شرح العقيدة الواسطية - عبد الكريم الخضير

عبد الكريم الخضير

الكلام على صفة الرجل لله تعالى

العقيدة الواسطية الكلام على صفة الرجل لله تعالى الشيخ/عبد الكريم الخضير هذا يقول: ماذا عليَّ لو استيقظت بعد صلاة الظهر الساعة الواحدة مثلاً، فقلت في نفسي: أكملي النوم إلى قبيل خروج الوقت، أي قبل العصر، ثم أقوم فأصلي؟ إذا فاتت الجماعة وأيس منها، وليس أمامه خيار إلا أن يصلي منفرداً فالوقت فيه سعة، إلا أنه كلما بادر بأداء الفريضة كان أبرأ لذمته وأحوط له، ولكن لو أخرها إلى أثناء وقتها أو إلى آخره ما لم يخرجها عن وقتها فالأمر فيه سعة، مثل ما قلنا: أول الوقت أفضل إلا في شدة الحر، إذا اشتد الحر وأبرد لا مانع، وكل هذا إذا أيس من إدراك الجماعة في المسجد، وإلا فالأصل أنه ما دام يدركها مع الجماعة أنه متعين يجب عليه يأثم لو تركها مع الجماعة حيث ينادى بها في المسجد مع جماعة المسلمين، بل من أهل العلم من يرى أن صلى الجماعة شرط لصحة الصلاة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول لابن أمِّ مكتوم: ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب، لا أجد لك رخصة)) لكن إذا أيس وقام من النوم بعد فراغ الناس من الصلاة ولا يدرك جماعة أخرى لا سيما وإن كان هناك حاجة داعية إلى النوم بأن كان مريضاً أو متعباً فزاد في نومه لمدة ساعة قبل أن يخرج الوقت لا مانع من ذلك -إن شاء الله تعالى-، ولا إثم عليه إلا أنه ترك الأفضل. يقول: هذا يطلب أن تشرح ألفية ابن مالك، هذا من هولندا -ما شاء الله- يقول: ليته يشرح ألفية ابن مالك كما سبق أن شرح الأجرومية، لكان أجراً عظيماً بإذنه سبحانه، أخوكم الحسين من هولندا؟ والله ألفية ابن مالك على البال -إن شاء الله تعالى-، وهي من أولى ما يشرح في هذه الدروس والدورات، لكن عسى الله أن ييسر الأمر، نشرح بعد الأجرومية -إن شاء الله تعالى- القطر ثم الألفية.

هذا أيضاً يقول: وقع عندي إشكال في قصة آدم {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ} [(35) سورة البقرة] ثم أورد آية الأعراف، ثم أورد آية الصافات: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} [(64) سورة الصافات] والإشكال هنا: هل الشجرة موجودة في الجنة أم في النار؟ الآن هذا محل إشكال وإلا لا؟ يعني هل هي شجرة واحدة؟. الشجرة هذه شجرة الزقوم التي تخرج في أصل الجحيم غير الشجرة التي في الجنة التي نهي آدم عن الأكل منها. يقول: في قول الله -جل وعلا-: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [(44) سورة الإسراء] هل الأجساد تسبح لله فيكون لله تسبيحان بإرادة الشخص نفسه والتسبيح المذكور في الآية؟ يعني وهل جسد الكافر يسبح {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ} يريد أن يدخل في هذه النكرة (شيء) في سياق النفي تعم كل شيء من الحيوانات والجمادات وغيرها، يقول: بما في ذلك جسد الكفار، يعني المسلم يسبح بلسانه بطوعه واختياره لكن هل جسده يسبح تسبيح غير التسبيح الذي يكون بلسانه؛ لأن الجسد شيء، وبناءً على ذلك فهل جسد الكافر الذي لا يسبح بلسانه يسبح تلقائياً بدلالة هذه الآية؟ يقول: هل الأجساد تسبح لله فيكون لها تسبيحان بإرادة الشخص نفسه؟ يعني حينما يسبح بلسانه والتسبيح المذكور في الآية؟ أقول: مثل هذا تكلف، ولا شك أن الآية فيها دلالة على عظمة الله -جل وعلا- حيث ينزهه كل شيء من الحيوانات والجمادات، وأما التفاصيل التي لم يرد فيها دليل فلا داعي لها، مع أن عموم الحديث يتناول كل شيء. ما درجة حديث صيام أيام البيض وصيام ثلاثة أيام من كل شهر؟ لا إشكال فيه صحيح، وأما تعيين الثلاثة بالبيض فهو حديث حسن مخرجٌ في السنن وغيرها. يقول: أحد الأشخاص يصف الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى- بالتشدد، وأن فتاويه قاسية فما قولكم في مثل هذا الشخص؟

على كل حال الشخص هذا لا شك أنه صاحب هوى، وإلا لو نظر بعين البصيرة في فتاوى الشيخ -رحمه الله- لوجدها من أعدل الأقوال، يعني نابعة من نصوص الكتاب والسنة. يقول: ذكرتم في اللقاء الماضي جمع شيخ الإسلام بين رواية ثلث الليل ورواية شطر الليل بأن رواية ثلث الليل قد يكون حسب من غروب الشمس ورواية شطر الليل قد يكون حسب من صلاة العشاء، ويقول: كتب الشيخ ابن عثيمين على الواسطية قوله: الليل يبتدي من غروب الشمس اتفاقاً، لكن حصل الخلاف في انتهائه هل يكون بطلوع الفجر أو بطلوع الشمس، والظاهر أن الليل الشرعي ينتهي بطلوع الفجر، والليل الفلكي ينتهي بطلوع الشمس، فكيف الجمع بين ما قاله شيخ الإسلام في مبدأ الليل، وبين ما قاله الشيخ -رحمه الله- اتفاقاً؟ هذا ليس فيه تعارض أبداً، يعني في قيام داود -عليه السلام- هل يمكن أن يقول شخص حتى ممن انضوى تحت هذا الاتفاق أن الليل يبدأ من غروب الشمس، يعني للإنسان أن ينام من غروب الشمس إلى منتصف الليل ويترك صلاة العشاء، هل في أحد يقول بهذا؟ ما يمكن أحد يقال بهذا إطلاقاً، بل الليل يبدأ من صلاة العشاء، ثم بعد ذلك من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر يقسمه نصفين، ينام نصفه ثم بعد ذلك يقوم الثلث ثم ينام السدس. هذا يقول: الرسول -عليه الصلاة والسلام- أفضل من صلى وقام وصام وهديه خير هدي، ومع ذلك لا نجد هديه يوافق هدي داود -عليه السلام-، أفلا يكون تفضيل هدي داود من وجهٍ ما من الوجوه؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يقم قيام داود ولم يصم صيام داود، مع أن هذا أفضل الصيام وأفضل القيام، وقد حث النبي -عليه الصلاة والسلام- على أمور ولم يفعلها رفقاً بالأمة؛ لأنه لو فعل تظافر القول مع العمل لشق ذلك على الأمة مشقةً عظيمة، فليكن في الأمر سعة، يحث على الشيء، ويتركه لئلا يشق على أمته، وقد يفعل الشيء ويندم عليه لئلا يشق على أمته، فلا شك أن هديه -عليه الصلاة والسلام- أكمل هدي، لكن إذا مدح شيئاً فنحن المعنيون به، بغض النظر عن كونه فعله أو لم يفعله، فيكون فعله خاصاً به وقوله هو العام، والفعل لا عموم له عند أهل العلم.

يقول: لو صح كون قيام داود من النوم في نصف الليل يوافق نزول الله لبقي سدسان أي ثلث الليل، وفي الحديث: أنه يبقى ثلاثة أسداس يقوم سدسان وينام سدس؟ شو الإشكال؟ يعني موافقة حديث النزول لقيام داود هذه مسألة طولنا فيها جداً، فإعادتها ما لها داعي. يقول: حبذا لو توضحون المعنى البلاغي في قول الله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [(81) سورة الزخرف]. هذا على سبيل التنزل، أنه لو كان لله -جل وعلا- ولد فأنا أول المتعبدين باعتقاد الولد، لكنه ليس له ولد، وقد نفاه الله -جل وعلا- عن نفسه: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [(3) سورة الإخلاص] ونعى على الكفار الذي قالوا: إن الملائكة بنات الله، وهذا لا شك أنه أمرٌ عظيم، كما جاء في آخر سورة مريم، والله المستعان. طالب:. . . . . . . . . بعد طلوع الشمس؟ بعد طلوع الشمس؟ طالب: نعم لا، لا، هذه لا بد من المبادرة إذا قام من نومه وقد خرج الوقت هذا لا بد من المبادرة ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)) يعني مباشرة، كون النبي -عليه الصلاة والسلام- لما نام عن صلاة الصبح ولم يوقظهم إلا حر الشمس تأخر قليلاً حتى خرج من الوادي الذي حضر فيه الشيطان هذا لا يعني أن المسألة مطردة، لا بد أن يصلي إذا ذكر، وإذا قام من النوم. طالب:. . . . . . . . . لا ما ينفع، ما ينفع، لا بد من المبادرة ((فليصلها إذا ذكرها)). الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها رجله)) وفي رواية: ((عليها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط)) متفق عليه، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((يقول الله تعالى: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار)) متفق عليه، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه وليس بينه وبينه ترجمان)).

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الأحاديث النبوية التي أوردها المؤلف في إثبات الصفات مما أثبته النبي -عليه الصلاة والسلام- لربه -عز وجل- على ما يليق بجلاله وعظمته، منها قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تزال جهنم)) وجهنم اسم من أسماء النار - نسأل الله السلامة والعافية - ((يلقى فيها)) من أهلها المستحقين لها، ومعلومٌ أن وقودها الناس والحجارة، النار وقودها الناس والحجارة - نسأل الله السلامة والعافية - وقد ضمن الله -جل وعلا- لها أن تمتلئ، فلا تزال يلقى فيها ويدعّون فيها دعّاً يدفعون دفعاً شديداً، ويلقون فيها وهي تقول: {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [(30) سورة ق] والخلاف في هذا التعبير أو الأسلوب، هل هي تطلب المزيد أو تنفي أن يكون فيها محل المزيد؟ وكل هذا جاء عن أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين، حينما تقول: {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} كما جاء في سورة ق، هل معنى هذا أنها تطلب الزيادة؟ {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} فيكون هذا من باب الطلب، أو يكون من باب نفي قبول الزيادة؟ وأنها قد امتلأت، وقد جاء التفسير بهذا وهذا، ولكن المرجح أن هذا طلب، بدليل باقي الحديث: ((حتى يضع فيها رب العزة رجله)) وفي رواية: ((عليها قدمه)). في فتح الباري يقول: ابن حجر -رحمه الله تعالى-: باب قوله: وتقول: {هَلْ مِن مَّزِيدٍ}.

اختلف النقل عن قول جهنم هل من مزيد، فظاهر أحاديث الباب أن هذا القول منها لطلب المزيد، وجاء عن بعض السلف أنه استفهام إنكار، كأنها تقول: ما بقي فيَّ موضع للزيادة، فروى الطبري من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة في قوله: {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} أي هل من مدخل؟ قد امتلأت، ومن طريق مجاهد نحوه، وأخرجه بن أبي حاتم من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس وهو ضعيف، ورجح الطبري أنه لطلب الزيادة على ما دلت عليه الأحاديث المرفوعة -يعني الأحاديث التي منها حديثنا صريح في أنها تطلب المزيد، ولو لم يكن فيها فضل يطلب له المزيد لما احتيج إلى أن يضع رب العزة فيها قدمه لينزوي بعضها إلى بعض، وتنكمش بحيث لا يبقى فيها مكان للزيادة، يعني الحديث صريح، وهو مخرجٌ في الصحيحين وغيرهما. وقال الإسماعيلي: الذي قاله مجاهد موجه، فيحمل على أنها قد تزاد وهي عند نفسها لا موضع فيها للمزيد يعني كأنها لكثرة ما ألقي فيها خيِّل لها أنها قد امتلأت. يقول: وقال الإسماعيلي: الذي قاله مجاهد موجه -يعني يمكن توجيهه، فيحمل على أنها قد تزاد وهي عند نفسها لا موضع فيها للزيادة؛ لأنه قد يقول قال: السلف يخفى عليهم مثل هذه الأحاديث فيؤولون القرآن على خلاف ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا سيما مجاهد، الذي قال بعض الصحابة: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به، معروف مقامه في هذا الباب، يقول: فيحمل على أنها قد تزاد وهي عند نفسها لا موضع فيها للمزيد، فهي لكثرة ما يلقى فيها خيِّل إليها أنها قد امتلأت {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [(30) سورة ق] يعني كأنها امتلأت من كثرة ما يلقى فيها.

والله -جل وعلا- يعلم لا تخفى عليه خافية، فيعرف أن فيها مواضع تقبل الزيادة، والله -جل وعلا- لا يظلم أحداً، فلا ينشئ لها خلقاً يعذبهم دون سابق جرم فيضع فيها رجله فينزوي بعضها بعضاً، وتقول: قطٍ قطٍ، أو قطْ قطْ، أو قطِ قطِ، أو قطي بالياء بإشباع قطي قطي، أو قطني، يعني حسبي ويكفيني، ضبطت اللفظة بهذه الأوجه، المقصود أن هذا الأسلوب هل من مزيد هو "هل" استفهام، فهل هو استفهام طلب كما تدل عليه الأحاديث في الصحيحين وغيرهما منها أحاديث الباب أو هو استفهام نفي لقبول الزيادة؟ وعرفنا القولين. وهذا الحديث: ((حتى يضع رب العزة فيها رجله)) حتى يضع الله -جل وعلا- والأسلوب أسلوب عظمة من قبل الله -جل وعلا-، فالعزة مناسبة لهذا السياق ((رب العزة فيها رجله)) ففي هذا إثبات الرجل لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وتثبت حيث ثبتت بها النصوص الصريحة، خلافاً لمن أولها، خلافاً لمن أول الرجل، وقالوا: الرجل الجماعة، كما في حديث داود -عليه الصلاة والسلام- أنه حينما اغتسل ونزل عليه رجل من جراد يعني جماعة من جراد من ذهب، ولكن هذا التأويل منافرٌ للسياق، يضع الرب –جل وعلا- على سبيل التنزل على قولهم جماعة من أيش؟ من البشر؟! السياق يأباه؛ لأن الله -جل وعلا- يخلق للجنة أقواماً؛ لأنها رحمته، والنار –جهنم- عذابه - نسأل الله السلامة والعافية - ففضله دائم ومتعدي لمن يستحق ولمن لا يستحق، جوده -جل وعلا- وسع كل أحد، فيناسب أن يخلق للجنة أقوام لم يعملوا عمل، لكن كونه يعذب من لا يستحق العذاب هذا ظلم وقد حرمه الله -جل وعلا- على نفسه.

قوله في حديث أنس: ((يلقى في النار وتقول: هل من مزيد؟ )) في رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة: ((لا تزال جهنم يلقى حتى يضع قدمه فيها)) كذا في رواية شعبة وفي رواية سعيد: ((حتى يضع رب العزة فيها قدمه))، قوله: ((فتقول: قط قط)) في رواية سعيد: ((فيزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط وعزتك)) وفي رواية سليمان التيمي عن قتادة فتقول: ((قدٍ قدٍ)) بالدال بدل الطاء، وفي حديث أبي هريرة: ((فيضع الرب عليها قدمه فتقول قطٍ قطٍ)) وفي الرواية التي تليها: ((فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول قطٍ قطٍ)) فهناك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض، وفي حديث أبي بن كعب عند أبي يعلى: ((وجهنم تسأل المزيد حتى يضع فيها قدمه فيزوي بعضها إلى بعض وتقول: قطٍ قطٍ)) وفي حديث أبي سعيد عند أحمد: ((فيلقى في النار أهلها فتقول: هل من مزيد؟ ويلقي فيها وتقول: هل من مزيد؟ حتى يأتيها -عز وجل- فيضع قدمه عليها فتنزوي فتقول: قدني قدني)) وقوله: ((قط قط)) أي حسبي حسبي، وثبت بهذا التفسير عند عبد الرزاق من حديث أبي هريرة وقطْ بالتخفيف ساكناً ويجوز الكسر بغير إشباع، ووقع في بعض النسخ عن أبي ذر ((قطى قطى)) بالإشباع، و ((قطني)) بزيادة نون مشبعة، ووقع في حديث أبي سعيد ورواية سليمان التيمي بالدال بدل الطاء وهي لغة أيضاً، وكلها بمعنى يكفي، وقيل: قط صوت جهنم، والأول هو الصواب عند الجمهور. يعني يكفي، حسبي ويكفيني. يقول: ثم رأيت في تفسير بن مردويه من وجه آخر عن أنس ما يؤيد الذي قبله، ولفظه: ((فيضعها عليها فتقطقط كما يقطقط السقاء إذا امتلأ)) انتهى. فهذا لو ثبت لكان هو المعتمد، لكن في سنده موسى بن مطير وهو متروك، واختلف في المراد بالقدم، فطريق السلف في هذا وغيره مشهورة، وهو أن تمر كما جاءت ولا يتعرض لتأويله بل نعتقد استحالة ما يوهم النقص على الله -جل وعلا-.

نعتقد استحالة ما يوهم النقص -لكن هل في إثبات ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه في كتابه أو على لسانه نبيه -عليه الصلاة والسلام- ما يظهر منه نقص؟ نعم، الله -جل وعلا- ليس كمثله شيء، وأثبت لنفسه ما ثبت نظيره للمخلوق، لكن للخالق ما يخصه، وللمخلوق ما يخصه، فلا مشابهة، فالله -جل وعلا- ليس كمثله شيء، وليس معنى هذا أننا نبالغ في التنزيه إلى حدٍ نصل فيه إلى نفي ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه، فكما أننا مطالبون بتنزيه الله -جل وعلا- عن مشابهة المخلوقين، فكذلك نحن مطالبون بأدلة، يعني إذا كان التنزيه في قوله -جل وعلا-: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [(11) سورة الشورى] في نص أو نصوصٍ محدودة، فالإثبات التفصيلي يعني إذا كان النفي الإجمالي موجوداً، ونحن نعتقده كما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، لكن هل يعني هذا أننا ننفي ما أثبته الله لنفسه -جل وعلا- من إثبات تفصيلي من الأسماء والصفات؟ ولذا هو يقول: ولا يتعرض لتأويله بل نعتقد استحالة ما يوهم النقص على الله -ما يوهم النقص فالله -جل وعلا- منزهٌ عنه، لكن المبتدعة يستغلون مثل هذا الكلام في نفي ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه؛ لأن الإثبات عندهم ملازمٌ لتصور النقص، لكن إذا أثبتنا ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه ونفينا ما نفاه عن نفسه لا يلزم من ذلك تخيل ولا توهم النقص بوجهٍ من الوجوه. قال: وخاض كثير من أهل العلم في تأويل ذلك، فقال: المراد إذلال جهنم فإنها إذا بالغت في الطغيان وطلب المزيد أذلها الله فوضعها تحت القدم، وليس المراد حقيقة القدم، والعرب تستعمل ألفاظ الأعضاء في ضرب الأمثال ولا تريد أعيانها، كقولهم: رغم أنفه وسقط في يده، وقيل المراد بالقدم: الفرط السابق أي يضع الله فيها ما قدمه لها من أهل العذاب.

القدم إنما سميت قدم؛ لأنها تتقدم الإنسان، تتقدمه في المشي، لا يمكن المشي إلا إذا تقدمت الرجل على الأخرى، ثم الثانية على الأولى وهكذا، وهنا يقول: وقيل المراد بالقدم الفرط السابق، أي يضع الله فيها ما قدمه لها من أهل العذاب، قال الإسماعيلي: القدم قد يكون اسماً لما قدم، كما يسمى ما خيط من ورق خيطاً، فالمعنى ما قدموا من عمل، وقيل المراد بالقدم: قدم بعض المخلوقين فالضمير للمخلوق معلوم، أو يكون هناك مخلوق اسمه قدم، أو المراد بالقدم الأخير؛ لأن القدم آخر الأعضاء فيكون المعنى حتى يضع الله في النار آخر أهلها فيها، ويكون الضمير للمزيد. لكن هذه كلها تأويلات يأباها السياق، تأويلات يأباها سياق الحديث، وكل هذا فرار من أن يثبت لله -جل وعلا- ما أثبته لنفسه، ولا شك أن هذا مجانب للصراط والمنهج الذي سار عليه سلف هذه الأمة وأئمتها. يقول: وقال بن حبان في صحيحه: بعد إخراجه، هذا من الإخبار التي أطلقت بتمثيل المجاورة، وذلك أن يوم القيامة يلقى في النار من الأمم والأمكنة التي عُصي الله فيها فلا تزال تستزيد حتى يضع الرب فيها موضعاً من الأمكنة المذكورة فتمتلئ؛ لأن العرب تطلق القدم على الموضع، قال الله -جل وعلا-: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ} [(2) سورة يونس] يريد موضع صدق، قال الداودي: المراد بالقدم قدم صدق وهو محمد -صلى الله عليه وسلم-، والإشارة بذلك إلى شفاعته وهو المقام المحمود .... إلى آخره. ثم قال: وزعم ابن الجوزي أن الرواية التي جاءت بلفظ: الرجل تحريف من بعض الرواة؛ لظنه أن المراد بالقدم الجارحة، فرواها بالمعنى فأخطأ، ثم قال: ويحتمل أن يكون المراد بالرجل إن كانت محفوظة الجماعة، كما تقول: رجل من جراد، فالتقدير يضع فيها جماعة وأضافهم إليه إضافة اختصاص. يعني إذا قال: رجله، الذي يضاف إلى الله -جل وعلا- ألا يقتضي تشريف المضاف، كبيت الله وناقة الله وما أشبه ذلك، هذا يقتضي التشريف، فأي شرف لمن يوضع في النار؟.

يقول: وأضافهم إليه إضافة اختصاص، وبالغ بن فورك: فجزم بأن الرواية بلفظ الرجل غير ثابتة عند أهل النقل، وهو مردود لثبوتها في الصحيحين، وقد أوّلها غيره بنحو ما تقدم في القدم فقيل: رجل بعض المخلوقين، وقيل: إنها اسم مخلوق من المخلوقين، وقيل: إن الرجل تستعمل في الزجر، كما تقول: وضعته تحت رجلي، وقيل: إن الرجل تستعمل في طلب الشيء على سبيل الجد، كما تقول: قام في هذا الأمر على رجل، وقال أبو الوفاء بن عقيل: تعالى الله عن أنه لا يعمل أمره في النار حتى يستعين عليها بشيء من ذاته أو صفاته، وهو القائل للنار: {كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا} [(69) سورة الأنبياء] فمن يأمر ناراً أججها غيره أن تنقلب عن طبعها وهو الإحراق فتنقلب فكيف يحتاج في نار يؤججها هو إلى استعانة؟! انتهى. المقصود أن هذا الكلام كله من التأويل المذموم المردود، الذي يراد منه نفي ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه، واعتقده واتفق عليه سلف هذه الأمة وأئمتها، فلا محيد عن إثبات ما أثبته الله لنفسه، الله -جل وعلا- يثبت لنفسه ونحن نقول: لا يُثبت، لا شك أن هذه محادة ومعاندة، فهؤلاء -أعني الذي ينفون ما أثبته الله لنفسه- كيف يتصورون يقوم القيامة إذا جاء الله -جل وعلا- على الصفة التي يعرفونها؟ كيف يعرفون الصفة وهم ينفون الصفات؟! يعني إذا جاء عن الصفة التي يعرفونها يسجدون له، هؤلاء كيف يسجدون؟ هل عرفوه من أجل أن يسجدوا له؟ لا يمكن أن يعرف إلا من خلال ما جاء عنه -جل وعلا- في كتابه أو على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-، هل يمكن أن يعرف شخص دون وصف؟ يعرف شيء ما رؤي سابقاً ولا وصف؟ ما يمكن أن يعرف، والله -جل وعلا- وصف نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه -علي الصلاة والسلام- وأجمع سلف الأمة على هذه الأوصاف فصاروا يعرفونه بهذه الأوصاف التي جاءت عنه، فإذا جاءهم على صفته عرفوه، فكيف يعرفه من ينكر صفاته؟ كيف يعرفه من ينكر الصفات؟ هل يمكن معرفته مع إنكار الصفات؟! بأي شيء يعرفونه؟!

فلا شك أن هذا خطر عظيم؛ لأنهم مع إنكارهم لهذه الصفات يعبدون غير ما جاءت صفاته في الكتاب والسنة؛ لأن ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه في كتابه وعلى لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام- وما أجمع عليه سلف هذه الأمة هو بمجموعه ما يمكن أن يعرف به إذا جاء على صفته، كما أننا لا نعرف النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا من خلال ما جاء في كتب الشمائل، في كتب السيرة، يعني لو لم نعرف أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أبيض وربعة وبعيد ما بين المنكبين وضليع الفم وشذن الكفين كيف نعرفه؟ ما يمكن أن نعرفه إلا بهذه الأوصاف، فإذا جاء الرب -جل وعلا- على صفته التي نعرفها من خلال ما جاءنا عنه -جل وعلا- في كتابه وعلى لسان نبيه يسجد له من كان يعبده في الدنيا، لكن من ينفي الصفات كيف يعرف؟! أنا لا أتصور أن شخصاً ينفي الصفات ثم يقول: إنه سوف يعرف الرب -جل وعلا-، هو لا يتصور صفات مثبتة، إنه يعبد شيء لا أوصاف له وهذا أشبه ما يكون بالعدم؛ لأن وجوده في الأذهان، لا يمكن أن يتصور في الأعيان شيء لا أوصاف له، هل ممكن تتصور إنسان لا وجه له، ولا يد له، ولا رجل له، ولا شيء من الصفات؟ يمكن تتصور إنسان بهذه الكيفية؟ ما يمكن، يعني إذا كان الأذهان والخيالات يمكن أن تسرح مسارح ويمكن تثبت مثل هذه الأمور التي لا حقائق لها فالأعيان لا يمكن أن يوجد فيها مثل هذا، فلا بد من إثبات ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه، ولا يلزم من الإثبات التشبيه، لا يلزم من ذلك أن يكون الخالق مثل المخلوق، فالخالق له وجه وله رجل وقدم ويد وعين وسمع وبصر -جل وعلا- عن مشابهة المخلوقين، وتعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، فله هذه الأوصاف ولا يعني أننا إذا أثبتنا شيء من ذلك أنه نشبه به أحد من خلقه.

الإمام ابن خزيمة -رحمه الله- في كتاب التوحيد: لما أثبت الوجه لله -جل وعلا- قال: لا يستلزم مشابهة وجوه المخلوقين بحال من الأحوال ولا بوجهٍ من الوجوه، وإذا تأملنا في المخلوقين وهم يشتركون في القدر المشترك من الخلق وجدنا تبيان كبير بين وجوه المخلوقين، فهل يستطيع أحد أن يقول: وجه الإنسان مثل وجه القرد؟ أو وجه النملة مثل وجه الحمار؟ أو وجه الذئب مثل وجه الجمل؟ ما يمكن، فالإنسان له وجهل والجمل له وجهل والحمار له وجه، والنملة لها وجه والجرادة لها وجه، ولا يلزم من ذلك المشابهة، وهذا بين المخلوقين، الذين يجمعهم وصفٌ واحد، يشملهم وصفٌ واحد وهو الخلق، فكيف بالتفاوت والتباين بين الخالق والمخلوق؟!. في حديث أبي هريرة عند البخاري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسخطهم! قال الله تبارك وتعالى للجنة: أنتِ رحمتي، أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنتِ عذابٌ أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدةٍ منهما ملأها، فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله عليها رجله فتقول: قطٍ قطٍ، فهنالك تمتلي، ويزوى بعضها إلى بعض -يعني ينضم بعضها إلى بعض- ولا يظلم الله -عز وجل- من خلقه أحدا ً -يعني لا يضع فيها ولا يدخل في هذه النار –جهنم- من لا يستحق العقوبة- وأما الجنة فإن الله -عز وجل- ينشئ لها خلقاً)) وهذا السياق يأبى جميع التأويلات التي أبداها من ينكر هذه الصفات. قول النار: هل هو بلسان المقال أو بلسان الحال؟ يعني هل تنطق أو بلسان الحال؟ طالب:. . . . . . . . .

نعم، تتكلم، القدرة الإلهية صالحة لمثل هذا، وقال -جل وعلا- عن السماوات والأرض: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [(11) سورة فصلت] يقول النووي: هذا الحديث على ظاهره، وأن الله يخلق في الجنة والنار تمييزاً يدركان به ويقدران على المراجعة والاحتجاج، ويحتمل أن يكون بلسان الحال، لكن الأصل في الكلام أنه بلسان المقال، ثم بعد ذلك بعضهم يقول: هل لها لسان وأسنان وفم يخرج منه الكلام وحنجرة وما أشبه ذلك؟ نقول: لا يلزم، لا يلزم من هذا كله شيء، ولذلك حينما نفى المبتدعة صفة الكلام عن الله -جل وعلا- بناءً على أن إثبات الصفة يوهم وجود مثل هذه الأشياء، نعم لو ثبتت عن الله -جل وعلا- هذه الأمور أثبتناها على ما يليق بجلاله وعظمته، لكن الذي لم يثبت عنه لا نثبته إلا بدليلٍ ملزم، والقدرة صالحة لمثل هذا، فتتكلم النار وتتكلم الجنة ويتكلم الجماد تكلم الذئب وتكلمت البقرة، والله المستعان. طالب:. . . . . . . . . الشيخ: كيف صارت صفة نقص؟ طالب:. . . . . . . . . يعني النقص بالنسبة للخالق وإلا المخلوق؟ يعني المقعد هذا الذي ما له رجلين أكمل من اللي له رجلين؟ كيف تصير صفة نقص؟ طالب:. . . . . . . . . شوف يا أخي الإهانة والإكرام أمور نسبية، يعني كون شيء فوق شيء هل نقول: أن الأسفل مهان ما يلزم يا أخي، ما يلزم أبداً. طالب:. . . . . . . . . القدم أيش فيها؟ طالب:. . . . . . . . . القدم قالوا: هو الشيء الذي يتقدم على غيره، فيقدم لها أناس أو مخلوقات تمتلئ بهم، مثل ما مرّ بنا، على كل حال هذه كلها تأويلات مردودة القصد منها ومن ورائها نفي ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه. طالب: إضافة رب العزة؟ إضافة رب العزة، العزة معروف أنها صفة من صفات الله -جل وعلا- وهي معنىً من المعاني فتكون الإضافة من باب؟ طالب: إضافة الموصوف. من إضافة الموصوف إلى صفته.

وقوله: ((يقول الله تعالى: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك)) ينادي الرب -جل وعلا- آدم وهو أبو البشر فيجيبه آدم -عليه السلام- لبيك وسعديك، وهما بلفظ التثنية والمقصود بلبيك إجابة بعد إجابة، وسعديك إسعاداً بعد إسعاد، فآدم يجيب ويقيم على إجابة الله -جل وعلا- ويطلب منه أن يسعده إسعاداً بعد إسعاد ((فينادي بصوت)) ينادي النداء من لازمه الصوت، فقوله: بصوت، تأكيد، وإذا أكد اللفظ امتنع إرادة المجاز، إذا أكد اللفظ سواءً كان بلفظه تأكيداً لفظياً أو تأكيداً معنوياً بمعناه، كما هنا انتفى إرادة المجاز، فينادي بصوتٍ ففي هذا إثبات الكلام لله -جل وعلا-، وأنه بصوت ((فينادي بصوتٍ إن الله يأمرك)) يعني يا آدم ((إن الله يأمرك)) وهذا من باب التعظيم، تعظيم الله -جل وعلا- نفسه، حيث لم يقل: إني آمرك، وبعض المبتدعة يقولون: إن المنادي غير الله -جل وعلا-، ولو كان الرب -جل وعلا- لقال: إني آمرك، فنسب الأمر إلى نفسه، يعني فماذا عن قول الله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} ذ (58) سورة النساء] فمن المتكلم هنا؟ هو الله -جل وعلا-، لكن كونه -جل وعلا- يعبر عن نفسه بهذا الأسلوب لا شك أنه من باب التعظيم، يعني كما يقول الملك في حاشيته: إن الملك يأمركم بكذا، أو لرعيته؛ لأن المتكلم العادي يضيف الأمر إلى نفس مباشرة بالضمير، يكني عن نفسه بالضمير ولا إشكال في هذا، إني أفعل كذا وآمر بكذا، لكن ليس هذا من أساليب التعظيم، إنما قاله: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} لا شك أنه مع كونه أمر يحمل استشعار عظمة الآمر.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: ((فينادي بصوتٍ: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار)) الذين هم أهل النار وسكانها، وبعث النار جمعٌ غفير، هم السواد الأعظم، من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، وأما بالنسبة لأهل الجنة فهم واحد من ألف، الصحابة -رضوان الله عليهم- خافوا وفزعوا فمن هذا الواحد؟ قال: ((ما أنتم بالنسبة للأمم إلا كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض، أو الشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود)). وجاء في الحديث الصحيح أن من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين، ومن سائر الخلق واحد، فمثل هذا لا شك أنه يطمأن لكن على الإنسان ينظر لنفسه بمفرده؛ لأنه ما ضاع من ضاع وضل ومن ضل إلا بالمقارنة، يعني مثلاً بعض الناس يقول: الآن الكفار تجده يسافر إلى بلد من البلدان وينظر إلى هؤلاء الملايين المتكاثرة، فيخيل إليه أنه ليس له مكان في النار، ويبشر قومه أنهم كلهم في الجنة، ما دام يشهدون أن لا إله إلا الله، وهؤلاء المليارات كفار لكن بهذه المقارنة يضل الإنسان ويضيع، ويأمن من مكر الله. فعلى الإنسان أن ينظر إلى نفسه بمفرده ماذا قدم مما ينجيه من عذاب الله؟ ولو نظر في حال سلف هذه الأمة لوجد الخوف من الله -جل وعلا- يستولي عليهم، بحيث لا يصل إلى حد القنوط واليأس من رحمة الله، لكن هو الخوف الباعث عن العمل، وجاء في الحديث الصحيح حديث ابن مسعود ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار)) نسأل الله السلامة والعافية، فالإنسان لا يغتر، يعني إذا سمع أن من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين قال خلاص: ما لنا مكان، يا أخي عليك أن تنظر إلى نفسك بمفردك، وتنظر فيما ينجيك من عذاب الله -جل وعلا-، فتأتمر بما أمرت به وتنتهي عما نهيت عنه.

ولا شك أن النصوص جاءت بما يبعث على الخوف، وجاء من النصوص ما يبعث على الأمل والرجاء، وعلى هذا حال المسلم ينبغي أن يكون متعبداً لله -جل وعلا- عابداً له مستصحباً الخوف والرجاء، فلا يحمله الخوف على اليأس من رحمة الله والقنوط، ولا يحمله الرجاء إلى أن يأمن من مكر الله، فعليه أن يكون بين هذين الأمرين، وبعض الناس سمعتم وسمع غيركم سافر ورأى الجموع الغفيرة من الكفار فيقول: أبشروا كلكم في الجنة، مع أن المعتمد عند أهل السنة والجماعة أنه لا يشهد لأحدٍ من أهل الجنة إلا من شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأما بقية الناس فلا يشهد لهم، إنما يرجى للمحسن ويخاف على المسيء. ((إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار)) متفقٌ عليه. يا سلعة الرحمن ليس ينالها ... في الألف إلا واحدٌ لا اثنانِ يعني بعث الجنة واحد وبعث النار تسعمائة وتسعة وتسعون. وقوله: ((ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه وليس بينه وبينه ترجمان)) فالحديث السابق فيه إثبات صفة الكلام لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وتقدم ذكر المذاهب في هذه الصفة.

((ما منكم من أحد)) (ما) هذه نافية، ومنكم الخطاب لكل من يتأتى أو يمكن أن يتجه إليه الخطاب من هذه الأمة، والكلام هذا يشمل الجميع، كل من يتجه إليه الخطاب من المكلفين ((إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان)) وهذا الكلام كلام تقرير وليس بكلام تشريف بحيث يختص بالمؤمنين، إنما كلٌ سيكلم وكلٌ سيحاسب ((ليس بينه وبينه ترجمان)) يعني بلغته، إنما الترجمان إنما يطلب حينما تختلف اللغة، لغة المتحدث والمحدَث، فالترجمان هو الذي ينقل الكلام من لغة إلى لغة، وقد يطلق على من يبلغ الكلام ولو كان باللغة نفسها، فقد جاء في صحيح البخاري عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي أنه كان يترجم بين يدي ابن عباس، يعني أنه يبلغ كلام ابن عباس إلى من لا يسمعه، وهذا يسمى عند أهل العلم يسمونه المستملي، المستملي هو الذي يبلغ كلام الشيخ إلى الجموع التي لا تسمع، والترجمان هو الذي ينقل من لغة إلى لغة، هذا الأصل وقد يستعمل في اللغة نفسها في تبليغ الكلام الذي لا يسمع ((ما منكم من أحد)) أحد هذه نكرة في سياق النفي، فتعمُّ كل من يمكن أن يوجه إليه الخطاب ((إلا سيكلمه ربه)) وهذا في القيامة ((وليس بينه وبينه ترجمان)) فيقرره على أعماله ويحاسبه ويناقشه، أحدٌ يحاسب وأحدٌ تعرض أعماله عرض، والله المستعان. وفي هذا إثبات صفة الكلام ((سيكلمه ربه)) صفة الكلام لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته. وأما مسألة أو صفة العلو التي أورد فيها المؤلف -رحمه الله تعالى- نصوص قد تكون أكثر من غيرها فتؤجل إلى استئناف الدروس -إن شاء الله تعالى-، وسوف يعلن عنها، وأما هذا الدرس فهو آخر الدروس بالنسبة لهذه السنة، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. طالب: هل يفهم من ذلك أن الله عز وجل تكلم بلغة؟ كلٌ يكلمه بكلامٍ يفهمه لا يحتاج فيه إلى ترجمان هذا مقتضى النص.

معية الله

شرح العقيدة الواسطية معية الله الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الآيات الدالة على معية الله: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: وقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [(4) سورة الحديد] وقوله: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [(7) سورة المجادلة] وقوله: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [(40) سورة التوبة] وقوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [(46) سورة طه] وقوله: {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [(128) سورة النحل] وقوله: {وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [(46) سورة الأنفال] وقوله: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [(249) سورة البقرة]. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

معنى المعية العامة:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- بعد أن أثبت وذكر الشيخ -رحمه الله تعالى- ما جاء عن الله في صفة الاستواء والعلو، ذكر -رحمه الله تعالى- أن الله -جل وعلا- مع كونه مستوياً على عرشه بائناً من خلقه فوق سماواته، له صفة العلو المطلق بأنواعه، علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر، أثبت مع ذلك أن الله -جل وعلا- مع خلقه، معهم معية عامة ومعية خاصة، معهم بعلمه، وسمعه وبصره، ومعهم بحفظه ونصره وتأييده؛ لأن العلو قد يفهم منه أنه يخفى عليه شيء ما دام عالياً عنهم بائناً منهم، بينه وبينهم هذه السماوات، أنه قد يخفى عليه شيء من أمرهم، فأردف ذلك بما يدل على معيته لهم، وأنه لا تخفى عليه منهم خافية، وأنه -جل وعلا- معهم بعلمه وإحاطته بنصره وتأييده، وأن المعية ثابتة لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وليست كمعية المخلوق. معنى المعية العامة: وهذه الصفة -أعني صفة المعية- جاء عن جمهور السلف بالنسبة للمعية العامة، المعية العامة جاء عن كثير من السلف أنها بمعنى العلم {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [(4) سورة الحديد] يعني بعلمه؛ لئلا يُظن أنه معهم -جل وعلا- بذاته فيقتضي ذلك الحلول، وأنه حالٌ بكل مكان؛ لأنهم منتشرون في كل كان، فما دام هو معهم وهم منتشرون في كل مكان قد يخطر على بال بعض الناس وقد خطر، وقد قالوا به أن الله -جل وعلا- معهم بذاته في كل مكان؛ لما يقتضيه لفظ "مع", فضل طائفة من الناس فظنوا أنه معهم {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} وهم منتشرون في الأماكن كلها، ويدخلون الأماكن الشريفة، وغير الشريفة من الأماكن القذرة، فلم ينزهوا الله -جل وعلا- عن حلول هذه الأماكن. والقول بالحلول والاتحاد قولٌ معروف عند فئة وفرقة ضالة، هم جماعة من المتصوفة قادهم الضلال إلى أن وصلوا أن الله -جل وعلا- حالٌ في كل شيء، وأنه -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- موجود في كل مكان وحالٌ فيه. شبهة حول تأويل المعية:

الرد على الشبهة:

قد يقول قائل: إذا كان السلف أو جمهور السلف أولوا المعية بالعلم، تقول هذا تأويل وإلا ليس بتأويل؟ نعم تأويل، قد يتذرع بهذا من يقول ما داموا أولوا المعية بالعلم، لماذا لا نؤل الرحمة بالثواب، والغضب بالانتقام، وما أشبه ذلك، ما دام التأويل سائغ لماذا لا يطلق؟ الرد على الشبهة: نقول: نحن ملزمون بنصوص؛ لأن هذا الباب، أعني ما يتعلق بالله -جل وعلا- وما لا يدركه العقل من الإيمان بالغيب نحن ملزمون بنصوص بما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- ولذا نقف عند هذه النصوص، فالسلف وقفوا عند هذه النصوص، الرحمة أثبتوها، ولم يؤولوها بلازمها، الغضب والمقت أثبتوهما، ولم يؤولوا ذلك بلازمهما، لكن جاء عنهم ونحن ملزمون بفهمهم، جاء عنهم تأويل المعية بالعلم، فنحن -أعني أهل السنة والجماعة- أهل اتباع، ولسنا بأهل ابتداع، فما دام السلف أولوا المعية بالعلم يسوغ لنا ذلك. وعلى هذا فكل ما اتفق عليه السلف نحن ملزمون به، وبالقول به لا يجوز لنا أن نحدث رأياً جديداً غير ما اتفقوا عليه، وإذا اختلفوا، إذا اختلفوا في إثبات صفة أو نفيها فإن كانت الأقوال متعادلة فالذي لديه آلية النظر والاجتهاد له أن يختار من أقوالهم ما يشاء، حسب ما يترجح عنده، لا على حسب تشهيه ورأيه، إنما حسب ما يترجح عنده بالدليل. وجمهور السلف أولوا المعية بالعلم، ومنهم من وقف، وجعل المعية كغيرها من الصفات، وأنها معية حقيقية تثبت لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وبهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، وأنه كونه معهم لا يقتضي ذلك الامتزاج، ولا الاختلاط، فهو معهم وهو على عرشه، فهو -جل وعلا- مع خلقه {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [(4) سورة الحديد] وهو على عرشه بائنٌ من خلقه، هذا ما يختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، ويقول إذا تصور هذا في المخلوق فلأن يتصور في الخالق الذي لا تدركه الأفهام ولا تبلغه الأوهام من باب أولى, فإذا قال القائل: سرنا والقمر معنا، هل يعني هذا ممتزجٌ بهم مخالطٌ لهم؟!

