شرح العقيدة الواسطية - عبد الرحيم السلمي

عبد الرحيم السلمي

العقيدة الواسطية [1]

العقيدة الواسطية [1] يعتقد أهل السنة والجماعة أصول الإيمان وأركانه الستة, ومن جملة تلك الأصول الإيمان بصفات الله تعالى من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل, في جملة عظيمة من مسائل الاعتقاد في هذا الباب المدونة في كتبهم, ومن أهمها كتاب العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية الذي عني به مؤلفه وعني به العلماء من بعده.

أهمية العلم الشرعي في العصر الحاضر

أهمية العلم الشرعي في العصر الحاضر الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه، وبعد: فإن هذه الأمة بخير وإلى خير ولله الحمد، فنحن في هذه الأيام نعيش صحوة ويقظة إسلامية واضحة، يراها الإنسان في كثرة طلاب العلم والمشتغلين بالدعوة إلى الله عز وجل، فضلاً عن الملتزمين بأحكام الدين والمشتغلين بالعبادة ونحوها، ولكننا نعيش في نفس الوقت فترة حرجة في حياة هذه الأمة، وذلك لكثرة الأفكار والآراء والاتجاهات التي نعيشها في هذا الزمان، فقد كثرت الأفكار والآراء والمناهج والأحزاب والتيارات التي تنادي بالكفر، وتدعو إلى البدع، وإلى الضلالة، وأصبحت هذه التيارات والمناهج والفرق ذات قوة كبيرة في حياة الناس، وتمتلك قوة مالية وإعلامية لتوصيل هذه الأفكار والمناهج إلى كل أقطار الدنيا. ينبغي علينا ونحن في هذه الفترة الحرجة أن نعلم العلاج الذي ينقذنا أولاً، والذي ييسر لنا إنقاذ أمتنا ثانياً، ولا يمكن أن يكون ذلك إلا بالعلم، فالعلم بالشرع وبأحكام الدين والتعلم هما الوسيلة الناجحة للخروج والخلوص من هذه المزالق الوعرة، ومن هذه التيارات والأفكار والمناهج التي تهدد عقيدة الإنسان وفكره ومنهجه في الحياة. ومن هنا كان للاهتمام بالعلم وبدراسته أهمية كبرى، ومكانة عظمى في إنقاذ الإنسان لنفسه ولغيره من الناس عندما يكون داعية إلى الله سبحانه وتعالى، فلا بد إذاً من دراسة العلم دراسة تفصيلية يتفقه الإنسان من خلالها في أحكام دينه، ويتعلم فيها العقيدة الصحيحة، ومناهج الاستدلال الصحيحة بعيداً عن الآراء الضالة والمناهج المنحرفة، وهي خطيرة كل الخطر، تمتلك أدوات قوية جداً لنقل أفكارها ومناهجها، ومن هنا كان طلب العلم مهم جداً في إنقاذ الإنسان لنفسه.

معالم في منهج دراسة العلم

معالم في منهج دراسة العلم وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالعلم، وحث عليه، وبين فضله وفضل أهله، وبين منزلتهم، حتى أن أهل العلم صنفوا كتباً مستقلة في هذا الموضوع تبين منهج الإنسان في دراسته للعلم، والعلم يحتاجه كل مسلم، وطالب العلم على وجه الخصوص يحتاجه أكثر، كما لا بد لطالب العلم من دراسة المنهج الذي يسير عليه حتى يصل إلى العلم بالطريقة الصحيحة؛ فإنه ليس كل مشتغل بالعلم أو كل قارئ للعلم يكون طالب علم فعلاً، فإنه في بعض الأحيان قد يقرأ الإنسان كثيراً ويشتغل بالعلم كثيراً، لكنه يشتغل على منهج خاطئ، وحينئذٍ قد تمر عليه السنتان والثلاث والعشر فلا يستفيد شيئاً بسبب الطريقة التي سلكها في دراسة العلم، ومن هنا كانت المنهجية في طلب العلم مهمة جداً لطالب العلم حتى يصل إلى نتيجة صحيحة بإذن الله تعالى. ومن معالم هذا المنهج الذي نحن بحاجة إليه: أن يدرس الإنسان صغار كتب العلم قبل كباره، وأن يتدرج الإنسان في طلبه للعلم، وأن يبدأ أول ما يبدأ بالعلم في العقيدة والأحكام، فيتعلم العقيدة الصحيحة، ويعلم الأحكام الفقهية التي يصح بها عمله، وكذلك ينبغي على طالب العلم أثناء دراسته لذلك أن يهتم بالمنهج الصحيح في الاستدلال، وينبغي أن يعرف قواعد أهل العلم في الاستدلال الصحيح، فليس كل استدلال يكون صحيحاً، عندما يأتي إنسان مثلاً ويبني عقيدة أو فكرة أو رأياً على قصة أو رؤيا أو قول من أقوال أهل العلم السابقين، ويترك النصوص الشرعية الواردة في ذات الموضوع، فلا شك في أنه مخالف للمنهج الصحيح في الاستدلال والوصول إلى الرأي الحق والمنهج الصحيح. إذاً: لا بد أن يتعلم الإنسان قواعد الاستدلال، فأول ما يستدل ينبغي أن يستدل بالقرآن وبالسنة الصحيحة الثابتة، ثم بالإجماع، ثم بالقياس الصحيح المنضبط الذي تتحقق فيه شروط القياس وتنتفي عنه موانعه عند عدم وجود الأدلة السابقة، وليس الكلام على مناهج الاستدلال وقواعده مرادنا، وإنما المراد الإشارة إلى أهمية الاستدلال وضرورته لطالب العلم. إذاً: لا بد من المنهجية في دراسة العلم، ومن هنا كانت هذه الدروس التي تعقد -ولله الحمد- في المساجد بين الفينة والأخرى لتعليم العقيدة والأحكام ومناهج الاستدلال وقواعده حتى تصح عقيدة الإنسان، ويصح منهجه، وبالتالي يصح كل ما يبنى عليه، مثل الدعوة إلى الله عز وجل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، ونحو ذلك مما تحتاجه الأمة لتنمية نفسها وتطويرها. والعقيدة الواسطية هي لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو عالم معروف له قيمته العلمية في تاريخ العلم الشرعي، وقد ترجم له كثير من العلماء بل صنفت بشأنه تراجم مستقلة رحمه الله تعالى. ولا يمكن لنا لطول سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن نستعرضها بشكل مفصل، لكن يمكن مراجعة سيرته بشكل مفصل في الكتب التي ترجمت له، ومن الكتب العصرية التي ترجمت له بشكل منظم: كتاب الدكتور عبد الرحمن المحمود: (موقف ابن تيمية من الأشاعرة)، فقد ترجم له ترجمة طويلة.

منهج دراسة العقيدة

منهج دراسة العقيدة قبل أن نتحدث عن العقيدة الواسطية، أحب أن أتحدث عن منهج دراسة العقيدة قبل ذلك، وذلك أن منهج دراسة العقيدة مبني على أصلين: الأصل الأول: تأصيل العقيدة وتصحيحها، وذلك بدراسة العقيدة المأخوذة من الكتاب والسنة بشكل صحيح، وهذه الدراسة دراسة نظرية، وقد صنف فيها أهل العلم كتباً كثيرة، ومن هذه الكتب العقيدة الواسطية. والأصل الثاني: تأصيل العقيدة في القلوب، ومعنى هذا: العناية بآثار العقيدة في النفوس، فعندما يؤمن الإنسان بأن الله عز وجل هو العليم يكون له أثر كبير جداً في نفسه، ويورث في قلبه مراقبة الله عز وجل، ومراقبة الله عز وجل -الذي هو عمل من أعمال القلوب- حصل بناءً على إيمانه بأن الله عز وجل هو العليم الرقيب، وهكذا تجد أن لموضوعات العقيدة آثاراً سلوكية مؤثرة في قلب الإنسان وسلوكه وآدابه، وتجد أن أكثر أعمال القلوب مبنية على أصل عقائدي سابق؛ فمثلاً محبة الله عز وجل تنشأ عندما يعلم الإنسان أن الله عز وجل رحيم بعباده، وأنه سبحانه وتعالى كريم، وأنه سبحانه وتعالى جواد. أيضاً الخوف من أعمال القلوب، وهو ينشأ عندما يعلم الإنسان أن الله عز وجل شديد العقاب ذو انتقام سبحانه وتعالى، وأنه سبحانه وتعالى الكبير. وهكذا تنشأ كثير من الأعمال الموجودة في قلب الإنسان بناءً على هذه العقائد. أيضاً عقيدة الإيمان باليوم الآخر وبالقدر وبالملائكة كل هذه لها آثار سلوكية عظيمة جداً في حياة الإنسان، فهذا نوع آخر من دراسة العقيدة، وهو مهم جداً لطالب العلم أن يهتم به، وأن يستفيد منه.

نبذة تعريفية بالعقيدة الواسطية

نبذة تعريفية بالعقيدة الواسطية يمكن أن نتحدث عن العقيدة الواسطية في خمس نقاط:

تاريخ تأليف العقيدة الواسطية

تاريخ تأليف العقيدة الواسطية أولاً: تاريخ تأليفها: كل الشراح الذين شرحوا هذه العقيدة لم يؤرخوا لتأليفها، وتاريخ تأليف هذه العقيدة هو في سنة 698هـ. يدل على ذلك: أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عندما امتحن في رجب من سنة 705هـ، وجاء مرسوم السلطان من مصر إلى نائب السلطنة في بلاد الشام، وجمع نائب السلطنة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والقضاة والمفتين والعلماء المشهورين في بلاد الشام في تلك الفترة، وقال له: إن هذا المجلس عقد من أجل مسائلتك عن اعتقادك. أراد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بداية الأمر أن يملي لهم اعتقاده، فلما أملى عليهم شيئاً من اعتقاده توقف، وقال لهم: قد تقولون: إن الإنسان إذا أملى من حفظه أنه يداري ويداهن، لكنني سآتي لكم بعقيدة كتبتها قبل سبع سنين قبل دخول التتر لبلاد الشام، فجاء بالعقيدة الواسطية. وهكذا سماها شيخ الإسلام رحمه الله العقيدة الواسطية، فقرئت عليهم. وستأتي الإشارة إلى ما حصل في هذه المجالس التي نوقش فيها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن هذه العقيدة. وهذا النص من كلام ابن تيمية رحمه الله يدل على أن تاريخ تأليف هذه العقيدة كان في سنة 698هـ، فإن تاريخ الامتحان له كان في 705هـ، وإذا أخذت منها السبع سنين المذكورة تحصل لك أنه كتبها في سنة 698هـ.

سبب تأليف العقيدة الواسطية

سبب تأليف العقيدة الواسطية ثانياً: سبب تأليفها: ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في حكايته للمناظرة التي حصلت بسبب العقيدة الواسطية: أنه جاءه قاضٍ من واسط، وواسط مدينة تقع بين الكوفة والبصرة في جنوب العراق -سميت واسطاً لتوسطها بين الكوفة والبصرة- جاء هذا القاضي حاجاً ومر ببلاد الشام، ووجد شيخ الإسلام رحمه الله، وطلب منه أن يكتب له عقيدة، وذكر له أن الناس اختلفوا في العقائد، فقال له: أريدك أن تكتب لي عقيدة أنقلها عنك، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بداية الأمر: إن الناس كتبوا عقائد كثيرة فارجع إليها، فألح عليه هذا القاضي، وسماه ابن تيمية رحمه الله رضي الدين الواسطي، ونسبه إلى مذهب الشافعي رحمه الله، فكتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذه العقيدة، وهذا السبب نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية، فهو ليس مأخوذاً من كتب التاريخ، أو من توقعات بعض تلاميذه، وإنما هي مأخوذة من كلام شيخ الإسلام رحمه الله نفسه. وقد عظمها شيخ الإسلام ابن تيمية كثيراً عندما حكى المناظرة التي حصلت له مع أهل الكلام من الأشاعرة والماتريدية وغيرهم، وقال: إن هذه العقيدة جمعت أبواباً كثيرة، وأن في كل كلمة منها خلافاً مع فرقة من الفرق، وهذا يدل على أنه كان يكتب هذه العقيدة بعناية تامة، وأنه كان في كل كلمة يعرف من يقصد وماذا يقصد، وما هو ميزانها، مع أنه كتبها رحمه الله تعالى في جلسة بعد صلاة العصر، وكان عمره في تلك الفترة ثلاثة وثلاثين سنة، يعني: كان في بداية نشأته العلمية، إلا أنه رحمه الله كان عالماً فحلاً عظيماً أجيز بالإفتاء قبل العشرين.

حكاية المناظرة بين شيخ الإسلام ومناوئيه فيما تضمنته العقيدة الواسطية

حكاية المناظرة بين شيخ الإسلام ومناوئيه فيما تضمنته العقيدة الواسطية ثالثاً: المناظرة: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عندما دعي بمرسوم السلطان الذي جاء إلى نائب السلطنة إلى هذا المجلس، واجتمع قضاة المذاهب الأربعة ومع المفتون وأيضاً عدد كبير من أهل العلم، وأملى عليهم شيخ الإسلام رحمه الله في البداية شيئاً من هذه العقيدة، إلا أنه توقف وجاء بهذه العقيدة من منزله، وهم يعلمون أن الكلام الذي يقوله في حال السراء والضراء واحد، وأنه لا يتردد في ذلك، فجيء بهذه العقيدة ونوقش في ثلاث مجالس، كان المجلس الواحد يبتدئ من الضحى ولا ينتهي إلا في منتصف الليل، وكان قوي الحجة رحمه الله تعالى، ومن أراد أن يقف على هذه القصة فيمكن أن يراجع المجلد الثالث من مجموع الفتاوى في صفحة مائة وستين؛ فإنه ذكر مناقشة هؤلاء له بشكل مفصل، ومن ذلك. يقول بعد المقدمة: [أما بعد: فقد سئلت غير مرة أن أكتب ما حضرني ذكره مما جرى في المجالس الثلاثة المعقودة للمناظرة في أمر الاعتقاد، بمقتضى ما ورد به كتاب السلطان من الديار المصرية إلى نائبه أمير البلاد، لما سعى إليه قومه من الجهمية والاتحادية والرافضية وغيرهم من ذوي الأحقاد، فأمر الأمير بجمع قضاة المذاهب الأربعة وغيرهم من نوابهم والمفتين والمشائخ ممن له حرمة وبه اعتداد، وهم لا يدرون ما قصد بجمعهم في هذا الميعاد، وذلك في يوم الإثنين ثامن رجب المبارك عام خمس وسبعمائة، فقال لي: هذا المجلس عقد لك، فقد ورد مرسوم السلطان بأن أسألك عن اعتقادك وعما كتبت به إلى الديار المصرية من الكتب التي تدعو بها الناس إلى الاعتقاد، وأظنه قال: وأن أجمع القضاة والفقهاء وتتباحثون في ذلك، فقلت: أما الاعتقاد فلا يؤخذ عني، ولا عمن هو أكبر مني، بل يؤخذ عن الله، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه سلف الأمة]. وفي هذا درس عظيم جداً في منهج التعلم، وهو: أن الإنسان في بنائه لعقيدته ولدينه ينبغي أن يعرف أن المصدر الأساسي هو القرآن والسنة وإجماع السلف الأولون، وألا يكون مقلداً في أمور العقائد، وأن يتفهم أحكام الشرع الواردة في القرآن والسنة. قال: [فما في القرآن وجب اعتقاده، وكذلك ما ثبت في الأحاديث الصحيحة، مثل صحيح البخاري ومسلم إلى غير ذلك]. ثم يقول: [ثم قلت للأمير والحاضرين: أنا أعلم أن أقواماً يكذبون علي كما قد كذبوا علي غير مرة]. وصدق فإن شيخ الإسلام رحمه الله كذب عليه كثيراً، وأنتم تعلمون أن ابن بطوطة صاحب الرحلة المشهورة كذب عليه، فإنه قال: رأيت ابن تيمية في جامع دمشق -يعني: الجامع الأموي- يخطب في الناس، ويقول: إن الله تعالى ينزل من السماء إلى السماء الدنيا -ونزل من المنبر- كنزولي هذا، والعجيب أن ابن بطوطة دخل في تلك السنة التي كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مسجوناً فيها، فهي كذبة صريحة واضحة، فقد كُذب عليه كثيراً حتى أنهم قالوا عنه: إنه كاتب التتر، وأراد مصانعتهم، مع أنه له موقف عظيم جداً من قازان يعرفه كثير من طلاب العلم الذين قرءوا ترجمته رحمه الله. بل إنه كان من صلاحه كما يذكر هو: أنه تحدث عن قضية الجن والشياطين والاعتقاد السخيف فيهم، ثم قال: إنه في بعض الأحيان قد يوجد من الجن الصالحين من يدعو الإنس إلى الله عز وجل، وذكر قصة وهي: أن أحد أمراء الروم قاتل في معركة، ثم هزم فيها، فهام على وجهه أي: ضل الطريق، وبينما هو في أثناء الطريق إذ جاءه رجل وكان ذلك القائد يكاد أن يموت من الجوع والعطش، فدعاه إلى الله عز وجل، فلما أسلم ونطق الشهادتين أعطاه شيئاً من الأكل والشرب، فلما قال له: من أنت؟ قال: أنا ابن تيمية، يقول: فجاء هذا الأمير وأخبر صاحب ماردين، وصاحب ماردين أخبر صاحب مصر، وكان ابن تيمية رحمه الله في تلك الفترة مسجوناً في سجن الجب في مصر، يقول: فتعجبوا كيف حصل هذا! فقلت: هذا أحد الجن الصالحين كان ينظر إلى طريقتنا في دعوة التتار، وهي: أننا ندعوهم إلى الله عز وجل، فإذا أسلموا أعطيناهم من الأكل والشرب ما نستطيعه، فأعجب بطرقتنا فعملها لهذا الرجل، فقال له بعض أصحابه ممن كان معهم في السجن: لعله ملك، قال: لا، فإن الملك لا يكذب، الشاهد: هو أن هذا الرجل الصالح لما ظهر ذكره، وانتشر خبره، وعرفت منزلته كثر حساده، وكثر أعداؤه. وإذا الفتى بلغ السماء بمجده جاءت كأعداد النجوم عداه فأصبحوا يكذبون عليه، وقد يكتبون الرسائل في بعض الأحيان باسمه وهي كذب، كما قال رحمه الله: [كما قد كذبوا علي غير مرة]. قال: [وإن أمليت الاعتقاد من حفظي ربما يقولون: كتم بعضه، أو داهن ودارى، فأنا أحضر عقيدة من نحو سبع سنين قبل مجيء التتر إلى الشام] إلى آخر كلامه معهم رحمه الله، وذكر بعض الاعتراضات التي اعترضوا بها على هذه العقيدة بسبب منطلقاتهم العقدية غير الصحيحة، فهو عندما ذم منهج التأويل، قالوا: كيف تذمه، معنى هذا أنك تكفر المتكلمين من أصحابنا، فر

أبواب العقيدة الواسطية

أبواب العقيدة الواسطية رابعاً: أبواب هذه العقيدة: اشتملت هذه العقيدة على مجموعة من الأبواب، منها: الصفات، ووسطية أهل السنة، واليوم الآخر، والقدر، والإيمان، والصحابة وأهل البيت، وكرامات الأولياء، وطريقة أهل السنة في السلوك والعمل، فهذه العقيدة ليست خاصة بالصفات كما يظن بعض طلاب العلم، فإن بعض طلاب العلم عندما يبدأ بدراسة هذه العقيدة فإن أول باب يواجهه هو باب الصفات، ويظن أن هذا الكتاب خاص بالصفات، وهو ليس خاصاً بالصفات، فأنتم تلاحظون أنه اشتمل على ثمانية أبواب من أبواب العقيدة، لهذا يعتبر هذا المختصر على صغر حجمه من أهم كتب العقيدة الشاملة والمركزة في هذه الأبواب.

شروح العقيدة الواسطية

شروح العقيدة الواسطية خامساً: شروحها: هذه العقيدة لم تشرح إلا في القرن الرابع عشر وما بعده، وممن شرح هذه العقيدة الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع رحمه الله، فقد كتب شرحاً مختصراً على هذه العقيدة، وكذلك شرحها الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في كتاب سماه: (التعليقات اللطيفة على ما احتوته العقيدة الواسطية)، وممن شرح هذا الكتاب أيضاً زيد بن فياض رحمه الله، شرحها بكتاب سماه: (الروضة الندية في شرح العقيدة الواسطية)، وكذلك ممن شرحها الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد رحمه الله، المتوفى عام ألف وأربعمائة وثمانية، شرحها بكتاب سماه: (التنبيهات السنية في شرح العقيدة الواسطية)، وكذلك ممن شرحها الشيخ عبد العزيز السلمان، شرحها في كتاب سماه: (الكواشف الجلية في شرح العقيدة الواسطية)، واختصره في كتابه: الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية، وممن شرحها أيضاً الشيخ محمد بن عثيمين حفظه الله تعالى في شرحه الكبير للعقيدة الواسطية في مجلدين، وكذلك من التعليقات على هذه العقيدة هذا التعليق واسمه: (التعليقات المفيدة على العقيدة الواسطية) لأحد المحققين، اسمه عبد الله بن عبد الرحمن الشريف. هذه بعض الشروح لهذه الرسالة المختصرة. والشروح لأي كتاب من الكتب نوعان: النوع الأول: شروح تحليلة، والمقصود بها شروح تفصيلية لألفاظ الكتاب ولمسائله، وقد يكون فيها كثير من الاستطرادات، ويمثل هذه الشروح في شروح العقيدة الواسطية كتاب الشيخ ابن عثيمين حفظه الله، وكتاب: (الروضة الندية)، (والتنبيهات السنية)، (والكواشف الجلية)، فكل هذه من الشروحات المبسوطة التي أطالوا فيها، وقد يكون هناك استطرادات ضمن هذه الشروح. النوع الثاني: الشروح التي تهتم بالقواعد الأساسية في كل باب من هذه الأبواب، ويمثل هذا النوع من شروح العقيدة الواسطية شرح الشيخ السعدي رحمه الله، فإنه لم يكن شرحاً تفصيلاً، فالآيات التي أوردها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة آيات كثيرة جداً بعضها محل الشاهد منه جزء من الآية، فالذي يعتمد الشرح التحليلي يستطرد في أجزاء أخرى من الآيات لا علاقة لها بموضوعات العقيدة، بينما الشيخ السعدي رحمه الله ساق آيات العقيدة بأكملها، فلما انتهى منها قال: هذه الآيات تشتمل على أصول لأهل السنة والجماعة في باب الصفات، يمكن أن أجملها فيما يلي: الأصل الأول، الأصل الثاني، الأصل الثالث، ثم جمع الأصول جميعاً، وهذا نوع من أنواع الشروح يكون المقصود منه التقعيد لهذه الأبواب دون التفصيل والتحليل للألفاظ، فالطريقة التي سنعتمدها -بإذن الله- هو التوسط وعدم الاستغراق في الكلام في الألفاظ، وإنما يكون التركيز في شرحنا -بإذن الله تعالى- حول القواعد الأساسية من كل باب، مع الاهتمام بالأدلة، ووجه الاستدلال، وآراء الفرق الضالة، والرد عليها.

أصول الإيمان وأركانه عند أهل السنة والجماعة

أصول الإيمان وأركانه عند أهل السنة والجماعة قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً، أما بعد: فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة، أهل السنة والجماعة، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره].

مأخذ وصف أهل السنة والجماعة بالفرقة الناجية المنصورة

مأخذ وصف أهل السنة والجماعة بالفرقة الناجية المنصورة يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (فهذا اعتقاد الفرقة الناجية)، الوصف بالناجية مأخوذ من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)، فلما سئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي). والنجاة في هذا الحديث نوعان: نجاة من التفرق والاختلاف، ونجاة من النار التي ورد الوعيد في الحديث عنها. وأما المنصورة فهذا الوصف مأخوذ من حديث آخر، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين)، وفي لفظ: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك). ومعنى النصر: أنهم أصحاب ظهور وبيان وقوة في الحجة، وفي بعض الأحيان قد يكون قوة بالسيف. فقد قال الشيخ عبد الرحمن أبا بطين في شرحه لهذا الحديث: ظاهرين بالحجة دائماً، وبالسيف أحياناً، وكذلك النصر؛ فإن النصر قد يكون نصراً بالحجة، وقد يكون في بعض الأحيان نصراً بالقوة، فأما النصر بالحجة فمعناه: أن أهل السنة والجماعة هم أقوى الناس حجة، وهم أقوى الناس استدلالاً، وقد تكون لهم في بعض الأحيان دولة وجهاداً وقوة وشوكة، وقد لا تكون لهم في بعض الأحيان هذه القوة المادية، أما الحجة فهي دائمة، وهم منصورون دائماً بالحجة والبيان والظهور، ومصدر استمداد أهل السنة والجماعة لهذا النصر مأخوذ من قوة المنهج نفسه. فإن المنهج الذي اعتمده أهل السنة والجماعة هو منهج القرآن والسنة، وما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو منهج قوي في الحجة والبيان والوضوح يقتنع به كل من أراد الحق، وذلك أن الصوارف التي تصرف الإنسان عن الحق نوعان: الجهل: وهو قلة العلم، والهوى: وهو اتباع الشهوة مع العلم، فإذا كان الإنسان جاهلاً ليس عنده علم؛ فإن في منهج أهل السنة -هذا المنهج القوي- ما يكفيه للاقتناع والاهتداء والاستفادة، أما إذا كان الإنسان الذي صرفه عن الحق هو الهوى فمثل هذا لا يمكن أن يقتنع، وعلاجه يكون بالسيف وبالتأديب والسلطان. يقول: (فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة)، هناك حديث يورده بعض الشراح، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة)، جاء في بعض الروايات: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك) فقوله: (حتى تأتيهم الساعة، وهم على ذلك) يشكل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله)، فهذا اللفظ فيه: (لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك)، والحديث الآخر: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله) وهذا الحديث رواه مسلم، واللفظة الأولى لفظة صحيحة ثابتة. والجمع بينها أن يقال: إن هذه الطائفة تكون قائمة بأمر الله عز وجل إلى قبيل الساعة، فتأتي ريح طيبة وتأخذ أرواحهم، ولا يبقى إلا شرار الخلق، وعليهم تقوم الساعة، ويدل على هذا ما رواه الحاكم في مستدركه وصححه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، هم شر أهل الجاهلية، فقال عقبة لـ عبد الله بن عمر: اعلم ما تقول؟ -يعني: كأنه استغرب هذا القول منه- أما أنا فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك)، فقال عبد الله: يبعث الله ريحاً ريحها ريح المسك، مسها مس الحرير؛ فلا تترك أحداً في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة. وهذا ورد مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يزول الإشكال الذي ذكره بعض الشراح. أما قوله: (أهل السنة والجماعة) فالوصف بالسنة هو لاتباعهم للسنة.

مأخذ تخصيص أهل السنة في الوصف بالإضافة إلى السنة دون القرآن

مأخذ تخصيص أهل السنة في الوصف بالإضافة إلى السنة دون القرآن وهنا يرد Q لماذا لم يقل: أهل القرآن، ولماذا خص السنة؟ و A أنهم سموا بأهل السنة؛ لأنهم يتميزون بالاستدلال بالسنة، فالقرآن -كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه-: فإنه حمال وجوه، ولهذا تجد بعض الطوائف قد يستدل بالقرآن ويغير الاستدلال لمصلحته، لكن دلائل السنة أصرح في المراد، ولهذا لما ذهب ابن عباس رضي الله عنه لمناقشة الخوارج قال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه في وصيته المشهورة: إذا جئتهم فلا تستدل عليهم بالقرآن بل استدل بالسنة؛ فإن القرآن حمال وجوه، ومعنى هذا: أن القرآن جاء بالقواعد العامة، وتفصيلاتها موجودة في السنة النبوية، ولهذا جاء الأمر الأكيد في أكثر من تسعين آية في القرآن الكريم باتباع السنة، والاهتمام بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله ونحو ذلك. ولهذا يلاحظ أن الذين يتميزون باتباع السنة، وبالاهتمام بالحديث وبتطبيقه هم أهل السنة، ولهذا جاء في بعض كلام أهل العلم، عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق)، قال الإمام أحمد رحمه الله: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري منهم؟! وقال أبو عبد الله البخاري: هم أهل العلم يعني: المشتغلين بالسنة والحديث. وأما قوله: (والجماعة)، فالإضافة إلى الجماعة لها دلالات عظيمة جداً، منها: الاهتمام بالألفة والبعد عن التفرق وأسبابها الموصلة إليها، ومنها: حجية الإجماع، ومنها: أن الجماعة هي الحق، ولو كان الإنسان وحده، فلتعظيم الحق سمي جماعة، ولو كان واحداً، ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: (الجماعة هي الحق وإن كنت وحدك). ثم قال شيخ الإسلام: (وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره)، وهذه هي أصول الإيمان الواردة في حديث جبريل عليه السلام الطويل. ثم بعد أن ذكر هذا العموم خصصه بالكلام عن الإيمان وبالذات في الصفات.

معتقد أهل السنة والجماعة في الصفات

معتقد أهل السنة والجماعة في الصفات قال: [ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل]. هذه الفقرة من العقيدة الواسطية ليست من اختراع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وإنما هي من كلام السلف السابقين، فمثلاً الإمام أحمد رحمه الله يقول: لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، لا يتجاوز القرآن والحديث، ويقول حماد رحمه الله -وهو من مشايخ البخاري -: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن نفى ما أثبته الله لنفسه فقد كفر.

أنواع الصفات وأقسامها عند أهل السنة

أنواع الصفات وأقسامها عند أهل السنة قوله: (ومن الإيمان بالله؛ الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم). هذا يدعونا إلى الحديث عن أنواع الصفات، فإن الصفات قسمها أهل العلم إلى أقسام، وهي ثلاثة أقسام بثلاث اعتبارات: قسموها باعتبار الدليل إلى صفات شرعية وصفات عقلية، ومعنى هذا: أن الصفات باعتبار نوع الدليل الذي يدل عليها قد يدل عليها العقل استقلالاً، وقد لا يدل عليها العقل استقلالاً، وإنما يدل عليها الشرع، وسيأتي معنا الحديث عن منزلة الاستدلال على العقيدة، فمن الصفات العقلية: صفة الحياة؛ فإن أي عاقل يعلم أن الإله لا بد أن يكون حياً؛ لأنه لا يتصور إله معبود وهو ميت، وكذلك العلم والقدرة؛ فإنه لا يتصور أن يكون إله جاهل أو عاجز، وهذا بالبداهة يعرفه أول ما تعرض عليه، وهو ما يسميه العلماء، الضرورة العقلية. وهناك من الصفات ما لا يدل العقل عليها استقلالاً مثل صفة الوجه لله عز وجل، وصفة اليدين، والنزول ونحو ذلك من الصفات، فهذه الصفات لو لم ترد النصوص الشرعية بالتنبيه عليها لما عرفناها، ولهذا سميت شرعية. النوع الثاني من أنواع الصفات هو: باعتبار تعلقها بالمشيئة فإن الصفات باعتبار تعلقها بالمشيئة نوعان: صفات ذاتية وصفات فعلية، أما الصفات الذاتية فهي التي لا تنفك عن الله عز وجل بأي وجه من الوجوه، وهي الصفات الدائمة التي لا تعلق لها بالإرادة والمشيئة، مثل: صفة العلم والحياة واليدين والعينين ونحو ذلك من الصفات. وأما الصفات الفعلية فهي: الصفات المتعلقة بمشيئة الله عز وجل، إن شاء فعلها وإن شاء تركها، مثل: صفة النزول والاستواء والمجيء والإتيان والخلق، ونحو ذلك من الصفات. والصفات الفعلية يسميها العلماء الصفات الاختيارية، وكلاهما بمعنى واحد، وهي تنقسم إلى قسمين: صفات فعلية متعدية، وصفات فعلية لازمة، فالصفات الفعلية المتعدية هي: التي يكون لها آثار مباشرة على الخلق، مثل: صفة الخلق والتدبير والإحياء والإماتة ونحو ذلك. والنوع الثاني: صفات فعلية لازمة: مثل صفة النزول، فهذه ليس لها آثار على العباد، وقد ذكر هذا التقسيم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المجلد الثاني من كتاب: درء تعرض العقل والنقل، وهذا المجلد كله خاص بالصفات الاختيارية، فقد أورد آيات كثيرة جداً، وبين وجه الاستدلال منها على هذه الصفات، وأحاديث وآثار عن الصحابة التابعين، ونقل نصوصاً كثيرة جداً لعلماء أهل السنة -من كتب بعضها مفقود- تدل على هذا الأمر، وقد اهتم بهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لقوة الخلاف بين أهل السنة والأشاعرة الذين ورثوا الانحراف في هذا الباب عن الكلابية. النوع الثالث من الصفات: باعتبار النفي والإثبات؛ فإن الصفات باعتبار النفي والإثبات تنقسم إلى قسمين: صفات ثبوتية وصفات منفية، فمعنى فالصفات الثبوتية مثل إثبات الله عز وجل لنفسه العلم والحياة والقدرة ونحو ذلك، والصفات المنفية هي ما نفاها الله عز وجل عن نفسه مثل: نفي الند والمثيل والسِنة والعجز، {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38]، {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255].

معنى إثبات الصفات من غير تحريف ولا تعطيل

معنى إثبات الصفات من غير تحريف ولا تعطيل أما قوله: (من غير تحريف) فالتحريف هو تغيير المعنى أو اللفظ، والتحريف ينقسم إلى قسمين، فأما تغيير اللفظ فلا يعرف له مثال واضح وإن كان بعض أهل البدع تمناه، فهذا عمرو بن عبيد يقول: وددت لو أني حككت قوله تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، وكتبت: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [إبراهيم:4]، يعني: وددت لو أني حككتها من المصاحف، وجاء رجل إلى القارئ المشهور أبي عمرو بن العلاء وقال له: اقرأ: (وكلم اللهَ موسى تكليماً)، حتى ينسب صفة التكليم والكلام إلى موسى ولا ينسبها إلى الله عز وجل، والآية هي: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]، فقال: هب أنني قرأت ما أردت، فماذا تصنع في قول الله عز وجل: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:143] وهذا نص صريح، يعني: لو أني غيرت لك ما تريد وذاع وانتشر على أنها قراءة، فكيف تعمل بالنص الثاني؟ فخصم ذلك الخبيث. وأما النوع الثاني وهو المشهور والكثير فهو: تحريف المعنى، أي: تغيير دلالته، فمثلاً قول الله عز وجل: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] غيرت اليد هنا بمعنى النعمة، أو كما في قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64]، أو تأويل وتحريف قوله عليه الصلاة والسلام: (ينزل ربنا)، قالوا: ينزل أمره، فهذا التغيير للمعاني هو التحريف، وهذا هو الذي يسميه أهل البدع والضلالة التأويل تلطيفاً للعمل الذي عملوه، وإضفاءً للشرعية عليه. كما أن هؤلاء استشكلوا قوله: (من غير تحريف ولا تعطيل)، عندما ناظرهم شيخ الإسلام قالوا: ماذا تقصد بالتحريف والتعطيل؟ قال: أنا اعتنيت في هذه الرسالة بأن أستخدم الألفاظ الشرعية، فقوله من غير تحريف يدل عليه قول الله عز وجل: {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:41]، بمعنى: يغيرون معناه، وهم يغيرون معناه ودلالته، بحيث إن كلمة تصرف عن معناها الحقيقي. قوله: (ولا تعطيل)، التعطيل هو: التخلية والترك، ولهذا يقول الله عز وجل: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} [الحج:45] يعني: خالية من الماء، أو معطلة من الرعاة الذين يأتونها، بمعنى: متروكة، فمعنى قوله: (ولا تعطيل) يعني: من دون تفريغ لمعناها ومحتواها، فإن أهل البدع فرغوها من معناها الصحيح، فهو يقصد بقوله: (من غير تحريف): أهل الكلام الذين أولوا الصفات، ويقصد بقوله: (ولا تعطيل): أهل التأويل الذين عطلوا الصفة عن معناها، وإن كانوا لم يثبتوا معنى آخر لها، وذلك أن أهل البدع أول ما يبدءون في الكلام في آيات الصفات يعطلونها من معناها الحقيقي، فيقولون: الله عز وجل ليس له صفة اليدين والعينين ونحو ذلك، وهذا يسمى تعطيلاً. كما ينقسموا إلى طائفتين: طائفة تسكت، وسموا أنفسهم المفوضة، أي: مفوضة أمرها إلى الله عز وجل. وطائفة ثانية تؤول، يعني: أن تأتي بمعنى للآية غير المعنى الحقيقي، والأشاعرة والماتريدية يعتقدون أن السلف على مذهب التفويض، الذي هو تخلية النص الشرعي من معناه الحقيقي، ثم يقولون: إن السلف تركوا الآية بدون تفسير لها، فيقولون: منهج السلف أسلم، يعني: من الخطأ؛ لأنهم قد يأتون بمعنى فيكون خطأ، ويقولون: ومنهج الخلف -الذين هم متأخري أهل الكلام- أعلم وأحكم؛ لأنهم يأتون بالمعنى الشرعي الصحيح فيما يظنوه ويعتقدوه، وسيأتي الحديث عن هؤلاء بشكل مفصل.

معنى إثبات الصفات من غير تكييف ولا تمثيل

معنى إثبات الصفات من غير تكييف ولا تمثيل قال: [من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل]. التكييف هو حكاية كيفية معينة للصفة، ولا شك أن صفات الله عز وجل لها كيفية في ذاتها لكن لا نعلمها نحن، فالله عز وجل لم يخبرنا بكيفية صفاته فهي من الغيب الذي لا نعلمه، لكن نعلم معانيها وما تدل عليه. والفائدة من بيان الله عز وجل لنا لهذه الصفات من جهة المعاني وجعل كيفياتها غيباً هو: أن معانيها عندما ندركها نستفيد منها سلوكاً وآداباً وأعمالاً نستثمرها في التعبد لله عز وجل. وأما إدراك الكيفية فإن العقل لا يمكن أن يدركه الآن؛ لأن العقل لا يدرك الشيء إلا برؤيته، أو برؤية نظيره، أو بخبر الصادق عنه، ونحن لم نر الله عز وجل بأعيننا في الدنيا، وكذلك لم نر شبيهاً له، وهو سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، وكذلك لم يخبرنا الصادق عن كيفية محددة لها، ولهذا لما جاء الرجل إلى الإمام مالك رحمه الله، وقال: يقول الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى؟ فقال الإمام مالك قاعدة، وهذا من بركة علوم السلف؛ فإن السلف رحمهم الله كما يقول ابن القيم رحمه الله: كان كلامهم قليل لكنه كثير البركة، وكلام الخلف كثير لكنه قليل البركة، فهذا الإمام مالك رحمه الله عندما قال له الرجل ذلك قال: الاستواء معلوم. يعني: في اللغة، وفي لفظ آخر: الاستواء غير مجهول. يعني: معلوم من ناحية دلالته. والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وصفات الله عز وجل لها كيف في الحقيقة، لكننا لا ندرك كيفياتها؛ لأننا لم نرها، ولم نر مثيلاً لها، ولم يخبرنا الصادق -وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم- عن مثيل لها. والتمثيل هو: حكاية مثل معين، وشيخ الإسلام رحمه الله في هذه العقيدة كان دقيقاً، فهذه العقيدة محررة حتى في الألفاظ، كما تلاحظون: تمثيل دون تشبيه، وقال: ولا تكييف ولا تمثيل؛ لأن استخدام كلمة تشبيه خطأ؛ إذ لا بد أن يوجد بين أي شيئين مشابهة ولو في الألفاظ، وهذا ما سيأتي معنا إن شاء الله الحديث عنه في الكلام على القدر المشترك بين صفات الله عز وجل وصفات خلقه.

إجمال عقيدة أهل السنة في صفات الله سبحانه وتعالى

إجمال عقيدة أهل السنة في صفات الله سبحانه وتعالى يقول: [بل يؤمنون بأن الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع والبصير]. قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] دليل على الصفات المنفية، وقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] دليل على الصفات الثبوتية، وسيأتي شرح هذه الآية في كلامه رحمه الله. قال: [فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه]. يقصد رحمه الله: المعطلة والجهمية بالذات بكل درجاتهم، والذين نفوا صفات الله سبحانه وتعالى. قال: [ولا يلحدون في أسماء الله وآياته]. أما الإلحاد فمعناه: الميل عن الحق، والإلحاد في أسماء الله عز وجل، يقول الله عز وجل عنه: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:180]، وأما في آياته فقد دل القرآن عليها كذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت:40]. وقد ذكر أهل العلم في الإلحاد في آيات الله عز وجل أنواعاً، وممن ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه (بدائع الفوائد)، فقد ذكر قواعد ممتازة جداً في الأسماء والصفات، وأكثر من ذكر قواعد الأسماء استقى منه وأخذ، فيقول: إن الإلحاد في أسماء الله عز وجل أنواع منها: تسمية الله عز وجل بما لم يسم به نفسه، مثل: تسمية الفلاسفة له: علة غائية، أو علة فاعلة، وكتسمية النصارى له أباً. ومن الإلحاد: نفي أسماء الله عز وجل كما هي عقيدة الجهمية، فإن الجهمية قالوا: لا اسم له ولا صفة. ومن الإلحاد: نفي ما دلت عليه الأسماء من الصفات، وهذا هو مذهب المعتزلة. ومن الإلحاد: نفي بعض صفات الله عز وجل، وهذا هو مذهب الأشاعرة. ومن الإلحاد: إثبات أن صفات الله عز وجل كصفات خلقه. هذه خمسة أنواع من أنواع الإلحاد في أسماء الله عز وجل يمكن أن تراجع في كتاب ابن القيم رحمه الله وغيرها من شروط هذه العقيدة. قال: [ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه]. هذا فيه رد على الممثلة والمشبهة، وهم نوعان: من يشبه المخلوق بالخالق، مثل من يقول: فلان مثل الله عز وجل، أو من يشبه الخالق بالمخلوق، فأما الذين يشبهون المخلوق بالخالق فهم غلاة الصوفية الذين رفعوا أولياءهم إلى درجة الألوهية، وأما النوع الثاني، وهو تشبيه الخالق بالمخلوق، فهو عقيدة المشبهة من الرافضة وغيرهم، والتشبيه أصلاً جاء من اليهود، ثم انتقل إلى الرافضة، ثم جاء عند الكرامية، ثم انقرض بعد الكرامية.

تنزه الله تعالى عن السمي والكفء والند

تنزه الله تعالى عن السمي والكفء والند قال: [لأنه سبحانه لا سمي له]. ودليل هذه الفقرة: قول الله عز وجل: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65]، وهذا استفهام إنكاري تضمن النفي. وقد ذكر الشيخ محمد بن عثيمين فائدة جليلة في الاستفهام الإنكاري المتضمن للنفي، حيث قال: إنه يتضمن كذلك التحدي، فإن أي استفهام إنكاري يزيد على النفي التحدي، فيصبح معنى الآية: لا يوجد سمي له، أو: أتحدى أن يوجد سمي له. وهو لا يوجد. قال: [ولا كفء له]. دليل هذه الفقرة: قول الله سبحانه وتعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4]. قال: [ولا ند له]. دليلها: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:22].

أسماء الله عز وجل وصفاته توقيفية

أسماء الله عز وجل وصفاته توقيفية قال: [ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى]. وهذا يدعونا إلى الحديث عن أسماء الله عز وجل وصفاته، هل هي توقيفية أم أنها اجتهادية؟ أسماء الله عز وجل وصفاته توقيفية لا مجال للاجتهاد فيها، فما دلت عليه النصوص من أسمائه سبحانه وتعالى آمنا به، وما دلت عليه أيضاً من صفاته آمنا به، وما لم تدل عليه فإنه لا يثبت ولا ينفى إلا إذا كان يتضمن معنىً باطلاً فإنه حينئذٍ يرد، وأما الألفاظ التي تشتمل على معانٍ من الحق ومن الباطل فلا بد أن يستفصل فيها. إذاً القاعدة: أن أسماء الله عز وجل توقيفية، وكذلك صفات الله عز وجل توقيفية. وأما الإخبار عن الله عز وجل بالمعنى الصحيح فإنه جائز لا شيء فيه، ومن هنا جاء جواز ترجمة معاني صفات الله عز وجل بلغات أخرى، فإنه عندما يوجد مسلم حديث عهد بإسلام مثلاً لا يعرف اللغة العربية، ونريد أن نخبره عن الله عز وجل فيجوز أن تترجم له معانيها، ولا يعني هذا أن الكلمات الانجليزية أو أي لغة أخرى هي في لفظها صفات لله عز وجل، وإنما معناها صحيح وثابت عن الله عز وجل، وحينئذٍ يجوز الإخبار عن الله عز وجل بكل معنىً صحيح. فما ننسبه إلى الله عز وجل ثلاثة أشياء: الأسماء والصفات -وهذه توقيفية- والإخبار عن الله عز وجل إذا كان بمعنىً صحيح فلا شيء فيه. أما الألفاظ المحدثة الجديدة مثل الجهة والجسم، مثلاً لو قال لك إنسان: هل الله عز وجل له جسم، تقول: كلمة جسم هذه لم يرد في القرآن ولا في السنة إثباتها، ولم يرد فيهما نفي هذه اللفظة، فماذا يُقصد بجسم؟ فإن كان يقصد به البدن كما هو في اللغة العربية، وما نعرفه من الأبدان، فإن هذا معنى باطل ننفيه عن الله عز وجل؛ لأنه ليس كمثله شيء، وإن كنت تقصد به اصطلاحاً خاصاً لكل موصوف؛ فإن الله عز وجل موصوف بصفة. ونحن نقول: إن هذا الاستعمال من حيث اللفظ بدعة؛ لأنه لم يرد في القرآن ولا السنة، وفي بعض الأحيان قد يمتحن بعض أهل البدع أهل السنة والجماعة بألفاظ يستخدمونها يقولون لهم: هل تثبتونها أو تنفونها؟ فمثل هذه الألفاظ من حيث الاستعمال بدعة، ومن حيث المعنى لا يصح نفيها؛ لأنك إذا نفيتها قد تنفي شيئاً من الحق، ولا يصح إثباتها؛ لأنك إذا أثبتها قد تثبت شيئاً من الباطل لكن نستفصل فيها. مثل قول بعضهم: هل الله عز وجل في جهة؟ نقول: ماذا تعني بجهة؟ إن كنت تعني جهة العلو؛ فإن الله في العلو، وإن كنت تعني أنه محصور بمكان، فالله عز وجل غير محصور سبحانه وتعالى، وحينئذ يستطيع الإنسان أن يثبت المعنى الصحيح وينفي المعنى الباطل.

أنواع القياس وما يصح منه في حق الله تعالى وما لا يصح

أنواع القياس وما يصح منه في حق الله تعالى وما لا يصح قال: [ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى]. والقياس ثلاثة أنواع كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في درء التعارض: قياس الشمول، وقياس التمثيل، وقياس الأولى. فأما قياس الشمول فمعناه: اللفظ الذي يشتمل فيه عدة معانٍ، فمثلاً: الحي: يشمل الإنسان والحيوان والنبات، والله عز وجل حي فهل يقاس بهذه الطريقة؟ نقول: لا. قياس الشمول الذي تستوي فيه الأفراد لا يصح؛ لأن هذا فيه تمثيل لله عز وجل بخلقه. وأما قياس التمثيل فهو: قياس الفرع على أصل، وهو القياس الفقهي المشهور، وهذا لا يصح استخدامه في صفات الله سبحانه وتعالى بأي وجه من الوجوه؛ لأن الله عز وجل لا يقاس بأحد من خلقه. وأما قياس الأولى فمعناه: إذا وصف المخلوق بصفة كمال فإن الله عز وجل أولى بها، ودليل هذا القياس هو قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النحل:60]، فما وصف به المخلوق من الكمال الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه فالله عز وجل أولى به. وفي بعض الأحيان قد يكون هناك كمال بالنسبة للمخلوق لكن لا يكون كمالاً بالنسبة للخالق، مثل الزواج، هذا كمال بالنسبة للمخلوق، لكنه غير كمال بالنسبة للخالق، ولهذا جاء القيد في قولنا: لا نقص فيه بوجه من الوجوه.

الأسئلة

الأسئلة

توجيه بشأن دراسة قطر الندى لغير المتمكن في النحو

توجيه بشأن دراسة قطر الندى لغير المتمكن في النحو Q هل يحسن بمن لم يدرس في النحو غير المنهج الدراسي أن يحضر درس قطر الندى؟ وهل من السهل أن يفهم هذا الكتاب؟ A يمكن له أن يحضر هذا الدرس، وأن يجرب نفسه؛ فإذا شعر أنه استفاد وأن عنده القدرة على التفهم يستمر، وإذا شعر أنه لا يستطيع يتركه. مستوى متن قطر الندى هو بعد الآجرومية، يعني بعدما يدرس الإنسان الآجرومية يدرس قطر الندى، ونحن سنشرح المتن وليس شرحاً للشرح.

اشتقاق لفظ الجلالة وحكم إطلاق لفظ القديم على الله تعالى

اشتقاق لفظ الجلالة وحكم إطلاق لفظ القديم على الله تعالى Q قال بعض العلماء في لفظ الجلالة (الله): إنه اسم جامد غير مشتق؛ لأن الاشتقاق يستلزم مادة يشتق منها، واسمه تعالى قديم لا مادة له، كيف يكون الرد على هؤلاء، حيث إن الله تعالى هو الأول وأن أسماءه توقيفية؟ A لفظ الجلالة الذين قالوا: إنه مشتق، لا يقصدون أن الإله نفسه مشتق، وإنما يقصدون أن نفس اللفظة مشتقة. وأما قول السائل: واسمه تعالى قديم. فهذا لم يرد عن السلف الصالح رضوان الله عليهم أنهم كانوا يقولون: إن أسماء الله عز وجل قديمة؛ لأن أسماء الله عز وجل غير مخلوقة. هذا المعروف في كلام أهل العلم، وأما لفظ القدم فإنه غير معروف، وأسماء الله عز وجل مأخوذة من القرآن الكريم، والقرآن الكريم نفسه غير مخلوق، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله: أنه لا يصح أن يقال: إنه قديم؛ لأن صفة الكلام لله عز وجل صفة فعلية ليست صفة ذاتية، وإنما هي صفة فعلية قد تكون حادثة الآحاد، وإن كانت قديمة النوع، كما ذكر شيخ الإسلام ذلك في أكثر من موطن.

حكم استخدام قياس الشمول في صفات الله تعالى

حكم استخدام قياس الشمول في صفات الله تعالى Q هل قياس الشمول يجوز؟ A لا يجوز قياس الشمول؛ لأن قياس الشمول هو القياس الذي تستوي فيه الأفراد، فإذا قاس الإنسان قياس الشمول -وهو القياس المنطقي- فإنه حينئذٍ يسوي بين الله عز وجل وبين بقية خلقه، وهذا منفي عن الله عز وجل بقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11].

العقيدة الواسطية [2]

العقيدة الواسطية [2] يتعلق بباب الأسماء والصفات مسائل مهمة, ومن جملتها أن مصدر تلقيها منحصر في القرآن الكريم والسنة النبوية, ومن ذلك سورة الإخلاص التي تضمنت صفة الوحدانية وصفة الصمدية وغيرهما, وأن توحيد الأسماء والصفات مبني على قاعدتي النفي والإثبات للدلالة على الانفراد والاختصاص, وأن للصفات طرقًا ومسالك تؤخذ بها من نصوص الشرع, وغير ذلك من مسائل هذا الباب العظيم.

القرآن والسنة مصدر تلقي العقيدة عند أهل السنة والجماعة

القرآن والسنة مصدر تلقي العقيدة عند أهل السنة والجماعة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. أما بعد: قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإنه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثاً من خلقه. ثم رسله صادقون مصدقون، بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون، ولهذا قال: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:180 - 182]، فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل، وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب، وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات، فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون؛ فإنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين]. شرع المصنف رحمه الله تعالى في بيان المصدر الذي تؤخذ منه العقائد، فقال: (فإنه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثاً من خلقه). وهذا هو المصدر الأول وهو القرآن الكريم، ثم قال: (ثم رسله صادقون مصدقون، بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون). وهذا هو المصدر الثاني، وهو كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فالمصدر إذاً في العقائد يكون بالقرآن والسنة، ويكون بما دل عليه القرآن أنه مصدر مثل الإجماع؛ فإن الإجماع مصدر من مصادر التشريع لدلالة القرآن الكريم عليه، {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115]، فقوله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:115] المقصود به الإجماع، وكل الآيات الواردة في الأمر بالجماعة والائتلاف، والنهي عن التفرق والاختلاف يؤخذ منها حجية الإجماع، والإجماع حجة معتبرة، وحجيته مأخوذة من القرآن الكريم. إذاً: القرآن الكريم والسنة النبوية هما المصدران الأساسيان في تلقي العقائد، ولا يصح أن تتلقى العقائد من غير القرآن والسنة، وذلك أن العقائد تشتمل على جزء كبير من الغيبيات، والغيب محجوب عنا لا نستطيع أن نعرفه بالقياس، ولا بأي مصدر من المصادر إلا بخبر الصادق، وخبر الصادق المراد به هنا هو كلامه سبحانه وتعالى، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ فمن اتخذ مصدراً للعقائد غير هذين المصدرين فقد ضل وانحرف.

مخالفة الفرق المنحرفة لأهل السنة في مصدر تلقي العقيدة

مخالفة الفرق المنحرفة لأهل السنة في مصدر تلقي العقيدة ولهذا نجد أن الطوائف والفرق الضالة كان من أعظم الأسباب التي جعلتها تخالف الصراط المستقيم، والمنهج القويم، هو مخالفة أهل السنة في المصدر، فنجد مثلاً: أن أهل الكلام يعتقدون أن العقل مصدراً من مصادر تلقي العقيدة، ونجد أن الصوفية يعتبرون الكشف مصدراً من مصادر تلقي العقيدة، ونجد أن بعض المقلدين يعتبرون أئمتهم مصدراً لتلقي العقائد، وكل هذه المصادر باطلة، وإنما المصدر الذي تؤخذ منه العقائد هو القرآن والسنة، ولهذا وقعت كثير من الفرق الضالة في الانحراف بهذا السبب. نجد أيضاً أن المعتزلة والأشاعرة عندما أرادوا تقرير العقائد جعلوا المصدر الأساسي في تقريرها العقل، فما لا يدل العقل عليه لا يقبلونه، وبدأوا في ذلك من أساسيات الاعتقاد وهو وجود الله عز وجل، حيث أنهم خاصموا أصحاب الأديان الأخرى -لا سيما الملاحدة- فوجدوا أن الملاحدة لا يعترفون بالنصوص، لذا فهم عندما يناقشونهم لا يقولون لهم: قال الله قال رسول الله؛ لأنهم أصلاً لا يؤمنون بالله من حيث المبدأ، ولا يؤمنون بالرسول صلى الله عليه وسلم، فأرادوا مناقشة هؤلاء الملاحدة بنفس المنهج الذي ارتضوه وهو المنهج العقلي، فلما ناقشوهم به عظموا العقل تعظيماً كبيراً، فأصبحوا يفرضون على كل مسلم الاستدلال العقلي، ولهذا تجدون في كتب الأشاعرة أن من أوليات العقائد التي يبدأون بها: أن إثبات وجود الله عز وجل ووحدانيته لا بد لها من النظر، يعني: يوجبون النظر على الإنسان، وبعضهم يربطه بالبلوغ مثل الأشاعرة، وبعضهم يربطه بالتمييز مثل المعتزلة، فيرون أن النظر العقلي لإثبات وجود الله عز وجل، وإثبات وحدانية الله عز وجل، وإثبات أسمائه وصفاته هو العقل فقط، ولهذا يوجبون النظر على الناس، وقد جعلوا هذا الوجوب عاماً على كل مسلم ومسلمة يبلغ حد التمييز عند المعتزلة، أو حد البلوغ عند الأشاعرة، يلزمونه بالنظر في مخلوقات الله عز وجل وآلائه للتوصل إلى وجود الله سبحانه وتعالى. ولا شك أن أهل الكلام من المعتزلة والأشاعرة أخطئوا في أمرين: الأمر الأول: أنهم عندما ناظروا وناقشوا الملاحدة من أصحاب الأديان الأخرى بدون رجوع إلى النصوص الشرعية، فقد أحدثوا أدلة عقلية جاءوا بها من عندهم لإقناع هؤلاء الملاحدة لإثبات وجود الله عز وجل ووحدانيته، وكان الواجب عليهم أن يرجعوا إلى الكتاب والسنة فيعرفوا ما تضمناه من الأدلة العقلية، فالقرآن والسنة ممتلآن بالأدلة العقلية التي تكفي كل أحد يريد أن يصل إلى الحق، وبالأدلة العقلية الكافية في إثبات وجود الله ووحدانيته عز وجل، وإثبات المعاد، والنبوات، وكل العقائد. ومثال ذلك: إثبات أن الله عز وجل هو الخالق الرازق المحيي المميت، مع أنه فطرة موجودة عند كل أحد -كما سيأتي معنا في الجانب الثاني الذي أخطأ فيه هؤلاء- يمكن الاستدلال العقلي عليه من خلال القرآن والسنة، يقول الله عز وجل: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف:39]، هذه الآية فيها دليل عقلي لإثبات أن الله عز وجل هو الخالق وحده لا شريك له، وكذلك من الأدلة العقلية: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35]، وهذا كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نص عقلي في إثبات أن الله وحده هو الخالق، {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35] حصر عقلي. والإنسان والمخلوقات الموجودة له حالتان: الحالة الأولى: أن يكون خلق من غير شيء. وهذا يرده العقل بالبداهة؛ لأنه لا يمكن لهذا النظام الدقيق، وهذه العناية العجيبة، وهذا الوضع المتناسق المرتب أن يأتي هكذا. الحالة الثانية: أن يكونوا هم خلقوا أنفسهم، وقد دل العقل على أنهم لم يخلقوا أنفسهم، وهم يعرفون ذلك؛ لأننا قبل مائة سنة لم نكن شيئاً مذكوراً، ثم كنا، ونحن نعرف أننا لم نوجد أنفسنا في هذه الدنيا، ولا أنفسنا أوجدتنا، وإنما أوجدنا الله عز وجل. فلما أبطلت المقدمتان العقليتان ثبت أن الخالق هو الله سبحانه وتعالى، وهو غير المخلوقات الموجودة. وهكذا إذا جئتم إلى البعث والمعاد تجدون أدلة عقلية واضحة في أن الله عز وجل قادر على أن يحيي العظام وهي رميم، فعندما احتج ذلك المشرك على النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ العظم وفته بيده وقال: (يا محمد! هل ترى أن الله يحيي هذه العظام بعد أن صارت رميماً؟ قال: نعم، ويدخلك النار)، فأنزل الله عز وجل: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس:78] يعني: نسي خلقه أول مرة، فإنه خلقه وأنشأه وطوره، وجعل النطفة تستحيل إلى علقة، ثم تستحيل إلى مضغة، ثم تتغير هذه المضغة لتكون عظاماً، ثم يكسو هذه العظام لحماً، ثم يشق بصره، وينشئ عقله، سبحانه وتعالى، لا يمكن أن يكون هذا كله حصل بدون وجود خالق، وبالتالي فإن الذي خلقه أول مرة قادر على إحيائه المرة الثانية. إذاً: هذا دليل عقلي مأخوذ من القرآن الكريم على إثبات

مخالفة القرآن والسنة أساس كل بدعة وضلالة

مخالفة القرآن والسنة أساس كل بدعة وضلالة ومن هنا فالمصدر الأساسي لتلقي العقيدة عند السلف الصالح رضوان الله عليهم هو القرآن الكريم والسنة النبوية، والقرآن الكريم جعله الله عز وجل تبياناً لكل شيء، فهو هدى، ونور، وروح، وذكرى، وبشرى، وسماه الله عز وجل في القرآن بأسماء كثيرة، وكل اسم من هذه الأسماء يدل على صفة من الصفات، فالقرآن إذاً شفاء لما في الصدور، وهداية للإنسان، ولا يوجد أبداً عقيدة من العقائد النافعة التي ينبغي للمسلم أن يعتقدها وتنفعه في دينه ودنياه إلا بينها، ولهذا يقول الله عز وجل: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38]، ويقول سبحانه وتعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3]. إذاً: القرآن جاء بكل ما تحتاجه البشرية من العقائد النافعة، والأعمال الصحيحة، علمه من علمه وجهله من جهله، لكن لما فرط بعض المسلمين في تعلم هذا القرآن، وتعلم معانيه، وتعلم ما اشتمل عليه من العقائد الصحيحة النافعة والأدلة المستقيمة الصحيحة التي لا عوج فيها، وأخذوا أدلة أخرى جاءوا بها إما من عقولهم أو من أصحاب العقائد الأخرى، فوقعت الضلالة في حياة الناس، وانتشرت البدع، وظهر الفساد الثقافي والعقائدي في حياة الناس. إذاً: المصدر الأساسي في تلقي العقيدة هو القرآن، ومعه السنة النبوية، كما هو واضح من أمر الله عز وجل بها لما قال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]، ويقول سبحانه وتعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)، ويقول الله عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]. ولهذا فإن أصل كل بدعة وضلالة وكفر ونفاق في حياة المسلمين: الإعراض عن الكتاب والسنة، وعن هدي الكتاب والسنة، في كل باب من الأبواب فلا بد من التحاكم إلى الكتاب والسنة على كافة المستويات، وفي كل شئون الحياة، فالدول والحكومات يجب أن تحكَّم شرع الله عز وجل، وأن تأخذ أحكامها من الكتاب والسنة، وهو ما يسميه الناس اليوم: العلاقات الدولية، وكذلك المجتمعات الصناعية والقروية والرعوية يجب أن يكون مصدرها الأساسي هو الكتاب والسنة، وكذلك الجماعات والأفراد، وكل أحد يجب أن يكون مصدره الكتاب والسنة. والحقيقة: أن هذا الشعار: أهمية الكتاب والسنة، ومنزلة الكتاب والسنة كل الناس يحبه ويدندن حوله ويردده دائماً، لكن هناك فرق بين من يتمسك بالكتاب والسنة حقيقة، وبين من يتسمى بالتمسك بالكتاب والسنة ويجعله شعاراً، وهناك فرق بين الشعار وبين الحقيقة. وندرك الفرق بين الشعار والحقيقة في العمل، فإذا كان أحد مثلاً يقول: أنا ملتزم بالكتاب والسنة. ثم هو في عقائده لا يبنيها على الكتاب والسنة، فمثل هذا قد جعل الكتاب والسنة شعاراً، ولو أن شخصاً قال: أنا أحكم بالكتاب والسنة. وهو في الحقيقة لا يحكم بهما، ويخالف حكمها، فهذا أيضاً شعار وليس حقيقة، وهكذا الذي يأخذ أي هدي من غير الكتاب والسنة، وهو يردد الكتاب والسنة، فقد جعل الكتاب والسنة شعاراً، وهذا هو سبب المشكلة عند كثير من الناس، ولهذا فإن الطوائف الضالة لا يعارضون الكتاب والسنة بشكل مباشر، وإنما يفسرونها بغير معناها، أو يؤولون ويحرفون معناها، أو نحو ذلك من الطرق التي يحتالون بها على الكتاب والسنة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مواضع من كتبه: إن البدعة والنفاق لا يمكن أبداً أن يكونا باطلاً محضاً؛ لأنهما لو كانا باطلاً محضاً لعرفه كل الناس، كما أنه لا يمكن أن يكونا حقاً محضاً؛ لأنهما لو كانا حقاً محضاً لما صار بدعة ونفاقاً، لكنه لبس الحق بالباطل، وهذه هي صفة اليهود والنصارى التي نهى الله عز وجل عنها لما قال: {لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران:71].

القرآن والسنة هما مصدرا تلقي العقيدة

القرآن والسنة هما مصدرا تلقي العقيدة ثم عندما ذكر هذه المصادر بين الموجب لكونها مصدراً، والأمور التي تجعل الإنسان يقتنع فعلاً بكونهما مصدراً، فقال: (إنه -يعني: الله عز وجل- أعلم بنفسه). إذاً: لا نأخذ العقائد إلا منه؛ لأنه أعلم بنفسه وبغيره كذلك. (وأصدق قيلاً)، يعني: المبرر الأول: أنه أعلم بنفسه، والمبرر الثاني: أنه أصدق قيلاً. (وأنه أحسن حديثاً من خلقه)، وبالتالي فإن كلامه هو المصدر الأساسي في العقائد. (ثم رسله صادقون)، وهذا لا يشك فيه أحد أنهم صادقون، (ومصدقون) يعني: أن الله عز وجل يخبرهم بالصدق، فهم صادقون في أنفسهم، فما يأتيهم من الأخبار أو الأحكام فإنهم يقولونها بالصدق لا يكذبون لا يزيدون ولا ينقصون، وكذلك مصدقون؛ لأن المخبر الذي يعطيهم الخبر أو الحكم هو الله سبحانه وتعالى، ولهذا توجد أحاديث كثيرة تبدأ بعبارة: أخبرني الصادق المصدوق حدثني الصادق المصدوق، كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعون يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك) إلى آخر الحديث المشهور. قال: (بخلاف الذين يقولون على الله ما لا يعلمون)، فإنهم لا يصلح أن يكونوا حجة أبداً، واستدل على ذلك بقوله: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:180 - 182].

قيام توحيد الأسماء والصفات على قاعدتي النفي والإثبات ودلالة الجمع بينهما

قيام توحيد الأسماء والصفات على قاعدتي النفي والإثبات ودلالة الجمع بينهما ذكر المؤلف قاعدة مهمة في توحيد الأسماء والصفات وهي قوله: (وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات)، وهذا واضح في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، كما أنه واضح في الأسماء والصفات في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]. والجمع بين النفي والإثبات له فائدة مهمة، وهي: الدلالة على الانفراد والاختصاص، وهذا هو حقيقة التوحيد، فإن حقيقة التوحيد هي الانفراد والاختصاص، كما سيأتي معنا إن شاء الله في تفسير سورة الإخلاص. إذاً: أسماء الله عز وجل وصفاته مبنية على قاعدتين: القاعدة الأولى: النفي، والقاعدة الثانية: الإثبات.

مسائل في قاعدة النفي

مسائل في قاعدة النفي أما النفي فينبغي أن ندرك فيه ثلاثة أمور: الأمر الأول: حدود النفي. والأمر الثاني: هل ينفى القدر المشترك؟ والأمر الثالث: شبهة المعطلة النفاة والرد عليها.

حدود النفي في أسماء الله وصفاته

حدود النفي في أسماء الله وصفاته الأمر الأول: حدود النفي؛ فإن النفي في أسماء الله وصفاته هو نفي مشابهة خلقه، فالله عز وجل لا يشبهه شيء من خلقه أبداً، كما قال الله عز وجل: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65]، هذا استفهام إنكاري يتضمن النفي، وأيضاً يقول الله عز وجل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4]. إذاً: حدود النفي هو عدم مماثلة صفات الله عز وجل لصفات خلقه، فله صفات لكن لا تماثل صفات خلقه؛ لأن المعطلة من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية نفوا الصفات بحجة وجود النفي في الشرع، فمثلاً قد تجد بعضهم يقول: إن الله عز وجل نفى الصفات عن نفسه، ويستدل بقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65]، وبقوله: {لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4] ونحو ذلك، ولا شك أن هذا استدلال باطل؛ لأن الذي نفى عن نفسه الصفات الباطلة أثبت لنفسه الصفات الحقيقية الصحيحة، فالصفات الباطلة المنفية هي صفات المخلوقات، فلا يمكن أن يشابه ربنا سبحانه وتعالى المخلوقات أبداً.

حكم نفي القدر المشترك بين أسماء صفات الله تعالى وصفات خلقه

حكم نفي القدر المشترك بين أسماء صفات الله تعالى وصفات خلقه الأمر الثاني: هل ينفى القدر المشترك؟ بين صفات الله عز وجل وبين صفات خلقه قدر مشترك، مثلاً: الله عز وجل سمى نفسه سميعاً بصيراً، كما قال سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، وسمى بعض خلقه سميعاً بصيراً: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان:1 - 2]، إذاً: الإنسان سميع بصير، والله عز وجل سميع بصير. وسمى نفسه حياً في قوله سبحانه وتعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255]، وسمى بعض خلقه حياً: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [الروم:19]. وهذه المشابهة لا تقتضي مشابهة في المسميات، بل هي مشابهة في الأسماء فقط، فالله عز وجل سميع، وبعض خلقه سميع، لكن سمع المخلوق ليس كسمع الخالق؛ لأن السمع هنا مضاف إلى الله عز وجل، والسمع هناك مضاف إلى خلقه. وكذلك الحي، حيث سمى الله نفسه سبحانه وتعالى ووصف نفسه بالحياة، وسمى بعض خلقه ووصفهم بالحياة كذلك، وليست الحياة هنا كالحياة هنا، وهناك قدر مشترك. هذا القدر المشترك يعرفه العلماء بأنه: معنى كلي عام لا يتحدد إلا بالاختصاص، وهناك بعض المخلوقات في الدنيا تتفق في الأسماء وتختلف في الحقائق، مثلاً يد النملة ويد الفيل، فاتفقت يد النملة مع يد الفيل في اسم اليد، لكن اختلفت في الحقيقة، فأنتم تجدون أن يد الفيل لها صفة خاصة بها في الحجم والهيئة والشكل، ومختلفة تماماً عن يد النملة في الهيئة أيضاً والشكل والصفة، فإذا كانت مخلوقات الله عز وجل اتفقت في الأسماء واختلفت في الصفات والمسميات، فكيف بالخالق والمخلوق؟! لا شك أن الفرق سيكون أعظم. وهكذا الأمر في الاتفاق بين بعض المخلوقات، مثل بعض الأسماء الموجودة في الدنيا وبعض الأسماء الموجودة في الآخرة، فمثلاً في الدنيا توجد فواكه ولحم ورمان ونخل، وفي الآخرة في الجنة لحم وفواكه ورمان ونخل وغير ذلك من الأشياء التي وردت في الجنة مما توجد لها أسماء ومسميات في الدنيا، ومع ذلك يقول ابن عباس رضي الله عنه: ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء. فإذا قيل لنا: إن في الجنة رماناً، نقول: لكنه قطعاً لا يشبه الرمان الموجود في الدنيا، بل لا يشبه أحسن رمان موجود في الدنيا، ولا يمكن أن يشبهه أبداً لا في الهيئة ولا الشكل، وإنما قرب الله عز وجل لنا الأشياء الموجودة في الجنة -وهي غيبيات لم نرها بأعيننا- بأسماء موجودة في الدنيا نعرفها، فإذا كان هذا بين مخلوقات الله عز وجل، فإذا وجد تشابه بين صفات الله عز وجل وأسماء صفات المخلوقين؛ فإنما يكون هذا التشابه بالاسم فقط، وهو القدر الذي اصطلح عليه أهل العلم بتسميته القدر المشترك، وهو معنى كلي عام لا يتحدد إلا بإضافته، أما بوجود معناه الكلي العام فلا يمكن أن يتحدد، ولا يمكن أن يعرف له وضع معين. هذا هو القدر المشترك بين الأشياء عموماً. وأنت إذا سمعت كلمة (يد) فإنك لا تعرف ما المقصود بها، فإذا قيل لك: يد فلان عرفت أن هذه اليد لكذا، وإذا قيل لك: يد الفيل عرفت أنها على صفة أخرى، مع الاتفاق في الاسم. لكن هل يصح في قاعدة النفي: أن ننفي القدر المشترك؟ بمعنى أن نقول: إن صفات الله عز وجل ليس بينها وبين صفات المخلوقين اتفاق في الأسماء، وليس هناك قدر مشترك في الاتفاق بالأسماء؟ لا يصح أن ننفي هذا؛ لأننا إذا نفينا هذا نفينا وجود الله عز وجل؛ لأن الله عز وجل سمى نفسه بأسماء ووصف نفسه بصفات، وسمى خلقه بأسماء ووصفهم بصفات، قد تتشابه هذه الأسماء في مجرد الاسم فقط، وأما الحقائق فهي مختلفة، فإذا نفينا أن يكون لله عز وجل أسماء تشابه أسماء بعض خلقه، نكون بهذا تقد نفينا وجود الله عز وجل. وقد أطال شيخ الإسلام ابن تيمية الحديث عن هذا الأمر في (الرسالة التدمرية) و (منهاج السنة النبوية)، ولا شك أن من لوازم نفي القدر المشترك: نفي وجود الله سبحانه وتعالى، فإذا قيل لهم: هل الله عز وجل سميع؟ قالوا: لا ليس بسميع؛ لأن في بعض خلقه من هو سميع. وإذا قيل: هل الله بصير؟ قالوا: ليس ببصير. وإذا قيل لهم: هل الله موجود؟ قالوا: بعض خلقه موجود. ولهذا لا بد أن يوجد اتفاق في الأسماء بين صفات الله وصفات خلقه، والتشابه في الأسماء لا يقتضي التشابه في الحقائق؛ لأن الله عز وجل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، وليس سبحانه وتعالى مثل خلقه بأي وجه من الوجوه، فإذا نفوا وجود قدر مشترك في الأسماء فمعنى هذا أنهم سينفون الأسماء والصفات بأكملها، بل سينفون وجود الله عز وجل، إذا قلنا لهم: هل الله موجود؟ سيضطرون أن يقولوا: نعم موجود، ونحن أيضاً موجودون، قالوا: لا، وجود ال

شبهة المعطلة النفاة والرد عليها

شبهة المعطلة النفاة والرد عليها شبهة المعطلة النفاة الذين نفوا صفات الله عز وجل هي: أنهم قالوا: إذا أثبتنا الصفات فإنه يلزم منها مشابهة المخلوقات، فأرادوا تنزيه الله عز وجل فنفوا صفات الله سبحانه وتعالى، ولا شك أن هذا خطأ باطل، وبدعة ضالة منحرفة، سببها عدم معرفة أحكام الله عز وجل؛ فإن قولنا بإثبات الصفات لا يعني أننا نشبه الله عز وجل بالمخلوقات، وإنما ننفي عنه مشابهة المخلوقات، وهذا هو التوحيد الخالص: أن تعطي الله عز وجل صفات الكمال، وأن تنفي عنه مشابهة المخلوقات. وفي الحقيقة أن شبهة المعطلة أعمق مما أشرت إليه، وأعمق مما يدركه كثير من الناس؛ لأن مشكلتهم بدأت من الاستدلال على وجود الله سبحانه وتعالى، فاستدلوا على وجود الله عز وجل بدليل سموه حدوث الأجسام، وهذا الدليل طويل له مقدمات متعددة أرادوا من خلاله أن يصلوا إلى إثبات أن العالم حادث بعد أن لم يكن موجوداً، وأرادوا بالتوصل لهذه النقطة أن يتوصلوا إلى أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق لهذا الحادث -أي: العالم- ولا يمكن أن يكون الخالق حادثاً مثله، بل هو قديم سبحانه وتعالى. هذا الدليل الذي استدلوا به له مقدمات متشعبة لا أريد عرضها بالتفصيل ولا تهمنا، لكن هذا الدليل -دليل حدوث العالم- صارت له لوازم التزموها، فلما التزموها نفوا صفات الله عز وجل، وترتب على هذه اللوازم القول بفناء الجنة والنار عند الجهمية، وبنفي الأسماء عند المعتزلة، وأما الأشاعرة فإنهم اضطربوا ووقعوا في حيرة، وهكذا كل أحد يتبع غير الكتاب والسنة دائماً يقع في حيرة ويتردد، فهم وقعوا في حيرة حينما أثبتوا سبع صفات، ولم يثبتوها بالوجه الشرعي، وإنما أثبتوها أسماء فقط، فسألهم المعتزلة الذين ينفون الصفات جميعاً، فقالوا لهم: أنتم الآن أثبتم سبع صفات ونفيتم الباقي، إذاً: أنتم متناقضون، إما أن تثبتوا الباقي، وإما أن تنفوا الباقي؛ لأن ما أثبتموه نظير ما نفيتموه، وما نفيتموه مثل ما أثبتموه، ليس هناك فرق، فوقعوا في الانحراف والضلال. القاعدة الثانية هي: تنزيه مشابهة الله عز وجل عن مشابهة المخلوق بأي وجه من الوجوه سواء بتخيل أو قول، كما قالت المشبهة: بأن الله عز وجل يشبه خلقه. وهنا نرد على جزء آخر من المعطلة، وهم أهل التفويض وهم الذين قالوا: نحن ننفي مشابهة الله للمخلوقات، لكن هذه الصفات ليس لها معانٍ ندركها، وإنما هي مثل الألغاز والأحاجي والكلام الذي لا معنى له. يعني: لو أن إنساناً ركَّب كلمة من خمسة حروف لا معنى لها في لغة العرب يقولون: صفات الله عز وجل مثلها أنت لا تدرك لهذه الكلمة معنى وكذلك صفات الله لا ندرك لها معنى. ولا شك أن هذا ضلال وانحراف. وسيأتي الإشارة إلى كلامهم في موضعه والرد عليه. هذا هو الأمر الأول. الأمر الثاني: ما هي شبهة المشبهة الذين شبهوا الله بخلقه؟ شبهتهم أنهم قالوا: إن الله عز وجل أثبت لنفسه الصفات، ولا يمكن أن يخاطبنا بما لا نعقله، ونحن لا نعقل هذه الصفات الموجودة بيننا مثل اليد والقدم ونحو ذلك، فأثبتوا أن الله عز وجل مثل خلقه، ولهم كلام قبيح جداً ذكره عدد من أهل العلم في إثباتهم للتشبيه، فهم يشبهون الله عز وجل بخلقه وكأنه فرد من أفراد خلقه -والعياذ بالله- وهذا ضلال وانحراف. والتشبيه ينقسم إلى قسمين: تشبيه الخالق بالمخلوق، وهذا الذي وقع فيه المشبهة الضالون الذين قالوا: لله يد كأيدينا، ونزول الله كنزولنا ونحو ذلك. وهناك نوع آخر من التشبيه وهو: تشبيه المخلوق بالخالق، وهذا الذي وقع فيه غلاة الصوفية الذين شبهوا المخلوق بالخالق، فهم يشبهون أولياءهم بأن لهم قدرات خارقة، وأنهم يستطيعون تصريف الكون، ويسندون إليهم أعمالاً وصفات لا تكون إلا للخالق سبحانه وتعالى، وهذا ضلال مبين أيضاً.

