شرح القصائد العشر

التبريزي، أبو زكريا

معلقة امرئ القيس

بسم الله الرحمن الرحيم سألتني - أدام الله توفيقك - أن ألخص لك شرح القصائد السبع، مع القصيدتين اللتين أضافهما إليها أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحوي - قصيدة النابغة الذبياني الدالية، وقصيدة الأعشى اللامية - وقصيدة عبيد بن الأبرص البائية تمام العشر، وذكرت أن الشروح التي لها، طالت بإيراد اللغة الكثيرة، والاستشهادات عليها، والغرض المقصود منها معرفة الغريب، والمشكل من الإعراب، وإيضاح المعاني، وتصحيح الروايات، وتبيينها، مع جميع الاستشهادات التي لابد منها، من غير تطويل يمل، ولا تقصير بالغرض يخل، فأجبتك إلى ملتمسك، واستعنت بالله عل شرحها، من غير إخلال بما يجب إيراده مع الاختصار، والله الموفق للسداد، والهادي إلى طريق الرشاد. معلقة امرئ القيس قال امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الملك بن عمرو المقصور - الذي اقتصر على ملم أبيه - ابن حجر آكل المُرَار بن عمرو بن معاوية بن الحارث الأكبر بن معاوية بن مرتع، وقال قوم: ابن معاوية بن ثور بن مرتع، وإنما سمي مرتعا لأنه كان من أتاه من قومه رتعه، أي جعل له مرتعا لماشيته - وهو عمرو بن معاوية بن ثور، وهو كندة بن عفير - وإنما سمى

كندة لأنه كند أباه نعمته، ويكنى أبا الحارث. (قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبِ وَمَنْزِلِ ... بِسُقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ) هو من الضرب الثاني من الطويل، والقافية متدارك. السقط: ما تساقط من الرمل، وفيه ثلاث لغات: سِقْط، وسَقْط، وسُقْطٌ. واللوى: حيث يسترق الرمل، فيخرج منه إلى الجدد. وقوله (قفا) فيه ثلاثة أقوال، أحدها: أن يكون خاطب رفيقين له. والثاني: أن يكون خاطب رفيقا واحدا فثنى؛ لأن العرب تخاطب الواحد مخاطبة الاثنين، قال الله تبارك وتعالى مخاطبا لمالك: (ألقيا في جَهَنَّمَ) وقال الشاعر: فإن تَزْجُرَانِي يَا ابْنَ عَفَّانَ انْزَجِرْ ... وَإِنْ تَدَعَانِي أَحْمِ عِرْضاً مُمَنَّعَا أَبِيتُ عَلَى بَابِ القَوَافِي كَأَنَّمَا ... أُصَادِي بِهَا سِرْباً مِنَ الوَحْشِ نُزَّعَا وقال الآخر: فَقُلْتُ لِصَاحِبي: لاَ تَحْبِسَانَا ... بِنَزْعِ أُصُولِهِ وَاجْتَزَّ شِيحَا والعلة في هذا أن أقل أعوان الرجل في إبله وماله اثنان، وأقل الرفقة ثلاثة، فجرى كلام الرجل على ما قد ألف من خطابه لصاحبه، قالوا: والدليل على ذلك إنه خاطب الواحد، والبصريون ينكرون هذا؛ لأنه إذا خاطب الواحد مخاطبته الاثنين وقع الإشكال. وذهب المبرد في قوله تعالى: (ألْقِيَا في جَهَنَّم) إلى إنه ثناه للتوكيد، معناه ألق ألق، وخالفه الزجاج فقال: ألقيا مخاطبة

الملكين وكذلك (قفا) إنما هو مخاطبة صاحبيه. والقول الثالث: إنه أراد قفن بالنون فأبدل الألف من النون، وأجرى الوصل مجرى الوقف، وأكثر ما يكون هذا في الوقف. و (نبك) مجزوم لأنه جواب الأمر، والجيد أن يقال: نبك جواب شرك مقدَّر، كأن التقدير قفا أن تقفا نبك؛ لأن الأمر لا جواب له في الحقيقة. ألا ترى أنك إذا قلت للرجل (أطع الله يُدخلك الجنة) معناه أطع الله أن تطعه يُدخلك الجنة، لأنه لا يدخل الجنة بأمرك، إنما يدخلها إذا أطاع الله. و (ذكرى) والذكر واحد، وقوله: (من ذكرى) من تتعلق بنبك، وذكرى جر بمن، وهي مضافة إلى الحبيب. والمنزل: نسق على الحبيب، والباء من قوله: (بسقط اللوى) يجوز أن تتعلق بقفا وبنبك وبقوله منزل. وقوله: (بين الدخول فحومل) دخول: موضع، وحومل: موضع آخر. وكان الأصمعي يرويه (بين الدخول وحومل) ويقول: لا يقال المال بين زيد فعمرو، إنما يقال: بين زيد وعمرو، ومن رواه (فحومل) بالفاء يقول: أن الدخول موضع يشتمل على مواضع، وكذلك حومل، فلو قلت: عبد الله بين الدخول - تريد بين مواضع الدخول - تم الكلام، كما تقول: دورنا بين مصر، تريد بين أهل مصر؛ فعلى هذا عطف بالفاء، وأراد بين مواضع الدخول وبين مواضع حومل. (فَتُوضِحَ فَالْمِقْرَاةِ لَمْ يَعْفُ رَسْمُهَا ... لمِاَ نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ) تُوضح والمقراة: موضعان، وهذه المواضع التي ذكرها ما بين إمرة إلى أسود العين، وأسود العين: جبل، وهي منازل كلاب.

وموضع (توضح والمقراة) جر عطف على حومل، والمقراة في غير هذا الموضع: الغدير الذي يجتمع فيه الماء، من قولهم (قريت الماء في الحوض) إذا جمعته. ومعنى قوله (لم يعف رسمها) قال الأصمعي: أي لم يدرس لما نسجته من الجنوب والشمال، فهو باق ونحن نحزن، ولو عفا لاسترحنا، وهذا كقول ابن أحمر. أَلاَ لَيْتَ المَنَازِلَ قَدْ بَلِينَا ... فَلاَ يَرْمِينَ عَنْ شَزَنٍ حَزِينَا أي فلا يرمين عن تحرف وتشدد. يقال (شزن فلان ثم رمى) أي تحرف في أحد شقيه، وذلك أشد لرميه. ويقال شَزَنٌ وشُزُنٌ بمعنى واحد. ومعنى البيت ليتها بليت حتى لا ترمى قلوبنا بالأحزان والأوجاع، وكان الأصمعي يذهب إلى أن الريحين إذا اختلفتا على الرسم لم تعفواه، ولو دامت عليه واحدة لعفته؛ لأن الريح الواحدة تسفي على الرسم فيدرس، وإذا اعتورته ريحان فسقت عليه إحداهما فغطته ثم هبت الأخرى كشفت عن الرسم ما سفت الأولى. وقيل: معناه لم يعف رسمها للريح وحدها، وإنما عفا للمطر والريح وغير ذلك. وقيل: معناه لم يعف رسمها من قلبي وهو في نفسه دارس، يقال: عفا الشيء يعفو عَفْواً وعُفُواً وعفاء؛ إذا درس، وعفاه غيره: درسه. وقوله: (لما نسجتها) ما في معنى تأنيث، والتقدير للريح التي نسجت المواضع، الهاء تعود على الدخول وحومل وتوضح والمقراة، ونسجت: صلة ما، وما فيه من الضمير يعود على ما، ومثله: أَلِفَ الصُّفُونَ فَلاَ يَزَالُ كَأَنَّهُ ... مِمَّا يَقُومُ عَلَى الثَّلاَثِ كَسيراً أي كأنه من الخيل التي تقوم على الثلاث، أو من الأجناس التي تقوم على الثلاث، ويروى (لما نسجته) والهاء تعود على الرسم. وقال بعض أهل اللغة: يجوز أن يكون

ما في معنى المصدر، يذهب إلى أن التقدير لنسجها الريح، أي للتي نسجتها الريح، ثم أتى بمن مفسرة فقال (من جنزب وشمأل)؛ ففي نسجت ذكر الريح؛ لأنه لما ذكر المواضع والنسج والرسم دلت على الريح، فكنى عنها لدلالة المعنى عليها، ولم يجرأ أبو العباس أحمد بن يحيى أن يكون ما في معنى المصدر قال: لأن الفعل يبقى بلا صاحب، كأن أبا العباس لم يجز أن يكون في نسجت ذكر الريح، وفي الشمال لغات، يقال: شمال، وشمأل، وشأمل، وشَمَل، وشَمْلٌ، وشمول، قال الشاعر في الشأمل: وَهَبَّتِ الشّأْمَلُ الْبَلِيلُ، وَإِذْ ... بَاتَ كَمِيعُ الْفَتَاةِ مُلْتَفِعَا وقال آخر، وهو جرير في الشمْل بإسكان الميم: أَتَى أَبَد مِنْ دُونِ حِدْثَانِ عَهْدِهَا ... وَجَرَّتْ عَلَيْها كَلُّ نَافجةٍ شَمْلِ وقال عمر بن أبي ربيعة في الشمَل بفتح الميم: أَلَمْ تَرْبَعْ عَلَى الطَّلَلِ ... وَمَغْنَى الْحَيِّ كَالخِلَلِ تُعَفِّى رَسْمَهُ الأرْوَا ... حُ مَرُّ صَباً مَعَ الشَّمَلِ وقال ابن ميادة في الشَّمُول: وَمَنْزِلَة أُخْرَى تَقَادَمَ عَهْدُهَا ... بِدِى الرِّمْثِ تَعفُوهَا صَباً وَشَمُولُ (تَرَى بَعَر الأرْآم فِي عَرَصَاتِهَا ... وَقِيعَانِهَا كَأَنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ)

الأرآم: الظباء البيض، واحدها رئم، والعرصات: جمع عرصة، وهي الساحة، والقيعان: جمع قاع، وهو الموضع الذي يُستنقع فيه الماء، وهذا البيت وما بعده مما يزاد في هذه القصيدة، قال الأصمعي: والأعراب ترويهما. (كأَنِّي غَدَاةَ الْبَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا ... لَدَى سَمُرَاتِ الْحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَل) سمرات: جمع سمرة، وهي شجرة لها شوك، يقول: لما تحملوا اعتزلت أبكى كأني ناقف حنظل، وإنما شبه نفسه به لأن ناقف الحنظل تدمع عيناه لحرارة الحنظل، والنقف: نقفك رأس الرجل بعصاً أو غيرها، قال الشاعر: أن بِهَا أَكْتَلَ أو رِزَامَا ... خُوَيْرِبَيْنِ يَنْفُفَانِ الْهَامَا يعني لصين، وخويرب: تصغير خارب، وهو سارق الإبل خاصة. وقالوا: النقف كسر الهامة عن الدماغ، وأنقفتك المخ، أي أعطيتك العظم لتستخرج مخه. وناقف الحنظل: الذي يستخرج الهبيد وهو حب الحنظل. (وُقُوفاً بِهَا صَحْبِي عَلَىَّ مَطِيَّهُمْ ... يَقُولُونَ: لا تَهْلِكْ أَسىً وَتَجَمَّلِ) وقوفا: منصوب على الحال، والعامل فيه قفا، كما تقول: وقفت بدارك قائما سكانها فإن قيل: كيف قال وقوفا بها صحبي والصحب جماعة، وقوله وقوفا فعل متقدم لا ضمير فيه، فلم لم يقل (واقفا بها صحبي) كما تقول: مررت بدارك قائما سكانها؟. فالجواب أن الاختيار عند سيبويه فيما كان جمعا مكسرا أن تقول فيه: مررت برجُلٍ حِسانٍ قومُه، فإن كان مما يجمع جمع السلامة كان الاختيار ترك التثنية والجمع، فتقول: مررت برجل صالح قومه، كما قال زهير:

بَكَرْتُ عَلَيْهِ غُدْوَةً فَوَجَدْتُه ... قعُوداً لَدَيْهِ بالصَّرِيمِ عَوَاذِلُهْ ويجوز أن يكون قوله: (وقوفا) منصوبا على المصدر من (قفا) والتقدير: قفا وقوفا مثل وقوف صحبي، كما تقول: زيد يشرب شرب الإبل، تريد يشرب شربا مثل شرب الإبل، ويجوز أن يكون مصدرا وقع موقع الوقت لاستيقافه، كما تقول: البث على قعود القاضي، أي ما قعد، أي في قعوده، ويكون التقدير: وقت وقوف صحبي، ثم يحذف، ويكون بمنزلة قولك: رأيته قدوم الحاج، أي وقت قدوم الحاج، قالوا: ولا يجوز مثل هذا إلا فيما يعرف، نحو قولك: قدوم الحاج، وخفوق النجم، ولو قلت: لا أكلمك قيام زيد، تريد وقت قيام زيد، لم يجز؛ لأنه لا يعرف، وموضع (صحبي) رفع بوقوف، وعلىَّ: يتعلق بوقوف، وواحد الصحب صاحب مثل تجر وتاجر. وواحد المطي مطية، والمطية: الناقة، سميت مطية لأنها يركب مطاها، أي ظهرها، وقيل: سميت مطية لأنها يمطي بها في السير أي يجد بها في السير، ووزن مطية من الفعل فعيلة أصلها مطيوة، فلما اجتمعت الواو والياء في كلمة وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، وقوله (لا تهلك أسى وتجمل) الأسى: الحزن، يقال: أسيت على الشيء آسى أسى شديدا، إذا حزنت عليه، ونصب أسىً على المصدر؛ لأن قوله لا تهلك أسىً في معنى لا تأس، فكأنه قال: لا تأس أسىً، هذا قول الكوفيين، وقال البصريون: نصب أسىً لأنه مصدر وضع في موضع الحال، والتقدير عندهم: لا تهلك آسيا، أي جزينا، والمعنى لا تظهر الجزع، ولكن تجمَّل وتصبَّر وأظهر للناس خلاف ما في قلبك من الحزن

والوجد لئلا تشمت بك العواذل والعداة، ولا يكتئب لك الأو داء. (وَإِنَّ شِفَائِي عَبْرَةٌ مُهَرَاقَةٌ ... فَهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ؟) روى سيبويه هذا البيت (وإن شفاءا عبرة) واحتج فيه بأن النكرة يخبر عنها بالنكرة، ويروى (وإن شفائي عبرة لو سفحتها) أي صببتها، والعبرة: الدمعة، والعُبْر والعَبَر: سُخنة العين، ومهراقة: مصبوبة من (هرقت الماء، فأنا أهريقه) بمعنى أرقت، ووزن أرقت أفلت، وعين الكلمة محذوفة، كان أصلها أريقت على وزن أفعلت، وهو فعل معتل العين تقول في الثلاثي منه: راق الماء يريق، فالألف في راق منقلبة عن ياء، وأصله ريق على وزن فعل، فانقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فلما أعلوها في الثلاثي وجب إعلاها في الرباعي، فإذا قالوا: أرقت الماء فالأصل أريقت، ثم نقلوا حركة الياء إلى الراء وسكنت الياء، فقلبوها ألفا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها الآن، فاجتمع ساكنان الألف والقاف، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين فصا أرقت، وقالوا في المستقبل: أريقه، والأصل أُأَريقه مثل أدحرجه، فنقلوا حركة الياء إلى الراء وسكنت الياء فصار أأريقه، ثم حذفوا احدى الهمزتين لاستثقالهم الجمع بينهما فصار أريقه، ومن العرب من يبدل من الهمزة الهاء فيقولون: هرقت الماء، وقالوا في المستقبل: أهريقه، ولم يحذفوا الهاء؛ لأنه لم يجتمع فيه مثلان كما اجتمع في أُأَريقه، واحتاجوا إلى حذف أحدهما، وقالوا: أهرقت الماء فأنا أهريقه بسكون الهاء في الماضي والمستقبل جميعا، فالهاء في المسألة الأولى مفتوحة في الماضي والمستقبل لأنها فاء الكلمة، وفي هذه المسألة الأخيرة زائدة، وإنما زادوها ليكون جبرا لما دخل الكلمة من الحذف، كما زادوا السين في أسطاع يسطيع، بمعنى أطاع يطيع، ليكون جبرا لما دخل الكلمة من التغيير، لأن أصلها أطوع يطوع، والرسم: الأثر،

والمعول: يحتمل تفسيرين؛ أحدهما أن يكون معول موضع عويل، أي بكاء، كأنه قال: هل عند رسم دارس من مبكى؟ أخذ من العويل وهو الصياح، يقال: قد أعول الرجل فهو معول، إذا فعل ذلك، ويحتمل أن يكون المراد بالمعول موضعا ينال فيه حاجته، كما تقول: معوَّلنا على فلان، ومعول: محمل، يقال: عول على فلان، أي احمل عليه، يقول: فهل يحمل على الرسم ويعول عليه بعد دروسه؟ فإن قيل: كيف قال في البيت الأول (لم يعف رسمها) فأخبر أن الرسم لم يدرس وقال في هذا البيت (فهل عند رسم دارس)؟ قيل له: في هذا غير قول، قال الأصمعي: معناه قد درس بعضه ولم يدرس كله، كما تقول: درس كتابك، أي ذهب بعضه وبقى بعضه، وقال أبو عبيدة: رجع فأكذب نفسه بقوله: (فهل عند رسم دارس من معول؟)، كما قال زهير: قِفْ بِالدِّيَارِ الَّتِي لَمْ يَعْفُهَا القِدَمُ ... بَلَى، وَغَيَّرَهَا اْلأَرْوَاحُ وَالدِّيَمُ وقيل: ليس قوله في هذا البيت (فهل عند رسم دارس) مناقضا لقوله (لم يعف رسمها) لأن معناه لم يدرس رسمها من قلبي وهو في نفسه دارس. وقالوا: أراد زهير في بيته قف بالديار التي لم يعفها القدم من قلبي، ثم رجع إلى معنى الدروس فقال: بلى وغيرها الأرواح والديم. (كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الْحُوَيْرِثِ قَبْلَهَا ... وَجاَرَتِهَا أُمِّ الرَّبَابِ بِمَأْسَلِ) كدأبك: أي كعادتك، وروى أبو عبيدة (كدينك) والدين هنا بمعنى

الدأب والعادة، والكاف متعلقة بقوله: قفا نبك، كأنه قال: قفا نبك كعادتك في البكاء، والكاف في موضع نصب، والمعنى بكاء مثل عادتك، ويجوز أن تكون الكاف متعلقة بشفائي، ويكون التقدير: كعادتك في أن تشتفي من أم الحويرث، والباء في قوله (بمأسل) متعلقة بقوله كدأبك، كأنه قال: كعادتك بمأسل، ومأسل: موضع، وأم الحويرث: هي هر أم الحارث بن حصين بن ضمضم الكلبي، وأم الرباب: من كلب ايضا، يقول: لقيت من وقوفك على هذه الديار وتذكرك أهلها كما لقيت من أم الحويرث وجارتها، وقيل: المعنى إنك أصابك من التعب والنصب من هذه المرأة كما أصابك من هاتين المرأتين. (إذا قَامَتَا تَضَوّعَ المِسْكُ مِنْهُمَا ... نَسِمَ الصَّبَا جَاَءتْ بِرَيَّا القَرَنْفُلِ) المسك يذكر ويؤنث، وكذلك العنبر، وقيل: من أنث إنما ذهب به إلى معنى الريح، ومن أنث فروايته (تضوع المسك منهما) يريد تتضوع، فحذف إحدى التاءين، ومعنى تضوع أي فاح متفرقا، ونصب (نسيم الصبا) لأنه قام مقام نعت لمصدر محذوف، التقدير: تضوع المسك منهما تضوعا مثل نسيم الصا، وقيل: نسيم نصب على المصدر، كأنه في التقدير تنسم تنسُّم الصبا، ونسيم الصبا: تنسمها، وريا القرنفل: رائحته، ولا يكون الريا إلا ريحا طيبة، ويروى (إذا التفتت نحوي تضوع ريحها، البيت) وجعل ابن الانباري (جاءت) صلة الصبا، وقال: إنما جاز أن توصل الصبا لأن هبوبها يختلف فيصير بمنزلة المجهول، فتوصل كما توصل الذي، قال الله عز وجل: (كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أسْفَاراً)، فيحمل صلة الحمار، والتقدير: كمثل الحمار الذي يحمل أسفارا، وهذا الذي يذكره ينكره البصريون؛ لأنهم قالوا: أنا لا نجد في كلام العرب اسما موصولا محذوفا وصلته مبقاة، ويجعلون مثل هذا حالا، فإذا كان الفعل ماضيا قدَّروا معه قد.

(فَفَاضَتْ دُمُوعُ العَيْنِ مِنِّى صَبَابَةً ... عَلَى النَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِيَ مْحَمَلِي) فاضت: سالت، والصبابة: رقة الشوق، يقال: صببت أصب، قال الشاعر: يَصَبُّ إلى الْحَيَاةِ وَيَشْتَهِيهَا ... وَفِي طولِ الْحَيَاةِ لَهُ عَنَاءُ والمحمل: السير الذي يحمل به السيف، والجمع حمائل على غير القياس، وليس لها من لفظها واحد، ولو كان لها واحد من لفظها لكان حميلة، ولكنها لم تسمع، قال الشاعر في المحمل: فَارْفَضَّ دَمْعُكَ فَوْقَ ظَهْرِ المِحْمَلِ ونصب (صبابة) لأنه مصدر وضع موضع الحال كقولك: زيد مشيا، أي ماشيا، ومثله قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ أن أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً) أي غائرا، ويجوز أن يكون نصب (صبابة) على إنه مفعول له. ومما يسأل عنه في هذا البيت أن يقال: كيف يلل الدمع محمله وإنما المحمل على عاتقه؟ فيقال: قد يكون منه على صدره، فإذا بكى وجرى الدمع عليه ابتل. (أَلاَ رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنّ صَالِحٍ ... وَلاَسِيمَا يَوْمٌ بِدَارَةِ جُلْجُلِ) ألا: افتتاح للكلام، ورُبَّ فيها لغات، أفصحهن ضم الراء وتشديد الباء، ومن العرب من يضم الراء ويخفف الباء، فيقول: رُبَ رجل قائم، ويروى عن عاصم إنه قال: قرأت على زر بن حُبيش (رُبَّما) بالتشديد، فيقال: انك لتحب الرُّبَّ، ربما مخففة، ومن العرب من يفتح الراء ويشدد الباء فيقول: رَبَّ رجل قائم، وزعم الكسائي إنه سمع التخفيف في المفتوحة، ومن العرب من يدخل معها تاء التأنيث ويشدد الباء، ويجوز تخفيفها مع تاء التأنيث فيقول: رُبَة رجل قائم. والمعنى ألا رب يوم لك منهن سرور وغبطة. والسيُّ: المثل، ودارة

جلجل: موضع، ويروى ولاسيما يومٍ ويومٌ بالجر والرفع فمن جره جعل ما زائدة للتوكيد، وهو الجيد، ومن رفعه جعل ما بمعنى الذي وأضمر مبتدأ، والمعنى: ولاسيما هو يوم، وهذا أقبح جدا؛ لأنه حذف اسما منفصلا من الصلة، وليس هذا بمنزلة قولك: الذي أكلت خبز؛ لأن الهاء متصلة فحسن حذفها، ألا ترى إنك لو قلت (الذي مررت زيد) تريد الذي مررت به زيد؛ لم يجز. فأما نصب سي فبلا، ولا يجوز أن يكون مبنيا مع لا؛ لأن لا لا يبني مع المضاف، لأن ما يبنى مشبه بالحروف، ولا تقع الإضافة في الحروف، فإذا أضفت المبني زال البناء، ولا يجوز أن تقول: ما جاءني القوم سيما زيد، حتى تأتي بلا، وحكى الأخفش إنه يقال (لاسيما) مخففا. ومعنى قوله (ولاسيما يوم بدارة جلجل) التعجب من فضل هذا اليوم، أي هو يوم يفضل سائر الأيام، وقال هشام ابن الكلبي: دارة جلجل عند غمر كندة، وقال الأصمعي وأبو عبيدة: دارة جلجل في الحمى، ويقال: دار، ودارة، وغدير، وغديرة، وإزار، وإزارة، ويروى (ألا رب يوم صالح لك منهم). فإن قيل: كيف جاز أن يقال (منهم) وهن نساء؟ فالجواب أن يقال: كأنه عناهن وعنى أهلهن، فغلب المذكر على المؤنث، ويروى (صالح لم منهما) وأجود الروايات (ألا رب يوم لك منهن صالح) على ما فيه من الكف، وهو حذف النون من مفاعلين. (وَيَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذَارَى مَطِيَّتِي ... فَيَا عَجَبَا مِن رَحْلِهَا المُتَحَمَّلِ)

العذارى: جمع عذراء، يقال: عذراء وعذار وعذارى؛ فعذار منون في موضع الرفع والجر وغير منون في موضع النصب، وإذا قلت عذارى فالألف بدل من الياء لأنها أخف منها. فإن قال قائل: فلم لا أبدل الياء في قاض ألفا؟ فزعم الخليل أن عذارى إنما أبدلت من الياء منه الألف لأنه لا يشكل إذ كان ليس في الكلام فعال، ولم تبدل الياء في قاض فيقال قاضا، لانه في الكلام فاعل نحو طابق وخاتم. فإن قال قائل: فلم لا تنون عذارى في موضع الرفع والجر، كما تفعل في عذارٍ؟ فالجواب في هذا أن سيبويه زعم أن التنوين في عذارٍ وما أشبهها عوض من الياء، فإذا جئت بالألف عوضا من الياء لم يجز أن تعوض من الياء شيئا آخر. وزعم أبو العباس محمد بن يزيد أن التنوين في عذارٍ وما أشبهها عوض من الحركة؛ فإذا كان عوضا من الحركة والألف لا يجوز أن يحرَّك، فكيف يجوز أن يدخل التنوين عوضا من الحركة فيما لا يحرك؟ وقوله (فيا عجبا) الألف بدل من الياء، كما تقول: (يا غلاما أقبل) تريد يا غلامي. ويقال: كيف يجوز أن ينادى العجب وهو مما لا يجيب ولا يفهم؟ فالجواب في هذا أن العرب إذا أرادت أن تعظم أمر الخبر جعلته نداء، قال سيبويه: إذا قلت يا عجبا كأنك قلت تعال يا عجب فإن هذا من إبانك؛ فهذا أبلع من قولك تعجبت، ونظير هذا قولهم (لا أرينك هاهنا)؛ لأنه قد علم إنه لا ينهى نفسه، والتقدير: لا تكن هاهنا فإنه من يكن هاهنا أره، وقال الله عز وجل (وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) فقد علم إنه لا ينهاهم عن الموت، والتقدير والله أعلم: اثبتوا على الإسلام حتى يأتيكم الموت، وكذلك قوله (يا عجبا) قد علم إنه لا ينادى العجب، فالمعنى انتبهوا للعجب. وقوله (يوم عقرت) يوم: في موضع جر معطوف على يوم الذي يلي سيما، ومن رفع فقال (ولاسيما يوم) فموضع يوم الثاني رفع، وإنما فتح لأنه جعل يوما وعقرت بمنزلة

اسم واحد، وكذلك ظروف الزمان إذا أضيفت إلى الأفعال الماضية أو اسم غير متمكن بنيت معها، نحو (أعجبني يوم خرج زيد) ونحو ما أنشد سيبويه: عَلَى حِينَ ألْهى النَّاسَ جُلُّ أَمُورِهِمْ ... فَنَدْلاً زُرَيْقُ المَالَ نَدْلَ الثّعَالِبِ ويجوز أن يكون يوم منصوبا معربا كأنه قال: اذكر يوم عقرت؛ ففي إعراب (يوم) ثلاثة أوجه: النصب بفعل مضمر، والجر عطفا على اليوم الذي قبله، والثالث أن يكون مرفوع الموضع مبني اللفظ لإضافته إلى فعل مبنى، وعند الكوفيين يجوز أن تُبنى ظروف الزمان مع الفعل المستقبل، ولا يجوز ذلك عند البصريين لأن المستقبل معرب. ومن خبر هذا اليوم أن امرأ القيس كان عاشقا لابنة عم له يقال لها: (عُنيزة) وكان يحتال في طلب الغرة من أهلها، فلم يمكنه ذلك، حتى كان يوم الغدير، وهو يوم دارة جلجل، احتمل الحي، فتقدم الرجال وخلَّفوا النساء والعبيد والثقل، فلما رأى ذلك امرؤ القيس تخلَّف بعد قومه غلوة فكمن في غيابة من الأرض حتى مرت به النساء، وإذا فتيات فيهن عنيزة، فعدلن إلى الغدير ونزلن، وتحيز العبيد عنهن، ودخلن الغدير، فأتاهن امرؤ القيس - وهن غوافل - فأخذ ثيابهن ثم جمعها وقعد عليها، وقال: والله لا أعطي جارية منكن ثوبها ولو ظلت في الغدير إلى الليل حتى تخرج كما هي متجردة فتكون هي التي تأخذ ثوبها، فأبين عليه، حتى ارتفع النهار وخشين أن يقصرن دون المنزل الذي يردنه، فخرجت إحداهن فوضع لها ثوبها ناحية فمشت إليه فأخذته ولبسته، ثم تتابعن على ذلك، حتى بقيت عنيزة، فناشدته الله أن يضع ثوبها، فقال لها: لا والله لا تمسينه دون أن تخرجي عُريانة كما خرجت فنظر

إليها مُقبلة ومُدبرة، فوضع لها ثوبها فأخذته ولبسته، فأقبلت النسوة عليه، وقلن له: غدِّنا فقد حبستنا وجوَّعتنا، فقال: أن نحرت لكن ناقتي تأكلن منها؟ قلن: نعم، فاخترط سيفه فعرقبها، ثم كشطها، وجمع الخدم حطبا كثيرا، وأجج نارا عظيمة، وجعل يقطع لهن من كبدها وسنامها وأطايبها فيرميه على الجمر، وهن يأكلن ويشربن من فضلة كانت معه في ركوة له، ويغنيهن وبنبذ إلى العبيد من الكباب، حتى شبعن وشبعوا وطربن وطربوا، فلما ارتحلوا قالت إحداهن: أنا أحمل حشيته وأنساعه، وقالت الأخرى: أنا أحمل طنفسته، فتقسمن متاع راحلته بينهن، وبقيت عنيرة لم يحملها شيئا، وقال: ليس لك بد من أن تحمليني معك؛ فإني لا أطيق المشي ولم أتعوده، فحملته على بعيرها، فلما كان قريبا من الحي نزل، فأقام حتى إذا جنه الليل أتى أهله ليلا. وقوله (فيا عجبا لرحلها المتحمل) أي العجب لهن ومنهن كيف أطقن حمل الرجل في هوادجهن؟ وكيف رحلن إبلهن على تنعمهن ورفاهة عيشهن؟ (فَظَلَّ العَذَارَى يَرْتَمِينَ بِلَحْمِهَا ... وَشَحْمٍ كَهُدَّابِ الدِّمَقْسِ المُفَتَّلِ) يرتمين: يناول بعضهن بعضا، والهداب والهدب واحد، وهو طرف الثوب الذي لم يستتم نسجه، والدمقس: الحرير الأبيض، ويقال: هو القز، وهو المدقس أيضا، وقيل الدمقس والمدقس كل ثوب أبيض من كتان أو إبريسم أو قز، وشبه شحم هذه الناقة وهؤلاء الجواري يترامينه - أي يتهادينه - يهداب الدمقس، وهو غزل الإبريسم المفتول، والمفتل بمعنى المفتول، إلا أنك إذا قلت (مفتول) يقع للقليل والكثير، وإذا قلت (مفتل) لم يكن إلا للكثير، ويقال: ظلَّ يفعل كذا،

إذا فعله نهارا، وبات يفعل كذا، إذا فعله ليلا، وأصل ظلَّ ظلل، فكرهت العرب الجمع بين حرفين متحركين من جنس واحد، فأسقطوا حركة الحرف الأول وأدغموه في الثاني، والعذارى: اسم ظل، ويرتمين: خبرها، والكاف في قوله (كهداب) في موضع جر؛ لأنها نعت للشحم، أي مثل هُدَّاب. (وَيَوْمَ دَخَلْتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَة ... فَقَالَتْ: لَكَ الوَيْلاَتُ! إِنَّكَ مُرْجِلِي) قوله (ويوم) معطوف على قوله (يوم عقرت) ويجوز فيه ما جاز فيه، والخدر: الهودج، ويروى (ويوم دخلت الخدر يوم عنيزة) فعنيزة على هذه الرواية: هضبة سوداء بالشحر ببطن فلج، وعلى الرواية الأولى اسم امرأة، وقوله (لك الويلات) دعاء عليه، و (مرجلي) فيه وجهان: أحدهما أن يكون المراد: أني أخاف أن تعقر بعيري كما عقرت بعيرك، والثاني - وهو الصحيح - أن يكون المراد إنها لما حملته على بعيرها ومال معها في شقها كرهت أن يعقر البعير، يقال: رَجِل الرَّجُلُ يَرْجَل، إذا صار راجلاً، وأرجله غيره، إذا صيَّره كذلك، وقال ابن الانباري: في قوله (لك الويلات) قولان: أحدهما أن يكون دعاء منها عليه إذ كانت تخاف أن يعقر بعيرها، والقول الآخر: أن يكون دعاء منها له في الحقيقة كما تقول العرب للرجل إذا رمى فأجاد: قاتله الله ما أرماهُ، قال الشاعر: لَكَ الْوَيْلاَتُ أَقْدِمْنَا عَلَيْهِمْ ... وَخَيْرُ الطَّالِبِي التِّرَةِ الغَشُومُ وقالت الكندية ترثي اخوتها: هَوَتْ أُمُّهُمْ، مَاذَا بِهِمْ يَوْمَ صُرِّعُوا ... بِجِيْشَانِ مِنْ أَسْبَابِ مَجْدٍ تَصَرَّما؟

فقولها (هوت أمهم) دعاء عليهم في الظاهر، وهو دعاء لهم في الحقيقة، وحقيقة مثل هذا إنه يجري مجرى المدح والثناء عليهم، لا الدعاء لهم. (تَقُولُ وَقَدْ مَالَ الغَبِيطُ بِنَا مَعاً: ... عَقَرْتَ بَعِيرِي - يَا امْرَأَ القَيْسِ - فَانْزِلِ) الغبيط: الهودج بعينه، وقيل: قتب الهودج، وقيل: مركب من مراكب النساء، ونصب (معا) لأنه في موضع الحال من النون والألف، والعامل فيه مال، فأما قولك (جئت معها) فنصبها عند سيبويه على إنها ظرف، قال سيبويه: سألت الخليل عن قولهم (جئت معه) لم نصبت؟ فقال: لأنه كثر استعمالهم لها مضافة، فقالوا: جئت معه، وجئت معه، وجئت من معه، فصارت بمنزلة أمام - يعني أنها ظرف - فأما قول الشاعر: فَرِيشِي مِنْكُمُ وَهَوَايَ مَعْكُمْ ... وإِنْ كَانَتْ زِيَارَتُكُمْ لِمَامَا فعند أبي العباس إنه قدر مع حرفا بمنزلة في؛ لأن الأسماء لا يسكن حرفا الإعراب منها، وقوله (عقرت بعيري) قال أبو عبيدة: إنما قال عقرت بعيري ولم يقل ناقتي لأنهم يحملون النساء على الذكور؛ لأنها أقوى وأضبط، والبعير يقع على المذكر والمؤنث، وإذا كان كذلك فلا فرق بين أن تقول بعيري وأن تقول ناقتي؛ لأن البعير يقع عليهما، والجملة التي هي قوله (وقد مال الغبيط بنا معا) في موضع الحال، وقوله (عقرت بعيري) مفعول تقول، وإنما مال الغبيط لأنه انثنى عليها يُقبِّلها فصارا معا في شق واحد.

(فَقُلْتُ لَهَا: سِيرِي، وَأَرْخِى زِمَامَهُ ... وَلاَ تُبْعِدِينِي مِنْ جَنَاكِ المُعَلَّلِ) جناها: ما اجتنى منها من القبل، والمُعلِّل: الذي يعلله ويتشفى به، وابن كيسان يروى المعلَّل بفتح اللام أي الذي عُلِّل بالطيب، أي طُيِّب مرة بعد مرة، ومعنى البيت إنه تهاون بأمر الجمل في حاجته، فأمرها أن تخلي زمامه ولا تبالي ما أصابه من ذلك. (فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍ ... فَأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْوِلِ) ورواية سيبويه (ومثلك بكرا قد طرقت وثيبا) يريد رُبَّ مثلك، والعرب تبدل من ربَّ الواو، وتبدل من الواو الفاء لاشتراكهما في العطف، ولو روى (فمثلك حُبلى قد طرقت ومرضعا) لكان جيدا، على أن تنصب مثلا بطرقت وتعطف مرضعا عليه، إلا إنه لم يُرو، وألهيتها: شغلتها، يقال: ألهيت عن الشيء إلهاءاً، إذا تركته وشُغلت عنه، والمصدر بهى ولُهيا، وحكى الرياشي لهيانا، ولهوت به ألهو لهواً لا غير، وقوله (عن ذي تمائم) أي عن صبي ذي تمائم، أقام الصفة مقام الموصوف، والتمائم: التعاويذ، واحدتها تميمة، وتجمع تميمة على تميم، ومعنى (محول) أي قد أتى عليه حول،

والعرب تقول لكل صغير: مُحول، ومُحيل، وإن لم يأت عليه حول، وكان يجب أن يكون محيل مثل مقيم، إلا إنه أخرجه على الأصل كما جاء استحوذ. ومعنى البيت: إنه ينفق نفسه عليها فيقول: أن الحامل والمرضع لا تكادان ترغبان في الرجال، وهما يرغبان فيَّ لجمالي، ويروى مُغيل، والمغيل: الذي تؤتى أمه وهي ترضعه. (إذا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَهُ ... بِشِقٍّ، وَتَحْتِي شِقُّهَا لَمْ يُحَوَّلِ) ويروى (انحرفت له). قال ابن الأنباري: يقول كانت تحته، فإذا بكى الصبي انصرفت بشق ترضعه، وهي تحته بعد، وإنما تفعل هذا لأن هواها معه. ويروى (إذا ما بكى من حبها) وقال أبو جعفر النحاس: معنى البيت إنه لما قبَّلها أقبلت تنظر إليه وإلى ولدها، وإنما يريد بقوله: (انصرفت له بشق) يعني أنها أمالت طرفها إليه، وليس يريد أن هذا من الفاحشة؛ لأنها لا تقدر أن تميل بشقها إلى ولدها في وقت يكون منه إليها ما يكون، وإنما يريد إنه يقبلها وخدُّها تحته. (وَيَوْماً عَلَى ظَهْرِ الكَثِيبِ تَعَذَّرَتْ ... عَلَىَّ، وَآلَتْ حَلْفَةً لَمْ تَحَلّلِ) نصب (يوما) بتعذرت، ومعنى تعذرت امتنعت، من قولهم: (تعذرت عليَّ الحاجة) قال أبو حاتم: أصله من العذر، أي وجدها على غير ما يريد، وقيل: تعذرت جاءت بالمعاذير من غير عذ، يقال: تعذَّر فهو متعذر، وعذَّر فهو مُعذِّر، إذا تعلل بالمعاذير، وآلت: حلفت، يقال: إلى يُولى إيلاء وألية وأَلوة وأُلوة وإِلوة، ونصب (حلفة) على المصدر؛ لأن معنى إلى حلف، والعرب تقول: هو يدعه تركا، ومعنى (لم تحلل) لم نقل أن شاء الله، من التحلة في اليمين، والكثيب: الرمل المجتمع المرتفع على غيره.

(أَفَاطِمَُ مَهْلاً بَعْضَ هذَا التَّدَلُّلِ ... وَإِنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ صَرْمِى فَأَجمِلِي) قال ابن الكلبي: فاطمة هي ابنة عبيد بن ثعلبة بن عامر، قال: وعامر هو الأجدار بن عوف بن عذرة، قال: ولها يقول: لاَ وَأَبِيكِ ابنْةَ العَامِرِيّ ... لاَ يَدَّعِي القَوْمُ أَنِّى أفِرّْ وإنما سمي الأجدار لجدرة كانت في عنقه وقوله: (أزمعت صرمي) أي عزمت عليه، والصُّرم: الهجر، والصَّرم: المصدر. وأفاطم: ترخيم فاطمة، على لغة من قال: يا حار أقبِل، والعرب تجعل الألف ياء في النداء والترخيم. وزعم سيبويه أن الحرو التي يُنبه بها - يعني ينادي بها - يا، وأيا، وهيا، وأيْ، والألف، وزاد الفراء أيْ زيد، ووازيد. ومعنى البيت إنه يقول لها: أن كان هذا منك تدلُّلا فأقصري، وان كان عن بغضة فأجملي، أي أحسني، ويقال: أجملي في اللفظ، ويقال: أدل فلان على فلان؛ إذا ألزمه ما لا يجب عليه دالة منه عليه، وروى أبو عبيدة: (وإن كنت قد أزمعت قتلي). (وَإنْ تَكُ قَدْ سَاَءتْكِ مِنِّى خَلِيقَةٌ ... فَسُلِّي ثِيَابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُلِ) ساءتك: آذتك، والخليقة والخلق واحد. وتنسل: تسقط، يقال: نسل ريش الطائر؛ إذا سقط، ينسل، وأنسل إذا نبت، وقوله: (تك) في موضع الجزم، وأصله تكون، فتحذف النون للجزم، وتبقى النون ساكنة، والواو ساكنة فتحذف الواو لسكونها وسكون النون، فيصير تَكُن، ثم حذفت النون من تكن، ولا يجوز أن تحذف من نظائرها لو قلت: (لم يص زيد نفسه) لم يجز حتى تأتي بالنون، والفرق بين يكون وبين نظائرها أن يكون فعل يكثر استعمالهم له، وهم يحذفون مما كثر استعمالهم له، ومعنى كثرة الاستعمال

في هذا أن كان ويكون يعبَّر بهما عن كل الأفعال، تقول: كان زيد يقوم، وكان زيد يجلس، وما أشبه ذلك، فلما كثر استعمالهم لكان ويكون حذفت النون من يكن، وشبهت بحروف المد واللين فحذفت كما يحذفن، والدليل على إنها مشبهة بحروف المد واللين إنها لا تحذف في موضع تكون فيه متحركة، لا يجوز أن تقول: (لم يك الرجل منطلقا) لأنها في موضع حركة؛ لأنك تقول: لم يكن الرجل منطلقا. وقوله: (فسلي ثيابي من ثيابك) - يعني قلبه من قلبها - أي خلصي قلبي من قلبك. (أَغَرَّكِ مِنِّي أن حُبَّكِ قَاتِلِي ... وَأَنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ) (أغرك) أي أحملك على الغرة، وهو فعل من لم يجرب الأمور، و (أن حبك) في موضع رفع، كأنك قلت: أغرك مني حُبِّيك. وتأمري: في موضع جزم بمهما. قال الخليل: الأصل في مهما (ما ما) فما الأولى تدخل للشرط في قولك: (ما تفعل أفعل)، وما الثانية زائدة للتوكيد، وقال الفراء: كان في مهما ما، فحذفت العرب الألف منها، وجعلت الهاء خلفا منها، ثم وصلت بما، فدلت على المعنى، وصارت هي كأنها صلة لما، وهي في الأصل اسم، وكذلك مهمن قال الشاعر: أَمَاوِيَّ مَهْمَنْ يَسْتَمِعْ فِي صَدِيقِهِ ... أَقَاوِيلَ هذا النَّاس مَاوِيَّ يَنْدَم وقيل: معنى مه، أي كُف كما تقول للرجل إذا فعل فعلا لا ترضاه منه (مه) أي كف، والمعنى: فانك مهما تأمري قلبك يفعل لأنك مالكة له، وأنا ل أملك قلبي، وقال قوم: المعنى مهما تأمري قلبي يفعل لأنه مُطيع لك. (وَمَا ذَرَفَتْ عَيْنَاكِ إِلاَّ لِتَضْرِبِي ... بِسَهْمَيْكِ فيِ أَعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّلِ) ذرفت: دمعت، ومقتل: مذلل منقاد، وقوله: (إلا لتضربي بسهميك)

يقول: ما بكيت إلا لتجرحي قلبا مُعشرا، أي مكسرا، من قولهم: بُرمة أعشار، وقدح أعشار، إذا كان قطعا، ولم يسمع للأعشار بواحد، يقول: بكيت لتجعلي قلبي تُقطعا مخرقا كما يُخرِّق الجائر أعشار البرمة، والبرمة تنجبر، والقلب لا ينجبر، ومثله: رَمَتْكَ ابْنَةُ البَكْرِيِّ عَنْ فَرْعِ ضَالَةٍ ... وَهُنَّ بِنَا خُوصٌ يُخَلْنَ نَعَائِمَا وقيل في معناه: أن هذا مثل لأعشار الجزور، وهي تقسم على عشرة أنصباء، ثم يُجال عليها بالسهام التي هي الفذ، والتوأم، والرقيب، والحلس، والنافس، والمسبل، والمعلى؛ فالفذ له نصيب إذا فاز، والتوأم له نصيبان، والرقيب له ثلاثة أنصباء، والحلس له أربعة، والنافس له خمسة، والمسبل له ستة، والمعلى له سبعة، فقوله (بسهميك) يريد المعلى وله سبعة أنصباء، والرقيب وله ثلاثة أنصباء، فأراد أنك ذهبت بقلبي أجمع، وروى أبو نصر عن الأصمعي إنه قال: معناه دخل حبك في قلبي كما يدخل السهم، يقول: لم تبكي لأنك مظلومة، وإنما بكيت لتقدحي في قلبي كما يقدح القادح في الأعشار، وأجود هذه الوجوه أن يكون المراد بالسهمين المعلى والرقيب؛ لأنه جعل بكاءها سببا لغلبتها على قلبه، فكأنها حين بكت فاز سهماها، شبهها باليسر - وهو المقامر - إذا استولى بعد حين على أعشار الجزور، وذلك إنه لا يستولي على الجزور بأقل من سهمين. (وَبَيْضَةِ خِدْرٍ لاَ يُرَامُ خِبَاؤُهَا ... تَمَتّعْتُ مِنْ لَهْوٍ بِهَا غَيْرَ مُعْجَلِ) أي رب بيضة خدر، يعني امرأة كالبيضة في صيانتها، وقيل: في صفائها ورقتها، لا يرام خباؤها لعزها. والخباء: ما كان على عمودين أو ثلاثة، والبيت: ما كان على ستة أعمدة إلى التسعة، والخيمة: ما كان على الشجر. يقول: رب امرأة مخدرة مكنونة، لا تبرز للشمس، ولا تظهر للناس، ولا يوصل إليها،

وصلت إليها وتمتعت منها، أي جعلتها لي بمنزلة المتاع غير مُعجل: غير خائف، أي لم يكن ذلك مما كنت أفعله مرة أو مرتين. (تَجَاوَزْتُ أَحْرَاساً إليها وَمَعْشَراً ... عَلَىَّ حِرَاصاً لَوْ يُسِرُّونَ مَقْتَلِي) أحراساً: جمع حرس ويروى (تخطيت أبوابا إليها) و (أهوالا إليها) ومعشرا: يريد قومها، ويروى (يسرون) بالسين غير معجمة، و (يشرون) بالشين معجمة، فمن رواه بالسين غير معجمة احتمل أن يكون معناه يكتمون، ويحتمل أن يكون معناه يظهرون، وهو من الأضداد، وقيل في قوله تعالى: (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا العَذَابَ): أن معناه اظهروا، وقيل: كتموها ممن أمروه بالكفر، وأما بالكفر، وأما (يشرون) فمعناه يظهرون لا غير، يقال: أشررت الثوب؛ إذا نشرته. ومعنى البيت: أني تجاوزت الأحراس وغيرهم حتى وصلت إليها، وهم يهمون بقتلي، ويفزعون من ذلك، لنباهتي وموضعي من قومي، وقوله: (لو يسرون مقتلي) يريد أن يسروا. وأن تضارع لو في هذا الموضع، يقال: وددت أن يقوم عبد الله، وددت لو قام عبد الله، إلا أن (لو) يُرفع المستقبل بعدها، وأن تنصب الفعل المستقبل، قال الله تعالى: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أن تَكُونَ لَهُ جَنَّة مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ) فجاء بأن، وقال في موضع آخر: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) والمعنى ودوا أن تدهن فيدهنوا، والى تتعلق بتجاوزت، وعليَّ بحراصٍ، ومقتلي: منصوب بيشرون.

(إذا مَا الثُّرَيَّا فيِ السَّمَاءِ تَعَرَّضَتْ ... تَعَرُّضَ أَثْنَاءِ الوِشَاحِ المُفَصّلِ) العامل في (إذا) قوله تجاوزت في البيت الذي قبله. والمعنى: تجاوزت أحراسا إليها عند تعرض الثريا في السماء في وقت غفلة رُقبائها. وقوله (تعرضت) معناه أن الثريا تستقبلك بأنفها أول ما تطلع، فإذا أرادت أن تسقط تعرضت، كما أن الوشاح إذا طُرح تلقاك بناحية، والوشاح: خرز يعمل من كل لون. والمُفصَّل: الذي قد فُصل بالزبرجد، وأثناء الوشاح: نواحيه ومنقطعه، والأثناء: واحدها ثِنْىٌ، وثِنًى، وثَنًى، وواحد آلاء الله إلى وإِلىً وأَلىً، وواحد آناء الليل إِنْىٌ وإِنىً وأَنىً. وأنكر قوم (إذا ما الثريا في السماء تعرضت) وقالوا: الثريا لا تعرض لها، وقالوا: عنى بالثريا الجوزاء؛ لأن الثريا لا تعرض، وقد تفعل العرب مثل هذا كما قال زهير (كأحمر عاد) والمراد أحمر ثمود، فجعل عادا في موضع ثمود لضرورة الشعر، وقال أبو عمرو: تأخذ الثريا وسط السماء كما تأخذ الوشاح وسط المرأة، شبه اجتماع كواكب الثريا ودُنُو بعضها من بعض بالوشاح المنظم بالودع المفصل بينه، ويقال: إنها إذا طلعت طلعت على استقامة، فإذا استقامت تعرضت. (فَجِئْتُ وَقَدْ نَضَّتْ لِنَوْمٍ ثِيَابِهَا ... لَدَى السِّتْرِ إِلاَّ لِبْسَةَ المتَفَضِّلِ) نضت: ألقت والواو في (وقد نضت) واو الحال، والمتفضل: الذي يبقى في ثوب واحد لينام أو ليعمل عملا، واسم الثياب الفضل، ويقال للرجل والمرأة فُضُل أيضا، والمفضل: الإزار الذي ينام فيه، يخبر إنه جاءها وقت خلوتها ونومها لينال منها ما يريد.

(فَقَالَتْ: يَمِينَُ اللهِ، مَالَكَ حِيَلةٌ، ... وَمَا أن أَرَى عَنْكَ الغَوَايَةَ تَنْجَلِي) ويرى (ما أن أرى عنك العماية) والعماية: مصدر عمى قلبه يعمى عمى وعماية، والغواية والغي واحد، وتنجلي: تنكشف، وجليت الشيء: كشفته، و (يمين الله) منصوب، بمعنى حلفت بيمين الله، ثم أسقط الحرف فتعدى الفعل، ويروى (يمين الله) بالرفع، ورفعه على الابتداء، وخبره محذوف، والتقدير: يمين الله قسمي، أو عليَّ، و (إن) في قوله (ما أن أرى عنك الغواية) توكيد للنفي، ومعنى البيت إنها خافت أن يُظهر عليهما ويُعلم بأمرهما، فالمعنى: مالك حيلة في التخلص، ويجوز أن يكون المعنى: مالك حيلة فيما قصدت له، وقال ابن حبيب: أي لا أقدر أن أحتال في دفعك عنى. (فَقُمْتُ بِهَا أَمْشِى تَجُرُّ وَرَاَءنَا ... عَلَى إِثْرِنَا أَذْيَالَ مِرْطٍ مُرَحَّلِ) ويروى (على أثرينا ذيل مرط) والمرط: إزار خز مُعلم، والمرحل: الذي فيه صُور الرحال من الوشي، وقوله (أمشى) في موضع النصب على الحال، ومعنى البيت أنها قالت له مالك حيلة هنا خرج بها إلى الخلوة ومعنى جرها أذيالها إنها تفعل ذلك لتعفى أثرهما؛ لئلا يُقتفى أثرهما فيعرف موضعهما. (فَلَمَّا أجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ وَانْتَحَى ... بِنَا بَطْنُ خَبْتٍ ذِي قِفَافٍ عَقَنْقَلِ) أجزنا وجزنا بمعنى واحد، وقال الأصمعي: أجزنا قطعنا، وجزنا سرنا فيه وخلفناه، والساحة والباحة والفجوة والقروة والنالة: كلها فناء الدار، ويقال: هي الرحبة كالعرصة، وانتحى: اعترض، والخبت: بطن من الأرض غامض، ويروى (بطن حقف) والحقف: ما اعوج من الرمل وانثنى، وجمعه أحقاف، والقف: ما ارتفع من الأرض وغلظ، ولم يبلغ أن يكون جبلا،

ويروى (ذي ركام) والركام: ما يركب بعضه بعضا من الكثرة، والعقنقل: المتعقد الداخل بعضه في بعض، وعقنقل الضب: بطنه المتعقد وهو كشيته وبيضه، والكشية: شحمة من أصل حلقه إلى رفعه. (هَصَرْتُ بِفَوْدَيْ رَأْسِهَا فتَمايَلَتْ ... عَلَىَّ هَضِمَ الكَشْحِ رَيَّا المُخَلْخَلِ) جواب فلما أجزنا قوله (هصرت بفودي، إلخ) وذكر بعضهم أن جواب لما قوله (انتحى بنا)، والواو مقحمة، ويجوز أن تكون الواو غير مقحمة، ويكون الجواب محذوفا، ويكون التقدير: فلما أجزنا ساحة الحي أمنا، وعلى هذا الوجه يكون رواية البيت الذي بعده: (إذا قلت هاتى نوليني تمايلت عليَّ، البيت) ويروى (مددت بغصني دومة) ودومة: شجرة، والفودان: جانبا الرأس، ومعنى (هصرت) جذبت وثنيت، والكشح: ما بين منقطع الأضلاع إلى الورك، والمخلخل: موضع الخلخال، يصف دقة خصرها وعبالة ساقيها، و (هضيم الكشح) منصوب على الحال، وكذلك ريا المخلخل، ومن روى (إذا قلت هاتي نوليني) فمعنى التنويل التقبيل، وهو من النوال العطية، وتكون (إذا) ظرف تمايلت وهو الجواب، وإذا تشبه حروف الشرط، وشبهها بها إنها ترد الماضي إلى المستقبل، ألا ترى انك إذا قلت (إذا قمتَ قمتُ) فالمعنى إذا تقوم أقوم، وأيضا فلأنه لابد لها من جواب كحروف الشرط، ولأنه لا يليها إلا فعل، فإن وليها اسم أضمرت معه فعلا كقول الشاعر: إذا ابْنَ أبي مُوسَى بِلاَلاً بَلَغْتِهِ ... فَقَامَ بِفَأْسٍ بَيْنَ وِصْلَيْكِ جَازِرُ

والتقدير: إذا بلغت ابن أبي موسى، وروى سيبويه (إذا ابن أبي موسى) بالرفع، وزعم أبو العباس أن هذا غلط أن يرفع ما بعد إذا بالابتداء، ولكنه يجوز الرفع عنده على تقدير إذا بلغ ابن أبي موسى، والخليل وأصحابه يستقبحون أن يجازوا بإذا وإن كانت تُشبه حروف المجازاة في بعض أحوالها فإنها تخالفهن بأن ما بعدها يقع موقتا؛ لأنك إذا قلت (آتيك إذا احمر البُسر) فهو وقت بعينه، وكذلك قوله عز وجل: (إذا السَّماءُ انشقتْ) وقت بعينه؛ فلهذا قبح أن يجازى بها إلا في الشعر، قال الشاعر: تَرْفَعُ لِي خِنْدِفٌ، وَاللهُ يَرْفَعُ لِي ... ناراً إذا مَا خَبَتْ نِيرَانُهُمْ تَقِدِ و (هضيم) عند الكوفيين بمعنى مهضومة، فلذلك كان بلا هاء، وهو عند سيبويه على النسب، وأراد بالكشح الكشحين كما تقول: كحلت عيني، تريد عيني، وريَّا: فعلى من الريِّ، والري: انتهاء شرب العطشان، فهو عند ذلك يمتلئ جوفه، فقيل لكل ممتلئ من شحم ولحم: ريَّان. ومعنى البيت: إنه إذا قال لها نوليني تمايلت عليه بيديها ملتزمة له. (مُهَفْهَفَةٌ بَيْضَاءُ غَيْرُ مُفَاضَةٍ ... تَرَائِبُهَا مَصْقُولَةٌ كَالسَّجَنْجَلِ) المهفهفة: الخفيفة اللحم التي ليست برهلة ولا ضخمة البطن، والمفاضة: المسترخية البطن، وكأنه من قولهم: حديث مستفيض، والترائب: جمع تريبة، وهو موضع القلادة من الصدر، والسجنجل: المرآة، وقيل: سبيكة الفضة، وهي

لفظة رومية، ورواية أبي عبيدة (مصقولة بالسجنجل) وقيل: السجنجل الزعفران، وقيل: ماء الذهب، ومهفهفة: مرفوعة على انها خبر مبتدأ محذوف، والكاف في قوله: (كالسجنجل) في موضع رفع نعت لمصدر محذوف، كأنه قال: مصقولة صقلا كصقل السجنجل، وإنما يصف المرأة بحداثة السن، ويجمع السجنجل سجاجل، ومن روى (بالسجنجل) فالجار والمجرور في موضع النصب بقوله: (مصقولة) ويجوز أن يكون في موضع نصب على أن يكون نعتا. (تَصُدُّ وَتُبْدِى عَنْ أَسِيلٍ وَتَتَّقِى ... بِنَاظِرَةٍ منْ وَحْشِ وَجْرَةَ مُطْفِلِ) أي تُعرض عنَّا وتُبدى عن خد أسيل، ليس بكَزّ، وتلقانا بناظرة - يعني عينها - ووجرة: موضع، وأراد بوحش وجرة الظباء. ويروى (تصد وتبدي عن شتيت) أي عن ثغر شتيت، والشتيت: المتفرق، ومطفل: ذات طفل، قال الفراء: لم يقل مطفلة لأن هذا لا يكون إلا للنساء؛ فصار عنده مثل حائض، وهو على مذهب سيبويه على النسب، كأنه قال: ذات أطفال، والدليل على صحة قوله إنه يقال: (مطفلة) إذا أردت أن تأتي به على قولك (أطفلت فهي مطفلة) ولو كان ما يقع للمؤنث لا يشترك فيه المذكر لا يحتاج إلى الهاء فيه ما جاز مطفلة، قال الله عز وجل: (تَذْهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) وقوله: (بناظرة) أي بعين ناظرة، قال ابن كيسان: وتتقى بناظرة مطفل، كأنه قال: بناظرة مطفل من وحش وجرة، ثم غلط فجاء بالتنوين كما قال الآخر: رَحِمَ اللهُ أَعْظُماً دَفَنُوهَا ... بِسِجِسْتَانَ طَلْحَةَ الطَّلَحَاتِ تقديره: رحم الله أعظم طلحة، فغلط فنون، ثم أعرب طلحة بإعراب أعظم، والأجود إذا فُرق بين المضاف والمضاف إليه أن لا ينون كقوله:

كَأَنَّ أَصْوَاتَ مِنْ إِيغَالِهِنَّ بِنَا ... أَوَاخِرِ المَيْسِ إِنْقَاضُ الفَرَارِيجِ كأنه قال: كأن أصوات أواخر الميس. وفي بيت امرئ القيس تقدير أحسن من هذا، وهو أن يكون التقدير: بناظرة من وحش وجرة ناظرة مطفل، ويحذف ناظرة ويقيم مطفلا مقامه. وكذلك قوله (طلحة الطلحات) كأنه قال: أعظم طلحة الطلحات، ثم حذف وأقام طلحة مقامها. ومعنى البيت أنها تُعرض عنا استحياء، وتبسم فيبدو لنا ثغرها، وتتقى أي تلقانا بعد الإعراض عنا بملاحظتها كما تلاحظ الظبية طفلها، وذلك أحسن من غنج المرأة. (وَجِيدٍ كَجِيدِ الرِّئْمِ لَيْسَ بِفَاحِشٍ ... إذا هِيَ نَصَّتْهُ وَلاَ بِمُعَطّلِ) الجيد: العنق، والرثم: الظبي الأبيض الخالص البياض. شبه عنقها بعنق الظبية، ونصته: رفعته. والمُعطل: الذي لا حلى عليه، ومثله العُطل، وقوله: (ليس بفاحش) أي ليس بكريه المنظر، و (إذا) ظرف لقوله: ليس بفاحش. (وَفَرْعٍ يَزِينُ المَتْنَ أَسْوَدَ فَاحِمٍ ... أَثِيثٍ كَقِنْوِ النّخْلَةِ المُتَعَثْكِلِ) الفرع: الشعر التام، والمتن والمتنة: ما عن يمين الصُّلْب وشماله من العصب واللحم، والفاحم: الشديد السواد، وأثيث: كثير أصل النبات، والقِنْو والقُنْو والقنا: العذق وهو الشمراخ، والمتعثكل: الذي قد دخل بعضه في بعض

لكثرته، من العثكال والعثكول، وهو الشمراخ، وقيل: المتعثكل المتدلي. (غَدَائِرُهُ مُسْتَشْزَرَاتٌ إلى العُلاَ ... تَضِلُّ العِقَاصُ فِي مُثَنًّى وَمُرْسَل) الغدائر: الذوائب، واحدتها غديرة، ومستشزرات: مرفوعات وأصل الشزز الفتل على غير جهة لكثرتها، وقوله (إلى العلى) إلى ما فوقها، والعقاص: جمع عقيصة، وهو: ما جمع من الشعر ففتل تحت الذوائبل، وهي مشطة معروفة يرسلون فيها بعض الشعر ويثنون بعضه، فالذي فتل بعضه على بعض هو المثنى، والمرسل: المسرح غير مفتول، فذلك قوله (في مثنى ومرسل) ورواية ابن الأعرابي (مستشزِرات) بكسر الزاي، أي مرتفعات، ويروى (يضل العقاص) بالياء على أن العقاص واحد، قال ابن كيسان: هو المدرى، فكان يُسترفى الشعر لكثرته، ويروى (تضلُّ المدارى) أي من كثافة شعرها، والمدرى: مثل الشوكة يُصلح بها شعر المرأة. (وَكَشْحٍ لَطِيفٍ كَالجْدِيلِ مُخَصَّرِ ... وَسَاقٍ كَأَنْبُوبِ السَّقِيِّ المُذَلَّلِ) الكشح: الخصر، واللطيف: أراد به الصغير الحسن. والعرب إذا وصفت الشيء بالحسن جعلته لطيفا، والجديل: زمام يتخذ منه السيور فيجيء حسنا لينا يتثنى، وهو مشتق من الجدل وهو شدة الخلق، ومنه الأجدل الصقر. ومنه المجادلة، والأنبوب: البردي والسقيُّ: النخل المسقى، كأنه قال كأنبوب النخل السقي، و (الذلل) فيه أقوال: أحدها إنه الذي قد سُقي وذلل بالماء حتى يطاوع كل من مدَّ إليه يده، وقيل: المذلل الذي يُفيئه أدنى الرياح لنعمته، وقيل: يقال: (نخل مذلل) إذا امتدت أقناؤه فاستوت، شبه ساقها ببردى قد

نبت تحت نخل؛ فالنخل يظله من الشمس، وذلك أحسن ما يكون منه، وقيل: المعنى المذلل له الماء، وقيل: المذلَّل الماء الذي قد خاضه الناس. (وَيُضحِي فَتِيتُ المِسْكِ فَوْقَ فِرَاشِهَا ... نَؤُومُ الضُّحى لَمْ تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّلِ) فتيت المسك: ما تفتت منه، أي تحات عن جلدها في فراشها، وقيل: كأن فراشها فيه المسك من طيب جسدها، لا أن أحدا فتت لها منه مسكا، واحتج بقوله (وجدت بها طيبا وإنْ لمْ تطيب) وقوله (يضحي) أي: يدخل في الضحى، كما يقال (أظلم) إذا دخل في الظلام، ولا يحتاج في هذا إلى خبر. ونؤوم الضحى: منصوب على أعني، وفيه معنى المدح، ولا يجوز أن يكون منصوبا على الحال، ألا ترى أنك إذا قلت (جاءني غلام هند مسرعة) لم يجز أن تنصب مسرعة على الحال من هند، إلا على حيلة بعيدة، والعلة في هذا أن الفعل لم يعمل في الثاني شيئا، والحيلة التي يجوز عليها أن معنى قولك (جاءني غلام هند) فيه معنى تحثه فنصبه به. وقد روى (نؤومُ الضحى) على معنى هي نؤوم الضحى، ويجوز (نَؤُومِ الضحى) على البدل من الضمير الذي في فراشها، والضحى: مؤنثة تأنيث صيغة، وليست الألف فيها بألف تأنيث، وإنما هي بمنزلة موسى الحديد، وتصغير ضحى ضُحَىٌّ، والقياس ضُحَيَّة، إلا إنه لو قيل ضحية لأشبه تصغير ضحوة، والضحى قبل الضَّحاء، ومعنى (عن تفضل) بعد تفضل، وقال أبو عبيدة: لم تنتطق عن تفضل، أي لم تنتطق فتعمل وتطوف، ولكنها تتفضل ولا تنتطق، وقيل: التفضل التوشح، وهو لبسها أدنى ثيابها، والانتطاق: الاتزار للعمل. (وَتَعْطُو بِرَخْصٍ غَيْرِ شَثْنٍ كَأَنَّهُ ... أَسَارِيعُ ظَبْيٍ أو مَسَوِيكُ إِسْحِلِ) تعطو: تناول، برخص، غير شثن: أي غير كز غليظ،

وظبى: اسم كثيب، والأساريع: جمع أسروع ويسروع، وهي دواب تكون في الرمل - وقيل في الحشيش - ظهورها ملس، والإسحل: شجر له أغصان ناعمة، شبه أناملها بأساريع أو مساويك للينها. (تَضِيُّ الظَّلاَمَ بِالْعِشَاَء كَأَنَّهَا ... مَنَارَةُ مُمْسَى رَاهِبٍ مُتَبَتِّلِ) المتبتل: صفة الراهب، وهو المنفرد، وقيل: إنه المنقطع عن الناس المشغول بعبادة الله، وقوله (بالعشاء) معناه في العشاء، وقوله (كأنها منارة) أي كأنها سراج منارة، وقيل: هو على غير حذف، والمعنى أن منارة الراهب تُشرق بالليل إذا أوقد فيها قنديله، والمنارة مفعلة من النور، وخص الراهب لأنه لا يطفئ سراجه، وممسى راهب: إمساء راهب. ومعنى البيت: أنها وضيئة الوجه، إذا ابتسمت بالليل رأيت لثناياها بريقا وضوءا، وإذا برزت في الظلام استنار وجهها وظهر جمالها حتى يغلب ظلمة الليل. (إلى مِثْلِهَا يَرْنُو الحَلِيمُ صَبَابَةً ... إذا مَا اسْبَكَرَّتْ بَيْنَ دِرْعٍ وَمِجْوَلِ) يرنو: أي يديم النظر، والصبابة: رقة الشوق، وهو مصدر في موضع الحال، ويجوز أن يكون مفعولا من أجله، واسبكرت: امتدت، والمراد تمام شأنها، والدرع: قميص المرأة الكبيرة، والمجول للصغيرة، أي أنها بين من يلبس الدرع وبين من يلبس المجول، أي ليست بصغيرة ولا بكبيرة، هي بينهما. فإن قيل: كيف قال (بين درع ومجول) وإنما هي تحتهما؟ فالجواب عن هذا أن يقال: أن المجول الوشاح، فهو يصيب بعض بدنها، والدرع أيضا يصيب بعض بدنها، فكأنها بينهما، والوجه الجيد هو الأول. (كَبِكْرِ المُقَانَاةِ البَيَاضُ بِصُفْرَةٍ ... غَذَاهَا نَمِيرُ المَاءِ غَيْرَ مُحَللِ) البكر هنا: أول بيض النعامة، والمقاناة: المخالطة، يقال: ما يُقانيني خلق فلان،

أي ما يشاكل خلقي، وغير مُحلل: لم يُحلل عليه فيكدر، والنمير من الماء: الذي ينجح في الشاربة، وإن لم يكن عذبا، ومن روى (غير محلل) بكسر اللام أراد إنه قليل ينقطع سريعا، وغير: منصوب على الحال، وقوله (كبكر المقاناة) التقدير كبكر البيض المقاناة، وأدخل الهاء لتأنيث الجماعة، كأنه قال: كبكر جماة البيض، ونصب (البياض) على إنه خبر ما لم يسم فاعله، واسم ما لم يسم فاعله مضمر، والمعنى كبكر البيض الذي قوني هو البياض، كما تقول: مررت بالمعطى الدرهم، ومن روى (البياض) بالجر شبهه بالحسن الوجه، وفيه بعد؛ لأنه مشبَّه بما ليس من بابه، وقد أجازوا بالمعطى الدرهم على هذا، وقال ابن كيسان: ويروى (كبكر المقاناة البياض) وزعم أن التقدير كبكر المقاناة بياضه، وجعل الألف واللام مقام الهاء، ومثله قوله عز وجل (فإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأَوَى) أي هي مأواه، وهذا كأنه مقيس على قول الكوفيين؛ لأنهم يجيزون (مررت بالرجل الحسن الوجه) أي الحسن وجهه، يقيمون الألف واللام مقام الهاء، وقال الزجاج: هذا خطأ، لأنك لو قلت (مررت بالرجل الحسن الوجه) لم يعد على الرجل من نعته شيء، وأما قولهم: أن الألف واللام بمنزلة الهاء فخطأ؛ لأنه لو كان هذا هكذا لجاز (زيد الأب منطلق) تريد أبوه منطلق، وأما قوله: (فإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى) فالمعنى والله أعلم هي المأوى له، ثم حذف ذلك لعلم السامع. ومعنى البيت إنه يصف أن بياضها يخالطه صفرة، وليست بخالصة البياض، فجمع في البيت معنيين: أحدهما إنها ليست خالصة البياض، والآخر إنها حسنة الغذاء. وقيل: إنه يريد بالبكر هنا الدُّرة التي لم تُثقب، وهكذا لون الدرة، ويصف أن هذه الدرة بين الماء المالح والعذب فهي أحسن ما يكون، فأما على القول الأول فإن (غذاها) يكون راجعا إلى المرأة، أي

نشان بأرض مريئة. (تَسَلَّتْ عَمَايَاتُ الرِّجَالِ عَنِ الصّبَا ... وَلَيْسَ فُؤَادِي عَنْ هَوَاهُ بِمُنْسَلِ) ويروى (عن هواك) و (عن صباه) والصبا: أن يفعل فعل الصبيان، يقال: صبا إلى اللهو يصبو صباءا وصبوا، والعمايات: جمع عماية، وهي الجهالة، ومنسل: منفعل من السُّلُو، وعن الأولى تتعلق بتسلت والثانية بمُنسل. (أَلاَ رُبَّ خَصْمٍ فيكِ أَلْوَى رَدَدْتُهُ ... نَصِيحٌٍ عَلَى تَعْذَالِهِ غَيْرُِ مُؤْتَلِ) الخصم يكون واحدا وجمعا ومؤنثا ومذكرا، والألوى: الشديد الخصومة، كأنه يلتوي على خصمه، والتعذال والعَذْل والعَذَل واحد، ومُؤْتل: أي مُقصر ومعنى (رددته) أي لم أقبل من نصحه، ومعنى (غيرُ مُؤتل) أي غير تارك نُصحي بجهده. (وَلَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ مُرْخٍ سُدُولَهُ ... عَلَيَّ بِأَنْوَاعِ الهُمُومِ لِيَبْتَلِي) كموج البحر: يعني في كثافة ظلمته، وسدوله: ستوره، واحده سدل، و (سدل ثوبه) إذا أرخاه ولم يضمه، وقوله: (بأنواع الهُمُوم) أي بضروب الهموم (ليبتلى) أي لينظر ما عنده من الصبر والجزع، ويبتلى بمعنى يختبر. ومعنى البيت إنه يُخبر أن الليل قد طال عليه. وسدوله ينتصب بمُرخ، وعلىَّ يتعلق بمُرخ، وكذلك الباء في بأنواع الهموم. (فَقُلْتُ لَهُ لَمَّا تَمَطَّى بِصُلْبِهِ ... وَأَرْدَفَ أَعْجَازاً وَنَاَء بِكَلْكَلِ) وروى الأصمعي: (لما تمطى بجوزه) ومعناه لما تمدد بوسطه، وقوله: (وأردف

أعجازا) قال الأصمعي: معناه حين رجوت أن يكون قد مضى أردف أعجازا، أي رجع، و (ناء بكلكل) أي تهيأ لينهض، والكلكل: الصدر، وقال بعضهم: معنى البيت ناء بكلكه. . وتمطى بصلبه وأردف أعجازا، فقدَّم وأخر. (أَلاَ أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ أَلاَ انْجَلِى ... بِصُبْحٍ، وَمَا اْلإصْبَاحُ فِيكَ بِأَمْثَلِ) (ألا انجلى) في موضع السكون، وشبهوا إثبات الياء فيه بإثبات الألف في قوله تعالى: (سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى) وبإثبات الألف أيضا في قوله: إذا الجَوْزَاءُ أَرْدَفَتِ الثُّرَيَّا ... ظَنَنْتُ بآلِ فَاطِمَةَ الظُّنُونَا وبإثبات الياء في قوله: أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالأنْبَاءُ تَنْمِي ... بِمَا لاَقَتْ لَبونُ بَنِي زِيَادِ وبإثبات الواو في قوله: هَجَوْتَ زَبَّانَ ثُمَّ جِئْتَ مُعْتَذِراً ... مِنْ هَجْوَ زَبَّانَ لَمْ تَهْجُو وَلَمْ تَدَعِ ومعنى البيت أنا معذَّب؛ فالليل والنهار على سواء، والانجلاء: الانكشاف، ويروى (وما الإصباح منك بأمثل) والتقدير: وما الإصباح بأمثل منك، فمنك منوي بها التأخير؛ لأنها في غير موضعها؛ لأن حق (من) أن تقع بعد أفعل، والمعنى: إذا جاء الصبح فإني أيضا مغموم، وقيل: معنى (فيك بأمثل) أن جاءني الصبح وأنا فيك فليس ذلك بأمثل؛ لأن الصبح قد يجيء والليل مظلم بعد، وفي تتعلق بأمثل.

(فَيَالَكَ مِنْ لَيْلٍ كَأَنَّ نُجُومَهُ ... بِكُلِّ مُغَارِ الفَتْلِ شُدَّتْ بِبَذْبُلِ) معناه كأن نجومه شدت ببذيل، وهو جبل والمغار: المحكم الفتل، وقوله (يا لك من ليل) فيه معنى التعجب كما يقول: (يا لك من فارس). (كَأَنَّ الثُّرَبَّا عُلِّقَتْ فيِ مَصَامِهَا ... بِأَمْرَاسِ كَتَّانِ إلى صُمِّ جَنْدَلِ) ويروى (كأَنَّ نُجُوماً عُلِّقَتْ في مصامها) والأمراس: الحبال، والجندل: الحجارة، وفيه تفسيران. أما أحدهما فانه يصف طول الليل، يقول: كأن النجوم مشدودة بحبال إلى حجارة فليست تمضى، ومصامها: موضع وقوفها، وفي والباء وإلى متعلقة بقوله: عُلِّقت. والتفسير الثاني - على رواية من يروى هذا البيت مؤخرا عند صفته الفرس - فيكون شبه تحجيل الفرس في بياضه بنجوم عُلقت في مقام الفرس بحبال كتان إلى صُم جندل، وشبه حوافره بالحجارة، والثريا: تصغير ثروى مقصورة. (وَقِرْبَةِ أَقْوَامٍ جَعَلْتُ عِصَامَهَا ... عَلَى كَاهِلٍ مِنِّى ذَلُولٍ مُرَحَّلِ) عصام القرية: الحبل الذي تحمل به ويضعه الرجل على عاتقه وعلى صدره. والكاهل: موصل العنق والظهر، يصف نفسه بأنه يخدم أصحابه.