الله معنا حقيقة ومع ذلك هو على العرش:

لا يقتضي ذلك، لا يقتضي المخالطة ولا الممازجة، و"مع" تأتي بالمخالطة وتأتي بما لا يقتضي المخالطة ولا الممازجة، فإذا قلت: سرنا والقمر معنا، لا يقتضي هذا أن القمر مخالطٌ ممازج، وإذا قلت: شربت اللبن معه الماء اقتضى ذلك أن يكون اللبن مختلطاً بالماء، أو تقول: أكلت التمر ومعه السمن صار مخلوطاً, السمن بالتمر وهكذا. فـ"مع" تأتي بلغة العرب بمعنى المخالطة والممازجة، وتأتي أيضاً مع عدم اقتضاء المخالطة والممازجة, وشيخ الإسلام يرى أنها المعية حقيقية لكنها لا تقتضي مخالطة ولا ممازجة. الله معنا حقيقة ومع ذلك هو على العرش: فالله -جل وعلا- مع خلقه حقيقة لا مجازاً، ومع ذلكم هو على عرشه بائنٌ من خلقه، وإذا كان شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقرر في صفة النزول الإلهي في الثلث الأخير من الليل، إذا كان يقرر أنه ينزل في آخر كل ليلة، في الثلث الأخير من كل ليلة إلى السماء الدنيا، ولا يخلو منه العرش. فإذا سلمنا مثل هذا التسليم فإننا لا نلتزم باللوازم الباطلة التي التزمها المبتدعة وقالوا بها, فمنهم من نفى العلو ونفى الاستواء؛ لأن الله معنا، فكيف يكون عالياً؟ وكيف يكون مستوياً؟! وهذا تقدم، وهذا لا شك أنه تعطيل لنصوص كثيرة, ومنهم من نفى المعية نفياً مطلقاً، عملاً ببعض النصوص، وأنها تقتضي ما تقتضيه من اللوازم الباطلة, ومنهم من التزم باللوازم الباطلة، ومع ذلك أهل السنة يثبتون الاستواء، ويثبتون العلو، ويثبتون النزول، ويثبتون المعية على ما يليق بجلال الله وعظمته، وعلى هذا المرجح في هذا قول جمهور السلف، وأننا إذا أول السلف تبعناهم -ولا يمكن أن يؤولوا مثل هذا التأويل إلا وقد وقفوا فيه مع نصٍ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- المبلغ عن الله -جل وعلا- ما نزل عليه- فنحن ملزمون بفهم السلف، لا سيما في هذا الباب الذي لا تدركه العقول، فالسلف أعرف وأعلم، ومذهبهم أحكم وأسلم؛ لأنهم عاصروا النبي -عليه الصلاة والسلام- وعايشوه وعايشوا التنزيل، فعرفوا ملابسات القضايا، وما احتف بها، فهم أعلم من غيرهم، لا سيما وقد زكاهم النبي -عليه الصلاة والسلام- وشهد لهم بالخيرية. شبهة والرد عليها:

إذا كيف نفهم حديث:

قد يقول قائل: في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((رب مبَلغٍ أوعى سامع)) أنه قد يأتي من يفهم النصوص ممن تأخر زمنه أفضل من فهم وأوعى من فهم من تقدم زمنه، هذا الكلام يُسلَّم أو ما يُسلَّّم؟ ((ربَ مبَلغٍ أوعى من سامع)) لكن قد يسلم شيء من هذا إذا كان مرد ذلك إلى الفهم، وما يدخله الفهم، أما هذا الباب، باب الغيبيات لا يدخله الفهم، فلا بد من اتباع السلف في هذا، هذا لا يدخله الفهم، قد يقول قائل: إن السلف مثلاً -في مسألة يدخلها الفهم من الأحكام العملية مثلاً- قد يقول قائل: أن السلف فهموا من هذه الآية فهماً، وهي تدل على حكم شرعي، ثم جاء بعدهم من فهم غير هذا الفهم؟ نقول إذا اختلف السلف في شيء، وصار لهم أقوال، إذا اتفقوا على شيء لا يجوز مخالفتهم إطلاقاً، لا فيما يدخله الفهم ولا ما لا يدخله الفهم إذا اتفقوا، ولا يجوز إحداث قولٍ جديد لم يقل به السلف، حتى قال أهل العلم: أن السلف إذا اختلفوا على قولين أو ثلاثة، لا يجوز إحداث قول ثالث أو رابع؛ لأنه خروجٌ عما اتفق عليه السلف في الجملة. إذاً كيف نفهم حديث: ((رب مبلغٍ أوعى من سامع))؟: قد يكون هذا السامع فهم من هذا النص شيئاً، ثم بلغ هذا النص شخصاً آخر فهم منه غير هذا الفهم، وهو أفضل من فهم من تقدم، لكن موافق لفهم بعض من تقدم، قد يكون فهم الثاني يخالف فهم الأول للنص مع الاتحاد في الحكم، كلاهما يتفقان على الحكم, لكن مأخذ الحكم من هذا النص يختلف فيه هذا عن هذا، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، يعني يأتي المتأخر ويذكر حديثاً يستدل به استدل به من قبله من الأئمة، ثم يبدي وجه استدلال أوضح مما أبداه مَن قبله، هذا موجود وإلا غير موجود؟ موجود، يعني لو نظرنا في المجموع للنووي، أو في المغني لابن قدامة، تجدهم يستدلون بأدلة استدل بها الأئمة، لكن يبدون وجه استدلال قد لا يبديه من تقدم قبلهم، لكنهم مع ذلك لم يختلفوا في الحكم مع الأئمة، ولذا بعضهم يقول: أنه ((رب مبلغٍ أوعى من سامع)) أن المتأخر يفهم من النص حكم يختلف عما فهمه المتقدم.

لا، لا يخرج عن دائرة فهم من تقدم، لكنه هذا المبلغ زيد بلغ عمراً، فهم عمرو من هذا النص غير ما فهمه زيد، واختلف معه في الحكم، لكن وافق غيره من العلماء، فلا يجوز لنا أن نحدث قول جديد غير ما فهمه السلف. وللمتأخر أن ينظر في النصوص، لكن ليس له أن يحدث أقوال جديدة لم يقل بها من تقدمه، لا سيما في مواطن الإجماع، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ يعني لو أتينا بمثال ماذا نقول؟ ماذا نقول؟ مثال كررناه مراراً لا مانع أن نذكره هنا؛ لأنه واضح، حينما نأتي إلى مسألة البروك، كيف نفهم البروك؟ يعني لو فهمنا مثل فهم ابن القيم على العين والرأس، وفهم غيره أيضاً لا يعطل، وثقتنا بابن القيم وبعلم ابن القيم يعني شيء متقرر في النفوس ومعروف، ولو الإنسان يستدرك على هؤلاء الجبال، يقول ابن القيم: أن الحديث انقلب على راويه؛ لأنه لا يمكن أن يقدم يديه قبل ركبتيه فيكون عاملاً بصدر الحديث؛ لأن الحديث: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) رأى ابن القيم أن هذا الحديث عجزه ينقض صدره؛ لأنه إذا قدم يديه قبل ركبتيه برك مثل البعير، ولذا يقول ابن القيم إن الحديث انقلب على راويه، يعني ما قال جمعٌ غفير من أهل العلم أن السنة تقديم اليدين قبل الركبتين؟ وأيش مقتضى هذا؟ مقتضى هذا أن يكون الحديث مقلوب، يعني كيف يتصور أن الإنسان يقدم يديه قبل ركبتيه ولا يبرك مثل ما يبرك البعير؟

الأئمة عملوا بالحديث، ولا أبدوا لنا وجه لاتفاق بين صدر الحديث وعجزه، لكن ما يمنع أن نفهم نبحث، أيش معنى البروك؟ في الأصل أيش معناه؟ يعني لو قدم ركبتيه بقوة ما نقول برك؟! برك عمر -رضي الله تعالى عنه- بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- برك، هل برك مثلما برك البعير؟ برك على ركبتيه كما في الحديث الصحيح، برك على ركبتيه بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- هل معنى ذلك أنه كل من قدم يديه قبل ركبتيه نقول برك؟ أو كل من نزل بقوة على الأرض نقول برك؟ نعم، كل من نزل بقوة نقول برك، لكن إذا نزل برفق وطمأنينة نقول برك وضع يديه قبل ركبتيه يكون الحديث متفق، هل نكون بهذا أحدثنا قول جديد؟ أو فهمنا الخبر ولم نأتي بقول المسبق إليه في الحكم نفسه، قد يكون التعليل موجود عند المتقدمين ما أبدوه، ونكون حينئذٍ فهمنا من الحديث ما يجعله متسق، عجزه يشهد لصدره، فالممنوع أن ينزل الإنسان بقوة على الأرض سواءً قدم يديه وإلا قدم ركبتيه، لا يبرك مثلما يبرك البعير بحيث يثير الغبار، ويفرق الحصا، ويخلخل البلاط، أحياناً تسمعون إذا نزل بعض الناس حتى على ركبتيه يكون بروكه أشد من بروكه على يديه لو نزل عليهما، ويبقى أن الحديث لا قلب فيه، وآخره يشهد لأوله، ولا فيه أدنى إشكال؛ لأن الحديث: ((وليضع)) لا يبرك يعني لا ينزل بقوة، لكن يضع يديه قبل ركبتيه. الأمر الثاني: أنه لا يمكن موافقة بروك البعير بأي وجه من الوجوه إلا بالنزول بالقوة؛ لأن مجرد تقديم اليدين على الركبتين وأنت واقف، هل هذا يشابه بروك البعير الذي من الأصل يديه على الأرض؟ هل تكون مشابهة للبعير وأنت واقف يديك ليست على الأرض؟ هو يديه على الأرض من الأصل البعير. طالب:. . . . . . . . .

لا لا لا ركبتيه ولا شيء، هذا القول ما يخدم المصلحة، لا هذا القول ولا الثاني، المقصود أن البعير من الأصل يديه على الأرض، فلا يمكن مشابهة الإنسان للبعير في الصورة بحال من الأحوال، ما يمكن مشابهته؛ لأن الإنسان واقفٌ، ويداه على صدره، هذا الأصل، وأما البعير في الصورة يداه على الأرض من الأصل، فليست فيهما مشابهة بالصورة، لكن المشابهة المنهي عنها النزول على الأرض بقوة مثل ما يفعل البعير، نحن فهمنا الحديث على هذا الفهم، هل نقول: أننا أتينا بجديد، واخترعنا قولاً لم يقل به أحد؟ القول بتقديم اليدين على الركبتين قول معروف عند أهل العلم، الحكم متقرر عند أهل العلم، لكن كوننا فهمنا العلة، وقد فهمها من قبلنا، وهذا يلزم كل من صحح الحديث أن يقول بهذا القول، كل من صحح الحديث ورجح تقديم اليدين على الركبتين يلزمه أن يقول بهذا القول، وإلا أيش معنى البروك؟ يعني كوننا لم نطلع على أحد قال بهذا القول معناه أننا أحدثنا في الدين ما لم يقل به سلف هذه الأمة، الإشكال في إحداث حكم شرعي لم يقال به من قبل، هذا الإشكال، أما كوننا نفهم .. طيب اختلف السلف في فهم آية: {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} [(279) سورة البقرة] {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} يعني هل معنى هذا أن لنا رأس المال وقت الدخول في التجارة أو وقت التوبة؟ يعني كون الإنسان يرجح أحد الوجهين الذين تحتملهما الآية أو الحديث لا يعني أنه أحدث قولاً جديداً، لكن لا يأتي بفهمٍ يترتب عليه حكم شرعي غير مسبوق إليه. طالب:. . . . . . . . . هذه مسألة مثل ما ذكرنا –خلافية- منهم من يقول: أنه ما دام الخلاف موجود والممنوع مخالفة الإجماع فلا مانع من أن نحدث قول ثالث، أو نلفق بين القولين قولاً ثالثاً، لا مانع من هذا، ومنهم من يقول: لا بد أن يتقيد بما جاء عن سلف هذه الأمة في الأحكام، فلا يحدث قول، ولا يلفق بين قولين، مسألة معروفة في أصول الفقه.

المقصود أننا ملزمون بفهم السلف، ولا يجوز لنا الخروج عن فهمهم، لا سيما في باب الغيبيات التي لا تدركها العقول والآراء، وأما في المسائل التي تدركها الآراء، ومردها إلى الاجتهاد فإن لنا أن نجتهد، وباب الاجتهاد مفتوح إلى قيام الساعة، فيمن توفرت لديه الأهلية، لكن يبقى أنه لا يحدث حكم لم يسبق إليه، أو يبتدع قولاً أو يبتدع عبادة أو شيء لم يسبق إليه. طالب:. . . . . . . . .؟ هو الأصل لو لم يوجد من يسأل ما تُطرق إلى هذه المسائل؛ لأن التوسع فيها يفتح للأوهام آفاق، لكن ما دام وجد من يسأل لابد من الرد عليه، وجدت شبهة لا بد من كشفها، شيخ الإسلام أورد شبهات في شرح حديث النزول وأجاب عليها، وإذا كان اقتضى ذلك في عصر شيخ الإسلام ففي عصرنا من باب أولى؛ لأن الشبهات الآن دخلت على العوام في بيوت المسلمين، فلا بد من كشفها؛ لأن القائل .. يعني سيأتي في أحاديث النزول بسطه إن شاء الله تعالى، القائل يقول: إذا كان الثلث الأخير في المشرق الذي يليه الثلث الأوسط من الليل، وفي المغرب الثلث الأول، فإذا انتقل من المشرق من المغرب صار ثلث أخير، ثم ينتقل إلى المغرب ثلث أخير، فعلى هذا يكون الليل كله ثلث أخير، لا بد من الإجابة على هذا، فيكون مقتضى الحديث أن الله -جل وعلا- نازل في الليل كله، وهذا لا يمكن أن يقال به؛ لأنه يترتب عليه تعطيل العلو والاستواء، وما أشبه ذلك, لكن لا بد من كشف هذه الشبهات، وإذا تصورنا في المخلوق مثل هذه الأمور الدقائق التي لا يمكن أن يسلم الشخص إلا بالتسليم المطلق في المخلوقات فكيف بالخالق؟

يعني يرد علينا في بعض ما يحدث في مخلوق ما يقتضي أننا لا بد في النهاية نسلم، وضربنا مثال ما جاء في الصحيح أن الشمس تسجد تحت العرش في كل ليلة، تحت العرش وتستأذن في كل ليلة، طيب ألا يلزم من ذلك أنه يخلو عنها مدارها في وقتٍ من الأوقات، والمتقرر عند علماء الهيئة وغيرهم أنها في مدارها، أربعة وعشرين ساعة، تطلع على هؤلاء وتغرب عن هؤلاء إلى آخره، ومع ذلكم نجزم بأنها تسجد تحت العرش، ونقول سجود حقيقي؛ لأنه هو الأصل في التعبير، هو الأصل في النصوص الحقيقة، فلا بد من التسليم، وما جاء عن الله ورسوله كله حق، ولا يمكن أن يأتي في النصوص الصحيحة الصريحة شيءٌ من التعارض والتباين، بل هي متحدة متسقة، وما جاء من مختلف الحديث، وما ظاهره التعارض، إنما هو بالنسبة لما يظهر للمجتهد، وإلا في حقيقة الأمر لا تعارض ولا اختلاف، كل حديثين متعارضين في الظاهر لا بد من الجمع بينها إذا كانا صحيحين، وإلا يحكم على أحدهما بأنه راجح والآخر مرجوح، والمرجوح عند أهل العلم يسمونه -إذا لم يمكن الجمع- يسمى الشاذ عند أهل العلم المرجوح. نأتي إلى النصوص، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [(4) سورة الحديد] يعني المجموع السماوات والأرض في ستة أيام {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} بعد أن يخلق السماوات والأرض استوى على العرش، لكن هل معنى هذا أن السماوات والأرض قبل العرش، أو أنه خلق العرش ثم لم يتم الاستواء عليه إلا بعد أن خلق السماوات والأرض هذا مقتضى العطف بثمَّ، معروف أن أول المخلوقات العرش، والخلاف ذكرناه فيما سبق في آيات الاستواء في الأول العرش أو القلم في قول ابن القيم: والحق أن العرش قبلٌ لأنه ... وقت الكتابة كان ذا أركان فالعرش متقدم على الجميع، فعلى هذا الترتيب زمني وإلا ذكري؟ \ طالب:. . . . . . . . . استواء ذكري وإلا زمني؟ الطالب:. . . . . . . . . لا، ما يمنع أن يكون العرش قبل ثم السماوات ثم الاستواء بعدهما. الطالب:. . . . . . . . .

هم يقولون: ترتيب ذكري ما يلزم منه الزمن {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ} [(4) سورة الحديد] يعني ما يدخل في الأرض، يعلم ما يلج في الأرض مما ينزل من فوق، من العلو، من مطرٍ وغيره، يعلم ما يدخل في هذه الأرض وما يخرج منها من نباتٍ ونحوه، كل هذا يعلمه الله -جل وعلا- لا يخفى عليه منه شيء، لا قطرة ماء ولا أدنى ما ينبت من الأرض وما يخرج منها، {وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء} من ينزل من السماء يعلمه الله -جل وعلا-، {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} يعرج فيها وإلا يعرج إليها؟ طالب:. . . . . . . . . ما يعرج إليها؟ طالب:. . . . . . . . . طيب. ما يعرج فيها، نحن بين أمرين: إما أن نضمن العروج معنى الدخول؛ لأن الدخول يعدّى بـ"في" أو نضمن الحرف معنى "إلى" فنقول ما يعرج إليها أو ما يدخل فيها، وأيهما أولى تضمين الفعل أو تضمين الحرف؟ عند شيخ الإسلام تضمين الفعل أولى، تضمين الفعل معنىً يتعدى بالحرف نفسه، {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ} وهذا هو الشاهد، يعني مع كونه مستوٍ على عرشه، مع كونه -جل وعلا- مستوياً على عرشه هو معكم، {أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [(4) سورة الحديد] يعني مبصر لأعمالكم، فهو معكم ببصره، بعلمه، بسمعه، فهو يعلم ويسمع ويبصر ما تعملون، ومقتضى ذلك أنه إذا كان معنا، إذا استحضرنا مثل هذا النص لا بد أن تكون منزلة المراقبة لله -جل وعلا- عاملة عملها فينا، وهي مرتبة الإحسان، إذا كان الله -جل وعلا- معنا يسمع كلامنا ويبصر أعمالنا {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [(4) سورة الحديد] ويسمع كلامنا، ويرانا أين ما كنا، وهو معنا أين ما كنا، فلا بد أن نراقبه، لا بد من أن نراقب الله -جل وعلا- في جميع أعمالنا، وهذه مرتبة الإحسان التي هي: أن تعبد الله -جل وعلا- كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. في قول الشاعر: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل ... خلوت ولكن قل عليَّ رقيب لا هي نونية "يراني". وإذا خلوت بريبة في ظلمة ... والنفس داعية إلى الطغيان فاستحِ من نر الإله وقل لها ... إن الذي خلق الظلام يراني

يعني أيش الدرس العملي الذي نستفيده من مثل هذه الآية؟ إذا كان الله -جل وعلا- معنا أينما كنا ويرانا، يرى أعمالنا ويبصرنا ويسمع كلامنا أين ما كنا في أي مكان كنا، سواءٌ كنا ضاحين للشمس وضح النهار، أو كنا في ظلمة الليل، أو في ظلمات ثلاث، أو أكثر، الله -جل وعلا- يعلم ذلك كله، ومقتضى ذلك أن نراقبه في جميع أعمالنا وأقوالنا، وفي جميع تصوراتنا. وقوله: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [(7) سورة المجادلة]. {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى} ما يكون كان هنا تامة وإلا ناقصة؟ تامة ما تحتاج إلى مبتدأ وخبر -اسم خبر- ما تحتاج إلى هذا، إنما هي بمعنى يوجد، {مَا يَكُونُ} ما يوجد {مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ} والأصل أن هذا من إضافة الصفة إلى الموصوف، ما يكون من ثلاثة نجوى، يعني يتناجون إلا والله -جل وعلا- رابعهم.

والنجوى الكلام سراً، هذه هي النجوى, {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} -جل وعلا- رابعهم بعلمه، بحيث لا يخفى عليه شيءٌ من نجواهم، {وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ} لأنه لم يذكر إلا الأعداد الفردية، ما ذكر الأشفاع، ثلاثة وخمسة، ولا أدنى من ذلك، يعني أدنى من ثلاثة اثنين، إلا هو ثالثهم، ولا واحد يتحدث إلى نفسه إلا والله -جل وعلا- يطلع على ما يختلج في صدره {وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ} سواءٌ واحد أو اثنين أو أربعة {وَلَا أَكْثَرَ} ستة, سبعة, عشرة، مائة، لا تشتبه عليه اللغات، ولا تلتبس عليه الأصوات، يعني لو قدر أن الملايين، نحن يمرُّ علينا شيء من هذا، لو تصورنا مثلاً المطاف وهو كضيض بالزحام، وكل واحدٍ يتكلم بكلام يختلف عن كلام غيره، وأحياناً لا يسمعه من بجواره، ولغات مختلفة ومطالب متعددة لا يخفى على الله -جل وعلا- شيء من لغاتهم، ولا لهجاتهم، ولا من مطالبهم وحاجاتهم إضافة إلى سائر من على ظهر المعمورة -جل وعلا-، {وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ} العدد المذكور ولا أكثر منه {إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} أينما كانوا في أي مكان كانوا {ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} يخبرهم بما عملوا، هو معهم لا يظن العامل عمل السوء أنه يخفى على الله -جل وعلا- ولا يظن المتكلم بكلامٍ لا يرضي الله -جل وعلا- أنه يخفى على الله، ولا يظن أيضاً، بل لا يظن من عمل أي عملٍ أنه يخفى على الله، أو يتكلم بأي كلام، لا بد أن ينبئه الله -جل وعلا- بما حصل منه يوم القيامة، فإن كان خيراً جازاه عليه، وإن كان شراً عاقبه عليه أو عفا عنه {أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وقت الحساب يقررهم، ((ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربه يوم القيامة، ليس بينه وبينه حجاب وليس دونه ترجمان)) بدون ترجمان، {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [(7) سورة المجادلة] وهذه من الألفاظ العامة المحفوظ عمومها، خلافاً لمن يقول: أنه لا يجهل، لكن لا يثبت له صفة العلم، أو يقول من الفلاسفة: أنه

المعية الخاصة:

يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات. لا تخفى عليه خافية يعلم كل شيء. المعية الخاصة: وقوله: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [(40) سورة التوبة] الآيات السابقة في المعية العامة، في قوله -جل وعلا-: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} هذا قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي بكر لما كانا في الغار، وقف المشركون على فم الغار، ولو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لأبصرهم، أبو بكر -رضي الله عنه- داخله ما يداخل سائر البشر مما جبلوا عليه من خوف العدو، فخاف أبو بكر وحزن، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} فأعماهم الله -جل وعلا- عن نظر ما هو بإزاء أقدامهم، ولو نظروا لأبصروا. في كتب السير يذكرون أشياء أن العنكبوت نسجت على فم الغار، والحمام أيضاً جمع عشه عليه، فهذا السبب في كونهم لم يروا، وهل هذا أبلغ أو كونه مكشوف بحيث يراه من رزق هذه النعمة نعمة البصر؟ أيهما أبلغ في الحياطة والحماية والنصر والتأييد؟ كونه مكشوف أبلغ، وعلى كل حال ما ذكر في هذه السير لا يثبت بسند صحيح. قوله: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} هنا معية النصر والتأييد والحفظ، التي هي المعية الخاصة، وقوله جل وعلا: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [(46) سورة طه] وهذا لموسى وهارون لما خافا من فرعون أن يبطشا بهما، قال الله -جل وعلا- مطمئناً لهما: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} ومقتضى هذه المعية ومقتضى هذا السمع وهذا البصر الحفظ والتأييد والنصر، وعدم تمكين العدو منهما {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} وهذه معية خاصة. الأولى خاصة بمحمد -عليه الصلاة والسلام- وأبي بكر، والثانية خاصة بموسى وهارون.

وقوله -جل وعلا-: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [(249) سورة البقرة] هذه أيضاً معية خاصة، لكنها مقترنة بوصف، الأولى والثانية مقترنة بأشخاص، الأولى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وأبي بكر، والثانية بموسى وهارون، والثالثة مقترنة ... قبل ذلك: {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [(128) سورة النحل] هذه مقترنة بوصف التقوى ووصف الإحسان، وهذه أيضاً معية خاصة، فعلى المسلم إذا أراد أن يكون له نصيب من هذه المعية الخاصة معية الحفظ والنصر والتأييد أن يتصف بالوصف الذي رتبت عليه هذه المعية وهي التقوى والإحسان, والتقوى فعل المأمورات، واجتناب المحظورات، والإحسان له صور: منها: إحسان الإنسان في معاملته لربه -جل وعلا- بأن يعبده كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإنه يراه, وأيضاً: إحسان للإنسان مع نفسه، إحسان الإنسان مع الخلق، وقد أمرنا بالإحسان في كل شيء، وقد كتب علينا الإحسان في كل شيء ((فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)). وقوله: {وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} وهذه أيضاً معية خاصة لمن اتصف بهذا الوصف، وهو الصبر، فعلى المسلم أن يأخذ النصيب الوافر من الصبر سواءٌ كان الصبر على طاعة الله، أو عن معصية الله، أو الصبر على أقداره، فإذا صبر الصبر بكافة ما تقتضيه هذه الكلمة حصل له من هذه المعية نصيباً وافراً. وقوله -جل وعلا-: {وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} هذه من المعية الخاصة التي مقتضاها الحفظ والنصر والتأييد لمن اتصف بهذا الوصف، وامتثل هذا الأمر، اصبروا بجميع أنواع الصبر {إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.

وقوله -جل وعلا-: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [(249) سورة البقرة] فالكثرة لا يعول عليها، وإذا عرفنا هذا فالمعول على القوة المعنوية، وهي قوة الارتباط بالله -جل وعلا- وأما الكثرة في العَدد والعُدد فالوقائع والحوادث تشهد بأنها لا قيمة لها، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- في غزوة بدر المشركون ثلاثة أضعاف، ومع ذلك هزموا، وقتل منهم عدد كبير، وأسر عدد. وأيضاً في غير ذلك على مرِّ التاريخ بقدر تمسك المسلمين بدينهم وتمسكهم وعملهم بأسباب النصر ينصرون على الأعداء، ولو قل العدد، ولو كثر عدد العدو، ومصداق ذلك في قول الله -جل وعلا-: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ} كم هذه للتقليل وإلا للتكثير؟ للتكثير، {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} يعني في وقائع كثيرة جداً حصل هذا، فئة قليلة تغلب فئة كثيرة بإذن الله؛ لأنهم عملوا بأسباب النصر، {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [(7) سورة محمد] فإذا عملنا بأسباب النصر غلبنا أعداءنا مهما بلغ عددهم، ومهما بلغت عُددهم، {غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [(249) سورة البقرة]. وهذه كسابقتها معية خاصة لمن اتصف بهذا الوصف، وهو الصبر بأنواعه، والله أعلم, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.

القرآن منزل واختلاف الناس في أنواع الكلام

العقيدة الواسطية - القرآن منزلٌ واختلاف الناس في أنواع الكلام الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هذا يسأل ويقول: ما معنى قديم النوع، متجدد الآحاد؟ قديم النوع: إن الله -جل وعلا- لم يزل متكلماً في القدم، في الأزل، وأنه -جل وعلا- بالنسبة لآحاده هذا نوعه قديم، في الأزل، وما زال يتكلم متى شاء، وإذا شاء، فآحاد الكلام متجدد، بمعنى أنه يتكلم بمشيئته وإرادته، فنوعه قديم يتكلم في الأزل، ثم إن الله -جل وعلا- ما يزال متكلماً، متى شاء إذا شاء، فالنوع قديم، والآحاد يعني أفراد الكلام متجددة، يعني أنه يتكلم، يتكلم في الأزل، ويتكلم في الماضي والحاضر والمستقبل، متى شاء، إذا شاء. يقول: هل يقال عن القرآن: قيل الله، حديث الله؟ نعم، القيل هو القول {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً} [(122) سورة النساء] يعني قولاً، فالقرآن قول الله، وقيل الله، وحديث الله {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا} [(23) سورة الزمر] والقرآن يقال له: حديث من هذه الحيثية، فهو حديث الله، يعني أن الله هو المتحدث به، والمتكلم به. يقول: ما رأيك في مسألة الأولياء والكرامات، ونبش قبورهم أو زيارتها؟ إما هذا وإلا هذا. طالب: نقش -يمكن-. يقول: نبش قبورهم.

أما مسألة الأولياء، فالحديث الصحيح: ((من عادى لي ولياً)) الحديث القدسي: ((من عادى لي ولياً)) والأدلة من نصوص الكتاب والسنة تدل على أن المؤمنين أولياء الله، ومنهم من هو أخص بهذه الولاية بحسب ما في قلبه من إيمان، وما يزاوله من عمل مرضي لله -جل وعلا-، فالولاية لله ثابتة، من المؤمنين من هم أولياء، بل المؤمنين كلهم أولياء لكنهم يتفاوتون فيها بقدر إيمانهم، وأما الكرامات فهي ثابتة لهؤلاء الأولياء، كما أن للأنبياء معجزات، وكلها خارقة للعادة، لكن المعجزة مقرونة بالتحدي، وادعاء النبوة، مقرونة بادعاء النبوة، أما الكرامة فلا تقترن بادعاء النبوة؛ لأنها لغير الأنبياء للأولياء، فهذا الفرق بينهما، وما يخرق العادة إن كان على يد نبي صار معجزة، وإن كان على يد وليٍ متبع فهي كرامة، وإن كانت على يد غير متبع فهي ابتلاء من الله –جل وعلا- له ولغيره به؛ لأنه قد يحدث ما يخرق العادة من خوارق على أيدي بعض المخالفين من المبتدعة، بل بعضهم ممن يستعين بالشياطين، -نسأل الله السلامة والعافية-، فتخرق له العادة من أجل الابتلاء، ابتلاءه هو وابتلاء غيره به، فلا ينبغي أن يكون لهذا الخارق أثر في نفس الشخص، أو في نفوس غيره ممن يراه، ويطلع عليه، ويسمع عنه، إلا إذا عرض عمله على الكتاب والسنة، فإن وجد عمله مطابقاً للكتاب والسنة قلنا: كرامة، وإلا فهي من تضليل الشيطان، نسأل الله السلامة والعافية. قد يقول قائل: إنا رأينا بعض الناس حصل لهم كرامات، وبعض الناس وهم أفضل منهم لم يحصل لهم شيء، فهل وجود الكرامة دلالة على أن هذا أفضل من غيره؟ لا؛ لأن هذا قد يحتاج لهذه الكرامة لتثبيته من جهة، أو من أجل يثبت أتباعه، أو تنتصر دعوته إلى الحق بهذه الكرامة، وبينما غيره قد لا يحتاج إلى هذه، فلا تجري على يديه. يقول: نبش قبورهم؟

نبش القبور حرام لا يجوز إلا لمصلحة راجحة، إذا ترجحت المصلحة في معرفة سبب وفاته مثلاً إذا اتهم به أحد، أو شك بالسبب هل هو طبيعي، أو بفعل فاعل، مثل هذا المصلحة راجحة في نبشه، وإجراء الاختبارات عليه، فمثل هذه ينبش، وكذلك إذا كان في طريق الناس، وصار الناس يطئونه بأقدامهم؛ لأنه في طريقهم، فنبشه لا شك أنه مصلحة راجحة مراعاة للمصلحة العامة، ومراعاة لحرمته هو، وما عدا ذلك لا يجوز نبشه؛ لأن له حرمة. أو زيارتها؟ نعم تزار القبور، قبور المسلمين تزار، لنفع الميت، ولانتفاع الزائر، فالزائر يتذكر بها الآخرة، ويعالج بها قلبه، وجاء الأمر بزيارة القبور، ((كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) ولنفع الميت بالدعاء له، وهذا يتحقق بالزيارة الشرعية، لا بالزيارة البدعية التي يطلب فيها من الميت المدد، أو يتبرك به، أو يستعان به، أو .. كل هذا لا يجوز، هذا من الشرك. يقول: أبي يتاجر في المخدرات -نسأل الله العافية- إذاً ماله حرام، والله يعلم أنا أريد أن توضح لي: هل أنا مشاركٌ معه في ماله الحرام، على فكرة أنا أدرس أحاول أن أقنعه، ولكن لا يستجيب؟ ما دوري لتجنب نفسي من المحرمات التي يرتكبها أبي؟ على كل حال هذا أبوه يذكر عنه الولد أنه يتاجر في المخدرات وماله حرام، وإذا كان لا كسب له سوى هذا المال، فإنه لا يجوز لولده أن يأكل من هذا المال؛ لأنه حرام بعينه، -نسأل الله السلامة والعافية-، على هذا يتكفف الناس، ويأخذون من الزكوات، ولا يأكل من هذا المال، وعليه أن يناصح أباه، ولا يفتر عن بذل النصيحة له، وإن اقتضى الأمر أن يخبر عنه إذا أصر وعاند، أن يخبر عنه من يستطيع ردعه، كف شره عن الناس فهذا متعين أيضاً. طالب:. . . . . . . . . يبلغ عنه الجهات الرسمية يمنعونه، يكف شره عن الناس؛ لأن هذه المخدرات لا يقتصر ضررها على صاحبها، نسأل الله السلامة والعافية. هذا يقول: أين أجدي منظومة الشبراوي في النحو؟ رأيتها مطبوعة مراراً، لكن منها ما طبع ضمن مجموع المتون، مجموع المتون المجموعة التي يشتمل عليها 66 متن هي موجودة فيه.

هذه تقول: عند طلب العلم، ونمثل عند دراسة الواسطية، فهل الأفضل دراسة عدة شروح حتى يفهم فهم كامل لكل مسائلها، أو نستمر بالطلب للطحاوية والتدمرية، وإن خفي بعض المسائل؟ لا شك أن حضور الدروس وسماع الدروس وسماع الأشرطة المسجلة مع قراءة الشروح المطبوعة يعين على فهم المراد، وإذا استغلق مسألة في شرح من الشروح وضحها الشارح الآخر، كم من مسألة يعني ما تفهم من خلال المتن أو من شرح أو من شرحين حتى يقرأ شروح أخرى فتنحل؛ لأن تصور المسائل، وتصوير المسائل للآخرين قدرات عند الناس، يعني يستطيع بعض الناس من خلال شرحه أن يصور المسائل بعد أن تصورها، وبعضهم ينقل ما في الشروح، ويسمي كلامه شرحاً، هذا قد يكون هو بنفسه ما تصور المسألة تصور دقيق، بحيث يستطيع تصويرها وتقليبها على أكثر من وجه، فإذا قرئ أكثر من شرح لا شك أنه أفضل. يقول: نرجو منكم محاضرة عن الظلم وعواقبه، وخصوصاً ظلم من ينتسب لأهل الدين، والاستقامة والجحود والبخل مع أهله، وهو محسوب على أهل الدين والصلاح، وكيفية العلاج، وأسباب ذلك ... إلى آخره؟ لا شك أن الظلم ذنبٌ عظيم، وعواقبه وخيمة، ((واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) ويقول الرسول -عليه الصلاة والسلام- في الحديث القدسي عن ربه -جل علا-: ((يا عبادِ: إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا)) فالظلم شأنه عظيم، والنصوص في تحريمه نصوص الكتاب والسنة مستفيضة. هذا من الكويت يقول: قيل: أنه يجب أن يقرأ القرآن كل يوم، ومن لم يقرأ أثم، فهل هذا صحيح، وما الدليل؟

أولاً: مسألة هجر القرآن، سواء هجر التلاوة، أو هجر التعلم، أو هجر العمل، هذا كله لا يجوز {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [(30) سورة الفرقان] فالهجر أصناف، وأقل ما يكون بالنسبة للقرآن تلاوته، ومع ذلك تلاوته على الوجه المأمور به، فإذا كان أهلاً ليستنبط منه الأحكام ليعمل بها، وإلا قرأ في الكتب التي تعينه على هذا الأمر، فيقرأ حزبه اليومي، يخصص له من القرآن جزء يقرأ سواءٌ كان جزء اصطلاحي عشر ورقات أو أقل أو أكثر، المقصود أنه لا يخل بشيء من القرآن يقرأه يومياً، وإن شغل عنه قضاه من الغد أو بالليل، وإن كان يقرأ بالليل وشغل عنه يقرأ بالنهار، المقصود أنه لا يترك يوماً يمر بدون أن ينظر في كلام ربه -جل وعلا-، أما كونه يأثم أو لا يأثم؟ لا يأثم، لكنه مع ذلك هذا حرمانٌ شديد حتى يدخل في مسمى الهجر، ومعلومٌ أن كثير من طلاب العلم يحصل لهم شيء من هذا، ولو حفظ القرآن، بعض الناس يحفظ القرآن يحرص على حفظ القرآن، ثم بعد ذلك يتركه، ما يقرأ إلا في مناسبات، تقدم إلى الصلاة أو جاء رمضان، أو ما أشبه ذلك، فلا بد أن تفرض للقرآن من وقتك ما يكفي لقراءة الحزب اليومي، والمجرب عند كثير من طلاب العلم أن قراءة القرآن في سبع لا تشق على الناس، لا تشق لا سيما على طالب العلم، إذا جلس من صلاة الصبح إلى أن تنتشر الشمس قرأ حزبه اليومي الذي هو سبع القرآن، وامتثل قول النبي -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمرو: ((اقرأ القرآن في سبع، ولا تزد)). يقول: ما رأيكم فيما يقول: صحابي أفضل منه أبو بكر يقصد عيسى عليه السلام، فهل كلامه صحيح؟ هذا الكلام ليس بصحيح، الأنبياء أفضل من غيرهم على الإطلاق، بل أفضل من الملائكة كما هو مقرر، فعيسى عليه السلام نبي من أولي العزم، من الخمسة الذين هم أولوا العزم، وفضلهم معروف، فلا يجوز أن يفضل عليه غيره ممن هو دونه. طالب:. . . . . . . . .

على كل حال عيسى نبي من الله -جل وعلا-، وله قوم، وله أتباع، وله كتاب من أولوا العزم فهو نبيٌ مستقل، لكن إذا نزل في آخر الزمان، لا شك أنه يحكم بشريعة محمد، ولا يقال: أنه من أمة محمد إلى بهذا الاعتبار، وإلا فهو نبيٌ على جهة الاستقلال. يقول: أيهما أفضل لطالب العلم: أن يسجل الدرس ثم يفرغه، أم أنه يكتب الفوائد فقط أثناء الدرس، وهل هناك طريقة جيدة لفهم المسائل ثم كتابتها؛ لأنني أعاني من مشكلة عدم إكمال الفوائد؟ إذا أمكن أن تحضر آلة تسجيل، وتضمن تسجيل الدرس كاملاً، وتتفرغ أثناء الدرس للإنصات وفهم ما يقال في الدرس هذا أكمل، لكن إذا لم تتمكن من إحضار آلة تسجيل، ولا تدري هل ينشر مسجلاً فيما بعد أو لا، فاحرص على تدوين أهم المسائل. طالب:. . . . . . . . . ما دام العقد محرم وباطل كيف يكون ملك؟! ما دام العقد باطل كيف تنعقد الملكية؟ باطل لا تترتب عليها آثار الملكية. طالب:. . . . . . . . . لكن الذي يعرف لكن ليس لك أن تسأل أنت. طالب:. . . . . . . . . ثم بعد ذلك تاب وأناب وجاء يسأل؟ طالب:. . . . . . . . . ما يضر هذا لكن الذنب أعظم، لكن الإشكال فيما إذا تاب وقد سكنت بيت اشتراه من المخدرات أيش يسوي؟ طالب:. . . . . . . . .