طرق معرفة الصفات

طرق معرفة الصفات معرفة الصفات تؤخذ من ثلاث طرق: الطريق الأول: هو دلالة الأسماء عليها، والقاعدة: أن كل اسم من أسماء الله عز وجل يدل على صفة من الصفات، فالعليم اسم يدل على صفة العلم، والحي اسم يدل على صفة الحياة، وهكذا كل اسم من أسماء الله عز وجل يدل على صفة من صفات الله عز وجل. الطريق الثاني: أن ينص الشرع سواء القرآن أو السنة على صفة من صفات الله عز وجل، بشرط أن تكون هذه الآية أو هذا الحديث من آيات أو من أحاديث الصفات، مثل: السمع والبصر كما سبق أن مثلنا. الطريق الثالث: دلالة الفعل على الصفة. فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره)، فإن هذا الفعل يدل على صفة وهي الضحك، أو صفة النزول أو نحو ذلك. فهذه ثلاث طرق تدل على صفات الله سبحانه وتعالى. وكثير من الناس لا يفرق بين الآيات التي تدل على الصفات والآيات التي لا تدل عليها، فمثلاً تجد بعض الناس يقول: نثبت صفة الجنب لله عز وجل، ثم يستدل على ذلك بقوله: {عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر:56]، هذا خطأ، فإن هذه الآية ليست من آيات الصفات، ولهذا فسرها كل العلماء بقولهم: على ما فرطت في قدر الله عز وجل ومكانته سبحانه وتعالى؛ لأن هناك دليل يدل على هذا المعنى وهو قوله: ((فَرَّطْتُ))، ولو كانت صفة ذاتية تسمى الجنب لما صح أن يقال: فرطت؛ لأنه لا علاقة بين الصفة الذاتية -الجنب- مع التفريط، وإنما المقصود بالجنب الجناب، وليس هذا تأويل، بل هذا هو تفسير للآية، وحينئذ نقول: إن هذه الآية ليست من آيات الصفات. وكذلك قول الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115]، فإن هذه الآية لا يؤخذ منها إثبات صفة الوجه، وإن كانت صفة الوجه ثابتة من غير هذه الآية، مثل قوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:27]، فقوله: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] ليس من آيات الصفات؛ لأن المقصود بالوجه هنا الجهة وليس المقصود الوجه الذي هو صفة من صفات الله عز وجل. الدليل على هذا قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [البقرة:115]، فالمشرق جهة الشرق، والمغرب جهة الغرب، ((فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا)) يعني: جهة الشرق أو جهة الغرب، ((فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ)) يعني: فهناك {وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] يعني: جهة الله عز وجل، وهذه بينها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

مقدمات في سورة الإخلاص

مقدمات في سورة الإخلاص قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد دخل في هذه الجملة ما وصف الله به نفسه في سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن، حيث يقول: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]]. بدأ المصنف رحمه الله تعالى في الكلام على صفات الله سبحانه وتعالى، وقد سرد المصنف رحمه الله جملة كبيرة من الآيات والأحاديث، وكل هذه الآيات والأحاديث فيها إثبات صفات الله سبحانه وتعالى، وستكون طريقتنا -بإذن الله عز وجل- في دراسة هذه الآيات وهذه الأحاديث هي: أن نجمع الأدلة المتشابهة بعضها إلى بعض، ونجعلها تحت صفة، فمثلاً: إذا كان في آية إثبات صفة العلم لله عز وجل وفي آية أخرى إثبات صفة العلم لله عز وجل، نأخذ هذه الآية ونضمها مع هذه الآية ونتحدث عن صفة العلم في مكان واحد، وكذلك نأخذ من الأحاديث ما يدل على نفس المعنى ونضمه مع الآيات؛ لكي نتجنب التكرار، وحينئذ سنتحدث عن الصفات بشكل موضوعي، فنتحدث عن العلم والحياة والسمع والبصر، ونأخذ الآيات والأحاديث التي تدل على هذه المعاني، حتى لو كان ترتيبها غير منظم، فلن نلتزم بالترتيب -بإذن الله تعالى- في كلامنا على صفات الله عز وجل الواردة في هذه الآيات، إلا سورة الإخلاص وآية الكرسي، فسورة الإخلاص وآية الكرسي اشتملتا على جملة كبيرة من الصفات، فسنتحدث عنها بشكل عام إلا ما سيأتي توضيحه وبيانه في مكان آخر فإننا نؤجله إلى ذلك المكان. قبل أن نتحدث عن مسائل العقيدة الموجودة في سورة الإخلاص ننبه إلى أربعة أمور: الأمر الأول: فضل هذه السورة. والأمر الثاني: توضيح كيفية عدل هذه السورة لثلث القرآن. والأمر الثالث: هل يعني عدل هذه السورة لثلث القرآن كفايتها عن السور الأخرى؟ والأمر الرابع: سبب النزول.

فضل سورة الإخلاص

فضل سورة الإخلاص ورد في فضل هذه السورة أحاديث كثيرة، منها أحاديث في البخاري ومسلم وغيرهما، وتدل هذه الأحاديث على أن هذه السورة ثلث القرآن، منها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! إنها تعدل ثلث القرآن)، وفي لفظ قال: (هل تحب أن تقرأ ثلث القرآن؟ اقرأ سورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1])، إلى درجة أن الحفاظ مثل: الدارقطني رحمه الله يقول: لم يرد أحاديث في فضل سور القرآن أصح من الأحاديث الواردة في فضل سورة الإخلاص، حتى التي وردت في فضل سور أخرى كالفاتحة والبقرة ونحو ذلك من السور.

علة عدل سورة الإخلاص لثلث القرآن

علة عدل سورة الإخلاص لثلث القرآن كيف تعدل هذه السورة ثلث القرآن؟ قبل أن نبين كيف تعدل هذه السورة ثلث القرآن، أحب أن أشير إلى أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ألف رسالة طويلة في نحو ثلاثمائة صفحة في تفسير هذه السورة، وهي موجودة ضمن مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الجزء الرابع، فذكر شيخ الإسلام رحمه الله كيفية عدل هذه السورة لثلث القرآن، حيث قال: إن القرآن من حيث الموضوعات ثلاثة أنواع: التوحيد، والقصص، والأوامر والنواهي وهي الأحكام، وهذه السورة جاءت بالكلام على التوحيد، فجاءت بالحديث عن ثلث موضوعات القرآن، ويدل على ذلك: أن القرآن كلام الله عز وجل، والكلام عند أهل البلاغة ينقسم إلى خبر وإنشاء، والخبر هو الذي يحتمل الصدق والكذب، والإنشاء هو ما لا يحتمل الصدق والكذب، كالأمر والاستفهام والتمني والترجي ونحو ذلك من المعاني، فالإنشاء هو الأمر والنهي والأحكام مثل: الأوامر والمناهي الشرعية، فهذا الثلث الأول، وأما الأخبار فإن الأخبار الواردة في القرآن نوعان: أخبار عن الخالق، وأخبار عن المخلوق، فصار عندنا ثلاثة أنواع: أخبار عن الخالق وهو التوحيد، وأخبار عن المخلوق وهي القصص، ويدخل في ذلك الأخبار عن الجنة والنار والحشر، ويدخل في ذلك الأخبار عن الأمم الماضية وتعذيبهم ونحو ذلك، والأمر والنهي وهي الأحكام، وهذا من قسم الإنشاء، وحينئذ نعرف لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذه السورة تعدل ثلث القرآن؛ لأن التوحيد موجود في ثلث القرآن، والمقصود بالتوحيد هنا هو الآيات الواردة في التوحيد بشكل مباشر، أما الآيات الواردة في التوحيد بشكل غير مباشر فالقرآن كله توحيد -كما قال ابن القيم رحمه الله- لأن كل القصص الواردة لها علاقة بالتوحيد، فالجنة هي الجنة جزاء الموحدين، والنار جزاء الكفار الذين تركوا التوحيد، وكل القصص الموجود في القرآن له علاقة بالتوحيد، لكن المقصود هنا بالتوحيد الذي هو ثلث موضوعات القرآن: الآيات الواردة بشكل مباشر في التوحيد.

انتفاء الاكتفاء بتكرار سورة الإخلاص والاستغناء بها عن سائر القرآن

انتفاء الاكتفاء بتكرار سورة الإخلاص والاستغناء بها عن سائر القرآن إذا كانت هذه السورة تعدل ثلث القرآن فهل يعني هذا أن الإنسان يقرؤها ثلاث مرات ويكفيه ذلك؟ و A لا، فهي تعدل ثلث القرآن من حيث قيمتها المعنوية، لكن لا يعني أنها تغني عن غيرها، وتقريب هذا واضح، فبالنسبة لك فإن الماء يعدل الحياة كلها؛ لأنك لو لم تشرب مت، لكن لو اكتفيت بالماء وتركت الأكل فلن تعيش وإنما ستموت، وهذا يدل على حاجة الإنسان لأشياء أخرى غير الماء مع أن الماء جزء أساسي في حياته، فإذا كان هذا في المخلوق فهو من باب أولى في القضايا الشرعية؛ فإن تنوع العبادات للإنسان مبني على حاجة الإنسان، وكذلك تنوع الأجر في الجنة مبني على تنوع العبادة في الدنيا، ولهذا تجدون في الجنة أنواعاً من النعم: خمر، ورمان، وأنهار من لبن، وأنهار من عسل مصفى ونحو ذلك، وهذا التنوع مبني على تنوع أعمال الإنسان، وهذا يدل أيضاً على حاجة الإنسان إلى هذه الأعمال. هذا مختصر كلام شيخ الإسلام رحمه الله في رسالته المذكورة.

سبب نزول سورة الإخلاص

سبب نزول سورة الإخلاص ثبت أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك، وفي لفظ: صف لنا ربك، فنزلت هذه السورة، وفي بعض الروايات -وهي رواية ضعيفة-: أن الذين قالوا هذا القول هم اليهود، لكن الروايات الأصح هي: أن الذين قالوا هذا القول هم المشركون.

المسائل المتعلقة بسورة الإخلاص

المسائل المتعلقة بسورة الإخلاص المسائل المتعلقة بهذه السورة أربع مسائل: المسألة الأولى: صفة الوحدانية. والمسألة الثانية: صفة الصمدية. والمسألة الثالثة: قوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:3] وهي صفة أيضاً. والمسألة الرابعة: قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4].

صفة الوحدانية لله تعالى ومعناها

صفة الوحدانية لله تعالى ومعناها أما صفة الوحدانية فيمكن أن نتحدث عنها في ثلاث نقاط: الأمر الأول: معنى الوحدانية. الواحد والأحد والتوحيد معناه: الانفراد والاختصاص، ومعنى أن الله عز وجل واحد، أن الله عز وجل مختص منفرد وحده سبحانه وتعالى دون خلقه، فهذا هو معنى التوحيد، والتوحيد يمكن أن تأخذه من الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية بعدة أساليب، وهي أساليب الحصر الموجودة في اللغة العربية، فمن أساليب الحصر: تقدم الجار والمجرور، أو تقدم ما حقه التأخير عموماً، أو النفي والإثبات، أو الاستثناء، أو وجود المسند والمسند إليه محلى بأل مثل (الرحمن الرحيم) يعني: صاحب صفة الرحمة المختص بها، ويدل على الاختصاص وجود الألف واللام في المسند والمسند إليه، وكذلك دخول لام الاستحقاق والملكية، مثل قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة:2] فإن اللام هنا للاستحقاق وللملكية، وهي تدل على الاختصاص أيضاً، ويمكن مراجعة أساليب الحصر والقصر والاختصاص الموجودة في لغة العرب، ومحاولة تطبيقها على النصوص الشرعية، فستجد آيات كثيرة تدل على الحصر.

أقسام ومجالات الوحدانية

أقسام ومجالات الوحدانية الأمر الثاني: أقسام ومجالات الوحدانية. نحن ندرك من قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] أن الله واحد، وواحد في ثلاثة أمور: واحد في الربوبية، وواحد في الألوهية، وواحد في الأسماء والصفات. واحد في الربوبية يدل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:54]، (ألا) أداة تنبيه، واللام في قوله: ((لَهُ)) حرف الجر، والهاء ضمير متصل في محل جر، و (الخلق والأمر) مبتدأ مؤخر وكان حقه التقديم، والمعنى: الخلق والأمر له، فلما قدم ما حقه التأخير دل على أن التقديم لفائدة بلاغية، وهي إفادة الحصر، فالمعنى: أن الله هو له الخلق فقط، وليس لأحد غيره أن يخلق، وله الأمر فقط، وليس لأحد غيره أن يأمر. والأمر والقضاء والإرادة تنقسم إلى قسمين: أمر وإرادة وقضاء كوني، وأمر وإرادة وقضاء شرعي. فالمعنى: أن الله مختص بالخلق وبالأمر الكوني والشرعي. وتوحيد الألوهية يدل على الحصر والاختصاص، وفيه الكلمة المشهورة في توحيد الألوهية: لا إله إلا الله؛ فإن لا إله إلا الله نفي وإثبات تدل على الحصر، وفي الأسماء والصفات: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]، ووجه الدلالة من هذه الآية هو نفس وجه الدلالة من قوله: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:54]، فإنه تقدم الجار والمجرور وتأخر المبتدأ لإفادة الحصر، وأن الأسماء خاصة بالله سبحانه وتعالى.

موقف الفرق المنحرفة من الوحدانية

موقف الفرق المنحرفة من الوحدانية الأمر الثالث: موقف الفرق الضالة من الوحدانية. الفرق الضالة في الوحدانية كثر، لكن يهمنا الحديث عن الفرق التي لها مساس كبير بواقع الناس، وهم الأشاعرة والصوفية. فأما الأشاعرة فإنهم إذا جاءوا إلى صفة الوحدانية يقولون: هو واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له. هذه هي أقسام الوحدانية عندهم، وإذا جئت تقارن بينها وبين أقسام الوحدانية عند أهل السنة: تجد أن قولهم: واحد في ذاته لا قسيم له. هو نفس توحيد الأسماء والصفات عند أهل السنة، لكنهم فهموه على غير فهم أهل السنة، وقولهم: واحد في صفاته لا شبيه له. هو نفس توحيد الأسماء والصفات، لكن أيضاً فهموه على غير وجهه، وقولهم: واحد في أفعاله لا شريك له. هو توحيد الربوبية؛ لأن تعريف الربوبية هو توحيد الله عز وجل بأفعاله المتعدية، مثل: الخلق والرزق والإحياء والإماتة ونحو ذلك، وحينئذ نجد أنهم أهملوا نوعاً من أنواع التوحيد، وهو توحيد الألوهية، فإنه لا يوجد له قسم عندهم، وبالتالي وقعوا في الانحراف الكبير وهو إهمال توحيد الألوهية. والحقيقة: أن إهمال توحيد الألوهية عندهم نشأ من الإرجاء، ولهذا فإن الإرجاء له أثر خطير على أمة الإسلام؛ لأن الإيمان عندهم هو مجرد التصديق؛ فأخرجوا عمل القلب والجوارح من حقيقة الإيمان، ولم يبق إلا التصديق، والتصديق هو نفس توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وأما الجانب العملي وهو توحيد الألوهية فقد أهملوه وترتب على هذا الإهمال قضايا خطيرة جداً في تاريخ المسلمين، مثل: الاختلاف الكبير الذي وقع بين أهل السنة وبين الأشاعرة والصوفية في الذين يطوفون حول القبور ويذبحون لها وينذرون، فهؤلاء مشركين عند أهل السنة؛ لأنهم لم يوحدوا الله توحيد الألوهية، وعند الأشاعرة والصوفية ليسوا بمشركين ما دام أنهم يعتقدون أن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت؛ لأنهم جاءوا بالتوحيد حسب التعريف الموجود عندهم، ولهذا اختلف أهل السنة أيضاً مع هؤلاء المبتدعة في الذين يحكمون بالقوانين الوضعية، مثل القانون البريطاني أو الفرنسي ويحكمونه في حياة الناس، ويستحلون المحرمات، فهؤلاء عند أهل السنة كفار؛ لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله؛ فنقضوا الإسلام من هذه الزاوية، وأولئك يقولون: ما دام أنهم معترفون بأن الله هو الخالق الرازق فهم مسلمون، وهنا يكمن الخطر الاعتقادي. وأما الصوفية فإنهم انحرفوا في الوحدانية، حيث قاموا بممارسة الشركيات عملياً، فهم يطوفون بالقبور، ويذبحون لها وينذرون، ويستغيثون بغير الله ونحو ذلك من الأعمال. وهناك طائفة من الطوائف موجودة في حياة المسلمين المعاصرة وهم العلمانيون، وهؤلاء لا يعترفون لله عز وجل بوحدانية الألوهية، ويجعلون الدين هو مجرد تصورات عقائدية قد يأخذونها من أصحاب النظريات المعاصرة مثل: ماركس إذا كان شيوعياً مثلاً أو غيره بحسب المذهب الذي يذهب إليه، فأخرجوا توحيد الألوهية بأكمله من التوحيد.

صفة الصمدية

صفة الصمدية فيل في معنى الصمد قولان مشهوران لأهل العلم كلاهما صحيح: المعنى الأول: أن الصمد هو الذي لا جوف له: وقد تنوعت تعبيرات السلف الصالح رضوان الله عليهم عن هذا المعنى، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: الصمد المصمت الذي لا جوف له، وقال ابن مسعود: هو الذي ليست له أحشاء، يعني: ليست له أمعاء، وقال الشعبي: هو الذي لا يأكل ولا يشرب، وقال محمد بن كعب القرظي وعكرمة تلميذ ابن عباس: هو الذي لا يخرج منه شيء، وقال ميسرة: الصمد المصمت، وأكثر السلف الصالح رضوان الله عليهم فسروا الصمد بهذا المعنى، فيصبح معناه: أنه الغني الذي لا يحتاج إلى شيء أبداً، ولهذا قال بعضهم: هو الذي ليست له أحشاء، فهو ليس بحاجة إلى طعام، حتى تكون له أحشاء يهضمها فيه، وبعضهم قال: هو الذي لا يأكل ولا يشرب، فهو ليس بحاجة إلى الأكل والشرب، فإن الإنسان الموجود في الدنيا بحاجة إلى الأكل والشرب، فلا تقوم حياته إلا على الأكل والشرب، أما الله عز وجل فإنه غني، فالمعنى: أن الله عز وجل غني غنى مطلقاً، فهو ليس بحاجة إلى شيء أبداً، والمخلوق لا يقوم كيانه إلا بأشياء كثيرة منها الأكل والشرب والحاجة إليها. وهذا الاسم المتضمن لصفة الصمدية أصل في تنزيه الله سبحانه وتعالى عن الحاجة والافتقار، كما أن هذا الاسم يدل على القوة، وهذا التفسير لهذا الاسم مأخوذ من لغة العرب، فإن العرب تقول: الصمد للمصمت، يقول الجوهري رحمه الله تعالى: المصمد بالدال لغة في المصمت، وهو الذي لا جوف له، فالعرب تقصف الشجاع بأنه صمد، يعني: لا يخاف وليس أجوف القلب؛ لأن الذي يخاف قلبه أجوف فارغ، ولهذا لما ذكر الله عز وجل قصة أم موسى ذكر أن جوفها كان فارغاً إن كادت لتبدي به، فجاء التعبير بقوله: فارغاً، لأن القلب إذا لم يكن قوياً متماسكاً مجتمعاً بعضه إلى بعض؛ فإنه يكون ضعيفاً هشاً رقيقاً. ويقول الجوهري: والصماد غفاص القارورة، والغفاص هو الجلد الذي يوضع على القارورة ويشد عليه بحبل بحيث يغطيها. وقال: الصمد يطلق على المكان الرفيع الغليظ المجتمع، فالصمد في صفة الله عز وجل معناه: الذي لا حاجة له إلى الطعام والشراب وهو الغني سبحانه وتعالى. والمعنى الثاني -وهو قول بعض السلف-: أن الصمد هو السيد الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، وكذلك تنوعت عبارات السلف في هذا القول، فمثلاً نجد ابن عباس يقول: الصمد هو الذي تصمد إليه الأشياء إذا نزل بها كربة وبلاء، ويقول السدي رحمه الله: هو المقصود إليه في الرغائب والمستغاث به عند المصائب، والمعنى: أن الصمد هو الذي تحتاجه الخلائق، فهو سبحانه وتعالى الغني الذي لا يحتاج، والخلائق محتاجة إليه. وهذان المعنيان كلاهما صواب، وكلاهما تفسير للصفة بمعناها، وبما تدل عليه، فإن الجميع يدل على الجمع والقوة والغنى، فالسيد الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، والسيد اشتقاقه الأكبر السد والسداد والسؤدد والسواد، وكلاها بمعنى الجمع والقوة؛ لأن السيد لا يكون سيداً إلا إذا كان قوي القلب، مجتمع النفس، حينئذ يكون سيداً ينفع الآخرين، فالناس لا تقصد في حوائجها إلا قوي القلب الشجاع الذي يستطيع أن يعطي الناس حوائجهم، وكذلك المصمت الذي لا جوف له؛ فإن فيه معنى القوة؛ لأن الشيء كلما اجتمع بعضه إلى بعض كان قوياً، ولهذا سمي المكان المرتفع الغليظ صمداً لقوته وتماسكه. ومن هنا ندرك أن معنى الصمد هو: القوي الذي لا يحتاج إلى الأكل أو الشرب، ولا يحتاج إلى أي شيء من الأشياء، فهو الغني سبحانه وتعالى، وسيأتي الحديث عن الغنى -بإذن الله تعالى- بشكل مفصل عند اسم الله عز وجل الغني. ولصفة الغنى والقوة آثار تربوية عظيمة منها: توحيد الدعاء، بحيث يدعو الإنسان الله عز وجل، فهو الغني المالك لكل شيء سبحانه وتعالى.

معنى قوله تعالى: (لم يلد ولم يولد)

معنى قوله تعالى: (لم يلد ولم يولد) {لَمْ يَلِدْ} [الإخلاص:3] معناها: أن الله عز وجل ليس له ولد. {وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:3] يعني: أن الله عز وجل ليس له أب سبحانه وتعالى، وهذا يدل على كماله سبحانه وتعالى، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء، وهذه الآية فيها تنزيه لله عز وجل عن الولادة والولد. وقد وجدت طوائف نسبوا إلى الله عز وجل الولد، وقد أبطل الله عز وجل نسبة الولد إليه بدليل عقلي واضح، وهو: أن وجود الولد يحتاج إلى وجود صاحبة -يعني: زوجة- وهذا أمر موجود في كل متولد، سواء كان من الإنسان أو الحيوان أو النبات، حتى النار كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فهي إنشاء من اشتباك شيئين بعضهما مع بعض، فيتولد عنهما النار، قال: كل المتولدات لا بد أن تكون من أصلين، ولا يوجد صاحبة لله عز وجل، وهذا أمر يعترف به المشركون ولا ينكرونه، ومع ذلك نسبوا له الولد؛ فدل ذلك على بطلان هذه النسبة عقلاً، وإلا فإن الله عز وجل منزه عن كل تلك الصفات سبحانه وتعالى. يقول الله عز وجل في هذا الدليل العقلي: {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} [الأنعام:101]، هذا دليل عقلي، وهو استفهام إنكاري يتضمن النفي العقلي {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} [الأنعام:101]، فإن العقل يقتضي أنه إذا وجد الولد لا بد أن توجد الصاحبة، فلما انتفت الصاحبة دل ذلك على انتفاء الولد كما هو معلوم. وهناك طوائف أو ديانات كافرة نسبت لله عز وجل الولد منهم اليهود والنصارى، فاليهود قالت: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:30]، والنصارى قالت: {الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:30]، ولم يكتفو بهذا فقالوا: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة:18]، يقول الله عز وجل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة:18]، ويقول الله عز وجل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة:30]. وممن نسب لله عز وجل الولد: المشركون، حيث قالوا: إن الملائكة بنات الله، يقول الله عز وجل: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} [النحل:57] يعني: الولد، ولهذا يقول: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل:58]، فوجهه يسود وهو كظيم؛ لأن البنت عار عليه-كما يظن-ومع هذا ينسبها إلى الله عز وجل، وهذا يدل على فجورهم وشدة كفرهم والعياذ بالله، ولهذا يقول الله عز وجل: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا} [الإسراء:40]، ويقول الله عز وجل: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ} [الصافات:149 - 150]، ولا شك أن كلام المشركين باطل كما هو معلوم. ولا يوجد أحد يقول: إن لله زوجة، ولا توجد مقالة لأحد أبداً يقول فيها: إن لله زوجة، أو: إن لله صاحبة. والدليل على ذلك: هو أن الله عز وجل عندما استدل على نفي الولد استدل بعدم وجود الصاحبة، ولا يمكن أن يستدل الله عز وجل على أمر إلا بأمر مقرر عندهم سابقاً، فلو كان هذا الأمر المستدل به ليس معترفاً به عندهم لما صح الاستدلال، فلما صح الاستدلال دل على أنه لا توجد طائفة من البشر تنسب لله عز وجل الصاحب. لكن هناك إشكال وهو: أن الله عز وجل يقول في آية أخرى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات:158]، والجواب على هذا الإشكال: أن المقصود به: الملائكة، حيث نسبوا الملائكة إلى الله عز وجل، فقالوا: هم بنات الله، لكن قد يقول قائل: هنا الحديث عن الجن وليس عن الملائكة: فنقول: إن الِجَّنة المقصود بهم في هذه الآية: الملائكة، والدليل على هذا: أن الِجَّنة معناها: الوقاية، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصوم جُنَّة) يعني: وقاية، فمادة (جن) في لغة العرب تدل على الاستتار والوقاية، وهي حاصلة في الملائكة؛ لأن الملائكة يستترون عن بقية البشر، فيصبح معنى الِجَّنة هنا هو المعنى اللغوي وليس هو المعنى الاصطلاحي المعروف في خلق الله عز وجل الجن. وأما قول الكلبي وغيره: إن المشركين يقولون: تزوج من الجن فولد له الملائكة، فلا شك أن هذا القول باطل؛ لأنه لا

معنى قوله تعالى: (ولم يكن له كفوا أحد)

معنى قوله تعالى: (ولم يكن له كفواً أحد) قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4]، هذه الصفة أصل في التنزيه، كما أن الصمد أصل أيضاً في التنزيه، فكل الصفات السلبية والمنفية ترجع إليها، فالله عز وجل نفى عن نفسه اللغوب وهو التعب، ونفى عن نفسه السَّنة والنوم، ونفى عن نفسه ضياع الأشياء عنه فلا يعزب عن ربك مثقال ذرة؛ لكمال علمه سبحانه وتعالى. إذا نفينا عن الله عز وجل التعب فهو لكمال قدرته، وإذا نفينا عنه النوم فهو لكمال علمه وحياته، وإذا نفينا عنه عزوب الشيء فهو لكمال علمه وإحاطته سبحانه وتعالى، ويمكن أن تراجع هذه القاعدة في التدمرية. أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح.

الأسئلة

الأسئلة

حكم التحاكم إلى القوانين الوضعية

حكم التحاكم إلى القوانين الوضعية Q نريد توضيحاً حول الحكم لله، هل معنى: أن الحاكمية لله: أن تنفي الإيمان عمن لم يحكم بحكم الله، ولكن دون اعتقاد في عدم صلاحية أحكام الله، وإنما كما نشاهد اليوم في كثير من الأحكام التي لا تؤخذ من الشرع مع انتسابهم إلى الإسلام؟ A القوانين الوضعية كفر مخرج عن الإسلام حتى لو اعتقد أنها حرام، وحتى لو اعتقد أنها لا تنفع؛ لأن القوانين الوضعية أصلاً تبديل لأحكام الله عز وجل، واستحلال للمحرمات، واستحلال المحرمات ردة؛ لأن الاستحلال معناه: عدم الانقياد والتسليم لأحكام الدين، وهذان ركنان من أركان الإيمان. من جهة أخرى؛ فإن الموجود في العالم الإسلامي اليوم -لا يحتاج أصلاً إلى الحديث عن الاعتقاد وغير الاعتقاد- هو استحلال للمحرمات، وتبديل للدين بشكل واضح، فهو مثل إسلام التتر عندما أسلموا وبقيت عندهم قوانين جنكيز خان (الياسق) يحكمون به، فإن جنكيز خان حاكم تتري كافر، وضع لهم الياسق مجموعاً من الملة اليهودية والنصرانية والإسلام وزاد عليها من معرفته وفهمه، وأصبح من أسلم من التتر فيما بعد يحكم بها، فكفرهم أهل العلم، وكفرهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقد كان عند بعض العلماء في تلك الفترة شبهة؛ لأنهم ينتسبون للإسلام. والحقيقة: أن انتساب الإنسان للإسلام وحده ليس كافياً في بقاء الإسلام عليه إذا ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام، فالساحر مع أنه يصلي ويصوم ويحج ويزكي إلا أنه كافر؛ لأنه نقض الإسلام، مثل من يصلي ركعتين، لكنه بعد الركعة الأولى خرج منه صوت، فإذا قال: لماذا تبطلون أعمالي من تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة والركوع والسجود والقيام؟ نقول: نبطلها لوجود ناقض من النواقض، وهكذا الإسلام لو صلى وصام وحج وزكى وانتسب إلى الإسلام مع وجود ناقض من النواقض فإن الإسلام يبطل. الإسلام لا يثبت إلا بأمرين: العمل بالدين، وترك النواقض، وهذه مسألة مهمة جداً، وكثير من الناس يغلب جانب العمل بالدين وينسى ترك النواقض، فإذا كفر أحداً ممن ينتسب إلى الإسلام لوجود مكفر عنده صاح في وجهه، وقال: أنت من الخوارج، وأنت كفرت المسلمين، وهذا لا يصح، فالذين يطوفون حول القبور ويذبحون لها وينذرون لها ويستغيثون بغير الله عز وجل. هذا كفر مخرج عن الإسلام، مع أنهم ينتسبون إلى الإسلام، فكذلك الذي يحكم بالقوانين الوضعية ويشرع بغير ما أنزل الله فهو كافر حتى لو انتسب إلى الإسلام.

الفرق بين الحصر والقصر

الفرق بين الحصر والقصر Q ما الفرق بين الحصر والقصر؟ A كلاهما بمعنى واحد الحصر مصطلح نحوي، والقصر مصطلح بلاغي. هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

العقيدة الواسطية [3]

العقيدة الواسطية [3] من جملة الآيات الوارد فيها ذكر أسماء الله تعالى وصفاته آية الكرسي, وهي أعظم آية في القرآن الكريم؛ لما تضمنته من أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته العلا, كإثبات اسم الإله والحي والقيوم وصفات هذه الأسماء وغيرها من الصفات الدالة على عظمة المتصف بها سبحانه وتعالى.

آية الكرسي ودلائل عظمتها وفضلها

آية الكرسي ودلائل عظمتها وفضلها إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. أما بعد: فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: [وما وصف به نفسه في أعظم آية في كتابه؛ حيث يقول: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255]]. هذه الآية هي كما قال الشيخ رحمه الله تعالى: أعظم آية في كتاب الله، كما أن الفاتحة هي أعظم سورة في كتاب الله سبحانه وتعالى، والدليل على ذلك: ما رواه الإمام أحمد في مسنده، والإمام مسلم في صحيحه، عن أبي بن كعب رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله: أي آية في كتاب الله أعظم؟) وكان أبي بن كعب من القراء المشهورين الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر أن يؤخذ القرآن عنهم، فقال صلى الله عليه وسلم: (خذوا القرآن عن أربعة) ذكر اثنين من المهاجرين واثنين من الأنصار، فأما الأنصار فـ أبي بن كعب ومعاذ بن جبل، وأما المهاجرين فـ ابن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة، فقال أبي بن كعب: (الله ورسوله أعلم، فكررها عليه صلى الله عليه وسلم مراراً، فكان جواب أبي: الله ورسوله أعلم، إلا أنه قال في آخرها: هي قول الله عز وجل: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدره وقال: ليهنك العلم أبا المنذر!)، وهذا إقرار لقول أبي بن كعب، وجاء زيادة في مسند الإمام أحمد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده! إن لها لساناً وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش)، وهذه الزيادة صححها الشيخ الألباني رحمه الله تعالى.

ذكر الصفات الواردة في آية الكرسي الدالة على عظمتها

ذكر الصفات الواردة في آية الكرسي الدالة على عظمتها ويدل على عظمة هذه الآية: كثرة الصفات الواردة في هذه الآية، فقد اشتملت هذه الآية على تسع صفات لله سبحانه وتعالى، هذا مع ضم المعاني بعضها لبعض، وأما عند التفصيل فإنها تتجاوز العشر إلى أكثر منها. أما هذه الصفات فهي: الصفة الأولى: صفة الألوهية، وهي مأخوذة من اسم الله. والصفة الثانية: صفة الحياة، وهي مأخوذة من اسم الحي. والصفة الثالثة: صفة القيومية، وهي مأخوذة من اسم القيوم. والصفة الرابعة: صفة الملك، وهي مأخوذة من قوله تعالى: ((لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ))، والصفة الخامسة: صفة العلم، وهي مأخوذة من قوله: ((يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ)) والصفة السادسة هي: صفة المشيئة، وهي مأخوذة من قوله: ((إِلَّا بِمَا شَاءَ)) والصفة السابعة هي: صفة القدرة، وهي مأخوذة من قوله: ((وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا)). والصفة الثامنة: صفة العلو، وهي مأخوذة من اسم الله عز وجل: ((الْعَلِيُّ)). والصفة التاسعة: صفة العظمة، وهي مأخوذة من اسمه: ((الْعَظِيمُ))، وتلاحظون أن هذه الصفات بشكل مختصر، وإلا فهناك مواطن من هذه الآية سيأتي معنا أنها ترجع إلى أحد هذه الصفات التي سبق أن بيناها آنفاً.

صفة الألوهية

صفة الألوهية أما صفة الألوهية فمأخوذة من اسم الله عز وجل: الله، وقد سبق أن الأسماء يؤخذ منها الصفات، والدليل على أن الأسماء تدل على معان، وأن هذه المعاني هي الصفات: قول الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]، فإن الحسنى هنا على وزن فعلى، بمعنى البالغة الغاية في الحسن، ولا يمكن أبداً أن تبلغ الغاية في الحسن إلا إذا دلت على معانٍ عظيمة، وصفات حميدة، وإلا فلو كانت أعلاماً محضة فقط لا دلالة لها على معانٍ فلا يمكن أن توصف بالحسن، وهذا هو الدليل على اشتقاق الصفات، أو أخذ الصفات من الأسماء. وصفة الألوهية صفة استحقاق، والمعنى: أن الله عز وجل مستحق للألوهية، ومستحق للعبودية. اسم الله عز وجل مأخوذ من الإله، وهو الراجح من أقوال أهل العلم في مسألة اشتقاق اسم الله سبحانه وتعالى، والإله معناه المعبود. وهذا مجمع عليه عند أهل اللغة؛ لأن الإله فعال بمعنى مفعول، أي: مألوه، وقد تعبر بعض كتب اللغة عن الإله بأنه الذي تألهه القلوب بمعنى أنها تحبه، والمحبة من العبادة، وقد يذكر بعضهم بعض معاني العبادة كالمحبة أو الاشتياق ونحو ذلك، وكلها بمعنى واحد، ويمكن أن يراجع في ذلك كتاب: (اشتقاق أسماء الله الحسنى) للزجاج رحمه الله تعالى، فقد أطال الحديث في هذا الباب، وهو من المتقدمين، وهو من أئمة اللغة. ويدل على أن الإله بمعنى المألوه قول رؤبة بن العجاج: لله در الغانيات المده سبحن واسترجعن من تألهي وكما تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحنف أو يتحنث، وفي بعض ألفاظ الصحيح: (يتأله الليالي ذوات العدد)، ففسرت عائشة التحنف والتحنث بالثاء، أو التأله بأنه التعبد. وهذا أمر معروف في لغة العرب. ولو رجعتم إلى تفسير ابن جرير الطبري رحمه الله: (جامع البيان)، تجدون أنه عندما فسر قول الله عز وجل: {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:1]، ينقل بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: الله: ذو الألوهية والمعبودية على خلقه جميعاً. وفي بعض ألفاظ الروايات عن ابن عباس قال: والعبودية، فيدل على أن الألوهية راجعة إلى العبودية، وكذلك قول الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف:84]، قال قتادة: يعبد في السماء، ويعبد في الأرض. فهؤلاء هم السلف الصالح رضوان الله عليهم الذين فسروا معنى الإله، ولهذا أجمع السلف الصالح على أن الإله بمعنى المعبود وحده سبحانه وتعالى. ولهذا فإن (لا إله إلا الله) معناها: لا معبود بحق إلا الله. وللمعلمي رحمه الله تعالى رسالة مخطوطة في مكتبة الحرم اسمها: العبادة، وعندما جاء يتحدث عن الإله قال: لما رأيت الخلاف حاصلاً في حياة الأمة في كثير من الأعمال والأقوال هل هي شركية أو ليست بشركية؟ علمت أن الأمة لا يمكن أبداً أن تعمل عملاً وهي تعتقد أنه شرك، فعلمت أنهم يختلفون في فهم الشرك وفي فهم التوحيد، وعندما حققت الأمر وجدت أنهم يختلفون في معنى الإله. وهذا فعلاً واقع في حياة المسلمين، فإن الخلاف الواقع في كثير من الشركيات القائمة مثل الطواف حول القبور، والذبح لها، والنذر لغير الله عز وجل، ونحو ذلك من التأله لغير الله عز وجل سببه الخلاف في فهم معنى لا إله إلا الله، فمعنى لا إله إلا الله عند السلف الصالح: لا معبود بحق إلا الله، والعبادة هي أعمال وأقوال وإرادات يعملها الإنسان لمن يعظمه، ويذل له، ويحبه، وهذا هو معنى الإله في مدلولها الشرعي كما هو معلوم. أما أهل البدع والضلالة فإنهم يرون أن (الله) يؤخذ منه صفة وهي الألوهية، ثم إذا جاءوا إلى تفسير (لا إله إلا الله) يفسرون الإله بأنه القادر على الإبداع والاختراع، وهذا هو قول المعتزلة والأشاعرة والصوفية، وهم يوافقون الأشاعرة في أغلب اعتقاداتهم الكلامية، فإن الإله عندهم بمعنى القادر على الاختراع، ولو رجعتم إلى كتب هؤلاء مثل كتاب القاضي عبد الجبار الهمداني -وهو من أئمة المعتزلة- شرح الأصول الخمسة، فإنه ينص على أن الإله معناه: القادر على الخلق والإبداع والاختراع، ويستدل على ذلك بقوله تعالى: {لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [الصافات:35]. وكذلك عامة كتب الأشاعرة، مثل كتب الجويني (الإرشاد) أو (لمع الأدلة) أو (الشامل في أصول الدين)، أو كتب الرازي أو أبي حامد الغزالي، أو عامة كتب الصوفية، فلو رجعتم مثلاً إلى (الرسالة) لـ أبي القاسم القشيري تجدون أنه يفسر الإله بأنه القادر على الاختراع، وكذلك إذا تأخرتم قليلاً إلى عبد الوهاب الشعراني فقد ألف كتاباً في عقائد الصوفية سماه: (الدرر والجواهر في عقائد الأكابر) -يعني: أكابر الصوفية- يفسر فيه الإله بأنه القادر

صفة الحياة

صفة الحياة صفة الحياة مأخوذة من اسم الله عز وجل الحي، وقد ورد اسم الله عز وجل الحي في القرآن في خمسة مواضع: الموضع الأول: في هذه الآية من سورة البقرة. والموضع الثاني: بداية سورة آل عمران: {الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران:1 - 2]. والموضع الثالث: في سورة الفرقان، في قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58]. والموضع الرابع: في سورة طه في قوله تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه:111]. والموضع الخامس: في سورة غافر في قول الله عز وجل: {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ} [غافر:65]. هذه خمسة مواضع في اسم الله عز وجل الحي، ثلاثة منها اقترنت باسمه القيوم، واثنان منها لم تقترن به. وقد جاء في البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعاء له طويل ومنه: (أنت الحي الذي لا يموت، والإنس والجن يموتون)، فقوله: (الذي لا يموت) في هذا الحديث، وفي قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58] (الذي لا يموت) معناه: أنه سبحانه وتعالى له الحياة الدائمة، والحياة المأخوذة من اسمه الحي، وهي الحياة التي لا أول لها ولا آخر الحياة الدائمة التي لا يعتريها نقص بوجه من الوجوه؛ فهو الحي الذي لا أول لحياته، وهو الحي الذي لا نهاية لحياته، فمن كان لحياته أول فهي ناقصة، ومن كان لحياته نهاية فهي ناقصة أيضاً، والحي الدائم الحياة الذي لا يعتري حياته نقص بوجه من الوجوه هو ربنا سبحانه وتعالى. والله عز وجل وصف الإنسان بأنه حي، ولكن حياة الإنسان تختلف عن حياة الله عز وجل، وقد أشرنا من قبل إلى أن الاتفاق في الأسماء لا يقتضي الاتفاق في المسميات، فالله عز وجل سمى الإنسان حياً، فقال سبحانه وتعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [يونس:31]. لا يوجد أحد ينكر حياة الله عز وجل، لكن يوجد من يفسرها بغير معناها الصحيح. مثلاً: الباطنية ينفون عن الله عز وجل النقيضين، فيقولون: ليس بحي وليس بميت، ويسمون هذا النفي نفي العدم والملكة، فيقولون: الله عز وجل شيء آخر لا ترد عليه صفة الحياة وصفة الموت؛ لأن من ضمن أدلة أهل السنة على صفة الحياة العقل والنقل، فأما الاستدلال عليها بالعقل، فإنه يقال: لا يمكن أن يوجد إله ليس حياً، لابد أن يكون الإله حياً؛ لأن الحياة من صفة الكمال لله عز وجل، وهو أحق بها سبحانه وتعالى. هذا من جهة. ومن جهة أخرى: فإن الموصوف إذا لم يوصف بالحياة فإنه سيوصف بضدها وهو الموت، إذا قلنا: ليس حياً، فمعنى هذا أنه ميت، إذا قلنا: ليس سميعاً، فمعنى هذا أنه أصم، إذا قلنا: ليس بمتكلم، فمعنى هذا أنه أبكم، وهذا استدلال صحيح على أن الشيء إذا لم يوصف بالكمال فإنه سيوصف بضده ومقابله وهو النقص، فإذا قالوا: الله عز وجل ليس حياً نقول: إذاً تصفونه بالموت، قالوا: ولا ميت، قلنا: إذاً وقعتم في التناقض، كيف ليس بحي ولا ميت؟ قالوا: لأنه لا يقبل الحياة ولا الموت، فأنت الآن إذا جئت إلى المنديل هل تقول: المنديل حي؟ نقول: لا، هل تقول: إنه ميت؟ نقول: لا، إذاً لا يقبل الموت ولا الحياة، ولهذا نقول: الإله شيء آخر لا يقبل الموت ولا الحياة. وهذا كلام باطل، وإن كانوا قد أثروا بهذا القول في كثير من المشتغلين بعلم الكلام، إلى درجة أن الآمدي وهو من علماء الأشاعرة في كتابه (أبكار الأفكار)، يقول: إن هذا الدليل صحيح، ولا تستقيم الدلالة العقلية على إثبات حياة لله عز وجل، وهذا كلام باطل، فإن الشيء الذي لا يمكن أن يوصف بالحياة ولا الموت أنقص مما يمكن أن يوصف بالحياة فتنفى عنه الحياة، ثم يكون مثلاً أخرس أو غير ذلك، فلو جئنا إلى أعمى حتى -ولله المثلى الأعلى- لكنه أعمى، وقارنا بينه وبين الكتاب، أو بينه وبين الميكرفون، فمن الذي عنده الكمال الذي ليست فيه حياة وهو الميكرفون أو الذي عنده حياة؟ A ذلك الأعمى الذي عنده حياة، وهذا شيء طبيعي، فإن الحياة كمال. ومن جهة أخرى: من قال: إن الجمادات لا توصف بالموت ولا بالحياة، فالله عز وجل قد وصف بعض الجمادات بالموت، فقال عز وجل عن الأصنام: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} [النحل:21] وهي أصنام من حجارة، والله عز وجل سمى الأرض قبل أن يأتيها المطر: {الأَرْضُ الْمَيْتَةُ} [يس:33]، فمع أنها جماد إلا أنه سماها أرضاً ميتة ووصفها بالموت، ثم إن الله عز وجل قادر على إحياء ما شاء وإماتة ما شاء، فإن الطعام كان يسبح في أيدي الصحابة رضوان الله عليهم، وقد حن الجذع الذي كان يقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تركه وانتقل إلى المنبر، بل وسمع له ص

صفة القيومية

صفة القيومية القيوم: هذا الاسم ورد في ثلاثة مواضع، وقد سبق أن أشرنا إليها مع الحديث عن اسمه الحي، والقيوم اسم من أسماء الله عز وجل يؤخذ منه صفة القيومية، والقيومية صفة لله عز وجل لها معنيان: المعنى الأولى: القائم بذاته. والمعنى الثاني: المقيم لغيره. فالقائم بذاته: معناه: أن الله عز وجل قائم لا يزول أبداً، وكما أنه قائم بذاته فهو غني عن خلقه. وأما المقيم لغيره: فهو المقيم لغيره بتدبيره وتصريفه وإنعامه على غيره من مخلوقاته سبحانه وتعالى. فنلاحظ أن هذا الاسم وهذه الصفة تشتمل على صفة ذاتية، وهي القائم بذاته، وتشتمل على صفة فعلية وهي المقيم لغيره. أما صفة الحياة، فقد سبق أن أشرنا إلى أنها صفة ذاتية؛ لأنها غير متعلقة بمشيئة الله عز وجل، فهي ثابتة له سبحانه وتعالى ودائمة كصفة العلم والإرادة والقدرة. وأما القيوم فقد أشرت آنفاً إلى أنها تدل على صفة ذات، وتدل على صفة فعل، فأما الصفة الذاتية فهي بمعنى الباقي، وبمعنى الغني سبحانه وتعالى، وهي من هذه الناحية صفة ذاتية غير متعلقة بالمشيئة. وأما المقيم لغيره فمعناها: المدبر لشئونهم، فهي صفة فعلية لله عز وجل، وإن كان أصلها ذاتي كما هو معلوم في الصفات الفعلية عموماً. {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255]، هذه من الصفات المنفية، وهي وإن كانت ذاتية إلا أنها من الصفات المنفية، وقد سبق أن أشرنا إلى أن الصفات تنقسم إلى: صفات ثبوتية، وصفات منفية، وهذا يدل على اشتمال هذه الآية لجميع أنواع الصفات. السِنة: هي النعاس، وهي نوم العين كما يسمونه، والنوم هو ثقل الرأس، وهو نوم القلب، فالله عز وجل لا تأخذه سنة ولا نوم؛ لكمال حياته وقيوميته. والقاعدة في الصفات المنفية: أنها تتضمن كمال الضد؛ لأن النفي المحض لا فائدة منه، كما يقول العلماء، فقوله: ((لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ))، صفة منفية، لكنها راجعة إلى اسمي الله عز وجل السابقين: وهما الحي والقيوم، ولهذا لم نفردها بصفة خاصة في تعدادنا لصفات الله عز وجل في هذه الآية.

صفة الملك

صفة الملك ثم قال: {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255]، هذه تدل على صفة الملك، فالله عز وجل مالك كل شيء، ومن أسمائه سبحانه وتعالى: الملك، ولهذا يقول: {مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ} [الناس:2 - 3] في آخر سورة في القرآن وهي سورة الناس، ومن أسمائه: المالك: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4]، ومن أسمائه: المليك، يقول الله عز وجل: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:54 - 55] فهذه ثلاثة أسماء لله عز وجل تدل على صفة الملك له سبحانه وتعالى. الملك من صفاته عز وجل، ومعناه: أن الله عز وجل مالك لكل شيء، وأمره نافذ فيه، فإنه قد يوجد مالك وأمره غير نافذ في ملكه، لكن الله عز وجل مالك لكل شيء، وأمره نافذ في ملكه سبحانه وتعالى، وفي هذا رد على الفلاسفة أهل الضلال الذين يقولون: إن الله عز وجل خلق هذا الكون ثم أهمله، كأنه ليس بملكه. وقد ناقش أهل العلم مسألة: أيهما أبلغ ملك أم مالك؟ وذكر الشوكاني رحمه الله في فتح القدير قولين لأهل العلم، والصحيح: أن ملك أبلغ من مالك، وإن كان معناهما واحد. وهذا يجرنا إلى الحديث عن الفرق بين ملك ومالك، فنقول: إن ملك صفة ذاتية، وأما مالك فهي صفة فعلية، وقد ذكر ذلك الشوكاني في فتح القدير. وهذا يدعونا أيضاً إلى الحديث عن مسألة أخرى مهمة، وهي مسألة: هل صفات الله عز وجل تتفاضل، أو أنها ليست بمتفاضلة؟ هذه المسألة بحثها أهل العلم تبعاً لمسألة: هل آيات وسور القرآن تتفاضل أو ليست بمتفاضلة؟ والتحقيق في هذه المسألة: أن للتفاضل بين آيات القرآن جهتين: الجهة الأولى: غير متفاضلة، وهي كونها من كلام الله عز وجل جميعاً. والجهة الثانية: أنها متفاضلة باعتبار الفروق في المعاني والدلالات، فإن الآيات التي وردت في التوحيد وفي الأمر بعبادة الله عز وجل أعظم من الآيات التي وردت في القصص أو الأحكام، ولهذا كانت سورة الفاتحة أعظم سورة؛ لاشتمالها على معاني التوحيد، وكذلك سورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] تعدل ثلث القرآن. ويمكن أن نورد كلاماً لـ شيخ الإسلام رحمه الله بحث فيه مسألة تفاضل أسماء الله عز وجل ضمن بحثه لتفاضل القرآن، فبعد أن انتهى من الحديث أن القرآن يتفاضل، قال: [وقول من قال: صفات الله لا تتفاضل ونحو ذلك. قول لا دليل عليه، بل هو مورد النزاع، ومن الذي جعل صفة الرحمة لا تفضل على صفة الغضب؟! وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب في كتاب موضوع عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي)، وهذا يدل على أن الصفات تتفاضل، وفي رواية: (تسبق غضبي)، وصفة الموصوف من العلم والإرادة والقدرة والكلام والرضا والغضب وغير ذلك من الصفات تتفاضل من وجهين: أحدهما: أن بعض الصفات أفضل من بعض، وأدخل في كل الموصوف بها -لعله في كمال الموصوف بها- فإنا نعلم أن اتصاف العبد بالعلم والقدرة والرحمة أفضل من اتصافه بضد ذلك، لكن الله تعالى لا يوصف بضد ذلك، ولا يوصف إلا بصفات الكمال، وله الأسماء الحسنى يدعى بها، فلا يدعى إلا بأسمائه الحسنى، وأسماؤه متضمنة لصفاته، وبعض أسمائه أفضل من بعض، وأدخل في كمال الموصوف بها، ولهذا في الدعاء المأثور: (أسألك باسمك العظيم الأعظم الكبير الأكبر)، ولقد دعا الله -عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم-: (لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى) وأمثال ذلك، فتفاضل الأسماء والصفات من الأمور البينات]. هذا واضح على أن الصفات من حيث معانيها بعضها أفضل من بعض، ولهذا استدل الشيخ على تفاضل صفات الله عز وجل بدليلين: الدليل الأول: (إن رحمتي سبقت غضبي) وهذا يدل على فضل صفة الرحمة على صفة الغضب، وإن كان الموصوف بها واحد، وإن كانت جميعاً هي صفات كمال، لكن هي في الكمال متفاوتة، ولهذا أسماء الله تدل على أن صفاته متفاوتة أيضاً، فمنها الاسم الأعظم كما هو معلوم. والثاني: أن الصفة الواحدة قد تتفاضل، فالأمر بمأمور يكون أكمل من الأمر بمأمور آخر، مع أن الصفة واحدة وهي الأمر، والرضا عن النبيين أعظم من الرضا عمن دونهم، مع أنها صفة واحدة وهي الرضا، والرحمة لهم أكمل من الرحمة لغيرهم، وتكليم الله لبعض عباده أكمل من تكليمه لبعض، وكذلك سائر هذا، وكما أن أسماءه وصفاته متنوعة فهي أيضاً متفاضلة، كما دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع مع العقل، وإنما شبهة من منع تفاضلها من جنس شبهة من منع تعددها؛ وذلك يرجع إلى نفي الصفات؛ لأنهم يعتقدون أننا إذا قلنا: إن صفات الله عز وجل متفاضلة، فمعنى هذا: أننا نعيب بعض الصفات، وهذا خطأ في الفهم، وكذلك الذين يقولون: إن صفات ا

ملك الشفاعة

ملك الشفاعة أما قوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255] فهو يدل على ملك الشفاعة؛ وذلك من وجهين: الوجه الأول: أن الشفاعة التي كان يدعيها المشركون هي: أن هذه الآلهة المعبودة تشفع عند الله بدون إذنه، فتصوروا أن الإله مثل خلقه، ثم جعلوا لآلهتهم من الاحترام والتقدير ما يجعل الإله يتنازل عما يريد لهذه الآلهة، وهذا قدح فيما ملك الله عز وجل، فإنكم تعلمون أن الشفاعة تكون بغير الإذن في الغالب، وتكون لمن عزم على شيء ثم أبطله من أجل الشافع، وهذا لا يمكن أن يكون في صفات الله عز وجل. هذا من جهة. ومن جهة ثانية: فإن الله عز وجل مالك لكل شيء حتى الشفاعة التي هي من الخير، فمع كونها من الخير إلا أن الله عز وجل مالكها، وهذا يبين سعة ملك الله سبحانه وتعالى. قوله: ((إِلَّا بِإِذْنِهِ)) يدل على أن هناك شفاعة تكون يوم القيامة بإذن الله عز وجل، وهي تكون لمن رضي له قولاً وهو الموحد؛ لأن الله عز وجل لا يقبل الشفاعة في المشرك أبداً، وفي هذا الرد على المعتزلة والخوارج الذين ينفون شفاعة الله عز وجل، وسيأتي الحديث عنهم -إن شاء الله- في الحديث عن اليوم الآخر. ثم قال: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة:255]، هذه هي صفة العلم، وسيأتي الحديث عنها فيما بعد. أما قوله: ((وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ))، فقوله: ((إِلَّا بِمَا شَاءَ)) فيه صفة المشيئة وأيضاً سيأتي الحديث عن صفة المشيئة بإذن الله تعالى؛ حيث ذكر الشيخ مجموعة من الآيات تتعلق بها كثير من المسائل.

إثبات الكرسي وبيان المراد به

إثبات الكرسي وبيان المراد به قال الله: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة:255]، الكرسي هو مخلوق من مخلوقاته سبحانه وتعالى العظيمة وهو غير العرش؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما الكرسي في العرش إلا كحلقة ألقيت في فلاة)، فهذا يدل على أن الكرسي غير العرش، وأنها جميعاً مخلوقة وليست من صفات الله عز وجل، لكنها موضع قدمي الرب سبحانه وتعالى، فقد ثبت في السنة لـ عبد الله ابن الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: الكرسي موضع قدمي الرب سبحانه وتعالى، ولا يقدر قدره إلا الله. ففي هذا الأثر عن ابن عباس فائدتان: الفائدة الأولى: أن الكرسي غير العرش. والفائدة الثانية: أن الكرسي هو موضع قدمي الرب سبحانه وتعالى، وهذا روي مرفوعاً وموقوفاً، والصحيح الموقوف، فإن المرفوع لم يثبت، ولكن هذا الموقوف له حكم الرفع؛ لأنه من الكلام في صفات الله عز وجل، ولا يمكن أن يتكلم ابن عباس في صفات الله عز وجل برأيه، وإنما يكون ذلك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. وفي هذا أيضاً رد على الذين أولوا الكرسي بأنه علم الله عز وجل، وهذا خطأ، فإن الكرسي مخلوق من مخلوقات الله عز وجل، وهو موضع قدمي الرب سبحانه وتعالى، كما سبق في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما، فمن أوله بالعلم فقد ابتدع إلا إذا كان من أهل السنة، وكانت عنده شبهة فإنه يكون قد أخطأ، كما حصل للطبري رحمه الله تعالى. قال: {وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} [البقرة:255]، أي: لا يعجزه أو لا يتعبه سبحانه وتعالى. فقوله: ((وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا))، هذه من الصفات المنفية التي تدل على كمال الضد، وهي صفة القدرة، وسيأتي الحديث عنها مفصلاً عند صفة القدرة؛ لأنها تتعلق بها مسائل كثيرة جداً. قوله: ((وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا))، يشبه قول الله عز وجل: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38]، واللغوب هو التعب، وقد سبق أن بينت أن هذه الصفات المنفية تدل على كمال الضد، فـ: ((لا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا)) يعني: لا يتعبه ولا يعجزه حفظهما؛ لكمال قوته وقدرته سبحانه وتعالى، وكذلك: ((وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ))، يعني: وما مسنا من إعياء وتعب؛ لكمال قدرته سبحانه وتعالى. ((وَهُوَ الْعَلِيُّ)) العلي اسم من أسماء الله عز وجل يتضمن صفة العلو لله عز وجل. والعلو لله عز وجل ثلاثة أنواع: علو القهر، وعلو القدر، وعلو الذات، وسنفرد لها إن شاء الله بالحديث لاحقاً.

صفة العظمة

صفة العظمة قوله: {الْعَظِيمُ} [البقرة:255]، فيه إثبات صفة العظمة لله عز وجل، وهي صفة ذاتية له سبحانه وتعالى، وبعض المفسرين فسر العظيم بمعنى المعظم الذي يعظِّمه خلقه، وهذا التفسير باطل غير صحيح؛ لأنه لو كان معناه كذلك؛ لوجب أن يكون غير عظيم قبل خلقه، أو غير عظيم بعد خلقه وإذا زالوا جميعاً، وهذا كله باطل، فإن الله عز وجل عظيم قبل خلقه وعظيم بعد فناء خلقه، فهو عظيم سبحانه وتعالى في كل وقت وحال، فلا يصح إذاً تفسير العظيم بأنه المعظم من خلقه، وإن كان هذا من لوازم الصفات، فهو سبحانه وتعالى عظيم في ذاته قبل خلقه وبعد خلقه، وأيضاً يعظمه خلقه سبحانه وتعالى، لكن الاقتصار على تفسير الصفة بأنه المعظم عند خلقه وعدم إثبات الصفة له سبحانه وتعالى، فلا شك أن هذا خطأ وغير صحيح.

الأسئلة

الأسئلة

الموقف من إحداث تقدير كلمة (بحق) في خبر (لا إله إلا الله)

الموقف من إحداث تقدير كلمة (بحق) في خبر (لا إله إلا الله) Q هل تقدير قول: (لا إله بحق إلا الله) من ألفاظ السلف أم أنها لفظة مستحدثة للرد على الخصوم؟ A هذا التقدير معناه صحيح، ولا يشترط أن يذكر السلف هذا الكلام بنصه ما دام أن معناه صحيح وأنه حق؛ لأن السلف كانوا يفهمون من قوله: لا إله إلا الله يعني: لا معبود بحق إلا الله، ولهذا ينظر كيف كانت التعبيرات الواردة عن السلف مثل ابن عباس وقتادة، لكن لما تحدث الناس في اللغة وأعربوا هذه الآية، وجدوا أن هناك خبراً محذوفاً فاختلفوا في تقديره، وسبق أن بينا التقدير الصحيح في هذا.

الشيوعيون وموقفهم من إثبات وجود الله تعالى

الشيوعيون وموقفهم من إثبات وجود الله تعالى Q أشكل علي قولكم: إنه لا أحد ينكر وجود الله وأنه مستحق للعبادة مع وجود مقولة الشيوعيين: (لا إله والحياة مادة)؟ A الحقيقة أن المذهب الشيوعي وإن كان يعلن إنكاره للإله إلا أنه في حقيقة الأمر لا ينكره؛ لأنه يسند هذا الخلق إلى الطبيعة، فهم غيروا اسم الإله، بدل أن يقولوا: الله، قالوا: الطبيعة، وقد هربوا من نسبة الخلق لله عز وجل لسببين: السبب الأول: الضغط الكبير الذي واجهه الناس من الكنيسة الغربية النصرانية. والسبب الثاني: هو دخول اليهود في الفساد العقائدي كما تعلمون؛ بحيث إنهم نشروا الإلحاد، وكارل ماركس زعيم الشيوعية أصله يهودي كما هو معلوم، فهؤلاء في الحقيقة لا ينكرون وجود الله عز وجل، بل هم يثبتونه، لكن بغير اسمه.

إيضاح المراد بتفسير (الرحيم) بذي الرحمة الواصلة

إيضاح المراد بتفسير (الرحيم) بذي الرحمة الواصلة Q ذكر الشيخ ابن عثيمين حفظه الله أن معنى الرحمن، أي: صاحب الرحمة الواسعة، والرحيم: صاحب الرحمة الواصلة، فما معنى الرحمة الواصلة؟ A لعل الشيخ يقصد بالرحمة الواصلة يعني: الرحمة التي تصل إلى خلقه، وهذا هو التحقيق في الفرق بين اسم الله عز وجل الرحمن والرحيم، فإن الرحمن صفة ذاتية، والرحيم صفة فعلية، فيقصد بالواصلة التي تصل إلى خلقه؛ لأن الفعل يصل إلى الخلق كما هو معلوم، وإنما أتى بكلمة الواصلة؛ لأنها متناسبة مع الواسعة، وإلا فمعنى الواصلة كما يظهر لي أن معناها التي تصل إلى خلقه فهي صفة فعلية، وهذا التحقيق ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى.

حكم إطلاق لفظ (العقل الإلهي) على الله تعالى

حكم إطلاق لفظ (العقل الإلهي) على الله تعالى Q ما حكم إطلاق لفظ العقل الإلهي على الله عز وجل؟ A لا يصح أن يطلق لفظ العقل الإلهي على الله عز وجل، فإن الله عز وجل موصوف بصفات الكمال، وهذا في الأصل مصطلح فلسفي، فإن الفلاسفة يقولون: إن العلة الأولى صدر عنها عقل ونفس فتزاوجا، فصدر عنهما عقل ونفس، إلى عشرة عقول وأنفس، ثم إلى العقل الفعال وهو العاشر، ومن العقل الفعال نتج هذا الكون المشاهد الآن نتوج المعلول من علته، فهو اصطلاح غير صحيح، لكن يوجد مثلاً بعض الكُتَّاب قد يستخدم بعض العبارات في خطابه لطائفة من الفلاسفة أو غير ذلك؛ ليدلل على بطلان قولهم، لكن الصحيح أنه لا يصح أن يوصف الله عز وجل بهذا على سبيل التقرير.

معنى تباين الأسماء والصفات بالنظر إلى ذواتها وترادفها بالنظر إلى الذات الإلهية العلية

معنى تباين الأسماء والصفات بالنظر إلى ذواتها وترادفها بالنظر إلى الذات الإلهية العلية Q ما معنى قول العلماء: إن أسماء الله وصفاته هي بالنظر إلى الذات من قبيل الترادف، وبالنظر إلى الصفات من قبيل التباين؟ A أسماء الله عز وجل متعددة، فهي بالنظر إلى الله عز وجل مترادفة؛ لأن الله واحد، وهذه أسماء متعددة، فهي أسماء لإله واحد، فهي مترادفة من هذه الجهة، ولكن من جهة المعاني متباينة مختلفة، وليس المقصود التباين كله، وإنما المقصود التباين بمعنى اختلاف المعاني، فالرحمة تختلف عن الحياة تختلف عن العلم تختلف عن القدرة وهكذا.

بيان المراد بالمفاضلة بين اسمي الملك والمالك

بيان المراد بالمفاضلة بين اسمي الملك والمالك Q علمت أن اسم الله الملك أفضل من المالك؟ A ليس معنى أفضل يعني: أن الاسم الثاني مفضول بمعنى النقد مثلاً، وإنما المقصود أن هذا أدل على معنى الملك من ذاك. وهناك قراءة في الفاتحة بـ (ملك يوم الدين)، ولكنها ليست رواية حفص عن عاصم، فإذا كنت تقرأ برواية حفص عن عاصم اقرأ: (مالك يوم الدين)، وإذا قرأت لمن يقرأ: (ملك يوم الدين) فالتزم قراءته، فإن التنقل في القراءات غير صحيح.

حكم الحاكم بغير ما أنزل الله

حكم الحاكم بغير ما أنزل الله Q أشكل علي قولكم بأن من يحكم بالقوانين الوضعية من المسلمين ولو كان يعتقد أنها حرام أو أنها لا تنتفع أنه كافر، وقد قال الله عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44]، وقال: {هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45]، {هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47]، أليس هذا تفصيلاً من رب العالمين، وقد قرأت في شرح الأصول الثلاثة لفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في هذا الموضوع تفصيلاً في الحكم بغير ما أنزل الله على ثلاث حالات: أنه يكفر إن كان يعتقد بأنها أفضل من حكم الله. أنه ظالم وليس بكافر إن كان لا يعتقد أنها أفضل من حكم الله. أنه فاسق وليس بكافر إن كان حكم بالقوانين محاباة من أجل رشوة أو غيرها. أرجو منكم تبيين هذا الأمر؟ A الحكم بغير ما أنزل مسألة كبيرة من مسائل الشرع، وقد اختلف فيها الناس اختلافاً كبيراً، والحكم بغير ما أنزل الله نوعان: نوع منه معصية وفسق لا يخرج عن الإسلام، ومن قال بأنه يخرج عن الإسلام فهو من الخوارج. ونوع يخرج عن الإسلام وهو كفر بالله رب العالمين. فأما النوع الذي لا يخرج عن الإسلام فهو كحال القاضي الذي يقضي بين الناس بكتاب الله عز وجل وبسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يحكم في بعض المسائل بهواه وشهوته، فهذا لا شك أنه ليس بكافر، وليس بخارج عن الإسلام إلا إذا استحل هذا الحكم واعتقد أنه حلال. النوع الثاني من الحكم بغير ما أنزل الله: هو الحكم بغير ما أنزل الله المخرج عن الإسلام، وهذا بعضه متعلق بعقيدة الإنسان، كأن يحكم بغير ما أنزل الله، ويعتقد أنه أفضل من حكم الله فهذا كافر، أو يعتقد أنه مساوٍ لحكم الله فهذا كافر، أو يعتقد أن هذا الحكم مع أنه بغير ما أنزل جائز فهذا كافر. والنوع الثاني من الحكم المخرج من دين الله عز وجل: هو الحكم بالقوانين الوضعية، وتبديل أحكام الشرع، وتنحية الشريعة، والإتيان بهذه القوانين الوضعية بدلاً عنها، فهذا الفعل حتى ولو كان لا يعتقد أنها مثل حكم الله، أو أنها أفضل من حكم الله، أو أنها مساوية لحكم الله، وحتى لو لم يكن مستحلاً لها، وإنما هو يرى أن هذا الفعل في ذاته حرام: فهذا كفر مخرج عن الإسلام. والفرق بين فعل القاضي الذي اعتبرناه معصية، وبين الحكم بالقوانين الوضعية: أن القاضي يحكم بشريعة الله عز وجل ولم يبدل أحكام الدين، حتى لو حكم بشهوته وهواه في مسألة من المسائل، فإنه لم يبدلها، ولم يجعل هذا الحكم عاماً على كل المسلمين، وإنما في مسألة لهواه، أو لقرابة، أو لأي أمر من الأمور، حتى ولو كثرت هذه منه فهي معصية من المعاصي. أما القانون، فمعنى كلمة قانون: قاعدة مستمرة تنطبق على كل الناس، مثلاً: حكم الله عز وجل في الزاني أنه إذا ثبت عليه الزنا وكان غير متزوج فإنه يجلد، وإذا كان متزوجاً يرجم، فإذا جاء شخص وبدل حكم الله عز وجل وقال: لا، إذا كان متزوجاً أو غير متزوج فإنه لا يرجم، وإنما يسجن ويعاقب أو يغرم بمال. هذا كفر مخرج عن الإسلام ما فيه شك؛ لأنه تغيير لحكم الله عز وجل، وهذا هو حقيقة الاستحلال حتى لو قال: أنا غير مستحل، فإنه كذاب؛ لأن تغيير الحكم في ذاته استحلال، فالمغير المبدل لشريعة الله عز وجل كافر، والذي يحكم به كافر أيضاً، والذي يتحاكم إليه مع رضاه به واختياره في ذلك كافر أيضاً؛ لرضاه بالتحاكم إلى غير شرع الله عز وجل. وهذا الكلام ليس بدعاً أتيت به من عندي، وإنما هو كلام أهل العلم، وآخر أهل العلم الذين تحدثوا عن هذا الموضوع بشكل مفصل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى، له رسالة اسمها: تحكيم القوانين، فإنه ذكر الحكم بغير ما أنزل الله المخرج من الملة، ثم ذكر المعتقد، فقال: إذا اعتقد أنها أفضل من حكم الله هذا نوع، وإذا اعتقد أنها مساوية لحكم الله فهذا نوع، إذا اعتقد أنها حلال فهذا نوع، ثم جعل نوعاً خاصاً غير هذه الأنواع وهو الحكم بالقانون الوضعي، واعتبره من الكفر الأكبر؛ لأن هذا إلغاء لدين الله عز وجل وإلغاء للشريعة، وهو في الحقيقة طي لبساط الشريعة عندما تلغي وتنصب محاكم في الأموال والدماء والعلاقات في أي أمر من الأمور، وتقصر دين الله عز وجل في الأحوال الشخصية: هذا كفر بين لا إشكال فيه، فلو رجعتم إلى رسالة الشيخ ستجدون أنها مفصلة. هذا من جهة. ومن جهة ثانية: فإن الله عز وجل قد كفر اليهود والنصارى؛ لأنهم اتبعوا التبديل -أما المبدل والمغير فلا شك في كفره- فالله عز وجل يقول: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:31]، لماذا اتخذوهم أرباباً من دون الله؟ ورد في حديث عدي بن حاتم: (أنهم يحلون لهم الحرام فيتبعونهم)، والاتباع عمل وليس اعتقاد، يقولون: هذا حلال وهو حرام فيتبعونهم عليها. وحتى لا يكون كلامنا نظري، فإن الواقع هو أن القوانين الوضعية الموجو

الصفات وعدم انحصار أخذها من الأسماء

الصفات وعدم انحصار أخذها من الأسماء Q هل صفات الله تنحصر في أسمائه، أم أن هناك صفات زائدة عن أسمائه؟ A الصفات لا تنحصر في الأسماء، بل هناك صفات زائدة على أسمائه مثل صفات الفعل: النزول الإتيان، أو من بعض صفات الذات مثل اليدين والعينين ونحو ذلك، وهي ليست مأخوذة من أسماء الله عز وجل.

حكم الإخبار عن الله عز وجل بأنه موجود

حكم الإخبار عن الله عز وجل بأنه موجود Q هل كلمة (موجود) تقتضي أن يكون الشيء الموجود في حيز من المكان والزمان، ونحن نعلم يقيناً أن الله قائم بذاته لا يحتاج إلى زمان ولا إلى مكان، فهل يليق بجلاله أن نقول: إن الله موجود، أم أن هناك لفظاً آخر، ويجب أن نستخدم غير هذا اللفظ؟ A لا شك أن الله عز وجل هو الأول قبل الزمان والمكان، وهو الآخر سبحانه وتعالى، لكن لا يعني هذا أنه لا يقال: موجود، يمكن أن يخبر عنه بأنه موجود، لكن ليس من أسمائه الموجود؛ لأن أسماءه حسنى، ولفظ الوجود ليس فيه معنى حسن زائد على مجرد وجود الشيء.

تفاضل الصفات ودلالته

تفاضل الصفات ودلالته Q هل يكون التفضيل في الصفات والآيات من خبر الرسول صلى الله عليه وسلم فقط؟ A صفات الله عز وجل متفاضلة من حيث معانيها كما سبقت الأدلة على هذا، لكن لا يعني هذا أن الصفة المفضولة نقص، بل هي صفة كمال، وهي حسنى بلغت الغاية في الحسن، لكن تلك الصفة بلغت أعلى منها، فليس في هذا أي نقص لصفات الله عز وجل.

حكم الخروج من المسجد بعد الأذان

حكم الخروج من المسجد بعد الأذان Q ما حكم الخروج من المسجد بعد الأذان؟ A ورد في خبر عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه رأى رجلاً خرج من المسجد، فقال: لقد عصى أبا القاسم.

حكم إثبات الصفات بالعقل

حكم إثبات الصفات بالعقل Q هل هناك صفات لله عز وجل تثبت بالعقل فقط؟ A لا يمكن أن تكون هناك صفة تثبت في العقل فقط ولم ينص عليها القرآن أبداً، لكن نحن عندما نستدل على بعض الصفات بالعقل هو من باب دلالة القرآن عليها فقط، ولسنا بحاجة إلى أن نستدل على صفات الله عز وجل بالعقل، وإنما نحن مؤمنون بكلام الله سبحانه وتعالى.

حكم تفسير الإله بالحاكم في كلمة التوحيد

حكم تفسير الإله بالحاكم في كلمة التوحيد Q هل يصح أن تفسر لا إله إلا الله، بأن معناها: لا حاكم إلا الله؟ A إذا كان يقصد لا حاكم إلا الله، يعني: أن الأمر بيد الله عز وجل، وأن الحكم بيد الله فيجوز، فإن الحكم لله عز وجل؛ لأن الحكم نوع من أنواع العبادة يجب أن يكون خاصاً لله عز وجل، ولهذا أخبر الله عز وجل أن الحكم له فقط: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف:40]، فدل على أن الحكم من العبادة، فلاحظوا معنى الحكم والعبادة، الحكم نوع من أنواع العبادة، كما أن الذل والخضوع نوع آخر، فالحكم ليس خارجاً عن العبادة.

الجمع بين تفسير الكرسي بأنه موضع القدمين والخبر عن صفة الكرسي بالنسبة إلى العرش

الجمع بين تفسير الكرسي بأنه موضع القدمين والخبر عن صفة الكرسي بالنسبة إلى العرش Q أشكل كلامك عن الكرسي، فكيف أجمع بين أنه موضع القدم لله عز وجل وبين كلام الرسول صلى الله عليه وسلم؟ A كلام الرسول صلى الله عليه وسلم هو: (ما الكرسي -يقارن- في العرش -يعني: في مقابل العرش- إلا كحلقة ألقيت في فلاة)، يعني: الكرسي بالنسبة للعرش مثل الحلقة التي ألقيت في صحراء، ولا يقصد أن الكرسي داخل العرش، فلا يفهم هذا الفهم.

أصل تأويل غير أهل السنة الإله بالمبدع

أصل تأويل غير أهل السنة الإله بالمبدع Q كيف حول غير أهل السنة معنى الإله إلى الإبداع والاختراع، أي: ما هو أصل تأويلهم؟ A يقولون: إله فعال، وفعال في اللغة العربية تأتي بمعنى فاعل وبمعنى مفعول، وإله إذا جاءت بمعنى مفعول يعني: مألوه، فهم قالوا: إله بمعنى فاعل، يعني: خالق، والحقيقة أن اللغة لا تعضدهم، وكذلك الشريعة.

مصادر أخذ صفات الله عز وجل

مصادر أخذ صفات الله عز وجل Q كيف يمكن أخذ صفات الله عز وجل؟ A تؤخذ صفات الله عز وجل أولاً: من أسمائه، وثانياً: من كلام الله عز وجل، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم الذي فيه بيان لصفاته أو أفعاله، فإن الأفعال جزء من الصفات.

الفرق بين الصفات الذاتية والفعلية

الفرق بين الصفات الذاتية والفعلية Q ما الفرق بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية؟ A الصفات الذاتية غير متعلقة بمشيئة الله عز وجل، وإنما لم يزل متصفاً بها دائماً، وأما الفعلية، فهي المتعلقة بمشيئة الله عز وجل، وقد يعبر عنها العلماء فيقولون: الصفات الذاتية هي التي لا تنفك عن الله عز وجل، والصفات الفعلية ما تعلقت بمشيئة الله تعالى.

حكم ترتيب الطلاب في صفوف الصلاة بحسب ترتيب صفوف الدراسة

حكم ترتيب الطلاب في صفوف الصلاة بحسب ترتيب صفوف الدراسة Q مدرس يقول: بأنهم يرتبون الفصول الدراسية على الصفوف الأولى في الصلاة، فمثلاً الصف الثالث في المقدمة، والصف الثاني يليه وهكذا، يقول: هل في هذا حرج؟ A إذا كان في هذا ضبط للطلاب فليس فيه حرج، لكن الأفضل هو حث الطلاب على الصف الأول، ثم إذا أردتم إقامة الصلاة ترتبون البقية الباقية غير المنظمة بالطريقة التي ترونها، لكن تربيتهم على الاهتمام بالصف الأول أفضل وأحسن، وأقوم في تربيتهم. هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

العقيدة الواسطية [4]

العقيدة الواسطية [4] أثنى الله تعالى على نفسه في كتابه الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلا, ومن جملة ذلك وصفه تعالى لنفسه في آية سورة الحديد بكونه الأول والآخر والظاهر والباطن, وكل ذلك مما يدل على صفات كماله ونعوت جماله, كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم وبينه, ومن جملته وصفه تعالى نفسه بصفة العلم الشامل لكل شيء, وما تضمنته هذه الآية العظيمة هو ما يعتقده أهل السنة خلافًا للمنحرفين من الفلاسفة ونحوهم.

ما تضمنه قوله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن) من صفات الله عز وجل

ما تضمنه قوله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن) من صفات الله عز وجل الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد: يقول الله تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3]. هذه الآية تشتمل على خمس صفات: الصفة الأولى: الأولية، الصفة الثانية: الآخرية، الصفة الثالثة: الظاهرية، الصفة الرابعة: الباطنية، الصفة الخامسة: العلم.

معنى اسم الله تعالى (الأول) وما يؤخذ منه من الصفات

معنى اسم الله تعالى (الأول) وما يؤخذ منه من الصفات قوله تعالى: ((هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ))، هذه من أسماء الله سبحانه وتعالى، وأحسن تفسير لها هو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم أنه قال: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء). فهذا الحديث مفسر للآية، فاسم الله عز وجل الأول يؤخذ منه صفة الأولية، وقد سبق أن قررنا قاعدة مشهورة عند أهل العلم وهي: أن كل اسم من أسماء الله عز وجل متضمن لصفة من الصفات. والدليل هو: قول الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]، ووجه الدلالة من هذه الآية على أن كل اسم من أسماء الله مشتمل على صفة: أن الحسنى هي البالغة الغاية في الحسن، ولا يمكن أن تبلغ الغاية في الحسن إلا إذا كان لها معان حسنة ومدلولات عظيمة، فلو كانت أسماء مجردة لا معاني لها، وأعلاماً محضة؛ فإنها لا تكون حسنة ولا توصف بالحسن، فلما وصفت بالحسن علمنا أن هذه الأسماء تتضمن معان وصفات، فإذا جئنا نطبقها على آية الحديد: ((هُوَ الأَوَّلُ)) نأخذ من اسمه الأول صفة الأولية، ومعناه كما فسره الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء) ففسره بأنه الذي لا شيء قبله، ومعنى الأول: الذي لا يوجد له بداية يبتدئ منها.

