاً: هذا الإعراب خطأ وكلام الأخ صحيح، فقوله: (يرون) فعل وفاعل، (وربهم) هو المفعول، وحقاً يمكن أن تعرب مثلاً تمييزاً أو مفعولاً مطلقاً. إذاً: رؤية العين تتعدى لمفعول واحد، ورؤية القلب تتعدى لمفعولين، فمن رأى بالعين حقيقة قوله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا} [الأنعام:76]، وقوله سبحانه: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل:88]، وقوله سبحانه: {إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} [طه:10]، ومن رؤية القلب أو العقل وهي بمعنى الظن كقوله سبحانه: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر:8]، أو بمعنى العلم قوله: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا} [الأعراف:149]، وقوله: {إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأنعام:74]، وقوله: {أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ} [يس:77]، وحيث إن الرؤية بالعين في البيت: (والمؤمنون يرون حقاً ربهم) فإنها تتعدى إلى مفعول واحد وهو كلمة رب، في (ربهم)؛ لأنها رؤية بصرية، أما كلمة (حقاً) فقد يكون إعرابها تميزاً، أو مفعولاً مطلقاً أو حالاً، حيث إن كلمة (صدقاً) في قوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام:115] أعربت كذلك، وقد تكون صفة منصوبة للرؤية، والإعراب قد يحتمل هذا وذاك؛ لأنه كما يقولون: الإعراب عرف المعنى. الواو حسب ما قبلها، والكاف حرف جر، وذا اسم إشارة مبني في محل جر بهذا الحرف. (وكذا الصراط) الصراط يمكن إعرابها بدلاً؛ لأنه هناك قاعدة: وهي أن كل اسم إشارة يأتي بعده اسم معرف بالألف واللام يعرب بدلاً. (يمد) فعل مضارع مرفوع، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو. (فوق) ظرف مكان مبني على الفتح. (جهنم) جهنم مضاف إليه. (فمسلم) مبتدأ، (ناج) خبر مرفوع والضمة مقدرة منع من ظهورها الثقل، وكلمة (ناج) أصلها (ناجي) فحذف حرف العلة. قوله: (وآخر) مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره، (مهمل) خبر مرفوع بالضمة الظاهرة. و (النار) مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة. (يصلاها) يصلي: فعل مضارع، والهاء هنا ضمير متصل في محل نصب مفعول به، و (الشقي) فاعل، والجملة الفعلية خبر. (بحكمة) جار ومجرور، (وكذا التقي) تعرب مثل (وكذا الصراط)، (إلى الجنان) جار ومجرور، (سيدخل) فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر تقديره هو، والسين تدل على الاستقبال. قوله: (ولكل) جار ومجرور. (حي) مضاف إليه، (عاقل) صفة، (في قبره) جار ومجرور، وقبر مضاف والهاء مضاف إليه. (عمل) مبتدأ مؤخر، (يقارنه) فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره: هو، والهاء في محل نصب مفعول به. (هناك) هي كلمة اعتراضية لا محل لها من الإعراب، جاءت بين جملتين: الجملة الأولى: أسمية: ولكل حي عاقل، والجملة الفعلية: ويسأل، فكأنها جاءت لتحديد المكان، (ويسأل) فعل مضارع مرفوع ومعه فاعله. (هذا) مبتدأ مرفوع، (اعتقاد) خبر مرفوع بالضمة الظاهرة. (الشافعي) مضاف إليه، (ومالك) معطوف. (وأبو حنيفة) الواو هنا استنئافية. (ثم أحمد) معطوف على أبي حنيفة. (ينقل) فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره: هو، يعود على أبي حنيفة وأحمد، وحينئذ يكون الشطران مختلفين، هذا اعتقاد الشافعي ومالك، وهذا نقل أبي حنيفة وأحمد، وليس هناك فرق بين النقل والاعتقاد؛ لأن النقل هو للاعتقاد، لكنه أراد أن ينوع، يمكن أن يكون هذا إعراباً صحيحاً. (فإن اتبعت) الفاء عاطفة، وإن حرف شرط، واتبعت فعل ماض مبني على السكون، والتاء ضمير متصل في محل رفع فاعل. (سبيلهم) مفعول به منصوب وهو مضاف والهاء مضاف إليه، والميم علامة الجمع. (فموفق) جواب الشرط مقترن بحرف الفاء، والجملة الإسمية واقعة في جواب الشرط. (وإن ابتدعت) هذه مثل (وإن اتبعت) (فما) ما نافية، (عليك) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. (معول) مبتدأ مؤخر.