العقد على محرم صحيح وإلا باطل؟ العقد باطل، مخدرات وما في حكمها من خمور وغيرها، فليست بمال أصلاً فعقدها باطل، والآثار المترتبة على هذا العقد كلها باطلة، لكن أن تفترض شخص اشتغل بعملٍ محرم، أما كونه ما تاب وما أناب، هو ما جاء يسأل، المسألة كلها حرام بحرام ما هو بجائي يسأل، لكن الإشكال لو تاب وبنى على ذلك من هذا المال أربع أسر، كل أسرة في بيت، ونبت لحمهم من هذا المال الحرام ثم تاب وأناب والبيوت موجودة، أو مثلاً وظيفته الغناء يأخذ عليها أجر ثم تاب بعد ذلك، هل يقال: تخلص من هذا المال بالكلية؛ لأن مالك شرك في مالٍ مباح، كل مالك محرم، أو نقول: مما يعينه على التوبة أن نقول: باعتبار أن هذه الأموال بذلها الناس بطوعهم واختيارهم بخلاف الغصوب والمظالم والسرقات هذه لا بد من ردها، لكن هذا مال بذله صاحبه في مقابل عوض ولو كان محرماً، بذله بطبعه واختياره، ومن تشجيعه على التوبة أن يقال: التوبة تهدم ما كان قبلها؟ وهذا متجه، فرق بين أن يتجر يتعامل بمحرم، وبين أن يسرق أو يغصب أو ينتهب أموالٌ معروفٌ أصحابها، وأخذت بغير طوعهم واختيارهم هذا مثله. طالب:. . . . . . . . . ومعلوم صاحبه، مسروق. طالب:. . . . . . . . . لا محرم غير المال الذي يبذل بطوع واختيار يختلف عمن عرف صاحبه أنه أخذ المال منه قهراً إما بعلمه أو بغير علمه، هذا لا بد أن يرد عليه، لكن تفترض أن شخص اشترى مخدرات بألف ريال، ثم البائع تاب وأناب، نقول: رجع الألف لصاحبها؛ لأن البيع باطل؟ ما يقول بهذا أحد، لا يقول بهذا أحد، هذا بذلها بطوعه واختياره، وأثم في عقده، وأثم باستعمالها، لكن لا يرد عليه المال. الطالب:. . . . . . . . . البيع باطل من الأصل. الطالب:. . . . . . . . .

الكلام على تنزيل القرآن:

لا لا، هناك أمور، الأمور تتفاوت، يا أخي فرق بين أن ينتهب المال أو يسرق من شخص بعينه لا بد من إعادته ولو ذهبت عينه لا بد من إعادته، وبين شخص بذل ماله ببيع وشراء، هل هذا يستحق رد؟ شخص فجر بامرأة بمقابل، زنى بامرأة بمقابل، نقول: هذا مهر البغي خبيث رجع عليه ماله، ما يقول بهذا أحد من أهل العلم أبداً، نقول: مال كسب خبيث تخلصي منه، لكن تفترض أنه ذهب أنفقه على أولاده أنه اشترى به بيوت وسكنها، من تمام التوبة أن يتخلص، لكن هل معنى هذا أننا إذا رأينا أنه لن يتوب إذا قلنا له تخلص من أربعة بيوت كل بيت مملوء من الناس، يعني مثل ما قلنا مثل التوبة من الربا، لا شك أن الإعانة على التوبة -لا سيما إذا كانت الأموال أخذت من طيب نفس-، أما إذا أخذت قهر لا بد من إعادته؛ لأنه يترتب على إعادتها أن نقول: أن من زنا يعاد عليه المهر هذا، ومن اشترى مخدرات يعاد عليه فلوسه ما هو بصحيح، ما يقول بهذا أحد أبداً، الذي بذل بطوعه واختياره يفوت عليه، قررنا في أكثر من مناسبة أن لو وجد شخص غرر بامرأة عفيفة وراودها ورفضت فأغراها، وهي مَدِينة ومحتاجه، وعندها أطفال، المقصود أنها مضطرة لمثل هذا الأمر، كما في قصة الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار، تحت وطأة الضرورة قبلت بمبلغ كبير من المال، وقال لها يريد أن يزني بها بمبلغ مائة ألف مثلاً، ووافقت تحت ضغط الظروف، ثم لما انتهى قال: والله كسب الحجام خبيث، لا يجوز أدفع الخبيث أنا، نقول: أنت الخبيث، ادفعه وأنت باتشوف الجادة، ثم بعد ذلك لا تمكن منه؛ لأنه خبيث، فيؤخذ منهم، يفوت عليهم، أما إذا قلنا على أن العقد باطل ويرجع إلى صاحبه معناه كل الناس بيسون هذا، وهذا يغريهم بالاستمرار بالمعاصي. الكلام على تنزيل القرآن: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:

وقوله: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [(155) سورة الأنعام] وقوله: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [(21) سورة الحشر] وقوله: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} [(101 - 103) سورة النحل]. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- بعد أن قرّر أن القرآن كلام الله، بين في هذه الآيات أن الله -جل وعلا- قد نزل القرآن، وأن القرآن منزلٌ من قبل الله -جل وعلا-، ولذا في عقيدة أهل السنة والجماعة يقولون: منه بدأ، وإليه يعود {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [(155) سورة الأنعام] هذا إشارة إلى القرآن، {وَهَذَا كِتَابٌ} يعني مكتوب، مكتوبٌ في اللوح المحفوظ، وبالصحف التي بأيدي السفرة، وهو مكتوبٌ أيضاً في المصاحف، فهو كتابٌ، يعني مكتوب {أَنزَلْنَاهُ} أنزله الله -جل وعلا- بواسطة جبريل -عليه السلام- على نبيه محمد -عليه الصلاة والسلام-. والوحي يأتي للنبي -عليه الصلاة والسلام- على أنحاء كما جاء في الحديث الصحيح في البخاري وغيره، يقول: ((أحياناً يأتي مثل صلصلة الجرس، وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً)) وأحياناً -وهذا نادر- يأتي الملك على هيئته، وأحياناً ينفث في روعه -عليه الصلاة والسلام-.

{وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} بركة القرآن لا تنتهي، فهو مبارك من كل وجه، وعلى أي حال، فمجرد قراءته متعبدٌ بها، التي لا تكلف شيئاً، وبكل حرف عشر حسنات، إذا قرئ القرآن يحصل للقارئ على كل حرف في مقابل كل حرف عشر حسنات، هذا أقل تقدير، والله يضاعف لمن يشاء، فأقل ما يحصل للقارئ في الختمة الواحدة قراءة القرآن مرة واحدة على أكثر من ثلاثة ملايين حسنة، هذا إذا قلنا أن المراد بالحرف حرف المبنى، وإلا فالخلاف موجود: هل المراد بالحرف حرف المعنى أو المبنى؟ لكن المرجح حرف المبنى. وهذه من بركاته، من بركاته أنه شفاء لأمراض القلوب، ولأمراض الأبدان، فمن قرئت عليه الفاتحة برئ من اللدغة كأنما نشط من عقال، كأنه ما أصيب، فالبركة فيه من كل وجه، من تدبره ورتله، وقرأه على وجهٍ مأمور به، هداه الله، من يريد ويروم الهدى فإنه هنا في قراءة القرآن على الوجه المأمور به، من يريد زيادة الإيمان والطمأنينة وانشراح الصدر فعليه بقراءة القرآن، من يريد النور التام في الدنيا والآخرة فعليه أن يتمسك بالقرآن. {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ} [(21) سورة الحشر] يعني افترض أن القرآن ما نزل على بني آدم من البشر نزل على جبل من الجبال الصلبة، يقول -جل وعلا-: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا} [(21) سورة الحشر] متشققاً {مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [(21) سورة الحشر] لكن مع الأسف أن كثيراً من المسلمين لا يحرك فيهم ساكن، لا يحرك فيهم شعرة. جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((شيبتني هود وأخواتها)) الحديث مختلف فيه، حكمه مثل به كثيرٌ من أهل العلم الحديث المضطرب، وإذا أمكن ترجيح بعض الوجوه انتفى الافتراض كما قرره ابن حجر، فهو حينئذٍ حديث حسن، فمن منا من تؤثر فيه سورة هود؟ من منا من تؤثر فيه سورة هود؟

وهذا شيء مرَّ علينا، ومرَّ على غيرنا، أنا بدأت بسورة يونس، ولم أفق إلا وأنا في سورة يوسف، يعني بدون مبالغة يعني، والله -جل وعلا- يقول: عن هذا الكتاب: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [(21) سورة الحشر] من منا من يؤثر فيه قول الله -جل وعلا-: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [(8) سورة المدثر] ولما سمعها زرارة بن أوفى أو قرأها في الصلاة مات، صعق فمات، نحن نقول: هذه أساطير، بعض الناس ينفي مثل هذا، وحجتهم في النفي أن هذا القرآن نزل على قلب محمد -عليه الصلاة والسلام- أتقى الناس، وأخشى الناس، وأورع الناس، ومع ذلك لم يحصل له مثل هذا، صحابته الكرام أبو بكر الذي لا تسمع قراءته من البكاء ما حصل له مثل هذا، وابن سيرين، يقول: ضعوا هؤلاء على جدار، فإن سقطوا من الجدار فهم صادقون، يعني كأنه يقول: إن هؤلاء ممثلون، لا حقيقة لصنيعهم، وجمعٌ من أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام يقرر أن هذا حاصل وصحيح، وثابت عمن نسب إليه، إذاً كيف ما حصل للنبي -عليه الصلاة والسلام-؟ ولا لأصحابه الذين هم خيار الأمة؟! يقول: القرآن ثقيل بلا شك، ولو نزل على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً، هذا كلام الله -جل وعلا-، نزل على قلبٍ قوي قلب محمد -عليه الصلاة والسلام- فتحمله، قوي يتحمل هذا القول الثقيل، وقل مثل هذا في أصحابه، ي-هم يستشعرون عظمة هذا القرآن، لكن لقوة قلوبهم ما يحصل لهم هذا الخلل، يعني هذا نقص خلل، يعني ما حصل في عصر التابعين مما ذكر من القصص كثيرٌ منها ثابت لا شك أنه ضعف أمام هذا القوي، يعني القلوب ضعفت عن تحمل هذا القوي فحصل ما حصل، يعني نزل على قلب محمد -عليه الصلاة والسلام- قلب قوي يتحمل هذا الكلام القوي مع الاستشعار يتحمل مع الاستشعار، وكذلك صحابته الكرام، لكن جاء بعدهم التابعون مع هذا الاستشعار، يستشعرون عظمة القرآن وقوة القرآن مع أن قلوب بعد الصحابة ضعفت، ما حصل التوازن، يعني قوي مع قوي يتحمل، لكن قوي مع ضعيف ما يتحمل، ثم بعد ذلك إذا تجاوزنا القرون المفضلة انقطع هذا الأمر، صار الإنسان يقرأ القرآن، ويسمع القرآن، ولا يؤثر فيه، هل نقول: أن

القلوب قويت أو ما زالت ضعيفة؟ القلوب ضعيفة، لكنها ما تستشعر عظمة هذا القرآن، فاستشعار عظمة هذا القرآن ضعف في قلوب الناس، ولذلك لو حصل لمثل هؤلاء أدنى مصيبة في ماله أو في بدنه أو في ولده عرفت كيف ضعف هذه القلوب؟ هو جرى علينا وعلى غيرنا أمور هي محاك واختبارات والنتيجة صفر، وإن كانت الأمة لا تخلو من الكبار من الرجال العظماء الذين يتحملون مثل هذه الامتحانات ويتجاوزونها. والعام الماضي كان واحد من المشايخ عنده محاضرة بعد صلاة العشاء تنتهي في الحادية عشرة، ولي معه موعد جلسنا معه بعد المحاضرة ساعة، ولم يتغير من وضعه شيء، هو الشيخ الذي عرفناه سابقاً ولاحقاً، ثم لما خرجنا منه وصلنا السكن اتصل علينا أن الشيخ حصل له العصر، يعني قبل المحاضرة، وقبل لقاءنا أن ابنه الأكبر سقط مغمياً عليه، وذهب به إلى المستشفى، ولم يتوصلوا إلى نتيجة، من يتحمل مثل هذا؟ لكنه اليقين، وعموم الناس كل واحدٍ يعرف نفسه، ومقدار قلبه، والله المستعان. هذا القرآن لو نزل على جبل، لو أنزله الله -جل وعلا- على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً، عجوز في السبعين أو في الثمانين من عمرها، تذهب إلى المستشفى، ويقرر لها عملية، حصوات في المرارة، أو في الكلى، المقصود أنه يقرر لها عملية، فخرجت من المستشفى لتستخير، ثم رجعت إليهم من الغد، فحلل لها، ووجد أن الحصى نزل، طيب ماذا صنعت هي؟! ما هي بعادة ينزل الحصا من هذا المكان الذي هو فيه، لا بد من الاستئصال، قالوا: أيش صنعتِ؟ قالت: والله ما سويت إلا كأس من ماء زمزم نفثت فيه قرأت فيه الفاتحة والمعوذتين، ونزل الحصا، قالوا لها: عجيب، قالت: نعم. والله -جل وعلا- يقول: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا} [(21) سورة الحشر] هذه حصوات صغيرة جداً كيف لا تتفت من القرآن؟ وأيضاً لكنه اليقين والإيمان، والله المستعان.

{لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [(21) سورة الحشر] والشاهد في قوله: {لَوْ أَنزَلْنَا} لكنه أنزل على هذه القلوب، قلوب أتقى الناس، وأخشاهم، وأعلمهم بالله -جل وعلا-، وأعرفهم به محمد -عليه الصلاة والسلام- وأمته، واعترى الأمة من الضعف ما اعتراها، حتى أن قراءة القرآن، وسماع القرآن، وغير القرآن على حدٍ سواء، وبعض الناس يتأثر من بعض المواعظ، أو بعض القصائد أكثر من تأثره بالقرآن، ورأيتم ماذا يصنع الناس في يوم ختم القرآن؟ تجد القرآن يقرأ على مدى ثلاثين ليلة من ليالي رمضان، ما يؤثر في كثيرٍ من الناس، ثم إذا جاء الختم سمعت البكاء والصراخ من بعض الناس؟ لكن القرآن إنما يؤثر من يخاف الوعيد {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق]. في هذه السنة في المسجد الحرام، في ليلة من الليالي، هي ليلة سبعة وعشرين، وفي قنوت القنوت بعد التهجد في القنوت، سمعنا صراخاً عالياً، بكاء شديد، ثم بعد أن انتهت الصلاة وسلمنا، قال هذا الذي سمع منه البكاء: ماذا تسمون هذه؟ حافظة الشاي أو القهوة التي تمنعها من البرودة؟ قال: نسميها ثلاجة، قال: يا أخي أنت ما تفهم، ثلاجة وتحفظ الحرارة، قل: ترمس، قال: لا، نحن نسميها ثلاجة، وهذا الاصطلاح ولا مشاحة، قال: ترمس وإلا كذا، وإلى أن صارت شجار ونزاع بعد البكاء الذي سمعناه قبل ثلاث دقائق. يا إخوان المسألة تحتاج إلى مراجعة وإلى إعادة نظر، وهل هذا بكاء حقيقي؟ يعني من يقرأ القرآن ويبكي، سمعنا -ولله الحمد- من يبكي في القرآن، لكن هل لهذا البكاء أثر؟ يعني تجده في أول الآية، وفي آخرها الصوت يعني متأثر، لكن الآية التي تليها ما كأنه مرَّ به آية وعد أو وعيد، يعني لا بد من إعادة النظر، السلف إذا بكاء في الليل يعاد في النهار، الواحد منهم.

والله -جل وعلا- يقول: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [(21) سورة الحشر] فإلى الله المشتكى، يعني نعاني معاناة شديدة من هذا الأمر، يعني لو أن أحداً يقرأ -وأنا أتحد عن نفسي- أقرأ في المصحف، وفي اليمين صفحة وفي اليسار صفحة، يتحرك الباب أو النافذة لا تدري أنت في أعلى الصفحة اليمنى أو في آخر اليسرى. فالمسألة تحتاج إلى علاج ومعاناة، تحتاج إلى إعادة نظر، والله المستعان. يقول الله -جل علا-: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} [(101) سورة النحل]. الطالب:. . . . . . . . . يقرأ على الماء، ويقرأ على غيره مما يمكن استعماله، والقراءة على الماء. الطالب:. . . . . . . . . هو إذا كان الداء في الجوف، وأريد أن تصل هذه القراءة إلى الجوف، لا مانع أن يقرأ في عسل، أو في زيت أو ما أشبه ذلك. الطالب:. . . . . . . . . الشيخ ابن باز -رحمه الله- سئل عن القراءة في الماء، فقال: تجوز، ومأثور عن عائشة، واستدل له بحديث عند البيهقي وغيره، حديث المعيون، حيث نفث له في الماء. الطالب:. . . . . . . . . فيه نص، لكن نسيته، الآن ما أستحضره. الطالب:. . . . . . . . . ما يمنع أن يكون غيره مثله، الحكم واحد. الطالب:. . . . . . . . . حسي ومعنوي. الطالب:. . . . . . . . . يعني إذا كان المرض عضوي وإلا نفسي؟ لا لا يؤثر في المرض العضوي ما في إشكال أبداً الطالب:. . . . . . . . . على كل حال، ويش معنى الاستعداد؟ الاستعداد يعني يستطيع أن يقوي قلبه أكثر؟ لا.

يقول الله -جل وعلا-: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ} [(101) سورة النحل] {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} وهذا الشاهد {قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ} يعني كذاب، تأتينا اليوم بكذا، وتأتينا غداً بكذا، يزعمون أن التغيير والتبديل من عنده -عليه الصلاة والسلام-، {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [(101) سورة النحل] حقيقة الأمر، وأنه من عند الله -جل وعلا-. وأهل العلم يقولون: لو كان مفترياً -وحاشاه من ذلك- ما حصل هذا التبديل، وهذا التغيير؛ لأن هذا التبديل وهذا التغيير مثار تهمة، ومثل هذا المفتري لا يريد أن يتهم، والمفتري لا يريد أن يتهم، يريد أن يسد جميع منافذ الاتهام، فإذا كان يحصل هذا التبديل وهذا التغيير من قبل الله -جل وعلا-، وينزل على نبيه -عليه الصلاة والسلام- ويخبرهم اليوم بشيء، ثم ينسخ بعد ذلك ويغير ويبدل، والمفتري الحقيقي لا يريد أن يتهم بشيء، فهو يسد منافذ الاتهام، فلو كان من عنده ما فعل هذا، فدل على أنه من عند الله -جل وعلا-.

{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [(102) سورة النحل] {نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ} نزله: يعني نزل به، يحمله روح القدس، وهو جبريل عليه السلام، والقدس التطهير؛ لأنه مطهر من أدران الذنوب، {مِن رَّبِّكَ} من الله -جل وعلا-، {بِالْحَقِّ} هذا التنزيل إنما هو بالحق لا بالباطل، والله -جل وعلا- هو الحق وكلامه حق، والتنزيل بالحق {لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [(102) سورة النحل] يثبت الذين آمنوا، ووجوه التثبيت في القرآن كثيرة جداً، يعني إذا نزل ما يصدقه الواقع، حصل قصة، ثم نزل في هذه القصة من الوحي ما يؤيدها أو ما ينفيها، هذا تثبيت من الله -جل وعلا- لمن حضر هذه القصة، ولمن سمع هذه القصة {لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} يثبتهم؛ لأنه مطابق للواقع، وفي قصة المجادلة فيما تقول عائشة -رضي الله عنها-، لا شك أن هذا تثبيت، وأنه دليل أنه من عند الله -جل وعلا-، يعني عائشة أقرب ما تكون إليهم ما تسمع، ثم ينزل الوحي من فوق سبع سماوات، مبينة للحكم، ذاكراً أصل القصة، لا شك أن مثل هذا تثبيت. وفي كل يومٍ يُطّلع على سر من أسرار القرآن التي يثبت الله بها عباده الذين آمنوا، لكن لو قرأنا لقرآن على الوجه المأمور به عرفنا هذا، {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} مع الأسف أن أكثر المسلمين، وهم يقرؤون القرآن لا يعلمون وجوه هذا التثبيت، لا يعلمه إلا من عاناه ممن قرأه على الوجه المأمور به، {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [(102) سورة النحل] هدى لا شك أن فيه الهداية؛ لأنه هو الصراط المستقيم، كما جاء في تفسير السلف أنه القرآن هو الذي يهديهم وهو الذي يدلهم، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [(9) سورة الإسراء] فالقرآن هدى في مطلع سورة البقرة {ألم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [(2) سورة البقرة] هدى فالقرآن هدى.

{وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ} [(102 - 103) سورة النحل] قال -جل وعلا-: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} الكفار يعرفون أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يقرأ ولا يكتب، ولم يطلع على كتب الأمم الماضية، إذاً كيف يتهم؟ نقول: لا، يأتيه من يعلمه من البشر، وعينوا شخصاً، قالوا: إنه هو الذي يعلم النبي -عليه الصلاة والسلام-، {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [(103) سورة النحل] لكن الله -جل وعلا- رد عليهم بقوله: {لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} [(103) سورة النحل] يعني هذا القرآن النازل على محمد -عليه الصلاة والسلام- الذي يبلغكموه لسانٌ عربيٌ مبين، وهذا الرجل الذي تقولون إنه يعلم النبي -عليه الصلاة والسلام- أعجمي، والأعجمي لا ينطق بالعربية، ولو كان أصله عربياً، بخلاف العجمي المنسوب إلى العجم، فهذا نسبته إلى العجم يعني غير العرب، ولو نطق بالعربية؛ لأنه قد يقول قائل: ثم ماذا إذا كان أعجمي؟ سيبويه أعجمي، وإمام من أئمة العربية ما يمكن أن يقال هذا؟ جلُّ أئمة اللغة أعاجم، فهل يكون فيه رد {لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ} أعاجم لكنهم أئمة في العربية، فمن ينطق بالعربية لا يقال له أعجمي، ولو كان من العجم، يقال له: عجمي بدون همز، والذي لا ينطق بالعربية يقال له: أعجمي ولو كان من أصول عربية؛ لئلا يقال: أن هذا لسانه أعجم، هذا أعجم لكن سيبويه أعجم وهو أعرف منا بلغة العرب، نقول: لا، الأعجمي الذي لا يتكلم بالعربية، ولو كان من أصلٍ عربي، بخلاف العجمي. طالب:. . . . . . . . . المقصود أن بهذا يرد على من يمكن أن يثير مثل هذه الشبهة، ((العجماء جبار)) أيش معنى العجماء؟ البهيمة التي لا تنطق، فهي حينئذٍ تشبه الأعجمي وإلا العجمي؟ طالب:. . . . . . . . . أيش معنى العجماء؟ شوفوا يا إخوان الآن الحديث فيه إشكال على ما قرر وإلا ما فيه إشكال، ((العجماء جبار))، يعني هل نسبتها إلى العجم مثل العجمي أو مثل الأعجمي؟ طالب:. . . . . . . . .

الكلام واختلاف الناس فيه:

لا شك أن واقعها مثل الأعجمي، لا مثل العجمي، هذا الواقع، لكن بناء الكلمة؟ هي أقرب إلى العجمي، في بنائها أقرب إلى العجمي منها إلى الأعجمي، يشكل على ما قرر وإلا ما يشكل؟ يشكل، لكن العجمي الأصل فيه أنه لا يتكلم العربية، لو لم يتعلم لصار عجمي أعجمياً، الأصل فيه أنه لا يتكلم العربية إلا إذا تعلم، وهذا العجماء مثل العجمي الذي لم يتعلم؛ لأنها لم تتعلم، فتستمر عجماء، الآن اتضح لنا الفرق، لأنه لما قلنا: العجمي، هم يقولون: العجمي الذي يتكلم العربية؟ لا، المنسوب إلى العجم، فإن كان على أصله ونسبته إلى العجم ولم يتعلم العربية مثل سيبويه لقلنا: عجمي أعجمي، وهذه عجماء، ومع ذلك لا تتكلم مثل العجم، ومثل الأعاجم، مثل العجم الذين لم يتعلموا العربية، ومثل الأعاجم الذي لا ينطقون بالعربية، فلا إشكال حينئذٍ، فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ لما قررنا قلنا: الأعجمي الذي لا ينطق العربية لسانه غير عربي، والعجمي المنسوب إلى العجم، ولو نطق بالعربية، وإلا فالأصل فيه أنه منسوب إلى العجم والعجم لا يتكلمون العربية، لكنه تعلم فصار يتكلم بالعربية مثل سيبويه، فصار إمام من أئمة العربية، هذه العجماء منسوبة إلى العجم في الأصل قبل التعلم؛ لأنها ما تعلمت، فهي مثل العجمي الذي لا ينطق العربية بقي على أصله ولم يتعلم؛ لأنه قد يثار في مثل هذا الكلام، ممكن وإلا ما هو ممكن؟. {لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} [(103) سورة النحل] يعني نزل بلسان العرب وبلغتهم، مبينٌ بواسطة هذه اللغة التي هي العربية أشرف اللغات، وعلى هذا يقبح بمن يتصدى لتعليم القرآن، أو تفسير القرآن، أو فهم القرآن، ولو لنفسه، وهو لا يتقن العربية، بل معرفة العربية بجميع فروعها خير ما يعين على فهم القرآن، بعد كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو عربي. الكلام واختلاف الناس فيه: انتهينا الآن من مسألة القرآن والكلام، وللفرق في مسألة الكلام والناس اختلفوا في هذه المسألة على تسعة أقوال، ذكرها شارح الطحاوية: يقول شارح الطحاوية -رحمه الله-: اختلف الناس أو افترق الناس في مسألة الكلام على تسعة أقوال:

أحدها: أن كلام الله هو ما يفيض على النفوس من المعاني، إما من العقل الفعّال عند بعضهم، أو من غيره، وهذا قول الصائبة والمتفلسفة. وثانيها: أنه مخلوق، خلقه الله منفصلاً عنه، وهذا قول المعتزلة. وثالثها: أنه معنىً واحد، قائمٌ بذات الله، هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار، إن عبر عليه بالعربية كان قرآناً، وأن عبر عنه بالعبرانية كان توراةً، إلى آخره، وهذا قول: ابن كلاّب ومن وافقه كالأشعري وغيره. ويقولون حينئذٍ: القرآن عبارة عن المعنى، وابن كلاب يقول: حكاية، والأشاعرة يقولون: عبارة، القرآن عبارة عن كلام الله، وابن كلاب يقول: حكاية عن كلام الله. ويكثر في كلام المتعلمين الآن فيما يقوله الله -جل وعلا- حكاية عن كذا، حكاية عن موسى، يعني أن الله -جل وعلا- قاله على لسان فلان، فهذه الجملة هذه الكلمة تجتنب؛ لئلا نوافق المبتدعة. الأمر الثاني: كلمة عبارة ابتذلها الناس، واستعملوها في غير موضعها، يقول لك مثلاً: هذا القلم عبارة أو هذا عبارة عن قلم، كيف عبارة؟! هذا قلم، كيف عبارة عن قلم؟ هذا عبارة عن كتاب، وهذه عبارة عن سيارة، وهذه عبارة عن كذا، يعني إقحام للشيء في غير موضعه. رابعها: أنه حروفٌ وأصوات أزلية مجتمعة في الأزل، وهذا قول طائفة من أهل الكلام. وخامسها: أنه حروفٌ وأصوات، لكن تكلم الله بها بعد أن لم يكن متكلماً، وهذا قول الكرّامية وغيرهم. وسادسها: أن كلامه يرجع إلى ما يحدثه من علمه وإرادته القائم بذاته، وهذا يقوله صاحب المعتبر، المعروف: هبة الله بن ملكى، وهو طبيب، المعتبر مطبوع في الهند في مجلدين معروف يعني متداول، وإليه يميل الرازي في المطالب العالية. وسابعها: أن كلامه يتضمن معنىً قائماً بذاته هو ما خلقه في غيره، وهذا قول: أبي منصور الماتريدي. وثامنها: أنه مشترك بين المعنى القديم القائم بالذات، وبين ما يخلقه في غيره من الأصوات، وهذا قول: أبي المعالي ومن تبعه.

وتاسعها: أنه تعالى لم يزل متكلماً إذا شاء، ومتى شاء، وكيف شاء، ويتكلم به بصوت يسمع، وأن نوع الكلام قديم، وإن لم يكن الصوت المعين قديماً، وهذا هو المأثور عن أئمة الحديث والسنة، أنه تعالى لم يزل متكلماً إذا شاء، ومتى شاء، وكيف شاء، ويتكلم به بصوت يسمع، يعني بصوت حرف، وأن نوع الكلام قديم، وإن لم يكن الصوت المعين قديماً، وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة. يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- في النونية في كلام طويل جداً حول مسألة الكلام، يقول -رحمه الله تعالى-: والله ربي لم يزل متكلماً ... وكلامه المسموع بالآذانِ صدقاً وعدلاً أحكمت كلماته ... طلباً وإخباراً بلا نقصانِ ورسوله قد عاذ بالكلمات مِن ... لدغٍ ومن عينٍ ومن شيطانِ ((أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)) ((أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة)) فاستعاذ النبي -عليه الصلاة والسلام- بكلمات الله. ورسوله قد عاذ بالكلمات من ... لدغٍ ومن عينٍ ومن شيطانِ أيعاذ بالمخلوق؟! يعني لو كان القرآن مخلوق يستعاذ به؟ لا. أيعاذ بالمخلوق حاشاه من الـ ... إشراك وهو معلم الإيمانِ بل عاذ بالكلمات وهي صفاته ... سبحانه ليست من الأكوانِ وكذلك القرآن عين كلام الـ ... مسموع منه حقيقة ببيانِ هو قول ربي كله لا بعضه ... لفظاً ومعنىً ما هما خلقانِ تنزيلُ ربِّ العالمين وقوله ... اللفظ والمعنى بلا روغانِ لكنَّ أصوات العباد وفعلهم ... كمدادهم والرق مخلوقانِ فالصوت للقاري ولكن الكلام ... كلام رب العرش ذي الإحسانِ هذا إذا ما كان ثم وساطة ... كقراءة المخلوق للقرآنِ فإذا انتفت تلك الوساطة ... مثلما قد كلم المولود من عمرانِ فهناك المخلوق نفس السمع لا ... شيء من المسموع ففهم ذانِِ هذه مقالة أحمدَ ومحمدٍ ... وخصومهم من بعد طائفتانِ الإمام أحمد ومحمد بن إسماعيل البخاري ... إلى أن قال بعد أن جاء الكلام النفسي: ودليلهم في ذاك بيتٌ قاله ... فيما يقال الأخطل النصراني يا قوم قد غلط النصارى قبل في ... معنى الكلام وما اهتدوا لبيانِ ولأجل ذا جعلوا المسيح إلههم ... إذ قيل كلمة خالق رحمنِ ولأجل ذا جعلوه ناسوتاً ... ولاهوتاً قديماً بعد متحدانِ

في كلام كثيرٍ جداً ... من الطرائف أن بعضهم يقول: بقدم الجلد والغلاف، كتب المصحف في الورق قال: حتى الورق قديم والجلد قديم، والغلاف قديم كل شيء قديم. ثم تهكم –شيخ الإسلام- بقوله: ما لهم لم يقولوا بقدم الكاتب والمجلِّد؟! إذا كان الجلد والغلاف كله قديم، فلماذا المجلد ما يصير قديم؟ على كل حال هذه المسألة عظيمة، وفيها مباحث طويلة، وضل فيها طوائف ممن ينتسب إلى الدين، ولا فرق بين من يقول: إن الله -جل وعلا- خلق الكلام في الشجرة حينما كلم موسى وأخبره بأنه رب، فإذا قلنا: أنه خلق الكلام في الشجرة، فكلام الشجرة المخلوق فيها ككلام فرعون المخلوق فيه {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [(24) سورة النازعات] ولا فرق، إذا قالت الشجرة: {أَنَا رَبُّكُمُ} على قول المعتزلة القرآن مخلوق، أن الله خلقه في الشجرة، فالشجرة هي التي قالت: {أَنَا رَبُّكُمُ} فما الفرق بين قول الشجرة وبين قول فرعون {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} في فرق وإلا ما في فرق؟ ما في فرق، لكن الضلال حاصل، نسأل الله السلامة والعافية. هنا مذهب السالمية الذي يعبر عنهم بالاقترانية يقول: والفرقة الأخرى فقالت إنه ... لفظٌ ومعنى ليس ينفصلانِ واللفظ كالمعنى قديمٌ قائمٌ ... بالنفس ليس يقابل الحدثانِ فالسين عند الباء لا مسبوقة يعني لو قلت: بسم الله، خرجت الباء والسين في آنٍ واحد، يعني ما في باء تسبق السين أو سين تسبق الباء، الكلام كله مقترن بعضه ببعض. فالسين عند الباء لا مسبوقة ... لكن هما حرفان مقترانِ إلى آخره ... والقائلون بذا يقولوا إنما ... ترتيبها في السمع بالآذانِ يعني أن الله -جل وعلا- على حد زعمهم تلفظ بالحروف دفعة واحدة، -تعالى الله عما يقولون-، لكن جبريل رتب هذه الحروف، يعني من باب التصوير والتمثيل -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً-، يعني كأن هذه الحروف مطبعة، الذي جمع حرف حرف أعطيت للطابع، وقيل: يا لله رتب هذه الحروف وأطبعها، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. الله المستعان.

يا إخوان: هذا كلام قد يقول قائل: كيف يصدر مثل هذا الكلام عن عاقل، هذه البدع تنشأ شيئاً فشيئاً، تبدأ بمخالفة يسيرة للوحيين، مخالفة يسيرة، ثم هذا المخالف يصر على هذه المخالفة، ثم يورد له من الأدلة ما لو كان متصفاً بالورع لرجع، ولكن تأخذه العزة بالإثم فيصر، ثم يُلزم بلوازم لكلامه، ثم يلتزم بهذه اللوازم، وإلا ابتداءً ما يمكن أن يقول مثل هذا الكلام، هل يتصور أن الله -جل وعلا- نطق بهذا الكلام كله دفعةً واحدة، بسم الله الباء ليست قبل السين ولا السين قبل الباء، يعني دفعة واحدة، وجبريل هو الذي تولى، الملك الذي نزل به، هو الذي تولى الترتيب، يعني نظير قول الناس أو نظير ما هو الواقع، الحروف حروف المطابع يعني لما كانت المطابع حروف يعني رص، ما هي بكمبيوتر يمشي بطريقة الكترونية لا، الحروف كانت تأتي من رصاص حرف، حرف، هذا حرف يصلح في أول الكلمة ونفس الحرف إذا كان في وسطها، ونفس الحرف إذا كان في آخرها، تجمع الحروف حوالي مائة قطعة، إذا نظرنا إلى تغير صورة الحرف من كونه في أول الكلمة أو في أثنائها أو في آخرها، فيؤتى بها في كيس أو في علبة هذه الحروف دفعة واحدة تسلم لصاحب المطبعة من المصنع الذي يصنعها، ثم صاحب المطبعة يرتب هذه الحروف، يعني ما في هذا الكيس من هذه الحروف هل يستفاد منه؟ إذاً كلام الله -جل وعلا- لا يستفاد منه، إنما الكلام المفيد في ترتيب من رتب هذا الكلام، هذا غاية في الضلال، نسأل الله السلامة والعافية. والقائلون بأنه بمشيئة ... في ذاته أيضاً فهم نوعانِ إحداهما جعلته مبدوءاً به ... نوعاً حذارِ تسلسل الأعيانِ فيسد ذاك عليهمُ في زعمهم ... إثبات خالق هذه الأكوانِ يعني أن كلامه حادث، ويبدئه بمشيئة لكنه حادث؛ لئلا يلزم أن يورث قديم مع الله -جل وعلا-، فعلى هذا تتسلسل الحوادث في القدم، وهذا ممنوع، هذا قول الكرّامية. والآخرون أولوا الحديث ... كأحمدٍ ومحمدٍ وأئمة الإيمانِ قالوا بأن الله حقاً لم يزل ... متكلماً بمشيئة وبيانِ إلى آخره ... ، ثم مذهب قول ابن حزم في القرآن، وهو كلام شنيعٌ قبيح: وأتى ابن حزمٍ بعد ذاك فقال ... ما للناس قرآنٌ ولا اثنانِ

بل أربعٌ كلٌ يسمى بالقرآن ... وذاك قولٌ بين البطلانِ يقول: ما عندنا قرآن واحد، عندنا أربعة قرآنات. وأتى ابن حزمٍ بعد ذاك فقال ... ما للناس قرآنٌ ولا اثنانِ بل أربعٌ كلٌ يسمى بالقرآن ... وذاك قولٌ بين البطلانِ هذا الذي يتلى وآخرُ ثابتٌ ... في الرسمِ يدعى المصحف العثماني يعني: ما ينطق به قرآن، والذي في المصحف قرآن غير الذي ينطق به. والثالث المحفوظ بين صدورنا .. الذي لا ينطق به المحفوظ في الصدور. هذه الثلاثة خليقة الرحمن .. هذه مخلوقة هذا الذي يتلى وآخرُ ثابتٌ ... في الرسمِ يدعى المصحف العثماني والثالث المحفوظ بين صدورنا ... هذه الثلاث خليقة الرحمنِ والرابع المعنى القديم كعلمه ... كلٌ يعبرُ عنه بالقرآنِ فقول ابن حزم لا شك أنه ضلال، ثم قال هنا الشارح -بعد أن ترجم له بترجمة مطولة- يقول: فلا بد من بيان معناه، فقوله: "بل أربعٌ كلٌ يسمى بالقرآن" هذا الذي يتلى، والثاني: المكتوب في المصاحف، والثالث: المحفوظ في الصدور، والمراد بالرسم الخط، وقوله: "هذه الثلاث خليقة الرحمن" وهذا القول من أبطل الأقوال التي قيلت في القرآن، ولذلك قال الناظم: "وذلك قولٌ بينُ البطلان" وقوله: "والرابع المعنى القديم" إلى آخره كأنه -والله أعلم- وافق الأشاعرة والكلابية في إثبات المعنى النفسي، وقد تقدم القول في المعنى النفسي بما أغناه عن الإعادة، يعني أنه يوافق المعتزلة في الثلاثة، ويوافق الأشعرية في المعنى النفسي، وقول الناظم: "وأظنه قد رام شيئاً لم يجد ... إلى قوله: أن المعين ذو مراتبَ أربعٍ" أن المعين كزيد مثلاً، له أربع وجودات، وجوده الخارجي: يعني المكون من جسده المحسوس المرئي، هذا وجوده الخارجي. ووجودٌ ذهني: يعني أنت في ذهنك تتصور أن زيد من البشر، وأنه من الذكور، تتصوره ذكر وتتصوره من بني آدم، وتتصوره ذا طول وعرض، ووجودٌ ذهني. ووجودٌ لفظي، لفظت بهذه الحروف الزاي والياء والدال، أي في اللفظي إذا تلفظت بلفظ زيد. ووجودٌ رسمي: أي خطي.