خطأ أهل الكلام في تسمية الله عز وجل بالقديم

خطأ أهل الكلام في تسمية الله عز وجل بالقديم وأهل الكلام جعلوا لله عز وجل اسماً وهو القديم، وهذا الاسم الذي يرددونه دائماً: القديم والأزلي لا يصح أن يكون اسماً لله سبحانه وتعالى؛ لأن القِدم نوعان: قدم مطلق وقدم نسبي، فالقدم المطلق هو الذي ليس له بداية، وهذا هو معنى الأول، وأما القدم النسبي فإنه الذي مضى عليه زمن طويل في القدم، ولهذا يقول الله عز وجل: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس:39] يعني: من طول المكث وطول الزمان. وهناك قاعدة ذكرها ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد: أن الصفة التي تنقسم إلى معنيين أحدهما حسن والآخر غير حسن فإنه لا يصح أن تطلق على الله عز وجل، ولهذا لا يصح أن يسمى الله عز وجل بالقديم، وإن كان يصح أن يخبر عنه بالقديم والأزلي، وسبق أن باب أسماء الله عز وجل وصفاته توقيفي، وأما باب الإخبار عنه فإنه يصح بكل معنى صحيح عن الله سبحانه وتعالى، بشرط أن يكون هذا المعنى قد دلت عليه الأدلة. إذاً: الأول هو الذي ليس قبله شيء، وليس له بداية سبحانه وتعالى.

معنى أسماء الله: الآخر والظاهر والباطن

معنى أسماء الله: الآخر والظاهر والباطن ((وَالآخِرُ)) هو الذي ليس بعده شيء، وليست له نهاية هذا من جهة الزمان. قوله: (وأنت الظاهر فليس فوقك شيء)، وهذا يدل على صفة العلو، وسيأتي الحديث عن صفة العلو في حديث مستقل. (وأنت الباطن فليس دونك شيء)، ومعنى الباطن: القريب من كل شيء في علمه وقدرته سبحانه وتعالى، وسيأتي أيضاً الكلام بإذن الله تعالى عن صفة القرب لله سبحانه وتعالى. ونلاحظ أن هذه الأسماء الأربعة زمانية ومكانية، فأما الزمانية فهي: الأول والآخر، وأما المكانية فهي: الظاهر والباطن.

ضلال الفلاسفة ومن وافقهم في قولهم بقدم العالم

ضلال الفلاسفة ومن وافقهم في قولهم بقدم العالم لا توجد طائفة من الطوائف تنكر أن الله عز وجل هو الأول، لكن يوجد من الطوائف من يجعل مع الله سبحانه وتعالى من مخلوقاته قريناً له في الأولية، فيشرك في هذه الصفة، وهم الفلاسفة -قبحهم الله- الذين يقولون بقدم العالم، فإنهم يقولون: إن الإله علة موجبة تقتضي معلوله، فلما كان الإله لا أول له ولا بداية، وهو علة موجبة تقتضي معلولها، كان معلولها أيضاً لا بداية له، فاعتقدوا أن هذا الخلق قديم أزلي أول، كما أن الله عز وجل هو الأول، ويقولون: إنها نتجت عن الله عز وجل وصدرت عنه صدور المعلول عن علته بدون إرادة، ولهذا كفرهم السلف رضوان الله عليهم. وممن يقول بهذا القول: ابن سينا -قبحه الله- وهو من الفلاسفة، فإن الفلاسفة ينقسمون إلى قسمين: الفلاسفة اليونانيون، والفلاسفة الإسلاميون، وهم ليسوا بمسلمين، لكن ينسبونهم إلى الإسلام؛ لأنهم ينتسبون إليه. فالفلاسفة اليونانيون هم أرسطو وأفلاطون وبعضهم من الأطباء مثل أبقراط وجالينوس وغيرهم من الفلاسفة المتقدمين، وقد تكلموا عن شيء سموه الميتافيزيقيا، وهو ما وراء الطبيعة. والفلاسفة كانوا يتكلمون عن الكون والإله بالظن، وليس عندهم أدلة من الرسل الكرام، ولذا فإن الفلاسفة لم يتبعوا نبياً من الأنبياء، وإنما أرادوا التوصل إلى الإله بمجرد عقولهم، فاخترعوا هذه المقولات التي من ضمنها أن هذا العالم قديم قدم الإله الذي صدر عنه، وهذا كفر بالله رب العالمين؛ لأن الأولية المطلقة هي لله سبحانه وتعالى. ثم إنهم جعلوا في العالم نفس خصائص الإله، وهذا شرك بكل الاعتبارات شرك في الربوبية، وشرك في الألوهية، وشرك في الأسماء والصفات، ولهذا قابلهم المشتغلون بعلم الكلام فقالوا: إن الحوادث لها أول، ويقصدون بالحوادث: المخلوقات التي حدثت بعد أن لم تكن موجودة، فقالوا: إن لها بداية ولها منشأ، وقالوا: إن الله عز وجل قبل أن يخلق هذه المخلوقات كان معطلاً عن العمل ثم عمل، فجاءوا ببدعة جديدة، وهكذا أهل البدعة يردون البدعة ببدعة مثلها. لما ظهرت الخوارج وكفروا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن سار على نهجهم ظهر الإرجاء كرد فعل للخوارج، وهكذا لما ظهرت القدرية الذين يمحون القدر جاءت الجبرية كرد فعل لهم فجعلوا العبد كالريشة في مهب الريح. ولما ظهرت المعطلة الذين ينفون الصفات ظهر من المثبتة من يشبه الله عز وجل بخلقه، وهكذا أهل البدع يبنون عقائدهم على ردود الأفعال، ولا يميزون العقائد بالنصوص الشرعية كما هي طريقة أهل السنة والاتباع. أقول: لما جاء الفلاسفة بهذه المقالة الكفرية، وهي: أن العالم أول مع الله عز وجل، وأنه قديم مع الله عز وجل؛ ظهر أهل الكلام كرد فعل للفلاسفة، وقالوا: إن الحوادث لها أول، فلما قيل: إذا كانت الحوادث لها أول هل الله عز وجل كان يعمل قبل هذه الحوادث؟ قالوا: ما كان يعمل قبل هذه الحوادث، وهو معطل عن الفعل والعياذ بالله، وهذا لا شك أنه ضلال وانحراف. والصحيح: أن الله سبحانه وتعالى هو الأول ليس له بداية، وهو فعال لما يريد، فهو سبحانه وتعالى ليست له بداية، وهو يخلق سبحانه وتعالى في أي وقت، ولم تتعطل صفاته كما يزعم أهل الكلام. ولا يعني هذا أن العالم قديم؛ لأنه مخلوق، ولا يمكن للمخلوق أن يكون مثل الخالق، وأولئك سووا بين المخلوق والخالق، فلاشك أنهم كفار. وقد أطال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في شرح هذه القضية في منهاج السنة النبوية.

الفرق بين آخرية الله وآخرية الجنة وأهلها

الفرق بين آخرية الله وآخرية الجنة وأهلها (وهو الآخر فليس بعده شيء)، ومع أن الجنة والنار تبقيان ولا تفنيان، ومع أن العباد في الجنة يبقون ولا يفنون، لكن آخرية الرب سبحانه وتعالى تختلف عن آخرية الجنة، وآخرية العباد الذين فيها. ووجه الاختلاف: أولاً: أن الله سبحانه وتعالى هو الآخر، وهو كامل في آخريته، وأما الجنة ومن في الجنة فإن آخريتهم مخلوقة بفعل الله عز وجل، وأنتم تعلمون أن هناك فرقاً بين الخالق والمخلوق. هذا من جهة. ومن جهة أخرى: فإن آخريتهم ناقصة بما يتضمنه المخلوق من النقص المعتاد المعروف، فإنه ناقص حتى ولو كان ليس له نهاية كما هو حال الجنة وحال من فيها. وبهذا يتضح أن الله عز وجل ليس كمثله شيء، وأنه الأول ولا بداية له، وأنه الآخر ولا نهاية له سبحانه وتعالى، وهذا من كماله سبحانه وتعالى، ومن كمال صفاته.

إثبات صفة العلم وبيان أدلتها وما يتعلق بها

إثبات صفة العلم وبيان أدلتها وما يتعلق بها أما قوله: ((وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ))، فهذه هي صفة العلم، وقد ذكر الشيخ مجموعة من الآيات تدل على هذه الصفة، منها قوله: {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم:2]، ومنها: قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [سبأ:2]، ومنها: قوله: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]، ومنها قوله تعالى: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فاطر:11]، وأيضاً قوله تعالى: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق:12]. فهذه الآيات وغيرها الكثير في القرآن الكريم تدل على صفة العلم لله سبحانه وتعالى، والله عز وجل اسمه العليم، والعالم، والعلام. والعليم ورد في القرآن أكثر من مائة وخمسين مرة، وأسماؤه: العليم والعالم والعلام تتضمن صفة العلم له سبحانه وتعالى.

الأدلة العقلية على إثبات صفة العلم

الأدلة العقلية على إثبات صفة العلم ويدل على صفة العلم العقل والشرع، وقد بين الشرع كيفية الاستدلال العقلي على هذه الصفة العظيمة، وهي صفة ذاتية عقلية لا تنفك عن الله عز وجل، وليست متعلقة بالمشيئة، وعقلية لدلالة العقل عليها، وقد بين الشرع كيفية الاستدلال العقلي عليها. مثال ذلك: قول الله عز وجل: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]، فهذه الآية تدل دلالة عقلية على أن الله سبحانه وتعالى عليم، ووجه الدلالة من هذه الآية هو أن الله عز وجل خلق الخلق، وهذا أمر متفق عليه، ولا يمكن أبداً أن يخلق الخلق إلا بعلم؛ لأن الخلق تقدير وترتيب للمخلوقات وترتيب لأجزاء المخلوق، ولا يمكن أن يكون هذا إلا عن علم. ولهذا لو قيل: إن إنساناً صنع سيارة وهو لا يعرفها، أو ليس له علم بها، أو وهو جاهل لا يعرف شيئاً. لما صُدَّق هذا، فكيف يركب السيارة وينظمها ويجعلها بهذه الطريقة وهو لا يعلم شيئاً؟ فلهذا المخلوقات الموجودة في الكون دليل واضح على علم الله عز وجل. ومن جهة أخرى: فإن الخلق لا يكون إلا عن إرادة، والإرادة مستلزمة للعلم؛ لأنه لا يريد الخلق إلا عالم به. ومن هنا يتضح أن الشرع استعمل أدلة عقلية صحيحة ليس فيها شيء من اللوازم الباطلة، أو العقائد الفاسدة، كما هي أدلة المشتغلين بعلم الكلام؛ فإن المشتغلين بعلم الكلام استدلوا بأدلة غير الأدلة القرآنية، ولهذا لما استدلوا بها ألزمهم الخصوم بلوازم؛ فلما التزموها أضرت بالعقيدة إضراراً كبيراً، وصار منها نفي الصفات الفعلية، وصار منها القول بفناء الجنة والنار. إذاً: الشرع استخدم الدليل العقلي على هذه الصفة، وهذه الصفة واضحة ليست بحاجة إلى استدلال، فلا يمكن أن يكون إلهاً ورباً وخالقاً ومدبراً إلا وهو عالم. وقد سبق أن من المناهج الشرعية في الاستدلال العقلي: الاستدلال بنقيض الشيء، ونقيض العلم هو الجهل، ولا يمكن أن يوصف الإله بأنه جاهل، ولهذا لما ناقش بعض العلماء بشر المريسي وقالوا له: هل تثبت العلم؟ قال: أقول لا يجهل. قالوا له: إما أن تثبت العلم وإما أن تنفيه. وأهل البدع يعظمون النفي، مع أن المنهج الشرعي الإثبات المفصل لأسماء الله عز وجل وصفاته، والنفي المجمل المتضمن لكمال الضد.

الأدلة السمعية على إثبات صفة العلم

الأدلة السمعية على إثبات صفة العلم والأدلة النقلية الشرعية على صفة العلم ثلاثة أنواع: النوع الأول: ما يدل على علم الله عز وجل الشامل الواسع لكل شيء. من أمثلة هذا النوع: قول الله عز وجل: {وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه:98]، فهذا يشمل الماضي والمستقبل، ويشمل أفعال العباد ومفعولاتهم، ويشمل جميع المخلوقات، عالم الغيب والشهادة. وكذلك من الأمثلة: قول الله عز وجل: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فاطر:11]، وهذه في الدلالة على العلم أصرح، كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في شرحه على صحيح البخاري في كتاب التوحيد، وهو آخر كتاب من كتب صحيح البخاري، لما جاء عند هذه الآية: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فاطر:11]، قال: هذه أصرح في الدلالة على علم الله عز وجل من الآية التي قبلها؛ وذلك لوجود النفي والإثبات فيها، وهو يدل على الاختصاص، كما سبق أن أشرنا أن النفي والإثبات يدل على الاختصاص. ومما يدل على هذا النوع أيضاً: قول الله عز وجل: {وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق:12]، فعلم الله عز وجل محيط بكل شيء لا يخفى عليه خافية سبحانه وتعالى. يلاحظ في قول الله عز وجل: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]، أن هذه الأشياء جميعاً من مخلوقات الله، ومن الطبيعي أن الخالق يعلم تفصيلات مخلوقاته. النوع الثاني: ما يدل على علمه بما سيكون قبل أن يكون. هناك أدلة تدل على أن الله عز وجل يعلم الشيء قبل أن يكون، ولهذا من قواعد أهل السنة: أن الله عز وجل يعلم ما كان وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون. يعني: حتى المستحيل يعلمه الله سبحانه وتعالى. يقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان:34]، وكذلك أفعال العباد، ومن منهم يدخل الجنة، ومن منهم يدخل النار، وجميع ذلك في علم الله عز وجل. جاء في صحيح البخاري ومسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه: (أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! الله يعلم أهل الجنة من أهل النار؟ قال: نعم. قال: ففيم يعمل العاملون؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل ميسر لما خلق له). وهذا من الأمور المستقبلية، وهو يعلم أفعال العباد على التفصيل سبحانه وتعالى، وهذه من الأمور المستقبلية. النوع الثالث: ما يدل على علمه بالشيء بعد وجوده. مثال ذلك: قول الله عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:31]، وهذا يدل على أن الله عز وجل يعلم الشيء بعد وجوده بعلم ثان غير العلم الأول.

الفرق بين علم الله بالأشياء قبل وجودها وعلمه بها بعد وجودها

الفرق بين علم الله بالأشياء قبل وجودها وعلمه بها بعد وجودها علم الله سبحانه وتعالى للأشياء يكون قبل وجودها وبعد وجودها؛ فهل علمه بالأشياء بعد وجودها هو نفسه علمه بالأشياء قبل وجودها، أم أنهما علمان اثنان؟ الحق في هذه المسألة هو: أن الله عز وجل يعلم الشيء قبل وقوعه، وهو يعلمه على حقيقته تماماً، فإذا وقع علمه بعلم ثان؛ لأنه رآه أو سمعه سبحانه وتعالى كما قال: {حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:31]، فالله عز وجل يعلم الشيء قبل أن يكون، ثم يعلمه بعد ذلك بعلم ثان، ويمكن أن نذكر عبارة لـ شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه الرد على المنطقيين، يقول رحمه الله تعالى: [وقد ذكر الله علمه بما سيكون بعد أن يكون في بضعة عشر موضعاً في القرآن، مع إخباره في مواضع أكثر من ذلك أنه يعلم ما يكون قبل أن يكون، وقد أخبر في القرآن من المستقبلات التي لم تكن بعد ما شاء الله، بل أخبر بذلك نبيه صلى الله عليه وسلم وغير نبيه {لا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة:255]، بل هو سبحانه يعلم ما كان وما يكون، وما لو كان كيف يكون، كقوله: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام:28]، فهم لم يردوا، ومع هذا علم أنهم لو ردوا لعادوا. بل وقد يعلم بعض عباده بما شاء أن يعلمه من هذا وهذا وهذا {لا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة:255]، قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة:143]، وقال: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:142]، وقال: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} [آل عمران:140] مع أنه يعرفهم قبل حدوث المعركة، ولكن قوله: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} [آل عمران:140] يعني وجود الفعل بعد ذلك. وقوله: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:166] مع أنه يعلم المؤمنين قبل التقاء الجمعين {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا} [آل عمران:167] مع أنه يعلمهم قبل التقاء الجمعين، وقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً} [التوبة:16]، وقوله: {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} [الكهف:12]، وقوله: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:3] مع أنه يعلم الصادقين من الكاذبين قبل هذه الفتنة التي قال تعالى عنها: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [العنكبوت:3] إلى قوله: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} [العنكبوت:11]، وقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [محمد:31] هو يعلم المجاهدين والصابرين قبل الابتلاء، ومع ذلك قال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:31]، وغير ذلك من المواضع. وروي عن ابن عباس في قوله: إلا لنعلم. أي: لنرى، وروي: لنميز، وهكذا قال عامة المفسرين: إلا لنرى ونميز، وكذلك قال جماعة من أهل العلم قالوا: لنعلمه موجوداً واقعاً بعد أن كان قد علم أنه سيكون]. وهذا يوضح هذه القضية: أن علم الله عز وجل بالشيء قبل أن يكون وهو معدوم، غير علمه بالشيء بعد أن يكون وهو موجود. ولهذا يقول: وكذلك قال جماعة من أهل العلم: لنعلمه موجوداً واقعاً بعد أن كان قد علم أنه سيكون. ولفظ بعضهم قال: العلم على منزلتين: علم بالشيء قبل وجوده، وعلم به بعد وجوده، والحكم للعلم به بعد وجوده؛ لأنه يوجب الثواب والعقاب. فمثلاً: يعلم الله عز وجل أن فلان بن فلان سيعصي الله عز وجل، ثم يموت على معصية الله، ثم يدخله النار، هذا العلم قبل أن يوجد، فإذا وجد العبد، وفعل الفعل، ومات عليه؛ علمه أيضاً بعد وجوده، فالعلم الأول قبل وجوده والعلم الثاني بعد وجوده، والثواب والعقاب يترتب على الشيء بعد الوجود وليس قبل الوج

شمولية علم الله تعالى

شمولية علم الله تعالى علم الله سبحانه وتعالى شامل وعام للأشياء جميعاً، فهو سبحانه وتعالى يعلم كل شيء بما في ذلك أفعال العباد، ولهذا كان الإيمان بالعلم من مراتب القدر، فإن للقدر أربع مراتب: الأولى: إثبات علم الله عز وجل الشامل بكل شيء، ومن ذلك أفعال العباد. المرتبة الثانية: كتابة ذلك في اللوح المحفوظ. الثالثة: مشيئة الله عز وجل وإرادته العامة. الرابعة: الخلق العام لكل شيء بما في ذلك أفعال العباد، فعلمه سبحانه وتعالى شامل لكل شيء. هذا من مراتب الإيمان بالقدر؛ لأن من الضالين في باب العلم القدرية الذين نفوا علم الله سبحانه وتعالى بالأشياء. ولهذا يقول الشافعي رحمه الله وغير واحد من السلف: ناظروا القدرية بالعلم؛ فإن أجابوا -يعني: أقروا بالعلم- خصموا، وإن أنكروا كفروا. إن أجابوا وقالوا: نعم، الله عز وجل عالم بكل شيء قبل أن يكون خصموا؛ لأنه مادام أنه عالم بكل شيء، فقد كتب هذا العلم، وليس في الكتابة زيادة، إنما هي مقتضى علمه سبحانه وتعالى، وهو خلق ما علم سبحانه وتعالى، ولم يجبر أحداً على ذلك، فقالوا: خاصموهم بالعلم فإن أجابوا خصموا، وإن أنكروا كفروا. فعلم الله إذاً شامل لكل شيء بما في ذلك أفعال العباد، فالله عز وجل يعلم قبل أن يوجد أي شيء من مخلوقاته؛ فإنه سبحانه وتعالى لا يغيب عنه شيء، ويعلم كل شيء مهما دق وصغر، أو مهما عظم وكبر، أو مهما خفي؛ فالله عز وجل علمه واسع لكل شيء، بكل ما لكلمة (كل) من أفراد، فليس هناك شيء لا يعلمه الله عز وجل أبداً، فهو يعلمه قبل أن يوجده سبحانه وتعالى، فلما أوجده علمه أيضاً، بمعنى: أوجده وقد علمه بهذا الوجود.

الطوائف المنحرفة في صفة العلم

الطوائف المنحرفة في صفة العلم وهناك طائفة من الطوائف منحرفة في هذا الباب، مع أن صفة علم الله عز وجل من أوضح الصفات الشرعية التي أخبر عنها القرآن الكريم ومنهم الفلاسفة، مثل: ابن سينا الذي يقول: إن الله عز وجل لا يعلم الجزئيات وإنما يعلم الكليات، فهو يعلم أن هناك إنساناً، لكن أفراد الإنسان فلان وفلان وفلان وفلان لا يعرفها، ويعلم أن هناك حيواناً، لكن أفرادها وأنواعها لا يعرفها. ويقولون: يعلم أن هناك مخلوقات لكن أفراد المخلوقات لا يعرفها، ويقولون: يعرف الأشياء الكلية العامة لكن الأفراد والجزئيات لا يعلمها، وقد كفرهم العلماء بذلك. وكفرهم أبو حامد الغزالي في كتاب تهافت الفلاسفة بثلاثة أشياء: أولاً: بهذه المقالة التي سبقت، وهي: إنكار علم الله عز وجل بالجزئيات، فقالوا: إن الله عز وجل لا يعلم الجزئيات، وإنما يعلم الكليات، فهم كفار بهذا السبب. ثانياً: إنكار المعاد الجسماني، فهم يقولون: إن الناس لا يبعثون يوم القيامة بأجسامهم، وإنما يكون العذاب على أرواحهم فقط، وينكرون أن الجسد إذا تحلل يعود مرة أخرى، فهم مثل كفار قريش. ثالثاً: قولهم إن النبوة تكتسب، يعني: يمكن للإنسان أن يكتسبها بالتمرين والرياضة الروحية، فيعتقدون أن الشخص لو روض نفسه على عزائم الأمور، ومعالي الأشياء لأمكنه أن يصير نبياً، وأن النبوة مثل الأخلاق التي عند الناس، عندما يدرب نفسه على الصدق وكظم الغيظ أو نحو ذلك. هذا لا شك أنه كفر مخرج عن الملة. ورد على الغزالي أحد الفلاسفة وهو ابن رشد في كتاب سماه تهافت التهافت، وكلام ابن رشد في تهافت التهافت باطل. الطائفة الثانية المنحرفة في علم الله عز وجل: الرافضة: فإن الرافضة من أعجب الطوائف، فعندهم غرائب؛ فمن ذلك: أن الشيعة الرافضة يعتقدون أن أسماء الله عز وجل وصفاته هي أئمتهم، فمثلاً: يروي الكليني في أصول الكافي عن علي كرم الله وجهه أنه قال: أنا الأول والآخر والظاهر والباطن، وأنا وجه الله، وعلم الله وإرادة الله. وهم يكذبون في هذا على علي بن أبي طالب. وكذلك يروون عن أبي عبد الله جعفر الصادق -وهم يكذبون عليه أيضاً- بعض هذا، وهذه من غرائب البدع أنهم يعتبرون صفات الله عز وجل هي أئمتهم، وهذا موجود في أصول الكافي وبحار الأنوار للمجلسي. وأنتم تعلمون أن الرافضة من أضل الطوائف عن سواء السبيل. الطائفة الثالثة: القدرية الأوائل فهم ينكرون علم الله عز وجل بأفعال العباد، ويقولون: إن الله عز وجل لا يعلم أفعال العباد قبل أن يفعلوها، فإذا فعلوها علمها، أما قبل أن يفعلوها فهو لا يعلمها، ولا يدري ماذا سيعملون. ومن هؤلاء: معبد الجهني، فقد جاء في قصة حديث جبريل الطويل: أن يحيى بن يعمر انطلق هو وحميد بن عبد الرحمن حاجين إلى مكة فقالا: لعلنا نلقى بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنسأله عن هؤلاء -يعني: عن القدرية الذين ظهروا في البصرة- فلقوا عبد الله بن عمر فاكتنفاه، فسأل يحيى بن يعمر وقال: إنه ظهر عندنا قوم ينتسبون إلى العلم، ويقولون إن الأمر أنف -يعني: أفعال العباد التي يترتب عليها الثواب والعقاب مستأنفة لا يعلمها الله عز وجل- فغضب عبد الله بن عمر وقال: أخبروا من لقيتموه بأنني منهم بريء وأنهم مني برآء حتى يؤمنوا بالقدر، فإن أحدهم لو أنفق مثل أحد ذهباً لا يقبله الله منه حتى يؤمن بالقدر. ثم ذكر لهم حديث جبريل عندما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان وأشراط الساعة. وهذا يدل على تكفير ابن عمر رضي الله عنه لهؤلاء القدرية الغلاة، وهكذا كفرهم الأئمة كـ الشافعي وأحمد وغيرهم من العلماء. وهذه الطائفة انقرضت كما صرح بذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري؛ فإنه عند شرحه لحديث جبريل عندما ذكر القدر، وذكر الطائفة التي أنكرت علم الله عز وجل، نص على أنها انقرضت وانتهت قبل زمن الحافظ رحمه الله تعالى، ولم يبق من القدرية إلا المعتزلة الذين سيأتي الحديث عنهم عند حديثنا عن القدر. الطائفة الرابعة: المعتزلة: فإن المعتزلة لا يثبتون صفة العلم، بل يقولون: إن الله عالم، فإذا قيل لهم: عالم بعلم؟ قالوا: لا عالم بلا علم، أو يقولون: عالم بعلم هو ذاته. وهذا هو أصلهم في نفي صفات الله عز وجل جميعاً، وإثباتهم لأسماء الله عز وجل على أنها أعلاماً محضة لا صفات فيها. الطائفة الخامسة والسادسة: الأشاعرة والماتريدية، مع أن هذه الصفة في الظاهر مما يثبتها الأشاعرة، فهم يدندنون على أنهم يثبتون سبع صفات يسمونها صفات المعاني، وهي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والكلام، والسمع، والبصر. وعند التحقيق فهم لا يثبتون إلا أسماء هذه الصفات، وأما حقائقها ومفهومه

الآثار التربوية والسلوكية لأسماء الله عز وجل وصفاته

الآثار التربوية والسلوكية لأسماء الله عز وجل وصفاته لكل صفة من صفات الله عز وجل آثار تربوية وسلوكية على أخلاق الإنسان وآدابه، ويستطيع الإنسان أن يربي نفسه من خلال هذه الصفة. فمثلاً عندما يؤمن الإنسان بأن الله عز وجل عليم، وعندما يتمكن هذا الإيمان من قلبه؛ فإنه سيورث في قلبه مقام المراقبة، وهو مقام عظيم جداً من مقامات الإيمان، فإذا علم العبد أن الله عز وجل يعلم أفعاله، وأنه عليم بذات الصدور، وأنه يعلم السر وأخفى، وأنه يعلم كل شيء؛ فإنه يعلم أنه مهما استتر بمعصيته فإن الله عز وجل يراه، ومطلع عليه. والواجب أن يستحي الإنسان من ربه، فالله عز وجل عظيم وكبير سبحانه وتعالى، ولو أراد أن يذهب العباد بكلمة واحدة لأذهبهم جميعاً. ولهذا ينبغي على الإنسان أن يأخذ من صفات الله عز وجل آثاراً تربوية يستفيد منها لنفسه وفي أخلاقه وآدابه. وقد سبق أن منهج دراسة العقيدة على نوعين: الأول: منهج تصحيح الاعتقاد، وهو تصفيته من شوائب البدع وشوائب الانحرافات الفكرية، والإيمان بالله تعالى كما آمن به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. والثاني: منهج تعميق العقيدة في النفوس، وذلك بالاستفادة من موضوعات العقائد في الأخلاق والآداب والصفات والدعوة إلى الله عز وجل ونحو ذلك. فمن فوائد الإيمان بأن الله عز وجل عليم: أن يعلم الإنسان أن الله عز وجل مطلع على فعل الفساق والفجار والكفار، وما يقومون به من إيذاء للمؤمنين، ويعلم العبد أن الله عز وجل مطلع عليه، وأنه غير مهمل له، وأنه سبحانه وتعالى يراه، وأنه يرى فعله من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومجاهدة مثل هؤلاء، والدعوة إلى الله عز وجل؛ فإيمانه بهذه الصفة يبعثه على النشاط في الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعبادة لله عز وجل، ولهذا فإن للإيمان بصفات الله عز وجل آثار عظيمة جداً في النفوس. وقد سبق أن أشرت إلى قصة لقيط بن صبرة لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره. فقال لقيط: يا رسول الله! أو يضحك الرب؟ -ما كان يعلم أنه يضحك- قال: نعم. قال: لن نعدم من رب يضحك خيراً)، يعني: الخير لن نعدمه من الرب الذي يضحك، وسيرحمنا وسيعطينا الخير. هذا مسلك تربوي أخلاقي من هذه الصفة العظيمة وهي صفة الضحك. أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح.

الأسئلة

الأسئلة

الفرق بين علم الله قبل وقوع الشيء وبعد وقوعه

الفرق بين علم الله قبل وقوع الشيء وبعد وقوعه Q ما الفرق بين علم الله قبل وقوع الشيء وبعد وقوعه؟ A معناهما وموضوعهما واحد، ولكن العلم بالشيء قبل وقوعه يعني أنه يعلمه وهو معدوم، وعلمه بالشيء بعد وقوعه يعني أنه يعلمه وهو موجود، وهناك فرق بين المعدوم والموجود، وبالتالي يكون هناك فرق بين علمه بالشيء وهو معدوم وبين علمه بالشيء وهو موجود، هذا هو الفرق. أما الغيب والشهادة فهما مصطلح شرعي يراد به الغيب عن العباد، ويقسمونه إلى غيب مطلق وغيب نسبي، فالغيب الشرعي بالنسبة لله عز وجل شهادة، فلا يصح استخدام مثل هذا المصطلح، لكن يقال: علمه بالشيء قبل وقوعه وعلمه بالشيء بعد وقوعه. وسبق ذكر الأدلة من كتاب الرد على المنطقيين. وبعض الأحيان لا يكون هناك ثواب وعقاب متعلق بأفعال العباد، مثلاً: زلزال سيحصل لأمة من الأمم، قبل الزلزال يعلم الله عز وجل أنه سيحصل، وبعد أن يحصل يعلم أنه حصل. هذا هو الفرق. والحاجة التي دعت للكلام في هذا الموضوع هو ورود بعض الآيات التي استدل بها الفلاسفة استدلالاً باطلاً ووجهها الأشاعرة توجيهاً باطلاً، فاحتجنا للحديث عنها فقط، وإلا فإن المسألة واضحة أن علم الله عز وجل شامل للشيء قبل وقوعه وبعد وقوعه، لكن احتجنا لهذا التمييز وهذا التفريق لوجود منحرفين فيه، وإلا فمن المعلوم عندنا جميعاً أن علم الله شامل للأشياء قبل أن توجد وبعد أن توجد، والأشياء التي لم توجد لو جدت كيف يكون حالها، مثل قول الله عز وجل: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا} [الأنعام:28]، لن يردوا أصلاً، لكن لو ردوا لعادوا، فالمفترض يعلمه الله عز وجل. ونحن أشرنا لهذه المسألة لوجود من وجَّه هذه المسائل توجيهاً باطلاً، مثل الأشاعرة الذين يقولون: إن علم الله عز وجل واحد قديم ليس له تعلق بالمخلوقات، وإن كانت المخلوقات تتغير في ذاتها، فالتغير يكون في المخلوقات ولا تعلق لها بعلم الله عز وجل، وأصله ناشئ عن شبهة عقلية انحرفوا بها في أكثر من صفة وليس في مجرد صفة علم الله عز وجل، فهم انحرفوا في جميع الصفات الفعلية.

الفرق بين القديم والأزلي

الفرق بين القديم والأزلي Q ما الفرق بين قولنا قديم وأزلي؟ A متقاربان في المعنى.

معنى دلالة الاسم على معناه بالمطابقة وعلى الذات بالتضمن وعلى الصفة الأخرى بالالتزام

معنى دلالة الاسم على معناه بالمطابقة وعلى الذات بالتضمن وعلى الصفة الأخرى بالالتزام Q ما معنى قول العلماء: للاسم من أسمائه تعالى ثلاث دلالات: دلالة بالمطابقة، ودلالة على الذات بالتضمن، وعلى الصفة الأخرى بالالتزام، مع المثال؟ A نأخذ المثال في اسم الله عز وجل العليم؛ فإن العليم يدل على اسمه العليم، وهذه هي دلالة المطابقة، ويدل على ذاته الموصوفة بالعلم بدلالة التضمن، وهو فرد من أفراد المطابقة، وعلى الصفة الأخرى وهي الحياة بالالتزام، فإنه لا يمكن أن يكون عليماً وهو غير حي، والالتزام خارج المسألة نفسها، لكن يلزم منها عندما أثبتنا أنه عليم أنه حي؛ لأنه لا يمكن أن يكون العليم غير حي.

وجه الفرق بين آخرية الله تعالى وآخرية الجنة

وجه الفرق بين آخرية الله تعالى وآخرية الجنة Q هل يعني قولك: إن آخرية الجنة ليست كآخرية الله عز وجل أن الجنة لها آخرية ثم تنتهي؟ A لا، فهي لا تنتهي، لكن قد يقول قائل: ما هو الفرق إذا كانت آخرية الجنة لا تنتهي، والله عز وجل ليس له نهاية، فما هو الفرق؟ الفرق أن هذا خالق وهذا مخلوق، والفرق بين الخالق والمخلوق واضح، الخالق بصفاته الكاملة التامة، والمخلوق بصفات العجز والنقص الموجودة فيه.

شروح العقيدة الواسطية

شروح العقيدة الواسطية Q يريد الأخ أن أدله على كتاب في شرح العقيدة الواسطية؟ A هناك كتب كثيرة منها كتاب الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، وهناك أيضاً كتاب للشيخ صالح الفوزان شرح فيه العقيدة الواسطية، وكتاب للشيخ زيد بن فياض اسمه الروضة الندية، وأيضاً كتب أخرى سبق أن أشرت إليها.

وجوب العمل على العبد مع سبق كتابة السعادة والشقاوة

وجوب العمل على العبد مع سبق كتابة السعادة والشقاوة Q الإنسان إن كان قد قدر الله عز جل وكتب له أنه في الجنة أو في النار فلماذا العمل؟ A كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، لكن أنت الآن ما تعلم ماذا كتب لك، لعله كتب لك أن تكون سعيداً، فلماذا لا تعمل بالسعادة؟ اعمل بالسعادة، بعض الناس الذين يتركون العمل بالشرع ويحتجون بالقدر، يقول لك: احتمال أني مكتوب شقي، وكيف تعلم؟ كيف علمت ذلك؟ قال: لأني أنا الآن أمارس المحرمات. هل أنت تمارسها عن رغبة، أم مجبور عليها؟ يعني: هل تتصورون أحداً لا يريد المعصية وتأتيه الملائكة وتجره إليها جراً؟! فهو مختار. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

العقيدة الواسطية [5]

العقيدة الواسطية [5] من صفات الله تعالى العظيمة صفة الحكم الثابتة في كثير من نصوص الكتاب والسنة بمعنييها الكوني والشرعي, المتضمنة توحيد الله تعالى في الأحكام وإبطال حاكمية غيره, ويتصل بهذه الصفة صفة أخرى عظيمة هي صفة الحكمة في الخلق والإيجاد والتشريع, ودلائلها لا تحصى كثرة في آيات الله تعالى الكونية ونصوص الوحي, كما أن من صفاته تعالى صفتي السمع والبصر, اللتين دلت عليهما نصوص متواترة متوافرة.

آيات في إثبات صفات الله تعالى

آيات في إثبات صفات الله تعالى إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين. أما بعد: قال المصنف رحمه الله تعالى في ضمن سياقه للآيات: [وقوله تعالى: {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم:2]، وقوله: {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:18]]. ثم ساق جملة من الآيات في صفة العلم، ثم قال: [وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58]، وقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58]].

إثبات صفتي الحكمة والحكم

إثبات صفتي الحكمة والحكم هذه الأدلة التي ساقها الشيخ يؤخذ منها مجموعة من الصفات، أولاً: صفة الحكمة والحكم، فقوله: {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم:2] الحكيم اسم من أسماء الله تعالى، وهو يتضمن ثلاث صفات: الصفة الأولى: أنه الحاكم، وفعيل بلغة العرب تأتي بمعنى فاعل. والصفة الثانية: أنه المحكم لكل شيء، وأيضاً من المعروف أن فعيل في لغة العرب تأتي بمعنى مفعل. والصفة الثالثة: الحكمة، وهذا مأخوذ من اسمه الحكيم، وقد سبق أن الأسماء يؤخذ منها صفات لله سبحانه وتعالى. ويمكن أن نتحدث عن صفتين منها، الأولى: صفة الحكم، والصفة الثانية: صفة الحكمة، وأما صفة الإحكام فقد أشرنا إلى شيء منها عند حديثنا عن صفة العلم، وسيأتي مزيد الحديث عنها بإذن الله تعالى عند الحديث عن صفة الخلق لله سبحانه وتعالى.

أدلة صفة الحكم لله تعالى وأقسامها

أدلة صفة الحكم لله تعالى وأقسامها فأما صفة الحكم لله عز وجل فقد دلت عليها أدلة كثيرة، يقول الله عز وجل: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا} [الأنعام:114]، ويقول الله سبحانه وتعالى: {فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [الأعراف:87]. والحكم ينقسم إلى قسمين: وكذلك الحال في الإرادة والقضاء والأمر، جميع هذه المصطلحات الشرعية تنقسم إلى قسمين. فالحكم ينقسم إلى قسمين: حكم شرعي، وحكم كوني، ولهذا عندما يتحدث علماء أصول الفقه عن الأحكام الشرعية يقسمونها إلى قسمين: أحكام تكليفية، وأحكام وضعية، الأحكام الشرعية تأتي من الله سبحانه وتعالى، وهو سبحانه وتعالى الذي يشرع للناس الأحكام، ولا يمكن أن يشرع الله عز وجل شيئاً للناس إلا وفيه مصلحة وخير عظيم لهم. ويمثل هذا النوع -الحكم الشرعي- قول الله عز وجل: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف:40] فالحكم هنا هو شرع الله عز وجل ودينه، وما أمر الله عز وجل به من الأوامر الشرعية، وهذه الأوامر متعلقة بحياة الإنسان العملية، والاعتقادية، والسياسية، والمالية، وبالعلاقات الشخصية، كما قال الله عز وجل: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208]، ويقول الله عز وجل في سورة الممتحنة بعد أن ذكر جملة من الأحكام، قال: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} [الممتحنة:10]. فهذا هو القسم الأول من الحكم وهو الحكم الشرعي، والحكم الشرعي هنا موافق لما يحبه الله ويرضاه، والعباد قد يفعلون ما أمر الله عز وجل به وقد لا يفعلون، وهذا سيأتي الحديث عنه -إن شاء الله- مفصلاً في الكلام على القضاء والقدر. أما النوع الثاني من الحكم فهو: الحكم الكوني، يقول الله عز وجل عن أحد إخوة يوسف أنه قال: {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [يوسف:80]، ويقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة:1]. وهذا الحكم هنا موافق لصفة الخلق والإبداع ونحو ذلك.

آثار الإيمان بصفة الحكم لله تعالى

آثار الإيمان بصفة الحكم لله تعالى ولهذه الصفة -وهي أن الله عز وجل هو الحكم، وأنه سبحانه وتعالى يحكم ما يشاء، ويفعل ما يريد، وأن الحكم لله عز وجل- لها آثار عظيمة جداً متعلقة بالعبادة: فمن ذلك: أن الحكم لله عز وجل وحده لا شريك له، فلا يجوز للإنسان أن يشرك مع الله عز وجل حكماً آخر، ولهذا يقول الله عز وجل: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف:26]، الله عز وجل له الحكم، وهو الذي يشرع للناس، فلا يصح أن يشرك أحد مع الله عز وجل شريكاً في حكمه، والآية السابقة التي ذكرناها وهي قول الله عز وجل: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف:40] تدل على هذا المعنى، فإن العبادة حق خالص لله سبحانه وتعالى، فقد جاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما كان رديفاً للنبي صلى الله عليه وسلم على حمار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً). إذاً: إخلاص العبادة حق لله عز وجل، والحكم من العبادات، كما يدل على ذلك قول الله عز وجل: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف:40]، فهذا دليل على أن الحكم من هذه العبادات التي أمر الله عز وجل أن لا يشرك فيه معه أحد غيره. فالذين يظنون أن السياسة لا علاقة لها بالدين ظنهم باطل، فإن السياسة الشرعية نوع من أنواع العبادة لله عز وجل، وأما السياسة الباطلة فتارة تكون شركية، وتارة تكون معصية وفسوقاً، وتارة تكون بدعة إذا كانت مخالفة لشرع الله عز وجل، وكل بحسب ما يعمل الإنسان. ولهذا كان الدين جزءاً من أجزاء السياسة، وهي داخلة في عموم قول الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3]. فالذين يظنون من الدعاة إلى الله عز وجل أنه لا علاقة للدعوة بالسياسة، أو لا علاقة للدين بالسياسة فهؤلاء يظنون خطئاً، وأخطئوا خطئاً كبيراً جداً في فهمهم لحقيقة الدين، فإن الدين شامل لحياة الإنسان كلها، شامل لأمواله، لعلاقاته، لسياساته، لأموره العامة والخاصة، ولكل أوضاعه، وهذا هو معنى قول الله عز وجل: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] على أحد التفسيرين في الآية، وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة كل شيء حتى الخراءة، عندما يذهب الإنسان إلى الخلاء علمه صلى الله عليه وسلم ماذا يعمل؟ وكيف يفعل؟ وماذا يقول؟ ماذا يقول عند نومه؟ وماذا يقول إذا استيقظ؟ وعلم الإنسان كيف ينظف فاه بالسواك عندما يأتي إلى الصلاة، وشدد في ذلك صلى الله عليه وسلم حتى أنه قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة). هل تظنون أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّم الناس هذا الأمر وترك أمورهم العامة، وما معنى الغزوات إذاً التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وما معنى الجهاد في سبيل الله الذي شرعه الله عز وجل وحث عليه؟ وما معنى البراءة من المشركين ومعاداتهم؟ وما معنى أحكام الجزية واسترقاق الأسرى؟ ما معنى هذه الأحكام الشرعية الواضحة لو كان هذا الجانب ليس من دين الله عز وجل، لاشك أن أي إنسان يعرف أحكام الله عز وجل، وأن الله أمر بالحكم بالشريعة، وأمر بالجهاد في سبيل الله، وأمر بالإغلاظ على المشركين وقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة:73]، أي إنسان يدرك هذه الأشياء جميعاً يعلم أن الله عز وجل ما أهمل السياسة، وإنما بين فيها الأحكام، وبين فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحكام من قوله وفعله، وأمر الله عز وجل أن يكون الحكم له سبحانه وتعالى وحده لا شريك له. ومن أشمل ما صدر في هذا الموضوع كتاب الدكتور عبد الرحمن المحمود: الحكم بغير ما أنزل الله أحواله وأحكامه، وهو من أنفع الكتب وأنفسها وأجودها في جمع مسائل هذا الباب، وفي ترتيبها، وفي صحة الرأي فيها. ويقول الله عز وجل: {لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88]، والحصر يدل على الاختصاص، ويقول الله عز وجل: {أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62]، ويقول الله عز وجل: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10]، ولهذا حكم الله عز وجل يجب اتباعه في كل شيء، سواء في أمور العقائد أو الأعمال العامة أو الخاصة، لابد أن يتبع الإنسان حكم الله سبحانه وتعالى.

إثبات صفة الحكمة لله تعالى

إثبات صفة الحكمة لله تعالى الصفة الثانية المتعلقة باسم الله عز وجل الحكيم: صفة الحكمة، والحكمة صفة من صفات الله عز وجل، فالله عز وجل ما شرع أمراً من الأوامر، وما خلق شيئاً من المخلوقات إلا لحكمة عظيمة وغاية حميدة، وهذه الحكمة التي خلق الله عز وجل لها الخلق مأخوذة من كثير من النصوص الشرعية، وكذلك يدل عليها اسم الله: الحكيم. وقد صنف العلماء في هذا الباب مصنفات، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية له كتاب يسمى: (أقوم ما قيل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل)، وهو موجود ضمن مجموع الفتاوى في المجلد الثامن، وكذلك موجود ضمن مجموعة الرسائل والمسائل التي حققها الشيخ محمد رشيد رضا في مجلدين. وممن ألف في هذا الباب أيضاً: ابن القيم رحمه الله فله كتاب اسمه: (شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل). وممن ألف أيضاً: الشيخ محمد بن ربيع المدخلي له كتاب اسمه: (الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى). وهناك رسائل كثيرة متعلقة بهذا الباب، لكن هذه من أبرز هذه الرسائل.

أدلة وصيغ إثبات صفة الحكمة في نصوص القرآن الكريم

أدلة وصيغ إثبات صفة الحكمة في نصوص القرآن الكريم أفرد ابن القيم رحمه الله في كتابه (شفاء العليل) فصلاً طويلاً في الاستدلال على حكمة الله عز وجل، وهو الفصل الثاني والعشرون، وقد ظن بعض المحققين أن ابن القيم رحمه الله نسي هذا الفضل؛ لأنه في مقدمة شفاء العليل بين الأبواب التي سيتحدث عنها فذكر الباب الثاني والعشرين، وأنه تحدث فيه عن حكمة الرب سبحانه وتعالى وأدلة إثباتها، لكنه حصل خلط في بعض النسخ، وأضيف هذا الباب إلى الباب الذي قبله، فظنوا أنه نسيه رحمه الله تعالى وهو لم ينسه، وإنما حصل الخطأ في بعض النسخ الخطية. يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: الباب الثاني والعشرون في إثبات حكمة الرب تعالى في خلقه وأمره، وذكر الغايات المطلوبة له بذلك، والعواقب الحميدة التي يفعل لأجلها ويأمر لأجلها. ثم ذكر الأدلة التي تدل على حكمة الله عز وجل، وميزة هذا الفصل: أنه وزع هذه الأدلة التي حصرها وجعلها على شكل أنواع، في كل نوع من الأنواع مجموعة من الأدلة. فمثلاً يقول: النوع الأول: التصريح بلفظ الحكمة وما تصرف منها، كقوله تعالى: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} [القمر:5]، وكقوله: {وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [النساء:113]، وقوله: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة:269]. النوع الثاني: إخباره أنه فعل كذا لكذا، يعني: الإتيان بلام التعليل، كقوله تعالى: {ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [المائدة:97]، وموطن الشاهد قوله: {ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا} [المائدة:97]. وقوله أيضاً: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق:12]. ومن ذلك أيضاً: قول الله عز وجل: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الحديد:29] إلى آخر الآيات التي ذكرها. وفرق أيضاً في هذا النوع بين لام التعليل ولام العاقبة، فإن لام التعليل هو فعل الشيء لعلة معينة، لكن لام العاقبة، مثل قول الله عز وجل: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص:8] يعني: آل فرعون ما التقطوه من أجل أن يكون لهم عدواً وحزناً، لكن المقصود باللام هنا العاقبة، وبين ذلك، قال: فإن ما بعد اللام في هذا ليس هو الغاية المطلوبة، ولكن لما كان الفعل منتهياً إليه، وكانت عاقبة الفعل، دخلت عليه لام التعليل، وهي في الحقيقة لام العاقبة. ثم ذكر أنواعاً أخرى قال: النوع السادس: ذكر ما هو من صرائح التعليل وهو من (أجل)، كقوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ} [المائدة:32] وهذا صريح في أن الله عز وجل فعل هذا الفعل من أجل ذلك. {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:32]. قال: النوع الثاني: ذكر الحكم الكوني أو الشرعي عقيب الوصف المناسب له، فتارة يذكر (بأن)، وتارة يقرن (بالفاء)، وتارة يذكر مجرداً، فالأول كقوله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:89 - 90]، وهكذا ذكر مجموعة كثيرة. النوع العاشر: إخباره عن الحكم والغايات التي جعلها في خلقه وأمره؛ كقوله: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} [البقرة:22]، وذكر مجموعة كثيرة من الأنواع التي فيها إثبات حكمة الله عز وجل، وأن الله عز وجل يخلق الشيء لحكمة.

دلالة العقل والقياس على حكمة الله تعالى في الخلق والتشريع

دلالة العقل والقياس على حكمة الله تعالى في الخلق والتشريع ثم إن خلق الله عز وجل للشيء لحكمة لا شك أنه يدل عليه العقل أيضاً، فإنه لا يمكن أبداً أن يخلق الله عز وجل الخلق بدون أن يكون لهذا الخلق حكمة وغاية حميدة؛ فإن الإنسان العاقل عندما يفعل الفعل يسأل: لماذا فعلت هذا الفعل؟ فإذا فعله لحكمة مُدِح، وإذا فعله لغير حكمة ذم، فإذا كان هذا في المخلوق وهو مخلوق، فالخالق سبحانه وتعالى أولى بذلك وأعظم، كما هو معلوم من قياس الأولى. إذاً: حكمة الله عز وجل ثابتة ولا شك فيها من ناحية العقل والشرع، والأدلة القرآنية مليئة بذلك، ولهذا كان من الأدلة الشرعية الكتاب والسنة والإجماع والقياس، فالقياس دليل من الأدلة الشرعية وهو دليل معتبر، والقياس المراد به هو قياس الفرع الذي يراد أن يحكم فيه على أصل محكوم فيه سابقاً؛ لوجود علة بينهما، وهذه العلة صحيحة وواضحة، والقياس دليل من الأدلة الشرعية اتفق عليه أهل العلم جميعاً، ولم يخالف فيه إلا الظاهرية، واعتبرت مخالفة الظاهرية في القياس من البدع التي عندهم، ومنها أيضاً: إنكار مفهوم المخالفة والموافقة. ابن حزم مثلاً يرى: أن الله عز وجل عندما قال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء:23] إلى قوله: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء:23]. فهو هنا نهي عن التأفف، ومفهوم الموافقة: النهي عن الضرب؛ لأنه أعظم وأشد، فيقول ابن حزم رحمه الله: لا يمكن أخذ النهي عن الضرب من هذه الآية؛ لأن هذه الآية غاية ما فيها النهي عن التأفف، ولاشك أن هذا خطأ كبير في فهم النصوص، ولهذا نص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على أن هذه من بدع الظاهرية. إذاً: القياس دليل مبني على العلة، وهذا دليل على أن الله عز وجل يشرع أحكامه لحكم وعلل حميدة ومفيدة، ولهذا فإن الذين أنكروا الحكمة والتعليل تورطوا في فهم للقياس، وكما أنهم يتحدثون في علم الكلام كذلك منهم يتحدثون هنا في أصول الفقه.

بيان ما تتضمنه الحكمة المثبتة عند أهل السنة

بيان ما تتضمنه الحكمة المثبتة عند أهل السنة ومعنى حكمة الله عز وجل وحقيقتها أنها تتضمن معنيين: المعنى الأول: حكمة تعود على الرب سبحانه وتعالى يحبها ويرضاها. والثاني: حكمة تعود على العبد فيها منفعة له ونعمة يفرح بها، ويتلذذ بها، وينشرح صدره لها. هذه هي الحكمة التي يثبتها أهل السنة، فالله عز وجل عندما خلق الخلق وشرع الشرائع والأوامر فإنه خلقهم لحكمة، وقبل أن يخلقهم علم هذه الحكمة، وخلق الخلق لها، وكذلك قبل أن يشرع الشرائع شرعها لحكمة سبحانه وتعالى، هذه الحكمة التي في المخلوقات والمأمورات تعود إلى الله عز وجل وعباده، فأما معنى عودها إلى الله عز وجل فمعناه: أنه خلقها سبحانه وتعالى، وهو يعلم المصلحة المترتبة عليه، وهو يحب ما أمر به سبحانه وتعالى، وله في خلقه أيضاً حكمة عظيمة؛ حتى المخلوقات التي ظاهرها أنها ضرر وشر، ولهذا جاء في الدعاء المعروف: (والشر ليس إليك)، ومعنى الشر ليس إليك مع وجود بعض المخلوقات الشريرة في الحياة: أن الشر لا يعود إلى فعل الله عز وجل، وإنما يعود إلى مفعوله، يعني مخلوقه، وهو سبحانه وتعالى ما خلق شيئاً من الخلق -حتى إبليس- إلا لحكمة عظيمة ومصلحة متعلقة بالخلق. فمثلاً: إبليس خلقه الله سبحانه وتعالى ابتلاء واختباراً للناس حتى يرى سبحانه وتعالى من يصدق المرسلين، ويتبع كلامه سبحانه وتعالى، ويعصي عدوه، ويجاهده، ويصبر على هذا الجهاد، بل قد يترتب عليه أنه يموت في هذا السبيل، وهذه لا شك أنها من أعظم الحكم وأجل الغايات، بل فيها من ظهور أسماء الله عز وجل وصفاته الشيء الكثير. ففيها مثلاً: ظهور صفة العفو والمغفرة للعباد المخطئين. وفيها أيضاً: ظهور صفة التجاوز والمسامحة. وأيضاً: ظهور صفة المعية الخاصة لعباده المؤمنين، فكل ما خلق الله عز وجل من خلق فإنه خلقه لحكمة تعود عليه من جهة، وتعود على الخلق من جهة أخرى. ولهذا تحدث ابن القيم رحمه الله كثيراً في هذا الكتاب -شفاء العليل- عن هذه القضية، حتى المخلوقات الشريرة المعروفة فإنها لحكمة عظيمة وهدف كبير، وقد بينا طرفاً من هذه الحكمة من أكبر الشر وهو إبليس عليه لعنة الله، وأما المأمورات فليس فيها شر؛ لأن مأمورات الله عز وجل كلها مصالح ومنافع للعباد علمها من علمها، وجهلها من جهلها. إذاً: حكمة الله عز وجل تكون في خلقه وأمره.

موقف الناس من إثبات صفة الحكمة

موقف الناس من إثبات صفة الحكمة انقسم الناس في الحكمة إلى قسمين: القسم الأول: نفاة الحكمة، والقسم الثاني: مثبتو الحكمة، والحكمة والتعليل بمعنى واحد. فنفاة الحكمة وهم الأشاعرة يقولون: إن الله عز وجل لا يفعل الفعل لحكمة، وإنما يفعله لمحض المشيئة والإرادة، فإذا قال لهم أحد: إن الحكم واضحة في مخلوقات الله عز وجل. قالوا: هذه الحكم ليست قبل الفعل، وإنما هي بعد الفعل، وثمرة من ثمرات هذا الفعل، وأما الفعل فإن منشأه الأساسي محض المشيئة والإرادة وليس لحكمة أو غاية قبل الفعل. أما مثبتو الحكمة فهم طائفتان: الطائفة الأولى: المعتزلة: فقد أثبتوا الحكمة، وقالوا: إن الله عز وجل خلق الخلق لحكمة، لكن قالوا: إن هذه الحكمة تعود إلى العباد ولا تعود إلى الله عز وجل بوجه من الوجوه. وقالوا كذلك: إن هذه الحكمة التي نعلمها بعقولنا واجبة على الله عز وجل، وهذا أصل عندهم يسمونه: إيجاب الأصلح على الله سبحانه وتعالى؛ فإنهم يرون أنه إذا كان الأصلح لهذا العبد أن يوفق لعمل من الأعمال، فيجب على الله أن يفعل هذا العمل. تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، ولهذا يسميهم السلف الصالح: معطلة الصفات مشبهة الأفعال؛ لأنهم شبهوا الله عز وجل بخلقه في الأفعال. الشاهد: أنهم حين أثبتوا الحكمة قالوا: إن هذه الحكمة ليست راجعة إلى الله، وإنما هي راجعة إلى العبد، يعني: هذه المصلحة والغاية راجعة إلى العبد وليست راجعة إلى الله سبحانه وتعالى. والسبب في ذلك: أنهم ينفون الصفات، ويقولون: إن الله سبحانه وتعالى ليست له صفات، ويثبتون الأسماء على أنها أعلاماً محضة فقط، ولا تتضمن شيئاً من الصفات، وحتى العلم ينفونه، ويقولون: عالم بلا علم، فإذا قيل لهم: هل هو جاهل؟ قالوا: لا، علمه هو ذاته علمه هو ذاته. هكذا يقولون ويسفسطون. وأما السلف الصالح رضوان الله عليهم فإنهم أثبتوا الحكمة، وقالوا: إن الله عز وجل يفعل الفعل لحكمة عظيمة، وهذه الحكمة التي خلق الخلق من أجلها، أو أمر بالشرع من أجلها تعود إليه؛ فهو يحبها سبحانه وتعالى ويرضاها، وتعود إلى العباد من ناحية أنهم يفرحون بها، ويلتذون بها، وتطمئن نفوسهم إليها. والسبب الذي جعل الأشاعرة ينفون حكمة الله عز وجل أنهم قالوا: إن حكمة الله عز وجل لو أثبتناها للزم من ذلك أن الله عز وجل يفعل لغاية، قلنا: وما الذي يضر في هذا؟ إذا كان يفعل لغاية فهذا من الكمال، قالوا: لا، معنى هذا أن الله محتاج لهذه الغاية. ونحن نقول لهم: لا يلزم أن الله عز وجل محتاج لهذه الغاية التي خلق الخلق لأجلها؛ لأنه خلق مخلوقات كثيرة وهو غير محتاج إليها. ثم إنكم أردتم الفرار وخفتم من إلصاق النقص بالله عز وجل بفهمكم السيئ فألصقتم به النقص بأوضح ما يكون؛ حيث قلتم: إنه يعمل لغير حكمة. ولهذا وصل الأمر بالأشاعرة أنهم قالوا: إن الله عز وجل قد يدخل الصالحين النار، ويدخل الكفار الجنة، وأن هذا تحت مشيئة الله عز وجل، لو شاء لأدخل الصالحين النار، وأن هذا من إثبات قدرة الله. ونحن نقول: نعم، الله عز وجل قدير، لكن قدرته مرتبطة أيضاً بحكمته فهو قدير حكيم، وليس كل فعل يقدر عليه الرب سبحانه وتعالى لابد بالضرورة أن يفعله. أضرب لكم مثالاً في المخلوقات: أنت الآن إنسان عندك قدرة محدودة، تستطيع أن تنزع ثيابك وتمشي أمام الناس عريان، وهذا الأمر سهل وضمن قدرتك، لكن هل تستطيع أن تفعل؟ لا. لم؟ لأنه يوجد شيء آخر يمنعك من ذلك. والله عز وجل -وله المثل الأعلى سبحانه وتعالى- قدير وقدرته عامة لكل شيء، لكنه يفعل الفعل لحكمة سبحانه وتعالى لا كما يظن هؤلاء أنه لا يفعل لحكمة، وإنما هو بصرف الإرادة كما يظنون ويزعمون. بقي أن الأشاعرة الذين نفوا صفة الحكمة لله عز وجل نفوها في كتبهم المتعلقة بعلم الكلام، فلما جاءوا إلى كتبهم المتعلقة بأصول الفقه وبالأحكام وبالفقه ونحو ذلك تورطوا؛ لأنهم يثبتون القياس، فنجد عدداً كبيراً من الأشاعرة يثبتون القياس، مثلاً الفخر الرازي له كتاب اسمه: (نهاية العقول)، وله أيضاً: (معالم أصول الدين)، و (الأربعين في أصول الدين)، و (المطالب العالية)، وغيرها من الكتب الكلامية، يقرر فيها ما يقرره أصحابه من نفي الحكمة، لكن له كتب في أصول الفقه مثل (المحصول)، وهكذا الغزالي له (المستصفى)، و (الاقتصاد في الاعتقاد)، ولهم كتب في علم الكلام، ولهم كتب أيضاً في علم أصول الفقه، فلما جاءوا إلى أصول الفقه وأرادوا أن يقرروا الأدلة الشرعية بدءوا يحددونها أولاً: القرآن، وثانياً السنة، وثالثاً الإجماع، ورابعاً القياس، ولما عرفوا القياس قالوا: هو قياس فرع غير محكوم فيه على أصل محكوم فيه لعلة. قلنا: أنتم تنفون العلة في أمر الله وخلقه فكيف تثبتونها هنا؟ فتورطوا. ولهذا أراد بعضهم الإجابة عن هذه المسألة فقال: إن العلة المقصودة في القياس هي علة معرفة وليست علة باعثة، فرد عليهم بأن الغزالي في (المستصفى) يقول: إن العلة في الأصول هي الباعثة على الحكم، فبعضهم أراد أن يخرج، قال: هذه العلة التي حصلت بعد ال

إثبات صفتي السمع والبصر

إثبات صفتي السمع والبصر يقول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58]. السمع والبصر صفتان ثابتتان لله سبحانه وتعالى، والمصنف هنا لم يذكر في الاستدلال على هاتين الصفتين إلا دليلين.

ذكر بعض أدلة إثبات صفتي السمع والبصر

ذكر بعض أدلة إثبات صفتي السمع والبصر عقد البخاري رحمه الله في صحيحه في كتاب التوحيد باباً لهاتين الصفتين، قال البخاري رحمه الله: [باب قول الله عز وجل: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:134]]. (كان) هنا -كما يقول النحويون وأهل العربية-: تدل على الاستمرار والثبات الدائم، ولهذا عندما يبحث العلماء في أصول الفقه مسألة أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، وهل مجرد الفعل يدل على استمرار، يذكرون في خضم هذه المباحث مسألة مهمة جداً وهي: أنه صدر الفعل بقوله: (كان)، فهو يدل على الاستمرار قطعاً، وإذا صدر الفعل بكان فهو يدل على الاستمرار؛ لأن من معانيها الاستمرار والثبات، فقوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:134] تدل على الثبات والاستمرار. وبعض أهل العلم قالوا: إنها بمعنى صفة الله عز وجل؛ لظنهم أنها تدل على الماضي، وإذا راجعتم كلام النحويين وكلام أهل العربية؛ فإنكم ستجدون أنهم يقررون أن (كان) تدل على الاستمرار. روى البخاري رحمه الله حديثاً عن عائشة رضي الله عنها معلقاً، وهو: أن عائشة رضي الله عنها قالت: (الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات! فأنزل الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:1]). والبخاري لم يكمل الحديث، وتمام الحديث كما هو معلوم: (أن خولة بنت ثعلبة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي وتجادل النبي صلى الله عليه وسلم عندما ظاهر زوجها منها، فقالت: يا رسول الله! إن عندي عيالاً إن آويتهم جاعوا، وإن أعطيتهم إياه ضاعوا، فكانت تجادله، وكانت عائشة رضي الله عنها في طرف من البيت ومع هذا لم تسمعها، فقالت: سبحان الذي وسع سمعه الأصوات فأنزل الله عز وجل قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة:1]). ثم ساق حديثاً بإسناده عن أبي موسى قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فكنا إذا علونا كبرنا، فقال: أربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً وإنما تدعون سميعاً بصيراً قريباً) وهذا هو موطن الشاهد: (تدعون سميعاً بصيراً قريباً). فقوله: (كنا إذا علونا كبرنا) هكذا كانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا علا نشزاً كبر، وإذا نزل سبح، فكانوا يرفعون أصواتهم، فقال: (أربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً تدعون سميعاً بصيراً قريباً). وساق أيضاً بإسناده عن عبد الله بن عمرو: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! علمني دعاءً أدعو به في صلاتي فقال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت؛ فاغفر لي من عندك مغفرة، إنك أنت الغفور الرحيم). هذا الحديث يبدو للناظر من أول وهلة أنه لا علاقة له بباب إثبات صفة السمع والبصر، فما هو وجه الدلالة؟ أو لماذا جاء البخاري رحمه الله بهذا الحديث في إثبات صفة السمع والبصر؟ يمكن أن نقول: إن هذا الدعاء يدل على صفة السمع من جهة أنه لو لم يكن الله عز وجل يسمع هذا الدعاء لما كان للدعاء فائدة، ولما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء، هكذا استدل البخاري رحمه الله بهذا الحديث على أن الله عز وجل يسمع. ولهذا يقول ابن عقيل الحنبلي رحمه الله: إن هذا الحديث يدل على مجموعة من الصفات: أولاً: وجود الله عز وجل؛ لأنه لو كان غير موجود لما صح دعاؤه. ثانياً: السمع؛ لأنه لو لم يكن سميعاً ويسمع بسمع لما كان هناك دعاء. ثالثاً: الغنى؛ لأن الفقير لا يدعى. رابعاً: الرحيم؛ لأن القاسي والظلوم الذي ليس عنده رحمة لا يدعى. خامساً: يدل على أن الله عز وجل عليم سبحانه، ويدل على مجموعة من الصفات ذكرها رحمه الله تعالى، وكل ذلك استنبط من الدعاء. ثم أيضاً ساق حديث عروة: أن عائشة رضي الله عنها حدثته قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن جبريل عليه السلام ناداني قال: إن الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك). هذا جزء من حديث طويل: سألت عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم عن أشد ما وجد من قومه، فذكر لها قصة، وهذا جزء منها وهو محل الشاهد: (إن الله قد سمع قول قومك، وما ردوا عليك) فهذه الأحاديث والآيات التي ساقها الشيخ جميعاً تدل على إثبات صفة السمع لله سبحانه وتعالى.

بيان ما تختص به صفتا السمع والبصر من كونهما ذاتيتين أو فعليتين

بيان ما تختص به صفتا السمع والبصر من كونهما ذاتيتين أو فعليتين هل السمع والبصر صفتان ذاتيتان أم فعليتان؟ التحقيق في هذه المسألة: أن صفة السمع والبصر لها جانب ذاتي، ولها جانب فعلي، فأما الجانب الذاتي فهو باعتبار أصل الصفة؛ فإن أصل الصفة: أن الله عز وجل سميع بصير، فهي ذاتية بهذا الاعتبار، بمعنى: أن الله عز وجل ليس أصماً وليس أعمى كما هو عكس هاتين الصفتين. وأما باعتبار تعلقها بالمسموعات وتعلقها بالمبصرات فهي فعلية، ولهذا لا تعلق للسمع والبصر بالمعدوم، بل السمع والبصر يتعلق بالشيء بعد وجوده، فالسمع يتعلق بالمسموعات بعد أن توجد، والبصر يتعلق بالمبصرات بعد أن توجد.

العلاقة بين السمع والبصر والعلم والإدراك

العلاقة بين السمع والبصر والعلم والإدراك هل معنى السمع والبصر هو العلم والإدراك أم أن له معنى آخر؟ السمع والبصر قدر زائد على مجرد العلم والإدراك، فالعلم والإدراك صفة، والسمع والبصر صفتان زائدة على مجرد العلم، ولهذا ذكر العلماء رحمهم الله: أن تفسير السمع والبصر بالعلم تأويل؛ لأن السمع والبصر قدر زائد على العلم؛ لأن الأعمى قد يعلم أن الأرض خضراء وهو لم يرها، والأصم قد يعلم مثلاً بالشيء وهو لم يسمعه، فهذا يدل على أن السمع والبصر كما قال الحافظ رحمه الله قدر زائد على مجرد العلم والإدراك، وأما من فسره بالعلم والإدراك فهو تأويل لهاتين الصفتين لله سبحانه وتعالى.

إثبات إبصار الله بعينين

إثبات إبصار الله بعينين هل يبصر الله سبحانه وتعالى بعينين؟ نعم. إن إبصار الله عز وجل يكون بعينين سبحانه وتعالى، وقد نص على ذلك الإمام ابن خزيمة رحمه الله تعالى في كتابه التوحيد؛ فإنه قال: نحن نقول: لربنا عينان يبصر بهما ما تحت الثرى إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى. ويدل على ذلك قول الله عز وجل: {لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] فالله عز وجل يرى ورؤيته هي بصره، ويقول الله عز وجل: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:14]، ويقول سبحانه وتعالى: {فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105] إلى آخر الآية.

الأسئلة

الأسئلة

منفعة الخلق في خلق إبليس

منفعة الخلق في خلق إبليس Q ذكرت أن الحكمة تعود على العبد بمنفعة، وذكرت أيضاً أن الله خلق إبليس لحكمة، فما هي منفعة الخلق في خلق إبليس؟ A منفعة الخلق في خلق إبليس هو الابتلاء؛ لأنه إذا وجد من يوسوس، ووجد من يرد هذه الوسوسة بالجهاد. فهذا جميعاً يدل على أثر صفة من صفات الله عز وجل، وهي العفو والمغفرة ونحو ذلك. والمقصود من قوله: (ليعلم) أي: ليوجد الدفع من الإنسان، فيكون له المغفرة، وليس المقصود مجرد العلم.

ما يلزم من يصعب عليه معرفة أقوال أهل الكلام في الصفات

ما يلزم من يصعب عليه معرفة أقوال أهل الكلام في الصفات Q يصعب علي معرفة أقوال أهل الكلام في الصفات، فما الواجب علي؟ A لا يلزم أن تعرفها، لكننا ننبه عليها اتقاء لشرهم، فنحن لسنا في حاجة إلى ذكر كلام أهل الكلام، ومناقشة أهل الكلام، وإنما نحن نذكرهم من أجل الرد عليهم، ولكثرة الفساد الذي سببوه بسبب العقائد التي عندهم.

حكم التحاكم إلى أعراف القبائل

حكم التحاكم إلى أعراف القبائل Q ما حكم التحاكم إلى أعراف القبائل في العرض والدم والقذف والشتم ونحو ذلك؟ A لا شك أن التحاكم إلى أعراف القبائل، بمعنى: أن يكون هناك دعوى، ويستمع لها، ونحو ذلك، فلا شك أنها من التحاكم إلى غير الشرع، ولهذا لو رجعتم إلى كتاب تحكيم القوانين للشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله ستجدون أنه ينبه على هذه المسألة، وأنها من التحاكم إلى الطاغوت، وكذلك نبه عليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة.

معنى الحكم الكوني

معنى الحكم الكوني Q من أقسام الحكم: حكم كوني، ما معنى ذلك؟ A الحكم الكوني معناه: أن الله عز وجل أراد وقدر وحكم بوجود هذه المخلوقات التي في الكون، وأنه ليس هناك شيء من الأشياء قد قدرها الله عز وجل إلا وقد حكم بها، ولا يمكن أبداً أن يحصل شيء في كون الله عز وجل وهو لم يحكم عليها. نكتفي بهذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

العقيدة الواسطية [6]

العقيدة الواسطية [6] مما يجب على المسلم أن يعلمه من أمر دينه أنه يجب عليه التصديق بما دلت عليه أخبار الصفات دون أن يتوقف ذلك على الثبوت العقلي, ومن جملة ذلك أخبار صفتي السمع والبصر, حيث توافرت طرائق الأدلة السمعية والعقلية على ثبوتهما لله تعالى, ومن جملة ما يجب التصديق به من صفات الله تعالى صفة الإرادة, سواء أكانت كونية قدرية, أم كانت شرعية, فكل ذلك مما ثبت صفة لله تعالى في محكم كتابه وخير نبيه صلى الله عليه وسلم.

إثبات صفتي السمع والبصر

إثبات صفتي السمع والبصر إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. أما بعد: فقد انتهينا في الدرس الماضي من الحديث عن صفة الحكمة لله سبحانه وتعالى، وسنتحدث إن شاء الله في هذا الدرس عن صفتي السمع والبصر، وصفتي الإرادة والمشيئة. وقد تحدثنا عن أدلة إثبات صفة السمع والبصر، وقلنا: إن الأدلة على إثبات السمع والبصر أدلة عقلية وشرعية، وعندما نقول: إن الاستدلال يكون بالأدلة العقلية والأدلة الشرعية لا يعني أن الإيمان بأن الله عز وجل سميع وبصير يتوقف على الاستدلال بالعقل، وإنما نذكر الاستدلال بالعقل على هاتين الصفتين لعدة أمور: منها: أن هاتين الصفتين من الوضوح والجلاء والبيان بحيث إن العقل دل عليهما، وأرشد القرآن إليهما. ومنها: أن فيه الرد على الذين أولوا صفة السمع والبصر بالعلم أو بالإدراك.

وجوب الإيمان والتصديق بأخبار الصفات دون توقف على قيام الدليل العقلي على الصفة

وجوب الإيمان والتصديق بأخبار الصفات دون توقف على قيام الدليل العقلي على الصفة أحب أن أنقل كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من كتابه العظيم: شرح العقيدة الأصفهانية، وهو كتاب شرح فيه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتاباً من كتب الأشاعرة، وقد تستغربون كيف يشرح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتاباً من كتب الأشاعرة، لكن أقول: إن الشروح تنقسم إلى قسمين: شروح يقصد منها توضيح مسائل الكتاب، والاستدلال له، وبيان المسائل التي تنطوي تحته. وهناك نوع من الشروح وهو: الشروح النقدية، وهو أن يأخذ كتاباً من كتب أهل البدع فيشرحها لينقد ما فيها من الأخطاء والبدع، ولهذا شرح أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتاباً آخر من كتب أهل البدع، وهو: المحصل للرازي، وهو محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين، وهذا الكتاب غير موجود الآن، لكنه شرحه شرحاً نقدياً، ومن الشروح النقدية مثلاً في أصول الفقه: أن أبا الوليد الباجي رحمه الله شرح كتاب الرازي المحصول فانتقده تقريباً في كل شيء، حتى في عنوان الكتاب، فمن المفروض أن يقول: المحصول إلى؛ لأنه يحتاج إلى تعدية بحرف الجر. فكتاب العقيدة الأصفهانية هو للشيخ شمس الدين محمد بن الأصفهاني، وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا الكتاب وهو في الديار المصرية في سنة سبعمائة واثنتي عشرة وهذا الكلام هو فيما يتعلق بالاستدلال العقلي. يقول رحمه الله تعالى: [ومما يوضح ذلك: أن وجوب تصديق كل مسلم بما أخبر الله به ورسوله من صفاته ليس موقوفاً على أن يقوم عليه دليل عقلي على تلك الصفة بعينها، فإنه مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام: أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أخبرنا بشيء من صفات الله تعالى وجب علينا التصديق به، وإن لم نعلم ثبوته بعقولنا، ومن لم يقر بما جاء به الرسول حتى يعلمه بعقله فقد أشبه الذين قال الله عنهم: {قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124]. ومن سلك هذا السبيل فهو في الحقيقة ليس مؤمناً بالرسول، ولا متلقياً عنه الأخبار بشأن الربوبية، ولا فرق عنده بين أن يخبر الرسول بشيء من ذلك، أو لم يخبر به، فإن ما أخبر به إذا لم يعلمه بعقله لا يصدق به، بل يتأوله أو يفوضه، وما لم يخبر إن علمه بعقله آمن به، وإلا فلا فرق عند من سلك هذا السبيل بين وجود الرسول وإخباره، وبين عدم الرسول وعدم إخباره، وكان ما يذكره من القرآن والحديث والإجماع في هذا الباب عديم الأثر عنده، وهذا قد صرح به أئمة هذا الطريق، يعني بهم: المشتغلين بعلم الكلام ونحوه].

الطرائق السمعية والعقلية في إثبات صفتي السمع والبصر

الطرائق السمعية والعقلية في إثبات صفتي السمع والبصر وفي هذا الكتاب أيضاً اهتم اهتماماً كبيراً بالاستدلال على بعض الصفات بالعقل، ومن ذلك السمع والبصر، فمثلاً يقول: في صفحة (73): [إثبات كونه سميعاً بصيراً، وأنه ليس هو مجرد العلم بالمسموعات والمرئيات هو قول أهل الإثبات قاطبة]، ثم تحدث عن المثبتين للسمع والبصر، ثم قال: [وللناس في إثبات كونه سميعاً بصيراً، طرق: أحدها: السمع، كما ذكره -يعني: المصنف- وهو ما في الكتاب والسنة من وصفه بأنه سميع بصير، ولا يجوز أن يراد بذلك مجرد العلم بما يسمع ويرى؛ لأن الله فرق بين العلم وبين السمع والبصر، وفرق بين السمع والبصر، وهو لا يفرق بين علم وعلم إلا لتنوع المعلومات]، وهذا من الاستدلال القوي على إبطال من أول السمع والبصر بأنه العلم، وذكر الدليل على ذلك، وهو قول الله عز وجل: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف:200] ففرق بين السميع والعليم، وهكذا كل آية ورد فيها سميع عليم. يقول: [وفرق بين السمع والبصر أيضاً عندما قال: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58]]. ثم ذكر الطريق الثانية فقال: [لو لم يتصف بالسمع والبصر لاتصف بضد ذلك، وهو: العمى والصمم، كما قالوا مثل ذلك في الكلام] يعني: أنه لو لم يكن متكلماً لكان أصم [لأن المصحح بكون الشيء سميعاً بصيراً متكلماً هو: الحياة، فإذا انتفت الحياة امتنع اتصاف المتصف بذلك، فالجمادات لا توصف بذلك لانتفاء الحياة فيها، وإذا كان المصحح هو الحياة كان الحي قابلاً لذلك، فإن لم يتصف به لزم اتصافه بأضداده]، وقد سبقت الإشارة إلى هذه الطريقة، وقلنا: إن هذه طريقة قرآنية صحيحة أشار إليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في التدمرية عند القاعدة السابعة. ثم استطرد في الرد على الفلاسفة استطراداً طويلاً، ثم قال: [الطريق الثالث لأهل النظر في إثبات السمع والبصر: أن السمع والبصر من صفات الكمال، فإن الحي السميع البصير أكمل من حي ليس بسميع ولا بصير، كما أن الموجود الحي أكمل من موجود ليس بحي، والموجود العالم أكمل من موجود ليس بعالم، وهذا معلوم بضرورة العقل، وإذا كانت صفة كمال فلو لم يتصف الرب بها لكان ناقصاً، والله منزه عن كل نقص، وكل كمال محض لا نقص فيه فهو جائز عليه، وما كان جائزاً عليه من صفات الكمال فهو ثابت له، فإنه لو لم يتصف به لكان ثبوته له موقوفاً على غير نفسه، فيكون مفتقراً إلى غيره] إلى آخر كلامه رحمه الله. ثم ذكر الطريق الرابع في إثبات السمع والبصر والكلام فقال: [إن نفي هذه الصفات نقائص مطلقاً]، يعني: الطريقة الثالثة: الاستدلال بالكمال، [نقائص مطلقاً سواء نفيت عن حي أو جماد، ومتى انتفت عنه هذه الصفات لا يجوز أن يحدث عنه شيء، ولا يخلقه، ولا يجيب سائلاً، ولا يعفوا ولا يعبد ولا يدعى]، ثم استدل على ذلك وبين أنها طريقة قرآنية بقول الله تعالى: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم:42]. [فدل هذا على أن الذي لا يسمع ولا يبصر أنه لا يغني شيئاً، وأنه لا يستحق العبادة، والله عز وجل مستحق للعبادة، وهو الخالق سبحانه وتعالى، فلزم من ذلك: أنه سميع بصير، وهذا استدلال عقلي قرآني]، يعني: القرآن أرشد إلى الاستدلالات العقلية الصحيحة التي ليس فيها مدخل من مداخل الباطل، وليس فيها شيء من اللوازم الباطلة التي تؤثر على عقيدة الإنسان، وهو كلام نفيس في هذه المسالة.