(وَوَادٍ كَجَوْفٍ العَيْرِ قَفْرٍ قَطَعْتُهُ ... بِهِ الذِّئْبُ يَعْوِي كالخَلِيعِ المُعَيَّلِ) فيه قولان: أحدهما أن جوف العير لا ينتفع منه بشيء - يعني العير الوحشي - والقول الآخر أن الهير هنا رجل من العمالقة كان له بنون وواد خصيب، وكان حسن الطريقة، فسافر بنوه في بعض أسفارهم، فأصابتهم صاعقة فأحرقتهم، فكفر بالله، وقال: لا أعبد ربا أحرق بنيَّ، وأخذ في عبادة الأصنام، فسلّط الله على واديه نارا، والوادي بلغة أهل اليمن يقال له الجوف، فأحرقته، فما بقي منه شيء، وهو يضرب به المثل في كل ما لا بقية فيه. والخليع: المقامر، ويقال: هو الذي قد خلع عذاره فلا يبالي ما ارتكب، والمعيل: الكثير العيال، والكاف منصوبة بيعوي. (فَقُلْتُ لَهُ لَمَّا عَوَى: أن شَأْنَنَا ... قَلِيلُ الغِنَى أن كُنْتَ لَمَّا تَمَوَّلِ) أي أن كنت لم تصب من الغنى ما يكفيك، وقوله: (إنَّ شأننا قليل الغنى) أي أنا لا أغنى عنك وأنت لا تغنى عني شيئا، أي أنا أطلب وأنت تطلب فكلانا لا غنى له، ومن رواه (طويل الغنى) أراد همتي تطول في طلب الغنى. (كِلاَنَا إذا مَا نَالَ شَيْئاً أَفَاتَهُ ... وَمَنْ يَحْتَرِثْ حَرْثِي وَحَرْثَكَ يُهْزَلِ) أي إذا نلت شيئا أفته، وكذلك أنت إذا أصيت شيئا أفته (ومن يحترث حرثي وحرثك يهزل) أي من طلب مني ومنك شيئا لم يدرك مراده، وقال قوم: معنى البيت من كانت صناعته وطلبته مثل طلبتي وطلبتك في هذا الموضع مات هزالا، لأنهما كانا بواد لا نبات فيه ولا صيد.

(وَقَدْ أَغْتَدِي وَالطَّيْرُ فِي وُكَنَاتِهَا ... بِمُنْجَرِدٍ قَيْدِ الأوَابِدِ هَيْكَلِ) ويروى (وكراتها) أي في مواضعها التي تبيت فيها، والوكنات في الجبال كالتماريد في السهل، الواحدة وكنة، وهي الوقنات أيضا وقد وكن الطائر يكن ووقن يقن ووكر يكر، ومن روى (في وكراتها) فهو جمع الجمع، يقال: وكر، ووكر جمع، ووكرات جمع الجمع، وأغتدي: أفتعل من الغدو، والواو في (والطير) واو الحال، يقول: قد اغتدى في هذه الحال بفرس منجرد، أي قصير الشعرة، قيد الأوابد، والأوابد: الوحوش، وكذلك أوابد الشِّعر، وتقدير قيد الأوابد ذي تقييد الأوابد، والمعنى أن هذا الفرس من سرعته يلحق الأوابد فيصير لها بمنزلة القيد، والهيكل: الضخم. (مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعاً ... كَجُلْمُودٍ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ) مكر: يصلح للكر، ومفر: يصلح للفر، ومُقبل: حسن الإقبال، ومُدبر: حسن الأدبار، وقوله (معا) أي عنده هذا وعنده هذا، كما يقال: فلان فارس راجل، أي قد جمع هاتين، و (حطه السيل) حدره، ومعنى البيت إنه يصف أن هذا الفرس في سرعته بمنزلة هذه الصخرة التي قد حطها السيل في سرعة انحدارها، وأن الفرس حسن الإقبال والأدبار، و (معا) منصوب على الحال، و (من عل) من فوق. (كُمَيْتٍ يَزِلُّ اللّبْدُ عَنْ حَالِ مَتْنِهِ ... كَمَا زَلَّتِ الصَّفْوَاءُ بِالمُتَنَزِّلِ) ويروى (عن حاذ متنه) أي وسطه، شبه ملاسة ظهر الفرس - لاكتناز اللحم عليه وامتلائه - بالصفاة الملساء، والصفاة والصفواء: الصخرة الملساء التي لا ينبت فيها شيء، ويقال: صفوان، وجمعه صفوان، وجمع صفاة صفا، وقد

يكون الصفواء جمع صفاة كما قالوا: طرفة وطرفاء، والمتنزل: الطائر الذي يتنزل على الصخرة، وقيل: المتنزل السيل؛ لأنه يتنزل الأشياء، وقيل هو: المطر، والحاذ والحال: موضع اللبد. (عَلَى الذَّبْلِ جَيَّاشٍ كَأَنَّ اهْتِزامَهُ ... إذا جَاشَ فِيهِ حَمْيُهُ غَلْىُ مِرْجَلِ) الذبل: الضمور، ويروى (على الضمر)، واللجياش: الذي يجيش في عدوه كما تجيش القدر في غليانها، واهتزامه: صوته، وحميه: غليه، ويروى (على العقب جياش) والعقب: جرى يجيء بعد جرى، وقيل: معناه إذا حرمته بعقبك جاش، وكفى ذاك من السوط، و (على العقب) في موضع الحال. ومعنى البيت أن هذا الفرس آخر عدوه على هذه الحال، فكيف أوله؟! (مِسَحٍّ إذا مَا السَّابِحَاتُ عَلَى الوَنَي ... أَثَرْنَ الغُبَارَ بِالكَدِيدِ المُرَكَّلِ) مسح: معناه يصب الجري صبا، والسابحات: اللواتي عدوهن سباحة، والسباحة في الجري: أن تدحو بأيديها دحوا، أي تبسطها، والوني: الفتور، قال الفراء: ويمد ويقصر، والكديد: الموضع الغليظ، وقيل: ما كد من الأرض بالوطء، والمركل: الذي يُركل بالأرجل. ومعنى البيت: أن الخيل السريعة إذا فترت فأثارت الغبار بأرجلها من التعب جرى هذا الفرس جريا سهلا كما يسح السحاب المطر، و (على) تتعلق بأثرن، وكذلك الباء في قوله (بالكديد) ويروى (بالكديد السمول) وهي الأرض الصلبة.

(يَزِلُّ الغُلاَمُ الخِفُّ عَنْ صَهَوَاتِهِ ... وَيُلْوِى بِأَثْوَابِ العَنِيفِ المُثَقَّلِ) ويروى (يزل الغلام الخف) وروى الأصمعي (يطير الغلام) والخِف: الخفيف، بكسر الخاء، وقال أبو عبيدة: سمعت الخَف بفتح الخاء، والصهوة: موضع اللبد، وصهوة كل شيء: أعلاه، وجمعها بما حولها، ويلوى بأثواب العنيف: أي يرمى بثيابه يذهبها ويبعدها، والعنيف: الذي ليس برفيق، والمثقل: الثقيل، وقال بعضهم: إذا كان راكب الفرس خفيفا رمى به، وإذا كان ثقيلا رمى يثيابه، والجيد أن المعنى بأثواب العنيف نفسه لأنه غير حاذق بركوبه، وقيل: معنى هذا البيت أن الفرس إذا ركبه العنيف لم يتمالك أن يصلح ثيابه، وإذا ركبه الغلام الخِف زل عنه ولم يُطقه لسرعته ونشاطه، وإنما يصلح له من يداريه. (دَرِيرٍ كَخذْرُوفِ لوَلِيدِ أَمَرَّهُ ... تَتَابُعُ كَفّيْهِ بِخَيْطٍ مُوَصَّلِ) درير: مستدلا في العدو، يصف سرعة جريه، والخذروف: الخرارة التي يلعب بها الصبيان تسمع لها صوتا، وأمره: أحكم فتله، وتتابع كفيه يريد متابعتهما بالتخرير، ويروى (امره تقلب كفيه) أي تقلبهما بالخرارة. ومعنى البيت أن هذا الفرس سرعته كسرعة الخذروف وخفته كخفته. (لَهُ أَيْطَلاَ ظَبْيٍ، وَسَاقَا نَعَامَةٍ، ... وَإِرْخَاءُ سِرْحَانٍ، وَتَقْرِيبُ تَتْفُلِ)

ويروى (له آطلا ظبي) وهما كشحاه، وهو ما بين آخر الضلوع إلى الورك، يقال: إطل وآطال وأيطل وأياطل، وإنما شبهه بأيطل الظبي لأنه طاو وليس بمنفضخ، وقال: (ساقا نعامة) والنعامة قصيرة الساقين صلبتهما، وهي غليظة ظمياء ليست برهلة، ويستحب من الفرس قصر الساق لأنه أشد لرميها بوظيفها، ويستحب منه - مع قص الساق - طول وظيف الرجل وطول الذراع؛ لأنه أشد لدحوه أي لرميه بها، والإرخاء: جرى ليس بالشديد، وفرس مرخاء، وهي مراخي الخيل، وليس دابة أحسن إرخاء من الذئب، والسرحان: الذئب، والتقريب: أن يرفع يديه معا ويضعهما معا، والتَّتْفُل: ولد الثعلب، وهو احسن الدواب تقريبا، ويقال: تَتْفُل وتَتَفْل وتُتْفُل فإذا سميت رجلا بتَتْفُل أو تَتْفَل لم تصرفه في المعرفة؛ لأنه على مثال تَفْعُل، وتَفَعَل، ولو سميت بِتُتْفُل انصرف في المعرفة والنكرة؛ لأنه ليس على وزن الفعل، ويقال للفرس: هو يعدو الثعلبية؛ إذا كان جيد التقريب (ضَلِيعٍ إذا اسْتَدْبَرْتَهُ سَدَّ فَرْجَهُ ... بِضَافٍ فُوَيْقَ الأَرْضِ لَيْسَ بِأَعْزَلِ) يقال: فرس ضليع وبعير ضليع، إذا كانا قويين منتفجي الجنبين، وهي الضلاعة، ويروى عن عمر رضي الله عنه إنه قال: إذا اشتريت بعيرا فاشتره ضليعا، فإن أخطأك مخبره لم يخطئك منظره، وفرجه: ما بين رجليه، وقوله (بضاف) أي بذنب ضاف، وهو السابغ، ويكره من الفرس أن يكون أعزل أي ذنبه إلى جانب، وأن يكون قصير الذنب، وأن يكون طويلا يطأ عليه،

ويستحب أن يكون سابغا قصير العسيب، و (إذا) ظرف، والعامل فيه (سد فرجه) وهو الجواب. (كَأَنَّ سَرَاتَهُ لَدَى البَيْتِ قَائِماً ... مَدَاكُ عَرُوسٍ أو صَلاَيَةُ حَنْظَلِ) سراته: ظهره، وإنما أراد ملاسة ظهره واستواءه، والمداك: الحجر الذي يُسحق به، والمدوك: الحجر الذي يسحق عليه، ومداك: من داكه يدوكه دوكا إذا طحنه، ويقال: صلاءة وصلاية، كما يقال: عظاءة وعظاية؛ فمن قال عظاءة بناه على عظاء ثم جاء بالهاء، ومن قال عظاية بناه على الهاء من أول وهلة، وصلاية مشبهة بهذا. ومعناه إنه يصف هذا الفرس ويقول: إذا كان قائما عند البيت غير مسرج رأيت ظهره أملس؛ فكأنه مداك عروس في صفائها واملاسها، وإنما قصد إلى مداك العروس دون غيره لأنه قريب العهد بالطيب، وصلاءة الحنظل؛ لأن حب الحنظل يخرج دهنه فيبرق على الصلاءة. وروى الأصمعي (أو صراية حنظل) وروى (كأن على الكتفين منه إذا انتحى) والصراية: الحنظلة التي قد اصفرت؛ لأنها قبل أن تصفر مغبرة، فإذا اصفرت صارت تبرق كأنها قد صُقلت، وروى أبو عبيدة (أو صِراية حنظل) بكسر الصاد، وقال: شبه عرقه بمداك العروس أو بصِراية حنظل، وهو الماء الذي يُنقع فيه حب الحنظل لتذهب مرارته، وهو أصفر مثل لون الحلبة، يقال: صرى يصرى صريا وصراية. (كَأَنَّ دِمَاَء الهَادِيَاتِ بِنَحْرِهِ ... عُصَارَةُ حِنَّاءٍ بِشَيْبٍ مُرَجَّلِ) الهاديات: المتقدمات من كل شيء، ويريد بعصارة حناء: ما بقى من الأثر،

والمرجل: المسرح. ومعنى البيت أن هذا الفرس يلحق أول الوحش، فإذا لحق أولها علم إنه قد أحرز آخرها، وإذا لحقها طعنها فتصيب دماؤها نحره. (فَعَنَّ لَنَا سِرْبٌ كَأَنّ! َ نِعَاجَهُ ... عَذَارَى دَوَارٍ فيِ مُلاَءٍ مُذَيَّلِ) عنَّ: اعترض، والسرب: القطيع من البقر، ودوار: صنم يدورون حوله، والملاء: الملاحف، واحدتها ملاءة، ومذيل: سابغ، وقيل: له هدب، وقيل: أن معناه أن له ذيلا أسود، وهذا أشبه بالمعنى؛ لأنه يصف بقر الوحش وهي بيض الظهور سود القوائم. ومعنى البيت إنه يصف أن هذا القطيع من البقر يلوذ بعضه ببعض، وتدور كما تدور العذارى حول دوار، وهو نسك كانوا في الجاهلية يدورون حوله. (فَأَدْبَرْنَ كَالجِزْعِ المُفَصَّلِ بَيْنَهُ ... بِجِيدِ مُعَمٍّ فيِ العَشِيرَةِ مُخْوِلِ) الكاف في قوله (كالجزع) في موضع نصب لأنها نعت لمصدر محذوف، والجَزع - بالفتح - الخرز، وأبو عبيدة يقوله بالكسر، وهو الخرز الذي فيه سود وبياض، و (بجيد) أي في جيد، وهو العنق، ومعنى (معم مُخول) أي له أعمام وأخوال، وهم في عشيرة واحدة، كأنه قال كريم الأبوين، وإذا كان

كذلك كان خرزه أصفى وأحسن يصف أن هذه البقر من الوحش تفرقت كالجزع، أي كأنها قلادة فيها خرز قد فصل بينه بالخرز، وجعلت القلادة في عنق صبي كريم الأعمام والأخوال. (فَأَلحَقَهُ بِالهَادِيَات وَدُونَهُ ... جَوَاحِرُهَا فِي صَرَّةٍ لَمْ تَزَيَّلِ) الهاديات: أوائل الوحش، وجواحرها: متخلفاتها، يقال: (جحر) إذا تخلف والهاء في قوله (فألحقه) يحتمل أن تكون للفرس، أي ألحق الغلامُ الفرسَ، ويحتمل أن يكون للغلام، أي ألحق الفرسُ الغلامَ، و (الصرة) قيل: الشدة، وقيل: الصيحة، وقيل: الغبار، يقول: لما لحق هذا الفرس أوائل الوحش بقيت أواخرها لم تتفرق، فهي خالصة له، و (لم تزيل) أي لم تتفرق. (فَعَادَى عِدَاءً بَيْنَ ثَوْرٍ وَنَعْجَةٍ ... دِرَاكاً، وَلَمْ يَنْضَح بِمَاءٍ فَيُغْسَلِ) عادى: معناه والى بين اثنين في طلق، ولم يعرق، أي أدرك صيده قبل أن يعرق، وقوله (فيغسل) أي لم يعرق فيصير كأنه قد غسل بالماء، والفاء للعطف وليس بجواب، أي لم ينضح ولم يغسل، وقوله (دراكا) بمعنى مداركة، وهو مصدر في موضع الحال، قال بندار: ولم يرد ثورا ونعجة فقط، وإنما أراد التكثير، والدليل على هذا قوله (دراكا)، ولو أراد ثورا ونعجة فقط لاستغنى

بقوله فعادى. (فَظَلَّ طُهَاةُ اللّحْمِ مِنْ بَيْنَ مُنْضِجٍ ... صَفِيفَ شِوَاءٍ أو قَدِيرٍ مُعَجَّلِ) الطهاة: الطباخون، واحدهم طاه، والصفيف: الذي قد صُفف مرققا على الجمر، والقدير: ما طبخ في قدر، وأما خفض (قدير) فأجود ما قيل فيه - وأجاز مثله سيبويه - إنه كان يجوز أن يقول (من بين منضج صفيف شواء) فحمل قديرا على صفيف لو كان مجرورا، وشرح هذا أنك إذا عطفت اسما على اسم، وكان يجوز لك في الأول إعرابان فأعربته بأحدهما ثم عطفت الثاني عليه جاز لك أن تعربه بإعراب الأول وجاز لك أن تعربه بما كان يجوز في الأول فتقول (هذا ضاربُ زيدٍ وعمرٍو) وإن شئت قلت: (هذا ضاربُ زيدٍ وعمراً) لأنه قد كان يجوز لك أن تقول: (هذا ضاربٌ زيداً وعمراً) وان شئت قلت: (هذا ضاربٌ زيداً وعمرٍو)؛ لأنه قد كان يجوز لك أن تقول: (هذا ضاربُ زيدٍ وعمرٍو) فهذا يجيء على مذهب سيبويه، وأنشد: مَشَائِيمُ لَيْسُوا مُصْلِحِينَ عَشِيرَةً ... وَلاَ نَاعِبٍ إِلاَّ بِشُؤْمٍ غُرَابُهَا والمازني وأبو العباس لا يجيزان هذه الرواية، والرواية عندهما (ولا ناعبا)

لأنه لا يجوز أن يُضمر الخافض؛ لأنه لا يتصرف وهو من تمام الاسم، وأما القول في البيت فإن قديرا معطوف على مُنضج بلا ضرورة، والمعنى من بين قدير، والتقدير من بين منضج قدير، ثم حذف منضجا، وأقام قديرا مقامه في الإعراب. (وَرُحْنَا يَكَادُ الطَّرْفُ يَقْصَرُ دُونَهُ ... مَتَى مَا تَرَقَّ العَيْنُ فِيهِ تَسَهَّلِ) أراد بالطرف العين، والطرف المصدر أيضا، ومعنى قوله (يقصر دونه) إنه إذا نظر إلى هذا الفرس أطال النظر إلى ما ينظر منه لحسنه فلا يكاد يستوفي النظر إلى جميعه، ويحتمل أن يكون معناه إنه إذا نظر إلى هذا الفرس لم يدم النظر إليه لئلا يصيبه بعينه لحسنه. وروى الأصمعي وأبو عبيدة (ورحنا وراح الطرف ينفض رأسه) والطرف: الكريم من كل شيء، والأنثى طلافة، وقيل: الطرف الكريم الطرفين، وقوله (ينفض رأسه) أي من المرح والنشاط، وقوله (متى ما رق العين فيه تسهل) أي متى ما نظر إلى أعلاه نظر إلى أسفله لكماله ليستتم النظر إلى جميع جسده. (فَبَاتَ عَلَيْهِ سَرْجُهُ وَلَجِامُهُ ... وَبَاتَ بِعَيْنِي قَائماً غَيْرَ مُرْسَلِ) في (بات) ضمير الفرس، وقوله (عليه سرجه ولجامه) في موضع النصب خبر بات، وبات الثاني معطوف على الأول، و (بعيني) خبره، أي بحيث أراه، وقائما: نصب على الحال، وغير مرسل: أي غير مُهمل. ومعناه إنه لما جيء به من الصيد لم يرفه عنه سرجه وهو عرق، ولم يقلع لجامه فيعتلف على التعب فيؤذيه ذلك، ويجوز أن يكون معنى فبات عليه

سرجه ولجامه لأنهم مسافرون، كأنه أراد الغدو فكان معدا لذلك. (أَصَاحِ تَرَى بَرْقاً أُرِيكَ وَمِيضَهُ ... كَلَمْعِ اليَدَيْنِ فِي حَبِيِّ مُكَلَّلِ) ويروى (أحار ترى) ويروى (أعنى على برق أريك وميضه) يقال: ومض البرق ومضا، وأومض إيماضا، والومض: الخفى، ووميضه: خطرانه، وقوله: (كلمع اليدين) أي كحركتهما، والحبي: ما ارتفع من السحاب والمكلل: المستدير كالإكليل، والمكلل: المتبسم بالبرق. وقوله (أصاح) ترخيم صاحب، على لغة من قال: يا حار، وفيه من السؤال أن يقال: قال النحويون: لا ترخم النكرة فكيف جاز أن يرخم صاحبا وهو نكرة وقد قال سيبويه: لا يرخم من النسكرات إلا ما كان في آخره الهاء، نحو قوله: جَارِىَ لاَ تَسْتَنْكِرِي عَذِيرِي فالجواب عن هذا أن أبا العباس لا يجوز أن ترخم نكرة ألبتة، وأنكر على سيبويه ما قال من أن النكرة ترخم إذا كانت فيها الهاء، وزعم أن قوله: جَارِىَ لاَ تَسْتَنْكِرٍي عَذِيرِي إنه يريد يا أيتها الجارية، فكأنه رخم على هذا معرفة، فكذلك يقول في قوله: (أصاح ترى) كأنه قال يا أيها الصاحب، ثم رخم على هذا. ومما يُسأل عنه في هذا البيت أن يقال: كيف جاز أن يُسقط حرف الاستفهام، وإنما المعنى (أترى برقا). فإن قال قائل: أن الألف في قوله:

(أصاح) هي ألف الاستفهام؛ فهذا خطأ، لأنه لا يجوز أن تقول: صاحب أقبل؛ لأنك تسقط شيئين، إلا أنك إذا قلت: (يا صاحب) فمعناه يا أيها الصاحب. فالجواب عن هذا أن قوله: (أصاح) الألف للنداء كقولك: (يا صاح) إلا أنها دلت على الاستفهام، إذ كان لفظها كلفظ ألف الاستفهام، وأجاز النحويون (زيدٌ عندكَ أم عمروٌ) يريدون أزيد عندك أم عمرو؛ لأن أم قد دلت على معنى الاستفهام، فأما بغير دلالة فلا يجوز؛ لو قلت: (زيد عندك) وأنت تريد الاستفهام لم يجز، وقد أنكر على عمر بن أبي ربيعة قوله: ثُمَّ قَالُوا: تحِبُّهَا؟ قُلتُ: بَهْراً، ... عَدَدَ الرَّمْلِ وَالحَصَى وَالتُّرَابِ قالوا: لأنه أراد قالوا أتحبها، ثم أسقط ألف الاستفهام، وهذا عند أبي العباس ليس باستفهام، إنما هو على الإلزام والتوبيخ كأنه قال: قالوا: أنت تُحبها. (يُضِيءُ سَنَاهُ أو مَصَابِيحُِ رَاهِبٍ ... أَهَانَ السَّلِيطَ بِالذُّبَالِ المُفَتَّلِ) السنا: مقصور الضوء، يقال: سنا يسنو، إذا أضاء، ومصابيح: مرفوع على أن يكون معطوفا على المضمر الذي في الكاف في قوله كلمع اليدين، والمضمر يعود على البرق، وإن شئت على الوميض. ويروى (أو مصابيحِ راهبٍ) بالجر، على أن تعطفه على قوله كلمع اليدين، ويكون المعنى أو كمصابيح راهب. ومعنى قوله: (أهان السليط) أي لم يكن عنده عزيزا، يعني إنه لا يكرمه عن استعماله وإتلافه في الوقود، ولا معنى لرواية من روى (أمال السليط) والسليط: الزيت، وقيل: الشيرج، والذبال: جمع ذبالة، وهي الفتيلة.

(قَعَدْتُ لَهُ وَصُحْبَتِي بَيْنَ ضَارِجٍ ... وَبَيْنَ العُذَيْبِ، بُعْدَ مَا مُتَأَمَّلِي) صُحبتي: بمعنى أصحابي، وهو اسم للجمع، وضارج والعذيب: مكانان، ويروى (بين حامز وبين أكام) وهو من بلاد غطفان، أي قعدت لذلك البرق أنظر من أين يجيء بالمطر، ومعنى قوله: (بُعدَ ما مُتأمل) ما أبعد ما تأملت، وحقيقته إنه نداء مضاف، فالمعنى يا بُعد ما مُتأمل، أي يا بُعد ما تأملت، وروى الرياشي (بَعْدَ ما) بفتح الباء، وهي تحتمل معنيين: أحدهما أن المعنى بَعُدَ ثم حذف الضمة كما يقال عَضْد في عَضُد، ويجوز أن يكون المعنى بَعْدَ ما تأملت. (عَلاَ قَطَناً - بِالشَّيْمِ - أَيْمَنُ صَوْبِهِ ... وَأَيْسَرُهُ عَلَى السِّتَارِ فَيَذْبُلِ) وروى الأصمعي (على قطن) وقطن: جبل، والشيم: النظر إلى البرق، وصوبه: مطره الذي يصيب الأرض منه، وقوله: (أيمن صوبه) يحتمل تفسيرين: أحدهما أن يكون من اليمن، والآخر أن يكون من اليمين، و (أيسره) يحتمل تفسيرين: أحدهما أن يكون من اليسر، والآخر أن يكون من يسرته. ويذبل: صرفه لضرورة الشعر. ويروى (على النباج وثيتل). (فأَضْحَى يَسُحُّ المَاَء حَوْلَ كُتَيْفَةٍ ... يَكُبُّ عَلَى الأَذْقَانِ دَوْحَ الكَنَهْبَلِ) كتيفة: اسم أرض، يقول: فأضحى السحاب يصب الماء، وقوله: (يكب) يقلبها على رؤوسها، والأذقان هنا مستعارة، وإنما يريد بها الرءوس وأعالي الشجر، والدوح: جمع دوحة، وكل شجرة عظيمة دوحة، والكنهبل: شجر معروف من

العضاه ويروى (من كل فيقة) والفيقة: ما بين الحلبتين واسم ما بينهما: الفواق، والفواق جميعا، ويروى (عن كل فيقة) بمعنى بعد، وروى أبو عبيدة (من كل تلعة) أي مسيل الماء. (وَمَرَّ عَلَى القَنَانِ مِنْ نَفَيَانِهِ ... فَأَنْزَلَ مِنْهُ العُصْمَ مِنْ كُلِّ مُنْزَلِ) ويروى (من كل منزل) القنان: جبل لبني أسد، وأصل النفيان ما تطاير عن الرشاء عند الاستقاء، وهو هنا ما شذ عن معظمه. والعصم: الوعول، واحدها أعصم، والأنثى أروية والأعصم هنا: ما كان في معصمه بياض أو لون يخالف لونه، وقيل: بل سمى لوعل أعصم؛ لأنه يعتصم بالجبال، لأنه لا يكاد يكون إلا فيها، ومن روى (من كل منزل) فمعناه من كل موضع تنزل هي منه، أي تهرب من السيل الكثير. (وَتَيْمَاَء لَمْ يَتْرُكْ بِهَا جِذْعَ نَخْلَةٍ ... وَلاَ أُجُماً إِلاَّ مشِيداً بِجَندلِ) ويروى (ولا أطما) والآجام: البيوت المسقفة، وكذلك الآطام، يقول: لم يدع أطماً إلا ما كان مشيدا بجص وصخر إنه سلم. والشيد: الجص، والمشيد: يحتمل أن يكون المبنى بالجص وأن يكون المطول، وتيماه: من أمهات القرى.

(كَأَنَّ ثَبِيراً فيِ عَرَانِينِ وَبْلِهِ ... كَبِيرُ أُنَاسٍ فيِ بِجَادٍ مُزَمَّلِ) ثبير: جبل: والعرانين: الأوائل، والأصل في هذا أن يقال للأنف عرنين. والوبل: ما عظم من القطر، ورواها الأصمعي (كان أبانا في أفانين ودقه) وأبانان: جبل أبيض وجبل أسود، وهما لبني عبد مناف بن دارم، وأفانين: ضروب، والوةدق: المطر، والبجاد: كساء مخطط من أكسية الأعراب من وبر الإبل وصوف الغنم مخيطة، والجمع بُجد، ومزمل: ملتف. يقول: قد ألبس الوبل أبانا فكأنه مما ألبسه من المطر وغشاه كبير أناس مزمل لأن الكبير أبدا متدثر، وقال أبو نصر: شبه الجبل وقد غطاه الماء، والغثاء الذي أحاط به إلا رأسه، بشيخ في كساء مخطط، وذلك أن رأس الجبل يضرب إلى السواد، والماء حوله أبيض، وكان يجب أن يقول (مزمل) لأنه نعت للكبير، إلا إنه خفضه على الجوار، وحكى الخليل وسيبويه (هذا جحر ضب خرب) وإنما خرب نعت للجحر، قال سيبويه: وإنما غلطوا في هذا لأن المضاف والمضاف إليه بمنزلة شيء واحد، وأنهما مفردان، وحكى الخليل أنهم يقولون في التثنية (هذان جحرا ضب خربان) فيرجع الأعراب إلى ما يجب؛ لأن الأول مثنى، والثاني مفرد، ومما يبين ذلك حكاية سيبويه عن العرب (هذا حب رماني) وإنما كان يجب أن يضيف الحب إلى نفسه، وفي البيت وجه آخر، وهو

أن يكون على قول من قال: كسيت جُبة زيدا؛ فيكون التقدير (في بجاد مزمله الكساء) ثم تحذف كما تقول: مررت برجل مكسوته جبة، ثم تكنى عن الجبة فتقول (مررت برجل مكسوته) ثم تحذف الهاء في الشعر، هذا قول بعض النحويين، وكان ابن كيسان يروى (وكأن) بزيادة الواو في هذا البيت وفيما بعده؛ ليكون الكلام مرتبطا بعضه ببعض، وهذا يسمى الخزم في العروض، وإسقاط الواو هو الوجه. (كَأَنَّ ذُرَى رَأْسِ المُجَيْمِرِ غُدْوَةً ... مِنَ السَّيْلِ والغُثَاءِ َفِلْكَةُ مِغْزَلِ) روى الأصمعي (كأن طمية المجيمر غدوة) والمجيمر: أرض لبني فزارة، وطمية: جبل في بلادهم. يقول: قد امتلأ المجيمر فكأن الجبل في الماء فلكة مغزل لما جمع السيل حوله من الغثاء، ورواه الفراء (من السيل والأغثاء) جمع الغثاء، وهو قليل في الممدود، قال أبو جعفر: من رواه (الأغثاء) فقد أخطأ؛ لأن غثاء لا يجمع على أغثاء، وإنما يجمع على أغثية؛ لأن أفعلة جمع الممدود، وأفعالا جمع المقصور نحو رحا وأرحاء، والذرى: الأعالي، والواحدة ذروة، ويروى (كأن قليعة المجيمر). (وَأَلْقَى بِصَحْرَاءِ الغَبِيطِ بَعَاعَهُ ... نُزُولَ اليَمَانِي ذِي العِيَابِ المُحَمَّلِ) صحراء الغبيط: الحزن، وهي أرض بني يربوع، والغبيط: نجفة يرتفع طرفها ويطمئن وسطها، وهي كغبيط القتب. وقالوا: لم يرد أرض بني يربوع خاصة. أراد الغبيط من الأرض، وكل أرض منخفضة فهي غبيط، وبعاعه: ثقله، ويروى (المحمَّل) و (المحمِّل) بفتح الميم وكسرها، فمن فتح الميم جعل اليماني

جملا، ومن كسرها جعله رجلا، وشبه السيل به لنزوله في هذا الموضع، ونزول: منصوب على تقدير نزولا مثل نزول، وروى الاصمعي (كصرع به ما أخرج المطر من ذلك النبت، ويروى (كصوع اليماني) أي كطرحه الذي معه إذا نزل بمكان، وقال بعضهم: الصوع الخطوط، يقال: صاع يصوع. (كَأَنَّ مَكَاكِيَّ الجِوَاءِ غُدَيَّةً ... صُبِحْنَ سُلاَفاً مِنْ رَحِيقٍ مُفَلْفَلِ) المكاكي: جمع مُكاء، وهو طائر كثير الصفير، والجواء: البطن من الأرض العظيم، وقد يكون الجواء جمعا واحده جوٌّ، وصُبحن: من الصُّبوح وهو شرب الغداة، والسُّلاف: أول ما يُعصر من الخمر، والرحيق: الخمر، وقالوا: صفوة الخمر، والمُفلفل: الذي قد ألقيت فيه توابل، وقيل: الذي يحذي اللسان، والمراد أن المكاكي لما رأت الخصب والمطر فرحت وصوتت كأنها سكارى. (كَأَنَّ السِّبَاعَ فِيهِ غَرْقَى عَشِيَّةً ... بِأَرْجَائِهِ القُصْوَى أَنَابِيشُ عُنْصُلِ) ويروى (غدية) وغرقى: في موضع نصب على الحال، يقول: حين أصبح الناس ورأوها فكأنها تلك الأنابيش من العنصل، والأنابيش: جماعات من العنصل يجمعها الصبيان، ويقال: الأنابيش العروق، وإنما سميت أنابيش لأنها تُنبش، أي تخرج من تحت الأرض، ويقال: نبشه بالنبل؛ إذا غرزه فيه، وقال أبو عبيدة: الأنابيش والأبابيش واحد، والعُنْصُل والعُنْصَل: بصل بري يعمل منه

معلقة طرفة بن العبد البكري

خل يقال له خل عنصلاني، وهو شديد الحموضة، شبه السباع الغرقى بما نُبش من العنصل لأن السيل غرقها فهي من نواحيه تبدو منها أطرافها، فشبهها بذلك، والأرجاء: النواحي، واحدها رجا، وقوله (القصوى) كان يجب أن يقول (القصا) لأنه نعت الأرجاء، إلا إنه حمله على لفظ الجمع ونظيره قول الله عز وجل: (لنريكَ مِنْ آياتِنَا الكُبْرَى)، والأنابيش لا واحد لها، وقيل: واحدها أنبُوش. معلقة طرفة بن العبد البكري وقال طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. (لَخِوْلَةَ أَطْلاَلٌ بِبُرْقَةِ ثَهْمَدِ ... تَلُوحُ كَبَاقِي الوَشْمِ فِي ظَاهِرِ اليَدِ) خولة: امرأة من بني كَلْب، والأطلال: واحدها طلل، وهو ما شخص من آثار الدار، وثهمد: اسم موضع، والبرقة والأبرق والبرقاء: كل رابية فيها رمل وطين، أو حجارة وطين يختلطان، فمن أنث ذهب إلى البُقعة، ومن

ذكَّر ذهب إلى المكان، وأطلال: يرتفع بالابتداء، وإن شئت بالطرف، وتعلق الباء أن شئت بأطلال وإن شئت علقت الباء والكاف بتلوح، وتلوح: تبدو، يقال: لاح يلوح، إذا ظهر، وألاح إذا لمع، وألاح الرجل بثوبه وسيفه إذا لمع بهما، وإذا علقت الباء بأطلال كان تلوح في موضع نصب على الحال من الذِّكْر الذي في الباء من الأطلال، والكاف في قوله (كباقي الوشم) في موضع نصب، والوشم: أن يغرز بالإبر في الجلد ثم يذر عليه الكحل أو النؤور، فيبقى سواده ظاهرا، ويروى (ظللت بها أبكي وأُبْكِي إلى الغد) يقال: ظل يفعل كذا؛ إذا فعله نهارا، ويقال: ظلتُ وظلتُ بمعنى (ظللْت) فمن قال (ظَلْتُ) بفتح الظاء حذف إحدى اللامين لالتقاء حرفين من جنس واحد، ومن قال (ظِلت) بكسر الظاء حذف إحدى اللامين وكسر الظاء ليدل على المحذوفة. (وُقُوفاً بِهَا صَحْبِي عَلَىَّ مَطِيَّهُمْ ... يَقُولُونَ: لاَ تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَلّدِ) وقوفا: منصوب على الحال، وهو جمع واقف، كما يقال: جالس وجلوس، والعامل في الحال تلوح أو ظللت في الروايتين، و (تجلد) أي كن جليدا، وجلد وجليد بمعنى واحد. (كَأَنَّ حُدُوجَ المَالِكِيَّةِ غُدْوَةً ... خَلاَيَا سَفِينٍ بِالنَّوَاصِفِ مِنْ دَدِ) الحدوج: جمع حدج، وهو مركب من مراكب النساء، ويقال: حدج؛ إذا ركب الحدج، والمالكية: منسوبة إلى مالك بن سعد بن ضبيعة والخلايا:

جمع خلية، وهي السفينة العظيمة، والنواصف: جمع ناصفة، وهي الرحبة الواسعة تكون في الوادي، ودد هنا: موضع، وقال أبو عبيدة: لا يقال للسفينة خلية حتى يكون معها زورق، كأنه شبهها بالخلية من الإبل. فإن قيل: كيف يجوز أن يكون بالنواصف السفين، وإنما النواصف رحاب تكون في الأودية؟. فالجواب عن هذا أن في البيت تقديما وتأخيرا، والتقدير: كأن حدوج المالكية غدوة بالنواصف من دد خلايا سفين. والباء في موضع الحال، أي كأن حدوج المالكية وهي بالنواصف، ومن: صلة النواصف. (عَدَوْلِيَّةٍ أو مِنْ سَفِينِ ابْنِ يا مِنٍ ... يَجُورُ بِهَا المَلاَّحُ طَوْراً وَيَهْتَدِي) عدولية: منسوبة إلى جزيرة من جزائر البحر يقال لها عدولي أسفل من أوال، وأوال أسفل من عمان، وقال غيره: العدولية منسوبة إلى قوم كانوا ينزلون بهجر ليسوا من ربيعة ولا من مضر ولا من اليمن، وابن يامن: ملاح من أهل هجر، أو تاجر، ويروى (أو من سفين بن نيتل) وهو أيضا ملاح من أهل هجر، و (يجور) أي يعدل بها ويميل، و (يهتدي) يمضي للقصد، وقال ابن الأعرابي: عدولية منسوبة إلى قدم أو ضخم، وعَدَوْلية من نعت السفين، و (طورا) منصوب على إنه طرف؛ لأن معناه وقتا وحينا، وقيل في قوله عز وجل: (وَقَدْ خَلَفَكُمْ أَطْوَاراً) أن معناه نطفة ثم علقة ثم مضغة، وقيل: معناه اختلاف المناظر. (يَشُقُّ حَبَابَ المَاءٍ حَيْزُومُهَا بِهَا ... كَمَا قَسَمَ التُّرْبَ المُفَايِلُ بِاليَدِ)

حباب الماء: طرائقه، والحيزوم: الصدر، أي يشق حيزومها بها حباب الماء: أي يقطعه ويقسمه كقسمة المفايل الترب، والمفايل: الذي يلعب لعبة الصبيان الأعراب، يقال لها: الفيالُ والمُفايلة وهي تراب يكومونه، أو رمل، ثم يخبؤون فيه خبيئا، ثم يشق المفايل تلك الكومة بيده فيقسمها قسمين، ثم يقول: في أي الجانبين خبأت؟ فإن أصاب ظفر، وإن أخطأ قمر، والكاف في موضع نصب، وقوله المفايل هو مفاعل من الفأل بالظفر، أو من قولهم (فال رأيه) إذا لم يظفر. (وَفِي الحَيِّ أحْوَى يَنْفُضُ المَرْدَ شَادِنٌ ... مُظَاهِرُ سِمْطَىْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدِ) أحوى: ظبي له خطتان من سواد، وإنما أراد سواد مدمع عينه شبه المرأة بالظبي الأحوى، والمرد: ثمر الأراك المدرك، الواحدة مردة، ومعنى (ينفض) يعطو ليتناول تحت الأراك فيسقط عليه النفض، والنَّفَضُ: ما سقط من النفضِ، ويقال (شدن) إذا قوى، والأم مشدن، والسِّمط: النظم من اللؤلؤ، وقوله (مظاهر سمطى) يعني إنه قد لبس واحدا فوق آخر، ومنه (تظاهرت الأخبار) أي أتي خبر على أثر خبر، ويجوز (مظاهر) بالنصب على الحال. (خَذُولٌ تُرَاعِي رَبْرَباً بِخَمِيلَةٍ ... تَنَاوَلُ أَطْرَافَ البَرِيرِ وَتَرْتَدِي) الخذول: التي قد خذلت صواحبها وأقامت على ولدها، وهب الخاذل.

فإن قال قائل: كيف قال (وفي الحي أحوى) ثم قال (خذول) والخذول: نعت الأنثى. قيل له: هذا على طريق التشبيه، أراد: وفي الحي امرأة تشبه الغزال في طول عنقها وحسنها وتشبه البقرة في حسن عينيها. وقوله (تراعي ربربا) أي ترعى مع ربرب، والربرب: القطيع من البقر والظباء وغير ذلك، وخص الخذول لأنها فزعة ولهة على خشفها فهي تشرئب وتمد عنقها وترتاع لأنها منفردة، وهو أحسن لها، ولو كانت في قطيعها لم يبن حسنها، والخميلة: الأرض السهلة اللينة ذات الشجر، والبرير: ثمر الأراك. (وَتَبْسِمُ عَنْ أَلْمَى كَأَنَّ مُنَوِّراً ... تَخَلَّلَ حُرَّ الرَّمْلِ دِعْصٌ لَهُ نَدِ) أي وتبسم عن ثغر ألمى، أي أسمر اللثات، وهم يمدحون سمرة اللثة لأنها تبين بياض الأسنان، والمنور: الأقحوان الذي قد ظهر نوره، وتخلل: أي دخل في خلله، وحر الرمل: خالصه، وكذلك حر كل شيء، والدعص: الكثيب من الرمل. ومما يسأل عنه في هذا البيت أن يقال: ما يعود على قوله (ألمى)؟ وأين خبر كأن؟ لأن الهاء في قوله (له) تعود على الأقحوان. فالجواب عن هذا أن

خبر كأن محذوف، وهو يعود على قوله ألمى، والمعنى كأن مُنورا متخللا حر الرمل دعص له ند هذا الثغر، فحذف لعلم السامع. (سَقَتْهُ إِيَاةُ الشَّمْسِ إِلاَّ لِثَاتِهِ ... أُسِفَّ وَلَمْ تَكْدِمْ عَلَيْهِ بِأَثْمِدِ) إياة الشمس: ضوءها وشعاعها، ويقال: (إيا الشَّمْس) بالقصر، وأياء: إذا كسرت الهمزة قصرت، وإذا فتحت مددت ومعنى سقته: حسَّنته وبيضته وأشربته حسنا، وقيل في قوله: (سقته إياة الشمس) من قول الأعراب إذا سقطت سن أحدهم كان يرميها إلى عين الشمس، ويقول: أبدليني سنا من ذهب أو فضة، ومعنى (أسفَّ) ذُر عليه، أي أسف بإثمد (ولم تكدم عليه) أي لم تعضض عظما فيؤثر في ثغرها ويذهب أشره، والهاء في سقته تعود على الثغر، وكذلك الهاء في (لثاته)، واللثات: في موضع نصب على الاستثناء، والمضمر الذي في قوله (أسف) يعود على الثغر أيضا على قول أهل اللغة، والمعنى عندهم إنه يعود على الثغر وهو يريد اللثات، وليس يمتنع أن يعود على اللثات، وقد يُذكر يحمل على تذكير الجمع، وإنما قالوا إنه يريد اللثات لأنه يريد أن اللثات كأنها ذر عليها كحل، وهم يمتدحون النساء بهذا، وكذلك سمرة الشفة.

(وَوَجْهٌ كَأَنَّ الشَّمْسَ حَلَّتْ رِدَاَءهَا ... عَلَيْهِ، نَقِىُّ اللَّوْنِ، لَمْ يَتَخَدَّدِ) أي لها وجه، وروى بعضهم (ووجه) بالجر عطفه على (ألمى) أي وتبسم عن وجه، ومعنى (حلت رداءها عليه) قلعته وألبسته إياه، وقوله: (لم يتخدد) لم يضطرب مشتق من الخد؛ لأنه يضطرب عند الأكل. (وَإِنِّي لأُمْضِي الهَمَّ عِنْدَ احْتِضَارِهِ ... بِعَوْجَاَء مِرْقَالٍ تَرُوحُ وَتَغْتَدِي) يقال: مضي الشيء يمضى مضاء ومضيا، وأمضيته أنا أمضيه إمضاء؛ إذا أذهبته عنك، والمضاء: السرعة، يقول: إذا نزل بي هم سليته عنى وأمضيته بأن أرتحل على هذه الناقة العوجاء، وهي الضامرة التي قد لحق بطنها بظهرها واعوج شخصها، والمرقال: السريعة في سيرها كأن في سيرها خببا، ومرقال: على التكثير، كما تقول: مذكار ومئناث وقوله: (بعوجاء) يقال للذكر أعوج، وكان يجل أن يقال للأنثى أعوجة كما يؤنث بالهاء في غير هذا، إلا أن قولك أعوج وما أشبهه ضارع الفعل من جهتين، إحداهما إنه صفة، والأخرى أن لفظه كلفظ الفعل، فلو قلت أعوجة وأحمرة، لزالت إحدى الجهتين، فلهذا أنث بالهمزة لأن مخرجها من مخرج الهاء، وأزيلت الهمزة من أوله لأنهم لو تركوها على حالها لكان في وزن أحمرة، وأما زيادتهم الألف قبل الهمزة ففيه قولان: أحدهما أن هاء التأنيث يكون ما قبلها مفتوحا، والهمزة يختلف ما قبلها، فجاءوا بالألف عوضا من الفتحة، والقول الآخر أنهم أرادوا أن يخالفوا بينها وبين الهاء فزادوا حرفين ولم يزيدوا واحدا فيكون بمنزلة الهاء.

(أَمُونٍ كَأَلوَاحِ الإرَانِ نَسَأْتُهَا ... عَلَى لاَ حِبٍ كَأَنَّهُ ظَهْرُ بُرْجُدِ) الأمون: التي يؤمن عثارها، والإران: تابوت كانوا يحملون فيه ساداتهم وكبراءهم دون غيرهم، وكل خشبة عريضة فهي لوح، ونسأتها: ضربتها بالمنسأة ويروى (نصأتها) قال ابن الأعرابي: نصأتها ونسأتها: زجرتها وضربتها بالمنسأة، وهما واحد، وقيل: نصأتها قدمتها، ونسأتها أخرتها، واللاحب: طريق منقاد، ويقال: مر فلان يلحب؛ إذا مر مرا سريعا، واللاحب: البين المؤثر فيه. فإن قبل: كان يجب أن يقول ملحوب. فالجواب عنه إنه يجوز أن يكون مثل قوله تعالى: (مِنْ مَاءِ دَافِق) قيل: معناه مدفوق، وحقيقته إنه بمعنى ذي دفق ويجوز أن يكون لا حب على بابه كأنه يلحب أخفاف الإبل، أي يرثؤ فيها، والهاء في (كأنه) تعود على الطريق، كأنه قال: على طريق لاحب، وشبه الطرائق التي في الطريق يطرائق البرجد، وهو كساء مخطط، وأراد كأنه برجد، ولم يرد الظهر دون البطن. (تُبارِى عِتَاقاً نَاجِياتٍ، وَأَتْبَعتْ ... وَظِيفاً وَظِيفاً فَوْقَ مَوْرٍ مُعَبَّدِ) تبارى: تعارض، يقال: هما يتباريان في السير، إذا فعل هذا شيئا فعل هذا مثله، والعتاق: الكرام من الإبل البيض، والعتق: الكرم، والعتق أيضا: الحُسن والجمال، ويقال: عتق الفرس؛ إذا سبق، وبه سمي بيت الله العتيق؛ لأنه عتق أن يملك أي سبق ذلك، ويقال: سمي العتيق لأن الله أعتقه من الغرق أيام

الطوفان، وقيل: سمي العتيق لأن الله أعتقه من الجبابرة فلم يقصده جبار إلا قصمه الله، والناجيات: السراع، يقال: نجا ينجو؛ إذا أسرع، والنجوة: المكان المرتفع، سمى بذلك لأنه ينجي عليه من السيل، والوظيف: عظم الساق، وقوله، وقوله: (وأتبعت وظيفا وظيفا) أي أتبعت وظيف يدها وظيف رجلها، ويستحب من الناقة أن تجعل رجلها في موضع يدها إذا سارت، ويستحب أن تكون خرقاء اليد صناع الرجل، والمور: الطريق، ويقال: مار يمور مورا، إذا دار، والمُور - بالضم - التراب والغبار، والمُعبد: المذلل، يقال: بعير مُعبد، أي مذلل بالهناء، وبعير معبد: أي مكرم، وهو من الأضداد، قال الشاعر: تَقُولُ: أَلاَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ؛ فَإِنَّنِي ... أَرَى المَالَ عِنْدَ البَاخِلِينَ مُعَبَّدَا معناه مكرما كأنهم يعبدونه من كرامته عليهم، وموضع (تبارى) يجوز أن يكون نصبا على الحال من الهاء والألف، أي مبارية عتاقا، ويجوز أن يكون في موضع جر على الإتباع لأمون. (تَرَبَّعَتِ القُفيْنِ بالشَّوْلِ تَرْتَعِي ... حَدَائِقَ مَوْلِىِّ الأَسِرِّةِ أَغْيَدِ) القف: ما غلظ من الأرض وارتفع، ولم يبلغ أن يكون جبلا، والشول من النوق: التي قد ارتفعت ألبانها، والحدائق: البساتين، والمولى: الذي أصابه الول من المطر، وهو الذي يجيء بعد الوسمي، والأسرة: بطون الأودية الواحدة سرارة، وهو أكرم الوادي، لأنه يقال: فلان في سر قومه، أي في صميمهم، وقوله (بالشول) أي في الشول، ويروى (في الشول) والشول: جمع شائلة، وكأنها التي قد شال ضرعها، وهي التي قد أتى عليها من وقت نتاجها سبعة أشهر، وهذا كقولهم: شال الميزان يشول؛ إذا ارتفع، وقال

الكوفيون: هذا من الشاذ، كان يجب أن يقال: شائل؛ لأنه شيء لا يكون إلا للإناث، وهو عند البصريين جيد، على أن تجريه على الفعل، فتقول: شالت فهي شائلة فأما إذا شالت بذنبها فإنما يقال (شائل) بلا هاء، هذا الأكثر ويجوز أن تجريه على الفعل فتقول (شائلة) وترتعى: تفتعل من الرعي، وكل شجر ملتف أو نخل فهي حديقة، والحدائق هنا: الرياض، والأغيد: الناعم، أي ذو النعمة، وكأنه اللين من النعمة. (تَرِيعُ إلى صَوْتِ المُهِيبِ، وَتَتَّقِي ... بِذِي خُصَلٍ رَوْعَاتِ أَكْلفَ مُلْبِدِ) المهيب: الذي يصيح بها هوب هوب، وتريع: أي ترجع إلى صوت الراعي إذا دعا بها، و (تتقي بذي خصل) المفعول محذوف، المعنى: وتتقي الفحل بذنب ذي خصل؛ لأن الناقة إذا كانت حاملا اتقت الفحل بحركة ذنبها فيعلم الفحل إنها حامل، فلا يقربها، والأكلف: من صفة الفحل وهو الذي في لونه حمرة إلى السواد، والملبد: الذي قد صار على وركه مثل اللبد من ثلطه؛ لأنه يضرب بذنبه من الهياج على ظهره، والروعات: جمع روعة، وهو الفزع، ومن العرب من يقول: روعات ليفرق بين الاسم والصفة مثل جفنة وجفنات، إلا أن الأحسن روعات بتسكين الواو، لاستثقالهم الحركة فيها. فإن قيل: سبيل الواو إذا كانت في موضع حركة، وكانت قبلها فتحة أن تُقلب ألفا، فيجب على هذا على لغة من حرك أن يقول: راعات. فالجواب عنه إنه وإن حرك فالأصل الإسكان؛ فصار بمنزلة قولك صيد البعير، فلم تقلب

الياء ألفا لأنه في معنى أصيد وأصياد، ألا ترى أنهم يقولون حوكة فيأتون به على الأصل (كَأَنَّ جَنَاحَىْ مَضْرَحِىٍّ تَكَنَّفَا ... حِفافَيْهِ شُكاَّ فِي العَسِيبِ بِمِسْرَدِ) شبه هُلب ذنبها بجناحي مضرحي، وهو العتيق من النسور يضرب إلى البياض وحفافاه: جانباه، وقوله (تكنفا) أي صارا من جانبيه عن يمين الذنب وشماله، و (شكا) غرزا وأدخلا فيهما، والعسيب: عظم الذنب، والمسرد: المخصف، وهي الإشفى، وقال الأصمعي: يستحب من المهاري أن تقصر أذنابها، وقلما ترى مهريا إلا ورأيت ذنبه أعصل كأنه أفعى وهو عيب فيما يُحلب، ويمدح في ذوات الحلب سبوغ الأذناب وكثرة هلبها وقال غيره: كل الفحول من الشعراء وصف الأذناب بكثرة الهلب: منهم امرؤ القيس، وطرفة، وعيينة بن مرداس، وغيرهم. (فَطَوْراً بِهِ خَلْفَ الزَّمِيلِ، وَتَارَةً ... عَلَى حَشِفٍ كَالشَّنِّ ذَاوٍ مُجَدَّدِ) يقول: طورا ترفع ذنبها وتضرب به خلف الزميل، أي الرديف، ولا زميل هناك، وإنما أراد موضع الزميل، ومرة تضرب به على ضرعها، وإنما سماه حشفا لأنه مُتقبض لا لبن فيه والشن: القربة الخلق، والذاوي:

الذابل الذي قد أخذ في اليبس، والمجدد: الذاهب اللبن، ناقة جدود، وأتان جدود: ذهب لبنها من غير بأس، وأصل الكلمة من قولهم (جددت الشيء) إذا قطعته، فالجدود: التي انقطع لبنها، والطور والتارة: وقتان. (لَهَا فَخِذَانِ أُكْمِلَ النَّحْصُ فِيهمَا ... كأَنَّهُمَ بَابَا مُنِيفٍ مُمُرَّدِ) أكمل: أتم، والكمال: التمام، والنحض: اللحم، ويقال: نحض العظم؛ إذا أخذ ما عليه من النحض، وروى الطوسي (لها فخذان عولي النحض فيهما) وعولي: معناه ظوهر وكثر، وقوله (بابا منيف) يقول: كأن الفخذين بابا قصر منيف، يقال: أناف الشيء ينيف إنافة؛ إذا علا وأشرف، والممرد: قالوا هو المطول، ويكون على هذا من قولهم (تمرد) إذا تجاوز في الشر، وأنشد الأصمعي في صفة فحل وذكر ارتفاع سنامه: بَنَى لَهُ العُلَّفُ قَصْراً مَارِداً وقيل: الممرد المملس، ومنه (شجرة مرداء) إذا سقط ورقها فصارت ملساء، ومنه سمى الأمرد أمرد لأنه أملس الخدين. (وَطَيُّ مَحَالٍ كَالحُنِيِّ خُلُوفُهُ ... وَأَجْرِنَةٌ لُزَّتْ بِدَأْيٍ مُنَضَّدِ) أي لها محال مطوية، والمحال: قفار الظهر، الواحدة محالة، والحني: القسي، واحدتها حنية، ويروى بضم الحاء وكسرها كما يقال: عُصِى، وعِصِى، والخلوف: أطراف الأضلاع، والجران: باطن العنق، جمعه بما حواليه، ولُزَّت: قُرن بعضها إلى بعض

فانضمَّتْ واشتدت، ودأي: جمع دأية، وهي الفقار، وكل فقرة من فقار العنق والظهر دأية، يقول: محال ظهرها متراصف متدان بعضه من بعض، وذلك أشد لها وأقوى من أن لا تكون متدانيات. (كَأَنَّ كِنَاسَيْ ضَالَةٍ يَكْنُفَانِهَا ... وَأَطْرَ قِسِيٍّ تَحْت صُلْبٍ مُؤَيَّدِ) الكناس: أن يحتفر الثيران في أصل الشجرة كالسرب يكنها من الحر والبرد، والجمع كُنُس، وقد كنست تكنس؛ إذا استظلت في كُنُسها من الحر، وإنما قال (كناسي) لأنه يستكن بالغداة في ظلها وبالعشي في فيئها، والضال: الشدر البرى الواحدة ضالة، والأطر: العطف، والمؤيد: المقوى، والأيد: القوة، يقول كأن كناسي ضالة يكنفان هذه الناقة من سعة ما بين مرفقيها وزورها، وإنما أراد أن مرفقيها قد بانا عن إبطيها، فشبه الهواء الذي بينهما بكناسي ضالة؛ فليس بها حازولا ناكت، وكأن قسيا مأطورة تحت صلبها، يعني تحت ضلوعها. (لَهَا مِرْفَقَانِ أَفْتَلاَنِ كأَنَّمَا ... تَمُرُّ بِسَلْمَىْ دَالج مُتَشَدِّدِ) الأفتلان: المتباينان كأنما فتلا عن صدرها، أي عدلا، والسلم: الدلو لها عروة واحدة نحو دلو السقائين، والدالج: الذي يمشي بين الحوض والبئر، يقول: هما مفتولان كأنهما سلمان بيدي دالج فهو يجافيهما عن ثيابه، والرواية الجيدة (تَمُرَّ) بفتح التاء، ويروى (تُمرُّ) معناه تفتل وتجود الفتل. وقال ابن الأعرابي: أراد (كأنما تمرُّ سَلمى) فزاد الباء، أراد تباين مرفقا الناقة وتباعدا عن زورها، كما يتباعد عضد الدالج عن زوره.

(كَقَنْطَرَةِ الرُّومِيِّ أَقْسَمَ رَبُّهَا ... لَتُكْتَنَفَنْ حَتَّى تُشَاد بِقَرْمَدِ) لتكتنفا: أي لتؤتيا من أكنافها لتبنى؛ وتشاد: ترفع، والقرمد: الآجر الواحدة قرمدة، وقصد بناء الروم لإحكامه، وقوله: (لتكتنفا) أقسم، بالنون الخفيفة، والوقف عليها بالألف عوضا من النون، ولا يعوض منها إذا كان قبلها ضمة أو كسرة؛ لأنهم شبهوها بالتنوين في الأسماء لأنك تعوض منه في موضع النصب، ولا تعوض في موضع الرفع والجر، إلا أن النون في الأفعال تحذف لالتقاء الساكنين، والتنوين في الأسماء الاختيار فيه التحريك لأن ما يدخل في الأسماء أقوى مما يدخل في الأفعال. (صُهابِيّةُ العُثْنُونِ مُؤْجَدَةُ القَرَا ... بَعِيدَةُ وَخْدِ الرِّجْلِ مَوَّارَةُ اليَدِ) الصهابية: التي يضرب لونها إلى الصهبة، وهي بياض يخالطه حمرة والعثنون: ما تحت لحييها من الشعر، والموجدة: المحكمة، قال أبو عمرو الشيباني: يقال: ناقة أجُد إذا كان عظم عدم من فقارها واحدا، وقوله (بعيدة وخد الرجل) يريد سعو خطوها، والوخد: ضرب من السير السريع، وقوله (موارة اليد) أي أن كتفيها تتبعان يديها في سهولة، يريد أنها خرقاء اليد، ويقال (مار يمور) إذا دار. (أُمِرَّتْ يَدَاهَا فَتْلَ شَزْرٍ، وَأُجْنِحَتْ ... لَهَا عَضُدَاهَا فِي سَقِيفٍ مُسَنَّدِ)

أُمرت: فتلت، والشزر: الفتل الذي يقال له الدبير، ومنه يقال (فلان ينظر إليك شزرا) كأنه يرفع طرفه ثم يطرف؛ لأن الشزر الذي يفتل به عن الصدر متعالي فلهذا سمي الدبير، وانتصب (فتل) لأنه نعت لمصدر محذوف، كأنه قال: أُمرت يداها إمرارا نثل فتل شزر، ومعنى (أجنحت) أميلت إلى خارج، فيقول: كأن ظهرها صفائح صخر، لا يؤثر فيه شيء، وقيل: السقيف هنا زورها وما فوقه، وأصل السقيف: صفائح من حجارة، ومسند: أسند بعضه إلى بعض. (جَنُوحٌ، دُفَاقٌ، عَنْدَلٌ، ثُمَّ أُفْرِعَتْ ... لَهَا كَتِفَاهَا فِي مُعَالي مُصَعَّدِ) الجنوح: التي تميل على أحد شقيها في السير، والدفاق: التي تتدفق في السير، والعندل: الضخمة الرأس، وأفرعت: عوليت، وفي معالى: أي مع معالي. (كَأَنَّ عُلُوبَ النِّسْعِ فيِ دَأَيَاتِهَا ... مَوَارِدُ مِنْ خَلْقَاَء فيِ ظَهْرِ قَرْدَدِ) العلوب: الآثار، واحدها علب، والنسع: جبل مضفور من أدم، والدأيات: منتهى الأضلاع، قيل: في الظهر، وقيل: في الصدر، والموارد: طرق المياه، والخلقاء: الصخرة الملساء، والقردد: الأرض الصلبة المستوية، وظهر القردد: أعلاه، يقول: هذه العلوب في صدرها مثل آثار الموارد، وقيل: معنى البيت أن النسوع لا تؤثر في هذه الناقة إلا كما تؤثر الموارد في الصخرة الملساء، وقيل: أراد بالموارد مواضع مر الحبال على حرف البئر المزبورة حتى تؤثر فيها أثرا ليس بالمبالغ، فكذلك آثار النسوع في جنب هذه الناقة ليس بالمبالغ لصلابة جلدها.

(تَلاَقَى، وَأَحْيَاناً تَبِينُ كَأَنَّهَا ... بَنَائِقُ غُرٌّ فيِ قَمِيصٍ مُقَدَّدِ) (تلاقى) أي تتلاقى، أي تجتمع، وتبين: تفترق، يعني هذه الموارد يكون بعضها يلي بعضا ويتصل بعضها ببعض، والبنائق: جمع بنيقة، يقول: كأنها دخاريص قميص، والغر: البيض، والمقدد: المشقق، وقال أحمد ابن عبيد: تلاقى يعني الحبال والآثار إذا سفلت إلى العُرى رءوسها، وإذا ارتفعت إلى الرحل تباينت، وخص الدخاريص لدقة رءوسها وسعة أسافلها، فأراد أن الآثار مما يلي الحلق دقيقة، وما علا من ذلك إلى الرحل واسع؛ لأن الحلق تجمع الحبال فيدق الأثر. (وَأَتْلَعُ نَهَّاضٌ إذا صَعَدَتْ بِهِ ... كَسُكَّانِ بُوصِيٍّ بِدِجْلَةَ مُصْعِدِ) يعني بالأتلع عنقها، والأتلع: المشرف، والتلع: الطول، ونهاض: ينهض في السير، أي يرتفع إذا سارت، ويقال: نهض إليه؛ إذا ارتفع اليه، ونهض الفرخ؛ إذا ارتفع وفارق عشه، وهي النواهض، ومعنى (صعدت به) أشخصته في السماء، والسُّكان: الذي تقوم به السفينة، والبوصي: السفينة، فارسي معرب، ويروى (كسكان نوتى) والنوتى: الملاح، وقال (مُصعِد) لأنه يعالج الموج. (وَجُمْجُمَةٌ مِثْلُ العَلاَةِ كَأَنَّمَا ... وَعَى المُلْتَقَى مِنْهَا إلى حَرْفِ مِبْرَدِ)

العلاة: السندان التي يضرب عليها الحداد حديدته، شبَّه جمجمتها بها في صلابتها، والجمجمة: عظام الرأس، ووعى: اجتمع وانضم، يقال: وعى عظمه؛ إذا اجتبر وتماسك، ولا وعى عن ذلك، أي لا تماسك عنه، والملتقى: يعني كل قبيلتين من قبائل الرأس التقتا، ويعنى حيود رأس الناقة، وكل نادر حيد، وإنما أراد صلابتها، فليس لملتقى شئونها نتوء، كأنه ملتئم كله كالتئام المبرد من تحت حزوزه، فيقول: هذه الجمجة كأنها قطعة واحدة في التئامها، وخص المبرد للحزوز التي فيه، فيقول: فيها نتوء غير مرتفع، قال الأصمعي: لم يقل أحد مثل هذا البيت، كما لم يقل أحد مثل قول عنترة: غَرِدٌ يَسُنُّ ذِرَاعَهُ بِذِرَاعِهِ ... قَدْحَ المُكِبِّ عَلَى الزِّنَادِ الأجْذَمِ (وَخَدٌّ كَقِرْطَاسِ الشَّآمِي وَمِشْفَرٌ ... كَسِبْتِ اليَمَانِي قَدُّهُ لَمْ يُحَرَّدِ) شبه بياض خدها ببياض القرطاس قبل أن يكتب فيه، وقيل: أراد إنه عتيق لا شعر عليه، والشعر في الخد هجنة، والمراد إنه جعله كالقرطاس لنقائه وقصر شعرته، والمشفر من البعير كالشفة من الإنسان، والسِّبْت: جلود البقر إذا دبغت بالقرظ، فإن لم يدبغ بالقرظ فليس بِسبت، وأراد أن مشافرها طوال كأنها نعال السبت، وذلك مما يمدح به، وخص السبت للينه، وقوله (لم يحرد) أي لم يميل، يصف أنها شابة فتية، وذلك أن الهرمة والهرم تميل مشافرهما. (وَعَيْنَانِ كَالمَاوِيَّتَيْنِ اسْتَكَنَّتَا ... بِكَهْفْي حِجَاجَيْ صَخْرَةٍ قَلْتِ مَوْرِدِ)

شبَّه عينيها بالماويتين لصفائهما، والماويتان: المرآتان، واستكنتا: حلتا في كن، والكهف: غار في الجبل، وهو هنا غار العين الذي فيه مقلتها، والحجاج: العظم المشرف على العين الذي ينبت عليه شعر الحاجب، والقلت: نقرة في الجبل يستنقع فيها الماء مؤنثة وجميعها قلات، وقوله (قَلْتِ مورد)، بدل من صخرة، وإذا كانت الصخرة في ماء كان أصلب لها، والمراد أن صفاء عينيها كصفاء ماء القلت، وقوله (مورد) أراد أن ماء المطر يردها، ولو وردها الناس لكدروها. (طَحُورَانِ عُوّارَ القَذَى، فَتَرَاهُمَا ... كَمَكْحُوَلَتْي مَذْعُورَةٍ أُمِّ فَرْقَدِ) (طحوران) أي دفوعان: يقال طحره ودحره، أي دفعه، والعوار والعائر: ما أفسد العين من الرمد، فيقول: عينها صحيحة لا قذى فيها كأنها قد طحرته، وقوله (فتراهما كمكحولتي مذعورة) يريد كعيني بقرة مذعورة، وفرقدها: ولدها، وإذا كانت مذعورة مطفلا كان أحد لنظرها. (وَصَادِقَتَا سَمْعِ التَّوَجُّسِ للِسُّرى ... لَهِجْسٍ خَفيٍّ أو لِصَوْت مُنَدَّدِ) يعني أذنيها، أي لا تكذبها إذا سمعت النبأة، والتوجس: التسمع بحذر، والهجس: الصوت الخفي، وقوله (للسرى) أي في السرى أو عند السرى، ويقال: سرى وأسرى؛ إذا سار بالليل، وقيل للنهر (سرِيٌّ) من هذا؛ أن الماء يسري فيه، قال المبرد: خص النهر بهذا الاسم من قولهم (خير المال عين ساهرة لعين نائمة) أي لا تنام وإن نمت عنها، ويروى (لصَوْت مُندِّد) بالإضافة،

والمندِّد: الذي يرفع صوته، والرواية الجيدة (صَوْتٍ مُنَدِّد) والمندد صفة للصوت. (مُؤَللّتَانِ، تَعْرِفُ العِتْقَ فِيِمَا ... كَسَامِعَتَيْ شَاة بِحَوْمَلَ مُفْرَدِ) المؤلل: المحدد كتحديد الآلة، وهي الحربة، والعتق: الكرم، ويريد هنا الحسن والنقاء، ويريد بالشاة هنا الثور الوحشي وقال (مُفرد) بلا هاء لأنه أراد الثور الوحشي؟، وإذا كان مفردا كان أسمع له؛ لأنه ليس معه ما يشغله وقيل: العتق أن لا يكون في داخلهما وبر؛ فهو أجود لسمعهما، وكذلك آذان الوحش. (وَأَرْوَعُ نَبَّاضٌ أًَحَذّ ُ مُلَمْلَمٌ ... كَمِرْدَاةِ صَخْرٍ فِي صَفِيحٍ مُصَمَّدِ) (أروع) يعني قلبها، وهو الحديد السريع الارتياع، ونباض: ينبض: أي يضرب من الفزع، والأحذ: الأملس الذي ليس له شيء يتعلق به، وقال أبو عمرو: هو الخفيف، وقال ابن الأعرابي: الأحذ الذكي الخفيف، وململم: مجتمع، وقولهم للشعر (لمة) من هذا، وألم بنا: أي ادخل في جماعتنا، وبنو تميم يقولون: لم بنا، وقوله عز وجل: (الذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ والفَوَاحِشَ إلاَّ اللَّمَمَ) معناه إلا أن يقاربوا ولا يدخلوا في معظم الشيء، وليس في الكلام دليل على إنه أباح اللمم؛ لأنه استثناء ليس من الأول، وهو مثل قوله: (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) فليس فيه دليل على إنه أباح ما سلف، وإنما المعنى ولكن ما قد سلف

فإن الله يعفو عنه. وكذلك قوله عز وجل: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن أن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأَ) أي ولكن أن قتله خطأ فعليه ما أمر به، وقولهم: (لمَّ الله شَعَثَك) فيه قولان: أحدهما أن المعنى جمع الله مفترقك، والثاني - وهو قول المبرد - أن المعنى جمع الله ما يزيل الشعث عنك. والمرداة: صخرة تدق الصخرة بها والمراد كمرداة من صخر. والصفيح من الحجارة: العريض، والمصمد: الصلب الذي لا خور فيه. (وَإِنْ شِئْتَ سامي وَاسِطَ الكُورِ رَأْسُها ... وَعَامَتْ بِضَبْعَيْها نَجاَء الخَفَيْدَدِ) سامي: عالي، وواسط الكور: العود الذي بين موركة الرحل ومؤخره، وموركة الرحل: الموضع الذي يضع عليه الراكل رجله، وقيل: الموركة: مهاد يمهده الرجل لرجله إلى جانب الواسط أسفل منه، فإذا أعيا من الغرز نزع رجله من الغرز وجعلها على الموركة، وقيل: الواسط للرحل كالقربوس للسرج وعامت: سبحت، والضبع: العض، والنجاء: السرعة، والخفيدد: الظليم، وهو ذكر النعام. (وَإِنْ شِئْتَ لم تُرْقِلْ، وَإِنْ شِئْتَ أَرقَلَتْ ... مَخَافَة مَلْوِيٍّ مِنَ القِدِّ مُحْصَدِ) الإرقال: ضرب من السير السريع، وأراد بالملوى السوط، والمحصد: المحكم، ومخافة: منصوب لأنه مفعول من أجله، وإن شئت كان مصدرا.

(وَأَعْلَمُ مَخْرُوتٌ مِنَ الأنْفِ مَارِنٌ ... عَتِيقٌ مَتَى تَرْجُمْ بِهِ الأَرْضَ تَزْدَدِ) أراد بالأعلم: مشفرها، والإبل كلها علم، والعلم: شق في الشفة العليا، فإن كان في السفلى قيل له: أفلح، والمخروت: المشقوق، وخرت كل شيء: شقه وثقه، والمارن: اللين، وقوله. (متى تَرْجُمْ بِه الأرضَ) أي إذا أدنت رأسها من الأرض في سيرها فذلك رجمها إياها، يقول: إذا أومأت برأسها إلى الأرض ازدادت سيرا. (عَلَى مِثْلِهَا أَمْضِى إذا قَالَ صَاحِبِي ... أَلاَ لَيْتَنِي أَفْدِيكَ مِنْهَا وَأَفَتدِي) أي على مثل هذه الناقة أسير وأمضي إذا قال صاحبي: إنا هالكون من خوف الفلاة، وقوله (ألا ليتني أفديك منها وأفتدى) معناه من الفلاة. فجاء بمكنيها ولم يجر لها ذكر لدلالة المعنى عليها، كقوله تعالى (حَتَّى تَوَارَتْ بِالحِجْاب)، وقوله (أفديك منها) أي أعطيك فداءك وتنجو، وأفتدى أنا منها: أي أنجو، وقيل: معناه ليتني أقدر على أن أفتديك منها وأفتدى نفسي، و (على) تتعلق بأمضى، وكذلك إذا. (وَجَاشَتْ إليه النَّفْسُ خَوْفاً وَخَالَهُ ... مُصَاباً وَلَوْ أَمْسَى عَلَى غَيْرِ مَرْصَدِ) جاشت: ارتفعت إليه من الخوف ولم تستقر كما تجيش القدر إذا ارتفع غليانها، وقوله (اليه) أي إلى صاحبه، وقوله (وخاله) يعني وخال نفسه، وإنما جاز أن يقال (خاله مصابا) ولم يجز (ضربه) إذا أردت ضرب نفسه على مذهب سيبويه انهم

استغنوا عن ضربه بقولهم (ضرب نفسه) والذي يذهب إليه أبو العباس إنه لم يجز (ضربه) لئلا يكون فاعلا مفعولا في حال وجاز (خاله) لأن الفاعل في المعنى مفعول لأنه إنما رأى شيئا فأظنه، وقوله (ولو أمسى على غير مرصد) أي ولو أمسى لا يرصد ولا يخاف من أحد لظن إنه هالك من العطش لهول المفازة، أي فأنا أنجو منها على ناقتي. (إذا القَوْمُ قَالُوا مَنْ فَتًى خِلْتُ أَنَّنِي ... عُنِيتُ فَلَمْ أَكْسَلْ، وَلَمْ أَتَبَلَّدِ) يقول: إذا قالوا من فتى لهذه المفازة خلت أنهم يعنونني ويقولون ليس لها غيره؛ فلم أكسل عن أن أقول أن لها ولم أتبلد عن سلوكها، ويقال (رجل بليد، ومتبلد) إذا أثر فيه الجهل كي يذهب به عن فطن الناس واحتيالهم وكذا يقال في الدواب، وأصل البلادة والتبلد من التأثير، يقال: في جلده بلد، إذا كان فيه أثر، وكذلك في غير الجلد، ويقال لكركرة البعير (بلدة) لأنها تؤثر في الأرض، أو تؤثر فيها الأرض، قال الشاعر: أَنِيخَتْ فَأَلقَتْ بَلْدَةً فَوْقَ بَلْدَةٍ ... قَلِيلٍ بِهَا الأَصْوَاتُ إِلاَّ بُغَامُهَا وبهذا سميت البلدة والبلد؛ لأنه موضع مواطن الناس وتأثيرهم. (أَحَلْتُ عَلَيْهَا بِالقَطِيعِ فَأَجْدَمَتْ ... وَقَدْ خَبَّ آلُ الأَمْعَزِ المُتَوَقِّدِ) القطيع: السوط، أي أقبلت عليها بالسوط، يقال: أحلت عليه ضربا، إذا

أقبلت عليه تضربه ضربا في أثر ضرب، أو على ضرب، ومنه قوله: يُحِيلُونَ السِّجَالَ عَلَى السِّجَالِ أي يصبون دلوا على إثر دلو، وأجذمت: أسرعت، وخب الآل: جرى واضطرب، والآل يكون بالغداة والعشي والأمعز والمعزاء: الموضع الغليظ الكثير الحصى، والمتوقد: الذي يتوقد بالحر، والواو في قوله (وقد خب) واو الحال. (فَذَالَتْ كَمَا ذَالَتْ وَلِيدَةُ مَجْلِسٍ ... تَرِى رَبَّهَا أَذْيالَ سَحْل مُمَدَّدِ) أي ماست في مشيها وتبخترت، يقول: تبخترت هذه الناقة في مشيها كما تتبختر وليدة أي أمة عرضت على أهل مجلس فأرخت ثوبها واهتزت بأعطافها، وخص (وليدة مجلس) يريد إنها ليست بممتهنة فإذا مشت تبخترت وجرت أذيالها، والسحل: الثوب الابيض، والممدد: الذي ينجر في الأرض، ومعنى البيت: إني أبلغ على هذه الناقة حاجتي بأقل تعب. (وَلَسْتُ بِحَلاَّلِ التِّلاَعِ مَخَافَةً ... وَلَكِننْ مَتَى يَسْتَرْفِدِ القَوْمُ أَرْفِدِ) التلاع: مجارى الماء من رءوس الجبال إلى الأودية، والمعنى إني لست ممن يستتر في التلاع، أي لا أنزلها مخافة فتواريني من الناس حتى لا يراني ابن السبيل والضيف، ولكن أنزل الفضاء، وأرفد من يسترفدني، وأعين من استعان بي، والرفد: العطية، والرفد: المعونة، و (مخافة) ينتصب على إنه مفعول له، أو على المصدر، ويروى (ولست بحلالِ التلاع ببيته).