هذه المراتب الأربع، يعني لما تقول: زيد، أمامك زيد ماثل هذا وجود خارجي، وأنت تتصور هذا المسمى بهذا الاسم من بني آدم تتصوره ذكر، وتتصوره له طول وعرض ولون هذا وجود ذهني، ووجود لفظي أنت لفظت قلت: هذا زيد، أنت تلفظت بالحروف الثلاثة، ثم بعد ذلك وجودٌ رسمي كتبت زيد، فهذه الوجودات الأربعة، وهي التي ذكرها الله تعالى في قوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [(1 - 4) سورة العلق] فذكر المراتب الأربعة، وهي الوجود العيني الخارجي الذي هو خلقه، وذكر الوجود الرسمي المطابق للفظي الدال على العلمي، فمذهب ابن حزم أن القرآن في المراتب الثلاث مخلوق، وهو وجوده العيني واللفظي والرسمي، ولكن الأولى بالتسمية بالقرآن هو وجوده العيني، بقي عنده "والمعنى القديم" فهو غير مخلوق، نسأل الله السلامة والعافية. فمن أراد النجاة، وأراد العصمة، فعليه بالكتاب والسنة، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مسألة رؤية الله عز وجل

شرح العقيدة الواسطية مسألة رؤية الله عز وجل الشيخ/ عبد الكريم الخضير يسأل يقول: ما الفرق بين قول المعتزلة في القرآن والماتريدية؟ ذكرنا في الدرس الماضي أن المعتزلة يقولون: إن الله -جل وعلا- خلق كلامه منفصلاً عنه، فحينما كلم موسى، التي تكلمت الشجرة، خلق الكلام فيها، خلق الكلام في الشجرة وهي التي تكلمت، وهي التي قالت: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [(12) سورة طه] ولذا يردُّ عليهم أهل الحق بأنه لا فرق بين هذا، وبين قول فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [(24) سورة النازعات] يعني مخلوق صادر من مخلوق، إذاً لا فرق، هذا قول المعتزلة: خلقه الله -جل وعلا- منفصلاً عنه -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً-. وأما قول أبي منصور الماتريدي: أن كلامه يتضمن معنىً قائماً بذاته، هو ما خلقه في غيره، يتضمن معنىً قائماً بذاته، يعني غير منفصل عنه، هو ما خلقه في غيره، إذن ماذا يكون الفرق بينهما؟

مسألة الانفصال والاتصال، فالمعتزلة يقولون: منفصلٌ عنه، خلقه كغيره من المخلوقات، يعني كما يخلق فلان من بني آدم، منفصلاً عنه، والماتريدية يقولون: هو معنىً قائم بذاته، وفي الوقت نفسه هو ما خلقه في غيره، كأن الماتريدية يوافقون المعتزلة بمسألة الخلق، إلا أنهم لما أُلزم المعتزلة بصحة كلام فرعون -على حد زعمهم- على قول المعتزلة يكون كلام فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} صحيح، مثل الشجرة أيش الفرق؟ لما ألزموا بهذا، قالوا: هو معنىً قائم بذاته -جل وعلا- هو ما خلقه في غيره، وهذا تناقض؛ لأن هذه المذاهب الباطلة المخالفة للكتاب والسنة هي تبدأ في أول الأمر بمخالفة يسيرة، ثم تتطور يكون لهذه المخالفة لازم، يلزم عليها لازم، ثم يناقش المتبني لهذا القول، فيلتزم باللازم؛ لأن كل قول له لازم، يعني مثل ما يقول أهل السنة في إثبات الرؤية، يقول المبتدعة: لو أثبتنا الرؤية للزم منها أن يكون الله -جل وعلا- جسم يرى، والقاعدة عند أهل السنة أنهم يثبتون ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام- وعلى الكيفية التي يعلمها -جل وعلا- ولا نعملها، فعلى هذا لا نلتزم باللازم، ومن أهل السنة من يقول: إن لازم الحق حق، لازم الحق حق, فإذا كان من لازم إثبات ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه أن يكون جسماً، والجسم لم يرد نفيه ولا إثباته في النصوص، لكنه من لازم ما أثبت يثبت، ولازم الحق حق، ومنهم من يقول: لا نثبت إلا ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه، سواءً كان ذلك في كتابه أو على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام- وما لم يذكر نفياً ولا إثباتاً لا نثبته ولا ننفيه. يعني من لازم الرؤية، كما يقول الأشاعرة إنه -جل وعلا- يكون منحازاً إلى جهة؛ لأن الذي ليس في جهة لا يمكن رؤيته؛ لأن البصر إنما ينتهي إلى جهة، نقول: لا مانع من إثبات الجهة المثبتة لله -جل وعلا- في الكتاب والسنة، وهي العلو.

أقول: هذه المذاهب البدعية تبدأ بمخالفة يسيرة، ثم بعد ذلك يلزم على هذه المخالفة لازم ويصر هذا المبتدع على قوله، ثم يلتزم باللازم، يلزم من قوله كذا؟ يقول: نعم، يلزم، ويلتزم به، فيزداد الأمر، ثم يلزم على هذا اللازم لازم أشد منه، ثم يلتزم به، وقد التزم النفاة حتى صار معبودهم العدم، العدم المحض، الذي لا وجود له البتة، والتزم المشبهة بما ألزموا به حتى صار معبودهم صنماً، موصوفاً بصفات المخلوقين. فالتناقض الوارد في كلام الماتريدية أنه معنىً قائم بنفسه هو ما خلقه في غيره، إن كانوا يريدون المعنى قائم بذات الله -جل وعلا- والحروف قامت بغيره، فهل يمكن الانفصال أو لا يمكن بين المعنى والحرف؟ يمكن الانفصال وإلا ما يمكن؟ طالب:. . . . . . . . . لا, المكتوب من عمل المخلوق، المداد قصدك المداد؟ الطالب:. . . . . . . . . لا، يرون القرآن المكتوب، ما هو الكتابة، لا، يعني نفرق بين مذهب أهل السنة، المداد مخلوق عند أهل السنة، والرق والورق والجلد والغلاف كلها مكتوبة، وإن شذ من شذ من بعض الجهال من قال إن المداد، وما يتبعه حتى الجلد قديم، وألزم كما تقدم، وألزم بكون الكاتب أيضاً يمكن يصير قديم بعد، إذا كانت الكتابة قديمة إذن الكاتب قديم. هؤلاء المبتدعة لما التزموا بهذه اللوازم حصل منها ما حصل من البعد الشديد عن الحق الثابت في الكتاب والسنة، لا شك أنهم أتوا بالمضحكات بعد ذلك؛ لأن هذه اللوازم ترتب عليها لوازم أشنع منها فالتزموا بها، والذي لا يعتصم بالكتاب والسنة، ويجعل الكتاب قائده لا شك أنه يضل، يضل إذا اعتمد على عقله دون أن يسير بالكتاب والسنة، والذي لا يعتصم بالكتاب والسنة يضل بلا شك.

مسألة الرؤيا:

المقصود أن قولهم فيه تناقض، يقولون: هو معنىً قائم بذات الله، المعتزلة مطرد مذهبهم، خلقه في غيره وانتهى، وهؤلاء يقولون: معناه قائم بذاته، ليوافقوا أهل السنة، ولئلا يبعدوا كثيراً، وأما ما خلقه في غيره فيوافقون فيه المعتزلة، وليس مرادهم بذلك هو ما يراه أهل السنة من أن القرآن المتلو المسموع بالحرف والصوت هو كلام الله -جل وعلا- هم يقولون: المعاني، وأما أهل السنة فيقولون: القرآن بحرفه وصوته المقروء المكتوب المسموع هو كلام الله -جل وعلا- والتلاوة والقراءة والكتابة هذه فعل المخلوق، فالصوت صوت القاري، والكلام كلام الباري. مسألة الرؤيا: المسألة التي تلي مسألة الكلام مسألة الرؤيا، وهي آخر المسائل التي يستدل لها المؤلف من القرآن، ثم بعد ذلك ينتهي المؤلف من عرض الأدلة من كتاب الله -جل وعلا- المثبتة للأسماء الصفات، ثم يثني بالسنة بفصل مستقل، وبعض من ينتقد هذه الرسالة العظيمة لشيخ الإسلام يقول: لو يعاد ترتيب هذه الرسالة، وتصاغ من جديد، وتذكر أدلة كل صفة، وكل اسم من الكتاب والسنة في آنٍ واحد، ولا يفرق، أولاً: تذكر أدلة الكتاب، ثم تذكر أدلة السنة، يعني فعلى سبيل المثال لما ذكر الآيات من القرآن على إثبات الرؤيا، يردفها بالأحاديث المثبتة للرؤيا في موضع واحد، وقل مثل هذا في الكلام وغيرها مما سبق من الأسماء والصفات، فيأتي بالدليل من القرآن والدليل من السنة، وشيخ الإسلام لا، فصَل الأدلة من القرآن، ثم أردفها بالأدلة من السنة، وهذا نوع، تفنن في التأليف، وإلا فعادته وطريقته -رحمه الله- في بقية كتبه أنه يسرد الأدلة من الكتاب والسنة. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-:

وقوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [(23) سورة القيامة] وقوله: {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} [(23) سورة المطففين] وقوله: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [(26) سورة يونس] وقوله: {لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [(35) سورة ق] وهذا الباب في كتاب الله تعالى كثير, ومن تدبر القرآن طالباً للهدى منه تبين له طريق الحق. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما ذكره من الأدلة من الكتاب على إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة في الآخرة، أما في الدنيا فنقل الاتفاق على أنه لا يراه أحد قبل أن يموت، ففي شرح الطحاوية يقول: اتفقت الأمة على أنه لا يراه أحدٌ في الدنيا بعينيه، ولم يتنازعوا في ذلك إلا في نبينا -صلى الله عليه وسلم- خاصة، منهم من نفى رؤيته بالعين، ومنهم من أثبتها له -صلى الله عليه وسلم- منهم من نفى رؤيته -عليه الصلاة والسلام- لربه بالعين، الرؤية البصرية، ومنهم من أثبتها له. وحكى القاضي عياض في كتاب الشفا باختلاف الصحابة -رضي الله عنهم- ومن بعدهم في رؤيته -صلى الله عليه وسلم- وإنكار عائشة -رضي الله عنها- أن يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى ربه بعين رأسه، وقالت لمسروق: (من حدثك أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه فقد كذب) وفي بعض الروايات: (فقد أعظم الفرية) متفقٌ عليه, وبهذا قال ابن مسعود وأبو هريرة. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه رأى ربه بعينه.

رؤية الله في المنام:

فنفي الرؤيا من قبله -عليه الصلاة والسلام- لربه هو المعروف عن عائشة، وشددت في ذلك، وأنكرت على من أثبت، قال: وبهذا قال ابن مسعود وأبو هريرة، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: (أنه رأى ربه بعينه) وروى عطاء عنه: (رآه بقلبه) يعني: لا بعينه، وفي صحيح مسلم عن أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- قال: (سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هل رأيت ربك؟ فقال: ((نورٌ أنى أراه)) يعني استبعاد؛ لأن الله -جل وعلا- حجابه النور -وفي رواية- ((النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجه من انتهى إليه بصره)) والله المستعان. على كل حال هذه المسألة خلافية بين الصحابة، من أثبتها كابن عباس ومن يقول بقوله لا يثرب عليه، ومن نفاها وهو قول أكثر الصحابة، وهو المرجح لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((نورٌ أنى أراه)) هذا هو المرجح، ولكن هذه المسائل العقدية إذا وجد الخلاف فيها بين السلف لا يكون المخالف فيها مبتدعاً؛ لأنه لا يمكن أن يوصف ابن عباس بأنه مبتدع، بينما المسائل التي اتفقوا عليها لو أن شخصاً أثبت غير ما اتفقوا عليه، ولو تشبث ببعض النصوص وبعض الأدلة، فإنه يوصف حينئذٍ بالابتداع. رؤية الله في المنام: يذكر في تراجم كثير من أهل العلم لا سيما من التابعين أنه رأى الله -جل وعلا- في المنام، فهل تمتنع رؤيته في اليقظة، وتكون ممكنة في المنام؟ في كثير من التراجم قالوا: إنه رأى الله -جل وعلا- في المنام، والرسول -عليه الصلاة والسلام- رأى ربه في المنام، رأى الله -جل وعلا- في المنام في حديث اختصام الملأ الأعلى، معروف وإلا ما هو معروف؟ فهل يختلف الحكم في رؤيته -جل وعلا- في اليقظة في الدنيا قبل الآخرة، وبين رؤيته -عز وجل- في المنام؟

لا شك أن الرؤية في اليقظة غير ممكنة؛ لعدم القدرة على التحمل، وإن كان أهل العلم يقولون: إن الرؤيا ممكنة؛ لأنها لو لم تكن ممكنة لما سألها موسى -عليه السلام- موسى نبي، رسول معصوم لا يسأل غير الممكن، لكن لما كان وقوعها غير ممكن لماذا؟ لعدم قدرة الرائي، أو من يريد الرؤيا على التحمل، ولذا قال الله -جل وعلا- لما سأله موسى: {قَالَ لَن تَرَانِي} [(143) سورة الأعراف] ثم ذكر له علامة {لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [(143) سورة الأعراف] هذا جبل، فكيف بالإنسان المكون من لحم ودم يثبت أمام رؤية الباري؟! يحترق؛ لأن حجابه النور أو النار -سبحانه وتعالى- هذا بالنسبة للرؤية بعين الرأس بالبصر،. . . . . . . . . هذه لا تستطاع. وأما الرؤية في المنام فأثبتها كثيرٌ من أهل العلم، فهل إثباتها سائغ أو تنفى كالرؤية بعين البصر؟ طالب:. . . . . . . . . هي كرامة لا شك كرامة، لكن هل هي ممكنة أو ممتنعة كرؤيته بعين البصر؟ طالب:. . . . . . . . . وهذه القصص وهذه الأخبار التي يوردونها لا أصل لها ولا صحة لها؟ الطالب:. . . . . . . . . نعم, أيوه. الطالب:. . . . . . . . . أما رؤيته -عليه الصلاة والسلام- فهي ثابتة، رؤيته -عليه الصلاة والسلام- أنت تقصد رؤية المسلم للنبي -عليه الصلاة والسلام- أو رؤية النبي -عليه الصلاة والسلام لربه في المنام؟ الطالب:. . . . . . . . . لماذا؟ فإذا أمكنت رؤيته, إذا أمكنت رؤيته -عليه الصلاة والسلام- في المنام تمكن رؤية غيره ممن يقتدي به ويرث منه من ميراثه بالنصيب الوافر، وأيش المانع؟ لا سيما وقد ادعاها جمع من أهل العلم الموثوقين، ولا شك أن حال المنام أقل من حال اليقظة، ولذا يدعي بعضهم أنه يرى النبي -صلى الله عليه وسلم- في اليقظة، ولا شك أن هذا زيغ، ضلال، وهذا من شطحات المتصوفة، يعني ممكن الرؤيا في المنام وإلا غير ممكنة؟ رؤية الله -جل وعلا-؟. طالب:. . . . . . . . . معروف الحديث معروف -القصة معروفة- نعم. طالب:. . . . . . . . .

يعني, ولذلك لا يدرك الكيفية من رآه في المنام التي يتفق أهل السنة على عدم العلم بها، إذا رأى كيفية وقال: إنه هو الله -جل وعلا- هل يستطيع أن يطبق ما جاء في النصوص على ما رأى، ويقول: رأيت عينه كذا وسمعه كذا وإلى آخره؟! نعم. طالب:. . . . . . . . . إذا ما في كيفية ما في رؤية, هاه؟ طالب:. . . . . . . . . إذن كيف يقول: رأى ربه؟ والرسول -عليه الصلاة والسلام- رأى ربه، كيف على أي كيفية؟ الطالب:. . . . . . . . . يرى النور؟ طالب:. . . . . . . . . يعني موجودة في المنام، لكن القدرات في المنام تختلف عنها في اليقظة؛ لأن الإنسان وهو في المنام يرى أنه يطير مثلاً، وهو في اليقظة لا يستطيع، نعم, ويرى أنه اقتلع صخرة عظيمة، وهو في اليقظة لا يستطيع، وقد يضعُف عن حقيقته، وبهذا يرد أهل العلم على من يصحح الأحاديث ويضعفها ويدعي أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- في المنام، وسأله عن بعض الأحاديث، وعن بعض الأحكام، فأجابه. نعم، الشيطان لا يتلبس به -عليه الصلاة والسلام- إذن كيف يقول: أنا سألت النبي -عليه الصلاة والسلام- رأيته في المنام، وسألته عن حديث كذا، فقال: صحيح، وسألته عن حديث كذا، فقال: ضعيف، والشيطان لا يتلبس به ولا يتمثل به؟ فهل نقول: هذا التصحيح والتضعيف صحيح كما يدعيه بعضهم؟ السيوطي كثيراً ما يعتمد على مثل هذا، يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو نائم فيقول: هذا الحديث صحيح. إذا تبينا أن هذا هو الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو المسؤول، وهو المجيب، فهل هذا الصنيع صحيح أو غير صحيح؟ يعتمد عليه أو لا يعتمد عليه؟ طالب: غير صحيح. إيه غير صحيح، لماذا؟ طالب:. . . . . . . . . هو ثبت في الحديث أن الشيطان لا يتمثل به، فالمرئي هو النبي -عليه الصلاة والسلام- والمتكلِّم والمتكلَّم معه هو الرسول -عليه الصلاة والسلام- فإذا أثبتنا أن هذا هو -عليه الصلاة والسلام- وهذا كلامه، وهذا السؤال سأله فلان، وأجابه بكذا، فما المانع من تصحيح مثل هذا؟ طالب:. . . . . . . . . ما هي بمسألة. . . . . . . . .، المسألة رد قوي من أهل العلم في هذه المسألة. طالب:. . . . . . . . .

ما هو كذا، لا، المسألة ثانية، أهل العلم ردوا, اجتثوا هذه الشبهة من أساسها، فقالوا: هذه رواية، هذا الرائي يروي للناس ما رأى، صح وإلا لا، هو يروي للناس ما رأى، ومن شروط الراوي أن يكون حافظاً يقظاً، العدالة موجودة، لكن حافظ يقظ، الإنسان في حال النوم حافظ يضبط، أو يضيع أكثر ما سمع؟ إذن ليس بثقة في حال النوم، فلا يقبل قوله؛ لأن الضعف جاء من جهة الراوي. طالب:. . . . . . . . . على كل حال مثل هذا قد يستأنس به، لكن يبنى عليه حكم؟ لا، نقول: الحديث صحيح؛ لأن السيوطي سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: صحيح، أبداً، ولا نلتفت إلى مثل هذا؛ لأن السيوطي وهو في حال اليقظة وإن كان من الحفاظ يعتريه ما يعتريه، فكيف إذا كان في المنام؟. الإنسان يرى في المنام أشياء ثم إذا استيقظ من النوم لا يستطيع أن يقص ما رأى كما وقع، لا بد أن ينسى، ولا بد أن يطرأ له تغيّر. طالب:. . . . . . . . . حديث الأذان ثبتت شرعيته بإقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- النبي -عليه الصلاة والسلام- أقرّه، وهو في المنام، لكن ما اكتسب الشرعية حتى أقره النبي -عليه الصلاة والسلام- وإلا الرؤيا ما يثبت فيها حكم. يقول -رحمه الله تعالى-: وقوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [(23) سورة القيامة]. {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ}: من النضرة، وهي الحسن والبهاء، ويكتسب هذا في الدنيا قبل الآخرة بالاتباع للنبي -عليه الصلاة والسلام- والاقتداء به، والإخلاص لله -جل وعلا- ولزوم الطاعة والعبادة، لا شك أن هذا يكسب الوجه نضرة، وجاء في الحديث: ((نضَّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها ثم أداها كما سمعها)) , فالنضرة لها وسائل تكتسب في الدنيا، وهؤلاء الذين هم أهل الجنة وجوههم ناضرة، يعني حسنة. {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}: من النظر وتعديته بـ "إلى" يدل على حقيقته، وهو النظر بعيني الرأس والبصر, {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ومنهم من يتأول هذا ويقول: منتظرة، وإذا كانت منتظرة فلا تحتاج إلى التعدية بـ"إلى" وهذا من أقوى الأدلة على إثبات الرؤيا، رؤية المؤمنين ربهم -عز وجل-.

ومثلها قوله -جل وعلا-: {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} [(35) سورة المطففين] , وهؤلاء هم الأبرار، وهم على الأرائك ينظرون، وحذف المفعول -مفعول ينظرون- للتعميم، فهم ينظرون كل ما يسرهم، ويغتبطون به، وأعظم ذلك رؤية الباري -جل وعلا-. ثم قال: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [(26) سورة يونس] {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى} أهل مرتبة الإحسان لهم الحسنى، التي هي الجنة {وَزِيَادَةٌ} وهي النظر إلى وجهه الكريم، كما جاء ذلك مفسراً من قبل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه فسَّر الزيادة بالنظر إلى وجهه الكريم. {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} يقول ابن رجب -رحمه الله تعالى- في شرح حديث جبريل في جامع العلوم والحكم، يقول ثبت في صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله تعالى في الجنة، قال: وهذا مناسبٌ لجعله جزاءً لأهل الإحسان؛ لأن الإحسان: هو أن يعبد المؤمن ربه -جل وعلا- في الدنيا على وجه الحضور والمراقبة، كأنه يراه بقلبه؛ لأن رؤيته بعين رأسه ممتنعة فما بقي إلا الرؤية القلبية، أن تعبد الله كأنك تراه، كأنه يراه بقلبه، وينظر إليه في حال عبادته، فكان جزاؤه ذلك النظر إلى وجه الله عياناً في الآخرة، والجزاء من جنس العمل، كما سيأتي في الحديث: ((إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر)) أو ((الشمس صحواً ليس دونها سحاب)) , ثم بعد ذلك حث على صلاة الصبح وصلاة العصر؛ لأن الرؤية تحصل للمؤمنين في الجنة، لكن على مراتب، مراتب متفاوتة، منهم من تحصل له في أول النهار وفي آخره، ومنهم من تحصل له كل جمعة، فهم يتفاوتون في هذا حسب تفاوت أعمالهم، بتفاوت أعمالهم، وجاء في الحديث -وفيه كلام لأهل العلم-: أن قربهم من الرب -جل وعلا- في يوم المزيد قربهم بحسب قربهم من الإمام يوم الجمعة، وهذا الحديث فيه كلام لأهل العلم. يقول: فكان جزاء ذلك النظر إلى وجه الله عياناً في الآخرة؛ لأنه حريصٌ على هذه الرؤية، ولذا لزم منزلة المراقبة لله -جل وعلا- فعبد الله -جل وعلا- في الدنيا كأنه يراه.

ثم قال -رحمه الله-: {لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [(35) سورة ق] ولدينا مزيد، {لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا} مما يستمتع به، وتشتهيه الأنفس، وتلذ له الأعين، ولدينا مزيد على ذلك كله، وفسر برؤية الله -جل وعلا-. يقول -رحمه الله تعالى- والمسألة ستأتي يعني في الفصل الثاني، وإثبات هذه الأسماء والصفات من السنة، يقول -رحمه الله تعالى-: وهذا الباب في كتاب الله كثير، يعني آيات الأسماء والصفات كثيرة جداً، تفوق آيات الأحكام أكثر من آيات الأحكام، يقول: وهذا الباب في كتاب الله كثير لمن تدبر القرآن؛ لأن الإنسان قد يكون ديدنه قراءة القرآن ليلاً ونهاراً، ويمكث على ذلك سنين بل عقود، ولم يصل إلى هذه الحقيقة، لماذا؟ لأنه يقرأ -وأجره إن شاء الله ثابت عند الله -جل وعلا- الذي هو أجر الحروف- لكنه لا يتدبر ولا يحصل له مثل هذا، هذا العلم العظيم لا سيما في هذا الباب، ولذا قال: وهذا الباب في كتاب الله كثير لمن تدبر القرآن، لا بد من التدبر طالباً للهدى منه؛ لأن من الناس من يتدبر القرآن لأمرٍ في نفسه، هو يريد شيء، يعني يتدبر القرآن قد يكون تدبره وبالاً عليه، ومن المستشرقين الكفار من اعتنى بالقرآن وتدبره وأخذ من المتشابه ما يرد به على المسلمين، وينقض به بعض شرائع الإسلام، وهكذا أتباعهم وأذنابهم في كل فترة يأتون بشيء نتيجته التدبر لا لطلب الهدى، أما من تدبر القرآن طالباً الهدى.

مفسر من المفسرين المعاصرين يستدل على جواز التصوير من القرآن {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً} [(43) سورة الأنفال] ثم قال: {وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ} [(44) سورة الأنفال] يقول: ما يمكن يكون الكبير صغير، أو الكثير قليل إلا بالتصوير، أما حقيقته لا تتغير، ويستدل بهذا على جواز التصوير، يعني هذا تدبر القرآن طالباً للهدى، ويصل إلى هذه النتيجة؟ ويعارض بها ما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟!! يقول: ما ترى الكبير صغير، أو الكثير قليل إلا بالتصوير، إذن التصوير جائز، وذكر في تفسيره أنه عرض هذا الاستنباط الذي لم يسبق إليه على شيخ من شيوخ, جهة من الجهات، فقال: هذا الدليل يدل على وجوب التصوير، لا على جوازه!! المقصود أن التدبر إنما يكون طلباً للهدى، ما هو أنت في نفسك شيء تريد أن تستدل له من القرآن؟ لا، الآن هذه الفكرة التي في ذهنك جعلتها سائقاً وقائداً للقرآن، ولم تجعل القرآن سائقاً لك، ولما تحتاجه من علم. طالب:. . . . . . . . . شوف الفتنة، إذا فتن الإنسان لا حيلة معه، وهذا التفسير حقيقةً مشحون بمثل هذه الأمور، ومع ذلك مقرر من كثير ممن ينتسب إلى العلم في الشرق والغرب، حتى رؤوس المبتدعة الكبار والمستشرقين كلهم قرروه لماذا؟ لأنه يخدمهم. طالب:. . . . . . . . . ما يحتاج، عرضه يكفي، يعني ما هو بيعرض لأنه علم هذا، يعرض لأنه ضلال، يعني تدبر القرآن من أجل استنباط مثل هذه الأحكام هذا طلب للهدى؟! هذا واضح. ولذا يقول الشيخ -رحمه الله تعالى-: وهذا الباب في كتاب الله كثير من تدبر القرآن بشرط أن يكون طالباً للهدى منه -يعني من القرآن- تبين له طريق الحق. وابن القيم -رحمه الله- يقول: فتدبر القرآن إن رمت الهدى ... فالعلم تحت تدبر القرآن

فالتدبر شأنه عظيم، قراءة القرآن على الوجه المأمور به، لا شك أن لها شأن في بناء النفس في العلم والعمل، هذا أمرٌ لا بد منه لطالب العلم، فيجعل من وقته إذا كان تعود على قراءة الهذّ، بعض الناس إذا تعود على شيء لا يستطيع فراقه، فالذين تعودوا على قراءة الهذّ يصعب عليهم أن يقول ارجعوا من جديد وتدبروا، ابدأوا بالتدبر، لكن لا يمنع أن يكون له ختمات على طريقته يكتسب من ورائها أجر الحروف، ويكون له أوقات ولو نصف ساعة في اليوم يقرأ فيها بالتدبر، ويراجع ما يشكل عليه في التفاسير الموثوقة. وذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- عن شخص أنه يختم القرآن كل يوم، هذا تدبُر؟ هذا تدبُر وإلا لا؟ لا، له ختمة واحدة تدبر أمضى فيها عشرين سنة، ومات ولم يكملها. فإذا فرضنا أنه خصص لكل يوم آية، آية واحدة يتدبرها ويراجع عليها ما يراجع من التفاسير، ثم بعد ذلك لما تم العشرين سنة مات، ولمة أكمل.

المقصود أن مثل هذا لا بد من العناية به، وكثيرٌ من الناس يقول: والله أنا اعتدت، والعادة مشكلة، العادة تفرض نفسها على الإنسان، وبعضهم يقول: أنا اعتدت القرآن أن أقرأ القرآن في سبع، ولا أستطيع أن أتدبر، لأنه يلزم عليَّ أن أقرأ القرآن في الشهر مرة مثلاً، فأكون ما ثبتُّ على العمل الذي بدأت به، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا عمل عملاً أثبته، وأفضل العمل ما داوم عليه صاحبه، وأيضاً النقص من العمل لا شك أنه على غير الهدي النبوي، النبي -عليه الصلاة والسلام- يثبت العمل إذا عمله، فيكون في النفس شيء إذا قلل من نصيبه اليومي، فنقول: لا مانع أن تقرأ على طريقتك، تختم كل سبع، وتجعل هناك ختمة للتدبر، ولو في الشهر مرة أو في الشهرين مرة، أو في السنة مرة، لكن لا تترك هذا الباب؛ لأن العلم كل العلم في قراءة القرآن على هذا الوجه، العلم الذي يورث العمل العلم الذي يورث الخشية، العلم الذي يورث الطمأنينة واليقين، ويزيد في الإيمان هو ما نشأ عن التدبر، وقد جاء الأمر به في أربع آيات من القرآن، في النساء في قوله -جل وعلا-: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [(82) سورة النساء] وفي سورة ص: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [(29) سورة ص] وفي سورة المؤمنون: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ} [(68) سورة المؤمنون] وفي سورة القتال -سورة محمد-: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [(24) سورة محمد] خطير، فلا بد من التدبر، والقرآن إنما أنزل للعمل، والعمل نتيجة للتدبر، لا يمكن أن يعمل بالقرآن من يقرأه هذّاً، لا يمكن أن يستنبط منه وهو يقرأ في الربع الساعة جزء كامل، في الجلسة الواحدة ساعة يقرأ خمسة أجزاء، هذا لا يمكن مع هذا، ولا شك أن العادة قاهرة، لو جلس أن يتدبر ما علم إلا وقد ختم السورة، لا يفيق إلا وقد ختم السورة؛ لأن في الأمور المحسوسة الذي تعود على السرعة في السيارة وهو في طريقه

رأى حادث، والحادث فيه أموات، لا شك أنه يتأثر، ثم يقلل من هذه السرعة إذا تجاوزه يقلل, ثم لا يلبث أن يزيد يزيد يزيد إلى أن يصل إلى عادته، فالإنسان إذ مرَّ بمثل قول الله -جل وعلا-: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ} [(24) سورة محمد] وهو يهذّ {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [(24) سورة محمد] تريث قليلاً، ثم بعد ذلك لا يلبث أن يعود إلى عادته، فالعادة لا شك أنها قاهرة، لكن مع ذلك نقول: استمر على عادتك، ولك أجر الحروف إن شاء الله تعالى، واجعل لك ختمة تدبر، ولتكن في وقتٍ الذهن يصير فاضي من أمور الدنيا، ويكون بين يديك من التفاسير الموثوقة ما تراجع فيه ما يشكل عليك. طالب:. . . . . . . . . أيش المانع؟ ما في شيء؛ لأن الأجر المرتب على القراءة من قرأ، والقراءة تحصل من غير تدبر، فأجر القراءة شيء، وأجر التدبر والترتيل قدرٌ زائدٌ عليه, وجاء عند أحمد والدارمي: ((يقال لقارئ القرآن اقرأ وارتق بدرج الجنة كما كنت تقرأ في الدنيا هذّاً كان أو ترتيلاً)) لكن الذي يرد على هذا أن الذي يقرأ بالهذّ ينتهي ما عنده بسرعة، فيقف عن الارتقاء، والذي يقرأ بالترتيل لا ينتهي بسرعة. وعلى كل حال، قارئ القرآن على خير، سواءً قرأ بالهذ أو بالترتيل، وإن كان الترتيل والتدبر أفضل بكثير، حتى يقرر بعض أهل العلم أن الشيء اليسير مع التدبر أفضل من الكثير مع عدمه. وابن القيم يقول: لو افترضنا أن شخصاً ختم القرآن في شهر مرة واحدة على الوجه المأمور به، أو ختم عشر مرات يقرأ القرآن في ثلاث بدون تدبر ولا ترتيل، فلا شك أن هذا أفضل، يكون من قرأه مرة كمن أهدى درة ثمينة، ومن قرأه عشراً فكأنما أهدى عشر درر، لكن هذه الدرة الثمينة قد تعادل مائة من العشر، ولا شك أنه أفضل وأجره أعظم، لكن بعض الناس يقول تعودت, والله ما أقدر أنا، وبعض الناس يعني كأنه أخذ على نفسه العهد، وإن لم يلفظ به أنه يقرأ القرآن في كذا، يعني اختط لنفسه أنه يقرأ القرآن في سبع، فكونه يقرأ القرآن في كل أسبوعين أو في كل عشرة أيام لا شك أنه رجوع ونكوص عما اختطه لنفسه، وهذا عند أهل العلم معروفٌ أنه لا ينبغي.

فالإنسان يسدد ويقارب، فيجعل لأجر الحروف وقت، ويجعل أيضاً للتدبر وقت آخر، وإن كانت قراءته كلها بالتدبر، وإن كان يترتب على ذلك قلة في القراءة، فما يمنع من ذلك -في رأيي- مانع؛ لأنه عدولٌ من المفضول إلى الأفضل، وإن كان أقل في الكمية، إلا أنه أعظم في الكيفية. فكون الإنسان يجلس بعد صلاة الصبح فبدلاً من أن يقرأ حزبه اليومي أربعة أجزاء ليختم في سبع لو قرأ جزء واحد بالتدبر والترتيل، وقرأه في كل شهر على هذه الطريقة، لا شك أن هذا أفضل، وإن كان أجر الحروف -المرتب على الحروف- أقل لكن الأجر المرتب بامتثال الأمر بالترتيل، والأمر بالتدبر أعظم، كما قرّر ذلك أهل العلم. وذكرنا مراراً أن الخلاف بين أهل العلم في الأفضل: الإسراع في القراءة مع كثرة المقروء، أو التدبر والترتيل مع قلة المقروء؟ والجمهور على أن التدبر والترتيل ولو كان المقروء قليلاً أفضل من الإسراع، ولو كان المقروء كثيراً، وعند الشافعية العكس. لكن المسألة مفترضة في شخصٍ يريد أن يجلس ساعة، يقول: أقرأ في هذه الساعة جزء أو خمسة أجزاء، أيهما أفضل؟ الجمهور يقول: تقرأ جزء على الوجه المأمور به أفضل من خمسة، وعند الشافعية يقولون: الخمسة أفضل؛ لأن الأجر فيها أعظم، الخمسة فيها نصف مليون حسنة، بينما الجزء الواحد فيه مائة ألف، كما هو معروف. طالب:. . . . . . . . . إيه يعني هل يحصل للحافظ فقط، أو لكل من يقرأ، ولو كانت قراءته نظر؟ هذه مسألة معروفة عند أهل العلم، بحثوها واختلفوا فيها، والذي يقول: أنه لا بد أن يكون حافظاً يقول: أنه في الآخرة ليس لديه مصحف، فلا بد أن يقرأ من حفظه، والذي يقول: أنه على حاله سواء كان من حفظه أو من مصحفه يؤيده قوله: ((كما تقرأ في الدنيا)). وابن القيم -رحمه الله- يقرر أن أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته هم أهل العناية به، بقراءته، بفهمه، بالعمل به، بإقرائه، ولو لم يحفظوه، هذا كلام ابن القيم في زاد المعاد.

الأسئلة:

فأهل القرآن هم أهل العناية به، ولا شك أن حفظ القرآن شأنه عظيم، وييسر للقرآن قراءته؛ لأنه مثل ما مثلوا، يقولون: الحافظ كمن زاده التمر، متى ما احتاج مد يده إلى الكيس وأكل، لا يحتاج إلى قدرٍ زائد على ذلك، ومن لم يحفظ كمن زاده البر، لا يمكن أن يأكل من البر إلا بعد عناء، لا بد أن يطحن هذا البر، ولا بد أن يعجن، ولا بد أن يخبز، ثم يؤكل، ففرق بين هذا وهذا، فالذي يحفظ القرآن يقرأ على أي حال، والذي لا يحفظ القرآن يحتاج إلى حالٍ دون حال، لا بد أن يكون متهيئاً للقراءة، وعلى كل حال هذا فضل الله يؤتيه من يشاء. الأسئلة: يقول: هل ترك قراءة القرآن في يوم يعد هجراً، وما هو ضابط الهجر؟ الهجر الترك، وهو نسبي، والهجر نسبي، فطالب العلم إذا ترك قراءة القرآن يوم كامل يلام، بينما العامي لا يلام، فعلى طالب العلم أن يعنى به، ويكون ديدنه القرآن. يقول: هل في كتابة مادة القرآن الكريم إشكال أم لا شيء فيها؟ يعني المدرس إذا كتب على السبورة المادة –مثلاً- ثم كتب قرآن أو تفسير أو حديث أو حساب أو شيء من هذا, هل قوله: مادة تسمية القرآن مادة فيها إشكال أم لا؟ ما المراد بالمادة؟ المادة إن كانت خاصة بالمحسوسات فـ. . . . . . . . . كلام الله –جل وعلا- هاه, القرآن كلام الله معنى، وليس بمادة، وإلا لو قلنا: أنه مادة بمعنى أنه جسم ويضيفه إلى الله -جل وعلا- صارت إضافته كإضافة المخلوقات، وعلى كل حال تجتنب هذه الكلمة؛ لأنها محتملة. في قوله -جل وعلا-: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [(88) سورة القصص] هل معناه كل الأعمال باطلة إلا ما كان لوجه الله؟ مثل هذا يسلكه ويفسر به هذه الآية من يحيد عن إثبات الوجه لله -جل وعلا- ولو قال إن في الآية إثبات الوجه لله -جل وعلا- وتبعاً لذلك كلما أريد به وجهه هو الخالص لله -جل وعلا- وهو المثاب عليه لا مانع، لكن كونه يُذكر ابتداءً تفسيراً للآية! لا. يقول: ما هي أفضل التفاسير التي تساعد على التدبر التي نقرأها مع التلاوة؟

لو اعتنى طالب العلم في البداية في تفسير الغريب، يعني الألفاظ المشكلة، وإذا عرف اللفظ انحل له إشكال المعنى، ثم بعد ذلك إذا بقي في المعاني إشكال يرجع إلى تأويل المشكل، ويرجع إلى التفاسير؛ لأنه لو أراد أن يقرأ تفسير كل آية من هذه التفاسير المطولة، أو لو اقتصر على ابن كثير –مثلاً- فيحتاج إلى سنة ما ختم القرآن، لكن لو اعتنى بغريب القرآن، وإذا أشكل عليه كلمة في القرآن راجعها كعرضة أولى، ثم بعد ذلك ينظر إلى الإشكال في المعاني لا شك أنه ينحل له الإشكال، ويستفيد فائدة كبيرة. طالب:. . . . . . . . .؟ بغير العربية؟ يعني كتابته باللغات الأخرى؟ المقصود ترجمته إلى اللغات. طالب:. . . . . . . . . هذه ترجمة، والترجمة الحرفية غير ممكنة، فالذي يترجم هو المعاني، هم يمنعون، يقولون: يحرم ترجمة حروف القرآن وألفاظه، وإنما تجوز ترجمة معانيه للحاجة، والذي بتقديري أن الترجمة الحرفية غير ممكنة، ليش غير ممكنة؟ هاه. طالب:. . . . . . . . . غير بلاغة القرآن أي كلام، نقول الواسطية ترجمته حرفية غير ممكنة، ترجمة حرفية غير ممكنة, يعني لو جئت بأمهر المترجمين وقلت له: ترجم لي هذا الكتاب، ثم جئت بآخر فقلت: ترجم هذه الترجمة إلى العربية من غير أن تطلع على هذا الكتاب، هل بيترجم لك نفس الكلام؟ لا، مستحيل؛ لأنهم ينظرون إلى المعاني ما ينظرون إلى الألفاظ؛ لأن بعض الألفاظ ما لها ترجمة إلا من حيث السياق الذي يحتف بها. طالب:. . . . . . . . . لا ما يعتد فيها. الطالب:. . . . . . . . . لا، هو لن يعرف الكيفية، لا يمكن أن يعرف الكيفيات إطلاقاً، يعني إن رأى شيئاً لا يبين عن حقيقة الذات الإلهية بالتفصيل، قد يرى شيئاً يقال له: أن هذا هو الله -جل وعلا- عند من يقول بإثباتها. يقول: ما حكم دفن الميت ليلاً؟ لا بأس به، والنبي -عليه الصلاة والسلام- دفن ليلاً، وكثير من الصحابة دفنوا ليلاً، بعض أهل العلم كره الدفن ليلاً؛ لئلا يشق على الناس، أو لئلا يخفى أمر الميت عن الناس.

يقول: بعض الناس أو كثير من المساجد بعد صلاة العصر يقرأ بكتاب رياض الصالحين أو يكون في المسجد درس –مثل درسنا هذا- أو محاضرة، ثم يأتي أناس فاتتهم الصلاة فهل ينتظر هؤلاء لئلا يشوش عليهم؟ سواء كانت القراءة من كتاب أو كلمة أو درس، هل ينتظر هؤلاء باعتبار أن هذه صلاة ركن من أركان الإسلام لا بد من إتقانها وضبطها، أو نقول: كلٌ في شأنه؟ المدرس في شأنه والمصلي في شأنه، والذاكر في شأنه، ولا يؤثر أحدٌ على أحد؟ ولو انتظر مثل هؤلاء ما انتهت المسألة. طالب:. . . . . . . . . أي بعض المساجد الجماعات أفواج، مثل هذا إذا انتظروا معنى هذا يتفرق الناس، وما حصلت الفائدة، والمتحدث على الناس سواء كان من كتاب أو من دون كتاب لا شك أنه يريد اجتماع الناس قبل أن يتفرقوا، نحن في الحرم –مثلاً- مجرد ما يسلم الإمام يقوم من يتكلم من المشايخ الكبار، ولا يراعون مثل هذا، أحياناً يكون وقت الورد، الناس بحاجة إلى الوقت، ثم بعد ذلك يأتيهم من يشغلهم عن هذا، وعلى كل حال هو خير، إذا عرفت أن هذا المكان فيه كلمة تشوش عليك بحيث لا تضبط صلاتك تدور غيره. طالب:. . . . . . . . . على كل حال يحرص على أن يتقدم إذا كان حريص على صلاته يتقدم، ولا تعطل هذه الفوائد، وهذه الأمور التي توارثها الناس، وهي خير في الجملة، وقد لا يسمعون الخير إلا من خلالها، ثم تعطل لا، ما يصلح.