الأسئلة

الأسئلة

حكم مشاهدة التلفاز

حكم مشاهدة التلفاز Q ما حكم مشاهدة التلفاز؟ A التلفاز هو بحسب ما يشاهد الإنسان فيه، فإن شاهد مباحاً فهو مباح، وإن شاهد محرماً فهو محرم، لكن الآن غلب على التلفاز الأمور المحرمة، فإذا استمع إلى الغناء فالغناء محرم، وإذا شاهد النساء الكاسيات العاريات فهذا محرم، فهو بحسب ما يشاهد.

مناهج دراسة العقيدة

مناهج دراسة العقيدة Q كيف يمكن الاستفادة من هذه المعلومات النظرية في حياتنا العملية؟ A سبق أن أشرت إلى أن دراسة العقيدة لها منهجان: المنهج الأول: منهج التصحيح، والهدف من منهج التصحيح هو دراسة العقيدة كما أرادها الله، وكما أرادها رسول الله صلى الله عليه وسلم دون تحريف أهل البدع. المنهج الثاني: منهج دراسة العقيدة كوسيلة من وسائل التأثير في الأخلاق، والتأثير في الآداب، والتأثير في الإيمان، والتأثير في العلاقات، وقد سبق أن أن دراسة العقيدة لا بد أن تكون بهذين النهجين على السواء، ولا يكون بأحدهما، فالتأثر بها يكون بدراستها دراسة تعمق، يعني: بدراسة أثرها في أعمال القلوب، وبدراسة أسماء الله عز وجل وصفاته وفهم معناها والتأثر بها. مثلاً: الإيمان باليوم الآخر والكلام على الحوض والصراط يمكن أن يعرض بطريقتين: الطريقة الأولى: طريقة وضع الصراط، فالصراط كأمر عقدي يجب أن نؤمن به بدون تحريفات أهل البدع، وهذا هو العرض الذي تم، ويمكن أن يعرض بطريقة يجعل الإيمان ينمو في قلوبنا.

حكم مس كتب التفسير للحائض

حكم مس كتب التفسير للحائض Q ما حكم مس كتب تفسير القرآن بالنسبة للمرأة الحائض؟ A إذا كان كتاب تفسير، ليس قرآناً فلا بأس به.

من هم السلف؟

من هم السلف؟ Q من هم السلف؟ A السلف هم العلماء السابقون من رجال خير القرون، من الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، فعلماء القرن الأول والقرن الثاني والقرن الثالث هم علماء السلف، وهم الذين اتفقوا في مسائل العقيدة، وواجهوا أهل البدع والضلالة، وبينوا خطورتهم.

ضابط الخروج عن طريق السلف

ضابط الخروج عن طريق السلف Q هل يخرج الإنسان عن طريق السلف في مخالفة السلف ولو في مسألة واحدة اجتهادية أو غير اجتهادية؟ A المسائل الفقهية والاجتهادية، إذا اجتهد الإنسان فيها واستعمل الأدوات الشرعية في الاجتهاد فإنه لا يخرج عن طريق السلف، نحن لا نطالب -مثلاً- إنساناً ليس عنده علم أن يجتهد، فمثلاً: لو جاءنا صحفي واجتهد في مسألة من المسائل وهو لم يدرس أصول الفقه، ولم يدرس مصطلح الحديث، ولا يعرف ضوابط الاستدلال، نقول: هذا تكلم في غير علمه؛ ولهذا ما ينتج عنه وإن أصاب فيه فهو خطأ؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فهو مخطئ)، يعني: مخطئ في الطريقة التي استعملها، وهي الكلام في القرآن بالرأي. فالإنسان إذا كان من أهل الاجتهاد واجتهد في مسألة فقهية ووقع في خطأ فإن له أجراً، ولا تثريب عليه، لكن بشرط أن يكون من أهل العلم، أما إذا لم يكن من أهل العلم فلا يجوز له أن يتكلم في الدين بغير علم؛ ولهذا حذر الله سبحانه وتعالى من القول في الدين بغير علم.

حكم التصوير بالفيديو في البرامج والدروس النافعة

حكم التصوير بالفيديو في البرامج والدروس النافعة Q ما حكم استعمال (كاميرا الفيديو) للرجال، علماً أنها تستخدم في الحلال إن شاء الله؟ A إذا كانت هناك حاجة للتسجيل (بالفيديو) وكان هناك فيه منفعة، مثل: برنامج يقدم للناس وينتفع به عدد كبير من الناس فلا أرى فيه بأساً إن شاء الله.