(وَإِنْ تَبْغِنِي فيِ حَلْقَةِ القَوْمِ تَلْقَنِى ... وَإِنْ تَقْتَنِصْنِي فيِ الحَوَانِيت تَصْطَدِ) يقول: أن تبغني - أي تطلبني - في موضع يجتمع فيه الناس للمشورة وإجالة الرأي تلقني؛ لما عندي من الرأي، لا أتخلف عنهم، وإن تطلب صيدي في حوانيت الخمارين تجدني أشرب وأسقي من يحضرني، والحانوت: يذكر ويؤنث والحوانيت: بيوت الخمارين، والحوانيت أيضا: الخمارون. (مَتَى تَأْتِنِي أَصْبَحْكَ كَأساً رَوِيَّةً ... وَإنْ كُنْتَ عَنْهَا غَانِياً فَاغْنَ وَازْدَدِ) ويروى (وإن تأتني أصبحك كأسا) أصبحك: من الصبوح، والصبوح: شرب الغداة، والكأس مؤنثة، قال الفراء: الكأس الإناء الذي فيه لبن أو ماء أو خمر أو غير ذلك، وان كان فارغا لم يقل له كأس كما أن المهدى الطبق الذي يكون للهدية، فإن أخذت منه الهدية قيل له طبق ولم يقل له مهدى، وأكثر أهل اللغة يقول: لا يقال للإناء كأس حتى يكون فيها الخمر، وقال بعضهم: قد يقال للزجاجة كأس، وللخمر كأس، كقوله تعالى: (يُطافُ عَلَيْهِمْ بكأسٍ مِنْ مَعِين، بَيضاءً لذَّةٍ للِشَّارِبِينَ) فاللذة هاهنا: الخمر (وإن كُنتَ عنها غانيا) أي غنيا، والمعنى: متى تأتني تجدني قد أخذت خمرا كثيرا مروية لمن يحضرني، ومعنى (فاغن وازدد) فاغن بما عندك وازدد.

(وَإِنْ يَلْتَقِ الحَيُّ الجَمِيعُ تُلاَقِنِي ... إلى ذِرْوَةِ البَيْتِ الرَّفِيعِ المُصَمَّدِ) يقول: إذا التقى الحي الجميع الذين كانوا متفرقين للمفاخرة وذكر المعاني تجدني في الشرف، و (إلى ذروة) أي مع ذروة، وذروة كل شيء: أعلاه، وإنما يريد بالبيت هنا الأشراف، والمصمد والصمد: الذي يُصمد إليه في الحوائح والأمور، أي يُقصد. (نَدَامَايَ بِيضٌ كَالنُّجُومِ وَقَيْنَةٌ ... تَرُوحُ إِلَيْنَا بَيْنَ بُرْدٍ وَمُجْسَدِ) ويروى (تروح علينا) الندامى: الأصحاب، يقال (فلان نديم فلان) إذا شاربه، و (فلانة نديمة فلان) ويقال ذلك أيضا إذا صاحبه وحدثه وإن لم يكونا على شراب، قال أبو جعفر: سمي النديم نديما لندامة جذيمة حين قتل جذيمة مالكا وعقيلا اللذين أتياه بعمرو ابن أخته، فسألاه أن يكونا في سمره، فوجد عليهما فقتلهما، وندم، فسمى كل مشارب نديما، وقيل من الندم: ندمان وندمى، وقيل: الأصل فيهما واحد؛ لأنه إنما قيل للمتواصلين (ندامى) لأنهم يجتمعون على ما يندم عليه من إتلاف المال. وقوله: (كالنجوم) أي هم أعلام، والقينة: الأمة مغنية كانت أو غير مغنية، وإنما قيل لها قينة لأنها تعمل بيديها مع غنائها، والعرب تقول لكل من يصنع بيديه شيئا: قين، والمجسد: الثوب المصبوغ بالزعفران، ومعنى قوله (بين برد ومجسد) أي

عليها برد ومجسد، وقيل: معناه مرة تأتي وعليها بُرد ومرة تأتي وعليها مُجسد، والمجسد: المصبوغ الذي قد يبس عليه الصباغ من قولهم (جسد الدم) إذا يبس عليه، والمجيد أيضا: الذي يلي الجسد من الثياب، وقيل في الذي يلي الجسد (مِجسد) بكسر الميم. (رَحِيبٌ قِطَابُ الجَيْبِ مِنْهَا، رَفِيقَةٌ ... بِجَسِّ النّدَامَى، بَضَّةُ المُتَجَرَّدِ) ويروى (رحيب قطاب الجيب) بالإضافة، والرحيب: المتسع، وقطاب الجيب: مُجتمع الجيب، قطب: أي جمع، ومنه (قطب بين عينيه) أي جمع، و (جاء الناس قاطبة) أي جميعا، والجس: المس، وجس الندامى: أن يجسُّوا بأيديهم يلمسونها، كما قال الأعشى: لجسِّ النَّدَامَى فيِ يَدِ الدِّرْعِ مفتق وذلك أن القينة كان يُفتق فتق في كمها إلى الرفع، فإذا أراد الرجل أن يلمس منها شيئا ادخل يده فلمس، ويد الردع: كمه، وقال بعضهم: بجس الندامى بما يطلب الندامى من اقتراحها وغنائها، والجس بمعنى الطلب و (قطاب) يرتفع برحيب، ومعنى قوله (رحيب قطاب الجيب) أن عنقها واسع فتحتاج إلى أن يكون جيبها واسعا، والبضة: البيضاء الرخصة، والمُتجرد: جسدها المتجرد من ثيابها (إذا نَحْنُ قُلْنَا أَسْمِعِينَا انْبَرَتْ لَنَا ... عَلَى رِسْلِهَا مَطْرُوفَةً لَمْ تَشَدَّدِ) أسمعينا: غنِّينا، وانبرت: اعترضت، و (على رسلها) على هينتها، أي ترنمت في رفق، ومطروفة - بالفاء - ساكنة الطرف وفاترته، كأنها قد طرفت عن كل

شيء تنظر إليه وطرف طرفها، ومن روى (مطروقة) بالقاف فمعناه مسترخية، (لم تشدد) لم تجتهد، وقيل في المطروفة بالفاء: إنها التي عينُها إلى الرجال، وانبرت: جواب إذا، وهو العامل فيه، ومطروفة: منصوب على الحال. (وَمَا زَالَ تَشْرَابِي الخُمُورَ وَلَذَّتِي ... وَبَيْعيِ وَإِنْفَاقِي طَرِيفي وَمُتْلَدِي) تشراب: تفعال من الشرب، إلا أن تشرابا يكون للكثير، والشرب يقع للقليل والكثير والطارف، والطريف: ما استحدثه الرجل واكتسبه، والمُتلد والتالد والتليد والتلاد: ما ورثه عن آبائه، ومعناه المتولد، والتاء بدل من الواو. (إلى أن تَحَامَتْنِي العَشِيرَةُ كُلُّهَا ... وَأُفْرِدْتُ إفْرَادَ البَعِيرِ المُعَبَّدِ) تحامتني: تركتني، والعشيرة: أهل بيته، ويدخل فيه غيرهم ممن يخالطه، وأفردت إفراد البعير: أي أفردت إفراداً مثل إفراد البعير، والمعبد: الأجرب، وقيل: هو المهنوء الذي سقط وبره فأفرد عن الإبل، أي تُركت ولذَّاتي. (رَأَيْتُ بَنِي غَبْرَاَء لاَ يُنْكِرُوَنِني ... وَلاَ أَهْلُ هَذَاكَ الطِّرَافِ المُمَدَّدِ) الغبراء: الأرض، وبنو غبراء: الفقراء، ويدخل فيهم الأضياف، والمعنى انهم يجيئون من حيث لا يحتسبون، و (أهل) مرفوع معطوف على المضمر الذي في (ينكرونني)، قال الله عز وجل: (سَيَقُولُ الَّذِينُ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ

اللهُ مَا أَشْرَكْنَا ولاَ آبَاؤُنَا)، والطراف: قبة من أدم يتخذها المياسير والأغنياء، والممدد: الذي قد مد بالأطناب، والطراف: لفظه لفظ الواحد ومعناه معنى الجمع، ومعنى البيت إنه يخبر أن الفقراء يعرفونه؛ لأنه يُعطيهم، والأغنياء يعرفونه؛ لجلالته. (أَلا أَيُّهذَا الّلائمِي أَحْضُرُّ الوَغَى ... وَأَنْ أَشْهَدَ الّلذَّاتِ، هَلْ أنْتَ مُخْلِدِي؟) ويروى (أَلا أَيُّها الّلاحِي أن أَحْضُرُّ الوَغَى)، واللاحي: اللائم، لحاه يلحوه ويلحاه، إذا لامه، والزاجر: الناهي، وقد روى (أَلا أَيُّهذَا الّزاجري أَحْضُرَ الوَغَى) على إضمار أن، وهذا عند البصريين خطأ؛ لأنه أضمر ما لا يتصرف وأعمله، فكأنه أضمر بعض الاسم، ومن رواه بالرفع فهو على تقديرين، أحدهما أن يكون قدره (أن أحضُر) فلما حذف أن رفع، ومثله على أحد مذهبي سيبويه قوله عز وجل: (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تأمُرُونِّي أعْبُدُ) المعنى عنده أن أعبد، والقول الآخر في رفع (أحضر) - وهو قول أبي العباس - أن يكون في موضع الحال، ويكون (وأن أشهد) معطوفا على المعنى؛ لأنه لما قال: (أحضر) دل على الحضور كمما تقول: من كذب كان شرا له، أي كان الكذب شرا له، ومعنى قوله: (هل أنت مُخلدي) هل أنت مُبقى، ومعنى البيت: ألا أيهذا اللائمي في حضور الحرب لئلا أقتل وفي أن أنفق مالي لئلا أفتقر، ما أنت مُخلدي أن قبلت منك، فدعني أنفق مالي ولا أخلفه.

(فإن كُنْتَ لاَ تَسْطِيعُ دَفْعَ مَنِيَّتِي ... فَدَعْنِي أُبَادِرْهَا بِمَا مَلَكَتْ يَدِي) أي فدعني ولذاتي قبل أن يأتيني الموت، ويقال: معناه أبادر المنية بإنفاق ما ملكت يدي في لذاتي. (فَلَوْلاَ ثَلاَثٌ هُنَّ مِنْ عِيشَةِ الفَتَى ... وَجَدِّكَ لَمْ أَحْفِلْ مَتَى قَامَ عُوَّدِي) عيشة الفتى: ما يعيش به ويلتذ، وقد بينهن فيما بعد، وقوله: (وَجدك)، قيل: معناه وحقك، وقيل: معناه ونفسك، وقيل: معناه وأبيك، وقوله: (لم أحفل) أي لم أبال، وعوده: من يحضره عند موته في مرضه وينوح عليه. (فَمِنْهُنَّ سَبْقُ العَاذِلاَتِ بِشَرْبَةٍ ... كُمَيْتٍ مَتَى مَا تُعْلَ بِالماءِ تُزْبِدِ) الكميت من الخمر: التي تضرب إلى السواد، وقوله: (متى ما تُعل بالماء) أي متى تمزج به (تزبد)؛ لأنها عتيقة. (وَكَرِّي إذا نَادَى المُضَافُ مُحَنَّباً ... كَسِيد الغَضَا نَبَّهْتَهُ المُتَوَرِّدِ) كري: عطفي، والمضاف: الذي قد أضافته الهموم، والمحنَّب: فرس أقنى الذراع، والسِّيد: الذئب، والغضا: شجر، وذئابه أخبث الذئاب، ونبهته: هيجته، والمتورد: الذي يطلب أن يرد الماء، وقوله (محنبا) منصوب بكرى، والمعنى: وكري فرسا محنبا، والكاف من قوله: (كسيد) في موضع نصب؛ لأنها من نعت المحنب.

(وَتَقَصْيرُ يَوْمِ الدَّجْنِ والدَّجْنُ مُعْجِبٌ ... بِبَهْكَنَةٍ تَحْتَ الطِّرَافِ المُعَمَّدِ) الدجن: قيل هو الندى والمطر الخفيف، وقيل: هو إلباس الغيم السماء وإن لم يكن مطر يقول: أقصره باللهو، ويوم اللهو وليلة اللهو قصيران، قال بعض الأعراب: لكن أيَّامُنَا أَمْسَتْ طِوَالاَ ... لَقَدْ كُنَّا نَعِيشُ بِهَا قِصَارَا أراد طالت بالحزن وقصُرت بالسرور، وقال: ظَلِلْنَا عِنْدَ دَارِ أبي أنِيسٍ ... بِيَوْمٍ مِثْلِ سَالِفَةٍ الذُّبَابِ وقال آخر: وَيَوْمٍ كَإبْهَامِ القَطَاةِ مُزَيَّنٍ ... إلى صِبَاه غَالِبٍ لِيَ بَاطِلُهْ (والدجن معجب) أي يعجب من رآه، والبهكنة: التامة الخلق، ويروى (بهيكلة) والهيكلة: العظيمة الألواح والعجيزة والفخذين، ويروى (تحت الخباء المعمد) أي ذي العمد. (كَأَنَّ البُرِينَ وَالدَّمَالِيجَ عُلِّقَتْ ... عَلَى عُشَرٍ أو خِرْوَعٍ لَمْ يُخَضَّدِ) البرين: الخلاخيل، واحدتها بُرة، والعُشر: شجر أملس مستو ضعيف العود، شبه عظامها وذراعيها به لملامسته واستوائه، وكل ناعم خروع، (لم يُخضد) لم يُثن، يقال: خضدت العود أخضده خضدا؛ إذا ثنيته لتكسره، وفي (برين) لغتان، من العرب من يجعل إعرابه في النون، ومنهم من يجعله بمنزلة مُسلمين،

والدماليج: جمع دُملُج، وكان يجب أن يقول دمالج؛ فيجوز أن يكون جمعا على غير واحده، ويجوز أن يكون أشبع الكسرة فتولدت منها ياء، ويجوز أن يكون بناه على دملوج، وهو الوجه. (فَذَْنِي أُرَوِّ هَامَتِي فِي حَيَاتِهَا ... مَخَافَةَ شِرْبٍ فِي الحَيَاةِ مُصَرَّدِ) الشِّرب بكسر الشين، والشُّرب بضمها: اسمان للمشروب، والشَّرب بالفتح: مصدر، وقد تكون الثلاثة مصدرا، والمصرد: المُقلل والمنغص. (كَرِيمٌ يُرَوِّي نَفْسَهُ فِي حَيَاتِهِ ... سَتَعْلَمُ أن مُتْنَا غَداً أَيُّنَا الصَّدِى) ويروى (إن متنا صدى) أي عطشا، والصدى: العطشان، ويروى (إن متنا صدى أينا الصدى) والمراد بالصدى في هذه الرواية ما كانت العرب تزعمه في الجاهلية أن الرجل إذا قتل ولم يُدرك بثأره خرج من رأسه طائر يشبه البُوم فيصيح: (اسقوني، اسقوني) فإذا أخذ بثأره سكن، والصدى في غير هذا قالوا: بدن الميت، والصوت الذي تسمعه من ناحية الجبل ونحوه، وذكرُ البوم، ويقال: (هو صدى مال) أي الذي يقوم به، وقوله: (يروى نفسه) أراد يروى نفسه من الخمر، ثم حذف لعلم المخاطب، ومن روى (إن متنا صدى)

أراد أن متنا عطشا، ومن روى (صدى أينا الصدى) بالإضافة أراد صدى أينا العطشان. (أَرَى قَبْر نَحَّامٍ بَخِيلٍ بِمَالِهِ ... كَقَبْرِ غَوِيٍّ فيِ البَطَالَةِ مُفْسِدِ) النَّحام: الزَّحار عند السؤال البخيل، والغوي الذي يتبع هواه ولذاته، ومعنى البيت أن من يبخل بماله عند أداء الحق، وعند السؤال، وعند لذاته، إذا مات فقد استوى هو ومن ينفق ماله ويقضي لذاته، وفضله من ينفق في حياته. (تَرَى ِجُثْوَتَيْنِ مِنْ تُرَابٍ عَلَيْهِمَا ... صَفَائِحُ صُمٌّ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضَّدِ) الجثوة: التراب المجموع، يقال للرجل: (إنما هو جثوة اليوم أو غد)، ويقال لكل مجتمع (جُثوة) والجمع جُثى، وفي الحديث: (مَنْ دَعَا دُعَاء الجاهلية فإنه من جُثَى جهنم) أي من جماعات جهنم، ويروى (من جثى جهنم) وهو جمع جاث، والصُّمُّ: الصلبة، والمُنضد: الذي قد نضد بعضه على بعض. (أَرَى المَوْتَ يَعْتَامُ الكِرَامَ، وَيَصْطَفِي ... عَقِيلَةَ مَالِ الفَاحِشِ المُتَشَدِّدِ) يعتام: معناه يختار، يقال: اعتامه، واعتماه، إذا اختاره، وعقيلة كل شيء: خيرته وأنفسه عند أهله، ويروى (يعتام الكريم)، والكريم: الشريف

الفاضل، قال الله تعالى: (ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)، أي شرفناهم وفضلناهم، ويقال للصفوح كريم لفضله، كما قال عز وجل: (إنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيم)، ويقال للكثير كريم، كقوله تعالى: (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيم) أي كثير، ويصطفي: يختار صفوته، والفاحش: القبيح السيئ الخلق، والمُتشدد: البخيل، وكذلك الشديد، قال الله تعالى: (إنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ)، قال أبو العباس: إنه من أجل حب الخير لبخيل. (أَرَى الدَّهْرَ كَنْزاً نَاقِصاً كُلَّ لَيْلَةٍ ... وَمَا تَنْقُصِ الأيَّامُ وَالدَّهْرُ يَنْفَدِ) أراد أهل الدهر، ويروى (أرى العيش)، و (أرى العمر)، والكنز: ما استعد وحُفظ، وقوله: (ما تنقُص الأيام) أي ما تنقصه الأيام ينفد. (لَعَمْرُكَ أن المَوْتَ مَا أَخْطَأَ الفَتَى ... لَكَالطِّوَلِ المُرْخَى وَثِنْيَاهُ بِاليَدِ) الطول: الحبل، وثنياه: ما ثُنى منه، ويقال: طرفاه، لأنهما يُثنيان، وقوله: (ما أخطأ الفتى) أي في إخطائه الفتى، أي في أن يطول عمره بمنزلة حبل رُبطت به دابة يُطوَّل لها في الكلأ حتى ترعاه، فيقول: الإنسان قد مُدَّ له في أجله وهو آتيه لا محالة، وهو في يدي من يملك قبض روحه، كما أن صاحب الفرس الذي قد طوَّل له إذا شاء اجتذبه وثناه اليه، وموضع (ما) نصب، وهو

في تقدير المصدر. (فَمَا لِي أَرَانِي وَابْنَ عَمّيَ مَالِكاً ... مَتَى أَدْنُ مِنْهُ يَنْأَ عَنِّي وَيَبْعُدِ) معناه إذا أردت وده ودنوه تباعد مني، وقال (ينأ عنى ويبعُد) ومعناهما واحد، وإنما جاء بهما لأن اللفظين مختلفان، وإنما المعنى يبعد ثم يبعد بعد ذلك. (يَلُومُ وَمَا أَدْرِي عَلاَمَ يَلُومُنِي ... كَمَا لاَمَنِي فِي الحَيِّ قُرْطُ بْنُ أَعْبَدِ) قُرْطُ: رجل لامه على ما لا يحب أن يلام عليه، وقوله: (علام) الأصل (على ما) لأن المعنى على أي شيء يلومني، إلا أن هذه الألف تحذف في الاستفهام مع ما، إذا كان قبلها حرف خافض ليفرق بين ما إذا كانت استفهاما وبينها إذا كانت بمعنى الذي، ويكون الحرف الخافض عوضا مما حذف. (وَأَيْأَسَنِي مِنْ كُلِّ خَيْرٍ طَلَبْتُهُ ... كَأَنَّا وَضَعْنَاهُ إلى رَمْس مُلْحَدِ) أي جعلني ذا يأس من الخير، فهو بمنزلة الموتى إذ كان لا يُرجى منه خير، والرمس: القبر، والملحد: اللحد. (عَلَى غَيْرِ ذَنْبٍ قُلْتْهُ، غَيْرَ أَنَّنِي ... نَشَدْتُ فَلَمْ أُغْفِلْ حَمُولَةَ مَعْبَدِ) معبد: أخو طرفة، قال ابن الأعرابي: كان لطرفة ولأخيه إبل يرعيانها يوما ويوما، فلما أغبها طرفة قال له أخوه معبد: لم لا تسرح في إبلك؟ وكأنك ترى

أنها أن أُخذت يردُّها شعرُك هذا؟ قال: فإني لا أخرج فيها أبدا حتى تعلم أن شعري سيردها أن أخذت، فتركها، وأخذها ناس من مُضر، فادَّعى جوار عمرو وقابوس ورجل من اليمن يقال له بشر بن قيس، فقال في ذلك طرفة: أَعَمْرُو بْنَ هِنْدٍ مَا تَرَى رَأْىَ صِرْمَةٍ وقال غيره: هذه إبل ضلت لمعبد، فسأل طرفة ابن عمه مالكا أن يعينه في طلبها، فلامه وقال: فرَّطت فيها ثم أقبلت تتعب نفسك في طلبها. ويقال: نشدت الضالة، إذا طلبتها، وأنشدتها إذا عرَّفتها، والحمولة: الإبل التي تحمل، والحمولة: الأحمال، وقوله: (فلم أغفل) أراد نشدت حمولة معبد فلم أغفل ذلك، وأعمل الفعل الثاني، ولو أعمل الأول لقال: فلم أغفلها، ويروى (فلم أغفل حمولة معبد) أي لم أغفل عن ذلك. يقول: لامني على غير ذنب كان مني اليه، الا إنني طلبت حمولة معبد، و (غير) منصوب على الاستثناء، وهو استثناء ليس من الأول، وعلى ذلك يجوز أن تكون متعلقة بلا منى أو بأيأسنى. (وَقَرَّبْتُ بِالقُرْبَى، وَجَدِّكَ إِنَّنِي ... مَتَى يَكُ أَمْرٌ للِنَّكِيِثَةِ أَشْهَدِ) أي أدللت على مالك بالقرابة، والنكيثة: بلوغ الجهد، وقيل: النكيثة شدة

النفس، وقوله: (وجدِّك) أي وحظك، يخاطب مالكا ويقول: أدللت بما بيني وبينك من القرابة، ويحلف إنه متى يك أمر للنكيثة يشهد ذلك الأمر، ويعينه على حضوره، ويروى (وَجَدِّك إنه) والهاء للأمر والشأن. (وَإِنْ أُدْعَ فيِ الجُلَّي أَكُنْ مِنْ حُمَاتِهَا ... وَإِنْ يَأْتِكَ الاعْدَاءُ بِالجَهْدِ أَجْهَدِ) ويروى (وإن أدع للجلي) والجلي: الأمر العظيم الجليل، قال يعقوب: الجلي فعلى من الأجل كما تقول الأعظم والعظمى، وقال غيره: الجلي بضم الجيم مقصورة، فإذا فتحت جيمها مددت فقلت: الجلاء، أبو جعفر النحاس: الجلي الأمر الجليل، وأنثه على معنى القصة والحال، ويقال: جليل وجلال، كما يقال: طويل وطوال، وقولهم جلل للعظيم والصغير، قال أصحاب الغريب المحض: هما ضدان، وقال أهل النظر: جلل للعظيم على بابه وجلل للصغير على بابه من الجل وهو الشيء الذي لا يُعبأ به، ويجوز أن يكون جلل لما جاوز في العظم والصغر، وقالوا في قول الله عز وجل: (إِنَّ اللهَ لاَ يَستَحِي أن يَضْرِبَ مَثَلاَ مَا بَعُوضَةً فمَا فَوْقَهَا) أي فما فوقها في الصغر، ومعنى: (أكُنْ من حماتها) أي ممن يدفع ويقاتل، يقال: حميت الموضع؛ إذا دفعت عنه، وأحميته: جعلته ذا حمى، ووحميت أنفي محمية، إذا استنعت من الضيم. (وَإنْ يَقْذِفُوا بالقَذْعِ عِرْضَكَ أَسْقِهِمْ ... بِكَأْسِ حِيَاضِ المَوْتِ قَبْلَ التَّهَدُّدِ) ويروى (بشرب حياض الموت قبل التنجد) القَذْع والقَذَع: اللفظ

القبيح والشتم، والصحيح في العِرْضِ إنه النَّفْسُ كما قال: فإن أَبي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ محمدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ والمعنى: أن شتمك الأعداء عاقبتهم قبل أن أتهددهم، والتنجد: الاجتهاد فيمن رواه. (بِلاَ حَدَثٍ أَحْدَثْتُهُ وَكَمُحْدِثٍ ... هِجَائِي وَقَذْفِي بِالشَّكَاةِ وَمُطْرَدِي) الباء في (بلا حدث) يجوز أن تكون متعلقة بقوله: (ينأ عني) ويجوز أن تكون متصلة بقوله يلوم وبقوله أيأسنى، والكاف في (كمحدث) في موضع رفع، المعنى: هو كمحدث هجائي: أي هو متعد عليّ، ويجوز أن يكون المعنى: وأنا كمحدث هجائي، أي قد صيرتي بمنزلة من قد فُعِل هذا به، ومن روى (مُطردي) بضم الميم فهو من أطرده إذا جعله طريدا، ومن فتح الميم فهو من طرده إذا نحاه، ويروى (كمحدَثٍ) بفتح الدال؛ فمن كسر الدال أراد الرجل الذي هجاني كرجل أحدث حدثا عظيما، ومن فتح الدال أراد هجائي كأمر محدَث عظيم، قال الأصمعي: يقال هجأ غرثه، وأهجَأَ غَرَثَهُ، إذا كسره، والهجاء: الذم، يقال: فلانة تهجو زوجها، أي تذُمُّ صحبته، وقال في قوله (كمحدث)

بفتح الدال: أي كإحدَاثي شكايته إياي. (فَلَو كَانَ مَوْلاَيَ امْرَءاً هُوَ غَيْرُهُ ... لَفَرَّجَ كَرْبِي أو لأَنْظَرَنِي) ويروى (فلو كان مولاي ابن اصرم مسهر) ومولاي في موضع نصب خبر كان في هذه الرواية، وفي الرواية الأولى في موضع رفع اسم كان، ويجوز أن يروى (فلو كان مولاي امرُؤُ) على أن يكون امرؤ اسم كان ومولاي الخبر، ويكون مثل قوله: كَأَنَّ سَبِيئَةً مِنْ بَيْتِ ؤَأْسٍ ... يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُ إلا إنه في بيت طرفة أحسن؛ لأنه قد وصله بقوله هو غيره، فقارب المعرفة وقوله: (لفرَّج كربي) أي أعانني على ما نزل بي من الهم (أو لأنظرني غدى) أي تأنى عليَّ فلم يعجلني. (وَلَكِنَّ مَوْلاَي امْرْؤٌ هُوَ خَانِقِي ... عَلَى الشُّكْرِ وَالتَّسْآلِ أو أَنَا مُفْتَدِ) معناه يسألني أن أشكره وأفتدى منه بمالي، وقال الأصمعي: أو أنا مفتد منه، ويروى (أو أنا مُعتد) أي معتد عليه.

(وَظُلْمُ ذَوِي القُرْبى أَشَدُّ مَضَاضَةً ... عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّدِ) قيل: أن هذا البيت لعدى بن زيد العبادي، وليس من هذه القصيدة، وقوله (أشد مضاضة) أي أشد حُرقة من قولهم: مضني الشيء، وأمضني. (فَذَرْنِي وَخُلْقِي؛ إِنَّنِي لَكَ شَاكِرٌ ... وَلَوْ حَلَّ بَيْتِي نَائِياً عِنْدَ ضَرْغَدِ) ضرغد: اسم جبل، وقيل: هو حرة بأرض غطفان. (فَلَوْ شَاَء رَبِّي كُنْتُ قَيْسَ بْنَ خَالِدٍ ... وَلَوْ شَاَء رَبِّي كُنْتُ عَمْرو بْنَ مَرْثَدِ) قال أبو عبيدة: قيس بن خالد من بني شيبان، وعمرو بن مرثد: ابن عم طرفة، فلما بلغ هذا عمرو بن مرثد وجه إلى طرفة فقال له: أما الولد فالله يعطيكهم، وأما المال فسنجعلك فيه أسوتنا، فدعا ولده - وكانوا سبعة - فأمر كل واجحد فدفع إلى طرفة عشرا من الإبل، ثم أمر ثلاثة من بني بنيه فدفع كل واحد منهم إلى طرفة عشرا من الإبل، وكان الثلاثة الذين دفعوا إلى طرفة يفتخرون على من لم يدفع، ويقولون: جعلنا جَدُّنا بمنزلة بنيه. (فَأُلْفِيتُ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ، وَعَادَنِي ... بَنُونَ كِرَامٌ سَادَةٌ لمسَوَّدِ) ويروى (فأصبحت ذا مال) ابن كيسان يقال: عادني واعتادني، وزارني

وازدارني. وقوله (سادة لمسود) أي سادة أبناء سيد، كما يقال: شريف لشريف، أي شريف ابن شريف. (أَنَا الرَّجُلُ الضَّرْبُ الّذِي تَعْرِفُونَهُ ... خَشَاشٌ كَرَأْسِ الحَيَّةِ المُتَوَقِّدِ) الضَّرْبُ: الخفيف، ومن روى (الجعد) أراد المجتمع الشديد والخشاش: الرجل الذي ينخش في الأمور ذكاء ومضاء، وروى الأصمعي خِشاش بكسر الخاء، وقال: كل شيء خِشاش بالكسر إلا خَشاش الطير لخسيسه. وقوله (كرأس الحية) العرب تقول لكل متحرك نشيط: رأسه كرأس الحية، وأما الحديث الذي يروى في صفة الدجال (كأن رأسه أصلة) فإن الأصلة الأفعى، والمتوقد: الذكي، يقال: توقدت النار توقدا ووقدت تقد وقدانا ووقدا وقدة. (فَآلَيْتُ لاَ يَنْفَكُّ كَشْحِي بِطَانَةْ ... لِعَضْبٍ رَقِيقِ الشَّفْرَتَيْنِ مُهَنَّدِ) ويروى (لأبيض عضب) آليت: حلفت، ولا ينفك: لا يزال، والكشح: الجنب، ومعناه لا يزال جنبي لاصقا بالسيف، والعضب: السيف القاطع، وشفرتاه: حدَّاه، ومُهنَّد: منسوب إلى الهند. (حُسَامٍ إذا مَا قُمْتُ مُنْتَصِراً بِهِ ... كَفَى العَوْدَ مِنْهُ البَدْءُ لَيْسَ بِمِضْدِ) الحُسام: القاطع، وقوله (كفى العود) أي كفت الضربة الأولى من أن يعود، وقولهم (رجع عوده على بدئه) أي رجع ناقضا لمجيئه، وعوده منصوب لأنه في موضع الحال عند سيبويه، ويجوز أن يكون مفعولا، لأنه يقال: رجع

الشيء ورجعته، ويجوز (رجع عوده على بدئه) أي وهذه حاله، كما تقول: (كلمته فوه إلى فِيَّ) وإن شئت نصيته، والمعضد: الكال الذي يُعضد به الشجر، وقوله (منتصرا) معناه متابعا للضرب، ويقال: قد تناصر القوم على رؤية الهلال؛ إذا تتابعوا، ونصر الله أرض بني فلان؛ إذا جادها بالمطر، ويقال: منتصرا معناه ناصرا، وقيل: منتصرا أنتصر من ظلمي. (أَخِي ثِقَةٍ لاَ يَنْثَنِي عَنْ ضَرِيبَةٍ ... إذا قِيلَ مَهْلاً قَالَ حَاجِزُهُ قَدِي) أخي ثقة: أي يثق بسيفه، ومعنى (لا ينثني عن ضريبة) أي لا ينبو عنها ولا يعوج، والضريبة: المضروبة، وحاجزه: حده، وقول قد أي قد فرغ. (إذا ابْتَدَرَ القَوْمُ السِّلاَحَ وَجَدْتَنِي ... مَنِيعاً إذا بَلَّتْ بِقَائِمِهِ يَدِي) أي إذا عجلوا إليه وتبادروا، ومنه يقال: (ناقة بدرية) إذا كانت تبكر اللقاح وتنتج قبل الإبل، وذلك من فضل قوتها وجودتها، قال الراجز: لِسَالِمٍ أن سَكَتَ العَشِيَّهْ ... عَنِ البُكَاءِ نَاقَةٌ بَدْرِيَّهْ والسلاح يُذكَّر ويؤنث، ويروى (وجدتُني) بضم التاء، والمنيع: الذي لا يوصل إليه، ومعنى (بَلَّتْ) ظفرت وتمكنت، وقائم السيف: مقبضه. (وَبَرْكٍ هُجُودٍ قَدْ أَثَارَتْ مَخَافَتِي ... نَوَادِيَهَا أَمْشِي بِعَضْبٍ مُجَرَّدِ) البرك: جماعة إبل أهل الحواء، وقال أبو عبيدة: البرك يقع على جميع

ما يبرُكُ من الجمال والنوق على الماء وبالفلاة من حر الشمس أو الشبع، الواحد بارك، والأنثى باركة، وقيل لها برك لاجتماع مباركها، وبرك البعير إذا ألقى صدره على الأرض، يقال للصدر: برك وبركة، ويقال: أن البركة مشتقة من البرك؛ لأن معناها خير مقيم وسرور يدوم، وقولهم (مُبارك) معناه الخير يأتي بنزوله، و (تبارك الله) منه، ونواديها: ما ندَّ منها، ويروى (هواديها) وهو أوائلها، والهجود: النيام، وإنما خصَّ النوادي لأنه أراد: لا يفلت من عقري ما قرب وما شذّ، وأمشي: حال، أي قد أثارت مخافتي نوادي هذا البرك في حال مشي إليه بالسيف. (فَمَرَّتْ كَهَاةٌ ذَاتُ خَيْفٍ جُلاَلَة ... عَقِيلَةُ شَيْخٍ كَالْوَبِيلِ يَلَنْدَدِ) الكهاة: الضخمة المسنة، والخيف: جلد الضرع الأعلى الذي يُسمى الجراب، وناقة خيفاء: إذا كان ضرعها كبيرا، والجُلال والجليلة: العظيمة، والوبيل: العصا، وقيل: هي خشبة القصَّارين، وكل ثقيل وبيل، ومنه قوله عز وجل: (فَأَخَذْنَاهُ أَخَذاً وَبِيلاً)، واليلندد: الشديد الخصومة. (يَقُولُ وَقَدْ تَرَّ الوَظِيفُ وَسَاقُهَا: ... أَلَسْتَ تَرَى أن قَدْ أَتَيْتَ بِمُؤَْيِدِ؟) تر الوظيف: انقطع، وأتررته: قطعته، والوظيف: عظم الساق والذراع، والمؤيد: الداهية، ويروى (بُمويد) أي جئت بأمر شديد يُشدد فيه من عقرك هذه الناقة.

(وَقَالَ: أَلاَ مَاذَا تَرَوْنَ بِشَارِبٍ ... شَدِيدٍ عَلَيْنَا بَغْيُهُ مُتَعَمِّدِ؟) ويروى (سخطه متعيد) والمتعيد: الظلوم، قال الشاعر: يَرَى المُتَعَيِّدُونَ عَلَىَّ دُونِي ... أُسُودَ خَفِيَّةَ الغُلْبَ الرِّقَابَا وموضع (ماذا) نصب بترون، ويجوز أن يجعل (ما) في موضع رفع، ويكون التقدير: ما الذي ترونه بشارب. (فَقَالَ: ذَرُوهُ إنما نَفْعُهَا لَهُ ... وَإِلاَّ تَرُدُّوا قَاصِيَ البَرْكِ يَزْدَدِ) وروى أبو الحسن (فقالوا ذروه) وهو الصواب؛ لأن المعنى: وقال الشيخ يشكو طرفة إلى الناس، فقالوا - يعني الناس - ومن روى (فقال) فروايته بعيدة؛ لأنه يحتاج إلى تقدير فاعل، والهاء في قوله (ذَرُوهُ) تعود على طرفة، وكذلك في قوله (نفعُها لهُ) وقال أبو الحسن: الهاء في قوله (ذرُوهُ) تعود على طرفة، وفي قوله نفعها له على الشيخ، و (قاصي البرك) ما تباعد منه، والمعنى أنكم أن لم تردوه يزدد في عقره، ويروى (تزدد) - بالتاء - أي تزدد نفارا، أي ذروه لا تلتفتوا إليه، واطلبوا قاصي البرك لا يذهب على وجهه. (فَظَلَّ الإمَاءُ يَمْتَلِلْنَ حُوَارَهَا ... وَيُسْعَى عَلَيْنَا بِالسَّدِيفِ المُسَرْهَدِ) الإماء: الخدم، الواحدة أمه، وقد تجمع على إموان، والجمع السلم أموات، وحكى

الكوفيون أميات، و (يمتللن) أي يشتوين في الملة، وهي الرماد والتراب الحار، وقولهم (أطعمنا ملة) خطأ)؛ لأن الملة الرماد، ويحتمل أن يكون المراد أطعمنا خبز ملة، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، كقوله عز وجل: (واسْأَلِ القَرْيَةَ) والحوار: ولد الناقة، والسديف: شطائب السنام، الواحدة شطيبة، وهو ما قطع منه طولا، والمسرهد: الناعم الحسن الغذاء. (فإن مِتُّ فَانْعَيْنِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ ... وَشُقِّي عَلَىَّ الجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ) انعيني: أي اذكري من أفعالي ما أنا أهله، يقال: فلان ينعى على فلان ذنوبه، إذا كان يعددها عليه ويأخذه بها، المعنى: فإن مت من قصدي هذا، يخاطب ابنة أخيه. (وَلاَ تَجْعَلِينِي كَامْرِئٍ لَيْسَ هَمّهُ ... كَهَمِّي، وَلاَ يُغْنِي غَنَائِي وَمَشْهَدِي) أي لا يغني غناء مثل غنائي، أي لا يغني في الحرب غنائي ومشهدي في المجالس والخصومات. (بَطِيءٍ عَنِ الجُلَّي، سَرِيعٍ إلى الخَنَا ... ذَلِيلٍ بإجْمَاعِ الرِّجَالِ مُلَهَّدِ) ويروى (ذلول) والجلي: الأمر العظيم الذي يُدعى له ذوو الرأي، والخنا: الفساد في المنطق، والذليل: المقهور، وهو ضد العزيز، يقال: ذلَّ يذلُّ ذُلا فهو ذليل وذالّ، والذَّلُول: ضد الصعب، وإجماع: جمع جُمع، وهو ظهر الكف إذا جمعت أصابعك وضممتها، والملهد: المضروب وهو المدفَّع.

(فَلَوْ كْنْتُ وَغْلاً فيِ الرِّجَالِ لَضَرَّنِي ... عَدَاوَةُ ذِي الأصحاب وَالمُتَوَحِّدِ) الوغل: الضعيف الخامل الذي لا ذكر له والمتوحد: المنفرد. (وَلَكِنْ نَفَى عَنِّي الأعَادِيَ جُرْأَتِي ... لَمَيْهِمْ وَإِقْدَامِي وَصِدْقِي وَمَحْتِدِي) ويروى (ولكن نفى عني الرجال جراءتي) ويروى (ولكن نفى الأعداء عني جرأتي) والمحتد: الأصل يقول: محتدى وصدقي وجرأتي نفين عني إقدام الرجال وتسرع الأعداء إلى أن يقدموا عليَّ بالمساءة. (لَعَمْرُكَ مَا أَمْرِي عَلَىَّ بِغُمَّةٍ ... نَهَارِي، وَلاَ لَيْلِي عَلَىَّ بِسَرْمَدِ) الغمة: الأمر الذي لا يُهتدى له، والمعنى: إني لا أتحير في أمري نهارا، ولا أؤخره ليلا فيطول على الليل؛ لأن السرمد الطويل. (وَيَوْمًٍ حَبَسْتُ النَّفْسَ عِنْدَ عِرَاكِهِ ... حِفَاظاً عَلَى عَوْرَاتِهِ وَالتَّهَدُّدِ) ويروى (ويوم حبست حبست النفس عند عراكها) ويروى (حفاظا على روعاته) أصل العراك الازدحام، أي صبرت النفس عند ازدحام القوم في الحرب والخصومات على روعات اليوم، وهن فزعاته، ومن روى (على عوراته) فمعناه على مخافة العدو، قال الله عز وجل: (يَقُولُونَ أن بُيُرتَنَا عَوْرَة، ومَا هِيَ

بِعَوْرَةٍ) أي إنها حذاء العدو، والعورة: موضع المخافة، ومن روى (عند عراكه) أي عراك اليوم وهو علاجه، ومن روى (عند عراكها) أراد الحرب. (عَلَى مَوْطِن يَخْشَى الفَتَى عِنْدَهُ الرَّدَى ... مَتَى تَعْتَرِكْ فِيهِ الفَرَائِصُ تُرْعَدِ) الموطن هنا: مستقر الحرب، والردى: الهلاك، والفرائص: جمع فريصة، وهي المضغة التي تحت الثدي مما يلي الجنب عند مرجع الكتف، وهو أول ما يُرعد من الإنسان ومن كل دابة إذا فزع، و (على) تتعلق بقوله (حبست) في البيت الذي قبله. وروى أبو عمرو الشيباني - ولم يروه الأصمعي، ولا ابن الأعرابي - بيتا، وهو: (وَأَصْفَرَ مَضْبُوحٍ نَظرْتُ حِوَارَهُ ... عَلَى النَّارِ وَاسْتَوْدَعْتُهُ كَفَّ مُجْمِدِ) عنى بالأصفر قدحا، وإنما جعله أصفر لأنه من نبع أو سدر، والأصفر هنا الأسود، والمضبوح: الذي قد غيرته النار، والحوار: المرد، يقال: ما أدري ما حوار هذا الكلام، والحوار: مصدر حاورته، و (على النار) أي عند النار، وذلك في شدة البرد، كانوا يوقدون النيران، وينحرون الجزور، ويضربون عليها القداح، وأكثر ما يفعلون ذلك بالعشي عند مجيء الضيفان، وقوله (نظرتُ حواره) أي انتظرت فوزه (واستودعته كف مجمد) المجمد هنا: الذي يضرب بالسهام، والمجمد: الذي يأخذ بكلتا يديه ولا يخرج من يديه شيء، ويقال (أجمد الرجل)

معلقة زهير بن أبي سلمى المزني

إذا لم يكن عنده خير. (سَتُبْدِي لَكَ الأيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلاً ... وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تزَوِّدِ) أي ستظهر لك الأيام ما لم تكن تعلمه، ويأتيك بالخبر من لم تسأله عن ذلك ولم تزود. وروى جرير: (وَيَأْتِيكَ بِالأنْبَاء مَنْ لَمْ تَبِعْ لَهُ ... بَتَاتاً، وَلَمْ تَضْرِبْ لَهُ وَقْتَ مَوْعِدِ) تبع له بتاتاً: أي تشتر له زاداً. وأنشدوا بيتين، وقيل: إنهما لعذي بن زيد: (لَعَمْرُكَ مَا الأيَّامُ إِلاَّ مُعَارَةٌ ... فَمَا اسْطَعْتَ مِنْ مَعْرُوفِهَا فتَزَوَّدِ) (عَنِ المَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَأَبْصِرْ قَرِينَهُ ... فإن القَرِينَ بِالمُقَارِنِ يَقْتَدِي) معلقة زهير بن أبي سلمى المزني وقال زهير بن أبي سُلمى، وليس في العرب سُلمى بضم السين غيره، وأبو سلمى هو ربيعة بن رياح بن قرة بن الحارث بن مازن بن ثعلبة بن برد ابن لاطم بن عثمان بن مزينة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، وآل أبي سلمى حلفاء في بني عبد الله بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان ابن مضر. وكان ورد بن حابس العبسي قتل هرم بن ضمضم المري الذي يقول له عنترة: وَلَقَدّ خَشِيتُ بأَنْ أَمُوتَ وَلَم تَكُنْ ... لِلْحَرْبِ دَائِرَةٌ عَلَى ابْنَيْ ضَمْضَمِ قتله في حرب عبس وذبيان قبل الصلح، ثم اصطلح الناس، ولم يدخل

حصين بن ضمضم أخوه في الصلح، فحلف لا يغسل رأسه حتى يقتل ورد بن حابس أو رجلا من بني عبس ثم من بني غالب، ولم يُطلع على ذلك أحدا، وقد حمل الحمالة الحارث بن عوف بن أبي حارثة، وهرم بن سنان بن أبي حارثة، فأقبل رجل من بني عبس ثم أحد بني مخزوم حتى نزل بحُصين بن ضمضم، فقال: ممن أنت أيها الرجل؟ قال: عبسي، قال: من أي عبس؟ فلم يزل ينتسب حتى انتسب إلى غالب، فقتله حُصين، فبلغ ذلك الحارث بن عوف، وهرم بن سنان، فاشتد ذلك عليهما، وبلغ بني عبس فركبوا نحو الحارث، فلما بلغ الحارث ركوب بني عبس وما قد اشتد عليهم من قتل صاحبهم، وإنما أرادت بنو عبس أن يقتلوا الحارث، بعث إليهم بمائة من الإبل معها ابنه، وقال للرسول: قل لهم: اللبن أحب إليكم أم أنفسكم. وأقبل الرسول حتى قال لهم ما قال، فقال الربيع بن زياد: أن أخاكم قد أرسل إليكم: الإبل أحب إليكم أم ابنه تقتلونه؟ فقالوا ظك بل نأخذ الإبل، ونصالح قومنا، ويتم الصلح، فقال زهير يمدح الحارث بن عوف وهرم بن سنان: (أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَةٌ لم تَكَلَّمِ ... بِحَوْمَانَةِ الدَّرَّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ) التقدير أمن دمن أم أوفى دمنة، لأن من هاهنا للتبعيض، فأخرج الدمنة من الدمن (لم تكلم) أي لم تبين، والعرب تقول لكل ما بين من أثر وغيره (تكلم) أي ميز، فصار بمنزلة المتكلم، وروى أن بعض المتقدمين وقف على معاهد فقال: أين من شق أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك؟ ثم قال:

أن لم تتكلم حوارا، تكلمت اعتبارا، وقال أهل النظر في قول الله تعالى: (فَقَال لَهَا وَلْلأرْضِ ائتيِا طَوْعاً أو كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) إنه إنما كانت إرادة فكانت على ما أراد، والدمنة: آثار الناس وما سوَّدوا بالرماد وغيره، فإذا اسوَّد المكان قيل قد دمن، والدمن: البعر والسرجين، والحومانة: المكان الغليظ المنقاد، وقيل: الحومانة القطعة من الرمل، وجمعها الحومان والحوامين، والدراج بفتح الدال وضمها، وحومانة الدراج والمتثلم: موضعان بالعالية منقادان. (دِيَارٌ لَهَا بالرَّقْمَتَيْنِ كَأَنَّهَا ... مَرَاجِعُ وَشْمٍ فِي نَوَاشِرِ مِعْصَمِ) قال الأصمعي: الرقمتان إحداهما قرب المدينة، والأخرى قرب البصرة، ومعناه بينهما، وقال الكلابي: الرقمتان بين جُرثم وبين مطلع الشمس بأرض بني أسد، وهما أبرقان مختلطان بالحجارة والرمل، والرقمتان أيضا حذاء ساق الغرو؛ وساق الغرو جبل في أرض بني أسد، والرقمتان أيضا بشط فلج أرض بني حنظله، وقوله (مراجع وشم) يعني ما رجع وكرر، و (فلان يُرجِّع صوته) أي يكرره، والوشم: الخضرة التي تحدث من غرز الإبرة، والنواشر: عروق ظاهر الذراع، وقيل: النواشر عصب الذراع من باطنها وظاهرها،

والمعصم: موضع السوار شبه الآثار التي في الديار بمراجع الوشم، ويروى (ودار لها بالرقمتين). (بِهَا العِينُ وَالأرَْءامُ يَمْشِينَ خِلْفةً ... وَأَطْلاَؤُهَا يَنْهَضْن مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ) العين: البقر، واحدها أعين وعيناء، وقيل لها ذلك لكبر عيونها، والأصل أن يجمع على فُعل كأحمر وحمر، إلا أن العين كسرت لمجاورتها الياء والأرءام: الظباء، وأطلاؤها، الواحد طلا. والمجثم: الموضع الذي يُجثم فيه، أي يقام فيه وخلفه: فوج بعد فوج، وقيل: خلفة مختلفة هذه مقبله وهذه مدبرة وهذه صاعدة وهذه نازلة. و (خلفة) في موضع الحال بمعنى مختلفات. (وَقَفْتُ بِهَا مِنْ بَعْدِ عِشْرِينَ حِجَّةً ... فَلأَياً عَرَفْتُ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ) الحجة: السنة، يقال: حَجٌّ وحِجٌّ، فإذا جئت بالهاء كسرت لا غير، وقال أهل النظر بالأعراب: الحِجَّة السنة والحَجَّ الفعلة من الحج، واللأى:

البُطء، قالوا: المعنى فبعد لأي، كأنهم يُقدَّرونه على الحذف، والأجود أن يكون المعنى فعرفت الدار لأياً، يكون قوله (لأيا) في موضع الحال والمعنى مبطئا، فهذا بغير حذف. ومعنى البيت: أن عهدي بهذه الدار قد قدم حتى أشكلت على. (أَثَافِيَّ سُفْعاً فِي مُعَرَّسِ مِرْجَلٍ ... وَنُؤْياً كَجِذْمِ الحَوْضِ لَمْ يَتَثَلّمِ) الأثافي: الحجارة التي تُجعل عليها القدر، الواحدة أثفية، والسُّفع: السود، فأمل قوله تعالى: (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيةِ) فمعناه لنأخذا، يقال: سفعت بناصيته، إذا أخذت بها، والمعرَّس هنا: الموضع الذي يكون فيه المرجل، وكل موضع يُقام فيه يقال له مُعَرَّس، والمرجل: كل قدر يطبخ فيها من حجارة أو حديد أو خزف، وقيل: لا يكون المرجل إلا من حديد أو نحاس، والنؤى: حاجز يجعل حول الخباء يمنع من السيل، وجذم الحوض: بقيته، ومعنى قوله (لم يتثلم) أي قد ذهب أعلاه ولم يتثلم باقيه، ويروى (أثافي سُفعا) بتخفيف أثاف، والتخفيف أكثر - وإن كان الأصل التثقيل - لكثرة استعمالهم إياها، وقوله (أثافي سفعا) منصوب بقوله بعد توهمي أثافي سُفعا. ويروى (ونؤيا كجُدِّ الحوض) والجُدُّ: البئر العتيقة، والجُدّ: الطريق في الماء، ويقال للموضع الذي ترفأ فيه السفن (جَدِّ) ويقال له (جَدّة) أيضا. (فَلَمَّا عَرَفْتُ الدَّارَ قُلْتُ لِرَبْعِهَا: ... أَلاَ انِعَمْ صَبَاحاً أَيُّهَا الرَّبْعُ وَاسْلَمِ) الرَّبع: المنزل في الربيع، ثم كثر استعمالهم إياه حتى قيل لكل منزل

ربع، وقوله (ألا انعم صباحا) أي كن في نعمة، يدعو له أن لا يدرس، وروى الأصمعي (ألا عم صباحا) ومعناه انعم صباحا، وقال: هكذا تنشده عامة العرب وتقدير الفعل الماضي منه وعم يعم، ولا ينطق به، قال الفراء: وقد يتكلمون بالأفعال المستقبلة ولا يتكلمون بالماضي منها، فمن ذلك قولهم: عم صباحا، ولا يقولون وعم، ويقولون: ذر ذا، ودعه، ولا يقولون: ورته ولا ودعته، ويتكلمون بالفعل الماضي ولا يتكلمون بالمستقبل، فمن ذلك قولهم: عسيت أن أفعل ذاك، ولا يقولون أعسى ولا أعس ولا عاس، وكذلك يقولون لست أقوم، ولا يتكلمون منه بمستقبل ولا دائم، و (صباحا) منصوب على الظرف. (تَبَصَّرْ خَلِيلِي هَلْ تَرَى مِنْ ظَعَائِنٍ ... تَحَمَّلْنَ بِالعَلْيَاءِ مِنْ فَوْقِ جُرْثُمِ) الظعائن: النساء في الهوادج، واحدتها ظعينة، ويقال للمرأة وهي في بيتها ظعينة، وسميت ظعينة لأنها يُظعن بها، أي يسافر، وأكثر أهل اللغة يقول: لما كثر استعمالهم لهذا سموا المرأة ظعينة، وسموا الهودج ظعينة، وقال أبو الحسن ابن كيسان: هذا من الأسماء التي وضعت على شيئين إذا فارق أحدهما صاحبه لم يقع له ذلك الاسم ى يقال للمرأة ظعينة حتى تكون في الهودج، ولا يقال للهودج ظعينة حتى تكون فيه المرأة، كما يقال جنازة للميت إذا كان على النعش، ولا يقال للميت وحده جنازة، ولا للنعش وحده جنازة، وكما يقال للقدح الذي فيه الخمر كأس، ولا يقال للقدح وحده كأس، ولا للخمر وحدها كأس، وقال الأصمعي: من في قول (من ظعائن) زائدة،

يريد إنها زائدة للتوكيد، ويحتمل أن تكون غير زائدة وتكون للتبعيض، والعلياء: بلد، وجرثم: ماء لبني أسد. (جَعَلْنَ القَنَانَ عَنْ يَمِينٍ وَحَزْنَهُ ... وَكَمْ بِالقَنَانَ مِنْ مُحِلٍّ وَمُحْرِمِ؟) وروى الأصمعي (ومن بالقنان) والقنان: جبل لبني أسد، والحزن والحزم سواء، وهو الموضع الغليظ، والمحل: الذي ليست له ذمة تمنع ولا حُرمة؛ والمحرم: الذي له حرمة تمنع منه، هذا قول أكثر أهل اللغة، وقال أبو العباس محمد بن يزيد: المحل والمحرم هنا الداخلان في الأشهر الحرم وفي الأشهر التي ليست بحرم، يقال (أحرم) إذا دخل في الشهر الحرام، و (أحل) إذا خرج منه، و (قد حل من إحرامه يحل حلا فهو حلال) ولا يقال حال، و (قد أحرم بالحج يُحرم إحراما فهو مُحرم وحرام) والمعنى: كم بالقنان من عدو وصديق لنا؟ يقول: حملت نفسي في طلب هذه الظعن على شدة أمر بموضع فيه أعدائي لو ظفروا بي لهلكت. (وَعَالَيْنَ أَنْمَاطاً عِتَاقاً وَكِلَّةً ... وِرَادَ الحَوَاشِي لَوْنُهَا لَوْنُ عَنْدَمِ) وروى الأصمعي: عَلَوْنْ بِإَنْطَاكِيَّةٍ فَوْق عَقْمةِ ... وِرَادٍ حَوَاشِيهَا مُشَاكهَة الدَّمِ قوله: (وعالين) أي رفعن الأنماط والكلل على الإبل التي ركبها الظُّعُن، والعتاق: الكرام، والوراد: التي لونها إلى الحمرة، وأراد إنه أخلص الحاشية

بلون والحد لم يعملها بغير الحمرة. والأنطاكية: أنماط توضع على الخدور، نسبها إلى إنطاكية، وكل شيء جاء من الشام فهو عندهم أنطاكي، وعقمة جمع عقم، مثل شيخة وشيخ، والعقم: أن تظهر خيوط أحد النِّيرين فيعمل العامل به، وإذا أراد أن يشي بغير ذلك اللون لواه وغمضه وأظهر ما يريد عمله، والمشاكهة والمشابهة والمشاكلة سواء. (ظَهَرْنَ مِنَ السُّوبَانِ، ثُمَّ جَزَعْنَهُ ... عَلَى كُلِّ قَيْنِيٍّ قَشِيبٍ وَمُفْأَمِ) ظهرن: معناه خرجن منه، وجزعنه: قطعنه، ومعنى قوله: (ثم جزعنه) عرض لهن مرة أخرى فقطعنه، والسوبان: واد وقيني: منسوب إلى بني القين وقشيب: جديد، ومفأم: واسع، وأراد غبيطا، والغبيط يكون تحت الرحل والقتب تحت المتاع. (وَوَرَّكُنَ فيِ السُّوبَانِ يَعْلُونَ مَتْنَهُ ... عَلَيْهِنَّ دَلُّ النَّاعِمِ المُتَنَعِّمِ) وركن فيه: معناه ملن فيه، ويقال: وركت موضع كذا، ووركت الإبل موضع كذا، إذا خلفته وراء أوراكها، والمتن: ما غلظ من الأرض وارتفع، وقوله: (عليهن) معناه على الظعائن، والتقدير: ووركن في السوبان عاليات

متنه، أي في هذه الحال. (كَأَنَّ فُتَاتَ العِهْنِ فيِ كُلِّ مَنْزِلٍ ... نَزَلْنَ بِهِ حَبُّ الفَنَا لَمْ يُحَطَّمِ) ويروى (في كل موقف وقفن به) والعهن: الصوف المصبوغ، شبَّه ما تفتت من العهن الذي علق على الهودج إذا نزلن منه منزلا بحب الفنا، والفنا: شجر ثمره حب أحمر وفيه نقط سود، وقال الفراء: هو عنب الثعلب، وقوله: (لم يحطم) أراد أن حب الفنا صحيح؛ لأنه إذا كسر ظهر له لون غير الحمرة، وقال الأصمعي: العهن الصوف صُبغ أو لم يصبغ، وهو هنا المصبوغ. (بَكَرْنَ بُكُوراً واسْتَحَرْنَ بِسُحْرَةٍ ... فَهُنَّ وَوَادِي الرَّسِّ كَاليَدِ لِلْفَمِ) ويروى (فهن لوادي الرس كاليد للفم) والرس: ما ونخل لبني أسد، والرسيس حذاءه، ومعنى (كاليد للفم) أي لا يجاوزن هذا الوادي، أي لا يخطئنه كما لا تجاوز اليد الفم. (فَلَمَّا وَرَدْنَ المَاَء زُرْقاً جِمَامُهُ ... وَضَعْنَ عِصِىَّ الحَاضِرِ المُتَخَيِّمِ) يقال (ماء أزرق) إذا كان صافيا. وجمام: جمع جم وجمة، وهو الماء المجتمع، يقال: جم يجم جموما، ويسمى الماء نفسه جما. والحاضر: النازل على الماء، والمتخيم: المقيم، وأصله من تخيم إذا نصب الخيمة، ويقال (وضع عصاه)

إذا ترك السير، وعصي: جمع عصا، وكان يجب أن يقال: عصو، فأبدل من الواو ياء لأنها طرف ليس بينها وبين الضمة إلا حرف ساكن، والجمع باب تغيير، ثم كسرت الصاد من أجل الياء التي بعدها. وصف أنهن في أمن ومنعة، فإذا نزلن نزلن آمنات كنزول من هو في أهله ووطنه. ونصب (زرقا) على إنه حال للماء، وصلح أن يكون حالا له؛ لأنه قد عادت عليه الهاء في قوله (جمامه) ويرفع جمامه بقوله زرقا، ويكون المعنى يزرق جمامه، وجاز أن يقول زرقا وان كان بمعنى الفعل لأنه جمع مكسر فقد خالف الفعل من هذه الجهة كما تقل: هذا رجل كرام قومه، وكما قال: بَكَرْتُ عَلَيْهِ غُدْوَةً فَوَجَدْتُهُ ... قُعُوداً لَدَيْهِ بِالصَّرِيمِ عَوَاذِلُهْ ولو كان في غير الشعر لجاز أن يقول قاعدا. ومن روى (زرق جمامه) رفع زرقا على إنه خبر الابتداء، وينوي به التأخير، وجمامه مرفوع بالابتداء، والمعنى فلما وردن الماء جمامه زرق، ويجوز في غير الشعر (أزرق جمامه) لأنه بمعنى الفعل، يقال: أزرق جمامه كما تقول: أزرق جمامه، وجاز أزرق جمامه على أن التقدير جمامه أزرق، كما تقول: الجيش مُقبل. (وَفِيهِنَّ مَلْهىً لِلَّطِيفِ وَمَنْظَرٌ ... أَنِيقٌ لِعَيْنِ النَّاظِرِ المُتَوَسِّمِ) ملهى ولهو واحد، وهو في موضع رفع بالابتداء، وإن شئت بالصفة، واللطيف: المتلطف الذي ليس معه جفاء، وقيل: عنى باللطيف نفسه، أي يتطلف

في الوصول إليهن، و (أنيق) بمعنى مؤنق) أي معجب، والمتوسم: الناظر بتفرس، وقيل: المتوسم الطالب الوسامة وهي الحسن، وروى عن مجاهد إنه قال في قوله عز وجل: (وَالخَيْل المُسَوَّمَة)، قال: هي الحسنة، والمتوسم: المتثبت. (سَعَى سَاعِيَا غَيْظِ بْنِ مُرَّةَ بَعْدَمَا ... تَبَزَّلَ مَا بَيْنَ العَشِيرَةِ بِالدَّمِ) الساعيان: الحارث بن عوف، وهرم بن سنان، وقيل: الحارث ابن عوف، وخارجة بن سنان، سعيا في الديات، وقيل: معنى (سعيا) عملا عملا صالحا، وغيظ بن مرة من ولد عبد الله بن غطفان، ومعنى (تبزل) تشقق، وهذا تمثيل، أي كأن بينهم صلح فتشقق بالدم، فسعى ساعيا غيظ بن مرة فأصلحاه، ويقال: (تبزَّلَ الجرح) إذا تشقق فخرج ما فيه، و (تبزل جلدُ فلان) إذا عرق، و (بزل ناب البعير) أي موضع نابه، وذلك في السنة التاسعة. (فَأَقْسَمْتُ بِالبَيْتِ الذِي طَافَ حَوْلَهُ ... رِجَالٌ بَنَوْهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَجُرْهُمِ) يعني بالبيت الكعبة، وجرهم كانوا ولاة البيت قبل قريش، وبغوا بمكة، واستحلوا حرمتها، وأكلوا مال الكعبة الذي يُهدى لها، ثم لم يتناهوا حتى جعل الرجل منهم إذا لم يجد مكانا يزني فيه دخل الكعبة فزنى وكانت مكة لا بغي ولا ظلم فيها، ولا يستحل حرمتها ملك إلا هلك مكانه، فكانت تسمى الناسة وتسمى بكة؛ لأنها تُبك أعناق البغايا إذا بغوا فيها، وقيل: سميت الناسة لأن

أهلها كأنهم ينسون من العطش كما قال: وَبَلَدٍ تُمْسِي قَطَاهُ نُسَّسَا (يَميناً لَنِعْمَ السَّيِّدَانِ وُجِدْتُمَا ... عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ سَحِيلٍ وَمُبْرَمِ) أي نعم السيدان وجدتما حين تُفاجآن لأمر قد أبرمتماه وأمر لم تبرماه ولم تُحكماه، أي على كل حال من شدة الأمر وسهولته، وأصل السحيل والمبرم أن المبرم يفتل خيطين حتى يصير خيطا واحدا، والسحيل: خيط واحد لا يضم إليه آخر. (تَدَارَكْتُمَا عَبْساً وَذُِييْانَ بَعْدَمَا ... تَفَانَوْا وَدَقوا بَيْنَهُمْ عِطْرَ مَنْشَمِ) قالوا: منشم امرأة عطارة، فتحالف قوم، فأدخلوا أيديهم في عطرها ليتحرموا به، ثم خرجوا إلى الحرب، فقتلوا جميعا، فتشاءمت العرب بها، يقول: فصار هؤلاء بمنزلة أولئك في شدة الأمر، وقال أبو عمرو بن العلاء: عطر منشم إنما هو من التنشيم في الشر، ومنه قولهم (لما نشم الناس في عثمان) وقال أبو عبيدة: منشم اسم وضع لشدة الحرب، وليس ثم امرأة، كقولهم: جاءوا على بكرة أبيهم، وليس ثم بكرة، وقال أبو عمرو الشيباني: منشم امرأة من خزاعة كانت تبيع عطرا، فإذا حاربوا اشتروا منها كافورا لموتاهم، فتشاءموا بها، وقال ابن الكلبي: منشم: ابنة الوجيه الحميري.

(وَقَدْ قُلْتُمَا: أن نُدْرِكِ السَّلْمِ وَاسِعاً ... بِمَالٍ وَمَعْرُوفٍ مِنَ القَوْلِ نَسْلَمِ) ويروى (من الأمر نسلم) ومعنى واسع ممكن، يقول: نبذل فيه الأموال ونحث عليه، وقوله (نسلم) أي نسلم من الحرب، والسِلم) بكسر السين وفتحها: الصلح يذكر ويؤنث، قال الشاعر: فَلاَ تَضِيقَنَّ أن السِلَّم آمِنَةٌ ... مَلْسَاء لَيْسَ بِهَا وَعْثٌ وَلاَ ضِيقُ (فَأَصْبَحْتُمَا مِنْهَا عَلَى خَيْرِ مَوْطِنٍ ... بَعِيدَيْنِ فِيهَا مِنْ عُقُوقٍ وَمَأْثَمِ) منها: من الحرب، أي لم تركبا منها ما لا يحل لكما، ونصب (بعيدين) على الحال، وخبر أصبحتما (على خير) والعقوق: قطيعة الرحم. (عَظِيمَيْنِ فيِ عُلْيَا مَعَدٍّ هُدِيتُمَا ... وَمَنْ يَسْتَبِحْ كَنْزاُ مِنَ المَجْدِ يُعْظِمِ) عليا معد وعلياء معد: أرفعها، ويُعظِم: أي يأتي بأمر عظيم، ويَعظُم: يصير عظيما، ويُعظَم أي يُعظمه الناس. (وَأَصْبَحَ يُحْدَى فِيهِمُ مِنْ تِلاَدِكُمْ ... مَغَانِمُ شَتَّى مِنْ إِفَالٍ مُزَنَّمِ) ويروى (فأصبح يجرى فيهم من تلادكم) ويُحدى: يساق، والتلاد: ما ولد عندهم هذا اصله، ثم كثر استعمالهم إياه حتى قيل لملك الرجل كله: تلاده،

وشتى: متفرقة، يقول: صرتم تغرمون له من تلادكم، وقال: أبو جعفر: قوله (من تلادكم) معناه من كرم سعيكم الذي سعيتم له حتى جمعتم لهم الحمالة. ورواه. ورواه (من نتاج مزنم) والإفال: الفصلان، الواحد أفيل، والأنثى أفيلة، والتزنيم: علامة كانت تجعل على ضرب من الإبل كرام، وهو أن يُسحى ظاهر الأذن، أي تُقشر جلدته ثم تفتل فتبقى زنمة تنوس، أي تضطرب، وروى أبو عبيدة (من افال المزنم) قال: وهو فحل معروف. (تُعَفَّى الكُلُومُ بِالمِثِينَ، فَأَصْبَحَتْ ... يُنَجِّمُهَا مَنْ لَيْسَ فِيهَا بِمُجْرِمِ) تُعفى: أي تمحى الجراح بالمئين من الإبل، ويُنَجمها: يجعلونها نجوما، وقولهم (عفا الله عنك) أي محا عنك ذنوبك، واستعفى فلان من كذا: سأل أن لا يكون له فيه أثر، ويُنجمها: يجعل لأدائها وقتا، ومعنى قوله (ينجمها من ليس فيها بمجرم) أي يغرمها من لم يجرم ذنبا. (يُنَجِّمُهَا قَوْمٌ لِقَوْمٍ غَرَامَةً ... وَلَمْ يُهَرِيقُوا بَيْنَهُمْ مِلَْء مِحْجَمِ) ملء الشيء: مقدار ما يملأه، والملء: المصدر. وهذا البيت تفسير الذي قبله. (أَلاَ أَبْلِغِ الأَحْلاَفَ عَنِّي رِسَالَةً ... وَذُبِيْانَ هَلْ أَقْسَمْتُمُ كُلَّ مُقْسَمِ) الأحلاف: أسد وغطفان هنا، واحدهم حلف، وفلان حلف بني فلان؛ إذا منعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأن يكون معهم يدا على غيرهم، ويقال: ذُبيان وذِبيان، والضم اكثر، والأصل ذِبَّان، فأبدل من الباء ياء، كما قالوا تقصيت، ومعنى (هل أقسمتم كل مقسم) أي هل أقسمتم كل أقسام أنكم تفعلون

ما لا ينبغي، وروى الأصمعي (فمن مبلغ الأحلاف عنى) يريد مبلغ الأحلاف، على أن يحذف التنوين لالتقاء الساكنين، وحكى عن عمارة إنه قرأ (وَلاَ الليلُ سَابِقُ النّهَارَ). (فَلاَ تَكْتُمُنَّ اللهَ مَا فيِ صُدُورِكُمْ ... لَيخْفَى، وَمَهْمَا يُكْتَمِ اللهُ يَعْلمِ) ويروى (ما في نفوسكم) يقول: لا تكتموا الله ما صرتم إليه من الصلح، وتقولوا أنا لم نكن نحتاج إلى الصلح، وإنا لم نسترح من الحرب، فإن الله يعلم من ذلك ما تكتمونه، وقال أبو جعفر: معنى البيت لا تظهروا الصلح وفي أنفسكم أن تغدروا كما فعل حصين بن ضمضم إذ قتل ورد بن حابس بعد الصلح، أي صححوا الصلح. (يُؤَخّرْ فَيُوضَعْ فيِ كِتَاب فَيُدَّخَرْ ... لِيَوْمِ الحِسَابِ، أو يُعَجَّلْ فَيُنْقَمِ) أي لا تكتمن الله ما في نفوسكم فيؤخر ذلك إلى يوم الحساب فتحاسبوا به، أو يعجل في الدنيا لكم النقمة له، وقال بعض أهل اللغة: يؤخر بدل من يعلم، كما قال عز وجل: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ) وكما قال الشاعر: مَتَى تَأَتِنَا تُلْمِمْ بِنَا فيِ دِيَارِنَا ... تَجِدْ حَطَبَا جَزْلاَ وَنَاراً تَأَجَّجَا فأبدل تلمم من تأتنا، وأنكر بعض النحويين هذا، وقال: لا يشبه هذا قوله (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ) لأن مضاعفة العذاب هو لقي الأثام، وليس التأخير العلم، ألا ترى أنك تقول: أن تُعطني تحسن إلى أشكرك، فتبدل تحسن من تعطني؛ لأن العطية إحسان، ولا يجوز أن تقول: أن

تجئني تتكلم أكرمك، إلا على بدل الغلط؛ لأن التكلم ليس هو المجيء، وبدل الغلط لا يجوز أن يقع في الشعر. وأجاز سيبويه إسكان الفعل للشاعر إذا اضطر، برده إلى أصله، فيجوز على مذهب سيبويه أن يكون قوله: (يؤخر) مردودا إلى أصل الأفعال، وقال بعض النحويين (يؤخر) جواب النهي. والمعنى فلا تكتمن الله ما في نفوسكم يؤخر، وأجاز (لا تضرب زيدا يضربك). (وَمَا الحَرْبُ إِلاَّ مَا عَلِمْتُم وَذُقْتُمُ ... وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالحَدِيثِ المُرَجَّمِ) يقول: ما الحرب إلا ما جربتم وذقتموه؛ فإياكم أن تعودوا إلى مثلها، وقوله (وما هو عنها) أي ما العلم عنها بالحديث، أي ما الخبر عنها بحديث يرجم فيه بالظن، فقوله (هو) كناية عن العلم؛ لأنه لما قال (إلا ما علمتم) دل على العلم. قال الله تعالى: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلًونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) المعنى إنه لما قال (يبخلون) دل على البُخل، كقولهم: من كذب كان شرا له، أي كان الكذب شرا له، والمرجم: الذي ليس بمستيقن. (مَتَى تَبْعَثُوهَا تَبْعَثُوهَا ذَمِيمَةً ... وَتَضْرَ - إذا ضَرَّيْتُمُوهَا - فَتُضْرَمِ) تبعثوها: تثيروها، وذميمة: مذمومة، وقال بعض أهل اللغة: فعيل إذا كان بمعنى مفعول كان بغير هاء كقولك (قتيل) بمعنى مقول، وهذا إنما يقع للمؤنث بغير هاء إذا تقدم الاسم كقولك: مررت بامرأة قتيل، أي مقتولة، فإن قلت (مررت بقتيلة) لم يجز حذف الهاء، لأنه لا يعرف إنه مؤنث، ويروى (دميمه) أي حقيرة، و (تضر) تُعود وتدرب، يقال: ضرى ضراوة، ومعنى (تُضرم)

تُشعل. (فَتَعْرُكُكُمْ عَرْكَ الرَّحَى بِثِفَالِهَا ... وَتَلْقَحْ كِشَافاً، ثُمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِمِ) الثفال: جلد يجعل تحت الرحى، وأراد عرك الرحى ومعها ثفالها، أي عرك الرحى طاحنة، قال الله عز وجل: (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) المعنى ومعها الدهن، كما تقول: جاء فلان بالسيف، أي ومعه السيف، ويقال: لقحت الناقة كشافا؛ إذا حمل عليها كل عام، وذلك أردأ النتاج، والمحمود عندهم أن يحمل عليها سنة، وتجم سنة، ويقال (ناقة كشوف) إذا حمل عليها كل سنة، وإنما شبه الحرب بالناقة لأنه جعل ما يحلب منها من الدماء بمنزلة ما يحلب من الناقة من اللبن، وقيل: شبه الحرب بالنقاة إذا حملت ثم أرضعت ثم فطمت لأن هذه الحرب تطول، وهو أشبه بالمعنى، وتتئم: تأتي بتوأمين الذكر توأم والأنثى توأمة، وقيل في قوله (كشافا) أي يعجل عليكم أمرها بلا وقت ويقال (أكشف القوم) إذا فعل بإبلهم ذلك. (فَتُنْتَجْ لَكْمْ غِلْمَانَ أَشْأَمَ كُلُّهُمْ ... كَأَحَمرِ عَادٍ، ثُمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ) يقال: نُتِجَتِ الناقة تُنتج، ولا يقال نَتَجَتْ، وأنتجت، إذا استبان حملها، فهي نتوج، ولا يقال منتج، وهو القياس، و (أشأم) فيه قولان: أحدهما إنه بمعنى المصدر كأنه قال غلمان شؤم، وأشأم هو الشؤم بعينه، يقال: كانت لهم بأشأم، يريد بشؤم، فلما جعل أفعل مصدرا لم يحتج إلى من، ولو كان أفعل غير مصدر لم يكن له بد مِنْ مِنْ، والقول الآخر: أن يكون المعنى غلمان امرئ أشأَم، أي

مشئوم، وكلهم: مرفوع بالابتداء، ولا يجوز أن يكون توكيدا لأشأم ولا لغلمان؛ لأنهما نكرتان، والنكرة لا تؤكد، وما بعد (كلهم) خبر المبتدأ، كأنه قال: كلهم مثل أحمر عاد، و (أحمر عاد) يريد عاقر الناقة واسمه قُدار، وقال الأصمعي: أخطأ زهير في هذا؛ لأن عاقر الناقة ليس من عاد، وإنما هو من ثمود فغلط فجعله من عاد، وقال أبو العباس محمد بن يزيد: هذا ليس بغلط؛ لأن ثمود يقال لها عاد الأخيرة، ويقال لقوم هود: عاد الأولى، والدليل على هذا قوله تعالى: (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادا الأولَى). (فَتُغْلِلْ لَكُمْ مَا لاَ تُغِلُّ لأهْلِهَا ... قُرًى بِالعِرَاقِ مِنْ قَفِيز وَدِرْهَمِ) قال الأصمعي: يريد إنها تغل لهم دما وما يكرهون، وليست تغل لهم ما تغل قُرى العراق من قفيز ودرهم، وقال يعقوب: هذا تهكم وهزء، يقول: لا يأتيكم منها ما تسرون به مثل ما يأتي أهل القرى من الطعام والدراهم، ولكن غلة هذا عليكم ما تكرهون، وقال أبو جعفر: معناه أنكم تقتلون وتحمل إليكم ديات قومكم فافرحوا فهذه لكم غلة. (لِحَيٍّ حِلاَلٍ يَعْصِمُ النَّاسَ أَمْرُهُمْ ... إذا طَرَقَتْ إِحْدَى اللَّيَالِي بِمُعْظَمِ) الحلال: الكثير، والحلة: مائتا بيت، وقيل: حي حلال إذا نزل بعضهم قريبا من بعض، واللام في قوله (لحي) متعلقة بقوله: (سعى ساعيا غيظ بن مرة، لحى حلال) وقيل: المعنى اذكر هذا لحى حلال، أي هذه الإبل التي تؤخذ

في الدية لحى كثير، وإنما أراد أن يكثرهم ليكثر العقل، وقوله (يعصم الناس أمرهم) معناه إذا ائتمروا أمرا كان عصمة للناس، وطرقت: أتت ليلا، ومعنى (يعصم) يمنع. (كِرَامٍ؛ فَلاَ ذُو الضِّغْنِ يُدْرِكُ تَبْلَهُ، ... وَلاَ الجَارِمُ الجَانِي عَلَيْهِمْ بِمُسْلَمِ) ويروى (فلا ذو التبل يدرك تبله لديهم، ولا الجاني عليهم بمسلم) والتبل: الثأر، والجارم: الذي أتى بالجرم وهو الذنب، ويقال: جرم، وأجرم، وأجرم أفصح، ويقال: جرم الشيء؛ إذا حق وئبت، كما قال: وَلَقَدْ طَعَنْتُ أَبَا عُسَسْنَةَ طَعْنَةً ... جَرَمَتْ فَزَارَةُ بَعْدَهَا أن يَغْضَبُوا وقال الله عز وجل: (لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأخْسَرُونَ) أي حق ذلك. (رَعَوْا مَا رَعَوْا مِنْ ظِمْئِهِمْ، ثُمَّ أَوْرَ دُوا ... غِمَاراً تَفَرَّى بِالسِّلاَحِ وَبِالدَّمِ) الظمء في الأصل: العطش، وهو هاهنا ما بين الشربتين، وإنما يريد انهم تركوا الحرب مدة ثم رجعوا فحاربوا، ألا تراه قال (أوردوا غمارا) والغمار: جمع غمر، وهو الماء الكثير، و (تفرى) تكشف وتفتح، وأصله تتفرَّى، ويروى: رَعَوْا ظِمْأَهم حتى إذا تَمَّ أوردوا (فَقَضَّوْا مَنَايَا بَيْنَهُمْ، ثُمَّ أَصْدَرُوا ... إلى كَلإَ مُسْتَوْبَلٍ مُتَوَخِّمِ) الكلأ: العشب، والمستوبل: المستثقل، والمتوخم مثله، ومعنى قوله (ثم أصدروا إلى كلإ) أي إلى أمر استوخموا عاقبته، وهذا مثل.