إثبات صفة الكلام لله تعالى

شرح العقيدة الواسطية إثبات صفة الكلام لله تعالى الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذه أسئلة: يقول الأول: نرى في هذه الأيام عبارات تعلق على السيارات مفادها نصرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كعبارة نفديك بأرواحنا يا رسول الله، وغيرها من العبارات، يسأل عن حكم تعليق مثل هذه الملصقات على السيارات؟ هذا خبر يخبر بأنه يفدي النبي -عليه الصلاة والسلام- بنفسه، لكن الخبر إذا لم يصدقه العمل صار كذب، إذا قال نفديك بأرواحنا يا رسول الله، وهو مخالفٌ لسنته، ولا يأتمر بأمره ولا ينتهي عما نهى عنه -عليه الصلاة والسلام- هذا كاذب؛ لأنه كيف يفدي النبي -عليه الصلاة والسلام- بروحه وهو لا يتبعه، فمحبة النبي -عليه الصلاة والسلام- التي هو فوق محبة النفس، فضلاً عن الوالد والولد مفادها وأثرها العمل بسنته -عليه الصلاة والسلام- تصديقه فيما أخبر، طاعته فيما أمر، واجتناب عنه نهى وزجر، وألا يعبد الله -جل وعلا- إلا بما شرع، يتبع سنته قولاً وفعلاً، ويهتدى بهديه ويستن بسنته، أما نفديك بأرواحنا يا رسول الله، وعلامات المخالفة ظاهرة، هذا كلام، هذه دعوى، والدعوى إن لم يصدقها العمل فلا قيمة لها. يقول: هل الأشاعرة من أهل السنة والجماعة، وما أفضل من تكلم عن عقيدتهم؟

على كل حال الأشاعرة لا شك أن عندهم من البدع ما عندهم، قهم لا يثبتون من صفات الله -جل وعلا- إلا السبع، وينفون ما عداها، يتأولون ما عداها، وعندهم أيضاً مسائل كثيرة مخالفة لأهل السنة، لما عليه أهل الحق من سلف هذه الأمة، وإن كان المقرر عند أهل العلم أنهم أقربُ الطوائف إلى أهل السنة، ولذا أدخلهم بعض أهل السنة في أهل السنة، وجعلوا أهل السنة ثلاثة فرق، فجعلوا الأثرية وإمامهم الإمام أحمد، الأشعرية وإمامهم أبو الحسن، والماتريدية وإمامهم أبو منصور، وذلك لقرب مذهبهم من مذهب أهل السنة، ولا شك أنهم ما داموا يخالفون السنة، ويخالفون أهل السنة، وأئمة السنة، وسلف هذه الأمة في مسائل عديدة من قضايا العقيدة، فهم بهذا الاعتبار ليسوا من أهل السنة، نعم هم في أبواب من أهل السنة، في أبواب، يعني في باب الصحابة يتولون الصحابة، فهم من أهل السنة في مقابل الرافضة، وفي باب الآل يتولون الآل كأهل السنة فهم من أهل السنة في مقابل النواصب، وهم أيضاً لا يكفرون مرتكب الكبيرة فهم من أهل السنة في مقابل الخوارج، المقصود أنهم يوافقون أهل السنة كثيرٍ من القضايا، وهم يخالفونهم في بعضها، ولذا المحقق أنهم ما داموا يخالفون السنة، وينفون بعض ما دلت عليه السنة، ويخالفون أئمة المسلمين من سلف هذه الأمة في إثبات ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه، فهم بهذا الاعتبار ليسوا من أهل السنة، وشيخ الإٍسلام -رحمه الله تعالى- كتبه طافحة بالرد عليهم ومناقشتهم -رحمه الله-. يقول: ما حكم الأناشيد الإسلامية التي يصاحبها الدف والمهرجانات الإنشادية؟

أنا ما أدري كيف قيل: أناشيد سميت إسلامية، يعني ما كان المراد بها أنها لنصر الدين لنصر الإسلام هذه تصير إسلامية، إذا كانت لنصر الإسلام فهي إسلامية، وإن كانت في العلوم التي حث على تعلمها الإسلام فهي إسلامية، كما نقول: العقيدة علم إسلامي، الفقه علم إسلامي، الحديث علم ... إلى آخره، فمن هذه الحيثية إسلامية، لكن إذا كانت كلام عادي إنما هو في الأصل مباح لا يشتمل على معنىً محرم لا غزل ولا فخر ولا هجاء، فهذا الأصل فيها الإباحة، لكن يبقى أن الإنشاد له قيود، أنشد الصحابة بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن بدون آلة، فإذا صحبته الآلة حرم من أجلها لا لذاته، من دون آلة، وأن يؤدى على لحون العرب لا على لحون الأعاجم، وأهل الفسق والمجون، فإذا لم تصحبه آلة صار اللفظ مباحاً، ولم تصحبه آلة وأدي على لحون العرب فهو مباح، وأنشد بين النبي -عليه الصلاة والسلام- أما إذا صحبته آلة أو ما في حكم الآلة؛ لأنهم يقولون: ما نوع الآلات. . . . . . . . .، لكن نجمع أصوات، ونداخل أصوات بعضها ببعض يطرب لها السامع، الحكم للمعنى، إذا كانت هذه الأصوات المجتمعة، وهذه المؤثرات تطرب السامع مثل ما تطربه الآلة أخذت حكم الآلة، فلا يجوز حينئذٍ. يقول: ما حدود اللبس عند النساء، خاصة أن كثيراً من النساء يتهاونَّ باللبس بحجة أنهن لسن عند الرجال؟

عورة المرأة عند المرأة كعورتها عند محارمها، تظهر لغيرها من النساء المسلمات فقط ما يظهر لأبيها وأخيها وعمها وخالها وغيرهم ممن لا تحتجب عنهم الحجاب الكامل، {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ... } [(31) سورة النور] وفي ذلك من ضمن ذلك النساء، فالنساء عطفن على المحارم، فتخرج المرأة عند المرأة ما يخرج غالباً عند محارمها مع أمن الفتنة، يعني نصف الساعد القدم وما فوقه بيسير، الشعر وما يليه، المسألة يعني لا بد من الاحتياط من هذا، والظرف الذي نعيشه على كل غيور على محارمه أن يحتاط أشد الاحتياط لهذا الأمر ولو كانت في أوساط النساء، لا سيما مع انتشار هذه الآلات التي تصور النساء على وضعٍ معين، يعني في أماكن زينة، وما أشبه ذلك من أعراس ونحوها، ثم بعد ذلك تدبلج عليها ما تدبلج، ثم تساوم بهذه الصور، كما هو حاصلٌ الآن نسأل الله السلامة والعافية، فعلى الإنسان أن يحتاط لمحارمه. يقول: تفسير البروك بالسجود بقوة وسرعة ألا يعترض عليه، بـ"هوى ساجداً" يعني الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان لا يرفع يديه إذا هوى للسجود؟ يعني هل معنى الهوي من لزومه النزول بقوة، "خرَّ" النزول بقوة؟ ما يلزم، المقصود أن معناه سجد، أما إذا سجد بقوة نزل على الأرض بقوة، سواءٌ قدم يديه أو رجليه، إن وافق البعير وإلا وافق الحمار، والصلاة يطلب فيها الطمأنينة. يقول: أريد أن أستفسر عن رؤية رأيتها ... ؟ أولاً: أنا لا أفسر الأحلام. الأمر الثاني: أنه لم يذكر هذه الرؤيا. بعد هذا يقول: تقدم رجل يظهر عليه الاستقامة إلى أختي من غير بلدنا .. طالب: يسأل عن حكم مهنة تفسير الأحلام. . . . . . . . .؟

والله كون الإنسان يتخذها مهنة ويتفرغ لها، ويأخذ عليها الأجر هذا ليس من عمل سلف هذه الأمة، فلا يعرف فيهم من نصب نفسه لهذا الأمر وعرف به دون غيره، عرف ابن سيرين بتعبير الرؤيا، لكن شهر بالتفسير شهر بالعلم أكثر بكثير، وما روي عنه وما صح عنه في هذا الباب لا يعادل ما يجلس له بعضهم في هذه الأيام جلسة واحدة، لا أقول يوم، جلسة واحدة يفسر أكثر مما أثر عن ابن سيرين في عمره كله، فهل يمكن أن يتمسك أحد بأن ابن سيرين عرف بالتعبير؟ عرف بالتعبير وأعطي من الإلهام ما يجعله ما يجعل تعبيره يكون صواباً، لكن مع ذلك ما تفرغ لهذا، هو رجل علم، رجل تعليم، رجل دعوة، رجل رواية، ما تفرغ، ولا عرف في سلف الأمة من يتفرغ لا للرؤية ولا لتعبير الرؤى، لكن ((إن استطاع أحدكم أن ينفع أخاه فليفعل)) يعني إذا عرض عارض وجاء مريض، وقال طلب منك أن ترقيه ارقه، وتؤجر على هذا، ولكن تنصب نفسك لهذا الأمر، وتجعل هذا ديدنك، وهذا مصدر رزقك، وتجلس أحياناً يجلسون في المساجد، وذكر لنا أنه في مسجد من المساجد في غرفة ملفات ومواعيد ومراجعات، كأنها عيادة طبية صارت، وفي المسجد، هذا ما عرف عن سلف هذه الأمة، نعم صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه إذا صلى الصبح التفت إلى أصحابه وقال: ((هل رأى أحدٌ منكم رؤيا)) لكن هل هذا يسوغ لغيره، هو مؤيد بالوحي، ولا خصص نفسه لهذا الأمر، الأمر الثاني: أن هذا ما عرف عن أبي بكر ولا عمر ولا خيار هذه الأمة، فكون الإنسان يفرغ نفسه لهذا الأمر، ليس على الهدي وليس على الجادة. طالب:. . . . . . . . .؟ شوف يا أخي الأضغاث فسرت، وتراهن اثنان على اختبار واحدٍ من العابرين فكذبوا، يعني ابتكروا رؤيا ما رأوها، وسألوا واحد من العابرين وعبرها لهم، يعني رؤيا مكذوبة وعبرت.

يقول: تقدم رجلٌ يظهر عليه الاستقامة إلى أختي من غير بلدنا فوافقنا عليه بعد أن أظهر لنا أنه حريصٌ على أختي، وأنه سيسعدها، وأنه وأنه، ثم يسر الله له ودخل بها الآن وله الآن شهران ولم يعطها أي درهم، علماً أن المتفق عليه كان ستة آلاف دولار، وللأسف ظهر لنا وجهه الآخر، فهو للأسف كذب علينا، فلم يسعدها بل ظلمها، ولم يدفع لها مهرها، وأختي الآن تعيش حالة نفسية شديدة، وتدعو عليه كلما أصبحت وأمست، فما الواجب على هذا الزوج، وهل تأثم أختي في دعائها عليه؟ أولاً: أنتم قصرتم في السؤال عنه، وإلا لو سألتم عنه أهل الخبرة به ممن يعرفه من الثقات ما تبين لكم غير ما ظهر لكم في أول الأمر. الأمر الثاني: عليه أن يتقي الله -جل وعلا-، فوصية النبي -عليه الصلاة والسلام- في النساء في أعظم المواقف في يوم النحر في حجة الوداع، وأمرنا بأن نعاشرهن بالمعروف {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [(229) سورة البقرة] وهن عوان: يعني أسيرات عند الرجال، فعليهم أن يحسنوا إليهن، ويأثم بذلك، وهذا ظلم نسأل الله السلامة والعافية، ظلم، والله -جل وعلا- حرم الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرماً، ولعظمة الظلم حرمه على نفسه، فعليه أن يتقي الله -جل وعلا- وأن يؤدي إليها ما التزمه لها من مهرٍ، وأيضاً عليه أن يمسكها بالمعروف، لا يطالب بأكثر مما يطالب به غيره من أمثاله. وهل تأثم أختي في دعائها عليه؟ إذا كانت تدعو عليه بقدر المظلمة فلا تأثم، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((واتق دعوة المظلوم)) فدل على أن المظلوم له دعوة مستجابة، ولولا أن دعوته مستجابة لما جاز له أن يدعو، يعني كون دعوته مستجابة دل على أن دعوته مباحة على من ظلمه، والله -جل وعلا- يقول: {لاَّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [(148) سورة النساء] فالمظلوم له أن يدعو على ظالمه بقدر مظلمته. هذا يقول: ما معنى ((وإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي)) هل معناها ذكرني خالياً، أم ذكرني بدون تحريك الشفتين؟

صفة الكلام لله تعالى:

يظهر أنه ذكره خالياً، الذكر لا يتم إلا بتواطؤ القلب مع اللسان، وإن خلا عن تحريك اللسان والشفتين صار فكر وتفكر، وليس بذكر، ولذا قابل النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث القدسي قابل: ((وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منه)) فدل على أنه إذا ذكره منفرداً ذكره الله -جل وعلا- في نفسه، وإن ذكره في ملأٍ يعني في مجتمع من الناس ذكره الله -جل وعلا- في ملأٍ خيرٍ منه، والله أعلم. طالب:. . . . . . . . .؟ يعني كونه يخاطبه وهو ميت، والياء هذه ما موضعها؟ مخاطبته وهو ميت، تخاطبه في الصلاة أنت "السلام عليك يا أيها النبي" ما في إشكال إن شاء الله. طالب:. . . . . . . . .؟ ((حتى يريه)) في الحديث الصحيح: ((لئن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه)) حتى يمتلئ، بحيث لا يقبل معه شيء، فكون الجوف مملوء من الشعر بحيث لا يستوعب هذا الجوف، والمراد به القلب وما يخزن به الحفظ بحيث لا يستوعب غيره، لا من آيات، لا من قرآن ولا من سنة ولا من علم ولا من شيء، إذا كان ليس في جوفه إلا الشعر، هذا صار على حساب غيره من المهمات، صار على حساب القرآن والسنة، والعلم الشرعي، إذا كان بهذه المثابة، فلئن يمتلئ قيحاً خيرٌ من أن يمتلئ شعر، بحيث لا يستوعب معه غيره، أما إذا كان فيه شعر كثير، وفيه أكثر منه من كتاب الله ومن سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- فهذا لا يضر. صفة الكلام لله تعالى: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: وقوله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا} [(87) سورة النساء] وقوله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً} [(122) سورة النساء] وقوله: {وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} [(116) سورة المائدة] وقوله: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} [(115) سورة الأنعام] وقوله: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [(164) سورة النساء] وقوله: {مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ} [(253) سورة البقرة] وقوله: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [(143) سورة الأعراف] وقوله: {وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [(52) سورة مريم] وقوله: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [(10) سورة الشعراء] وقوله: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} [(22) سورة الأعراف] وقوله: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [(62) سورة القصص] وقوله: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [(65) سورة القصص] وقوله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ} [(6) سورة التوبة] وقوله: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [(75) سورة البقرة] وقوله: {يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَاُ} [(15) سورة الفتح] وقوله: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [(27) سورة الكهف] وقوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [(76) سورة النمل]. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- مثبتاً صفة الكلام لله -جل وعلا- مستدلاً بما جاء عنه في كتابه الكريم من الآيات؛ لأن هذا الفصل موضوع للأدلة القرآنية التي أثبت الله بها لنفسه هذه الصفات المذكورة، ومنها صفة الكلام، قال -رحمه الله-: وقوله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا} [(87) سورة النساء] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً} [(122) سورة النساء] أي لا أحد أصدق من الله حديثاً، ولا أحد أصدق من الله قيلاً، فالحديث هو الكلام، والقيل: أيضاً هو القول، والقول هو الكلام، وإن كان القول أعم عند النحاة، القول أعم من الكلام عند النحاة، لكنه هنا المراد به الكلام، والحديث يراد به الكلام، والحديث المراد به هنا كلام الله -جل وعلا- في كتابه المنزل على نبيه وعلى من قبله من الأنبياء، فهو يعم كلام الله -جل وعلا- من القرآن وغيره مما أنزله الله -جل وعلا- على رسله، وكذلك القيل والقول فهو الكلام المنزل على أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم. الحديث عند بعض الطوائف في غير هذا الموضع، يقولون إن السنة سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- يقال لها حديث، نعم يقال لها حديث، لكن هم يرون أن التسمية بحديث مقابلة للقرآن؛ لأنه قديم، قالوا: ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- حديث؛ ليكون مقابلاً للقرآن الذي هو قديم، فالحديث ضد -وإن شئت قلت نقيض- القديم، فمادام القرآن عندهم قديم فالسنة حديث، هذا الكلام صحيح وإلا ليس بصحيح؟ لماذا؟ طالب:. . . . . . . . . لا، لا الحديث حجة عندهم، وهم يقولون بهذا، يقولون الحديث حجة، لكن تسميته حديث ليقابل القديم الذي هو القرآن، وهذا مبنيٌ على مذهبٍ ... طالب:. . . . . . . . . القرآن حادث. . . . . . . . . لا، لا ما نقوله، هم يقولون قديم ما يقولون حادث. الطالب:. . . . . . . . . إيه لكن ليش هم قالوا قديم وهذا حديث؟؟ طالب:. . . . . . . . .

كلامنا في كلام الله -جل وعلا- الذي هو القرآن،. . . . . . . . . مسألة محددة، الحديث عندنا آيتين: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا} [(87) سورة النساء] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً} [(122) سورة النساء] نريد أن نبطل كلامهم من الآيتين. الحديث يعني ما يتحدث به وهو الكلام، والقيل هو القول فهو الكلام، انتهينا من هذا بالنسبة لما يضاف إلى الله -جل وعلا- بالنسبة لما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هو قوله وهو كلامه -عليه الصلاة والسلام- وإن كان في الأصل هو وحي؛ لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى، لكن في التسمية هم قالوا: إن ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يقال له حديث في مقابلة ما يضاف إلى الله -جل وعلا-؛ لأنه قديم، هذا مبني على قول الأشاعرة في القرآن، ماذا يقولون؟ يقولون: القرآن قديم، الله -جل وعلا- تكلم في الأزل، ولا يتكلم بعد ذلك، خلاص تكلم وانتهى، فكلامه قديم، وهو شيء واحد تكلم وانتهى، إن كان بلغة كذا فهو كذا، إن كان بلغة كذا فهو كذا، إن كان. . . . . . . . . فالكلام واحد، لكن إن عبر عنه بالعبرانية صار توراة، بالسريانية يصير إنجيل، بالعربية يصير قرآن، وإلا هو كلام واحد؛ لأنه قديم!!. أهل السنة يقولون: هو قديم النوع، كلام الله قديم النوع بلا شك؛ لأن الله -جل وعلا- لم يزل متكلماً، لكنه قديم النوع لكنه وإن كان قديم النوع إلا أنه حادث متجدد الآحاد؛ لأنه -جل وعلا- يتكلم متى شاء إذا شاء، فكلامه مربوطٌ بمشيئته -جل وعلا- أما عند الأشاعرة خلاص تكلم في الأزل ولا يتكلم، غير مرتبط بالمشيئة، فهو صفةٌ ذاتية، وليست صفة فعل، عرفنا كيف دخل عليهم الدخل؟

كلامهم أنه كلامٌ واحد، وإنما يختلف باختلاف اللغات، يعني أصله واحد يختلف باختلاف اللغات، هل هذا الكلام له وجه؟ فهل التوراة والإنجيل والقرآن متطابقة؟ يعني لو ترجمت التوراة إلى العربية صارت قرآن، لو ترجم الإنجيل إلى عربية صار قرآن على حد زعمهم أو العكس، يعني لو ترجمت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [(1) سورة المسد] إلى العبرانية والسريانية، هل نجد لها نظير في التوراة والإنجيل؟ هل نجد لهذه السورة نظير في التوراة والإنجيل؟ ما يمكن. الأمر الثاني: أول ما نزل القرآن على النبي -عليه الصلاة والسلام- في الغار، ذهب النبي -عليه الصلاة والسلام- به ترجف بوادره، يرجف فؤاده، ترجف بوادره، جمع بادرة وهي اللحمة التي بين المنكب والعنق من الخوف، وعرض ذلك على خديجة، وخديجة عرضت على ورقة بن نوفل، وكان قد تدين بالديانات السابقة اليهودية والنصرانية، وكان يقرأ الكتاب العبراني، ويترجمه إلى العربية والعكس، من العربية إلى السريانية يترجم باللغات؛ لأنه عرف هذه الكتب وعرف اللغات، لما سمع ما أنزل على النبي -عليه الصلاة والسلام-: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [(1) سورة العلق] هل قال هذا الكلام الذي أنزل على موسى؟ أو قال: هذا الناموس الذي نزل على موسى؟ الناموس الذي هو جبريل عليه السلام. ما قال: إن هذا القرآن هو الذي نزل على موسى، وإلا هو مقتضى ذلك أن يقول: هذا عندي ها أنا مترجمه، عندي مترجم من التوراة والإنجيل، هل يتصور مثل هذا؟ يعني كان ما يستغرب ولا يكون كلام جديد عنده، يقول: هذا معروف، ولانتشر هذا القرآن قبل نزوله على النبي -عليه الصلاة والسلام- بين العرب؛ لأنه يوجد من يقرأ التوراة ومن يقرأ الإنجيل ويترجم كورقة، والوقائع والحوادث والواقع يرد هذا الكلام، ويجعله لا أساس له، ولا حظ له من النظر البتة، يعني وإن قال به ناسٌ من الكبار من الأذكياء من العقلاء، من ... لكن العقل ماذا ينفع إذا تجرد عن الاتباع والتسليم؟

هم ذكروا أقوال استندوا فيها إلى عقولهم، ولم يسلموا لما جاء عن الله -جل وعلا- بل حكموا عقولهم في النصوص ثم ألزموا بلوازم ثم التزموها ووصلوا إلى هذا الحد؛ لأنه إذا لزمت اللوازم، فإما أن يرجع صاحب القول أو يلتزم باللازم. فقول أهل السنة في كلام الله -جل وعلا- أنه كلامه وقوله حقيقة بحرف وصوت، قديم النوع متجدد الآحاد، فالله -جل وعلا- تكلم في الأزل ويتكلم متى شاء إذا شاء كيف شاء، هذا قوله بحرف وصوت، والأشاعرة يقولون: المراد بالكلام المذكور في النصوص هو الكلام النفسي، يتلقاه جبريل من معدنه ويعبر به بأي لغةٍ تناسب القوم الذين ينزل عليهم وهو واحد، ويستدلون بكلام أو ببيت شعر للأخطل، ومعروف أن الأخطل نصراني والنصارى ضلوا في هذه الصفة، في صفة الكلام. إن الكلام لفي الفؤادِ وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلا إن الكلام لفي الفؤاد، يعني أصله ومنبعه من الفؤاد واللسان يعبر عنه، لكن هل يرتب على الكلام النفسي الذي في الفؤاد هل يرتب عليه أحكام؟ أحكام شرعية؟ حديث نفس لا يؤاخذ عليه الإنسان، وعفي للناس عن حديث النفس ما لم تتكلم أو تعلم، فحديث النفس لا شيء، ولذا لو طلق امرأته في نفسه هل يقع الطلاق أو لا يقع؟ ما يقع الطلاق حتى يتلفظ، لو قذف في نفسه يجلد وإلا ما يجلد؟ ما يجلد حتى يتكلم، فحديث النفس لا حكم له، ووجوده مثل عدمه، المقصود أن هناك فرقاً بين الكلام وبين حديث النفس وما يدور فيها. طالب: حديث قدسي يا شيخ: ((. . . . . . . . . )).

الكلام كثير حول الحرف والصوت، يعني هل يتصور حديث أو قول بدون حرفٍ ولا صوت، هل يتصور قول بدون حرف ولا صوت، هل يتصور؟ ما يتصور، {وَنَادَيْنَاهُ} [(52) سورة مريم] كيف يناديه بدون حرف ولا صوت؟ {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [(52) سورة مريم] كيف تكون المناجاة بدون حرف ولا صوت؟ لأن الذي يتجرد عن الحرف والصوت لا يسمع، والذي لا يسمع يفيد وإلا ما يفيد؟ ما يفيد، ولذا صار للسمع الأثر الكبير وصار نعمة من الله -جل وعلا-؛ لأنه يفاد من ورائه ما يسمع، أما إذا كان الكلام لا يسمع فليس بكلام، ولا ينتفع به المقابل المراد المقصود بالكلام، هذا إذا تنزلنا وسميناه كلام، هل يفاد منه؟ ما يمكن يفاد منه؟ يعني كلم الله موسى تكليماً، كلمه ربه كلام نفسي، ما يسمع ليس بحرف ولا صوت، كيف يستجب موسى، وكيف يأمر قومه أن يعملوا بما أمر به من خلال هذا الكلام وهو ليس بحرفٍ ولا صوت؟ والنداء بالصوت المرتفع والمناجاة بالصوت المنخفض، بحيث لا يسمعه إلا من قرب منه. طالب:. . . . . . . . . يا أخي: الإشارة المفهمة حكمها حكم الكلام، الإشارة المفهمة، نقول نعمة السمع الذي تسمع به الأصوات أعظم من نعمة البصر، كما قرر ذلك أهل العلم، والآيات تدل على ذلك؛ لأن السمع مقدم على البصر في النصوص {وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [(134) سورة النساء] {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [(11) سورة الشورى] فيقدم السمع على البصر لماذا؟ لأنه يدرك الأصوات، لكن إذا كان خلقة لا يدرك أصم، هذا يفوته خير عظيم، قام ما يقوم مقام الكلام بالنسبة لهم من الإشارات المفهمة فانتفعوا، انتفعوا صاروا في حكم من يسمع، وهذه نعمة من الله -جل وعلا- بالنسبة لهذه الفئة، وإلا فالأصل أن من لا يسمع أو الكلام الذي لا يسمع لا قيمة له، والله -جل وعلا- لا يتصور أن يكلف العباد من خلال وجراء كلام لا يسمع، كيف يفهمون وهم لا يسمعون، إذا لم يكن الكلام بالحرف والصوت، كيف يفهمون؟ وإذا لم يفهموا كيف يعملون؟ هذا كلام في غاية الفساد والبطلان. طالب:. . . . . . . . .؟

هل كل شخص بذاته يلهم الأحكام ويلهم .. ؟ الرسل ... الوحي على أنحاء، الوحي كما جاء في الحديث الصحيح، كيف يأتيك الوحي؟ فقال: ((أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس)) أصوات متداركة، فيلقى في روعه يفهم -عليه الصلاة والسلام- يعني هذه أشياء لا تدركه عقولنا، لكن ... البرقيات مثلاً صار الأمر قريب لهم، إن بعض الأصوات المتداركة يفهم منها شيء، فهذا نوعٌ من الوحي، وأحياناً يلقى في روعه -عليه الصلاة والسلام- من غير كلام، لكن هذا خاص بالرسل، وأحياناً يأتيه الملك يتمثل له الملك رجلاً، وهذا هو الكثير الغالب. يقول في الحديث: ((يناديهم بصوتٍ، يسمعه من بعد، كما يسمعه من قرب))؟ على كل حال الأحاديث كثيرة في الباب، والباب الذي يلي هذا الباب كله فيما ورد من السنة لهذه الصفات. {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً} [(122) سورة النساء] {وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} [(116) سورة المائدة]. يعني ناده بالقول، فالقول وهو الكلام صفةٌ ثابتةٌ لله -جل وعلا- حيث كلم موسى ونادى عيسى، وكلم محمداً -عليه الصلاة والسلام- وتكلم بكلام سمعه جبريل، ونزل به على الأنبياء، هذا أمرٌ مقطوعٌ به، استفاضت به نصوص الكتاب والسنة {وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} يعني لو قال لنا شخص: إن الله -جل وعلا- ما قال: يا عيسى بن مريم ماذا نقول؟ يكفر بلا شك، يكفر لكن يتحايلون عن النصوص ويحرفونها، يحرفون معانيها، وإن لم يحرفوا ألفاظها، وجاء من حرَّف اللفظ على ما سيأتي. طالب:. . . . . . . . . هذا في يوم القيامة {أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ} [(116) سورة المائدة] في آخر المائدة، هذا في يوم القيامة.

{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} [(115) سورة الأنعام] {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} [(119) سورة هود] كلمة واحدة وإلا كلمات وإلا كلام؟ كلام كثير, يقول: {لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [(109) سورة الكهف] والكلمة هنا مفردة لكنها أضيفت إلى معرفة، فتفيد العموم، تفيد العموم, {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [(164) سورة النساء] فاعل: كلم هو الله -جل وعلا- وموسى مفعول؛ لأنه مكلم، وتكليماً تأكيد، نعم, تأكيد, وأهل العلم يقولون: التأكيد ينفي المجاز، {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} جاء من يحرف ويقول: {كلم اللهَ موسى تكليماً} فجعل المتكلم هو موسى، والمكَلَم هو الله -جل وعلا-. تكليماً: وقلنا: إن التكليم مصدر كلَّمَ، وهو مصدر مؤكد لفعله، والتأكيد ينفي إرادة المجاز، حتى عند من يقول بالمجاز؛ لأنهم حينما يقولون: كلَّم يعني جرحه كما يقولون بأظافير الحكمة من الكلم والجرح، لكن هل هذا هو المعنى الحقيقي للتكليم والكلام، فقوله: {تَكْلِيمًا} ردٌ لقولهم. وتحريف اللفظ من الناحية الإعرابية {كلم اللهَ موسى} يجعلون الرب -جل وعلا- هو المكلَّم وموسى هو المكلِّم والمتكلم هذا يرد عليه بقوله -جل وعلا-: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [(143) سورة الأعراف] هذه تحتمل وإلا ما تحتمل؟ ما تحتمل، يعني لو قال: {ربَه} يستقيم الكلام وإلا ما يستقيم؟ ما يستقيم؛ لأن الهاء تمنع، الهاء مفعول لا محالة، الهاء مفعول لا محالة, والرب هو الفاعل، ولا يمكن تحريفها كما أمكن تحريف الآية السابقة على حد زعم من حرفها. {مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ} [(253) سورة البقرة] {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ} [(253) سورة البقرة] لفظ الجلالة إعرابها: فاعل؛ لأن الكلام المباشر دون واسطة لم يحصل للجميع، وإنما حصل لبعضهم، فمن هذه تبعيضية، من هؤلاء الأنبياء من كلمه الله -جل وعلا- والمفعول ضمير يعود على "من" والفاعل هو الله -جل وعلا-.

{وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [(143) سورة الأعراف] {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} هذه لا تحتمل ما احتملته الأولى من التحريف على حد زعم من حرفها، وإلا فالقراءة الثابتة السبعية الواجب اعتبارها بهذا اللفظ: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}. {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} الميقات مدته أربعون يوماً، {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} الشاهد هنا حيث أثبت الكلام لنفسه -جل وعلا- أثبت الكلام لنفسه -جل وعلا-. {وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [(52) سورة مريم] ناديناه بصوتٍ مرتفع ثم لما قرب ناجاه الله -جل وعلا-؛ لأن النداء هذه طبيعته أن الصوت المرتفع، بخلاف المناجاة التي هي الصوت المنخفض. {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [(10) سورة الشعراء] {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} {وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ}. طالب:. . . . . . . . .؟ الأيمن في سورة طه، والأيمن للجانب، الأيمن أو الوصف هنا, الوصف هنا ليس للطور، ليكون مجروراً على كل حال، هنا من جانب الأيمنِ، وهناك جانبَ الطورِ الأيمنَ، فتابع لجانب، {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [(52) سورة مريم]. {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} [(10) سورة الشعراء] وهذا النداء بكلام مسموع، بحرفٍ وصوت، سمعه موسى وامتثل -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- {أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [(10) سورة الشعراء]؛ لأنه لو لم يكن بصوت ولا بحرف لما تم امتثاله، ولما ذهب إلى فرعون ودعاه إلى الدين القويم. {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا} [(22) سورة الأعراف] الله -جل وعلا- نادى آدم وحواء قائلاً لهما: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} [(22) سورة الأعراف] عن هذه الشجرة التي أكلتم منها، فتقدم التحذير والنهي عن الأكل قبله، وهذا يدل على أنه كلمهما ونادهما بحرفٍ وصوتٍ سمعاه، لكن حصلت المخالفة؛ لأن الشيطان وسوس لهما.

ثم قال -جل وعلا-: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [(65) سورة القصص] في آية قبلها. . . . . . . . . {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} [(22) سورة الأعراف] {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [(10) سورة الشعراء] {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ}. . . . . . . . . {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}. . . . . . . . . . في نقص عندنا. . . . . . . . . {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} هذه موجودة عندنا، لكن في آية قبلها، قبلها آية: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيََ} [(62) سورة القصص]. . . . . . . . . نعم هذه آية ساقطة من بعض النسخ، يقول: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [(62) سورة القصص] يعني يوم القيامة ينادي الله -جل وعلا- المشركين تبكيتاً وتقريعاً لهم، {فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [(62) سورة القصص] أنهم أهلٌ يستحقون العبادة من دوني على حد زعمكم، فهذا نداء للمشركين، يقول الله -جل وعلا-: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ} أيها المشركون؟ أين شركائي الذين تزعمونهم أنهم مستحقون للعبادة، وصرفتم لهم شيئاً منها؟

ثم بعد هذا الآية التي تليها: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} والآية كالتي قبلها فيها النداء من الله -جل وعلا- والنداء لا يكون إلا مسموعاً؛ لأنه بصوتٍ مرتفع يسمعه المقصود به، ويكون النداء بقدر الحاجة، وكلام الله -جل وعلا- يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، فهو ينادي -جل وعلا- وهو يناجي كما قال -جل وعلا-: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [(52) سورة مريم] فنجياً إعرابها: حال من أيش؟ صاحب الحال نجي فعيل، بمعنى مناجي أو مناجاة؟ نجي فعيل، فهل هي بمعنى المفعول أو بمعنى الفاعل، مناجي أو مناجاة؟ وإذا قلنا مناجاة فهي حالٌ من الضمير المفعول {وَقَرَّبْنَاهُ} حال كونه مناجاة، وإذا قلنا مناجي فهي حالٌ من الفاعل وهو النون فاعل {وَقَرَّبْنَاهُ} هو على كل حال هذه المناجاة من الله -جل وعلا- ولذا أثبتت في صفاته -جل وعلا-. {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} كما في الآية التي قبلها، النداء لا يكون إلا بحرفٍ وصوت يسمعه المقصود به. {فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} وفي هذا إثبات الكلام لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، ثم بعد ذلك بعد إثبات صفة الكلام الصفة العامة يأتي الكلام في الكلام الخاص وهو القرآن، في آيات ذكرها الشيخ -رحمه الله تعالى- والكلام في صفة الكلام وفي القرآن يطول، يمكن أن يستغرق ثلاثة دروس أو أكثر,. . . . . . . . . نبسط المذاهب إن شاء الله تعالى، وننظر في كلام أهل العلم، ونترك الكلام في القرآن للدرس القادم إن شاء الله تعالى. أسئلة: يقول: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} التأكيد ينفي المجاز على كلام أهل اللغة، فهل يعني ذلك أن القرآن فيه مجاز، وما هو الصحيح في هذه المسألة؟

ذكرنا في درس -أظن في شرح الزمزمية- وأطلنا في مسألة المجاز، وقلنا: أنه لا مجاز لا في النصوص ولا في لغة العرب على القول المحقق الذي اختاره شيخ الإسلام وابن القيم، وأهل التحقيق، وأما كونهم يقولون: هذا ينفي المجاز يعني عند من يقولون به، يعني حتى على سبيل التنزل عند الخصم الذي يرى أنه مجاز ينتفي المجاز بالتأكيد، ويقولون: إذا قلت: جاء زيد، احتمال أن يكون جاء أهله، جاء أمره، جاء خبره، جاء شيء يتعلق به، وإذا قلت: جاء زيدٌ نفسه أو عينه ما يحتمل مجاز أبداً هذا. يقول ابن القيم عن بيت الأخطل: (استوى بشرٌ على العراق) ودليلٌ في ذاك بيتٌ قاله ... فيما يقال الأخطل النصراني يا قوم قد غلط النصارى قبل في ... معنى الكلام وما اهتدوا لبيانِ سيأتي في كلام ابن القيم، لكن في قوله: قد استوى بشر، ليس المراد قوله قد استوى بشر لا، المراد به: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلاً هذا يقول: غداً يسمى يوم الزهور البدعي الذي سيكون اختلاط الرجال بالنساء، وبعض المنكرات في شارع. . . . . . . . . ما حكم هذا اليوم، وما رأيكم بمن سماه البدعي؟ إذا كان يتكرر ويعود في كل سنة في مثل غدٍ فهو يسمى عيد، وهو أيضاً بدعة يجب إنكاره، وإن كان خاص بهذا اليوم غد ولا يتكرر بعد ذلك فما يكون في ذلك اليوم من أمور سواءً كانت من المنكرات العملية مثل اختلاط الرجال بالنساء، وتحرش بعضهم ببعض، هذه منكرات يجب إنكارها، وإن كان الأصل المبدأ والفكرة جاءتنا من أعدائنا من اليهود أو من النصارى فهذا من التشبه المحرم أيضاً، فالإنكار على الوجهين, لكن الإنكار يكون بالطرق المناسبة التي لا تترتب عليها آثار ومنكرات أعظم منها. س: يقول الله تعالى: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} أين إثبات الكلام لله في هذه الآية؟ وما مرجع الضمير في كلمه؟ {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [(143) سورة الأعراف] فالمكلم هو موسى، وضميره الهاء، والرب هو الفاعل -جل وعلا- وأيضاً الضمير الذي أضيف إليه الرب يعود إلى موسى، ففيه إثبات الكلام ظاهر، ولا تحتمل تأويل، ولا تحتمل تحريف، كما في قوله -جل وعلا-: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [(164) سورة النساء] هم حرفوها لفظاً ومعنى، وذكرنا هذا فيما تقدم، أما هذه الآية لا تحتمل التحريف.

بيان ما أثبته الله لنفسه من الصفات من السنة

العقيدة الواسطية بيان ما أثبته الله لنفسه من الصفات من السنة الشيخ/ عبد الكريم الخضير هذا سؤال يقول: ذكرتم في الدرس قبل الماضي أن عيسى بن مريم -عليه السلام- سينزل في آخر الزمان ويكسر الصليب، يقول: ويقتل المسيح الدجال؟ يقتل الخنزير، وأما المسيح الدجال فإنه يذوب كما يذوب الملح في الماء. ومن معه، هذا ثابتٌ في السنة المطهرة، ونؤمن فيه، ولكن الإشكال الذي وقع عندي هو رفضه للجزية، وهي مقررة في شريعتنا؟ رفضه الجزية؛ لأنه لا يقبل إلا الإسلام، فلا يبقى دين إلا الإسلام، فيرفض الجزية ولا يقبلها. ولكن الإشكال الذي وقع عندي هو رفضه للجزية، وهي مقررة في شريعتنا -مقررة بالكتاب والسنة- هل نزوله على أنه نبيٌ ينصر الدين، ويكون من أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- أو ناسخٌ لبعض التكاليف؟ مثل هذا لا يسمى نسخ، إنما هو حكمٌ مؤقت، ولا يسمى نسخ، حكم مؤقت إلى نزول المسيح -عليه السلام- ثم بعد ذلك يرتفع هذا الحكم، فالحكم المؤقت يرتفع بانتهاء وقته، ولا يسمى نسخاً، ويكون عيسى -عليه السلام- من الأتباع حينئذٍ، ولا يكون نبيناً يحكم بشريعته، وإنما يحكم بشريعة محمد -عليه الصلاة والسلام-. والإشكال الثاني: في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أنا خاتم الأنبياء والمرسلين)) كيف نوفق بينه وبين نزول عيسى -صلى الله عليه وسلم- بعده؟ عيسى -عليه السلام- لا ينزل على أساس أنه نبي، وإنما ناصرٌ لهذا الدين، وأما نبوته فهي متقدمة على نبوة محمد -عليه الصلاة والسلام- فمحمد -عليه الصلاة والسلام- خاتم الأنبياء. يقول أيضاً: في شرح الواسطية أتى الكلام على بعض الطوائف والفرق نأمل ذكر الحكم في حقهم، هل هم كفار أم مسلمين؟ وكذلك الحكم لعلمائهم المجتهدين والمقلدين وعامتهم، ومن كان عنده بعض الشيء من عقائدهم؟

هذا في نهاية الكتاب شيخ الإسلام -رحمه الله- يبين وسطية منهج أهل السنة، ثم بعد ذلك يذكر الطرفين؛ لأن في كل مسألة من مسائل الاعتقاد طرفين ووسط، فعنده مثلاً الخوارج والمعتزلة في طرف، والمرجئة في طرف وأهل السنة في الوسط، وعنده الرافضة في طرف والنواصب في طرف، وأهل السنة في الوسط، المقصود أن هذه الطوائف كلها ستأتي -إن شاء الله- ويفصل حكمها وحكم علمائها المنظرين لها، وحكم عوامهم، والعلماء الذين هم في حكم المقلدين يأتي -إن شاء الله تعالى- عند الكلام على هذه الطوائف في آخر الكتاب. يقول: ما حكم مستحل الصغيرة؟

الصغيرة لا شك أنها ذنب ومعصية، ويأثم بفعلها، لكنها أخف من الكبائر التي لا تكفرها إلا التوبة، فالصغائر تكفرها الصلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، والعمرة إلى العمرة، واجتناب الكبائر مكفر للصغائر، فأمرها أسهل من الكبائر، لكن إذا ثبت تحريمها بدليلٍ قطعي بالكتاب مثلاً حينما يقول أهل العلم: أن النظر -نظر الرجل للمرأة- ليس بكبيرة، وإنما هو بصغيرة، ونظر المرأة إلى الرجل ليس بكبيرة، إنما هو من الصغائر، يعني هذا على سبيل المثال؛ لأن الضابط للكبيرة عندهم لا ينطبق عليها، وتحريمها تحريمٌ وسائل لا تحريم مقاصد، المقصود إذا قالوا مثل هذا فالذي يقول: نظر الرجل إلى المرأة جائز يكون مخالفاً لقول الله -جل وعلا-: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [(30) سورة النور] والذي يجيز نظر المرأة إلى الرجال مخالفٌ لقول الله -جل وعلا- الثابت بالدليل القطعي: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [(31) سورة النور] فالمسألة مخالفة دليل لا بالنظر إلى عظم الذنب وصغره، لا شك أن مرتكب النظر ما هو مثل مرتكب الزنا مثلاً، هذه كبيرة وهذه صغيرة هذا من حيث الذنب والجرم، لكن يبقى أن مرتكب هذا مخالف النص القطعي مثل مخالف النص القطعي، فلنا في المعصية أكثر من نظر، نظر إلى حجم المعصية ونظر إلى قدر المعصية الذي نهى عن هذه المعصية، يعني قد يوجد معصية دليلها ليس بقطعي بحيث ينازع فيه بعض أهل العلم بأن الدليل ليس بصريح في الدلالة ليس بقطعي الدلالة على المدلول، أو ثبوته ليس بقطعي، فيجيزه بعض أهل العلم، هذا لو استحله شخص هل هذا مثل من يستحل ما ثبت تحريمه بالدليل القطعي ولو لم يكن كبيراً؟.