آيتان في إثبات صفتي السمع والبصر

آيتان في إثبات صفتي السمع والبصر ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في إثبات صفتي السمع والبصر آيتين وجه الاستدلال منهما على صفة السمع والبصر واحد، فأما الآيتان فهما: قول الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58]. وجه الاستدلال منهما: أن اسم الله عز وجل السميع واسمه البصير يتضمن كل منهما صفة، فاسمه السميع يتضمن صفة السمع، واسمه البصير يتضمن صفة البصر، والدليل على أن الأسماء تتضمن الصفات هو: قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]، ووجه الاستدلال من هذه الآية على أن أسماء الله عز وجل تتضمن صفات هو لفظ الحسنى، فالحسنى على وزن فعلى، وهي تدل على أن أسماء الله عز وجل في غاية الحسن والجمال والكمال، فلو كانت لا تتضمن صفات لكانت ليست ببالغة الغاية في الحسن؛ لأن الأعلام المحضة التي لا معاني لها ليست من الحسن في شيء، فلما كانت أسماء الله عز وجل حسنى عرفنا من هذا أنها تتضمن معاني عظيمة جداً. ويلاحظ: أن الاستدلال بالآية الأولى والاستدلال بالآية الثانية وجههما واحد، وهو: الاستدلال بالأسماء على الصفات.

معاني اسم الله السميع

معاني اسم الله السميع اسم السميع له أربعة معان: الأول: المجيب: يقول الله عز وجل: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [إبراهيم:39]. المعنى الثاني: أنه سامع الأصوات: فهو سبحانه وتعالى يسمع الأصوات القليلة والكثيرة، الخفية والمعلنة، كما قال الله عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:1] إلى آخر الآية. وسبق أن قوله: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:134]، جاء في كتاب التوحيد من صحيح البخاري أن هذه الآية نزلت في قصة خولة بنت ثعلبة عندما جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي زوجها الذي ظاهر منها، وكانت عائشة في نفس الدار، وهي لا تسمع شكوى خولة للرسول صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك سمعها الله عز وجل من فوق سبع سموات. المعنى الثالث: أنه يراد به النصرة والتأييد، ويدل على ذلك قول الله عز وجل: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46]. والمعنى الرابع: أنه يراد به التهديد والوعيد، يقول الله عز وجل: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80] {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} [الزخرف:80]. جاءت هنا هذه الصفة في مساق التهديد والوعيد، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن يجهر به) رواه البخاري ومسلم. معناه: ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبي يتغنى بالقرآن يجهر به. فمعنى الإذن هنا: الاستماع.

طرائق نصوص الوحي في إثبات صفة البصر

طرائق نصوص الوحي في إثبات صفة البصر جاء إثبات صفة البصر بأكثر من طريق: الطريق الأول: إثبات صفة البصر مباشرةً كما هو في الآتين معنا. والثاني: إثبات الرؤية لله عز وجل، كما قال الله عز وجل: {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46]. وكقوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:14]. وكقوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105]. فالرؤية هنا بمعنى: البصر. وكذلك حديث جبريل الطويل عندما ذكر أركان الإيمان وأركان الإسلام وجاء إلى الإحسان فقال: (أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك). وكذلك ثبت أن الله عز وجل ينظر، يدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم). ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم). فقوله: (لا ينظر إليهم) صفة منفية تدل على كمال الضد، وهو النظر في حال الرضا، وهذا استدلال بالمفهوم، هذا نوع من الاستدلال، ومعلوم أن الاستدلال تارة يكون بالمنطوق، يعني: بظاهر اللفظ، مثل: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [إبراهيم:39]، فمنطوق الآية: أن الله عز وجل يسمع دعاء الداعي، ويجيب دعاءهم. وهناك نوع آخر من الاستدلال وهو الاستدلال بالمفهوم، والاستدلال بالمفهوم في باب العقائد استدلال صحيح، وقد عمل به الأئمة، فـ الشافعي رحمه الله استدل على إثبات رؤية الله عز وجل بالمفهوم عندما نفى الله عز وجل عن الكفار الرؤية في سورة المطففين، دل هذا بالمفهوم على أنهم يرونه، قال الله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]. استدل الشافعي رحمه الله بهذه الآية على أنهم لما حجبوا في حال الوعيد والكراهة لهم، دل ذلك على أنهم يرونه في حال الرضا عنهم ومحبته لهم.

ما تختص به صفتا السمع والبصر من كونهما من الصفات الذاتية أو الصفات الفعلية

ما تختص به صفتا السمع والبصر من كونهما من الصفات الذاتية أو الصفات الفعلية من المسائل المتعلقة بصفة السمع والبصر: مسألة: هل صفة السمع والبصر صفة ذاتية أم فعلية؟ سبق أن أشرنا إلى أن صفة السمع والبصر منها ما هو ذاتي، ومنها ما هو فعلي، فصفة السمع متعلقة بالمسموعات، فإذا وجدت المسموعات؛ فإن الله عز جل يسمعها، وإذا وجدت المبصرات؛ فإن الله عز وجل يبصرها ويراها وينظر إليها، وهي بهذا الاعتبار صفة ذاتية غير متعلقة بالمشيئة، لكن في السمع سمع الإجابة مثلاً، أو سمع الوعيد والتهديد، هذه من الصفات الفعلية وليست من الصفات الذاتية.

أقوال أهل البدع في صفتي السمع والبصر

أقوال أهل البدع في صفتي السمع والبصر أهل البدع ينقسمون إلى قسمين في صفتي السمع والبصر: أما المعتزلة فإن عامتهم لا يثبتون صفة السمع والبصر بناءً على أصلهم في التوحيد؛ فإنهم يعتقدون أن التوحيد يلزم منه نفي الصفات، ويوجد من المعتزلة من يثبت صفة الإدراك، وبعضهم: يثبت صفة السمع والبصر، لكن يقول: له سمع وبصر هي ذاته، فهو في الحقيقة ينفيها. أما الأشاعرة فإنهم يتظاهرون بإثبات صفة السمع والبصر، وهم يثبتون سبع صفات، ويسمونها صفات المعاني، ومن هذه الصفات: السمع والبصر، ولكنهم يفسرونها بغير معناها الصحيح، فبعضهم يقول: إن السمع البصر هما: العلم، أو الإدراك، ولهذا التزم بعضهم بأن الله عز وجل يرى المسموعات ويسمع المبصرات؛ لأنها بمعنى واحد عنده كالعلم، وهذا باطل، وسبق في كلام شيخ الإسلام رحمه الله في شرح العقيدة الأصفهانية: أن العلم غير السمع، ولهذا فرق الله عز وجل بينهما عندما قال: {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:181]، فلو كان معناهما واحداً لما فرق بينهما سبحانه وتعالى، هذا من جهة. ومن جهة أخرى: فإنه قد سبق أن أشرنا إلى أن العليم قد يعلم وهو لا يرى، وقد يعلم وهو لا يسمع، فلا يلزم من العلم وجود السمع والبصر، وهذا يدل على أن العلم صفة، وأن السمع والبصر صفتان تختلف عن العلم.

استعمالات النظر في القرآن

استعمالات النظر في القرآن النظر له استعمالات متعددة، فمنها: أنه قد يتعدى بنفسه، فإذا تعدى بنفسه فمعناه: التوقف والانتظار، كقوله: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد:13]، وليس المقصود من هذا: انظرونا بأبصاركم، وإنما المقصود: انتظرونا، وتوقفوا لنا، وهذا يقوله المنافقون للمؤمنين يوم القيامة. فإذا عدي بـ (في) كان معناه: التفكر والاعتبار، كقوله: {أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:185]، يعني: يعتبروا ويتفكروا. ومنها: أن يعدى بـ (إلى)، فإذا عدي بإلى فمعناه: نظر العين، كقوله تعالى: {انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} [الأنعام:99]، انظروا يعني: بالعين. وتلاحظون أن الآيات أو الأحاديث التي ورد فيها إثبات النظر معداة (بإلى)، كقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم -ثم قال: ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)، فهذا النظر بمعنى الإبصار.

أقوال أهل البدع في تعلق الصفات بالمخلوقات

أقوال أهل البدع في تعلق الصفات بالمخلوقات أهل البدع عندما يأتون إلى تعلق الصفات بالمخلوقات، يقولون: إرادة الله عز وجل واحدة وقديمة لا تتعدد، وتعلقها بالمخلوقات هو من جهة تنوع المخلوقات فقط، ويسمونه: تعلقاً اعتبارياً، يقولون: تعلق اعتباري إضافي، ولا يعتقدون أنه وجودي ثبوتي. وكذلك في السمع والبصر؛ فعندما يدعو داع من الذين يدعون الله عز وجل يسمعه، وقد كان قبل أن يسمعه سميعاً، فلما دعاه سمعه سبحانه وتعالى, وهم يقولون: إن هذا يلزم منه حدوث السمع، فإذا كانوا يقصدون: أنه يحدث لله سمع، ولم يكن من قبل سميعاً فهذا باطل لا يريده أهل السنة، وإن كانوا يقصدون أنه يسمع دعاء الداعي عندما يدعوه في ذلك الوقت، فهذا حق تثبته الأدلة وهم ينفونه، فيقولون: إن المبصرات والمسموعات الموجودة تتنوع، وقد رآها الله عز وجل من قبل برؤية واحدة، وبسمع واحد، وهم يعتبرون السمع والبصر مثل العلم، كأنه علمها بعلم واحد، وأنه لا يتجدد لله عز وجل سمع أو بصر، ويسمون هذا: حدوثاً. وهذه الألفاظ لا ينبغي للمسلم أن يستعملها؛ لأنها ألفاظ اصطلاحية؛ كما أنه لا ينبغي للإنسان أن ينفيها نفياً مطلقاً، يعني: أن لفظ الحدوث والحيز والجهة، ونحو ذلك من الألفاظ التي يستعملها أهل الكلام ألفاظ مبتدعة مخترعة تتضمن معاني صحيحة وباطلة، فلا يصح للإنسان أن ينفيها؛ لأنه قد ينفي معها شيئاً من الحق، ولا يصح أن يثبتها؛ لأنه قد يثبت معها شيئاً من الباطل. والصحيح: أن يستفصل عن مراد القائل بها، فإذا قال: إن هذا يلزم منه الحدوث، نقول: بين لنا معنى الحدوث؟ وماذا تقصد بالحدوث؟ فإن كنت تقصد أنه إذا وجد الأمر المبصر، أو المسموع، والله عز وجل سمعه وأبصره، فهذا يحدث لله صفةً لم تكن موجودةً من قبل، بمعنى: أن الله لم يكن سميعاً ولا بصيراً حتى وجدت المسموعات والمبصرات، فهذا باطل لا نقره، فالله عز وجل سميع بصير سبحانه وتعالى، وعندما يحدث المخلوق يراه ويسمعه سبحانه وتعالى. وإن كنت تعني بالحدوث أنه عندما يوجد المخلوق يسمعه الله ويراه، وقد حدث قريباً، ثم إذا حدث مخلوق آخر سمعه الله أو رآه، فهذا معنى حق لا ننكره، فالله عز وجل يسمع ويرى الأشياء حتى مع تأخرها وحدوثها، فهو سبحانه وتعالى يراها ويسمعها. وهكذا كلمة الجهة؛ فإن أهل البدع ينفون صفة العلو لله عز وجل، ويقولون: إن هذا يلزم منه أن نثبت الجهة، فنقول: ما معنى كلمة الجهة عندكم؟ إن كنتم تقصدون أن الله في العلو؛ فنحن نثبت أن الله عز وجل في العلو سبحانه وتعالى، حتى لو سميتموها أنتم جهة فلا تعكر على إثباتها تسميتكم لها بالجهة، وأما إن كنتم تقصدون أنه في جهة محددة محصورة، فهذا معنى باطل لا نقره. ولهذا في بعض الأحيان قد يأتي بعض هؤلاء المبتدعة فيطرحون على بعض أهل السنة مصطلحات، وقد يتفاعل معها بعض أهل السنة فينفيها مطلقاً، فإذا نفاها مطلقاً نفى شيئاً من الحق، أو قد يثبتها فإذا أثبتها أثبت شيئاً من الباطل. والصحيح هو: أن نقف عند المصطلحات الشرعية، فالعلو يسمى: علواً، والسمع يسمى: سمعاً، والبصر يسمى: بصراً؛ فإذا جاءتنا ألفاظ من هؤلاء نستفصل عن معناها، فنثبت المعنى الحق، وننفي المعنى الباطل. هذه هي القاعدة في الألفاظ التي ترد من عند هؤلاء.

إثبات صفة الإرادة

إثبات صفة الإرادة

أدلة إثبات صفة الإرادة

أدلة إثبات صفة الإرادة يقول الله تعالى: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف:39]. هنا تقدير، يعني: قلت: هذا ما شاءه الله. وقوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة:253]، موضع الشاهد: (يريد). وقوله: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة:1]، فيها إثبات صفة الإرادة. وقوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125]. ففي هذه الآيات إثبات صفة الإرادة لله سبحانه وتعالى، وهي صفة ثابتة لله عز وجل بالعقل وبالشرع، وقد أشار شيخ الإسلام في شرح العقيدة الأصفهانية إلى جانب الاستدلال العقلي، وأشهر دليل يستخدم في إثبات صفة الإرادة: إن الله عز وجل عندما خلق المخلوقات خصص بعضها بأشكال وألوان في الطول والقصر، والبياض والسواد، وخصصها بأنواع مختلفة. هذا التخصيص دليل على وجود إرادة عند المخصص وهو الخالق سبحانه وتعالى، فلو لم تكن هناك إرادة لما كان هناك تخصيص، فبعض الخلق جعلهم الله عز وجل بيضاً، وبعضهم سمر، بعضهم طويل، وبعضهم قصير، بعضهم عمره طويل، وبعضهم عمره قصير، بعضهم ذكر، وبعضهم أنثى، بعضهم إنسان، وبعضهم حيوان، بعضهم حي، وبعضهم جماد. هذا التخصيص يدل على أن الخالق الذي خلقهم له إرادة جعلت بعضهم هكذا، وبعضهم هكذا لحكمة، ففيه إثبات صفة الإرادة، وفيه إثبات أيضاً: صفة الحكمة.

الإرادة الكونية والإرادة الشرعية والفرق بينهما

الإرادة الكونية والإرادة الشرعية والفرق بينهما والإرادة تنقسم إلى قسمين: إرادة كونية، وإرادة شرعية. فمعنى الإرادة الكونية: أن الله عز وجل قد أراد أن يخلق هذه المخلوقات الموجودة بكل أنواعها وكل صورها الضار منها والنافع الخير والشر ونحو ذلك، فلا يمكن أن يوجد شيء في المخلوقات إلا وقد أراده الله عز وجل، ولا يمكن أن يحصل شيء لم يرده الله عز وجل من قبل، بل كل شيء أراده الله عز وجل حتى الكفر والمعاصي أرادها لحكمة، كما سبق أن أشرنا عند حديثنا عن صفة الحكمة لله عز وجل، فهذه إرادة عامة، ويدل على هذه الإرادة قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة:253]، وقوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الأنعام:125]. هذه الآيات تدل على هذه الإرادة الكونية، وهذه الإرادة الكونية هي نفسها المشيئة، فقوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} [البقرة:253]، هي المشيئة، معناها: أن الله عز وجل شاء كوناً هذه المخلوقات جميعاً بكل أنواعها وأصنافها. والنوع الثاني: هي الإرادة الشرعية، وهذه الإرادة الشرعية معناها: أن الله عز وجل أراد من العباد الأعمال الصالحة، ولهذا أمرهم ونهاهم، فهي موافقة لمحبة الله عز وجل، فالفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية من وجهين: الوجه الأول: أن الإرادة الكونية لابد أن تحصل في الكون، فلا يمكن أن يوجد شيء في الكون إلا وقد أراده الله عز وجل، وأما الإرادة الشرعية فإنها قد تحصل وقد لا تحصل، فنحن نرى أن الأوامر الشرعية هي: ما أراده الله عز وجل من العباد شرعاً، وقد يطيع البعض وقد لا يطيع. الوجه الثاني: أن الإرادة الكونية منها ما يحبه الله، ومنها ما لا يحبه الله عز وجل، فقد أراد الله عز وجل وجود الأعمال الصالحة في الكون. وهذا مما يحبه، كما أراد سبحانه وتعالى وجود الأعمال السيئة في الكون من أعمال الكفار ونحو ذلك، وهذا أيضاً مراد لله عز وجل، ولكن ليس معنى أنه مراد أنه محبوب لله. أما الإرادة الشرعية فإنها تكون محبوبة لله عز وجل، فهو عندما أمر بالأوامر ونهى عن النواهي كان يحب من العباد أن يطيعوه فيما أمر، وأن يجتنبوا ما نهى عنه سبحانه وتعالى، فهذا هو الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، وسيأتي الحديث عن هذا الأمر وفائدته في باب القدر، عند حديثنا عن خلق أفعال العباد، وعند حديثنا عن مراتب القدر بإذن الله تعالى.

بيان ما تختص به صفة الإرادة من كونها واحدة أو متعددة بحسب المرادات

بيان ما تختص به صفة الإرادة من كونها واحدة أو متعددة بحسب المرادات هناك مسائل متعلقة بالإرادة وهي: هل إرادة الله عز وجل إرادة واحدة غير متعددة؟ أو أنها متعددة بحسب المرادات؟ الجواب على هذا: أن الله عز وجل قدر الأشياء قبل وجودوها، وهو عندما قدرها علم ما سيفعله سبحانه وتعالى، وأراد فعله في المستقبل، فهو علمها وأراد أن يفعلها في المستقبل، وهذه هي الإرادة القديمة، وهي: إرادة الله عز وجل، وهي التي يسميها العلماء: العزم، ثم بعد ذلك عندما أرادها الله سبحانه وتعالى قديماً لم يفعلها في تلك الحالة؛ لأنه أرادها في المستقبل، فإذا جاء وقتها أراد فعلها؛ لأن الفعل المعين المحدد لابد له من إرادة، وهذا هو القصد، فالأول: عزم، والثاني: قصد. فالله عز وجل عندما قدر المقادير أراد أن يفعل ما يفعله في المستقبل. هذه إرادة قديمة، وهي التي يسميها العلماء العزم، فإذا جاء وقتها أراد الله عز وجل فعلها، فيفعلها سبحانه وتعالى، وهذا يسميه العلماء قصداً. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله اختلاف أهل العلم في وصف الله عز وجل بالعزم، هل يجوز أن يوصف الله عز وجل بالعزم أو لا يجوز؟ فذكر فيها قولين: أصحهما: القول الثاني وهو الجواز، واستدل على ذلك بقول الله عز وجل: {فَإِذَا عَزَمْتُ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران:159]، هذه الآية فيها قراءتان: القراءة الأولى وهي قراءة الجمهور: {فَإِذَا عَزَمْت فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران:159]. والقراءة الثانية: قراءة عكرمة وأبي جعفر وغيره: {فَإِذَا عَزَمْتُ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران:159]، فتصبح التاء هنا تاء المتكلم. وكذلك يدل على إثبات صفة العزم لله عز وجل: ما رواه مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها عندما توفي زوجها أبو سلمة، وحزنت عليه حزناً شديداً، فعلمها النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء المشهور، فقالت: (ثم عزم الله لي فتزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم)، بمعنى: أراد الله عز وجل لي قبل أن أتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الفرق بين الإرادة والمشيئة

الفرق بين الإرادة والمشيئة وهل هناك فرق بين الإرادة والمشيئة أو ليس هناك؟ ذكرت هذه المسألة في أثناء حديثي عن أقسام الإرادة، ونستطيع أن نقول: الإرادة عامة تشمل الإرادة الكونية. وهذه هي المشيئة، وتشمل الإرادة الشرعية. وليست هي المشيئة، فالمشيئة إذاً: موافقة للإرادة الكونية، فهي أخص من الإرادة، والإرادة بشكل عام تشمل المشيئة وزيادة ما عليها الإرادة الشرعية. والدليل على أن المشيئة هي الإرادة الكونية؟ الدليل على ذلك: قول الله عز وجل: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة:13]، وقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ} [يونس:99]، فدل ذلك على أن المشيئة هنا هي المشيئة الكونية، أو هي الإرادة الكونية؛ لأن الإرادة الشرعية معناها: أن الله عز وجل يريد من العباد أن يؤمنوا، ومع هذا يقول: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ} [يونس:99].

نقد كلام القرضاوي في نسبة السلف إلى التفويض واتفاقهم مع المؤولة ودفاعه عن الأشاعرة

نقد كلام القرضاوي في نسبة السلف إلى التفويض واتفاقهم مع المؤولة ودفاعه عن الأشاعرة هذه مجلة المجتمع العدد مائة وسبعة وثلاثين في خمسة وعشرين جماد الآخر ألف وأربعمائة وعشرين، هناك موضوع يتعلق بموضوع توحيد الأسماء والصفات للدكتور القرضاوي يكتب: الإخوان المسلمون سبعين عاماً في الدعوة والتربية والجهاد، وتعرض الدكتور القرضاوي لآيات الصفات وأحاديثها التي نتحدث عنها في هذه الدروس. يقول: (قد علمت أن مذهب السلف في الآيات والأحاديث التي تتعلق بصفات الله تبارك وتعالى: أن يمروها على ما جاءت عليه، ويسكتوا عن تفسيرها أو تأويلها، وأن مذهب الخلف أن يؤولوها بما يتفق مع تنزيه الله تبارك وتعالى عن مشابهة خلقه). ولا شك أن هذا الكلام ليس بسليم وليس بصحيح؛ لأن مذهب السلف هو: إثبات أسماء الله عز وجل وصفاته من غير تعطيل ولا تحريف، وأما ما حكاه عن مذهب السلف فهو مذهب المفوضة الذين لا يثبتون معاني صفات الله سبحانه وتعالى. والمفوضة مع كونهم لا يثبتون معاني صفات الله عز وجل فهم ينفونها في الحقيقة، يعني حقيقة مذهب المفوضة: هو أنهم ينفون الصفات لكن لا يحددون المراد من الآية، فالمفوضة والمعطلة من الأشاعرة الجهمية وغيرهم يتفقون جميعاً على نفي صفات الله عز وجل، لكن المفوضة يقولون: لا نعرف معنى الآية، والمؤولة يقولون معناها: كذا وكذا، إذاً: لجميع يتفق على نفي صفات الله سبحانه وتعالى، ومع هذا يقول: إن هذا هو مذهب السلف وهذا ليس بصحيح. يقول: (كل منهما) يعني: من الطائفتين اللتين حكاهما، وهم جميعاً ينفون الصفات، ونسب إلى السلف أنهم مفوضة، يقول: (كل منهما يقطع بأن المراد بألفاظ هذه النصوص في حق الله غير ظواهرها -وهذا كلام باطل- التي وضعت لها هذه الألفاظ بحق المخلوقات، وذلك مترتب على اتفاقهما على نفي التشبيه). يعني: نفس كلام الأشاعرة ونفس كلام المفوضة، ومع أن موضوع الأشاعرة والمفوضة انتهى منذ زمان بعيد، وصار عدد كبير -ولله الحمد- من الدعاة وطلاب العلم يعرف أن الأشاعرة والمفوضة ليسوا من أهل السنة، وتعلمون أن إثبات الصفات هو عقيدة أهل السنة والجماعة، ومع هذا يحاول الدكتور القرضاوي أن يبرر للمفوضة وللمعطلة؛ لأن شيخه حسن البنا رحمه الله قد حكى أن مذهب السلف: هو التفويض، ولا شك أن هذا من التعصب -والعياذ بالله- للأشياخ. يقول: (وأن اللغات مهما اتسعت لا تحيط بما ليس لأهلها بحقائقه علم، وحقائق ما يتعلق بذات الله تبارك وتعالى من هذا القبيل، فاللغة أقصر من أن تواتينا بالألفاظ التي تدل على هذه الحقائق كالتحكم في تحديد المعاني لألفاظ التغرير. وإذا تقرر هذا فقد اتفق السلف والخلف على أصل التأويل، وانحصر الخلاف بينهما بأن الخلف زادوا تحديد المعنى المراد حيثما ألجأتهم ضرورة التنزيه إلى ذلك حفظاً لعقائد العوام من شبهة التشبيه، وهو خلاف لا يستحق ضجةً ولا إعناتاً). هو في الحقيقة لم يفهم مذهب السلف الصالح، فمذهب السلف الصالح: إثبات الصفات وليس تفويضها وعدم الإقرار بمعانيها، فهو -إذاً- حكى أن مذهب السلف: هو نفي الصفات لكن بدون تحديد للمعنى المراد من الآية؛ لأنه قال: وقد اتفق الجميع -يعني: السلف والخلف في تصوره- بأن المراد بألفاظ هذه النصوص في حق الله تبارك وتعالى غير ظواهرها. مسألة هل ظواهر النصوص مرادهَ أو غير مرادهَ؟ هذه تحدث عنها العلماء قديماً، منهم ابن تيمية رحمه الله في الفتوى الحموية المشهورة، وبين أن مقولة: (إن منهج السلف أسلم ومنهج الخلف أعلم وأحكم) أنها مقولة باطلة مبنية على أن مذهب السلف هو التفويض، كما فهمه الدكتور القرضاوي. ثم نقل عن الشيخ البنا رحمه الله أنه يقول: (ونحن نعتقد أن رأي السلف من السكوت وتفويض علم هذه المعاني إلى الله تبارك وتعالى أسلم وأولى بالاتباع حسماً لمادة التأويل والتعطيل). وهو في الحقيقة: نفي للصفات لكي لا يفهم من معانيها شيء. يقول: (ونعتقد إلى جانب هذا: أن تأويلات الخلف لا توجب الحكم عليهم بكفر ولا فسوق -والكلام للبنا - ولا تستدعي هذا النزاع الطويل بينهم وبين غيرهم قديماً وحديثاً). كأنه يظن أن النزاع صوري ولفظي، مع أن المعركة التي حصلت بين السلف الصالح رضوان الله عليهم وبين المفوضة والمعطلة معركة حقيقية لها بناء عميق، وخلاف منهجي قوي جداً، ومع هذا يقول: هذه المسألة لا تحتاج إلى نزاع، وكأنه يقول: إن هؤلاء كانوا ينازعون في أمور لفظية. يقول: (وقد لجأ أشد الناس تمسكاً برأي السلف رضوان الله عليهم إلى التأويل في عدة مواطن، وهو الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه؛ من ذلك تأويله لحديث: (الحجر الأسود يمين الله في الأرض) وقوله: (قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن). انظروا: يظنون أن هذه من التأويلات. هذه المسألة بحثها الشيخ محمد بن عثيمين في كتابه القواعد المثلى، وأنا أطلب

العقيدة الواسطية [7]

العقيدة الواسطية [7] يعتقد أهل السنة والجماعة إثبات صفات الله تعالى الاختيارية الفعلية كما يعتقدون إثبات صفاته تعالى الذاتية, بغير تحريف ولا تعطيل, ولا تكييف ولا تمثيل, ومن ذلك صفة الرحمة والمحبة والرضا والغضب وغيرها من صفات كماله سبحانه وتعالى, وخالفهم في ذلك المنحرفون من نفاة الصفات كالجعد بن درهم والجهم بن صفوان وبشر المريسي ومن وافقهم من المعتزلة والكلابية ونحوهم.

صفات الله تعالى الاختيارية

صفات الله تعالى الاختيارية بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمداً إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين. أما بعد: موضوع صفات الله سبحانه وتعالى الاختيارية موضوع طويل ومتشعب وهو مهم جداً لوجود مجموعة كبيرة من صفات الله سبحانه وتعالى ضمن هذه الصفات الاختيارية، وقد اتفق النفاة على نفيها جميعاً. فالصفات الاختيارية هي الصفات الفعلية، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة خاصة بالصفات الاختيارية موجودة في مجموع الفتاوى أظنها في (ج6) وتشتمل على خمسين صفحة تقريباً، يقول عن الصفات الاختيارية: هي الأمور التي يتصف بها الرب عز وجل فتقوم بذاته بمشيئته وقدرته مثل: كلامه، وسمعه وبصره، وإرادته ومحبته ورضاه، ورحمته وغضبه وسخطه، ومثل: خلقه وإحسانه وعدله، ومثل: استوائه ومجيئه وإتيانه ونزوله ونحو ذلك من الصفات التي نطق بها الكتاب العزيز والسنة. فاسم الصفات الاختيارية اسم عام يشمل عدداً كبيراً من صفات الله سبحانه وتعالى المتعلقة بمشيئته وإرادته. فهناك نوع آخر من الصفات يسمى الصفات الخبرية، والصفات الخبرية جزء منها من الصفات الاختيارية، والجزء الآخر من الصفات الذاتية. من الصفات الخبرية: إثبات الوجه واليدين والعينين والساق والقدم، ونحو ذلك من الصفات اللائقة بالله سبحانه وتعالى، وهي من صفات الكمال والجلال والجمال، لا يشبهها مخلوق من المخلوقات أبداً. والصفات الاختيارية يثبتها أهل السنة والجماعة كما نطق بها القرآن الكريم، وكما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ويثبتونها كما يثبتون الصفات الخبرية، فهم يثبتون أن لله عز وجل يدين وعينين، وأن له وجهاً سبحانه وتعالى يليق به، كل ذلك من غير تشبيه ولا تمثيل. وكذلك يثبتون أنه سبحانه وتعالى يتكلم وينزل ويضحك ويجيء ويأتي، ويحب ويبغض ويغضب ويكره، ونحو ذلك من الصفات الفعلية وهي التي يسميها العلماء: الصفات الاختيارية.

نفاة الصفات الاختيارية

نفاة الصفات الاختيارية الفتنة المشهورة التي وقعت في زمن الإمام أحمد رحمه الله ظهر فيها الخلاف القوي بين أهل السنة والجماعة وبين المعطلة، وهو تقريباً من أوائل الصدامات التي وقعت بين أهل السنة من جهة والمعطلة من جهة أخرى، وهو مبني على قضية خلق القرآن، فإن قضية خلق القرآن نشأت من نفيهم للصفات الاختيارية عن الله عز وجل، فلما نفوا هذه الصفات عن الله عز وجل، بدءوا يؤولون ويعطلون.

الجعد بن درهم

الجعد بن درهم وأول من عرف بنفيه لهذه الصفات هو الجعد بن درهم، وأنتم تعلمون أن أول فرقة خرجت وشقت صفوف المسلمين هم الخوارج الذين كفروا المسلمين بالذنوب، وكانت المشكلة مع الخوارج في باب الإيمان حيث إنهم يعتبرون الفاسق الذي يرتكب المعاصي كافراً خارجاً عن الإسلام ويطبقون عليه أحكام الكفر. وثاني فرقة خرجت هي: الشيعة، وثالث فرقة: القدرية الذين ينكرون القدر، ورابع فرقة: المرجئة، وهذه الفرق الأربع هي أصول الفرق كما ذكر غير واحد من السلف، ولم يحصل أن اختلف أحد في صفات الله عز وجل حتى ظهر الجعد بن درهم الذي كان مربياً ومعلماً لآخر حكام الدولة الأموية الذي يسمونه: مروان الحمار، ولقب بـ الحمار لقوته وقوة تحمله، ويلقبونه بـ الجعدي، نسبة إلى شيخه الجعد بن درهم. الجعد بن درهم نفى الصفات عن الله عز وجل، فكان من الصفات التي نفاها عن الله عز وجل: الصفات الاختيارية، ويقول: الله عز وجل لا يتكلم أبداً، وهو سبحانه وتعالى لا يبصر، وهو سبحانه وتعالى ليس له يدان ولا قدمان ولا عينان، وهو سبحانه وتعالى لا ينزل ولا يغضب، ولا يرضى ولا يحب، إلى آخر ما هنالك من الصفات الموجودة في كتاب الله عز وجل، نفاها جميعاً فقتله خالد بن عبد الله القسري، وكان خالد عاملاً للعباسيين على العراق، فجاء إلى الناس في يوم عيد الأضحى وقال: ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بـ الجعد بن درهم فإنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليماً، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، فنزل وذبحه في أصل المنبر.

الجهم بن صفوان

الجهم بن صفوان وتلقف هذه البدعة الشنعاء عن الجعد بن درهم الجهم بن صفوان، وهذا لم يكن من أهل العلم ولا عرف عنه أنه طلب العلم بالطريقة التي كان يطلبها السلف الصالح رضوان الله عليهم، وقد كانت في تلك الفترة مجالس العلم منتشرة، وأهل العلم في كل مكان يدرسون ويملون ويفتون الفتاوى المشهورة، لكن الجهم بن صفوان ما درس العلم، وإنما كان يجلس في بيته، والتقى بمجموعة من الوثنيين من الهنود يسمون: السمنية، وكان هؤلاء السمنية ينكرون غير المحسوسات، وعندهم أنه لا يثبت شيء ولا يمكن للإنسان أن يعرف شيئاً إلا بالمحسوسات فقط، فلما ناقشهم عن الله عز وجل قالوا له: هل رأيته وذقته ولمسته؟ قال: لا. ولجهله وضعفه بقي في بيته قرابة أربعين يوماً محتاراً لا يصلي، وهذه هي المشكلة: الجهل، وغالباً البدع لا تظهر إلا من أشخاص لم يدرسوا العلم، ولم يعرفوه، ولم يتفقهوا الفقه السليم الصحيح على دين الله عز وجل، فهذه حالة من حالات الجهم. وهناك حالات أخرى تقع في المجتمعات، ولو أنكم تتبعتم أصحاب الفتن منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا المعاصر لوجدتم أن لهم سمات معينة، منها: أولاً: أنهم ليسوا من أهل العلم. ثانياً: لا يتدارسون مع أهل العلم. ثالثاً: أنهم من المستعجلين. رابعاً: أنهم يأخذون بطرف، ويتركون أطرافاً، ويعملون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض. فـ الجهم بن صفوان أنكر صفات الله سبحانه وتعالى، ومنها: الصفات الاختيارية، وقال: إن الله عز وجل هو هذا الهواء الموجود في كل مكان، وليس له اسم ولا صفة، فقتله سلم بن أحوز في خراسان.

بشر المريسي

بشر المريسي وتلقف هذا عن الجهم بشر بن غياث المريسي، وكان من الحنفية، تلقف هذه الأفكار ودعا إليها ونشرها، ولهذا رد عليه علماء السنة مثل: عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب سماه: رد عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد، ورد أيضاً على شيخه جهم بكتاب سماه: الرد على الجهمية، وهؤلاء الجهمية أتباع جهم كفرهم السلف رضوان الله عليهم، ولهذا يقول ابن المبارك رحمه الله تعالى: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نحكي كلام الجهمية؛ لأنه أكفر من كلام اليهود والنصارى، فحقيقته: نفي الإله؛ لأنه تجريد للإله من الأسماء والصفات جميعاً، ولهذا قال جهم: إن إلهي هو هذا الهواء الموجود في كل مكان، إذاً: الحقيقة: أنه ليس له إله، وكانت الجهمية في بداية الأمر تنفي الصفات نفياً مطلقاً، فتقول: لا يتكلم الله أبداً، فلما أنكر عليهم الناس وشعروا بالشناعة والرد عليهم بدءوا يخففون من حدة الإنكار، فلما جاء بشر المريسي ذكر الدارمي رحمه الله تعالى أنه قال لبعض أصحابه: لا تفاجئوا أهل السنة بالإنكار، وإنما عليكم بالتأويل؛ لأن التأويل نفي في الحقيقة، وهو كما قال، فهو إنكار بلطف وليس فيه إثارة للآخرين عليه، فهو يريد أن يصل إلى الإنكار، فعنده في الوصول إلى الإنكار طريقان: إما أن ينكر بشكل متبجح فيثور عليه الخاصة والعامة، وإما أن ينكر بشكل متلطف فيدخل ويتغلغل في نفوس الناس، وهذه بالفعل الخطة الجديدة التي استخدمها المريسي.

المعتزلة والكلابية

المعتزلة والكلابية ثم لما جاءت المعتزلة كـ ابن أبي دؤاد وغيره وقد كان ظهورها قبل ذلك في مسألة الإيمان والقدر، ثم تطور حالهم حتى إنهم دخلوا في نفي الصفات، فنفوا عن الله عز وجل جميع الصفات الخبرية والاختيارية، وأبقوا لله عز وجل الأسماء وقالوا: إنها أعلام محضة لا مضمون ولا معاني لها، ورأوا أنه ليس في ذلك كبير إشكال، فإن الجهم كان ينفي الصفات والأسماء جميعاً، ويرى أن تعدد الأسماء يستلزم منه تعدد الآلهة، فجاءت المعتزلة وقالوا: لا يلزم ما دام أنها أعلام محضة، فالسارية والعمود والجدار شيء واحد، لكن فرغوها من معناها وصارت أعلاماً محضة، وعندما قالت المعتزلة بخلق القرآن أقنعوا المأمون، وكان أمير المؤمنين في زمانه، فلما أقنعوه بذلك امتحن أهل العلم وحصلت الفتنة المشهورة التي ثبت فيها الإمام أحمد ونصره الله سبحانه وتعالى، فلما أطلق الإمام أحمد رحمه الله من السجن صار يفتي الناس بالحق، وصار إماماً مشهوراً في كل البلاد، وصار الذين يردون على المعتزلة نوعان: النوع الأول: هم الأصل وهم أهل السنة والجماعة من أتباع الإمام أحمد ومن كان من أقرانه أو شيوخه، لكن الإمام أحمد رحمه الله برز كعالم أثر تأثيراً كبيراً في حياة الناس، وإلا فإن هذه العقيدة هي عقيدة القرآن والسنة وعقيدة الصحابة والتابعين قبل الإمام أحمد رحمه الله. فالشاهد: أن الاتجاه الأول الذين يردون على المعتزلة: هم أهل السنة والجماعة، وقد ردوا على المعتزلة وأثبتوا الصفات لله سبحانه وتعالى. وظهرت طائفة ثانية استخدمت علم الكلام كطريقة في الرد على المعتزلة وكان زعيمهم: عبد الله بن سعيد بن كلاب، وكان ذكياً واشتغل بعلم الكلام واتبعه طائفة من المشتغلين بعلم الحديث، وردوا على المعتزلة بنفس المنهاج والطريقة وهي: الحجاج العقلي والمناقشات العقلية بعيداً عن القرآن والسنة، فظهرت عندهم بدعة، وهذه البدعة هي: نفي الصفات الاختيارية عن الله عز وجل، فنفوا أن يتكلم الله عز وجل بحرف وصوت، ونفوا المحبة، والبغض والكراهة، والضحك والإرادة، أو فسروها بتفسير يدل على النفي، ونحو ذلك من الأفعال الاختيارية التي سيأتي الإشارة إليها بإذن الله تعالى. فأنكر عليهم علماء السنة في زمانهم إنكاراً كبيراً، وأمر الإمام أحمد بهجر عبد الله بن سعيد بن كلاب وسميت هذه الطائفة: الكلابية نسبة إلى عبد الله بن سعيد بن كلاب، فنفوا الصفات الاختيارية عن الله عز وجل وهي الصفات المتعلقة بمشيئة الله سبحانه وتعالى، وأولوا ما وجدوه في النصوص الشرعية، فوافقوا المعتزلة في هذا الباب.

عقيدة أبي الحسن الأشعري

عقيدة أبي الحسن الأشعري ثم ظهر بعدهم بزمن أبو الحسن الأشعري وقد كان في بداية أمره على طريقة المعتزلة، وكان تلميذاً لـ أبي علي الجبائي وهو من أئمة المعتزلة، وكان أبو علي الجبائي زوجاً لأم أبي الحسن، فرباه على عقيدة المعتزلة قرابة أربعين سنة، فلما عرف فسادها خرج إلى الناس وقال: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا فلان بن فلان كنت أقول بكذا وكذا وكذا، يعني: من عقائد المعتزلة وأنا أنخلع منها كما أنخلع من قميصي هذا، فانخلع من عقيدة المعتزلة ورد عليهم بمصنفات كثيرة. ولما خرج أبو الحسن الأشعري من المعتزلة وجد أمامه الذين يردون على الأشاعرة في اتجاهين: الاتجاه الأول: اتجاه أهل السنة المتمثل في الإمام أحمد ومن كان معه. الاتجاه الثاني: اتجاه الكلابية، ولحبه لعلم الكلام، ولطول اشتغاله بهذا العلم تبنى عقيدة الكلابية وألف في هذه الفترة كتاباً سماه: اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع، ويقصد بهم: المعتزلة. وهذا الكتاب الذي يقرؤه يتبين له أن أبا الحسن الأشعري على عقيدة الكلابية بشكل واضح، وأظنه في هذه الفترة ألف كتاب: استحسان علم الكلام، ورد على المعتزلة بردود كثيرة جداً، ثم تبين لـ أبي الحسن الأشعري أن عقيدة الكلابية خطأ وأنها ليست صحيحة، فرجع عنها وألف كتاب: الإبانة عن أصول الديانة، ومقالات الإسلاميين، ومن ضمنها: مقالة عبد الله بن سعيد بن كلاب ذكرها ثم بعد ذلك قال: وأما قول أهل السنة والحديث وهم أتباع الإمام أحمد فإنهم يقولون: وذكر عقيدتهم ثم قال: وبقولهم نقول، فدل هذا على أن كتابه مقالات الإسلاميين دليل على أنه رجع عن عقيدة الكلابية إلى عقيدة أهل السنة، وهذا الرجوع لا يثبته الأشاعرة ولا يعترفون به ولا يقرون به مع وضوحه في كتاب مقالات الإسلاميين.

أقسام نفاة صفات الله تعالى الاختيارية

أقسام نفاة صفات الله تعالى الاختيارية نفاة الصفات الاختيارية ثلاث طوائف: الطائفة الأولى: أتباع الجعد بن درهم والجهم بن صفوان، وهؤلاء أصلاً ينفون هذه الصفات وينفون الصفات الأخرى زيادة عليها. الطائفة الثانية: المعتزلة وهؤلاء ينفون الصفات جميعاً، سواء كانت اختيارية أو ذاتية. الطائفة الثالثة: الكلابية والأشاعرة والماتريدية، وهم أتباع أبي منصور الماتريدي، وهو من الحنفية، اتبع منهاج الكلابية، فصار الأحناف المتأخرون على طريقته وطريقة ابن كلاب. وعقيدة ابن كلاب أو الكلابية فرخت طائفتين: الطائفة الأولى: الأشعرية. الطائفة الثانية: الماتريدية. والأشعرية والماتريدية هما في الحقيقة وجهان لعملة واحدة، ولهذا حصرت المسائل التي اختلف فيها الأشاعرة والماتريدية فوجدت أنها في بضع عشرة مسألة تقريباً، شققها بعضهم فزادها وضم بعضهم بعض المسائل إلى بعض وجعلها بشكل مختصر، أما المسائل الكبار والقواعد الأساسية فإنهم يتفقون عليها، ويقولون بها. إذاً: دروس الصفات مهمة جداً، والحديث عنها مهم جداً؛ لأنها من الصفات التي اتفق النفاة على نفيها، وهناك صفات لم يتفقوا على نفيها، مثل: الصفات الخبرية الذاتية، فالأشاعرة الأوائل يثبتونها كـ أبي الحسن الأشعري والباقلاني وبعض تلاميذ أبي الحسن الأشعري كـ ابن مجاهد والطبري وغيرهما، والطبري هذا ليس هو صاحب التفسير إنما هو رجل آخر من تلاميذ أبي الحسن الأشعري، فهؤلاء كانوا يثبتون لله الوجه والعينين واليدين والعلو وغير ذلك من صفات الله سبحانه وتعالى التي ينكرها المعتزلة، مع أنهم اتفقوا مع المعتزلة في نفي الصفات الاختيارية عن الله عز وجل.

إثبات أهل السنة لصفات الله تعالى الاختيارية ومخالفة الجهمية ومن وافقهم في ذلك

إثبات أهل السنة لصفات الله تعالى الاختيارية ومخالفة الجهمية ومن وافقهم في ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فصل في الصفات الاختيارية. هذا الفصل تقريباً في خمسين صفحة، وحقيقة: أن ابن تيمية رحمه الله ناقش موضوع الصفات الاختيارية في كتب كثيرة جداً، منها درء التعارض في الأدلة على ثبوت الصفات الاختيارية من القرآن والسنة وأقوال السلف، في المجلد الثاني كله، وقد تعرض لهذا الموضوع ضمن درء التعارض في أماكن كثيرة، وكذلك شرح العقيدة الأصفهانية وبالذات صفة الكلام لله عز وجل، وكذلك التسعينية، وهي: رسالة ألفها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سنة (706هـ) تقريباً في الرد على الأشاعرة في موضوع الكلام النفسي وهو متعلق بالصفات الاختيارية، فقد رد عليهم من تسعين وجهاً. وكذلك شرح حديث النزول، والنزول من الصفات الاختيارية أيضاً، وغير ذلك من الكتب التي ألفها ابن تيمية رحمه الله في هذا الموضوع. قال رحمه الله تعالى: وهي الأمور التي يتصف بها الرب عز وجل. ثم قال: فالجهمية ومن وافقهم من المعتزلة وغيرهم يقولون: لا يقوم بذاته شيء من هذه الصفات ولا غيرها، فهم ينفون الصفات جميعاً، والجهمية ينفون الأسماء أيضاً، والمعتزلة لا ينفون الأسماء وإنما يثبتونها أعلاماً محضة فقط. قال: والكلابية ومن وافقهم من السالمية -والسالمية طائفة من طوائف أهل الكلام يميلون إلى التصوف- وغيرهم يقولون: تقوم الصفات بغير مشيئته وقدرته، فأما ما يكون بمشيئته وقدرته فلا يكون إلا مخلوقاً منفصلاً عنه. أي: أن الكلابية أثبتوا الصفات الذاتية، أما الصفات الاختيارية المتعلقة بالمشيئة فقد قالوا: لا يمكن أن تقوم بالله عز وجل، وشبهتهم هي: الخوف من الوقوع في حلول الحوادث بذات الله عز وجل، فإنهم يقولون: إنه إذا كان الله عز وجل يحب هذا العبد وبعد يومين يحب العبد الثاني وبعد ثلاثة أيام يحب العبد الثالث، فمعنى هذا أنه يقوم بذات الله عز وجل حدوث حب العبد في كل مرة، والحقيقة أن كلمة حدوث مصطلح كلامي، فإن كانوا يقصدون به أنه يحدث في ذات الله عز وجل صفة لم تكن موجودة من قبل أبداً، فهذا لا يمكن أبداً، فالله عز وجل قبل أن يحب هذا العبد هو قادر على المحبة وهو سبحانه وتعالى محب، لكن لما حصل فعل الخير من ذلك العبد أحبه سبحانه وتعالى، وإن كانوا يقصدون به أن الله عز وجل يحب متى شاء كيف شاء، فهذا نثبته ولا ننفيه، وهو ما جاء في القرآن والسنة. ولهذا فإن مناقشات السلف رضوان الله عليهم لهؤلاء مناقشات دقيقة وقوية جداً، فمثلاً: حصل للأوزاعي ولـ إسحاق بن راهويه ولغيرهما من العلماء مناقشات مع هؤلاء، فيقول بعضهم: هل تثبت أن الله عز وجل ينزل؟ فقالوا: نعم. فيقول الكلابي أو الأشعري أو المعتزلي: أنا أكفر بإله يتغير، أو بعضهم يقول: أنا أكفر بإله يزول عن مكانه، فيرد عليه هذا ويقول: أنا أؤمن بإله يفعل ما يشاء؛ لأنك إذا قلت: إن الله عز وجل لا يفعل ما يشاء قد قصرت مشيئته وحصرتها والعياذ بالله، وهذا هو الخطأ العظيم الذي وقعوا فيه. قال: وأما السلف وأئمة السنة والحديث فيقولون: إنه متصف بذلك كما نطق به الكتاب والسنة وهو قول كثير من أهل الكلام والفلسفة أو أكثرهم كما ذكرنا أقوالهم بألفاظها في غير هذا الموضع. قال: ومثل هذا الكلام فإن السلف وأئمة السنة والحديث يقولون: يتكلم بمشيئته وقدرته، وكلامه ليس بمخلوق بل كلامه صفة له قائمة بذاته، وممن ذكر أن ذلك قول أهل السنة، أئمة السنة: أبو عبد الله بن مندة، وأبو عبد الله بن حامد، وأبو بكر عبد العزيز، وهذا من الحنابلة، وأبو إسماعيل الأنصاري وغيرهم، وكذلك ذكر أبو عمرو بن عبد البر نظير هذا في الاستواء وأئمة السنة: كـ عبد الله بن المبارك، وأحمد بن حنبل، والبخاري، وعثمان بن سعيد الدارمي، ومن لا يحصى من الأئمة وذكرهم حرب بن إسماعيل الكرماني عن سعيد بن منصور وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم - وهو ابن راهويه - وسائر أهل السنة والحديث متفقون على أنه متكلم بمشيئته، وأنه لم يزل متكلماً إذا شاء وكيف شاء إلى آخر كلامه.

ذكر بعض الصفات الاختيارية وأدلة إثباتها

ذكر بعض الصفات الاختيارية وأدلة إثباتها الفتنة المشهورة التي وقعت في زمن الإمام أحمد رحمه الله ظهر فيها الخلاف القوي بين أهل السنة والجماعة وبين المعطلة، وهو تقريباً من أوائل الصدامات التي وقعت بين أهل السنة من جهة والمعطلة من جهة أخرى، وهو مبني على قضية خلق القرآن، فإن قضية خلق القرآن نشأت من نفيهم للصفات الاختيارية عن الله عز وجل، فلما نفوا هذه الصفات عن الله عز وجل، بدءوا يؤولون ويعطلون.

صفة المحبة

صفة المحبة من الصفات الاختيارية: صفة المحبة، يقول الله عز وجل: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195]. ويقول سبحانه وتعالى: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9]. ويقول تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:7]. وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222]. وقوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31]. وقوله: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54]. وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:4]. وقوله: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} [البروج:14]. فالمحبة من الصفات الفعلية الثابتة لله سبحانه وتعالى التي يفعلها متى شاء كيف شاء سبحانه وتعالى، وقد تنوعت دلالات الكتاب والسنة على إثبات هذه الصفة، فتارةً ينص فيها باسم المحبة، كقوله تعالى: {يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195]، {يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة:42]، {يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران:76]، {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222]، إلى آخر الآيات. وتارة تأتي باسم الخلة، والفرق بين الخلة والمحبة هو: أن الخلة أعلى درجات المحبة، ويدل على ذلك قول الله عز وجل: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء:125]. وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولقد اتخذ الله صاحبكم خليلاً) رواه مسلم، ويريد بصاحبكم نفسه. وأيضاً: جاءت الدلالة على محبة الله عز وجل في اسمه الودود، وقد ورد في القرآن الكريم في موضعين: الموضع الأول: قول الله عز وجل: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} [البروج:14]. الموضع الثاني: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود:90]. والودود: فعول يأتي بمعنى: فاعل أي: وادًّ، ومعناه: محب، والمودة والمحبة بمعنى واحد، ويأتي بمعنى: مفعول، فودود بمعنى: مودود، أي: محبوب، فالله عز وجل يحِب ويحَب، فهو يحب الصالحين الطيبين، ويحب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق والإخلاص والتوحيد، ونحو ذلك من المخلوقات الشريفة أو من الأوامر التي أمر بها، وكذلك هو سبحانه وتعالى محبوب من عباده الصالحين الطيبين الموحدين. والدليل على أنه محبوب قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31]. وقوله: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54]، فيه إثبات أن الله عز وجل يحب، وأن الله عز وجل محبوب عند عباده الطيبين. ووجه الدلالة من هذه الآيات التي ساقها المصنف واضح، وقوله تعالى: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9] المقصود بالقسط هنا: العدل، وقد أعجبني تعليق ممتاز للشيخ محمد العثيمين في شرح هذه الآية في تفسيره لهذه الآية، فإنه عند حديثه عن القسط وأنه العدل، قال: إن الشرع جاء بالأمر بالعدل، ويخطئ من يقول: إن الإسلام دين المساواة، ويقصد بالمساواة أن كل شيء يساوي بعضه بعضاً. ومما يخطئ فيه بعض الدعاة إلى الله عز وجل عند ردهم على دعاة تحرير المرأة أنهم يقولون: الرجل مساوٍ للمرأة، فبعض الدعاة يرد عليهم ويقر لهم بهذه القاعدة ويقول: نعم، هو مساو للمرأة لكن ينبغي للمرأة أن تحافظ على شرع الله، فالإقرار لهم بهذه المقدمة إقرار خاطئ، فإن المرأة ليست مساوية للرجل، فهي مختلفة عنه في أشياء كثيرة، مختلفة عنه في الصفات والخلقة وفيما أمر الله عز وجل وفي طبيعتها وفيما يتعلق بها من أوامر الشرع، ولا يعني هذا أن المرأة مهانة في دين الله، فهي معززة ومكرمة لكن ليست مساوية للرجل، ولا يعني تعزيز المرأة وتكريمها أن تكون مساوية للرجل، وكلمة المساواة شعار لطائفة من الطوائف الإجرامية الخبيثة وهي: الماسونية، فإن الماسونية اتخذوا هذه الكلمة شعاراً للحرية والمساواة، فالمساواة يعتبرونها شعاراً، ولا ينبغي أن يطلقها الإنسان، ويمكن لكم أن تراجعوا كلام الشيخ محمد بن عثيمين فهو كلام نفيس وممتاز جداً. فصفة المحبة ثابتة لله عز وجل من ثلاثة أوجه: من وجه التصريح بالمحبة، ومن وجه إثبات الخلة، ومن وجه اسمه الودود. أما أهل البدع فإنهم ينفونها ويؤولون معناها، فالجهمية تنفيها أصلاً، والمعتزلة تنف

صفة الرحمة

صفة الرحمة والصفة الأخرى هي: الرحمة، وقد استدل المصنف لها بقوله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل:30] وهي آية في سورة النمل. وقوله: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر:7]. وقوله: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:43]. وقوله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156]. وقوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:54]. وقوله: {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس:107]. وقوله: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64]. وفي هذه الآيات إثبات صفة الرحمة لله سبحانه وتعالى، يقول ابن الوزير اليماني الذي يعتبر من العلماء المتقنين الفطاحلة، وله كتاب العواصم والقواصم في تسعة مجلدات، و (إيثار الحق على الخلق)، وله كتب متعددة، وهو من المجتهدين، وقد كان زيدياً فرجع إلى عقيدة أهل السنة، يقول في كتابه (إيثار الحق على الخلق): كرر الله تعالى التمدح بالرحمة في أكثر من خمسمائة مرة في كتابه الكريم، منها: باسمه الرحمن أكثر من مائة وستين مرة، وباسمه الرحيم أكثر من مائتي مرة، وجمعهما للتأكيد مائة وست عشرة مرة. والأدلة التي ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله في الواسطية تدل على إثبات صفة الرحمة من طريقين: الطريق الأول: من اسمه الرحمن والرحيم، فإن اسمي الرحمن الرحيم يدلان على صفة الرحمة، ومن التصريح بصفة الرحمة وذلك موجود في قوله تعالى: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً} [غافر:7] والرحمة هي الصفة. وقوله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156]. وأيضاً: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:54]. فهذا هو الطريق الثاني في إثبات هذه الصفة. وقد دل على صفة الرحمة أيضاً: مجموعة من الصفات الأخرى منها: الرأفة، يقول الله عز وجل: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:83] واسم الله عز وجل الرءوف، وقد ورد اسم الله عز وجل الرءوف في عشرة مواضع في القرآن، منها: قول الله عز وجل: {وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10]، وغيرها من المواضع، فالرأفة بمعنى: المحبة، وهناك فرق بين الرأفة والمحبة، وهو: أن الرأفة أرق وأخص من المحبة، وهي كما عبر ابن جرير الطبري في تفسيره للرأفة لاسم الله الرءوف في تفسير القرآن أنها أعلى معاني الرحمة. وكذلك من الصفات التي وردت بمعنى الرحمة: الروح، يقول الله عز وجل: {وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف:87]، فالمقصود بروح الله رحمة الله عز وجل، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الريح من روح الله) ومعنى من روح الله أي: من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده، وهذا الحديث صحيح رواه أبو داود وابن ماجة والإمام أحمد في مسنده. ويقول ابن الأثير رحمه الله في غريب الحديث عن حديث الريح: (ومن روح الله) أي: من رحمته بعباده. وقال النووي في الأذكار عندما ذكر هذا الحديث: هو بفتح الراء روح: قال العلماء: أي: من رحمة الله بعباده، وكذلك ذكر ضبط هذا الحديث من روح الله أحمد شاكر في المسند وفسرها بأنها من رحمة الله، وكذلك الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى في تعليقه على الكلم الطيب، قال: الروح هنا بفتح الراء والمقصود بها: الرحمة، والعجيب أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المجلد التاسع في الفتاوى ظن أن معنى روح الله -بضم الراء- الجنة وقال: إن هذه من إضافة المخلوق إلى خالقه، وإنها مثل: وعيسى روح منه، والظاهر -والله تعالى أعلم- أن الصحيح هو أن ضبط الرواية: (من رَوح الله). وكذلك ورد الحديث عن الرحمة في صفة أخرى، وهي: الحنان، والحنان من صفات الله عز وجل وهي واردة في القرآن الكريم، يقول الله عز وجل: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا} [مريم:12 - 13]. فقوله: {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا} [مريم:13] فسرها جماعة من السلف منهم: ابن جرير وغيره بأنها: محبةً منا، أي: رحمةً

صفة الرضا والغضب والسخط

صفة الرضا والغضب والسخط الصفة الأخرى صفة الرضا والغضب والسخط لله عز وجل، يقول الله عز وجل: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:119]. وقوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء:93]. وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ} [محمد:28]. وقوله: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف:55]. وقوله: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} [التوبة:46]. وقوله: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:3]. وهذه الآيات مشتملة على مجموعة من الصفات، منها: إثبات الرضا لله عز وجل، وهي: صفة فعلية ثابتة لله عز وجل أنه يرضى سبحانه وتعالى، وهي مأخوذة من قوله: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} [المائدة:119]. ومنها: إثبات صفة الغضب لله عز وجل، وأنه يغضب من أخطاء العباد أو نحو ذلك، وقد ثبت في حديث الشفاعة الطويل أنه عندما يطلب من الأنبياء الشفاعة فإنهم يقولون: (إن الله غضب غضباً لم يغضب مثله قط، ولن يغضب بعده مثله). وقد ورد الغضب باسم السخط، فالسخط بمعنى: الغضب، ولهذا ذكر شيخ الإسلام الآيتين: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [النساء:93]. وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ} [محمد:28]. فالسخط والغضب متقاربان في المعنى.

صفة الأسف

صفة الأسف نثبت لله صفة الأسف، لقوله: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف:55] أي: أغضبونا، والأسف: هو شدة الغضب، والجهمية والأشاعرة والماتريدة يؤولون الغضب بأنه إرادة الانتقام، وبعضهم يفسره بأنه الانتقام نفسه، لكن الآية: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا} [الزخرف:55] فيها التفريق بين الأسف الذي هو الغضب والانتقام، ولو كان معناهما واحداً لما فرق بينهما، فإنهما افترقا لفظاً ومعنى، فقوله: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا} [الزخرف:55] فالأسف الغضب، ونتيجة الغضب هو: انتقام الله عز وجل منه.

صفة المقت والكره

صفة المقت والكره من الصفات التي ذكرها الشيخ: المقت والكره، وهما بمعنى واحد، قال تعالى: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} [التوبة:46]. وقوله: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:3]. وكذلك ورد المقت والكره في صفة أخرى وهي: البغض، والبغض هو المقت والكراهة، ويدل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (إن الله إذا أحب عبداً قال: يا جبريل، إني أحب فلاناً فأحبه) وفيه: (وإذا أبغض عبداً)، وهذا يدل على أن البغض صفة من صفاته، (وإذا أبغض عبداً قال: يا جبريل إني أبغض فلاناً فأبغضه فيبغضه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء ثم يوضع له البغضاء في الأرض).

صفة المجيء والإتيان

صفة المجيء والإتيان صفة المجيء والإتيان من الصفات الاختيارية الفعلية الثابتة لله عز وجل، قال تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ} [البقرة:210]. وفي هذه الآية فرق بين إتيانه سبحانه وتعالى وإتيان الملائكة، فإنه قال: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} [البقرة:210] يعني: والملائكة يأتون، وهذا يدل على بطلان تأويل الأشاعرة الذين أولوا الإتيان بأنه ملك من الملائكة يرسله الله عز وجل. وقوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام:158] وهذا تفريق آخر في الإتيان. وقوله: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:21 - 22]. وفي كل آية من هذه الآيات التفريق بين مجيئه وإتيانه وبين مجيء الملائكة وإتيانهم. وبعضهم يقول: مجيء أمره، وهذا: تأويل للصفة، فإن الله عز وجل يأتي بنفسه سبحانه وتعالى. وقوله: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا} [الفرقان:25] ظاهر هذه الآية: أنه ليس فيها دلالة على مجيء الله عز وجل بوجه خاص، وليس فيها إلا إثبات نزول الملائكة، والشيخ رحمه الله من طريقته في بعض الأحيان أنه يحشد النصوص حتى ولو كان في بعضها طرف استدلال، وليس استدلالاً مباشراً، ووجه الاستدلال من هذه الآية: هو من قوله: {تَشَقَّقُ السَّمَاءُ} [الفرقان:25] فإن تشقق السماء بالغمام لا يكون إلا إذا جاء الله عز وجل وأتى كما يدل عليه قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} [البقرة:210] فإن الله سبحانه وتعالى إذا جاء تشققت السماء بالغمام.

الأسئلة

الأسئلة

الفرق بين الصفات الاختيارية والصفات الفعلية

الفرق بين الصفات الاختيارية والصفات الفعلية Q ما هو الفرق بين الصفات الاختيارية والصفات الفعلية؟ A ليس هناك فرق بين الصفات الاختيارية والصفات الفعلية، فالصفات الفعلية والاختيارية صفات واحدة، وإنما سميت الاختيارية لتعلقها بالمشيئة والاختيار.

موقف الجهمية والمعتزلة والأشاعرة من الصفات الاختيارية

موقف الجهمية والمعتزلة والأشاعرة من الصفات الاختيارية Q هل الجهمية ينكرون الصفات الاختيارية فقط؟ A الجهمية ينكرون أسماء الله عز وجل وينكرون صفاته الذاتية وصفاته الفعلية. والمعتزلة اقتصروا على نفي الصفات الذاتية والفعلية وأثبتوا الأسماء. والأشاعرة المتأخرون منهم صاروا مثل المعتزلة، والمتقدمون منهم أثبتوا بعض الصفات الذاتية، ونفوا الصفات الاختيارية.

الفرق بين الجهمية والمعتزلة في نفي الأسماء

الفرق بين الجهمية والمعتزلة في نفي الأسماء Q ما هو الفرق بين الجهمية والمعتزلة في نفي الأسماء؟ A المعتزلة يقولون: له أسماء، ويثبتون أنه عالم قادر وهكذا، لكن الجهمية يقولون: لا نسميه بهذه الأسماء مطلقاً؛ لأنه يلزم منها التعدد.

علم الله تعالى السابق وأثره في ترتب الثواب والعقاب عليه

علم الله تعالى السابق وأثره في ترتب الثواب والعقاب عليه Q هل يترتب الثواب والعقاب على علم الله السابق للعبد؟ A لا يترتب الثواب والعقاب على علم الله عز وجل، لكن الله عز وجل عندما علم أن العبد سيفعل كذا، فهو سيفعله قطعاً، ولهذا كتب سبحانه وتعالى ما علمه، ولا يرتب الثواب والعقاب إلا إذا فعله، وهو فاعله قطعاً؛ لأنه لا يمكن أن يعلم الله أنه سيفعله ولا يفعله، فالله عز وجل علمه شامل تام. ولهذا فإن الأطفال مثلاً أو المعتوهين أو أهل الفترة مع أن الله عز وجل علم بما كانوا عاملين إلا أنه لا يعذبهم حتى يمتحنهم في الآخرة على الصحيح من أقوال أهل العلم.

مذهب أبي الحسن الأشعري قبل رجوعه إلى مذهب أهل السنة

مذهب أبي الحسن الأشعري قبل رجوعه إلى مذهب أهل السنة Q ذكرتم مراحل أبي الحسن الأشعري رحمه الله، ولم تذكروا مذهبه، فهلا ذكرتم مذهبه قبل الرجوع إلى أهل السنة في الجملة؟ A أبو الحسن الأشعري لما رجع من المعتزلة وقبل أن يرجع للسنة، كان على مذهب الكلابية.

سبب نفي الكلابية للصفات الاختيارية

سبب نفي الكلابية للصفات الاختيارية Q ما هو السبب في نفي الكلابية للصفات الاختيارية دون غيرها؟ وما هي شبهتهم؟ A شبهتهم هي: نفي حلول الحوادث بذات الله عز وجل.

توجيه بشأن قراءة الطالب المبتدئ كتاب مقالات الإسلاميين

توجيه بشأن قراءة الطالب المبتدئ كتاب مقالات الإسلاميين Q كتاب مقالات الإسلاميين هل يقرؤه طالب العلم المبتدئ؟ A مقالات الإسلاميين لـ أبي الحسن كتاب لا ينفع طالب العلم المبتدئ، وإنما ينبغي على طالب العلم المبتدئ أن يبتدئ بصغار العلم قبل كباره، وأن يبتدئ بالتفقه وتفهم أحكام الله عز وجل في العقيدة وفي الأحكام الفقهية.

الموقف من الرد على المعتزلة بردود الأشاعرة العقلية

الموقف من الرد على المعتزلة بردود الأشاعرة العقلية Q هل لطالب العلم أن يرد المعتزلة بردود الأشاعرة العقلية مع القرآن والسنة؟ A ردود الأشاعرة العقلية على المعتزلة ليست في الغالب ردوداً صحيحة، بل فيها لوازم باطلة بناءً على مذهبهم، ولهذا فإن في القرآن والسنة غنية وكفاية عن استخدام ردود هؤلاء، وإن كان قد يوجد في بعض كلامهم ما هو صحيح، وشيخ الإسلام في بعض الأحيان قد يستخدم هذا الأسلوب للرد على أهل الكلام بكلامهم نفسه، لكن شيخ الإسلام ممن يميز المسائل ويفحصها جيداً، وهو يختلف عن غيره، فلا يصلح هذا لكل أحد.

حكم التسمي بحنان ورحمة

حكم التسمي بحنان ورحمة Q هل يجوز التسمي باسم حنان ورحمة؟ A التسمية بحنان أو رحمة إذا كان فيها تزكية فلأهل العلم كلام أنه لا يجوز، لكن إذا كان المقصود مطلق الاسم فليس فيه شيء أن تسمى حناناً أو رحمة. وإضافة الرحمة إلى الله عز وجل نوعان: إضافة صفة إلى موصوف، وإضافة مخلوق إلى خالق، ولهذا قد تسمى الجنة في بعض الأحيان رحمة الله، وقد يسمى المطر رحمة الله أيضاً.

المعنى المراد من وصف الله تعالى بصفة الأسف

المعنى المراد من وصف الله تعالى بصفة الأسف Q أليس من معاني الأسف شدة الحزن؟ وهل يجوز نسبة هذا المعنى إلى الله؟ A الأسف هنا ليس معناه شدة الحزن، وإنما معناه شدة الغضب، ولا يجوز نسبة شدة الحزن إلى الله عز وجل.

نقد كتاب (الحكم بغير ما أنزل الله وأصول التكفير) لخالد العنبري

نقد كتاب (الحكم بغير ما أنزل الله وأصول التكفير) لخالد العنبري Q ما رأيكم في كتاب الحكم بغير ما أنزل الله وأصول التكفير لـ خالد العنبري؟ A هذا الكتاب فيه أشياء صحيحة، وفيه بعض الأشياء التي عليها ملاحظات، ومن هذه الأشياء مسألة القوانين الوضعية، فإن مؤلفة يرى أن القوانين الوضعية إذا عملها الإنسان وهو غير مستحل لها ولا يرى أنها أفضل من شريعة الله أو أنها مساوية لها بدون أي علاقة بالاعتقاد، فالقوانين الوضعية بهذه الحالة من جهة الفعل فقط معصية، والصحيح أنها كفر مخرج عن الإسلام. وعندما ذكر الحكم بغير ما أنزل الله ذكر أنواع الاعتقادات ثم ختمها بتطبيق القوانين الوضعية، وهذا يدل على أن الأخير الذي هو تطبيق القوانين الوضعية يختلف عن الأول؛ لأنه لو كان هو الأول لما كان هناك داعي لإفراده بنوع خاص، وهذا يدل على أن الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله كان يرى أن تطبيق القوانين الوضعية من جهة الفعل كفر يخرج عن الإسلام، حتى لو لم يخالطه استحلال قلبي أو أنه يرى أنها أفضل من شرع الله، أو نحو ذلك، وهذا هو الصحيح والحق الذي لا مرية فيه، وقد سبق أن أشرنا إلى الأدلة في هذا، ويمكن أن تراجعوا كتاب الحكم بغير ما أنزل الله أحواله وأحكامه للشيخ عبد الرحمن المحمود، وقد سبق أن أشرنا إلى أدلة في هذا الموضوع.

العقيدة الواسطية [8]

العقيدة الواسطية [8] إن صفات الله تعالى الخبرية مما يجب اعتقاده والتصديق به؛ إذ قد ثبتت في نصوص الوحي, ودلائلها من الكثرة بمكان, ومن جملتها صفة الوجه الذي دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية دلالة واضحة لا يستقيم معها تأويل المبتدعة.

صفات الله تعالى الخبرية

صفات الله تعالى الخبرية إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. أما بعد: فقد تحدثنا عن الصفات الاختيارية، وهي الصفات الفعلية التي تقوم بذات الله سبحانه وتعالى متى شاء وكيف شاء سبحانه وتعالى. وهنا سيكون حديثنا بإذن الله تعالى عن الصفات الخبرية, وقد تحدثنا عن أن معنى الصفات الخبرية: هي الصفات التي لا يثبتها العقل استقلالاً، وهي التي وردت في النصوص الشرعية، مثل: إثبات الوجه واليدين والعينين والقدم الساق ونحو ذلك؛ فهذه الصفات تسمى الذاتية، وهي التي تتعلق بذات الله سبحانه وتعالى، وليست منفكة عنه بأي وجه من الوجوه، ولا تعلق لها بالمشيئة.

نفاة الصفات الخبرية

نفاة الصفات الخبرية الصفات الخبرية يثبتها أهل السنة والجماعة كسائر الصفات الثابتة لله سبحانه وتعالى، وأول من أنكر ثبوت هذه الصفات هو الجعد بن درهم كما سبقت الإشارة إليه في الكلام على الصفات الاختيارية. فـ الجعد بن درهم كان ينفي جميع الصفات عن الله سبحانه وتعالى، ويقول: لا يقوم بالله عز وجل صفة من الصفات، وتابعه على ذلك الجهم بن صفوان وبشر بن غياث المريسي والمعتزلة أيضاً، فالمعتزلة تابعوا الجهمية في هذا الأمر. أما الأشاعرة فقد سبق أن بينت أن أبا الحسن الأشعري كان من المعتزلة ثم ترك الاعتزال بعد أربعين سنة، واتجه إلى مذهب ابن كلاب، ثم ترك مذهب ابن كلاب في آخر أمره واتجه إلى مذهب السلف الصالح رضوان الله عليهم، أما أتباعه فبعضهم بقي على مذهبه عندما كان كلابياً، والبعض الآخر من المتأخرين غلا حتى صار قريباً من المعتزلة إلى حد كبير. فكان أبو الحسن الأشعري مثل الكلابية، وكانوا لا ينفون الصفات الخبرية عن الله عز وجل، وكان الصراع بينهم وبين المعتزلة في موضوع الصفات الخبرية قوياً، فـ أبو الحسن الأشعري وأبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني والقلانسي وغيرهم من الكلابية أتباع أبي الحسن كانوا يثبتون الصفات الخبرية، فيثبتون أن لله وجهاً ويدين وعينين، ونحو ذلك من الصفات التي سيأتي الإشارة إليها بإذن الله تعالى. وأول من نفى الصفات الخبرية في مذهب أبي الحسن الأشعري هو إمام الحرمين الجويني، فإنه اتجه بالمذهب الأشعري نحو الاعتزال بقوة، فنفى الصفات الخبرية عن الله عز وجل، فقال: لا نثبت لله وجهاً ولا يدين ولا عينين، وأولها فقال: الوجه هو الثواب أو الذات، واليدان: النعمة أو القدرة، والعينان: الإحاطة أو النظر أو البصر، وحجته في النفي هي حجة المعتزلة نفسها، وهي أن إثبات هذه الصفات يستلزم إثبات الأبعاض في الله عز وجل والأجزاء والتركيب. وقد سبق أن أشرنا إلى أن هذه الألفاظ اصطلاحات اتفق عليها هؤلاء المتكلمون، وأنه لا بد على صاحب العقيدة السلفية الصحيحة أن لا ينفيها مطلقاً ولا يثبتها مطلقاً؛ لأن هذه الألفاظ مشتملة على شيء من الحق والباطل، وهكذا تكون البدعة. فإن البدعة لا يمكن أن تكون باطلاً محضاً؛ لأنها إذا كانت باطلاً محضاً لا يقبلها أحد، ولا يمكن أن تكون حقاً محضاً؛ لأنها لو كانت حقاً محضاً ما كانت بدعة، لكنها خلط ولبس للحق بالباطل، كما قال الله عز وجل عن بني إسرائيل: {لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران:71]، فالبدعة خلط ولبس بين الحق والباطل. وهكذا ألفاظ هؤلاء المتكلمين جميعاً هي مشتملة على حق وباطل، فلا يصح للإنسان أن ينفيها مطلقاً ولا أن يثبتها مطلقاً، بل لا بد من الاستفصال ومعرفة معاني ما يقول، فإذا قال مثلاً: يجب أن ينفي عن الله عز وجل الأجزاء والأبعاض، فلا بد أن نسأله ما القصد بالأجزاء والأبعاض؟ فإذا كان يقصد أن الله عز وجل مركب من أجزاء وأبعاض قد ركبه غيره، أو أنه مركب ينفصل بعضه عن بعض، فهذا معنى باطل لا يقوله أحد ولا يقره أهل السنة. وإذا سمى هذه الصفات وهي: الوجه واليدان والعينان أبعاضاً فنثبت الوجه واليدين والعينين لله عز وجل ولا نسميها أبعاضاً؛ لأن هذه تسمية مبتدعة، وهكذا يستطيع الإنسان أن يصل إلى الحق مع إجابته عن كلام هؤلاء المبتدعة. وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رد على قانونهم الكلي الذي هو تعارض العقل مع النقل في كتابه العظيم: درء تعارض العقل والنقل. ومن الوجوه التي رد عليهم هي: أن هؤلاء المبتدعة يردون النصوص الشرعية بمعتقدات يعتقدونها، وليست هي حقيقة ما في العقل، فهم يصطلحون اصطلاحات، ويأتون بمعقولات ثم يسمونها قواطع عقلية لا تقبل النقض، ثم يعارضون بها النصوص الشرعية ويردونها، هكذا حالهم والعياذ بالله.

ذكر بعض صفات الله تعالى الخبرية

ذكر بعض صفات الله تعالى الخبرية إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. أما بعد: فقد تحدثنا عن الصفات الاختيارية، وهي الصفات الفعلية التي تقوم بذات الله سبحانه وتعالى متى شاء وكيف شاء سبحانه وتعالى. وهنا سيكون حديثنا بإذن الله تعالى عن الصفات الخبرية, وقد تحدثنا عن أن معنى الصفات الخبرية: هي الصفات التي لا يثبتها العقل استقلالاً، وهي التي وردت في النصوص الشرعية، مثل: إثبات الوجه واليدين والعينين والقدم الساق ونحو ذلك؛ فهذه الصفات تسمى الذاتية، وهي التي تتعلق بذات الله سبحانه وتعالى، وليست منفكة عنه بأي وجه من الوجوه، ولا تعلق لها بالمشيئة.

صفة الوجه وأدلة إثباتها

صفة الوجه وأدلة إثباتها الصفات الخبرية ثابتة لله سبحانه وتعالى كغيرها من الصفات، يقول الله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:27]، ويقول تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88]. في هاتين الآيتين إثبات صفة الوجه لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلالة فقوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن:27] هذه الإضافة من إضافة الصفة إلى الموصوف، وقوله تعالى: ((ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)) فذو وصف للوجه؛ وإعراب وجه فاعل مرفوع، وذو صفة، والصفة تتبع الموصوف، فذو هنا مرفوعة؛ لأن وجه مرفوع، وليست (ذو الجلال) وصفاً لكلمة ربك؛ لأنها لو كانت وصفاً لكلمة ربك لكانت ذي الجلال، فهناك فرق مثلاً بين قوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:27] وبين قوله: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:78]. ففي قوله تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ} [الرحمن:78]، هنا ذي وصف لربك، ربك مضاف إليه وهو مجرور، وذي من الأسماء الخمسة، وتجر بالياء، كما أنها ترفع بالواو، كما في قوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:27]، ففي هذه الآية إثبات صفة الوجه لله سبحانه وتعالى. وقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88] فيها إثبات صفة الوجه لله سبحانه وتعالى. وهناك نصوص كثيرة تدل على إثبات صفة الوجه، منها: حديث عتبان بن مالك الثابت في صحيح البخاري (أن الله عز وجل حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله). وقد استنبط منها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد، في باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب في المسائل حيث قال: فيه إثبات صفة الوجه خلافاً للأشعرية، يعني: الذين ينفونها، ويقصد بهم الأشعرية المتأخرين الذين جاءوا بعد أبي المعالي الجويني وقلدوه في مشابهة المعتزلة في هذا الباب. وقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88] هذا أيضاً فيه إثبات صفة الوجه كما سبقت الإشارة إليه.