الرد على من يستدل بقوله تعالى: (من بعثنا من مرقدنا) على إنكار عذاب القبر

الرد على من يستدل بقوله تعالى: (من بعثنا من مرقدنا) على إنكار عذاب القبر Q يقول: تناقشت مع شخص عن عذاب القبر فقال لي: ما تفسيرك لقولة الكفار يوم القيامة: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس:52]، أي: أنهم كانوا ميتين ولم يعذبوا في القبر، ما تفسير هذه الآية؟ A ليس صحيحاً أن المقصود أنهم لا يعذبون في قبورهم، بل هم يعذبون في قبورهم، ولكن إذا خرجوا إلى الأرض مرة أخرى ينتقلون إلى حياة جديدة، فيقولون هذه المقالة، {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا} [يس:52].

الرد على من يصم علم العقيدة والفرق بأنها تصيب العقل بالهوس

الرد على من يصم علم العقيدة والفرق بأنها تصيب العقل بالهوس Q ما رأيك فيمن يقول بأن علم العقيدة والفرق يهوس العقل، وخصوصاً إذا كان متعلماً وممن يعرف بالذكاء والفطنة، مع بيان أهمية تعلم العقيدة؟ A كيف تهوس العقيدة العقل وهي موجودة في القرآن، هل القرآن يهوس العقل؟! القرآن مليء بالآيات في الصفات وفي النبوات، وفي اليوم الآخر، وفي الإيمان، والأحاديث مليئة بذلك، كيف يقال: إنها تهوس العقل؟! والكلام في الفرق لا يكون إلا لمن كان من أهل العلم المتخصصين، حتى لا يحمل الناس قولاً لم يقولوه؛ ولهذا أكثر من يتكلم في هذه القضايا يكون من الجهال، حتى لو كان من أكبر المشهورين، فأنا سمعت عن شخص يقول: الذين يدرس العقيدة إما يعقد غيره وإلا يتعقد هو، أقول: هذا جاهل، إذا كان هناك أشخاص من الذين درسوا العقيدة أخطئوا يحدد خطأهم، ويقول: هناك مجموعة درسوا العقيدة لكنهم أخطئوا، أو عندهم غلوا، والدليل أن عندهم غلواً هو كذا وكذا، أما التعميم بأن من درس العقيدة يعقد أو يتعقد!! أو يهوس العقل!! فهذا كلام في الحقيقة في غاية الخطأ، ويدل على عدم وجود فهم وحسن منطق في عرض أي قضية من القضايا. إذاً: الصحيح هو إذا أخطأ شخص أن يحدد الخطأ الذي أخطأ فيه، ويبين حجمه ودرجته. وأتذكر أن شخصاً كان من المدمنين على الصحف، وكان رجلاً غير متدين، فكان ينصحني وأنا شاب صغير ويقول لي: لا تدرس الكتب؛ فإنها تهوس عقلك، قلت: والصحف التي تقرؤها ألا تلخبط العقل وتهوسه أم الكتب هذه فقط؟ فسكت، ولم يجب بشيء؛ لأنه إذا كانت القراءة في الكتب تهوس العقل فالأولى أن القراءة في الصحف تهوس العقل وتضيعه؛ لأن غالبها كذب وكلام ساقط، أما كتب أهل العلم فإذا لم تهديك إلى الخير لا تضرك بإذن الله تعالى. فالحقيقة أن الكثير من الناس يتكلمون في كثير من المسائل بدون علم.

الصوفية ليسوا من أهل السنة

الصوفية ليسوا من أهل السنة Q هل الصوفية تنقسم إلى صوفية سنية وصوفية بدعية؟ A ليس هناك في السنة تصوف، التصوف منذ أن نشأ في بدايته وهو ناشئ نشأة بدعية، يظن أن التزهد يكون باستعمال مجموعة من البدع التي من أبسطها الانعزال عن الحياة والرهبانية، واستعمال طريقة بدعية في الأذكار، هذه تعتبر من أسهلها. أما الصوفية الذين دخلوا في الفلسفة فقد وصلوا إلى عقائد كفرية، تخرج الإنسان عن الملة، أما الزهد والتعبد فالنبي صلى الله عليه وسلم هو إمام الزاهدين وهو إمام المتعبدين، وقبل أن ينشأ التصوف وقبل أن يظهر التصوف في الأمة كانت مليئة بالزهاد ومليئة بالعباد، وما كانوا يسمون صوفية بأي وجه، لكن التصوف خالف طريقتهم بالابتداع؛ ولهذا تجمعوا، وأول من سمي صوفياً هو عبدك الصوفي على رأس المائة الثالثة وكان شيعياً؛ ولهذا اقترن نشأة التصوف بالتشيع.