(لَعَمْرِي لَنِعْمَ الحَيُّ جَرَّ عَلَيْهِمُ ... بِمَا لاَ يُوَاتيهِمْ حُصَيْنُ بْنُ ضَمْضَمِ) (لعمري) في موضع رفع بالابتداء، والخبر محذوف، كأنه قال: لعمري الذي أقسم به، و (جر عليهم): بمعنى جنى عليهم، من الجريرة، وقوله (بما لا يُواتيهم) أي بما لا يوافقهم، ويروى (بما لا يماليهم حصين بن ضمضم) أي يمالئهم عليه، والممالأة: المتابعة، وكان حصين من بني مرة أبى أن يدخل في صلحهم، فلما اجتمعوا للصلح شد على رجل منهم فقتله. (وَكَانَ طَوَى كَشْحاً عَلَى مُسْتَكِنَّةٍ ... فَلاَ هُوَ أَبْدَاهَا وَلَمْ يَتَقَدَّمِ) الكشح: الجنب، ومعناه كان طوت كشحه على فعلة، أكنها في نفسه فلم يظهرها، ويروى (ولم يتجمجم) أي ولم يدع التقدم على ما أضمر، وكان هرم بن ضمضم قتله ورد بن حابس، فقتله أخوه حصين به، والمستكنة: الغدرة، وقوله (وكان طوى كشحا) قال أبو العباس: هذا بإضمار قد، والمعنى وكان قد طوى كشحا؛ لأن (كان) فعل ماض فلا يخبر عنها إلا باسم أو بما ضارع الاسم، وأيضا فانه لا يجوز (كان زيد قام) لأن قولك زيد قام يغنيك عن كان، وخالفه أصحابه في هذا فقالوا: الفعل الماضي قد ضارع ايضا؛ فهو يقع خبرا لكان كما يقع الاسم والفعل المستقبل، فأما قوله (إن قولك زيد قام يغني عن كان) فإنه إنما جيء بكان لتؤكد أن الفعل لما

مضى، وقوله (على مستكنة) أي على حالة مستكنة، وقوله (فلا هو أبداها) المعنى فلم يُبدها: أي لم يظهرها، وقال الله عز وجل: (فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلّى) أي لم يصدق ولم يصل، ولا يجيز النحويون (ضربت زيداً لا ضربت عمراً) لئلا يشبه الثاني الدعاء، ولا يجوز أن يكون المعنى ضربت زيداً لم أضرب عمراً؛ لأن هذا إنما يكون إذا كان في الكلام دليل عليه، كما قال الله عز وجل: (وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلّى) فمجيء لكن يدل على أن لا في قوله: (فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلّى) بمعنى لم يصدق ولم يصل. (وَقَالَ: سَأَقْضِي حَاجَتِي ثُمَّ أَتَّقِي ... عَدُوِّي بِأَلْفٍ مِنْ وَرَائِيَ مُلْجِمِ) يروى (مُلْجَم) و (مُلْجِم) من روى مُلْجَم بفتح الجيم أراد بألف فرس ملجم، ومن روى ملجِم بكسر الجيم أي بألف فارس ملجِم، والملجِم: نعت الألف، والألف مذكر، فإن رأيته في شعر مؤنثا فإنما يذهب بتأنيثه إلى تأنيث الجمع، وحاجته: قتل ورد بن حابس. (فَشَدَّ وَلَمْ يُنْظِرْ بُيُوتاً كَثِيرَةً ... لدَى حَيثُ أَلْقَتْ رَحْلَهَا أُمُّ قَشْعَمِ) يُنظر: يؤخر، ويروى (ولم تفزع بيوت كثيرة) أي لم يفزع أهل بيوت، ثم حذف، يقول: شد على عدوه وحده فقتله، ولم يفزع العامة بطلب واحد، وإنما قصد لثأره، وقيل: معنى (ولم تفزع بيوت كثيرة) أي لم يعلموا به، قال أبو جعفر: قوله (ولم ينظر بيوتا كثيرة) معناه لم يؤخر أهل بيت ورد في قتله،

لكنه عجل فقتله، ومن روى (ولم تفزع بيوت كثيرة) أراد إنه لم يستعن عليه بأحد، وموضع (حيث) جر بلدي، وأم قشعم وقشعم قيل: هي المنية، وقيل: هي الحرب، ألا ترى إلى قوله (حيث ألقت رحلها) أي موضع شدة الأمر، وقال أبو عبيدة: أم قشعم العنكبوت، والمعنى فشد على صاحب ثأره بمضيعة من الأرض، وقشعم فعلم، الميم زائدة، هو من قشعت الريح التراب فانقشع، وأقشع القوم عن الشيء، وتقشعوا؛ إذا تفرقوا عنه وتركوه. (لَدَى أَسَدٍ شَاكِي السِّلاَحِ مُقَاذِفٍ ... لَهُ لِبَدٌ أَظْفَارُهُ لم تُقَلّمِ) ويروى (مُقذف) وهو الغليظ اللحم، ومقاذف: مرام، واللبد: جمع لبدة، وهي الشعر المتراكب على زبرة الأسد، وهو ما بين الكتفين من الشعر قد تلبد عليه، وقوله (أظفاره لم تقلم) معناه إنه تام السلاح حديده واللفظ للأسد، والمراد به الجيش، و (شاكي السلاح) معناه سلاحه ذو شوكة وأصل (شاكي) شائك، فقلب كقولهم (جرف هار) أي هائر هذا هو القلب الصحيح عند البصريين، فأما ما يسميه الكوفيون القلب نحو جذب وجبذ فليس بقلب عند البصريين، إنما هما لغتان، وليس بمنزلة شاك وشائك، وإنما يصف شدة الحرب. (جَرِيءٍ مَتَى يُظْلَمْ يُعَاقِبْ بِظُلْمِهِ ... سَرِيعاً، وإِلاّ بِالظُّلْمِ يَظْلِمِ) ويروى (جريء) أي هو جريء، يعني الأسد، ومعناه أن هذا الجيش

متى يكن له ترة في قوم طلبها، وإن لم يكن له ترة وتر. و (يظلم) مجزوم بالشرط)، و (يعاقب) جوابه، و (سريعا) يجوز أن يكون منصوبا على الحال، وان يكون نعتا لمصدر محذوف، كأنه قال: يعاقب عقابا سريعا، وقوله (وإلا يُبد بالظلم يظلم) الأصل فيه الهمز من بدأ يبدأ، إلا إنه لما اضطر أبدل من الهمزة ألفا، ثم حذف الألف للجزم، وهذا من أقبح الضرورات. وحكى عن سيبويه أن أبا زيد قال قد: من العرب من يقول (قريت) في قرأت، فقال سيبويه: فكيف أقول في المستقبل؟ قال: تقول أقرا، فقال سيبويه: كان يجب أن تقول أقرى حتى يكون مثل رميت أرمى، وإنما أنكر سيبويه هذا لأنه إنما يجيء فعلت أفعل إذا كانت لام الفعل أو عينه من حروف الحلق، ولا يكاد يكون هذا في الألف، إلا أنهم قد حكوا (أبي يأبي) فجاء على فعل يفعل، قال أبو إسحاق: قال إسماعيل بن إسحاق: إنما جاء هذا في الألف لمضارعتها حروف الحلق، شُبهت بالهمزة، يعني فشبهت بقولهم قرأ يقرأ وما أشبهه. (لَعَمْرُكَ مَا جَرَّتْ عَلَيْهِمْ رِمَاحُهُمْ ... دَمَ ابْنِ نَهِيكٍ، أو قَتِيلِ المُثَلّمِ) ويروى (أو دم ابن المهزم) وجرت: جنت، من الجريرة، يقول: ما حملوا دم ابن نهيك ودم ابن المهزم؛ لأن رماحهم كانت حرت عليهم، ولكنهم تبرعوا بذلك ليصلح ما بين عشيرتهم، وقال أبو جعفر: المعنى أن هؤلاء قتلوا قبل هذه الحرب، فلما شملتهم هذه الحرب ادخلوا كل قتيل كلن لهم في هذه

الحرب فطلبوا بهم حمالات وقودا حتى اصطلحوا. (وَلاَ شَارَكَتْ فِي الحَرْبِ فِي دَمِ نَوْفَلٍ ... وَلاَ وَهَبٍ فِيهَا، وَلاَ ابْنِ المُخَزَّمِ) روى يعقوب وجماعة من الرواة (المحزم) بالحاء غير معجمة، وروى أبو جعفر (المخزم) بالخاء معجمة، وفاعل شاركت مضمر فيه من ذكر الرماح، ويروى (ولا شاركت في الموت). (فَكُلاًّ أَرَاهُمْ أَصْبَحُوا يَعْقِلُونَهُ ... عُلاَلَةَ أَلْفٍ بَعْدَ أَلْفٍ مُصَتَّمِ) يعقلونه: أي يؤدون عقله أي ديته، والعلالة: الزيادة هنا، وأصله من العلل وهو الشرب الثاني، كأنه فاضل عن الشرب الأول، والعرب تقول: عرضت عليه عرض عالة، وفعالة تكون للشيء اليسير نحو القلامة وما أشبهها، والمصتم: التام، ويروى (صحيحات ألف) وكلاَّ: منصوب بإضمار فعل يفسره ما بعده، كأنه قال: فأرى كلا، ويجوز الرفع على أن لا يضمر، إلا أن النصب أجود لتعطف فعلا على فعل؛ لأن قبله (ولا شاركت في الحرب) فصار كقوله: أَصْبَحْتُ لاَ أَحْمِلُ السِّلاَحَ، وَلاَ ... أَمْلِكُ رَأْسَ البَعِيرِ أن نَفَرَا وَالذِّئْبَ أَخْشَاهُ أن مَرَرْتُ بِهِ ... وَحْدِي، وَأَخْشَى الرِّيَاحَ وَالمَطَرَا (ومَنْ يَعْصِ أَطْرَافَ الزِّجَاجِ فَإِنَّهُ ... مُطِيعُ العَوَالِي رُكِّبَتْ كُلِّ لَهْذَمِ) ويروى (يطيع العوالي) والزجاج: جمع زُجّ، وهو أسفل الرمح، والعوالي: جمع عالية، وهي أعلى الرمح، واللهذم: الحاد، وهذا تمثيل، أي من لا يقبل الأمر الصغير يضطره إلى أن يقبل الأمر الكبير، وقال أبو عبيدة: معنى هذا أن من لا يقبل الصلح وهو الزج الذي لا يقاتل به فإنه يطيع الحرب وهو السنان الذي

يقاتل به. (وَمَنْ يُوفِ لاَ يُذْمَمْ، وَمَنْ يُفْضِ قَلْبًهُ ... إلى مُطْمَئِنِّ البِرِّ لاَ يَتَجَمْجَمِ) يقال: وفى، وأوفى أكثر، وقوله (ومن يُفض قلبه) أي بصير، ومطمئن البر: خالصه، ولا يتجمجم: أي لا يتردد في الصُّلح. ويوف: مجزوم بالشرط، والجواب قوله (لا يُذمم) ولم تفصل لا بين الشرط وجوابه كما لم تفصل بين النعت والمنعوت في قولك: مررت برجل لا جالس ولا قائم، وإنما خصت لا بهذا لأنها تزاد للتوكيد كما قال عز وجل: (مَا مَنَعَكَ أن لاَ تَسْجُدَ) المعنى أن تسجد. (وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ المنَايَا يَنَلْنَهُ ... وَلَوْ رَامَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلمِ) ويروى: وَمَنْ يَبْغ أَطْرَاف الرِّمَاحِ يَنَلْنَهُ ... وَلَوْ رَامَ أن يَرْقَى السَّمَاَء بِسُلّمِ يقول: من تعرض للرماح نالته، ورام: معناه حاول، والأسباب: النواحي، وإنما عنى بها من يهاب كراهة أن تناله؛ لأن المنايا تنال من يهابها ومن لا يهابها، ونظير هذا قوله عز وجل: (قُلْ إن المَوْتَ الّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ) والموت يلاقي من فر ومن لم يفر، فيقال: كيف خوطبوا بهذا وأنت إذا قلت

(الذي يجيئك فأكرمه) فإنما يقع الإكرام من أجل المجيء، فالجواب عن هذا إنه عنى به من يفر لئلا يلاقيه الموت، وهذا معنى قول سيبويه. (وَمَنْ يَكُ ذَا فَضْلِ فَيَبْخَلْ بِفَضْلِهِ ... عَلَى قَوْمِهِ يُسْتَغْنَ عَنْهُ وَيذْمَمِ) يك: مجزوم بالشرط، وحذف النون - والأصل يكن - لكثرة الاستعمال وأنها مضارعة لحروف المد واللين، ألا تراها تحذف في التثنية والجمع كما تحذف حروف المد واللين في قولك: لم يضربا، ولم يضربوا، فكذلك حذفت في قوله: (ومن يك ذا فضل) وقوله (فيبخل بفضله) معطوف على يك، والجوابي في قوله (يستغن عنه). و (يذمم) معطوف عليه. (وَمَنْ لاَ يَزَلْ يَسْتَرْحِلُ النَّاسَ نَفْسَهُ ... وَلاَ يُعْفِهَا يَوْماً مِنَ الذُّلِّ يَنْدَمِ) ويروى (ومن لا يزل يستحمل الناس نفسه) فمن روى يسترحل أراد يجعل نفسه كالراحلة للناس يركبونه ويذمونه، ومن رواه يستحمل أراد يحمل الناس على عيبه، قال المازني: قال لي أبو زيد: قرأت هذه القصيدة على أبي عمرو بن العلاء، فقال لي: قرأت هذه القصيدة منذ خمسين سنة، فلما اسمع هذا البيت إلا منك. (وَمَنْ يَغْتَرِبْ يَحْسَبْ عَدُوًّا صَدِيقَهُ ... وَمَنْ لاَ يُكَرِّمْ نَفْسَهُ لَمْ يُكَرَّمِ)

يغترب: يُبعد عن قومه، يقال. رجل غريب وغُرُب، ورجل جانب وجنيب، ويقال: غريب أجنبي، ومعناه تضطره الحاجة إلى البعيد منه. (وَمَنْ لاَ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاَحِهِ ... يُهَدَّمْ، وَمَنْ لاَ يَظْلِمِ النَّاسَ يُظْلَمِ) يذُد: يدفع ويطرد، قيل: المعنى من لا يمنع عن عشيرته يذل، قال الأصمعي: من ملأ حوضه ثم لم يمنع منه غُشى وهُدم، وهو تمثيل، أي من لأن للناس ظلموه واستضاموه (وَمَنْ لاَ يُصَانِعْ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ ... يُضَرَّسْ بِأَنْيَابٍ وَيُوطَأْ بِمَنْسِمِ) يصانع: يترفق ويُدار، ويُضرس: يُمضغ بضرس، ويوطأ بمنسم: معناه يدل. (وَمَنْ يَجَعَلِ المَعْرُوفَ مِنْ دَونِ عِرْضِهِ ... يَفِرْهُ، وَمَنْ لاَ يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ) بفره: أي يتمه ولا ينقصه، يقال: وفرته أفره وفارة ووفرا وفرة. (سَئِمْتُ تَكَالِيفَ الحَيَاةِ، وَمَنْ يَعِشْ ... ثَمَانِينَ حَوْلاً - لاَ أَبَا لَكَ - يَسْأَمِ)

يقال: علىَّ في هذا الأمر تكلفة، أي مشقة، أي سئمت ما تجيء به الحياة من المشقة، يقال: سئم سآمة وسأمة ورأف رآفة ورأفة وكئابة وكأبة، واللام في (لا أبا لك) زائدة، والتقدير: لا أباك، ولولا أنها زائدة لكان لا أب لك؛ لأن الألف إنما تثبت مع الإضافة، والخبر محذوف، والتقدير: لا أباك موجود، أو بالحضرة. (رَأَيْتُ المَنَايَا خَبْطَ عَشْوَاَء؛ مَنْ تُصِبْ ... تُمِتْهُ، وَمَنْ تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ) الخبط: ضرب اليدين والرجلين، وإنما يريد أن المنايا تأتي على غير قصد، وليس كما قال؛ لأنها تأتى بقضاء وقدر، ويقال: عشا يعشو، إذا أتى على غير قصد كأنه يمشي مشية الأعشى. (وَمَهْمَ تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ ... وَلَوْ خَالَهَا تَخْفَي عَلَى النَّاسِ تُعْلَمِ) الخليفة والطبيعة واحد، قال الخليل: مهما أصله ماما، فما الأولى للشرط، والثانية للتوكيد، فاستقبحوا الجمع بينهما ولفظهما واحد، فأبدلوا من الألف هاء. (وَأَعْلَمُ مَا فِي اليَوْمِ وَالأمْسِ قَبْلَهُ وَلَكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِ)

معلقة لبيد بن ربيعة العامري

أي أعلم ما مضى في أمس، وما أنا في اليوم؛ لأنه شيء قد رأيته فأما ما في غد فلا علم لي به؛ لأني لم أره. معلقة لبيد بن ربيعة العامري وقال لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن معد بن عدنان، وكان يكنى أبا عقيل: (عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا ... بِمِنًى تَأَبَّدَ غَوْلُهَا فَرِجَمُهَا) الأول من الكامل، والقافية متدارك. عفت: درست، وتأبد: توحَّش، أبدت الدار تأبد أبودا وتأبدت تأبدا إذا توحشت، والأوابد: الوحش، واحدها آبدة، ومنه أوابد الشعر المشار إليه بالجودة، والمحل: حيث يحل القوم من الدار، والمقام: حيث طال مكثهم فيه، وكذلك المصدر المقام من الإقامة، فإن كان من قام فالموضع والمصدر جميعا مقام بفتح الميم، ومحلُّها: بدل من الديار، ومنى: موضع قريب من طخفة بالحمى، والحمى حمى

ضرية، وقال: المراد منى مكة، وهي تؤنث وتذكر، فمن أنث لم يصرفها، ومن ذكر صرفها، وسميت منى لأن آدم لما انتهى إليها قيل له: تمن، قال: أتمنى الجنة، وقيل: سميت منى لما يُمنى فيها من الدم، وقيل: لما يُمنى فيها من ثواب الله، والغول والرجام: بنفس الحمى، وقال بعض الرواة: الغول والرجام جبلان، وقيل: الغول ماء معروف، والرجام: الهضاب واحدتها رجمة، والرجام في غير هذا: حجارة تجمع تجعل أنصابا ينسكون عندها ويطوفون بها، واحدتها أيضا رجمة. (فَمَدَافِعُ الرَّيَّانِ عُرِّىَ رَسْمُهَا ... خَلَقاً كَمَا ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلاَمُهَا) المدافع: مجاري الماء، وهو التلاع، والريان: واد بالحمى، ويروى (فصدائر الريان) وهو ما صدر من الوادي، وهو أعلاه (عُرى رسمها خلقا) أي ارتحل عنه فعُري بعد أن أخلق لسكونهم إياه (كما ضمن الوحي سلامها) الوحي: جمع وحي، وهو الكتاب، والمعنى: أن آثار هذه المنازل كأنها كتاب في حجارة؛ لأنه لا يتبين من بعيد، لأن نقشه ليس بشيء مخالف للونه، فإنما يتبين لمن يقرب

منه، والسِّلام: الحجارة، الواحدة سلمة، و (خلقا) منصوب على الحال من الرسم، والكاف منصوبة بعُرى، وما: مصدرية، ويروى (كما ضمن الوَحي) بفتح الواو، وأصلاه الموْحُوُّ، فصرف عن مفعول إلى فعيل، كما قالوا مقدُور وقدير، ومقتُول وقتيل. (دِمَنٌ تَجَرَّمَ بَعْدَ عَهْدِ أَنِيسِهَا ... حِجَجٌ خَلَوْنَ حَلاَلُهَا وَحَرَامُهَا) الدمن: جمع دمنة، وهي الآثار وما سودوا بالرماد وغير ذلك، وتجرَّم: تقطع، وقيل تكمل، وحول مجرم: مكمل، وقوله (بعد عهد أنيسها) أي بعد نزول الأنيس فيها، والحجج: السِّنُونَ، الواحدة حجة بكسر الحاء، ويقال (حَجَّ حِجَّة) بكسر الحاء، أي عمل عمل سنة، ولا يقال: حَجَّة بالفتح لانك لا تريد قصدة واحدة، فإن أردت المصدر قلت: حَجَجْتُ حَجَّا، و (حلالُها) يريد به الشهور الحلال، و (حرامها) يريد الشهور الحُرم، ورفع حلالها على إنه بدل من حِجَج، وحرامُها معطوف عليه، ويروى (دمنا تجرم) بالنصب على الحال من الديار والمنازل المذكورة، والحجج رفع بتجرَّم. إن قيل: حجج يقع للقليل والكثير، ولا يدري حقيقة ما أراد من المدد، فما معنى تكمل سنين لا يعرف كم هي؟ فالجواب على ما حكاه ابن كيسان عن بندار أن من الناس من يتجنَّب دخول الديار في شهور الحل، وهي ثمانية، ويدخلها في الشهور الحرم، وهي أربعة: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، لأنه آمن، وهذا يصف أن هذه الديار لا يدخلها آمن ولا خائف لخرابها، فقد تكملت لها أحوال على هذا يؤكد بها محو آثارها. (رُزِقَتْ مَرَابِيعَ النُّجُومِ، وَصَابَهَا ... وَدْقُ الرَّوَاعِدِ جَوْدُهَا فَرِهَامُهَا)

ورواه الأصمعي: (مرابيع السحاب) وواحد المرابيع مرباع، وهو المطر الذي يكون في أول الربيع، وأضاف المرابيع إلى النجوم لأنه يقال: مُطرنا بنوء كذا وكذا، وأراد بمرابيع النجوم نجوم الوسمي وهذا تمثيل؛ لأن المرباع في الأصل هي التي نتجت في أول الربيع، وصابها وأصابها بمعنى واحد، والودق من المطر: الداني من الأرض، ويقال: ودَقَ يَدِقُ؛ إذا دنا، والرواعد: السحائب ذوات الرعد، واحدتها راعدة، والجود: المطر الشديد الكثير، والرهام: جمع رهمة، وهي المطرة اللينة، يصف الأمطار بأنها مالت على هذه الديار فعفت آثارها. (مِنْ كُلِّ سَارِيَةٍ وَغَادٍ مُدْجِنٍ ... وَعَشِيَّةٍ مُتَجَاوِبٍ إِرْزَامُهَا) سارية: سحابة تجيء ليلا، وغاد: يجيء بالغداة، ومدجن: من الإدجان وهو إلباس الغيم السماء، وإرزامها: تصويتها بالرعد، وإرزام الناقة: حنينها على ولدها، ويقال: سحابة رزمة مصوتة بالرعد، ويوم مُدجن: مُتغيم من أوله

إلى آخره، وأنث السارية على معنى السحابة، وذكَّر (غاد) على معنى السحاب، ومن من صلة صابها، ويروى (أرزامها) بفتح الهمزة، أي لكل واحد منها رزمة، أي صوت شديد، وقال أهل اللغة: الهاء في قوله (أرزامها) تعود على العشية. فإن قال قائل: فهل للعشية صوت؟ فالجواب على هذا أن التقدير: وسحاب عشية متجاوب إرزامها، ثم حذف. (فَعَلاَ فُرُوعَُ الأيْهُقَانِ، وَأَطْفَلَتْ ... بِالجَلْهَتَيْنِ ظِبَاؤُهَا وَنَعَامُهَا) ويروى (فَغَلا) بغين معجمة، أي ارتفع وزاد، من قولهم: قد غلا السعر؛ إذا ارتفع، وغلا الصبي يغلو؛ إذا شب، وفعل ذلك في غلوائه: أي في شبابه، ويروى (فاعتم نورُ الأيهقان) واعتم: ارتفع، ومن نصب (فروع الإيهقان) فمنعاه علا السيل فروع الإيهقان، والرفع أجود؛ لأن المعنى فعاشت الأرض وعاش ما فيها، ألا ترى أن بعده (وأطفلت بالجلهتين ظباؤها ونعامها) وقوله (أطفلت) إنما يقال أفرخ النعام، وأرأل، وإنما قال هذا لأن الفرخ بمنزلة الطفل، فصار بمنزلة قول الشاعر: يَا لَيْتَ زَوْجَكِ قَدْ غَدَا ... مُتَقَلِّداً سَيْفاً وَرُمْحا فحمله على المعنى؛ لأن السيف يُحمل، كأنه قال: ويحمل رمحا، والفروع: الأعالي، والأيهقان: جر جير البر، الواحد أيهقانة، والجلهتان: جانبا الوادي، وهما ما استقبلك منه، يصف أن هذه الديار خلت فقد كثر أولاد الوحش بها، لأمنها فيها. (وَالعِينُ سَاكِنَةٍ عَلَى أَطْلاَئِهَا ... عُوذاً تَأَجَّلُ بالْفَضاءٍ بِهَامُهَا) العين: البقر، واحدتها عيناء، والذكر أعين، وسميت عينا لضخم عيونها،

وساكنة: مطمئنة، وأطلاؤها: أولادها، الواحد طلا، والعوذ: الحديثات النتاج، وتأجل: تصير آجالا الواحد إجل، وهو القطيع من الظباء والبقر والشاء، وقال ابن الأنباري: الإجل القطيع من الظباء، وربما استعمل في البقر، والصُّوار: القطيع من البقر خاصة، والفضاء: المتسع من الأرض، والبهام: جمع بهمة، وهي من أولاد الضأن خاصة، ومجرى البقرة الوحشية مجرى الضائنة في كل شيء، ومحرى الأروبة مجرى الماعزة، وعوذا: منصوب على الحال، يصف أن هذه الديار صارت مألفا للوحش لخلائها، وقال أبو زيد: يقال لولد الغنم ساعة تضعه أمه من المعز والضأن جميعا ذكرا كان أم أنثى: سخلة، وجمعه سخال، ثم هي البهمة للذكر والأنثى، وجمعها بهم. (وَجَلاَ السُّيُولُ عَنِ الطُّلُولِ كَأَنَّهَا ... زُبُرٌ تُجِدُّ مُتُونَهَا أَقْلاَمُهَا) أي جلت السيول التراب عن الطلول، أي كشفته، وكل جلاء كشف، ومنه جلاء العروس، ومنه الجلية الأمر الواضح، والطلول: ما شخص من آثار الدار، وزبر: جمع زبور، وهو الكتاب، فعول بمعنى مفعول، زبرت الكتاب: كتبته، وذبرته: قرأته وتجد: أي تجدد، أي يعاد عليها الكتاب بعد أن درست، ومتونها: ظهورها وأوساطها، وأرادها كلها، ولم يخص المتون، والهاء في (كأنها) تعود على الطلول، وفي (أقلامها) تعود على الزُبُّرُ، يصف

أن هذا السيل قد كشف عن بياض وسواد، فشبهه بكتاب قد تطمس، فأعيد على بعضه وترك ما تبين منه؛ فكأنه مختلف، وكذلك آثار هذه الديار. (أو رَجْعُ وَاشِمَةٍ أُسِفَّ نَؤُورُهَا ... كِفَفاً تَعَرَّضَ فَوْقَهُنَّ وِشَامُهَا) الرجع: تريدها الوشم، والواشمة: التي تشم يديها، تضربها بالإبرة ثم تحشوها النؤور، والنؤور: حصاة مثل الإثمد تدق فتسفه اللثة واليد فتسودهما، وأصل الإسفاف الإقماح. ومعنى (أسف) سُقى وذُر عليه النؤور، والكفف: الدارات من النقش، الواحدة كُفة، وهي كل دارة وحلقة، وأصله من الكف وهو المنع؛ ومنه سميت اليد كفا؛ لأن الإنسان يمتنع بها، وتعرَّض: أقبل وأدبر، ومنه يقال (تعرض فلان في الجبل) ومن روى تعرض بفتح الضاد جعله ماضيا، ومن روى تعرض بضم الضاد أراد تتعرض ثم حذف إحدى التاءين، ورفع لأنه يريد الفعل المستقبل، وكففا: منصوب على إنه خبر ما لم يسم فاعله يريد أن هذه الديار كهذا الكتاب أو كهذا الوشم الذي هذه صفته. (فَوَقَفْتُ أَسْأَلْهَا، وَكَيْفَ سُؤَالُنَا ... صُمًّا خَوَالِدَ مَا يَبِينُ كَلاَمُهَا؟) ويروى (سُفعا) وهي الأثافي، والسُفعة: سواد إلى الحمرة، والصم: الصخور، والخوالد: البواقي، وقوله: (كيف سؤالنا) تعجب، يقول: كيف تسأل ما لا يفهم،

وقوله (ما يبين كلامها) أي ليس لها كلام فيتبين وقيل: أن المعنى ليس بها من الأثر ما يقوم مقام الكلام فيبين لنا قُرب العهد أو بعده، ومعنى (خوالد) أي لم تذهب آثارها فيذهل عنها. (عَرِيَتْ وَكَانَ بِهَا الجَمِيعُ، فَأَبْكَرُوا ... مِنْهَا، وَغُودِرَ نُؤْيُهَا وَثُمَامُهَا) عربت: أي خلت من أهلها، وهذا تمثيل، كأنه جعل سكانها بمنزلة اللباس لها لأنهم يغشونها بإبلهم ومواشيهم، وقوله (فأبكروا منها) فيه قولان: أحدهما أنهم ارتحلوا منها بكرة، يقال: بَكَر وأبْكَرَ وبَكَّرَ وابْتَكَر، والقول الآخر أن معناه ارتحلوا في أول الزمان، ومنه الباكورة؛ وغودر: تُرك وخُلف، وسمي الغدير غديرا لأن السيل غادره، أو لأن المسافرين يمرون به وهو ملآن ثم يرجعون فلا يجدون فيه شيئا فكأنه غدر بهم، والنؤى: حاجز يجعل حول الخباء لئلا يصل السيل إليه، والثمام: نبت يجعل حول الخباء أيضا ليمنع السيل، ويقي الحر، ويلقونه على بيوتهم وعلى وطاب اللبن؛ لأنه أبرد ظلا. (شَاقَتْكَ ظُعْنُ الحَيِّ يَوْمَ تَحَمَّلُوا ... فَتَكَنَّسُوا قُطْنُاً تَصِرُّ خِيَامُهَا) شاقتك: أي دعتك إلى الشوق اليها، والظعن: النساء اللواتي في الهوادج، وتحملوا: ارتحلوا بأحمالهم، وتكنسوا: دخلوا في الهوادج، شبهها بالكنس الواحد كِناس، وهو شيء يتخذه الظباء: تجذب أغصان الشجرة فتقع إلى الأرض؛ فيصير بينها وبين ساق الشجرة مدخل تستظل به، والقطن: جمع

قطين وهم الجماعة، والقطن أيضا: الحشم والضبنة والقطين: الجيران، والقطين أيضا: العبيد، ويكون قُطُنا على هذا ينصب على الحال، وقال أبو جعفر: معنى قوله (فتكنسوا قطنا) يريد ثياب قطن قال: وليس القطين هنا معنى، قال: والدليل على إنه عنى أغشية القطن قوله في البيت الذي بعده (من كل محفوف يظل عصيه زوج، البيت) وقوله (تصر خيامها) أي تعجل بهن إبلهن فتهز الخشب فتصر، وقيل: إنما تصر لأنها جدد، وقيل: تصر من ثقلها. (مِنْ كُلِّ مَحْفُوفٍ يُظِلُّ عِصِيَّهُ ... زَوْجٌ عَلَيْهِ كِلَّةٌ وَقِرَامَهَا) المحفوف: الهودج قد حُف بالثياب، أي جعلت على أحفته، وهي جوانبه، الواحد حفاف، وعصيه: خشبه، والزوج: النمط الواحد، والكلة: الستر الرقيق، والقرام: يجعل فوق الفراش تحت الرَّجُل والمرأة، والقِرَام والمقرم: ما يُغَطِّى به الشيء، يقال: قرمته أقرمه. (زُجَلاً كَأَنَّ نِعَاجَ تُوضِحَ فَوْقَهَا ... وَظِبَاَء وَجْرَةَ عُطّفاً أَرَْءامُهَا) زُجل: جماعات، الواحدة زُجلة، والنعاج: البقر الوحشية، ولا يقال إلا للإناث منهن، وتوضح ووجرة: موعان، وعطف: ملتفتات،

وقيل: متحننات على أولادهن، ومن روى زجلا فالواحد عنده زاجل، وهو الصيت، وزُحلا: منصوب على الحال من الضمير الذي في (تحملوا) وقوله: (فوقها) الهاء تعود على الهوادج، ويجوز أن تعود على الإبل، وعطفا: منصوب على الحال، ويجوز (عُطَّف أرآمها) على أن يكون المعنى أرآمها عطف. (حُفِزَتْ وَزَايَلَهَا السَّرَابُ، كَأَنَّهَا ... أَجْزَاعُ بِيشَةً أَثْلُهَا وَرِضَامُهَا) حُفزت: دفعت واستحثت في السير، وزايلها السراب: دفعها سراب إلى سراب، ورواها الأصمعي (حزئت وزايلها السراب) وحزئت يهمز ولا يهمز؛ يريد حزاها السراب، أي رفعها، وزايلها: حركها، من قولك: (أزلت فلانا عن مكانه) إذا أحرجته إلى الحركة منه، وقيل: زايلها فارقها، والسراب: لمعان الشمس في الفضاء، وبيشة: موضع، والأثل: شجر، والرضام: جبال صغار، والرضام: صخور عظام يجتمع بعضها إلى بعض، ورضم الحجارة رضما، إذا نضد بعضها على بعض، والواحدة من الرِّضام رَضْمَة ورَضَمَة، وفعال يكون جمعا لفَعْلَة وفَعَلَة جميعا فيقال: صَحْفَة وصِحَاف وثَمَرة وثِمَار. ومعنى البيت أن هذه الأجمال لما زايلها السراب تبينت كأنها شجر قد ضربته الريح فهو يخفق، أو كأنها جبال صغار. وأثلها: بدل من أجزاع، ورضامها: معطوف على أثلها.

(بَلْ مَا تَذَكَّرُ مِنْ نَوَارَِ وَقَدْ نَأَتْ ... وَتَقَطَّعَتْ أَسْبَابُهَا وَرِمَامُهَا) نَوار: اسم امرأة، والنَّوار: النفُور من الوحش، نأَت: بعدت، و (أسبابها) السبب: الحبل، وأراد حبال مودتها، ورمام: جمع رمة، وهي القطعة من الحبل المخلقة، والمعنى: ما تذكر من نوار وقد تقطَّع جديد وصلها وقديمه؟ و (بَلْ) هنا لخروج من حديث إلى حديث، وما في قوله (بل ما تذكَّر) في موضع نصب، والمعنى أي شيء تذكَّر، والأصل تتذكر ثم حذف إحدى التاءين. (مُرِّيَّةٌ حَلَّتْ بِفَيْدَ، وَجَاوَرَتْ ... أضهْلَ الحِجَازِ، فَأَيْنَ مِنْكَ مَرَامُهَا؟) ويروى (وجاورت أهل الجبال) وحلت: نزلت، ومُرية: منسوبة إلى مُرة بن عوف بن سعد بن ذُبيان بن بغيض، ومرامها: مطلبها، ويروى (مُرية) على البدل من نوار. ومعنى البيت أنها مرية، وليست من أهلك، وقد حلت بفيد؛ فقد بعدت عنك - وفيد: موضع في طريق مكة - وهي مجاورة أهل الحجاز وهم أعداؤك فما طلبك لها؟ ثم وصف تنقلها من موضع إلى موضع فقال: (بِمَشَارِقِ الجَبَلَيْنِ أو بِمُحَجَّرٍ ... فَتَضَمَّنَتْهَا فَرْدَةٌ فَرُخَامُهَا) أراد بالجبلين جبلي طيئ أجأ وسلمى، ومحجر - بكسر الجيم - اسم موضع، ويروى عن الأصمعي إنه كان يفتح الجيم، وقال أبو زياد: محجر جبل حوله رمل حُجِّر به، فعلى هذا الجيم مفتوحة، وفردة: أرض، ورخامها: جبل

قريب من فردة، وقال ابن السكيت: هو موضع غليظ كثير الشجر. (فَصُوَائِقٌ أن أَيْمَنَتْ فَمَظَّنِه ... مِنْهَا وِحَافُ القَهْرِ أو طِلْخَامُهَا) البغداديون يروون (أو طلخامها) بالخاء معجمة، وهو الصواب؛ لأن الخيل ذكر هذا الحرف في باب الخاء فقال: طلخام موضع، والطلخام: الأنثى من الفيلة، وصوائق: موضع، ويروى (فصعايد) وأيمنت: أخذت نحو اليمن، وقيل: أخذت ذات اليمين، وقوله: (فمنظنه منها وحاف القهر) أي موضعها الذي تُظن فيه وتُطلب وحاف القهر، والوحاف: إكام صغار إلى جانب القهر، والقهر: جبل، وواحد الوحاف وحفة ووحف، والمعنى خليق بها أن تكون في هذه المواضع. (فَقْطَعْ لُبَانَةَ مَنْ تَعَرَّضَ وَصْلُهُ ... وَلَخَيْرُ وَاصِلِ خُلّةٍ صَرَّامُهَا) ويروى (ولشر واصل خلة) والخُلة: الصداقة، واللبانة: الحاجة، وتعرض وصله: تغير وحال كأنه أخذ يمينا وشمالا، يقال: (تعرض فُلان في الجبل) إذا أخذ يمينا وشمالا، وقال أكثر أهل اللغة: معنى (ولخير واصل خلة صرامها) خير الواصلين من صرم من قطعه، أي كافأه على ما فعل، ومن

روى (ولشر واصل خلة) أي شر الناس من كان يتجنى ليقطع مودة صاحبه، قال أبو الحسن: قال بندار: معنى (ولخير واصل خُلة صرامها) خير الأصدقاء من إذا علم من صديقه أن حاجته تثقل عليه قطع حوائجه منه لئلا يفسد ما بينه، قال بندار: ومثل هذا قول بعضهم: إذا أردت أن تدوم لك مودة صديقك فاقطع حوائجك عنه إذا كنت تكره أن يردك، قال: ومعنى (ولشر واصل خلة صرامها) من صرمه لإنزال الحاجة به، والمعنى يرجع إلى ذلك، فإن كنت تحب مودته فلا تسأله حاجة إذا كان على هذا. (وَاحْبُ المُجَامِلَ بِالجَزِيلِ وَصَرْمُهُ ... بَاقٍ إذا ضَلْعَتْ وَزَاغَ قِوَامُهَا) ويروى (المحامل) والمحامل: المكافئ الذي يحمل لك وتحمل له، والمجامل - بالجيم - الذي يجاملك بالمودة ظاهرا وسره على خلاف ذلك، واحب: من الحباء وهو العطية، وروى أبو الحسن (وزاغ قوامها) والمعنى زاغ استقامتها، ومن روى (قوامها) فمعناه عنده ما تقوم به، ومعنى (ضلعت) مالت وجارت، أي إذا مالت مودته، أضمر المودة ولم يجر لها ذكر؛ لأن المعنى مفهوم، ويقال (حبوته) إذا خصصته بالعطاء، يقول: أخصص من يُظهر لك جميلا بأكثر مما يظهره لك، وصرمه باق: أي ثابت، وقطيعته ثابتة عندك لا تظهرها فاستبقه ولا تعجل بالقطيعة، والواو في قوله (وصرمه باق) واو الحال، وزاغ: مال، والزيغ: الميل. (بِطَلِيحِ أَسْفَارٍ ترَكْنَ بَقِيَّةً ... مِنْهَا فَأَحْنَقَ صُلْبُهَا وَسَنَامُهَا)

الطليح: المعيية، وقيل: المهزولة، أي تركت الأسفار منها بقية، أي بقيت ضامرا، وقوله (فأحنق) أي ضمر، ولا يقال (أحنق السنام) إنما يقال (ذهب) إلا إنه حمله على المعنى؛ لعلم السامع بما يريد، كما يقال: أكلت خبزاً ولبناً، أي وشربت لبنا، وكقوله: عَلَفْتُهَا تِبْناً وَمَاءً بَارِداً ... حَتَّى شَتَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا والباء في قوله: (بطليح أسفار) متعلقة فاقطع لبانة، أي اقطع حاجتك وحاجة غيرك بهذه الناقة التي من صفتها كذا ليسليك ذهابك عنه. (فَإِذَا تَغَالَى لَحْمُهَا وَتَحَسَّرَتُ ... وَتَقَطَّعَتْ بَعْدَ الكَلاَلِ خِدَامُهَا) تغالى: معناه ذهب وارتفع، قال الأصمعي: معناه ركب رؤوس العظام، وذهب ما سوى ذلك، وتحسرت: معناه تحسر عنها البدن، وقيل: معناه سقط وبرها، وقيل: صارت حسيرا أي معيية، وقيل: هي تفعلت من الحسرة، والخدام: سيور تشد على الأرساغ، الواحدة خدمة، ويقال للخلخال: خدمة، وهذه السيور في موضع الخلاخيل فسميت باسمها، يقول: إذا صارت هكذا فلها هباب. (فَلَهَا هِبَابٌ فيِ الزِّمَامِ كَأَنهَا ... صَهْبَاءُ رَاحَ مَعَ الجَنُوبِ جَهَامُهَا) هباب: هيج ونشاط، يقول: إذا صارت في هذه الحال لم يذهب نشاطها،

وقوله: (كأنها صهباء) أي سحابة صهباء، وإذا اصهابت وقل ماؤها خفت وسرع مرها، أي لهذه الناقة بعد ذهاب لحمها هباب في الزمام مثل هذا السحاب الذي قد هراق ماءه؛ فأدنى ريح تسوقه. (أو مُلْمِعٌ وَسَقَتْ لأحْقَبً لاَحَهُ ... طَرَْدُ الفُحُولِ وَضَرْبُهَا وَكِدَامُهَا) الملمع: التي قد استبان حملها، ويروى (طرد الفحالة ضربها وعذامها) ويروى (وزرُها وكِدامها) والعذم: العض، وكذلك الزَّرُّ والكدم، و (وسقت) قيل: معناه جمعت، قال الله عز وجل: (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ) ومنه سمى الوسق، وقيل: معنى وسقت استجمعت، كأنه بمعنى استوسقت، وقال أكثر أهل اللغة: معنى وسقت حملت، وهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد؛ لأن من قال جمعت فمعناه عنده جمعت ماء الفحل فحملت، والأحقب: الذي في موضع الحقب منه بياض، ولاحه: غيره، والطَّرَدُ: اسم، والطَّرْد - بسكون الراء - مصدر، وقوله ضربها يعني ضربها بأرجلها، وكدامها: عضاضها، شبه ناقته بسحاب قد هراق ماءه فهو أسرع لمره، أو بأتان يتبعها حمار هذه صفته. (يَعْلُو بِهَا حَدَبَ الإكَامِ مُجَّجاً ... قَدْ رَابَهُ عِصْيَانُهَا وَوِحَامُهَا) الحدب: ما ارتفع من الأرض، والإكام: الجبال الصغار، الواحدة أكمة، والمسحج: المعضض قد عضضته الحمير، ويروى (مسحَّجٌ) بالرفع، ويروى (مسحجٍ) بالجر؛ فمن رفعه رفعه بفعله وهو يعلو، ومن رواه منصوبا أضمر في يعلو، وجعل مسحجا حالا من المضمر، ومن جره جعله نعتا لأحقب، وقوله (قد رابه) أي قد استبان الريب، وعصيانها: امتناعها عليه، وقوله: (وحامها) الوحم: الشهوة على الحمل، يقال: امرأة وحمى، ونساء وحام ووحامى، وقد وحمت توحم وحما، قال العجاج:

أَزْمَانَ لَيْلَى عَامَ لَيْلَى وَحَمِى أي شهوتي وقوله (يعلو بها) أي يعسفها عسفا ليس يهتم إلا بطردها لا يبالي أين سلكت، وإنما يعلو بها خوف الرامي، وقال أبو الحسن: يقال: وحمت توحم، إذا اشتهت الفحل، والمعنى إنها وادق، وإذا تبعها الفحل منعته لأنها حامل فاستراب بها، وإذا امتنعت منه تبعها وكان أحرص عليها، فشبه ناقته بها في سرعتها. (بِأَحِزَّةِ الثَّلَبُوتِ يَرْبأُ فَوْقَهَا ... قَفْرَ المَرَاقِبِ خَوْفُهَا آرَامُهَا) الأحزة: جمع حزيز، وهو ما غلظ من الأرض، والجمع الكثير حُزَّان، وهو خارج عن القياس؛ لأن نظيره إنما نظيره إنما يجمع على فعلان نحو رغيف ورغفان إلا أن فعيلا وفُعالا يتضارعان، ألا ترى انك تقول طويل وطوال؛ فعلى هذا شبه فعيل بفعال فقيل حزيز وحزان كما يقال: غلام وغلمان، والثلبوت: ماء لبني ذبيان ويربأ: يعلو ويشرف، وريئة القوم: طليعتهم، والمراقب: مواضع مشرفة ينظر منها من يمر بالطريق، والآرام: حجارة تجعل أعلاما ليعرف بها الطريق. والمعنى: أن الحمار يخاف من هذه الحجارة إذا رآها؛ لأنه يتوهم إنها مما تخيفه. (حَتَّى إذا سَلَخَا جُمَادَى سِتَّة ... جَزَآ فَطَالَ صِيَامُهُ وَصِيَامُهَا)

ويروى (حتى إذا سلخا جمادى كلها) يعني العير والأتان خرجا منها، وجمادى: شدة القر، وكذلك كان الشتاء في ذلك الزمان وفيها كان يكون أول المطر، فيقول: لما خرج عنهما كلب البرد وأنبتت الأرض استقبلا الجزء فصاما عن الماء، أي عن الانتجاع في طلب الماء؛ لأنهما قد اكتفيا بالرطب، ويقال: طال قيامهما يفكران أين يردان بعد فناء الرطب، والبيت الثاني يبين هذا المعنى، ومعنى قوله (جمادى ستة) - على ما ذكر الأصمعي - جعل الشتاء كله جمادى؛ لأن الماء يجمد فيه، وأنشد: إذا جُمَادَى مَنَعَتْ قَطْرَهَا ... زَانَ جَنَابِي عَطَنٌ مُعْصِفُ ويروى (جمادى ستة) و (جمادى حجة)، وقال أبو عبيدة: يعني جمادى بعينها؛ فالمعنى على هذا القول: جمادى تمام ستة، كما تقول: اليوم خمسة عشر يوما، أي تمام خمسة عشر يوما، والمعنى إنه قدَّر جمادى انقضاء الستة فلما انقضى الشتاء جزأ، أي اكتفيا بالرطب؛ لأنهما إذا أكلاه استغنيا عن الماء، ومن روى

جزءا جعل هذه الشهور جزءا، ونصب جزءا على البيان، والجزء: الوقت الذي يتجزأ فيه بالرطب عن الماء، وقال أبو الحسن: قال قوم هذا غلط؛ لأن الجزء إنما يكون شهرين، وقال أبو الحسن: قال بندار: أراد جمادى الآخرة، أي ستة أشهر من أول السنة، ونصب ستة على الحال، كأنه قال: تتمة ستة، فجعل جمادى وقتا لانقطاع الجزء، وعلى هذا يصح البيت. (رَجَعَا بِأَمْرِهِمَا إلى ذِي مِرَّةٍ ... حَصِدٍ، ونُجْحُ صَرِيَمةٍ إِبْرَامُهَا) المرَّة: القوة أي رجعا بأمرهما إلى رأى قوي، أي عزما على ورود الماء بعد طول قيامهما، والحصد: المحكم، والصريمة: العزيمة، كأنه قطع الأمر، وأصل الصرم القطع وقوله: (ونُجْح صريمة إبرامها) أي نجاح الأمر في إبرامه، أي إحكامه. (وَرَمَى دَوَابِرَهَا السَّفَا، وتَهِيَّجَتْ ... رِيحُ المَصَايِفِ سَوْمُهَا وَسَهَامُهَا) الدوابر: مآخير الحوافير، واحدتها دابرة، والسفا: سفا البهمى وهو كشوك السنبل، وهو يجف إذا جاء الصيف، واحدته سفاة، والمصايف: جمع مصيف، وسومها: بدل من الريح، وسهامها: معطوف عليه، وقيل: سومها حرُّها،

وقيل: مرُّها، وقيل: اختلاف هبوبها، وهذا أصح الأقوال لأن أبا زيد حكى إنه يقال: سوَّم الرجل يسوم؛ إذا قاتل القوم ففرقهم يمينا وشمالا، وقال أبو العباس: قال أهل النظر في قول الله عز وجل: (والخيل المُسوَّمة) هي المهملة كأنها قد تُركت ترعى حيث شائت، ومنه: سامني فلان في البيع، إذا صرفك كذا مرة وكذا مرة، ومنه (أبي فلان أن يُسام خُطة ضيم) والسهام: الريح الحارة. (فَتَنَازَعَا سَبِطاً يَطِيرُ ظِلاَلُهُ ... كَدُخَانِ مُشْعَلَةٍ يُشَبُّ ضِرَامُهَا) أي فتنازع العير والأتان سبطا، يعني غبارا ممتدا، ومشعلة: نار قد اشتعلت، يُشب: يوقد ويرفع، والضرام: ما دق من الحطب. يصف سرعة ناقته حتى شبهها بهذا الحمار الذي يطلب الأتان وهي تهرب منه، وقد أثارا غبارا ممتدا يطير ظلاله، أي ما أظل منه وغطى الشمس. (مَشْمُولَةٍ غُلِثَتْ بِنَابتِ عَرْفَجٍ ... كَدُخَانِ نَارٍ سَاطِعٍ إِسْنَامُهَا) مشمولة: من نعت مشعلة، أي نار قد أصابتها الشمال فهي تلتهب، وغلثت: أي

خلط ما أوقدت به بنابت عرفج، أي بغضه وطريه؛ فهو أكثر لدخانها، والنابت: الحديث، وإسنامها: إشرافها، يقال: أسنمها يُسنمها، وأَسنامها - بفتح الهمزة - يعني جمع سَنِمٍ، ويقال (تَسَنَّم) إذا علا، ومنه السَّنَام، وقيل في قول الله عز وجل (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ): إنه أعلى شراب في الجنة، وقيل: أن شراب الجنة يُمزج لبعضهم من تسنيم وهو نهر عال، وإن بعضهم يشربه صرفا. (فَمَضَى وَقَدّمَهَا، وَكَانَتْ عَادَةً ... مِنْهُ - إذا هِيَ عَرَّدَتْ - إقْدَامُها) يقول: مضى الحمار وقدَّم الأتان لكي لا تعند عليه، وعرَّدت: تركت الطريق وعدلت عنه، وأصل التعريد الفرار، وقال (وكانت) فأَنث والإقدام مذكَّر؛ فزعم الكوفيون إنه لما أولى كان خبرها وفرق بينها وبين اسمها توهم التأنيث فأنث، وكان الكسائي يجيز (كانت عادة حسنة عطاء الله) و (كانت رحمة المطر البارحة) وكان يقول: إذا كان خبر كان مؤنثا واسمها مذكرا وأوليتها الخبر فمن العرب من يؤنث، كأنه يتوهم أن الاسم مؤنث إذا كان الخبر مؤنثا، وقال غير الكسائي: إنما بنى كلامه على (وكانت عادة تقدمتها) لأن التقدمة مصدر تقدمها، إلا إنه انتهى إلى القافية فلم يجد التقدمة تصلح لها فقال: إقدامها، واحتج بقول الشاعر: أَزَيْدُ بْنَ مَصْبُوحٍ فَلَوْ غَيْرُكُمْ جَنَى ... غَفَرْنَا، وكَانَتَ مِنْ سَجِيَّتِنَا الغَفْرُ زعم الكسائي إنه أنث (كانت) لأنه أراد كانت سجية من سجايانا الغفر، وقال الذي خالفه: بل بنى على المغفرة فانتهى إلى آخر البيت والمغفرة لا تصلح له فقال (الغفر) لأن الغفر والمغفرة مصدران، والأتن لا تتقدم حتى يتقدم

الفحل إلى الماء فيشرب وينظر هل يرى بالماء شيئا يريبه. (فَتَوَسَّطاً عُرْضَ السَّرِيِّ وَصدَّعَا ... مَسْجُورَةً مُتَجَاوِراً قُلاَّمُهَا) العرض: الناحية، والسري: النهر وصدعا: شققا النبت الذي على الماء، ومسجورة: عين مملوة، والمتجاور: المتقارب، والقُلام: نبت، وقيل: هو القصب. (وَمُحَفّفاً وَسْطَ اليَرَاعِ يُظِلُّهُ ... مِنْهَا مُصَرَّعُ غَابَةٍ وَقِيَامُهَا) ويروى (محفوفة) يعني العين، يعني أنها حُفت بالقصب نابتا فيها، وأصله إنه ينبت في أحفتها، أي جوانبها، وقال بعض أهل اللغة: الواو في قوله (وحففا) زائدة، يذهب إلى إنه منصوب على الحال، والمعنى على قوله (فتوسطا عرض السرى محففا) وهذا القول خطأ؛ لأنه لو كان هذا لجاز (جاء زيد ومسرعا) على أن يريد جاء زيد مسرعا، وهذا لا يجيزه أحد، والصحيح أن (محففا) معطوف على مسجورة، المعنى وصدعا عينا مسجورة ومحففا، ويكون تذكير محفف على أن تكون العين والسرى واحدا والرواية الجيدة (محفوفة) وهي رواية ابن كيسان، والمصرع: المائل، كأن الريح تصرعه أي تميله، والغابة: الأجمة،

وكل قصب مجتمع يقال له غابة، والشجر الملتف غابة، كأنه قيل له غابة لأن الشيء يتغيب فيه؛ وقيامها: يعني ما انتصب منها. ومعنى البيت أن الحمار والأتان انتهيا من عدوهما إلى الموضع الذي فيه الماء. ثم خرج إلى شيء آخر فقال: (أَفَتِلْكَ أمْ وَحْشِيَّةٌ مَسْبُوعَةٌ ... خَذَلَتْ وَهَادِيَةُ الصِّوَارِ قِوَامُهَا) يقول: أفتلك الأتان تشبه ناقتي أم بقرة وحشية مسبوعة أكل السبع ولدها فهي مذعورة، وخذلت: تأخرت عن القطيع وأقامت على ولدها، وهادية الصِّوار: متقدمته، وفي معناه قولان: أحدهما أن المعنى وهي هادية الصِّوار وهي قوامها وقد تخلَّفت، والقول الآخر أن هادية الصِّوار تقوم أمرها فقد تركتها وتخلفت في طلب ولدها، والصِّوار: القطيع من البقر، يقال: قد صار الشيء يصوره؛ إذا قطعه، وصاره يصوره ويصيره، إذا أماله وإذا جمعه (خَنْسَاءُ ضَيَّعَتِ الفَرِيرَ؛ فَلَمْ يَرِمْ ... عُرْضَ الشَّقَائِقِ طَوْفُهَا وَبُغَامُهَا) خنساء: صفة البقرة الوحشية، والخنس: تأخر الأنف في الوجه وقصره، والفرير: ولد البقرة، وأصل الفرير الخروف، وهو من ولد الضأن، ولكن البقرة تجرى مجرى الضائنة، والشقائق: جمع شقيقة، وهي أرض غليظة بين رملتين، وطوفها: ذهابها ومجيؤها، وبغامها: صوتها. والمعنى أن هذه البقرة لا تبرح من هذه الرملة تطلب ولدها؛ لأن في هذه الرملة نباتا؛ فهي تصيح بولدها لئلا يكون النبات

قد غطاه، ولو كانت مصحرة لما ثبتت في موضع واحد. (لِمُعَفْرٍ قَهْدٍ تَنَازَعَ شِلْوَهُ ... غُبْسٌ كَوَاسِبُ مَا يُمَنُّ طَعَامُهَا) المعفر: الذي قد سحب في العفر وهو التراب، وقال أبو عبيد: التعفير أن تعفِّر ولدها، وذلك إذا أرادت فطامه منعته من اللبن، فإذا خافت عليه النقصان رجعت فأرضعته ثم قطعت عنه حتى يأنس بذلك، واللام في قوله (لمعفَّر) متعلقة بقوله فلم يرم، والمعنى: فلم يبرح طوفها وبُغامها من أجل معفر، وقيل: اللام متعلقة بقوله وبغامها، أي صوتها لمعفر، والقهد: الأبيض، وقيل: هو الأبيض الذي يخالط بياضه صفرة أو حمرة، وتنازع: تعاطى، قال الله عز وجل (يَتَنَازعُون فيها كأساً) أي يتعاطون، والشلو: بقية الجلد، والغيس: الذئاب، والغبسة: لون فيه شبيه بالغُبرة، وكواسب: تكسب الصيد، وقوله (ما يُمن طعامها) فيه ثلاثة أقوال: أحدها أن المعنى إنه لا يُطعمها أحد فيمن عليها، إنما تصيد لنفسها، والقول الآخر أنها لا تمن بشيء مما تصيده، ويقال: أن الذئب إذا أصاب شيئا أكله مكانه، والثالث أن معنى قوله (ما يمن طعامها) ما ينقص، قال الله عز وجل (لهم أجر غيرُ ممنون). (صَادَفْنَ مِنْهَل غِرَّةً فَأَصَبْنَهَا ... أن المَنَايَا لاَ تَطِيشُ سِهَامُهَا) يقول: صادفن من البقرة غرة فأصبنها بولدها، ويروى (صادفن منه غرة فأصبنها) أي صادفن من الفرير غرة فأصبنها، أي فأصبن الغرة، ويروى (فأصبنه، أن المنايا لا تطيش سهامها) أي لا تخف ولا تُخطئ، بل تقصد، والمنية لا سهام لها، إنما هو مثل.

(بَاتَتْ وَأَسْبَلَ وَاكِفٌ مِنْ دِيمةٍ ... يُرْوِى الخَمَائِلَ دَائِماً تَسْجَامُهَا) أسبل: سال واسترخى، يقال: أسبل إزاره، ورفله، وجاء يجر سبلته؛ إذا جاء يجر إزاره، وقال أبو زيد: يقال (أسبلت السماء إسبالا) وهو المطر الذي بين السماء والأرض حين يخرج من السحاب ولم يصل إلى الأرض، والاسم السبل، ويقال: بات يفعل كذا، إذا فعله ليلا، وليس بات بمعنى نام، لأنك تقول: بات فلان يصلي؛ إذا لم يزل يصلي بالليل، والواكف: القطر، والديمة: المطر الدائم، والخمائل: جمع خميلة، وهي الرملة التي قد غطاها النبت كأنه أخملها، والتسجام: المطر الجود. وفيه من النحو إنه لم يأت لباتت بخبر؛ فالمعنى باتت بهذه الحال، ثم حذف لعلم السامع، ويجوز أن يكون باتت بمعنى دخلت في المبيت فلا تحتاج إلى خبر، كما تقول (أصبح) إذا دخل في الإصباح، ونصب (دائما) على إنه حال من المضمر الذي في (يروى) ورفع تسجامها بدائم، ويجوز رفع دائم على إنه خبر الابتداء قُدِّم، ويكون المعنى تسجامها دائم، ويجوز أن تنصب دائما على الحال من وجه آخر، ويكون المعنى يروى تسجامها دائما. يقول: باتت هذه البقرة بعد فقدها ولدها ممطورة تمطرها الديمة التي وصفها. (تَجْتَافُ أَصْلاً قَالِصاً مُتَنَبِّذَا ... بِعُجُوبِ أنْقَاءٍ يَمِيلُ هَيَامُهَا) تجتاف: تدخل في جوفه، والقالص: المرتفع الفروع، وقيل: معنى قالص الفروع إنه ناحية، والمتنبذ: المتنحى، يقال: جلس فلان متنبذا عن الناس، وجلس نَبذة ونُبذة عنهم، أي متنحيا، وقيل: معنى قوله متنبذا متفرقا، والعجوب: جمع عجب وهو أصل الذنب، وإنما يريد هنا أطراف الرمال، والأنقاء: جمع نقا وهو الكثيب من الرمل الذي لم يخالطه غيره، ويقال في تثنيته: نقوان، وحكى الفراء نقيان، ولا يعرفه البصريون، والهيام. الرمل اللين، وقيل: هو

ما تناثر منه، يقال: انهام وانهار وانهال بمعنى واحد، وجمع هيام في القياس أهيمة، وقال بعضهم في قوله (تجتاف أصلا): هو مثل قول ذي الرمة: مَيْلاََء مِنْ مَعْدِنِ الصِّيرَانِ قَاصِيَة ... أَبْعَارُهُنَّ عَلَى أَهْدَافِهَا كُثُبُ والمعنى أنها متنحية عن معظم الشجر متنحية عن الطريق لتأمن، و (تجتاف) موضعه نصب في التأويل على معنى باتت مجتافة أصلا. (يَعْلُو طَرِيقَةَ مَتْنِهَا مُتَوَاتِراً ... فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غمَامُهَا) أي يعلو طريقة متن هذه البقرة مطر متتابع، هذا على من رواه (متواتر) بالرفع، ومن نصبه فعلى الحال، والمعنى يعلو الواكف متواترا، والطريقة: خُطة مخالفة للونها، ويقال لها: جُدَّة، والمتنان: مكتنفا الظهر، وكفر: غطى، يريد أنها ليلة مظلمة وقد غطى السحاب فيها النجوم، وقالوا: سُمى الكافر كافرا لأنه غطَّى ما ينبغي أن يُظهره من دين الله، وقيل: لأن الكُفر كفَر قلبه، أي غطاه. (وَتُضِيءُ فِي وَجْهِ الظَّلاَمِ مُنِيرَةً ... كَجُمَانَةِ البَحْرِيِّ سُلَّ نِظَامُهَا) يعني البقرة تضيء من شدة بياضها، ووجه الظلام: أوله، والجمانة: اللؤلؤة الصغيرة، والكبيرة الدرة، وأراد بالبحري الغواص، وقال أبو الحسن:

إنما خص جمانة الغواص لأنها قد تُعمل من فضة، وأراد أن الغواص أخرجها، وقوله (سل نظامها) أي خيطها، يريد أن اللؤلؤة إذا سُل خيطها سقطت وصارت بمنزلة القلق في تحركها؛ فيريد أن هذه البقرة قلقة، وقيل: إنما أراد شدة عدو البقرة، فشبهها باللؤلؤة إذا سُل خيطها فسقطت، ومنيرة: نصب على الحال، وقيل: معنى البيت أن هذه البقرة كلما تحركت في الليل أشرق لونها. (حَتَّى إذا انْحَسَرَ الظَّلاَمُ وَأَسْفَرَتْ ... بَكَرَتْ تَزِلُّ عَنِ الثِّرَى أَزْلاَمُهَا) ويروى (حتى إذا حسر الظلام) أي ذهب، وأسفرت: دخلت في الإسفار، كما يقال (أظلم) إذا دخل في الظلام، ويقال: أسفر الصبح، وأسفر وجه المرأة؛ إذا أضاء، وسفرت المرأة: ألقت خمارها، وبكرت: غدت بكرة، والثرى: التراب الندى، وأزلامها: قوائمها التي كأنها قداح وتزل: أي تزلق لا تثبت على الأرض من الطين، وواحد الأزلام زَلم وزُلَم، قال ابن الأنباري: الأزلام مرتفعة ببكرت، و (تزل) في موضع نصب على الحال، أي بكرت زالة عن الثرى. (عَلِهَتْ تَبَلّدُ فيِ نِهَاءِ صُعَائِدٍ ... سَبْعاً تُؤَاماً كَامِلاً أَيَّامُهَا) العله: خفة من جزع، وتبلد: أصله تتبلد، أي تتحير تذهب وتجيء لا تدري أين تمر، وتبلد في موضع الحال، والنهاء: جمع نِهْى وهو الغدير ويقال: (نَهْى)، و (نِهْى) فمن قال نَهْى سماه بالمصدر، ومن قال نهى بالكسر أماله عن المصدر، كما يقال مَلْء وَمِلْء وَطَحْن وَطِحْن، وصُعائد: اسم موضع، ويروى (في نِهاء صُوائق) وهو اسم موضع ايضا، ويروى (في شقائق عالج) والشقائق: جمع شقيقة، وهي الرملة

يكون فيها النبت، وعالج: موضع يقال إنه كثير الرمل، وقوله (سبعا تؤاما) واحدها توأم، جعل كل ليلة مع يومها توأما، ثم جمع توأما على تُؤَام، كما يقال ظُؤَار في جمع ظَؤُور، وكأنه اسم الجمع، وقوله (كاملا أيامها) أي لا ينقص جزعها في هذه الأيام، ويروى (علهت تردد). (حَتَّى إذا يَئِسَتْ وَأَسْحَقَ حَالِقٌ ... لَمْ يُبْلِهِ إِرْضَاعُهَا وَفِطَامُهَا) أي حتى إذا يئست من ولدها، وأسحق: ارتقع، وقيل: أخلق، وحالق: ضامر، وقيل: ممتلئ لبنا، وأصله من الارتفاع، وقوله (لم يبله إرضاعها وفطامها) أي لم يذهب به كثرة إرضاعها ولا فطامها إياه، ولكن ذهب به فقدها ولدها وتركها العلف، ورواه الأصمعي (حتى إذا ذهلت) أي سليت ونسيت، ويروى (لم يغنه إرضاعها وفطامها). (وَتَسَمَّعَتْ رِزَّ اْلأنِيسِ، فَرَاعَهَا ... عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ وَالأنِيسُ سَقَامُهَا) ويروى (وتوجست ركز الأنيس) أي تسمعت البقرة صوت الناس فأفزعها، ولم تر الناس، والرِّزُّ والركزُ: الصوت الخفي، وقوله (عن ظهر غيب) معناه من وراء حجاب، أي تسمع من حيث لا ترى، و (الأنيس سقامها) معناه والأنيس هلاكها، أي يصيدها، وراعها: أي أفزعها، وفاعل تسمعت ضمير البقرة، وفاعل راعها ضمير الرز. (فَغَدَتْ كِلاَ الفَرْجَيْنِ تَحْسِبُ إنه ... مَوْلَى المَخَافَةِ خَلْفُهَا وَأَمَامُهَا) ويروى (فعدت) أخبر إنها خائفة من كلا جانبيها من خلفها وأمامها، والفرج: الواسع من الأرض، والفرج أيضا: الثغر، والثغر: موضع المخافة، ومولى المخافة معناه وليُّ المخافة، أي الموضع الذي فيه المخافة، قال النحاس: الأجود في (كلا) أن تكون في موضع نصب على إنها ظرف، والمعنى: فغدت في كلا الفرجين،

وإنما جاء بالألف في (كلا) وهو في موضع نصب ليفرق بين الألف إذا كان أصلها الواو والياء وبينها إذا لم يكن لها أصل، ولما لم يعلم أن الألف في (كلا) منقلبة من شيء تثبت للفرق في موضع الرفع والنصب والجر، و (خلفها) مرفوع على إنه بدل من مولى و (أمامها) معطوف عليه، ويجوز أن يكون مولى مرفوعا بالابتداء وخلفها خبره، والجملة خبر أنَّ، ويجوز أن يكون خلفها وأمامها مرفوعين على انهما خبر ابتداء محذوف، كأنه قال: هما خلفها وأمامها، وقال ابن كيسان: يجوز أن يكون (كلا) في موضع رفع، كأنه قال: فغدت وكِلاَ الفرجين تحسب إنه مولى المخافة، وأما قوله: (أنه) ولم يقل انهما فهو محمول على معنى قولك كل واحد من الفرجين تحسب إنه مولى المخافة. (حَتَّى إذا يَئِسَ الرُّمَاةُ وَأَرْسَلُوا ... غُضْفاً دَوَاجِنَ قَافِلاَ أَعْصَامُهَا) يعنى إذا يئس الرماة من البقرة أن ينالها نبلهم أرسلوا الكلاب الغضف، والبواو زائدة، واحتج صاحب هذا القول بقوله تعالى: (حَتَّى إذا

جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) والقول عند أهل النظر أن الواو لا يجوز أن تزاد، وإن المعنى حتى إذا يئس الرماة تركوا رميهم، ثم حذف هذا لعلم السامع، والواو عاطفة، والغُضف: المسترخية الآذان، والدواجن: الضاريات المتعودات، وقيل: هي المقيمة مع أصحابها، والقافل: اليابس، وقيل في قول امرئ القيس: نَظَرْتُ إليها والنُّجُومُ كَأَنَّهَا ... مَصَابِيحُ رُهْبَانٍ تُشَبُّ لِقُفالِ إن القفال هنا عُباد النصارى الذين يبسوا من العبادة والصوم، والأعصام: قلائد من أدم تجعل على أعناق الكلاب، الواحدة عصام، وهذا جمع على غير قياس عند أهل اللغة، فكأنه جمع الجمع، جمع عصاما على عصم، كما يقال حمار وحُمُر، ثم جمع عُصُما على أعصام كما يقال طنُب وأطناب، وقيل: أن واحد الأعصام عصمة، وهذا جمع على حذف الهاء، كأنه جمع عصما على أعصام فيكون مثل حمل وأحمال، وقيل: أن واحدها عصم، فهذا مثل جذع وأجذاع، وقيل في يئس: إنه بمعنى علم، أي حتى إذا علم الرماة أنهم لا ينالونها، قال الله تعالى: (أَفَلَمْ يَيْئَسِ الّذِينَ آمَنُوا أن لَوْ يَشَاءُ الله لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) معناه أفلم يعلم. (فَلَحِقْنَ وَاعْتَكَرَتْ لَهَا مَدَرِيَّةٌ ... كَالسَّمْهَرِيَّةِ حَدُّهَا وَتَمَامُهَا) أي فلحقت الكلاب هذه البقرة، فرجعت البقرة عليهن تظعنهن، واعتكرت: معناه رجعت، عكر واعتكر بمعنى عطف، والمدرية هنا: القرون الحادَّة، والسمهرية: الرماح، ومنه (اسمهر الأمر) إذا اشتد، فشبه قرنها بالرماح لصلابته وحدته، ألا ترى إنه قال (حدُّها وتمامها) يعني بتمامها طولها والكاف في قوله

(كالسمهرية) في موضع رفع بالابتداء، وحدها خبره، وإن شئت كانت الكاف خبرا، وإن شئت كانت الكاف نعتا لقوله مدرية، وترفع حدها بمعنى الفعل، كأنه قال: مدرية مماثلة للسمهرية حدُّها وتمامها. (لِتَذُودَهُنَّ وَأَيْقَنَتْ أن لَمْ تَذُدْ ... أن قَدْ أَحَمًّ مَعَ الحُتُوفِ حِمَامُهَا) أي لتطردهن وتمنعهن، ويروى (من الحتوف) فأحم مع الحتوف حمامها: معناه حان حمامها وحتفها من بين الحتوف، فيقول: قد علمت أن لم تطرد الكلاب أن أجلها قد حضر، وكل ما حان وقوعه يقال فيه أجم بجيم معجمة وأحم بحاء غير معجمة ويقال: أحَمَّ هذا الأمر، وَحَمَّ، وَحُمَّ، وأما أجم فليس فيه إلا لغة واحدة، واللام في (لتذودهن) تتعلق بقوله (اعتكرت) في البيت الذي قبله، وجواب (إن لم تذُد) الجملة بعدها تقوم مقام الجواب، وهذا لا يجوز إلا في الفعل الماضي؛ لأنه لا يُجزم، تقول: أن قام زيد لأكرمنه، ولا يجوز هذا في المستقبل؛ لأن الشرط يجزمه، فلا بد من الجواب إما بالفعل وإما بالفاء. (فَتَقَصَّدَت مِنْهَا كَسَابَِ فَضُرِّجَتْ ... بِدَمٍ، وَغُودِرَ فِي المَكَرِّ سُخَامُهَا) (فتقصدت) قيل: معناه قصدت، تفعَّلت منه، وقيل: قتلت، من قولهم (رماه فأقصده) أي قتله مكانه، وكساب: اسم كلبة، في موضع النصب في القولين جميعا، وهو مبني على الكسر، وإنما بنى لأن فيه ثلاث علل فوجب أن يبنى؛ لأن ما كانت فيه علتان منع الصرف، فإذا زادت عليه علة بنى والعلل أنها مؤنثة ومعرفة ومعدولة، هذا قول أبي العباس، وقال أبو إسحاق: إنما بني هذا

لأنه في موضع فعل الأمر، ثم سمى به فبنى كما بني الأمر، والاختيار ما قال سيبويه أن هذا يجري مجرى ما لا ينصرف، وهو اختيار سيبويه؛ فيكون كساب بفتح الباء، والرواية على هذا، وضُرِّجت: لطخت بالدم، وغُودر: تُرِك، وسخام: اسم كلب، والهاء تعود على الكلاب. (فَبِتِلْكَ إِذ رَقَصَ اللوامِعُ بِالضُّحَى ... وَاجْتَابَ أَرْدِيَةَ السَّرابِ إِكَامُهَا) معناه فبتلك الناقة أقضى اللبانة، ورقص: اضطرب، واللوامع: الأرضوان التي تلمع بالسراب، الواحدة لامعة، وقيل: أراد باللوامع الآل تراها كأنها تنزو، والآل يكون بالضحى، وهو الذي يرفع كلَّ شيء، والسراب: نصف النهار، وهو الذي يلزق بالأرض، وقوله (بالضحى) أراد في الضحى، واجتاب: لبس، يقال: جبت الثوب إذا لبسته؛ ومنه سمي الجيب لأنه منه يُلبس القميص، وهذا الفعل من ذوات الياء من جاب يجيب) وأما جاب الأرض يجُوبها إذا قطعها ومرَّ فيها فمن ذوات الواو والإكام: الجبال الصغار، يصف أن السراب قد غطَّى الإكام فكأم الإكام قد لبسته. (أَقْضِى اللُّبَانَةَ لاَ أُفَرِّطُ رِيبَةً ... أو أن يَلُومَ بِحَاجَةٍ لَوَّامُهَا) (أقضى) متعلقة بقوله فبتلك، وهذا يسمى التضمين، واللبانة: الحاجة، لا أفرط: لا أقصر، أي أمضى في الحاجة ولا أقصر فيها، قال أبو الحسن: ويروى (أقضى اللبانة أن أفرط ريبة) بنصب ريبة ورفعها؛ فمن رفع جعله خبر الابتداء، والمعنى تفريطي ريبة، ومن نصب فالمعنى مخافة أن أفرط، ثم حذف مخافة، هذا قول البصريين، وقال الكوفيون: لا مضمرة، والمعنى لئلا أفرط

ريبة، يريد أني أتقدم في قضاء حاجتي لئلا أشك وأقول إذا فاتني: ليتني تقدمت، أو يلومني لاثم على تقصيري، ولوام: على التكثير، والمعنى إني لا أدع ريبة تنفذني حتى أحكمها، والتفريط: الإنفاذ والتقديم، والريبة: الشك. ومعنى هذا البيت والذي قبله إنه وصف مواصلته ومصارمته، وأن هذه الناقة تعينه على من أراد مواصلته، وعلى ترك من أراد مصارمته، وهذا البيت يوضع المعنى الذي يقصده. (أو لَمْ تَكُنْ تَدْرِى نَوَارُِ بِأَنَّنِي ... وَصَّالُ عَقْدِ حَبَائِلٍ جَذَّامُهَا) نوار: اسم امرأة من بني جعفر، وجذَّام: قطَّاع، أي أصل في موضع المواصلة من يستحقها، واقطع من يستحق القطيعة، والهاء في (جذامها) تعود على الحبائل. (تَرَّاكُ أَمْكِنَةٍ إذا لَمْ أَرْضَهَا ... أو يَرْتَبِطْ يَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَا) يقول: أترك الأمكنة إذا رأيت فيها ما يكره، إلا أن يدركني الموت فيحبسني، ويروى (أو يعتقي بعض النفوس) وأراد بالنفوس نفسه، ويعتقي: يحتبس، والحمام: الموت، ويقال: القدر، وقيل: أن (يرتبط) في موضع رفع إلا إنه أسكنه لأنه ردَّ الفعل إلى أصله؛ لأن أصل الأفعال ألا تعرب، وإنما أعربت للمضارعة، وقيل: أن (يرتبط) في موضع نصب، ومعنى (أو) معنى إلا أن، كما قال. فَقُلْتُ لَهُ: لاَ تَبْكِ عَيْنُكَ، إنما ... نُحَاوِلُ مُلْكَا أو نَمُوتَ فَنُعْذَرَا بمعنى (إلا أنْ) غير إنه أسكن لأنه ردَّ الفعل أيضا إلى أصله، وأجود من هذين الوجهين أن يكون (أو يرتبط) مجزوما عطفا على قوله (إذا لم أرضها) لأن أبا العباس قال: لا يجوز للشاعر أن يسكن الفعل المستقبل؛ لأنه قد وجب

له الإعراب لمضارعته الأسماء، وصار الإعراب فيه يفرق بين المعاني، ألا ترى أنك إذا قلت: (لا تأكل السمك وتشرب اللبن) كان معناه خلاف معنى قولك (وتشربُ اللبن) ولو جاز أن يسكن الفعل المستقبل لجاز أن يسكن الاسم، ولو جاز أن يسكن الاسم لما تبينت المعاني. (بَلْ أَنْتِ لاَ تَدْرِينَ كَمْ مِنْ لَيْلَةٍ ... طَلْقٍ لَذِيذٍ لهوُهَا وَنِدَامُهَا) (كم) تقع في كلام العرب للتكثير، وليلة طلق وطلقة؛ إذا لم يكن فيها حرٌّ يؤذي ولا برد، وقوله (لذيذ لهوها وندامها) أضاف اللهو إلى الليلة على المجاو، وإنما اللهو فيها، والنِّدام: المنادمة، ولهوها رفع بلذيذ. (قَدْ بِتُّ سَامِرَهَا وَغَايَةَِ تَاجِرِ ... وَافَيْتُ إِذْ رُفِعَتْ وَعَزَّ مُدَامُهَا) سامرها: من السمر وهو حديث الليل، قال أبو إسحاق: ويقال لظل القمر (السمر) والذين يتحدثون فيه السُّمار، والتاجر: الخمار، وغايته رايته التي ينصبها ليُعرف موضعه، و (غاية تاجر) جرُّها من وجهين، أحدهما أن يكون جعل الواو بدل رُبَّ، والآخر أن يكون عطفها على ليلة في البيت الذي قبله،

ويجوز النصب بوافيت، و (عزَّ مدامها؟) أي لكثرة من يشتريها. (أُغْلِى السِّبَاَء بِكُلِّ أَدْ كَنَ عَاتِقٍ ... أو جَوْنَةٍ قُدِحَتْ وَفُضَّ خِتَامُهَا) السِّباء: شراء الخمر، ولا يستعمل في غيرها، والأدكن: الزق الأغبر، والعاتق: قيل هي الخالصة، يقال لكل ما خلص: عاتق، وقيل: التي عُتقت، وقيل: عاتق من صفات الزق، وقيل: من صفة الخمر؛ لأنه يقال: اشترى زق خمر، وإنما اشترى الخمر، وقيل: العاتق التي لم تفتح، والجونة: الخابية وقُدحت: غُرفت، ويقال للمغرفة: المقدحة، وقيل: قدحت مُزجت وقيل: بُزلت، وختامها: طينها، وفُض: كِسرَ. (بِصَبُوح صَافِيَةٍ وَجَذْبِ كَرِينَةٍ ... بِمُوَترٍ تَأَتَالُهُ إِبْهَامُهَا) ويروى (بسماع مُدجنة) والمُدجنة: التي تُسمع في يوم الدجن، ويروى (بسماع صادحة) والكرينة: المغنية، وجمعها كرائن، ويقال للعود: الكران ومُوتر: له أوتار، وتأتالَه - بفتح اللام من قولك (تأَتيتُ له) كأنه يفعل ذلك على مهل وترسل، ويروى (تأتالُه) - بضم اللام - من قولك: (ألت الأمر) إذا أصلحته، وروى ابن كيسان (وصَبُوح صافية).