الرد على أهل البدع في تأويل الوجه

الرد على أهل البدع في تأويل الوجه وأهل البدع يؤولون الوجه، فتارة يقولون بأن الوجه صلة زائدة، والمعنى: ويبقى ربك ذو الجلال والإكرام، كقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، فإن الكاف هنا صلة زائدة، وليست للتشبيه؛ لأن لو كان لها معنى التشبيه فيما يظنون لكان المعنى: ليس كمثل مثله شيء، ففيه إثبات أن له مثلاً ثم نفي المثلية عن هذا المثل. وهذا لا شك أنه باطل، فالكاف هنا مؤكدة وزائدة وليست لتشبيه المثل بالمثل. لكن في قوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:27] لا يصح أن يقولوا: إنها صلة زائدة؛ لأن الوصف في قوله: {ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:27] معطوف على الوجه. ثم كيف يقال: إنها زائدة مع أنه ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (حجابه النور لو كشفه لأحرق سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)؟ فلو قيل إنها زائدة لما كان للحديث معنى. وبعضهم يفسرها بأن المراد من الوجه الثواب، وهذا لا يصح؛ لأنه لو كان يراد به الثواب فمعنى هذا أنه مخلوق، فكيف يوصف بأنه ذو الجلال والإكرام؟ فليس المقصود بالوجه هنا الثواب، وإنما المقصود به الوجه الحقيقي؛ لأنه وصف بذو الجلال والإكرام، فهذا من جهة. ومن جهة أخرى فإنه ورد في أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه: (أعوذ بوجهك الكريم)، فلو كان المقصود به الثواب، فكيف يستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم بمخلوق، والاستعاذة بالمخلوق شرك؟ ولهذا استدل أهل العلم على أن كلام الله عز وجل صفة من صفاته لقوله صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، فالاستعاذة لا تكون إلا بالله عز وجل أو بصفة من صفاته لا بالمخلوق؛ ففي هذه الاستعاذة دليل على أن الوجه صفة من صفاته، وليس المقصود به الثواب. وقد تحدث عن هذه القضية ابن القيم رحمه الله في كتابه العظيم: الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، وقد ألفه للرد على الطواغيت التي نصبها أهل التأويل لدك معاقل الوحي، وهي ما يلي: الطاغوت الأول: أن دلالات الألفاظ لا تفيد اليقين. الطاغوت الثاني: أن العقل يرجح على النقل عند التعارض. الطاغوت الثالث: المجاز. الطاغوت الرابع: عدم قبول خبر الآحاد في مسائل العقيدة. ورد عليها بشكل مفصل، وهو كتاب ضخم كبير، إلا أن الموجود منه يشمل: الرد على أن دلالات الألفاظ لا تفيد اليقين، ودرء تعارض العقل والنقل، لكن آخر الكتاب مفقود وليس بموجود، والمطبوع منه الآن أربع مجلدات، واختصره الشيخ محمد الموصلي البعلي رحمه الله تعالى، فالشيء المفقود وجد مختصراً في اختصار محمد الموصلي البعلي رحمه الله تعالى. ويمكن مراجعة كلام ابن القيم رحمه الله في موضوع صفة الوجه لله عز وجل، والرد على الذين أولوه بالثواب أو بذاته تعالى في هذا الكتاب من صفحة 335 إلى 344. يقول رحمه الله تعالى: المثال الخامس: وجه الرب جل جلاله، حيث ورد في الكتاب والسنة، فليس بمجاز، بل على حقيقته، ورد على قول المتكلمين بأن صفات الله عز وجل مجاز وليست حقيقة. قال: واختلف المعطلون في جهة التجوز في هذا، فقالت طائفة: لفظ الوجه زائد والتقدير: ويبقى ربك. وقالت فرقة أخرى: الوجه بمعنى الذات، وهذا القول نفس قول الذين قالوا: إن الوجه جائز؛ لأن الذات هو حقيقة الله عز وجل. وقالت طائفة: ثوابه وجزاؤه، فتجعله مخلوقاً منفصلاً، وقالوا: لأن الذي يراد هو الثواب، وهذه أقوال نعوذ بوجه الله العظيم من أن يجعلنا من أهلها. ثم نقل عن عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله رده على بشر المريسي في هذا الباب، ثم قال: والقول بأن لفظ الوجه مجاز باطل من وجوه، وساق منها مجموعة كبيرة جداً تتجاوز العشرين وجهاً، فقد رد عليها من ست وعشرين وجهاً، أحدها: أن المجاز لا يمتنع نفيه، فعلى هذا لا يمتنع أن يقال: ليس لله وجه ولا حقيقة لوجهه، وهذا تكذيب صريح بما أخبر به عن نفسه وأخبر به عنه رسوله. الثاني: أنه خروج عن الأصل والظاهر، يعني: ظاهر النص الشرعي بلا موجب. الثالث: أن ذلك يستلزم كون حياة وسمع وبصر وقدرة وكلام وإرادة وسائر صفاته مجاز، بل يمكن أن يقال فيما بعد: وجوده مجاز كما يقوله الملاحدة! وإن دعوى المعطل أن الوجه صلة كذب على الله وعلى رسوله وعلى اللغة، فإن هذه الكلمة ليست مما عهد زيادتها، والعادة أن الذي يكون زائداً هو: من أو ما أو الكاف، أما كلمة لها دلالة بهذه القوة ويقولون: إنها زائدة، فلا شك أن هذا انحراف. يقول: ما ذكره الخطابي والبيهقي وغيرهما قالوا: لما أضاف الوجه إلى الذات وأضاف النعت إلى الوجه فقال: ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، دل على أن ذكر الوجه ليس بصلة، وأن قوله: {ذو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:27] ص

صفة اليدين وأدلة إثباتهما

صفة اليدين وأدلة إثباتهما الصفة الثانية من الصفات الخبرية التي ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله هي: إثبات صفة اليدين لله عز وجل، واستدل عليها بقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75]، وقوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64]. وذكر ثلاث آيات في إثبات صفة اليدين لله سبحانه وتعالى، وقد جاءت صفة اليدين مفردة ومثناه ومجموعة. ففي قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75]، فلفظة اليدين للتثنية وقوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:64] هنا للإفراد، وقوله: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس:71] هنا للجمع، والجمع بين هذه الآيات جميعاً هو أن يقال: إن المفرد إذا أضيف فإنه يدل على العموم والجنس، فأنت تقول مثلاً: نعمة الله عز وجل وتقصد بها أنعام الله المتعددة، قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم:34]، فقال: لا تحصوها مع أنه أفرد النعمة، وهذا يدل على أن المراد بالنعمة جنس النعمة. وأما الجمع في قوله: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس:71] فإنه يراد به التعظيم، ولهذا يقول الله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا} [الإنسان:23] مع أنه واحد سبحانه وتعالى، فالجمع يراد به التعظيم. وقد يقال: إن أقل الجمع اثنان، وهذه المسألة فيها خلاف، هل أقل الجمع اثنان أو أكثر؟ وتوجد نصوص تدل على أن أقل الجمع اثنان، وحتى لو كان أقل الجمع ثلاثة فأكثر، فإنه يراد بها التعظيم، وتصبح التثنية نص في المسألة، ويؤخذ من هذا أن الله عز وجل له يدان اثنتان سبحانه وتعالى؛ لأن التثنية نص وليس ظاهر؛ ولهذا فالعلماء يمثلون في الكلام على دلالة الألفاظ للنص الذي لا يحتمل التأويل بالعدد، والتثنية لا تحتمل إلا اثنين، فهي نص في أن لله عز وجل يدان اثنتان سبحانه وتعالى تليق بجلاله، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في هذا الكتاب أن صفة اليد لله سبحانه وتعالى وردت في القرآن والسنة وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مائة موضع وروداً متنوعاً متصرفاً فيه مقروناً بما يدل على أنها يد حقيقية من الإمساك والطي، والقبض، والبسط، والحثيات، والخلق باليدين، والمباشرة بهما، وكتب التوراة بيده، وغرس جنة عدل بيده، وتخمير طينة آدم بيده، إلى آخر ما هنالك من الأشياء التي ذكرها رحمه الله تعالى.

الصفات المتعلقة بصفة اليدين

الصفات المتعلقة بصفة اليدين ومن الصفات المتعلقة بصفة اليدين ما يلي: أولاً: صفة الأخذ، وقد ورد الأخذ في حديث ابن عمر رضي الله عنه في صحيح مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأخذ الله عز وجل سماواته وأراضيه بيديه فيقول: أنا الله الملك)، فصفة الأخذ متعلقة بصفة اليدين. ثانياً: صفة الأصابع، وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب فقال: يا أبا القاسم! إن الله يمسك السماوات على إصبع، والأراضين على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر على إصبع، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه، ثم قرأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام:91]). وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم. وعندما تقارن بين هذا الحديث والذي قبله دل على أن هذه الأصابع متعلقة باليد، لكنها لا تشبه أصابع وأيدي المخلوقين، ولا يجوز للإنسان أن يكيفها بصورة معينة، فهذا التكييف الذي في ذهن الإنسان كذب وبهتان وزور وبدعة في نفس الوقت. ولما جاء رجل إلى الإمام مالك فقال له: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى؟ قال: الاستواء معلوم والكيف مجهول -يعني: له كيف لكنه مجهول لا نعلمه- والإيمان به واجب، يعني: أن نؤمن بأن له كيفاً لا نعرفه، والسؤال عنه بدعة. وهذه قاعدة قررها الإمام مالك، وقيل: أنها من كلام عائشة رضي الله عنها أو أم سلمة، وقيل: إنها من كلام شيخ الإمام مالك وهو ربيعة الرأي، وهي قاعدة عامة من قواعد السلف في باب الصفات، فلا يجوز أن تتخيل له الصفة؛ لأن هذا من علم الغيب، وعلم الغيب غيب بالنسبة لنا، ولا يجوز للإنسان أن يكيفه. فكل تكييف في ذهن الإنسان بدعة من جهة، وهو في نفس الوقت كذب من جهة أخرى، فلا يجوز للإنسان أن يكيف صفات الله عز وجل في ذهنه بصورة أياً كانت هذه الصورة، سواء كانت على صورة الخلق أو على أي صورة يتخيلها الإنسان. ثالثاً: صفة الإمساك، وهذا وارد في الحديث السابق، فإنه قال: (إن الله يمسك السموات على إصبع). رابعاً: صفة الكفين والأنامل، فقد ورد الكف في حديث اختصام الملأ الأعلى، وهو أنه رأى ربه في منامه في أحسن صورة، وفي هذا الحديث الطويل: (فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله في صدري)، والأنامل هي الأصابع، والكف متعلق بصفة اليد، وهو كما يليق بجلال الله عز وجل سبحانه وتعالى، وفي بعض الألفاظ: (وضع يده). خامساً: صفة البسط والقبض، يقول الله عز وجل: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64]، وفي حديث النزول في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (ثم يبسط يديه تبارك وتعالى ويقول: من يقرض غير عدوم ولا ظلوم؟). ومن أسمائه سبحانه وتعالى الباسط، فالباسط يشتمل على صفة البسط، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الزمر:52]]، وهذه صفة فعلية، ويشمل أيضاً على بسطه ليديه سبحانه وتعالى، وهي لائقة بجلاله لا تشبه أيدي المخلوقين. وأما القابض فورد في حديث: (يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة)، ويدل عليه قول الله عز وجل: {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:67]. سادساً: صفة الطي، يقول الله عز وجل: {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67]، ويقول أيضاًً في الحديث الصحيح الثابت في البخاري وفي مسلم (يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه)، وهذا الحديث موافق لمعنى الآية. سابعاً: صفة الحثو بالكفين، ففي حديث السبعين ألفاً الذين يدخلهم الله عز وجل الجنة بغير حساب ولا عذاب، فيه: (ثم يحثو ربي ثلاث حثيات بكفيه)، وهذا حديث صحيح. ثامناً: صفة الكتابة والخط، يقول الله عز وجل: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً} [الأعراف:145] إلى آخر الآية، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} [الأنبياء:105]، وفي حديث احتجاج آدم وموسى، أن آدم قال لموسى: (أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده)، والكتابة من الأركان الأساسية في الإيمان بالقدر، وأن الله عز وجل كتب مقادير كل شيء قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. والكتابة تحتمل عدة معان، منها: الاحتمال الأول: أنه أمر القلم أن يكتب.

حكم إثبات الشمال لله عز وجل

حكم إثبات الشمال لله عز وجل هناك مسألة متعلقة بصفة اليدين لله عز وجل، وقد ورد فيها أحاديث، ومنها: أن الله عز وجل يقبض السموات بيده اليمنى، ويقبض الأرضين بشماله، وورد في بعض الألفاظ بيساره. وورد في أحاديث أخرى أن الله عز وجل له يدان وكلتا يديه يمين، فهذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم على قولين: القول الأول: لله يد يمين وله يد أخرى يسار أو شمال، وهذا القول قال به الدارمي رحمه الله في رده على بشر المريسي، وهو كتاب معروف ومشهور، وقال به أيضاً أبو يعلى الفراء الحنبلي في كتابه إبطال التأويلات، وقد طبع من هذا الكتاب جزأين، وأصل هذه الكتاب هو في الرد على تأويلات ابن فورك، فله كتاب في بيان مشكل الحديث، فقد استعرض ابن فورك الأحاديث التي ذكرها ابن خزيمة في كتاب التوحيد حديثاً حديثاً وأولها، فرد عليه أبو يعلى في كتاب (إبطال التأويلات) وينقل عنه شيخ الإسلام كثيراً، وهو محقق في جزأين، ولم يكتمل طبعه بعد. وأيضاًَ ممن يرى هذا الرأي الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، ففي آخر باب من أبواب كتاب التوحيد قال: فيه إثبات الشمال لله سبحانه وتعالى. وممن قال بهذا صديق حسن خان الهندي العالم المعروف ملك بهوبال، له كتاب اسمه (قطف الثمر في عقائد أهل الأثر)، أثبت فيه هذا المعنى. ومنهم كذلك شارح العقيدة الواسطية الشيخ محمد خليل الهراس. ومنهم الشيخ عبد الله الغنيمان حفظه الله تعالى في شرحه لكتاب التوحيد من صحيح البخاري. واستدلوا على ذلك بأدلة، منها: ما رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يطوي الله عز وجل السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأراضين بشماله) فهذا الحديث فيه ذكر الشمال. الدليل الثاني: وردت أحاديث كثيرة في وصف إحدى يدي الله عز وجل باليمين، وهذا يقتضي أن الثانية يسار أو شمال، فمن هذه الأحاديث -مثلاً- ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال (يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة). ومن ذلك أيضاً حديث أبي هريرة في البخاري ومسلم: (ويطوي السماء بيمينه)، وحديث آخر وفيه: (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيباً فإن الله يقبضها بيمينه)، فهذه الأحاديث فيها وصف لإحدى يدي الله عز وجل باليمين، وهذا يقتضي أن الأخرى ليست يميناً فتكون شمالاً. القول الثاني: لله عز وجل يدان وكلتا يديه يمين، وهذا قول ابن خزيمة رحمه الله في كتابه التوحيد، وقول البيهقي، وقول الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى، واستدلوا على ذلك بدليلين: الدليل الأول: ما رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمر أنه قال: (إن المقسطين عند الله تعالى على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين). الدليل الثاني: ما رواه ابن أبي عاصم في كتابه السنة من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، والآجري في الشريعة وصححه الشيخ الألباني من حديث ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول ما خلق الله القلم فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين)، وهذا الحديث صححه الشيخ الألباني. ويبدو -والله تعالى أعلم- أن الصحيح هو أن لله عز وجل يدين، وكلتا يديه يمين. وأما الروايات التي ورد فيها أنه يطوي الأراضين بشماله، فيبدو أنها روايات بالمعنى من أحد الرواة. فالصحيح أن لله يدين، وأن كلتا يديه يمين، ولا ينبغي أن توصف اليد الأخرى بأنها شمال أو يسار، وما ورد من أحاديث فيها أنها شمال أو يسار فيبدو والله تعالى أعلم أنها ضعيفة، كما في الحديث الذي في صحيح مسلم أنه قال: (ثم يطوي الأرضين بشماله)، فقد روى هذه الرواية عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر، وقد خالف فيها من هو أوثق منه، فهي رواية شاذة أو رواية بالمعنى.

صفة العينين وأدلة إثباتهما

صفة العينين وأدلة إثباتهما ذكر الشيخ بعد ذلك ثلاث آيات في إثبات صفة العينين لله عز وجل، وهي قوله تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48]، وقول الله عز وجل: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} [القمر:13]، والدسر هي المسامير، {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} [القمر:14]، وقوله: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39]. والصحيح أن صفة العين ثابتة لله سبحانه وتعالى، وأنهما عينان اثنتان، ويدل على ذلك ما رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدجال أعور وإن ربكم ليس بأعور)، والعور كما يقول العلماء: هو فقء إحدى العينين. فهذا الحديث يفهم منه أن لله عز وجل عينين، ولو كانت الأعين أكثر من ذلك لقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الدجال أعور وإن الله عز وجل له أعين كثيرة.

الفوائد التربوية من إثبات صفة اليدين والعينين لله تعالى

الفوائد التربوية من إثبات صفة اليدين والعينين لله تعالى هناك فوائد تربوية عظيمة جداًً من إثبات صفة اليدين والعينين لله عز وجل، منها: أن إثبات صفة اليدين لله عز وجل تدل على أن الله سبحانه وتعالى كريم وكثير العطاء، وأنه تواب رحيم، حيث ورد في بعض الأحاديث: (يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار). فعندما يعلم الإنسان أن الله سبحانه وتعالى يبسط يديه ويقبل عن عباده تفرح نفسه بذلك، ويقبل على الله سبحانه وتعالى، وكذلك عندما يعلم أن الله سبحانه وتعالى كريم، فإنه يكثر من دعائه، فلو أن الإنس والجن اجتمعوا في مكان واحد، وكل واحد منهم سأل مسألته فأعطاه الله مسألته، ما نقص من ملك الله عز وجل إلا كما تنقص الإبرة عندما توضع في البحر، فماذا تحمل الإبرة من هذا البحر العظيم؟ فملك الله عظيم، وعطاؤه كثير، والإنسان ينبغي عليه دائماً أن يتعلق بالله عز وجل، والمخلوق مهما يكن عنده من الأموال أو العطاء أو الملك فهو ملك محدود وبسيط، وإثبات هذه الصفات يدعو الإنسان دائماً للتعلق بالله سبحانه وتعالى. وفي إثبات صفة العينين لله عز وجل يظهر لنا معنى الحفظ، وأن الله عز وجل يحفظ عباده الصالحين من كيد الأعداء، فهذا الدين كيد له بشكل كبير جداً، ولو أن ديناً آخر غير هذا الدين كيد له كما كيد لهذا الدين لما بقيت له باقية أبداً، لكن الله عز وجل يحفظ هذا الدين ويحفظ أهله، يقول الله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]. وقد حفظ الله هذه الأمة بوجود طائفة فيها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)، بل إنه حفظ كل قرن من الزمان بمجدد يبعثه الله عز وجل على رأس كل مائة عام يجدد للأمة أمر هذا الدين، فمهما تخلفت هذه الأمة وتراجعت فإن المجدد موجود، والطائفة موجودة، والحق ثابت وبين وواضح، فهذا من حفظ الله عز وجل لهذه الأمة. كما أن الله عز وجل يحفظ هذا الإنسان من الشرور، قال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11]. وكذلك من الآثار التربوية والسلوكية المأخوذة من إثبات صفة العينين نمو المراقبة في نفس الإنسان؛ فإن الإنسان عندما يعلم أن الله عز وجل مطلع عليه، وأن الحواجز التي يضعها يخترقها نظر الله عز وجل وبصره، وأن الله عز وجل يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويرى الإنسان في كل مكان، حتى لو اختبأ بجنح الظلام أو في أي مكان من الأماكن فالله مطلع عليه، وهو يراه سبحانه وتعالى بعينيه؛ ولهذا يجب عليه أن يراقب الله عز وجل وأن يخاف منه. وكل صفات الله عز وجل لها آثار تربوية عظيمة جداً في سلوك الإنسان وأخلاقه وآدابه.

إيضاح سبب تكرار شيخ الإسلام آيات إثبات صفتي السمع والبصر بعد ذكر صفة العينين

إيضاح سبب تكرار شيخ الإسلام آيات إثبات صفتي السمع والبصر بعد ذكر صفة العينين ثم ذكر الشيخ بعد ذلك آيات تدل على إثبات صفة السمع والبصر لله سبحانه وتعالى. لكن قد يقول قائل: ما هو الفرق بين هذه الآيات التي ذكرها هنا وبين الآيات السابقة في إثبات صفة السمع والبصر؟ ذكر الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى في التنبيهات اللطيفة أن الفرق هو: أن الآيات السابقة في إثبات السمع والبصر على أنها صفات ذاتية لله عز وجل، وأن الآيات هنا هي على إثبات صفة السمع والبصر على أنها صفات فعلية لله سبحانه وتعالى، يقول الله عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1]، وقوله: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:181]، والمقصود بهم اليهود الذين قالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} [المائدة:64]، فإنهم لما نزل قول الله عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة:245] قالوا: إن ربك فقير ونحن أغنياء يحتاج منا القرض، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء ُ} [آل عمران:181]، وهذا السمع يقتضي التهديد مع إثبات صفة السمع في ذاتها. ويقول الله عز وجل: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80]. ويقول: {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46]. ويقول: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:14]. ويقول: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الشعراء:218 - 220]. ويقول: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105]. نقف عند هذا الحد، وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا إياكم للعلم لنافع والعمل الصالح.

الأسئلة

الأسئلة

الفرق بين الصفات الاختيارية والخبرية

الفرق بين الصفات الاختيارية والخبرية Q ما الفرق بين الصفات الاختيارية والصفات الخبرية؟ A الصفات الاختيارية هي: الصفات الفعلية المتعلقة بمشيئة الله عز وجل وإرادته. والصفات الخبرية صفات ذاتية لا تتعلق بالمشيئة، وإن كانت الصفات الخبرية أكثر ما يذكرها العلماء للصفات الذاتية، لكن في بعض الأحيان توجد صفات اختيارية خبرية، مثل: النزول والمجيء والإتيان وغيرها.

تأويل الأشاعرة لصفة الغضب والرد عليهم

تأويل الأشاعرة لصفة الغضب والرد عليهم Q ما معنى قول الأشاعرة في صفة الغضب إرادة الغضب؟ A الأشاعرة يؤولون صفة الغضب بإرادة الانتقام، ولا يفسرونها بإرادة الغضب، لكن هذا يرده قول الله عز وجل: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا} [الزخرف:55] يعني: فلما أغضبونا انتقمنا، فصار الانتقام نتيجة للغضب، فكيف يفسر السبب بالنتيجة؟! فهذا يدل على بطلان تأويلهم.

الرد على من يستدل على خلق صفة الرحمة بحديث: (إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة)

الرد على من يستدل على خلق صفة الرحمة بحديث: (إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة) Q كيف نرد على من قال: إن رحمة الله مخلوقة، وكذا بقية الصفات، مستدلاً بقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري: (إن الله خلق مائة رحمة)؟ A هذا الحديث لا يدل على صفة من صفات الله، فالله خلق مائة رحمة يتراحم بها الناس، فالإنسان فيه رحمة مخلوقة من الله، والحيوان فيه رحمة مخلوقة من الله، فالمائة الرحمة التي خلقها الله ليست هي الصفة من صفاته، أما الصفة فهي ليست مخلوقة. ولهذا فالرحمة والخلق تأتيان بمعنى المفعول بمعنى الصفة المتعلقة بالله عز وجل، فيقول الله عز وجل: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان:11]، وخلق الله عز وجل الذي هو صفة من صفاته القائمة به، هذا نوع آخر. وهكذا رحمة الله، فقد تكون رحمة الله بمعنى مرحوم وقد تكون بمعنى الصفة المتعلقة به سبحانه وتعالى.

مختصر الصواعق المرسلة وإمكانية الاستغناء به عن الأصل

مختصر الصواعق المرسلة وإمكانية الاستغناء به عن الأصل Q هل مختصر الصواعق يغني عن الأصل عند القراءة؟ A لغير المتخصص يغني، وهو كتاب مفيد لو قرأه الإنسان وفهمه سيصبح من أهل العلم في هذا الباب.

إيضاح المقصود بالثلاث والسبعين فرقة في ضوء واقع كثرة الفرق

إيضاح المقصود بالثلاث والسبعين فرقة في ضوء واقع كثرة الفرق Q كيف نوفق بين حديث الافتراق والواقع، حيث إن الفرق قد تجاوزت الاثنتين والسبعين؟ وهل هذه الفرق مخلدة في النار؟ A هذه المسألة بحثها الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه الاعتصام، وذكر أقوالاً متعددة في مسألة عدد الفرق، منها: أن المقصود بالثلاثة والسبعين أنها كثيرة، ولفظ السبعين يطلق عند العرب للكثرة، لكن هذا يرده الترتيب، فاليهود تفترق على إحدى وسبعين، والنصارى على اثنتين وسبعين، وهذه الأمة على ثلاث وسبعين، فهذا الترتيب يدل على أن العدد مقصود، وأنها تفترق على ثلاث وسبعين فعلاً، لكن يبدو -والله تعالى أعلم- أن المقصود بالثلاثة والسبعين هنا: ثلاثة وسبعون منهجاً وطريقة من الطرق، وقد تكون في هذه الطريقة مثلاً عشرات الفرق؛ لأن الشيعة قد وصلت إلى ثلاثة وسبعين فرقة، وهكذا غيرها من الفرق فقد وصلت إلى فرق متعددة، فإن الباطل يفرخ باطلاً آخر، وقد تكون في الطريقة الواحدة مجموعة من الفرق. وهذه الفرق ليست مخلدة في النار، فهذا الحديث من أحاديث الوعيد، والفرق الواردة في الحديث هم أهل البدع الذين لم يصلوا إلى الكفر المخرج عن الإسلام، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ستفترق هذه الأمة) يعني: أمة الإجابة، وفي لفظ: (أمتي)، يعني: المسلمين (على ثلاث وسبعين فرقة). فقوله: (كلها في النار)، مثل قوله: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، ومثل: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، وغيرها من الأحاديث الواردة في الوعيد. فأهل هذه الفرق هم من أهل القبلة، إن شاء الله غفر لهم وإن شاء عذبهم.

أفضل الكتب في شرح أسماء الله الحسنى

أفضل الكتب في شرح أسماء الله الحسنى Q ما هو أفضل كتاب في شرح أسماء الله وصفاته؛ علماً بأني وجدت منها ما هو طويل كالمقصد الأسمى، وما هو قصير مثل: شرح الأسماء لـ سعيد بن وهب؟ A كثير من شروح الأسماء الحسنى كتبها أشاعرة، فـ الغزالي، والرازي والخطابي وغيرهم من علماء الأشاعرة ألفوا في شرح الأسماء الحسنى، ومن أفضل الكتب التي وجدتها في شرح الأسماء الحسنى كتاب النهج الأسمى في شرح الأسماء الحسنى في مجلدين لأحد الإخوة اسمه محمد الحمود، طبع قديماً في مجلدين، وهو كتاب مفيد وعلى عقيدة السلف بإذن الله تعالى.

بيان معنى النقصان في حديث: (ما نقص ذلك مما عندى إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر)

بيان معنى النقصان في حديث: (ما نقص ذلك مما عندى إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) Q هل ملك الله ينقص؟ وما معنى حديث: (ما نقص ذلك مما عندى إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر). A النقصان هنا تابع لملكه، وليس خارجاً عن ملكه؛ لأن كل شيء من ملكه، فهو ينقص من ملكه لملكه، لكن ليس المقصود أنه لا ينقص منه شيء في الحقيقة؛ لأن الحديث نص في النقصان، وهناك كلام ممتاز للشيخ محمد بن عثيمين في شرح هذه المسألة في شرح العقيدة الواسطية، فارجعوا إليه.

الرد على من أول اليد بالقدرة

الرد على من أول اليد بالقدرة Q قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ} [آل عمران:73]، ما حكم من قال: أطلق الله اليد وأراد بها القدرة؛ لأنها محسوسة أو قريبة للذهن؟ A لا شك أن كلامه هذا باطل، وأنه غير صحيح، وأن هذا هو التأويل الذي عليه الأشاعرة وعليه عامة المعطلة، وهذه التأويلات موجودة كثيراً في كتب البلاغة واللغة والتفسير، وبعض الأحيان في كتب الحديث، وقد يكون الشارح أو المفسر أو الكاتب أشعرياً، فيمثل ببعض الصفات ويتأولها على هذه العقائد الفاسدة، فينبغي الانتباه والحذر من ذلك.

حكم قول: (كلتا عينيه يمين)

حكم قول: (كلتا عينيه يمين) Q ذكرت أن كلتا يديه يمين، فهل هذا يشمل العينين والأذنين؟ A قوله صلى الله عليه وسلم: (كلتا يديه يمين) خاص باليدين لا بالعينين، فالأحاديث وردت في اليدين فقط، ولم ترد في صفة العينين. وليس وارداً في الشرع إثبات الأذن لله عز وجل، فلا يصح مثل هذا الفهم، وينبغي للإنسان ألا يجتهد في هذا الباب، لأنه توقيفي وغيبي، والغيب لا يعرف إلا بالنص الشرعي.

مثبتو الصفات الخبرية من الأشاعرة ونفاتها

مثبتو الصفات الخبرية من الأشاعرة ونفاتها Q كيف نوفق بين قولك: إن بعض الأشاعرة يثبتون صفة الوجه لله عز وجل، مع أن الأشاعرة معروف عنهم أنهم يثبتون السبع الصفات؟ A الأشاعرة ينقسمون إلى قسمين: الأشاعرة المتقدمين والمتأخرين. فالمتقدمون يثبتون هذه الصفات الخبرية إلى زمن إمام الحرمين أبي المعالي الجويني، فهو من أوائل من أول صفة الوجه واليدين والعينين لله عز وجل، وشابه المعتزلة في ذلك، ثم قلده بقية الأشاعرة المتأخرين. سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك. نكتفي بهذا، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

العقيدة الواسطية [9]

العقيدة الواسطية [9] من مسائل العقيدة المهمة الإيمان بصفات الله تعالى الخبرية كالوجه والعينين واليدين, وصفات الله تعالى الاختيارية, ومن جملتها المجيء والنزول والضحك, وكذلك الإيمان بصفة المكر والكيد وما شابههما من الصفات الاختيارية التي يجب إثباتها لله تعالى على سبيل المقابلة والتقييد دون الإطلاق, والإيمان بصفات العفو والمغفرة والعزة والقدرة, ونفي الصفات السلبية التي نفتها النصوص عن الله عز وجل نفيًا مجملا مع اعتقاد كمال ضدها في حق الله تبارك وتعالى.

الصفات الاختيارية والصفات الخبرية

الصفات الاختيارية والصفات الخبرية إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. أما بعد: فالصفات الاختيارية هي الصفات القائمة بذات الله عز وجل، وهي متعلقة بمشيئته سبحانه وتعالى يفعلها متى شاء كيف شاء. وأما الصفات الخبرية فهي الصفات التي لا تنفك عن الله عز وجل، وليست متعلقة بالمشيئة. وهنالك أمثلة للصفات الاختيارية فمنها: نزول الله عز وجل، والمجيء والإتيان، والضحك، وكلام الله عز وجل. وأمثلة الصفات الخبرية هي: الوجه، واليدان، والعينان، والقدمان، والأصابع، والساق، والعلم، والقدرة، والإرادة، والحياة.

ذكر بعض الصفات الاختيارية

ذكر بعض الصفات الاختيارية

صفة المكر والكيد

صفة المكر والكيد ومن الصفات أيضاً صفة المماحلة والمكر والكيد، يقول الله عز وجل: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد:13]، يقول ابن كثير رحمه الله تعالى: أي: شديد الأخذ بالعقوبة. والأزهري رحمه الله من علماء اللغة ومن أهل السنة والجماعة، فقد نقل في كتابه تهذيب اللغة قول القتيبي في قوله تعالى: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد:13] أي: شديد المكر والكيد. ونقل أيضاً قول سفيان الثوري: شديد المحال: شديد الانتقام، وكذلك قول أبي عبيد: المحال الكيد والمكر، ونقل أيضاً قول الفراء: المحال المماحلة. فمعنى {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد:13] أي: شديد المكر والكيد، والعقوبة مقتضى المكر والكيد، وهذا فيما يبدو هو رأي المصنف رحمه الله تعالى؛ ولهذا بدأ في الآيات الواردة في المكر والكيد قبل غيرها من الآيات، فكأنه يفسر المحال بالمكر والكيد. ويقول الله عز وجل: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران:54]، ويقول: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:50]، ويقول: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق:15 - 16].

ضابط وصف الله تعالى بالمكر والكيد

ضابط وصف الله تعالى بالمكر والكيد فهذه الصفات وهي: المحال والمكر والكيد يوصف بها الله سبحانه وتعالى على سبيل المقابلة والتقييد، ولا يصح أن يوصف بها مطلقاً، والسبب في ذلك هو أن المكر والكيد يكون في موضع من المواضع مدحاً وكمالاً، ويكون في موضع من المواضع ذماً ونقصاً. فلا يصح أن يطلق الوصف بأن الله عز وجل ماكر أو يمكر أو نحو ذلك، وإنما يطلق مقيداً، فيقال: يمكر بالكافرين، لأن الله تعالى قال: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران:54]، وقال: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:50]، فإن المكر والكيد عندما يكون في مقابلة أولئك الماكرين يكون قوة، ويكون صفة مدح وكمال، وأما إذا كان المكر ابتدائياً فإنه لا شك أنه يكون مخادعة وخيانة ونقصاً. فالمكر أو الكيد هو التوصل بالطرق والأسباب الخفية التي لا يتنبه لها الخصم لإيقاعه، والمكر والكيد والمحال صفات فعلية يفعلها الله عز وجل متى شاء، وكيف شاء، ويفعلها في مقابلة مكر الكافرين أو الكائدين أو نحو ذلك. ومن هنا لا يسمى الله عز وجل ماكراً ولا كائداً، وقد نقل ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد قاعدة عظيمة وهي: أن المعنى الذي ينقسم إلى مدح وذم لا يسمى الله عز وجل به، وهذا مقتضى قول الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف:180].

صفة العفو والمغفرة والعزة والقدرة

صفة العفو والمغفرة والعزة والقدرة ثم ساق الشيخ بعد ذلك جملة من الآيات في العفو والمغفرة والعزة والقدرة، يقول الله عز وجل: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} [النساء:149]، ففي هذا إثبات صفة العفو والقدرة، ووجه الدلالة التي فيها إثبات العفو والقدرة من اسم الله عز وجل العفو والقدير، وأسماء الله عز وجل تؤخذ منها الصفات، فاسمه العفو يؤخذ منه صفة العفو، واسمه القدير يؤخذ منه صفة القدرة. ويقول الله عز وجل: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22]، فهذه الآية مشتملة على إثبات صفة المغفرة والرحمة، أما قوله تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} [النور:22] فإن فيها الأمر للمخلوق بالعفو والصفح.

الفرق بين العفو والمغفرة

الفرق بين العفو والمغفرة قال بعض العلماء: الفرق بين العفو والمغفرة هو أن العفو يكون في ترك الواجبات، والمغفرة تكون عن فعل المحرمات، والأبلغ هو المغفرة؛ لأن المغفرة فيها محو، والعفو فيه تجاوز، فالمغفرة فيها محو للسيئة، كأنها لم تفعل، وأما العفو فهو التجاوز عنها مع كونها باقية. فالله عز وجل عفو ورحيم وغفور لذنوب عباده سبحانه وتعالى، وفي هذا يمكن أن نأخذ منه أثراً تربوياً عظيماً وهو سعة رحمة الله عز وجل ومغفرته، وعفوه سبحانه وتعالى، فلا ييئس المفرط والعاصي الذي عصى الله عز وجل، والذي أسرف على نفسه بالذنوب، لا ييأس فالله عز وجل عفو يتجاوز، وهو سبحانه وتعالى غفور يمحو الخطايا. فالواجب على الإنسان دائماً أن يلتجئ في كل لحظة إلى الله سبحانه وتعالى في مغفرة ذنوبه وستر عيوبه، لا سيما وأن الإنسان في كل يوم وليلة تقع منه الذنوب الكثيرة التي لا يشعر بها. فلو أخذنا ذنوب اللسان مثلاً، فما أكثر آفات اللسان كالغيبة والكذب والنميمة والكلام في الباطل، ونحو ذلك. وذنوب العين: النظر إلى ما حرم الله عز وجل، أو ترك قراءة القرآن أو نحو ذلك، فالإنسان يمارس كثيراً من الذنوب والمعاصي في يومه وليلته، فهو بحاجة ماسة إلى عفو الله عز وجل وإلى مغفرته ليصفح الله عز وجل عنه.

معنى العزة وبيان المراد بها في وصف الله عز وجل

معنى العزة وبيان المراد بها في وصف الله عز وجل ويقول الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:8]، والعزة هي القوة والغلبة، فالله عز وجل له العزة التامة سبحانه وتعالى، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم له عزة، وللمؤمنين عزة، إلا أن عزة الله تعالى تختلف عن عزة الرسول صلى الله عليه وسلم وعزة المؤمنين، وذلك أن عزة الله عز وجل لا يخدشها أدنى ذلة، بينما قد تحصل للبشر ذلة حتى ولو كانوا أنبياء أو صالحين، ولهذا ذكر الله عز وجل عن المؤمنين يوم بدر أنهم كانوا أذلة، فكان عددهم قليلاً، وموقفهم ضعيفاً، وليس المقصود بالذلة هنا الذلة النفسية، وإنما الضعف وعدم القدرة على مقاومة العدو الذي هو أكبر، وإلا فإن العزة النفسية هي في نفوسهم حتى ولو غلبهم العدو، فهم أعزة وأقوياء بدين الله سبحانه وتعالى. ويمكن أن نأخذ صفة العزة من اسم الله العزيز، وهو كثير في القرآن الكريم، يقول الله سبحانه وتعالى عن إبليس: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:82]، ثم استثنى: {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص:83]، فإبليس يعرف أن لله عز وجل عزة لائقة به، ومع هذا لم تنفعه هذه المعرفة، وهذا يدل على معنى مهم جداً، وهو أنه ليس بمجرد انتساب الإنسان إلى الإسلام، أو معرفته ببعض أحكامه أنه يكون مسلماً، بل لا بد من الإتيان بها، وترك النواقض، فالإسلام مبني على وجود شرط وعلى انتفاء مانع. أما الشرط الذي يجب أن يوجد فهو فعل أحكام الإسلام والالتزام بها عملياً، كالصلاة والصيام والحج والزكاة ونحو ذلك من إقامة شعائر الله عز وجل، والتحاكم إلى شرع الله عز وجل، وكذلك موقوف على انتفاء مانع وهو ألا يوجد في الإنسان ناقض من نواقض الإسلام، فإذا وجد فيه ناقض من نواقض الإسلام فإنه يكون كافراً حتى ولو صلى وصام وقال: لا إله إلا الله، وهذا لا ينتبه له كثير من الناس؛ ولهذا قد يستغرب العوام عندما يكفر أهل العلم السحرة، ويقولون: هؤلاء يصلون معنا، وبعضهم يصفه في هيئته، وأنه ملتح ومقصر ثوبه، وأنه في الصف الأول، وهذا يدل على ضعف فهم حقائق الدين، فإن الإنسان إذا ضعف فقهه في دين الله عز وجل قد يستغرب مثل هذه الأشياء، لكنه إذا فهم دين الله عز وجل لا يستغرب. فلا يكفي أن يكون الإنسان مسلماً لكونه يصلي ويصوم ويحج ويزكي ويقول: لا إله إلا الله، بل لا بد أن يكون مع هذا تاركاً لنواقض الإسلام؛ لأنه لو فعل ناقضاً من النواقض فإنه يكفر، وللجهل بهذه الحقيقة الشرعية المهمة وجد في زماننا من يسمي نفسه بأنه علماني مسلم، أو ديمقراطي مسلم، أو شيوعي مسلم، أو حداثي مسلم، أو امبريالي مسلم. فينتسب إلى مذهب من مذاهب الكفر ثم ينتسب في نفس الوقت إلى الإسلام، فلو قال رجل أنه يهودي مسلم، أو نصراني مسلم، لا يقبل كلامه؛ لأنه يجمع بين النقائض، وهكذا إذا قال أنه علماني مسلم، أو يحكم بغير ما أنزل الله وهو مسلم، أو نحو ذلك، فهذه كلها من النقائض التي لا تجتمع؛ ولهذا ينبغي أن تعرف هذه القاعدة من قواعد الإسلام.

القدرة على الممتنع والمعدوم

القدرة على الممتنع والمعدوم بقي معنا مسألة إثبات القدرة لله سبحانه وتعالى، وهناك رسالة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله اسمها قدرة الرب عز وجل، وهي موجودة في مجموع الفتاوى في المجلد الثامن في كتاب القدر، فالله عز وجل على كل شيء قدير، وقد بحث بعض الناس مسائل ما كان لها أن تبحث لولا إثارة مثل هؤلاء لها، فإن الله عز وجل قدير سبحانه وتعالى، وهو على كل شيء قدير كما أخبر عن نفسه. بحث بعض العلماء مسألة: هل يقدر الله عز وجل على الممتنع؟ أي: الشيء الممتنع الذي لا يمكن أن يكون. والجواب عن هذا: أن الممتنع لا وجود له في الواقع، فلا يسمى شيئاً، والله على كل شيء قدير، وأما الشيء الذي يفرضه الذهن أو العقل، فإن الذهن يفرض المحال، ويفرض الأمور المتناقضة الغريبة، وهذا لا يصح أن تعلق صفات الله عز وجل بها، فالممتنع إذاً ليس داخلاً في هذا الباب. أما تعلق قدرة الله عز وجل بالمعدوم، والمعدوم في الحقيقة ينقسم إلى قسمين: معدوم في الواقع ومعدوم في الذهن. والمعدوم إذا كان معناه أنه ليس موجوداً في الواقع فإن قدرة الله عز وجل تتعلق به، فهو سبحانه وتعالى إذا أراد شيئاً فإنما يقول له: كن فيكون، وهو قبل أن يقول له: كن فيكون كان معدوماً، وتعلقت قدرة الله عز وجل به.

قدرة الله على أفعال العباد

قدرة الله على أفعال العباد وهناك أيضاً مسألة وهي: هل الله عز وجل قادر على أفعال العباد؟ و A أن أهل السنة والجماعة يقولون: إن الله عز وجل قادر على أفعال العباد، وأنها مخلوقة من مخلوقاته. والمعتزلة قالوا: إن الله عز وجل لا يقدر على أفعال العباد، وإن العباد ينشئون أفعالهم من ذواتهم، والمتقدمون منهم نصوا على أن العبد يخلق فعل نفسه، وأما المتأخرون فإنهم لطفوا اللفظة وقالوا: إنه يحدث فعل نفسه، والحقيقة أنه خلاف في اللفظ والمعنى واحد، فإنهم يقولون: إن الله عز وجل لا يقدر أن يخلق فعل عبده قبل أن يوجد وإنما العبد هو الذي يختار الفعل بنفسه. ويقول الله عز وجل: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:78]، فالجلال والإكرام صفتان لاسم الله عز وجل، وفي هذا إثبات الاسم لله عز وجل، ويدل على هذا قول الله سبحانه وتعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180].

الاسم وصلته بالمسمى

الاسم وصلته بالمسمى هناك مسألة وهي: هل الاسم هو المسمى أو غير المسمى؟ هذه المسألة واضحة عند أهل السنة، فإن الاسم للمسمى، وقالت المعتزلة: إن الاسم غير المسمى، والسبب في هذا أنهم قالوا: الاسم مأخوذ من القرآن، والقرآن كلام الله، وكلام الله مخلوق، فإذا قلنا: الاسم هو المسمى فمعنى هذا أن الله مخلوق، فقالوا: إن الاسم غير المسمى، وإن أسماء الله التي سمى بها نفسه مثل الرحيم والرحمن والعزيز والجبار هي من القرآن ومن كلام الله عز وجل فهي مخلوقة كما أن القرآن مخلوق. ولهذا قال الشافعي رحمه الله وغيره من أهل السنة: من قال: إن أسماء الله مخلوقة فقد كفر، فالأشاعرة اتفقوا مع المعتزلة في الحقيقة، حيث يعتبر الأشاعرة أن القرآن الذي بين أيدينا مخلوق، وأنه عبارة عن معنى قائم بنفسه، وأن الحروف والأصوات والعبارات الموجودة في القرآن ليست من كلام الله وإنما معناها من كلام الله وفهمه جبريل أو محمد صلى الله عليه وسلم وعبروا عنه بهذا القرآن! فهم وافقوا المعتزلة في أن القرآن مخلوق، حتى إن بعض الأشاعرة كـ البيجوري في تحفة المريد في شرح جوهرة التوحيد قال: يصح أن يقال: القرآن مخلوق في مقام التعليم، أي: لأجل تقريب المعلومات إلى الناس، لكن المعنى هو كلام الله عز وجل؛ ولهذا نفوا أن يتكلم الله عز وجل بحرف وصوت. فعندما وافقوا المعتزلة في الحقيقة خالفوهم في هذه المسألة، وقالوا: إن الاسم هو المسمى، فالألف والسين والميم هو حقيقة المسمى نفسه؛ لأنه من كلامه وهو صفة من صفاته، وسموا العبارات الموجودة في القرآن مخلوقة، لكن الاسم هو حقيقة المسمى، أي: هو الله نفسه. والمعتزلة عندما قالوا: الاسم غير المسمى، قصدوا بالاسم التسمية عند الأشاعرة، فاتفقوا في الحقيقة واختلفوا في العبارة، وأهل السنة يقولون: أسماء الله عز وجل ليست مخلوقة؛ لأن أسماء الله عز وجل من كلام الله عز وجل، وكلام الله عز وجل صفة من صفاته ولا يمكن أن تكون مخلوقة، فالاسم للمسمى، وقد سمى الله عز وجل نفسه بهذه الأسماء، وهذه الأسماء له، ولا يصح أن يقال: الاسم هو المسمى أو الاسم غير المسمى. وقد بينا مقاصد من قال: إن الاسم هو المسمى، أو إن الاسم غير المسمى، ولـ شيخ الإسلام رحمه الله رسالة مستقلة في هذا الموضوع موجودة في الفتاوى.

الصفات السلبية وموقف أهل السنة وأهل البدع منها

الصفات السلبية وموقف أهل السنة وأهل البدع منها الصفات السلبية هي الصفات المنفية، وهي ما نفاه الله عز وجل عن نفسه، وطريقة القرآن في الصفات التي نفاها الله عز وجل عن نفسه أنه نفاها نفياً مجملاً مع اعتقاد كمال ضدها. وأما أهل البدع فطريقتهم النفي التفصيلي، يقول الله عز وجل: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65] أي: هل تعلم له مماثلاً ونداً؟ وهذا الاستفهام إنكاري يتضمن النفي، يعني: لا سمي له ولا ند له، والكمال المثبت لله عز وجل هنا هو الكمال المطلق، فإنه لا ند له مطلقاً، فهو كامل كمالاً مطلقاً سبحانه وتعالى، ويقول تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4]، ويقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21]، ثم ذكر في آخر الآية التي تليها فقال: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:22]، والأنداد: هم المثلاء والنظراء، والمقصود بالأنداد هنا الأنداد في العبادة. فكل آية من الآيات السابقة قصد بها نوع معين، فقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65] يعني: لا مثيل له في أسمائه، وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4] يعني: لا كفء له ولا مماثل له في صفاته، وقوله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا} [البقرة:22] يعني: لا ند له في ألوهيته وعبادته، فهو المعبود وحده لا شريك له.

الفرق بين التشابه والتماثل وبيان المنفي منهما في نصوص الوحي

الفرق بين التشابه والتماثل وبيان المنفي منهما في نصوص الوحي هناك مسألة يذكرها بعض أهل العلم وهي: هل التشابه هو التماثل؟ وهل هما بمعنى واحد أم هناك فرق بينهما؟ وما هو الذي نفاه الشرع؟ والجواب على هذا نقول: الآيات الواردة في النفي عن الله عز وجل يراد به نفي التماثل والأنداد والسمي. وهل التشابه والتماثل بمعنى واحد؟ هذه المسألة فيها قولان مشهوران: القول الأول: أن التشابه والتماثل بمعنى واحد، وهذا قول المعتزلة والأشاعرة والماتريدية. القول الثاني: أن التشابه ليس هو التماثل، بل بينهما فرق، وهذه المسألة مبنية على مسألة مختلف فيها وهي: هل يمكن أن يشبه الشيء الشيء من وجه دون وجه، أو أنه لا بد أن يشبهه من كل الوجوه؟ فمن قال: يمكن أن يشبه الشيء الشيء من وجه دون وجه قال: هناك فرق بين التشابه والتماثل. ومن قال: لا يمكن أن يوجد شبه للشيء بالشيء من وجه دون وجه قال: لا يمكن أن يكون هناك تماثل. والصحيح الذي تدل عليه اللغة ويدل عليه الشرع والعقل هو: أن التماثل يختلف عن التشابه، فالتماثل هو التوافق في حقيقة الصفات أو في حقيقة الذات. وأما التشابه فهو ما يمكن أن يشبه الشيء من وجه دون وجه، فالألوان جميعاً تتشابه من وجه وهو أنها ألوان، لكن لا يمكن لأحد أن يقول: إنها متماثلة؛ لأن الأسود لا يماثل الأبيض. والأشياء القائمة بنفسها أنواع متعددة، فهي تتفق في كونها قائمة بنفسها لكنها تختلف، فالنار قائمة بنفسها وتختلف عن الماء وهو قائم بنفسه، والإنسان قائم بنفسه ويختلف عن النباتات وهي قائمة بنفسها، والنباتات قائمة بنفسها وهي تختلف أيضاً عن الحيوانات، فلا يصح أن يقال إن المشابه من وجه دون وجه مماثل له في كل الخصائص والصفات. وفائدة هذا الكلام: هو أنه لما كانت هناك موافقة بين أسماء الله وصفاته وبين أسماء بعض مخلوقاته وصفاتهم، ورد التشابه في الأسماء، والقدر المشترك أن الاتفاق في الأسماء لا يقتضي التماثل والاتفاق في المسميات. فهذه خلاصة المسألة، ويمكن أن نختمها بأن التشابه ليس هو التماثل، بل يمكن للشيء أن يشبه الشيء من وجه دون وجه، ولا يقال: إنه مثله؛ لأن الأشياء بينها قدر مشترك وقدر مميز، والقدر المشترك لا يستلزم القدر المميز، بل هناك فرق بينهما.

آيات في توحيد الله تعالى ونفي الشرك

آيات في توحيد الله تعالى ونفي الشرك يقول الله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة:165]، والشاهد من هذا هو قوله: (أنداداً) يعني: مثلاء. ويقول الله عز وجل: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء:111]، ففي هذه الآية إثبات صفة الحمد والألوهية والملك لله عز وجل، وقيد الله تعالى لفظ الولي بقوله: (من الذل)؛ لأن لله عز وجل أولياء، فالله عز وجل يقول: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62]. فقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} [الإسراء:111] أي: ليس له ولي يحتاجه؛ لأنه ذليل، أو هذا الولي يكون مساعداً أو معاوناً، ولهذا يقول الله عز وجل: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ:22 - 23]. فهاتان الآيتان ذكر ابن القيم رحمه الله أنهما تجتثان عروق الشرك من أساسه. ويقول الله عز وجل: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التغابن:1]. ويقول: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان:1] و (تبارك) بمعنى: تعاظم، وبمعنى أنه سبحانه وتعالى ذو الجلال والإكرام، والفرقان هو القرآن، والمقصود بعبده هو محمد صلى الله عليه وسلم نبيه، قال: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان:2]. ويقول الله عز وجل: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون:91 - 92]، فهذه الآية تدل على إثبات الوحدانية لله عز وجل، وهي تتضمن دليلاً عقلياً في إثبات الوحدانية لله سبحانه وتعالى، وتقرير ذلك أن الله عز وجل قال: {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} [المؤمنون:91] يعني: ليس معه إله معبود على الحقيقة، أي: معبود بحق؛ لأن هناك آلهة معبودة بالباطل، ولا يشترط أن يقام الدليل على إثبات الوحدانية بإبطالها؛ فإنها هي باطلة في نفسها، وإنما الدليل هنا في تقرير أنه لا يوجد إله بحق مع الله عز وجل، ففيه إبطال الاثنينية، أن يكون هناك إله مع الله سبحانه وتعالى معبوداً بحق، وأنه مثل الله عز وجل في صفاته وفي كونه إلهاً معبوداً بالحق. والدليل قوله تعالى: {إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} [المؤمنون:91]، ومعنى هذا أنه لو كان هناك إله آخر، وهذا الإله الآخر حقيقي فإنه لا بد أن يكون له خلق؛ لأنه لا يمكن أن يكون إله بدون خلق، فإذا كان له خلق فإنه حينئذ سيذهب بهذا الخلق، وسيذهب الإله الآخر بخلقه الآخرين، وحينئذ يكون كل إله من هذين الإلهين عاجز عن القدرة على خلق غيره، فهذا من جهة. ومن جهة ثانية فإن الواقع المشاهد هو أن العالم متصل بعضه مع بعض، فليس هناك عالم يدار بإرادة أخرى غير إرادة الله عز وجل، فدل هذا على أنه ليس هناك إله آخر ذهب بخلقه، فإنه إذا كان هناك إلهان، فسيكون لكل إله إرادة تختلف عن إرادة الإله الآخر، فإذا اختلفوا في أمر من الأمور، فإما أن تنفذ إرادة أحدهما فيكون هو الإله الحق والثاني عاجزاً، وإما ألا تنفذ إرادة الاثنين فيكونان جميعاً عاجزين، وهذا غير صحيح وغير واقع، وإما أن تنفذ الإرادتين سواء، وحينئذ يقع التناقض، وهذا غير موجود. فدل هذا على أن نظام الكون واتساقه واتصاله بعضه مع بعض، دليل على أن مدبره واحد وهو الله سبحانه وتعالى، وهو المعبود بحق سبحانه وتعالى. ولهذا قال: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون:91]، يعني: عندما يعبدون مع الله إلهاً آخر، ويعتقدون أن هذا الإله حقيقي، {عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون:92]، وقد سبق الحديث عن صفة العلم. ويقول الله عز وجل: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ

الأسئلة

الأسئلة

حكم القسم برب العزة

حكم القسم برب العزة Q ما حكم القسم برب العزة؟ A إذا كان يقصد بالعزة عزة الله عز وجل فلا يجوز، وإذا كان يقصد عزة العباد المخلوقة فلا بأس بهذا.

الفرق بين العفو والصفح

الفرق بين العفو والصفح Q ما الفرق بين العفو والصفح؟ A الفرق بينهما هو أن العفو معناه الترك، والصفح معناه الإحسان، فالصفح أفضل من العفو.

وقفة إيمانية مع صفات الله عز وجل

وقفة إيمانية مع صفات الله عز وجل Q حبذا أن تذكر بعض الوقفات الإيمانية مع صفات الله عز وجل؟ A لا شك أن صفات الله عز وجل تشتمل على معان عظيمة جداً يستفيد منها الإنسان في حياته، معان عظيمة جداً، وهي من الأمور الثابتة في الشرع، فينبغي على الإنسان أن يتصف فيما يمكن الاتصاف به، فيتصف بالرحمة والعزة والقوة وهكذا، إلا ما لا يمكن أن يتصف به مثل الخلق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله جميل يحب الجمال)، وصفة العزة تدل على أن الإنسان إذا ارتبط بالله عز وجل فهو مرتبط بعزيز، فهو سبحانه وتعالى عظيم قوي الجانب، وهو سبحانه وتعالى يعين المستضعفين والمؤمنين الصادقين، فحاجة الدعاة إلى الارتباط بالله عز وجل لا سيما في وقت الاستضعاف، وفي وقت كثرة أهل الباطل وظهورهم وانتشارهم في الأرض، وقوتهم وغلبتهم، وارتباط الإنسان بالله عز وجل في مثل هذه الأوقات مهم جداً، ولهذا يحتاج أن يرتبط الإنسان بالله عز وجل دائماً وأبداً.

الفرق بين الصفات الذاتية والفعلية

الفرق بين الصفات الذاتية والفعلية Q ما الفرق بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية؟ A الصفات الذاتية هي التي لا تنفك عن الله عز وجل وليست متعلقة بالمشيئة، مثل علم الله عز وجل، وصفة اليدين والقدرة والحياة ونحو ذلك، ولو كانت صفة العلم مثلاً مرتبطة بمشيئة الله إن شاء فعلها وإن شاء تركها؛ فلو تركها يكون جاهلاً، ولا يمكن هذا أبداً. أما الصفات الفعلية فهي المتعلقة بمشيئة الله، إن شاء فعلها وإن شاء تركها.

صلة السمع والبصر بالعلم والإدراك

صلة السمع والبصر بالعلم والإدراك Q هل السمع والبصر في حق الله لا يتضمن العلم والإدراك أم أن العلم والإدراك شيء زائد عن السمع والبصر؟ A السمع والبصر زائدان عن العلم والإدراك. السؤال: لماذا لا يتضمن سمع الله وبصره العلم؟ الجواب: السمع والبصر يتضمنان العلم، ولا يفسران به؛ لأن تفسيرها بالعلم إلغاء لصفة السمع والبصر، وهذه هي مسألة لوازم الصفات، فصفة السمع أو البصر تتضمن العلم، لكن ليست هي العلم؛ لأن السمع والبصر صفتان زائدتان على مجرد العلم، فيمكن من لا يسمع ولا يبصر أن يكون عنده علم.

الصفات الثبوتية والسلبية

الصفات الثبوتية والسلبية Q صفات الله عز وجل تنقسم إلى قسمين: ثبوتية وسلبية، ما هو الصحيح منها؟ A كلها صحيح، فالثبوتية هي الصفات التي أثبتها الله عز وجل لنفسه، فأثبت لنفسه العلم والحياة والإرادة والسمع والبصر والنزول والضحك ونحو ذلك. والسلبية هي التي نفاها عن نفسه كالأنداد المماثلة والجهل والتعب ونحو ذلك.

نصيحة في الزهد في الدنيا

نصيحة في الزهد في الدنيا Q في هذه الأيام وهذا الزمان كثر من اشتغل بالدنيا واهتم من أجل الدنيا على حساب دينه وأخلاقه، فنرجو منكم ترقيق القلوب من أجل الزهد في هذه الدنيا. A التعلق بالدنيا مشكلة يعاني منها كثير من الناس، حتى الطيبين من طلاب العلم والمشتغلين به، فتجد أن تعلقهم بالدنيا تعلق قوي جداً إلى درجة أن كثيراً من الصالحين ينسى الموت والدار الآخرة، وينسى أنه يعمل في هذه الدنيا لأجل البقاء، إما جنة عرضها السماوات والأرض، أو نار عظيمة محرقة مؤلمة. والتعلق بالدنيا يضعف الإنسان في دينه وأخلاقه، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن سبب الذلة التي تقع على المسلمين هو ترك الجهاد في سبيل الله والتعلق بالدنيا، فالجهاد في سبيل الله هو التضحية بالنفس والفداء بها، والإنسان الذي يجاهد في سبيل الله يكون تعلقه بالدنيا بسيطاً وضعيفاً؛ ولهذا يكون عزيزاً دائماً، فالمجاهدون في سبيل الله هم أعز الناس. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم). فالتعلق بالدنيا يسبب الذلة للإنسان، والحاجة والافتقار إلى الناس في المال ونحو ذلك، حتى إن بعض الناس يحصل له افتقار وحاجة إلى الآخرين في طلب شيء من حطام الدنيا! والسلف رضوان الله عليهم كانوا أصحاب عفة وبعد عن طلب الناس وسؤالهم، فهم أهل العزة الذين تعلقوا بالله عز وجل، ولم يتعلقوا بالناس أبداً.

موقف أهل السنة والجماعة من علماء الإسلام الذين أولوا بعض الصفات

موقف أهل السنة والجماعة من علماء الإسلام الذين أولوا بعض الصفات Q ما هو موقف أهل السنة من العلماء الذين وقعوا في تأويل بعض الصفات مثل النووي وابن حجر؟ A الذين وقعوا في البدع أنواع: فمنهم من وقع في البدعة وأصّل لها وجاهد من أجلها، واشتهر وعرف بها، مثل أهل الكلام من المعتزلة ومتكلمي الأشاعرة، فهؤلاء يجب الرد عليهم وبيان باطلهم، وتوضيح الحق للناس، وعدم السكوت عنهم، والتحذير من قراءة كتبهم المليئة بالباطل من العقائد الضالة. ونوع آخر قد يكون مشتغلاً بالفقه أو بالحديث أو بأي علم من العلوم مثل النحو، ولكن طبيعة العصر الذي عاش فيه أنه كان فيه رواج لفرقة من الفرق مثل الأشاعرة، فيكون قد تأثر بمعتقدات هذه الفرقة، مع أنه ليس متخصصاً أصلاً في هذا الباب، فيؤخذ ما عنده من العلم في التاريخ والحديث والفقه، ويترك ما عنده من الباطل في تأويل صفات الله عز وجل أو في القول بالقدر أو نحو ذلك من الأقوال الضالة، ولا يصح أن يستغنى عما عنده من العلم. فالحافظ ابن حجر رحمه الله إمام كبير في علم الحديث، وفي التاريخ، وخدم سنة النبي صلى الله عليه وسلم خدمة عظيمة، وكان العلماء الذين يدرسون الناس أشاعرة، فدرس عليهم وحفظ هذه العقيدة، وفي أثناء طلبه للعلم تبين له كثير من الباطل الذي عندهم، ولهذا تجد أن الحافظ ابن حجر رحمه الله يرد على الأشاعرة باسمهم في موطن، ويقلدهم في موطن آخر، مع أن هذا الإمام ليس مشتغلاً بعلم تأويل الصفات أو بنحو ذلك من العقائد الفاسدة، وأكثر علمه هو في الحديث والفقه والتراجم والتاريخ ونحو ذلك، فمثل هذا العالم يؤخذ ما عنده من الحق، وهو عالم من علماء المسلمين، وأما في باب الصفات وغيره من أبواب العقائد فينبغي للإنسان أن يكون حذراً في قراءة كلامه وأن ينقد ما عنده من الخطأ.

حكم الترحم على أهل البدع

حكم الترحم على أهل البدع Q هل يجوز الترحم على أهل البدع؟ A مسألة الترحم على أهل البدع مبنية على انقسام أهل البدع، فأهل البدع ينقسمون إلى قسمين: بدع مكفرة تخرج عن الإسلام، مثل بدع الفلاسفة والباطنية والقرامطة والحلولية وعباد القبور ونحو ذلك، فهؤلاء لا يترحم عليهم ولا يصلى خلفهم ولا كرامة. النوع الثاني من البدع: البدع التي لا تخرج الإنسان عن دائرة الإسلام، فإن صاحبها يكون مسلماً، وحينئذ فإن مقاطعة أصحاب البدع من هذا الصنف مبنية على المصلحة، فإن كانت هناك مصلحة من مقاطعته أو ترك السلام عليه أو ترك الصلاة على جنازته فإنه يفعل ذلك، إذا كان الذي يفعله عالم مشهور، فإذا فعل هذا الفعل ترك الناس هذه البدعة. أما إذا فعلها إنسان عادي فإنه يترحم عليه، ويسلم عليه، ويشمت إذا عطس، ونحو ذلك من حقوق المسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (حق المسلم على المسلم خمس) حتى لو كان مبتدعاً لكنه مسلم، ولا يصح لإنسان أن يترك هذا الحق لأجل أنه مبتدع، مع أنه ليس هناك فائدة من الترك. فالمبتدع إذا كانت بدعته غير مكفرة فإن له حقوق المسلم، إلا إذا كان في تركها فائدة للناس، كأن يهجره عالم مشهور أو نحو ذلك. فلا يجوز تكفير المسلم إلا إذا أتى بناقض من نواقض الإسلام، والخوارج يكفرون المسلمين بالمعاصي، فمن لم يترحم على المسلم ولو كان مبتدعاً بدعة غير كفرية فإنه يخشى عليه أن يشابه الخوارج في مذهبهم الباطل. نكتفي بهذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

العقيدة الواسطية [10]

العقيدة الواسطية [10] إن مما يجب على المسلم الإيمان به والتصديق ما ثبت لله تعالى من صفة استوائه على عرشه وعلوه على خلقه كما يليق بجلاله وكماله, فقد نطقت بذلك آيات الكتاب صراحة, وتضمن بعضها ذلك دلالة, وجملة تلك الأدلة من الكثرة بمكان, وما ذهب إليه النفاة لهذه الصفة من تأويلهم للاستواء وإنكارهم للعلو قول رقيع لا ينتهض بدليل ولا لغة.

نفي الصفات السلبية عن الله وإثبات كمال ضدها

نفي الصفات السلبية عن الله وإثبات كمال ضدها الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمداً إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً؛ إنك أنت العليم الحكيم. في الدرس الماضي تحدثنا عن بعض الصفات الاختيارية، وهي صفة المكر والكيد بالكافرين، وكذلك صفة العفو والعزة والمغفرة والقدرة، وتحدثنا أيضاً عما يتعلق بإثبات اسم الله عز وجل، وأن لله أسماء حسنى، وتحدثنا أيضاً عن الفرق بين الاسم والمسمى، كما تحدثنا عن الصفات السلبية، والصفات السلبية هي: الصفات المنفية عن الله سبحانه وتعالى، وهذه الصفات تنقسم إلى قسمين: صفات سلبية عامة، بمعنى: أن السلب فيها عام، كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، وهناك سلبٌ مفصل، كنفي الولد عن الله عز وجل أو التعب أو الجهل أو نحو ذلك من صفات النقص التي نفاها الله عز وجل عن نفسه، وقلنا: إن هذه الصفات السلبية لها قاعدة مشهورة من قواعد الصفات، وهي: أن النفي في صفات الله عز وجل يتضمن إثبات كمال الضد، فنفي الجهل لكمال علمه، ونفي النوم لكمال حياته وقيوميته، ونفي التعب لكمال قدرته سبحانه وتعالى، وهكذا النفي يدل على إثبات كمال الضد. ثم ذكرنا الآية المذكورة في سورة المؤمنون، وهي قول الله عز وجل: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [المؤمنون:91]، هذه الآية قلنا: إنها برهان عقلي على وحدانية الله عز وجل، وقد استخدم فيها أسلوب السبر والتقسيم. والسبر والتقسيم من الطرق العقلية المستخدمة في القرآن، ومعنى التقسيم: حصر المعاني والأقسام التي يمكن أن تترتب على شيء من الأشياء بشرط أن تكون هذه المعاني أو الأقسام محصورة، ثم سبر هذه المعاني والأقسام وتمحيصها، ومعرفة حكم كل نوع منها، فيخلص لك في النهاية أن مجموعة منها باطلة، وأن واحداً منها هو الحق، فمثلاً: قول الله عز وجل: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} [المؤمنون:91]، المعنى هنا: ما كان معه من إله، ولو كان معه إله ماذا سيحصل؟! ذكر هنا قسمين، وهي قسمة محصورة فقال: {لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} [المؤمنون:91]، هذا القسم الأول. ثم قال: {وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [المؤمنون:91]، هذا القسم الثاني. ولا يوجد هناك قسم صحيح إلا الأخير، وهو أن تكون هذه الآلهة باطلة جميعاً إلا الله سبحانه وتعالى الواحد، فإذا أبطلنا أن يذهب كل إله بما خلق، كما هو الواقع المشهود الآن، وإذا أبطلنا أن يعلو بعضهم على بعض؛ لعدم وجود الصراع كما نلاحظه في الكون، فلا يبقى إلا أن مدبر هذا الكون واحد، وهو الله سبحانه وتعالى. إذاً: هذا برهان عقلي استعمل في القرآن الكريم.

إثبات صفتي العلو والاستواء لله عز وجل

إثبات صفتي العلو والاستواء لله عز وجل وفي هذا الدرس سيكون حديثنا -إن شاء الله- عن صفة من أعظم الصفات الشرعية التي طال فيها الكلام، وهي صفة علو الله سبحانه وتعالى على خلقه، وأيضاً صفة استواء الله عز وجل على عرشه، ودائماً تلاحظون أن صفة الاستواء تقرن بصفة العلو، والسبب في ذلك هو: أن الاستواء يعتبر دليلاً من أدلة العلو، كما أن النزول يعتبر دليلاً من أدلة العلو، وكذلك المجيء والإتيان ونحوها من الصفات تعتبر من أدلة العلو، وقد بدأ المؤلف رحمه الله بالآيات الدالة على استواء الله سبحانه وتعالى على عرشه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] في سبعة مواضع: في سورة الأعراف قوله: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54]. وقال في سورة يونس عليه السلام: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [يونس:3]. وقال في سورة الرعد: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الرعد:2]. وقال في سورة طه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]. وقال في سورة الفرقان: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [الفرقان:59]. وقال في سورة الم السجدة: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [السجدة:4]. وقال في سورة الحديد: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد:4]]. هذه الآيات جميعاً تدل على صفة من صفات الله سبحانه وتعالى وهي صفة استواء الله سبحانه وتعالى على العرش، والله عز وجل استوى على العرش حقيقة، كما تدل هذه الآيات، والعرش من أعظم مخلوقات الله سبحانه وتعالى، وهو مخلوق من مخلوقات الله عز وجل خلقه الله سبحانه وتعالى قبل خلق السماوات والأرض، والعرش من أوائل المخلوقات التي خلقها الله سبحانه وتعالى، وهو سرير الملك، وقد استوى الله سبحانه وتعالى عليه بعد أن خلق السماوات والأرض. والدليل على أن هذه الصفة كانت بعد خلق السماوات والأرض هو استعمال (ثم) وهي تدل على الترتيب والتراخي، فإن الله عز وجل يقول: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [يونس:3]، وهكذا بقية الأدلة تجدون أنها جاءت بلفظ (ثم)، وثم تدل على الترتيب والتراخي، فاستواء الله عز وجل على العرش كان بعد خلق السماوات والأرض، فهو إذاً صفة فعلية اختيارية كانت بعد خلق السماوات والأرض. والاستواء معناه معلوم، ولكن كيفيته مجهولة، كما قال الإمام مالك عندما سئل عن الاستواء وعن هذه الآية بالذات فقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، قال له الرجل: كيف استوى؟ فأطرق الإمام مالك وعلته الرحضاء -يعني: العرق- ثم قال: (الاستواء معلوم) يعني: معلوم معناه في لغة العرب. (والكيف مجهول، والإيمان به واجب) يعني: الإيمان بمعناه والإيمان بكيفيته المجهولة بالنسبة لنا واجب. (والسؤال عنه بدعة)، وقوله: (السؤال عنه) الضمير في قوله: (عنه) يرجع إلى الكيفية ولا يرجع إلى المعنى، فإن الإيمان بمعنى الاستواء واجب؛ لأنه من تدبر القرآن، والله عز وجل يقول: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]، ويقول سبحانه وتعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص:29]. فمعاني صفات الله عز وجل واضحة؛ لأنها جاءت بلغة العرب، وهذا القرآن نزل بلسان عربي مبين، ولا يمكن أن يخاطبنا الله عز وجل بألغاز أو بأحاجي لا معاني لها، ولا يمكن أن يخاطبنا الله عز وجل بكلام لا نفهمه، فنحن نفهم معاني الصفات، لكن لا ندرك كيفيتها، ولا ندرك حقيقتها وكنهها؛ لأنها من صفات الخالق، وهناك فرق كبير بين الخالق والمخلوق، ولأن الله عز وجل لم يخبرنا بكيفية صفاته وإنما بين لنا معانيها؛ لما فيها من الفوائد العظيمة لنا في إيماننا وأخلاقنا وآدابنا. إذاً: فقوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) يتضمن إثبات صفة الاستواء لله سبحانه وتعالى، وهو كذلك يتضمن إثبات صفة العلو لله سبحانه وتعالى. وهذه الصفة الثابتة لله عز وجل معناها هو كما حكى جماعة من المفسرين من السلف الصالح رضوان الله عليهم قالوا: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) قالوا: (استوى) بمعنى: علا وارتفع واستقر. فك

نفاة صفة الاستواء والرد على شبهات استدلالهم

نفاة صفة الاستواء والرد على شبهات استدلالهم وكان السلف رضوان الله عليهم مجمعين على معاني صفات الله عز وجل لا يختلفون فيها، حتى ظهر الجعد بن درهم فنفى صفات الله سبحانه وتعالى، وأظهر القول بنفي الصفات، فنفى استواء الله سبحانه وتعالى، ثم جاء الجهم بن صفوان بعده فقلده في ذلك ونفى استواء الله عز وجل، ثم جاءت المعتزلة بعد ذلك وقلدوا الجهمية في هذا وقالوا: إن الاستواء ليس من صفات الله وإنما هو بمعنى: استولى، وفسروا الاستواء بالقدرة. ولما أظهر المعتزلة القول بخلق القرآن كان مما نفاه المعتزلة هذه الصفة وهي صفة الاستواء، ونفوا كذلك صفة علو الله سبحانه وتعالى على خلقه، فرد عليهم إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في كتابه (الرد على الزنادقة والجهمية) وكذلك رد عليهم جماعات، ومنهم: عبد الله بن سعيد بن كلاب القطان، وهذا هو مؤسس الكلابية، وقلده في ذلك أبو الحسن الأشعري وتابعه أوائل الأشاعرة، وأيضاً أثبتها أبو بكر بن الطيب الباقلاني وكذلك عدد من الأشاعرة المتقدمين أثبتوا صفة الاستواء لله عز وجل، وصفة العلو لله سبحانه وتعالى، ومن أوائل من نفى صفتي الاستواء والعلو من الأشاعرة هو إمام الحرمين الجويني؛ فإنه نفى صفة الاستواء ونفى صفة العلو، وأخذ تأويل المعتزلة والجهمية أن الاستواء بمعنى القدرة والاستيلاء، ولا شك أن هذا التأويل باطل؛ لأنه لا يوجد في لغة العرب استعمال الاستواء بمعنى الاستيلاء. وقد نقل أبو المظفر السمعاني في كتابه (الإفصاح) عن الخليل بن أحمد الإمام اللغوي شيخ سيبويه أنه لا يوجد في كلام العرب استعمال الاستواء بمعنى الاستيلاء والقدرة، وإنما جاء بها هؤلاء المحرفون لنصوص الكتاب والسنة، الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، وقالوا: إن الاستواء بمعنى الاستيلاء. وقد رد عليهم السلف بردود لطيفة جداً، ومن ذلك أنهم قالوا: إن الله عز وجل مستولٍ على كل شيء، فالله عز وجل مستولٍ على الأرض، وهو سبحانه وتعالى مستولٍ على الإنسان، وهو سبحانه وتعالى مستولٍ على الجماد، وهو سبحانه وتعالى مستولٍ على جميع مخلوقاته، فلو كان معنى الاستواء الاستيلاء لصح أن يكون الله عز وجل مستوياً على الأرض أو مستوياً على العباد أو مستوياً على البحار أو مستوياً على الأنهار والأشجار، وهذا لا يقول به أحد، ولو كان الاستواء بمعنى الاستيلاء لما كان للعرش خصوصية، ولما خصص العرش دون سائر المخلوقات بالاستواء، وهم لا يقولون: إن الله عز وجل استوى على الإنسان مثلاً، ولا يقولون: إن الله عز وجل استوى على البحار والأنهار والأشجار، لا يقولون بهذا، ولا يقول به عاقل، وإنما أرادوا الهروب من هذه الآية، ففسروها بمعنى باطل، فوقعوا في الغلط وفي الخطأ الشنيع. والعجيب أن الأشاعرة والمعتزلة الذين سبق أن تحدثنا عنهم، وأنهم يقدمون العقل على النقل، ويضعفون الأدلة النقلية الشرعية ويقولون: إنها لا تفيد اليقين، ولا يقبلون أخبار الآحاد في العقيدة، لكنهم عندما قيل لهم: ما هو الدليل على أن الاستواء بمعنى الاستيلاء؟ قالوا: يقول الشاعر: قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق فلما سئلوا من القائل؟ فإذا هو الأخطل النصراني، وهو شاعر نصراني متأخر قال هذا البيت، فاستدلوا به على أن الاستواء بمعنى الاستيلاء. فنقول لمثل هؤلاء: كيف تتركون نصوص الكتاب والسنة وتقدمون العقل عليها، وتهونون الأدلة من القرآن والسنة، ولا تقبلون أخبار الآحاد في العقيدة، ثم تستدلون ببيت شاعر نصراني؟! ثم إن هذا البيت يحتاج إلى التثبت من صحته، فإذا كانت النصوص الشرعية مثل السنة غير المتواترة تحتاج للتصديق بها والعمل بها أن نعرف النقل، وهل ثبت هذا الحديث أم لم يثبت، إذا كان هذا في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف بمثل هذا البيت الذي قاله رجل نصراني لا يحتج به؟ فيقال لهم: من قال هذا البيت؟ فإن هناك أبياتاً كثيرة منحولة مكذوبة ليست ثابتة عن أصحابها، فمع كون القائل نصرانياً، هل يثبت هذا البيت؟! فلم يستطيعوا إثباته. وهكذا تكون البدعة والعياذ بالله! وهكذا يكون الهوى، فإن الإنسان إذا استشرب قلبه الهوى -والعياذ بالله- أصبح يبحث عن الحجج بأي أسلوب، ويحاول أن يدفع النصوص بالراحتين والصدر، وأن يبعدها عن دلالاتها. ومن أدلة هؤلاء أنهم قالوا: لو أن الله عز وجل استوى على عرشه فمعنى هذا أنه جسم، فهل تقولون: إن الله جسم؟ هكذا يخاطبون أهل السنة، فبماذا نجيبهم؟ نجيبهم بما يلي: أولاً: نقول كلمة (جسم) لها معنى بلغة العرب، ولها معنى خاص عندكم، فأما معناها في لغة العرب فالجسم هو: الجسد المبني، وهو هذا البدن الموجود، فإن قصدتم بالجسم المعنى اللغوي فلا شك أن الله عز وجل ليس بجسم؛ لأن فيه تمثيلاً بخلقه، والله عز وجل قد بين في القرآن أن معنى الجسم هو البدن، فقال الله عز وجل عن طالوت: {وَزَادَهُ بَسْط

أدلة إثبات علو الله عز وجل

أدلة إثبات علو الله عز وجل والأدلة التي تثبت علو الله على خلقه أنواع، وكل نوع يشتمل على مجموعة من الأدلة، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في (الصواعق المرسلة) أكثر من ثلاثين نوعاً من الأنواع التي تدل على إثبات علو الله عز وجل على خلقه، ومن ذلك الاستواء، فإن الآيات الواردة في الاستواء والأحاديث الواردة في الاستواء تدل على إثبات علو الله على خلقه، وكذلك النزول والمجيء والإتيان، ونزول الملائكة ونزول القرآن، وصعود الملائكة وصعود الأعمال الصالحة إلى الله، وكذلك الإسراء والمعراج، وغيرها من النصوص الكثيرة الدالة على إثبات علو الله عز وجل، مثل حديث الجارية، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله معاوية بن الحكم عن هذه الجارية بعد أن لطمها: أيعتقها؟ فقال لها: (أين الله؟ قالت: في السماء، وأشارت إلى السماء، قال: من أنا؟ قالت: رسول الله، قال: أعتقها؛ فإنها مؤمنة)، وفي أكبر مجمع وأكبر مكان اجتمع فيه أهل الإسلام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم اشهد! ويشير إلى السماء وينكتها إليهم) وفي هذا إثبات صفة العلو عن طريق الفعل. الشاهد: أن إثبات صفة العلو لله عز وجل موجود حتى في العقل والفطرة، أما الفطرة فإن الإنسان عندما يدعو الله عز وجل يجد في قلبه ضرورة تتجه إلى العلو، وهذا دليل فطري، وقد كان إمام الحرمين الجويني يدرس طلابه في المسجد نفي العلو عن الله عز وجل ويقول: إنه يلزم منه الجهة، فجاءه أحد الحضور وهو الهمداني رحمه الله، فقال: دع ما قلت، أخبرني عن الضرورة التي يجدها الإنسان في قلبه، فكلما دعا الله عز وجل أحد العارفين وجد في نفسه ضرورة ملحة تتجه نحو العلو، فصار الجويني يضرب على رأسه ويقول: حيرني الهمداني، حيرني الهمداني. ويقول ابن تيمية رحمه الله: جاءني رجل من نفاة العلو، وكانت له حاجة عندي، فكنت أماطله حتى ضاق صدره فلما ضاق صدره ونظر إلى السماء، فقلت له: إلى أين تنظر وأنت لا تثبت أن في السماء إلهاً وإنما هو في كل مكان أو لا هو خارج العالم ولا هو داخل العالم؟ فكان هذا من أعظم الأسباب التي جعلته يتراجع عن هذه العقيدة؛ لأنه شعر أنها تخالف الفطرة التي خلقه الله عز وجل عليها. وقد ذكر الإمام أحمد رحمه الله في الرد على الزنادقة والجهمية دليلاً عقلياً على إثبات علو الله عز وجل؛ فإنه قال لخصومه: الله عز وجل عندما خلق العالم إما أنه خارج العالم أو أنه خلق العالم ودخل فيه، فإن قلتم: دخل في العالم، فقد كفرتم؛ لأنكم جعلتم الله عز وجل داخلاً في الأماكن القذرة في كل مكان، وإن قلتم: إنه لا داخل العالم ولا خارج العالم، فقد ضللتم؛ لأنه مخالف للعقل، فإذا كان لا داخل العالم ولا خارج العالم، فأين هو؟! وإن قلتم: خارج العالم، وصلتم إلى الإثبات، وهو إثبات العلو لله عز وجل، وهذا لا شك أنه دليل عقلي دقيق في إثبات علو الله سبحانه وتعالى على خلقه.