وجه عدم ذكر شيخ الإسلام للقدر في اللامية

وجه عدم ذكر شيخ الإسلام للقدر في اللامية Q لماذا لم يتكلم شيخ الإسلام عن القدر في هذه اللامية؟ A الحقيقة أن هذه المنظومة والقصيدة ليست شاملة لكل مسائل العقيدة، نعم هناك بعض الأبواب ليست موجودة مثل القدر ومثل الإيمان ومثل النبوات ومثل توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، فهذه ليست موجودة، لكن ابن تيمية أراد أن يذكر نماذج من العقيدة.

أهمية كتاب التدمرية

أهمية كتاب التدمرية Q ما هو الكتاب الذي يدرس بعد كتاب الحموية؟ A من أجل الكتب التي تدرس بعد كتاب الحموية كتاب التدمرية، وهو كتاب دقيق جداً.

حكم الترضي على غير الصحابة

حكم الترضي على غير الصحابة Q هل يصح أن نقول: أبو حنيفة رضي الله عنه أو مالك رضي الله عنه؟ A لا بأس بالترضي عليهم، ولكن العلماء تعارفوا على أن تكون (رضي الله عنه) لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ورحمه الله لأهل العلم.

مصير أصحاب المعاصي والسيئات

مصير أصحاب المعاصي والسيئات Q هل لا بد لكل من عليه سيئات أن يدخل النار، فإذا عذب بقدر سيئاته دخل الجنة؟ A ليس كل من كانت عليه سيئات يعذب في النار فقد يعفو الله عز وجل عنه، فلا يعذب في النار، وهو تحت المشيئة.

مميزات الطبقة العليا في الجنة

مميزات الطبقة العليا في الجنة Q ما الميزات التي تميز طبقة الجنة العليا -الفردوس- عن بقية الطبقات في الجنة؟ A يتميزون بميزات كثيرة، وهي كونهم يرافقون الأنبياء، وكونهم يرون الله عز وجل أكثر من الذين هم أسفل الجنة، وهناك فروق في النعيم الذي لديهم فهو يختلف عمن كان في أسفل الجنة، وأيضاً فهم يمكن أن يزوروا غيرهم ممن في أسفلها ولا يزورهم من هم أسفل منهم، وهذا يدل على تميزهم عن الآخرين.

أهل الاجتهاد في المسائل الشرعية

أهل الاجتهاد في المسائل الشرعية Q هل صحيح أن الاجتهاد يكون للحاكم والقاضي فقط دون العلماء والشيوخ؟ A إذا كان الاجتهاد في المسائل الفقهية فإنه يكون للعلماء والقضاة، أما الحكام فإذا كانوا من أهل العلم فإنهم يجتهدون، وإذا لم يكونوا من أهل العلم فإنهم لا يتكلمون فيما لا يعلمون. والاجتهاد معناه بذل الجهد في معرفة مراد الله ومراد الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما يحصل ذلك من أهل العلم، ولا يحصل هذا من الجهال، حتى لو كان حاكماًً أو وزيراً أو كبيراً أو صغيراً، الكلام في الدين لا يجوز إلا بعلم شرعي.

التعريف بالبعثيين

التعريف بالبعثيين Q ما المعنى الحقيقي لطائفة البعث؟ A البعثيون هم مجموعة من العرب القوميين، اجتمعوا على أساس أن القومية العربية هي أساس الولاء، وهي أساس الاجتماع، وأن العروبة هي المفصل والمحك الذي يحدد الولاء والبراء، فإذا كان الرجل عربياً حتى ولو كان نصرانياً أو يهودياً أو بوذياً أو أياً ما يكون فإنه يكون أخاً لك، وأما الإسلام فهو ليس أساساً لذلك؛ ولهذا قد يحبون النصراني من العرب ويبغضون المسلم من غير العرب؛ لأن أساس الولاء هي العروبة. ثم اقترنت حركة البعث بالاشتراكية والشيوعية، وأصبح عامة البعثيين من الشيوعيين والاشتراكيين، وهم في الأساس قوميون، والذي أنشأ حزب البعث رجل نصراني اسمه ميشيل عفلق، وميشيل عفلق هذا ظهر في سوريا وأنشأ هذا الحزب، وتوصل هذا الحزب للحكومة، ثم حصل بينه وبين تلاميذه خلاف، فأرادوا قتله وهرب إلى العراق وأسس هناك حزب البعث العراقي، وتوصل هذا الحزب إلى السلطة مرة أخرى، فأساس حزب البعث هو حزب قومي يجعل القومية هي الأساس؛ ولهذا يقول قائلهم: آمنت بالبعث رباًِ لا شريك له وبالعروبة ديناً ماله ثاني. فعندهم يستوي رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي لهب، الذي قال فيه الله عز وجل: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1]، ويستوي أبو بكر مع أبي جهل؛ لأن الجميع عرب، والجميع خدموا العروبة، ويستوي عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب بـ أمية بن خلف والوليد بن المغيرة وغيرهما من زعماء الكفر والشرك.