الله -جل وعلا- يقول: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا} تقول: لا، يجوز، ليكن النظر دقيق والتفريق بين الأمرين ليكن ظاهر بين طلاب العلم، يعني هناك دليل لا بد من ثبوته، فإذا ثبت إما أن يكون ظنياً موجباً للعمل، وموجباً للترك إذا كان نهي، وهذا لا إشكال فيه، هذا يوجب ولو لم يثبت بدليلٍ قطعي، يعني لو لم يكن من القرآن المتواتر السنة، هذا يجب العمل به عند جميع من يُعتد بقولهم من أهل العلم إذا صح، أو إذا وصل إلى درجة القبول ولو كان حسناً، هذا لا ينازع في وجوب العمل به أحدٌ ممن يُعتد بقوله، لكن مخالفته ما هي مثل مخالفة الدليل القطعي، أما ما ثبت بدليلٍ قطعي بحيث لا يكون للنظر فيه مجال، يعني هل يجتهد شخص في وقتٍ من الأوقات أن النظر إلى المرأة الأجنبية جائز؟ يمكن؟ وفي الحديث الصحيح: ((اصرف بصرك)) وسئل عن نظر الفجأة فقال: ((لك الأولى وليست لك الثانية)) المقصود أن النصوص صحيحة وصريحة في تحريم النظر إلى المرأة والعكس، فارتكاب هذه المعصية ما هو مثل ارتكاب الكبائر، هذا من جهة، لكن مخالفة النص القطعي في تجويز مثل هذا العمل الذي أمر الله بتركه، يعني أمر الله -جل وعلا- بغض البصر، يعني ترك النظر، فمخالفة هذا مثل: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى} [(32) سورة الإسراء] مثله؛ لأن هذا النص ثابت من الله -جل وعلا- وهذا ثابت، والمخالفة لأمر الله -جل وعلا- هنا وهناك، والارتكاب لما نهى الله عنه -جل وعلا- هنا وهناك، فما ثبت بدليل قطعي استحلاله خطرٌ عظيم، هذا إذا كان محرماً وتحريمه إذا كان حلالاً خطرٌ عظيم، يعني من يحرم الخبز مثلاً عند أهل العلم يكفر؛ لأنه دلت الدلائل القطعية على إباحته، لكن من يحرم -مثلاً الثعلب أو الهدهد، أو أي شيء من المختلف فيه- فإن الدلالة عليه ليست قطعية، يعني تحريم الهدهد أخذه بعض العلماء من النهي عن قتله، لكن هل النهي عن قتله صريحٌ في تحريم أكله مثل صراحة: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [(30) سورة النور]؟

لا، ففي مسائل تكون الدلالة عليها ليست بصريحة، يعني ليست بقطعية، حينئذٍ للنظر فيها مجال، ولذا يختلفون تجدون الخلاف بين أهل العلم ظاهر فيها، هناك مسائل الدلالة فيها قطعية، وحينئذٍ لا مجال للنظر فيها. طالب:. . . . . . . . . ينبغي أن نفرق بين النظر المقصود لشخصٍ بذاته وتكرار النظر إليه، وبين النظر إلى المجموع، يعني لو أن امرأة خرجت من المسجد، ورأت الناس يخرجون من المسجد بالمجموع، هل هي مأمورة بتغميض عينيها، هي منهية عن أن ترسل بصرها بشخصٍ بعينه منهية عن ذلك، يجب عليها أن تغض بصرها عنه، لكن تنظر إلى المجموع مجموع الناس، وهم خارجون من المسجد أو داخلون إليه، وكذلك الرجل، هذا ما فيه إشكال، النظر إلى المجموع غير تحديد النظر في شخصٍ بعينه هذا هو الذي يورث الشهوة، وهو الذي يوجد الفتنة، أما النظر إلى المجموع ما أحد يأمر الرجل ولا المرأة بأن يغمض عينيه، ولذا جاء أن النص {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} تبعيض لا تغميض. طالب:. . . . . . . . . إذا جاء تحريمها بالنص القطعي الذي على إثره لم يختلف فيها أهل العلم؛ لأن عندنا ثبوت ودلالة، تثبت بالنص القطعي، لكن دلالتها غير قطعية، وقد تكون الدلالة قطعية والثبوت غير قطعي، لو قال شخص: والله إن صلاة العيد ما هي بواجبة، وقال الثاني: إلا واجبة، دليلنا قول الله -جل وعلا- وقطعي الثبوت: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] نقول: نعم، الثبوت قطعي لكن دلالته على صلاة العيد ليست بقطعية, ظنية، فللنظر فيها مجال، فإذا ثبت النص القطعي في ثبوته ودلالته فلا يجوز مخالفته بحال، ومخالفته خطرٌ عظيم، بل يصرح بعضهم بكفره.

يبقى أنه إذا كان النص يدل على الكراهة لا على التحريم، النص ولو كان قطعي الدلالة قطعي الثبوت لكنه يدل على كراهة، لا يدل على تحريم، أهل العلم يقولون: أن الأصل فيه أنه تحريم؛ لأنه نهي، ويوجد صارف يصرف هذا النهي من التحريم إلى الكراهة، فمثلاً النهي عن الشرب قائماً ((من شرب قائماً فليقئ)) يعني هذه أمرٌ شديد، يعني لو لم يرد في الباب إلا مثل هذه النصوص لقلنا: أن الشرب قائماً محرم، لكن ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- شرب من زمزم قائماً، وشرب من شن معلق قائماً، المقصود أنه ثبت ما يصرف هذا النهي من التحريم إلى الكراهة، لو قال أحد: حلال يجوز الشرب قائماً، والنصوص صحيحة في المنع منه، بل الأمر بالقيء لمن شرب قائماً ثابت، هذا ينتابه وجهات النظر؛ لأن أهل العلم يقولون: شربه -عليه الصلاة والسلام- قائماً دليلٌ على الجواز، والجواز لا ينافي الكراهة؛ لأنه لا يعاقب على فعله، فإذا قال: أحدٌ إن الشرب قائماً جائز ولو كان النص صحيح وصريح في الدلالة لكن لوجود المعارض الذي به صرف من التحريم إلى الكراهة جعل في الأمر شيئاً من السعة، بخلاف النهي ولو كان المنهي عنه ليس بكبيرة، لكن النهي لا صارف له من جهة، ودلالته قطعية وثبوته قطعي، هذا الأمرٌ خطير.

قد يقول قائل: مثلاً إن قول الله -جل وعلا-: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [(31) سورة النور] عائشة نظرت إلى الحبشة، وفاطمة بنت قيس قال لها النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك)) يعني: هذا يخفف، يجعل النظر في الجملة ليس من الكبائر، وإن كانت الدلالة والقوة في الآية لولا ما ورد فيها، ولولا الضابط الذي جعله أهل العلم للكبائر لا ينطبق عليها إلا مع الإصرار، إذا كان ديدنه إرسال النظر بين محارم المسلمين أو العكس، إذا كان ديدن المرأة النظر في الرجال والتحديد في أعيانهم فهذا إصرار -نسأل الله السلامة والعافية- فلو يقول قائل مثلاً: فيه مندوحة، المسألة كلها صغيرة، وجاءت نصوص تدل على النظر، النظر الذي جاء في هذه النصوص المخالفة للآية أجاب عنها أهل العلم، فالجواب عن نظر عائشة ما تقدم ذكره؛ أنها لا تنظر إلى الأعيان تنظر إلى المجموع، والنظر إلى المجموع لا بأس به، ولا يورث أدنى فتنة، ولا يورث فتنة، لكن النظر إلى شخصٍ بعينه بحيث تقع صورته في قلبها وتتكرر معها وتكرر النظر في ذلك لا شك أنه محرمٌ ممنوعٌ بالآية. وأما حديث: ((اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجلٌ أعمى)) لا شك أنه مأمون الجانب –الأعمى-؛ لأنه لا يرى، وهي تضع ثيابها بمعنى أنها تضع جلبابها عن نفسها، ومع ذلك لا يراها، فالخشية منه عليها مأمونة، يبقى هي نفسها مأمورة بما جاء في الآية: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} فلا يجوز أن تنظر إليه نظرة شهوة أبداً. طالب:. . . . . . . . . خيلاء خيلاء الطالب:. . . . . . . . .

يعني يحمل المطلق على المقيد؟ لا يحمل المطلق على المقيد للاختلاف في الحكم والسبب، وإذا اختلف الحكم والسبب لا يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، لكن للنظر مجال من جهة أن الحكم هنا ((ما أسفل من الكعبين ... ففي النار)) هذا حكم، لكن الحكم الثاني ((من جرَّ ثوبه خيلاء)) حكمه أيش؟ مساوي أو أعظم؟ أعظم بكثير، فهذا له ما يخصه، وهذا له ما يخصه، فحكم هذا غير حكم هذا، اختلفا في الحكم، اختلفا أيضاً في السبب، سبب الإثم العظيم الخيلاء المقارنة للإسبال، وسبب كونه في النار مجرد الإسبال، فإذا اختلف الحكم والسبب لا يحمل المطلق على المقيد. من أهل العلم من يرى أنه يحمل المطلق على المقيد في هذه الصورة والحكم واحد كله تحريم، نظر إليها من هذه الحيثية لكن الحكم مختلف بلا شك، فلا يحمل المطلق على المقيد. طالب:. . . . . . . . . أبو بكر هل يتعمد ذلك؟ الأصل في إزاره أنه قصير، لكنه رجلٌ لا أرداف له يستمسك بها الإزار، وحينئذٍ إذا لم يتعاهده فإنه ينزل، أنت تشوف الآن في الإحرام، أو في السراويل؟ السروال عادي يعني إلى نصف الساق، لكن بعض الناس بعض الأحيان ينزل وهو ما يشعر، هل نقول: أن هذا يجره خيلاء أو إزاره تحت الكعب الذي لا يتعاهده؟ الرجل نحيف فإذا لم يتعاهد إزاره أو سرواله -الذي يشده هذا- ينزل، شعر أو لم يشعر، ثم بعد ذلك إذا عاد إليه ورفعه انتهى الإشكال، لا,لا هذا لا يدخل أبداً، الأمر الثاني: أن أبا بكرٍ شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن مثل أبي بكر، يشهد له النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا قال لنا قال: أنا أسحب إزاري وأجره لكن من دون خيلاء، نقول: أنت زكيت نفسك؛ لأن هذا عملٌ قلبي لا يطلع إليه إلا الله -جل وعلا- فأنت حينئذٍ تزكي نفسك، لكن لو زكاك معصوم كالنبي -عليه الصلاة والسلام- قبلناه مثل ما زكى أبا بكر، فالفرق كبير بين الاثنين. الطالب:. . . . . . . . . يدل على أن كل إسبال مخيلة، من الخيلاء، يدل على أن كل إسبال من الخيلاء، لكن الواقع يدل على التفريق، بأن هناك من يجرُّه مجرد جر، نعم هو قرينة على أنه مخيلة، ولو كان كل إسبال مخيلة لما اختلف الحكم، لكنه قرينة على أنه إذا جر ثوبه عرف أنه في نفسه شيء.

إثبات الصفات من السنة: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فقد قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: "ثم سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه؛ وما وصف الرسول به ربه من الأحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول وجب الإيمان بها كذلك، مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ )) متفق عليه. وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم براحلته)) الحديث متفق عليه، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخلُ الجنة)) متفق عليه، وقوله-صلى الله عليه وسلم-: ((عجب ربنا من قُنوط عباده، وقرب غِيَره ينظر إليكم أزلين قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب)) حديث حسن .. ". الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فلما انتهى المؤلف -رحمه الله تعالى- من بيان ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه من الصفات في كتابه المنزل على نبيه -عليه الصلاة والسلام- ثنَّ بما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- من صفاتٍ لله -جل وعلا-. قال -رحمه الله تعالى-: "فصل": الفصل في عرف أهل العلم يجعل فيما يفصل بين أمرين بينهما شيءٌ من التغاير من وجه وتوافق من وجه، تغاير من وجه وتوافق من وجه، فالتغاير عندنا باعتبار أن ما تقدم من الكتاب، واللاحق من السنة، والتوافق أن دلالة كل منهما واحدة، ومدلول كل واحدٍ منهما واحد، وهو الصفات لله -جل وعلا- المثبتة في الكتاب بالنسبة لما تقدم، وفي السنة بالنسبة لما ذكره بعد هذا الفصل. والترتيب عند أهل العلم أن الفصل يأتي في المرتبة الثالثة، في ترتيب أهل العلم للمسائل العلمية، فيبدأون بالكتاب -هذه الترجمة الكبرى- ثم بالباب، ثم بالفصل.

وشيخ الإسلام الكتاب المعنون بالواسطية، ولا كتب داخل هذا الكتاب، بينما كثيرٌ من كتب أهل العلم فيها كتب داخل الكتاب الأصلي، ففي كتاب صحيح البخاري سبعة وتسعون كتاباً، وفي ضمن كل كتاب أبواب، بعضها يزيد عن المائة، وبعضها ينقص عن العشرة، وهكذا. المقصود أن الترتيب عند أهل العلم -العرف العلمي الجاري عندهم- أن ترتيب المسائل العلمية يُبدأ فيها بالكتاب، ثم الباب، ثم الفصل، ثم بعد ذلك تلحق مسائل وتتمات وتذييل، وما أشبه ذلك لهذه الفصول. وترتيبهم يتفاوت من كتاب إلى آخر، كل مؤلف له اصطلاحه، وإذا عرف الاصطلاح وبين فلا مشاحاة في الاصطلاح؛ لأنها كلها أمور اصطلاحية، لكن هل تجدون من أهل العلم من يضع الفصل ثم يفرع عليه كتب؟ لا ما يوجد هذا، لكن قد يوجد فصول بدون أبواب، يوجد أبواب بدون فصول، يوجد أبواب بدون كتب، ممكن لكن يعكسون؟ ما يعكسون هذا العرف. فصلٌ: هو ما يحجز بين أمرين أي: يفصل بينهما، وعرفنا أن بينهما اختلاف من وجه، واتفاق واتحاد من وجه، وعرفنا وجه الاختلاف ووجه الاتحاد. "فصلٌ: ثم في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-". "ثم" العطف على أيش؟ في أول الكتاب قال الشيخ -رحمه الله تعالى-: ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، بعد هذا: ثم في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة يؤمنون بما وصف الله به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله -عليه الصلاة والسلام- في سنته، فالعطف بعد هذا الكلام الكثير من النصوص القرآنية التي تثبت الصفات عَطَف، والعطف في مثل هذا مع طول الفصل، يعني الأسلوب المتبع أن يعاد المعطوف عليه لطول الفصل، لكن هنا ظاهر، يعني في متنٍ أُلف للحفظ بحيث يستظهره طالب العلم، فلا يعزب عن باله المعطوف عليه، وإلا لو كان كلاماً إنشائياً كخطبة مثلاً أو مقامة، أو أي مقطوعة أدبية مثلاً يطول فيها الفصل يعاد المعطوف عليه؛ لأنه بصدد أن ينسى إذا طال الفصل، وهنا متنٌ ألف للحفظ فلا يعزب عن بال طالب العلم المعطوف عليه.

"ثم في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-": يعني ثم يؤمنون بما جاء في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما وصف الله به نفسه على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-. العطف هنا لا شك أنه يقتضي الترتيب، والترتيب عند أهل العلم بالنسبة للمصادر -مصادر التلقي- عند أهل السنة الكتاب بالدرجة الأولى ثم السنة بعده، وهذا من جهة باعتبار شرف الكلام، لا شك أن منزلة السنة بالنسبة لشرف الكلام منزلتها متراخية عن منزلة الكتاب، بمعنى أن الكتاب لفظه متعبدٌ به، تلاوته عبادة، لكن شخص يقرأ في السنة لا للعمل ولا للعلم إنما يقرأ كما يقرأ في أي كتاب عادي لا ينوي بذلك العلم ولا العمل يؤجر وإلا ما يؤجر؟ لا يؤجر، لأنها غير متعبد بتلاوتها، بخلاف القرآن، فمن حيث الشرف -شرف الكلام- ومن حيث شرف النسبة إلى المتكلم مرتبة السنة متراخية عن مرتبة القرآن، وإلا فالأصل أن الكل من عند الله، وما ثبت في السنة حكمه كما ثبت بالقرآن، فالسنة مصدر مستقل من مصادر التشريع، ومصدر من مصادر التلقي عند أهل السنة يثبتون ما تفيده السنة كما يثبتون كما يفيده القرآن على حد سواء. نعم في كلامهم ما يدل على أن القرآن مرتبته أعلى، ولذا يقولون: آحاد السنة أو السنة عموماً يطلقون يقولون: السنة لا تنسخ القرآن، كيف لا تنسخ القرآن وهي وحيٌ يوحى من عند الله -جل وعلا؟ يقولون: الله -جل وعلا- يقول: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [(106) سورة البقرة] إذاً لا بد أن نأتي بخيرٍ منها، ولن يكون الحديث خير من القرآن، ولن يكون مثله، وإنما نأتي بخيرٍ منها من كلامنا أو مثلها، فهذا يستدلون به على أن السنة لا تنسخ القرآن، وجمعٌ من أهل التحقيق يقولون: الكل من عند الله، والرسول -عليه الصلاة والسلام- لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى، فالسنة بما في ذلك آحادها تنسخ القرآن، لكن يعوز ذكر المثال السالم عن المعارض، يعوز في مثل هذا المثال السالم عن المعارض، يمثلون بحديث عبادة بن الصامت: ((خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)).

قد جعل الله لهن سبيلاً إشارة إلى قول الله -جل وعلا- في سورة النساء: {حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [(15) سورة النساء] قالوا: الحديث نسخ الآية، والحديث آحاد، فيذكرونه مثال في مثل هذا الموضع. والمعارض يقول: هذا ليس بنسخ إنما هو بيان، يعني حكم مؤقت ثم جاء بيانه بهذا الحديث، والبيان يصلح بالآحاد من قوله أو فعله -عليه الصلاة والسلام- يصلح به البيان. على كل حال الكل شرع، والكل من عند الله، فلا يقول قائل: تبعاً لما قرره أهل العلم في هذه المسألة أن ما ثبت بالسنة فيه خيرة لأحد، أبداً، والله -جل وعلا- أنزل على عبده الكتاب والحكمة -على محمد -عليه الصلاة والسلام- الكتاب والحكمة {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [(2) سورة الجمعة] {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [(34) سورة الأحزاب] والحكمة هي السنة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه)) ليس المجال مجال نقاش في حجية السنة أبداً، أو هي محل تردد عند أحد ممن يعتد بقولهم من أهل العلم، نعم، بعض المبتدعة -بعض المخذولين- شككوا في السنة، وأوجدوا شبهات، ولم يعملوا بالسنة، وصار ذلك مدخل لهم في نفي كثير مما أثبته الشارع، فالخوارج يقولون: بيننا وبينكم كتاب الله، ولا يرون غير كتاب الله. المعتزلة وكثيرٌ من طوائف المبتدعة لا يعملون بالآحاد لا سيما في هذا الباب باب العقائد، والقصد من كلامهم هذا إبطال ما أثبته الله لنفسه، وأثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام- فليس الحديث معهم، وإنما الحديث مع من يتدين بحجية السنة، وهو قولُ عامة أهل العلم الذي يُعتد بقولهم. "ثم في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-": والسنة في اللغة: الطريقة، وفي الاصطلاح -اصطلاح أهل العلم- ما يضاف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قولٍ أو فعلٍ أو تقرير أو وصف. هذه هي السنة، ما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو وصف. يقول -رحمه الله تعالى-: "فالسنة" الفاء هذه. طالب. . . . . . . . .

لا, إذا قيل: الكلام ينقسم إلى ثلاثة أقسام: اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ جاء لمعنى، فالاسم. طالب:. . . . . . . . . تفريعي، يعني يتفرع مما تقدم أو ينبني على ما تقدم، وبعضهم يسميها الفصيحة، وهي التي تأتي في جواب شرط مقدر، إذا كان الأمر كما قلت: فالسنة تفسر القرآن، يعني أنها تشرحه وتوضح القرآن؛ لأن القرآن في كثيرٍ من أحكامه إجمال، وعدم وضوح، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- وظيفته البيان، يعني إذا نظرنا إلى أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة، يعني لو لم ينزل علينا إلا ما في القرآن بالنسبة للصلاة كيف نصلي؟ أمرنا بالصلاة، وبينت المواقيت على وجهٍ لا يسلم من إجمال أيضاً، لكن من أين أعداد الصلوات وركعات الصلوات وكيفيات الصلوات وأركانها وشروطها؟ إنما جاء بيان ذلك بالسنة على لسان النبي -عليه الصلاة والسلام- السنة تفسر القرآن. الرسول -عليه الصلاة والسلام- فسر الزيادة بالنظر إلى وجه الله -عز وجل- وفسر القوة {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] فسرها بالرمي ((ألا إن القوة الرمي)) وكثير من الألفاظ التي تحتاج إلى بيان جاء بيانها وتفسيرها بالسنة، الأحكام المجملة مثل ما ذكرنا في الصلاة، كثير من العبادات جاء إجمالها في القرآن والبيان بالسنة بفعله -عليه الصلاة والسلام- وبقوله، بالسنة القولية والفعلية، وتبينه وتدل عليه. أيش معنى تدل عليه؟ أي أنها ترشد إليه أو تبين دلالته وتوضحها، فيعود إلى ما تقدم ومثله وتعبر عنه، يعني ما الفرق بين قوله: وتفسر القرآن وتبينه؟ تفسر المفردات، وتبين الإجمال، هذا ما فيه إشكال، لكن تدل عليه؟ هل هي بمعنى تبينه؟ طالب:. . . . . . . . .

نفس الكلام السابق، أو أنه إذا حصل التفسير وحصل التبيين حصلت الدلالة على القرآن والإحالة عليه؛ لأن الكلام المجمل إذا لم يبين كيف تدل عليه للعمل به والاستدلال به؟! ترون المسألة يعني تحتاج إلى نظر، والشيخ -رحمه الله- ممن يحسب للكلام حساب، ما يجازف، يعني الكلام المجمل {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ} [(43) سورة البقرة] يعني أنت لما تأمر شخص بهذه الآية مثلاً، وهو لا يعرف وجه للعمل بهذه الآية، يعني عامي مفترض أنه عامي ما يعرف كيف يصلي؟ ولا كيف يزكي؟ وأنت تستدل له من القرآن لا بد أن تبين له من السنة لتبين له وجه الدلالة من القرآن, تدله على وجه الدلالة من القرآن ببيان السنة، فعلى هذا تكون السنة تدل على القرآن، تدل المسلم على العمل بالقرآن؛ لأنه مجمل بعد أن بين بالسنة, وتعبر عنه، كيف تعبر عنه؟ طالب:. . . . . . . . . يعني توافقه ولا تخالفه، بمعنى أن ما جاء في القرآن هو ما جاء في السنة دون مخالفة، فالسنة لا تخالف القرآن ولا تعارض القرآن. يقول الناظم -رحمه الله تعالى- ناظم الواسطية عبد الله بن عدوان، أشرنا إليه مراراً، يقول: وسنة خير المرسلين محمدٍ ... تفسر آيات الكتاب الممجدِ تبينه للطالبي سبل الهدى ... تدل عليه بالدليل المؤكدِ تبين القرآن تفسر آيات الكتاب الممجد، وتبينه للطالبي سبل الهدى، هنا للطالبي: إعرابها جار ومجرور متعلق بتبين، وسبل؟ عندك للطالبي، لو قال للطالبين مضاف إليه، دليل أنه حذف النون من الطالبي, حذف النون. نوناً تلي الإعراب ... وتنويناً مما تضيف احذف يعني: محذوفة عن الإضافة {وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ} [(35) سورة الحج] الإضافة هنا: للطالبي سبلِ، الطالبي مضاف وسبل مضاف إليه، وسبل مضاف والهدى مضافٌ إليه، وهنا المضاف مقترن بـ "أل" والمضاف إليه مجرد من "أل", يجوز وإلا ما يجوز؟ طالب:. . . . . . . . . يجوز، بإطلاق وإلا بشرط؟ طالب:. . . . . . . . .

بشرط أن تكون الإضافة لفظية لا محضة معنوية، وأن يكون المضاف إليه مقترن بـ "أل"، أو يكون المضاف إليه مضاف لمقترن بـ "أل" لا بد أن تكون الإضافة لفظية، لا تكون معنوية، فمثلاً عبد الله وعبد الرحمن لا يجوز أن يقترن عبد بـ "أل" على أي حال من الأحوال، لا يجوز بحال أن يقترن عبد الله وعبد الرحمن وعبد العزيز وعبد المجيد؛ لأن الإضافة محضة معنوية، إذا كانت الإضافة لفظية لا بأس، لكن بشرط أن يكون المضاف إليه مقترن بـ "أل" أو مضاف لمقترن بـ "أل" وهنا مضاف لمقترن بـ "أل" للطالبي سبل الهدى، واضح؟ ووصل أل بذا المضاف المغتفر ... إن وصلت بالثاني كالجعد الشعر أو بالذي له أضيف الثاني ... كزيدٌ الضارب رأس الجاني ما في أحد بحث لنا عن النظم؟ في أحد بحث عنه؟ يعني العهد قريب، ومن. . . . . . . . . حول الرياض موطنه، ما هو بعيد، والشيخ ابن مانع ينقل منه بكثرة، الشيخ ابن مانع معاصر. "وما وصف الرسول -صلى الله عليه وسلم- به ربه -عز وجل- من الأحاديث الصحاح": أيش معنى الصحاح هنا؟ أولاً: عرفنا أن المبتدعة لا يقبلون أخبار الآحاد في العقائد؛ لأن دلالتها ظنية، والعقائد يقينية، فقول الشيخ -رحمه الله-: "من الأحاديث الصحاح" يفهم منه أنه لا يستدل بالأحاديث الحسان على الصفات على إثبات الصفات يفهم منه هذا وإلا لا؟ إنما الصحة أعم من الوصف الاصطلاحي، وإنما يراد بها ما يشمل الصحيح والحسن، يعني ما هو في دائرة القبول، وبعد ذلك التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول. عرفنا أن الصحاح يعني لو حاسبنا الشيخ -رحمه الله- بدقة لقلنا: أنه لا يرى الأحاديث الحسان في هذا الباب، لكن عرف عنه من عادته وطريقته ومن خلال كلامه المضطرد في جميع مؤلفاته أنه يستدل بالحسان في إثبات الصفات بدليل ما هو. . . . . . . . . , شوفوا حديث: ((عجب ربنا من قنوط عباده، وقرب غِيَره، ينظر إليكم أزلين قنطين فيضل يضحك يعلم أن فرجكم قريب)) حديث حسن، فدل على أن الشيخ -رحمه الله- يثبت الصفة بالحديث الحسن، فلا يكون مراده بالحديث الصحيح الذي يخرج الحسن. طالب:. . . . . . . . . اعتبره من الصحيح. طالب:. . . . . . . . .

ترى هذه مشكلة, بتطول المسألة؟ كلام شيخ الإسلام في هذه المسألة بالذات سوف تطول؛ لأنه حمل الضعيف في كلام الإمام أحمد على الحسن، ومراد أحمد بقوله في قبول الضعيف في فضائل الأعمال؛ لأن شيخ الإسلام لا يرى العمل بالضعيف مطلقاً، فحمل كلام الإمام أحمد لئلا يخالفه، وليكون الكلام مضطرد على الحسن في اصطلاح الترمذي ومن جاء بعده، فجعل الحسن أو جعل الضعيف الذي ضعفه قريبٌ محتمل عند الإمام أحمد هو الحسن عند الترمذي ومن جاء بعده. طالب:. . . . . . . . . الإمام أحمد ماذا يقول: الإمام أحمد يقبل الضعيف في فضائل الأعمال، صح وإلا لا؟ وهذا قول جمهور أهل العلم، لكن شيخ الإسلام باعتباره لا يقبل الضعيف مطلقاً -الضعيف الاصطلاحي- لا يقبله مطلقاً، يقول: إن الإمام أحمد يقصد بالضعيف الحسن في اصطلاح الترمذي ومن جاء بعده، فعلى هذا الضعيف الذي أشار إليه الإمام أحمد هو الحسن، لكن هل هذا الكلام يستقيم؟ الطالب:. . . . . . . . . هاه كيف؟ طالب:. . . . . . . . . لا شيخ الإسلام يقول: إن التقسيم لا يعرف في عهد الإمام أحمد إلى صحيح وحسن وضعيف، ما فيه إلا صحيح وضعيف، ما فيه إلا ثابت وغير ثابت، مقبول وغير مقبول، ما في قسم ثالث، لكن وجد التعبير بالحسن في كلام الإمام أحمد، وفي كلام الإمام الشافعي، وفي كلام الأئمة المتقدمين على الإمام أحمد، فكونه لا يوجد إلا في كلام الترمذي هذا فيه ما فيه، اللهم إلا إن كان قصد شيخ الإسلام أن الترمذي هو أول من شهره ونشر ذكره، وإلا يوجد في كلامهم الحسن، حتى موجود في كلام الشافعي قبل الإمام أحمد، في كلام علي بن المديني موجود، وفي كلام أئمة. الأمر الثاني: مما يلاحظ على كلام شيخ الإسلام –رحمه الله- أنه يؤدي، أو يقتضي أن الإمام أحمد لا يستدل بالحديث الحسن في الأحكام، وإنما يستدل به في الفضائل؛ لأنه يشدد في الأحكام، ويتساهل في الفضائل، فيقبل الضعيف، الضعيف يساوي -عند شيخ الإسلام- الحسن، إذن الإمام أحمد لا يستدل بالحسن في الأحكام، والمعروف عنه غير ذلك.

المقصود أن هذا الكلام –قصد الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمة الله عليه- بالأحاديث الصحاح يعني المقبولة، التي أعم من الصحة الاصطلاحية، التي تدخل الحسن في القبول، وهذا جارٍ على مذهب من لا يفرق بين الصحيح والحسن، كابن خزيمة وابن حبان وجمع من أهل العلم، لا فرق بين الحسن والصحيح عندهم، ما دام في دائرة القبول فهو صحيح. انتهينا من كلمة الأحاديث الصحاح. التي تلاقها أهل المعرفة بالقبول حينئذٍ يجب الإيمان بها، أيش معنى التلقي بالقبول؟ هل مراد شيخ الإسلام ابن تيمية بالتلقي بالقبول الذي يجعل الخبر مقطوعاً به وإن كان من الآحاد في الأصل؟ أو مراده الذي يقبله أهل المعرفة، ويحتجون به ويستدلون به؟ لأن التلقي بالقبول مرتبة فوق الصحة؟. يقول -رحمه الله تعالى-: "وما وصف الرسول -صلى الله عليه وسلم- به ربه -عز وجل- من الأحاديث الصحاح". عرفنا أن هذا اللفظ لا يخرج الحسان، اصطلاح البغوي -رحمه الله تعالى- حينما يقول: من الصحاح ومن الحسان، يعني يقسم كتابه إلى قسمين -أعني المصابيح- من الصحاح ومن الحسان، فالصحاح غير الحسان، لكن شيخ الإسلام -رحمه الله- لا يخرج الحسان بدليل أن قاعدته مطردة الاستدلال بالحديث الحسن في العقائد، وعرفنا مثال من الكلام الذي في هذا الفصل، وسيأتي في إثبات صفة العجَب أنه حديثٌ حسن، قال: حديث حسن، يعني بعد بضعة أسطر. "الصحاح التي تلقها أهل المعرفة بالقبول". هناك أحاديث تلقها أهل العلم بالقبول، بمعنى أنهم لم يختلفوا فيها، لا في ثبوتها ولا في دلالتها، فتلقوها بالقبول، وعملوا بها، وتتابعوا على قبولها والعمل بها، فمثلاً حديث ((الأعمال بالنيات)) تلقته الأمة بالقبول، حديث مثلاً: ((لا وصية لوارث)) تلقاه العلماء بالقبول، هناك أحاديث نص أهل العلم على أن العلماء تلقوها بالقبول، فهل هذه الأحاديث هي مراد الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بهذا الكلام أو غيرها؟ أو أنه وصفٌ للصحاح؟ وصفٌ كاشف، تصريح بما هو مجرد توضيح، التي من شأنها أن يقبلها أهل العلم؛ لأن أهل العلم لا يقبلون إلا ما صح، إلا ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- يعني هل هناك فرق بين الاحتمالين؟

فرق، يعني الأحاديث التي تلقتها الأمة أو العلماء بالقبول -أهل المعرفة بالقبول- بمعنى أنهم لم يختلفوا فيها، أقل من الأحاديث التي تنطبق عليها الشروط -شروط القبول- عند أهل العلم. ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- لما عرّف الصحيح، قال: وهذا هو الذي يجمع أهل العلم على قبوله، والعمل به، أيش معنى يجمعون؟ بمعنى أنه إذا توافرت الصفات الخمس يجمع أهل العلم على صحته والعمل به، لكن الاختلاف في قبول حديث تتوافر فيه هذه الشروط الاختلاف بينهم فيه؛ لأن بعضهم يصححه وبعضهم يضعفه في توافر هذه الشروط، يعني هل توافرت هذه الشروط؟ من الأئمة من يقول: نعم فيصحح، ومنهم من يقول: لا فيضعف، أما إذا توافرت واتفقوا على توافرها فإنهم يجمعون على صحته والعمل به. وهنا نقول: لا يلزم أن يكون الحديث متفق على صحته، مجمع على صحته، وإنما إذا توافرت فيه شروط القبول التي يصحح بها أهل العلم الحديث ولو تجاذبته وجهات النظر في التصحيح والتضعيف، واضح وإلا ما هو واضح؟ واضح يا إخوان؟ هاه واضح. الطلاب:. . . . . . . . . أجيبوا بصراحة. نعم يعاد؟ طيب: عندنا شروط القبول التي هي: عدالة الرواة، وتمام ضبطهم، واتصال السند، والسلامة من الشذوذ، والسلامة من العلة القادحة. فالأول المتصل الإسنادِ ... بنقل عدلٍ ضابط الفؤادِ عن مثله من غير ما شذوذِ ... وعلة قادحة فتوذي خمسة شروط، هذه الشروط إذا توافرت واتفق أهل العلم على توافرها في حديث؛ فإنهم لا يختلفون في تصحيحه، ولا العمل به، لكن قد تتوافر عند الإمام أحمد فيصححه وينازعه أبو حاتم، أو الإمام أحمد يحكم له بالاتصال، وأبو حاتم يقول: لا، مرسل، ينازعه، فهنا هل نقول: توافرت فيه شروط القبول؟ نعم، توافرت فيه شروط القبول عند الإمام أحمد، وأبو حاتم يقول: مرسل لم تتوافر فيه شروط القبول، الاتصال شرط غير متحقق، هذا عند الإمام أحمد صحيح، يجب العمل به، عند أبي حاتم ليس بصحيح مرسل لا يجب العمل به، هذا من يرجح قول الإمام أحمد يجب العمل به عنده، توافرت فيه شروط القبول عنده، لكن هل معنى هذا أنه تلقاه أهل العلم والمعرفة بالقبول؟

لا، بدليل أن أبا حاتم رده، قال: مرسل، فما تلقاه أهل العلم بالقبول، فهل المراد من كلام شيخ الإسلام "التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول" الأول وإلا الثاني؟ يعني أنه انطبقت فيه الشروط، ومن في نقده انطبقت فيه الشروط, الذي في نقده؛ لأن كل عالم ملزم بما يؤديه إليه اجتهاده، فأنت إذا نظرت في حديث تجد الإمام أحمد صححه؛ بناءً على أن شروط القبول توافرت عنده، وتجد أبا حاتم قد ضعفه بناءً على أن شروط القبول لم تتوافر عنده أو العكس. هذا الحديث نستطيع أن نقول تلقاه أهل العلم بالقبول؟ لا، لكن تلقوه بالقبول باعتبار توافر الشروط فيه عند من يثبت عنده، فمن يثبت عنده يتلقاه بالقبول؛ لأن شروط القبول توافرت فيه، ثم بعد ذلك من يأتي بعدهم ممن لديه أهلية النظر إن ترجح عنده قول الإمام أحمد؛ لأنه لديه أهلية يستطيع أن يوازن بين الأقوال، إن ترجح عنده قول الإمام أحمد لزمه العمل به، وإثبات ما يتضمنه من حكم شرعي، إن ترجح عنده قول أبي حاتم مثلاً لا يلزمه العمل به؛ لأنه مرسل، والمرسل من قسم الضعيف. فالتلقي بالقبول هنا لا يراد به تلقي الجميع، ولذا الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول -عند ابن الصلاح، وجمع من أهل العلم- تفيد القطع، ولو كانت في أصلها ظنية آحاد، لكنها لتلقي الأمة لها بالقبول أفادها القطع. وابن حجر يقول: وتلقي الأمة للخبر بالقبول أعظم من تعدد الأسانيد وكثرتها؛ لأن الخبر إذا تلقي بين أهل العلم بالقبول، وما زال يعمل به العلماء، ويتلقونه ويتلقوه عنهم أتباعهم هذا يكفي، ولذلك تلقوا بعض الأحاديث التي لو أجريت عليها موازينُ النقد عند أهل العلم قد لا تثبت ((لا وصية لوارث)) لو بحثنا في أسانيده لوجدناه أقل من درجة القبول، لكن مع ذلك تلقي الأمة لهذا الحديث بالقبول ملزم, وابن حجر يقول: أن مجرد تلقي الأمة للخبر بالقبول أعظم من كثرة الأسانيد وتعددها وتباينها. فننتبه لكلام الشيخ؛ لأنه الذي يفهمه على الوجه الآخر يترتب عليه نفي لكثير من الصفات، فمثلاً الحديث الذي قال عنه شيخ الإسلام أنه حديثٌ حسن ((عجب ربنا من قنوط عباده، وقرب غيَره)) هذا الأكثر على تضعيفه، فهل يكون مما تلقي بالقبول؟

لا، إذاً كيف يستدل به شيخ الإسلام؟! إنما توافرت فيه شروط القبول من وجهة نظره هو فيعمل به، الذي يخالفه ويضعفه لا يعمل به، وسيأتي أنه يوجد بدل هذا الحديث المتكلَّم فيه أحاديث كثيرة تثبت الصفة، في الصحيحين وغيرهما، وسيأتي هذا -إن شاء الله تعالى-. طالب:. . . . . . . . .؟ هو في معنى الإجماع، لكن لا يعطى حكم الإجماع، باعتبار أنه لو خالفه أحد، يعني لا يتأكد أن الأمة بكاملها عملت به، وإنما اشتهر واستفاض بين أهل العلم العمل به؛ لأن الإجماع منزلته قطعية عند أهل العلم. الطالب:. . . . . . . . .؟ الخبر؟ الإجماع لا بد له من مستند، الخبر لا بد له من مستند. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مسألة الاستواء

شرح العقيدة الواسطية مسألة الاستواء الشيخ/ عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال المصنف - رحمه الله تعالى-: "وقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [(5) سورة طه] في سبعة مواضع، في سورة الأعراف قوله: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [(54) سورة الأعراف] وقال في سورة يونس-عليه السلام-: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [(3) سورة يونس] وقال في سورة الرعد: {اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [(2) سورة الرعد] وقوله في سورة طه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [(5) سورة طه] وقال في سورة الفرقان: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [(59) سورة الفرقان] وقال في سورة ألم السجدة: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [(4) سورة السجدة]. وقال في سورة الحديد: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [(4) سورة الحديد]. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. في هذه الآيات التي ذكرها المصنف -رحمه الله تعالى -، بيان الأدلة من الكتاب -من القرآن الكريم- على صفةٍ أثبتها الله -جل وعلا- لنفسه، وأثبتها له نبيه -عليه الصلاة والسلام- في صحيح السنة، وهي الاستواء على العرش. فالله -سبحانه وتعالى- مستوٍ على عرشه، بائنٌ من خلقه، والاستواء عند أهل السنة يطلق بإزاء أربعة معانٍ، هي: العلو والارتفاع والاستقرار والصعود؛ لأنها جاءت في لغة العرب هكذا، وفسرها السلف بهذه المعاني الأربعة، استوى بمعنى علا، بمعنى استقرَّ، استوى بمعنى ارتفع، واستوى بمعنى صعد.