أقسام نفاة صفة العلو

أقسام نفاة صفة العلو والمعطلة لصفة العلو انقسموا إلى قسمين: المشتغلين بعلم الكلام، والمشتغلين بالفلسفة، فإذا قالوا: إن الله عز وجل ليس في العلو قال لهم الناس: أين هو؟ قالوا: لا داخل العالم ولا خارج العالم! فهؤلاء هم المشتغلون بعلم الكلام والفلسفة من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة. وأما المشتغلون بالتصوف والتعبد إذا سئلوا فقيل لهم: أين من تعبدون؟! قالوا: في كل مكان؟! فالقول الأول والقول الثاني يتفقان على نفي العلو عن الله عز وجل، فالجميع ينفي العلو، ولكن كل قول من الأقوال له جهة سببها منهج الدراسة والتعليم، فالذين قالوا: إن الله لا خارج العالم ولا داخل العالم سبب قولهم هذا هو دراستهم لعلم الكلام؛ وعلم الكلام والفلسفة يتجه نحو التجريد، والإيمان بالخيالات، والإيمان بالمتناقضات، ولهذا قالوا: لا داخل العالم ولا خارج العالم. وأما المشتغلون منهم بالتعبد، فإن التعبد يقتضي وجود إله معبود؛ فإنه لا يمكن أن يقولوا: إنه لا داخل العالم ولا خارج العالم، فسيقال لهم: وأين هو؟ وكيف تعبدونه؟ وكيف تتوجهون إليه، وهو لا داخل العالم ولا خارجه؟ فاضطروا إلى القول بأنه في كل مكان، ولهذا قالوا: هو في كل مكان، بل قال ابن عربي: إن الكون جميعاً هو الإله، وإن الناس هم الإله، وإن كل شيء موجود في الكون فهو الله عز وجل، فالشجر هو الله! والإنسان هو الله! والحيوان هو الله! وكل شيء هو الله! حتى الكلام قال: وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه وقال: العبد رب والرب عبد يا ليت شعري من المكلف؟! إن قلت عبد فذاك رب أو قلت رب أنى يكلف؟ يقول: العبد رب والرب عبد، يعني: هو هو. وقال: (يا ليت شعري من المكلف)، ولهذا أسقط التكاليف، يقول من المكلف فيهما وهذا هو هذا وهذا هو هذا؟ ولماذا تكلفون الناس بتكاليف؟ المفروض أنه لا يكلف أحد لا بصلاة ولا بصيام ولا بحج ولا بزكاة، ثم دلل على هذا فقال: (إن قلت عبد) يعني: إن قلت: المكلف هو العبد. (فذاك رب) يعني: العبد هو الرب. (وإن قلت رب أنى يكلف) يعني: كيف يكلف الرب، ولهذا توصل إلى أن الكون جميعاً هو الله، وأنه لا يوجد رسالات، وأنه لا يوجد حق وباطل، وأن كلام فرعون عندما قال: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24] هو عين الحق، وهو الصواب الذي لا محيد عنه! وقال: إن ادعاء النمرود بأنه يحيي الموتى صدق لا شك فيه! ونحو ذلك من المقالات الكفرية التي يقول عنها ابن تيمية رحمه الله مع اطلاعه على مقالات الناس: ما رأيت مثلها في مقالات العالم، يعني: لا يوجد مثلها في مقالات العالم، فإنهم يقولون: كل شيء هو الله، والعياذ بالله! ولهذا صار هؤلاء يستحلون المحارم، وصاروا يفعلون المنكرات الظاهرات البينات ويقولون: هذا حلال لنا، وظهرت الباطنية في بلدان مختلفة يستخدمون الحشيش ويشربون الخمر ويزنون بالمحارم ويفعلون المنكرات الكبرى ويسقطون التكاليف عن العباد! ومن أعظم حججهم هذه العقائد الفاسدة، حتى إنه ظهر رجل في اليمن اسمه علي بن الفضل منذ زمن بعيد وأحل للناس المحارم، وأباح لهم المنكرات جميعاً، يقول في قصيدة له: خذي الدف يا هذه والعبي وغني هزاريك ثم اطربي تولى نبي بني هاشم وهذا نبي بني يعرب فقد حط عنا فروض الصلاة وحط الصيام فلم يتعب فلا تمنعي نفسك المعرسين من الأقربين أو الأجنبي فكيف حللت لذاك الغريب وأصبحت محرمة للأب أليس الغراس لمن ربه ونماه في الزمن المجدب إذاً: هؤلاء زنادقة من المنافقين الذين اندسوا ممن يخدم فكر اليهود أو ربما يكون ورائهم اليهود الذين يعتقدون أن نجاحهم هو في إفساد عقائد العالم، فإن اليهود يعتقدون أن نجاح ديانة اليهودية وظهورها هو في إفساد عقائد العالم، فاليهودية ليست دين دعوة، فهم لا يدعون الناس إلى الدخول في اليهودية؛ لأنهم أصحاب عنصرية، فاليهود هم اليهود، وليس في الإمكان وجود أشخاص آخرين، ويظهرون على الأديان الأخرى مع أنهم أصحاب عنصرية بإفساد عقائد وأخلاق الآخرين، فظهر بولس شاول في النصرانية وأراد إفساد عقائد النصرانية، وكان بولس شاول هذا رجلاً يهودياً يعذب النصارى، ثم جاء يوماً من الأيام إلى النصارى بعد طول التعذيب وقال: أنا تنصرت، فلما سئل عن السبب قال: كنت متجهاً إلى قرية من قرى النصارى من أجل أن أعذبهم فجاءني نور من السماء وقال: أنا ابن الله المسيح! لماذا تعذب أتباعي؟ ثم قال لي: كرس بالإنجيل، يعني: احفظ الإنجيل وادع إلى الإنجيل، ثم أدخل فكرة الثالوثية في النصارى، وأن الإله مكون من ثلاثة: الأب والابن وروح القدس، والتف عليه كثير من الجهلة من النصارى، ولهذا سماهم الله ضالين؛ لأنهم يتعبدون على جهل، فالتف عليه عدد كبير جداً من النصارى، وصاروا من أتباعه، وبقى الموحدون في عدد قليل، وانقرضوا مع الأيام، لا سيما عندما تنصر قسطنطين، وكان قسطنطين حاكم الامبراطور في دول الرومان تنصر على طري

ذكر بعض الآيات الدالة على علو الله عز وجل

ذكر بعض الآيات الدالة على علو الله عز وجل وقد ذكر الشيخ مجموعة من الأدلة نقرؤها: قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران:55]. وقوله: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء:158]. وقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]. وقوله: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر:36 - 37]]. إذاً: فرعون كان يعرف أن الله في السماء، فكان أفقه من هؤلاء المبتدعة الذين ينفون علو الله عز وجل على خلقه. قال رحمه الله: [وقوله: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [الملك:16]]. (فِي) هنا بمعنى: على، كما في قول الله عز وجل: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71]، وليس المقصود: داخل الجذع، وأنه يحفر الجذع ويدخلهم فيه، وإنما المقصود: على، ولهذا يقولون: إن حروف الجر تتناوب، ينوب بعضها عن بعض. قال رحمه الله: [وقوله: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [الملك:16 - 17]]. وهكذا الأحاديث، وسيأتي إن شاء الله ذكر ذلك كقول النبي صلى الله عليه وسلم في رقية المريض: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء اجعل رحمتك في الأرض) إلى آخر الحديث، وحديث الجارية وسيأتي الإشارة إليه إن شاء الله في وقته. نكتفي بهذا، وإن شاء الله في اللقاء القادم نكمل الكلام على علو الله عز وجل.

الأسئلة

الأسئلة

وجود الزنادقة في هذا الزمان

وجود الزنادقة في هذا الزمان Q هل يوجد زنادقة في هذا الزمان أم لا يوجد؟ A نعم، الزنادقة في هذا الزمان كثيرون.

حكم من ادعى أن السماوات والأرض أكبر من الذات الإلهية

حكم من ادعى أن السماوات والأرض أكبر من الذات الإلهية Q ما رأيكم فيمن يقول: إن جرم السماوات وجرم الأرض أكبر من ذات الله؟! A هذا زنديق، فإن هذا لا يقوله مسلم، فالله عز وجل هو الكبير المتعال سبحانه وتعالى.

حكم من عبد صفة من صفات الله

حكم من عبد صفة من صفات الله Q ما حكم من عبد صفة من صفات الله دون الله؟ A كيف يعبد صفة من صفات الله دون الله؟! هذه ما تحصل.

المقصود بذات الله

المقصود بذات الله Q ما المقصود بذات الله؟ A ذات: تأنيث ذو، وذو بمعنى صاحب، فـ (ذات) ليس معناها صفة من صفة الله اسمها ذات، وإنما المقصود صاحبة، فمعنى ذات الله يعني: صاحبة الصفات، فإنه لا يتصور أن يوجد ذات لله عز وجل مجردة عن صفاته سبحانه وتعالى، ويصح أن يقال: ذات الله بمعنى: (في الله)، أو تكون ذات بمعنى حقيقة أو بمعنى نفس، يعني: تكون بمعنى التوكيد، كقول خبيب: وذلك في ذات الإله. وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كذب إبراهيم ثلاث كذبات كلها في ذات الله)، يعني: في الله عز وجل.

أهمية الدعاء والمناصرة للمستضعفين والمجاهدين

أهمية الدعاء والمناصرة للمستضعفين والمجاهدين Q لا يخفى عليكم ما يعانيه إخواننا المسلمون في الشيشان، نرجو منكم تذكير الإخوان بأهمية الدعاء؟ A لا شك أن أهل الإسلام في الشيشان يعانون حرباً ضروساً من الشيوعيين الملاحدة، ولا شك أن هذا هو حال المسلمين في أماكن كثيرة ومختلفة، والواجب على المسلم أن يكون دائماً مرتبطاً ارتباطاً كبيراً بإخوانه المسلمين في كل مكان؛ فإن الإخوة الإسلامية لا يحدها إقليم ولا منطقة، والله عز وجل ربط الأخوة بالدين ولم يربطها باللون ولا بالجنس ولا بالبلد ولا بأي شيء من ذلك، والواجب هو نصرة هؤلاء المسلمين بالمال، والواجب أيضاً هو نصرتهم بالدعاء، وبقدر ما يستطيع الإنسان يجب عليه أن ينصر هؤلاء المسلمين به، لاسيما أن هناك عدداً كبيراً من المجاهدين في سبيل الله يقاتلون من أجل إعلاء كلمة الله، وهم يقاتلون هؤلاء المشركين الملاحدة الذين يدعمهم العالم جميعاً، كما هو معلوم، حيث تدعمهم الدول الغربية بكل ما يستطيعون من المال والعتاد، فالواجب الدعاء لإخواننا، والدعاء لا شك أنه من أعظم الأسلحة التي توفق المسلمين، فقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قلة يوم بدر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلجأ إلى الدعاء، كما يقول علي بن أبي طالب: (كنا ننام وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام، كان يرفع يديه ويدعو الله عز وجل ويقول: اللهم نصرك الذي وعدتني) ويدعو الله سبحانه وتعالى، فينبغي علينا جميعاً أن ندعو الله عز وجل لنصرة إخواننا المسلمين في الشيشان وفي كل مكان، نسأل الله عز وجل أن ينصرهم وأن يخذل عدوهم.

مقصود المعطلة من نفي صفات الله وأسمائه

مقصود المعطلة من نفي صفات الله وأسمائه Q ماذا يستفيد المعطلة والجهمية والأشاعرة وغيرهم من نفي صفات الله أو أسمائه؟ A هم لا يستفيدون عائداً مادياً، هم يعتقدون أنهم عندما ينفون هذه الصفات أنهم ينزهون الله عز وجل، ولا يعتقدون أنهم على باطل، لكن المنهج الذي سلكوه فأوصلهم إلى نفي صفات الله عز وجل منهج فاسد؛ لأنهم اعتمدوا على العقل قبل النقل الشرعي، ولم يهتموا بالنصوص الشرعية، حتى إن بعضهم إذا ناظره بعض أهل السنة وذكر له آية، يقول: لا نسلم بصحة الحديث؛ يظن أنه حديث! فلا يفرقون بين الآية والحديث؛ لقلة اطلاعهم على كتب السنة وعدم اعتنائهم بالنصوص.

عقيدة الكوثري

عقيدة الكوثري Q ذكر في كتاب أن محمد زاهد الكوثري فقيه حنفي متعصب جركسي الأصل جهمي المعتقد حاقد على أهل السنة، كيف يكون ذلك؟ A محمد زاهد الكوثري رجل عالم من علماء الحديث، لكنه ضال في العقيدة، وله مقالات وله تحقيقات على بعض كتب أهل السنة، وكان يقدح في أئمة أهل السنة ويقول: ينبغي أن يسمى كتاب (التوحيد) لـ ابن خزيمة كتاب الشرك! لأنه يعتقد أن ابن خزيمة قد ضل في كتابه كتاب (التوحيد)، وابن خزيمة من أئمة السلف كما تعلمون، فـ محمد هذا جهمي في العقيدة ينفي صفات الله عز وجل عن نفسه، وله معتقدات هؤلاء الجهمية جميعاً، وأيضاً كان متعصباً لـ أبي حنيفة رحمه الله، وربما قدح في بعض العلماء من أجل أبي حنيفة، وقد ألف كتابا ً سماه (تأنيب الخطيب فيما روى عن أبي حنيفة من الأكاذيب)، وقد ضعف وقدح وجرح عدداً من أئمة الحديث المروي لهم في الصحيحين وفي الكتب الستة، وخالف في أمور اعتقادية وفقهية، وقد تصدى له الإمام الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله تعالى في كتاب سماه (التنكيل بما جاء في تأنيب الكوثري من الأباطيل)، وقد رد عليه ردوداً ممتازة، وأوصي بمراجعة هذا الكتاب، فهو من أفضل الكتب وأحسنها.

حكم التسمي بأسماء الله عز وجل

حكم التسمي بأسماء الله عز وجل Q هل يجوز مشاركة الله عز وجل في أسمائه عامة أو مقيدة؟ A كيف تكون مشاركة الله؟! لا أحد يشارك الله عز وجل، الله عز وجل له الأسماء الحسنى التي بلغت الغاية في الحسن، لكن يمكن أن تتفق أسماء المخلوق مع أسماء الله عز وجل؛ فالله العزيز ويقول: {قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} [يوسف:51]، يعني: عزيز مصر، لكن تلك عزة تناسبه؛ لأنها مضافة إلى مخلوق، وعزة الله تناسبه؛ لأنها مضافة إلى الخالق، وأنت لك رحمة والله رحيم، فيمكن أن تتوافق الأسماء، لكن تختلف المسميات والحقائق.

حكم قول: (لله صفات سلبية)

حكم قول: (لله صفات سلبية) Q هل يصح القول: أن لله صفات سلبية؟ A نعم، السلب هنا معناه: النفي، يعني: لله عز وجل صفات منفية، يعني: نفاها الله عز وجل عن نفسه. السؤال: ما صحة قول من يقول: إن من الابتداع قول هذه المقولة؟ الجواب: هذا لا أرى أنه صحيح.

صفة الإرادة بين كونها ذاتية أو فعلية

صفة الإرادة بين كونها ذاتية أو فعلية Q هل صفة الإرادة من الصفات الذاتية الفعلية؟ A صفة الإرادة ذاتية، لكن متعلقاتها فعلية.

حديث عمران بن حصين في أولية الله تعالى

حديث عمران بن حصين في أولية الله تعالى Q قبل استوائه سبحانه على العرش هل ورد ذكر أين كان الله؟ A ورد في حديث عمران بن حصين أنه صلى الله عليه وسلم عندما جاءه أهل اليمن وسألوه عن أول هذا الأمر قال: (كان الله ولا شيء غيره، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض، وكتب في الذكر عنده كل شيء).

نظرة في القول بوجود خلق من الجن قبل آدم عليه السلام

نظرة في القول بوجود خلق من الجن قبل آدم عليه السلام Q هل خلق الله السماوات والأرض وخلق الجن في الأرض أولاً قبلنا ثم أرسل إليهم ملائكة فقتلتهم؟ A لا يوجد دليل على هذا، إلا ما يروى في بعض الإسرائيليات: (أن الأرض كان يسكنها الجن، وأنهم عصوا وفسدوا فيها، فأرسل الله إليهم الملائكة فقتلتهم، وأخذت ممن أخذت إبليس). وليس في هذا دليل ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعض المفسرين أخذ مرويات إسرائيلية في هذا، وذكرها عند قول الله عز وجل: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة:30]، وقال: كيف عرفت الملائكة سفك الدماء ونحو ذلك مع أنهم عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون؟! والجواب يسير، وهو: أن الله أخبرهم عندما قال: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30]، أخبرهم أن هذا الخليفة هو الإنسان، وأنه سينزل الأرض، ويحصل بينهم سفك للدماء وعصيان، فقالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} [البقرة:30].

حكم الفرق التي نفت صفات الله عز وجل

حكم الفرق التي نفت صفات الله عز وجل Q هل تعتبر الفرق التي نفت صفات الله عز وجل من فرق المسلمين؟ وماذا نقول فيهم؟ A الفرق التي نفت صفات الله عز وجل تختلف: فالجهمية كفرهم السلف رضوان الله عليهم، لمقالاتهم الكفرية، وأما الأشاعرة فبإجماع أهل السنة أنهم ليسوا كفاراً، وأنهم من المسلمين، لكنهم وقعوا في هذه البدع المضلة، فهم من أهل البدع وليسوا من الكفار، وإنما هم من المسلمين.

تعقيب على تفسير بعض المعاجم للاستواء بالاستيلاء

تعقيب على تفسير بعض المعاجم للاستواء بالاستيلاء Q جاء في بعض المعاجم: أن معنى الاستواء: الاستيلاء، هل يفهم من ذلك أن في لغة العرب استوى بمعنى: الاستيلاء، أم أن بعض مؤلفي المعاجم هم من الطوائف المنحرفة؟ A الحقيقة هي ما نقله أبو المظفر السمعاني فيما سبق عن الخليل بن أحمد أنه لا يوجد الاستواء بمعنى: الاستيلاء، وقد ذكر بعض العلماء: أن الاستواء قد يوجد بمعنى الاستيلاء، لكن بشرط: أن يكون هناك مغالبة سابقة، فإذا وجد في كلام العرب، فمعنى هذا: أنه لا يصح أن يقال: إن استوى بمعنى استولى في كلام الله عز وجل.

حكم إطلاق لفظ الجسم على الله عز وجل

حكم إطلاق لفظ الجسم على الله عز وجل Q ذكرتم أن الألفاظ التي يطلقها أهل البدع يجب أن نستفصل عنها؛ لكي لا نثبت باطلاً وننفي حقاً، ما الحق في لفظ الجسم؟ A لم أفهم ماذا يقصد بالحق، فإذا كان الأخ يقصد الحق يعني: معناه في لغة العرب، فمعنى الجسم: البدن، ولا يصح أن يقال: الله جسم بهذا المعنى، وإذا كان الأخ يقصد: إذا قال الجهمية: هل تثبتون أن الله جسم؟ فما هو المعنى الحق الذي يمكن أن يرد علينا لو نفينا، فنقول: إنهم اصطلحوا في اسم الجسم على أنه الجسم الذي يقبل الانقسام والموصوف بالصفات، فقالوا: إن الله ليس بجسم، هكذا بإطلاق، وقالوا: إذاً: ما استوى على عرشه، وليس في السماء، وليست له يدان ولا وجه، وليس خالقاً ولا رازقاً إلا بمعنى المفعول وأنها لم تقم فيه، وهكذا من أنواع نفي الصفات الذي يقولونه.

خطر المتصدرين للفتوى على الفضائيات بغير علم وواجب المسلم تجاههم

خطر المتصدرين للفتوى على الفضائيات بغير علم وواجب المسلم تجاههم Q مما عمت به البلوى الشيوخ الذين يظهرون على القنوات الفضائية، وأخبرني زميل في العمل أن شيخاً من هؤلاء أفتى أن آدم عليه السلام لم يكن في الجنة، واستدل بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) وأن الجنة معناها: البستان أو المزرعة، واستدل بقصة أصحاب الجنة في سورة القلم وصاحب الجنة في سورة الكهف، والمشكلة والطامة الكبرى أن هذا الزميل مقتنع بهؤلاء المشايخ الذين يظهرون في القنوات الفضائية، وينظر إلى علمائنا بأنهم غير مثقفين في الدين، ولا يعرف أسماءهم، مع العلم بأن هذا الشخص من أبناء هذا البلد، فنرجو توضيح هذا القول؟ A لا شك أن هذه الفتوى التي أفتى بها هذا الشيخ الفضائي باطلة وغير سليمة وغير صحيحة؛ لأن الجنة التي كان فيها آدم عليه السلام أول ما خلقه هي جنة عدن، والذين يقولون: إن الجنة التي كان فيها آدم ليست الجنة التي في السماء وإنما هي في الأرض هم المعتزلة؛ فإنهم لا يعتقدون أن الجنة موجودة الآن، ولا شك أن كلامهم باطل؛ فإن القرآن أثبت أن الجنة في السماء، وهناك عدة أدلة على هذا من خلال سياق قصة آدم، منها قول الله عز وجل: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا} [البقرة:38]، والهبوط يكون من أعلى إلى أسفل، فلو كانت في الأرض لما قال: (اهبطوا) فالهبوط -كما قلت- يكون من أعلى إلى أسفل. قال عز وجل: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ} [البقرة:38] إلى آخر الآيات. وكذلك الله عز وجل يقول: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة:35]، فبين أنه كان يأكل منها رغداً حيث شاء. والجنة والنار مخلوقتان الآن، والدليل على أن النار مخلوقة: قول الله عز وجل: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:24]، فقوله: (أُعِدَّتْ) يعني: سابقاً. فهذا القول الذي يقوله هذا الشيخ قول باطل، وهم من مقالات المعتزلة الذين لا يثبتون أن الجنة موجودة الآن، ويقولون بأن الله عز وجل يخلقها بعد ذلك. والحقيقة أن مما ابتلي به الناس فعلاً بعض هؤلاء الذين يظهرون في القنوات الفضائية يفسدون على الناس دينهم، فبعضهم يفتي بجواز الفوائد الربوية ويقول: الرجل إذا وضع ماله في البنك وأخذ عليه فوائد فهذا مباح! وكل هذا من الظلم والباطل، والواجب ألا يقبل الإنسان من مثل هؤلاء، وأن ينصح المسلم إخوانه المسلمين في ألا يقبلوا من هؤلاء الذين يفتون بغير علم، والذين يتكلمون بالباطل. وهذا من جهة أخرى يدعونا إلى وجوب دعوة الناس إلى الله عز وجل، وإلى وجوب نقل فتاوى أهل العلم الموثوق بهم من علمائنا من أهل السنة وتوزيعها في كل مكان وتعريف الناس بدين الله عز وجل الصحيح المربوط بدليله من الكتاب والسنة. وكما تلاحظون أن هذا القنوات الفضائية تعمل بطريقتين لإفساد الخلق، فالشهوات طريقة؛ حيث يظهرون النساء كاسيات عاريات راقصات، ويظهرون الفساد بكل أنواعه وصوره، حتى أصبحت بعض القنوات الجنسية الأوروبية تبث ويلتقطها المسلم في بيته في أي مكان والعياذ بالله! وهذه من أعظم المصائب. وأيضاً أصبحوا يفسدون على الناس دينهم من جهة الشبهات؛ فبعض القنوات تظهر -مثلاً- مقابلات أو مناظرات بين أشخاص، ويطرحون مسائل عويصة وصعبة، ويتناقشون فيها وينظر فيها بعض المسلمين الذين حصيلتهم من علم الله عز وجل يسيرة وضعيفة ولا يعرفون أحكام الله عز وجل ولا يعرفون كثيراً منها، ولهذا قد تتلقف بعض النفوس بعض هذه العقائد، والهوى غلاب على النفوس والعياذ بالله! فيصبح هذا الإنسان من الضالين بهذا السبب، فالواجب يا إخوان: أولاً: تحذير الناس من مثل هؤلاء، وألا يقبلوا إلا من أهل العلم الشرعي من أهل السنة الذين تميزوا باتباع السنة وبربط المسائل بأدلتها الشرعية. ثانياً: تحذير الناس من الشهوات ومن الشبهات، وتوظيف فتاوى أهل العلم الموثوق بهم ونشرها على أعلى مستوى يمكن.

الفرق بين ابن عربي وابن العربي

الفرق بين ابن عربي وابن العربي Q صاحب الشعر: إن قلت عبد فذاك رب هل هو ابن عربي أو ابن العربي؟ A ابن عربي هذا هو محمد بن عربي الطائي صوفي مشهور له كتاب اسمه (فصوص الحكم)، وله كتاب (الفتوحات المكية)، وله كتاب اسمه (الهو) يعني: الذكر بالاسم المضمر، وأما ابن العربي بالألف واللام المالكي فهو من أئمة المسلمين، له كتب كثيرة منها (العواصم من القواصم) وله (أحكام القرآن) ونحو ذلك.

حكم من لم يكفر الكافر

حكم من لم يكفر الكافر Q ذكرت الأحباش وأنهم جهمية اليوم وهم يكفرون من يثبت صفة العلو لله سبحانه وتعالى فهل الأحباش كفار بذلك؟ وما صحة حديث: (من لم يكفر الكافر فهو كافر)؟ A من لم يكفر الكافر فهو كافر ليس حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هي قاعدة عند أهل العلم. والمقصود بقوله: من لم يكفر الكافر، يعني: الكافر الأصلي الواضح الكفر، فمثلاً: لو جاء شخص وقال: إن إماماً من أئمة الكفر وزعيماً من زعماء الكفر -مثل كلينتون - ليس بكافر، فإن هذا القائل تورط في الكفر في الحقيقة؛ لأن هذا الرجل لم يكفر الكافر الأصلي، فالذي لا يكفر الكافر الأصلي يدخل في هذا، لكن من يكون عنده شبهة أو نحو ذلك، لا يصح أن يقال: من لم يكفره فهو كافر.

معنى الزندقة

معنى الزندقة Q ما معنى الزنادقة؟ A الزنديق هو: المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وهو الذي يتلون، وقد يكون معنى الزنديق: الخارج عن السنة، ولهذا قال الإمام أحمد: (أهل الكلام زنادقة) يعني: من أهل البدع، فكلمة زنديق في حد ذاتها لا يلزم منها التكفير؛ لأنها قد تستخدم للخارج عن السنة، وقد تطلق على بعض أهل البدع، وإن كان أكثر شيء استخدم كلمة زنديق على المنافقين.

استواء الله عز وجل على العرش بعد خلق السماوات والأرض

استواء الله عز وجل على العرش بعد خلق السماوات والأرض Q ذكرتم أن الله استوى على عرشه بعد خلق السماوات والأرض، فهل استوى قبل خلق السماوات والأرض على عرشه؟ A لا، وإنما استوى بعد خلق السماوات والأرض؛ لأن الآية نص في الموضوع، قال عز وجل: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54]، فقبله لم يرد أنه استوى على عرشه. وثم تدل على الترتيب والتراخي، لكن التراخي لا يدل على أنه قبل، أي: لا يلزم حصول الاستواء فيه، ثم إنه لا يلزم أيضاً نفي الاستواء قبل خلق السماوات والأرض، فقبل خلق السماوات والأرض لم يرد في النصوص الشرعية النفي ولا الإثبات، لكن الوارد في النصوص أن الاستواء الوارد في السبعة المواضع كان بعد خلق السماوات والأرض.

حكم من أنكر صفة من صفات الله عز وجل

حكم من أنكر صفة من صفات الله عز وجل Q هل من أنكر صفة من صفات الله كفر، وإذا كان كافراً هل هو مخلد في النار كأي كافر؟ A منكر الصفات إذا أنكرها عناداً واستكباراً فلا شك أنه كافر، وأن كفره كفر المخلد في النار يوم القيامة، فيكون مخلداً في النار يوم القيامة، ويكون له أحكام الكافرين في الدنيا، وأما إذا كان متأولاً وعنده شبهة فهذا لا يكفر؛ لأن المتأول لا يكفر حتى ترفع عنه الشبهة التي عنده، فمثل هؤلاء المتأولين لا يكفرون كما سبق، وإنما يكفر من أنكرها عناداً واستكباراً.

حكم أخذ العلم وإفادته ممن عنده أخطاء في العقيدة من العلماء

حكم أخذ العلم وإفادته ممن عنده أخطاء في العقيدة من العلماء Q هل يستفاد من علم وفتاوى بعض العلماء المعاصرين الذين ثبت أن عندهم أخطاء في العقيدة وغيرها؛ حيث سمعت أنه استفيد من علم بعض الأئمة السابقين كالإمام النووي وابن حجر رحمهم الله جميعاً؛ حيث كان عندهما لبس في معرفة مفهوم الاستواء والعلو؟ A إذا كان أحد عنده أخطاء في العقيدة فهو على نوعين: إما أن يكون داعية لبدعته التي أخطأ فيها وباذلاً فيها ما يستطيع، فمثل هذا لا يؤخذ عنه العلم؛ لأنه داعية إلى بدعته، وإن كان غير داعية إلى بدعته وإنما وقعت عنده البدعة بسبب دراسته على بعض المبتدعة ونحو ذلك فهذا ينبه على بدعته، ويحذر منها، ويستفاد مما عنده من العلم في جوانب أخرى، لكن في جوانب العقائد لا ينبغي أن تؤخذ منه إلا لمتمكن بصير يعرف الحق من الباطل، أما طالب العلم المبتدئ فينبغي عليه أن يبتدئ بالكتب الواضحة في العقيدة الصحيحة للعلماء المتميزين في العقيدة الذين ليس عندهم أخطاء، فطالب العلم المبتدئ يأخذ كتب أهل العلم الذين ليس عندهم أخطاء في العقيدة وخاصة عند بداية طلبه للعلم، ثم بعد ذلك قد يحتاج وهو في الحديث أو في الفقه أو في السيرة النبوية أو في باب من الأبواب إلى كتب يدرسها، وقد يكون هناك كتب مؤلفة لبعض العلماء الذين عندهم أخطاء في العقيدة وليسوا دعاة إلى بدعتهم، كـ ابن حجر والنووي وغيرهما، فهؤلاء يستفاد منهم ومن علومهم في الحديث والفقه ونحو ذلك من الفوائد التي تكون عندهم.

حكم تكفير الرازي والزمخشري وأمثالهما

حكم تكفير الرازي والزمخشري وأمثالهما Q هل هؤلاء كفار ويجوز لعنهم بأعيانهم: الرازي والزمخشري؟ A لا، ولا يصح التكفير هكذا بالإطلاق، وإنما الرازي أخطأ في العقيدة ووصل إلى درجة الفلاسفة، والزمخشري معتزلي، لكن ثبت أن الرازي تاب من هذه العقيدة التي كان فيها، وقد حكى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله توبته، ونقل عنه من كتاب أقسام الذات أنه كان يقول: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ولم أجد ما يشفي إلا ما هو في القرآن؛ اقرأ في الإثبات قول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] وساق أدلة على ذلك، وهذه تدل على توبته رحمه الله تعالى. أما الجعد بن درهم والجهم بن صفوان فقد كفرهم العلماء بأعيانهم؛ لظهور الكفريات في منهجهم. وأما عبد الله الحبشي مؤسس فرقة الأحباش فعنده عقائد الجهمية، لكن لا ينبغي أن يكفر الأشخاص بأسمائهم إلا إذا وجدت فيهم الشروط وانتفت عنهم الموانع، وأما إذا لم توجد الشروط فلا يصح أن يوزع التكفير على الناس هكذا. أما الروافض فلا شك أن عقائدهم الموجودة في كتبهم عقائد كفرية، وأن كتبهم التي يدرسونها تنضح بالكفر الذي هو استغاثة بغير الله عز وجل ودعاء غير الله عز وجل وطلب الشفاء ونحو ذلك، وبعض العقائد التي فيها نسبة الغيب للأئمة، وعقائد أخرى كثيرة تدل على كفرهم، لكن لا يصح أن يقال: إن عوام الرافضة كفار، وإنما يقال: إن عوام الرافضة بحسب ما قام في قلب الواحد منهم من العقائد، فإن اعتقد صحة هذه العقائد الموجودة في كتبهم فهو مثلهم من الكفار، وإن لم يعتقد صحة هذه العقائد وإنما كان عنده خطأ في بعض الأحكام الفقهية في الصلاة كالجمع بين الصلوات ونحو ذلك، أو كان عنده بعض الأخطاء في العقيدة فهذا يكون مبتدعاً لا يصل إلى درجة الكفر، إلا إذا آمن بالكفر، ولهذا تبعات الأعمال يوم القيامة تكون فردية، فالإنسان يُسأل عن عقيدته التي يعتقدها، أما الانتساب فقد ينتسب بعض الناس إلى جهة من الجهات وهو يخالفها، ففي بعض الأحيان قد ينتسب إلى عقيدة من العقائد وهو في الحقيقة ليست هذه عقيدته، لكن ينتسب إليها انتساباً، فأنتم تلاحظون أن الأشاعرة ينتسبون إلى أبي الحسن الأشعري ويخالفونه وينفون العلو وأبو الحسن يثبته، وينفون الاستواء وأبو الحسن يثبته، وينفون الوجه واليدين والعين وأبو الحسن يثبتها وهكذا، فليس بالانتساب حتى يقال: إن هؤلاء كفار.

حكم الصلاة خلف من يعتقد أن الله في كل مكان

حكم الصلاة خلف من يعتقد أن الله في كل مكان Q هل تجوز الصلاة خلف من يعتقد أن الله في كل مكان، علماً بأنه صوفي؟ A إذا كان يعتقد أن الله في كل مكان وأنه على عقيدة ابن عربي فلا تجوز الصلاة خلفه؛ لأنها بدعة كفرية.

صفة الاستواء بين كونها ذاتية أو فعلية

صفة الاستواء بين كونها ذاتية أو فعلية Q هل صفة الاستواء من الصفات الفعلية أو من الذاتية؟ A من الصفات الفعلية؛ لأنه تعالى قال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54].

حكم من يرى أن الأطفال لا يدرسون الآيات التي فيها ترهيب

حكم من يرى أن الأطفال لا يدرسون الآيات التي فيها ترهيب Q ما رأيكم في شخص يزعم أنه مسلم ويرى أن الأطفال من المفترض ألا يدرسوا الآيات التي فيها ترهيب نحو سورة المسد؟ وهل يعد هذا من الزنادقة؟ A بعض الأحيان قد يكون الشخص جاهلاً وفيه حمق، فيظن أن هذه الآيات فيها تخويف للأطفال، فيقول: من الممكن أن ندرسهم هذه الآيات، لكن الآن وفي البداية لا ينبغي أن ندرسهم هذه الآيات، وكلامه ليس عن سوء قصد، لكن عن ضعف تفكير، فمثل هذا لا يلزم أن يكون زنديقاً، لكن بعضهم خبيث النية والطوية؛ وهو يريد أن يقول: لا تعلموا الأطفال القرآن، لكن لا يستطيع أن يقولها بهذا النص، فيقول -مثلاً-: لا تعلموهم: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون:1 - 5]؛ لأنها صعبة ولا يفهمونها، ولا يعرفها الطفل المسكين، وهو يقصد لا تعلمون الأطفال القرآن؛ بغضاً لهذا الدين والعياذ بالله! فمثل هذا لا شك أنه من الزنادقة، ونعرفه بقول الله عز وجل: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد:30]، أعوذ بالله!

حكم الموالد وما يقال فيها من أشعار

حكم الموالد وما يقال فيها من أشعار Q وزع في أحد الموالد شريط لبعضهم، وكان فيه أبيات شعرية منها: لو أنفقت عمري في محبة الرسول كان ذلك أصل إكرامي وإسعادي فما رأيكم في هذا البيت؟ A لا شك أن الموالد من البدع المحدثة في دين الله عز وجل، وأما هذا البيت ففيه شيء من الغلو، ومعناه العام فيما يظهر أنه لا إشكال فيه، لكن يوجد عندهم أبيات أخطر من هذا يرددونها في الموالد وفي كتبهم؛ يستغيثون فيها بالرسول صلى الله عليه وسلم ويطلبون منه المدد!

العقيدة الواسطية [11]

العقيدة الواسطية [11] من صفات الله تعالى الثابتة بالمتوافر من نصوص الوحي صفة معيته سبحانه وتعالى لخلقه مع استوائه على عرشه ومباينته لخلقه, ويعتقد أهل السنة ثبوتها بأقسامها, خلافًا لمنكري ذلك من المنحرفين عن جادة إثبات ما نطقت به النصوص, كما أن من صفات الله تعالى العظيمة صفة الكلام المتضمنة إثبات الكمال لله تعالى, وقد ضل فيها طوائف عديدة, وخالفوا أهل السنة في اعتقاد ظاهرها كما أخبر الله تعالى به عن نفسه بما يدل على إثبات أن الكلام بحرف وصوت ليس بمعنى نفسي ولا بمخلوق.

معية الله عز وجل وأدلة إثباتها

معية الله عز وجل وأدلة إثباتها إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. أما بعد: ففي الدرس الماضي انتهينا من الكلام على صفة الاستواء والعلو بشيء من الاختصار، وإلا فصفة العلو أفردت بكتب مستقلة، ومن أفضل هذه الكتب التي نقلت آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وكلام السلف الصالح رضوان الله عليهم كتاب: (اجتماع الجيوش الإسلامية لغزو المعطلة والجهمية) لـ ابن القيم رحمه الله تعالى. وفي هذا الدرس سنتحدث - بإذن الله تعالى - عن موضوع معية الله سبحانه وتعالى. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد:4]. وقوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة:7]. {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40]. وقول: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46]. {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128]. {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46]. {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:249]]. هذه الآيات جميعاً هي في إثبات معية الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى مستوٍ على عرشه، وهو في العلو سبحانه وتعالى، وفي نفس الوقت هو مع خلقه، هذه المعية التي نثبتها بمقتضى النصوص الشرعية هنا هي معية العلم والقدرة. والمقصود بعلو الله عز وجل: هو علو القهر، والقدر، والذات، فليست المعية الواردة في هذه الآيات هي معية الذات، بل هي معية العلم، والإمام أحمد رحمه الله عندما صنف كتابه: (الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله) ذكر جملة من آيات المعية، وبين أن هذه الآيات فُهمت عند الجهمية على غير وجهها، فإن الجهمية ظنوا أن هناك تعارضاً بين آيات إثبات العلو لله عز وجل، وبين الآيات التي فيها معية الله عز وجل، وهي الآيات التي تقدمت آنفاً. وبين رحمه الله تعالى: أن المعية في هذه الآيات ليس المقصود بها (المخالطة) وأن الله عز وجل مخالط للخلق بذاته، وإنما المقصود: أن الله سبحانه وتعالى مستوٍ على عرشه، وهو عالٍ عليهم، وأيضاً: هو معهم بعلمه وإحاطته وقدرته وسلطانه سبحانه وتعالى؛ ولهذا لما ساق آية المجادلة قال: إن هذه الآية بدئت بالعلم وختمت بالعلم، فإن بداية الآية قول الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة:7] فبدأ بالعلم وختمها بقوله: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة:7]، فدل ذلك على أن قول الله عز وجل: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4] أن المقصود بها: معية العلم والإحاطة، وأن المعية لا تقتضي المخالطة بالذات، كما فهم الجهمية. والآيات التي تقدمت جميعاً تدل على المعية، ويمكن أن نحدد موطن الشاهد من كل آية: الآية الأولى: قول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد:4] والاستواء على العرش فيه إثبات العلو. وقوله: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4]، فقوله: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) هذا هو موطن الشاهد من الآية الذي يدل على إثبات معية الله عز وجل، والمقصود بهذه المعية هنا: معية العلم والقدرة. وأما الآية الثانية: فسبق أن حددنا موطن الشاهد منها وبينا معناها. الآية الثالثة: قوله تعالى: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40]، والمقصود أيضاً بالمعية هنا: معية ا

أقسام المعية

أقسام المعية والمعية تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: معية عامة، وهذه المعية العامة تكون للمخلوقات جميعاً، تكون للبر والفاجر والمؤمن والكافر، والصالح والطالح، تكون لجميع المخلوقات. ومن الأدلة على هذه المعية قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4]، فهذه الآية تدل على أن الله عز وجل مع كل المخلوقات بعلمه وقدرته سبحانه وتعالى. القسم الثاني من المعية: المعية الخاصة، وهذه المعية الخاصة هي معية الله عز وجل مع المؤمنين، يمثل هذه الآية قوله: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128] وقوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46] وغيره من الآيات التي تدل على هذا. وبعض العلماء الذين شرحوا هذه العقيدة قسموا المعية الخاصة إلى قسمين، فقالوا: إن المعية تنقسم إلى قسمين: معية مطلقة، وهي المعية العامة، ثم المعية الخاصة، ثم قسموا الخاصة إلى قسمين: معية لوصف، ومعية لشخص، فالمعية التي تكون للوصف هي مثل قوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا} [النحل:128] فالذين اتقوا، هنا وصف، يشمل فلاناً وفلاناً وفلاناً من المتقين في كل زمن وفي كل مكان. وأيضاً كقوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46]، والصبر: وصف، يشمل أعداداً كبيرة من الناس الذين يتحقق فيهم هذا الوصف، وكقوله: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:249]، وهذه المعية أيضاً هي معية الوصف أيضاً، وأما المعية المتعلقة بالشخص فهي مثل قول الله عز وجل: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40] قال ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحبه أبي بكر كما يدل على ذلك سياق الآية من بدايتها، وكقوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46]، والمقصود بالضمير في قوله: (معكما): مع موسى وهارون، فهي معية متعلقة بشخص. والحقيقة: أن المعية الخاصة تشمل معية الوصف، وهو الأصل في هذه المعية الخاصة، ثم المعية التي تكون مقيدة بشخص هي ناتجة عن تلك المعية، وهما بمعنى واحد. فالمعية المطلقة معناها: أن الله عز وجل مع كل المخلوقات بعلمه، فلا يكون في هذا الكون شيء لا يعلمه الله، وهو مع هذه المخلوقات بقدرته، فلا يكون في هذه المخلوقات شيء لا يقدر عليه الله، وهو مع هذه المخلوقات بسلطانه، فلا يمكن أن يوجد شيء ليس لله سلطان عليه، فكل شيء الله عز وجل قادر عليه، وهو عالم به. وأما المعية الخاصة فهي تتضمن المعنى الذي في المعية العامة وزيادة، وهذه الزيادة هي النصرة والتأييد والإحاطة والعناية والتوفيق والتسديد ونحو ذلك. إذاً: المعية الخاصة تتضمن ما في المعية العامة من المعاني؛ فهي تشمل أن الله عز وجل يعلم كل شيء، وأن الله قادر عليه، وأنه من سلطان الله الذي يتصرف فيه كيفما يشاء، ومن كانت له معية خاصة يزاد على ذلك أن الله ينصره، وأن الله مؤيده، وأنه مسدد ونحو ذلك.

دفع شبهة منكري العلو في احتجاجهم بآيات المعية

دفع شبهة منكري العلو في احتجاجهم بآيات المعية وقد استدل الجهمية -كما سبق- بهذه الآيات على نفي العلو، واستدلالهم باطل؛ فإن القرآن لا يمكن أن يتناقض أبداً، فالآيات والأحاديث التي فيها إثبات العلو يقال: إن هذا العلو ثابت لله عز وجل، وإنه سبحانه وتعالى عالٍ على الخلق بقهره وقدرته سبحانه وتعالى، وهو عالٍ ذاته أيضاً، وهو كذلك مع الخلق بعلمه وقدرته، ومع بعضهم بتأييده ونصره بل إن هذه المعية التي أثبتها الله عز وجل لا تقتضي المخالطة بأي وجه من الوجوه، ويدل على هذا عدة أمور: الأمر الأول: أن الله عز وجل أثبت لنفسه العلو، فدل هذا على أنه عالٍ على خلقه بعلمه وقدرته. والأمر الثاني: أن هذه النصوص التي فيها إثبات أن الله مع خلقه لا يلزم منها المخالطة لا عقلاً ولا لغةً. فأما عقلاً أو حساً: فإنك تقول: سرنا والقمر معنا، وهو في العلو، وليس مخالطاً لك. وأما في اللغة: فإن المعية لا تقتضي المخالطة أبداً بأي وجه من الوجوه، فإنه يصح كما قلت لغة أن تقول: سرت والقمر معنا، وهذا صحيح لغة، مع أنه غير مخالط لك. وقد تحدث أهل العلم كثيراً عن هذه الصفة من صفات الله عز وجل، أعني: صفة المعية، وسيأتي لها حديث إن شاء الله مستقلاً بعد مجموعة من الصفات. وبعد الحديث عن وسطية هذه الأمة، وسنتكلم عن هذه الصفة بشكل أكبر.

صفة الكلام وأدلة إثباتها

صفة الكلام وأدلة إثباتها قال رحمه الله تعالى: وقوله: [{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء:87]. {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء:122]. {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} [المائدة:116]. {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام:115]. وقوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]. {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة:253]. {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:143]. {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم:52]. وقوله: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الشعراء:10]. {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} [الأعراف:22]. وقوله: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65]. {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6]. {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:75]. {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ} [الفتح:15]. {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الكهف:27]. وقوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [النمل:76]. {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام:92]. {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:21]. {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [النحل:101]. {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل:102]. {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:103]]. هذه الآيات جميعاً متعلقة بصفة كلام الله سبحانه وتعالى، وكلام الله عز وجل صفة من صفاته، وهو من الصفات الفعلية، فهو سبحانه وتعالى يتكلم متى شاء، وفي أي وقت شاء، وفي أي زمان شاء: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، وكلامه سبحانه وتعالى بحرف وصوت، كما يدل على ذلك جملة من الآيات والأحاديث النبوية. وهو سبحانه وتعالى تكلم قديماً، وما زال يتكلم، وسيتكلم في الآخرة سبحانه وتعالى، وهو يتكلم في أي وقت يشاء، وفي أي زمان يشاء: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]. وقد جاءت التعبيرات عن صفة الكلام بأكثر من وجه: فجاءت بصيغة الحديث، كقول الله عز وجل: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء:87]. وجاءت بصيغة القول، كقوله تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء:122] وقوله: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى} [المائدة:116]. وجاءت بمسمى الكلام أو باسم الكلام كقوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} [الأنعام:115]، وقوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]، وقوله: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة:253]، وقوله: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:143]. وجاءت أيضاً بصيغة النداء، فالنداء من الكلام، كقوله: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ} [مريم:52]، وقوله: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} [الشعراء:10]، وقوله: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا} [الأعراف:22]، وقوله: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65]، فهذه الأربعة الأنواع جاءت جميعاً تدل على صفة الكلام لله سبحانه وتعالى. والذي يدل على أن الله عز وجل يتكلم بحرف وصوت: أن مسمى الكلام في

الطوائف المنكرة لصفة الكلام والرد عليها

الطوائف المنكرة لصفة الكلام والرد عليها وهذه الصفة الجليلة مع وضوحها وأهميتها ومكانتها إلا أن طوائف من المبتدعة أنكرتها. والعقل يثبت هذه الصفة، وقد استدل الله سبحانه وتعالى في القرآن بطرق عقلية على إثبات صفة الكلام، ومنها: أن الله عز وجل ذم وعاب آلهة المشركين بأنها لا تتكلم، فلو كان الله سبحانه لا يتكلم لما كان هناك معنى لعيب آلهة المشركين، فالله عز وجل يقول حاكياً عن إبراهيم: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم:42]، هذا في السمع والبصر، ولما ذكر الله سبحانه وتعالى العجل الذي عبده بنو إسرائيل قال: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} [الأعراف:148] (لا يكلمهم) يعني: لا يتكلم معهم، وهكذا آلهة المشركين نفى الله عز وجل عنها صفة الكلام، فدل ذلك على أن من نفيت عنه صفة الكلام فهو ناقص، وبالتالي: تدل على أن الله عز وجل موصوف بصفة الكمال وهي: صفة الكلام. إذاً: فالكلام صفة كمال يتكلم سبحانه وتعالى متى شاء كيف شاء، ولكن مع وضوح هذه الصفة ومع أهميتها ومكانها وتعلقها بالقرآن إلا أنه وجد من أنكرها من أهل البدع، فظهرت الجهمية وقالت: إن الله عز وجل لا يتكلم، ولما سئلوا عن القرآن الذي هو كلام الله؟ قالوا: هذا مخلوق من مخلوقات الله وليس صفة من صفات الله سبحانه وتعالى. وبناءً على هذا قالوا: إن القرآن من مخلوقات الله عز وجل التي يخلقها وإنه مثل سائر المخلوقات، وإنه مثل البشر ومثل الشجر والحجر ونحو ذلك من مخلوقات الله سبحانه وتعالى، ومن هنا جاءوا بفكرة أن القرآن مخلوق، ودُعي إليها في زمن المأمون، وأوذي بسببها الإمام أحمد وسجن وضرب وأوذي وصبر، ثم كانت النتيجة لأهل السنة ولله الحمد، فظهرت السنة. وكان الناس في وقت الإمام أحمد على قولين: قول يقول: (إن القرآن كلام الله، وإن كلام الله صفة من صفاته، وإنه يتكلم متى شاء وكيف شاء وفي أي وقت شاء)، وهذا هو مذهب أهل السنة وهم عامة الأمة. والقول الثاني: قول الجهمية والمعتزلة الذين قالوا: إن الله لا يتكلم متى شاء وكيف شاء، وإن القرآن مخلوق، وإن كلام الله عز وجل ليس صفة من صفاته، بل هو مخلوق من مخلوقاته، يخلقه الله عز وجل في الهواء أو يخلقه في إنسان أو يخلقه في أي شيء من الأشياء، فهو ليس صفة وإنما هو مخلوق! وكانت الحرب كبيرة بين أهل السنة الذين يستدلون بالنصوص الشرعية وبين هؤلاء الجهمية الذين يخالفون النصوص الشرعية، والذين كفرهم السلف، وقالوا: من قال: إن القرآن مخلوق فقد كفر، وبين السلف الصالح رضوان الله عليهم سبب ذلك، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، فلو كانت كلمات الله التامات من المخلوقات لكان هذا شركاً؛ لأنه كيف يستعيذ بالمخلوقات؟ فإنه قال: (أعوذ بكلمات الله)، فلو كانت كلمات الله مخلوقة كما يقول الجهمية والمعتزلة لكان معنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ بمخلوق، والاستعاذة بالمخلوق شرك أكبر، وفي هذا نسبة الشرك للرسول صلى الله عليه وسلم. والمعتزلة يقولون: عندما جاء موسى وناداه الله عز وجل من الشجرة قالوا: إن الله عز وجل خلق الكلام في الشجرة، فمعنى هذا أن المتكلم هي الشجرة؛ لأن المتكلم هو الذي تقوم به صفة الكلام، ومعنى هذا: أن الشجرة هي التي تكلمت وهي التي قالت: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص:30] ولا شك أن هذا باطل واضح البطلان، فكيف تقول الشجرة: (يا موسى إني أنا الله رب العالمين) وكيف يأتي سياق الآية على أن موسى صدق، وعلى أن موسى أقر واعترف، وأنه تلقى النبوة من هذا الكلام، وأن الشجرة هي التي تكلمت وأعطت موسى النبوة؟! لا شك أن هذا في غاية البطلان، ولهذا كفر السلف رضوان الله عليهم من قال: إن القرآن مخلوق. لكن ظهرت طائفة ثالثة، وزعمت أن كلام الله عز وجل معنى، وأنه ليس حروفاً وأصواتاً؛ لأن المعتزلة قالوا: حقيقة الكلام في لغة العرب: هو الحروف والأصوات، هذا هو الكلام في لغة العرب، وبناءً على هذا فإن الله عز وجل إذا تكلم تكلم بحرف وصوت، ومعنى هذا: أنه قامت في الله عز وجل هذه الصفة، فإذا كان يتكلم سبحانه وتعالى فإنه يحدث فيه الكلام، وهذا يدل على أن الإله مخلوق، كما أنه يدل على بطلان دليلهم الذي استدلوا به على إثبات وجود الله عز وجل، وهو دليل حدوث الأجسام الذي بنوه على أن المخلوق حادث والخالق قديم، ومن هنا قالوا: إن الكلام ليس صفة من صفات الله، وإن القرآن مخلوق. فجاء الكلابية أتباع عبد الله بن سعيد بن كلاب وقالوا: إن الكلام هو المعنى، وإن الحروف والأصوات هي تعبير عن الكلام، وقد تسمى كلاماً مجازاً، ثم قالوا: إن كلام الله عز وجل معنى قائم بذات الله عز وجل ليس بحرف ولا صوت، وإن الحروف والأصوات مخلوقة، وكلام الله عز وجل هو معنى قائم بذ

ذكر ردود شيخ الإسلام ابن تيمية على منكري صفة الكلام ومؤوليها

ذكر ردود شيخ الإسلام ابن تيمية على منكري صفة الكلام ومؤوليها وقبل هذا أحب أن أشير إلى الكتب التي ناقشت هذا الموضوع بشكل مفصل، فـ ابن تيمية رحمه الله رد على الأشاعرة الذين قالوا: إن الكلام هو معنى قائم بذات الله عز وجل، رد عليهم في كتاب خاص سماه: (التسعينية) وهو مطبوع الآن في مجلدين ومحقق، وطبع قديماً ضمن الفتاوى المصرية في المجلد الخامس، وقد ألفه رحمه الله في سنة 706 من الهجرة عندما كان بمصر، رد فيه على الأشاعرة من أكثر من تسعين وجهاً، ورد فيه على الرازي بالذات بما يقارب الستة والسبعين وجهاً؛ لأن الرازي دافع عن تأويلهم لكلام الله عز وجل بأنه الكلام النفساني فقط. وأيضاً من الكتب في هذا رسالة ضمن مجموعة الفتاوى اسمها: (المسألة المصرية في القرآن)، هذه أيضاً في الحديث عن صفة الكلام، وأيضاً من الرسائل التي تحدث ابن تيمية رحمه الله فيها عن صفة الكلام: (رسالة الكيلانية) وهي مطبوعة أيضاً ضمن مجموع الفتاوى، وهناك مجلد خاص في مجموع الفتاوى عنوانه: (القرآن كلام الله) مليء بالأسئلة التي سئل فيها شيخ الإسلام رحمه الله عن هذه الصفة، وتحدث فيها عن عقيدة أهل السنة ورد فيها على الفرق الضالة. الشاهد: أن شيخ الإسلام رحمه الله قال لهؤلاء الأشاعرة: أنتم قلتم: إن الكلام هو الكلام النفسي، فالكلام النفسي إما أن يكون خبراً أو أمراً أو نهياً، فالخبر إذا كان نفسياً فهو العلم، والأمر والنهي إذا كان نفسياً فهو الإرادة، فمعنى هذا: أنكم لا تثبتون في الحقيقة كلام الله عز وجل، وإنما تثبتون العلم والإرادة، وسميتم مجموع العلم والإرادة الكلام النفسي. فمعنى هذا: أن شيخ الإسلام رحمه الله جاء إلى الصفة التي أثبتوها بغير وجهها الصحيح، وقال: إنكم في الحقيقة لا تثبتون صفة من صفات الله اسمها صفة الكلام، وإنما جمعتم العلم والإرادة وسميتم ذلك كلاماً نفسياً، فمعنى هذا: أنكم لا تثبتون الصفة، وهم يقولون: لا، بل نحن نثبت الصفة، فقال: إذاً: فرقوا لي بين العلم والخبر في الكلام النفسي، وبين الإرادة والأمر والطلب في الكلام النفسي، فما استطاعوا أن يفرقوا بينهما بوجه من الوجوه، وحينئذٍ هذا يدل في الحقيقة أنهم مخطئون. وهم أرادوا أن ينزهوا الله عز وجل فوقعوا فيما فروا منه من وصف الله بالنقص؛ حيث وصفوه بأنه لا يتكلم أبداً، والأشاعرة في الحقيقة يقولون: إن القرآن هذا الذي نقرؤه نوعان: نوع معنى، وهذا المعنى هو كلام الله، ونوع ألفاظ وحروف، وهي التي نقرؤها، وهذه عندهم مخلوقة، ولهذا قالوا: إن القرآن الذي بين أيدينا الله عز وجل أعطى المعنى لجبريل عليه السلام وجبريل أعطى المعنى لمحمد صلى الله عليه وسلم، فبعضهم قال: إن هذه الألفاظ من فعل جبريل، وبعضهم قال: إن هذه الألفاظ من فعل محمد صلى الله عليه وسلم. فإذا قيل لهم: كيف أعطى الله عز وجل المعنى لجبريل؟ قالوا: خلق له إدراك هذا المعنى. إذاً: فهم في الحقيقة توصلوا إلى أن القرآن مخلوق، لكن لا يستطيعون أن يقولوا: إن القرآن مخلوق، بشكل مكشوف؛ لأن قضية خلق القرآن قضية مشهورة في الفكر الإسلامي، والحديث عنها والصراع بين الإمام أحمد رحمه الله وأهل السنة وبين المعتزلة مشهور، فما استطاعوا أن يقولوا بهذا القول. وهم في الحقيقة وقفوا في مفترق طرق، وقفوا بين قول أهل السنة: إن الكلام صفة، فإذا قلنا: إنه مخلوق، فمعنى هذا: أن المتكلم هو ذلك المخلوق، ففروا من هذا، فقالوا: إذاً: المتكلم هو الله، فجاءوا وقالوا: المتكلم هو الله، فألزمهم المعتزلة بأنكم إذا قلتم: إن المتكلم هو الله فمعنى هذا أن الكلام يحدث شيئاً بعد شيء ويكون هذا دليلاً على حدوث هذه الصفة، فإما أن تبطلوا دليل الحدوث الذي أثبتم به وجود الله، وإما أن تبطلوا صفة الكلام فلا تقولوا: إن الله يتكلم، فقالوا: بل نبطل صفة الكلام، بمعنى: أن يكون الكلام هو الحروف والأصوات، ونثبت أن الكلام هو معنى قائم بالله، فأتوا ببدعة جديدة لا يعرف لها مثال سابق، وأرادوا أن يستدلوا على هذا، فاستدلوا على ذلك بقول عمر عندما ذهب مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى سقيفة بني ساعدة: (فزورت في نفسي قولاً). قالوا: هذا يدل أن حديث النفس يسمى قولاً، فرد عليهم شيخ الإسلام، وقال: هذا باطل: بل هذا الخبر من عمر رد عليكم؛ فإنه فرق بين حديث النفس وبين القول، فقال: زورت في نفسي قولاً، ولو كان حديث النفس هو القول لقال: تكلمت بكذا وكذا، مع أن عمر رضي الله عنه لم يتكلم، بل تكلم الصديق فكفى وأشفى. فكلمة عمر رضي الله عنه فيها تفريق بين حديث النفس وبين الكلام، وأنتم تعلمون أن حديث النفس ليس فعلاً مستقلاً أو ليس شيئاً -يعني- يستقل، فأنت عندما تحدث نفسك - مثلاً - بأنك ستتكلم بكذا وبكذا وبكذا بعد فترة، ولم يأتِ وقته، هل تقول: إنك تكلمت؟ لا تقول: إنك تكلمت، وهذا معروف في لغة ا

الأسئلة

الأسئلة

عقيدة المعتزلة في كلام الله عز وجل

عقيدة المعتزلة في كلام الله عز وجل Q ما هي عقيدة المعتزلة في الكلام؟ A قد ذكرتها، وقلت: إن عقيدة المعتزلة في الكلام هي أنهم يقولون: إن كلام الله عز وجل مخلوق من مخلوقاته وليس صفة من صفاته.

صفة المعية بين كونها ذاتية وفعلية

صفة المعية بين كونها ذاتية وفعلية Q هل المعية صفة ذاتية أم فعلية؟ A المعية العامة: صفة ذاتية، وهي التي تدل على الإحاطة والعلم التام والقدرة التامة، والمعية الخاصة: صفة فعلية؛ لأنها متعلقة بمشيئة الله، وهذا هو ضابط الصفة الفعلية.

الجمع بين اعتقاد حقيقة المعية ونفي مقالة الجهمية أن الله في كل مكان

الجمع بين اعتقاد حقيقة المعية ونفي مقالة الجهمية أن الله في كل مكان Q هل المعية حقيقة أم كناية عن العلم؟ وكيف الجمع بين قول شيخ الإسلام: إنها معية حقيقة، وقول الجهمية: إنه مع الناس في كل مكان؟ A المعية حقيقية، وليس معناها حقيقية بذاته، وإنما حقيقية في معناها الصحيح، ومعناها الصحيح: أنه مع عباده بعلمه وقدرته وسلطانه، ومع بعض عباده بما سبق وبزيادة العناية والتمكين والنصرة. إذاً: هي معية حقيقية على هذا المعنى الذي سبقت الإشارة إليه، ولا يلزم من كلمة (حقيقية) أن يكون مع عباده بذاته؛ فإن هذا هو قول الجهمية الضالين المنحرفين، فهناك فرق بين أن يقال: معية الله معية حقيقية، وبين أن يقال: معية الله: مع عباده بذاته، فالأول قول صحيح لا إشكال فيه، ولا يلزم منه أن يكون مع الخلق مخالطاً لهم بذاته، والقول الثاني هو قول الحلولية الضالين المنحرفين. السؤال: كيف الرد على من يقول: إن أهل السنة يؤولون المعية بالعلم؟ الجواب: لا شك أن هذا فهم خاطئ لكلام أهل السنة، فإن المعية في أصل اللغة لا يلزم منها المخالطة، بل قد تطلق المعية وتدل على المخالطة، وقد تطلق ولا تدل على المخالطة، فنحن نقول: إن معية الله عز وجل من النوع الثاني، وهي التي لا تقتضي المخالطة، وأما ما هو الدليل على أنها لا تقتضي المخالطة؟ فهناك أدلة كثيرة جداً، منها: إثبات علو الله عز وجل واستوائه على عرشه وتنزيهه سبحانه وتعالى وتقديسه، ثم إن العلو والمعية تجتمع في آية واحدة، وهذا يدل دلالة صريحة على أن المعية هنا المقصود بها: معية العلم والإحاطة، ولا يصح أبداً أن يقال: إن هذا تأويل لصفة المعية، فليس هذا تأويلاً، وإنما التأويل هو صرفها عن ظاهرها، وهذا هو ظاهرها، ظاهرها: أن الله مع العباد بعلمه وقدرته.

الرد على مدعي تأويل أهل السنة لصفة المعية

الرد على مدعي تأويل أهل السنة لصفة المعية Q هل المعية حقيقة أم كناية عن العلم؟ وكيف الجمع بين قول شيخ الإسلام: إنها معية حقيقة، وقول الجهمية: إنه مع الناس في كل مكان؟ A المعية حقيقية، وليس معناها حقيقية بذاته، وإنما حقيقية في معناها الصحيح، ومعناها الصحيح: أنه مع عباده بعلمه وقدرته وسلطانه، ومع بعض عباده بما سبق وبزيادة العناية والتمكين والنصرة. إذاً: هي معية حقيقية على هذا المعنى الذي سبقت الإشارة إليه، ولا يلزم من كلمة (حقيقية) أن يكون مع عباده بذاته؛ فإن هذا هو قول الجهمية الضالين المنحرفين، فهناك فرق بين أن يقال: معية الله معية حقيقية، وبين أن يقال: معية الله: مع عباده بذاته، فالأول قول صحيح لا إشكال فيه، ولا يلزم منه أن يكون مع الخلق مخالطاً لهم بذاته، والقول الثاني هو قول الحلولية الضالين المنحرفين. السؤال: كيف الرد على من يقول: إن أهل السنة يؤولون المعية بالعلم؟ الجواب: لا شك أن هذا فهم خاطئ لكلام أهل السنة، فإن المعية في أصل اللغة لا يلزم منها المخالطة، بل قد تطلق المعية وتدل على المخالطة، وقد تطلق ولا تدل على المخالطة، فنحن نقول: إن معية الله عز وجل من النوع الثاني، وهي التي لا تقتضي المخالطة، وأما ما هو الدليل على أنها لا تقتضي المخالطة؟ فهناك أدلة كثيرة جداً، منها: إثبات علو الله عز وجل واستوائه على عرشه وتنزيهه سبحانه وتعالى وتقديسه، ثم إن العلو والمعية تجتمع في آية واحدة، وهذا يدل دلالة صريحة على أن المعية هنا المقصود بها: معية العلم والإحاطة، ولا يصح أبداً أن يقال: إن هذا تأويل لصفة المعية، فليس هذا تأويلاً، وإنما التأويل هو صرفها عن ظاهرها، وهذا هو ظاهرها، ظاهرها: أن الله مع العباد بعلمه وقدرته.

دفع شبهة المحتج بقول عمر: (زورت في نفسي كلاما) على الكلام النفسي

دفع شبهة المحتج بقول عمر: (زورت في نفسي كلاماً) على الكلام النفسي Q يقول الأخ: لو اعترض معترض وقال: قد يكون الكلام بغير صوت وحرف، والدليل أن عمر رضي الله عنه قال يوم المبايعة لـ أبي بكر: (وزورت في نفسي كلاماً)؟ A هناك فرق بين الكلام وبين التزوير في النفس، هذا الرد الأول. الرد الثاني: هو أن يقال: إنه لا يصح أن يقال: كلام نفسي في موضع الإطلاق، وإنما يقال: كلام نفسي في موضع التقييد، فهنا قال: زورت في نفسي كلاماً، فنص على النفس، والأصل أنه لا ينسب الكلام إلى النفس؛ فإن النفس ليس فيها كلام.

كلام الناس مخلوق

كلام الناس مخلوق Q هل كلام الناس مخلوق؟ A نعم مخلوق؛ لأنهم مخلوقين؛ لأنك إذا قلت: كلام الناس غير مخلوق، هذا شرك؛ لأن معناه: أن كلام الناس صفة من صفات الله! فالموجودات جميعاً خالق ومخلوق، الخالق هو الله بصفاته، والمخلوقات: هي جميع الأشياء الموجودات غير الله عز وجل.

بيان امتناع القول بخلق القرآن بحجة كون لفظه مخلوقا

بيان امتناع القول بخلق القرآن بحجة كون لفظه مخلوقاً Q وهل إذا كان الكلام مخلوقاً، يكون القرآن مخلوقاً؛ لأن الناس يتكلمون به؟ A لا، فنفس القراءة التي يقرأ بها الإنسان مخلوقة، لكن الكلام ينسب إلى قائله الأول، يعني: أنت عندما تأتي إلى قصيدة من المعلقات - مثلاً - ماذا تقول؟ تقول: قال امرؤ القيس: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل لو جاءك واحد وقال لك: لا، الذي تقولها أنت، وليس امرأ القيس، فتقول له: أنا أقولها ناقلاً عن امرئ القيس. فالكلام في أصله ينسب للمتكلم به أولاً، وأما الناقل فلا ينسب له الكلام، وإلا لو كان كذلك، لكان ممكن أن نقرأ كتب ابن تيمية ونقول: هذا تأليفنا، وأصير أنا أقرأ كتاب مثلاً (التدمرية) وأقول: (قلت) وهو في الحقيقة كلام ابن تيمية، فإذاً: الكلام ينسب للمتكلم به أولاً، وأما الناقل له فلا يعتبر كلامه هذا، فنحن عندما نقرأ القرآن صحيح أن أصواتنا مخلوقة، لكن هذا الكلام الذي نقرؤه هو للمتكلم الأول به وهو الله سبحانه وتعالى، وليس كلامنا نحن.

مذهب الأشاعرة والكلابية في تأويل كلام الله عز وجل

مذهب الأشاعرة والكلابية في تأويل كلام الله عز وجل Q لعل القائل بأن كلام الله هو كلام نفسي قائم بذاته هم الأشاعرة، أما الكلابية فقالوا: بأن كلام الله هو حكاية عن كلامه وليس كلام الله، كما قرأت في شرح الشيخ ابن عثيمين فما تعليقكم؟ A الأشاعرة والكلابية جميعاً اتفقوا في أن الكلام هو المعنى القائم بذات الله سبحانه وتعالى، ثم لما جاءوا إلى القرآن الموجود، قالت الأشاعرة: هذا حكاية عن الله، وقالت: الكلابية: هذا عبارة عن كلام الله، قالوا: هذا حكاية عن كلام الله، فهؤلاء وهؤلاء قالوا: هذا عبارة عن كلام الله، ثم اختلفوا: عبارة من؟ وحكاية من؟ هل هو عبارة جبريل، أو عبارة محمد؟ على قولين، ولهم في ذلك تفصيلات أخرى.

الدليل على أن أفعال العباد مخلوقة

الدليل على أن أفعال العباد مخلوقة Q ما الدليل على أن أفعال العباد مخلوقة؟ A مخلوقون، ولو كانت أفعالهم ليست مخلوقة، فمعنى هذا: أنهم من الله، وقلت لكم: الموجودات جميعاً خالق ومخلوق، الخالق: هو الله بصفاته، والمخلوقات هو كل الموجودات، وأي شيء ليس من صفات الله فهو مخلوق، أهم شيء أنه ليس من صفات الله، فإذا كان من صفات الله فليس بمخلوق.

شبهة الجهمية والمعتزلة في قولهم بأن القرآن مخلوق

شبهة الجهمية والمعتزلة في قولهم بأن القرآن مخلوق Q بماذا تمسك الجهمية والمعتزلة في قولهم: القرآن مخلوق؟ A سبق أن أشرت إلى أصل كلام المعتزلة في قولهم بأن القرآن مخلوق، وهو أنهم: عندما ابتدعوا دليل حدوث الأجسام على إثبات وجود الله عز وجل التزموا بهذا الدليل: أن الله عز وجل لا تقوم به الأفعال، وأن الله عز وجل لا يفعل ما يشاء متى شاء! فقالوا إذاً: كل الأفعال مخلوقة، ومنها القرآن، والكلام، فتوصلوا إلى هذه النتيجة، ثم جمعوا من القرآن والسنة ما ظنوا أنه يدل على قولهم، وهو لا يدل، فمثلاً بعضهم يستدل بقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر:62]، قالوا: ما دام أنه خلق كل شيء، فمن ذلك القرآن! وهذا كلام باطل؛ لأن الله عز وجل يقول: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد:16] فعندنا: (الله) هو الخالق، و (كل شيء) هو المخلوق، فالله عز وجل المقصود به: الله عز وجل وصفاته، يعني: إذا قيل: (الله) فهو بصفاته سبحانه وتعالى، ومن صفاته الكلام، والقرآن من كلامه سبحانه وتعالى، فالقرآن ليس داخلاً في كل شيء، وإنما هو تابع لكلمة (الله) وليس داخلاً في كل شيء، هذا من جهة. ومن جهة أخرى: فإن الله سبحانه وتعالى أخبر بقوله: (كل) عن الأغلب والأعم، كما في قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف:25]، هذا يدل على أن مساكنهم لم تدمر، مع أنه قال: (كل شيء) وهكذا.

كيفية معاملة أهل البدع

كيفية معاملة أهل البدع Q يقول: كثيراً ما نسمع من حديثكم عن الفرق أنهم كانوا يريدون بكلامهم هذا تنزيه الله، فوقعوا فيما وقعوا فيه، فكيف يعاملون من قبل الناس؟ بل كيف يعاملهم الله؟ هل على نياتهم أم على ما اقترفوا وأضلوا به الناس؟ A أما كيف يعاملهم الناس؟ فمعاملتهم هي كمعاملة أهل البدع، بحسب بدعهم؛ لأن البدع تنقسم إلى قسمين: بدع مكفرة، وبدع غير مكفرة، فالتي أصحابها يتبنون البدع المكفرة هؤلاء لا شك أنهم ضلال منحرفون، يجب الرد عليهم، ولا يجوز الصلاة خلفهم، ولا يتعامل معهم بتعامل المسلمين. وأما أصحاب البدع غير المكفرة وهم الذين عندهم تأول أو تشوبهم شائبة التأول، فمثل هؤلاء يرد عليهم ويبين باطلهم، ويضللون ويبين انحرافهم، لكن يعاملون معاملة المسلمين إلا إذا بان كفر أحدهم، وإلا يعامل معاملة المسلمين. وأما مسألة الصلاة خلف أحدهم، أو هجرانه فهذه مبنية على قاعدة من قواعد الشرع، وهي قاعدة: المصالح والمفاسد، فإذا كانت هناك مصلحة من هجرانه، أو ترك السلام عليه أو ترك الصلاة خلفه، أو نحو ذلك فيعملها الإنسان لصالح المسلمين، وإن لم يكن هناك مصلحة في ذلك فلا تعمل، وتبقى له حقوق المسلمين.

القرآن صفة من صفات الله عز وجل

القرآن صفة من صفات الله عز وجل Q كيف يكون القرآن صفة من صفاته سبحانه؟ A القرآن مصدر قرأ، وهو من القراءة، وهو كلام الله عز وجل، وكلام الله صفة من صفاته، فمن هنا كان القرآن صفة من صفاته.

تكلم الله عز وجل في أمره بالكوارث والزلازل

تكلم الله عز وجل في أمره بالكوارث والزلازل Q حدوث الكوارث والزلازل حالياً هل تكلم الله بها حالياً؟ A تقصد: هل أمر الله بها؟ إن قصدت ذلك فنعم أمر الله عز وجل بها، فإنه يأمر في كل وقت بما يشاء، ولهذا يكون له كلام الآن، وقد كان له كلام من قبل، وسيتكلم يوم القيامة، وقوله لآدم: (يا آدم! قال: لبيك، قال: أخرج بعث النار)، هذا لم يكن الآن، ولم يكن سابقاً، وإنما سيكون يوم القيامة.

العقيدة الواسطية [12]

العقيدة الواسطية [12] تضمنت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بيان جملة من أمور العقيدة, في عدة من متواتر الأخبار وآحادها, وكل ذلك مما يجب اعتقاده والإيمان به دون تفريق بين متواتره وآحاده؛ خلافًا لنابتة الضلالة المعتقدة عدم حجية السنة مطلقًا أو عدم حجية آحادها في باب العقائد, ومن جملة ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك إخباره عن صفة نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا, وعن صفة الفرح وصفة الضحك وصفة العجب وغير ذلك من صفات الله سبحانه وتعالى.

ذكر مجمل الأقوال في صفة الكلام

ذكر مجمل الأقوال في صفة الكلام الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين, وأشهد أن نبينا محمداً إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين. أما بعد: في الدرس الماضي تحدثنا عن صفة الكلام لله عز وجل, وبينا قول أهل السنة, وأن الله عز وجل يتكلم بصوت وحرف, وبينا الدليل على صفة الكلام, وبينا الدليل على أن الله سبحانه وتعالى يتكلم بحرف وأنه يتكلم بصوت, وقلنا: إن معنى الكلام في لغة العرب وعند أهل السنة: هو المعنى والصوت والحرف جميعاً فهو مجموع المعنى واللفظ، وأما الأشاعرة فإنهم يعتبرون الكلام هو: المعنى فقط. وأما المعتزلة فإنهم يعتبرون الكلام هو: اللفظ فقط. وبناء على هذا الاختلاف في معنى الكلام اختلفوا في تحديد كلام الله عز وجل، فالأشاعرة قالوا: إن الكلام هو: معنى قائم بالنفس قديم أزلي ليس بصوت ولا حرف. والمعتزلة قالوا: إن الكلام ليس صفة ثبوتية لله عز وجل, وإنما هو خلق الله عز وجل، والله يخلق كلاماً في الهواء أو في الشجر أو في نحو ذلك فيسمى كلاماً، ويكون إضافة الكلام إلى الله عز وجل بهذا الاعتبار عند المعتزلة إضافة تشريف كقولهم: بيت الله، وناقة الله، ونحو ذلك. وأما أهل السنة فإنهم قالوا: إن صفة الكلام صفة قائمة بالله عز وجل ثابتة له معنى ولفظاً. فهو سبحانه وتعالى يتكلم بصوت، وله صوت يليق بجلاله، ويتكلم بحرف، وهذه الحروف الموجودة في القرآن هي كلام الله عز وجل، وأما قراءة الإنسان نفسه للقرآن فمخلوقة؛ لأنه هو مخلوق، ولكن القرآن الموجود هو من كلام الله؛ لأن الكلام ينسب إلى من قاله أولاً، فأنت مثلاً تقرأ كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتقول: قال شيخ الإسلام وتقول: هذا كلام شيخ الإسلام. مع أن الذي يتكلم به في اللحظة نفسها هو أنت؛ لأن الكلام ينسب إلى قائله أولاً.

صفة الكلام صفة اختيارية

صفة الكلام صفة اختيارية وصفة الكلام من الصفات الاختيارية المتعلقة بمشيئة الله عز وجل، فهو يتكلم متى شاء، وكيف شاء، وفي أي وقت شاء، وكلامه سبحانه وتعالى يكون شيئاً بعد شيء، فهو سبحانه وتعالى يتكلم الآن, وفي الأيام القادمة، وفي يوم القيامة, وعندما يدخل أهل الجنة الجنة، ويدخل أهل النار النار، وهذه أمور في المستقبل، وهو سبحانه وتعالى يتكلم ويسكت فيتكلم إذا شاء، ويسكت إذا شاء.