ضابط الغلو

ضابط الغلو Q هل الغلو في حب النبي صلى الله عليه وسلم يدخل ضمن طائفة الصوفية؟ A لابد من معرفة حدود الغلو فالغلو أحياناً يكون في العبادة، فإذا كان في العبادة فإنه يقع في الشرك، وأحياناً يكون فيه بعض الاعتقادات الباطلة التي لم ترد في القرآن والسنة، فهو بحسب حدود الغلو، والكلام المجمل ليس فيه فائدة، والكلام التفصيلي هو الذي فيه فائدة.

حكم الغناء بدون آلات المعازف والموسيقى

حكم الغناء بدون آلات المعازف والموسيقى Q هل إذا غنيت بفمي دون الموسيقى ولا السماع إلى المسجل يكون حراماً؟ A إذا كان الغناء بصوت دون استخدام الآلات فلا بأس به، إلا إذا كان الكلام الذي يغنى به من كلام أهل الفسق والمجون والسفاهة، فإنه لا يجوز حينئذ؛ لأنه يعتبر هذا من الشعر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الشعر: (حسنه حسن وقبيحه قبيح)، وقال في الشعر القبيح: (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعراً)، فهذا يدل على أن الشعر القبيح لا يجوز ترداده.

حكم لبس الملابس العارية للمرأة أمام المحارم وأمام النساء في الحفلات

حكم لبس الملابس العارية للمرأة أمام المحارم وأمام النساء في الحفلات Q ما حكم لبس الملابس العارية للمرأة أمام المحارم وأمام النساء في الحفلات؟ A لا يجوز لبس الملابس العارية التي تظهر مفاتن المرأة، لا عند محارمها ولا عند النساء الأخريات؛ لأن الله عز وجل أباح للمرأة أن تظهر مواطن الزينة عند المحارم، ومواطن الزينة هي مواطن الحلي، مثل: اليد، ومثل: شيء بسيط من القدم، ومثل: الشعر، ومثل: الأذن. أما بقية الجسد مثل الصدر ومثل الأفخاذ ونحو ذلك، فهذا لا يجوز أن يراه أحد من المحارم ولا من النساء، والحقيقة أن تساهل كثير من النساء في اللباس عند المحارم أوصل إلى فتن عظيمة جداً، وقد أخبرنا أشخاص كثيرون من الرجال ومن النساء عن فتن تحصل بين المحارم يشيب لها الرأس، والسبب في هذا هو تساهل النساء مع قلة الدين وقلة الخوف من الله سبحانه وتعالى، تلبس المرأة ملابس ضيقة، وقد تظهر بعض مفاتنها عند أقارب لها، وبالذات أقاربها من الرضاعة، وتصبح هناك مصائب كبيرة، والرجال حتى لو كانوا محارم ليسوا على درجة واحدة من الخوف من الله عز وجل، فبعضهم في قلبه فتنة؛ ولهذا قال العلماء: إنه يجب أن تحتجب المرأة عمن في قلبه فتنة حتى لو كان أباها، بل إنه لا يجوز أن تبقى عنده إذا كان في قلبه فتنة، أو عمها أو خالها أو قريبها فضلاً عن محارمها من الرضاع، فغيرهم من باب أولى، فلا بد للمرأة أن تتقي الله سبحانه وتعالى، وأن تخاف من الله.

حال حديث: (عورة المرأة مع المرأة)

حال حديث: (عورة المرأة مع المرأة) Q ما مدى صحة الحديث: (عورة المرأة مع المرأة)؟ A هذا ليس حديثاً، وإنما هي مقولة غير صحيحة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

§1/1