والمبتدعة الذين ينفون هذه الصفة كغيرها من الصفات الفعلية يؤولون الاستواء بالاستيلاء، فيقولون: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [(5) سورة طه] يعني استولى، وهذا قول الأشاعرة، يؤولون الاستواء بالاستيلاء؛ لأن هذا اللفظ ثبت بدليلٍ قطعي، فتحريفه أو إمكاننا فيه؛ لأنه إذا ثبت بدليلٍ قطعي غير وارد، لا يمكن أن يقول الأشعري أو غيره ممن ينفي الصفات ممن يتدين وينتسب إلى القبلة أن يقول هذه الكلمة لا تثبت، بل ثبتت بالقرآن بالدليل القاطع، يعني إذا نازعوا في الصفات التي ثبتت بأدلة ظنية من آحاد السنة، وزعموا أن الآحاد لا تثبت بها العقائد، فلا يستطيعون بحال أن ينفوا ما ثبت بالأدلة القطعية، كالاستواء هنا. لفظ الاستواء لا يمكن نفيه، لكن يحرفون معناه، يحرفونه فيقولون: معنى استوى استولى، ويستدلون على تحريفهم للفظ والمعنى ببيتٍ ينسب لبعض الشعراء، وإن كان مجهولاً لا تعرف عينه ولا ذاته فضلاً عن عدالته وثقته، فضلاً عن كونه ممن يحتج بقوله أو لا يحتج، يستدلون بقول الشاعر: قد استوى بشرٌ على العراقي ... من غير سيفٍ أو دمٍ مهراقي يقولون هنا استوى ما فيه إلا معنى استولى، يعني استولى على العراق، وحينئذٍ يكون معنى استوى في هذه النصوص هو معنى ما جاء في هذا البيت، لكن هذا البيت حكم جمعٌ من أهل التحقيق بأنه مولد مصنوع، ولم يثبت عمن يحتج بقوله من العرب الأقحاح، ولا يوجد في لغة العرب تفسير الاستواء بالاستيلاء، لا يوجد في لغة العرب تفسير الاستواء بغير الألفاظ الأربعة التي ثبتت عن سلف هذه الأمة. فالاستواء هو العلو والارتفاع، فهو -سبحانه وتعالى- كما أخبر عن نفسه، وأخبر عنه نبيه -عليه الصلاة والسلام- أنه مستوٍ على عرشه بائنٌ من خلقه. ابن القيم - رحمه الله تعالى- في بيان معاني الاستواء الأربعة يقول في نونيته: فلهم عبارات عليها أربعٌ ... قد حصلت للفارس الطعان وهي استقر وقد علا وكذلك ... ارتفع الذي ما فيه من نكران وكذاك قد صعد الذي هو رابعٌ ... وأبو عبيدة صاحب الشيباني يختار هذا القول في تفسيره ... أدرى من الجهمي بالقرآن والأشعري يقول تفسير استوى ... بحقيقة استولى من البهتان

صاحب الشيباني صاحب من؟ أبو عبيدة وإلا أبو عبيد؟ لأنه يقول: وأبو عبيدة صاحب الشيباني يختار هذا القول، هل المقصود به أبو عبيدة أو أبو عبيد؟ أبو عبيد القاسم بن سلام معروف إمام من أئمة المسلمين، في هذا الباب وفي غيره من أبواب الدين، وأما أبو عبيدة معمر بن المثنى فهو من أئمة اللغة مشهودٌ له بذلك، وله فيها باع، لكنه يثبت المجاز، وألف في مجاز القرآن، فهل المقصود أبو عبيد وإلا أبو عبيدة؟ الذي بين يدي مما في حاشية الشيخ ابن مانع يقول: وأبو عبيدة صاحب الشيباني، إذا كان المراد صاحب الشيباني الإمام أحمد فصاحبه أبو عبيد كما هو معروف، وإن كان أبو عمرو الشيباني اللغوي المعروف صاحبه أبو عبيدة، فأيهما؟ يعني مسألة لبس أبي عبيد بأبي عبيدة سهل يعني، لكن المقام بأبي عبيدٍ أليق؛ لأنهم ما عندهم مخالفات في هذا الباب، وعلى كل حال يراجع الأصل، تراجع النونية، ويراجع شروحها وينظر في المسألة. وأيضاً النقول في هذه المسألة وفي مسألة العلو تجدونها في اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم، وفي كتاب العلو للحافظ الذهبي -رحمه الله-. والأشعري يقول تفسير استوى ... بحقيقة استولى من البهتان هل يستقيم استوى بمعنى علا وارتفع وصعد واستقر، هل يستقيم تأويلها باستولى؟ استولى، ضع مكان استوى استولى في الآيات، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} الاستيلاء لا يكون إلا بعد عدم، يعني إيجاد لهذا الاستيلاء وهذه الغلبة بعد أن لم تكن، فهل كان العرش قبل استيلائه -جل وعلا- عليه على سبيل التنزل معهم خالياً منه -جل وعلا-؟! معناه أنه كان العرش خالي ثم استولى عليه الله -جل وعلا- تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، وهذا من شؤم تحريف النصوص.

هذه المخالفات يجرُّ بعضها بعضاً، يبدأ الإنسان بالمخالفة اليسيرة، ثم يعاقب بما هو أعظم منها، وكلما بعد عن فهم السلف لنصوص الكتاب والسنة زادت المخالفات عندهم، وعظمت حتى تكون طوام، يعني الأشعرية قالوا: استولى، وغيرهم ممن هو أشد منهم في الابتداع قالوا: ما استوى، إلى أن قال قائلهم من غلاة الجهمية قال: لينفي صفة العلو التي ثبتت بالأدلة الكثيرة من نصوص الكتاب والسنة، ماذا قال في سجوده: سبحان ربي الأسفل، نسأل الله السلامة والعافية، فلينتبه الإنسان لنفسه، يجعل لنفسه احتياطات، لا يتمادى في شيء لا يدركه عقله، يعني القائد الكتاب والسنة فقط، والعقل يجب أن يكون تابعاً للكتاب والسنة، مخطوم بزمام الكتاب والسنة، والذي ينير له فهم الكتاب والسنة، ويعينه على فهم الكتاب والسنة هو إدامة النظر في أقوال سلف هذه الأمة، فلا يبتدع، قد كفي. في حاشية الشيخ ابن مانع -رحمه الله تعالى- يقول: "تنبيه قد وقع في بعض الكتب التي زعم مؤلفوها أنها على مذهب السلف عبارة باطلة، وهي كما في رسالة نجاة الخلف في اعتقاد السلف، قال: فالله تعالى كان ولا مكان، ثم خلق المكان، وهو على ما عليه كان قبل خلق المكان. يقول: رسالة. . . . . . . . . هذه معي الآن- نجاة الخلف في اعتقاد السلف، هذا الكلام صحيح، العنوان صحيح، نجاة الخلف تكون باعتقاد السلف، قال: فالله تعالى كان ولا مكان، ثم خلق المكان، وهو على ما عليه كان قبل خلق المكان، وهذا -يقول الشيخ ابن مانع- وهذا إنما يقوله من لم يؤمن باستواء الرب على عرشه من المعطلة، ومؤلف الكتاب رد عليه أئمة الدعوة وكلامهم في مجموعة التوحيد النجدية واضح، لكن هذا باختصار. يقول الشيخ ابن مانع: وهذا إنما يقوله من لم يؤمن باستواء الرب على عرشه من المعطلة .. كيف؟ وهذا إنما يقوله من لم يؤمن باستواء الرب على عرشه من المعطلة، والحق أن يقال: إن الله تعالى كان وليس معه غيره، ثم خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وكان عرشه على الماء، يعني قبل خلق السماوات والأرض، ثم استوى على العرش، وثم هنا للترتيب لا لمجرد العطف.

الآن أي المخلوقات أول؟ أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ ... إلخ، ((أول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب)) هل هذه تعني أولية مطلقة؟ أو أن القول قيل: أول ما خُلق القلم، وعلى هذا فلا يلزم أن يكون القلم أول؟ مع أن الخلاف موجود بين أهل العلم في هذا. والناس مختلفون في القلم الذي ... كُتب القضاء به من الديان هل كان قبل العرش أو هو بعده ... قولان عند أبي العلا الهمذاني والحق أن العرش قبل لأنه ... وقت الكتابة كان ذا أركان وكتابة القلم الشريف تعقبت ... إيجاده من غير فصل زمان لأنه أو ما خُلق القلم قيل له: اكتب، تعقبت إيجاده من غير فصل، وهذا معنى الأولية المذكورة في الحديث. ننظر في كلام صاحب (نجاة الخلف). أولاً: (نجاة الخلف في اعتقاد السلف) تأليف: الشيخ عثمان بن أحمد بن عثمان النجدي الحنبلي، يسمونه عثمان بن قائد النجدي، وهو معروف في فقه الحنابلة معروف، له حواشي على كتب المتأخرين على المنتهى وعلى الإقناع، له حواشي، ويده في الفقه لا بأس بها، أما في هذا الباب فعنده شيء من المخالفات، وهنا يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، الحمد لله العلي العظيم، واجد الوجود، الحي القيوم الدائم الباقي الملك المعبود، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد الرسول المطاع الأمين، المبلغ عن الله دينه القويم بقواطع الآيات والبراهين، وعلى آله وأصحابه البررة الكرام وتابعيهم وتابع تابعيهم من الأئمة الأعلام، وبعد: فهذه تعليقة لطيفة تشتمل على مسائل من أصول الدين، ينتفع بها إن شاء الله كثيرٌ من المبتدئين والمتوسطين على مذهب الإمام المبجل والحبَر المفضل أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني -رضي الله عنه وأرضاه- وجعل الجنة منقلبه ومثواه، رتبتها على مقدمة وثلاثة أصول، وخاتمة أسأل الله حسنها والقبول، وبه أستعين.

لكن لا شك أن فيه من المسائل ما هو مأخوذ عن المتكلمين، يقول في المقدمة في معرفة الله تعالى مما هو بعيد كل البعد عن معتقد الإمام أحمد -رحمه الله- الملتزم بالأثر، وبعض من ينتسب إلى الإمام أحمد عندهم شيء من التسامح والتساهل، فمثل هذا يقول: هذه على مذهب الإمام أحمد وعلى طريقته وعلى منهجه، وفيها مخالفات، أيضاً السفاريني في عقيدته فيها شيء من المخالفات، وهو يزعم أنها من معين مذهب الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- وذكر فيها الجوهر والعرض وغير ذلك من اصطلاحات المتكلمين، وتوسع في إدخال الأشعرية والماتريدية في مذهب أهل السنة والجماعة، وقال: إن مذهب أهل السنة والجماعة ثلاث فرق، الأثرية: وإمامهم الإمام أحمد بن حنبل، والأشعرية: وإمامهم أبو الحسن الأشعري، والماتريدية وإمامهم أبو منصور، على كل حال هذا توسع لكنه غير مرضي, غير مرضي. المقدمة في معرفة الله تعالى: فتجب معرفة الله تعالى شرعاً بالنظر في الوجود والموجود، على كل مكلف قادر، وهو أول واجب له تعالى، وأول نعم الله الدينية وأعظمها أنْ أقدره على معرفته، وأول نعم الله الدنيوية الحياة العارية عن ضرر، وشكر المنعم واجبٌ شرعاً، وهو اعترافه بنعمته على جهة الخضوع والإذعان، وصرف كل نعمة في طاعته، ويجب الجزم بأنه تعالى واحدٌ فردٌ صمد عالمٌ بعلم, قادر بقدرة مريد بإرادة حيٌ بحياة سميع بسمع بصير ببصر متكلم بكلام، وبأنه تعالى ليس بجوهرٍ ولا جسم، ولا عرض، ولا تحله الحوادث .... يعني النفي والإثبات في الجوهر والعرض هل هو مأثور عن سلف هذه الأمة؟ العلماء ردوا على السفاريني حينما قال: وليس ربنا بجوهرٍ ولا عرض، ردوا عليه، قالوا: إدخال هذه الاصطلاحات من كلام المتكلمين أو وما ابتدعوه وما ابتكروه في العقيدة التي تنسب إلى السلف الصالح، وإلى الإمام أحمد على وجه الخصوص لا شك أن هذا منكر.

وبأنه تعالى ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض، ولا تحله الحوادث، ولا يحل في حادث، ولا ينحصر فيه، فمن اعتقد أو قال إن الله تعالى بذاته في كل مكان أو في مكان فكافر، في مكان يعني لو قلنا في جهة العلو؟ بل يجب الجزم بأنه تعالى بائنٌ من خلقه نعم بائنٌ من خلقه، لكنه مستوٍ على عرشه، ولا يعني كون الرب -جل وعلا- أنه مستوٍ على عرشه أنه محتاجٌ إليه، أنه يقله -تعالى الله-. فبائنٌ من خلقه، فالله تعالى -هذا الكلام المراد- فالله تعالى كان ولا مكان كما نقل الشيخ، كان ولا مكان، ثم خلق المكان، وهو على ما عليه كان قبل خلق المكان، وكل شيء سوى الله إلى آخره -صفات حادثة- والله -سبحانه وتعالى- خلقه وأوجده وابتدأه من العدم إلى آخره. المقصود الذي يهمنا هو ما نقله الشيخ عنه، يقول: فالله تعالى كان ولا مكان، ثم خلق المكان، وهو ما عليه كان قبل خلق المكان، هذا ما نقله عن الشيخ -رحمه الله تعالى- يقول: فالله تعالى كان ولا مكان، ثم خلق المكان، وهو ما عليه كان قبل خلق المكان، وهذا إنما يقوله من لم يؤمن باستواء الرب على عرشه من المعطلة، والحق أن يقال: إن الله تعالى كان وليس معه غيره، ثم خلق السماوات والأرض في ستة أيام، أربعة منها للأرض بما فيها، ويومان منها للسماء، في ستة أيام وكان عرشه على الماء، ثم استوى على العرش، كان عرشه على الماء، يعني كان العرش موجود، قبل خلق السماوات والأرض، ولكنه كان على الماء، ثم استوى على العرش، وثم هنا للترتيب لا لمجرد العطف. قال ابن القيم في النونية: والله كان وليس شيء غيره ... وبرى البرية وهي ذو حدثان يعني أن البرية –المخلوقات- كلها حادثة، الله -جل وعلا- أثبت لنفسه هذه الصفة، وهي من صفات الفعل؛ لأنها متعلقة بالإرادة والمشيئة، فهي صفة فعل، وأما صفة العلو ذاتية وإلا فعلية؟ يأتي الكلام فيها وهي ذاتية، قد يقول قائل، وسيأتي الكلام في حديث النزول إن الله -جل وعلا- ينزل -كما في الحديث المتفق على صحته- آخر كل ليلة إلى السماء الدنيا، آخر كل ليلة إلى السماء الدنيا، ثم يقول -جل وعلا- ما يقول كما ثبت في الصحيح، وقت نزوله إلى السماء الدنيا، ماذا عن الاستواء؟

لأن هذه المسألة لا يثبت إيمان المسلم إلا على قنطرة التسليم فيها؛ لأن شيخ الإسلام يقرر أن العرش لا يخلو، أن الاستواء مع نزوله لا يخلو منه العرش، لماذا؟ لأنه ورد على حديث النزول أن الثلث الأخير من الليل، من شرق الأرض إلى غربها مستمر، إذا انتهى الثلث الأخير من هؤلاء، انتقل إلى هؤلاء انتقل إلى هؤلاء إلى المغرب، إذاً هل يمكن الاستواء مع النزول؟ يعني هذه الشبهة ومثل هذه الشبه لا يجوز أن تلقى على عامة الناس؛ لأنهم لا يدركونها، ومع الأسف أنها بدأت الشبه تغزو بيوت المسلمين وعوام المسلمين، لكن نؤمن بجميع ما جاء عن الله -جل وعلا- أنه مستوٍ على عرشه، بائنٌ على خلقه، ومع ذلك ينزل في كل آخر الليل. إذا كان هذا متصور في المخلوق، فكيف بالخالق أنه ينزل كل ليلة ولا يخلو منه العرش، كيف بالمخلوق؟ جاء في الحديث الصحيح: ((أن الشمس تسجد تحت العرش آخر كل ليلة)) وتستأذن هل تخرج من مغربها أو مشرقها، هذا في الحديث الصحيح، لكن هل الشمس تغيب عن مدارها طول اليوم؟ فنؤمن بهذا، ونؤمن بهذا، وإذا تصور هذا في المخلوق -وقدرة الله -جل وعلا- فوق كل ما يتصوره المخلوق- إذن ما يتعلق بالله -جل وعلا- الذي لا تدركه الأوهام، ولا تبلغه الأفهام من باب أولى أن يسلم به، وإذا جاء النص عن الله وعن رسوله ما لأحدٍ كلام، ليس لأحدٍ كلام؛ لأن بسط مثل هذه المسائل أمام طلاب علم، وهم بصدد أن يتأهلوا لرد مثل هذه الشبهات، وسنزيدها إن شاء الله تعالى إيضاحاً عند الكلام على حديث النزول. طالب:. . . . . . . . .؟ أي نعم, طالب:. . . . . . . . .؟ لا هذا منتقد، منتقد, يعني إذا كان يقصد في المكان الجهة, فالله -جل وعلا- في جهة العلو. طالب:. . . . . . . . .؟ مسألة الحصر لا يحيط به شيء.

نأتي إلى آيات الاستواء التي ذكرها المؤلف، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [(5) سورة طه] علا وارتفع وصعد، والعلو والارتفاع والصعود هذه صفات فيها من العظمة والعز والكبرياء ما يحتمله اللفظ بل أعظم من ذلك بالنسبة لله -جل وعلا- ولذا جاء قوله: {الرَّحْمَنُ} مع أنه مع اتصافه بهذه الصفة التي تقتضي العلو والارتفاع والعظمة والكبرياء متصفٌ بصفة الرحمة، متصفٌ بصفة الرحمة. يقول في سبعة مواضع، وفي بعض النسخ في ستة مواضع، أيهما أصح؟ ستة وإلا سبعة؟ الاستواء في سبعة، لكن اللفظ, لماذا جاء في بعض النسخ ستة مواضع؟ طالب:. . . . . . . . . {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [(54) سورة الأعراف] {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [(3) سورة يونس] {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [(2) سورة الرعد] {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [(5) سورة طه] في سورة الفرقان: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [(59) سورة الفرقان] في سورة السجدة: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} في سورة الحديد: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} على كل حال المواضع سبعة في القرآن، مواضع الاستواء سبعة في القرآن، لكن هل تطابق الآيات مما يجعل العدد يقل؟ لأن بعض الآيات يمكن أن يستغنى بها عن بعض، يعني إذا جاءت الآيات بلفظٍ واحد نعدها موضع واحد وإلا أكثر، يعني ولو تطابقت، هل العدد للألفاظ أو للفظ الاستواء الذي هو المقصود؟ يعني ما وجه كونها ستة في بعض النسخ؟ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} يعني بهذا اللفظ ستة؟ يعني ما عد هذه الآية، يعني كأنه قال: وقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وفي ستة مواضع غير هذا الموضع. مناقشة الطلاب مع الشيخ:. . . . . . . . . إيه، لكن ذكر آية طه بعد ذكره الستة المواضع مناقشة الطلاب:. . . . . . . . . يعني ما ذكر طه مرة ثانية، لا, عندنا مذكورة، وقال في سورة طه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}.

على كل حال إذا أردنا لفظ استوى فهو في سبعة مواضع، وإذا أردنا ثم استوى على العرش فهي ستة، وعلى كل حال المسألة .. ماذا نستفيد من قولنا ستة مواضع سبعة مواضع؟ يعني أهل العلم يحرصون على هذا، وجاء في نصوص ((اجتنبوا السبع الموبقات)) ((الإيمان بضع وستون)) لماذا تأتي بعض الخصال محصورة بعدد معين؟ ويذكر الحصر؟ إجابة طالب:. . . . . . . . . نعم تنفع في حال الاستذكار، يعني لما يقال لك اذكر لي آيات الاستواء في القرآن، قد تذكر ثلاثة قد تذكر أربعة قد تذكر خمسة، لكن إذا ذكرت أنها سبعة لا بد أن تبحث عن السادس والسابع، ولذا تعب أهل العلم في حصر الأسماء الحسنى، وفي حصر شعب الإيمان، وفي حصر الفرق المنتسبة إلى القبلة ((ستفترق هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين)) تعبوا في جمعها، لكن هذا الحصر يفيد أن الإنسان يحصر ذهنه، بعض الناس إذا أراد أن يستذكر من غير حصر، لو عشرين موضع يذكر ثلاثة أربعة وينتهي، ينقطع، لكن إذا كان العدد عنده مضبوط عشرة عشرين يبحث عن البقية، يسعى للبحث عن البقية، فيحيط بجميع ما جاء في الباب. في سبعة مواضع الأول في سورة الأعراف، في قول الله -جل وعلا--: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [(54) سورة الأعراف] {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} خلق السماوات، ولا نعرف المادة التي منها خلقت السماوات، ولا نعرف المادة التي خلق منها العرش. السماوات إعرابها؟ إجابة طالب:. . . . . . . . . {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} , يعني مفعول لأجله؟؟ السماوات إعرابها نعم؟

هي من حيث الاشتقاق اللغوي لمادة خلقَ، هي مخلوقة، فمن حيث بناء الصيغة: اسم مفعول، فالله -جل وعلا- خالق، والسماوات والأرض مخلوقة، فهي مفعولة من هذه الحيثية، وعلى هذا أكثر من يعرب القرآن، لكن منهم من لحظ المعنى، معنى المفعول عندهم -عند النحاة- المفعول الذي يقع عليه فعل الفاعل، فالخلق وقع على السماوات والأرض أو وقع بها، يعني هل كانت موجودة، ثم فعل بها الخلق؟ ولذا يقول بعضهم إن السماوات مفعول مطلق، إن ربكم الله الذي خلق خلقاً هو السماوات والأرض، فهي مفعول مطلق، وهو متجه من حيث المعنى, كيف؟ إن ربكم الله الذي خلق خلقاً مفعول مطلقاً، هذا الخلق مترجم بالسماوات والأرض من حيث المعنى إيه، وإلا لو عرفت المفعول عند النحاة هو الذي وقع عليه فعل الفاعل، نعم, لما تقول: ضرب زيدٌ عمرواً، ضرب المادة التي هي الضرب حصلت من الضارب وهو زيد على المضروب وهو عمرو، فوقع على عمرو الذي هو المفعول فعل الفاعل الذي هو زيد، لكن هل وقع على السماوات والأرض فعل الخلق؟ هل كانت موجودة ثم فعل بها هذه المادة التي هي الخلق؟ طالب:. . . . . . . . . أين؟ الطالب:. . . . . . . . . لا، إذا قلت: مفعول مطلق من حيث المعنى متصور، إن ربكم الله الذي خلق خلقاً، ما هذا الخلق؟ هو السماوات والأرض، فتكون السماوات والأرض بدل من المفعول المطلق قائماً مقامه. الطالب:. . . . . . . . . المقصود أنه يقع عليها فعل فاعل بأي وصف كان، ما يلزم أن يكون خلق الطالب:. . . . . . . . . كيف؟ الطالب:. . . . . . . . . بلى، صح، هذا معنى السياق، لكن الإعراب الطالب:. . . . . . . . . لكن وقع عليها أو وقع الفعل بها، التي صارت هي الخلق. الطالب:. . . . . . . . . شوف مقتضى كون الكلمة مفعول أن تكون موجودة، التي يقع عليها فعل الفاعل، لا ليقع بها. الطالب:. . . . . . . . . شوف يا أخي أنا أقول: جمهور من يفسر القرآن يقول مفعول به، لماذا؟ لأنها مخلوقة، ووزان مخلوقة يعني مفعول، والله -جل وعلا- خالق فهو الفاعل، لكن هل تعريف المفعول عند النحاة ينطبق على السماوات، الذي وقع عليه فعل الفاعل؟ أنت تصور ضربَ زيدٌ عمرواً. الطالب:. . . . . . . . . طيب.

الطالب:. . . . . . . . . يلزم منه الوجود, يلزم منه الوجود؛ ليقع عليه فعل الفاعل، طيب. الطالب:. . . . . . . . . من حيث المعنى ما يختلفون في أنها كانت معدومة ثم وجدت، لا، الآن ما هو محل الخلاف هذا، محل الخلاف: هل السماوات مفعول به وإلا مفعول مطلق؟ وإلا كونها معدومة ثم وجدت هذا محل إجماع، وهذا معنى الخلق، لكن الكلام لو تأملناه هل السماوات وقع عليها فعل الفاعل الذي هو تعريف المفعول، أو أنه فعل الفاعل بها؟ الخلق هو السماوات والأرض، خلق خلقاً هو السماوات والأرض. طالب:. . . . . . . . . حتى أنشأ يا أخي، أنت استصحب تعريف المفعول عندهم، المفعول أيش هو؟ الفاعل الذي وقع منه الفعل، المفعول الذي وقع عليه الفعل، ومقتضى هذا أن يكون موجوداً، وإذا لم يكن موجوداً ما صار مفعول به. الطالب:. . . . . . . . . لو راجعت كلام ابن هشام في مغني اللبيب عرفت إيش هو. {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [(54) سورة الأعراف] وقال في سورة يونس: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [(3) سورة يونس] وقال في سورة الرعد: {اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [(2) سورة الرعد] {اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} ترونها وصف لأيش؟ وصف للعمد، لكن هل هو وصف حقيقي أو وصف كاشف؟ يعني هل هي صفة مرادة أو صفة كاشفة؟ ما دام بغير عمدٍ من لازم كونها بغير عمد أنها لا ترى؛ لأن المعدوم لا يرى، أو نقول: أن الله -جل وعلا- رفع السماوات بعمد، لكنها لا ترى، فيكون النفي متجه إلى الرؤية {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} يعني أحياناً يهجم على القلب معنى ثم يصعب تغييره، كثير من المسلمين يقرأ هذا من العلماء وطلاب العلم وغيرهم أن السماوات بغير عمدٍ، وهذا قول الأكثر، لكن ألا يحتمل أنها رفعت بعمدٍ لا ترى، ممكن وإلا غير ممكن؟

الآن لو سألتكم، وقلت لكم: الله -جل وعلا- لما طلب منه عيسى -عليه السلام- أن ينزل مائدة هل حصل تنزيل المائدة وإلا ما حصل؟ طالب:. . . . . . . . . في الأخير قال: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ} [(115) سورة المائدة] نزلت المائدة وإلا ما نزلت؟ {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} يعني بهذا الشرط، تدرون من من أهل العلم يقول: لا نريدها بهذا الشرط؟ أنهم قالوا لا نريدها فلم تنزل المائدة؛ لأن الشرط قوي؛ لأنه لو نزلت وكفروا بها لكان عذابهم شديداً، نسأل الله العافية، كما قال الله -جل وعلا-. فأقول: أحياناً تكون أمورٌ مسلمة عند عموم الناس، لكن لو تؤملت في السياق الذي وردت فيه لكان المعنى يحتمل غير ذلك، ففي قوله: {اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [(2) سورة الرعد] أيش فائدة هذا الوصف؟ طالب:. . . . . . . . . يعني لا مفهوم لها، باعتبار أو صفة لاغية باعتبار أننا لو نفينا العمد ما نحتاج إلى أن نقول ترونها، يعني بغير عمدٍ ترونها، بغير عمدٍ موصوفة بهذه الصفة، ولا ينفي أن يكون هناك عمدٍ غير موصوف بهذه الصفة، إن الله -جل وعلا- رفع السماوات بعمد لكنها لا ترى، وقيل بهذا .. نعم. طالب:. . . . . . . . . يعني تصريح بما هو مجرد توضيح، يعني هل هذا وصف كاشف يعني تصريح بما هو مجرد توضيح، وعلى هذا الله -جل وعلا- رفع السماوات بغير عمد، لا مرئية ولا غير مرئية، فيكون من باب التصريح بما هو مجرد توضيح، أو يكون الله -جل وعلا- رفع السماوات بعمد، لكن هذه العمد لا ترى، وإذا قلنا بغير عمد أيهما أقوى أو أدل على القدرة الإلهية، كونها بغير عمد، أو بعمدٍ لا ترى؟ كلها من وجه هذا أقوى، ومن وجه هذا أقوى، فالقدرة الإلهية تامة على أي حال طالب:. . . . . . . . . لا هي وصف لعمد طالب:. . . . . . . . . يعني يكون لا مفهوم له. طالب:. . . . . . . . .

على كل حال الخلاف بين أهل العلم موجود، والقدرة الإلهية على الاحتمالين واردة، سواءٌ قلنا: بغير عمد هذه الأجسام التي لا يحاط بها، بالقبة على هذه الأرض الفسيحة الواسعة، التي هي أكبر منها بأضعاف بغير عمد، ولا شيء يمسكها إلا الله -جل وعلا- {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا} [(41) سورة فاطر]. طالب:. . . . . . . . . هذه قاعدة شرعية عامة. الطالب:. . . . . . . . . هذا لو كان عندنا الحكم مستقر على أحد الاحتمالين ثم جاء ما ينقضه أو يوافقه، احتمال ينقض واحتمال يوافق، وجه ينقض ووجه يوافق، فحمله على الناقض تأسيس، وحمله على الموافق تأكيد. في الحديث: ((الصعيد الطيب الطاهر طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتقِ الله وليمسه بشرته)) إذا قلت: فليتق الله وليمسه بشرته عن الأحداث المستقبلة أو الأحداث الماضية، عن الأحداث الماضية أو عن الأحداث المستقبلة؟ نفترض أن شخصاً أصابته جنابة ثم تيمم مدة لعدم الماء ثم وجد الماء، هل نقول: اغتسل عن الجنابة الماضية ((فليتق الله وليمسه بشرته)) عما مضى، أو ((فليتق الله وليمسه بشرته)) عما المستقبل؟ إذا قلنا: عما مضى، قلنا: تأسيس حكم وهو أن التيمم يرفع رفعاً مؤقتاً، لا رفعاً مطلقاً، وإذا قلنا: ((فليتقِ الله وليمسه بشرته)) لما يستقبل من الأحداث الحديث ما جاب جديد، كل نصوص الطهارة تدل على هذا، فيكون مؤكد. سؤال:. . . . . . . . . لا الأبلغ التأسيس. {اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [(2) سورة الرعد] وقال في سورة طه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [(5) سورة طه] وقال في سورة الفرقان: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [(59) سورة الفرقان]. وقال في سورة ألم السجدة: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} وقال في سورة الحديد: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}.

هذه آيات الاستواء السبع سردها الشيخ -رحمه الله تعالى- جعل آية طه كالعنوان للجميع، ثم سردها سرداً مرتباً على حسب ورودها في المصحف، جعل آية طه وهي قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} في سبعة مواضع، جعل هذه الآية عنوان، ثم سرد المواضع السبعة، بما في ذلك الآية التي عنون بها، ولذا عندنا سبعة مواضع، في سورة الأعراف، ثم في سورة يونس، ثم في سورة الرعد، ثم في سورة طه، ثم في سورة الفرقان، ثم في سورة ألم السجدة، ثم في سورة الحديد، سبعة مواضع، على حسب ترتيبها في المصحف. في منظومة الشيخ عبد الله بن عدوان للواسطية، ومر ذكرها مراراً تكلمنا عنها في بداية الدرس، بداية شرح الكتاب، هي منظومة دالية جيدة قوية متينة، وينقل عنها الشيخ ابن مانع، وهو شخص –الشيخ- متأخر جداً، يعني ما مات إلا من يمكن أربعين سنة. المقصود أنه متأخر مما يدل على وجودها، أنها موجودة، يقول: في سبعة مواضع، قوله في سبعة مواضع وقد بينها ابن عدوان في نظمه لهذه العقيدة فقال: وذكر استواء الله في كلماته على ... العرش في سبعٍ مواضع فاعدد ففي سورة الأعراف ثمت يونس ... وفي الرعد مع طه فللعد أكد وفي سورة الفرقان ثمت سجدةٌ ... كذا في الحديد فافهمه فهم مؤيد فلو بحث عن هذه المنظومة، منظومة متينة وقوية، ويستفاد من حفظها، فلو بحث عنها, وما أظن الرياض وما حول الرياض يخلو منها. طالب يسأل عن ابن عدوان:. . . . . . . . . ابن عدوان هو مترجم في علماء نجد، للشيخ البسام ما أدري والله عاد، وأنا ما اعتنيت بهذا، وإلا أمرها يمكن يسير يعني, لو سئل عنها أهل المعرفة والخبرة يعرفون.

عندنا سياق الآيات: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}، {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}، {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} يعني تقديم المعمول على العامل يدل على الحصر، وقال في سورة الفرقان: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} يعني قدم العامل والمتعلق به المعمول على الفاعل، الذي هو الرحمن، للاهتمام بالمعمول لإفادة الحصر، كما في قوله -جل وعلا-: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [(5) سورة الفاتحة] {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [(4) سورة السجدة] معروف السماواتِ مضبوطة بالكسر؛ لأنه جمع مؤنث سالم، والأرض منصوب، معطوف عليه منصوب بالفتحة، ثم بعد ذلك قوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [(4) سورة الحديد] ثم بعد ذلك نصوص العلو، ونقف عليها ونشوف بعض الأسئلة. هذا يذكر حديث مطول من طريق يزيد الرقاشي، ويزيد معروف أنه من العباد لكنه ضعيف، غير مقبول الرواية. يقول: هل ترون أنه من المناسب دراسة علم المنطق من حيث أنه علم آلة لا مقصد فيدرس مثل متن. . . . . . . . . للأبهري، أو متن السلم للأخضري؛ لأن غالب كتب الأصول وبعض كتب العقيدة تكون فيها مقدمات منطقية، وبعض الألفاظ المنطقية غير مفهومة؟ على كل حال المنطق وعلم الكلام عموماً علم دخيل على هذه الأمة، ولا ينبغي أن يصرف فيه جهد يعوق عن تحصيل الكتاب والسنة، فيقتصر على نصوص الكتاب والسنة، وما يخدم الكتاب والسنة، ومسألة النظر في كتب المنطق مسألة خلافية بين أهل العلم. على كل حال على ما قال شيخ الإسلام: "لا يحتاج إليه الذكي، ولا يستفيد منه الغبي". فابن الصلاح والنووي حرما ... وقال قومٌ ينبغي أن يعلما

على كل حال من احتاج إليه ورأى أنه بحاجة إلى كتب لا يمكن معرفة هذه الكتب إلا بواسطتها مع غلبة ظنه السلامة من تبعاته فله سلف على كل حال، وكتب شيخ الإسلام لا سيما درء تعارض العقل والنقل، ومواضع كثيرة من منهاج السنة لا يمكن أن تفهم ابتداءً إلا بمعرفة ما ييسرها من هذا العلم، لكن هذا العلم علمٌ غث، كما قالت المرأة في حديث أم زرع: ((زوجها كلحم جمل على رأس جبل، لا سهل فيرتقى ولا ... )) أيش, المقصود أن فيه كلالة وفيه صعوبة، ويعوق عن تحصيل العلم، وقد يؤثر في القلب، كما ذكر ذلك النووي وغيره. يقول: أنا شاب مستقيم، ولكن الدنيا ألهتني، فكلما أجتهد في الطاعة زادت الدنيا عليَّ، فماذا أفعل؟ خذ من الدنيا ما يكفيك؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] واترك جهدك لتحقيق ما أمرت به، ما خلقت من أجله، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-. هذا كلام طويل، يقول: قاعدة ذهبية معينة على فهم القرآن الكريم والسنة النبوية. يقول: كتب أبو بكر عبد العزيز بن فهد بن عبد الرحمن الريس الحنفي نسباً أثناء خدمة الحجاج عام 26. هذا كلام طويل يحتاج إلى نظر وتأمل، يبدأ فيه الرأي. يقول: ألا نقول أن "ترونها" تعود على السماء؟ لكن السماء مرئية وإلا غير مرئية! مرئية، فترونها يعود. . . . . . . . . خلق السماوات ترونها بغير عمد، هذا ركيك.

مسألة النزول والجهة

العقيدة الواسطية مسألة النزول والجهة الشيخ/ عبد الكريم الخضير هذا يسأل يقول: ما رأيكم في طبعة تفسير القرطبي تحقيق الدكتور التركي؟ تحقيق الدكتور التركي أنا ما رأيتها إلى الآن، وهي لن تخرج عن تحقيقاته للكتب الأخرى كالطبري مثلاً، والدر المنثور، يعزو إلى المصادر، ولكن دراستهم لأسانيد الأخبار والحكم عليها لا شك أن فيها قصور، لكنه يعزو ويصحح في الجملة أفضل من غيرها. يقول: كيفية اختصار الكتب المطولة، هل يكون ذلك بتسطير المراد اختصاره، أم بتدوينه في الكراس، وإذا قمنا بتدوينه يأخذ وقت طويل فما الأفضل؟ يعني إذا كانت الكتابة تشق على بعض الناس فلا مانع أن يكون الاختصار بواسطة التقويس على المراد من الكتاب الأصلي. يقول: هل يجوز للإنسان إذا كان يحفظ ويقول: عندما أنتهي من الحفظ سوف أراجع، ويترك المراجعة، ولكنه يقرأ حزبه إلا أنه لا يراجع فهل عليه شيء؟ جاء الوعيد بالنسبة لمن حفظ القرآن ثم نسيه، فعلى الإنسان أن يعنى بالمراجعة، والحفظ يتفلت، والقرآن على سبيل الخصوص ((أشد تفلتاً -وفي رواية- تفصياً من الإبل في عقلها)) فهذا ابتلاء للحافظ أنه إذا هجر نسي، فلا بد من المراجعة، ويجعل الإنسان له حزب يومي لا يخل به، ويجتمع له في المراجعة والتلاوة والتدبر أيضاً في آنٍ واحد. وأنا أكرر يا إخوان أن جلوس طالب العلم على سبيل الخصوص من صلاة الصبح إلى انتشار الشمس هذا الوقت يكفيه للقرآن، حفظ ومراجعة وتلاوة، وتدبر ومراجعة لما يشكل في بعض التفاسير الموثوقة، يعني إذا أنفق للقرآن ساعة، ساعة ونصف من أول النهار إلى أن تنتشر الشمس، نقول: هذا يكفيه، وإن كانت المراجعة بالليل أفضل، لا سيما آخر الليل، لكن كثيرٍ من الإخوان، وهذا شيء مشاهد لا شك أن التفريط يفوت على الإنسان مصالح كثيرة، والمخالفات التي قلّ أن يسلم منها لا شك أن الإنسان يقيد عن قيام الليل بسببها، والله المستعان. فإذا تيسر له أن يقوم من الليل ويقرأ حزبه، ويتدبر ويحفظ، ويراجع هذا أفضل بلا شك، لكن إذا لم يتيسر ذلك فالوقت الذي يلي هذا هو بعد صلاة الصبح إلى انتشار الشمس، وبقية الوقت يكون للعلوم الأخرى.