الأدلة على ثبوت صفة السكوت لله تعالى

الأدلة على ثبوت صفة السكوت لله تعالى والسكوت صفة ثابتة لله عز وجل ومعناها: عدم التكلم، والدليل عليها ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: (ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرمه فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو). وأيضاً ثبت عنه في حديث آخر صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها, وحد حدوداً فلا تعتدوها, وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها). والسكوت كما يقول العلماء: نوعان: سكوت عن التكلم، بمعنى: عدم التكلم، وسكوت عن إظهار الكلام, يعني: قد يتكلم ولكن لا يظهر كلامه, ويدل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه عندما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (بأبي أنت وأمي يا رسول الله! أرأيت سكوتك بعد التكبير وقبل القراءة ماذا تقول؟) فسماه قولاً مع كونه سكوتاً, وهو سكوت بالنسبة له؛ لأنه لا يسمع شيئاً من كلامه, بينما هو يتكلم في واقع الأمر, فأخبره بدعاء الاستفتاح المعروف. وهناك كتب صنفت في هذا الموضوع لشيخ الإسلام ابن تيمية، منها: كتاب التسعينية, وسمي التسعينية؛ لأنه رد على الأشاعرة بما يقارب تسعين وجهاً في موضوع الكلام النفسي.

أدلة الأشاعرة على أن كلام الله نفسي والرد عليهم

أدلة الأشاعرة على أن كلام الله نفسي والرد عليهم وقد استدل الأشاعرة على قولهم: بأن كلام الله كلام نفسي وليس بحرف وصوت: بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما ذهب هو وأبو بكر الصديق إلى سقيفة بني ساعدة فقال عمر: زورت في نفسي كلاماً. قالوا: فهذا يدل على أن الكلام كلام نفسي، وأن الكلام النفسي وهو: ما يدور في النفس يسمى كلاماً، ومن هنا لم ينسبوا إلى الله الحرف والصوت وقالوا: إن الكلام كلام نفسي. وهذا باطل. وهذا النص ورد فيه تقييد الكلام بالنفس، ولم يرد فيه العموم ولا إطلاق الكلام بشكل عام وإرادة الكلام النفسي. هذا من جهة. ومن جهة أخرى: فإنه فرق بين ما دار في نفسه وبين الكلام, ولو أن أحداً قال لـ عمر: فهل تكلمت؟ لقال: لا. يعني أنه لما قال: زورت في نفسي كلاماً, لو قيل له: فهل تكلمت؟ ولو كان كلاماً لقال: نعم، تكلمت في نفسي. ولكن من المعلوم أنه سيقول: لم أتكلم؛ لان الكلام إذا أطلق لا يمكن أن يكون معناه الكلام النفسي؛ ولهذا ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله عفا عن أمتي أو إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت بها نفوسها ما لم تتكلم أو تعمل)، ففرق بين حديث النفس وبين الكلام, ودل هذا على أن حديث النفس ليس كلاماً. واستدلوا كذلك بقول الأخطل: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا ولا شك أن هذا أيضاً باطل. وقد أبطل شيخ الإسلام الكلام النفسي في ذاته, وقال لهم: ماذا تعنون بالكلام النفسي؟ فإن الكلام النفسي إن كان خبراً فهو صفة العلم, وإن كان أمراً ونهياً وإنشاء فهو صفة الإرادة, فليس هناك إذاً شيء يستطيعون أن يقولوا أنه صفة جديدة -غير العلم والإرادة- يسمى الكلام النفسي, فدل هذا على أن هذه الصفة التي نسبوها إلى الله غير صحيحة، إلا إذا أثبتوها بالطريقة الشرعية الصحيحة. وهناك كتاب آخر لـ شيخ الإسلام في صفة الكلام بعنوان: المسألة المصرية في القرآن، وهذه فتوى أصلاً, وليست رسالة مستقلة وكتاب السبعينية غير كتاب التسعينية؛ لأن السبعينية في الرد على الملاحدة والفلاسفة, وتسمى بغية المرتاد في الرد على ابن سبعين وابن سبعين هذا صوفي كبير جلس في غار حراء شهراً ينتظر الوحي, فلم يحصل له؛ لأنه كان على مذهب الفلاسفة الذين يعتقدون أن الوحي اكتساب يكتسب. وله كتاب: الكيلانية, وهي في موضوع الكلام النفسي.

وجوب الإيمان بما ثبت في السنة من أخبار الصفات

وجوب الإيمان بما ثبت في السنة من أخبار الصفات قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالسنة تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه، وما وصف الرسول به ربه عز وجل من الأحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول وجب الإيمان بها كذلك]. هنا شرع الشيخ في بيان أحاديث الصفات, فقال: (ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالسنة تفسر القرآن وتبينه) فقوله: (فالسنة تفسر القرآن وتبينه)، فيه إشارة إلى الآية التي في سورة النحل المشهورة, وهي قول الله عز وجل: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]. فالسنة مبينة للقرآن, وهي تشرح القرآن ومعانيه, وتبين المجمل فيه وتخصص عمومه، وتقيد إطلاقه، وتوضح ما أجمل فيه بشكل مفصل فهي مصدر من مصادر التشريع، ومصدر من مصادر العقيدة.

المنحرفون في اتباع السنة من القرآنيين والمتكلمين

المنحرفون في اتباع السنة من القرآنيين والمتكلمين ثم نبتت نابتة في القرون المتأخرة ادعت أن السنة جميعاً المتواتر منها والآحاد ليس فيها حجة كافية، سواء في العقائد أو في الأحكام, وهؤلاء هم الذين سموا أنفسهم بالقرآنيين. وهؤلاء القرآنيون الذين انتسبوا إلى القرآن يقولون: إنه لا حجة في السنة, فإذا استدللت عليهم بدليل في السنة لم يقروا به ولم يعترفوا به ولو كان حديثاً متواتراً, ولا شك أن هذا انحراف عظيم عن منهج أهل الإسلام، وعن منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فالسنة مصدر من مصادر التشريع يجب الإيمان بها, وأخذها جميعاً, وهي تبين وتفصل وتؤسس, ومعنى أنها: تبين وتفصل, يعني: أنه قد يأتي مجمل في القرآن, كقول الله عز وجل: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43]، فتأتي السنة وتبين هذا المجمل الذي هو في قوله: (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) , فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة خمس صلوات في اليوم والليلة, وبين عدد ركوعها وكيفية الصلاة فيها, وقوله: (وَآتُوا الزَّكَاةَ) بين النبي صلى الله عليه وسلم الأموال الزكوية, وأنصبتها جميعاً، وكيفية استخراج الزكاة منها. والحقيقة أن الذين ينكرون السنة يريدون هدم الدين. والسبب في ذلك: هو أن أغلب النصوص الشرعية التي تفصل أحكام القرآن جميعاً في السنة. والقرآن أمر باتباع السنة, وهذه قضية مهمة وكثير من المبتدعة الضلال منهجهم منهج منحرف وكفري في الحقيقة. فهؤلاء الذين يقولون: نحن لا نحتج إلا بالقرآن، نقول لهم: قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]. فاعملوا إذن بالسنة كما أمر القرآن. والله عز وجل يقول: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]، ويقول الله عز وجل: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه, والرد إلى الرسول هو الرد إليه في حياته، والرد إلى سنته بعد وفاته. فالعمل بالسنة واجب شرعي، ولا يردها إلا منحرف ضال. وممن انحرف في عدم اتباع السنة أهل الكلام, فإنهم قالوا: إن العقيدة لا تبنى إلا على العقل, يعني: أن العقيدة يقين ولا تبنى إلا على العقل، وأما القرآن والسنة فقالوا عنها: إن دلالات الألفاظ الواردة فيهما لا تفيد اليقين الجازم, وبالتالي لا يستدل بها على العقائد. فأغلقوا على أنفسهم باب الهداية من كلام الله وكلام رسوله، نسأل الله السلامة والعافية. ومصدر التلقي عند أهل السنة: القرآن والسنة، سواء كانت متواتر أو آحاداً والسنة المتواترة هي: التي نقلها جمع عن جمع يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب، وأسندوها إلى شيء محسوس, وهذا المتواتر يفيد اليقين, والمقصود بالجمع هنا: العدد الكثير، سواء كانوا عشرة أو مائة أو مائتين أو ألفاً أو ألفين, عن جمع يعني: عن مثلهم, وأسندوه إلى شيء محسوس، يعني: أسندوه إلى شيء محدد, فمثلاً: القرآن متواتر؛ لأنه نقله جمع كبير من الصحابة أعدادهم بالآلاف, ونقله عنهم جمع من التابعين أعدادهم بالآلاف، ونقله كذلك جمع كبير جداً عن هؤلاء, وكلهم ينسبون هذا القرآن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه جاء به من عند الله عز وجل, وحينئذ فالقرآن لا مرية فيه ولا شك فيه.

بيان نوعي السنة من حيث التواتر والآحاد

بيان نوعي السنة من حيث التواتر والآحاد وأما السنة المروية عن الرسول صلى الله عليه وسلم فهي على نوعين: نوع رواه جمع عن جمع يستحيل في العادة تواطئهم على الكذب، وأسندوه إلى كلام الرسول، وإلى شيء محسوس، وهذا القيد في قوله: أسندوه إلى شيء محسوس مهم؛ لأنه قد يجتمع جمع كثير عن جمع كثير ولكنهم يسندوه إلى قضايا غيبية أو إيمانية مثلاً, كاجتماع النصارى مثلاً على التثليث, واجتماع اليهود مثلاً على أن عزيراً ابن الله, واجتماع الهندوس مثلاً على زرادشت، فهذا لا يدل على أن كلامهم حق، وإنما يدل على أن النصارى فعلاً يقولون: أن عيسى ابن الله, وأن اليهود يقولون: عزيراً ابن الله ولا يدل على أنه حق والتواتر يفيد العلم اليقيني. وأما الآحاد فهو: ما ينقله أقل من هؤلاء الجمع, يعني: ما ينقله واحد عن واحد, أو ما ينقله اثنان عن اثنين, أو ما ينقله ثلاثة عن ثلاثة, أو أربعة عن أربعة, أي: أن العدد فيه يكون أقل من العدد المتواتر، فيسمونه متواتراً.

الأدلة القرآنية على قبول خبر الآحاد في العقائد والأحكام

الأدلة القرآنية على قبول خبر الآحاد في العقائد والأحكام والآحاد مقبول عند أهل السنة في مسائل العقائد وفي مسائل الأحكام, والدليل على أن الآحاد مقبول في مسائل العقائد ومسائل الأحكام كثيرة جداً, وممن تحدث عن هذا الموضوع الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه الرسالة, وقد ذكر فيها الأدلة الدالة على قبول أخبار الآحاد. والأدلة على أن أخبار الآحاد مقبولة كثيرة في القرآن والسنة, وقد أفرد لها البخاري رحمه الله في صحيحه كتاباً خاصاً سماه: كتاب أخبار الآحاد, واستدل على قبول أخبار الآحاد بالقرآن والسنة. فأما القرآن فاستدل بقول الله عز وجل: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122]، فهذه الآية تدل على أن خبر الآحاد مقبول, ووجه الدلالة أنه قال: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ} [التوبة:122] والفرقة هي الجماعة من الناس. وقوله: {وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة:122]، يعني: يخبروا قومهم بالنذارة التي عرفوها من التفقه. وهذا يدل على أن قولهم مقبول. والطائفة يصح لغة أن تطلق على الشخص الواحد, فلو نفر شخص واحد من مجموعة وتفقه في الدين ثم جاءهم وأخبرهم بشرع الله عز وجل لوجب قبوله، وهذا هو منطوق الآية، وهو ظاهر الآية. ويدل على أن الطائفة تطلق على الشخص الواحد، قول الله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:9] وهي تصح في اقتتال اثنين فقط، بل إنها كما يقول بعض المفسرين: نزلت في مقاتلة وقعت بين اثنين من المسلمين, فيسمى كل واحد طائفة لغة.

الأدلة من السنة على قبول خبر الآحاد في العقائد والأحكام

الأدلة من السنة على قبول خبر الآحاد في العقائد والأحكام ومما يدل كذلك على أن أحاديث الآحاد مقبولة في العقائد والأحكام: حديث عمر الثابت في صحيح البخاري، وقد رواه البخاري في كتاب أخبار الآحاد, أنه كان له صاحب وكانوا عند أحد, وكان ينزل هو يوماً ويأتيه بما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم, وينزل صاحبه يوماً ويأتيه بما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم, وهذا يدل على أنه يقبل خبر الآحاد. وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن وقال: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله) , وشهادة أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله من العقيدة, ولم يشترط أهل اليمن في أن يكون الناقل لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم جمع غفير، وإنما كفاهم واحد. وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عدداً من أصحابه إلى الملوك: فقد أرسل دحية بن خليفة الكلبي إلى هرقل، وأرسل عمرو بن أمية الضمري إلى المقوقس صاحب مصر, وأرسل غيره إلى كسرى وقد أرسل كل واحد منهم منفرداً، وكان مع كل أحد منهم كتاب من الرسول صلى الله عليه وسلم. فاشتراط التواتر في أخبار العقائد مردود, ولا صحة له أبداً؛ لأنه لو كان يشترط التواتر لأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى كل حاكم من هؤلاء الحكام عدداً كثيراً، وكل واحد منهم يقول: نشهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كذا ويقول كذا, ولو كان خبر الآحاد لا يقبل في العقائد لصح لأهل اليمن أن يقولوا عندما جاءهم معاذ: لا نقبل قولك، فدع الرسول صلى الله عليه وسلم يرسل لنا عدداً متواتراً. فالقول بعدم قبول أحاديث الآحاد في الحقيقة منع لأحكام الدين، ورد لها، ومن الأمور المتفق عليها والتي أجمع عليها أهل السنة والجماعة: أن أخبار الآحاد تفيد العلم, وأنها مقبولة في الأحكام، ومقبولة كذلك في العقائد. وقد انحرف أهل الكلام من الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة فقالوا: إن أخبار الآحاد لا تقبل في العقيدة, فإذا استدللت عليهم مثلاً بحديث النزول: (ينزل ربنا)، قالوا: لا نقبل هذا الحديث؛ لأنه من أخبار الآحاد, مع أنه حديث ثابت في الصحيحين، وهكذا يفعلون في كل الأحاديث التي هي في صفات الله في الصحيحين فيردونها جميعاً، ويقولون: إنها غير مقبولة؛ لأنها أحاديث آحاد.

نقد تعليلات الرازي لعدم قبوله لأحاديث الآحاد في باب العقائد

نقد تعليلات الرازي لعدم قبوله لأحاديث الآحاد في باب العقائد وقد تكلم الرازي في كتابه أساس التقديس -وهو من الأشاعرة- عن مسألة أخبار الآحاد وقال: إنها غير مقبولة في العقيدة, وعلل لذلك بتعليلات يقشعر لها جلد المسلم, فقال: إن أخبار الآحاد لا تقبل في العقيدة، لأن الثقة -أولاً- مرتفعة عن الصحابة؛ لأنهم تقاتلوا فيما بينهم، وكل شخص منهم قتل الثاني. قال: والسبب الثاني: هو أن الزنادقة وضعوا أحاديث، ولسلامة قلوب المحدثين -يعني: لغفلتهم- قبلوها وزعم أن أحاديث البخاري ومسلم فيها أحاديث من وضع الزنادقة, وهذا لجهله. وزعم أموراً أخرى لا أستحل نقلها. والسبب في الوصول إلى هذا المستوى المنحط في التعامل مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ هو عدم تقدير الرسول صلى الله عليه وسلم, وهم لا يرجون لله وقاراً في الحقيقة, لو كانوا يرجون لله وقاراً لما عللوا بهذه التعليلات الفاسدة الباطلة, في الوقت الذي يقبلون فيه كلام الأخطل في قوله: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا فقبل قول الأخطل وهو نصراني, ولم يثبت عنه, ولم ينقل نقلاً متواتراً، وهو مخالف للغة, وفيه روايات متعددة, فقبل كلامه لأنه يوافق هواه, ورد أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنها لم توافق هواه، وهذا هو الضلال بعينه. وهكذا الإنسان إذا اشرب قلبه بالبدعة يصل إلى هذه الطريقة ويتخبط ويضل وينحرف ويقول المقالات العظيمة المخالفة لشرع الله التي هي في بعض الأحيان قد تخرجه من الدين، والعياذ بالله. ولهذا فلنحذر غاية الحذر من الهوى الذي يصل بالإنسان إلى هذه الطريقة وإلى هذا المستوى المنحط, وهذا من مصادر الاستدلال التي يخالفنا فيها الأشاعرة, فكيف يقول مثلاً الدكتور يوسف القرضاوي وغيره -من الذين لا يعرفون حقيقة الخلاف بين أهل السنة الأشاعرة-: إن الأشاعرة من أهل السنة؟! وكيف يكونون من أهل السنة وهم يخالفوننا في الأدلة؟! فنحن نعتبر أخبار الآحاد أدلة صحيحة عن العقيدة وهم لا يعتبرونها, فكل أحاديث الصحيحين غير مقبولة عندهم في العقيدة, وكذلك بقية أحاديث الكتب الستة غير مقبولة في العقيدة عندهم, فالخلاف بيننا وبينهم خلاف منهجي وجذري, وليس خلافاً سطحياً وبسيطاً كما يظن بعض هؤلاء الذين لم يتعلموا العلم من أصوله الصحيحة, ولم يدركوا هذه المسائل, وإنما أخذوها بشكل عاطفي, مثل: الدكتور القرضاوي وغيره من الذين يقولون: إن الأشاعرة من أهل السنة, فهم لم يدرسوا كتب الأشاعرة ولا يعرفونها, ولا يعرفون الخلاف بين أهل السنة والأشاعرة، ولا يدركون ما هو, ولم يقرءوا كتب ابن تيمية رحمه الله, ولا كتب السلف السابقين، ولم يدرسوا العلم دراسة تفصيلية, وإنما درسوا دراسات سطحية، ثم يتربعون على عرش الإفتاء والتوجيه للناس, ويأتون بهذه المقالات العجيبة الغريبة, مع أن الخلاف بيننا وبين الأشاعرة خلاف جذري كما نلاحظ في مصادر الاستدلال, وفي منطلقات الإنسان في معرفته لصفات الله عز وجل ولأسمائه ولأحكام العقيدة. فإذاً: أخبار الآحاد مقبولة، ومن أراد الأدلة على ذلك فليراجع كتاب أخبار الآحاد من صحيح البخاري ففيه عشرون حديثاً استدل بها البخاري رحمه الله على قبول أخبار الآحاد وعدم ردها. وأن ردها من البدع المنحرفة.

ذكر بعض أحاديث الصفات

ذكر بعض أحاديث الصفات

حديث صفة النزول إلى السماء الدنيا

حديث صفة النزول إلى السماء الدنيا قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فمن ذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟) متفق عليه]. هذا هو حديث النزول، وقد شرحه شيخ الإسلام ابن تيمية شرحاً طويلاً, وهو مطبوع ضمن مجموع الفتاوى التي جمعها الشيخ ابن قاسم، وطبع مستقلاً بتحقيق الخميس، وهو شرح عظيم طويل, أكثر فيه من الحديث عن الصفات الاختيارية والخلاف فيها.

حديث صفة الفرح

حديث صفة الفرح قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله صلى الله عليه وسلم: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم براحلته)، الحديث متفق عليه]. وهذا حديث طويل، وتكملته: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده المؤمن التائب من أحدكم ضلت عنه راحلته وهو في أرض فلاة، فنام تحت شجرة وهو يظن الهلاك, فلما قام وجدها بين يديه، فقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) , وهو حديث يدل على إثبات صفة الفرح لله عز وجل. وصفة النزول صفة فعلية اختيارية, وكذلك صفة الفرح صفة فعلية اختيارية, وقد وردت صفة الفرح باسم آخر، وهي: البشبشة, فقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما توطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله له كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم)، وهو حديث صحيح رواه ابن ماجة في سننه، والإمام أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه وصححه ووافقه الذهبي، وكذلك رواه ابن خزيمة، وصححه الشيخ الألباني، وهذا اللفظ هو لفظ ابن ماجة رحمه الله، ورواه الإمام أحمد في مسنده بلفظ آخر: (لا يتوضأ أحدكم فيحسن الوضوء)، إلى آخر الحديث، (إلا تبشبش الله له) وهذا الحديث صححه الأستاذ أحمد شاكر رحمه الله تعالى.

حديث صفة الضحك

حديث صفة الضحك قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله صلى الله عليه وسلم: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنة) متفق عليه]. وهذا قد ورد مفسراً في نفس الحديث, فإنه قال: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخلان الجنة, يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب، -يعني: القاتل- ثم يقتل في سبيل الله)، يعني: يلتقي المسلمون والكفار فيقتل رجل من الكفار رجلاً من المسلمين ثم يسلم هذا الكافر ثم يقاتل في سبيل الله ويقتل, فيجتمعان في الجنة القاتل والمقتول, فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يضحك الله إلى رجلين) , ففي هذا إثبات صفة الضحك لله، وهي صفة فعلية ثابتة لله عز وجل كما يليق بجلاله، وقد بوب في إثبات الضحك ابن خزيمة رحمه الله في كتاب التوحيد والآجري في كتاب الشريعة، وابن أبي عاصم في كتاب السنة.

حديث صفة العجب

حديث صفة العجب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: (عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، ينظر إليكم أزلين قنطين فيظل يضحك، يعلم أن فرجكم قريب) حديث حسن]. وهذا الحديث في إثبات صفة العجب لله عز وجل. والصفات السابقة: صفة النزول، وصفة الفرح، وصفة الضحك وردت في السنة ولم تأت في القرآن, إلا أن صفة النزول تدل عليها صفة المجيء والإتيان في القرآن؛ لأن الله عز وجل يجيء ويأتي يوم القيامة للناس وهم في المحشر، والمحشر يكون في الأرض ويكون موطنهم بلاد الشام, فهي تدل على صفة النزول، ولكن لفظ النزول لم يأت في القرآن. وأما صفة الفرح فلم ترد إلا في السنة، وصفة الضحك كذلك لم ترد إلا في السنة, وأما صفة العجب فقد وردت في القرآن في آيتين, الآية الأولى: هي قول الله عز وجل: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [الصافات:12]، قرأها حمزة والكسائي وقراء الكوفة: (بل عجبتُ) بالضم على أنها تاء المتكلم، (ويسخرون) وقرأها بقية القراء: (بل عجبتَ ويسخرون)، ولما تغيرت الحركة تغير المعنى في القراءتين، فعلى قراءة: (بل عجبتُ) على أنها تاء المتكلم يكون العجب صفة لله عز وجل، وقراءة: (بل عجبتَ) على أنها تاء المخاطب تكون صفة العجب للرسول صلى الله عليه وسلم، وكلاهما قراءتان ثابتتان ومعنيان صحيحان ثابتان, وأيضاً يدل على ذلك قول الله عز وجل: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [الرعد:5]. فقوله: ((وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ))، فسرها قتادة كما روى ابن جرير الطبري في تفسيره، بأن قال: ((وَإِنْ تَعْجَبْ)) يعني: أنت يا محمد! ((فَعَجَبٌ))، يعني: فعجب الرحمن من قولهم. وأيضاً هذا الحديث الذي هو قوله: (عجب ربنا من قنوط عباده، وقرب غيره) وهو قطعة من حديث طويل لـ أبي رزين، والحديث الطويل. وقد اختلف العلماء في صحته فقد رواه الإمام أحمد في مسنده، وابن أبي عاصم في السنة، وضعفه الشيخ ناصر الألباني رحمه الله تعالى. وثبت في صحيح البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل)، يعني: يجرون إلى الجنة جراً، وهذا ثابت في الصحيح. فصفة العجب ثابتة لله بالقرآن وبالسنة، ولأن المصنف لم يورد إلا هذا الحديث؛ أشكل هذا عند بعض الناس في صفة العجب، والصحيح: أنها ثابتة لله سبحانه وتعالى بالقرآن وبصحيح السنة، حتى لو لم يثبت حديث أبي رزين المشهور، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يحسن هذا الحديث، فإنه قال عنه: حديث حسن.

حديث صفة القدم

حديث صفة القدم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال جهنم يلقى فيها وهي تقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها رجله)، وفي رواية: (عليها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض فتقول: قط قط) متفق عليه]. وقط قط معناها: حسبي حسبي، يعني: يكفيني. والقدم صفة ذاتية ثابتة لله سبحانه وتعالى, وهما قدمان، كما ثبت أن الكرسي موضع قدمي الرب.

حديث إثبات الصوت لله تعالى

حديث إثبات الصوت لله تعالى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: (يقول تعالى: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك. فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار) متفق عليه. وقوله: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه وليس بينه وبينه ترجمان)]. وهذان الحديثان في صفة الكلام، وحديث: (يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك! فينادي بصوت)، فيه: إثبات الصوت لله عز وجل كما يليق بجلاله، وقد ورد في بعض الأحاديث: (أن الصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب).

العقيدة الواسطية [13]

العقيدة الواسطية [13] من جملة ما يعتقده أهل السنة والجماعة ويسألون ربهم أن يمن به عليهم رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة, وهي مسألة عقدية نطق بإثباتها صريح الكتاب ومتواتر السنة, وأينعت ثمار الإيمان بها في قلوب الموحدين, وصنف فيها الأئمة والعلماء وكتبوا, وضل عن الإيمان بها منكروها من المعتزلة ومن وافقهم, مستمسكين بالواهي من استنتاجات العقول التي لا يجوز نصبها خصمًا لأدلة الشرع الصريحة الصحيحة.

إثبات رؤية الله عز وجل يوم القيامة

إثبات رؤية الله عز وجل يوم القيامة بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. أما بعد: فموضوع رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة فيه مسائل: مسألة رؤية المؤمنين لربهم سبحانه وتعالى يوم القيامة، وهي أطول مسألة في هذا الموضوع. ومسألة رؤية الله عز وجل يوم القيامة، يعني: قبل دخول الجنة. ومسألة هل الكفار والمنافقين يرون الله عز وجل في عرصات القيامة أم لا يرونه؟ ومسألة رؤية النساء لله عز وجل؟ ومسألة رؤية الله عز وجل في الدنيا؟ ورؤية الله في المنام، ونحو ذلك من المسائل. قال المؤلف رحمه الله: [وقوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23]، {عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} [المطففين:23]، {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35]. وهذا الباب في كتاب الله كثير. من تدبر القرآن طالباً للهدى منه تبين له طريق الحق]. هذه جملة من الآيات التي ذكرها الشيخ رحمه الله تعالى للاستدلال على رؤية الله عز وجل يوم القيامة.

طرق العلماء في الكلام على صفة الرؤية في مصنفاتهم

طرق العلماء في الكلام على صفة الرؤية في مصنفاتهم وموضوع الرؤية تحدث عنه العلماء في مصنفاتهم بطريقتين: الطريقة الأولى: أن يفردوا له مصنفاً خاصاً ويكون هذا المصنف جميعه في باب الرؤية. والطريقة الثانية: أن يتكلموا عن موضوع رؤية الله سبحانه وتعالى ضمن باب من أبوب متعددة في العقيدة. وموضوع الرؤية يوجد في كل كتب الاعتقاد، سواءً القديمة أو المتأخرة مثل: الشريعة للآجري، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي، والسنة لـ عبد الله بن الإمام أحمد، وغيرها من مصنفات العقيدة القديمة الطويلة، وكذلك كتب العقيدة المتأخرة مثل هذا الكتاب، ومثل: لمعة الاعتقاد، وغيرها من كتب العقيدة، فكلها يوجد فيها فصل أو باب في الحديث عن رؤية الله عز وجل. وأما الكتب التي أفردت موضوع الرؤية بالتصنيف فهي: كتاب الرؤية للإمام أحمد رحمه الله. ذكر ذلك ابنه عبد الله في كتابه السنة، وأنه قرأه عليه، غير أنني لم أجد هذا الكتاب ولم أطلع عليه لا مخطوطاً ولا مطبوعاً. والكتاب الثاني هو: كتاب الرؤية لـ ابن أبي داود السجستاني، وهذا الكتاب أيضاً لا أعلم وجوده، وولكن يذكره أهل العلم، ونقل ابن القيم رحمه الله في حادي الأرواح، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى عن هذا الكتاب. وكتاب: رؤية الله تبارك وتعالى لـ ابن النحاس، وابن النحاس هذا توفي في سنة 416، وهذا الكتاب طبع في الهند في الدار العلمية في لاهو بتحقيق محفوظ السلفي. والكتاب الرابع: الرؤية لـ ابن الأعرابي. وهذا الكتاب مخطوط، وتوجد منه نسخة في المكتبة الظاهرية في دمشق. والكتاب الخامس: كتاب التصديق بالنظر إلى الله تبارك وتعالى في الآخرة للآجري. وهذا الكتاب طبع بهذا العنوان مستقلاً. وهو في الحقيقة جزء من كتاب الشريعة للآجري، وقد طبع كتاب الشريعة في بداية الأمر بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقي في جزء واحد صغير، ثم طبع بعد ذلك في ستة أجزاء بتحقيق الدكتور عبد الله الدميجي، وقد ذكر وحقق أن هذه الرسالة جزء من الشريعة للآجري. وكذلك لـ أبي نعيم كتاب في الرؤية. ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ولم أطلع عليه. وأيضاً للبيهقي رحمه الله: كتاب في الرؤية. ذكره الذهبي في ترجمته في تذكرة الحفاظ. وأيضاً لم أطلع على هذا الكتاب مخطوطاً ولا مطبوعاً. ومن أكبر الكتب في الرؤية: كتاب الرؤية للدارقطني رحمه الله، وقد صنفه على طريقة المحدثين، وذكر فيه 286 رواية تقريباً بالمكرر. وقد بحث شيخ الإسلام رحمه الله موضوع الرؤية في أماكن متعددة من كتبه ورسائله، وتكلم عن موضوع الرؤية ابن القيم رحمه الله كلاماً طويلاً في كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، وقد أطال الكلام في موضوع رؤية الله عز وجل، وفصّل فيها كثيراً، رحمه الله تعالى.

الأدلة من القرآن على رؤية الله يوم القيامة

الأدلة من القرآن على رؤية الله يوم القيامة

آية سورة القيامة

آية سورة القيامة وهذه الأدلة التي ذكرها الشيخ هي قول الله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23] فالأولى ناضره بالضاد بدون ألف، والثانية بالظاء بألف، فقوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:22]، من النضرة، وهي: البهاء والجمال. {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23] والمقصود بالنظر هنا نظر العين، وذلك: أن مادة (نظر) إما أن تتعدى بنفسها، وإذا تعدت بنفسها فإنها تكون حينئذ بمعنى: الانتظار، كقول الله عز وجل: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد:13]، وكقوله تعالى: {مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} [يس:49]، وكقوله: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل:35]. والفعل ينقسم إلى قسمين: لازم، ومتعد. والفعل اللازم هو: الذي يكتفي بفاعله. والفعل المتعدي هو: الذي يطلب مفعولاً. والفعل المتعدي ينقسم إلى قسمين: متعد بنفسه، وهو: الذي يطلب المفعول بنفسه، بدون صلة. متعد بصلة، وهو: الذي يتعدى إلى مفعوله بحرف من حروف الجر. فإذا تعدى الفعل (نظر) بنفسه فيكون النظر بمعنى: الانتظار، كما في قوله تعالى: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد:13]، أي: انتظرونا، وقوله: {مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً} [يس:49]، يعني: ما ينتظرون إلا صيحة، وقوله: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل:35]، يعني: منتظرة بم يرجع المرسلون. وإذا تعدى فإما أن يتعدى بحرف (في)، وإما أن يتعدى بحرف (إلى)، فإذا تعدى بحرف (في) فيكون معنى النظر: التفكر والاعتبار والاتعاظ، كقول الله عز وجل: {أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:185]، يعني: أولم يعتبروا ويتفكروا في ملكوت السماوات والأرض. وأما إذا تعدت (بإلى) فإنها تكون نصاً في الرؤية بالعين، كقوله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17]، وكيفية النظر إلى خلق الإبل لا يتم إلا إذا نظر الإنسان إليها بعينه، وكذلك قوله تعالى: {انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} [الأنعام:99]، يعني: انظروا بأعينكم، وكقوله أيضاً في قصة الرجل الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه: {فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} [البقرة:259]، ومعنى النظر هنا: النظر بالعين. ويزيد التأكيد على أن النظر في هذه الآية: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23] بالعين هو: أن النظر جاء متعدياً (بإلى)، وهو نص في رؤية العين، ثم إنه أضيف إلى الوجه، وليس في الوجه ما يمكن أن ينظر به إلا العين، فعلم من هذا أن قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23]، يعني: إلى ربها ناظرة بعيونها. فالمؤمنون يرون الله عز وجل يوم القيامة بعيونهم التي في رؤوسهم. وبعض المبتدعة يقول: إن النظر في هذه الآية معناه: الإدراك العقلي والشعور النفسي والفكري فقط، وأنه لا يمكن أن يرى الله عز وجل بالعين التي في الرأس مع هذه التأكيدات التي تدل على أن الآية المقصود بها النظر بالعين التي تكون في الرأس.

آية سورة المطففين

آية سورة المطففين ثم قوله تعالى: {عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} [المطففين:23]، هذه الآية ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مستدلاً بها على رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة. وأكثر المفسرين إذا جاءوا إلى هذه الآية: {عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} [المطففين:23]، يقولون: ينظرون إلى ما أعطاهم الله عز وجل من النعم والبهاء والخير. وقال بعض المفسرين: ينظرون إلى أهل النار وهم يعذبون في النار، فيزدادون بهذا فرحاً إلى فرحهم، بأنهم ليسوا من هؤلاء، وأن الله عز وجل قد أنعم عليهم بهذه الجنة. وذكر ابن كثير رحمه الله زيادة على ذلك: أنهم ينظرون إلى الله عز وجل، فيكون الاستدلال بهذه الآية من جهة العموم؛ فإن الآية في قوله: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} [المطففين:22 - 23]، يعني: ينظرون إلى النعيم، وإلى الله، وإلى أهل النار وهم يعذبون، وإلى أنفسهم، ونحو ذلك.

آية سورة يونس

آية سورة يونس قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، فقوله: ((لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا))، يعني كما قال ابن عباس: للذين قالوا: لا إله إلا الله، وبعضهم قال: للذين فعلوا الواجبات وتركوا المحرمات. والمقصود: للذين أحسنوا في حياتهم بتقوى الله عز وجل. والحسنى على وزن فعلى، وهي التي بلغت الغاية في الحسن، والمراد بها: الجنة. وقوله: ((وَزِيَادَةٌ))، هذه الزيادة جاءت مفسرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم من حديث صهيب وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة، وتنجينا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل. ثم تلا هذه الآية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]) وهذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه. ففسر النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة في هذا الحديث بأنه رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وهذا هو مقتضى المعنى. وبعض أهل البدع الذين قالوا: إن معنى الزيادة هنا: زيادة النعيم، يقال لهم: إن صيغة الحسنى صيغة تدل على المبالغة في الحسن. فمعنى الحسنى: الشيء الذي بلغ الغاية في الحسن، وإذا بلغ الغاية في الحسن فالزيادة عليه تدل على أنه لم يبلغ الغاية، فتصبح الصيغة صيغة ضعيفة وليست صيغة صحيحة، وحينئذ يكون التركيب القرآني تركيب غير سليم، وهذا ما يدل على أن تفسيرهم باطل؛ لأن القرآن قرآن مبين، وأنزل بلسان عربي مبين كما أخبر الله عز وجل، فلما أخبر أن للذين أحسنوا الحسنى، يعني: الجنة التي بلغت الغاية في الحسن وزيادة. دل هذا على أن الزيادة هذه غير الحسنى التي أعطوا إياها، فيدل على أن الزيادة: رؤية الله عز وجل النقل والعقل. فأما النقل: فهو ما رواه مسلم من حديث صهيب، وقد سبق. وأما العقل: فهو أيضاً كما سبق تقريره من أنه لو كانت الزيادة تعني: الزيادة في النعيم لما كان للتعبير بالحسنى معنى. فلما عبر بالحسنى عن الجنة وهي التي بلغت الغاية في الحسن، ودل هذا على أن الزيادة ليست زيادة في النعيم الذي يكون في الجنة.

آية سورة (ق)

آية سورة (ق) قوله تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35]. ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: أنه فسر المزيد في هذه الآية في سورة ق بأنه النظر إلى وجه الله عز وجل. وإنما قال العلماء: إن هذه الآية تشبه تلك الآية، ولا فرق بينهما، فإن الآية السابقة: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} [يونس:26] تشبه قوله: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا} [ق:35]. وهي مطلقة فلهم ما يشاءون وما يشتهون من النعيم، ثم قال في تلك: ((وَزِيَادَةٌ))، وقال في آية ق ((مَزِيدٌ)) فدل على أن الزيادة هي المزيد هنا.

رد اعتراض المعتزلة على تفسير المزيد في سورة (ق) بالرؤية

رد اعتراض المعتزلة على تفسير المزيد في سورة (ق) بالرؤية وقد اعترض بعض أهل البدع وهو القاضي عبد الجبار في شرحه للأصول الخمسة وهو من المعتزلة على تفسير المزيد بالرؤية، وقال: إن المزيد لا يكون إلا من جنس ما زيد عليه، ولو كان المزيد هنا رؤية الله عز وجل لبطلت هذه القاعدة؛ فدل هذا على أن الزيادة هي: زيادة النعيم على ما أعطوا سابقاً. واستدلوا على ذلك بأن قولنا مثلاً: سأعطيك عشرة آصع من الحنطة وزيادة، يعني وزيادة: صاع مثلاً أو صاعين على تلك العشرة. فلا بد أن يكون المزيد من جنس المزيد عليه. وهذا الكلام باطل، وقد رد عليه بعض أهل العلم وقال: إن المزيد يكون من جنس المزيد عليه إذا كان المزيد عليه مقدراً أو محدداً، فحينئذٍ يدل على أن الزيادة من جنسه، وأما إذا لم يكن مقدراً ومحدداً كقولك: لأعطينك حنطة وزيادة فإن الزيادة لا تكون من جنس المزيد عليه، ولو كانت من جنسها لما كان هناك مبرر لهذه الزيادة. فلو قلت لشخص مثلاً: سأعطيك ذهباً وزيادة، فإن هذا الشخص لن يفهم أن هذه الزيادة زيادة ذهب؛ لأن الذهب الذي ستعطيه إياه أصلاً غير مقدر، فهو أعلى شرط ممكن، فإذا قلت: وزيادة فليس لها مبرر. ولكن إذا قدرت الشيء وحددته فقلت له مثلاً: سأعطيك عشرين مثقالاً من الذهب وزيادة، يعني: وزيادة على العشرين. وعلى هذا فقوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} [يونس:26]، لما لم تكن الحسنى مقدرة بعدد معين دل هذا على أن الزيادة غير المزيد عليه. ولو كانت الجنة مقدرة ومحددة فقيل: وزيادة، لكانت هذه الزيادة زيادة من جنس المزيد عليه وهو النعيم في الجنة. ولكن الجنة ليس لها قدر محدد، وإنما هي نعيم دائم مقيم فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين. وحينئذ يبطل اعتراض القاضي عبد الجبار ويبطله ما هو أصرح وأوضح من هذا، وهو تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للزيادة: بأنها رؤية الله عز وجل يوم القيامة.

مفهوم آية سورة المطففين

مفهوم آية سورة المطففين قول الله عز وجل: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]. وهذه الآية في سورة المطففين تدل على أن الكفار يحجبون عن رؤية الله عز وجل يوم القيامة؛ لأنهم من أهل الجحيم، وقد استدل الشافعي رحمه الله تعالى بهذه الآية من جهة المفهوم بأن أهل النعيم يرون الله عز وجل، وقال: إنه لما حجب نفسه عنهم في مقام التعذيب، دل على أنهم يرونه في مقام التكريم والعطاء. وهذا استدلال واضح وقوي بالمفهوم، والاستدلال في الاعتقاد يمكن أن يكون بالمنطوق وبالمفهوم، كما يكون بالقول وبالفعل وبالتقرير، وأنه يمكن الاستدلال على قواعد الاعتقاد بهذه جميعاً.

آية سورة الإنسان

آية سورة الإنسان قول الله عز وجل: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} [الإنسان:20]، وفي قراءة: ((ومَلِكاً كبيراً)) وهي قراءة صحيحة فيصبح معنى الآية: ((وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ))، يعني: هناك، فثم اسم إشارة ((رَأَيْتَ نَعِيمًا))، وهذا هو الجنة، ((وَمَلِكاً كَبِيرًا))، يعني: الله عز وجل، فهو الملك سبحانه وتعالى، مالك كل شيء، ففيه إثبات رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة.

الأدلة من السنة على رؤية الله يوم القيامة

الأدلة من السنة على رؤية الله يوم القيامة وأما الأدلة من السنة فقد ساق الشيخ الحديث المشهور في رؤية الله عز وجل، وقد ذكر العلماء: أنه قد تواتر عن الرسول صلى الله عليه وسلم إخباره برؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، فأحاديث الرؤية ليست من الآحاد، بل هي متواترة يستحيل في العادة التواطؤ على الكذب فيها. قال المؤلف رحمه الله: [قال عليه الصلاة والسلام: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا). متفق عليه]. وهذا الحديث وغيره من أحاديث الرؤية رواها أكثر من عشرين صحابياً. وهذا الحديث رواه جرير بن عبد الله البجلي وهو في صحيح البخاري، وروي أيضاً عن أبي هريرة وعن غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما. وجاء في لفظ آخر: (إنكم سترون ربكم عياناً)، وهي لفظة صحيحة رواها البخاري عن جرير بن عبد الله البجلي. فقوله: (عياناً)، توكيد لرؤية الله عز وجل بالبصر، وقد قدح القاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة في مرويات السنة بعدة أمور وكان منها: أن هذه أخبار آحاد لا تقبل في العقيدة. ومما يبطل هذا الكلام: أن هذه النصوص ليست من أخبار الآحاد، ثم إنه لو كانت خبر آحاد فهي مقبولة في العقيدة.

الفرق المنكرة للرؤية

الفرق المنكرة للرؤية وقد ضل في موضوع الرؤية فرقتان من الفرق الضالة:

إنكار المعتزلة للرؤية والرد عليهم

إنكار المعتزلة للرؤية والرد عليهم * أما الفرقة الأولى: فهم المعتزلة المحرومون. فقد قالوا: إن الله لا يرى يوم القيامة بالعين. وأولوا جميع الآيات وجميع الأحاديث الواردة في رؤية الله عز وجل بالمعرفة وأن المراد بهذه الآيات والأحاديث زيادة المعرفة والإكثار منها وهو مشهور عن المعتزلة. والمعتزلة في الحقيقة لم يستدلوا بالأدلة الشرعية على إنكار رؤية الله عز وجل، وإنما كان منطلقهم في الاستدلال على إنكار رؤية الله عز وجل منطلق عقلي محض. فقالوا: إذا كان الله يرى فمعنى هذا أنه في جهة، ولا يكون في جهة إلا ما كان جسماً منقسماً. وهذه الألفاظ لا بد أن يستفصل عن معناها، فإذا كانت معانٍ صحيحة قبلت، وإذا كانت معانٍ باطلة ردت، وإذا كانت مشتملة على معنى صحيح ومعنى باطل قبل الصحيح ورد الباطل. وهذه الاصطلاحات متأخرة ظهرت بعد الاصطلاحات الشرعية، وأراد بها أصحابها أنواعاً من العقائد التي تشتمل على الحق والباطل. فهم مثلاً يقولون: إن إثبات العلو لله، وإثبات رؤيته عز وجل يلزم منه أن يكون الله في جهة. ونحن نقول: ماذا تريدون من كلمة جهة؟ فإذا كنتم تريدون من كلمة جهة أن الله عز وجل في جهة العلو، وأن المؤمنين يرونه يوم القيامة ولا يحيطون برؤيتهم له إحاطة تامة، كما قال الله عز وجل: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام:103] فهذا معنى حق أثبته الشرع، فلا عبرة بنفيكم. وإن كنتم تقصدون بالجهة: أن الله في جهة، يعني: أنه محصور في جهة فهذا معنى باطل لا نقول به. وإنما نقول: إن الله عز وجل في جهة العلو، وهو سبحانه وتعالى يرى يوم القيامة بالأبصار. فلما رأى المعتزلة أن أهل السنة أصحاب عقيدة صحيحة، وأن منطلقهم النصوص بدءوا يتلمسون في النصوص ما يحاولون أن يستدلوا به على إنكار الرؤية، وهذه طريقة أهل البدع. فأهل البدع يقررون العقيدة أولاً كما يشاءون، ثم بعد ذلك يحاولون يأخذوا من النصوص ما يظنون أنه يوافق عقيدتهم ويستدلون بها، ويتركون الواضحات البينات. فجاءوا إلى قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام:103]، فقالوا: إن معناها: أنه لا يرى. وهذا كلام باطل؛ لأن الله عز وجل في هذه الآية لم ينف الرؤية وإنما نفى الإدراك. والإدراك معناه: الإحاطة. ونحن لا نقول: إن الله عز وجل نراه يوم القيامة ونحيط به، وإنما نقول: نراه ولا نحيط به كما فسرتموها بالعلم، فإن علمه لا يحاط به، كما قال الله عز وجل: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة:255] ومعنى هذا إذاً: أننا لا نعرف الله عز وجل، لأننا لا نحيط به علماً، وهذا إلزام لهم. وإلا فالمعنى الصحيح لهذه الآية: أن الله عز وجل نفى عن العباد أن يدركوه، فلا يمكن للعبد أن يدرك الله عز وجل حتى مع نظره إليه. وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في التدمرية عند حديثه عن القدر المشترك بين صفات الله وصفات خلقه: أن الله عز وجل يقول: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام:103] فهذه الآية فيها إثبات للرؤية؛ لأنه قال: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:103] وهذا يدل على أنها تراه. فنفى الإدراك ففيه تضمين لإثبات الرؤية. فيكون هذا دليل إضافياً إلى تلك الأدلة التي تدل على رؤية الله عز وجل يوم القيامة.

إنكار الأشاعرة للرؤية وتأويلهم لها

إنكار الأشاعرة للرؤية وتأويلهم لها الطائفة الثانية المنحرفة في باب الرؤية هم: الأشاعرة. والأشاعرة في كثير من الأحيان يأتون بشعارات يتفقون مع أهل السنة فيها، لكنهم عند التحقيق يختلفون عن منهج السلف رضوان الله عليهم. فهم يقولون مثلاً: نحن نقول: بإثبات الرؤية، وأن الله يرى يوم القيامة. ويقررون هذا في مصنفاتهم بشكل واضح، ولكنهم يفسرونها بمزيد الانكشاف العلمي، ومعنى هذا: أن الرؤية هي علم عندهم، وهي مزيد معرفة بالله فقط. وهذه العلم غير الرؤية كما هو معلوم؛ لأن الإنسان يمكن أن يعلم شيئاً ولا يراه بعينه، ونحن في الدنيا نعلم وجود الله عز وجل ونعلم صفاته سبحانه وتعالى ولم نره بأعيننا. فهم عندما جاءوا إلى الرؤية في قوله صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم)، قالوا: هذا يعني: ستعلمون ربكم. فوافقوا المعتزلة في الحقيقة وخالفوهم في الشعار. فإذا سمعت أشعرياً يقول: إننا نثبت رؤية الله عز وجل، فقل له: هل تثبت رؤية الله عز وجل بالعين؟ فسيقول لك حينئذ: إنه مزيد انكشاف، وبعضهم كـ الغزالي في إحياء علوم الدين يقول: إن الله يخلق في عين العبد رؤية له، وهو في الحقيقة لم ير الله عز وجل؛ وذلك لأنهم ينفون الجهة. ويقولون: الله عز وجل ليس في جهة. ولهذا يقول العلماء عنهم: من أثبت الرؤية ونفى الجهة فقد أضحك الناس على عقله، والأشاعرة لا يقولون: إن الله في السماء، وإنما يقولون: هو في كل مكان. أو يقولون: لا خارج العالم ولا داخله، ولا في العلو، فكيف يُرى من كانت هذه صفته؟! ولهذا لما جاءوا إلى الرؤية قالوا: إن الرؤية معناها مزيد انكشاف علمي. أو يقولون كما قال الغزالي: إن الله يخلق في نظر العبد شيئاً من مخلوقاته تسمى الرؤية، وهذه طريقة عجيبة في التعامل مع النصوص، وهذا لا شك أنه باطل؛ فإن النصوص الشرعية أثبتت أن الله عز وجل يُرى يوم القيامة بالعين المجردة التي هي عين الإنسان، وليس في هذا إحاطة ولا إدراك أبداً. فهؤلاء محجبون محرومون يموت الواحد منهم وهو لا يعتقد أنه يرى الله عز وجل فهم في أشد الحرمان والعياذ بالله.

ثمرات الإيمان برؤية الله تعالى يوم القيامة

ثمرات الإيمان برؤية الله تعالى يوم القيامة وأما الفائدة التربوية والسلوكية والإيمانية لرؤية الله عز وجل فهي: أن إثبات رؤية الله عز وجل تورث في القلب محبة لله عز وجل، والشوق إلى لقائه، والتمني لهذه الرؤية، بل إن الإنسان إذا علم أن لذة النظر إلى الله عز وجل تفوق كل لذة، حتى في الجنة -مع أن نعيم الجنة لا يوصف بمقاييس نعيم الدنيا- هان في نظرهم كل نعيم. ولهذا أعلى المؤمنين منزلة من يرى الله عز وجل في كل يوم مرتين، وهذا يناله الإنسان بكثرة العمل، وكثرة تطبيق ما أمر الله عز وجل، واجتناب ما نهى الله عز وجل عنه، والحرص على ذلك، وبذل الجهد في العمل الصالح. ومما يوصل إلى رؤية الله عز وجل يوم القيامة العقيدة الصحيحة التي تتضمن إثبات رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، وهو الذي يحكم بيننا وبين هؤلاء المبتدعة الضالين يوم القيامة، عندما تجتمع الخصوم بين يدي الله عز وجل، وفي ذلك اليوم تحق الحقائق فيرى المؤمنون ربهم سبحانه وتعالى يوم القيامة. نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن يراه في جنات عدن، إنه على كل شيء قدير.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الفرق الضالة في العقيدة

حكم الفرق الضالة في العقيدة Q هل الفرق الضالة كفار؟ A الفرق الضالة بحسب البدعة التي ضلوا فيها، فإن كانت بدعهم كفرية -كبدع الإسماعيلية والقرامطة والشيعة- فيُكفرون، وأما إذا كانت البدع أقل من ذلك -كبدع الأشاعرة مثلاً- فليسوا كفاراً، فإن الأشاعرة بإجماع العلماء ليسوا كفاراً، حتى ولو كانت عندهم بدع وانحرافات.

حكم الأشاعرة

حكم الأشاعرة Q الأشاعرة الذين ينفون رؤية الله عز وجل، هل هم كفار؟ A لا، ليسوا كفاراً، وإنما هم أهل بدع. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

العقيدة الواسطية [14]

العقيدة الواسطية [14] يتصل بالإيمان برؤية الله تعالى يوم القيامة مسائل عقدية عديدة, ومن جملتها: حكم إنكار رؤية الله تعالى يوم القيامة, وما يعتقد في رؤية الله تعالى في الدنيا بالعين الباصرة, لا سيما ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم, ورؤيته تعالى بعين القلب, ورؤيته تعالى في المنام, ورؤية الكافرين والمنافقين ربهم يوم القيامة, وغير ذلك من مسائل الرؤية.

حكم إنكار رؤية الله عز وجل يوم القيامة

حكم إنكار رؤية الله عز وجل يوم القيامة بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. أما بعد: فإن إثبات رؤية المؤمنين لربهم سبحانه وتعالى يوم القيامة وفي الدار الآخرة من المسائل التي اتفق عليها أهل العلم، وأجمعوا عليها، وهي كذلك مما دل عليه القرآن الكريم، وتواترت النصوص الشرعية وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فيها. وإنكار رؤية الله عز وجل يوم القيامة أو في الدار الآخرة كفر مخرج عن الإسلام، فإذا كان صاحب هذا الإنكار جاهلاً فيعلم وتبين له الأدلة وتوضح من كتاب الله ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أبى ورفض وأعرض كفر وخرج من الإسلام؛ لأنه أنكر ما أجمع عليه أهل الإسلام، وما دل عليه القرآن الكريم وتواتر في السنة النبوية، وإنكار ذلك تكذيب للوحيين، وهو كفر يخرج عن الإسلام، كما نص على ذلك أهل العلم.

معتقد أهل السنة في رؤية الله تعالى بالعين في الدنيا

معتقد أهل السنة في رؤية الله تعالى بالعين في الدنيا ومن المسائل التي بحثها العلماء فيما يتعلق بالرؤية: رؤية الله عز وجل في الدنيا بالعين. فرؤية الإنسان لله عز وجل في الدنيا بعيني رأسه غير حاصلة بالنسبة لعامة المسلمين والمؤمنين. وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن الله عز وجل لا يُرى في الدنيا بالعين واستدلوا على ذلك من القرآن ومن السنة. فمما جاء في القرآن: قول الله عز وجل: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف:143]، فهذه الآية تدل على أن الله عز وجل لا يُرى في الدنيا بالعين التي تكون في الرأس. ووجه الدلالة من ذلك: أن موسى طلب الرؤية في الدنيا، عندما كلمه ربه فطمع في رؤيته، فطلب هذا الطلب، وهذا يدل على أن الله عز وجل يمكن أن يرى، وهي من الأدلة التي استدل بها أهل السنة على: أن الله عز وجل يمكن أن يرى وقد قال الله عز وجل: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143]. فبين أنه لا يراه الإنسان في الدنيا بالعين الحقيقية، قال تعالى: {وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف:143]. ومما يدل على ذلك أيضاً: ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت)، فقوله: (حتى يموت)، يعني: في الدنيا، فلن يرى الإنسان الله عز وجل في الدنيا بعينه حتى يموت، وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه. وهذه المسألة مما اتفق عليها أهل السنة والجماعة، وخالف فيها الصوفية، فإنهم قالوا: إنه يمكن أن يرى الله عز وجل في الدنيا، ولهم حكايات وقصص يروونها في كتبهم على أنها من الكرامات، وأن بعض أوليائهم رأوا الله عز وجل، وهذه كلها من الخرافات والأباطيل التي يرويها الصوفية في العادة.

الخلاف في رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم ربه في الدنيا بعينه

الخلاف في رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم ربه في الدنيا بعينه وأما بالنسبة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد اختلف أهل السنة في رؤيته لربه في الدنيا بعينيه حقيقة، فروي عن ابن عباس أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه). وروي عن أبي ذر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه؟!). وروي عن بعض الصحابة أنهم أنكروا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينيه التي في رأسه، ومنهم عائشة رضي الله عنها عندما سئلت: هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بعينيه؟ فقالت: لقد وقف شعري مما قلت، أو قالت -كما في رواية أخرى-: من زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه في الدنيا فقد أعظم على الله الفرية. يعني: الكذبة. والتحقيق في هذه المسألة هو: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعينيه التي في رأسه على الصحيح، وما روي عن ابن عباس من إثبات رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا بعينيه روي مطلقاً ومقيداً، فالرواية المطلقة قوله: (إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه)، وأما المقيدة فقوله: (إنه رآه بقلبه). والقاعدة هي: أنه إذا وردت نصوص مطلقة ونصوص مقيدة، فإنه يحمل المطلق على المقيد. فيكون معنى رأى ربه بهذا الإطلاق: رأى ربه بقلبه، كما في الرواية المقيدة. فالصحيح في هذه المسألة هو: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير الله عز وجل بعينيه في الدنيا. وما روي عن ابن عباس فيها يحمل المطلق فيه على المقيد، وهذا هو تحرير شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لهذه المسألة، وهو تحرير رائع وممتاز، وفيه جمع للأقوال، فيصبح حينئذ الخلاف في هذه المسألة خلافاً لفظياً، وإذا وجد خلاف حقيقي في هذه المسألة فهو من الخلاف الذي يعذر الإنسان فيه. والخلاف ينقسم إلى قسمين: خلاف تنوع، وخلاف تضاد. وخلاف التضاد ينقسم إلى قسمين: خلاف تبنى عليه الموالاة والمعاداة: مثل الخلاف في أصول العقائد، وما أجمع عليه أهل السنة. وخلاف يعذر صاحبه ويؤجر عليه إذا كان مخطئاً أجراً واحداً، أو يكون له أجران إذا كان مصيباً، كما في قاعدة: المجتهد المخطئ والمصيب، وهي معروفة.

المعتقد في رؤية الله عز وجل بالقلب

المعتقد في رؤية الله عز وجل بالقلب وأما مسألة رؤية الله عز وجل بالقلب في الدنيا، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه رأى ربه بقلبه، وهو ثابت عن ابن عباس كما في صحيح مسلم أنه قال: (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه). وفي صحيح مسلم أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (رآه بفؤاده مرتين). وأما الرواية التي فيها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه مرتين، مرة ببصرة ومرة بفؤاده)، فلا تصح، وهي معارضة لما ثبت في صحيح مسلم: (أنه رأى ربه بفؤاده مرتين). ومعنى رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه بقلبه: أن الله سبحانه وتعالى جعل في قلبه بصراً يرى ربه به حقيقة، وهذا ما ذكره شراح هذا الحديث. وأما رؤية المؤمنين لربهم في الدنيا: فإن الصحابة والتابعين والأمة من بعدهم على جواز رؤية المؤمنين لربهم بقلوبهم، وأنها جائزة وواقعة، وأنها ليست لكل أحد، وإنما تكون لبعض الناس، وهذه الرؤية تكون بالقلب لبعض المؤمنين، وهي ليست رؤية لذات الرب وصفاته حقيقة، وليس المرئي بقلب الإنسان هو نفسه الرب تعالى، ولهذا تختلف الرؤية القلبية عن بعض المؤمنين من شخص لآخر. وقد بحث هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأشار إليها عند حديثه عن الكشوفات في المجلد الخامس من الفتاوى صفحة (251)، فقال: [ومن رأى الله عز وجل في المنام فإنه يراه في صورة من الصور بحسب حال الرائي، إن كان صالحاً رآه في صورة حسنه، ولهذا رآه النبي صلى الله عليه وسلم في أحسن صورة، والمشاهدات التي قد تحصل لبعض العارفين -يعني: الأولياء والصادقين- في اليقظة كقول ابن عمر لـ ابن الزبير لما خطب إليه ابنته في الطواف: أتحدثني في النساء ونحن نتراءى الله عز وجل في طوافنا؟! وأمثال ذلك، إنما يتعلق بالمثال العلمي المشهود، لكن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه فيها كلام ليس هذا موضعه، فإن ابن عباس قال: رآه بفؤاده مرتين. فالنبي صلى الله عليه وسلم مخصوص بما لم يشركه فيه غيره، وهذا المثال العلمي يتنوع في القلوب بحسب المعرفة بالله والمحبة له تنوعاً لا ينحصر]. فمقصود شيخ الإسلام رحمه الله: أن الإنسان عندما يكون مؤمناً بالله عز وجل إيماناً عظيماً، ويكون قلبه قريباً من الله سبحانه وتعالى فإنه يشعر في قلبه بقرب عظيم من الله عز وجل، ويوضح ذلك حديث جبريل الطويل الثابت في الصحيحين: فإنه لما سأله عن الإحسان؟ قال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، فقوله: (أن تعبد الله كأنك تراه)، المقصود: رؤية القلب، يعني: استحضار مراقبة الله عز وجل وعظمته، وأسمائه وصفاته في القلب استحضاراً عظيماً، يشبه الرؤية الحقيقية بالعين. وليس هو رؤية حقيقية ولكنه يشبهه، وهذه تحصل عند خواص المؤمنين الذين يعملون الصالحات، ويجتهدون في تطبيق الأوامر الشرعية، ويحذرون من المناهي، حتى يرتفع إيمانهم إلى درجات عالية جداً، فيحصل عندهم هذا الشعور، وهذه الرؤية القلبية، وليست هي رؤية حقيقية لصفات الله سبحانه وتعالى، بل الله عز وجل له المثل الأعلى في السماوات والأرض، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]. يقول شيخ الإسلام: [وهذا المثال العلمي يتنوع في القلوب بحسب المعرفة بالله]. يعني: هو عبارة عن مثل، وأن الإنسان عندما يعبد الله عز وجل كأنه يراه، ويشعر بقرب عظيم من الله عز وجل إلى درجة أن تنكشف في قلبه معرفته بربه، فيحصل لقلبه مثال، فهذا المثال هو مثال علمي، وليس مثالاً حقيقياً يراه بعينه. وهذا المثال العلمي هو نوع من القرب ونوع من الإحسان الذي يكون في قلب الإنسان. قال شيخ الإسلام رحمه الله: [بل الخلق في إيمانهم بالله وكتابه ورسوله متنوعون، فلكل منهم في قلبه للكتاب والرسول مثال علمي بحسب معرفته، مع اشتراكهم في الإيمان بالله وبكتابه وبرسوله، فهم متنوعون في ذلك متفاضلون، وكذلك إيمانهم بالمعاد والجنة والنار، وغير ذلك من أمور الغيب، وكذلك ما يخبر به الناس بعضهم بعضاً من أمور الغيب هو كذلك، بل يشاهدون الأمور ويسمعون الأصوات، وهم متنوعون في الرؤية والسماع، فالواحد منهم يتبين له من حال المشهود ما لم يتبين للآخر، حتى قد يختلفون ويثبت هذا ما لم يثبته الآخر. فكيف فيما أُخبِروا به من الغيب؟!!]. فهذه الرؤية التي نثبتها ليست رؤية حقيقية لذات الله سبحانه وتعالى وصفاته.

خلاف الصوفية لأهل السنة في دعوى رؤيتهم لله تعالى بقلوبهم على الحقيقة

خلاف الصوفية لأهل السنة في دعوى رؤيتهم لله تعالى بقلوبهم على الحقيقة وهذه المسألة يخالفنا فيها الصوفية، فالصوفية يقولون: إننا نثبت رؤية الله عز وجل بالقلب حقيقة. ويقولون: إنهم يرون بقلوبهم صفات الله عز وجل على الحقيقة. وهذا لا شك أنه كلام باطل؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الروم:27]. ويقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11].

المعتقد في رؤية الله في المنام

المعتقد في رؤية الله في المنام وأما مسألة رؤية الله في المنام، وهل يمكن للإنسان أن يرى الله في المنام؟ فقد اتفق الصحابة والتابعون على جواز ذلك ووقوعه، وقد وقع ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم، كما في حديث اختصام الملأ الأعلى، ففي حديث اختصام الملأ الأعلى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيت ربي في أحسن صورة). والرواية التي توضح أن الرؤية منامية هي رواية معاذ بن جبل، فهذا الحديث رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من صحابي، وفيه كلام كثير لأهل العلم في صحته. والصحيح: أن هذا الحديث صحيح وثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أراد التطويل والاستزادة في هذا الموضوع ومراجعة أقوال أهل العلم فيه فليراجع كتاب ابن رجب الحنبلي رحمه الله في شرح هذا الحديث، بتحقيق الأستاذ جاسم الفهيد الدوسري، فقد أطال في تخريجه إطالة كبيرة. ورواية معاذ بن جبل هي أنه قال: (احتبس لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس، فخرج سريعاً فَثَوّبَ بالصلاة، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجوز في صلاته، فلما سلّم دعا بصوته فقال لنا: على مصافكم كما أنتم، ثم انفتل إلينا فقال: أما إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة: إني قمت من الليل فتوضأت فصليت ما قُدِّر لي، فنعست فاستَثقَلتُ، أو فاستُثقِلتُ فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة، فقال: يا محمد! قلت: ربِ لبيك، فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟) إلى آخر الحديث، وهو حديث طويل وفي قوله: (فنعست)، وقوله: (استُثقِلت، أو استَثقَلت)، وقوله: (رأيت ربي في أحسن صورة)، ما يدل على أن هذه الرؤية رؤية منامية، والرؤية المنامية قريبة من الرؤية القلبية، والإنسان بحسب طاعته وخوفه من الله عز وجل وتقواه وإيمانه وإخلاصه وإحسانه قد يرى في النوم صوراً وأحوالاً، وهذه الصور والأحوال ليست هي حقيقة ذات الله وصفاته؛ لأن الله كما قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]. وكما قال: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الروم:27]، وهذه الرؤى والأحوال التي يراها وهو نائم تعبر عن إيمانه، ويشعر في قلبه وهو نائم أن هذا هو ربه، وليس هو الله عز وجل حقيقة، ونحن نعلم أن الإنسان في النوم وكِّل به ملك من الملائكة يضرب له الأمثال، فما يراه الإنسان في منامه هي عبارة عن أمثال تُضرب له، ولهذا كان تعبير الرؤى مقبولاً، وقد أفرد البخاري رحمه الله في صحيحه كتاب: تعبير الرؤى، وقد عبّر النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً من المنامات لأصحابه، وهو القائل: (رأيت في النوم أن الناس يُعرضون عليّ وعليهم قمص، ورأيت عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره، قالوا: بم عبّرت ذلك؟ قال: عبّرته بالدين). فهذا مثال يُضرب للإنسان وهو نائم بمعنى من المعاني، وقد يكون في بعض الأحيان أضغاث أحلام، فالإنسان كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وكِّل به ملك وشيطان، وللملك لمّة وللشيطان لمّة، سواء في حال يقظته، أو في حال منامه، فما كان من الرؤى التي لها معنى صحيح ودلالة صحيحة فهي من الملك، وهي عبارة عن ضرب أمثال، وما كان من أضغاث الأحلام فهي من الأحلام. ولهذا ليس كل ما يراه النائم تكون رؤيا ولها تعبير، فقد يكون أضغاث أحلام، وقد يكون المنام في بعض الأحيان له معنى وتعبير. فالإنسان في نومه لا يرى حقيقة الله عز وجل وحقيقة صفاته، وإنما يضرب له المثل ويشعر في قلبه أن هذا هو الله، ويراه في صور مختلفة، وقد يرى فلان بن فلان صورة، ولا يرى فلاناً، وليس بالضرورة أن كل إنسان يُضرب له هذا المثل، وقد ينقل عن بعض العلماء أنه قال: رأيت الله في المنام فقمت وقال لي، فليس المقصود بهذا أنه رأى الله عز وجل بذاته وصفاته حقيقة؛ فالله ليس كمثله شيء، وإنما رأى شيئاً في المنام في صورة معينة ضربها له الملك بحسب إيمانه، فيشعر في قلبه أنها الله، وليست هي الله سبحانه وتعالى حقيقة. فينبغي ملاحظة هذه القضية، فالنائم مثلاً يرى في نومه أنه يتكلم ويصيح ويُضرب أو يَضرِب ويفعل الفعل ويقوم ويتنقل ويسافر ويهاجر ويأتي هنا وهناك، وهو في الحقيقة لم يتكلم، بل لسانه صامت ولم يسمع شيئاً بإذنه الحقيقية، وإنما هي ضرب أمثال. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى في المجلد الثالث صفحة (390): [وقد يرى المؤمن ربه في المنام في صور متنوعة على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانه صحيحاً لم يره إلا في صورة حسنة، وإذا كان في إيمانه نقص رأى ما يشبه إيمانه، ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة ولها تعبير وتأويل، لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق]. فمثلاً: في كتاب (مناقب الإمام أحمد) لـ ابن الجوزي يذكر الإمام أحمد فيه: أنه رأى ربه في المنام، وقد يستعظم هذه المسألة بعض الناس و

موضع الرؤية الحقيقية بالعين الباصرة

موضع الرؤية الحقيقية بالعين الباصرة والرؤية بالعين الحقيقية تكون بعد الموت وفي مكانين: المكان الأول: يوم القيامة. والمكان الثاني: في الجنة. وقد ثبتت في ذلك أحاديث صحيحة، ويمكن مراجعتها في صحيح البخاري، كتاب: التوحيد كحديث أبي هريرة وفيه: (قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: نعم، سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته). ثم ساق حديثاً طويلاً فيه الكلام على الحشر والشفاعة. وكذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بهذا المعنى. وهي أحاديث طويلة في صحيح البخاري.

الخلاف في رؤية المنافقين والكفار ربهم في عرصات يوم القيامة

الخلاف في رؤية المنافقين والكفار ربهم في عرصات يوم القيامة وقد اختلف أهل العلم في رؤية الكفار والمنافقين لله عز وجل يوم القيامة، وأما في الجنة فلا يمكن أن يروه؛ لأنه لا يدخل الجنة كافر ولا منافق. فالجنة متفق على أنه لا يراه فيها إلا المؤمنون وأما في عرصات يوم القيامة في المحشر فقد اختلف أهل العلم: هل الكفار والمنافقون يرون الله عز وجل يوم القيامة أو لا؟ وأما المؤمنون فإنه متفق عليه بين أهل السنة أيضاً أنهم يرونه يوم القيامة، وهذا الخلاف هو خلاف فقهي أيضاً، كمسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا، وهو خلاف لا يترتب عليه قطيعة ولا معاداة ولا خلاف شديد. وقد اختلف أهل البحرين في زمن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مسألة رؤية الكفار لربهم يوم القيامة. واختلفوا فيها اختلافاً شديداً وصارت بينهم قطيعة وبغضاء، حتى إنهم كادوا يقتتلون بالسيوف، فأرسلوا إلى شيخ الإسلام ابن تيمية يستفتونه في ذلك؟ فكتب لهم رسالة فيها، وهي مطبوعة ضمن مجموع فتاوى شيخ الإسلام التي جمعها ابن قاسم في المجلد السادس، بعنوان: رسالة إلى أهل البحرين في رؤية الكفار لربهم يوم القيامة. وقد تحدث شيخ الإسلام رحمه الله في هذه الرسالة عن كيفية التعامل مع الخلافات؟ وقال رحمه الله: إن الخلافات التي تحصل في مسائل الدين تنقسم إلى قسمين: * خلافات يترتب عليها الكفر أو البدعة وهذه هي الخلافات التي يكون فيها حرب بين أهل السنة وأهل البدعة، ونحن نتكلم على الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والصوفية من هذا الباب. وخلافات يحتملها الاجتهاد، مثل الخلاف في المسائل الفقهية، فالعلماء كما نلاحظ يختلفون في الإفتاء. ومن الخلاف الذي يحتمل الاجتهاد: الخلاف في هذه المسائل، وكتب لهم رسالة علمهم فيها كيفية التأدب مع هذه المسائل؟ وقال: إن هذه المسائل من فروع المسائل، التي لا يترتب عليها كفر ولا بدعة، وقد اختلف فيها علماء السنة، ورأى بعضهم أن الكفار قد يرون الله يوم القيامة، وذكر شيخ الإسلام في هذه الرسالة الأمور التي اتفق عليها المختلفون، والأمور التي اختلفوا فيها. فالمختلفون في رؤية الكفار لله عز وجل يوم القيامة ونفيها متفقون على عدة أمور: * أولاً: اتفقوا على أن هذه الرؤية ليست رؤية لذة ونعيم وراحة وطمأنينة، بل إنهم يقولون: إنها رؤية عذاب؛ لأن الله سبحانه وتعالى يريهم نفسه ثم يحتجب عنهم، وفي ذلك أشد أنواع العذاب، هكذا قالوا. * ثانياً: اتفقوا أيضاً على أنهم بعد الانتهاء من الحشر لا يرون الله عز وجل، وإنما يكونون من أهل الجحيم، والعياذ بالله. واختلفوا هل يرونه بأعينهم في الحشر، حتى ولو كان في هذا عذاب لهم؟ واختلافهم مبني على فهم الأدلة، فقد ورد في حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة ما ظاهره أن الله عز وجل يأتي الناس يوم القيامة فيرونه، يعني: يراه الكفار والمنافقون والمؤمنون، وهذه النصوص التي ظاهرها أنهم يرونه أشكلت على الذين أثبتوا رؤية الكفار لله عز وجل يوم القيامة، وبناءً على هذا قلنا: إن هذه المسألة ليست من المسائل التي يعنّف فيها المخالف، ولا من المسائل التي تعتبر من أصول الدين. ومثل هذه المسائل: كرؤية الله عز وجل بالقلب، أو كرؤية الله عز وجل في الدنيا لا تعرض لعامة الناس الذين لا يفقهون العلم ولا يدرون ما هو، وإنما تعرض لطلاب العلم الذين يدرسون العلم ويتفهمون معانيه، وإذا أشكل على أحدهم شيء سأل؛ لأن الله عز وجل يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]، فهذه المسائل لا تعرض للعامة، بحيث أنها تضطرهم إلى الإنكار وإلى التشنيع. والصحيح في مسألة رؤية الكفار لربهم يوم القيامة: أنهم لا يرون الله يوم القيامة، ويدل على ذلك قول الله عز وجل: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]. ومما يدل على ذلك أيضاً: أن الرؤية سماها الله عز وجل زيادة ومزيداً، فقال: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]. وقال: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35]، فلو أن الكفار والمنافقين يرون الله عز وجل يوم القيامة لما كان لاختصاص المؤمنين بالمزيد معنى، فلما اختص المؤمنين بالمزيد دل هذا على أنهم لا يرونه، وأوضح ما يدل على أنهم لا يرونه عموم قول الله عز وجل: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15].

المعتقد في رؤية النساء لله عز وجل في الجنة

المعتقد في رؤية النساء لله عز وجل في الجنة ومن المسائل التي يبحثها أهل العلم في مسألة الرؤية أيضاً: مسألة: هل النساء يرين الله عز وجل في الجنة إذا دخلنها أولاً؟ والصحيح من أقوال أهل العلم هو: أن النساء يرين الله عز وجل في الجنة، والدليل على ذلك عموم النصوص؛ فإن النصوص التي في إثبات الرؤية مثل: قوله تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35]، وقوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، تدل على دخول المؤمنات في الجنة في هذه الرؤية؛ لأن العموم يشملهن. وقد يقول قائل: إن قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} [يونس:26]، الذين: صيغة مذكر، فلا تدخل النساء فيها؟ فنقول: إن مسألة دخول النساء في عموم النصوص الواردة بصيغة الذكور، مسألة معروفة ومشهورة عند أهل العلم، وهناك نصوص تدل على دخولهن في العموم، ومن ذلك قول الله سبحانه وتعالى عن مريم في سورة التحريم: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم:12]. والقانتين: جمع مذكر سالم لقانت، فجعلها داخلة في عموم جمع المذكر السالم، فلو قيل: إن القانتين جمع مذكر سالم، فكيف يدخل المؤنث فيه؟! قلنا: هذا هو ما دل عليه النص، والقرآن جاء بلغة العرب، كما قال تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:195]، فهذا يدل على أن المؤمنات يدخلن في النصوص التي جاءت بصيغ المذكر، كقوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، ونحو ذلك من النصوص.

الأسئلة

الأسئلة

انتفاء الإحاطة بالله عز وجل في رؤيته

انتفاء الإحاطة بالله عز وجل في رؤيته Q هل قول الله عز وجل: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:103] يعني: أننا نرى وجه الله فقط، ولا نرى غير الوجه؟ A نحن لا نتصور صفات الله عز وجل أصلاً، ولا نعرف ماهيتها، ولا نتصور أنه على شكل الإنسان، وهو سبحانه له وجه ويدان، ولا نعرف الكيفية، وصفاته ليست مثل صفات الخلق، وإنما تختلف، وأما معنى قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:103]، فمعناه: أنه لا يمكن أن تحيط به، فالأبصار يمكن أن تدرك إنساناً، ولكن الله عز وجل لا يمكن أن تحيط به من كل مكان. مثل علمنا بالله عز وجل، فنحن نعلم أن لله صفات وأسماءً، ولكن لا نحيط به علماً، فكذلك إذا رأينا الله، وسنراه حقيقة، ولكن لا نحيط به رؤية، ولا نتخيل تكييفاً لذلك؛ فإن تخيل التكييف خطأ وباطل.

الموقف من قول: (طمس بصري في بصيرتي فرأيت الله)

الموقف من قول: (طمس بصري في بصيرتي فرأيت الله) Q ما صحة هذا القول، وهل هو من حديث رسول الله: طُمس بصري في بصيرتي فرأيت الله؟ A مثل هذه الكلمات الغامضة نستعمل معها ما نستعمل مع المصطلحات، فنسأل عن مقصود صاحبها، فإذا كان يقصد معنىً صحيحاً قلنا: هذا معنىً صحيح، ولكن استعمل له أسلوباً واضحاً، وإذا كان المعنى باطلاً رددناه، وإذا كان المعنى مختلطاً بين الصحيح والباطل صححنا الحق وأبطلنا الباطل، ومنعناه من هذا الكلام المجمل المحتمل للحق والباطل، فقوله: طمس بصري في بصيرتي فرأيت الله، معنى مجمل له عدة معان.

دلالة قوله تعالى: (يوم يكشف عن ساق) على رؤية ساق الله يوم القيامة

دلالة قوله تعالى: (يوم يكشف عن ساق) على رؤية ساق الله يوم القيامة Q قال تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم:42]، ألا تدل هذه الآية على رؤية ساق الله يوم القيامة؟ A بلى، هذه الآية مع حديث أبي سعيد الخدري تدل على رؤية ساق الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، كما يليق بجلاله، بدون أن يتخيل الإنسان ساقاً معينة، أو صورة معينة؛ لأن هذا التخيل باطل.

حقيقة رؤية الله تعالى في الدنيا

حقيقة رؤية الله تعالى في الدنيا Q عندما كنت صغيراً رأيت الله تعالى، فهل هذا من الشيطان أم هو حقيقة؟ A هذا كلام مجمل، فإذا كنت تقصد بالعين المجردة فهذا شيطان، وأما إذا كنت تقصد في النوم فقد يكون هذا من ضرب المثل الذي أشرنا إليه، والأمثال التي تضرب في النوم أو في القلب ليست هي الله حقيقة.

نظرة في كتاب (رؤية الله) للدكتور أحمد الحمد

نظرة في كتاب (رؤية الله) للدكتور أحمد الحمد Q ما رأيك في كتاب (رؤية الله) للدكتور أحمد الحمد؟ A كتاب رؤية الله للدكتور أحمد الحمد لا بأس به في الجملة، والكاتب من أهل السنة ومعروف، ولكن كثيراً من المسائل تحتاج إلى تحرير أكثر.

معنى المكاشفة

معنى المكاشفة Q ما معنى مصطلح المكاشفة؟ A كلمة مكاشفة وكشف يمكن أن يكون معناها صحيح، ويمكن أن يكون معناها باطل، والصوفية يستخدمونها بالمعنى الباطل، وأما المعنى الصحيح للكشف فهو: اكتشاف الشيء الجديد، وقد يكون هذا الكشف علمياً، وقد يكون عملياً.