(بَاكَرْتُ حَاجَتَهَا الدجَاجَ بِسُحْرَةٍ ... لأُِعَلّ مِنْهَا هَبَّ نيَامُهَا) ويروى (أن يهب نيامُها) ويروى (بادرت لذتها) وقوله (باكرت حاجتها) معناه حاجتي في الخمر، فأضاف الحاجة إلى الخمر اتساعا، والدجاج هنا: الديكة والمعنى باكرت بشربها صياح الديكة، وقوله (لأعلَّ منها) من العلل وهو الشرب الثاني، وقد يقال للثالث والرابع عَلَل، من قولهم (تعَلَّلتُ به) أي انتفعت به مرة بعد مرة، ومن روى (أن يهبَّ نيامها) من قولهم (هبَّ النائم) إذا استيقظ، فإن عنده في موضع نصب، والمعنى وقت أن يهب نيامها، كما تقول: أنا أجيئك مَقْدَمَ الحاج، أي وقت مقدم الحاج، ثم حذفت وقتاً وأعربت مقدما بإعرابه، ونصب الدجاج على الوقت كذلك. (وَغَداةٍ ريحٍ قَدْ وَزَعْتُ وَقَرَّةٍ ... إذْ أصْبَحَتْ بِيَدِ الشَّمالِ زِمَامُهَا) وزعتُ: كففت، ويروى (كشفت) أي بالطعام والكسوة وإيقاد النيران، وقالوا في قوله عز وجل: (يوزَعُونَ) أي يكف آخرهم عن أولهم، وقيل في قوله تعالى: (أوْزِعْني أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ) ألهمني، وقيل: أكففني عن جمع الأشياء إلا عن شكرك والعمل الصالح والقِرَّة: البرد، وقوله (إذ أصبحت بيد الشمال زمامها) أي إذ أصبحت الغداة الغالب عليها الشمال وهي أبرد الرياح، وجعل للشمال يداً وللغداة زماماً. (وَلَقَدْ حَمَيْتُ الخَيْلَ تَحْمِلُ شِكَّتي ... فُرُطٌ وِشاحي - إذْ غَدَوْتُ - لِجَامُهَا) ويروى (ولقد حميتُ الحيَّ) أي منعته من أن يصاب، يقال: حميتُ المكان

حمىً؛ إذا منعت منه، وأحميته: جعلته حمىً لا يُقرَب، وحميتُ القوم في الحرب حماية، وحميت المريض حمية، وتحامى القوم: إذا منع بعضهم بعضاً، والشكة: اسم لجميع السلاح، وقولهم (شائك السلاح أي لسلاحه شوكة، وفرط: يعني فرسا متقدما، وقوله (وشاحي لجامها) معناه أن الفرسان كان أحدهم يتوشح اللجام ليكون ساعة يفزع قريبا منه، وتوشحه إياه: أن يُلقيه على عاتقه ويخرج يده منه، و (تحمل) في موضع الحال، و (فُرُط) رفع بتحمل. (فَعَلَوْتُ مُرْتَقِبَاً عَلَى مَرْهُوَبةٍ ... حَرَجٍ إلى أَعْلاَمِهِنَّ قَتَامُهَا) ويروى (على ذي هبوة) ويروى (مرتقبا) بفتح القاف فيكون مفعولا، وبكسر القاف يكون منصوبا على الحال، ومعناه أحرس أصحابي وأرقبهم، والمرتقب: الموضع الذي يُرقب فيه، والهبوة: الغُبار والمعنى أن القتام كثر حتى بلغ إلى الأعلام وهي الجبال، والمرهوبة: المخوفة، وأصل الحرج الضيق، ويقال للشجر الملتف بعضه إلى بعض: حرج، ويقال: أن حرجا بمعنى مُحرج، فكأنه قد ألجئ إلى الجبال، ويروى (حرج إلى أعلامهن قتامها) بمعنى قتامها حرج

إلى أعلامهن، والهاء في (قتامها) تعود على مرهوبة، وقال ابن الانباري، وقال ابن الانباري: حرج إلى أعلامهن معناه دائم إلى أعلامهن قتامها وثابت معهم، يقال: حرج الموت بآل فلان، أي لصق وثبت، والحَرِجُ والحَرَجُ: الشديد الضيق، والقتام رفع بحرج. (حَتَّى إذا أَلْقَتْ يَداً فِي كَافِرٍ ... وَأَجَنَّ عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلاَمُهَا) (ألقت) يعني الشمس أضمرها ولم يجر لها ذكر، ومعنى قوله (ألقت يدا) أي بدأت في المغيب، ومنه يقال (وضع فلان يده في كذا وكذا) إذا بدأ فيه، وعنى بالكافر الليل لأنه يستر بظلمته، وأجن: ستر، وعورات الثغور: المواضع التي تؤتى المخافة منها، وكل مكان يتخوف منه فهو ثغر، وفرج، و (مدينة مُعورة) إذا كان فيها مكان يتخوف منه. (أَسْهَلْتُ وَانْتَصَبَتْ كَجِذْعِ مُنِيفَةٍ ... جَرْدَاَء يَحْصَرُ دُونَهَا جَرَّامُهَا) أسهلت: أي نزلت من مرقبتي إلى السهل، فنصبت عنقها من مرحها ولم تكسرها، أي لما غربت الشمس ولم أتمكن من حراسة أصحابي على المرتقب صرت إلى السهل من الأرض، والفرس يقع على الذكر والأنثى، إلا أنك تقول في التصغير للذكر فُريس، وللأنثى فُريسة، هذا قول البصريين، وقوله (كجذع

منيفة) أي كجذع نخلة مُنيفة، والجرداء: التي قد انجردت من سعفها وليفها، ويحصر: يكل ويضجر، والجرام: القطاع، ويروى (جَرامها) بفتج الجيم. (رَفَّعْتُهَا طَرَدَ النَّعَامِ، وَفَوْقَه، حَتَّى إذا سَخِنَتْ وَخَفَّ عِظَامُهَا) أي رفعتها في السير، وطرد النعام: عدوه، يقال: طَرَد، وَطَرْد، وفوقه: يعني فوق الطّرَد، وطَرَدَ منصوب لأن معنى رفعتها طَرَدْتها، وسخنت: حميت من العرق، ويروى سخُنِت وَسَخِنت، من قولهم: سخنت عين الرجل، ومعنى (سَخِنت عين الرجل) على التمثيل، كأنها سخنت من الدمع، كما أن معنى (قرَّتْ) كفت من الدمع، وقيل معنى قرت من القرَّة، وقوله (خف عظامها) وقيل: المعنى إنها إذا كثر عرقها خف عظامها، وقيل: معنى (خف عظامها) أسرعت، كما تقول: خَفَّ فلانٌ في حاجتي، ولم يقل (خَفّت) لأن التأنيث غير حقيقي. (قَلِقَتْ رِحَالَتُهَا، وَأَسْبَلَ نَحْرُهَا ... وَابْتَلَّ مِنْ زَبَدِ الحَمِيمِ حِزَامُهَا) الرحالة: سرج كان يعمل من جلود الشتاء بأصوافها يُتخذ للجري الشديد، و (أسبل نحرها) أي سال بالعرق، والحميم: العرق، والحميم في غير هذا: الماء الحار، والقريب، يقول: أسرعت فقلقت رحالتها، وليس ذلك من ضُمر، وقال بعض أهل اللغة: الرحالة شبيه بالسرج لا قربوس له ولا مؤخرة، وربما كان من لبود، وربما كان من بُجُد، و (قلقت) جواب حتى إذا. (تَرْقَى، وَتطعُنُ فيِ العِنَانِ، وَتَنْتَحِي ... وِرْدَ الحَمَامَةِ إِذْ أَجَدَّ حَمَامُهَا) يصف إنها ترفع رأسها فكأنها تصعد، وتطعن: أي تعتمد في العنان كما

يعتمد الطاعن، وتنتحي: تقصد، والحمامة: القطاة، يعني أنها تمر كما تمر القطاة إلى الماء وبين يديها قطا قد انكمش فهي في اثره، وهو أسرع لها، ويريد بالحمام هنا جماعة؛ لأنه يقال للذكر والأنثى (حمامة) ولا يقال للذكر حمام؛ لئلا يشبه الجمع، فإن أردت أن تبين قلت: رأيت حمامة ذكراً. ومعنى البيت أن فرسه تُسرع كما تسرع هذه القطاة إلى شُرب الماء وهي في أثر قطا بعد الكلال والتعب. (وَكَثِيرَةٍ غُرَبَاؤُهَا مَجْهُولَةٍ ... تُرْجَى نَوَافِلُهَا وَيُخْشَى ذَامُهَا) في معنى فوله (وكثيرة غرباؤها) اختلاف، قيل: معناه وخطة كثيرة غرباؤها، ثم أقام الصفة مقام الموصوف، والواو بدل من رُبَّ، والمعنى على هذا: رُبَّ خطة قد جُهل القضاء فيها وجهلت جهاتها، وقيل: المعنى وحرب كثيرة غرباؤها؛ لأن الحرب مؤنثة وإن كانت العرب تقول في تصغيرها حريب - بغير هاء - لأنه في الأصل مصدر، من قولك: حربته حربا فالمعنى على هذا: ربَّ حرب كثيرة غرباؤها، وجعلها كثيرة الغرباء لما يحضرها من ألوان الناس وغيرهم، وجعلها مجهولة لأن العالم بها والجاهل يجهلان

عاقبتها، ثم قال (تُرجى نوافلها) يعني الغنيمة والظفر، ويخشى ذامها: أي عيبها. وقيل: المعنى وجماعة كثيرة غرباؤها، وقيل: إنما يريد قُبَّة النعمان، وجعلها كثيرة الغرباء لاجتماع الناس عندها، وجعلها مجهولة لأن بعضهم لا يعرف بعضا إلا بالسؤال، وقيل: يريد وأرض كثيرة غرباؤها، أي أرض يضل بها من يسلكها إذا جهل طرقها، وإنما وقع الاختلاف في المعنى لأنه أقام الصفة مقام الموصوف، فاحتمل هذه المعاني، إلا أن الأشبه بما يريد الجماعة، لأن بعد هذا البيت (أنكرت باطلها وبؤت بحقها) وإقامة الصفة مقام الموصوف في مثل هذا قبيح؛ لما يقع فيه من الإشكال، ألا ترى إنك لو قلت (مررت بجالس) كان قبيحا، ولو قلت (بظريف) كان حسنا، وغرباؤها مرفوع بكثيرة، أي كثرت غرباؤها. (غُلْبٌ تَشَذّرُ بِالذُّحُولِ كَأَنّهَا ... جِنُّ البَدِيِّ رَوَاسِياً أقْدْامُهَا) الغلب: الغلاط الأعناق؛ تشذر: أي يُوعد بعضهم بعضا، وقيل: التشذر رفع اليد ووضعها، أي أنهم كانوا يفعلون ذلك إذا تفاخروا وتثالبوا وتشذرت الناقة: إذا شالت بذنبها، والذحول: جمع ذحل، وهو الحقد، والبدي: البادية، وقيل: البدي موضع، والرواسي: الثوابت، ورواسيا منصوب على الحال، وصرفه للضرورة، وأقدامها رفع برواس، وقال ابن الأنباري: البدي واد لبني عامر، ويروى (غلب تشازر) وتشازرهم: نظر بعضهم إلى بعض بمآخير أعينهم. (أَنْكَرْتُ باطِلَهَا، وَبُؤْتُ بِحَقِّهَا ... يَوْماً، وَلَمْ يَفْخَرْ عَلَىَّ َكِرَامُهَا) ويروى (وبؤت بحقها عندي) ومعناه انصرفت به، جاء في الحديث (باء

طلحة بالجنة) أي انصرف بها، وقيل: بؤت اعترفت، وهذا البيت متعلق بقوله (وكثيرة غرباؤها) والمعنى: وكثيرة غرباؤها أنكرت باطلها: أي رددته، وبؤت بحقها: أي احتملته ولزمته، و (لم يفخر على كرامها) أي أن فخري ظاهر بيِّن، وقيل: بؤت بحقها أي بحقي؛ لأني فخرت بحق، وأصل الفخر الارتفاع والتعظيم، يقال (دار فاخرة) أي مرتفعة عظيمة، و (ناقة فخور) أي عظيمة الضرع، قال القطامي: وَتَراهُ يَفْخَرُ أن تَحُلَّ بُيُوتُه ... بِمَحَلَّة الزَّمِرِ القَصِيرِ عِنَانَا أي يرفع نفسه أن تحل بيوته بمحلة الزمر، وهو الناقص، وقالوا في (أنكرت باطلها) أي أنكرت ما فخر به الوفود من الباطل. (وَجَزُورِ أَيْسَارٍ دَعَوْتُ لِحَتْفِهَا ... بِمَغَالِقٍ مُتَشَابِهٍ أَعْلاَمُهَا) ويروى: دعوت إلى الندى ... بمغالق متشابه أجسامها الجزور: الناقة تشتري للذبح، وجمعها جزائر وجزر، والأيسار: جمع يسر، وهو الذي يضرب بالقداح، ويقال له أيضا ياسر، وقوله (لحتفها) أي لنحرها، والمغالق: القداح التي يُضرب بها، الواحد مِغلق ومغلاق، وإنما سميت مغالق لأنه يجب بها غلوق الرهن، يقال: غلق الرهن يغلق غلقا وغلوقا؛ إذا لم يقدر على فكه، والأعلام: العلامات، واحدها علم، و (متشابه أجسامها) أي يشبه بعضها بعضا وهي على قدر واحد.

(أَدْعُو بِهِنَّ لِعَاقِرٍ أو مُطْفِلٍ ... بُذِلَتْ لِجِيرَانِ الجَمِيعِ لِحَامُهَا) يقول: أدعو بهذا المغالق لأيسر بها على ناقة عاقر: أي لا تلد، وناقة مُطفل: معها ولد صغير، والعاقر أسمن، والمطفل أغلى، واللحام: جمع لحم، يقال: لحم وألحم ولحمان ولحام، ويروى (لجيران الشتاء) و (لجيران العشى). (فَالضَّيْفُ وَالجَارُ الغَرِيبُ كَأَنَّمَا ... هَبَطَا تَبْالَةَ مُخْصِباً أَهْضَامُهَا) ويروى (والجار الجنيب) وأراد بالضيف النازل غير المقيم، والجار الجنيب: الغريب، وكذلك الجانب، والجُنُب، وتبالة: اسم موضع، يقال: إنه كثير الخصب، ومن أمثالهم (ما نزلت تبالة لتحرم الأضياف)، والأهضام: بطون منهضمة، واحدها هضم، وفيها نخل كثير، يقول: فإذا نزل بهم الضيف صادف عندهم من الخصب والفواكه ما يصادفه بتبالة إذا هبطها، وإنما يعني نفسه، أي إذا نزل عليَّ، ومخصبا: نصب على الحال من تبالة، والأهضام: رفع بمخصب، وخص ما تطامن من الأرض لأن السيل إليه أوصل فهو أخصب. ومعنى البيت: أن ضيفه وجاره بمنزلة من نزل تبالة من الخصب. (تَأْوِي إلى اْلأَطْنَابِ كُلُّ رَذِيَّةٍ ... مِثْلِ البَلِيَّةِ قَالِصٍ أَهْدَامُهَا)

ويروى (قالصا أهدامها) بالنصب، و (تأوي) تنضم، والرذية: الناقة المهزولة التي قد تركت لُهزالها، والرذية هنا: المرأة التي قد أرذاها أهلها، أي ألقوها، والمراد بقوله (كل رذية) الأرامل واليتامى، فيقول: منزلنا معان من الأضياف وذوى الحاجة، والبلية في الأصل: الناقة يموت صاحبها فيشد وجهها بكساء، وتُشد عند قبره، ولا تطعم ولا تسقى حتى تموت، والقالص: المرتفع، والأهدام: جمع هدم وهو الثوب الخلق، وإنما يريد أن أطنابه - وهي حبال الخيام - تأوي إليها الفقراء والأرامل: لأنه يُطعمهم ويُعطيهم، وروى أبو عبيدة (يأوي) بالياء على لفظ كل، والتاء على المعنى. (وَيُكَلِّلُونَ إذا الرِّيَاحُ تَنَاوَحَتْ ... خُلُجاً تُمَدُّ شَوَارِعاً أَيْتَامُهَا) التكليل: نضد اللحم بعضه على بعض، أي يٌكللون الجفان باللحم، وتناوحت: أي قابل بعضها بعضا، وذلك في الشتاء، وقال ابن كيسان: يجوز أن يكون تناوحت من (نحوت نحوه) فيكون الأصل على هذا تناحى وللمؤنث تناحت، مثل تقاضت، ثم تقدَّم لام الفعل فيصير تناوحت، ونصب (خلجا) بقوله يُكللون، وإنما شبه الجفان بالخلج لسعتها، وقوله (تمدُّ) أي يزاد فيها، وشوارع: ترد شارعة، قال ابن كيسان: يجوز أن يكون شوارع منصوبا على الحال من المضمر الذي في تمد، والأجود أن يكون منصوبا على إنه نعت لقوله خُلُجا، وأيتامها مرفوع بشوارع. ومعنى البيت انهم

يُطعمون الطعام في الشتاء ووقت الجهد. (إِنَّا إذا الْتَقَتِ المَجَامِعُ لَمْ يَزَلْ ... مِنَّا لِزَازُ عَظِيَمةٍ جَشَّامُهَا) ويروى (كُنَّا إذا التقت المجامع) ويروى (المحافل)، قال ابن كيسان: إنَّا أبلغ في المدح من كنا، يعني أن كنا إنما تدل على ما مضى فقط؛ فلهذا صار إنَّا أمدح، وجاز كنا لأنه إذا أخبر عما مضى فليس فيه دليل على إنه نفى غيره، وأيضا فإن كنا يجوز أن تؤدي عن معنى ما زال، قال الله عز وجل: (وكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)، واللزاز: الذي يلزم الشيء ويعتمد عليه فيه، ومنه سُميت الخشبة التي يُشد بها الباب لزازا أو هي المترس، ولز فلان بفلان؛ إذا لزمه، والجشام: المتكلف للأمور القائم بها. ومعنى البيت إنه إذا اجتمع الناس للفخار أو لعظيم من الأمر كان الذي يقوم بذلك ويحكمه منهم. (وَمُقَسِّمٌ يُعْطِي العَشِيرَةَ حَقّهَا ... وَمُغَذْمِرٌ لِحُقُوقِهَا هَضَّامُهَا) أي ومنا مقسم يقسم بالعدل وبغيره، وقال الأصمعي: المغذمر: الذي يضرب بعض حقوق الناس ببعض، فيأخذ من هذا ويعطي هذا، وقال أبو عبيدة: هو الذي لا يُعصى ولا يُرد قوله، والهضام: الذي ينقص قوما ويعطي قوما بتدبير، وقد وثق به في ذلك، وأصل الهضم الكسر، يقال (اهضم له من حقك) أي اكسر له، ومن ثم قيل: رجل هضُوم الشتاء، أي يكسر ما له في الشتاء، ومنه (هضيم الحشا) وفي الأرض هُضُوم، أي مُطمئنات.

(فَضْلاً، وَذُو كَرَمٍ يُعِينُ عَلَى النَّدَى ... سَمْحٌ كَسُوبُ رَغَائِبٍ غَنَّامُهَا) معناه يفعل ذلك رغبة في الفضل، وذو كرم: مرفوع على معنى ومنا ذو كرم، وقوله (يعين على الندى) يعني السخاء والبذل، ويروى (يُعين على العلى) يعني ما يرفع، والسمح: السهل الأخلاق، و (كسوب رغائب) أي يغنمها من أعدائه. (مِنْ مَعْشَرٍ سَنَّتْ لَهُمْ آبَاؤُهُمْ ... وَلِكُلِّ قَوْمٍ سُنَّةٌ وَإِمَامُهَا) يقول: هؤلاء الذين ذكرت من معشر هذه العادة فيهم سُنَّة، و (لكل قوم سنة) معناه سَنَّ لهم آباؤهم سُنة، وعلموهم مثال السنة، والإمام: المثال، والسُّنَّة: الطريق، والأمر الواضح. ومعنى البيت إنَّا ورثنا هذه الأفعال عن آبائنا، ولم يزل هذا الشرف فينا متقدما. ويروى بعده هذا البيت: (أن يَفْزَعُوا تُلْقَ المَغَافِرُ عِنْدَهُمْ ... وَالسِّنُّ يَلْمَعُ كَالكَوَاكِبِ لاَمُهَا) يريد بالسِّنِّ الأسنَّة، واللام: جمع لامة، وهي الدرع. (لاَ يَطْبَعُونَ وَلاَ يَبُورُ فَعَالُهُمْ ... إِذْ لاَ تَمِيلُ مَعَ الهَوَى أَحْلاَمُهَا) لا يطبعون: أي لا تدنس أعراضهم، و (لا يبور فعالهم) أي لا يهلك، و (بار الطعام) إذا كسد. والمعنى: إنَّا لا نميل مع هوانا، وإن عقولنا تغلب هوانا.

(فَبَنَوْا لَنَا بَيْتاً رَفِيعاً سَمْكُهُ ... فَسَمَا إليه كَهْلُهَا وَغُلاَمُهَا) ويروى (فبنى) يعني الإمام، وقوله (فبنوا) يعني الآباء، وقوله (بيتا) تمثيل، وإنما يعني به الشرف، والسَّمْك: الارتفاع، ويجوز أن يروى (رفيع سمكه) على معنى سمكه رفيع، والأولى أجود، وسما: ارتفع. (فَاقْنَعْ بِمَا قَسَمَ المَلِيكُ؛ فَإِنَّمَا ... قَسَمَ الخَلائِقَ بَيْنَنَا عَلاَّمُهَا) ويروى (فإنما قسم المعايش) والخلائق: الطبائع، وقال الخليل: الخلائف الأخلاق الحسنة، والضمير من (علاَّمُها) يعود إلى الخلائق، والعلاَّم: هو الله سبحانه وتعالى. (وَإِذَا الأَمَانَةُ قُسِّمَتْ فيِ مَعْشَرِ ... أَوْفَى بِأَعْظَمِ حَظَّنَا قَسَّامُهَا) ويروى (بأفضل حظِّنَا)، وأوفى: معناه ارتفع، وقيل في معناه: الذي قسم لنا أعطانا أفضل الحظ، يقال: وَفَى وأَوفَى بمعنى، ويريد بقوله (أوفى بأفضل حظنا قسَّامها) الله عز وجل، كأنه يصف ما فُضِّلُوا به.

(فَهُمُ السُّعَاةُ إذا العَشِيرَةُ أُفْظِعَتْ ... وهُمُ فَوَارِسُهَا وَهُمْ حُكَّامُهَا) ويروى (إن العشيرة أُفظعت) أي: حل بها أمر عظيم فظيع، ويروى (أُقطعت) أي غُلبت، والمقطع: المغلوب، وقيل: المقطع الذي لا ديوان له ولا حيلة، ومعناه انهم السُّعاة في صلاح الحي من الدِّيات وغيرها، وهم فوارسها الذين يمنعونها، وحكامها الذين يُرجع إلى رأيهم، ويُقبل قولهم، ولا يُرد فيما أصدروه وأوردوه. (وَهُمُ رَبِيعٌ لِلْمُجَاوِرِ فِيهِمُ ... وَالمُرْمِلاَتِ إذا تَطَاوَلَ عَامُهَا) أي هم بمنزلة الربيع في الخصب لمن جاورهم، والمرملات: اللواتي لا أزواد لهن، واللواتي قد مات أزواجهن، وهو المراد هنا؛ لأن قوله (إذا تطاول عامها) يدل عليه؛ لأن المرأة كانت إذا توفي عنها زوجها أقامت عاما، ونزل بذلك القرآن في أول شيء، قال عز وجل: (وَالّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إلى الحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاج)، ثم نسخ هذا بقوله: (وَالّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً). (وَهُمُ العَشِيرَةُ أن يُبَطِّئَ حَاسِدٌ ... أو أن يَلُومَ مَعَ العِدَى لَوَّامُّهَا) رواية أبي الحسن (مع العدو لئامها)، وقوله (وهم العشيرة) فيه مدح، كما تقول (هو الرجل) أي هو الرجل الكامل، وقوله (أن يبطئ حاسد) قال أبو الحسن: معناه من أن يبطئ حاسد؛ فإن على هذا في موضع نصب كما تقول: عجبت أن تكلم زيد، فلما حذفت تعدى الفعل، وأجاز بعض النحويين أن تكون أن في موضع خفض على إضمار الحرف، ومعنى من أن يبطئ حاسد، كما تقول:

معلقة عنترة بن شداد العبسي

هو الحصن أن يُرام، أي من أن يُرام، ويقال: معناه هم العشيرة التي لا يقدر حاسد أن يبطئ الناس عنهم بسوء قول منهم (أو أن يلوم) أي ولا يقدر لائمهم على لومهم، من كرمهم، وقال أبو جعفر: قوله (أن يبطئ حاسد) معناه هم العشيرة الذين يقومون بأمرنا من أن يبطئ حاسد فيقول: قد أبطأوا في أمرهم ولم يعجلوا الغوث، حسدا منهم لهم، ويروى (إن تبطأ حاسد) ويروى (إن تنبط حاسد) أي استخرج أخبارهم، والعدى: الاختيار فيه كسر العين أن لم تكن فيه هاء، وقد تضم، فإذا أدخلت الهاء ضممت العين لا غير. معلقة عنترة بن شداد العبسي وقال عنترة بن معاوية بن شداد بن قُراد، كذا قال يعقوب بن السكيت، وقال أبو جعفر أحمد بن عبيد: عنترة بن شداد بن معاوية بن قُراد أحد بني مخزوم بن عوف بن غالب، وكانت أمه حبشية ويكنى أبا المغلس:

(هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ ... أَمْ هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ؟) مُتردم: من قولك (ردمت الشيء) إذا أصلحته، ومعناه هل بقي الشعراء لأحد معنى إلا وقد سبقوا إليه؟ وهل يتهيأ لأحد أن يأتي بمعنى لم يُسبق إليه؟ ويروى من (مترنم) والترنم: صوت خفي ترجعه بينك وبين نفسك، والشعراء: جمع شاعر، وإنما يكون فُعلاء جمع فعيل مثل ظريف وظرفاء، إلا أن فعيلا إنما يقع لمن قد كمل ما هو فيه، فلما كان شاعر إنما يقال لمن قد عرف بالشعر شُبِّه بفعيل، ودخلته ألف التأنيث لتأنيث الجماعة، كما تدخل الهاء في قولك صياقلة وما أشبهه، وقوله (أم هل) إنما دخلت أم على هل وهما حرفا استفهام لأن هل ضعُفت في حروف الاستفهام فأدخلت عليها أم، كما أن لكن ضعفت في حروف العطف لأنها تكون مُثقلة ومخففة من الثقيلة وعاطفة، فلما لم تقو في حروف العطف أدخلت عليها الواو، ونظير هذا ما حكى عن الكسائي إنه يجيز (جاءني القوم إلا حاشا زيد) لأن حاشا ضعفت عنده إذ كانت تقع في غير الاستثناء، ويروى (أم هل عرفت الربع) والربع: المنزل في الربيع، ثم كثر استعمالهم غياه حتى قيل (ربع) وإن لم يكن في الربيع، وكذلك دار من التدوير، ثم كثر استعمالهم حتى قيل دار وإن لم تكن مدورة، والتوهم هنا: الإنكار، ويحتمل أن يكون بمعنى الظن. (يَا دَارَ عَبْلَة بِالجِوَارِ تَكَلّمِي ... وَعِمِى صَبَاحاً دَارَ عَبْلَةَ وَاسْلَمِي) الجواء: بلد يسميه أهل نجد جواء عدنة، والجواء أيضا: جمع جو، وهو البطن من الأرض الواسع في انخفاض، ومعنى (تكلمي) أي أخبري عن أهلك وسكنك،

و (عمي) قال الفراء: عم وأنعم واحد، يذهب إلى أن النون حفت منه، كما حذفت فاء الفعل من قولك خُذ وكُلْ ويروى أن أبا ذر لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (أنعم صباحا) قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أبْدَلَنِي منها ما هو خير منها) فقال له أبو ذر: ما هي؟ قال: السلام؛ ومعنى (اسلمي) سلمك الله من الآفات. (فَوَقَفْتُ فِيهَا نَاقَتِي وَكَأَنَّهَا ... فَدَنٌ؛ لأقِضيَ حَاجَةً المُتَلَوِّم) الفدن: القصر، والمتلوم: المتمكث، وعنى بالمتلوم نفسه، وقوله: (لأقضي) منصوب بإضمار أن، ولام كي بدل منها، واللام متعلقة بقوله فوقفت فيها. (وَتَحُلُّ عَبْلَةُ بِالجِواءِ وَأَهْلُنَا ... بِالحَزْنِ فَالصَّمَّانِ المُتَثَلّم) حل يحل فهو حال، إذا نزل، وحل يحل إذا وجب فهو حال، وحل من إحرامه يحل فهو حلال، ولا يقال حال، والصَّوَّان والصَّمَّان: موضع، ويقال: جبل، والصَّمان والصوان في الأصل: الحجارة، والصوان يستعمل لحجارة النار خاصة، وكانت العرب تذبح بها، وقال أبو جعفر: الجواء بنجد، والحزن لبني يربوع، والصمان لبني تميم، ومتثلم مكان. (حُيِّيتَ مِنْ طَلَلٍ تَقَادَمَ عَهْدُهُ ... أَقْوَى وَأَقْفَرَ بَعْدَ أُمِّ الهَيْثَمِ) حُيِّيت: من التحية، والتحية في الأصل: الملك، تقادم عهده: أي قدم العهد به وطال، وأقوى: خلا، قال عز وجل: (نَحْنُ جعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعَاً للمُقْوِينَ)

يعني النار، أي أنها تذكرهم جهنم، وينتفع بها المقوون، قيل: المقوون الذين فني زادهم كأنهم خلوا من الزاد، وقيل: هم المسافرون كأنهم نزلوا الأرض القواء وقوله: (أقفر) معناه كمعنى أقوى، إلا أن العرب تكرر إذا اختلف اللفظان، وإن كان المعنى واحدا، هذا قول أكثر أهل اللغة، وأنشدوا قول الحطيئة: أَلاّ حَبَّذَا هِنْدٌ وَأَرْضٌ بِهَا هِنْدُ ... وَهِنْدٌ أَتَى مِنْ دُونِهَا النّأْيُ وَالبُعْدُ والنأي والبعد واحد، وكذلك قول الآخر: فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذَا مَالٍ وَذَا نَشَبِ وهما واحد، وزعم أبو العباس إنه لا يجوز أن يتكرر شيء إلا وفيه فائدة، قال: والنأي ما قل من البعد، والبعد لا يقع إلا لما كثر والنشب: ما ثبت من المال نحو الدار وما يشبهها، يذهب إلى إنه من نشب ينشب، وكذلك قال في قول الله عز وجل: (شِرْعَةً وَمِنْهَاجَاً) قال: الشرعة ما ابتدئ من الطريق، والمنهاج: الطريق المستقيم، وقال غيره: الشرعة والمنهاج واحد، وهما الطريق، ويعني بالطريق هنا الدين. (حَلَّتْ بِأَرْضِ الزَّائِرِينَ فَأَصْبَحَتْ ... عَسِراً عَلَىَّ طِلاَبُكِ ابْنَةَ مَخْرَمِ) وروى أبو عبيدة:

شَطَّتْ مَزَارُ العَاشِقِينَ، فَأَصْبَحَتْ ... عَسِراً عَلَىَّ طِلاَبُهَا ابْنَةُ مَخْرَمِ والزائرون: الأعداء، كأنهم يزأرون كما يزأر الأسد وعسرا: منصوب على إنه خبر أصبح، وطلابها مرفوع به، واسم أصبح مضمر فيه، ويجوز أن يكون عسر رفعا على إنه خبر الابتداء، ويضمر في أصبح، ويكون المعنى فأصبحت طلابُها عسر عليَّ، ونصب (ابنة مخرم) على إنه نداء مضاف، ويجوز الرفع في ابنة على مذهب البصريين، ويكون المعنى فأصبحت ابنة مخرم طلابها عسر علىَّ، كما تقول: كانت هند أبوها منطلق، ومعنى (شطت) على رواية أبي عبيدة أي جاوزت، يقال: شطت الدار تَشُطُّ وتَشِطُّ؛ إذا تباعدت، والمعنى شطَّت عبلة مزار العاشقين، أي بعدت من مزارهم. فإن قيل: كيف قال: (حلت بأرض الزائرين) فذكر غائبة، ثم قال (طلابُكِ) فخاطب. قيل له: العرب ترجع من الغيبة إلى الخطاب كقوله تعالى: (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً، أن هذا كَانَ لَكُمْ جَزَاءِ) ومن الخطاب إلى الغيبة كقوله تعالى: (حَتَّى إذا كُنْتُمْ فيِ الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) ومخرم: اسم رجل، وقيل: اسمه مخرمة، ثم رخم في غير النداء. (عُلِّقْتُهَا عَرَضاً وَأَقْتُلُ قَوْمَهَا ... زَعْماً لَعَمْرُ أَبِيكَ لَيْسَ بِمِزْعَمِ)

عُلقتها: أي أحببتها، وبفلان علق وعلاقة من فلانة، وقوله (عرضا) معناه كانت عرضا من الأعراض اعترضني من غير أن أطلبه، ونصب (عرضا) على البيان، وفي قوله (زعما) قولان: أحدهما أني أحبها وأقتل قومها فكان حبها زعما مني، والقول الآخر أن أبا عمرو الشيباني قال: يقال (زَعِمَ يَزْعَم زَعَما) إذا طمع، فيكون على هذا الزَّعم اسما يعني الزعم، وقال ابن الانباري: معناه علقتها وأنا أقتل قومها فكيف أحبها وأنا أقتلهم؟ أم كيف أقتلهم وأنا أحبها؟ ثم رجع مخاطبا لنفسه فقال: (زعما لعمرُ أبيكَ ليسَ بمزعم) أي هذا فعل ليس بفعل مثلي، والزعم: الكلام، ويقال: (أمر فيه مزاعم) أي فيه منازعة، قال: والعرض منصوب على المصدر، والزعم كذلك أيضا. (وَلَقَدْ نَزَلْتِ فَلاَ تَظْنِّي غَيْرَهُ ... مِنِّى بِمَنْزِلَةِ المُحَبِّ المُكرَمِ) الباء في قوله (بمنزلة) متعلقة بمصدر محذوف؛ لأنه لما قال (نزلت) دل على النزول، وقال أبو العباس في قوله عز وجل: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإلْحَادٍ بِظُلْمٍ) أن الباء متعلقة بالمصدر؛ لأنه لما قال: (ومَنْ يُرِدْ) دلَّ على الإرادة، وقوله (بمنزلة) في موضع نصب، والمعنى: ولقد نزلت منى منزلة مثل منزلة المحب. وقوله (فلا تظني غيره) أي لا تظني غير ما أنا عليه من محبتك، والمُحب جاء على أحب وأحببت، والكثير في كلام العرب محبوب. (كَيْفَ المَزَارُ وَقَدْ تَرَبَّعَ أَهْلُهَا ... بِعُنًيْزَتْينِ وَأَهْلُنَا بِالْغَيْلَمِ؟) يقال (تربع القوم) نزلوا في الربيع، وعنيزتان والغيلم: موضعان يقول: كيف أزورها وقد بعدت عنى بعد قربها وإمكان زيارتها؟ والمزار: مرفوع بالابتداء

على مذهب سيبويه، وبالاستقرار على مذهب غيره. (أن كُنْتِ أَزْمَعْتِ الفِراقَ فَإنَّمَا ... زُمَّتْ رِكَابُكُمُ بِلَيْلٍ مُظْلِمِ) يقال: أزمعت، وأجمعت، فأنا مُزمع، والرِّكاب: لا يستعمل إلا في الإبل خاصة والركب: الجماعة الذين يركبون الإبل وقوله (زُمَّتْ ركابكم) أي شدت بالأزمة، والمعنى أن هذا أمر أحكمتموه بليل، فكأن أجمالكم زُمَّتْ في ذلك الوقت، وتما قصد الليل لأنه وقت تصفو فيه الأذهان، ولا يشتغل القلب بمعاش ولا غيره. (مَا رَاعَنِي إِلاَّ حَمُولَةُ أَهْلِهَا ... وَسْطَ الدِّيَارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمْخِمٍ) (راعني الشيء) أي أفزعني، والحمولة: الإبل التي يُحمل عليها، ووسط: ظرف؛ وإذا لم يكن ظرفا حركت السين فقلت: وسَطُ الدار واسِعٌ، وتَسَفُّ: تأكل، يقال: سففتُ الدواء وغيره أسفه، وقال أبو عمرو الشيباني: الخمخم: بقلة لها حب أسود إذا أكلته الغنم قلت ألبانها وتغيرت، وإنما يصف أنها تأكل هذا لأنها لم تجد غيره، وروى ابن الأعرابي (الحمحم) بالحاء غير معجمة، وقال: الحمحم أسرع

هيجا - أي يبساً - من الخمخم. ومعنى البيت إنه راعه سف الحمولة حبَّ الخمخم، لأنه لم يبق شيء إلا الرحيل إذا صارت تأكل حب الخمخم، وذلك أنهم كانوا مجتمعين في الربيع، فلما يبس البقل ارتحلوا وتفرقوا. (فِيهَا اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ حَلُوَبَةً ... سُوداً كَخَافِيَةِ الغُرَابِ الأَسْحَمِ) ويروى (خلية) في موضع حلوبة، والخلية: أن يعطف على الحوار ثلاث من النوق ثم يتخلى الراعي بواحدة منهن، فتلك الخلية، والحلوبة: المحلوبة تستعمل في الواحد والجمع على لفظ واحد، والخوافي: أواخر ريش الجناح مما يلي الظهر، والأسحم: الأسود، واثنتان: مرفوع بالابتداء، وإن شئت بالاستقرار، وأربعون معطوف عليه، وقوله (سودا) نعت لحلوبة؛ لأنها في موضع الجماعة، والمعنى من الحلائب. ويروى (سود) على أن يكون نعتا لقوله (اثنتان وأربعون). فإن قيل: كيف جاز أن ينعتهما وأحدهما معطوف على صاحبه. قيل: لأنهما قد اجتمعا فصارا بمنزلة قولك (جاءني زيد وعمرو الظريفان) والكاف في (كخافية) في موضع نصب، والمعنى سودا مثل خافية الغراب الأسحم. (إِذْ تسْتَبِيكَ بِذِي غُرُوبٍ وَاضِحٍ ... عَذْبٍ مُقَبَّلُهُ لَذِيذِ المَطْعَم) تستبيك: تذهب بعقلك، وقولهم (سباه الله) أي غربه الله، وغرب كل شيء: حدُّه، وأراد بثغر ذي غروب، وغروب الأسنان: حدُّها، والواضح: الأبيض، ويريد

بالعذب أن رائحته طيبة فقد عذُب لذلك، ويريد بالمطعم المُقبَّل، و (إذ) في موضع نصب، والمعنى عُلِّقتها إذ تستبيك، وإن شئت كان بمعنى اذكر، وقوله (عذب) نعت، ومُقبَّله: مرفوع به، وإن شئت رفعت عذبا ولذيذا وكان المعنى مُقبلّله عبٌ لذيذُ المطعم. (وَكَأَنَّ فَأرَةَ تَاجِرٍ بِقَسِيمَةٍ ... سَبَقَتْ عَوَارِضَهَا إِلَيْكَ مِنَ الفَمِ) معناه (وكأن فأرة مسك) والتاجر هنا: العطَّار، ويسأل عن هذا فيقال: لم خصَّ فأرة التاجر دون فأرة الملك؟ فيقال: إنما خص فأرة التاجر لأنه لا يتربص بالمسك إذ كان يتغير فمسكه أجود، وقال الأصمعي: العوارض منابت الأضراس، واحدها عارض، وهذا الجمع الذي على فواعل لا يكاد يجيء إلا جمع فاعلة نحو ضاربة وضوارب، إلا أنهم ربما جمعوا فاعلا على فواعل لأن الهاء زائدة كهالك وهوالك، فعلى هذا جمع عارضا على عوارض أي سبقت الفأرة عوارضها، وإنما يصف طيب رائحة فيها، وخبر كأن قوله سبقت، وقوله (بقسيمة) تبيين وليس بخبر كأن، والقسيمة قالوا: هي الجونة، وقيل: سوق المسك، وقيل: هي العير التي تحمل المسك.

(أو رَوْضَةً أُنُفاً تَضَمَّنَ نَبْتَهَا ... غَيْثٌ قَلِيلُ الدِّمْنِ لَيْسَ بِمَعْلَم) معناه كأن ريحها ريح مسك أو ريح روضة، والروضة: المكان المطمئن يجتمع إليه الماء فيكثر نبته، ولا يقال في الشجر روضة، الروضة في النبت والحديقة في الشجر، ويقال (أروض المكان) إذا صارت فيه روضة، والأنف: التام من كل شيء، وقيل: هو أول كل شيء، ومنه (استأنفت الأمر) والغيث: المطر، والمعلم والعلم والعلامة واحد. والمعنى أن هذه الروضة ليست في موضع معروف فيقصدها الناس للرعي فيؤثروا فيها ويوسخوها، وهو أحسن لها إذا كانت في موضع لا يُقصد. وقوله (أو روضة) روضة منصوبة لأنها معطوفة على اسم كأن، ويجوز فيه الرفع على العطف على المضمر الذي في سبقت، وحسن العطف على المضمر المرفوع لأن الكلام قد طال، ألا ترى أنك لو قلت (ضربت زيدا وعمرو) فعطفت عمرا على التاء كان حسنا لطول الكلام. (جَادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ بِكْرٍ حُرَّةٍ ... فَتَرَكْنَ كُلَّ قَرَارَةٍ كَالدِّرْهَمِ) ويروى (بكر ثرة) و (عين ثرة) أي جادت بمطر جود، والبكر: السحابة

في أول الربيع التي لم تمطر، والحُرَّة: البيضاء، وقيل: الخالصة، والثرة: الكثير والثرثار: بمعناه وإن لم يكن من لفظه، والقرارة: الموضع المطمئن من الأرض يجتمع فيه السيل، فكأن القرارة مستقر السيل، وقوله: (فتركن) محمول على المعنى؛ لأن المعنى جادت عليه السحاب، ولو كان في الكلام لجاز (فترك) على لفظ كله، و (فتركن) ترده على بكر، والهاء في (عليه) ضمير الموضع، وشبَّه بياضه ببياض الدرهم، وقيل: بل شبهها بالدرهم؛ لأن الماء لما اجتمع استدار أعلاه، فصار كدور الدرهم، وهذا قول الأصمعي. (سَحًّا وَتَسْكَاباً فَكُلَّ عَشِيَّةٍ ... يَجْرِي عَلَيْهَا المَاءُ لَمْ يَتَصَرَّمِ) السح: الصب، وتسكاب: تفعال من السكب، وهو بمعناه وسحًّا: منصوب على المصدر؛ لأن قوله (جادت عليه) يدل على سح؛ فصار مثل قول العرب: (هو يدعه تركا)، وتسكابا مثله في إعرابه، وكل عشية: منصوب على الظرف، والعامل فيه يجري، ولم يتصرم: لم ينقطع ولم ينفد، وقال ابن الأعرابي: خص مطر العشي لأنه أراد الصيف، وأكثر ما يكون مطره بالعشي. (وَخَلاَ الذُّبَابُ بِهَا فَلَيْسَ بِبَارِحٍ ... غَرِداً كَفِعْلِ الشّارِب المُتَرَنِّمِ) الغرد من قولهم: غَرَّد يُغَرِّد تغريدا؛ إذا طرب، وأخرج غردا على قوله: غَرِدَ يَغْرَدُ غَرَداً فهو غَرِدٌ، والمترنم: الذي يُرجِّع الصوت بينه وبين نفسه، وغَرِداً: منصوب على الحال، والمعنى وخلا الذباب بها غَرِداً، والكاف في قوله: (كفعل

الشارب) في موضع نصب؛ لأنها نعت لمصدر محذوف، والمعنى: يفعل مثل فعل الشارب، والذباب واحد يؤدي عن جماعة والدليل على إنه واحد قول الله عز وجل: (وَإنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً رَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) وجمعه أذبة في أقل العدد، وذِبَّان في الكثرة، وقوله (ليس ببارح) أي بزايل، يقال (ما برحت قائما) أي ما زلت. (هَزِجاً يَحُكُّ ذِرَاعَهُ بِذِرَاعِهِ ... قَدْحَ المُكِبِّ عَلَى الزِّنَادِ الأجْذَم) الهزج: السريع الصوت المدارك صوته، والهزج: خفة وتدارك، ويقال (فرس هزج) إذا كان خفيف الرفع والوضع سريع المناقلة، ويروى (هَزِجاً) و (هَزَجاً) بكسر الزاي وفتحها؛ فمن كسر الزاي منه فهو منصوب على الحال، وإذا فتحت الزاي من هزج فهو مصدر، وكسر الزاي أجود؛ لأن بعده (يحك) ولك يقل حكا، ويحكُّ أيضا في موضع نصب على الحال، ومعنى (يحكُّ ذراعه بذراعه) أي يمر إحداهما على الأخرى، وكذلك الذباب، ويروى (يسن ذراعه بذراعه) وأصل السن التحديد، يريد (قدح المكب الأجذم) على الزناد) فهو يقدح بذراعه، فشبه الذباب به إذا سن ذراعه بالأخرى، وقال بعضهم: الأجذم هو الزناد، وهو قصير، فهو أشد لإكبابه عليه، فشبه الذباب إذا سن ذراعه بالأخرى برجل أجذم قاعد يقدح نارا بذراعيه،

والأجذم: المقطوع اليد، قال ابن الأنباري: هزَجا منصوب بالرد على الغرد، والقدح منصوب على المصدر، و (على الزناد) صلة للمُكب، أي قدح الذي أكب على الزناد. (تُمْسِى وَتُصْبِحُ فَوْقَ ظَهْرِ حَشِيَّةٍ ... وَأَبِيتُ فَوْقَ سَرَاةِ أَدْهَمَ مُلْجَمِ) ويروى (فوق ظهر فراشها) ويروى (فوق سراة أجرد صلدم) وهو الشديد، يعني فرسه، أي تمسى عبلة وتصبح هكذا، أي هي مُنعَّمة مُوطَّأ لها الفراش، وأبيت أنا على ظهر فرسي. (وَحَشِيَّتِي سَرْجٌ عَلَى عَبْلِ الشَّوَى ... نَهْدٍ مَرَاكِلُهُ نَبِيلِ المَحْزِمِ) حشيته: فراشه، وقوله (على عبل الشوى) أي على فرس غليظ القوام والعظام كثير العصب، والشَّوى: القوائم هنا، وفي غير هذا الموضع جمع شواة، وهي جلدة

الرأس، والنهد: الضخم المنتفخ الجنبين، والمراكل: جمع مرل، وهو حيث تبلغ رِجْلُ الرجُلِ من الدابة، والمحزم: موضع الحزام. (هَلْ تُبْلِغَنِّي دَارَهَا شَدَنِيَّةٌ ... لُعِنَت بِمَحْرُوم الشَّرَابِ مُصَرَّمِ) (شدنية) ناقة نسبت إلى أرض أوحى باليمن وقوله (لُعنت) يدعو عليها بانقطاع لبنها، أي بأن يُحرم ضرعُها اللبن؛ فيكون أقوى لها، ويجوز أن يكون غير دعاء، ويكون خبرا، وأصل اللعن البعد، وقوله (بمحروم الشراب) أي بممنوع شرابه، وأصل حرم منع، وقيل (بمحروم الشراب) أي في محروم الشراب، وقال خالد بن كلثوم: لعنت نحيت عن الإبل لما علم إنها معقومة فجعلت للركوب الذي لا يصلح له إلا مثلها، والمُصرم: الذي أصاب أخلافه شيء فقطعه من صرار أو غيره، وقال أبو جعفر: المُصرم الذي يُكوى رأس خلفه حتى ينقطع لبنه، وهو هنا مثل لاكي، يريد انها معقومة لا لبن لها. (خَطَّارَةٌ غِبَّ السُّرَى، زَيَّافَةٌ ... تَطِسُ الإكَامَ خُفٍّ مِيثَمِ) خطَّارة: تخطر بذنبها تحركه وترفعه وتضرب به حاذيها، والحاذان: حافتا

الأليتين، وإنما تفعل ذلك لنشاطها، و (غب السرى) أي بعد السرى، وزيافة: تزيف في سيرها تُسرع، والوطس: الضرب الشديد يقال: وطس يطس، وكذلك وثم يثم، وميثم على التكثير، ومن روى (موَّارة) بدل زيافة فانه أراد السُّرعة، وقوله (بذات خُف) أي بقوائم ذات أخفاف، أو بأوظفة ذات أخفاف، ويروى (بوقع خف). (وَكَأَنَّمَا أَقِصُ الإكَامَ عَشِيَّةً ... بِقَرِيبِ بَيْنَ المَنْسِمَيْنِ مُصَلَّمِ) أقص: أكسر، أي كأنما أكسر الإكام بظليم قريب بين المنسمين، يقال: ليس بأفرق، والصلم: قطع كل شيء من أصله، فالظليم مُصلم؛ لأنه ليست له أذن ظاهرة، ومنسماه: ظفراه المقدمان في خفه، فإذا كان بعيد ما بينهما قيل: منسم أفرق، وإذا لم يكن أفرق كان أصلب لخفه، قال النحاس: وروى بعض أهل اللغة (بقريب بين المنسمين) واحتج بقراءة من قرأ (لقد تقطَّع بينكم) قال: المعنى: لقد تقطع ما بينكم، وهذا القول خطأ؛ لأنه إذا أضمر (ما) وهي بمعنى الذي حذف الموصول وجاء بالصلة، فكأنه أضمر بعض الاسم، فأما قراءة من قرأ (لقد تقطع بينكم) فهو عند أهل النظر من النحويين لقد تقطع الأمر بينكم (تَأوِي لَهُ قُلصُ النَّعَامِ كَمَا أَوَتْ ... حِزَقٌ يَمَانِيَةٌ لأعْجَمَ طِمْطِمِ)

تأوي له، وتأوي اليه، بمعنى، أي يُنقنق لهن فيأوين إليه كما أوت هذه الحزق اليمانية لراع أعجم لا يفهم كلامه، والحزق: الجماعات، وهي الحزائق أيضا من الإبل وغيرها، ويقال: أعجم طمطم وطمطماني؛ إذا كان لا يفهم الكلام، والقُلُصُ: أولاد النعام حين يدففن ويلحقن ولم يبلغن المسان، ويروى (تبرى له حول النعام كما انبرت) والحول: التي لا بيض بها، فيقول: إذا نقنق هذا الظليم اجتمع إليه النعام كما يجتمع فرق الإبل لإهابة راعيها الأعجمي، وقوله (تبرى له) أي تعرض له، وتبريت لفلان: أي تعرضت له. (يَتْبَعْنَ قُلّةَ رَأسِهِ، وَكَأَنَّهُ ... حَرَجٌ عَلَى نَعْشٍ لَهنَّ مُخيَّمِ) (يتبعن) يعني النعام تتبع الظليم، وقُلة رأسه: أعلاه، وكأنه حرج: أي وكأن الظليم حرج، وهو مركب من مراكب النساء، وأصله النعش ثم صاروا يشبهون به المركب، ومُخيم: مجعول خيمة. ومعنى البيت أن النعام تنظر إلى أعلى رأسي هذا الظليم فتتبعه. (صَعْلٍ يَعُودُ بِذِي العُشَيرةِ بَيْضَهُ ... كَالعَبْدِ ذِي الفَرْوِ الطَّويلِ الأَصْلَم) الصعل: الصغير الرأس الدقيق العنق، ويعود: أي يأتي إلى بيضه، ومنه (عُدْتُ المريض) وذو العشيرة: موضع، والأصلم: المقطوع الأذنين، والظلمان كلها صُلم،

أي لا آذان لها، فشبَّه الظليم براع أسود مُجتاب فروة. (شَرِبتْ بِمَاءِ الدُّحْرُضَيْنِ فأَصْبَحَتْ ... زَوْرَاَء تَنْفِرُ عن حِيَاضِ الدَّيلَمِ) أي شربت من ماء الدُّحرضين، والدحرضان: اسم موضع، وقيل: هما دُحرض ووسيع، فغلب أحدهما على الآخر، والزوراء: المائلة، يقال: زور يزور زورا فهو أزور، والمؤنث زوراء، والديلم: الأعداء، عن الأصمعي، وعن أبي عمرو الجماعة، وقيل: الديلم الظلمة، وقيل: الديلم الداهية، وقيل: قُرى النمل، وقال بعضهم: الديلم ماء من مياه بني سعد، فيقول: تجانفت عنها لأنها تخافها. (وكأَنمّا تنأَى بِجانبِ دَفِّها ال ... وَحشيِّ من هَزِجِ العشِيِّ مُؤَوَّمِ) ينأى: يبعد، والدفُّ: الجنب، والوحشي: الجانب الأيمن من البهائم، وإنما قيل له وحشي لأنه لا يركب منه الراكب ولا يحلب الحالب، وعنى يهزج العشي هرا، كأنه قال: تنأى بدفها من هر يخدشها، هزج العشي: لأن السنانير اكثر صياحها بالعشيات وبالليل، و (من) تتعلق بينأى، وال: المشوه الخلق، وقيل: هو العظيم الرأس، رأس مؤوم، ومعدة مؤومة، يقال (أوم فهو مؤوم) إذا كان عظيم الرأس، والهزج: تدارك الصوت، ويروى (تنأى) بالتاء، ويكون الفعل للناقة، و (هر) في البيت

الذي بعده تجره بجعله بدلا من (هزج العشي) ومن روى بالياء رفع الهر بينأي، وقالوا: إنما جعله بالعشي لأنه ساعة الفتور والإعياء، فأراد إنها أنشط ما تكون في هذا الوقت الذي تفتر فيه الإبل، فكأنها من نشاطها يخدشها هر تحت جنبها، وقيل: أراد أن السوط بيمنه، فهي تميل على ميامنها مخافة السوط، كما قال الأعشى: تَرَى عَيْنَهَا صَغْوَاَء فِي جَنْبِ مَأْقِهَا ... تُرَاقِبُ كَفِّى وَالقَطِيعَ المُحَؤًّمَا (هِرٌّ جَنِيبٌ كُلَّما عَطَفَتْ لهُ ... غَضْبَي اتَّقاها باليدَينِ وبالفَم) جنيب: أي مجنوب، يقول: كلما عطفت الناقة للهر اتقاها الهر، ويروى (تقاها) بالتخفيف، يقال: اتقاه يتَّقيه، وتقاه يتقيه. (أَبقَى لها طُولُ السِفّارِ مُقَرمَداً ... سَنَداً، ومِثْلَ دَعَائِمِ المُتَخَيِّمِ) أصل المقرمد المبنى بالآجر وأراد به سناما لزم بعضه بعضا، وسندا: أي عاليا، والمتخيم: صاحب الخيمة، والمُتَخَيَّم - بفتح الياء -: الذي يُتخذ خيمة. (بَرَكَتْ عَلى ماءِ الرِّداعِ، كأَنَّمَا ... بَرَكَتْ على قَصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّمِ) ويروى (على جنب الرداع) والرداع: مكان، والأجش: الذي في صوته جُشَّة، والمُهضم: قيل المخحرق، وقيل: المكسر، يقول: كأنَّما بركت على زمر، والمعنى: إنها

بركت فحنَّت، فشبه صوت حنينها بصوت المزامير، وقيل: إنما يصف إنها بركت على موضع قد حسر عنه الماء وجف، فله صوت، والوجه الأول أجود؛ لأن القصب الأجش معروف إنه من قصب الزمر، ولهذا قيل: هو المخرَّقُ. (وكأَنَّ رُبًّا أو كُحَيلاً مُعْقَداً ... حَشَّ الوَقُودُ بِهِ جَوَانِبَ قُمْقُمِ) الكحيل: القطران، شبه عرق الناقة بالرُّبِّ أو القطران، وقيل: الكحيل هناء تهنأ به الإبل من الجرب شبيه بالنفط، يقال له الخضخاض، والمُعقد: الذي أوقد تحته حتى انعقد وغلظ، وقال أبو جعفر: الكحيل رديء القطران يضرب إلى الحمرة ثم يسود إذا اعقد، والوَقُود: الحطب، والوُقُودُ بالضم المصدر، فيجوز أن يكون الوقود مرفوعا بحش، وجوانب منصوبة على أنها مفعولة، ويجوز أن يكون حش بمعنى احتش، أي اتقد، كما يقال: هذا لا يخالطه شيء، أي لا يختلط به، ويكون جوانب منصوبة على الظرف. (يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَي غَضُوبٍ جَسْرةٍ ... زَيّافةٍ مِثْلِ الفَنيقِ المُكْدَمِ) قال ابن الأعرابي: ينباع ينفعل من (باع يبُوع) إذا مرَّ مرا لينا فيه تلو كقول الآخر: ثُمَّتَ يَنْبَاعُ انْبِيَاعَ الشُّجَاع وأنكر أن يكون الأصل فيه ينبعُ، وقال: ينبعُ يخرج كما ينبع الماء من الأرض، ولم يرد هذا، إنما أراد

السيلان وتلويه على رقبتها كتلوي الحية، وقال غيره: هو من نبع ينبع، ثم أشبع الفتحة فصارت ألفا، والذفريان: الحيدان الناتئان بين الأذن ومنتهى الشعر، وأوَّل ما يعرق من البعير الذفريان، وأول ما يبدأ فيه السمن لسانه وكرشه، وآخر ما يبقى فيه السمن عينه وسلاماه وعظام أخفافه، والغضوب والغضبي واحد، وغضوب للتكثير، كما يقال ظلوم وغشوم، والجسرة: الماضية في سيرها، ومنه جسر فلان على كذا، وقيل: الجسى الضخمة القوية، والزيافة: المسرعة، والفنيق: الفحل، والمكدم: بمعنى المُكدم والكدم: العض. (أن تُغْدِفِي دُونِي القِنَاعَ فإِنّني ... طَبٌّ بأَخْذِ الفارِسِ المُسْتلئِمِ) الإغداف: إرخاء القناع على الوجه، والإغداف أيضا: إرواء الرأس من الدهن، يقول: أن نبت عينك عنى فأغدفت دوني قناعك فإني حاذق بقتل الفرسان وأسر الأقران، والقناع: مشتق من العلو يقال: ضرع مقنع، إذا كان عاليا، والطب: الحاذق، والفعل منه طَبَّ يَطُبُّ والمستلئم: الذي قد لبس اللامة وهي الدرع. (أَثْنِى عَلَيَّ بِمَا عَلِمْتِ فإِنّنِي ... سَهْلٌ مُخَالَقَتي إذا لم أُظْلَمِ)

ويروى (سمح مخالطتي)، و (مخالقتي) في موضع رفع بقوله (سهل) أي تسهل مخالقتي، وإذا: ظرف، والعامل فيه سهل، قال أبو جعفر: قد قال قبل هذا (إن تُغْدِفي دوني القناع) ثم قال (أثنى عليَّ بما علمت) لأن المعنى إذا رآك الناس قد كرهتني فأغدفت دوني القناع توهَّموا أنك استقللتني، وأنا مستحق لخلاف ما ص فأثنى علىَّ بما علمت (فإِذا ظُلِمتُ فإن ظُلمِي باسِلٌ ... مُرٌّ مَذَاقَتُهُ كطَعْم العَلْقَمِ) معناه إذا ظلمني ظالم فظلمه إياي باسل، أي كريه هنا، ويقال للحلال بسل وللحرام بسل، وقوم بسل إذا كان قتالهم محرما، والعلقم: الحنظل، ويقال لكل مر: علقم، والكاف في قوله (كطعم) في موضع رفع على أن يكون مذاقته ابتداء وقوله (كطعم) خبرا، والمعنى مذاقته مثل طعم العلقم، ويجوز أن يكون مذاقته مرفوعة بقوله مُر، ويكون كطعم خبرا بعد خبر، وإن شئت كانت نعتا لقوله مر، ويجوز على إضمار هي، كأنه قال: هي مثل طعم العلقم. (وَلَقَدْ شَرِبْتُ مِنَ المُدَامَةِ بَعْدَمَا ... رَكَدَ الهَوَاجِرُ بالمَشُوفِ المُعْلَمِ) يقول: شربت من الخمر بعد ركود الهواجر، أي حين ركدت الشمس

ووقفت وقام كل شيء على ظله، والركود: السكون، والمشوف: الدينار والدرهم عن الأصمعي، وقال غيره: هو البعير المهنوء، وقيل: هو الكأس، والمعروف ما قال الأصمعي؛ لأنه يقال (شُفْتُ) إذا جلوته والمعلم: الذي فيه كتابة، والباء في (بالمشوف) تتعلق بشربت، وكذلك مِنْ، والمشوف: أصله مشووف، ثم ألقيت حركة الواو على الشين، فبقيت الواو ساكنة وبعدها واو ساكنة، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين، والمحذوفة عند سيبويه الثانية؛ لأنها زائدة، وعند الأخفش الأولى. (بِزُجَاجَةٍ صَفْرَاَء ذَاتِ أَسِرَّةٍ ... قُرِنَتْ بأَزْهَرَ فِي الشَّمَالِ مُفَدَّمِ) ذات أسرة ي ذات طرائق وخطوط، والمستعمل في واحد الأسِرة سُر وسرر وقوله (بأزهر) يعني إبريقا من فضة أو رصاص، ومُفدم: مشدود فمه بخرقة، وقيل: مُفدم عليه الفِدام يصفَّى به ويروى (ملثم) أي وعليه لئام، والباء في (بزجاجة) تتعلق بشربت، وقال الأخفش: قوله بزجاجة صفراء هو في اللف نعت للزجاجة، وهو في المعنى نعت للخمر، وقال ابن الأعرابي: يجوز أن يكون للخمر والزجاجة، وقال غيرهما: أراد

بخمر زجاجة، ثم حذف، وقيل: قوله (صفراء) منصوب على الحال من قوله: (ولقد شربتُ). (فَإِذَا شَرِبْتُ فَإِنَّنِي مُسْتَهْلِكٌ ... مَالِي، وَعِرْضِي وَافِرٌ لَمْ يُكْلَمِ) يقول: إذا شربت أنفقت مالي وأهلكته في السماح، والعرض: موضع المدح والذم من الرجل، والواو في (وعرضي) واو الحال، يقول: أنا أصون عرضي ولا أشح بمالي، ولم يُكلم: لم يُجرح. (وَإِذَا صَحَوْتُ فَمَا أُقَصِّرُ عَنْ نَدًى وَكمَا عَلِمْتِ شَمَائِلِي وَتَكَرُّمِي) يقال: صحا يصحو، إذا أفاق من سكره، والندى: السخاء، وواحد الشمائل شمال، وهي الخلق، وجمع في هذين البيتين إنه يسخو على السكر والصحو. (وَحَلِيلِ غَانِيَةِ تَركْتُ مُجَدَّلاً ... تَمْكُو فَرِيصَتُهُ كَشِدْقِ الأَعْلَمِ) الحليل: الزوج، والمرأة الحليلة، قيل لهما ذلك لأن كل واحد منهما يحل على صاحبه، و (الغانية) قيل: هي التي استغنت بزوجها، وقيل: يحسنها، وقيل: الشابة، وتمكو: تصفر، والفريصة: الموضع الذي يُرعد من الدابة والإنسان إذا خاف، والأعلم: المشقوق الشفة العليا، والكاف في قوله (كشدق الأعلم) في موضع نصب؛ لأنها نعت لمصدر محذوف، والمعنى تمكو مكاء مثل شدق الأعلم، يريد سعة الطعنة، أي كأن هذه الطعنة في سعتها شدق الأعلم و (تمكو) في موضع الحال.

(سَبَقَتْ يَدَايَ لَهُ بِعَاجِلِ ضَرْبَةٍ ... وَرَشَاشِ نَافِذَةٍ كَلَوْنِ العَنْدَمِ) أي عجلت إليه بالطعنة، والرشاش: ما تطاير من الدم، والنافذة: الطعنة التي نفذت إلى الجانب الآخر، ويقال: التي نفذت إلى الجوف، والعندم: صبغ أحمر، وقيل: هو البقم، وقيل: العصفر، وقيل: هو صبغ الأعراب، وهو جمع عندمة، والكاف في قوله (كلون العندم) في موضع جر لأنها نعت لرشاش، وإن كان رشاش مضافا إلى نكرة لأن الكاف بمعنى مثل، ومثل وإن أضيفت إلى معرفة جاز أن تكون نكرة، والدليل على ذلك أن رُبَّ تقع عليها وهي مضافة إلى معرفة، ورُبَّ لا تقع إلا على نكرة، وأنشد النحويون: يَا رُبَّ مِثْلِكِ فِي النِّسَاءِ غَرِيرَةٍ ... بَيْضاَء قَدْ مَتَّعْتُهَا بِطَلاَقِ ويجوز أن تكون الكاف في قوله (كلون في موضع رفع على إضمار مبتدا، ويكون التقدير: لونه كلون العندم. (هَلاَّ سَأَلْتِ الخَيْلَ يَا ابْنَةَ مَالِكٍ ... أن كُنْتِ جَاهِلَةً بِمَا لَمْ تَعْلَمِي) يقول: هلا سألت أصحاب الخيل، وقوله (إن كنت جاهلة بما لم تعلمي) يقال: ما في هذا من الفائدة وليس أحد إلا وهو يجهل ما لم يعلمه؟ فالجواب في هذا أن

في البيت تقديما وتأخيرا، والمعنى هلا سألت الخيل بما لم تعلمي إن كنت جاهلة يا ابنة مالك، وقوله (بما لم تعلمي) يريد عما لم تعلمي، والباء بمعنى عن، وقوله: (فاسأل به خبيرا) أي عنه. (إِذْ لاَ أَزَالُ عَلَى رِحَالَةِ سَابِحٍ ... نَهْدٍ، تَعَاوَرُهُ الكُمَاةُ مُكَلّمِ) الرحالة: سرج كان يعمل من جلود الشاء بأصوافها يتخذ للجري الشديد، والسابح من الخيل: الذي يدحو بيديه دحوا، والنهد: الغليظ، و (تعاوره) أي تتعاوره، فحذف إحدى التاءين، أي يطعنه ذا مرة وذا مرة، والكماة: جمع كمي وهو الشجاع، سمي كميا لأنه يقمع عدوه، يقال: كمي شهادته؛ إذا قمعها ولم يُظهرها، وقال أبو عبيدة: الكمي التام السلاح، وقال ابن الأعرابي: سمى كميا لأنه يتكمى الأقران، أي يتعمدهم. (طَوْراً يُجَرَّدُ للِطِّعَانِ، وَتَارَةً ... يَأْوِى إلى حَصَدِ القِسِيِّ عَرَمْرَمِ) الطور هنا: المرة، والجمع أطوار، وقال قوم: الطور الحال، وقالوا في قوله تعالى: (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً) قولين: أحدهما خلق نُطفة ثم علقة ثم مُضغة إلى أن كمل، وقيل: اختلاف المناظر، وأصل الطور من الناحية، ومنه طوار الدَّار، وعدا فلان طوره، أي حده، ويجرَّد: يهيأ، ومنه (خيل جريدة) وتارة: بمعنى مرة، وتر الشيء: سقط، وأتررته: أسقطته، والحصد: الكثير، وكذلك

العرمرم، والتجريد: أن لا يكون مع الخيل رواحل، ونصب (طورا) بيجرد، و (تارة) بيأوى. (يُخْبِرْكِ مَنْ شَهِدَ الوَقِيعَةَ أَنَّنِي ... أَغْى الوَغَى وَأَعِفُّ عِنْدَ المَغْنَمِ) الوقيعة والوقعة واحد، ويقال في المثل: (الحذر أشد من الوقيعة) والوغى والوعى والوحى: الصوت والجلبة، ثم غلب عليه الصَّوْت في الحرب، وقوله: (وأَعفُّ عند المغنم) أي لا أستأثر بشيء دون أصحابي، يقال: عفَّ يعفُّ عفافا وعفافة وعفة، وقيل: معناه إنني لا تشره نفسي إلى الغنيمة، ولكني أهب نصيبي للناس، وقوله (يُخبرك) جزم لأنه جواب لقوله (هلا سألت الخيل) وقال الله عز وجل: (لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) إلى آخر الآية، وقوله (وأكنْ) معطوف على موضع (فأصَّدَّقَ) لأنه لولا الفاء كان مجزوما. (وَمُدَجَّجٍ كَرِهَ الكُمَاةُ نِزَالَهُ ... لاَ مُمْعِنٍ هَرَباً وَلاَ مُسْتَسْلِمِ) المُدجَّج: الذي توارى بالسلاح، بفتح الجيم وكسرها، وقد جاءت أحرف في لفظ الفاعل والمفعول هذا أحدها، ومنها قولهم مُخَيَّس ومُخَيِّس للسجن،

ورجل مُلفَج ومُلفِج للفقير، وعبد مكاتَب ومكاتِب. ونزاله: منازلته، وقوله (لا ممعن هربا) معناه لا ممعن هربا فيبعد ولا هو مستسلم فيؤسر، ولكنه يُقاتل، ويقال: معناه لا يَفر فرارا بعيدا، إنما هو منحرف لرجعة أو كرة يكرُّها، و (هربا) منصوب على المصدر؛ لأن معنى لا ممعن لا هارب، فصار مثل (لا يدعه تركا). (جَادَتْ يَدَايَ لَهُ بِعَاجِلِ طَعْنَةٍ ... بِمُثَقَّفٍ صَدْقِ الكُعُوبِ مُقَوِ) أي سبقته بالطعن لأني كنت أحذق منه، والمثقف: المصلح المقوَّم، والكعوب: عُقد الأنابيب، والصَّدق: الصلب، وما بين كل أنبوبتين كعب، والمقوم: الذي قد قُوِّمَ وسُوِّىَ. وروى الأصمعي - ولم يروه غيره - هذا البيت: (بِرَحِيبَةِ الفَرْغَيْنِ يَهْدِي جَرْسُهَا ... بِاللَّيْلِ مُعْتَسَّ الذِّئَابِ الضُّرَّمِ) الرحيبة: الواسعة، وما بين كل عرقوتين فرغ، ومدفع الماء إلى الأدوية فرغ، فضرب هذا مثلا لمخرج الدم من هذه الطعنة، فجعله مثل مصب الدلو، والجرس: الصوت، فيقول: جرس سيلان دم هذه الطعنة يدل السباع إذا سمعن خرير الدم منها فيأتينه ليأكلن منه، والمعتس من الذئاب وغيرها: المبتغي الطالب والضرم: الجياع، يقال: لقيت فلانا ضرما، ولا يقال: هو ضارم، وضُرَّم: جمع ضارم، ولم يُتكلم بضارم. (فَشَكَكْتُ بِالرُّمْحِ الاصَمِّ ثِيابَهُ ... لَيْسَ الكَرِيمُ عَلَى القَنَا بِمُحَرَّمِ)

(شككته أشكه) إذا انتظمته، وقيل: شككته وشققته بمعنى واحد، ويعنى بثيابه درعه، وقيل: قلبه: وقيل: بدنه، ويروى (فشككت بالرمح الطويل إهابه) وقوله (ليس بالكريم على القنا بمُحرم) أي لا يمتنع من الطعان (فَتَرَكْتُهُ جَزَرَ السِّبَاعِ يَنُشْنَهُ ... مَا بَيْنَ قُلّةِ رَأْسِهِ وَالمِعْصَمِ) الجزر: جمع جزرة، والجزرة: الشاة والناقة تُذبح وتُنحر، وينشنه: يتناولنه بالأكل، ويروى (يقضمن حُسن بنانه) والقضم: أكل الشيء اليابس والبنان: الأصابع واحدتها بنانة، والأنامل: أطرافها، والمعصم: موضع السِّوار، وقُلَّة كل شيء: أعلاه، و (ما) في موضع نصب بينُشنه، أي فيما بين قُلة رأسه. (وَمِسَكِّ سَابِغَةٍ هَتَكْتُ فُرُوجَهَا ... بِالسَّيْفِ عَنْ حَامِي الحَقِيقَةِ مُعْلَمِ) مسكها: سمرها وروى الأصمعي (ومشك سابغة) قال: مشكها حيث يجمع جيبها بسير، وكانت العرب تجعل سيرا في جيب الدرع يجمع جيبها، فإذا أراد أحدهم الفرار جذب السير فقطعه واتسع له الجيب فألقاها عنه وهو يركض، وقيل: المشك الدرع التي قد شك بعضها إلى بعض، وقيل: المشك المسامير التي تكون في حلق الدرع، وقيل: المشك: الرجل الشاك، فمن قال (هي الدرع) فالجواب هتكت لأن الواو بمعنى ربَّ. ويقال: إذا كان المشكُّ الدرع فكيف أضافه إلى السابغة والشيء لا يضاف إلى نفسه؟ فالجواب أن الكوفيين يجيزون

إضافة الشيء إلى نفسه، واحتجوا بقول الله تعالى: (وذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ) وهذا عند البصريين لا يجوز، لأنك إنما تضيف الشيء لتخصصه، والمضاف إليه غيره، أو يكون هو بعضه، فأما قوله عز وجل: (وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ) فتقديره عندهم: دين الجماعة القيمة، وتقدير (ومشك سابغة) ومشك حديدة سبغة، ومن قال (المشك المسامير) جعل الجواب أيضا في قوله (هتكت) لأن المسامير من الدرع فصير الإخبار عن الدرع، ومن قال (المشك الرجل) فهو عنده بمعنى الشاك، كأنه يشك الرِّجال في الحربي، ونظير هذا قول ثعلب في قول الشاعر: وَمِرْكَضَةٌ صَرِيحِيٌّ أَبُوهَا ... يُهَانُ لَهَا الغُلاَمَةُ وَالغُلاَمُ قال: المركضة الركاضة، أي ذات الركض، ويروى (ومُركضة) بضم الميم، وجواب قوله (ومشك سابغة) على قول من قال (هو الرجل) في قوله: (لما رآني قد نزلت أريده) ويجوز أن يكون محذوفا ويكون المعنى، و (هتكت فُرُوجها) شققت، والحامي: المانع، والحقيقة: ما يحقُّ على الرجل أن يمنعه، والمُعلم: الذي قد أعلم نفسه بعلامة في الحرب (رَبِذٍ يَدَاهُ بِالقِدَاحِ إذا شَتَا ... هَتَّاكِ غَايَاتِ التَّجَارِ مُلَوَّمِ)

الربذ: السريع الضرب بالقداح، يقول: هو حاذق بالقمار والميسر خفيف اليد بضرب القداح؛ وهذا كان مدحا عند العرب في الجاهلية، وقوله (إذا شتا) لأن القحط والجدب أكثر ما يكون في الشتاء، وقوله (هتَّاك غايات التِّجار) الغايات: العلامات والرايات، وأراد بالتِّجار الخمارين، ومعناه أنه يأتي الخمارين فيشتري كل ما عندهم من الخمر، فيقلعون راياتهم ويذهبون، فذلك هتكها، والمُلوَّم: الذي يكثر لومه على إنفاق ماله في الفُتوة، وقال (ربذ يداه) ولم يقل (ربذة) واليد مؤنثة لأنه أضمر في ربذ، ثم جعل قوله (يداه) بدلا من المضمر، كما تقول: ضربت زيدا يده، ومذهب الفراء في هذا إنه يجوز أن يذكَّر المؤنث في الشعر إذا لم تكن فيه علامة التأنيث. (لَمَّا رَآنِي قَدْ نَزَلْتُ أُرِيدُهُ ... أَبْدَى نَوَاجِذَهُ لِغَيْرِ تَبَسُّمِ) أي كلح في وجهي فبدت أضراسه، والناجذ الأضراس ومعناه إنه لما رآني أستبسل للموت، و (أريده) في موضع الحال. (فَطَعَنْتُهُ بالرُّمْحِ ثُمَّ عَلَوْنُهُ ... بمُهَنَّدٍ صَافِي الحَدِيدَةِ مِخْذَمِ) ويروى (صافي الحديد مُخذم) والمُخذم: الذي ينتسف القطعة، أي يرمى بها، والمهنَّد: المعمول بالهند، قال أبو عمرو الشيباني: التهنيد شحذُ السيف، والمِخذم: مفعل من الخذم وهو القطع.