يقول: هل يجوز للإمام إذا نسي آية ولم يجد من يرد عليه ينتقل إلى آية أخرى، أو يجب أن يركع؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- لما ارتج عليه، وهو يقرأ في سورة المؤمنين، أخذته سعلة فما يستطيع متابعة القراءة ركع، وإذا جزم بأنه ترك آية وتذكر هذه الآية ولم يذكرها، وليس وراءه من يفتح عليه يركع، لا سيما إذا كانت قراءته السابقة لهذه الآية كافية. وهذا أيضاً سؤاله قريب يقول: مسألة فقهية أشكلت علي، وهي إذا سها المصلي في صلاة الفرض، وعلم وهو في الصلاة ثم نسي سجود السهو، وقام للسنة بعد الصلاة، وهو في أثناء الصلاة -يعني صلاة السنة- تذكر، فكيف العمل؟ وإذا لم يعمل بالسهو إلا بعد الصلاة وهو يصلي السنة فما العمل؟ الآن يقول: إذا سها المصلي في صلاة الفرض، وعلم وهو في الصلاة، ثم نسي سجود السهو، وقام للسنة بعد الصلاة، وهو في أثناء الصلاة تذكر فكيف العمل؟ المقصود السنة؛ لأنه انتهى من الفريضة بسهوها الذي لم يسجد له ثم شرع في النافلة. وإذا لم يعلم بالسهو إلا بعد الصلاة، وهو يصلي السنة فما العمل؟ هذا السؤال السهو منه الواجب، ومنه المستحب، أما المستحب لا أثر لتركه، وأما الواجب وهو الناشئ عن ترك ما تبطل الصلاة بعمده، إذا ترك ما تبطل الصلاة بعمده كالواجب يكون السجود حينئذٍ واجباً، لكن إذا سلم نسيه سلم فارق مكانه، أو انشغل بصلاة أخرى بعد أن كبر لها وشرع في قراءتها، ومضى على ذلك وقت وطال الفصل فإنه حينئذٍ يسقط، يترك لا يعود إليه لو طال الفصل. يقول: هل الساحات الخارجية للحرم من المسجد؟ والصلاة فيها خلف إمام الحرم، ورؤية الإمام غير ممكنة وعدم تراص الصفوف، وكذلك الصلاة في المسعى هل هي صحيحة أم لا؟ الساحات التي خارج السور، سور الحرم، هذه ليست من المسجد، فلا يصح الاقتداء فيها مع وجود أماكن داخل المسجد، وأيضاً لا يصح الاعتكاف فيها، الساحات التي لا يشملها السور، وأيضاً المسعى على القول المرجح الآن أنه ليس من المسجد، ولم يدخل في المسجد بعد، لكن لو زيد في المسجد بحيث دخل المسعى فيه ودخلت هذه الساحات يختلف الحكم، لكن الآن ما زال المسعى خارج المسجد. يقول: كيف أتدرج في علم الرجال وعلم البلاغة؟

أما بالنسبة لعلم الرجال فالممارسة إنما تكون بالنظر في الأسانيد، والحكم عليها من خلال كتب الرجال، فإما أن تقرأ في كتب الرجال، وتجعل لك كتاب يكون محور، كالتقريب مثلاً، ثم تراجع عليه ما هو أوسع منه، وتقارن بين أحكام الأئمة وحكم الحافظ في التقريب، ما تنتهي من التقريب إلا ولديك حصيلة طيبة من الرجال، أو تكثر من النظر في الشروح، شروح كتب السنة، وهم يترجمون للرواة، لا سيما منهم من يكرر هذه التراجم في كل موضع، كالقسطلاني مثلاً، ما تنتهي من شرح القسطلاني إلا وأنت عرفت رجال البخاري. يقول: هل تأتي السنة مستقلة عن القرآن، أي تأتي بحكمٍ ليس له أصل في القرآن؟ أما كلمة أصل فما فرطنا في القرآن من شيء، الله -جل وعلا- يقول: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [(38) سورة الأنعام] فالكتاب شامل لكل شيء، هذا من حيث الأصل ومن حيث العموم، ويندرج تحت هذا الأصل فروع يعسر أخذها تفصيلاً من القرآن، فالسنة كفيلة بذلك، وهي المبينة وهي المفسرة وهي الموضحة، وفي السنة أحكام مستقلة لا توجد في القرآن إلا من حيث العموم. هل المصحف كتاب الله؟ لم تتضح المسألة إلى الآن! القرآن كلام الله، والقرآن كتاب {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [(2) سورة البقرة] {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ} [(29) سورة ص] فالمقصود أنه كتاب، وإذا صحت تسميته بالكتاب بالنص فهو مضاف إلى الله -جل وعلا-، فهو كلامه وهو كتابه. طالب:. . . . . . . . . فصلنا في درسٍ مضى، وقلنا: أن الكلام كلام الباري، والصوت صوت القاري، والورق والجلد والمداد كلها من عمل المخلوق، كلها مخلوقة {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [(96) سورة الصافات] لكن التوسع في مثل هذه الأمور يكرهها سلف هذه الأمة، إنما يقتصرون على أن القرآن كلام الله منزلٌ غير مخلوق، لا داعي للتفاصيل الزائدة اللهم إلا إذا بحثت المسألة من وجهها وتوسع فيها في درس أو في مجلس علمي لا مانع، أما النظر باستمرار بهذه الطريقة والتفصيل لا داعي له. طالب:. . . . . . . . .

يعني لو حصل ابتلاء أو امتحان في القرآن كما حصل في عهد الإمام أحمد -رحمه الله- وأراد أن الإنسان أن يوري وبيده مصحف قال: هذا مخلوق، ويريد بذلك الجلد والورق وأشباه ذلك لا شك أن التورية فيها مندوحة عن الكذب، وقول الباطل، ومن صبر على العزيمة فهو لا شك أنه أفضل. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الشيخ -رحمه الله- ذكر في مقدمة الفصل أهمية السنة، ومنزلة السنة من القرآن، وأنها تثبت بها جميع أبواب الدين، تثبت بها الأحكام والفضائل والعقائد وغير ذلك، متواترها وآحادها، تثبت بذلك العقائد والأحكام والفضائل والتفسير والمغازي، تثبت بها القراءة، وغير ذلك مما يحتاجه المسلم. فهي مصدر كالقرآن من حيث أن الكل من عند الله، وأن السنة وحي {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3 - 4) سورة النجم] من هذه الحيثية هي مثل القرآن، لكن العلماء يجعلون المنزلة والمرتبة دون باعتبار الثبوت، القرآن ثبوته قطعي، والسنة ليست مثله في قطعية الثبوت إلا ما تواتر منها، ولذلك يجعلون المصادر يرتبونها القرآن ثم السنة، وإلا فالأصل فيما لو صح الخبر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فلزوم العمل به كلزومه بالقرآن. وعرفنا ما في هذه المقدمة من كلامٍ ووجهنا بعض كلام الشيخ -رحمه الله تعالى-، ثم ذكر الأمثلة على ذلك من السنة مما يثبت به الصفات. فيقول: "ومن ذلك مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ )) متفق عليه" والحديث في الصحيحين، هنا في البخاري في باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، وقال الله -عز وجل-: {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [(17) سورة الذاريات] أي ما ينامون، {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [(18) سورة الذاريات].

قال -رحمه الله-: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ينزل)) في كتاب التوحيد في آخر الصحيح قال: ((يتنزل)) يعني رواية هذا الباب ينزل، وفي الرواية في آخر البخاري ((يتنزل)) ((ينزل ربنا -تبارك وتعالى- كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له)). يقول الحافظ في شرحه: "أورد المصنف حديث أبي هريرة في النزول من طريق الأغر أبي عبد الله وأبي سلمة جميعاً عن أبي هريرة، وقد اختلف فيه عن الزهري فرواه عنه مالك وحفاظ أصحابه كما هنا" لأن الذي في الباب من طريق مالك -رحمه الله-. "واقتصر بعضهم عنه على أحد الرجلين" أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر، ولا مانع أن يجمع أكثر من راوي ويقتصر على واحدٍ منهم، أحياناً يجمعون وأحياناً يقتصر على واحدٍ منهم؛ لأنه تقوم به الحجة، وقد يروي البخاري عن اثنين كلاهما ثقة في موضعٍ واحد، يقرنهما، وأحياناً يفرقهما، فيروي في موضع عن واحد وفي الموضع الثاني عن آخر، وقد يروي عن ثقة ويقرن معه من هو دونه في الثقة، وقد يروي عن ثقة ويكني عن غير الثقة، فيقول حدثني فلان وآخر، وقد يروي عن ثقة وغير ثقة فيحذف غير الثقة ويقتصر على الثقة، وهذه طريقة متبعة عند الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-. "وقال بعض أصحاب مالك عنه عن سعيد بن المسيب بدلهما، ورواه أبو داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد عن الزهري فقال: الأعرج، بدل الأغر فصحفه. وقيل: عن الزهري عن عطاء بن يزيد بدل أبي سلمة، قال الدارقطني: وهو وهمٌ، والأغر المذكور لقب، واسمه سلمان، ويكنى أبا عبد الله، وهو مدني، ولهم راوٍ آخر يقال له: الأغر أيضاً لكنه اسمه، اسمه الأغر وكنيته أبو مسلم، وهو كوفي". يقول:

"وقد جاء هذا الحديث من طريق أيضاً أخرجه مسلم من رواية أبي إسحاق السبيعي عنه عن أبي هريرة وأبي سعيد جميعاً مرفوعاً، وغلط من جعلهما واحداً، ورواه عن أبي هريرة أيضاً سعيد بن مرجانة وأبو صالح عند مسلم وسعيد بن المقبري وعطاء مولى أم صُبية بالمهملة مصغراً، وأبو جعفر المدني ونافع بن جبير بن مطعم كلهم عند النسائي، وفي الباب -يعني الشواهد-، عن علي وبن مسعود وعثمان بن أبي العاص وعمرو بن عبسة عند أحمد، وعن جبير بن مطعم ورفاعة الجهني عند النسائي، وعن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت وأبي الخطاب غير منسوب عند الطبراني، وعن عقبة بن عامر وجابر وجد عبد الحميد بن سلمة عند الدارقطني في كتاب السنة، وسأذكر ما في رواياتهم من فائدة زائدة". فالحافظ -رحمه الله- حينما ذكر هذه الشواهد لهذا الخبر ليبين أن الخبر متواتر، يعني من حيث الثبوت نحلف بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال هذا الكلام. فثبوته قطعي لا إشكال فيه ولا مراء. "قوله عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة في رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو عبد الله الأغر صاحب أبي هريرة أن أبا هريرة أخبرهما". شوف المخالفات الآن التي بتيجي في كلام الحافظ؛ لأن كلام الحافظ أورد كلام المخالفين من الطوائف كلهم، ممن يتأول الحديث، وممن ينفي ثبوت الحديث، وممن ينكر صفة العلو لله -جل وعلا- وممن ينكر النزول، يعني جيت بكلام الحافظ؛ لأنه يمثل الطرف الآخر ممن ينكر ثبوت الحديث ذكرهم الحافظ، الحافظ -رحمه الله- لا يتردد في أن الحديث ثابت، وأنه مقطوع بثبوته عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأورد طرقه، وسيأتي كلام ابن العربي وغيره في هذا الحديث، ثم بعد ذلك ... ولنا الصفة -التي هي صفة النزول- عند أهل السنة ثابتة لله -جل وعلا- ثبوتاً قطعياً بهذا الحديث وغيره هذا من حيث الثبوت، أما الكيفية فالله أعلم بها، ((ينزل ربنا -جل وعلا- إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل)) ويقول: ما يقول هذا لا إشكال فيه، نزولاً يليق بجلاله وعظمته ولا نستطيع أن ندقق في الكيفية ولا غيرها؛ لأن هذا أمرٌ غيبي لا يدرك إلا بنص ولا نص.

ولذا لما قال ابن بطوطة حينما دخل دمشق أنه رأى شخصاً كثير العلم قليل العقل يخطب على منبر جامع بني أمية في دمشق، ثم أورد حديث النزول، فقال: ينزل كنزولي هذا، ثم نزل من درج المنبر، هذا كلام ابن بطوطة، أهل العلم كذبوه في هذا، وأن شيخ الإسلام لا يمكن أن يقع في مثل هذا، والأمر الثاني مما يدل على أنه كذبٌ قطعاً، أن الشيخ في الوقت الذي دخل في ابن بطوطة دمشق كان في السجن، فدل على أن هذه فرية. "قوله: ((ينزل ربنا إلى السماء الدنيا)) استدل به من أثبت الجهة". لأن النزول إنما يكون من جهة العلو، فهو في جهة العلو -جل وعلا-. يقول: "استدل به من أثبت الجهة، وقال: هي جهة العلو". وهذا هو المؤكد المحرر المحقق عند سلف هذه الأمة، وأحاديث العلو وإثبات صفة العلو لله -جل وعلا- الأدلة الدالة عليها لا تكاد تحصر، وابن القيم -رحمه الله- في نونيته ذكر كثيراً منها. قال: "وهي جهة العلو، وأنكر ذلك الجمهور؛ لأن القول بذلك يفضى إلى التحيز تعالى الله عن ذلك". أنكر ذلك الجمهور من الجمهور؟ طالب:. . . . . . . . . الشيخ ابن باز -رحمه الله- علق على ذلك فقال: المراد بالجمهور جمهور أهل الكلام، وأما أهل السنة وهم الصحابة -رضي الله عنهم- ومن تبعهم بإحسان فإنهم يثبتون لله الجهة، وهي جهة العلو، ويؤمنون بأنه سبحانه فوق عرشه، فوق العرش بلا تمثيل ولا تكييف، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة أكثر من أن تحصر، فتنبه واحذر، والله أعلم. لا مانع من إثبات الجهة التي هي جهة العلو، العلو ثابتٌ لله -جل وعلا- بجميع أنواعه، علو الذات وعلو القدر، وعلو القهر، أنواع العلو كلها ثابتة لله -جل وعلا-. يقول ابن حجر: "وأنكر ذلك الجمهور". وعرفنا أن مراده بالجمهور جمهور المتكلمين؛ وإن كانت العبارة موهمة لكن عامة أهل العلم من سلف هذه الأمة كلهم يقولون: أنه في العلو. "لأن القول بذلك يفضي إلى التحيز تعالى الله عن ذلك، وقد اختلف في معنى النزول على أقوال: فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته، وهم المشبهة تعالى الله عن قولهم".

لكن هؤلاء المثبتة إن أثبتوا أن نزوله -جل وعلا- كنزول المخلوق فكلامه صحيح هؤلاء هم المشبهة، وإن كان نزوله يليق بجلاله وعظمته من غير مشابهة للمخلوقات فهذا كلام أهل السنة. "فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة تعالى الله عن قولهم، ومنهم الثاني: من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة، وهم الخوارج والمعتزلة وهو مكابرة". يعني الإنكار مكابرة، ما دام الخبر ثبت وصح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنكاره لا شك أنه معاندة ومكابرة، ومحادة لله ورسوله. "والعجب إنهم أولوا ما في القرآن من نحو ذلك، وأنكروا ما في الحديث إما جهلاً، وإما عناداً". يعني الأدلة التي تدل على العلو من الكتاب لا يستطيعون إنكارها، لكنهم أولوها، أما ما جاء في السنة فمن السهل جداً أن يقول المبتدع: هذا خبر آحاد، وخبر الواحد لا تثبت به العقائد، وينتهي، والله المستعان. يقول: "والعجب أنهم أولوا ما في القرآن من نحو ذلك، وأنكروا ما في الحديث إما جهلاً، وإما عناداً، ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمناً به على طريق الإجمال، منزهاً الله تعالى عن الكيفية والتشبيه، وهم جمهور السلف، ونقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة، والسفيانين والحمادين والأوزاعي والليث وغيرهم، ومنهم من أوله على وجه يليق مستعملٍ في كلام العرب، ومنهم من أفرط في التأويل حتى كاد أن يخرج إلى نوع من التحريف". ولا شك أن التأويل الذي لم يدل عليه دليل تحريف للمعنى، وإن لم يكن تحريفاً للفظ. يقول: "ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمناً به على طريق الإجمال، منزهاً الله تعالى عن الكيفية والتشبيه وهم جمهور السلف، ونقله البيهقي عمن ذكر". يعني الأئمة الأربعة والسفيانين والحمادين والأوزاعي والليث وغيرهم. "ومنهم من أوله على وجه يليق مستعمل في كلام العرب، ومنهم من أفرط في التأويل حتى كاد أن يخرج إلى نوع من التحريف، ومنهم من فصل بين ما يكون تأويله قريباً مستعملاً في كلام العرب وبين ما يكون بعيداً مهجوراً، فأول في بعض، وفوض في بعض، وهو منقول عن مالك، وجزم به من المتأخرين بن دقيق العيد".

هؤلاء: "ومنهم من فصل بين ما يكون التأويل قريباً تأويله قريباً مستعملاً في كلام العرب، وبين ما يكون بعيداً مهجوراً"؛ لأن بعض التأويل يعني: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [(164) سورة النساء] فالتكليم مصدر كلَّم والمصدر ينفي المجاز عند أهل العلم، لكن تأويل التكليم عند بعضهم قالوا: كلَّمه يعني جرحه ((ما من مكلوم يُكلَم في سبيل الله)) يعني: يجرح في سبيل الله، فكلَّمه جرحه، قالوا: بأظافير الحكمة، لكن هل مثل هذا سائغ أو قريب؟ أبداً. "وبين ما يكون بعيداًَ مهجوراً، فأول في بعض، وفوض في بعض، وهو منقول عن مالك وجزم به من المتأخرين ابن دقيق العيد. قال البيهقي -رحمه الله-: وأسلمها الإيمان بلا كيف، والسكوت عن المراد إلا أن يرد ذلك عن الصادق فيصار إليه". يعني لا بد من دليل عن معصوم؛ لأن هذه أمور غيبية لا تدرك بالرأي، ولا تستنبط من خلال السياق، ولا يدل عليها ما قبلها ولا ما بعدها، هذه أمور توقيفية. "ومن الدليل على ذلك اتفاقهم على أن التأويل المعين غير واجب، فحينئذ التفويض أسلم". أيش معنى التفويض؟ التفويض أن تثبت الكلمة ((ينزل ربنا)) وتقرأها وتتعامل معها كتعاملك مع اللفظ الأعجمي، تقر باللفظ أنه جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما يتعلق بالله -جل وعلا-، ولا تفهم أكثر من ذلك، هذا تفويض، يعني تقبل الخبر لكن لا تعرف معناه، فضلاً عن كيفيته، فالفرق بين التفويض وبين التسليم الذي هو مذهب أهل السنة أن مذهب أهل السنة يقرون بمعرفة المعنى، المعنى له دلالة لغوية وله دلالة شرعية، له حقيقة لغوية، وله حقيقة شرعية، كما أن له حقيقة عرفية، فنفهم المعنى، لكن الكيفية التي حجبت عنا هذا الفرق وبين المفوضة، نعترف بأن له معنى، وندرك المعنى أيضاً استوى على صعد استقرَّ، لكن المفوضة يقولون: استوى، بس لا زيادة ولا نقصان، كأنك تنطق بكلام أعجمي، ما تفهم معناه، فهذا الفرق بين مذهب أهل السنة وبين المفوضة. ولذا قال: "ومن الدليل على ذلك اتفاقهم على أن التأويل المعين غير واجب، فحينئذٍ التفويض أسلم". لا، مذهب أهل السنة والجماعة، مذهب سلف هذه الأمة وخيارها أسلم وأعلم وأحكم. يقول:

"وسيأتي مزيد بسط في ذلك في كتاب التوحيد -إن شاء الله تعالى-. وقال بن العربي: حكى عن المبتدعة رد هذه الأحاديث، وعن السلف إمرارها، وعن قوم تأويلها، وبه أقول". فابن العربي هذا مؤول، ابن العربي المالكي أبو بكر صاحب أحكام القرآن، وصاحب العارضة، العارضة محشوة بالتآويل. "قال ابن العربي: حكي عن المبتدعة رد هذه الأحاديث، وعن السلف إمرارها، وعن قومٍ تأويلها". هذه الأقوال "رد الأحاديث" "إثبات الأحاديث" مع إمرارها كما جاءت، "وعن قومٍ تأويلها، وبه أقول". علق الشيخ ابن باز -رحمه الله- على هذا الكلام فقال: هذا خطأ ظاهر مصادم لصريح النصوص الواردة في إثبات النزول، وهكذا ما قاله البيضاوي بعده باطل، والصواب ما قاله السلف الصالح من الإيمان بالنزول وإمرار النصوص كما وردت من إثبات النزول لله -سبحانه وتعالى- على الذي يليق به من غير تكييف ولا تمثيل كسائر الصفات، وهذا هو الطريق الأسلم والأقوم والأعلم والأحكم، فتمسك به، وعض عليه بالنواجذ واحذر ما خالفه، تفز بالسلامة، والله أعلم. الذي يجعل الشيخ يؤكد على أسلم وأعلم وأقوم وأحكم أنهم قالوا: مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم وأحكم، كيف تكون الحكمة مع عدم السلامة؟ يعني: إذا كان مذهب السلف هو الأسلم فمذهب الخلف فيه سلامة وإلا ما فيه؟ فيه سلامة في الجملة، لكن فيه خطر؛ لأنه ليس بأسلم، مذهب السلف أسلم منه، فدل على أن فيه شيء مما يخالف السلامة، فكيف يكون معتمد القول الذي هو غير الأسلم، يعني عندنا طريق أقوم وطريق آخر، الذي يسلك الطريق الأقوم أليس هو الأعلم؟ أليس هو الأحكم؟ والذي يسلك الطريق الآخر غير الأقوم كيف يوصف بالعلم؟ كيف يوصف بالسلامة؟ وقل مثل هذا فيمن يعتقد مذهب أهل السنة والجماعة وهو الأسلم بإقرار المخالف، المخالف يقول: طريقة السلف أسلم، فمادام أسلم فالذي يخالف هذا الأسلم هل يمكن أن يوصف بالحكمة أو بالعلم؟ لا، إذاً هذا تناقض، والمقرر أن طريق السلف أسلم، وفي الوقت نفسه هم أعلم وأحكم، وهذا الذي يجعل أهل العلم يؤكدون مثل هذا. "فأما قوله ((ينزل)) فهو راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته".

هذا كلام ابن حجر، فهو راجعٌ إلى أفعاله لا إلى ذاته، قد يقول: ينزل أمره، ينزل حكمه، ينزل فضله، إلى غير ذلك مما يضاف إلى الله -جل وعلا- من الأفعال، لا إلى الذات، لا أنه بذاته -سبحانه وتعالى- ينزل. "بل ذلك عبارة عن ملكه الذي ينزل بأمره ونهيه". هذا كلامه وهذا اختياره، لكن هذا كلام صحيح؟ لا، ليس بصحيح؛ لأن هذه الأفعال نزولها لا يختص بالثلث الآخر من الليل، معناه أنه لا ينزل الله -جل وعلا- أمر إلا في الثلث الأخير، واضح وإلا ما هو بواضح؟ بل أمره وحكمه نازلٌ في كل وقت، فدل على أن النزول لا لأمره ولا لحكمه، وإنما هو لذاته -جل وعلا-، على ما يليق بجلاله وعظمته. "والنزول كما يكون في الأجسام يكون في المعاني". يعني كما ينزل جبريل ينزل الأمر ينزل الوحي، وهو معنى من المعاني لا جسم له، في الآخرة المعاني تجسد، تكون أعيان، وتوزن حسنات، كيف توزن الحسنات؟ القدرة الإلهية صالحة لمثل هذا، إذاً قد يقولون: أن هذه المعاني الله -جل وعلا- قادرٌ على أن يجعلها في حكم المحسوسات، فتنزل كما ينزل جبريل مثلاً، نقول: لكن نزول هذه الأمور لا يختص بهذا الوقت، ولو صارت في حكم المحسوسات. "والنزول كما يكون في الأجسام يكون في المعاني، فإن حملته في الحديث على الحسي فتلك صفة الملك المبعوث بذلك، وإن حملته على المعنوي بمعنى أنه لم يفعل ثم فعل، فيسمى ذلك نزولاً عن مرتبة إلى مرتبة فهي عربية صحيحة، انتهى. والحاصل أنه تأوله بوجهين: إما بأن المعنى ينزل أمره، أو الملك بأمره وإما بأنه استعارة بمعني التلطف بالداعين، والإجابة لهم، ونحو ذلك. وقد حكى أبو بكر بن فورك أن بعض المشايخ .. " وأبو بكر بن فورك هذا من كبار الأشاعرة.

"وقد حكى أبو بكر بن فورك عن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول أي: ينزل ملكاً، ويقويه ما رواه النسائي من طريق الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد بلفظ: ((إن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل، ثم يأمر منادياً يقول: هل من داع فيستجاب له؟ )) وفي حديث عثمان بن أبي العاص: ((ينادي منادٍ: هل من داع يستجاب له؟ )) الحديث ... ، قال القرطبي: وبهذا يرتفع الإشكال، ولا يعكر عليه ما في رواية رفاعة الجهني: ((ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول: لا يسأل عن عبادي غيري)) يقول: لأنه ليس في ذلك ما يدفع التأويل المذكور". ((ينادي منادٍ: هل من داعٍ يستجاب له؟ )) فالذي ينادي على كلامهم هو الله -جل وعلا- أو غيره؟ طالب:. . . . . . . . . "قال القرطبي: وبهذا يرتفع الإشكال، ولا يعكر عليه ما في رواية رفاعة الجهني: ((ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول: لا يسأل عن عبادي غيري)) لأنه ليس في ذلك ما يدفع التأويل المذكور". ليش ما فيش؟ إلا فيه ما يدفع. "وقال البيضاوي: ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى آخر أخفض منه، فالمراد نور رحمته، أي ينتقل من مقتضى هذا صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلى مقتضى صفة الإكرام التي تقتضي الرأفة والرحمة". يعني هم يقسمون الصفات والأسماء التي تشتق منها الصفات، إلى جلال وجمال وكمال، هناك صفات الجلال وصفات الجمال وصفات الكمال. وهنا يقول: "وقال البيضاوي: ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز". الجسمية ما ثبت، والتحيز ما يدل على ثبوتها ولا على نفيها، وعرفنا في دروسٍ مضت أنها إذا كانت من لازم الخبر الصحيح وإثباتها لا يترتب عليه نقص بوجهٍ من الوجه، فلا مانع من التزامها، "ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزهٌ عن الجسمية والتحيز". "امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه، فالمراد نور رحمته، ينزل نور رحمته، أي ينتقل من مقتضى صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلى مقتضى صفة الإكرام التي تقتضي الرحمة والرأفة". وقت النزول:

"قوله: ((حين يبقي ثلث الليل الآخر)) برفع الآخر؛ لأنه صفة الثلث". وليس صفة لليل، إنما هو صفة للثلث، وعرفنا أن الوصف أو التابع عموماً المتعقب لمتضايفين، فإما أن يعود إلى المضاف، أو يعود إلى المضاف إليه، والتعيين للقرائن، يعني ذكرنا من الأمثلة: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [(27) سورة الرحمن] وأيضاً تابع للثاني {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [(78) سورة الرحمن]. طالب:. . . . . . . . . من كتب في الأسماء الحسنى قسموها إلى هذا؛ لأن منها صفات جلال يعني: العزيز الجبار المتكبر إلى آخره، صفات جمال يعني: صفات رحمة وصفات كمال، المقصود أنهم قسموها إلى هذه الأقسام. طالب:. . . . . . . . . ما يلزم أنه يظهر منهم مثل هذا، لكن مدلولاتها قد يكون فيها شيء من هذا؛ لأني ما وجدت صريح في كلام شيخ الإسلام وابن القيم أوغيره، لكن ما يلزم عليه شيء، يعني لا شك أن الجلال شيء، والجمال أيضاً والرحمة والرأفة شيء آخر؛ لأنه يناسب المقام، يعني إذا كان المقام مقام رحمة جيء من الأسماء والصفات ما يناسب هذه الرحمة، إذا كان مقام غضب وانتقام، لا شك أن الأسماء المناسبة لها غير المناسبة للأسماء المناسبة لمقام الرحمة. "قوله: ((حين يبقى ثلث الليل الآخر)) برفع الآخر؛ لأنه صفة الثلث، ولم تختلف الروايات عن الزهري في تعيين الوقت". يعني ثلث الليل. "واختلفت الروايات عن أبي هريرة وغيره، قال الترمذي: ورواية أبي هريرة أصح الروايات في ذلك، ويقوى ذلك أن الروايات المخالفة اختلف فيها على رواتها، وسلك بعضهم طريق الجمع، وذلك أن الروايات انحصرت في ستة أشياء، أولها: هذه، ثانيها: ((إذا مضى الثلث الأول)) وثالثها: ((الثلث الأول أو النصف)) رابعها: ((النصف)) خامسها: ((النصف أو الثلث الأخير)) سادسها: الإطلاق.

فأما الروايات المطلقة فهي محمولة على المقيدة، وأما التي بـ "أو" فإن كانت أو للشك فالمجزوم به مقدم على المشكوك فيه، وإن كانت للتردد بين حالين فيجمع بذلك بين الروايات بأن ذلك يقع بحسب اختلاف الأحوال؛ لكون أوقات الليل تختلف في الزمان وفي الآفاق باختلاف تقدم دخول الليل عند قوم وتأخره عند قوم ... ". إلى آخر كلامه. يعني: الروايات جاءت بالثلث وهذا أكثر ((الثلث الأخير)) وجاءت بالثلث مطلق من غير تقييد بكونه أول ولا ثاني ولا أخير، وجاءت ((حين يبقى شطر الليل)). شيخ الإسلام له رأي في هذه الروايات، وكلامه في غاية الجودة. يقول: الذي قال: ((حين يبقى ثلث الليل)) حسب الليل من غروب الشمس، وإذا قيل: ((شطر الليل)) يحسب الليل من صلاة العشاء، وحينئذٍ يكون شطر الليل، ونصفه وثلث الليل واحد، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ يعني كلام في غاية الجودة للتوفيق بين هذه الروايات. طالب:. . . . . . . . . وين؟ طالب:. . . . . . . . . أيش المانع إذا اعتبرناه من صلاة العشاء بعد مضي الشطر الأول من صلاة العشاء؟ يعني من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر قسمناه نصفين، يبقى النصف الثاني يوافق الثلث الأخير إذا حسبنا الليل من غروب الشمس، فما في إشكال. "وقال بعضهم: يحتمل أن يكون النزول يقع في الثلث الأول، والقول يقع في النصف أو في الثلث الثاني". يعني ينزل في الثلث الأول، لكن لا يقول: ((من يدعوني)) ((من يسألني)) إلا حينما يبقى الثلث الأخير. "وقيل: يحمل على أن ذلك يقع في جميع الأوقات التي وردت بها الأخبار، ويحمل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعلم بأحد الأمور في وقت فأخبر به، ثم أعلم به في وقت آخر فأخبر به، فنقل الصحابة ذلك عنه والله أعلم". يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر أن النزول في الثلث الأخير، ثم زيد في المدة فأخبره الله -جل وعلا- أنه ينزل حينما يمضي شطر الليل، زيادة في المدة التي يكون فيها هذا الفضل من الله -جل وعلا- فأخبر به، ثم أخبر بعد ذلك أنه ينزل بعد مضي ثلث الليل، فأخبر أن هذا الفضل امتد إلى ثلثي الليل، هذا كلامه.

"قوله: ((من يدعوني)) لم تختلف الروايات على الزهري في الاقتصار على الثلاثة المذكورة، وهي: الدعاء والسؤال والاستغفار، والفرق بين الثلاثة: أن المطلوب أما لدفع المضار أو جلب المسار، وذلك أما ديني وأما دنيوي، ففي الاستغفار إشارة إلى الأول، وفي السؤال إشارة الثاني". يقول: "والفرق بين الثلاثة -التي هي أيش؟ الدعاء والسؤال والاستغفار- أن المطلوب إما لدفع المضار أو جلب المسار، وذلك إما ديني وإما دنيوي، ففي الاستغفار إشارة إلى الأول -دفع المضار-، وفي السؤال إشارة إلى الثاني -الذي هو جلب المسار-، وفي الدعاء إشارة إلى الثالث -الذي هو أيش؟ - طالب: الدعاء. . . . . . . . . نعم، الآن شوف الترتيب في الحديث فيقول: ((من يدعوني فأستجيب له؟ )) هذا أيش؟ طالب:. . . . . . . . . هذا الأول. طالب:. . . . . . . . . على ترتيب الحديث، ((من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ )) إذا قلنا: الترتيب على ما جاء في الحديث، يعني مراد الحافظ ابن حجر الترتيب على ما جاء في الحديث يكون "ففي الاستغفار إشارة إلى الأول" الذي هو دفع المضار، "وفي السؤال إشارة إلى الثاني" جلب المسار. "وفي الدعاء إشارة إلى الثالث". وكأنه يمشي على ترتيبه هو، لا على ترتيب الحديث. "وقال الكرماني: يحتمل أن يقال: الدعاء ما لا طلب فيه، يعني نحو: يا الله". هذا دعاء "يا الله" لكن ماذا تطلب بهذا الدعاء؟ والسؤال الطلب، وأن يقال: المقصود واحد، وأن اختلف اللفظ، انتهى. وزاد سعيد عن أبي هريرة: ((هل من تائب فأتوب عليه؟ )) وزاد أبو جعفر عنه: ((من ذا الذي يسترزقني فارزقه؟ من ذا الذي يستكشف الضر فاكشف عنه؟ )) وزاد عطاء مولى أم صُبية عنه: ((ألا سقيم يستشفى فيشفى؟ )) ومعانيها داخلة فيما تقدم، وزاد سعيد بن مرجانة عنه: ((من يقرض غير عديم ولا ظلوم؟ )) وفيه تحريض على عمل الطاعة، وإشارة إلى جزيل الثواب عليها، وزاد حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري عند الدارقطني في آخر الحديث: ((حتى الفجر)) ".

وهذا يدل على أن هذه النفحات الإلهية التي على المسلم أن يتعرض لها تستمر حتى الفجر، لكن يرد على هذا كله أن أفضل القيام قيام داود، ينام نصف الليل، ثم يقوم ثلثه، الذي يبدأ من النصف، ثم ينام سدسه، وهذه النفحات تستمر إلى طلوع الفجر، وهذه النومة التي في سدس الليل هي وقت الاستغفار، يعني وقت السحر، فيه تعارض مع قيام داود وألا ما فيه؟ طالب:. . . . . . . . . ونام السدس الذي هو وقت اللزوم هذا، الذي هو وقت الاستغفار بالأسحار، نعم، وامتداد ((من يسألوني إلى الفجر)). الطالب:. . . . . . . . . الآن الرواية تقول: ((حتى الفجر)) خلوكم معنا يا إخوان، المسألة يحتاجها كل إنسان، النفحات الإلهية في هذا الوقت ووقت النزول تستمر حتى الفجر، وإذا عملنا وطبقنا قيام داود الذي هو أفضل القيام بالنص الصحيح الصريح، قلنا: إذا بقي سدس الليل نُم، مع أن هذه النفحات موجودة، وأيضاً وقت الاستغفار، هذا وقت الاستغفار، يعني ينتهي الإنسان من صلاته ثم يتجه إلى المسألة والاستغفار، وما أشبه ذلك، إذاً وقت السحر يعني تفضيل الشيء على غيره، هل يقتضي التفضيل المطلق أنه أفضل من كل وجه، تفضيل الشيء على غيره أنه أفضل على غيره من كل وجه؟ طالب:. . . . . . . . . لو قال واحد: أنا أنام من صلاة العشاء إلى أن يبقى سدس الليل، وأقوم وقت النزول، الآن أنا ما زلت في وقت النزول الإلهي، وسأتعرض لنفحات الله، وأستغفر بالأسحار، بدلاً من أنام هذا الوقت وأقوم قبله، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- نص على أن هذا أفضل القيام. طالب:. . . . . . . . . أخذ نصف الثلث. طالب:. . . . . . . . . إيه لكنه فرط في السدس الأخير. طالب:. . . . . . . . . أدركتم ماذا أريد؟ الآن الذي أريده مدرك وإلا لا؟ فيه تفويت أمور عظيمة جداً، مع أنه أفضل القيام؟ طالب:. . . . . . . . .

يعني لو أراد شخص يقول: أنا بأجمع بين الأمرين، النوم هذا إنما شرع وفضل على غيره رفقاً بي، أنا لا غنى بي عن بركة الله، أنا بأقوم مثل ما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-، شطر الليل، أنام نصف الليل، ثم أقوم النصف الثاني، الثلث أصلي، والسدس بدل من إن أنام أستمر في الذكر والدعاء والاستغفار، يعني هل السدس الذي هو محل النوم من أسباب التفضيل لقيام داود؟ طالب:. . . . . . . . . يا إخوان ننتبه لهذه الأمور لأن كل إنسان بحاجتها، أنت الآن ما تقوم الليل لكن فيما بعد إذا تيسر أمرك وزدت في الرغبة في الخير، وكذا لا بد أن تهتم لهذه الأمور، متى يبدأ الاستغفار؟ متى تبدأ الأسحار؟ ومعروف عند أهل العلم لا سيما العباد منهم أن شفقتهم على آخر الليل الذي هو بصدد الانقضاء أحرص منهم على ما قبله؟. طالب:. . . . . . . . . لكن الاستغفار بالأسحار، ما بعد جاء وقت السحر يا أخي، وقت السحر سوف يأتي وأنت نائم، على حديث: ((أفضل القيام قيام داود)) يبيجي وأنت نائم في السدس الأخير. طالب:. . . . . . . . . كون في تفويت لفضلٍ من أنفس الأوقات أظهر من الشمس هذا. طالب:. . . . . . . . . إذا كان ما طبقنا حديث قيام داود الذي هو أفضل القيام. طالب: النوم ليس مزية. يعني النوم نوم هذا السدس من أجل أن يتقوى به على الصلاة، وما بعد الصلاة، لكن لو قال: أنا أتقوى بالعبادة ما أتقوى بالنوم، هل نقول: أن هذا من التنطع والزيادة على ما شرع؟! وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ما دام أفضل القيام قيام داود، وفيه هذا السدس الذي فيه النوم مثل ما يقال في صيامه، لو قال: أنا والله أبى أصوم يوم وأفطر يوم، لكن إن صادفت أيام الفطر يوم الاثنين والخميس أصومها أو بيض، زيادة على صيام داود يلام وإلا ما يلام؟ لأن هناك أدلة أخرى تدل على مشروعية صيام هذه الأيام، ونقول: هنا أدلة أخرى تدل على أن مشروعية التعرض في هذا الوقت الذي هو للنوم، فإذا كان النوم لا يفوت عليه مصلحة، يعني ترك النوم لا يفوت عليه مصلحة أعظم من اهتمامه بصلاة الصبح والتهيؤ لها، والجلوس بعدها إلى انتشار الشمس لا شك أنه تعرض لنفحات الله، ووقت الاستغفار اللي هو السحر.

طالب:. . . . . . . . . أنا ما أظنك ما فهمتش اللي أعنيه بالضبط، المحك اللي أنا أريده تحوم حوله لكن ما أدركته. طالب: يا شيخ. . . . . . . . . هو أشد على النفس القيام قبل ثم النوم، ثم أخف على النفس أن أقوم أصحى. . . . . . . . . يعني مثل ما قالوا في ناشئة الليل، ناشئة الليل القيام بعد نوم، ولذلك بعض الناس يسهل عليه أن يسهر الليل كله، لكن يصعب عليه أن ينام ساعتين ثلاث من أول الليل ويريد أن يقوم، ما هو بظاهر هذا؟ يعني بعض الناس يمكن أن يواصل أسهل عليه من أن ينام ثم يستيقظ، ولا شك أن النوم قبل صلاة الصبح يعني تعين الإنسان على وظائف أول النهار، فلا شك أن هذا محل ينبغي أن يكون محل عناية من طالب العلم، فإن طبق قيام داود ثبت له الفضل، وأفضل من غيره لا شك بالنص، لكن إن تعرض لنفحات الله من غير اعتقاد أن ما فعله أكمل من التوجيه النبوي؛ لأن الإنسان قد يقوم ويفعل عبادة، وجاء الشرع بما دونها يعني أقل منها في الوقت، ثم بعد ذلك يعتقد أن ما فعله أفضل مما فعله أو مما فضله النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الأمر فيه سعة، -إن لم يعتقد ذلك-؛ ولذلك السلف -رضوان الله عليهم- تجد منهم من يقوم أول الليل، ومنهم من يقوم في وسط الليل، ومنهم من يقوم في آخر الليل، وكلٌ على خير -إن شاء الله تعالى-. طالب:. . . . . . . . .

لكن كون النزول الإلهي وهذا الطلب من الله -جل وعلا- والحث والعرض من يسألني؟ من يدعوني؟ من يستغفرني؟ يستمر إلى الفجر، ونحن نقول له بناءً على عمل داود الذي هو أفضل القيام، نم قبل الفجر بسدس الليل، يعني لو افترضنا أن الليل يصفي فيه ست ساعات، يعني من صلاة العشاء إلى أذان الفجر ست ساعات، يعني في الصيف أو قل ثمان ساعات، صفينا الوقت ثمان ساعات أو تسع ساعات في الشتاء، نبيك تنام أربع ساعات ونصف من بعد صلاة العشاء، ثم تقوم ثلاث، ثم تنام ساعة ونصف، هذا مقتضى وصف النبي -عليه الصلاة والسلام- لقيام داود، وهذا أفضل القيام، ما أحد يشك في هذا، لكن يبقى أن السدس الذي جاء فيه النوم وصفاً لقيام لداود أن فيه نفحات، العرض مستمر من الله -جل وعلا-، النزول مستمر، الاستغفار بالأسحار موجود في هذا الوقت الذي أنت نائم فيه. طالب:. . . . . . . . . متى؟ طالب:. . . . . . . . . يعني قبل النوم؟ طالب:. . . . . . . . . لا، التوجيه النبوي في قيام داود في هذان الوقتان. طالب:. . . . . . . . . أو نقول: أن المطلوب في مجموع ما جاء في قيام الليل أن تعمل وتقوم وتدعو وتستغفر وتلتئم الأحاديث، يعني ليست المقصود التحديد بدقة بين هذه الأمور، وإلا جاء فيها التعارض الذي أشرنا إليه، وعلى كل حال من قام في أول الليل أو في أثناءه أو في آخره هو على خير عظيم -إن شاء الله تعالى-. اللهم صلى وسلم على عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم.

§1/1