(عَهْدِي بِهِ مَدَّ النَّهَارِ كَأَنَّمَا ... خُضِبَ البَنَانُ وَرَأْسُهُ بِالعِظْلمِ) مد النهار: أوله حين امتد النهار، يقال: أتيته مد النهار، وشد النهار، ووجه النهار: وسبب النهار، أي أوله، ويروى (شدَّ النهار) أي ارتفاعه، والعظلم: الوسمة، والبنان: الأصابع، وقوله (كأنما خضب البنان) أراد كأنما خضب بنانه ورأسه، فأقام الألف واللام في (البنان) مقام الهاء، كما قال تعالى: (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى) أي عن هواها، وعهدي: في موضع رفع بالابتداء، والخبر في الاستقرار، وقوله (شدَّ النهار) بدل من الاستقرار كما تقول: القتال اليوم، وكما تقول: عهدي به قريبا، أي وقتا قريبا، إلا إنه يجوز في هذا أن تقول: قريب، على أن تجعل القريب العهد. (بَطَلٌٍ كَأَنَّ ثِيَابَهُ فِي سَرْحَةٍ ... يُحْذَى نِعَالَ السِّبْتِ لَيْسَ بِتَوْأَمٍ) بطل بالجر مردود على قوله (ختَّاك) ويروى (بطل) أي هو بطل، وهو الشُّجاع والفعل منه بطل بطالة بفتح الباء، وأجير بطَّال بين البطالة بكسر الباء، وقد تفتح، والفعل بطل يبطُل، ويقال في الفساد: بَطَل يبْطُل بُطلا وبُطُولا وسرحة: شجرة، وفي هنا بمعنى على، والمعنى كأَن ثيابه على سرحة من طوله، والعرب تمدح بالطول وتذم بالقصر، ويُحذى: يلبس، ونعال السِّبت: المدبُوغة بالقرظ، وكانت

الملوك تلبسها، وقوله: (ليس بتوأم) أي لم يولد معه آخر فيكون ضعيفا. (يَا شَاةَ مَا قَنَصٍ لَمِنْ حَلَّتْ لَهُ ... حَرُمَتْ عَلَىَّ، وَلَيْتَهَا لَمْ تَحْرُمِ) قوله (يا شاة) كناية عن المرأة، والعرب تكنى أيضا عن المرأة بالنعجة، وأراد (يا شاة قنص) أي صيد، وقوله (لمن حلَّت له) أي لمن قدر عليها، وقوله (حرُمتْ عليَّ) معناه هي من قوم أعداء، وقال الأخفش: معنى (حرُمت على) أي هي جارتي، (وليتها لم تحرم) أي ليتها لم تكن لي جارة حتى لا تكون لها حُرمة؛ وقيل: إنما كانت امرأة أبيه، واحتج من قال أنها كانت في أعدائه بقوله: عُلِّقْتُهَا عَرَضاً وَأَقْتُلُ قومها والمعنى على هذا: إنها لما كانت في أعدائي لم أَصل إليها وامتنعت مني، وأصل الحرام الممنوع، وقوله عز وجل: (وَالحُرُمَاتُ قِصَاصٌ) فالحرمات: كل ممنوع منك ما بينك وبين غيرك، وقولهم (لفلان بي حُرمة) أي أنا أمتنع من مكروهه، وحرمة الرجل محظورة به عن غيره، وقوله عز وجل: (لِلسَّائِل وَالمَحْرُومِ) المحروم: هو الممنوع. (فَبَعَثْتُ جَارِيَتِي، فَقُلْتُ لهَا: اذْهَبي ... فَتَجَسَّسِي أَخْبَارَهَا بيَ وَاعْلَمِي) الياء في قوله (لي) تسكن وتفتح، فمن فتحها قال: أن الياء اسم وهو على

حرف واحد، وفي سكونه إخلال، فيجب أن يُقوَّي بالحركة، ومن سكنها قال: هي وإن كانت اسما على حرف واحد فإنه يعتمد على ما قبله لا ينفك منه؛ فقد صار ما قبله بمنزلة ما هو منه حركة تستثقل في الواو والياء، فلذلك أُسكنت. (قَالَتْ: رَأَيْتُ مِنَ الأعَادِي غِرَّةً ... وَالشّاةُ مُمْكِنَةٌ لَمِنْ هُوَ مُرْتَمِ) الأعادي: جمع الجمع، يقال في جمع عدُوّ: عُداة، وعُدى، وأعداء ويجمع أعداء على أعاد وأعادي، والغرة: الغفلة، والواو في قوله: (والشاة ممكنة) واو الحال. (وَكَأَنَّمَا الَفَتَتْ بِجِيدِ جَدِايَةٍ ... رَشَإِ مِنَ الغِزْلاَنِ حُرٍّ أَرْثَمِ) الجيد: العنق، يقول: كأن جيدها الذي التفتت به جيد جداية، وهي من الظباء بمنزلة الجدي من الغنم، وهي التي أتت عليها خمسة أشهر أو ستة والرشأ: الصغير منها، والأرثم: الذي في شفته العليا بياض أو سواد، فإن كان في السفلى فهو ألمظ ولمظاء. (نُبِّئْتُ عَمْراً غَيْرَ شَاكِرِ نِعْمَتِي ... والكُفْرُ مَخْبَثَةٌ لِنَفْسِ المُنْعِمِ) قوله: (لنفس المنعم) معناه لنفس المنعم عليه، فيقول: إذا كفره خبث ذلك نفس المنعم الذي له عليه نعمة، ويقال: طعام مطيبة للنفس ومخبثة لها، وشراب

مبولة، وسيبويه يذهب إلى أن (نُبِّئْتُ) بمعنى خُبِّرْتُ إذا قلت: (نُبِّئْتُ زيداً مُنطلقاً) ويذهب إلى أن عن محذوفة، ثم تعدَّى الفعل بعد حذفها، وقال سيبويه: ليست عن هاهنا محذوفة، ومعنى نبئت أعلمت. (وَلَقَدْ حَفِظْتُ وَصَاةَ عَمِّي بالضُّحَى ... إِذْ تَقْلِصُ الشّفَتَانِ عَنْ وَضَحِ الفَمِ) وصاة ووصية بمعنى واحد، و (بالضحى) أي وقت الضحى، والضُّحى مؤنثة، والضحاء - بالفتح والمد - مذكر والضحاء للإبل بمنزلة الغداء للإنسان، ومعنى (تقلص) ترتفع، وفي الحرب ترتفع الشفة من الإنسان حتى يُرى كأنه يتبسم. (فِي حَوْمَةِ المَوْتِ الّتِي لاَ تَشْتَكِي ... غَمَرَاتِهَا الأبْطَالُ غَيْرَ تَغَمْغُمِ) ويروى (في غمرة الموت) وحومة كل شيء: مُعظمه، ونعم: أي كثير، وغمراتها: شدائدها، و (في) تتعلق بتقلص، وإن شئت بحفظت، والتغمغم: صوت تسمعه ولا تفهمه، و (غير) منصوب على إنه استثناء ليس من الأول، وسيبويه يمثل مثل هذا بلكن، فكأنه قال: لكنهم يتغمغمون فيقول ذلك مقام الشكوى، والكوفيون يقدِّرون مثل هذا بسوى، وإنما قدر سيبويه وأصحابه بمعنى لكن وأنكروا أن يقدروا بمعنى سوى، لأن لكن في كلام العرب تقع للإضراب عن الأول والإيجاب لما بعده، فكأنها لخروج من كلام إلى كلام، وهذا أشبه شيء بالاستثناء الذي ليس من الأول.

(إذْ يَتَّقُونَ بِيَ الأسِنَّةِ لَمْ أَخِمْ ... عَنْهَا، وَلَكِنِّي تَضَايَقَ مُقْدَمِي) معنى (يتقون بي الأسنة) أي يجعلونني بينهم وبينها، أي يقدمونني للموت، وقوله (لم أخم) أي لم أجبن و (تضايق مُقدمي) أي تضايق الموضع الذي هو قدامي من أن يدنوه أحد، والمُقدم: الإقدام أيضا، وكلاهما يحتمل. ويقع في بعض الروايات هذه الأبيات الثلاثة: (لمَّا سَمِعْتُ نِدَاَء مُرَّةَ قَدْ عَلاَ ... وَابْنَيْ رَبِيعَةَ فِي الغُبَارِ الأقْتَمِ) (وَمُحَلّم، يَسْعَوْنَ تَحْتَ لِوَائِهِمْ ... وَالمَوْتُ تَحْتَ لِوَاءٍ آلِ مُحَلّمِ) محلم: مرفوع بالابتداء، والجملة في موضع الحال، كما تقول: كلمت زيدا وعمرو جالس، قال الله تعالى: (يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) والمعنى عند سيبويه إذ طائفة. (أَيْقَنْتُ أن سَيَكُونُ عِنْدَ لِقَائِهِمْ ... ضَرْبٌ يُطِيرُ عَنِ الفِرَاخِ الجُثَّمِ) (أنْ) هاهنا هي الثقيلة التي تعمل في الأسماء ومفعول (يُطِير) محذوف، والمعنى بُطِير الهام عن الفراخ الجثَّم، وإنما شبَّه ما حل الهام بالفراخ.

(لَمَّا رَأَيْتُ القَوْمَ أَقْبَلَ جَمْعُهُمْ ... يَتَذَامَرُونَ كَرَرْتُ غَيْرَ مُذَمَّمِ) (قد) هاهنا محذوفة، أي قد أقبل جمعهم وقوله (يتذامرون) أي يخص بعضهم بعضا، و (غير) منصوب على الحال، كأنه قال: كررت مُخالفا للمذموم، و (يتذامرون) موضعه نصب على الحال، و (أقبل جمعهم) حال للقوم. (يَدْعُونَ عَنْتَرَ وَالرِّمَاحُ كَأَنَّهَا ... أَشْطَانُ بِئْرٍ في لَبَانِ الأدْهَمِ) ويروى (عنترُ) فمن رواه بفتح الراء فإنه رخم عنترة وترك ما قبل المحذوف على حاله مفتوحا، ومن روى عنترُ وضم الراء احتمل وجهين: أحدهما: أن يكون قد جعل ما بقي اسما على حياله؛ لأنه قد صار طرفا كحرف الإعراب، والوجه الثاني: ما رواه المبرد عن بعضهم إنه كان يسمى (عنترا) أي هذا الوجه لا يجوز إلا الضم، هكذا ذكره النحاس، ويجوز أن يكون (عنتر) في هذا الوجه منصوبا بيدعون، والواو في قوله: (والرماح) واو الحال، والأشطان: جمع شطن وهو حبل البئر، يريد أن الرماح في صدر هذا الفرس بمنزلة حبال البئر من الدلاء؛ لأن البئر إذا كانت كثيرة الجرفة اضطربت الدلو فيها، فيجعل لها حبلان لئلا تضطرب، واللبان: الصدر، والأدهم: فرسه. (مَا زِلتُ أَرْمِيهمْ بِغُرَّةِ وَجْهِهِ ... وَلَبَانِهِ حَتَّى تَسَرْبَلَ بِالدَّمِ)

ويروى (بثغرة نحره) والثغرة: الهزمة التي في الحلق، واللَّبان: الصدر، وتسربل: صار بمنزلة السربال. (فَازْوَرَّ مِنْ وَقْعِ القَنَا بِلَبَانِهِ ... وَشَكَا إلى بِعَبْرَةٍ وَتَحَمْحُمِ) ازورَّ: مال، و (شكا إليَّ) مثل، يقول: لو كان ممن يصح منه الشكاية لشكا، والتحمحم: صوت مُقَطَّع ليس بالصهيل (لَوْ كَانَ يَدْرِى مَا المُحَاوَرَةُ اشْتَكَى ... وَلَكَانَ لَوْ عَلِمَ الكَلاَمَ مُكَلِّمِي) المحاورة: المراجعة، حاوره محاورة وحوارا، وما لفلان عندي حوير، و (ما) في موضع رفع بالابتداء، وهو اسم تام، والمُحاورة: خبر الابتداء، والمبتدأ وخبره في موضع نصب بقوله يدرى، وقوله (ولكان) فجاء باللام، فإنما هو محول على المعنى، والتقدير: لو كان يدرى ما المحاورة لاشتكى ولكان؛ لأنه يقال: لو قام زيد لقمت، ولو قام زيد قمت، بمعنى واحد، وقيل: أن قوله (ولكان) عطف جملة على جملة. (وَالخَيْلُ تَقْتَحِمُ الخَبَارَ عَوَابِساً ... مِنْ بَيْنِ شَيْظَمَةٍ وَأَجْرَدَ شَيْظَمِ) الاقتحام: الدخول في الشيء بسرعة، والخبار: الأرض اللينة ذات الجحرة

والجرفة، والركض يشتد فيها، والعوابس: الكوالد من الجهد، والشيظم: الطويل، والأجرد: القصير الشعر. (وَلَقَدْ شَفَى نَفْسِي وَأَبْرَأَ سُقْمَهَا ... قِيلُ الفَوَارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْدِمِ) يقال: سُقْمٌ وسَقَمٌ، قال أبو جعفر: معنى البيت أني كنت أكبرهم فلذلك خصوني بالدعاء، وقوله (ويك) قال بعض النحويين: معناه ويحك، وقال بعضهم: معناه ويلك، وكلا القولين خطأ؛ لأنه كان يجب على هذا أن يقرأ (وَيْكَ إنه)، كما يقال: وَيلَكَ إنه، وويحك إنه، على إنه قد احتج لصاحب هذا القول بأن المعنى ويلك اعلم إنه لا يفلح الكافرون، وهذا خطأ أيضا من جهات؛ إحداها: حذف اللام من (ويلك) وحذف (اعْلَم) لأن مثل هذا لا يحذف؛ لأنه لا يُعرف معناه، وأيضا فإن المعنى لا يصح؛ لأنه لا يدري من خاطبوا بهذا، وروى عن بعض أهل التفسير أن المعنى ويك ألم ترَ، وأما ترى، والأحسن في هذا ما روى سيبويه عن الخليل، وهو أن وَيْ منفصلة، وهي كلمة يقولها المتندم إذا تنبه على ما كان منه؛ فهي على هذا مفصولة، كأنهم قالوا على التندم (وَيْ كأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الكافِرُونَ)، وأنشد النحويون: وَيْ كَأَنْ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَبٌ يُحْ ... بَبُ، وَمَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرِّ

(ذُلُلٌ رِكَابِي حَيْثُ شِئْتُ، مُشَايِعِي ... قَلْبِي، وَأَحْفِزُهُ بِأَمْرٍ مُبْرَمِ) ويروى (مشايعي همي وأحفزه برأي مُبرم) وذلل: جمع ذلول والذلول من الإبل وغيرها: الذي هو ضد الصعب، و (ركابي) في موضع رفع بالابتداء يُنوى به التقديم، وذُلُل خبره، وإن شئت كان ذلل رفعا بالابتداء، وركابي خبره، وإن شئت جعلت ركابي فاعلا يسدُّ مسد الخبر، فيكون على هذا قال ذُلُل ولم يوحد لأنه جمع مُكسر، والمعنى أن ناقتي معتادة للسير ذلول، وروى الأصمعي (مُشايعي لُبى) وقال: معناه لا يعزب عني عقلي في حال من الأحوال، وأحفزه: أدفعه، والمبرم: المُحكم. (وَلَقَدْ خَشِيتُ بِأَنْ أَمُوتَ وَلَمْ تَكُنْ ... لِلْحَرْبِ دَائِرَةٌ عَلَى ابْنَيْ ضَمْضَمِ) ويروى (ولم تَدُرْ للحرب)، ويروى (ولم تَقُمْ)، قال ابن السكيت: هما هرم وحُصين ابنا ضمضم المُريان، والدائرة: ما ينزل، وقيل في قوله عز وجل: (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِر): يعني الموت أو القتل، وهرم وحُصين ابنا ضمضم اللذان قتلهما ورد بن حابس العبسي، وكان عنترة قتل أباهما ضمضما، فكانا يتوعدانه. (الشَّاتِمَيْ عِرْضِي وَلَمْ أَشْتُمِهُمَا ... وَالنَّاذِرَيْنِ إذا لَمَ الْقَهُمَا دَمِي) ويروى (إذا لقيتهما دمي) أي يقولان: إذا لقيناه لنقتلنه، وقوله: (الشاتمي

معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي

عرضي) أي اللذان شتما عرضي، والنون تحذف في مثل هذا كثير للتخفيف، تقول: جاءني الضاربا زيد، والمعنى الضاربان زيدا، وإنما جاز أن تجمع بين الألف واللام والاضافة؛ لأن المعنى الضاربان زيدا، ويقال: نذرت الندر انذره وأنذره؛ إذا أوجبته على نفسك، وأنذرت دم فلان؛ إذا أبحته. (أن يَفْعَلاَ فَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَاهُمَا ... جَزَرَ السِّبَاعِ وَكُلِّ نَسْرٍ قَشْعَمِ) يقول: أن ينذرا دمي فقد قتلت أباهما، وأجزرته ع، أي تركته جزرا لها، والقشعم: الكبير من النسور. معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي وقال عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن سعد بن زهير بن جُشم بن بكر ابن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصي بن دُعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. قال أبو عمرو الشيباني: كانت بنو تغلب بن وائل من أشد الناس في الجاهلية، وقالوا: لو أبطأ الإسلام قليلا لأكلت بنو تغلب الناس، ويقال: جاء ناس من بني تغلب إلى بكر بن وائل يستسقونهم فطردتهم بكر للحقد الذي كان بينهم، فرجعوا، فمات سبعون رجلا عطشا. ثم أن بني تغلب اجتمعوا لحرب بكر بن وائل، واستعدت لهم بكر حتى إذا التقوا كره كل صاحبه، وخافوا أن تعود الحرب بينهم كما كانت، فدعا بعضهم بعضا إلى الصلح،

فتحاكموا في ذلك إلى الملك عمرو بن هند، فقال عمرو: ما كنت لأحكم بينكم حتى تأتوني بسبعين رجلا من أشراف بكر ابن وائل فأجعلهم في وثاق عندي، فإن كان الحق لبني تغلب دفعتهم إليهم، وإن لم يكن لهم حق خليت سبيلهم، ففعلوا، وتواعدوا ليوم بعينه يجتمعون فيه، فقال الملك لجلسائه: من ترون تأتي به تغلب لمقامها هذا؟ فقالوا: شاعرهم وسيدهم عمرو بن كلثوم، قال: فبكر بن وائل؟ فاختلفوا عليه، وذكروا غير واحد من أشراف بكر بن وائل، قال: كلا والله لا تفرج بكر بن وائل إلا عن الشيخ الأصم يعثر في ريطته فيمنعه الكرم من أن يرفعها، حتى يرفعها قائده فيضعها على عاتقه، فلما أصبحوا جاءت تغلب يقودها عمرو بن كلثوم حتى جلس إلى الملك، وقال الحارث بن حلزة لقومه: إني قد قلت خُطبة فمن قام بها ظفر بحجته وفلج على خصمه، فرواها ناسا منهم، فلما قاموا بين يديه لم يرضهم، فحين علم إنه لا يقوم بها أحد مقامه قال لهم: والله إني لأكره أن آتي الملك فيكلمني من وراء سبعة ستور، وينضح أثري بالماء إذا انصرفت عنه - وذلك لبرص كان به - غير أني لا أرى أحدا يقوم بها مقامي، وأنا محتمل ذلك لكم، فانطلق حتى أتى الملك، فلما نظر إليه عمرو بن كلثوم قال للملك: أهذا يناطقني وهو لا يُطيق صدر راحلته؟ فأجابه الملك حتى أفحمه، وأنشد الحارث قصيدته: آذَنَتْنَا بِبَيْنِهَا أَسْمَاءُ ... رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثوَاءُ وهو من راء سبعة ستور، وهند تسمع، فلما سمعتها قالت: تالله ما رأيت كاليوم قط رجلا يقول مثل هذا القول يُكلم من وراء سبعة ستور، فقال الملك: ارفعوا سترا، ودنا، فما زالت تقول ويرفع ستر فستر حتى صار مع الملك على مجلسه، ثم أطعمه من جفنته، وأمر أن لا يُنضح أثره بالماء، وجزَّ نواصي السبعين الذين كانوا في يديه من بكر، ودفعها إلى الحارث، مره أن لا يُنشد

قصيدته إلا متوضئا، فلم تزل تلك النواصي في بني يشكر بعد الحارث، وهو من ثعلبة بن غنم من بني مالك بن ثعلبة، وأنشد عمرو بن كلثوم قصيدته. (أَلاَ هُبِّي بصَحْنِكِ فَاصْبَحِينَا ... وَلاَ تُبْقِي خُمُورَ الأنْدَرِينَا) ألا: تنبيه، وهو افتتاح الكلام وهُي: معناه قومي من نومك، يقال: هب من نومه هبَّا، إذا انتبه وقام من موضعه، والصحن: القدح الواسع الضخم، والصبوح: شرب الغداة، والأندرين: قرية بالشام كثيرة الخمر، ويقال: إنما أراد أندر، ثم جمعه بما حواليه، ويقال: أن اسم الموضع أندرون، وفيه لغتان: منهم من يجعله بالواو في موضع الرفع وبالياء في موضع النصب والجر ويفتح النون في كل ذلك، ومنهم من يجعل الإعراب في النون، ولا يجيز أن يأتي بالواو، وقال أبو إسحاق: يجوز أن يأتي بالواو ويجعل الإعراب في النون، ويكون مثل زيتون يُجرى إعرابه في آخر حرف منه، قال أبو إسحاق: خبرنا بهذا أبو العباس، ولا أعلم أحدا سبقنا إلى هذا. (مُشَعْشَةً كَأَنَّ الحُصَّ فيهَا ... إذا مَا المَاءُ خَالَطَهَا سَخِينَا)

المشعشعة: الرقيقة من العصر أو من المزج، والحص: الورس، و (فيها) أي في الخمر، ويقال في الحص: إنه الزعفران، شبه صفرتها بصفرته، وقوله: (سخينا) قال أبو عمرو الشيباني: كانوا يُسخنون لها الماء في الشتاء، ثم يمزجونها به، وهو على هذا منصوب على الحال، أي إذا خالطها في هذه الحال، وقيل: هو نعت لمحذوف، والمعنى فاصبحينا شرابا سخينا، ثم أقام الصفة مُقام الموصوف، وقيل: سخينا فعل، أي إذا شربناها سخينا كما قال: وَنَشْرَبُهَا فَتَتْرُكُنَا مُلُوكاً ... وَأُسْدَا مَا يُنَهْنِهُنَا اللِّقَاءُ فأما قوله (مشعشعة) فانه منصوب على الحال، وان شئت على البدل من قوله (خمور الأندرينا) وإن شئت رفعت بمعنى هي مشعشعة، وقد قيل: أن مشعشعة منصوبة بقوله: فاصبحينا. (تَجُورُ بِذِي اللُّبَانَةِ عَنْ هَوَاهُ ... إذا مَا ذَاقَهَا حَتَّى يَلِينَا) تجور: تعدل، واللبانة: الحاجة، أي تعدل بصاحب الحاجة عن هواه حتى يلين لأصحابه ويجلس معهم ويترك حاجته، وقيل: حتى يلين عن هواه فيسكر عنه. (تَرَى اللَّحِزَ الشّحِيحَ إذا أُمِرَّتْ ... عَلَيْهِ لِمَالِهِ فيها مُهينا) اللحز: الضيق البخيل، وقيل: هو السيئ الخلق اللئيم، ويقال: هي من الأشياء التي تجمع كثيرا من الشرور مثل الهلباجة، وروى بعض أهل اللغة إنه قيل لأعرابي: ما الهلباجة؟ فقال: السيئ الخلق، ثم قال: والأحمق، ثم قال: والطياش، ثم

قال بيديه: احمل عليه من الشر ما شئت والشحيح: البخيل وقوله: (إذا أمرت عليه) أي إذا أديرت. والمعنى: أن الخمر إذا كثر دورانها عليه أهان ماله. يقال: (فلان مهين لماله) إذا كان سخيا، و (فلان معز لماله) إذا كان بخيلا. (صَدَدْتِ الكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْروٍ ... وكَانَ الكَأْسُ مَجْرَاهَا اليَمِينَا) (ومَا شَرُّ الثّلاَثَةِ أُمَّ عَمْروٍ ... بِصَاحِبِكِ الّذِي لاَ تَصْبَحِينَا) بعضهم يروي هذين البيتين لعمرو أخت جذيمة الأبرش، وذلك لما وجده مالك وعقيل في البرية، وكانا يشربان، وأُمُّ عمرو هذه المذكورة تصد عنه الكأس، فلما قال هذا الشعر سقياه وحملاه إلى خاله جذيمة، ولهما حديث. (وَأَنَّا سَوْفَ تُدْرِكُنَا المَنَايَا ... مُقَدَّرَةً لَنَا وَمُقَدَّرِينَا) المنايا: جمع منية، ويقال: المنايا الأقدار من قول الله عز وجل: (مِنْ نُطْفَةٍ إذا تُمْنَى) معناه إذا تُقدر، وقوله: (مُقَدَّرة لنا ومقدرينا) أي نحن مقدرون لأوقاتها وهي مقدرة لنا، ومقدرة: منصوبة على الحال، وكذلك مقدرينا، أي تدركنا في هذه الحال، ومعنى هذا البيت في اتصاله بما قبله إنه لما قال: (هُبِّي بصحنك) حضها على ذلك، فالمعنى: فاصبحينا قبل حضور الأجل؛ فإن الموت مُقدَّر لنا

ونحن مُقدرون له. (قِفِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يَا ظَعِينَا ... نُخَبِّرْكَ اليَقِينَ وَتُخْبِرِينَا) يا ظعينا: معناه يا ظعينة، فرخم، وحذف الهاء، وأشبع الفتحة فصارت ألفا، أي قفي نُخبرك ما لا تشكين فيه من حروبنا مع أهلك، والمعنى قبل أن يفارقنا أهلك، وقيل: المعنى قبل أن يُفرِّق بيننا الموت، والأول أصح. (بِيَوْمِ كَرِيهَةِ ضَرْباً وَطَعْناً ... أَقَرَّ بِهِ مَوَالِيكِ العيُوناً) (بيوم كريهة) أي بيوم وقعة كريهة، وإنما ثبتت الهاء في كريهة وهي في تأويل مفعولة لأنها جُعلت اسما مثل النطيحة والذبيحة، والكريهة: اسم لشدة البأس في الحرب، والموالي هنا: العصبة، وقيل: يريد بهم بني العم، وقوله: (طعنا وضربا) مصدران، أي نطعن طعنا ونضرب ضربا، ويجوز أن يكون مفعولا بهما ويكون الفاعل مضمرا، ويكون المعنى بيوم يُكرَه الضرب والطعن فيه، والباء في قوله (بيوم) متعلقة بقوله قفي، ويجوز أن تكون متعلقة بقوله نخبرك، فإذا كانت متعلقة بقوله قفي فالمعنى قفي بهذا اليوم الكريه الذي كان بيننا وبين أهلك فيه حرب لأنظر أغيرك ذلك أم لا، ثم بيَّن

بالذي بعده، فقال: (قِفِي نَسْأَلْكِ هَلْ أَحْدَثْتِ صُرْمَا ... لِوَشْكِ البَيْنِ أَمْ خُنْتِ الأمِينَا) ويروى (هل أحدثت وصلا) والصرم: القطيعة، ووشك البين: سرعته، والمعنى: هل أحدثت قطيعة لقرب الفراق؟ وجعل ما تخبره به كأنه خيانة، وجعل نفسه بمنزلة الأمين الذي يحفظ السر، أي لم يُغيرني شيء من الحروب التي كانت بيني وبين أهلك، وأنا لك بمنزلة الأمين. (تُرِيكَ إذا دَخَلْتَ عَلَى خَلاَءٍ ... وَقَدْ أَمِنَتْ عُيُونَ الكَاشِحِينَا) الكاشح: العدو، وإنما قيل له كاشح لأنه يُعْرِض عنك ويوليك كشحه وهو الجنب، وقيل: إنما قيل له كاشح لأنه يُضمر العداوة في كشحه، وخلاء: خلوة من الرُّقباء. (ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أَدْمَاَء بِكْرٍ ... تَرَبّعَتِ الأجَارِعَ وَالمُتُونَا) أي تريك ذراعي عيطل، وهي الطويلة، وقيل: الطويلة العنق، والأدماء: البيضاء، والبكر: التي ولدت ولدا واحدا، وتكون التي لك تلد، وتربعت: رعت

نبت الربيع، والأجارع: جمع أجرع وجرعاء، وهو من الرمل: ما لم يبلغ أن يكون جبلا، والمتون: جمع متن، وهو ما غلظ من الأرض، وروى أبو عبيدة: ذِرَاعَيْ حُرَّةٍ أَدْمَاَء بِكْرٍ ... هِجَانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأَ جَنِبنَا أي لم تضم في رحمها ولدا قط، يقال: ما قرأت الناقة سلى قط، أي لم ترم بولد، وقال: سُمِّيَ كتاب الله قرآنا لأن القارئ يُظهره ويبينه ويُلقيه من فيه. (وَثَدْياً مِثْلَ حُقِّ العَاجِ رَخْصَا ... حَصَاناً مِنْ أَكُفِّ اللاّمِسِينَا) أي تريك ذراعي عيطل، وتريك ثديا كحق العاج في بياضه ونتوه، والرحض: اللينة، والحصان: العفيفة، وقيل: التي تحصنت من الريب، واللامسون: أهل الريبة، وقوله: (حصانا) يجوز أن يكون من نعت الثدي، ويجوز أن يكون حالا من المضمر الذي في (تُريك). (وَمَتْنَيْ لَدْنَةٍ طَالَتْ وَلاَنَتْ ... رَوَادِفُهَا تَنُوءُ بِمَا يَلِينَا) ويروى (بما ولينا) اللدنة: اللينة، وروادفها: أعجازها، وتنوء: تنهض، أي تنوء بما يليهن، أي بما يقرب من اعجازهن، والمتن: جانب الصلب. (تَذَكَّرْتُ الصِّبَا وَاشْتَقْتُ لَمَّا ... رَأَيْتُ حُمُولَهَا أَصُلاً حُدِينَا)

ويروى (وراجعت الصبا) أي رجعت إلى ما كنت عليه من اللهو في شبيبتي، والاشتياق: رقة القلب للقاء المحبوب، والحُمُول: الإبل التي يُحمل عليها الأثقال. والأصل: جمع أصيل، و (أُصُلا) نصب على الظرف، وحدين معناه قد حدين، وتأويله الحال. (وَأَعْرَضَتِ اليَمَامَةُ وَاشْمَخَرَّتْ ... كَأَسْيَافٍ بِأَيْدِي مُصْلِتِينَا) أَعرضت: معناه ظهرت وبدت، ويقال: أعرض وعرض إذا بدل قال ابن كيسان: أحسن ما في هذا أن يكون أعرض بمعنى بدا بعضه، كأنه بدا عرضه: أي ناحيته، وعرض إذا بدا كله، واشمخرت: طالت، والمعنى بدت مستطيلة، والكاف في قوله (كأسياف) في موضع نصب على إنها نعت لمصدر محذوف، والمُصلت: الشاهر سيفه، والمعنى أن اليمامة ظهرت فتبَّينتها كما تتبين السيوف إذا شُهرت، فاشتقت لذلك لما رأيت موضعها الذي تصير إليه، وكان ذلك أشد لو لهى. (فَمَا وجَدَتْ كَوَجْدِي أُمُّ سَقْبٍ ... أَضَلّتْهُ فَرَجَّعَتِ الحَنِينَا) أم سقب: ناقة، وسقبها: ولدها الذكر، وأضلته: ضل منها، فرجَّعت الحنين: أي رددته حزنا على ولدها.

(ولاَ شَمْطَاءُ لَمْ يَتْرُكْ شَقَاهَا ... لَهَا مِنْ تِسْعَةٍ إِلاّ جَنِينَا) الشمطاء: التي ليست بشابة، وهو أشد لحزنها، والشمطاء: نسق على (أم سقب) يقول: وجدي على هذه المرأة أشد من حُزن هذه الناقة التي أضلت ولدها والمرأة التي فقدت تسعة أولاد فما من ولدها إلا جنين، أي قد أجنته الأرض تحتها، وجنين بمعنى مُجن أي لم يترك شقاها لها إلا مقبورا، وحزني على هذه المرأة أشد من حزنها. (وَإِنَّ غَداً، وَإِنَّ اليَوْمَ رَهْنٌ ... بَعْدَ غَدٍ بِمَا لاَ تَعْلَمِينَا) معناه يأتيك بما لا تعلمين من الحوادث وغيرها، أي الأيام مرتهنة بالأقدار، فهي توافينا من حيث لا نعلم، ونظير هذا قوله: وَأَعْلَمُ مَا فِي اليَوْمِ وَالأمْسِ قَبْلَهُ ... وَلكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِ ومعنى هذا البيت في أثر تلك الأبيات: أني قد علَّقت قلبي بهذه المرأة، والأقدار تأتي، ولا أدري ما يكون من أمرها (أَبَا هِنْدٍ فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْنَا ... وَأَنْظِرْنَا نُخَبِّرْكَ اليَقِينَا)

أبو هند: عمرو بن المنذر وهو أبو المنذر أيضا، وأنظرنا: انتظرنا، ويجوز أن يكون معناه أخرنا. (بِأَنَّا نُورِدُ الرَّايَاتِ بِيضاً ... وَنُصْدِرُهُنَّ حُمْراً قَدْ رَوِينَا) الرايات: الأعلام، وبيضا وحمرا: منصوبان على الحال، وهذا تمثيل، مثَّل الرايات بالإبل والدم بالماء، فكأن الرايات ترجع وقد رويت من الدم كما ترجع الإبل وقد رويت من الماء. (وَأَيَّامِ لَنَا غُرٍّ طِوَالٍ ... عَصَيْنَا المَلْكَ فِيهَا أن نَدِينَا) ويروى (وأيام لنا ولهم طوال) يقول: وأيام لنا بيض مشهورة، وواحد الغر أغر، وقال أبو عبيدة: إنما سمي الأيام غرا طوالا لعلوهم على الملك وامتناعهم منه لعزهم، فأيامهم غر لهم طوال على أعدائهم، وقوله: (وأيام) معطوف على قوله: (بأنا) والمعنى بأيام، ويجوز أن تجعل الواو بدلا من رُبَّ، ومن روى (لنا ولهم) أراد القبائل، ولم يجر لها ذكر، إلا إنه لما ذكر الرايات وإصدارها عُلم أن ثم مُقاتلين، فحمل الضمير على المعنى، وقوله: (أن ندينا) أي أن نُطيع، والدين: الطاعة، وأن في موضع نصب، أي في أن ندينا، ثم حذف (في) فتعدى الفعل، وهذا مُطَّرد، أن تحذف حروف الجر مع أن لطول الاسم،

وقال بعض النحويين: أن في موضع خفض على حذف الخافض. (وَسَيِّدِ مَعْشَرٍ قَدْ تَوَّجُوهُ ... بِتَاجِ المُلْكِ يَحْمِي المُحْجَرِينَا) ويروى (قد عَصَّبُوه بتاج الملك) ويحمي: معناه يمنع، والمُحجرون: الذين قد أُلجئوا إلى المضيق، و (يحمي المحجرينا) صفة لسيد. (تَرَكْنَا الخَيْلَ عَاكِفَةً عَلَيْهِ ... مُقَلَّدَةً أَعِنَّتُهَا صُفُوَنَا) ويروى (عاطفة عليه) وعاكفة: مُقيمة، وواحد الصفون: صافن، وهو القائم، وقيل: هو الذي رفع إحدى قوائمه للتعب، و (تركنا الخيل) يحتمل معنيين، أحدهما أن يريد خيله وخيل أصحابه، يقول: أحطنا به لأخذ سلبه، فقد نزل الرجال عن الخيل فقلّدوها الأعنة يأخذون السلب، وإذا أراد معشره فالمعنى أن أصحابه لم يُغنوا عنه شيئا وهم حواليه لا يردون عنه. (وَقَدْ هَرَّتْ كِلاَبُ الحَيِّ مِنَّا ... وَشَذَّبْنَا قَتَادَةَ مَنْ يَلِينَا) ويروى (وقد هرت كلاب الجن منا) والمعنى: إنا قد غلبنا كل أحد حتى

قد كرهنا كلاب الحي وكلاب الجن، شبه من كان شديد البأس بالجن، أي من كان شديد البأس قد أخذناه فكيف بغيره؟ وشذّا: فرَّقنا، والقتادة: شجرة لها شوك، والتشذيب: قطع الأغصان وشوكها، ومعناه إنا فرَّقنا جموعهم وأذهبنا شوكتهم؛ فصاروا بمنزلة هذه الشجرة التي قُطعت أغصانها، وقوله (من يلينا) أي من ولي حربنا، ويجوز أن يكون معناه من يقرُب منا من أعدائنا. (مَتَى نَنْقُلْ إلى قَوْمٍ رَحَانَا ... يَكُونُوا فيِ اللِّقَاءِ لها طَحِينَا) أي متى حاربنا قوم كانوا لنا كالطحين للرحا أي كالحنطة، والمعنى إنا نقتلهم ونأخذ أموالهم، فيكونون بمنزلة ما دارت عليه الرحا في الهلاك، أي ننال منهم ما نريد. (يَكُونُ ثِفَالُهَا شَرْقِيَّ نَجْدٍ ... وَلُهْوَتُها قُضَاعَةُ أَجْمَعِينَا) ويروى (شرقي سلمى) الثفال: جلدة أو خرقة تجعل تحت الرحا يسقط عليه الطحين أراد أن شرقي سلمى للحرب بمنزلة الثفال للرحا، واللهوة: قبضة تُلقى في الرحا والمعنى: أن كيدنا وحربنا تُشبه الرحا، وهذه الرحا تستوعب هذا الموضع العظيم، وتهلك هذا الحي الكبير، فيكون بمنزلة هذه القبضة التي

تُلقى في الرحا في هلاكهم. (وَإِنَّ الضغْنَ بَعْدَ الضِّغْنِ يَفْشُو ... عَلَيْكَ وَيُخْرِجُ الدَّاَء الدَّفِينَا) ويروى (يبدو) والضغن: الحقد الذي يخفى ولا يظهر إلا بالدلائل، والداء: يعني به الحقد، وأراد بالدفين المستتر في القلب. (وَرِثْنَا المَجْدَ قَدْ عَلِمَتْ مَعَدٌّ ... نُطَاعِنُ دُونَهُ حَتَّى يَبِينَا) المجد: الشرف والرفعة، وقوله (حتى يبينا) معناه حتى يظهر، ويروى (حتى نُبينا) - بضم النون - أي حتى نُبين مجدنا وفضلنا، ويروى (حتى يلينا) أي حتى ينقاد لنا، وقال أبو جعفر احمد بن عبيد: الرواية (حتى يَبينا) - بفتح الياء - أي حتى ينقطع منهم، ويصير إلينا، يقول: أن لآبائنا فعالا صالحا فنحن نرثه لأنه ينسب إلينا ولا يستتر. (وَنَحْنُ إذا عِمَادُ الحَيِّ خَرَّتْ ... عَلَى الأحْفَاضِ نَمْنَعُ مَنْ يَلِينَا) ويروى (عن الأحفاض) والعماد: جمع عمود، والأحفاض، واحدها حفض. وهو متاع البيت، ويسمى البعير الذي يحمل المتاع حفضا، فمن روى (عن الأحفاض) أراد عن الإبل، ومن روى (على الأحفاض) أراد على المتاع وقوله (نمنع من يلينا) يريد من جاورنا، ويجوز أن يكون معناه من والانا، أي من كان حليفا لنا. ومعنى البيت: إنه لا يُطمع فيهم في إقامة ولا ظعن؛ لأن الأساطين إنما تسقط على المتاع وقت رحيلهم. وكانوا يرحلون إما لخوف وإما

لنُجعة، فأخبر إنه لا يطمع فيهم، ويمنعون من يجاورهم، وبين ذلك فقال: (نُدَافِعُ عَنْهُمُ الأعْدَاَء قِدْماً ... وَنَحْمِلُ عَنْهُمُ مَا حَمَّلُونَا) قِدما: أي قديما، وقُدْما: أي تقدما، و (حملونا) أي ما جنوا علينا من حمالة أو غيرها. (نُطَاعِنُ مَا تَرَاخَى النَّاسُ عَنَّا ... وَنَضْرِبُ بِالسُّيُوفِ إذا غُشِينَا) ويروى (ما تراخى الصف عنا) أي تباعد، يقال: (تراخت داره) إذا بعدت، وغُشينا: أي دنا بعضُنا من بعض. (بِسُمْرٍ مِنْ قَنَا الخَطِّىِّ لُدْنٍ ... ذَوَابِلَ أو ببِيضٍ يَعْتَلِينَا) الباء في قوله (بسُمْرٍ) متعلقة بقوله نُطاعن، والسُّمر من الرماح أجودها، ولُدن: لينة، وذوابل: فيها بعض اليُبس، يقول: لم تجف كل الجفوف فتنشق إذا طعن بها وتندق، ويعتلين: أي يعلون رؤوسهم. (نَشُقُّ بِهَا رُؤُوسَ القَوْمِ شَقًّا ... وَنُخْلِيهَا الرِّقَابَ فَيَخْتَلِينَا) (بها) أي بالسيوف، و (نخليها الرقاب) أي نجعل الرقاب لها كالخلا

وهو الحشيش، يصف حدة السيوف وسُرعة قطعها، فكأنهم يقطعون بها حشيشا. (تَخَالُ جَمَاجِمَ الأبْطَالِ فِيهَا ... وُسُوقاً بِالأمَاعِزِ يَرْتَمِينَا) الأماعز: جمع أمعز وهي الأرض الصلبة الكثيرة الحصى والوسوق: جمع وسق، وهو الحمل، ويروى (وسوقا) جمع ساق، وأصله سووق إلا أن الواو إذا انضم ما قبلها لم تكسر ولم تضم؛ لأن ذلك يستثقل فيها، فوجب أن تسكن، ولا يجتمع ساكنان، فحذفت إحدى الواوين؛ فعلى قياس سيبويه أن المحذوفة الثانية؛ لأنها زائدة فهي أولى بالحذف، وعلى قياس قول الأخفض أن المحذوفة الأولى؛ لأن القانية علامة فلا يجوز حذفها (نَحُزُّ رُؤوسَهُمْ فِي غَيْرِ بِرٍّ ... فَمَا يَدْرُونَ مَاذَا يَتَّقُونَا) ويروى (نجذ رؤوسهم في غير بر) أي في غير بر منابهم ولا شفقة عليهم، فما يدرون كيف يردون عن أنفسهم، ويروى (نجز رؤوسهم) أي نجزُّ نواصيهم إذا أسرناهم، ونمن عليهم، وقالوا (في غير بر) أي لا نتقرب إلى الله بذلك كما نتقرب بالنُّسُك، ويروى (في غير نُسك) وقوله (ماذا يتَّقُونا) أي ما الذي يتقون، ويجوز أن يكون ماذا حرفا واحدا منصوبا بيتقون، أيْ أيَّ شيء يتقون ويروى (تخرُّ رءوسُهم في غير بَرٍّ) أي تقع في بحر من الدماء.

(كَأَنَّ سُيُوفَنَا فِينَا وَفِيهِمْ ... مَخَارِيقٌ بأيْدِي لاَعِبِينَا) قيل: المخاريق ما مثل بالشيء وليس به، تحو ما يلعب به الصبيان يُشبهونه بالحديد قال ابن كيسان: فيه معنى لطيف؛ لأنه وصف السيوف وجودتها ثم أخبر أنها في أيديهم بمنزلة المخاريق في أيدي الصبيان، وقيل: إنه أراد سيوف أصحابه وسيوف أعدائه، وعند بعضهم سميت هذه القصيدة المنصفة لهذا، وقيل: بل يصف سيوف أصحابه لا سيوف أعدائه، ومعنى (فينا وفيهم) على هذا أن السيوف مقابضها في أيدينا ونحن نضربهم بها. (كَأَنَّ ثِيَابَنَا مِنَّا وَمِنْهُمْ ... خُضِبْنَ بِأَرْجُوانٍ أو طُلِينَا) الأرجوان: صبغ أحمر فشبه كثرة الدماء على الثياب بصبغ أحمر، ومن قال (إنه يصف سيوفه وسيوف أصحابه) احتج بهذا البيت، ومن قال (إنما يصف سيوف أصحابه) يقول: إذا قتلوهم كان عليهم من دمائهم. (إذا مَا عَيَّ بِالإسْنَافِ حَيٌّ ... مِنَ الهَوْلِ المُشَبَّهِ أن يكُونَا) الإسناف: التقدم في الحروب، وعَي: من العي في الحرب لهولها،

والمُشبَّه: أن يشتبه الأمر عليهم فلم يعلموا كيف يتوجهون له، وقوله (أن يكون) أراد كراهة أن يكون، ثم حذف كراهة وأقام أن مُقامها. ومعنى البيت: إذا تحير الحي وتوقفوا كراهة أن يكون الهول تقدَّمنا ونصبنا الكتائب. (نَصَبْنَا مِثْلَ رَهْوَةً ذَاتَ حَدٍّ ... مُحَافَظَةً وَكُنَّا السَّابِقينَا) ويروى (وكنا المُستفينا) أي المتقدمين، رهوة: جبل، ويقال رهوة أعلى الجبل، وقوله (ذات حد) أي كتيبة ذات شوكة، كأنه قال: نصبنا كتيبة ذات حد، وقيل: المعنى نصبنا حربا ذات حد مثل رهوة، ومحافظة: منصوب على إنه مصدر، وإن شئت كان في موضع الحال والمعنى محافظة على أحسابنا. (بِفِتْيانٍ يَرَوْنَ القَتْلَ مَجْداً ... شِيبٍ فِي الحُرُوبِ مُجَرَّبِينَا) المجد: الحظ الوافر الكافي من الشرف والسؤدد، وأصل المجد في الكثرة. (حُدَيَّا النَّاسِ كُلِّهِمُ جَمِيعاً ... مُقَارَعَةً بَنِيهمْ عَنْ بَنِينا) قالوا معنى (حُديا الناس) كما تقول واحد الناس، وقيل: (حديا الناس) معناه نحن أشرف الناس، يقال: أن حدياك في الأمر، أي فوقك والحديا: الغاية، وقالوا: حُديَّا معناه أحدو الناس أسوقهم وأدعوهم كلهم إلى المقارعة لا أهاب أحدا فأستثنيه، وحُديَّا: تصغير حدوى ويكون من قولهم (تحدَّيت) أي قصدت، فيكون المعنى

على هذا أقصد الناس، ومُقارعة: مراهنة (بنيهم عن بنينا) أي أقارعهم على الشرف والشدة، وقيل: معناه نقارع بنيهم، أي نقارع بالرماح، وقيل: الرواية (مقارعة بنيهم أو بنينا) أي نقتل بنيهم أو يقتلون بنينا، ويكون قوله (مقارعة) يدل على القتال، و (بنيهم) في موضع نصب، أي نقارع، و (حديا) يجوز أن يكون رفعا على إنه خبر مبتدأ، أي نحن حديا الناس، ويجوز أن يكون منصوبا على المدح. (فَأَمَّا يَوْمَ خَشْيَتِنَا عَلَيْهِمْ ... فَصْبِحُ غَارَةً مُتَلَبِّبِينَا) التلبُّب: التحزم بالسلاح، ويروى (فتصبح خيلنا عصبا ثبينا) قوله: (فنصبح غارة) أي فنصبح متيقظين مستعدين، والعُصب: الجماعات، الواحدة عصبة، والثُّبُون: الجماعات في تفرقة، ويقال (ثِبُون) بكسر الثاء في الجمع، كما كسرت السين في قولهم (سُنُون) ليدل الكسر على إنه جمع على خلاف ما يجب له، ويقال (ثٌبَات) وإنما جمع بالواو والنون لأنه قد حذف منه آخره، فقيل: المحذوف منه ياء، وقيل: واو، فأما الفراء فيذهب إلى أن هذه المحذوفات ما كان منها أوَّلها مضموما فالمحذوف منه واو، وما كان أوله مكسورا فالمحذوف منه الياء، ويقول في بنت وأخت مثل هذا.

(وَأَمَّا يَوْمَ لاَ نَخَشَى عَلَيْهِمْ ... فَنُصْبِحُ فِي مَجَالِسِنَا ثُبِينَا) يقول: إذا خشينا اجتمعنا، فإذا لم نخش تفرَّقنا، وقد تقدم الكلام في ثُبة، وبقي فيها أنك إذا أصغرتها قلت في تصغيرها (ثُبية) ترد إليها ما حذف منها، ومنه (ثبيت الرجل) إذا أثنيت عليه في حياته، كأنك جمعت محاسنه، فأما قولهم لوسط الحوض ثُبة فليس من هذا، وإنما هو من ثاب يثوب إذا رجع، كأن الماء يرجع اليها، والدليل على إنه ليس من ذلك أن العرب تقول في تصغيره: ثويبة، فالمحذوف منه عين الفعل، ومن ذلك لامه. ومن روى في البيت الأول (فتصبح خيلنا عصبا ثبينا) روى هذا البيت: وَأَمَّا يَوْمَ لاَ نَخْشَى عَلَيْهِمْ ... فَنُمْعِنُ غَارَةً مُتَلَبِّبِينَا وغارة: منصوبة على المصدر؛ لأن معنى نُمعن ونُغير واحد، ويجوز أن يكون المعنى وقت الغارة، ثم حذف وقتا، وأعرب غارة بإعرابه كما قال: تَبْكِي عَليْكَ نُجُومَ اللَّيْلِ وَالقَمَرَا معناه وقت نجوم الليل والقمر. (بِرَأْسٍ مِنْ بَنِي جُشَمَ بْنِ بَكْرٍ ... نَدُقُّ بِهِ السُّهُولَةَ وَالحزُونَا) الرأس: الحي العظيم، ويقال للحي الذي لا يحتاجون إلى إعانة أحد (رأس). وجشم فعل من (جشمت الأمر) إذا تكلفته. ومعنى البيت: إنا ندق به كل صعب ولين لقوتنا.

(بِأَيِّ مَشِيئَةٍ عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ ... تُطِيعُ بِنَا الوُشَاةَ وَتَزْدَرِينَا؟) (مشيئة) من شاء يشاء؛ وإن شئت لينت الهمزة فقلت مشية، وعمرو: منصوب على إنه اتباع لقوله ابن هند، كما قيل (مُنتن) فأتبعوا الميم التاء، والقياس أن يقال: عمرو بن هند، إلا أن الأول أكثر، والوشاة: جمع واش، وهذا جمع يختص بع المعتل كقاض وقضاة، وفي غير المعتل يجيء على فعلة ككاتب وكتبة، وقوله (تزدرينا) فيه ضرورة قبيحة، على إنه هذا البيت لم يروه ابن السكيت، والضرورة التي فيه إنه إنما يقال: (زريت على الرجل) إذا عبت عليه فعله، و (أزريت به) إذا قصرت به، فإذا لم يستعمل في الثلاثي إلا بالحرف كان أجدر أن لا يستعمل في افتعلت منه، إلا إنه يجوز على قبح في الشعر أن تحذف الحرف وتعديه في بعض المواضع، وكأنه جاز هاهنا لأنه قال قبله (تُطيع بِنا) ويروى (وتزدهينا) وفيه من الضرورة ما في الأول لأنه يقال (زهى علينا فلان) إذا تكبَّر، و (زهاه الله) إذا جعله متكبرا. (بِأَيِّ مَشِيئَةٍ عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ ... نَكُونُ لِقَيْلِكُمْ فِيهَا قَطِينَا.) ويروى (نكون لخلفكم) والخلف: الرديء من كل شيء، والمراد به

هنا العبيد والخدم، والقطين: المتجاورون، وقيل: القطين اسم للجمع كما يقال عبيد، وإنما استعمل للواحد، ويقال في الجمع: قُطَّان، ويقال (قطن في المكان) إذا أقام به. (تَهَدَّدْنَا وَأَوْعِدْنَا رُوَيْداً ... مَتَى كُنَّا لأُمِّكَ مَقْتَوِينَا؟) ويروى (تُهدِّدُنا وتُوعدُنا) قالوا: (وعدتُه) في الخير والشر، فإذا لم تذكر الخير قلت: وعدتُه، وإذا لم تذكر الشر قلت: أوعدته، وذكر ابن الأنباري إنه يقال: وعدت الرجل خيرا، وشرا، وأوعدته خيرا، وشرا، فإذا لم تذكر الشر قلت: أوعدته، و (رويدا) منصوب على إنه مصدر، وقوله (مَقتوينا) بفتح الميم كأنه نسب إلى مقتي وهو مفعل من القتو، والقتو: الخدمة خدمة الملوك خاصة، وقال الخليل: المقتوون مثل الأشعرين، يعني إنه يقال: أشعري وأشعرون، ومقتوي ومقتوون، فتحذف ياء النسبة منهما في الجمع، وفي المقتوين علة اخرى، وهي إنه يقال في الواحد مقتوي ثم تحذف ياء النسبة، فتصير الواو طرفا وقبلها فتحة، فيجب أن تقلب ألفا فيصير مقتى مثل ملهى، ثم يجب أن يجمع على مقتين مثل مصطفين، هذا القياس، غير أن العرب استعملتها على حذف هذا، فقالوا في الرفع: مقتوون، وفي النصب والخفض: مقتوين، وتقديره إنه جاء على أصله، فكأنه يجب على هذا أن يقال في الواحد: مقتو، ثم يجمع

فيقال: مقتوون. (فإن قَنَاتَنَا يَا عَمْرُو أَعْيَتْ ... عَلَى الأعْدَاءِ قَبْلَكَ أن تَلِينَا) أراد بالقناة الأصل، أي نحن لا نلين لأحد، وموضع (أن) نصب على معنى بأن تلينا ولأن تلينا. (إذا عَضَّ الثِّقَافُ بِهَا اشْمَأَزَّت ... وَوَلَّتْهُمْ عَشَوْزَنَةً زَبُونَا) الثِّقاف: ما تُقوم به الرماح، واشمأزت: نفرت، وعشوزنة: صلبة شديدة، والزبون: الدَّفوع، والزبن: الدفع والزبانية عند العرب: الأشد، سُمُّوا زبانية لأنهم يعملون بأرجلهم كما يعملون بأيديهم، وعشوزنة: منصوبة بولَّتْ. (عَشَوْزَنَةً إذا انْقَلَبَتْ أَرَنَّتْ ... تَدُقُّ قَفَا المُثَقِّفِ وَالجَبِينَا) قوله (أرنت) يقول: إذا انقلبت في ثقافها صوَّتت وشجَّت قفا من يثقفها. (فَهَلْ حُدِّثْتَ فجُشَمَ بْنِ بَكْرٍ ... بِنَقْصٍ فِي خُطُوبِ الأوَّلِينَا؟)

ويروى (عن جُشم) وإنما يخاطب عمرو بن هند، يقول: هل حُدثت أن أحدا اضطهدها في قديم الدهر؟ والخطوب: الأمور، واحدها خطب. (وَرِثْنَا مَجْدَ عَلْقَمَةَ بْنِ سَيْفٍ ... أَبَاحَ لَنَا حُصُونَ المَجْدِ دِينَا) ويروى (حصون الحرب دينا) الدين: الطاعة، وعلقمة: رجل منهم، وقوله (أباح لنا حصون الحرب) معناه إنه كان قاتل حتى غلب عليها ثم تركها مباحة لنا، ودينا: معناه خاضعا ذليلا، وديناً: منصوب على الحال، وروى (حصون المجد حينا) ويقال: أن علقمة هذا هو الذي أنزل بني تغلب الجزيرة. (وَرِثتُ مُهَلْهِلاً وَالخَيْرَ مِنْهُ ... زُهَيْراً، نِعْمَ ذُخْرُ الذَّاخِرِينَا) يقال: أن مهلهلا كان صاحب حرب وائل أربعين سنة، وهو جد عمرو بن كلثوم من قبل أمه، وزهير: جده من قبل أبيه، فذكرهما يفتخر بهما. (وَعَتَّاباً وَكُلْثُوماً جِميعاً ... بِهِمْ نِلْنَا تَرَاثَ الأكْرَمِينَا) ويروى (تراث الأجمعينا) يعني جماعتهم، وليست هذه أجمعين التي تكون للتأكيد؛ لأن أجمعين لا تفرد ولا يدخلها الألف واللام لأنها معرفة، ويروى (مساعي الأكرمينا) وجميعا: نصب على الحال. (وَذَا البُرَةِ الّذِي حُدِّثْتَ عَنْهُ ... بِهِ نُحْمَى وَنَحْمِي المُلْجَئِيئَا) (ذو البرة) رجل من بني تغلب بن ربيعة، وقيل: هو كعب بن زهير، وإنما

قيل له (ذو البرة) لأنه كان على انفه شعر خشن، فشبه بالبُرة. (وَمِنَّا قَبْلَهُ السَّاعِي كُلَيْبٌ ... فَأَيُّ المَجْدِ إلاَّ قَدْ وَلِينَا؟) الرواية عند أكثر أهل اللغة بنصب أي على أن تُنصب بولينا، وزعم بعض النحويين إنه لا يجوز أن تنصب أي هنا؛ لأنه لا يعمل ما كان في حيز الإيجاب فيما كان قبله، وقوله (ولينا) من الولاية، أي صار إلينا فصرنا ولاة عليه، وقال هشام بن معاوية: أنشد الكسائي هذا البيت برفع أي بما عاد من الهاء المضمرة، أراد فأي المجد إلا قد وليناه؟ (مَتَى نَعْقِدْ قَرِينَتَنَا بِحَبْلِ ... نَجُذّ الوَصْلَ أو نَقِصِ القَرِينَا) ويروى (متى نعقد قرينتنا بقوم، نحز الحبل) ويروى (نجذ الحبل) والقرينة: التي تُقرن إلى غيرها، يقول: متى نُقرن إلى غيرنا، أي متى نسابق قوما نسبقهم، ومتى قارنَّا قوما في حرب صابرناهم حتى نقص من يقرن بنا: أي ندق عنقه، ونجذ: نقطع، وأصل القرينة الناقة والجمل تكون فبهما خُشُونة يُربط أحدهما إلى الآخر حتى يلين أحدهما. (وَنُوجَدُْ نَحْنُ أَمْنَعَهُمْ ذِمَاراً ... وَأَوْفَاهُمْ إذا عَقَدُوا يَمينَا) الذِّمار: حريم الرجل وما يحق على الرجل أن يحميه، وذمارا ويمينا: منصوبان على التفسير ويجوز أن يروى (ونوجد نحن أمنعهم) على أن يكون

خبر نحن، والجملة في موضع نصب، ومن نصب فنحن على معنيين أحدهما أن يكون صفة للضمير وفيها معنى التوكيد، والآخر أن يكون فاعله، قال الله تعالى: (وَمَا تُقَدِّمُوا لأِنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وأَعْظَمَ أَجْرا) ويجوز أفى غير القرآن على ما تقدم، ويقال: وفى وأوفى، وأوفى أفصح، إلا أن (أوفاهم) لا يجوز أن يكون من أوفى؛ لأن الفعل إذا جاوز ثلاثة أحرف لم يُقل فيه: هذا أفعل من هذا، ويقال: عهدت إلى فلان في كذا وكذا، أي ألزمته إياه، فإذا قلت (عاقدته) فمعناه ألزمته إياه باستيثاق. (وَنَحْنُ غَدَاةَ أُوقِدَ فِي خَزَازٍ ... رَفَدْنَا فَوْقَ رِفْدِ الرَّافِدِينَا) ويروى (في خزازي) وهو جبل، ويقال: موضع يقول: قدت نار الحرب في خزاز، ورفدنا: أعطينا، ومعناه هنا أعنَّا فوق عون من أعان. (وَنَحْنُ الحَابِسُونَ بِذِي أُرَاطَي ... تَسَفُّ الجِلَّةُ الخُورُ الدَّرِينَا) أراطي: مكان، وقيل: ماء والجلة: العظام من الإبل، والخور: الغزار الكثيرة الألبان، وبنى واحدتها على خوراء، والمستعمل في كلام العرب خوارة وتسف: تأكل، والدرين: حشيش يابس يقول: حبسنا إبلنا على الدرين صبرا حتى ظفرنا يطمع فينا عدو.

(وَنَحْنُ الحَاكِمُونَ إذا أُطِعْنَا ... وَنَحْنُ العَازِمُونَ إذا عُصِينَا) ويروى (ونحن العاصمون إذا أُطعنا) والحاكمون: المانعون، والمعنى: إنا نمنع ممن أطاعنا ونعزم أي نثبت على قتال من عصانا. (وَنَحْنُ التَّارِكُونَ لِمَا سَخِطْنَا ... وَنَحْنُ لآخِذُونَ لِمَا رَضِينَا) يقول: إذا كرهنا شيئا تركناه، ولم يستطع أحد إجبارنا عليه، وإذا رضينا أخذناه، ولم يحل بيننا وبينه أحد؛ لعزنا وارتفاع شأننا. و (ما) في معنى الذي. (وكنَّا الأَيْمَنِينَ إذا التقَيْنَا ... وَكَانَ الأَْيَسرِينَ بَنوُ أَبِينَا) قال أبو العباس ثعلب: أصحاب الميمنة أصحاب التقدم، وأصحاب المشأمة أصحاب التأخر، يقال: اجعلني في يمينك، ولا تجعلني في شمالك، أي اجعلني من المتقدمين عندك، ولا تجعلني من المؤخرين، وقال ابن السكيت: أي كنا يوم خزازي في الميمنة وكان بنو عمنا في الميسرة. (فَصَالُوا صَوْلَةً فِيمَنْ يَلِيِهِمْ ... وصُلْنَا صَوْلةً فِيمَنْ يَلِينَا) صال فلان على فلان: ترفع عليه، يقول: حملوا حملة فيمن يليهم وحملنا حملة فيمن يلينا، وقال (فيمن يليهم) على لفظ من، ولو كان على المعلقال (فيمن يلُونهم). (فآبُوا بِالنِّهَابِ وبِالسَّبَايا ... وَأُبْنَا بالمُلُوكِ مُصَفَّدِينَا) آبوا: رجعوا، والنهاب: جمع نهب والمصفدون: المغللون بالأصفاد، الواحد صفد وهو الغُل، يقول: ظفرنا بهم فلم نلتفت إلى أسلابهم ولا

أموالهم، وعمدنا إلى ملوكهم فصفدناهم في الحديد. (إِليْكُمْ يَا بِني بَكْرٍ، إِليْكُمْ ... أَلَمَّا تَعْرِفُوا مِنَّا اليَقِينَا) قوله (إليكم) إليك: اسم للفعل، فإذا قال القائل (إليك عني) فمعناه أبعد، وإلى في الأصل لانتهاء الغاية، فكأن معنى قوله (إليكم يا بني بكر) تباعدوا إلى أقصى ما يكون من البعد، ولا يجوز أن يتعدَّى (إليكم) عند البصريين لا يقال إليك زيدا، لأن معناه تباعد، وقوله (ألما تعرفوا منا اليقينا) أي ألما تعرفوا منا الجد في الحرب عرفانا يقينا، والفرق بين لما ولم أن لما نفي قد فعل ولم نفُى فعل، ومن الفرق بينهما أن لم لابد أن يأتي معها الفعل ولمَّا يجوز حذف الفعل معه. (أَلَمَّا تَعْلَمُوا مِنَّا ومِنْكمْ ... كَتائبَ يَطَّعِنَّ ويرْتَمينَا) الكتائب: جماعات، واحدتها كتيبة، وسميت كتيبة لاجتماع بعضها إلى بعض. (عَلَيْنَا البَيْضُ واليَلَبُ اليَمَانِي ... وأَسْيَافٌ يُقَمْنَ ويَنْحَنِينَا) ويروى (يُقمن) والبيض: جمع بيضة الحديد، واليلب: قال ابن السكيت: هو الدرع، و: الديباج، وقيل: ترسة تعمل في اليمن من جلود الإبل لا يكاد يعمل فيها شيء، وينحنين: أي ينثنين من كثرة الضراب وقال الأصمعي: اليلب جلود يخرز بعضها إلى بعض تُلبس على الرؤوس خاصة، وليست على

الأجساد، وقال أبو عبيدة: هي جلود تُعمل منها دُروع فتلبس، وليست بترسة، وقيل: اليلب جلود تلبس تحت الدروع. (عَلَيْنَا كُلُّ سَابِغَةِ دِلاَصٍ ... تَرَى فَوْقَ النِّجَادِ لَهَا غُضُونَا) السابغة: التامة من الدروع، والدلاص: اللينة التي تزلّ عنها السيوف، والنجاد: حمائل السيف، والغُضُون: التكسر، ويقال: إنه جمع غضن كفلس وفُلُوس. (إذا وُضِعَتْ عَنِ الأَبْطَالِ يَوْماً ... رأَيْتَ لَهَا جُلُودَ القَوْمِ جُونَا) ويروى (إذا وضعت على الأبطال) والجون: السود، أي تسود جلودهم من صدأ الحديد، ويقال: أن الجُون جمع جون والأصل فيه على هذا أن يكون على فُعُول، حذفت منه الواو لالتقاء الساكنين، وقيل: إنما بني الواجد على أفعل ثم جمعه على فُعْل. (كَأَنَّ مُتُونَهُنَّ مُتُونُ غُدْرٍ ... تُصَفِّقُهَا الرِّيَاحُ إذا جَرَينَا) ويروى (كأن غضونهن متون غُدر) والمتون: الأوساط، والغُدر: جمع غدير. قال ابن السكيت: شبه الدروع في صفائها بالماء في الغدر، وقيل: شبه تشنج الدروع بالماء في الغدير إذا ضربته الرياح فصارت له طرائق، وقوله إذا جرينا) سناد؛ لأن الياء إذا انفتح ما قبلها لم يتم لينها، فقوله: (جرينا) مع قوله (أندرينا) عيب من عيوب الشعر.

(وتَحْمِلُنَا غَداةَ الرَّوعِ جُرْدٌ ... عُرِفْنَ لنَا نَقائِذَ وافتُلِينَا) الأجرد من الخيل: القصير الشعر الكريم، وطول الشعر هُجنة، وقوله (نقائذ) أي استنقذناهن، الواحدة نقيذة، والنقيذة ايضا: المختارة، والنقائذ: ما استنقذت من قوم آخرين. (ورِثْنَاهُنَّ عَنْ آبَاءِ صِدْقٍ ... وَنُورِثُهَا إذا مِتْنَا بَنينَا) (وَقَدْ عَلِمَ القَبَائِلُ مِنْ مَعَدٍّ ... إذا قُبَبٌ بِأَبْطَحِهَا بُنِينَا) ويروى (وقد علم القبائل غير فخر) يقول: قد علم القبائل إذا ربت القباب أنا سادة العرب وأشرافهم (غير فخر) يريد ما نفخر به؛ لأن عزَّنا وشرفنا أعظم من أن نفخر بهذا، والأبطح والبطحاء: بطن الوادي يكون فيه رمل وحصى كأنه المكان المنبطح، فأبطح بمعنى المكان وبطحاء بمعنى البقعة. ويقال: قُبَّة وقُبب وقباب وقِبب، وكذلك جُبّة وجُبب وجباب وجِبب، والأصل في قبب وجبب الضم؛ لأن الواحدة مضمومة، إلا أن فُعلة وفِعلة يتضارعان في الجمع ألا ترى أنك تقول: رُكبة ورُكبات وكِسرة وكِسرات، ثم يسكنان فيقال: رُكْبات وكِسْرات، استثقالا للضمة والكسرة فلما تضارعا هذه المضارعة أدخلت إحداهما على صاحبتها فقيل: كُسْوة وكِسي وقُبة وقِبب. (بِأَنَّا العَاصِمُونَ بكل كَحْلٍ ... وأَنَّا البَاذِلُونَ لِمُجْتدِينَا) العاصمون: المانعون، يقال: عصم الله فلانا، أي منعه من التعرض لما لا يحل له، وكحل: سنة شديدة، قال الفراء: هي أنثى تُجْرى ولا تُجْرى،

والوجه ألا تُجرى، والمجتدي: الطالب. (وأَنّا المَانِعُونَ لِمَا يَلِينَا ... إذا مَا البِيضُ زَايَلَتَ الجُفُونا) (وَأَنَّا المُنْعِمُونَ إذا قَدَرْنَا ... وَأنَّا المُهْلِكُونَ إذا أُتِينَا) أي ننعم على من أسرنا بالتخلية، ونُهلك من أتانا يُغير علينا. (وَأَنَّا الشَّارِبُونَ الماَء صَفْواً ... ويَشرَبْ غَيْرُنَا كَدَراً وَطِينَا) ويروى (ونشرب أن وردنا الماء صفوا) يقول: لعزتنا نشرب الماء صفوا أن وردنا، وجواب الشرط فيه قولان: أحدهما إنه ونشرب، وهذا لا يقع إلا في الماضي، إلا في الشعر، على قول بعض النحويين، فأما أكثرهم فلا يجيز في الشعر ولا غيره (أكلمك أن تُكلمني) فأما الماضي فجائز عند جميع النحويين أن تقول (أكلمك أن كلمتني) وأكلمك في موضع الجواب، والقول الآخر أن الجواب محذوف، كأنك قلت أن كلمتني أكلمك، ثم حذفت (أكلمك) لما في الكلام من الدلالة. (أَلاَ أَبْلِغْ بَنِي الطَّمَّاحِ عَنَّا ... ودُعْمِيًّا فَكَيْفَ وَجَدْتُمُونَا) ويروى (ألا أرسل بني الطماح) قال ابن الأنباري: الطمَّاح ودعمى حيان من إياد، والمعنى فقل لهم: كيف وجدتم ممارستنا، فأضمر القول لبيان المعنى، وموضع (كيف) نصب بوجدتم، وقال ابن السكيت: بنو الطمَّاح من بني وائل، وهم من بني

نمارة، ودعمى بن جديلة من إياد. (نَزَلْتُمْ مَنْزِلَ الأَضْيَافِ مِنّا ... فعَجَّلْنَا القِرَى أن تَشْتِمُونَا) أي نزلتم حيث ينزل الأضياف، أي جئتم للقتال، فعاجلناكم بالحرب، ولم ننتظركم أن تشتمونا، ويقال: معناه عاجلناكم بالقتال قبل أن توقعوا بنا فتكونوا سببا لشتم الناس إيانا، ومعنى (أن تشتمونا) على مذهب الكوفيين لأن لا تشتمونا، ثم حذف لا، ولا يجوز عند البصريين حذف لا، لأن المعنى ينقلب، والتقدير على مذهبهم فعجَّلنا الحرب مخافة أن تشتمونا، وحذف (مخافة) وأقام تشتمونا مقامها. (قَرَيْنَاكُمْ فعجَّلْنَا قِرَاكُمْ ... قُبَيْلَ الصُّبْحِ مِرْدَاةً طَحُونَا) مرداة: صخرة، شبه الكتيبة بها، فقال: جعلنا قراكم الحرب لما نزلتم بنا، ولقيناكم بكتيبة تطحنكم طحن الرحا. (عَلَى آثَارِنَا بِيضٌ كِرَامٌ ... نُحَاذِرُ أن تُفَارِقَ أو تَهُونَا) يروى (نحاذر أن تُقَسَّم) أي نساؤنا، خُلقنا نقاتل عنهن، ونحذر أن نفارقهن أو يصرن إلى غيرنا فيهُن. (ظَعَائِنُ مِنْ بَني جُشَمَ بَنِ بَكْرٍ ... خَلَطْنَ بِمِيسَمٍ حَسَباً ودِينا) الميسم: الحسن، وهو مفعل من وسمت، أي لهن مع جمالهن حسب ودين. (أَخَذْنَ عَلَى بُعولِتِهنَّ عَهْداً ... إذا لاقَوْا فَوَارِسَ مُعْلِمِينَا) ويروى: أَخَذْنَ عَلَى بُعولِتِهنَّ نَذْراً ... إذا لاقَوْا كَتَائِبَ مُعْلِمِينَا

البعل: الزوج، وأصله في اللغة ما علا وارتفع، ومنه قيل للسيد بعل، قال الله تعالى: (أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الخَالِقِينَ) أي أتدعون ما سميتموه سيدا، ومنه قيل لما روي بالمطر بعل. (لَيَسْتلِبُنَّ أَبْدَاناً وَبَيْضاً ... وَأَسْرَى فِي الحَدِيدِ مُقَرَّنِينَا) ويروى (وأسرى في الحديد مقنعينا) واللام في قوله: (ليستلبن) جواب لأخذ العهد لأنه يمين، وقال الفراء: قال المفضل: هذا البيت ليس من هذه القصيدة، قال الفراء: فجواب أخذ العهد محذوف لبيان معناه، قال الله تعالى: (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أن تَبْتَغِيَ نَفَقَاً فِي الأرْضِ أو سُلَّماً فِي السَّمَاءِ) فجوابه محذوف، معناه أن استطعت فافعل، وقال أبو جعفر في قوله (أخذن على بعولتهن عهدا) معناه أن الواجب علينا أن نحميهن فصار كالعهد، وعهدهن مالهن في قلوبهم من المحبة، لا أنهن أخذن عليهن عهدا، والأبدان: الدروع، واحدها بدن والبيض: الحديد، ومن كسر الباء فالمراد به السيوف، ويروى أن أحدهم كان في الحرب إذا لم يكن معه سلاح وثب على آخر، وأخذ سلاحه، والمراد في بيت سلب الأعداء، وأسرى وأسارى بمعنى واحد وقال أبو زيد: الأسرى من كان في وقت الحرب، والأسارى من كان في الأيدي. (إذا مَا رُحْنَ يَمْشِينَ الهُوَيْنَا ... كَمَا اضْطرَبتَ مُتُونُ الشَّارِبِينَا) معناه إذا ما راح النساء يمشين الهوينا، أي لا يعجلن في مشيهن (كما اضطربت مُتُون الشاربينا) أي يتشنين في مشيهن ويتمايلن كما يفعل السكارى، وإنما يصف

نعمتهن. (يَقُتْنَ جِيادَنَا وَيَقُلْنَ: لَسْتُمْ ... بُعولَتَنَا إذا لَمْ تَمْنَعُونَا) يقتن: من القوت، يقال: قات أهله يقوتهم قياتة وقوتا، والقوت: الاسم، ويروى (يقدن) وكانوا لا يرضون للقيام على الخيل إلا بأهليهم إشفاقا عليها، والجياد: الخيل، واحدها جواد، فإذا قلت (رجل جواد) جمعته على أجواد للفرق. (إذا لَمْ نَحْمِهِنَّ فَلاَ بَقِينَا ... لِشَيءٍ بَعْدَهُنَّ وَلاَ حَيِينَا) ويروى (إذَا لمْ نْحْمِهِنَّ فلا تركنا لِشَيْءٍ بعدهُنَّ). (وَمَا مَنَعَ الظَّعَائِنَ مِثْلُ ضَرْبٍ ... تَرَى مِنْهُ السَّوَاعِدَ كالْقُلِينَا) القُلُون: جمع قُلة، وهي الخشبة التي يلعب بها الصبيان، يضربونها بالمقلاء، وهو أطول من القُلة. (لَنَا الدُّنْيَا وَمَنْ أَمْسَى عَلَيْهَا ... ونَبْطِشُ حِينَ نَبْطِش قَادِرِينَا) (إذا مَا المَلْكُ سَامَ النَّاسَ خَسْفاً ... أَبَيْنَا أن نُقِرَّ الخَسْفَ فِينَا) الخسف هاهنا: الظُلم والنقصان، وإنما يصف عزتهم، وأن الملوك لا تصل إلى ظلمهم. (نُسَمَّى ظَالِمِينَ وَمَا ظَلَمْنَا ... وَلَكنَّا سَنَبْدَأُ ظاَلِمِينَا)

معلقة الحارث بن حلزة اليشكري

ويروى (بُغاة ظالمين وما ظلمنا). (إذا بَلَغَ الفِطَامَ لَنَا صَبِيٌّ ... تَخِرُّ لَهُ الجَبَابِرُ سَاجِدِينَا) (مَلأَْنَا البَرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّا ... وَظَهْرَ البَحْرِ نَمْلَؤُهُ سَفِينَا) (ظهر) منصوب على إضمار فعل ليعطف على ما عمل فيه الفعل، وإن شئت رفعته على الابتداء وعطف جملة على جملة، ويروى (وسط البحر)، ويروى (ونحن البحر). (أَلاَ لاَ يَجْهَلنْ أَحَدٌ عَلَينا ... فَنَجْهَلَ فوق جَهْل الجاهلِينا) معناه نهلكه ونعاقبه بما هو أعظم من جهله، فنسب الجهل اسه، وهو يريد الإهلاك والمعاقبة ليزدوج اللفظتان فتكون القانية على مثل لفظة الأولى، وهي تخالفها في المعنى؛ لأن ذلك أخف على اللسان وأحضر من اختلافهما. معلقة الحارث بن حلزة اليشكري قال الحارث بن حلّزة بن مكروه بن بديد بن عبد الله بن مالك بن عبد سعد بن جشم بن ذبيان بن كنانة بن يشكر بن بكر بن وائل بن قاسط ابن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد ابن عدنان بن أدد.

وكان من حديثه أن عمرو بن هند لما ملك - وكان جبارا عظيم السلطان - جمع بكرا وتغلب فأصلح بينهم، وأخذ من الحيين رهنا، من كل حي مائة غلام، فكف بعضهم عن بعض. وكان أولئك الرهن يكونون معه في مسيره ويغزون معه، فأصابتهم سموم في بعض مسيرهم، فهلك عامة التغلبيين، وسلم البكريون، فقالت تغلب لبكر بن وائل: أعطونا ديات أبنائنا فإن ذلك لازم لكم، فأبت ذلك بكر. فاجتمعت تغلب إلى عمرو بن كلثوم، فقال عمرو بن كلثوم لتغلب: بمن ترون بكرا تعصب أمرها اليوم؟ قالوا: بمن عسى إلا برجل من أولاد ثعلبة، قال عمرو: أرى الأمر والله سينجلي عن أحمر أصلع أصم من بني يشكر. فجاءت بكر بالنعمان بن هرم أحد بني ثعلبة بن غنم بن يشكر، وجاءت تغلب بعمرو بن كلثوم. فلما اجتمعوا عند الملك قال عمرو بن كلثوم للنعمان بن هرم: يا أصم، جاءت بك أولاد ثعلبة تناضل عنهم وهم يفخرون عليك، فقال النعمان: وعلى من أظلت السماء يفخرون، قال عمرو بن كلثوم: والله أن لو لطمتك لطمة ما أخذوا لك بها،

قال: والله أن لو فعلت ما أفلت بها قيس أبن أبيك، فغضب عمرو بن هند - وكان يؤثر بني تغلب على بكر - فقال: يا حارثة، أعطه لحينا بلسان أنثى، يقول الحيه، قال له النعمان: أيها الملك، أعط ذلك أحب أهلك إليك، فقال له عمرو بن هند: أيسرك أني أبوك؟ قال: لا، ولكني وددت أنك أمي، فغضب عمرو بن هند غضبا شديدا حتى هم بالنعمان. وقام الحارث بن حلزة - وهو أحد بني كنانة بن يشكر - فارتجل قصيدته ارتجالا، وتوكأ على قوسه، فزعموا إنه انتظم بها كفه وهو لا يشعر من الغضب. وكان عمرو بن هند شريرا لا ينظر إلى أحد به سوء، وكان الحارث بن حلزة إنما بنشد من وراء حجاب، فلما أنشد هذه القصيدة أدناه حتى خلص إليه. وقال قطرب: حكى لنا أن الحلزة ضربٌ من البنات، قال: ولم نسمع فيه غير ذلك. قال أبو عبيدة: أجود الشعراء قصيدة واحدة جيدة طويلة ثلاثة نفر: عمرو بن كلثوم، والحارث بن حلزة، وطرفة بن عبد. وزعم الأصمعي أن الحارث قال قصيدته وهو يومئذ قد أتت عليه من السنين خمس وثلاثون ومائة سنة، وقال حين ارتجلتا مقبلا على عمرو بن هند: (آذَنَتْنَا بِبَينِهَا أَسْمَاءُ ... رُبّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثّوَاءُ) آذنتنا: أي أعلمتنا، والبين: الفراق، والثاوي: المقيم، ويُمل: من الملال.

والثواء: الإقامة. (بَعْدَ عَهْدٍ لَهَا بِبُرْقَةِ شَمَّا ... َء فَأَدْنَى دِيَارِهَا الخَلْصَاءُ) ويروى (بعد عهد لنا) ومعنى البيت: آذنتنا بعد عهدها بهذه المواضع، وشماء: هضبة معروفة، والبُرقة والأبرق والبرقاء: رابية فيها رمل وطين أو طين وحجارة مختلطان، ثم أخبر أن له عهدا بهذه المرأة بالخلصاء أقرب من عهده بها في بُرقة شمَّاء. (فَالمُحَيَّاةُ فَالصِّفَاحُ فَأَعْلَى ... ذِي فِتَاقٍ فَعَاذِبٌ فَالوَفَاءُ) ويروى (فأعناق فتاق) ومحياة: أرض، والصفاح: أسماء هضاب مجتمعة، وواحد الصفاح صفحة، وفتاق: جبل، وعاذب: واد، والوفاء: أرض، أخبر بقرب عهده بهذه المرأة في هذه المنازل منزلاً منزلا. (فَرِيَاضُ القَطَا فَأوْدِيَةُ الشُّرْ ... بُبِ فَالشُّعْبَتَانِ فالأبْلاَءُ) رياض القطا: رياضٌ بعينها، والأبلاء: اسم بئر. (لاَ أَرَى مَنْ عَهِدْتُ فِيهَا فَأَبْكِي الْ ... يَوْمَ دَلْهاً، وَمَا يَرُدُّ البُكَاءُ؟)

(فيها) أي في هذه المواضع، وقوله: (فأبكى) ليس بجواب لقوله (لا أرى) ولو كان جوابا لنصبه، ولكنه خبر، فهو في موضع رفع؛ لأنه خبر إنه يبكي كما خبر إنه لا يرى من عهد بها فيها، ودلها: أي باطلا، وقيل: هو من قولهم: (دلهني) أي حيرني، وهو منصوب على البيان، كما تقول: امتلأ فلان غيظا، وقوله: (وما يرد البكاء؟) ما: في موضع نصب بيرد، والمعنى: وأي شيء يرد البكاء، أي ليس يغني شيئا. (وَبِعَيْنَيْكَ أَوْقَدَتْ هِنْدٌ النَّا ... رَ أَصِيلاً تُلْوِي بِهَا العَلْيَاءُ) ويروى (أخيرا) قوله: (وبعينيك) أي: برأي عينيك أوقدت هند النار، وهند ممن كان يواصل، أخبر إنه رأى نارها عند آخر عهده بها لقوله: (أخيرا) وقوله: (تُلوى بها العلياء) معناه: ترفعها وتضيئها له، والعلياء: المكان المرتفع من الأرض، وإنما يريد العالية، وهي الحجاز وما يليه من بلاد قيس. (أَوْقَدَتْهَا بَيْنَ العَقِيقِ فَشَخْصَيْ ... نِ بِعُودٍ كَمَا يَلُوحُ الضِّيَاءُ) شخصان: أكمة لها شُعبتان، وقوله: (بِعُود) أراد العود الذي يُتبخر به، وقوله: (كما يلوح الضياء) قيل: يعني ضياء الفجر، وقيل: يعني ضياء النار، يصف أنها أوقدت بالعود حتى أضاء كما تضيء النار التي تُوقد بالعود، والكاف في قوله: (كما) في موضع نصب؛ لأنها نعت لمصدر محذوف، والمعنى: أوقدتها إيقادا مثل ما يلوح الضياء. (فَتَنَوَّرْتُ نَارَهَا مِنْ بَعِيدٍ ... بِخَزَارٍ، هَيْهَاتَ مِنْكَ الصِّلاَءُ)

ويروى: بخزازي، يقال: تنوَّرت النار، إذا نظرتها بالليل لتعلم أقريبة هي أم بعيدة، أم كثيرة أم قليلة، وخزازي: اسم موضع، ومن النورة يقال: انترت، وهيهات: بمعنى بعد، يقول: إنها قد بعدت عنك وبعدت نارها بعد أن كانت قريبة. (غَيْرَ أَنِّي قَدْ أَسْتَعِينُ عَلَى الهَمِّ ... إذا خَفَّ بِالثَّوِيِّ النَّجَاءُ) الثوى: المقيم، وهو على التكثير، فإن أردت أن تجريه على الفعل قلت: ثاو، على لغة من قال: ثوى يثوى، ومن قال أثوى قال مُثو؛ والنجاء: السرعة، و (غير أني) منصوب على الاستثناء، وهذا استثناء ليس من الأول، ويقال: أن قوله (قد أستعين على الهم) متعلق بقوله: (وما يردُّ البكاء؟) أي وما يرد بكاء بعد أن تباعدت عني هند، وقد أستعين على هم بهذه الناقة. (بِزَفُوفٍ كَأَنَّهَا هِقْلَةٌ أُمُّ ... رِئَالٍ دَوِّيَّةٌ سَقْفَاءُ) الزفيف: السرعة، وأكثر ما يستعمل في النعام، والهقلة: النعامة، والرأل: ولد النعامة، ودوية: منسوبة إلى الدو، وهي الأرض البعيدة الأطراف، وسقفاء:

مرتفعة، وكل ما ارتفع سقف. (آنَسَتْ نَبْأَةً وَأَفْزَعَهَا القُنَّ ... اصُ عَصْراً وَقَدْ دَنَا الإمْسَاءُ) آنست: أحست، والنبأة: الصوت الخفي، وعصرا: عشيا، وسميت العصر في الصلوات لأنها في آخر النهار. (فَتَرَى خَلْفَهَا مِنَ الرَّجْعِ وَالوَقْ ... عِ مَنِيناً كَأَنَّهُ أَهْبَاءُ) ويروى (فترى خلفهن من شدة الوقع منينا)، والمنين: الغُبار الدقيق الذي تثيره، وكل ضعيف منين، والرجع: رجع قوائمها، والوقع: وقع خفافها، وقوله (خلفها) أي خلف الناقة، و (خلفهن) خلف الإبل؛ لأن الناقة الموصوفة تسير مع غيرها، فحمل الضمير على المعنى، والإهباء: مصدر أهبي يُهبى إهباء، إذا أثار التراب، ومكن روى (أهباء) بفتح الهمزة فإنه يحتمل وجهين؛ أحدهما: أن يكون قصر الهباء ثم جمعه على أهباء لأن الهباء الممدود يجمع على أهيبة، والثاني: أن يكون جمع هبوة وهي الغُبار. (وَطِرَافاً مِنْ خَلْفِهِنَّ طِرَاقٌ ... سَاقِطَاتٌ تُلْوِى بِهَا الصَّحْرَاءُ) ويروى (أردت بها الصحراء) ويروى (نُوجى)، والطراق: مُطارقة نعال الإبل،

وقوله: (من خلفهن طراق) أي طُورقت مرة بعد مرة، وقد قيل: الطراق الغبار هاهنا، و (ساقطات) قد سقطت من أرجلها، و (تلوى بها الصحراء) أي تذهب بها وتُفرقها، وقوله (من خلفهن) قيل في الضمير قولان، أحدهما: إنه يعود على الإبل، والآخر إنه يعود على الطِّراق، فمن قال إنه يعود على الإبل فقوله (طراق) مرفوع بمعنى هو طراق، وقال النحاس: ولا يجوز على خلاف هذا عندي؛ لأنه مثل قولك: مررت برجل من خلف دار عمرو وزيد، فلا يجوز أن تكون الجملة من نعت رجل؛ لأنه لم يعد عليه منها شيء، وكذلك قوله (وطراقا من خلفهن طراق) أن قدرته في موضع نعت لم يجز؛ لأنه لم يعُد على طراق شيء، ويجوز (طراقا من خلفهن طراقا ساقطات) على أن تُبدل الطراق الثاني من الأول، ويكون قوله ساقطات في موضع نصب على إنه نعت لطراق الثاني؛ لأن المصدر يؤدي عن الواحد والجمع، والأجود على إنه نعت لطراق الثاني؛ لأن المصدر يؤدي عن الواحد والجمع، والأجود أن يكون الضمير يعود على طراق الأول، أو يكون جمع طراقة كما أجاز بعض النحويين (سيرَ بزيدٍ سيرٌ) على أن يكون سير جمع سيرة، وقيل في قوله عز وجل: (إِنْ نَظنُّ إِلاّ ظنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيِقِنِينَ): أن ظنا هنا جمع ظنة، وقيل: المعنى أن نظن أيها الدُّعاة إلا أنكم تظنون ظنا وما نحن بمستيقنين أنكم على يقين، وقيل: أن إلا في غير موضعها، وإن المعنى أن نحن ألا نظن ظنا، كما قال أبو العباس، وهذا مثل قولهم (ليس الطيب إلا المسك) والمعنى ليس إلا الطيب المسك، ومن قال أن ظنا جمع ظنة قال في طراق إنه جمع طراقة، فيكون الضمير يعود عليه، ويكون المعنى وطراقا من خلف الطراق طراق، وطرافا: منصوب لأنه معطوف على (منينا). (أَتَلهَّى بِهَا الهَوَاجِرَ إِذْ كُلُّ ... ابْنِ هَمٍّ بَلِيَّةٌ عَمْيَاء)

أتلهى: من اللهو، أي ألهو بها في الهواجر، وابن هم: صاحب الهم، والبلية: ناقة الرجل إذا مات عُقلت عند رأسه عند القبر مما يلي رأسه، وعُكس رأسها إلى ذنبها فتترك لا تأكل ولا تشرب حتى تموت، فهي عمياء لا تتجه لأمرها، وقيل: كانوا يفعلون ذلك حتى إذا قام من قبره للبعث ركبها، والمعنى أن صاحب الهم إذا تحير نجوت أنا من الهم على ناقتي ولم يلحقني تحير. (وَأَتَانَا عَنِ الارَاقِمِ أنْبَا ... ءٌ وَخَطْبٌ نُعْنَى بِهِ وَنُسَاءُ) الأراقم: أحياء من بني تغلب وبكر بن وائل وأنباء: جمع نبأ وهو الخبر، والخطب: الأمر العظيم، وقوله (نُعنى به) فيه قولان: أحدهما نُتهم ونظن به، أي يعنوننا به، والآخر أن يكون من العناية، أي نهتم به كما يقال: (عُنيت بحاجتك، أُعنى بها، عناية) هذا الفصيح، وحكى ابن الأعرابي عنيت بحاجتك - بفتح العين - و (نُساء) فيه أيضا قولان: يُساء بنا فيه الظن، والآخر نساء نحن في أنفسنا لاهتمامنا بهذا الخطب. (أن إِخْوَانَنَا الأرَاقِمَ يَغْلُو ... نَ عَلَيْنَا، في قِيلِهمْ إِحْفَاءُ) ويروى (إن إخواننا) بكسر إنّ، فمن فتح فموضعها عنده موضع رفع على البدل

من قوله (أَنباء) ومن كسرها صيرها مُبتدأة، وقوله (يغلون علينا) أي يرتفعون في القول علينا ويظلموننا ويُحمِّلوننا ذنب غيرنا، وأصل الغُلُو في اللغة الارتفاع والزيادة، و (إحفاء) يحتمل معنيين: أحدهما أن يكون معناه الاستقصاء، كأنهم استقصوا علينا ونقضُوا العهد، من قولك (أحفيت شعري) إذا استقصيت أخذه، والمعنى الآخر أن يكون من (أحفيت الدابة) إذا كلفتها ما لا تطيق حتى تحفي، فيكون معناه في البيت انهم ألزمونا ما لا نطيق. (يَخْلِطُونَ البَريَء مِنَّا بِذِي الذَّنْ ... ب وَلاَ يَنْفَعُ الخَلِيَّ الخَلاَءُ) (يخلطون) معناه يُسوون ذا الذنب بالذي لا ذنب له، ظلما لنا وإساءة بنا، فهذا عين الجور، والخَلاء - بفتح الخاء - البراءة والترك، ويروى (الخِلاء) بكسر الخاء، وأصل الخلاء في الإبل بمنزلة الحران في الدواب. (زَعَمُوا أن كُلَّ مَنْ ضَرَبَ العَ ... يْرَ مَوَالٍ لَنَا وَأَنَّ الوَلاَءُ) قالوا: يريد بالعير الوتد، والمعنى انهم يُلزموننا ذنوب الناس، أي كل من ذرب وتدا لخيمة ألزموا ذنبه، وهذا معروف أن يقال لكل شيء نانئ: عير، فقيل للوتد عير لنتوه، ويقال: أراد انهم يلزموننا ذنب كل من أطبق جفنا على جفن، لأنه يقال للعين، عير، وقيل: إنه أراد بالعير الحمار، أي يلزموننا ذنب كل من ضرب حمارا، وقيل: أراد بالعير كُليبا؛ ويقال لسيد القوم: هو عير القوم، وقيل: عير جبل بالمدينة، أي زعموا أن كل من مشى اليه، وفي الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم ما بين عير إلى أحد) وقيل: ما بين عير إلى ثور، والأول أصح، لأن ثورا بمكة، وقوله: (وأَنَّا الولاء) أي نحن ولاتهم على هذا، وقيل: معناه أنا أهل الولاء، ثم حذف، وقوله (موال لنا) قيل: يريد بني عمنا، وقيل: هو من النصر، يقال: (فلان مولاي) أي ناصري، فأما مفعولا (زعموا) فإن وما عملت فيه، كما تقول (زعمت أن زيدا مُنطلق)

معناه كمعنى قولك زعمت زيدا منطلقا، وأنَّ توكيد، وموال في موضع رفع، والتنوين عند سيبويه عوض من الياء، وعند أبي العباس عوض من حركة الياء. (أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ بِلَيْلٍ فَلَمَّا ... أصْبَحُوا أَصْبَحَتْ لهمْ ضَوْضَاءُ) ويروى (أجمعوا أمرهم عشاء) وأجمعوا: أحكموا، كما قال تعالى: (فَأَجِمعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ) وإنما خص الليل لأنه وقت تتفرغ فيه الأذهان، والضوضاء: الجلبة والاختلاط أي لما أحكموا أمرهم بليل أصبحوا في تعبية لما أحكموه من إسراج وإلجام وكلام، ومن العرب من يصرف ضوضاء في المعرفة والنكرة، وهو الاختيار عند أبي إسحاق؛ لأنه عنده بمنزلة قلقال، ومن العرب من لا يصرفه في معرفة ولا نكرة بمنزلة حمراء وما أشبهها. (مِنْ مُنَادٍ وَمِنْ مُجِيبٍ وَمِنْ تَصْ ... هَالِ خَيْلٍ، خِلاَلَ ذَاكَ رُغَاءُ) بيَّن الضوضاء في هذا البيت فقال: من مُناد يُنادى صاحيه فيقول: يا فلان، ومن مجيب يقول: هاأنا ذا، و (خلال ذاك) أي بين ذاك الجميع رغاء الإبل: أي أصواتها.

(أَيُّهَا النَّاطِقُ المُرَقِّشُ عَنَّا ... عِنْدَ عَمْرو، وَهَلْ لِذَاكَ بقَاءُ؟) المرفش: المزين القول بالباطل ليقبل منه الملك باطله، ويقال: إنه يخاطب بها عمرو بن كلثوم، ومعنى (وهل لذاك بقاء) أن الباطل لا يبقى. (لاَ تَخَلْنَا عَلَى غَرَاتِكَ، إِنَّا ... قَبْلُ مَا قَدْ وَشَى بِنَا الأعْدَاءُ) (على غراتك) يقال: غرى بالشيء يغرى غرا مقصور وغراة تأنيث غرا، وروى سيبويه والفراء إنه يقال: غرى به يغرى غراءا، وهذا من الشاذ الذي لا يقاس عليه، وقد روى (لا تخلنا على غرائك) على هذا، وقوله (لا تخلنا) أي لا تحسبنا أنا جازعون لإغرائك الملك بنا، ويروى (إنّا طالما قد وشى بنا الأعداء) وما: هذه كافة قد يقع بعدها الفعل والفاعل، وإن اضطر شاعر جاز له أن يأتي بعدها بابتداء وخبر كما تقول في قلَّما، وأنشد سيبويه: صَدَدْتِ فَأَطْوَلْتِ الصُّدُودَ وَقَلَّمَا ... وِصَالٌ عَلَى طُولِ الصُّدُودِ يَدُومُ وكان يجب على قول سيبويه أن يقول: وقلَّ ما يدوم وصال، وعلى هذا (طالما قد وشى بنا الأعداء). والمعنى: أن الأعداء قبلك قد وشوا بنا ليهلكونا، فلم يقدروا على ذلك. والمفعول الثاني من (تخلنا) محذوف، والمعنى لا تخلنا على غراتك بأنا هالكون، ثم حذف، والبيت الذي بعده يدل على ذلك. (فَبَقِينَا عَلَى الشَّنَاَءةِ تَنْمِي ... نَا جُدُودٌ وَعِزَّةٌ قَعْسَاءُ) ويروى (فنمينا على الشناة) ويروى (فعلونا على الشناءة) والشناءة: البغض، يقول: فبقينا على بغضهم لنا ترفعنا جدود وهي الحظوظ ويروى (تنمينا حصون)

يعني أنهم في عز ومنعة، والقعساء: الثابتة، ويقال: نماه كذا، أي رفعه، ويقال (نمى الشيء في نفسه ينمى) إذا زاد، هذا اللازم، وفي المتعدى اختلاف، فأكثر أهل اللغة يقول: أنمى الله إنماء، وقال بعضهم: لا يجوز إلا نماه الله. (قَبْلَ مَا اليَوْمِ بَيَّضَتْ بِعُيُونِ ال ... نَّاسِ فِيهَا تَعَيُّطٌ وَإبَاءُ) يقول: قبل اليوم عظم شأننا على الناس حتى أعمتهم وغطت على أبصارهم، وقوله (فيها تعيط) يحتمل معنيين: أحدهما أن يكون من قولهم (اعتاطت الناقة) إذا لم تحمل وامتنعت من الفحل أي فعزَّتنا تمنعنا من أن نستضام، والمعنى الآخر أن يكون من قولهم (رجل أعيط وامرأة عيطاء) إذا كانا طويلين فيكون المعنى على هذا: لنا عزة طويلة غير ناقصة ولنا إباء. (وَكَأَنَّ المَنُونَ تَرْدِى بِنَا أَرْ ... عَنَ جَوْناً يَنْجَابُ عَنْهُ العَمَاءُ) المنون: المنية، وهو أيضا الدهر؛ لأنه يذهب بمُنة كل شيء، ويروى (تردى بنا أصحم عصم) والأرعن: الجبل الذي له حيود وأطراف تخرج عن

معظمه، ومن هذا قيل (جيش أرعن) إذا كانت له مقدمة وساقة تخرج عن معظمه، والجون: الأسود والأبيض، والمراد به الأسود، ومن روى (أصحم عُصم) فإنه يريد بالأصحم الأخضر الذي ليس بخالص الخضرة كأنه الذي فيه غبرة، والعُصم: الوعول الواحد أعصم، وسمى أعصم لأن في معصمه بياضا، وقيل: سمى أعصم لأنه يعتصم بالجبال، لأنه لا يكاد يكون إلا فيها، وينجاب: ينشق، و (الجيب) منه، يصف أن هذا الجبل من طوله لا تعلوه السحاب، وأنها إذا بلغته انشقت حواليه، والعماء: السحاب الأبيض، ومعنى قوله (تردى بنا أرعن) يصع أن لهم قوة ومنعة، فكأن الدهر إنما يرمى برميه إياهم جبلا هذه صفته، وهذا مثل قولهم: لو لقيت فلانا للقيك به الأسد، أي للقيك بلقائك إياه الأسد، وقيل: أن معنى (تردى بنا أرعن) ترمينا بشدائد مثل هذا الجبل في عظمها. (مُكْفَهِرًّا عَلَى الحَوَادِثِ مَا تَرْ ... تُوهُ لِلدَّهْرِ مُؤْيِدٌ صَمَّاءُ) المكفهر: الغليظ المتراكب بعضه على بعض، ومنه (اكفهر فلان في وجهي) إذا نظر بغيظ، وكل كريه مكفهر، وهو منصوب لأنه نعت رعن، ويجوز رفعه على معنى هو مكفهر، وأراد بالحوادث حوادث الدهر، لا ترتوه: لا تنقصه، ويقال (رتوت الثوب) إذا نقصت منه، و (رتوت الدرع) إذا علقتها بالعرى لتشمر منها، ويكون ذلك أمكن في الحرب، وأما الحديث (عليكم بالحساء فإنه يرتو فؤاد الحزين) فمعناه يشده والمؤيد: الشديد الأيد، أي القوة، ويعنى بالمؤيد الداهية، و (صماء) مثل، أي لا تسمع فيعتذر إليها، يريد شدة الجبل وأن الحوادث

لا تنقصه، فكذلك نحن في شدتنا بمنزلة هذا الجبل لا يضرنا تنقُّص من عدانا، وقيل: معناه أن الشدائد التي نُرمى بها لا تنقص، ونحن صابرون عليها. (أَيَّمَا خُطَّةٍ أَرَدْتُمْ فأَدُّوا ... هَا إليَنْا تَمْشِي بِهَا الأمْلاَءُ) الخُطة: الأمر يقع بين القوم يشتجرون فيه، وقوله (فأدوها إلينا) معناه فابعثوا ببيان ذلك إلينا مع السفراء، والسفير: المصلح بيننا وبينكم يمشون به إلينا وتشهد به الأملاء، فإن شهدوا وعرفوا ما ادعيتم كان ذلك لكم، وإن ادعيتم ما لا تعرفه الأملاء فليس بشيء، والأملاء: الجماعات و (أي) منصوب بقوله (أردتم) ويروى (تسعى بها الأملاء) والمعنى أردتموها، ثم حذف كما تحذف مع الذي. (أن نَبَشْتُمْ مَا بَيْنَ مِلْحَةَ فَالصَّا ... قِبِ فِيهِ الأمْوَاتُ وَالأحْيَاءُ) ملحة: مكان، والصاقب: جبل، وقوله (إن نبشتم) معناه أن أثرتم ما كان بيننا وبينكم من القتل والأسر في الوقعات التي كانت بين ملحة فالصاقب، أي بين أهل ملحة وأهل الصاقب، ظهر عليكم ما تكرهون من قتلى قتلنا لم تُدركوا بثأرهم، وقيل: هذا مثل، ومعناه أن ذكرتم ما قد كففنا عنه فلم نذكره ونبشتموه فلنا الفضل في ذلك، وقيل: معناه إنكم تعتدون علينا بذنوب الأموات وما فعلوا، كما تعتدون علينا بذنوب الأحياء، وجواب الشرط يجوز أن يكون محذوفا لعلم السامع، ويكون المعنى: أن فعلتم هذا فلنا الفضل فيه، ويجوز أن يكون حذف الفاء ويكون المعنى: ففيه الأموات والأحياء، ويجوز أن يكون جواب الشرط فيما بعده لأن بعده.

(أو نَقَشْتُمْ فَالنَّقْشُ يَجْشَمُهُ النَّا ... سُ، وَفِيهِ الصَّحَاحُ وَالإبْرَاءُ) نقشتم: استقصيتم، يقال: نقشت فلانا، وناقشته، إذا استقصيت عليه وفي الحديث (من نُوقش الحساب عُذِّب) ويجشمه الناس: أي يتكلفونه على مشقة (وفيه الصحاح والإبراء) في الاستقصاء صلاح، أي انكشاف الأمر، يقول: أن استقصيتم صرتم من ذلك إلى ما تكرهون، ومن روى (فيه السقام) أراد وفي الناس سقام وبراء، أي لا تأمنوا أن استقصيتم أن يكون السقام فيكم، وسقمهم أن يكونوا قُتِلوا وقُهِرُوا فلم يُثأر بهم، وعسى أن يكون الأبراء منا فيستبين ذلك للناس ويصير عاره عليكم في الاستقصاء. (أو سَكَتُّمْ عَنَّا فَكُنَّا كَمنْ أَغْ ... مَضَ عَيْناً فِي جَفْنِهَا أَقْذَاءُ) يقول: أن سكتم فلم تستقصوا كنا نحن وأنتم عند الناس في علمهم بنا سواء، وكان أسلم لنا ولكم، على أنا نسكت ونُغمض أعيننا على ما فيها منكم، والقذى: الشيء الذي يسقط في العين، ويروى (فكنا جميعا، مثل عين في جفنها أقذاء). (أو مَنَعْتُمْ مَا تُسْأَلُونَ، فَمَنْ حُدِّ ... ثْتُمُوهُ لَهُ عَلَيْنَا العَلاَءُ؟)

معناه أو منعتم ما تُسألون فيما بيننا وبينكم فلأي شيء كان ذلك منكم مع ما تعرفون من عزنا وامتناعنا؟ ثم قال (فمن حدثتموه له علينا العلاء) يقول: من العُلُو والرفعة، بالعين غير معجمة ويروى (الغلاء) بالغين معجمة، وهو الارتفاع أيضا، من قوله عز وجل: (لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحَقِّ). (هَلْ عَلِمْتُمْ أَيَّامَ يُنْتَهَبُ النَّا ... سُ غِوَاراً لِكُلِّ حَيٍّ عُوَاءُ؟) يريد الأيام التي هُزم فيها كسرى وضعُف أمره، وكان بعض العرب يُغير على بعض، وكانت العرب من نزار تملكهم الأكاسرة، وهم ملوك فارس، وتُملِّك عليهم من شاءت، وكانت غسان تملكهم ملوك الروم، فلما غُلب كسرى على بعض ما في يديه - وكان الذين غلبوه بني حنيفة - غزا بنفسه قيصر، فضعف أمر كسرى، وغزا بعض العرب بعضا، و (غوارا) منصوب على المصدر، وما قبله بدل من الفعل، والمعنى: يغاورون غوارا، كما تقول: هو يدعه تركا، والعواء: الصياح مما ينزل بهم من الإغارة. (إِذْ رَفَعْنَا الجِمَالَ مِنْ سَعَفِ البَحْ ... رَيْنِ سَيْراً حَتَّى نَهَاهَا الحِسَاءُ) رفعنا الجمال في السير: أي سرنا سيرا رفيعا، وسيرا: منصوب على المصدر، وما قبله بدل من سرنا، ويعنى بالسعف النخل لأنه منه (حتى نهاها الحساء)

أي انتهت إليها ثم لم يكن لها مخلص، والحساء: جمع حسى. (ثُمَّ مِلْنَا إلى تَمِيمٍ فأَحْرَمْ ... نَا، وَفِينَا بَنَاتُ مُرٍّ إِمَاءُ) يقول: لما بلغنا الحساء ملنا على تميم، فلما صرنا في بلادهم أحرمنا: أي دخلنا في الأشهر الحرم، فكففنا عن قتالهم، و (فينا بنات مر إماء) أي قد سبيناهن قبل دخول الأشهر الحرم، والواو واو الحال في قوله (وفينا بناتُ مر إماء). (لاَ يُقِيمُ العَزِيزُ بِالبَلَدِ السَّهْ ... لِ، وَلاَ يَنْفَعُ الذَّلِيلَ النَّجَاءُ) يخبر بشدة الأمر فيقول: لم يكن العزيز الممتنع يقدر على أن يقيم بالبلد السهل لما فيه الناس من الغارة والخوف، ولا ينفع الذليل النجاء: أي الهرب. (لَيْسَ يُنْجِي مُوَائِلاً مِنْ حِذَارٍ ... رَأْسُ طَوْدِ وَحَرَّةٌ رَجْلاَءُ) الموائل: الذي يطلب موئلا يهرب إليه، والطود: الجبل، والحرة: كل موضع فيه حجارة سُود، والرجلاء: الصلبة الشديدة.

(فملَكْنَا بِذلِكَ النَّاسَ حَتَّى ... مَلَكَ المُنْذِرُ بْنُ مَاءِ السَّمَاءِ) (وَهْوَ الرَّبُّ وَالشَّهِيدُ عَلَى يَوْ ... مِ الحِيَارَيْنِ وَالبَلاَءُ بَلاَءُ) الرَّبُّ: عنى به المنذر بن ماء السماء، يخبر إنه في هذين اليومين قد شهدهم فعلم فيه صنيعهم وبلاءهم الذين أبلوا، وكان المنذر بن ماء السماء غزا أهل الحيارين ومعه بنو يشكر فأبسلوا، وقوله (والبلاء بلاء) معناه والبلاء شديد؛ فيجوز أن يكون البلاء من البلية، ويجوز أن يكون البلاء من الإبلاء والإنعام، والرب في هذا الموضع: السيد، والحياران: بلد، ورواه ابن الأعرابي الحوارين. (مَلِكٌ أَضْلَعُ البَرِيَّةِ، مَايُو ... جَدُ فِيهَا لِمَا لَدَيْهِ كِفَاءُ) أضلع البرية أي أشد البرية إضلاعا لما يحمل، أي هو أحمل الناس لما يحمل من أمر ونهى وعطاء وغير ذلك، وقوله (ما يوجد فيها لما لديه كفاء) معناه ليس في البرية أحد يكافئه، ولا يستطيع أن يصنع مثل ما يصنع من الخير، والكفاء: المثل والنظير، يقال: فلان كفاء لفلان، وكفئ، وكفؤ، وكفء، والأصل في كفء كفؤ، فهذا كله في معنى المثل. ومن هذا (كأفات الرجل) و (كفأت الإناء) و (الإكفاء) في الشعر.

(فاتْرُكُوا الطَّيْخَ وَالتَّعَدِّى، وَإِمَّا ... تَتَعَاشَوْا فَفِي التَّعَاشِي الدَّاءُ) الطيخ: الكلام القبيح، يقال: رجل طيَّاخه؛ إذا كان يستعمل ذلك، وكأن الطيخ الكبر والعظمة، يقال: طاخ يطيخُ طيخا، والتعاشي: التعامي، وقوله (وإما تتعاشوا) أي تتعاموا، ومعناه تتجاهلوا؛ ففي التعاشي الداء: أي الشر يرجع إليكم في ذلك؛ لأنكم عارفون مالنا من الفضل، فإذا تجاهلتم في ذلك فسدت قلوبنا عليكم فبيَّنا فلحقكم العار. (وَاذكُرُوا حِلْفَ ذِي المَجَازِ وَمَا قُدِّ ... مَ فِيهِ العُهُودُ وَالكُفَلاَءُ) ذو المجاز: موضع، وكان عمرو بن هند أصلح فيه بين بني بكر وبني تغلب، فأخذ عليهم المواثيق والرهائن من كل حي ثمانين، فذلك قوله: (وما قدم فيه العهود والكُفلاء). (حَذَرَ الجَوْرِ وَالتَّعدِّى، وَلَنْ يَنْ ... قُضَ مَا فِي المَهَارِقِ الأهْوَاءُ) ويروى (هل ينقض) ويروى (حذر الخون) من الخيانة، والتعدى: من الاعتداء، والمهارق: الصحف، واحدها مُهرق، فارسي معرب، خرزة يصقلون بها ثيابا كان الناس يكتبون فيها قبل أن تُصنع القراطيس بالعراق، يقول:

أن كان أهواؤكم زينت لكم الغدر والخيانة بعد ما تحالفنا وتعاقدنا فكيف تصنعون بما هو في الصحف مكتوب عليكم من العهود والمواثيق والبينات فيما علينا وعليكم؟ وحذر الجور: أي لحذر الجور، وهذا يسميه النحويون مفعولا من أجله، وليس هو منصوبا بحذف اللام وإنما هو مصدر، أي حذرا أن يجور بعضنا على بعض أو يتعدى. (وَاعْلَمُوا أَنَّنَا وَإِيَّاكُمْ فِي ... مَا اشْتَرَطْنَا يَوْمَ احْتَلَفْنَا سَوَاءُ) يقول: إنما اشترطنا أن يكون الجنايات علينا وعليكم، فلم تلزموننا وحدنا ذلك؟ (أَعَلَيْنَا جُنَاحُ كِنْدَةَ أن يَغْ ... نَمَ غَازِيهِمُ وَمِنّا الجَزَاءُ؟) قال الأصمعي: كانت كندة أخذت خراج الملك وهربت، فوجَّة إليهم من قتلهم. وقال غيره: كانت كندة قد غزت تغلب، وقتلت فيهم وسبت، فقال: أتلزموننا ما فعلت كندة؟ (أَمْ عَلَيْنَا جَرَّى حَنِيفَةَ أو مَا ... جَمَعَتْ مِنْ مُحَارِبٍ غَبْرَاءُ؟) يقول: هل علينا في العهود والمواثيق التي أخذتموها علينا أن تأخذونا بذنوب حنيفة وما أذنبت لصوص محارب؟ والغبراء: الصعاليك والفقراء. وكان من حديث حنيفة التي ذكرها أن شمر بن عمرو الحنفي - وهو أحد بني

سحيم - لما غزا المنذر بن ماء السماء غسان، وكانت أم شمر بن عمرو غسانية، فخرج يتوصل بجيش المنذر بن ماء السماء، يريد أن يلحق بالحارث بن جبلة الغساني، فلما دنا من الشام سار حتى لحق بالحارث بن جبلة، فقال له شمر بن عمرو: أتاك مالا تُطيق، فندب الحارث بن جبلة مائة رجل من أصحابه، وجعلهم تحت لواء شمر بن عمرو الحنفي، ثم قال: سر حتى تلحق بالمنذر بن ماء السماء وتقول له: إنا مُعطوه ما يريد وينصرف عنا، فإذا وجدتم منه غرة فاحملوا عليه، فخرج شمر بن عمرو يسير في أصحابه حتى أتى عسكر المنذر، فدخل عليه وأخبره برسالة الحارث بن جبلة الغساني، فركن إلى قوله، واستبشر أهل العسكر، وغفلوا بعض الغفلة، فحمل الحنفي عليه بالسيف فضرب يافوخه، فسال دماغه ومات من الضربة مكانه، وقتلوا بعض من كان حول القُبُّة، وتفرق أصحاب المقتول، فقال أوس بن حجر في ذلك: نُبِّئْتُ أن بَنِي سُحَيْم أَدْخَلُوا ... أَبْيَاتَهُمْ تَامُورَ نَفْسِ المُنْذِرِ التامور: دم القلب، وقوله (غبراء) أي جماعة غبراء، وإنما قيل لهم غبراء لما عليهم من أثر الفقر والضر، فشبَّه ذلك بالغبار، ويقال للفقراء (بنو غبراء) لأنهم لا مأوى لهم إلا الصحراء وما أشبهها كأنهم بنو الأرض. (أَمْ جَنَايَا بَنِي عَتِيقٍ، فَمَنْ يَغْ ... دِرْ فإن مِنْ حَرْبِهِمْ بُرَأَءُ؟)

ويروى (لَبُراء)، ويروى (فإنا من غدرهم بُرآء). (أَمْ عَلَيْنَا جَرَّى العِبَادِ كَمَا نِي ... طَ بِجَوْزِ المُحَمَّلِ الأعْبَاءُ؟) معناه أن بعض العباد وهم العباديون أصابوا في بني تغلب دماء، فلم يدرك بنو تغلب ثأرهم منهم، فيقول: تريدون أن تحملوا علينا ذنوب هؤلاء وتُعلِّقوه علينا كما علق بوسط البعير الأثقال، ونيط: عُلِّق، والأعباء: جمع عبء وهو الثقل، والكاف في موضع نصب. (أَمْ عَلَيْنَا جَرَّى قُضَاعَةَ أَمْ لَيْ ... سَ عَلَيْنَا فِيمَا جَنَوْا أَنْدَاءُ؟) هذا تعبير منه لبني تغلب لما فعلت بهم قُضاعة، يقول: أفعلينا ما جنت قضاعة، وذلك أن قضاعة غزت بني تغلب فقتلوا منهم وسبوا، فيقول: أفتريدون أن تحملوا علينا ذنوب هؤلاء التي أذنبوها إليكم وليس علينا فيما جنوا أنداء؟ تريد ليس يندانا مما جنوا شيء، هذا كله تعيير منه لبني تغلب وعمرو بن كلثوم يسمع، والأنداء: اسم ليس، واحدها ندى، ويروى (أو ليس علينا فيما جنوا) والفرق بين أَمْ وأو أن أمْ تقع للتسوية، نحو قوله عز وجل: (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ)، وتقع أمْ لخروج من كلام إلى كلام أيضا، نحو

قوله تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ)، وأوْ تقع لأحد الشيئين، نحو قول الشاعر: أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ يَرَى النَّاسُ مَا أَرَى ... مِنَ الأمْرِ أو يَبْدُو لَهُمْ مَا بَدَا لِيَا (أَمْ عَلَيْنَا جَرَّى إِيَادٍ كَمَا قِي ... لَ لِطَسْمٍ أَخُوكُمُ الأبَّاءُ؟) كانت إياد بن نزار تنزل سنداد، وسندا: نهر فيما بين الحيرة إلى الأبلة، وكان عليه قصر تحجُّ إليه العرب، وهو القصر الذي ذكره الأسود بن يعفر فقال: أَرْض الخَوَرْنَقِ وَالسَّدِيرِ وَبَارِقٍ ... وَالقَصْرِ ذِي الشُّرُفَاتِ مِنْ سِنْدَادِ قالوا: ولم يكن في نزار حيٌّ أكثر من إياد، ولا أحسن وجوها، ولا أمد أجساما، ولا أشد امتناعا، وكانوا لا يُعطون الإتاوة أحدا من الملوك، وكان من قوتهم أنهم أغاروا على امرأة لكسرى أنوشروان، فأخذوها وأموالا له كثيرة، فجهز إليهم كسرى الجيوش مرتين، كل ذلك تهزمهم إياد، ثم إنهم ارتحلوا حتى نزلوا الجزيرة، فوجه بعد ذلك إليهم كسرى ستين ألفا وكان لقيط بن يعمر الإيادي ينزل الحيرة، فكنت إلى إياد وهم بالجزيرة: سَلاَمٌ فيِ الصَّحِيفَة مِنْ لَقِيطٍ ... إلى مَنْ بِالجَزِيرةِ مِنْ إِيَادِ بِأَنَّ الليْثَ كِسْرَى قَد أَتَاكُمْ ... فَلاَ يَشْغَلْكُمُ سَوْقُ النِّقَادِ أَتَاكُمْ مِنْهُمُ سِتُّونَ أَلْفاً ... يُزَجُّونَ الكَتَائِبَ كَالجَرَادِ

عَلَى حَنَقٍ أَتَيْنَكُمُ؛ فَهذَا ... أَوَانُ هَلاًَكِكُمْ كَهَلاَكِ عَادِ فلما بلغ كتاب لقيط إيادا استعدوا لمحاربة الجنود التي بعث بهم كسرى، فالتقوا، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى وجعت الخيل وقد أصيب من الفريقين، ثم إنهم بعد ذلك اختلفوا فيما بينهم، وتفرقت جماعتهم، فلحقت طائفة منهم بالشام، وأقام الباقون بالجزيرة، وكان طسم وجديس أخوين، فأخذ جديس خراج الملك وهرب، فأخذ الملك طسما وطالبه بما على أخيه، فالمعنى: أنكم تطالبوننا بما ليس علينا كما طولب طسم بما ليس عليه، والأباء هنا: الذي أبى أن يطيع الملك بأن يؤدي ما عليه، يقال: أبى يأبى إباء فهو آب وأَبَّاء على التكثير. (لَيْسَ مِنَّا المُضَرَّبُونَ، وَلاَ قَيْ ... سٌ، وَلاَ جَنْدَلٌ، وَلاَ الحَدَّاءُ) هؤلاء قوم من بني تغلب ضُرِبوا بالسيف، عيره بهم، والحداء: قبيلة من بني ربيعة، ويقال: هو رجل من ربيعة. (عَنَناً بَاطِلاً وَظُلْماً كَمَا تُعْ ... تَرُ عَنْ حَجْرَةِ الرَّبِيضِ الظِّبَاءُ) (عننا) معناه اعتراضا يقول: أنتم تعترضون بنا اعتراضا، وتدعون الذنوب علينا ظلما لنا وميلا علينا، وأصل العتر الذبح في رجب، وفي الحديث (لا عتيرة) وكانوا يذبحونها لآلهتهم، والعرب كانت تنذر النذر فيقول أحدهم: أن رزقني الله مائة شاة ذبحت عن كل عشرة شاة في رجب، ويسمى ذلك

الذبح العتيرة والرجبية، فربما بخل أحدهم بما نذر، فيصيد الظباء فيذبحها عوضا من الشياه، فالمعنى إنكم تطالبوننا بذنوب غيرنا كما ذبح أولئك الظباء عن الشياه، والحجرة: الموضع الذي يكون فيه الغنم، وأصل الحجرة الناحية والربيض: جماعة الغنم، ويقال للموضع: ربض، وفي الحديث: (مثل المنافق مثل شاةٍ بين ربضين إذا جاءت إلى هذه نطحتها وإذا جاءت إلى هذه نطحتها) أي بين موضعي غنم، ويروى (بين ربيضين) أي بين غنمين. (وَثَمَانُونَ مِنْ تَمِيمٍ بِأَيْدِي ... هِمْ رِمَاحٌ صُدُورُهُنَّ القَضَاءُ) يعني أن عمرا أحد بني سعد بن زيد مناة بن تميم خرج في ثمانين رجلا من بني تميم غازين، فأغار على ناس من بني تغلب يقال لهم بنو رزاح، وكانوا ينزلون أرضا يقال لها نطاع قريبة من اليمن، فقتل فيهم وأخذ أموالا كثيرة، وقوله (صدورهن القضاء) أي الموت. (لَمْ يُخَلُّوا بَنِي رِزَاحٍ بِبَرْقَا ... ءِ نَطَاعِ لَهُمْ عَلَيْهِمْ دُعَاءُ) (تَرَكُوهُمْ مُلَحَّبِينَ، وَآبُوا ... بِنِهَابٍ يَصَمُّ مِنْهُ الحُدَاءُ) مُلحَّبين، مقطعين بالسيوف، وقوله (يصم منه الحداء) أي لكثرة رغاء الإبل والضجة لا يُسمع الحُداء، وحقيقته (يصم منه سامع الحداء) وهو مجاز

كما يقال: نام ليلك. (ثُمَّ جَاءُوا يَسْتَرْجِعُونَ، فَلَمْ تَرْ ... جِعْ لَهُمْ شَامَةٌ، وَلاَ زَهْرَاءُ) يعنى بني رزاح، و (يسترجعون) في موضع حال مُقدرة، والشامة: السوداء، والزهراء: البيضاء والمعنى: إنه لم يرجع إليهم شيء مما أخذ منهم. (ثُمَّ فَاءُوا مِنْهُمْ بِقَاصِمَةِ الظّهْ ... رِ، وَلاَ يَبْرُدُ الغَلِيلَ المَاءُ) فاءوا: رجعوا، وقاصمة الظهر: الخيبة، وهذا تمثيل، أي صاروا بمنزلة من قصم ظهره، والغليل، والغلة: شدة العطش، والمعنى: أن هذا الغليل من الحزن لا يبرده الماء. (ثُمَّ خَيْلٌ مِنْ بَعْدِ ذَاكَ مَعَ الغَلاّ ... قِ، لاَ رَأفَةٌ، وَلاَ إبْقَاءُ) يقول: ثم أصحاب خيل من بعد بني تميم، والغلاق: من بني حنظلة من تميم، كان على هجائن النعمان، غزا بني تغلب فقتل فيهم وسبي، وقوله (لا رأفة ولا إبقاء) أي ليس لأصحاب الغلاق رأفة بهم ولا إبقاء عليهم. (مَا أَصَابُوا مِنْ تَغْلَبِيٍّ فَمَطْلُو ... لٌ، عَلَيْهِ إذا تَوَلّى العَفَاءُ) (ما) هاهنا للشرط، وهو في موضع نصب بأصابوا، و (مطلول عليه) أي لا يُدرك بثأره، والعفاء: الدروس أي يُنسى فيصير بمنزلة الشيء الدارس.

(كَتَكَالِيفِ قَوْمِنَا إذْ غَزَا المُنْ ... ذِرُ، هَلْ نَحْنُ لاِبْنِ هِنْدٍ رِعَاءُ؟) يروى إنه لما قُتل المنذر بن ماء السماء اعتزلت طائفة من بني تغلب وقالوا: لا نطيع أحدا من ولده، فلما ولى ابنه عمرو بن هند وجَّه إليهم، فقالوا: أرعاء نحن؟ أن قتل عمرو بن هند فيكم كفعل الغلاق، و (تكاليف) يجوز أن يكون جمع تكلفة، ويجوز أن يكون جمع تكليف. (إذْ أَحَلَّ العَلاَةَ قُبَّةَ مَيْسُو ... نَ فَأَدْنَى دِيَارِهَا العَوْصَاءُ) ويروى (إذ أحل العلياء) وهي أرض، وروى أن عمرو بن هند لما قُتل أبوه وجَّه أخاه النعمان، وحشد معه أخوه من قدر عليه من أهل مملكته، وأمره أن يقاتل بني غسان ومن خالف من بني تغلب، فلما صار إلى الشام قتل ملكا من غسان، واستنقذ أخاه امرأ القيس بن المنذر، وأخذ بنتا للملك في قُبة لها، وهي ميسون التي ذكرها فقال: إذ أحل العلاة قبة ميسون، أي قتلهم في هذا الوقت، والعلاة: قريبة من العوصاء، وعدَّى (أحل) إلى مفعولين كما تقول: أُحللت

زيدا مكان كذا وكذا. (فَتَأَوَّتْ لَهُمْ قَرَاضِبَةٌ مِنْ ... كُلِّ حَيٍّ كَأَنَّهُمْ أَلْقَاءُ) ويروى (فتأوت له قراضبة) تأوت: اجتمع بعضها إلى بعض، والقراضبة: الصعاليك، ويريد بالقراضبة من تجمع لعمرو بن هند، وواحد الإلقاء لقاً، وهو الشيء المطروح، وهو من الرجال العيى كأنه المطروح. (فَهَدَاهُمْ بِالأَسْوَدَيْنِ، وَأَمْرُ الل ... هِ بَلْغٌ يَشْقَى بِهِ الأَشْقِيَاءُ) ويروى (فهداهم بالأبيضين) وأراد بالأبيضين الخبز والماء، وبالأسودين التمر والماء، أي هدى عمرو بن هند أصحابة وجمعه حين غزا بهم، وقال بعضهم: أراد بالأسودين الليل والنهار، وبالأبيضين الماء واللبن (وأمر الله بلغ) أي يبلُغ ما يريد، وقيل: معناه بالغ بالسعادة والشقاء؛ فمن كان سعيدا بلغته السعادة، ومن كان شقيًّا بلغه الشقاء فشقي به. (إِذْ تَمَنَّوْنَهُمْ غُرُوراً، فَسَاقَتْ ... هُمْ إِلَيْكُمْ أُمْنِيَّةٌ أَشْرَاءُ) يقول: تمنيتم لقاءهم أشرا، أي بطرا، فساقتهم إليكم أُمنية أشراء، أي ذات أشر، أي بطر، والأشر والبطر لا يستعملان إلا في الشر، والفرح يستعمل في الخير والشر، قال عز وجل: (ذلكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ)، فقوله (بغير الحق) يدل على إنه يكون في الحق وفي غيره، ثم قال عز وجل: (وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ)، فلم يستثن؛ لأن المرح لا يكون إلا في الشر كالبطر والأشر،

ومعناه إنكم تمنيتم عمرو بن المنذر وأصحابه الذين تجمَّعوا له، وذلك أنكم قلتم: من عمرو ومن معه؟ إنما معه قراضبة وقد جمعوا له من كل مكان لقتالنا، فليتنا قد لقيناهم فيعلم عمرو غدا كيف نحن وهو، فهذه أمنيتهم. (لَمْ يَغُرُّوكُمُ غُروراً، وَلكِنْ ... يَرْفَعُ الآلُ جَمْعَهُمْ وَالضَّحَاءُ) ويروى (ولكن رفع الآل) ويروى (حزمهم والضحاء) يقول: ما أتوكم على غرَّة، ولكن الآل والضحاء رفعا جمعهم فأتوكم على خبرة منكم، أي أتوكم نهارا ظاهرين، والضحاء: ارتفاع النهار. (أَيُّهَا الشَّانِئُ المُبَلِّغُ عَنَّا ... عِنْدَ عَمْروٍ، وَهَلْ بِذَاكَ انْتِهَاءُ؟) يريد بالشانئ عمرو بن كلثوم التغلبي، قوله (هل لذاك انتهاء) أي هل لذلك غاية ينتهي إليها، ويروى (أيها الكاذب المبلغ) و (المخبر) و (المقرِّش) و (المرقش)، ويروى (وهل له إبقاء) أي لا يبقى عليكم لما ألقيتم اليه. (أن عَمْراً لَنَا لَدَيْهِ خِلاَلٌ ... غَيْرَ شَكٍّ في كُلِّهِنَّ البَلاَءُ)

يعني عمرو بن هند، وقوله (غير شك) منصوب بمعنى يقينا، ولا يجوز أن يكون التقدير في كلهن البلاء غير شك، وسيبويه لا يجيز (غير ذي شك زيد منطلق) وفي منعه إياه قولان: أحدهما أن العامل لا يتصرف؛ لأن العامل المعنى، وذلك أن قولك (زيد منطلق) بمنزلة قولك: أتيقن ذلك، فإذا كان العامل لا يتصرف لم يتقدم عليه ما عمل فيه، والقول الآخر إنه بمنزلة التوكيد، فكما لا يتقدم التوكيد لا يتقدم هذا، والبلاء هاهنا النعمة. (مَلِكٌ مُقْسِطٌ، وَأَكْمَلُ مَنْ يَمْ ... شِي، وَمِنْ دُونِ مَا لَدَيْهِ الثَّنَاءُ) المُقسط العادل، ويروى (ملك باسط) ويروى بالنصب، ومعنى الباسط إنه يبسُطُ العدل، ويروى (وأكرم من يمشي) أي فعلا، ومن روى (وأكمل من يمشي) أراد عقلا ورأيا، وقوله (ومن دون ما لديه الثناء) معناه الثناء منَّا عليه أقل ما فيه، وعنده من الخير والمعروف أكثر مما نصف ونثني. (إرَمِيٌّ بِمِثْلِهِ جَالَتِ الجِ ... نُّ فَآبَتْ لَخِصْمِهَا الآجْلاَءُ) (إرمي) نسبه إلى إرم عاد، أي ملكه قديم كان على عهد إرم، وقيل: كأن هذا الممدوح من إرم عاد في الحلم، لأنه يروى إنه كان من أحلم الناس، وقال آخرون: ذهب إلى أن جسمه وشدته يُشبهان أجسام عاد وشدتهم، وقوله (بمثله جالت الجن) الجن في هذا الموضع: دهاة الناس وأبطالهم، وجالت: فأعلت من المجالاة، وهي المكاشفة، يقول: بمثل عمرو بن هند كاشفت الجن الناس، وآبت: رجعت

وقد فلج خصمهم على كل من خاصمهم، والأجلاء: جمع جلا، والجلا: الأمر المنكشف، والمعنى أن من كاشف بفخر هذا الملك انكشف أمره وتبين؛ لأن فخره لا يخفى على أحد، فأمره مُنجل. (مَنْ لَنَا عِنْدَهُ مِنَ الخَيْرِ آيَا ... تٌ ثَلاَثٌ فِي كُلِّهِنَّ القَضَاءُ) الآيات: العلامات، وقوله (في كلهن القضاء) أي في كلهن يُقضى لنا بولاء الملك، ويروى (في فصلهن القضاء). (آيَةٌ شَارِقُ الشّقِيقَةِ إذْ جَا ... ءُوا جَمِيعاً لِكُلِّ حَيّ لِوَاءُ) بنو الشقيقة: قوم من بني شيبان جاءوا يغيرون على إبل لعمرو ابن هند، وعليهم قيس بن معد يكرب - وهو أبو الأشعث بن قيس - فردَّتهم بنو يشكر وقتلوا فيهم، وقوله (شارق) معناه جاء من قبل المشرق، أي هو صاحب المشرق، وروى عن أبي عمرو إنه قال: الشقيقة صخرة بيضاء، وقوله (لكل حي لواء) أي هم أحياء مختلفة. (حَوْلَ قَيْسٍ مُسْتَلْئِمِينَ بِكَبْشٍ ... قَرَظِىّ كَأنّهُ عَبْلاَءُ) المستلئم: الذي قد لبس اللامة وقرظي: منسوب إلى البلاد التي ينبت بها

القرظ وهي اليمن، والعبلاء ههنا: هضبة بيضاء ويروى عن أبي عمرو إنه قال: لا أعرف قيسا الذي ذكره في هذا البيت، و (مستلثمين) نصب على الحال، وأراد بالكبش الرئيس. (وَصَتِيتٍ مِنَ العَوَاتِكِ مَا تَنْ ... هَاهُ إلاَّ مُبْيَضَّةٌ رَعْلاَءُ) الصتيت: الجماعة، والعواتك: نساء من كندة من الملوك. وقوله (ما تنهاه إلا مبيضة رعلاه) أي لا يكف هذا الجمع إلا ضرب شديد موضح عن بياض العظم، والرعلاء: الضربة المسترخية اللحم من الجانبين، وبنو العواتك خرجوا مع قيس بن معد يكرب. (فَجَبَهْنَاهُمُ بِضَرْبٍ كَمَا يَخْ ... رُجُ مِنْ خُرْبَةِ المَزَادِ المَاءُ) الجبه: أسوأ الرد، ويروى (فرددناهم) والخربة هنا: عزلاء المزادة وهو مسيل الماء منها، فشبه خروج الدم ونزوه من الجرح بخروج الماء من فم تلك العزلاء، كأنه قال: مثل خروج الماء من خُربة المزاد.

(وَحَمَلْنَاهُمُ عَلَى حَزْنِ ثَهْلاَ ... نَ شِلاَلاً، وَدُمِّىَ الأنْسَاءُ) الحزن: ما غلظ من الأرض، شبَّه ما أصابهم وما حملوهم عليه من القتل بشدة هذا الحزن، وهذا مثل قول الأخطل: لَقَدْ حَمَلَتْ قَيْسُ بْنُ عَيْلاَنَ حَرْبَنَا ... عَلَى يَابِسِ السِّيسَاءِ مُحْدَوْدِبِ الظَّهْرِ وهذا قول الأصمعي، وقال أبو مالك: معناه حملناهم على حزن ثهلان بعينه، يقول: جرحناهم فركبوا حزن ثهلان على خشونته، وشلالا: معناه هرابا، وقد دُميت من الجراح أنساؤهم، و (شلالا) كأنه شاللناهم شلالا. (وَفَعَلْنَا بِهِمْ كَمَا عَلِمَ الل ... هُ وَمَا أن لِلْحَائِنِينَ دِماءُ) أي فعلنا بهم فعلا عظيما شديدا. وقوله (ما أن للحائنين دماء) أي من عصى فقد حان أجله ويُهدر دمه، ولا يطالب به. (ثُمَّ حُجْراً أَعْنِي ابْنَ أُمِّ قَطَامٍ ... وَلَهُ فَارِسِيَّة خَضْرَاءُ) حُجرا: منصوب لأنه معطوف على الهاء والميم في قوله (فرددناهم) وعطف الظاهر على المضمر المنصوب جيد، لأنه يتصل وينفصل، فصار المعنى: ثم رددنا حجرا، وأجرى قطام بالإعراب لما اضطر رده إلى أصل الأسماء؛ وسبيل قطام في لغة أهل الحجاز إذا كانت اسما لمؤنث أن تكون مكسورة بغير

تنوين وكان حقها أن تكون ساكنة، والعلى فيها عند أبي العباس إنها زادت على ما لا ينصرف علة فبُنبت، لأنه ليس بعد ترك الصرف إلا البناء، والعلل التي فيها أنها مؤنثة معرفة معدولة، فوجب أن تُبنى، وكسرت لالتقاء الساكنين، واختير لها الكسر لأربع جهات: إحداها أن حق كل ساكنين يلتقيان أن يحرك أحدهما إلى الكسر، وأيضا فإن الكسر من علامة المؤنث في قولك: قمت، وكلمتك، إذا خاطبت امرأة، وأيضا فإن فَعَال يعدل في الأمر في قولك (تَرَاكِ) أي اترك، فقد وجب الكسر كما وجب للأمر في قولك (اصرب الرجل، وأيضا فإنه لما عدل فكان حقه أن لا ينصرف أعطى حركة ليست فيما لا ينصرف، فإن سميت به مذكرا كان بمنزلة ما لا ينصرف. يقول: الآية الثانية التي صنعنا بحُجر - وكان حجر غزا امرأ القيس أبا المنذر بن ماء السماء بجمع من كندة كثير، وكانت بكر بن وائل مع امرئ القيس، فخرجت بكر بن وائل فردَّته وقتلت جنوده - وقوله: (وله فارسية) أي معه كتيبة خضراء من كثرة السلاح، فارسية: أي سلاحها من عمل فارس.

(أَسَدٌ فِي اللِّقَاءِ وَرْدٌ هَمُوسٌ ... وَرَبِيعٌ أن شَنَّعَتْ غَبْرَاءُ) ويروى (إن شنعت شهباءُ) وهي السنة الشديدة، والغبراء: السنة القليلة المطر، وشنعت: جاءت بأمر شنيع، ويروى (أسد في السلاح) يعني حُجرا، أي هو أسد، والهموس: الخفي الوطء، وقوله (وربيع) تقديره ذو ربيع، والربيع: الخصب. (فَرَدَدْنَاهُمُ بِطَعْنٍ كَمَا تُنْ ... هَزُ عَنْ جَمَّةِ الطَّوِىِّ الدِّلاَءُ) ويروى (جبهناهم) أي تلقينا جباههم بطعن كما تنهز - أي كما تحرك - الدلاء لتمتلئ، ويروى (في جمة الطوى) وجمةُ البئر: الذي قد جمَّ فلم يُستق منه، وقال أبو مالك: جمة الماء: الموضع الذي يبلغه الماء من البئر، ولم يبلغ أكثر منه، فترى ذلك الموضع مستديرا كأنه إكليل، والعلوي: البئر المطوية. (وَفَكَكْنَا غُلَّ امْرِئِ القَيْسِ عَنْهُ ... بَعْدَ مَا طَالَ حَبْسُهُ وَالعَنَاءُ) يعني امرأ القيس بن المنذر بن ماء السماء، وهو أخو عمرو بن هند لأبيه، وكانت غسان أسرته يوم قُتل المنذر أبوه، فأغارت بكر بن وائل مع عمرو بن هند على بعض بوادي الشام، فقتلوا ملكا لغسان، واستنقذوا

امرأ القيس، وأخذ عمرو ابنة ذلك الملك، وهي ميسون التي ذكرها الحارث. (وَأَقَدْنَاهُ رَبَّ غَسَّانَ بِالمُنْ ... ذِرِ كَرْهاً، إِذْ لاتُكَالُ الدِّمَاءُ) رب غسان: هو الملك الذي تقدم ذكره أبو ميسون، ويروى (وما تُكال الدماء) أي ذهبت هدرا. (وَفَدَيْنَاهُمُ بِتِسْعَةِ أَمْلاَ ... كٍ كِرَامٍ أَسْلاَبُهُمْ أَغْلاَءُ) ويروى (بتسعة أملاك ندامى) وكان المنذر بن ماء السماء بعث خيلا من بكر بن وائل في طلب بني حُجر آكل المرار حين قُتل حُجر، فطفرت بهم بكر، وقد كانوا دنوا من بلاد اليمن، فأتى بهم المنذر بن ماء السماء، فأمر بذبحهم وهو بالحيرة، فذبحوا عند منازل بني مرينا، وكانوا ينزلون بالحيرة وهم قوم من العباد، وفي ذلك يقول امرؤ القيس بن حُجر: أَلاَ يَا عَيْنُ بَكِّى لِي شَنِينَا ... وَبَكِّى للِمُلُوكِ الذّاهِبِينَا مُلُوكٌ مِنْ بَنِي حُجْرِ بْنِ عَمْروٍ ... يُسَاقُونَ العَشِيَّةَ يُقْتَلُونَا (وَمَعَ الجَوْنِ جَوْنِ آلِ بَنِي الأَوْ ... سِ عَنُودٌ كَأَنّهَا دَفْوَاءُ) الجون: ملك من ملوك كندة، وهو ابن عم قيس بن معد يكرب

وكان غزا بني بكر في كتيبة خشناء، فقاتلته بنو بكر وهزمته، وأخذوا ابنه، وجاءوا به إلى المنذر، والعنود هنا: الكتيبة كأنها تعند في سيرها، والدفواء: المنحنية، يصف كثرتها، يقال: وعل أدفى، وأروية دفواء، إذا كان قرنهما يذهب نحو ذنبهما، (ومر يتدافى) إذا مر يتحادب، والدفواء: العُقاب، والدفواء: المائلة، وجعل الكتيبة دفواء من بغيها، يقول: كما ينقض العُقاب على الصيد كذلك تميل هذه الكتيبة من بغيها، وبنو الأوس من كندة. (مَا جَزِعْنَا تَحْتَ العَجَاجَةِ إِذْ وَلّ ... تْ بِأَقْفَائِهَا وَحَرَّ الصِّلاَءُ) ويروى (إذ جاءوا جميعا وإذ تلظى الصلاء) يقول: لم نجزع حين لقينا الجون وهو في جمع كثير، وقوله (إذ ولت بأقفائها) معناه بأعجازها (وحر الصلاء) أي وقدت النار، شبَّه شدة الحرب بوقود النار. (وَوَلَدْنَا عَمْرَو بْنَ أُمِّ أُنَاسٍ ... مِنْ قَرِيبٍ لَمَّ أَتَانَا الحِبَاءُ) يريد عمرو بن حُجر الكندي، وكان جد الملك عمرو بن هند، وهند هي بنت عمرو بن حُجر آكل المُرار، وكانت أم عمرو بن حُجر أم أناس بنت

قصيدة الأعشى ميمون بن قيس

ذهل بن شيبان بن ثعلبة، وعمرو بن أم أناس هذا هو جد امرئ القيس الشاعر، وقوله (من قريب) معناه النسب بيننا وبينه قريب ليس بالمتباعد؛ إذ أمه بنت ذُهل بن شيبان، وهي جدة أم عمرو بن المنذر، وقوله: (لما أتانا الحباء) يقول: حين أتانا حباء الملك عمرو بن حُجر لما خطب إلينا ورآنا أهلا لمصاهرته. (مِثْلُهَا يُخْرِجُ النَّصِيحَةَ لِلْقَوْ ... مِ فَلاَةٌ مِنْ دُونِهَا أَفْلاَءُ) أي مثل هذه القرابة بيننا وبينك أيها الملك يُخرج نصيحتنا لك، ثم قال: (فلاة من دونها أفلاء) معناه نصيحة كثيرة واسعة مثل الفلاة التي دونها أفلاء كثيرة، فالأفلاء على هذه الرواية: جمع فلا، وفلا: جمع فلاة، ويروى (فلاء من دونها أفلاء) أي يتولد من النصيحة مثل الفلاء، وهو جمع فلو، والفلو يُخدع بالشيء بعد الشيء حتى يسكن ثم يُفلى عن أمه، أي يُفطم، ويروى فلاةٌ وفلاةً بالرفع والنصب، فمن نصب فعلى الحال كأنه قال: مثل فلاة واسعة، ومن رفع فعلى إضمار مبتدأ، كأنه قال: هي فلاة من دونها أفلاء. هذا آخر القصائد السبع، وما بعدها المزيد عليها قصيدة الأعشى ميمون بن قيس وقال الأعشى أبو بصير، واسمه ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل ابن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عُكابة بن صعب بن علىّ ابن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن افصى بن دُعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان:

(وَدِّعْ هُرَيْرَةَ أن الرَّكْبَ مُرُتَحِلُ ... وَهَلْ تُطِيقُ وَدَاعاً أَيُّهَا الرَّجُلُ؟) قال أبو عبيدة: هريرة قينة كانت لرجل من آل عمرو بن مرثد، أهداها إلى قيس بن حسان بن ثعلبة بن عمرو بن مرثد، فولدت له خُليدا، وقد قال في قصيدته: جَهْلاً بأُمِّ خُلَيْدٍ حَبْلَ مَنْ تَصِلُ والركب لا يستعمل إلا للإبل، وقوله: (وهل تُطيق وداعا) أي إنك تفزع أن ودَّعتها. (غَرَّاءُ فَرْعَاءُ مَصْقُولٌ عَوَارِضُهَا ... تَمْشِي الهُوَيْنَا كمَن يَمْشِي الوَجِى الوَحِلُ) قال الأصمعي: الغراء البيضاء الواسعة الجبين، وروى عنه إنه قال: الغراء

البيضاء النقية العرض، والفرعاء: الطويلة الفرع أي الشعر، وقوله: (مصقول عوارضها) أي نقية العوارض، وقال أبو عمرو الشيباني: العوارض الرباعيات والأنياب، وقوله: (تمشى الهوينا) على رسلها، والوجى: الذي يشتكي حافره ولم يحف، وهو مع ذلك وحل؛ فهو أشد عليه، وغراء: مرفوع لأنه خبر مبتدأ، ويجوز نصبه بمعنى أعنى، وعوارضها: مرفوعة على أنها اسم ما لم يسم فاعله، وقال (مصقول) على معنى الجمع كما قرئ (لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِنْ بَعْدُ) والهوينا: في موضع نصب على المصدر، وفيها زيادة على معنى المصدر؛ لأنك إذا قلت (هو يمشي الحوينا) ففيه معنى هو يمشي المشي المترسل. (كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جَارَتِهَا ... مَرُّ السَّحَابَةِ، لاَ رَيْثٌ، وَلاَ عَجَلُ) المشية: الحالة، وقوله (مرَّ السحابة) أي تهاديها كمر السحابة، وهذا مما توصف به النساء، والرَّيث: البُطء، والعجل: العجلة. (تَسْمَعُ للحَلْيِ وَسْوَاساً إذا انْصَرَفَتْ ... كَمَا اسْتَعَانَ بِريحٍ عِشْرِقُ زَجِلُ) الحلي: واحد يؤدي عن جماعة، ويقال في جمعه حلي والوسواس: جرس الحلي، وقوله (إذا انصرفت) يريد إذا انقلبت إلى فراشها، وقول (كما استعان بربح عشرق زجل) مجاز وإنما المعنى كعشرق ضربته الريح، فشبَّه صوت

الحلي بصوته، قال الأصمعي: العشرق: شُجيرة مقدار ذراع لها أكمام فيها حب صغار، غا جفت فمرت بها الريح تحرَّك الحب، فشبه صوت الحلي بخشخشته على الحصى. (لَيْسَتْ كَمَنْ يَكْرَهُ الجِيرَانُ طَلْعَتَهَا ... وَلاَ تَرَاهَا لِسِرِّ الجَارِ تَخْتَتِلُ) تختتل وتختل واحد، أي لا تفعل ذلك لتسمع السر. (يَكَادُ يَصْرَعُهَا لَوْلاَ تَشَدُّدُهَا ... إذا تَقُومُ إلى جَارَاتِهَا الكَسَلُ) يقول: لولا إنها تشددت إذا قامت لسقطت، و (إذا) في موضع نصب، والعامل فيه (يصرعها). وروى أبو عبيدة: (إذا تُلاَعِبُ قِرْناً سَاعَةً فَتَرَتْ ... وَارْتَجَّ مِنْهَا ذَنُوبُ المَتْنِ وَالكَفَلُ) ذنوب المتن: العجيزة والمعاجر. (صِفْرُ الوِشَاح، وَمِلْءُ الدِّرْعِ، بَهْكَنَةٌ ... إذا تَأَتَّى يَكَادُ الخَصْرُ يَنْخَزِلُ) صِفرُ الوشاح: يعني إنها خميصة البطن دقيقة الخصر؛ فوشاحها يقلق عنها لذلك، فهي تملأ الدرع لأنها ضخمة، والبهكنة: الكبيرة الخلق وتأتي:

ترفق، من قولك (هو يتأتى للأمر) وقيل: تأتي تهيأ للقيام، والأصل تتأتى، فحذف إحدى التاءين، و (ينخزل) يتثنى، وقيل: ينقطع، ويقال (خزل عنه حقه) إذا قطعه. (نِعْمَ الضّجِيعُ غَدَاةَ الدّجْنِ يَصْرَعُهَا ... لِلَذّةِ المَرْءِ، لاَ جَافٍ، وَلاَ تَفِلُ) الدجن: إلباس الغيم السماء، وقيل: معنى (للذة المرء) كناية عن الوطء، ويروى (تصرعه) وقوله (لا جاف) أي لا غليظ، والتفل: المنتن الرائحة، وقيل: هو الذي لا يتطيب. (هِرْكَوْلَةٌ فُنُقٌ دُرْمٌ مَرَافِقُهَا ... كَأَنَّ أَخْمَصَهَا بالشّوْكِ مُنْتَعِلُ) الهركولة: الضخمة الوركين الحسنة الخلق، وقيل: الحسنة المشي والفنق: الفتية من النساء والإبل الحسنة الخلق، وواحد الدُّرم أدرم، والمؤنثة درماء، أي ليس لمرفقيها حجم، وجمع فقال (مرافق) لأن التثنية جمع، والأخمص: باطن القدم، وقوله (كأن أخمصها بالشوك منتعل) معناه إنها متقاربة الخطو، وقيل: لأنها ضخمة فكأنها تطأ على شوك لثقل المشي عليها. (إذا تَقُومُ يَضُوعُ المِسْكُ أَصْوِرَةً ... وَالزَّنْبِقُ الوَرْدُ مِنْ أَرْدَانِهَا شَمِلُ)

ويروى (آونة والعنبر الورد) ويضوع: تذهب ريحه كذا وكذا والآونة: جمع أوان، وقال الأصمعي: أصورة تارات وقال أبو عبيدة: أجود الزنبق ما كان يضرب إلى الحمرة؛ فلذلك قال (والزنبق الورد) وأردان: جمع رَدْن ورُدْن، وهي أطراف الأكمام، وشمل: أي طيبُها يشمل، يقال: شمِل يشكل فهو شملٌ وشامل. (مَا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الحَزْنِ مُعْشِبَةٌ ... خَضْرَاءُ جَادَ عَلَيْهَا مُسْبِلٌ هَطِلُ) رباض الحزن: أحسن من رياض الخفوض. (يُضَاحِكُ الشَّمْسَ مِنْهَا كَوْكَبٌ شَرِقٌ ... مُؤَزّرٌ بِعَمِيمِ النَّبْتِ مُكْتَهِلُ) قوله (يضاحك الشمس) أي يدور معها حيثما دارت، وكوكب كل شيء: معظمه، والمراد هنا الزهر ومؤزَّر: مُفعَّل من الإزار، والشرق: الريَّان الممتلئ ماء، والعميم: التام السن، ومكتهل: قد انتهى في التمام، و (اكتهل الرجل)

إذا انتهى شبابه. (يَوْماً بِأَطْيَبَ مِنْهَا نَشْرَ رَائِحَةٍ، ... وَلاَ بِأَحْسَنَ مِنْهَا إِذْ دَنَا الأُصُلُ) النشر: الرائحة الطيبة، ونشر: منصوب على البيان وإن كان مضافا؛ لأن المضاف إلى النكرة نكرة، ولا يجوز خفضه لأن نصبه وقع لفرق بين معنيين، وذلك أنك تقول: هذا الرجل أفره عبدا في الناس، وتقول: هذا العبد أفره عبد في الناس؛ فالمعنى أفره العبيد. والأصل: جمع أصيل، والأصيل: من العصر إلى العشاء، وإنما خص هذا الوقت لأن النبت يكون فيه أحسن ما يكون؛ لتباعد الشمس والفيء عنه. (عُلِّقْتُهَا عَرَضاً، وَعُلِّقَتْ رَجُلاً ... غَيْرِي، وَعُلِّقَ أُخْرَى غَيْرَهَا الرَّجُلُ) يقال: عرض له أمر، إذا أتاه على غير تعمُّد وعرضا: منصوب على البيان، كقولك: مات هزلا، وقتلته عمدا. (وَعُلِّقَتْهُ فَتَاةٌ مَا يُحَاوِلُهَا ... وَمِنْ بَنِي عَمِّهَا مَيْتٌ بِهَا وَهِلُ) ويروى (خبل) ما يُحاولها: ما يريدها ولا يطلبها، وهذا التفسير على هذه الرواية، وروى ابن حبيب:

وَعُلِّقَتْهُ فَتَاةٌ مَا يُحَاوِلُهَا ... مِنْ أَهْلِهَا مَيِّتٌ يَهْذِي بِهَا وَهِلُ ومعنى (ما يحاولها) على هذه الرواية ما يقدر عليها ولا يصل إليها، ومعنى (ومن بني عمها ميت) أي رجل ميت، والوهل: الذاهب العقل، كلما ذكر غيرها رجع إلى ذكرها لفتنته بها. (وَعُلِّقَتْنِي أُخَيْرَى مَا تُلاَئِمُنِي ... فَاجْتَمَعَ الحُبُّ حُبٌّ كُلُّهُ تَبِلُ) علقتني: معناه أحبَّتني، أي أحبتني ولم أحبها، والتي أحبها لا أصل إليها، وتلائمني: توافقني، وتبل: كأنه أصيب بتبل، أي بذحل، وحب: مرفوع بدل من الحب، ويجوز أن يكون مرفوعا بمعنى كله حب تبل، ويجوز نصبه في الحال، كما تقول: جاء زيد رجلا صالحا، ويروى (فاجتمع الحب حبي كله تبل). (فَكُلُّنَا مُغْرَمٌ يَهْذِي بِصَاحِبِهِ ... نَاءِ ودَانٍ وَمَخْبُولٌ وَمُخْتَبَلُ) المُغرم: المُولع، والغرام: الهلاك، ومنه: (إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً) ويروى (فكلُّنا هائم) والنائي: البعيد، ومنه (النُّؤُى) لأنه حاجز يُبعد السيل وروى الأصمعي (ومحبُول ومُحتبل) بالحاء، وقال: من رواه بالخاء معجمة فقد أخطأ، وإنما هو من الحبالة وهو الشَّرك الذي يُصطاد به، أي كُلنا مُوثق عند صاحبه، وقال أبو عبيدة: محبول ومحتبل - بكسر الباء - أي مصيد وصائد. (صَدَّتْ هُرَيْرَةُ عَنَّا مَا تُكَلِّمُنَا ... جَهْلاً بِأُمِّ خُلَيْدٍ حَبْلَ مَنْ تَصِلُ) روى أبو عبيدة (صدَّت خليدة عنَّا) قال: هي هريرة، وهي أم خُليد، وقوله

(حبل من تصل) استفهام، وفيه من التعجب، أي حبل من تصل إذا لم تصلنا ونحن نودُّها. (أَأن رَأَتْ رَجُلاً أَعْشَى أَضَرَّبِهِ ... رَيْبُ المَنُونِ، وَدَهْرٌ مُفْنِدٌ خَبلُ) ويروى (مفسد) قال الأصمعي: الأعشى الذي لا يُبْصِر بالليل، والأجهر: الذي لا يبصر بالنهار، والمنُون: المنية، سميت منُونا لأنها تنقص الأشياء، وقيل في قول الله عز وجل: (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) معناه غير منقوص، وقال الأصمعي: هو واحد لا جمع له، ويذهب إلى إنه مذكر، وقال الأخفش: هو جمع لا واحد له، والمُفند: من الفند، وهو الفساد، ويقال (فنده) إذا سفهه، ومنه (لَوْلاَ أن تُفَنِّدُونِ) وخبل: من الخبال، وهو الفساد، وقوله (أإنْ رأَت) أن في موضع نصب، والمعنى أَمن أن رأت رجُلا، ثم حذف من، ولك أن تحقق الهمزتين (أأن) ولك أن تخفف الثانية فتقول: أإن، وقال بعض النحويين: إذا خففتها جئت بها ساكنة، وهذا خطأ، لأن النون ساكنة، فلو كانت الهمزة ساكنة لالتقى ساكنان. (قَالَتْ هُرَيْرَة لَمَّا جِئْتُ زَائِرَهَا: ... وَيْليِ عَلَيْكَ، وَوَيْلي مِنْكَ يَا رَجُلُ) زائرها: منصوب على الحال، يقدَّر فيه الانفصال، كأنه قال: زائرا لها، وقوله (يا رجل) بمعنى يا أيها الرجل، ويجوز في غير هذا الشعر النصب على إنه نكرة، إلا أن الرفع أجود. (إِمَّا تَرَيْنَا حُفَاةً لاَ نِعَالَ لَنَا ... إِنَّا كَذَلِكِ مَا نَحْفَى وَنَنْتَعِلُ) أي أن ترينا نتبذل مرة ونتنَّعم أخرى فكذلك سبيلُنا، وقيل: المعنى أن

ترينا نستغني مرة ونفتقر مرة، وقيل: المعنى أن ترينا نميل إلى النساء مرة ونتركهن أخرى، وحذف الفاء لعلم السامع، والتقدير: فإنا كذلك نحفى وننتعل، و (ما) زائدة للتوكيد. (وَقَدٍْ أُخَالِسُ رَبَّ البَيْتِ غَفْلَتَهُ ... وَقَدْ يُحَاذِرُ مِنِّي، ثُمَّ مَا يَئِلُ) ويروى (وقد أراقب) وقوله (غفلته) بدل من قوله: ربَّ البيت بدل الاشتمال، ويئل: ينجو. (وَقَدْ أَقُودُ الصِّبَا يَوْماً فَيَتْبَعُنِي ... وَقَدْ يُصَاحِبْنِي ذُو الشِّرَّةِ الغَزِلُ) الغزل: الذي يحبُّ الغزل، ويروى (ذو الشارة) والشارة: الهيأة الحسناء. (وَقَدْ غَدَوْتُ إلى الحَانُوتِ يَتْبَعُنِي ... شَاوٍ مِشَلٌّ شَلُولٌ شُلْشُلٌ شِوَلُ) ويروى (شَاوٍ مِشَلٌّ شَلُولٌ شُلْشُلٌ شَمِلُ) وروى أبو عبيدة (شول) على وزن فُعل، والحانوت: بيت الخمَّار، ويذكر ويؤنث، والشاوي: الذي يشوى، والمشل: الجيد السَّوق للإبل، وهو الخفيف، وكذلك الشّلُولُ، والشُّلشُل مثل القلقل وهو المتحرك، وشول وهو الذي يحمي الشيء، يقال: شُلْتُ به وأشلته، وقيل: هو من قولهم (فلان يشُول في حاجته) أي يعني بها ويتحرك فيها، ومن روى شُولُ فهو بمعناه إلا إنه للتكثير كقوله:

قَدْ لَفّهَا اللَّيْلُ بِسَوَّاقٍ حُطَمْ والنشول: الذي ينشل اللحم من القدر برفق، والشمل: الطيب النفس والرائحة. (فِي فِتْيَةٍ كَسيُوُفِ الهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا ... أن هَالِكٌ كلُّ مَنْ يَحْفى وَيَنْتَعِلُ) ويروى (أن ليس يدفع عن ذي الحيلة الحيل) و (الأجل) ويقال في جمع فتى: فتية، وفُتو، وفُتِى، وفِتِى، وفتيان، يقول: هم في صرامتهم كالسيوف، و (أن) في موضع نصب. (نَازَعْتُهُمْ قُضُبَ الرَّيْحَانِ مُتًّكِئاً ... وَقَهْوَةً مُزَّةً رَاوُوقُهَا خَضِلُ) أي نازعتهم حُسن الأحاديث وظريفها، وهذا قول الأصمعي، وقال غيره: يعني الريحان، أي يُحيى بعضهم بعضا. ويروى (مُرتفقا) وهو بمعنى متكئ، والمُزة والمُزاء: التي فيها مزازة. والروواق: إناء الخمر، وقيل: الراووق والناجود ما يخرج من ثقب الدَّنِّ، والخضل: الدائم الندى، والمعروف أن الراووق من الكرابيس يُروَّق فيه الخمر. (لاَ يَسْتَفِيقُونَ مِنْهَا وَهْيَ رَاهِنَةٌ ... إلاّ بِهَاتِ، وَإِنَ عَلُّوا، وَإِنْ نَهِلُوا)

لا يستفيقون: أي شربهم دائم ليس لهم وقت معلوم يشربون فيه، والراهنة: الدائمة، وقيل: المُعدة، وراهية: ساكنة، وقيل: راهنة وراهية بمعنى. وقوله (إلا بهات) أي بقولهم هات، أي إذا أبطأ عليهم الساقي قالوا: هات. (يَسْعَى بِهَا ذُو زُجَاجَاتٍ لَهُ نَطَفٌ ... مُقَلّصٌ أَسْفَلَ السِّرْبَالِ مُعْتَمِلُ) النطف: القرطة، وقيل: اللؤلؤ العظام ومُقلص: مشمر، ويجوز نصب مقلص على الحال من المضمر الذي في له، والرفع أجود، والسربال: القميص، ومعتمل: دائب نشيط، وكذلك عمل، وقيل: نَطَف: تُبَان، بلغة اليمن، جلد أحمر. (وَمُسْتَجِيبٍ تَخَالُ الصَّنْجَ يُسْمِعُهُ ... إذا تُرَجِّعُ فِيهِ القَيْنَةُ الفُضُلُ) المُستجيب: العُود، أي إنه يُجيب الصنج، وقال أبو عمرو: يعني بالمستجيب العُود، شبه صوته بصوت الصنج فكأن الصنج دعاه فأجابه، والفُضُل: التي في ثياب فضلتها أي مباذلها، والقينة عند العرب: الأمة مغنية كانت أو غير مغنية. (وَالسَّاحِبَاتِ ذُيُولَ الرَّيْطِ آوِنَةً ... وَالرَّافِلاَتِ عَلَى أَعْجَازِهَا العِجَلُ) ويروى (ذُيُول الخز) آونة: جمع أوان، وهر الحين، والرافلات: النساء اللواتي يرفلن ثيابهن، أي يجررنها، وقوله: (على أعجازها العجل) ذهب أبو عبيدة

إلى إنه شبَّه أعجازهن لضخمها بالعجل، وهي جمع عجلة، وهي مزادة كالإداوة وقال الأصمعي: أراد إنهن يخدمنه معهن العجل فيهن الخمر، والساحبات: في موضع نصب على إضمار فعل، لأن قبله فعلا، فلذلك اختير النصب فيه، ويكون الرفع بمعنى: وعندنا الساحبات. (مِنْ كُلِّ ذَلِكَ يَوْمٌ قَدْ لَهَوْتُ بِهِ ... وَفِي التَّجَارِبِ طُولُ اللَّهْوِ وَالغَزَلُ) ويروى (يوما) على الظرف، ويروى (طول اللهو والشغل) يقول: لهوت في تجاربي وغازلت. (وَبلْدَةٍ مِثْلِ ظَهْرِ التُّرْسِ مُوحِشَةٍ ... للِجِنِّ بِاللّيْل فِي حَافَاتِهَا زَجَلُ) (لاَ يَتَنَمَّى لَهَا بِالقَيْظِ يَرْكَبُهَا ... إِلاَّ الّذِينَ لَهُمْ فِيمَا أَتَوْا مَهَلُ) (لا يتنمى لها) أي لا يسمو إلى ركوبها إلا الذين لهم فيما أوتوا مهل وعُدة، يصف شدتها، والمهل: التقدم في الأمر والهداية قبل ركوبها. (جَاوَزْتُهَا بِطَلِيحٍ جَسْرَةٍ سُرُحٍ ... فِي مِرْفَقَيْهَا إذا اسَتَعْرَضْتَهَا فَتَلُ) الطليح: المُعيية، والفعل طَلَحَ يَطلحُ طَلْحاً وطَلَحاً، والقياس إسكان اللام، وفتحها أكثر، والسُّرُح: السَّهلة السير، والفتلُ: تباعد مرفقيها عن جنبيها.

(بَلْ هَلْ تَرَى عَارِضاً قَدْ بِتُّ أَرْمُقُهُ ... كَأَنَّمَا البَرْقُ فِي حَافَاتِهِ شُعَلُ) ويروى (أرقبه) و (يا من رأى عارضا) والعارض: السحابة تكون ناحية السماء، وقيل: السحاب المعترض (لَهُ رِدَافٌ وَجَوْزٌ مُفْأَمٌ عَمِلٌ ... مُنَطَّقٌ بِسِجَالِ المَاءِ مُتَّصِلُ) رداف: أي سحاب قد ردفه من خلفه، وجوز كل شيء: وسطه، والمُفأم: العظيم الواسع، وعمل: دائم البرق، ومُنطق: أي قد أحاط به فصار بمنزلة المنطقة، وقوله (متصل) أي ليس فيه خلل. (لَمْ يُلْهِنِي اللهْوُ عَنْهُ حِينَ أَرْقُبُهُ ... وَلاَ اللّذَاذَةُ مِنْ كَأْسِ، وَلاَ شُغُلُ) ويروى (ولا كسل) ويروى (ولا ثقل). (فَقُلْتُ للِشّرْبِ فِي دُرْنَا وَقَدْ ثَمِلُوا: ... شِيُموا، وَكَيْفِ يَشِمُ الشّارِبُ الثَّمِلُ؟) دُرنا: كانت بابا من أبواب فارس، وهي دون الحيرة بمراحل، وكان فيها أبو ثُبيت الذي ذكره، وقيل: دُرنا باليمامة، وشيموا: انظروا إلى البرق وقدَّروا أين صوبه، والثمل: السكران. (قَالُوا: نُمَارٌ فَبَطْنُ الخَالِ جَادَهُمَا ... فَالعَسْجَدِيَّةُ فالأبْلاَءُ فالرِّجَلُ) ويروى (فالأبواء) وهذه كلها مواضع، والرِّجل: مسايل الماء، واحدها رجلة.

(فالسَّفْحُ يَجْرِي، فَخِنْزِيرٌ، فَبُرْقَتُهُ ... حَتى تَدَافَعَ مِنْهُ الرَّبْوُ فالحُبَلُ) ويروى (فالسفح أسفل خنزير)، والربو: ما نشز من الأرض، والحُبل: جبل، أو بلد. (حَتَّى تَحَمَّلَ مِنْهُ المَاَء تَكْلِفَةً ... رَوْضُ القَطَا فَكَثِيبُ الغَيِنَةِ السَّهِلُ) ويروى (حتى تضمَّن عنه الماء) يقول: تحمل روض القطا ما لا يطيق إلا على مشقة لكثرته، والغنية: الأرض الشجراء، وتكلفة: في موضع الحال. (يَسْقِي دِيَاراً لهَا قَدْ أَصْبَحَتْ غَرَضاً ... زُوراً تَجَانَفَ عَنْهَا القَوْدُ وَالرَّسَلُ) قوله (غرضا) أي غرضا للأمطار، ويروى (عزبا) أي عوازب، وزورا: ازورت عن الناس، والقود: الخيل: والرّ َسَل: الإبل، والرَّسَلُ: القرط، وهو القطيع من الغنم، يريد انهم أعزاء لا يغزون؛ فقد تجانف عنها الخيل والإبل. (أَبْلِغْ يَزِيدَ بَنِي شَيْبَانَ مَأْلُكَةً ... أَبَا ثُبَيْتٍ، أَمَا تَنْفَكُّ تَأْتَكِلُ؟) المأْلُكَة والمأْلَكَة: الرسالة، والايتكال: الفساد والسعي بالشر، وقالوا:

تأتكل: تحتكُّ من الغيظ. (أَلَسْتَ مُنْتَهِياً عَنْ نَحْتِ أَثْلَتِنَا ... وَلَسْتَ ضَائِرَهَا مَا أَطَّتِ الإبِلُ) أَثلتنا: أصلنا وعزُّنا، كما تقول (مجدٌ مُؤثل) قديم له أصل، والتأثل: اتخاذ أصل المال. (كَنَاطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً لِيَفْلِقَهَا ... فَلَمْ يَضِرْهَا، وَأَوْهى قَرْنَهُ الوَعِلُ) المعنى: أنك تكلف نفسك ما لا تصل إليه ويرجع ضرره عليك، والوعل: الأيل، والأنثى أروية. (تُغْرِي بِنَا رَهْطَ مَسْعُودٍ وَإِخْوَتَهُِ ... عِنْدَ اللِّقَاءِ فَتُرْدِى، ثُمَّ تَعْتَزِلُ) أي تضرب بيننا وبينهم، كأنه قال: تلصق بيننا وبينهم العداوة من الغراء، وتُردى: تهلك. (لاَ أَعْرِفَنَّكَ أن جَدَّتْ عَدَاوَتُنَا ... وَالتُمِسَ النَّصْرُ مِنْكُمْ عَوْضُ تُحْتَمَلُ) عوضُ: اسم للدهر، ويروى عوضَ - بفتح الضاد - مثل حيثُ وحيث، يقول: لا أعرفنك أن التُمس النصر منك دهرك، واحتمل القوم: احتملتهم

الحمية والحرب، أي أُغضبوا، ويروى (واحتملوا) أي ذهبوا من الحمية أو الغيظ، وتحتمل: أي تذهب وتخلى قومك (تُلْزِمُ أَرْمَاحَ ذِي الجَدَّيْنِ سَوْرَتَنَا ... عِنْدَ اللِّقَاءِ فَتُرْدِيهِمْ وَتَعْتَزِلُ) ويروى: تُلْحِمُ أَبْنَاَء ذِي الجَدَّيْنِ أن غَضِبُوا ... أَرْمَاحَنَا، ثُمَّ تَلْقَاهُمْ وَتَعْتَزِلُ تلحم: أي تجعلهم لُحمة، أي تطعمهم إياها، وذو الجدين: قيس بن مسعود بن قبس بن خالد ذي الجدين، وإنما قيل لقيس بن مسعود (ذو الجدين) لأن جده قبس بن خالد أسر أسيرا له فداء كثير، فقال رجل: إنه لذو جد في الأسر، فقال آخر: إنه لذو جدين؛ فصار يُعرف بهذا، والسورة: الغضب، ويروى (شوكتنا) وهو السلاح. (لاَ تَقْعُدَنَّ وَقَدْ أَكَّلْتَهَا حَطَباً ... تَعُوذُ مِنْ شَرِّهَا يَوْماً، وَتَبْتَهِلُ) أأَكلتها: أجَّجْتها، وتبتهل: تدعو إلى الله سبحانه وتعالى [وتسأله الوقاية] من شرها. (سَائِلْ بَنِي أَسَدٍ عَنَّا فَقَدْ عَلِمُوا ... أن سَوْفَ يَأَتِيكَ مِنْ أَنْبَائِنَا شَكَلُ) شكل: أي أزواج، خبر ثم خبر، وشكل: اختلاف، و (أنْ) هذه التي تعمل في الأسماء خُففت، و (سوف) عوض، والمعنى إنه سوف يأتيك، ولا يجوز إلا هذا مع سوف والسين. ويروى (من أيامنا شكل) أي من أيامنا المتقدمات وما فيها من الحروب. (وَاسْأَلْ قُشَيْراً وَعَبْدَ اللهِ كُلّهُمُ ... وَاسْأَلْ رَبِبعَةَ عَنَّا كَيْفَ نَفْتَعِلُ)

(إنّا نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى نُقَتِّلَهُمْ ... عِنْدَ اللِّقَاءِ وَإِنْ جَارُوا وَإِنْ جَهِلُوا) ويروى (وهم جاروا وهم جهلوا) ويروى (أنّا) بفتح الهمزة على البدل من قوله (فقد علموا أن سوف) والكسر أجود على الابتداء والقطع مما قبله، ويروى (ثُمَّت نقتلهم) و (ثمة نغلبهم) فمن روى (ثمت نقتِّلهم) أنَّث ثم لأنها كلمة، وجعل تأنيثها بمنزلة التأنيث الذي يلحق الأفعال ومن قال (ثمة نغلبهم) فهو على تأنيث الكلمة إلا إنه ألحق التأنيث هاء في الوقف كما يفعل بالأسماء. (قَدْ كَانَ فِي آلِ كَهْفٍ أن هُمُ احْتَرَبُوا ... وَالجَاشِرِيّةِ مَا تَسْعَى وَتَنْتَضِلُ) ويروى (إن هُمُ قعدوا)، وآل كهف: من بني سعد بن مالك ابن ضبيعة، يقول: أن قعدوا هم فلم يطلبوا بثأرهم فقد كان فيهم من يسعى وينتضل لهم، والجاشرية: امرأة من إياد، وقيل: هي بنت كعب بن مامة، يقول: قد كان لهم من يسعى لهم فما دُخُولك بينهم ولست منهم؟ (إنِّي لَعَمْرُ الّذِي حَطّتْ مَنَاسِمُهَا ... تَخْدِي، وَسِيقَ إليه البَاقِرُ الغُيُلُ) هذه رواية أبي عمرو، وروى أبو عبيدة: له وسِيقَ إليه البَاقِرُ العَثَلُ حطت، قيل: معناه أسرعت، قال الأصمعي: لا معنى لحطت هاهنا، وإنما يقال حطت إذا اعتمدت في زمامها، وقال: الرواية (خطت) أي سفت التراب يمناسمها، والمناسم: أطراف أخفاقها، وتخدى: تسير سيرا شديدا فيه اضطراب لشدته، والباقر: البقر، والغُيُل: جمع غيل، وهو الكثير،

وقيل: هو جمع غيُول، والعَثَل والعَثِل: الجماعة، يقال: عَثَل له من ماله، أي أكثر. (لَئِنْ قَتَلْتُمْ عَمِيداً لَمْ يَكُنْ صَدَداً ... لَنَقْتُلَنْ مِثْلَهُ مِنْكُمْ فَنَمْتَثِلُ) الصَّدَد: المقارب، فنمتثل: أي نقتل الأمثل فالأمثل، وأماثل القوم: خيارهم. (لَئِنْ مُنِيتَ بِنَا عَنْ غِبِّ مَعْرَكَةٍ ... لاَ تُلْفِنَا عَنْ دِمَاءِ القَوْمِ نَنْتَفِلُ) مُنيت: ابتليت، والانتفال: الجُحُود، أي لم ننتفل من قتلنا من قومك ولم نجحد. (لاَ تَنْتَهُونَ وَلَنْ يَنْهَى ذَوِي شَطَطٍ ... كَالطَّعْنِ يَهْلِكُ فِيهِ الزَّيْتُ وَالفُتُلُ) ويروى (أتنتهون) و (هل تنتهون) الشطط: الجور، والفعل منه أشط، ويهلك فيه الزيت: أي يذهب فيه لسعته، المعنى لا ينهى أصحاب الجور مثل طعن جائف يغيب فيه الزيت والفتل. (حَتَّى يَظَلَّ عَمِيدُ القَوْمِ مُرْتَفِقاً ... يَدْفَعُ بِالرَّاحِ عَنْهُ نِسْوَةٌ عُجُلُ) العُجُل: جمع عجول، وهي الثكلى، أي حتى يظل سيد الحي يدفع

عنه النساء بأكفهن لئلا يُقتل؛ لأن من يدفع عنه من الرجال قد قُتل، وقيل: المعنى يدفعن لئلا يُوطأ بعد القتل. (أَصَابَهُ هُنْدُوَانِيٌّ فَأَقْصَدَهُ ... أو ذَابِلٌ مِنْ رِمَاحِ الخَطِّ مُعْتَدِلُ) (كَلاًّ زَعَمْتُمْ بِأَنَّا لاَ نُقَاتِلُكُمْ ... إِنَّا ِلأَمْثَالِكُمْ يَا قَوْمَنَا قُتُلُ) كلاَّ: ردع وزجر، وقد يكون رداً لكلام، وفيه معنى الردع أيضا، وقُتُل: جمع قَتُول. (نَحْنُ الفَوَارِسُ يَوْمَ الحِنْوِ ضَاحِيَةُ ... جَنْبَيْ فُطَيْمَةَ لاَ مِيلٌ وَلاَ عُزُلُ) ضاحية: علانية، قال أبو عمرو وابن حبيب: فُطيمة هي فاطمة بنت حبيب بن ثعلبة، والميل: جمع أميل، وهو الذي لا يثبت في الحرب، والأصل فيه أن يكون على فُعْل، مثل أَبيض وبِيض، والعُزُلُ: يجوز أن يكون جمع أعزل، ثم اضطر فضم الزاي لأن قبلها ضمة، ويجوز أن يكون بني الاسم على فعيل، ثم جمعه على فُعُل كما تقول: رَغِيف ورُغُف، والدليل على صحة هذا القول أن ابن السكيت

قصيدة النابغة الذبياني

حكى (رجال عُزلان) فهذا كما تقول: رَغِيف ورُغْفان، و (الأعزل) قيل: هو الذي لا رُمْحَ معه، وقال أبو عبيدة: هو الذي لا سلاح معه، وإن كان معه عصا لم يقل له أعزل، ويقال: (معزال) على التكثير. (قَالُوا: الطِّرَادَُ، فَقُلْنَا: تِلْكَ عَادَتُنَا ... أو تَنْزِلُونَ فَإِنَّا مَعْشَرٌ نَزُلَ) يقول: أن طاردتم بالرماح فتلك عادتُنا، وإن نزلتم تجالدون بالسيوف نزلنا. (قَدْ نَخْضِبُ العَيْرَ فِي مَكْنُونِ فَائِلِهِ ... وَقَدْ يَشِيطُ عَلَى أَرْمَاحِنَا البَطَل) الفائل: عرق يجري من الجوف إلى الفخذ، ومكنون الفائل: الدم، وقال أبو عمرو: المكنون خُربة في الفخذ، والفائل: لحم الخُربة، والخُرْبة والخرابة: دائرة في الفخذ لا عظم عليها، وقال أبو عبيدة: الفائل عِرْق في الفخذ ليس حواليه عظم، وإذا كان في الساق قيل له: النسا، ويشيط: يهلك، وقيل: يرتفع، وأصله في كل شيء الظهور. قصيدة النابغة الذبياني وقال النابغة الذبياني، ويكنى أبا ثمامة، وأبا أُمامة - بابنتيه - واسمه

زياد بن عمرو بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن غيظ بن مُرَّة بن عوف ابن سعد بن ذبيان بن بغيض بن الريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان ابن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان: (يَا دَارَ مَيَّةَ بِالعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ ... أَقْوَتْ، وَطَالَ عَلَيْهَا سَالِفُ الأَبَدِ) العلياء: مكان مرتفع من الأرض، قال ابن السكيت: قال (بالعلياء) فجاء بالياء لأنه بناها على عليت، والسند: سند الوادي في الجبل، وهو ارتفاعه حيث يسند فيه أي يصعد، وأقوت: خلت من أهلها، والسالف: الماضي، والأبد: الدهر. (وَقَفْتُ فِيهَا أَصِيلاً كَيْ أُسَائِلَهَا ... عَيَّتْ جَوَاباً وَمَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ) ويروى: (وقفت فيها طويلا كي أسائلها) ويروى (أصيلانا) و (أصيلالا) فمن روى أصيلا أراد عشيا، ومن روى طويلا جاز أن يكون معناه وقوفا طويلا، ويجوز أن يكون معناه وقتا طويلا، ومن روى (أُصيلانا) ففيه قولان؛

أحدهما: إنه تصغير أُصلان، وأُصلان: جمع أصيل، كما يقال: زَغِيف ورُغْفَان؛ والقول الآخر: إنه بمنزلة قولهم على الله التُّكلان، وبمنزلة قولهم غُفْران، وهذا القول الصحيح، والأول خطأ؛ لأن أُصلاناً لا يجوز أن يصغر، إلا أن يُرد إلى أقل العدد، وهو حكم كل جمع كثير، وقوله (عيت) يقال: عييت بالأمر؛ إذا لم تعرف وجهه، وقوله (جوابا) منصوب على المصدر، أي عيت أن تجيب، (وما بها من أحد) ومِنْ: زائدة. (إِلاَّ أَوَارِىَّ لأْياً مَا أُبَيِّنُهَا ... وَالنُّؤْىَُ كَالحَوْضِ بِالمَظْلُومَةِ الجَلَدِ) ويروى (إلاّ أَوَارِيُّ) والنصب أجود، والأواريّ والأواخيّ واحد، وهي التي تحبس بها الخيل، والَّلأْي: البُطْء، يقال: الْتَأَتْ عليه حَاجَتُه، والمعنى بَعْدَ بطء أسْتَبِينها، والنؤى: حاجز من تراب يعمل حول البيت والخيمة، لئلا يصل إليها الماء، وأصل الظُّلم وضع الشيء في غير موضعه، فالمظلومة: الأرض التي قد حفر فيها في غير موضع الحفر، والجلد: الأرض الغليظة الصلبة من غير حجارة، وإنما قصد إلى الجلد لأن الحفر فيها يصعب، فيكون ذلك أشبه شيء بالنؤى. (رَدَّتْ عَلَيْهِ أَقَاصِيهِ وَلَبَّدَهُ ... ضَرْبُ الوَلِيدَةِ بِالمِسْحَاةِ فِي الثَّأَدِ)

ويروى (رُدَّت عليه أقاصيه) وهذه الرواية أجود؛ لأنه إذا قال (رُدَّت عليه أقاصيه) فأقاصيه في موضع رفع، فأسكن الياء؛ لأن الضمة فيها ثقيلة، وإذا روى ردت فأقاصيه في موضع نصب، والفتحة لا تستثقل، فكان يجب أن تفتح الياء، إلا إنه يجوز إسكانها في الضرورة، لأنه يسكن في الرفع والخفض، فأجرى النصب مجراهما، وأيضا فإنه إذا روى (رَدَّت) فقد أضمر ما لم يجر ذكره، أراد رَدَّت عليه الأمة، إلا أن هذا جائز كثير إذا عُرف معناه، وأقاصيه: ما شَذَّ منه، ولبده: سكنه، أي سكنه حفر الوليدة، والثأد: الموضع الندى التراب. (خَلَّتْ سَبِيلَ أَتِىٍّ كَانَ يَحْبِسُهُ ... وَرَفَّعَتْهُ إلى السِّجْفَيْنِ فَالنَّضَدِ) الأتى: النهر الصغير، أي خلت الأمة سبيل الماء في الأتي تحفرها، ورفعته: ليس يريد به علت، وإنما معناه قدَّمته وبلغت به، كما تقول: ارتفع القوم إلى السلطان، والسجفان: ستران رقيقان يكونان في مُقدَّم البيت، والنضد: ما نُضد من متاع البيت. (أضْحَتْ خَلاَءً، وَأَضْحَى أَهْلُهَا احْتَمَلُوا ... أَخْنَى عَلَيْهَا الذِي أَخْنَى عَلَى لُبَدِ) قوله (وأضحى أهلها احتملوا) أراد قد احتملوا، و (اخنى) فيه قولان؛ أحدهما: أن المعنى أتى عليها، والقول الآخر - وهو الجيد -: أن المعنى أفسد؛ لأن الخنا الفساد والنقصان. (فَعَدِّ عَمَّا تَرَى إِذْ لاَ ارْتِجَاعَ لَهُ ... وَانْمِ القُتُودَ عَلَى عَيْرَانَةٍ أُجُدِ)

فعدِّ عمَّا ترى: أي جُزه وانصرف عنه، إذ كان لا رجوع له، يعني ما ترى من خراب الدور، والقتود: خشب الرحل، وهو للجمع الكثير، وفي القليل أقتاد، وحكى بعض أهل اللغة أن الواحد قتد، والعيرانة: المشبهة بالعير لصلابة خُفها وشدته، والأجد: التي عظم فقارها، وقالوا: هي الموثقة الخلق. (مَقْذُوفَةٍ بِدَخِيسِ النَّحْضِ بَازِلُهَا ... لَهُ صَرِيفٌ صَرِيفَ القَعْوِ بَالمَسَدِ) مقذوفة: أي مرمية باللحم، والدَّخيس والدِّخاس: الذي قد دخل بعضه في بعض من كثرته، والنحض: اللحم، وهو جمع نحضة، والبازل: الكبير، والصريف: الصياح، والصريف من الإناث من شدة الإعياء، ومن الذكور من النشاط، والقعو: ما يضم البكرة إذا كان خشبا، فإذا كان حديدا فهو خُطَّاف، ويروى (له صَرِيفٌ صَرِيفُ القعو) على البدل، والنصب أجود. (كَأَنَّ رَحْلِي وَقَدْ زَالَ النَّهَارُ بِنَا ... بِذِي الجَلِيلِ عَلَى مُسْتَأْنِسٍ وَحَدِ) زال النهار بنا: معناه انتصف، و (بنا) بمعنى علينا، والجليل: الثُّمام، أي بموضع فيه ثُمام، والمُستأنس: الناظر بعينه، ومنه (إني آنست نارا) أي أبصرت، ومنه قيل (إنسان) لأنه مرئي، ويروى (على مُستوجس) وهو الذي قد أوجس في نفسه الفزع فهو ينظر. (مِنْ وَحْشٍ وَجْرَةَ مَوْشِيٍّ أَكَارِعُهُ ... طَاوِى المَصِيرِ كَسَيفِ الصَّيْقَلِ الفَرَدِ)

خَصَّ وحش وجرة لأنها فلاة، يقال: أن فيها ستين ميلا، والوحش يكثر بها، ويقال: إنها قليلة الشرب فيها، والموشي: الذي فيه ألوان مختلفة، وقوله (طاوى المصير) أي ضامره، والمصير: المعا، وجمعه مصران، وجمع مصران مصارين، وقوله (كسيف الصيقل) أي هو يلمع، وقوله (الفرد) أي ليس له نظير. (سَرَتْ عَلَيْهِ مِنْ الجَوْزَاءِ سَارِيَةٌ ... تُزجِى الشَّمَالُ عَلَيْهِ جَامِدَ البَرَدِ) قوله (سرت عليه من الجوزاء سارية) كمعنى قولهم (مطرنا بنوء كذا)، وتُزجي: تسوق، وجامد البرد: ما صلب منه. (فَارْتَاعَ مِنْ صَوْتِ كَلاّبٍ، فَبَاتَ لَهُ ... طَوْعُ الشَوَامِتِ مِنْ خَوْفٍ وَمِنْ صَرَدِ) ارتاع: فزع، وقوله (له) الهاء في له عائدة على الكلاب، وإن شئت على الصوت، قال الأصمعي: المعنى فبات له [ما] أطاع شوامته من الخوف، وقال أبو عبيدة: المعنى فبات له ما يُسر الشوامت، ويروى (طوع الشوامت) ومن يروى هذه الرواية فالشوامت عنده القوائم، يقال: للقوائم: شوامت، الواحدة شامتة، أي فبات يطوع للشوامت، أي ينقاد لها أي فبات قائما. (فَبَثَّهُنَّ عَلَيْهِ، وَاسْتَمَرَّ بِهِ ... صُمْعُ الكُعُوبِ بَرِيئَاتٌ مِنَ الحَرَدِ) بثهن: فرقهن، والصُّمع: الضوامر، الواحدة صمعاء، واستمر به: أي استمرت به

قوائمه، والكعوب: جمع كعب وهو المفصل من العظام، وكل مفصل من العظام كعب عند العرب، وأصل الحرد استرخاء عصب في يد البعير من شدة العقال، وربما كان خلقة، وإذا كان به نفض يديه وضرب بهما الأرض ضربا شديدا. (فَهَابَ ضُمْرَانُ مِنْهُ حَيْثُ يُوزِعُهُ ... طَعْنُ المُعَارِكِ عِنْدَ المُحْجَرِ النَّجُدِ) وروى الأصمعي (وكان ضمران منه) ومن رفع (طعن المعارك) رفعه بقوله يُوزعه، وضمران: اسم كلب ويوزعه: يغريه، وقوله (منه) أي من الثور. (شَكَّ الفَرِيصَةَ بالمِدْرَى فأَنْفَذَهَا ... شَكَّ المُبَيْطِرِ إِذْ يَشْفِي مِنَ العَضَدِ) الفريصة: المضغة التي تُرعد من الدابة عند البيطار، ويريد بالمدرى قرن الثور: أي شك فريصة الكلب بقرنه، والعضد: داء يأخذ في العضد، يقال: عضد يعضد عضدا. (كَأَنَّهُ خَارِجاُ مِنْ جَنْبِ صَفْحَتِهِ ... سَفُّودُ شَرْبٍ نَسُوهُ عِنْدَ مُفْتَأَدِ) الهاء من (كأنه) تعود على المدرى، وخارجا: حال، والخبر سَفُّود شرب، والمُفتأد: المشتوى.

(فَظَلَّ يَعْجُمُ أَعْلَى الرَّوْقِ مُنْقَبِضاً ... فِي حَالِكِ اللَّوْنِ صَدْقٍ غَيْرِ ذِي أَوَدِ) يعجُم: يمضغ، والروق: القرن، والحالك: الشديد السواد، والصَّدق: الصلب، والأود: العوج. (لمَّا رَأَى وَاشِقٌ إِقْعَاصَ صَاحِبِهِ ... وَلاَ سَبِيلَ إلى عَقْلٍ وَلاَ قَوَدِ) واشق: اسم كلب، والإقعاص: الموت الوحي، وأصله من القُعاص، وهو داء يأخذ الغنم لا يُلبثها حتى تموت. (قَالَتْ لَهُ النَّفْسُ: إِنِّي لاَ أَرَى طَمَعاً ... وَإِنَّ مَوْلاَكَ لَمْ يَسْلَمْ وَلَمْ يَصِدِ) المولى: الناصر، وقوله: (قالت له النفس) تمثيل، أي حدَّثته نفسه بهذا. (فَتِلْكَ تُبْلِغُنِي النُّعْمَانَ؛ أن لَهُ ... فَضْلاً عَلَى النَّاسِ فِي الأدْنَى وَفِي البَعَدَ) فتلك: يعني ناقته التي شبَّهها بهذا الثور، و (البعد) قيل: إنه مصدر يستوي فيه لفظ الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث، وقيل: إنه جمع باعد كما يقال خادم وخدم، ومعنى (في الأدنى وفي البعد) كمعنى القريب والبعيد، ومن روى (البُعُد) فهو جمع بعيد. (وَلاَ أَرَى فَاعِلاً فِي النَّاسِ يُشْبِهُهُ ... وَمَا أُحَاشِي مِنَ الأقْوَامِ مِنْ أَحَدِ) المعنى: ولا أرى فاعلا يفعل الخير يشبهه، ومعنى (وما أحاشي) وما أستثنى، كما تقول: حاشى فلانا، وإن شئت خفضت، إلا أن النصب أجود؛ لأنه قد اشتق منه فعل، وحذف منه كما يحذف من الفعل، قال الله عز وجل: (قُلْنَ حَاشَ للهِ) و (من) زائدة في قوله (من أحد).

(إِلاَّ سُلَيْمَانَ إِذْ قَالَ اْلإلهُ لَهُ: ... قُمْ في البرِيَّةِ فَاحْدُدْهَا عَنْ الفَنَدِ) (إلا سليمان) في موضع نصب على البدل من موضع أحد، وإن شئت على الاستثناء، ويروى (إذ قال المليك له) ويروى (فازجرها على الفند)، والحد: المنع، والفند: الخطأ. (وَخَيِّسِ الجِنّ؛ إنِّي قَدْ أَذِنْتُ لَهُمْ ... يَبْنُونَ تَدْمُرَ بالصُّفَّاحِ وَالعُمُدِ) خيِّس: أي ذلل، والصفاح: جمع صُفاحة، وهي حجارة رقاق عراض. (فَمَنْ أَطَاعَ فَأَعْقَبْهُ بطَاعَتِهِ ... كمَا أَطَاعَكَ، وَادْلُلْهُ عَلَى الرَّشَدِ) (وَمَنْ عَصَاكَ فَعَاقِبْهُ مُعَاقَبَةً ... تَنْهَى الظَّلُومَ، وَلاَ تَقْعُدْ عَلَى ضَمَدِ) الضمد: الحقد، يقال: ضمد يضمد ضمدا فهو ضمد. (إِلاَّ لِمِثْلِكَ أو مَنْ أَنْتَ سَابِقُهُ ... سَبْقَ الجَوَادِ إذا اسْتَوْلَى عَلَى الأمَدِ) قوله (أو من أنت سابقه) أي لمثلك في حالك أو لمن فضلك عليه كفضل السابق على المُصلي أي ليس بينك وبينه في الفضل والشرف إلا يسير، استولى

عليه: إذا غلب عليه، والأمد: الغاية. (وَاحْكُمْ كَحُكْمِ فَتَاةِ الحَي إِذْ نَظَرَتْ ... إلى حَمَامٍ سِرَاعٍ وَارِدِ الثَّمَدِ) أي كن حكيما كفتاة الحي إذ أصابت وجعلت الشيء في موضعه، وهي لم تحكم بشيء، إنما قالت قولا فأصابت فيه، ومعناه كُن في أمري حكيما، ولا تقبل ممن سعى بي، والثمد: الماء القليل. (قَالَتْ: أَلاَ لَيْتَمَا هَذَا الحَمَامَُ لَنَا ... إلى حَمَامَتِنَا، وَنِصْفُهُ فَقَدِ) يروى (الخمامَ) و (الحمامُ) وكذلك نصفَه ونصفُه، فإذا نصبته تكون ما زائدة، وإذا رفعته تكون كافة لليت عن العمل، ويصير ما بعدها مبتدأ وخبرا، كما تقول: إنما زيدٌ منطلق، وقَدِ: بمعنى حسب. (يَحُفُّهُ جَانِباً نِيقٍ وَتُتْبِعُهُ ... مِثْلِ الزُّجَاجَةِ لَمْ تُكْحَلْ مِنْ الرَّمَدٍ) يحفُّه: يكون في ناحيته، والنِّيق: أعلى الجبل، قال الأصمعي: إذا كان الحمام بين

جانبي نيق كان أشد لعدده؛ لأنه يتكاثف ويكون بعضه فوق بعض، وإذا كان في موضع واسع كان أسهل لعدده، ووصف أنها قد أسرعت، قال أبو عبيدة: وهي عين اليمامة، وزرقاء اليمامة، وقوله (مثل الزجاجة) يعني عينها، ولم تكحل من الرمد: أي لم ترمد فتكحل. (فَحَسَّبُوهُ فأَلْفَوْهُ كمَا حَسَبَتْ ... تِسْعاً وَتِسْعِينَ لَمْ تَنْقُصْ وَلَمْ تَزِدِ) ويروى (كما زعمت) وألفوه: وجدوه، وكان الحمام الذي رأته ستة وستين، ولها حمامة في بيتها، فلما عدَّت الحمام الذي رأته قالت: لَيْتَ الحَمَامَ لِيَهْ ... إلى حَمَامَتِيَهْ وَنِصْفَهُ قَدِيَهْ ... تمَّ الحَمَامُ مِيَهْ وقولها (إلى حمامتيه) أي مع حمامتيه؛ فيكون سبعة وستين، ونصف ما رأته ثلاثة وثلاثون، فيكون مائة كما قالت. (فَكَمًّلَتْ مِائَةً فِيهَا حَمَامَتُهَا ... وَأَسْرَعَتْ حِسْبَةً فِي ذَلَكَ العَدَدِ) قال الأصمعي: الحسبة: الجهة التي يحسب منها، وهي مثل اللبسة والجلسة، فقال: أسرعت أخذا في تلك الجهة، ويقال: ما أسرع حسبته، أي حسابه، والحسبة: المرة الواحدة. (أَعْطَى لِفَارِهَةٍ حُلْوٍ تَوَابِعُهَا ... مِنَ المَوَاهِبِ لاَ تُعْطَى عَلَى نَكَدِ)

أي لا أرى فاعلا في الناس يشبهه أعطى لفارهة، ويروى (على حسد) ويروى (حلوٌ توابعها) على الابتداء والخبر، والمبتدأ والخبر في موضع جر. (الوَاهِبُ المِائَةَِ الأبْكَارَِ زَيَّنَهَا ... سَعْدَانُ تُوضِحَ فِي أَوْبَارِهَا اللِّبَدِ) ويروى (المائة الجرجور) والجرجور: الضخام، ويكون للواحد والجمع على لفظ واحد، والسَّعدان: نبت تسمن عليه الإبل وتغزر ألبانها ويطيب لحمها، وتُوضح: اسم موضع، ومن روى (يوضح) بالياء فإنه يذهب إلى أن معناه يبين، وهو فعل، واللبد: ما تلبَّد من الوبر، الواحدة لبدة، ويروى (في الأوبار ذي اللبد). (وَالسَّاحِبَاتِ ذُيُولَ المِرْطِ فَنَّقَهَا ... بَرْدُ الهَوَاجِر كَالغِزْلاَنِ بالجَرَدْ) ويروى (الراكضات) وعنى بالساحبات الجواري، وفنقها: طيب عيشها، أي لا تسير في شدة الحر، ويروى (أنقها) أي أعطاها ما يعجبها، والجرد: الموضع الذي لا ينبت. (وَالخَيْلَ تَمْزَعُ غَرْباً فِي أَعِنَّتِهَا ... كَالطَّيْرِ تَنْجُو مِنَ الشُّؤْبُوبُ ذِي البَرَدِ) ويروى (تنزع) وتمزع: تمر مرا سريعا، ويروى (رهوا) والرهو: الساكن، وغرباً: أي حدة، والشؤبؤب: السحاب العظيم القطر القليل العرض،

الواحدة شُؤبوبة، قيل، ولا يقال لها شؤبوبة حتى يكون فيها برد. (وَالأُدْمَ قَدْ خُيِّسَتْ فُتْلاً مَرَافِقُهَا ... مَشْدُودَةً بِرِحَالِ الحِيرَةِ الجُدُدِ) الأدم: النوق، وخُيِّست: ذُلّلت، ويقال: جُدُد وجُدَد، والضم أجود لأنه الأصل، ولئلا يُشكل بجمع جُدَّة، ومن قال جُدَد في جمع جَديد أبدل من الضمة فتحة لخفة الفتحة. (فَلاَ لَعَمْرُ الَّذِي قَدْ زُرْتُهُ حِجَجاً ... وَمَا هُرِيقَ عَلَى الأنْصَابِ مِنْ جَسَدِ) هُريق وأريق واحد، والأنصاب: حجارة كانت الجاهلية تنصبها وتذبح عندها، والجسد هنا: الدم، والجسد والجساد: صبغ. (وَالمُؤْمِنِ العَائِذَاتِ الطَّيْرَ يَمْسَحُهَا ... رُكْبَانُ مَكَّةَ بَيْنَ الغَيْلِ وَالسَّنَدِ) العائذات: ما عاذ بالبيت من الطير، وروى أبو عبيدة (بين الغيل والسَّعَدِ) بكسر الغين وقال: هما أجمتان كانتا بين مكة ومنى، وأنكر الأصمعي هذه الرواية، وقال: إنما الغِيل بكسر الغين الغيضة، والغَيْل بفتح الغين: الماء، وإنما يعني النابغة ما كان يخرج من أبي قُبيس. (مَا أن أَتَيْتُ بِشْيءِ أَنْتَ تَكْرَهُهُ ... إذا فَلاَ رَفَعَتْ سَوْطِي إلى يَدِي) (إنْ) هنا توكيد إلا أنها تكف (ما) عن العمل، كما أن (ما) تكف أن عن العمل في قولك: إنما زيد منطلق، ومعنى (فلا رفعت سوطي إلى يدي) أي شلَّتْ. (إذا فَعَاقَبَنِي رَبِّي مُعَاقَبَةً ... قَرَّتْ بِهَا عَيْنُ مَنْ بَأْتِيكَ بِالحَسَدِ)

(هذَا لأبْرَأَ مِنْ قَوْلٍ قُذِفْتُ بِهِ ... طَارَتْ نَوَافِذُهُ حَرًّا عَلَى كَبِدِي) (النوافذ) تمثيل، من قولهم: جُرح نافذ، أي قالوا قولا صار حره على كبدي وشقيتُ بهم. (مَهْلاً فِدَاءٌ لَكَ الأقْوَامُ كُلُّهُمُ ... وَمَا أُثَمِّرُ مِنْ مَالٍ وَمِنْ وَلَدِ) أثمر: اجمع، ويروى (فداء) على المصدر، والمعنى الأقوام كلهم يفدونك فداء، ويروى (فداء) بمعنى ليفدك، فبناه كما بنى الأمر نحو دَرَاكِ وتَرَاكِ لأنه بمعنى أدرك واترك. (لاَ تَقْذِفَنَّي بِرُكْنٍ لاَ كِفَاَء لَهُ ... وَلَوْ تَأَثّفَكَ الأعْدَاءُ بِالرَّفَدِ) الكِفَاء: المثل، وثأثفك الأعداء: احتوشوك فصاروا منك موضع الأثافي من القدر، ومعنى (بالرفد) أي يتعاونون علىَّ ويسعون بي عندك. (فمَا الفُرَاتُ إذا جَاشَتْ غَوَارِبُهُ ... تَرْمِي أَوَاذِيُّهُ العَبْرَيْنِ بِالزَّبَدِ) جاشت: فارت، والغوارب: ما علا منه، الواحد غارب، والأواذي: الأمواج،

والعبران: الشطان. (يَمُدُّهُ كُلُّ وادٍ مُزْبِدٍ لَجِبٍ ... فِيهِ حُطَامٌ مِنَ اليَنْبُوتِ وَالخَضَدِ) ويروى (كل واد مترع) ويروى (فيه ركام) والمترع: المملوء، واللجب: ذو الصوت، والرُّكام: المتكاثف، والينبوت: ضرب من النبت، والخضد: ما ثنى وكسر من النبت. (يَظَلُّ مِنْ خَوْفِهِ المَلاَحُ مُعْتَصِماً ... بالخَيْزُارَنَةِ بَعْدَ الأيْنِ وَالنَّجَدِ) وروى أبو عبيدة (بالخيسفوجة من جهد ومن رعد) والخيزرانة: كل ما ثُنى، والنجد: العرق من الكرب، وقالوا: أراد بالخيزرانة المردى و (الخيسفوجة) قيل: هو السكان والأين: الإعياء. (يَوْماً بِأجْوَدَ مِنْهُ سَيْبَ نَافِلَةٍ ... وَلاَ يَحُولُ عَطَاءُ اليَوْمِ دُونَ غَدِ) السَّيب: العطاء، والنافلة: الزيادة، ومعنى (ولا يجول عطاء اليوم دون غد) أن أعطى اليوم لم يمنعه ذلك أن يُعطى في الغد، وأضاف إلى الظرف على السعة؛ لأنه ليس حق الظروف أن يضاف إليها، ويروى (يوما بأطيب منه).

(أُنْبِئْتُ أن أَبَا قَابُوسَ أو عَدَنِي ... وَلاَ قَرَارَ عَلَى زَأْرٍ مِنَ الأسَدِ) أبو قابوس: النعمان بن المنذر، ويروى (نُبِّئْتُ) ويقال: زَأَرَ الأسد يزئر يزأر زأراً وزئيراً. (هَذَا الثّنَاءُ فإن تَسْمَعْ لِقَائِلِهِ ... فمَا عَرَضْتُ - أَبَيْنتَ اللّعْنَ - بِالصَّفَدِ) ويروى: فإن تَسْمَعْ به حسنا ... فلم أعَرِّضْ أبيتَ اللّعْنَ بالصَّفَد الصفد: العطاء، قال الأصمعي: لا يكون الصفد ابتداء، إنما يكون بمنزلة المكافأة، يقال: أصفدته أصفدة إصفادا؛ إذا أعطيته، والاسم الصفد، وصفدته أصفده صفداً وصفاداً؛ والاسم أيضا الصفد، ومعنى (أبيت اللعن) أي أبيت أن تأتي شيئا تُلعن عليه. (هَا أن تَاعِذْرَةٌ إِلاّ تَكُنْ نَفَعَتْ ... فإن صَاحِبَهَا قَدْ تَاهَ فِي البَلَدِ) ويروى (فإن صاحبها مشارك النكد) تا: بمعنى هذه، ويروى (إن ذي عذرة)، ويروى (إنها عذرة) وعِذْرَة وعُذْرى ومَعْذُرَة واحد، ومعنى انها عذرة أي أن هذه القصيدة عُذْر، أي ذات عذر.

قصيدة عبيد بن الأبرص الأسدي

قصيدة عبيد بن الأبرص الأسدي قال محمد بن عمرو بن أبي عمرو الشيباني: كان من حديث عبيد بن الأبرص ابن حنتم بن عامر بن فهر بن مالك بن الحارث بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان: إنه كان رجلا محتاجا، ولم يكن له مال، فأقبل ذات يوم ومعه غنيمة له، ومعه أخته ماوية ليورد غنمه، فمنعه رجل من بني مالك بن ثعلبة، وجبهه، فانطلق حزينا مهموما لما صنع به المالكي، حتى أتى شجرات فاستظل هو وأخته تحتهن، فناما، فزعم أن المالكي نظر إليه نائما، وأخته إلى جنبه فقال: ذَاكَ عَبِيدٌ قَدْ أَصَابَ مَيَّا ... يَا لَيْتَهُ أَلْقَحَهَا صَبِيَّا فَحَمَلَتْ فَوَلَدَتْ ضَاوِيَّا فسمعه عبيد، فساءه، فرفع يديه نحو السماء، فابتهل، فقال: اللهم أن كان هذا ظلمني ورماني بالبُهتان فأدلني منه، ثم نام - ولم يكن قبل ذلك يقول شعرا - فأتاه آت في المنام بكبة من شعر حتى ألقاها في فيه، ثم قال له: قُم، فقام وهو يرتجز ببني مالك، وكان يقال لهم بنو الزنية فقال: يا بَنِي الزَِّنْيَةِ مَا غَرَّكُمُ؟ ... لَكُمُ الوَيْلُ بِسِرْبَالٍ حَجَر ثم اندفع في قول الشعر، فقال:

(أَقْفَرَ مِنْ أَهْلِهِ مَلْحُوبُ ... فَالقُطَبِيِّاتُ، فَالذَّنُوبُ) (فَرَاكِسٌ، فَثُعَالِبَاتٌ ... فَذَاتُ فِرْفَيْنِ، فَالْقَلِيبُ) ويروى (فثُعيلبات) وراكس وثعالبات: موضعان، والقليب: البئر. (فَعَرْدَةٌ فَقَفَا حِبِرٍّ ... لَيْسَ بهَا مِنْهُمُ عَرِيبُ) ويروى (ففردة) ويروى (فقفا عبر) وعريب: أحد، لا يستعمل إلا في النفي. (وَبُدِّلَتْ مِنْ أَهْلِهَا وُحُوشاً ... وَغَيَّرَتْ حَالهَا الخُطُوبُ) (أَرْضٌ تَوَارَثُهَا شَعُوبُ، ... وَكلُّ مَنْ حَلَّهَا مَحْرُوبُ) شعوب: اسم للمنية، ويروى (فكل من حلها) ومحروب: مسلوب. (إمَّا قَتِيلٌ، وَإِمَّا هَالِكٌ، ... وَالشّيْبُ شَيْنٌ لِمَنْ يَشِيبُ) و (إما قتيلا وإما هالكا) يريد إما أن يكون ذلك المحروب قتيلا وإما أن يكون هالكا، وقوله (والشيب شين لمن يشب) يقول: أن لم يُقتل وعُمر حتى يشيب فشيبه شين له، وكانوا يستحبُّون أن يموت الرجل وفيه بقية قبل أن يفرط به الكبر. (عَيْنَاكَ دَمْعُهُمَا سَرُوبَ ... كَأَنَّ شَانِيْهِمَا شَعِيبُ)

سروب: من (سرب الماء يسرب)، والشعيب: المزادة المنشقة، والشأن: مجرى الدمع. (وَاهِيَةٌ، أو مَعِينٌ مُمْعِنٌ ... مِنْ هَضْبَةٍ دُونَهَا لُهُوبُ) ويروى (أو معين معن) ويروى (أو هضبة) وواهية: بالية، والمعين: الذي يأتي على وجه الأرض من الماء فلا يرده شيء، والممعن: المسرع واللهوب: جمع لهب وهو شق في الجبل، يقول: كأن دمعه ماء يمعن من هذه الهضبة منحدرا، وإذا كان كذلك كان أسرع له إذا انحدر إلى أسفل وفي أسفلها لهوب. (أو فَلَجٌ بِبَطْنِ وَادٍ ... لِلْمَاءِ مِنْ تَحْتِهِ قَسِيبُ) فلج: نهر صغير، وقسيب الماء، وأليله، وثجيجه، وعجيجه: صوت جريه. (أو جَدْوَلٌ فِي ظِلاَلِ نَخْلٍ ... لِلْمَاءِ مِنْ تَحْتِهِ سُكُوبُ) الجدول: النهر الصغير، وسُكُوب: أراد انسكاب فلم تمكنه القافية. (تَصْبُو وَأَنّى لَكَ التَّصَابِي؟ ... أَنّى وَقَدْ رَاعَكَ المَشِيبُ؟) تصبو: من الصبوة، يعني العشق، (أنى لك) أي كيف لك بهذا بعدما قد صرت شيخا؟ وراعك: أفزعك. (أن يَكُ حُوِّلَ مِنْهَا أَهْلُهَا ... فَلاَ بَدِئٌ، وَلاَ عَجِيبُ)

ويروى: أن تَكُ حَالَتْ وحُوِّلَ منها أهلها ... فَلاَ بَدِئَ، وَلا عَجِيبُ حالت: تغيَّرت عن حالها، وحُوِّلوا: نقلوا، والبدئ: المبتدأ، أي ليس أول ما خلا من الديار، وليس ذلك بعجب، وقد يكون بدئ بمعنى عجيب، رأيت أمرا بدينا وفريا: أي عجيبا. (أو يَكُ قَدْ أَقْفَرَ مِنْهَا جَوُّهَا ... وَعَادَهَا المَحْلُ وَالجُدُوبُ) جوَّها: وسطها، وعادها: أصابها وأصله من عيادة المريض، ويروى (أو يك أقفر منها أهلها) والمحل والجدب واحد. (فَكُلُّ ذِي نِعْمَةٍ مَخْلُوسُهَا ... وكلُّ ذِي أَمَلٍ مَكْذوبُ) المخلوس والمسلوب واحد، أي كل من أمل أملا مكذوب: أي لا ينال كل ما يؤمل. (وَكلُّ ذِي إبِلٍ مَوْرُوثٌ ... وكلُّ ذِي سَلَبٍ مَسْلُوبُ) ويروى (مورثها) أي يُورقها غيره، يقول: من كان له شيء سلبه من غيره فهو يُسلب يوما ايضا، ولم يدم ذلك له، أي يأتي عليهم الموت. (وكلُّ ذِي غَيْبَةٍ يَؤُوبُ ... وَغَائِبُ المَوْتِ لاَ يَؤُوبُ) (أَعَاقِرٌ مِثْلُ ذَاتِ رِحْمٍ؟ ... أو غَانِمٌ مِثْلُ مَنْ يَخِيبُ؟) العاقر من النساء: التي لا تلد، ومن الرمال التي لا تُنبت شيئا، وأراد بذات رحم

الولود، أي لا تستوي التي تلد والتي لا تلد، ولا يستوي من خرج فغنم ومن خرج فرجع خائبا. (مَنْ يَسْأَلِ النَّاسَ يَحْرِمُوهُ ... وَسَائِلُ اللهَ لاَ يَخِيبُ) قال ابن الأعرابي: هذا البيت ليزيد بن ضبة الثقفي. (باللهِ يُدْرَكُ كلُّ خَيْرٍ ... وَالقَوْلُ فِي بَعْضِهِ تَلْغِيبُ) تلغيب: أي ضعف، من قولهم (سهم لغب)، إذا كانت قُذذه بطنانا، وهو رديء، ورجل لغب: ضعيف. (واللهُ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ ... عَلاّمُ مَا أَخْفَتِ القُلُوبُ) (أَفْلِحْ بمَا شِئْتَ، فَقَدْ يُبْلَغُ بال ... ضَّعْفِ، وَقَدْ يُخْدَعُ الأرِيبُ) ويروى (أفلج) بالجيم، و (أفلح) بالحاء من الفلاح وهو البقاء؟ أي عش كيف شئت فلا عليك ألا تبالغ، فقد يدرك الضعيف بضعفه ما لا يدرك القوي، وقد يخدع الأريب العاقل عن عقله، ويروى (فقد يدرك بالضعف) قيل: سأل سعيد بن العاصي الحطيئة: من أشعر الناس؟ قال: الذي يقول (أفلح بما شئت. . . البيت). (لاَ يَعِظ النَّاسُ مَنْ لاَ يَعِظُ ال ... دّهْرُ، وَلاَ يَنْفَعُ التَّلْبِيبُ)

ويروى (من لم يعظ الدهر) يقول: من لم يتَّعظ بالدهر فإن الناس لا يقدرون على عظته، والتلبيب: تكلف اللُّب من غير طباع ولا غريزة. (إلاّ سَجِيَّاتُ مَا القُلُوبِ ... وَكَمْ يَصِيرَنْ شَائِناً حَبِيبُ) (ما) صلة، يقول: لا ينفع التلبيب الا سجيات القلوب، والشانئ: المبغض، يقول: كثيرا ما يتحول العدو صديقا ويروى (إلا سجايا من القلوب) يقول: لا ينفع إلا من كانت سجيته اللب. (سَاعِدْ بِأَرْضٍ إذا كُنْتَ بِهَا ... وَلاَ تَقُلْ إنَّنِي غَرِيبُ) ساعد: من المساعدة، أي ساعدهم ودارهم وإلا أخرجوك من بينهم، وقيل: (لا تقل إنني غريب) أي واتهم على أمورهم كلها، ولا تقل لا أفعل ذلك لأني غريب (قَدْ يُوصَلُ النَّازِحُ النَّائِي، وَقَدْ ... يُقْطَعُ ذُو السُّهْمَةِ القَرِيبُ) النَّازح والنَّائي واحد، ويقطع: يُعق، والسُّهمة: النصيب، وذو السُّهمة: ذو السهم والنصيب يكون لك في الشيء، يقول: يعُق الناس ذا قرابتهم، ويصلون الأباعد، فلا يمنعنك إذا كنت في غربة أن تخالط الناس بالمساعدة لهم.

(وَالمَرْءُ مَا عَاشَ فِي تَكْذِيبٍ ... طُولُ الحَيَاةِ لَهُ تَعْذِيبُ) يقول: الحياة كذب، وطولها عذاب على من أعطيها؛ لما يقاسي من الكبر وغيره من غير الدهر. (بَلْ رُبَّ مَاءٍ وَرَدْتُهُ آجِنٍ ... سَبِيلُهُ خَائِفٌ جَدِيبُ) آجن: متغير، خائف: أراد إنه مخُوف المسلك، وقد يقوم الفاعل مقام المفعول، ويروى (يا رُبَّ ماء صرى وردته) جمع صراة، وهو المتغير الأصفر، ويروى (وردت آجن). (رِيشُ الحَمَامِ عَلَى أَرْجَائِهِ ... لِلْقَلْبِ مِنْ خَوْفِهِ وَجِيبُ) أرجاؤه: نواحيه، والوجيب: الخفقان. (قَطَعْتُهُ غُدْوَةً مُشِيحاً ... وَصَاحِبِي بَادِنٌ خَبُوبُ) مُشيحا: أي مُجدا، وبادن: ناقة ذات بدن وجسم، وخبوب: تخب في سيرها، قطعته: يعني الماء، ويروى (هبطته). (عَيْرَانَةٌ مُؤْجَدٌ فَقَارُهَا ... كَأَنَّ حَارِكَهَا كَثِيبُ)

ويروى (مُضبر فقارها)، قال أبو عمرو: المؤجد: التي يكون عظم فقارها واحدا، ومُضبر: مُوثق، وأصله من الإضبارة، وهي الحزمة من الكتب، والفقار: خرز الظهر، وحاركها: منسجها، والكثيب: الرمل، وصف حاركها بالإشراف والملاسة. (أَخْلَفَ مَا بَازِلاً سَدِيسُهَا ... لاَ حِقّةٌ هِيَ، وَلاَ نَيُوبُ) أخلف: أتى عليها سنة بعد ما بزلت، والسديس: ينبت قبل البازل، والبازل بعده، فإذا جاوز البزول بعده بعام قيل: مُخلف عام، ومُخلف عامين، وأعوام، و (ما) صلة، كأنه قال: أخلف بازلا، يقول: سقط السَّديس وأخلف مكانه البازل. (كَأَنّهَا مِنْ حَمِيرِ عَانَاتٍ ... جَوْنٌ بِصَفْحَتِهِ نُدُوبُ) أي كأن هذه الناقة حمار جون، والجون: يكون أبيض وأسود، وصفحته: جنبه، ويروى (كأنها من حمير غاب) وغاب: مكان، وندوب: آثار العض. (أو شَبَبٍ يَرْتَعِي الرُّخَامَي ... تَلُفُّهُ شَمْأَلٌ هَبُوبُ)

الشبب: الذي قد تم شبابه وسنه، والمشب والشبوب واحد، والرخامي: نبت، وتلفه: يعني تلف الثور، ولفها: إتيانها إياه من كل وجه، والهبوب: الهابة، ويروى (يحفر الرخامي) و (يحتفر). (فَذَاكَ عَصْرٌ، وَقَدْ أَرَانِي ... تَحْمِلُنِي نَهْدَةٌ سُرْحُوبُ) أي ذاك دهر قد مضى فعلت فيه ذلك، ونهدة: فرس مُشرفة، وسرحوب: سريعة سريحة السير سمحة، وقيل: طويلة الظهر. (مُضَبَّرٌ خَلْقُهَا تَضْبِيراً ... يَنْشَقُّ عَنْ وَجْهِهَا السَّبِيبُ) مُضبر: موثق، والسبيب ههنا: شعر الناصية، يقول: هي حادة البصر، فناصيتها لا تستر بصرها. (زَيْتِيَّةٌ نَائِمٌ عُرُوقُهَا ... وَليِّنٌ أَسْرُهَا رَطِيبُ) ويروى (ناعم) ونائم عروقها: أي ساكنة لصحتها، وليِّن: من اللين، وأسرها: خلقها الذي خلقها الله عليه، ورطيب: متثن، وقيل في قوله (نائم عروقها): أي ليت بناتئة العروق، وهي غليظة في اللحم. (كَأَنَّهَا لِقْوَةٌ طَلُوبُ ... تَخِرُّ فِي وَكْرِهَا القُلُوبُ) اللَّقوة: العُقاب، سميت بذلك لأنها سريعة التلقي لما تطلب، والقُلُوب:

يعني قلوب الطير، ويروى (تيبس في وكرها القُلُوب). (بَاتَتْ عَلَى إِرَمٍ عَذُوباً ... كَأنّهَا شَيْخَةٌ رَقُوبُ) ويروى (على إرم رابية) والإرم: العلم، والعذوب: الذي لا يأكل شيئا، والرقوب: التي لا يبقى لها ولد، يقول: باتت لا تأكل ولا تشرب كأنها عجوز ثاكل يمنعها الثكل من الطعام والشراب. (فَأَصْبَحَتْ فيِ غَدَاةٍ قِرَّةٍ ... يَسْقُطُ عَنْ رِيِشهَا الضّرِيبُ) ويروى (في غداة قر) ويروى (ينحط عن ريشها)، والضريب: الجليد، وضربت الأرض: إذا أصابها الضريب. (فَأبْصَرَتْ ثَعْلَباً سَرِيعاً، ... وَدُونهُ سَبْسَبٌ جَدِيبُ) ويروى (فأبصرت ثعلبا من ساعة) ويروى (ودون موقعه شنخوب) والشناخيب: رءوس الجبال، ويروى (ودونها سربخ) وهي أرض واسعة، ويروى (فأبصرت ثعلبا بعيدا). (فَنَفَضَتْ رِيشَهَا وَوَلَّتْ ... فَذَاكَ مِنْ نَهْضَةٍ قَرِيبُ) ويروى: فَنَشَرَتْ رِيشَهَا فَاتْتَفَضَتْ ... وَلَمْ تَطِرْ، نَهْضُهَا قَرِيبُ يقول: نفضت الجليد عن ريشها، والنهضة: الطيران، يقول: حين رأت الصيد

بالغداة وقد وقع عليها الجليد نشرت ريشها، وانتفضت: رمت بذلك عنها ليمكنها الطيران، وإنما خص بها الندى والبلل لأنها أنشط ما تكون في يوم الطل، وقيل: لأنها تسرع إلى أفراخها، خوفا عليها من المطر والبرد، كما قال: لاَ يَأْمَنانِ سِبَاعَ اللَّيْلِ أو بَرَداً ... إن أظْلَمَا دُونَ أَطْفَالٍ لَهَا لجب وبيت عبيد يدل على خلاف هذا؛ لأنه لم يقل إنها راحت إلى أفراخها، بل وصفها بأنها أصبحت والضريب على ريشها فطارت إلى الثعلب، يقول: هي قريب أن تنهض إذا ما رأت صيدها. (فَاشْتَالَ وَارْتَاعَ مِنْ حَسِيسٍ ... وَفِعْلَهُ يَفْعَلُ المَذْؤُوبُ) اشتال، يعني الثعلب: رفع بذنبه من حسيس العُقاب، ويروى (من خشيتها) و (من حسيسها) والمذءوب والمزءود: الفزع: ذُئِبَ فهو مذءوب. (فَنَهَضَتْ نَحْوَهُ حَثِيثَةً ... وَحَرَدَتْ حَرْدَهُ تَسِيبُ) نهضت: طارت نحو الثعلب سريعة، وحردت: قصدت، وتسيب: تنساب. (فَدَبَّ مِنْ رَأَيِهَا دَبِيباً ... وَالعَيْنُ حِمْلاَقُهَا مَقْلُوبُ) دبَّ: يعني الثعلب لما رآها. ويروى (ودب من خوفها دبيبا) والحماليق: عروق في العين، يقول: من الفزع انقلب حملاق عينه، وقيل: الحملاق جفن العين،

وقيل: الحملاق ما بين المأقين، وقيل: الحملاق بياض العين ما خلا السواد، وقيل: العروق التي في بياض العين. (فَأَدْرَكَتْهُ، فَطَرَّحَتْهُ ... وَالصَّيْدُ مِنْ تَحْتِهَا مَكْرُوبُ) ويروى (فخوَّنته). (فَجَدَّلَتْهُ، فَطَرَّحَتْهُ ... فَكَدَّحَتْ وَجْهَهُ الجَبُوبُ) ويروى: فَرَفّعَتْهُ فَوَضّعَتْهُ ... فكَدَّحَتْ وَجْهَهُ الجَبُوبُ و (الجبوب) قالوا: هي الحجارة، وقيل: الأرض الصلبة، وقيل: القطعة من المدر، وقيل: وجه الأرض، وجدَّلته: طرحته بالجدالة، وهي الأرض. (فَعَاوَدَتْهُ، فَرَفَّعَتْهُ ... فَأَرْسَلَتْهُ وَهْوَ مَكْرُوبُ) (يَضْغُو، وَمِخْلَبُهَا فِي دَفِّه ... لاَ بُدَّ حَيْزُومُهُ مَنْقَوبُ) يضغو: يصيح، والاسم الضُّغاء، ومخلبها: ظفرها، ودفه: جنبه، والحيزوم: الصدر منقوب (مثقوب) يقول: لابد حين وضعت مخلبها في دفه إنه منقوب، ولابد: لاشك، عن الفراء، وقال غيره: لابد لا ملجأ ولا وعل.

آخر القصائد العشر، والحمد لله - جل جلاله - أولاً وآخراً، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه والعاملين من أمته. وقد تم ما أراد الله تعالى ووفق إليه من تحقيق شرح القصائد العشر؛ والحمد لله على نعمائه، والشكر له - سبحانه - على توفيقه، وصلاته وسلامه على خاتم أنبيائه، وعلى آله وصحبه وأوليائه.

§1/1