العقيدة الواسطية [15]

العقيدة الواسطية [15] الوسطية مطلب شرعي وصفة محبوبة اصطفى الله تعالى لها هذه الأمة, وقوامها وحقيقتها العدل واتباع النصوص, وقد حظي أهل السنة باستحقاق هذا الوصف العظيم في العمل والاعتقاد, فهم في صفات الله تعالى وسط بين المعطلة والمشبهة, وفي أفعال العباد وسط بين الجبرية والقدرية, وفي الوعيد وسط بين المرجئة والوعيدية, وفي الصحابة الكرام وسط بين الروافض والخوارج, وفي غير ذلك من أبواب العلم والعمل.

أهمية موضوع الصفات

أهمية موضوع الصفات إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى آتاه اليقين. أما بعد: فإن باب الصفات من أطول أبواب العقيدة، وهو باب مهم؛ لأنه يتعلق بالله سبحانه وتعالى، ولأن أهل البدع والضلالة خاضوا فيه بالباطل، وانحرفوا فيه عن جادة السلف الصالح رضوان الله عليهم. فمن هنا كان للحديث فيه أهمية عظيمة ومكانة ومنزلة رفيعة. ومن جهة أخرى: فإن لصفات الله سبحانه وتعالى آثاراً تربوية وإيمانية تتعلق بحياة الإنسان، ولهذا فالحديث عنها مهم وله أهمية قصوى.

مفهوم الوسطية

مفهوم الوسطية وهذا الباب منطلقه هو قول الله سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143]. فقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143]، هذا خبر وأمر فهو خبر من جهة بيان حال الصحابة رضوان الله عليهم وتزكية منهجهم، وأمر لمن يأتي بعدهم بأن يلتزم بهذا المنهج الوسط.

معاني الوسطية

معاني الوسطية والوسطية لها ثلاثة معانٍ: العدل والخير والتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط. أما العدل فقد روى البخاري في صحيحه في كتاب التفسير، في تفسير سورة البقرة، في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143]، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وفي آخره: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الوسط: العدل). وأما الخيرية فإن الوسط في لغة العرب: تطلق على الخير فإذا قيل: هذا أوسط القوم، يعني: أعقلهم وأكثرهم معرفةً وإدراكاً، ومن ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} [القلم:28]، في قصة أهل البستان الذي أحرقه الله سبحانه وتعالى في سورة القلم، قال تعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ} [القلم:28]. والمقصود: بأوسطهم: يعني: أعقلهم وأخيرهم وأحسنهم وأفضلهم، وكوننا أمةً وسطاً، يعني: من خير الأمم فنحن من ناحية التاريخ آخر الأمم ومن ناحية الخيرية خير الأمم. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب قبلنا) أي: نحن الآخرون زمناً، والأولون مكانةً يوم القيامة. وأول زمرة تدخل الجنة هم من هذه الأمة وروي أنهم: المهاجرون فيدخلونها ويتمتعون فيها قبل الناس بأربعين سنة كما روي ذلك في بعض الأحاديث المرفوعة. وأما كوننا خير أمة، فهذا كما قال الله عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110]، فقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110]، تفسر قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143] والقرآن كما تعلمون يفسر بعضه بعضاً وأفضل التفسير هو تفسير القرآن بالقرآن؛ لأن الله عز وجل أعلم بمراد نفسه سبحانه وتعالى. وأما المعنى الثالث وهو: الوسط، بمعنى: المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، وقد رجحه بعض أهل العلم، فمن رجحه من المتقدمين ابن جرير الطبري في تفسيره لهذه الآية، ومن المتأخرين: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا الكتاب.

بيان ما ناله أهل السنة من مضامين الوسطية

بيان ما ناله أهل السنة من مضامين الوسطية والحقيقة: أن كون هذه الأمة أمةً وسطاً يشمل ذلك كله فأهل السنة هم أعدل الناس، وهم أهل العدل وأهل الميزان المستقيم والصراط غير المعوج، وعامة الفرق الضالة ليس عندهم عدل فتجدهم يكفر ويفسق بعضهم بعضاً بالهوى، ولمجرد المخالفة الشخصية، بينما أهل السنة والجماعة لا يتبعون أهواءهم، وإنما يتبعون الدليل والسنة وطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الذي ميزهم عن كثير من الفرق الضالة المنحرفة، فنجد أن المعتزلة مثلاً: كما يقول: أبو المظفر السمعاني رحمه الله في كتابه الانتصار لأهل الحديث: (إن ميزة أهل السنة: الجماعة، وميزة أهل البدع: الفرقة والاختلاف) ويقول الشاطبي رحمه الله في كتابه الاعتصام: (والتفرق من أخس أوصاف المبتدعة) ويذكر أن البغداديين من المعتزلة يكفرون البصريين، والبصريون يكفرون البغداديين وأن الرجل يكفر أباه، والأب يكفر ابنه، فـ أبو علي الجبائي يكفر أتباع أبي هاشم، وأتباع أبي هاشم يكفرون أتباع أبي علي، والذي يحكم بينهم بالعدل هم أهل السنة والجماعة. ولهذا أمرنا الله سبحانه وتعالى بالعدل دائماً، وأمثلة العدل في السنة النبوية وفي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرة جداً حتى مع اليهود والنصارى والمخالفين؛ لأن الظلم محرم حتى مع الكفار، فالظلم محرم في ذاته وقبيح حتى مع الكفار ونحن أمة العدل، ولا يجوز للإنسان أن يظلم أحداً، ولا يجوز للمسلم إذا كره فرقةً من الفرق أن يكيل لها الاتهامات. ونحن نكرههم بحق ولا نكرههم بباطل وهوى، إلا أنه لا يجوز لنا أن نكيل لهم الاتهامات وبعض الناس إذا غضب يكيل الاتهامات، جزافاً ويرميها رمياً، وليس هذا هو منهاج السلف الصالح رضوان الله عليهم، وإنما منهجهم هو التحري والدقة فيما ينسب إلى الأشخاص، ونقد من وقع منهم في البدعة، ومعرفة حجم البدعة التي وقع فيها، وإعطاؤها حقها، وعدم المبالغة أو النقصان فيها، فهذا هو الميزان العادل، فمثلاً: لا يأتي إنسان إلى بدعة مثل: الذكر الجماعي فيجعله أم المصائب جميعاً، ويكفر من يقع فيه فهذا لا يجوز؛ لأن هذه البدعة لا توصل إلى الكفر، وإن كانت بدعة ولكنها لا توصل إلى الكفر. وكذلك لا يجوز له أن يأتي إلى بدعة الشيعة الذين يسبون أبا بكر وعمر، ويكفرونهما ويلعنونهما، ويحجون إلى القبور، ويستغيثون بأهلها فيهون من شأنها ويقلل من الخلاف مع الشيعة، ويقول: إن خلافنا مع الشيعة هو خلاف فرعي، كخلاف الحنابلة مع الشافعية، فهذا باطل لا يجوز. فينبغي على الإنسان أن يكون قواماً بالقسط، وصاحب ميزان معتدل وصحيح ودقيق، وأن يكون بعيداً عن كيل الاتهامات لكل أحد، حتى ولو كان مبتدعاً؛ فإن البدعة نفسها درجات، فهناك بدعة مكفرة، وبدعة غير مكفرة. الواقعون في البدعة أنواع: نوع يدعو إلى بدعته ومتشبث بها. ونوع لا يدعو إلى بدعته. لكل واحد حالة ونمط من التعامل يختلف على النمط الآخر، وهكذا ينبغي للإنسان أن يكون عادلاً.

رد دعوى دخول أهل البدع في الوسطية بعموم الخطاب

رد دعوى دخول أهل البدع في الوسطية بعموم الخطاب قد يقول قائل: إن قول الله عز وجل فيها: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143] خطاب عام يشمل المسلمين جميعاً، فيدخل فيه أهل البدع؛ لأن أهل البدع ليسوا كفاراً، فكيف يقال: إنهم ليسوا وسطاً؟ والجواب على هذا بسيط وهو أن نقول: إن هذه الآية خوطب بها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قبل أن يقع التفرق والاختلاف فلما وقع التفرق والاختلاف أتينا إلى هذه الآية فوجدنا أن أسعد الناس بأن يكون وسطاً هم: أهل السنة والجماعة أتباع الصحابة. وأما أهل البدع فإنهم انحرفوا عن منهج الصحابة وعن الوسطية التي وصف الله سبحانه وتعالى بها منهج الصحابة. قال المؤلف رحمه الله: [فإن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك -يعني: يؤمنون بهذه الوسطية- كما يؤمنون بما أخبر الله به في كتابه العزيز، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل هم الوسط في الأمة كما أن الأمة هي الوسط في الأمم]. وهنا نلاحظ أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرجح أن معنى الوسطية هو: التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط. وقوله عن أهل السنة بأنهم الفرقة الناجية، وصفوا بأنهم فرقة ناجية من أمرين: الأمر الأول: من التفرق. والأمر الثاني: من النار التي توعد الله عز وجل بها الفرق المخالفة للصراط المستقيم.

حقيقة الوسطية

حقيقة الوسطية والوصف بالوسطية ليس معناه: أن الإنسان ينظر في طرائق الناس ومناهجهم ثم يتخذ وسطاً من عنده، ويقول: هذا هو الوسط، أي: في النصف. فلا يأتي إلى الوسط بين هذا المنهج وبين هذا المنهج، ويقول: هذا أحسن شيء فأتبعه. وإنما المقصود بالوسطية هنا: إخبار الله عز وجل بأن هذه الأمة لما اتبعت الصراط المستقيم -وهو كلام الله عز وجل، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم- صارت أمةً وسطاً بذلك. فالوسطية في اتباع النصوص وليست في النظر إلى مذاهب الناس واختيار مكان معين منها بالهوى، وبعض الناس مثلاً يقول: لا بد أن تكون وسطاً مع الكفار، فلا تصير متشدداً مثل الذين يريدون جهاد الكفار، ولا تصير متساهلاً مثل الذين يوالون أعداء الله، وإنما كن وسطاً، يعني: لا تجاهدهم ولا توالهم، وإنما تبقى بينك وبينهم علاقات ومودة طيبة، وهذا الاختيار باطل، لأنه ليس وسطاً، وإنما هو انحراف، فليست الوسطية اختيار الإنسان للمكان الذي يريد بين الأهواء والآراء، وإنما هي اتباع ما أمر به الله سبحانه وتعالى وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، فمعنى الآية: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143]، يعني: أنكم لما اتبعتم الطريق المستقيم واتبعتم الوحي الرباني صرتم وسطاً، واتباع الوحي يجعل الإنسان وسطاً، فإذا انحرف عنه فلا يكون وسطاً، وإنما يكون إما في طرف الإفراط، أو في طرف التفريط.

صور من وسطية أهل السنة في العقائد بين الفرق المنحرفة

صور من وسطية أهل السنة في العقائد بين الفرق المنحرفة

وسطية أهل السنة في صفات الله تعالى بين المعطلة والمشبهة

وسطية أهل السنة في صفات الله تعالى بين المعطلة والمشبهة قال المؤلف رحمه الله: [فهم وسط في باب صفات الله سبحانه وتعالى بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة]. فأهل السنة والجماعة يثبتون أسماء الله عز وجل وصفاته، وينفون عنها مشابهة المخلوق وهذا وسط. والمشبهة والممثلة أفرطوا في الإثبات، فأوصلهم هذا الإفراط إلى التشبيه والتمثيل فقالوا: إن يد الله كأيدينا، وعين الله كأعيننا، وأن الله عز وجل يتكلم كما نتكلم، وإنه سبحانه وتعالى مثلنا تماماً، ولهم كلام شنيع في هذا الموضوع، وأول فرقة من فرق المشبهة الذين شبهوا الله عز وجل بخلقه هم الشيعة، وكان هشام بن الحكم الرافضي مشبهاً مشهوراً، ثم بعد ذلك ترك الشيعة التشبيه وتأثروا بمناهج المعتزلة، وصاروا ينفون صفات الله عز وجل كالمعتزلة، ومن يراجع كتاب التوحيد لـ ابن بابويه القمي -وهو من أئمة الشيعة المشاهير- يجد أنه كان على منهج المعتزلة تماماً. وأما الفئة الأخرى -وهم الجهمية- فقد فرطوا، فلم يثبتوا شيئاً، ولهذا يقول السلف: الجهمي يعبد عدماً والمشبه يعبد صنماً، ولما قيل لـ جهم بن صفوان: ما هو إلهك؟ قال: هو هذا الهواء بدون اسم ولا صفة. والجهمية هم أتباع الجهم بن صفوان، وكان ظهوره في القرن الثاني الهجري، ولم يكن معروفاً بالعلم، ولا جلس في حلقاته، ولا درسه على أصوله الصحيحة، وقد التقى بطائفة من الهنود يسمون: السمنية، وكانوا ينكرون الأمور الغيبية ويثبتون الحسيات، فلما التقى بهم ناقشهم في الله فقالوا له: أين ربك؟ هل هو شيء رأيته؟ قال: لا قالوا له: فهل شممته أو ذقته أو لمسته؟ قال: لا قالوا: إذاً ليس هناك شيء، فجلس في بيته أربعين يوماً لا يصلي، ثم خرج على الناس وقال: إن ربي هو هذا الهواء ليس له اسم ولا صفة، فلما هلك جهم جاء بعده بشر المريسي، ثم جاء بعدهما ابن أبي دؤاد الذي تزعم فتنة خلق القرآن، وكان من المعتزلة، فأصبحت الجهمية كما يقول العلماء ثلاث درجات: الجهمية الأولى: وهم أتباع جهم بن صفوان وهؤلاء ينفون أسماء الله وصفاته بالكلية بجميع أنواعها. والجهمية الثانية: وهم المعتزلة وهؤلاء يثبتون أسماء الله وينفون صفاته، ويجعلون أسماء الله عز وجل أعلاماً محضة ليس لها أي دلالة. والجهمية الثالثة: وهم الأشاعرة والماتريدية فالأشاعرة جهمية؛ لأنهم ينفون صفات الله عز وجل الخبرية والاختيارية ولا يثبتون إلا سبع صفات فقط ويسمونها: صفات المعاني. وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتاباً سماه: بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، رد فيه على الأشاعرة، فقد رد فيه على الرازي، وهو أحد أئمة الأشاعرة المتأخرين في كتابه: أساس التقديس، فسمى شيخ الإسلام الأشاعرة جهمية. وكل من عطل الصفات سواءً عطلها جميعها أو بعضها فهو من الجهمية. والجهمية يتفاوتون ما بين غال كـ جهم بن صفوان الأول، وأقل غلواً كالأشاعرة.

وسطية أهل السنة في أفعال العباد بين الجبرية والقدرية

وسطية أهل السنة في أفعال العباد بين الجبرية والقدرية قال المؤلف رحمه الله: [وهم وسط في باب أفعال الله تعالى بين القدرية والجبرية]. والجبرية: هم الذين يقولون: إن العبد مجبور على فعل نفسه، وأنه كالريشة في مهب الريح، وأنه ليس مختاراً في أفعاله التي يقوم بها، وإنما هي أفعال الله عز وجل ألزم العباد بها، فيرون أن كفر العبد وعصيانه معذور فيهما؛ لأنهما ليسا باختياره ورغبته، وإنما هو مجبور من الله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. وهؤلاء الجبرية هم: جهمية؛ لأن جهم بن صفوان ضل في أكثر من باب في العقيدة، فقد ضل في الأسماء والصفات، فنفى أسماء الله وصفاته جميعاً، وضل كذلك في القدر فاعتقد الجبر، وقال: إن العبد مجبور على فعل نفسه. ومن الجبرية كذلك الأشاعرة، فإنهم يقولون: إن العبد كاسب لفعله، وأنه ليس له فعل في الحقيقة، ويمثلون لاقتران فعل الله عز وجل بفعل العبد: بحال رجل قوي يحمل صخرةً كبيرة وهذه الصخرة الكبيرة يستطيع حملها وحده، فلو جاء رجل آخر ووضع يده معه، فإن هذا الرجل الآخر لو رفع يده لاستطاع الأول أن يحملها، ولكنه شاركه فسمي حاملاً للحجر. فيقولون: إن الله عز وجل خلق فعل العبد، والعبد سيفعل هذا الفعل شاء أم أبى، وقد سمي هذا العبد فاعلاً؛ لأن الفعل وقع منه، فسموه كسباً، وهم في الحقيقة لا يثبتون فعلاً للعبد. والإيجي من الأشاعرة يقول في كتابه المواقف من علم الكلام: الجبرية نوعان: جبرية خالصة، وهم الجهمية الأولى، وجبرية متوسطة وهم: الأشاعرة. قال المؤلف رحمه الله [وهم وسط في باب أفعال الله تعالى بين القدرية والجبرية]. والقدرية قالوا: إن الله عز وجل ليس له أي علاقة -لا من قريب ولا من بعيد- في أفعال العباد، وأن العباد يخلقون أفعالهم كما يشتهون والله عز وجل لا يعلم بفعل العبد إلا بعد أن يقع، وهذا لاشك أنه ضلال مبين والقدرية معتزلة والمعتزلة ضلوا في بابين من أبواب العقيدة أو أكثر. الباب الأول: باب الصفات. والباب الثاني: باب القدر. فالعلماء سموهم قدرية؛ لأنهم ضلوا في هذا الباب، وإلا فهم معتزلة في الحقيقة. والحق: هو منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم، وهو كالآتي: إن الله عز وجل خالق لكل شيء، ولا يحدث شيء في الكون إلا وقد علمه الله عز وجل قبل أن يحدث ثم أراده ثم خلقه بعد ذلك. ويثبتون: أن للعبد فعلاً، وأن هذا الفعل بمشيئته وإرادته واختياره ويفسرون ذلك: بأن الله عز وجل خلق للعبد إرادة يختار بها ما يشاء، فإذا أراد العبد إرادة معينة خلقها الله عز وجل له، فكان الفعل، فأصبح الفعل من خلق الله، وبإرادة العبد في نفس الوقت، فإذا كان أمام العبد أمران: فعل، أو ترك، فإنه يختار ما يشاء، فهو قادر على الفعل ومستطيع له قبل أن يفعله وهو كذلك قادر على الترك بمحض الإرادة التي خلقها الله عز وجل له فإذا فعل الفعل أو تركه، فالفعل الذي فعله وقع باختياره وإرادته من غير إكراه، وفي نفس الوقت هذا الفعل الذي فعله ليس من خلق العبد.

وسطية أهل السنة في الوعيد بين المرجئة والخوارج والمعتزلة

وسطية أهل السنة في الوعيد بين المرجئة والخوارج والمعتزلة قال المؤلف رحمه الله: [وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم]. فقوله: [وفي باب وعيد الله]، يعني: الآيات والأحاديث التي وردت في وعيد أهل الكبائر والذنوب، وفي وعيد الكفار ونحوهم فأهل السنة يقولون: إن هذه الآيات والأحاديث على حقيقتها وإن العبد إذا فعل ذنباً من هذه الذنوب أو ارتكب معصيةً من المعاصي فهو مهدد بالنار، ثم إذا شاء الله عز وجل أنفذ وعيده، وإذا شاء عفا عن عبده، ويستدلون على ذلك بقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] فهو سبحانه وتعالى يغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ويستدلون بالشفاعة أيضاً فإن الشفاعة من أنواعها: أن الله عز وجل يعفو عن أهل الكبائر الذين استحقوا النار، وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لكل نبي دعوة مستجابة وادخرت دعوتي شفاعةً لأهل الكبائر من أمتي) وهذا يدل على أن أهل الكبائر يوم القيامة مع كونهم متوعدون بالنار، إلا أن الله عز وجل قد يعفو عنهم. وأما المرجئة فإنهم يقولون: إن العبد لو فعل الكبائر فإنها لا تؤثر على إيمانه، وإيمانه تام صحيح ولا يعذب ويقولون: لا يضر مع المعصية طاعة، ولا يضر مع الطاعة والإيمان معصية. وإن العبد مهما أذنب من الذنوب فإنه لا يعذب أبداً. وهذا القول لا شك أنه قول كفري. والمرجئة درجات وليسوا درجةً واحدة، فمنهم: غلاة المرجئة كالجهمية، وهؤلاء لا شك أنهم ليسوا بمسلمين، وقد كفرهم السلف رضوان الله عليهم. وأما من دونهم وهم الأشاعرة فإنهم يقولون: إن العبد إذا فعل المعصية فقد يعذبه الله عز وجل ولكنهم يقولون في الإيمان: إنه مجرد التصديق القلبي، ولا يترتب على ترك العمل كفر يؤاخذ به العبد في الدنيا أو الآخرة. والوعيدية طائفتان: الخوارج والمعتزلة، وسموا وعيدية؛ لأنهم يرون أن أهل الكبائر كفار فترى الخوارج أنهم كفار في الدنيا، وفي الآخرة مخلدون في النار بينما يرى المعتزلة أنهم في الدنيا في منزلة بين المنزلتين، وفي الآخرة مخلدون في النار وهذا لا شك أنه باطل، فإن الله عز وجل يعفو عن أهل الكبائر الذين تابوا وهم يقولون: إن الله عز وجل لا يمكن أن يعفو عن أصحاب الذنوب ويمنعون ذلك وينكرون الشفاعة.

وسطية أهل السنة في الإيمان بين الخوارج والمعتزلة وبين المرجئة

وسطية أهل السنة في الإيمان بين الخوارج والمعتزلة وبين المرجئة قال المؤلف رحمه الله: [وفي باب أسماء الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة، وبين المرجئة والجهمية]. إن المرجئة إذا عمل الإنسان معصية أعطوه اسم الإيمان، مع فعله المعصية، ويقولون: هو مؤمن مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم صرح بأنه ليس بمؤمن، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن)، وهم يقولون: هو مؤمن أثناء الزنا، وأثناء السرقة، وهذه مخالفة صريحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم. كما أنهم يقولون: إن الإيمان هو مجرد التصديق. وأما الحرورية والمعتزلة فإنهم يكفرون أصحاب الكبائر ويعتقدون أنهم من المخلدين في النار يوم القيامة. فأما تكفيرهم لأصحاب الكبائر فالخوارج يصرحون بالتكفير، والمعتزلة يقولون: إنهم في منزلة بين المنزلتين فليسوا بمسلمين ولا كفار، وإنما هم في منزلة بين المنزلتين ويتعامل معهم كما يتعامل مع الكفار، فهم في الأخير يلتزمون قول الخوارج، ولا يسمونه كافراً، فالمعتزلة والخوارج يتفقون في الحقائق والأحكام ويختلفون في الأسماء، ففي أحكام الدنيا يطبقون عليهم أحكام الكفر، ولا يسمونهم كفاراً، وفي أحكام الآخرة فيطبقون عليهم أحكام الكفار، ويقولون: إنهم مخلدون.

وسطية أهل السنة في الصحابة بين الرافضة والخوارج

وسطية أهل السنة في الصحابة بين الرافضة والخوارج قال المؤلف رحمه الله: [وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروافض والخوارج]. الرافضة: هم غلاة الشيعة، وسموا رافضةً لأنهم كما تروي كتب الملل والنحل جاءوا إلى زيد بن علي وهو من أهل البيت وأرادوا الخروج معه على بني أمية فقالوا: لابد أن تتبرأ من الشيخين -يعني: من أبي بكر وعمر - قال: لا أتبرأ منهما، فقالوا: إذاً: لا نخرج معك، فقال: رفضتموني فسموا رافضة والرافضة لهم أسماء، فيسمون الرافضة، ويسمون الإثني عشرية؛ لأنهم يرون أن الأئمة اثنا عشر إماماً من نسل علي بن أبي طالب، ولما توفي الإمام الحادي عشر عندهم وهو الحسن العسكري وليس له ولد قالوا: إن له ولد كان يربيه بعض أجداده دخل السرداب، وسيخرج في آخر الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً من قبل، وهو مهدي الرافضة الذي ينتظرونه في سامرا ولجئوا إلى هذا عندما أحرجهم الناس بأن الإمامة قد انقطعت. ويسمون الإمامية، والسبب في تسميتهم الإمامية هو: أن أعظم أصول الدين عندهم: الإمامة، فهي أعظم من الشهادتين، والإمامة عندهم: تعتبر من أركان الدين الأساسية. ومن عقائد الرافضة الإمامية الإثني عشرية في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنهم يكفرونهم جميعاً إلا علي بن أبي طالب، وفاطمة، وأبناء علي بن أبي طالب، وبعض الصحابة: كـ سلمان، والمقداد بن الأسود وغيرهم. وبضد هؤلاء الخوارج، فإنهم كفروا علي بن أبي طالب في الوقت الذي تعتبره الشيعة إلهاً، فهناك فرق شاسع بين الطائفتين، فطائفة تعتبره من أعظم الصالحين الأتقياء، وهو: خليفة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الناس ظلموه في حين أن الخوارج يكفرونه، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، وكلاهما من الضالين. والحق هو: أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أحد الأئمة الأربعة، وأحد المبشرين بالجنة، ومن الصحابة الفضلاء وله مناقب عظيمة وجليلة وفي نفس الوقت: لا نقول إنه أفضل من أبي بكر وعمر، ولا نوصله إلى ما أوصله إليه الرافضة الضلال فنحن وسط بين هؤلاء وهؤلاء وهذه هي الوسطية.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الأشاعرة

حكم الأشاعرة Q إذا كان الأشاعرة جهمية وجبرية ومرجئة فما المانع من تكفيرهم، أو تكفير مقولاتهم؟ A الأشاعرة بإجماع المسلمين ليسوا كفاراً، وأما تسميتنا لهم جهمية، فهو لوجود شعبة من شعب التجهم عندهم، فهم ليسوا جهمية خالصة، وإنما عندهم شعبة من شعب التجهم، وكذلك عندما نسميهم جبرية ومرجئة فذلك لوجود شعبة من شعب الجبر والإرجاء عندهم، ولا يعني هذا تكفيرهم فهم من أهل البدع، وليسوا كفاراً.

الفرق بين القدرية والجبرية

الفرق بين القدرية والجبرية Q ما الفرق بين القدرية والجبرية؟ A كالفرق بين المشرق والمغرب، فالمشرق في جهة والمغرب في جهة، فالقدرية تنكر القدر تماماً ولا تثبته أبداً، والجبرية ترى أن القدر معناه: جبر العبد. فهم اختلفوا في أفعال العباد فالقدرية يرون أن العبد حر فيها وليس لله عليه فيها سلطان، وهو يخلق الفعل بنفسه، ولهذا سماهم السلف مشبهة الأفعال، وأولئك يقولون: ليس له أدنى عمل يقوم به، وإنما هو مجبور، مثل: الحركة الاضطرارية، ومثل: الريشة في مهب الريح.

الموقف من المفتين بإباحة الغناء

الموقف من المفتين بإباحة الغناء Q كتب أحد الجهال الذين يتكلمون فيما لا يعلمون مقالاً يستحل فيه الغناء، ويعتقد أنه حلال فما حكمه؟ A انتشر في هذا الزمان بعض المفسدين الذين لا هم لهم إلا إباحة الشهوات، والتلاعب بدين الله عز وجل، وأصبحت أحكام الله عز وجل يتلاعب بها بعض الناس السفهاء والمفسدين الذين ليسوا من أهل العلم لا من قريب ولا من بعيد، وليسوا حتى من أهل المعرفة العادية وإلى الله المشتكى، فهذا زمان الفتن الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه بأن في آخر الزمان: (ينطق فيهم الرويبضة) والرويبضة كما فسره العلماء: هو الرجل التافه الذي يتكلم في الأمور العامة، فهذا الذي يستبيح الغناء وأمثاله من الذين لم يعرفوا رائحة العلم لا من قريب ولا من بعيد، وهم من الرويبضات الذين يعبثون في دين الله عز وجل، ويتلاعبون به، ومثل هؤلاء لا يلتفت إليهم.

حكم الفرق المخالفة في أبواب العقيدة

حكم الفرق المخالفة في أبواب العقيدة Q هل هذه الفرق مخلدة في النار؟ A تختلف، وليست على درجة واحدة.

نظرة في قول المرجئة: (لا ينفع مع الكفر طاعة)

نظرة في قول المرجئة: (لا ينفع مع الكفر طاعة) Q هل قول المرجئة: إنه لا ينفع مع الكفر طاعة، كلام صحيح؟ A إذا كان المقصود بالطاعة أعمال الفروع فالكلام صحيح، فلو كان الإنسان كافراً وصلى وصام فإنها لا تنفعه هذه الطاعة، وإذا كان المقصود بالطاعة أصل الدين فلاشك أن أصل الدين يزيل الكفر.

العقيدة الواسطية [16]

العقيدة الواسطية [16] من أركان الإيمان وأصوله العظيمة الإيمان باليوم الآخر, الذي جعله الله تعالى معادًا للعباد للجزاء والحساب, وإنما أنكره من لا يؤمن بالله تعالى من المشركين الدهريين والفلاسفة والباطنية, ويتصل بالإيمان بهذا الركن الركين الإيمان بعذاب القبر ونعيمه وفتنة الناس في قبورهم, وغير ذلك من المسائل الثابتة في النصوص.

الإيمان باليوم الآخر

الإيمان باليوم الآخر بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. أما بعد: فالإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان، ففي حديث جبريل الطويل الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أخبر أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر أنه سأله على الإيمان؟ فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره). فالإيمان باليوم الآخر ركن أساسي من أركان الإيمان. وهو يتضمن الإيمان بما بعد الموت. فيشمل الإيمان بفتنة الناس في قبورهم وعذاب القبر ونعيمه، ويشمل - كذلك - القيامة والحشر والبعث والحساب والحوض والميزان وما يلحق بذلك من الجنة والنار. وحياة الناس تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الحياة الدنيا. والحياة البرزخية. والحياة الأخروية. فأما الحياة الدنيا فهي مدار الأمر والنهي والتكليف، وهي التي يعيش فيها الناس منذ ولادتهم الأولى إلى الموت. وأما البرزخ فيبدأ من موت الإنسان إلى أن يبعث الله عز وجل من في القبور ويحشرهم في مكان واحد، ثم بعد ذلك يبدأ اليوم الآخر الذي يشمل جميع الناس. والدليل على وجود الحياة الدنيا: عيشنا فيها الآن. والدليل على وجود البرزخ: قول الله عز وجل: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100]. فهذا يدل على أن هذه الحياة المشار إليه في الآية حياة متوسطة بين الحياة الدنيا وبين الحياة الأخرى، كما دل على ذلك قوله: {إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100]. والحياة الدنيا هي التي فيها التكليف. وأما حياة البرزخ والحياة الأخروية فليس فيها تكليف، وإنما فيها الجزاء والحساب.

وجوب الإيمان بفتنة القبر وعذابه ونعيمه

وجوب الإيمان بفتنة القبر وعذابه ونعيمه قال المؤلف رحمه الله: [ومن الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، فيؤمنون بفتنة القبر وبعذاب القبر ونعيمه. فأما الفتنة: فإن الناس يمتحنون في قبورهم فيقال للرجل: من ربك؟ وما دينك؟ وما نبيك؟ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فيقول المؤمن: ربي الله، والإسلام ديني، ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيي. وأما المرتاب فيقول: هاه هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته. فيضرب بمرزبة من حديد، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق. ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب إلى أن تقوم القيامة الكبرى]. فلا شك أن الناس يفتنون في قبورهم. والدليل على ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: (إن الناس يفتنون في قبورهم مثل فتنة الدجال)، أو قال: (قريباً من فتنة الدجال). وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم طبيعة هذه الفتنة كما في حديث البراء بن عازب الذي رواه الإمام أحمد في المسند وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن البراء بن عازب رضي الله عنه في حديث طويل، وفيه: أن المؤمن يسأل عن ربه فيقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله. ويقال له: وما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام. فيقال له: ومن نبيك؟ فيقول: نبيي محمد صلى الله عليه وسلم، ففتنة الناس في قبورهم ثابتة.

بيان أصناف الذين لا يفتنون في القبر

بيان أصناف الذين لا يفتنون في القبر وقد بحث العلماء مسألة: هل كل الناس يمتحنون؟ لأن كلمة الناس عامة تشمل الأنبياء والشهداء والصالحين، وتشمل الكفار والمنافقين، وتشمل أشياء كثيرة. فأما الشهداء فورد فيهم نص عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كفى ببارقة السيوف على رؤوسهم فتنة)، يعني: أن قتالهم في سبيل الله وبريق السيوف الذي واجهوه وقتلهم في سبيل الله يرفع عنهم الفتنة في القبر. وهذا حديث صحيح صححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في كتابه: أحكام الجنائز. فالشهداء لا يمتحنون في قبورهم، ولا يأتيهم ملكان يسألانهم عن الرب وعن النبي وعن الإسلام. وأما الأنبياء فلا يمتحنون في قبورهم. والدليل على ذلك أمران: الأمر الأول: هو أن الأنبياء أولى من الشهداء. فإذا كان الشهداء لا يمتحنون في قبورهم فالأنبياء أولى منهم؛ لأن فضل النبوة أعلى من فضل الشهادة. وإذا كان فضل الشهادة مانعاً من الفتنة في القبور ففضل النبوة أولى. وثانياً: أن الإنسان يسأل في قبره عن النبوة والأنبياء، فيقال له: من نبيك؟ وهذا يدل على أن المسئول عنه عظيم. وإذا كان يسأل عن الأنبياء فلا شك أن هذا يدل على أنهم لا يسألون في قبورهم، وإنما ينعمون مباشرة. ويفتن بقية الناس المسلم والكافر، وهو الصحيح الذي عليه أهل السنة من أن الفتنة في القبور تكون على المسلمين وعلى الكفار. ويدل عليه حديث البراء بن عازب الطويل، والذي صنف فيه الذين يسألون ويفتنون في قبورهم. قال: (فأما المؤمن)، ثم قال: (وأما المنافق)، وفي بعض الألفاظ: (والكافر). وهذا يدل على أن المؤمن يسأل ويفتن. وكذلك فيه دليل على أن الكافر أيضاً يسأل ويفتن، وكذلك المنافق؛ لأن هؤلاء جميعاً ورد النص فيهم في حديث البراء بن عازب، وكذلك دل على هذا عموم الأدلة التي بين النبي صلى الله عليه وسلم فيها أن هذه الأمة تفتن في قبورها. وكلمة الأمة تشمل أمة الاستجابة وأمة الدعوة. فالكفار يفتنون على الصحيح. وهذا ما رجحه ابن القيم رحمه الله في كتابه الروح. وكتاب الروح عمدة في هذا الباب؛ لأنه اشتمل على كثير من الأحاديث الواردة في قضية البرزخ وتعلق الروح بالبدن فيها وما يتبع ذلك من مسائل.

فتنة الأمم السابقة في قبورها

فتنة الأمم السابقة في قبورها وأما الأمم السابقة فقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة تمتحن في قبورها. وورد في الحديث أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان على بغلة فحادت عن الطريق حتى كادت تسقطه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن يهود يمتحنون في قبورهم). وثبت أيضاً في صحيح البخاري: (أن يهودية جاءت إلى عائشة رضي الله عنها وقالت لها: استعيذي بالله من عذاب القبر، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هل في القبر عذاب؟ فقال: نعم، عذاب القبر حق. فما زال صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من عذاب القبر طيلة ذلك اليوم). أعاذنا الله وإياكم من عذاب القبر. والنصوص الواردة في الامتحان عامة تشمل الأمم جميعاً. وإن كانت الأدلة لم ترد إلا في هذه الأمة وفي اليهود. ولكن عموم الأدلة تشمل عموم الناس. إذاً: فقول الشيخ: (الناس) ليس على عمومه، فالأنبياء والشهداء لا يمتحنون في قبورهم.

ذكر الخلاف في اسمي الملكين اللذين يمتحنان الناس في القبور

ذكر الخلاف في اسمي الملكين اللذين يمتحنان الناس في القبور والذي يمتحن الناس في قبورهم: ملكان، هذان الملكان اختلف أهل العلم في اسميهما: هل لهما اسم أو ليس لهما اسم؟ والخلاف في ذلك مبني على أمرين: الأمر الأول: على ثبوت الحديث في هذا. والأمر الثاني: على استنكار بعض أهل العلم لتسمية الملائكة بالمنكر والنكير. فأما الحديث الوارد في هذا: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح كما رواه الترمذي وابن أبي عاصم في السنة والآجري في الشريعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الميت إذا مات جاءه ملكان في قبره أحدهما المنكر والآخر النكير فيسألانه). فسماهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذين الاسمين: وهذا الحديث حديث ثابت صحيح. وأما استنكار بعض أهل العلم لتسميتهما بالمنكر والنكير فلا شك أنه إذا ورد الحديث في هذا وثبت فلا يرد هذا الإشكال أبداً؛ لأنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح الاعتراض على كلام النبي صلى الله عليه وسلم. كما يمكن أن نجيب عن هذا الإشكال بأنهما ليسا منكراً ونكيراً في ذاتهما، وإنما عند الشخص الذي يفتنانه، وقد يكون منكراً بمعنى: مخيفاً. ولهذا ورد في صفتهما في الحديث: إنهما أسودان أزرقان. ولا شك أن هذه الصورة مخيفة للإنسان.

ضمة القبر

ضمة القبر وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث وفاة سعد بن معاذ أنه قال: (إن للقبر ضمة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ). وضمة القبر ليست من العذاب، وإنما هي صفة للقبر. وقد ذكر بعض أهل العلم أنها فترة، وما يلحق بذلك من الكسل ونحو ذلك. فليست من العذاب، ولا يعني هذا أن كل الناس يعذبون كما يفهم من ظاهر كلام المؤلف.

الأدلة القرآنية على ثبوت عذاب القبر ونعيمه

الأدلة القرآنية على ثبوت عذاب القبر ونعيمه وعذاب القبر ونعيمه يثبته أهل السنة والجماعة لثبوت الأدلة فيه. وقد أنكره الخوارج والمعتزلة، فقالوا: ليس في القبر نعيم ولا عذاب. واستدل أهل السنة على ثبوت عذاب القبر ونعيمه من القرآن الكريم بما يأتي: قال الله عز وجل: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46]. وهذا النص واضح بأن النار التي يعرضون عليها قبل يوم القيامة. ولهذا قال: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46]. فهذه النار التي يعذبون فيها ويعرضون عليها غدواً وعشياً هي قبل يوم القيامة. وليس هناك نار يعرضون عليها إلا في القبور وبعد الموت. ولهذا وردت آثار عن السلف الصالح رضوان الله عليهم في أن أرواح آل فرعون في طيور سود تعذب. وظاهر الآية واضح في إثبات عذاب القبر. وقال الله عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم:27]. فهذه الآية تدل على عذاب القبر؛ لأنه لما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن القبر وبين أن الناس تمتحن فيه قرأ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم:27]. ولهذا أجمع المفسرون على أن هذه الآية ورادة في عذاب القبر ونعيمه. وقال الله عز وجل: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأنعام:93]، إلى آخر الآية. وهذه الآية من الآيات التي استدل بها الإمام البخاري رحمه الله على إثبات عذاب القبر. فقد عقد باباً في كتاب الجنائز باب: عذاب القبر. وسرد مجموعة من الآيات منها هذه الآية، وجعلها دليلاً على إثبات عذاب القبر. ووجه الدلالة من هذه الآية من ناحيتين: الناحية الأولى هي: أن الله عز وجل يقول: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} [الأنعام:93]، يعني: في أثناء الاحتضار. ((وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ)) يعني: يستعدون لها بالضرب. وذلك أن روح المنافق والكافر إذا أراد الملائكة أن يخرجوها تتفرق في بدنه فلا يجمعونها إلا بالضرب، يضربونها من هنا وهناك، ثم يجمعون هذه الروح ويخرجونها. فإذا كان الميت يعذب في غمرات الموت بسبب فسوقه وكفره؛ فإنه يعذب في قبره من باب أولى. وهذا الوجه أفاده الشيخ حافظ حكمي في كتابه معارج القبول. والوجه الثاني: هو أن هذه الآية فسرت بآية أخرى في سورة محمد، وهي قول الله عز وجل: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [محمد:27]. فقالوا: إن الضرب على الوجوه والأدبار من الملائكة للفاسقين والكافرين يكون بعد الموت وقبل الدفن. ووجه الدلالة حينئذ هو: أنه إذا كان الميت يعذب قبل دفنه فبعد دفنه من باب أولى. وهذا أفاده الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري في كلامه على هذه الآية. وقال الله عز وجل: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة:101]. والمرتان الواردتان في الآية ليس المقصود بهما الآخرة. والدليل على ذلك قوله تعالى: {ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة:101]. فعندنا في هذه الآية ثلاثة أنواع من العذاب: العذاب الأول، والعذاب الثاني، والعذاب الثالث يكون في الآخرة؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة:101]. فأخبرت الآية أنه يعذبهم مرتين ثم بعدها يردون إلى العذاب العظيم. والعذاب العظيم يكون في الآخرة يوم القيامة. وأما المرتان فقال المفسرون فيها: إنهما عذاب في الدنيا وعذاب في القبر. وقد روى ابن أبي حاتم والطبري عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: العذاب الأول في الدنيا، والعذب الثاني في القبر. وروي عن غيره أنه قال: العذاب الأول بالجوع والقتل، والعذاب الثاني في القبر. ولهذا قال الحافظ ابن جرير الطبري المفسر المشهور: إن كل الآثار الواردة في تفسير المرتين متفقة على أن الثاني منهما عذاب القبر، واختلفوا في الأول. فبعضهم على أنه في الدنيا بشكل عام، وبعضهم يجعلها بالقتل والسبي، وبعضهم يجعلها بالجوع والفقر، وما إلى ذلك. وكلها تجمع على أن العذاب الأول في الدنيا، والعذاب الثاني يكون في القبر. وهذا دليل صريح واضح على أن الناس يعذبون في قبورهم.

الأحاديث النبوية الدالة على عذاب القبر ونعيمه

الأحاديث النبوية الدالة على عذاب القبر ونعيمه وأما في السنة فقد ثبتت الأحاديث في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر من اثنين وثلاثين صحابياً. منهم عمر بن الخطاب، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وابن عباس. ففي حديث ابن عباس المشهور في الصحيحين: (عندما مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين وقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الثاني فكان يمشي بين الناس بالنميمة). وروي أيضاً عن البراء بن عازب، وعن عدد كبير من الصحابة. وقد ساق هذه الأحاديث مفصلة الشيخ حافظ حكمي في كتابه معارج القبول عن هؤلاء الثلاثين جميعاً. وهي جميعاً متفقة على أن الناس يعذبون أو ينعمون في قبورهم. ولهذا قال الشيخ حافظ حكمي في كتابه معارج القبول: بأن أحاديث عذاب القبر ونعيمه بلغت حد التواتر المعنوي. والتواتر هو: نقل جماعة عن جماعة يستحيل في العادة أن يتواطئوا على الكذب، وأسندوه إلى شيء محسوس. وهنا قد نقل جماعة كثيرة عن جماعة كثيرة، وأسندوه إلى شيء محسوس، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم وإخباره. والتواتر ينقسم إلى قسمين: تواتر لفظي. وتواتر معنوي. فأما التواتر اللفظي فهو: أن يتواتر حديث بلفظ معين. كقوله صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار). وأما التواتر المعنوي فهو: أن ترد مجموعة أحاديث بأوجه مختلفة، وكلها تدل على معنى واحد. ومن التواتر المعنوي مثلاً المسح على الخفين، ورؤية الله عز وجل يوم القيامة، وأحاديث النزول، وأحاديث العلو، وأحاديث عذاب القبر ونعيمه.

المنكرون لعذاب القبر ونعيمه

المنكرون لعذاب القبر ونعيمه وأنكر الخوارج والمعتزلة عذاب القبر ونعيمه. وقالوا: إن الناس لا يعذبون في قبورهم. ومن الجهمية الذين أنكروا عذاب القبر ونعيمه بشر بن غياث المريسي المشهور الذي رد عليه السلف. فقد رد عليه عثمان بن سعيد الدارمي. وليس هو صاحب السنن بل صاحب السنن هو عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي. وأما عثمان فهو المصنف في العقائد، وله كتاب: الرد على الجهمية، وكتاب رد عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد. فالشاهد: أن الخوارج والمعتزلة نفوا عذاب القبر ونعيمه. وكذلك العقلانيون عموماً لا يثبتون عذاب القبر ونعيمه.

الرد على استدلال منكري عذاب القبر بآية سورة الدخان

الرد على استدلال منكري عذاب القبر بآية سورة الدخان ٍوقد استدل الخوارج والمعتزلة على إنكارهم لعذاب القبر ونعيمه بثلاثة أدلة: الدليل الأول: قول الله تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولَى} [الدخان:56] فقالوا: معنى هذا: أنهم إذا كانوا يعذبون في قبورهم فسيذوقون أكثر من موتة. وهذا مخالف للآية. والجواب على هذا بسيط وسهل وهو: أن هذه الآية وردت في أهل الجنة، وليس في أهل القبور. ولهذا فطريقة أهل البدع دائماً هي: أنهم يأتون بالنصوص ويضعونها في غير موضعها ويشبهون على الناس بذلك. فينبغي على الدعاة إلى الله عز وجل أن يميزوا ويفصلوا.

الرد على استدلال منكري عذاب القبر بآية سورة فاطر

الرد على استدلال منكري عذاب القبر بآية سورة فاطر ومما استدلوا به قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22]. فقالوا: إن الله عز وجل نفى أن يكون أحد يسمع من في القبور. ولو كان أهل القبور أحياء ويعذبون وينعمون لسمعوا. وهذا المعنى باطل؛ لأنه لا يلزم من وجود الحياة وجود السمع. فبعض الأحيان قد ينام النائم بجانبك وتتكلم أنت مع شخص آخر وهو لا يسمع مع أنه حي قطعاً. وبعض الأحيان لا يسمع الإنسان لبعد مكانه. فمثلاً: من يعيش الآن في المغرب الإسلامي لا يسمع كلامنا الذي نتكلمه. فعدم السماع ليس دليلاً على عدم الحياة. والله عز وجل لما خلق الخلق وخلق الحياة الدنيا جعل لها طبيعة خاصة بها، وجعل للبرزخ طبيعة خاصة به، وجعل للحياة الآخرة طبيعة خاصة بها. وجعل بين هذه الثلاث فروقاً وحواجز. ومسألة هل الأموات في قبورهم يسمعون أو لا يسمعون مسألة مشهورة عند أهل العلم، اختلف فيها أهل العلم بناءً على الأدلة الواردة فيها. وقد كان اختلاف السلف رضوان الله عليهم في هذه المسألة اختلافاً بسيطاً لا يترتب عليه ما رتبه عليه أهل البدع، وذلك لوجود أدلة تنفي السماع وأخرى تثبته؛ ولهذا أعدل الأقوال في هذه المسألة هو ألا يقال: إنهم يسمعون مطلقاً، أو لا يسمعون مطلقاً. وإنما يقال: إنهم يسمعون في ما ورد النص فيه بأنهم يسمعونه، كرد السلام مثلاً، وكأهل قليب بدر لما وقف عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً. قالوا: يا رسول الله! تكلم جيفاً قد بليت؟ قال: ما أنتم بأسمع لكلامي منهم، لكنهم لا يجيبون). ووردت أيضاً بعض الأحاديث التي تدل على أن بعض الموتى يسمعون. ولكن هذا لا يعني أن هذا السماع سماع مطلق. وهذا هو الصحيح من كلام أهل العلم. ثم جاء أهل البدع ورتبوا على هذه المسألة أمرين: الأمر الأول: أن بعضهم أنكر عذاب القبر ونعيمه؛ لظنهم بأنهم لا يسمعون. وليس في هذا أي وجه لنفي عذاب القبر. وإذا افترض أنهم لا يسمعون فهذا لا يعني أنهم لا يعذبون في قبورهم، فقد يكون بيننا وبينهم حاجز فلا يسمعون، كحاجز البعد مثلاً، وهكذا. وجاءت طائفة أخرى من أهل البدع أثبتوا أنهم يسمعون ورتبوا على ذلك أنه يستغاث بهم، ويدعون من دون الله، فاصبحوا يقولون: مدد يا فلان، أو يقولون: إن فلاناً يشفع لنا عند الله عز وجل. ونحو ذلك من الشركيات. وليس بين هذا وذاك أي ارتباط. فإنهم إذا سمعوا في قبورهم فهذا لا يعني بالضرورة أنهم لا بد أن يدعوا ويستغاث بهم!! بل لو كانوا أحياءً في الدنيا لما جاز أن يدعوا فكيف إذا كانوا أمواتاً في القبور؟!! فإذا قيل: إنه في قبره له علاقة بالدار الآخرة، قلنا: وإذا كان له علاقة بالدار الآخرة فلا يلزم من هذا أن يُستغاث به ويطلب منه المدد، ونحو ذلك؛ لأن هذا من الشرك.

الرد على استدلال منكري عذاب القبر بانتفاء حركة الميت

الرد على استدلال منكري عذاب القبر بانتفاء حركة الميت الدليل الثالث الذي استدلوا به: أن الإنسان إذا مات ودفن فإنه يبقى سنيناً طويلة لا يتحرك. وقال بعض الفلاسفة: إن الزئبق هو أشد المواد حركة إذا وُجد ما يحركه. وعندما يوضع الزئبق على بدن الميت فإن هذا الميت لا يتحرك. وبناءً عليه فإن الزئبق سيبقى في نفس المكان سنيناً طويلة. ولو كان يعذب في قبره كما ورد في الحديث: من أنه يسأل ويضرب ويصيح ويوسع له قبره ويأتيه من روحها وريحانها ويضحك ويتحرك لتحرك هذا الزئبق الذي عليه. وهذا القول قول فاسد من حيث العقل؛ لأن هذا الكلام الذي نقوله عن عذاب القبر ونعيمه وعن الغيبيات جاءنا من الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. والرسول صلى الله عليه وسلم ثبت صدقه عندنا بما لا يدع مجالاً للشك. فقد ثبت صدق الرسول صلى الله عليه وسلم بشكل لا نظير له. ومن ذلك: أن الوحي الذي جاء به الرسول ونسبه إلى الله عز وجل يدل على صدقه بشكل مؤكد، حيث أنه أخبر فيه عن مغيبات ستقع فوقعت. وأخبر فيه عن أمور في طبيعة البشر فثبت بالدليل العلمي الآن أنها صحيحة. وأيضاً: معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وآياته التي جاء بها مثل انشقاق القمر نصفين، ونبع الماء من بين أصابعه. وفي ذات الوقت فالرسول صلى الله عليه وسلم ليست طبيعته كطبيعة السحرة والكهنة. وقد يقول قائل مثلاً: انفلاق القمر نصفين يفعله السحرة والكهنة، فنقول: السحرة والكهنة لهم طبيعة خاصة، فتجد فيهم الكذب والوسوسة والحمق، وغيرها من الأمور، بينما هذه الأشياء ليست موجودة في الرسول صلى الله عليه وسلم. فالرسول صلى الله عليه وسلم إنسان مستقيم الفطرة والطبع، ولم يحفظ عليه خطأ، أو تصرف غير طبيعي، وإنما كانت تصرفاته جميعاً طبيعية، وكانت أخلاقه كريمة، وكان صادقاً لا يكذب. ومع هذا جاء بهذا الوحي العجيب الخارق، فلا يصح عقلاً أن يكون غير صادق. والدليل على هذا قصة هرقل في حديث ابن عباس الطويل لما أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً مع عمرو بن أمية الضمري، وفيه: (من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، السلام على من اتبع الهدى، اسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن كفرت فإن عليك إثم الأريسيين {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ} [آل عمران:64]). فلما وصلته هذه الرسالة قال: اطلبوا لي أحداً من العرب في بلاد الشام، فجيء له بـ أبي سفيان ومجموعة -يصلون إلى العشرين- من أهل مكة. فقال: من أقربكم نسباً من هذا الرجل الذي يدعي أنه نبي؟ قال أبو سفيان: أنا. قال: تقدم. فتقدم. ثم قال له: إن سائلك عن هذا الرجل فإن كذب فكذبوه. فسأله أسئلة شاملة لأحوال الرجل من كل جهاته. فسأله عن دعوة النبي، وعن طبيعته الشخصية، وعن علاقته بهم، وعن تاريخه. فسأله: هل يكذب؟ قال: لا قال: هل يغدر؟ قال: لا وهذه الأسئلة عن الطباع الشخصية. وسأله عن التاريخ وعن الواقع الموجود، فقال: هل هناك من آبائه من ملك؟ قال: لا. قال: هل هناك أحد منكم جاء بهذه الدعوة قبله؟ قال: لا. وسأله أيضاً عن دعوته، فقال: بماذا يأمركم؟ قال: يأمرنا بأن نعبد الله ولا نشرك به شيئاً، وبالصبر والصدق والعفاف، والبعد عن الزنا والكذب. ثم استدل من هذا كله أنه نبي. ولهذا قال: إنه لنبي، وإن كان ما تقولون حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين. ولو ظننت أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولغسلت عن قدميه وشربت مرقتها. فقد عرف أنه نبي. لأن أحواله تدل على نبوته. وإذا ثبتت النبوة للرسول صلى الله عليه وسلم فيلزمنا الإيمان بها وتصديقها. وأركان النبوة أربعة: تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع. كما ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. ويمكن أن ترد هذه الأربع إلى ثلاثة: التصديق والاتباع والانقياد. فالتصديق يعني: لخبره. والاتباع يعني: لمنهجه وطريقته. والانقياد يعني: لأمره من جهة الفعل، ولنهيه من جهة الترك.

كيفية إقامة الحجة على منكر عذاب القبر ونعيمه

كيفية إقامة الحجة على منكر عذاب القبر ونعيمه ومن ينكر عذاب القبر ونعيمه لا يخلو من حالين: الحال الأول: أن يكون من المسلمين أو ممن ينتسب إلى الإسلام. والحال الثاني: أن يكون من غير المسلمين. فإذا كان من المسلمين فنقول له: إذا أقررت بنبوة النبي فلا بد أن تلتزم بما أخبر به. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بوجود عذاب القبر ونعيمه. وقبل ذلك أخبر القرآن الكريم به. وأما إذا كان كافراً لا يؤمن بالنبوة ولا يؤمن بالله فنثبت له أولاً صدق النبي. والأدلة على صدقه كثيرة جداً. فإذا أثبتنا له صدقه بحيث لا يكون هناك مجال للشك في صدقه فنقول: إن هذا الصادق أخبر بعذاب القبر ونعيمه فيلزمنا الالتزام بما أخبر به وتصديقه.

منكرو اليوم الآخر والبعث

منكرو اليوم الآخر والبعث

المشركون

المشركون وأما بالنسبة لليوم الآخر بشكل عام فالمنكرون له هم المشركون. كما قال الله عز وجل: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن:7]. وكقوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78]. إلى آخر الآيات. فقد كان كفار المشركين ينكرون البعث، حتى أنهم كانوا يقولون: أموت ثم بعث ثم حشر حديث خرافة يا أم عمرو يعني: إن الحياة بعد الموت وحشر الناس حديث خرافة. وأصل كلمة حديث خرافة عند العرب أن رجلاً كان يسمى خرافة زعم أنه أخذته الجن ثم جاء إلى الناس يحدثهم بغرائب وعجائب، فأصبح كلامه مثلاً فيقال: هذا حديثه حديث خرافة يعني: أن حديثه هذا فيه غرائب كحديث خرافة الذي زعم أنه أخذته الجن. ولهذا كانوا يقولون: حديث خرافة يا أم عمرو وكانوا يقولون: ما هي إلا أرحام تدفع -يعني: للدنيا- وأرض تبلع -يعني: في القبور- ولا يهلكنا إلا الدهر. وكانوا ينكرون أن يبعث الناس لرب العالمين يوم القيامة.

الفلاسفة والباطنية

الفلاسفة والباطنية وقد أنكر اليوم الآخر الفلاسفة والباطنية. أما الفلاسفة فمثل ابن سيناء والفارابي ونحوهما كانوا ينكرون بعث الأجساد ويقولون: إن الأجساد لا تبعث يوم القيامة؛ لأنها تفتت وتصبح ذرات تتكون منها مخلوقات أخرى، فلا تعود مرة أخرى. وقد كفر أهل العلم الفلاسفة لثلاثة أمور: الأمر الأول: بأنهم قالوا بقدم العالم. والأمر الثاني: قالوا بإنكار علم الله بالجزئيات. والأمر الثالث: أنكروا البعث الجسماني. وقالوا: إنما هو للأرواح فقط. ويفسر الفلاسفة عذاب الآخرة للأرواح بقولهم: إن الروح بعد أن يموت الجسد ويتفرق إذا كانت منعمة انتقلت إلى شخصية منعمة ومبسوطة في الدنيا، وإذا كانت معذبة كأن يكون صاحبها قد ظلم الناس في الدنيا انتقلت إلى شخص فقير معذب. وأما الباطنية فيفسرون البعث والقيامة بأنه انتقال روح الشخص المعذب إلى روح كلب أو خنزير مثلاً، أو حيوان معذب يطرد ويؤذى ويجرح ونحو ذلك. ويعتقدون أن الشخصية المنعمة تنتقل إلى حيوان آخر ينعم ويعتنى به ويغسل ويكون له من أحسن ما يكون. ويقولون: الروح هي الروح هنا وهناك، سواء كانت في جسد إنسان أو كانت في جسد حيوان فهي هي. وحينئذ تعذب هناك أو تنعم هناك، ولا شك أن هذا كفر بالله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

المراد بالشهداء الذين لا يفتنون في قبورهم

المراد بالشهداء الذين لا يفتنون في قبورهم Q هل المقصود بالشهداء الذين لا يفتنون في القبور: هم الذين يقاتلون في سبيل الله فقط، أم يتعداهم إلى بقية أصناف الشهداء كفريق البحر مثلاً؟ A المقصود بالشهداء هم الذين يقتلون في سبيل الله، وهذا ظاهر النص؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كفى ببارقة السيوف)، وبارقة السيوف هو: الجهاد.

فتنة الأعلى منزلة من الشهيد في القبر

فتنة الأعلى منزلة من الشهيد في القبر Q الصديقون أعلى مرتبة من الشهداء؛ فهل يفتنون؟ A من كان أعلى مرتبة من الشهداء كالصديقين فيرى بعض أهل العلم: أنهم لا يفتنون. ويرى آخرون أنهم يدخلون في العموم.

المراد بقوله تعالى في الحديث القدسي: (وما ترددت) وقوله: (وأنا الدهر)

المراد بقوله تعالى في الحديث القدسي: (وما ترددت) وقوله: (وأنا الدهر) Q ما هي القاعدة في مثل هذه الأحاديث، وما هو تفسيرها: (وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبد مؤمن يكره الموت وأكره مساءته)، رواه ابن أبي عاصم في السنة، وقال شيخ الإسلام في الفتاوى: رواه البخاري. وحديث: (يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر)؟ وهل هي مثل بقية أحاديث الصفات؟ وهل يستخرج منها أسماء الله تعالى؟ A أما الحديث الأول، وهو قوله: (ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبد مؤمن). فليس المقصود بالتردد هنا التردد في الإرادة، وإنما المقصود به كما فسره في الحديث: أنه يكره الموت وأكره مساءته. يعني: أن صورة الحال هي صورة تردد، وإلا فإن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بالتردد الذي يوصف به العباد، وهو عدم الإقدام على الفعل للجهل به وبعاقبته. فهذا لا يمكن أن ينسب لله عز وجل. وإنما المقصود بالتردد هو: أن هذا العبد يحبه الله، وهذا العبد يكره الموت، والله عز وجل إذا أحب عبداً كره ما يكره. ولكن سابق قضاء الله عز وجل هو أن يموت. ففيها أمران: سابق قضاء الله عز وجل. والأمر الثاني: أن الله يكره ما يكرهه العبد. فهذه هي صورة التردد، ثم الله عز وجل يمضي قضائه السابق. فليس التردد الوارد في الحديث هو التردد الذي يحصل عند الناس؛ لأن الإنسان في بعض الأحيان مثلاً يتردد في شراء الشيء أو تركه؛ للجهل بقيمته، والله عز وجل عالم بكل شيء سبحانه وتعالى. وحينئذ فالقاعدة في هذا الموضوع هي: أن ترد الأحاديث المشكلة إلى الأحاديث المحكمة الواضحة. وثبوت العلم لله عز وجل واضح لا إشكال فيه، وثبوت إرادته وفعله لا إشكال فيه أيضاً. فإذا ورد حديث ظاهره أنه مناقض لصفة العلم فلا بد أن يفسر بما يوافق هذه الصفة، وأن يفهم من السياق العام في هذا النص. فمثلاً: هذا الحديث واضح مشروح في نفس الحديث. قال فيه: (يكره الموت وأنا أكره مساءته). فهو مفسر في هذا الحديث. ومثله: حديث الدهر، قال: (يسب ابن آدم الدهر، وأنا الدهر أقلب الليل والنهار). ففسر معنى قوله: (وأنا الدهر)، يعني: وأنا خالق الدهر؛ لأن الله ليس هو الدهر قطعاً. وإنما الدهر الليل والنهار الذي نعيش فيه. ولا يقول عاقل عرف الآيات والأحاديث الواردة في تميز الله سبحانه وتعالى عن خلقه، وما ثبت له من الصفات والأسماء العلى: إن الله هو نفسه حقيقة الدهر. وإذا تصورنا أن هذا الحديث يدل على هذا المعنى فإننا نفسره على تقدير حذف مضاف، وهذا معتاد في لغة العرب، ومن الأمثلة على ذلك: قول الله عز وجل: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [يوسف:82]، والجمال لا تسأل، فلا يأتي شخص يترك الناس ويسأل الجمال ويقول: هذا هو المفهوم من ظاهر النص؛ لأن العير المقصود به القافلة التي يوجد فيها ناس يوجهونها. وهذا هو المقصود. والقرية هي التي يوجد فيها أشخاص يعيشون فيها، ونحو ذلك. وهذا يدل عليه السياق. قال: (وأنا الدهر أقلب الليل والنهار) يعني: وأنا خالق الدهر؛ يعني: كيف يسب الدهر وأنا خالقه؟ فلا يصح أن يسبه أحد وأنا خالقه. وقوله: (أقلب الليل والنهار)، شرح لقوله: (وأنا الدهر). فمثل هذه النصوص يرجع فيها إلى كلام أهل العلم ولا يستعجل في تفسيرها. وفي كتاب القواعد المثلى للشيخ محمد بن صالح العثيمين، قاعدة في هذا الموضوع وضحها وذكر أمثلة كثيرة عليها، وبينها بياناً شافياً، فجزاه الله خيراً.

ما يسأل عنه أفراد الأمم السابقة في قبورهم

ما يسأل عنه أفراد الأمم السابقة في قبورهم Q هل فتنة الأمم السابقة تكون في السؤال عن الرب والدين والنبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ A تكون عن الرب والدين وعن نبيهم الذي أرسله الله عز وجل لهم.

سؤال القبر وشموله للمتعلم والجاهل

سؤال القبر وشموله للمتعلم والجاهل Q هل الامتحان يشمل المسلم المتعلم والجاهل؟ A يقول الله عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم:27] يعني: سواءً كان جاهلاً أو متعلماً، فهذه لا يحتاج لها علم. وهي من العقائد الأساسية الطبيعية العادية. وهل أحد من المسلمين لا يعرف أن الرب هو الله؟ فلو جهل ذلك لكان غير مسلم أصلاً. وكذلك الدين، والإسلام والنبوة. وهذه الثلاثة فصلها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب الأصول الثلاثة. والأصول الثلاثة هي: معرفة العبد ربه، ونبيه ودينه ففصلها الشيخ محمد بن عبد الوهاب تفصيلاً بيناً في الأصول الثلاثة.

الرد على المنكرين لحياة البرزخ بدعوى انتفاء حركة أجساد الموتى

الرد على المنكرين لحياة البرزخ بدعوى انتفاء حركة أجساد الموتى Q كيف نرد على العقلانيين في قولهم: إن الأجساد لا تتحرك؟ A الغيبيات لا يصح أن تحاكم إلى الحسيات. بل لا بد فيها من التصديق الجازم بخبر الرسول صلى الله عليه وسلم. فإذا كان الإنسان مؤمناً بالنبوة فلا شك أنه سيصدقها حتى ولو لم ير بعينه. وهناك ردود تفصيلية أخرى ذكرها بعض أهل العلم وهي: أنه لا يلزم من عدم الحركة الآن في الدنيا عدم ما يترتب عليها من العذاب. فالنائم مثلاً: يحلم بأحلام مزعجة ومؤذية، ويشعر أنه مطارد وأنه سيقتل، وهو نائم لا يتحرك. ثم إذا استيقظ أخبر الناس بذلك وهم لم يروا شيئاً يدل على هذا. فالشاهد: أن العمدة الأساسية في الرد هو أن نقول: هل تثبتون النبوة أو لا؟ فإن أثبتوا النبوة لزمهم الإقرار مباشرة؛ فكيف يكذبون النبي الذي أخبر بذلك؟ وإذا كانوا لا يثبتون النبوة فيقال لهم: نبوة النبي ثابتة بالأدلة، وهي كذا وكذا وما يتبع ذلك.

حكم الاستغاثة بصفات الله تعالى

حكم الاستغاثة بصفات الله تعالى Q في الحديث المشهور: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث)، كيف تكون الاستغاثة بصفة من صفات الله تعالى؟ A الاستغاثة بصفة من صفات الله عز وجل جائزة، وهي مثل الاستعاذة بكلماته كما في الحديث: (أعوذ بكلمات الله التامات).

معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وما يعذبان في كبير)

معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وما يعذبان في كبير) Q يقول: هل قوله: (وما يعذبان في كبير)، يعني: أن النميمة ليست كبيرة؟ A لا. وإنما المعنى: لا يعذبان في عمل كبير يشق عليهم عمله. ولهذا ورد في بعض الألفاظ: (ما يعذبان في كبير، بلى، إنه كبير)، يعني: كبير من جهة الإثم. وقوله: (ما يعذبان في كبير)، يعني: أنه من جهة العمل بسيط يمكن التحرز منه.

الرد على مثبت عذاب القبر ونعيمه للأرواح دون الأجساد

الرد على مثبت عذاب القبر ونعيمه للأرواح دون الأجساد Q ألا يمكن الرد على العقلانيين في إنكارهم لعذاب القبر في قولهم بمسألة الزئبق: بأن العذاب هو عذاب الأرواح لا عذاب الأجسام؛ لأن الأجسام تبلى وتكون تراباً؟ A لا؛ لأن الذي يعذب في القبر الأجسام والأرواح أيضاً. وهناك قاعدة ذكرها أهل العلم في علاقة الروح بالجسد بالنسبة للحياة في الدنيا والبرزخ. ففي الحياة الدنيا العمل مبني على الجسد والروح تابعة له. أما في القبر فالعكس. فالروح هي الأصل والجسد تابع لها. فالعذاب يكون على الروح والجسد في القبر. وهذا هو قول جمهور أهل العلم وهو الصحيح الذي عليه العمدة.

الجمع بين عقيدة أهل السنة في عدم في تكفير القاتل وقوله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا)

الجمع بين عقيدة أهل السنة في عدم في تكفير القاتل وقوله تعالى: (ومن يقتل مؤمناً) Q كيف نجمع بين قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء:93] وبين قول المؤلف: إن عقيدة أهل السنة والجماعة أنه لا يكفر القاتل؟ A قصد المؤلف هنا: أنه لا يكفر مرتكب الكبيرة. ويقول أهل العلم في تفسيرهم لهذه الآية: إن الخلود نوعان: خلود بمعنى: طول المكث. وخلود بمعنى: التأبيد. فالوارد في هذه الآية معناه: طول المكث. فمعنى الآية: أنه من طول مكثه في النار - والعياذ بالله - وهذا يشبه الذي يكون خالداً في النار.

مدة عذاب القبر

مدة عذاب القبر Q هل عذاب القبر دائم أم لا؟ A بالنسبة للكفار فعذاب القبر عليهم دائماً، وبالنسبة لعذاب المسلمين فهو بحسب أعمالهم، فيعذبون بقدر ذنوبهم، ثم ينعمون بعد ذلك.

العذاب بالنار وحصوله بعد عذاب القبر

العذاب بالنار وحصوله بعد عذاب القبر Q المؤمن العاصي قد يعذب في قبره، فهل يعذب مرة ثانية في جهنم، وقد قال تعالى: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} [الأنعام:160]؟ A الله عز وجل عادل. فإذا عذب عبده في قبره بمقدار ذنوبه جميعاً فلا يعذبه في الآخرة مرة أخرى، وإذا عذبه في قبره ببعض الذنوب فيعذبه في الآخرة ببعضها الآخر. وقد لا يعذب في قبره ويعذب في الآخرة بجميع ذنوبه. ولكنه لا ينعم قبل ذلك. وهذا كله راجع إلى حكمة الله عز وجل وإرادته سبحانه وتعالى.

كيفية تفسير نزول الله مع اختلاف وقت ثلث الليل الآخر بين البلدان

كيفية تفسير نزول الله مع اختلاف وقت ثلث الليل الآخر بين البلدان Q يتفاوت ثلث الليل من دولة إلى دولة أو من منطقة إلى منطقة، فكيف يكون نزول الله؟ A من عقيدة أهل السنة أنهم لا يسألون عن كيفية الصفات؛ لأن كيفية الصفات لا نعلمها أصلاً؛ لأننا لم نرها ولم يخبرنا الرسول بكيفيتها. فنحن نؤمن بيد الله ولا نعرف كيفيتها، ونؤمن بقدم الله ولا نعرف كيفيته، ونؤمن بعيني الله ولا نعرف كيفيتها، ونؤمن بصوت الله وكلامه ولا نعرف كيفيته. فالكيفية غير معلومة لدينا. وهذا الإنسان الذي تخيل هذه الشبهة كان أساس مشكلته أنه يريد أن يعرف الكيفية. ولهذا إذا قطع الطمع في معرفة الكيفية فإنه يزول عنه الإشكال. ونحن لا ندري كيف ينزل. وإنما نؤمن أنه ينزل مع اختلاف الليالي واختلاف المناطق. ولكن إذا تخيلت أنه ينزل ويطلع مثل الإنسان فتكون قد شبهت الله عز وجل بخلقه، وهذا لا يجوز. فلا يجوز لنا أن نتصور كيفية صفات الله. فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يخبرنا عن كيفية صفات الله ونحن لم نرها؛ لأنها من الغيب. وصفات الله لها كيفية لا نعرفها، والله أعلم بها. وإنما نثبتها؛ لأن القرآن أخبرنا أن لله صفات، وبين أن هذه الصفة غير هذه الصفة، فعلم الله غير يد الله غير قدم الله وهكذا. وأما تحديدها وطبيعتها فلا نعرفها؛ لأنها من الغيبيات. ولا يجوز التفكير فيها؛ لأن الله عز وجل يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]. فخير للإنسان ألا يفكر في هذا الأمر فهو مضيعة للوقت، ومأثم أيضاً على الإنسان.

العقيدة الواسطية [17]

العقيدة الواسطية [17] يتصل بالإيمان باليوم الآخر الإيمان بالبعث والمعاد, فهو مما يجب على المكلف اعتقاده وتصديقه, كما ثبتت بكيفيته النصوص المتظافرة, وكذلك الإيمان بالموازين, ونشر صحف الأعمال, والحساب, والحوض, وغير ذلك من أمور اليوم الآخر.

مسائل في الإيمان باليوم الآخر

مسائل في الإيمان باليوم الآخر

الخلاف في استمرار عذاب القبر إلى البعث

الخلاف في استمرار عذاب القبر إلى البعث بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. أما بعد: فممن بحث موضوع اليوم الآخر الإمام القرطبي رحمه الله في كتابه (التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة)، وأيضاً الشيخ حافظ حكمي في المجلد الثاني من كتابه (معارج القبول)، فقد بحثا موضوع القيامة الكبرى بحثاً مفصلاً، وذكرا كثيراً من آيات التحدي وغيرها في هذه المسألة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم بعد هذه الفتنة -يعني: فتنة القبر- إما نعيم وإما عذاب إلى أن تقوم القيامة الكبرى]. في هذا المقطع مسألتان، المسألة الأولى هي مسألة: هل عذاب القبر ونعيمه مستمر إلى القيامة الكبرى أم أنه ينقطع؟ والحقيقة: أن عذاب الكفار مستمر كما هو معلوم، وأما المسلمين ممن لم يكفروا بالله عز وجل فيعذبون بقدر أعمالهم وبقدر ما يقدر الله سبحانه وتعالى عليهم من العذاب، وعذابهم ليس مستمراً، كما قال بعض الشراح، وقال بعضهم: إن عذاب الكفار ليس مستمراً، وبالتالي يكون عذاب المسلمين أولى من ذلك، ولا يكون مستمراً، واستدل على ذلك بقوله سبحانه وتعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46]، ففي هذه الآية إشارة إلى أن الكفار يُعرضون على النار مرتين في اليوم، وقت الغدو، ووقت العشي، ووقت الغدو بعد الفجر، والعشي آخر النهار بعد العصر، وفهم منها بعضهم: أن المقصود من قوله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر:46]، يعني: باستمرار، والحقيقة أن هذه الآية تشير فعلاً إلى أن الكفار لا يستمر عذابهم في القبر بشكل دائم؛ ولهذا جاء في قوله سبحانه وتعالى عنهم: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس:52] فإن بعض العلماء فهم من هذه الآية أن عذاب الكفار في القبر ليس مستمراً، وعلى كل حال ليس هناك كبير إشكال في كونه مستمراً أو غير مستمر، وهذا الأمر عائد إلى الله عز وجل إن شاء عذبهم عذاباً مستمراً، وإن شاء لم يُدم عليهم العذاب، ولكنهم لا ينعمون باتفاق؛ لأن الكافر لا يمكن أن ينعم أبداً.

القيامة الكبرى والقيامة الصغرى

القيامة الكبرى والقيامة الصغرى والمسألة الثانية: هي في قوله: القيامة الكبرى، فإن الوصف بقوله: الكبرى دليل على أن هناك قيامة صغرى، وهذا صحيح، فإن القيامة تنقسم إلى قسمين: قيامة صغرى، وقيامة كبرى. أما القيامة الصغرى: فهي قيامة الإنسان نفسه، ويكون ذلك بموته، فإن الإنسان إذا مات (قامت قيامته)، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. والقيامة الكبرى: هي قيامة الناس جميعاً، فإنهم يقومون لرب العالمين سبحانه وتعالى.

الإيمان بالبعث

الإيمان بالبعث قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فتعاد الأرواح إلى الأجساد، وتقوم القيامة التي أخبر الله بها في كتابه، وعلى لسان رسوله، وأجمع عليها المسلمون، فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة عراة غرلاً]. وقيام الناس من قبورهم: هو البعث. والبعث متفق عليه بين المسلمين، وليس هناك خلاف بين المسلمين على وقوعه، وكذلك وافق اليهود والنصارى المسلمين في ذلك، فهم يعتقدون أن الناس يبعثون من قبورهم ويحاسبون.

إنكار الكفار الوثنيين للبعث

إنكار الكفار الوثنيين للبعث وخالف في البعث طوائف: منهم الكفار الوثنيون، مثل: كفار قريش؛ فإنهم كانوا لا يعترفون بالبعث، بل كانوا يقولون: موت ثم بعث ثم حشر حديث خرافة يا أم عمرو ولهذا يقول الله عز وجل عنهم: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن:7]، وكانوا يقولون: إن لحوم الناس تتفرق، وعظامهم تتفتت، وحينئذ يصبحون ممزقي الأوصال ويكونون تراباً، فكيف يعودون مرة أخرى؟ والحقيقة: أنه يمكن الاستدلال عليهم بالعودة بما يعترفون به من أن الخلق الأول هو خلق الله عز وجل للناس، كما قال الله عز وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:25]، فهم يعترفون بأن الله هو الخالق الذي خلق الخلق سبحانه وتعالى، فإذا كان الله عز وجل هو الذي خلق الخلق فهو قادر على إعادته؛ لأن الإعادة أسهل من البدء. ولهذا استعمل مع المنكرين دليلاً عقلياً بقدرته سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس:78 - 79] فهذا برهان عقلي كاف لقطع حجة المنازعة لو أنه فكّر وتأمل.

إنكار الفلاسفة والباطنية للبعث

إنكار الفلاسفة والباطنية للبعث والطائفة الثانية المنكرة هي: الفلاسفة، والفلاسفة كفّرهم علماء أهل السنة لثلاثة أشياء: كفّروهم بقولهم بقدم العالم، وبإنكار علم الله في الجزئيات، وبإنكار المعاد الجسماني، حيث قالوا: إن الأجساد لا تعود مرة أخرى، ووافق الفلاسفة من المنتسبين إلى الإسلام كذباً وزوراً الباطنية، أمثال النصيريين والدروز والإسماعيليين، فالإسماعيليون -الذين هم البهرة وغيرهم- وافقوا الفلاسفة في إنكار البعث للإنسان. ثم اختلفوا في تفسير البعث فقال بعضهم: إن البعث يكون للأرواح، وهذه الدنيا لا تتغير، ولا تزول ولا تذهب، وإنما هو انتقال للروح من بدن إلى بدن آخر، فيعتقدون أن الأرواح محدودة، والأبدان كثيرة، وروحك أنت الآن كانت روحاً لبدن سابق، فإن كان البدن السابق عاصياً فإن روحه توضع في جسد معذّب، سواء كان إنساناً أو حيواناً، وفي عقائدهم: أن الكافر غير المؤمن تنتقل روحه إلى كلب معذّب مريض بالقروح وبالجروح، مطرود يجوع ويعطش ويذهب ويشقى، وأما الذي كان صادقاً وطيباً وصاحب أخلاق حسنة فإن روحه تنتقل إلى ملك معظّم في الأجيال القادمة، فإذا اشتهى شيئاً وأراده حصل له كما أراد. فهم يعتقدون أن هذه الدنيا لا تتغير وأن الناس إذا دفنوا لا يبعثون يوم القيامة من جديد، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيهم: إنهم أكفر من اليهود والنصارى.

عقيدة المسلمين في البعث وكيفيته

عقيدة المسلمين في البعث وكيفيته وأما عقيدة المسلمين: فهي الإيمان بالبعث كما أخبر تعالى في سورة التكوير بما يحدث لهذا العالم من تغيره وتبديله بعالم آخر. ثم ينزل الله عز وجل مطراً مثل مني الرجال -كما جاء في الحديث- فينبت الناس من قبورهم، كما تخرج النبتة الصغيرة من الأرض، فإذا خرجوا اجتمعوا في مكان واحد.

أرض المحشر

أرض المحشر وأرض الحشر هي بلاد الشام، وقد بين الله في سورة الحشر أن بني النضير طردوا من المدينة إلى أول الحشر، وقال المفسرون: إن أول الحشر بلاد الشام، فإنه لما خرج بنو النضير من المدينة ذهبوا إلى أرض الحشر، وهي بلاد الشام. فإن قيل: كيف تتسع بلاد الشام لهذه الجموع الكثيرة المجموعة من الأعصار المختلفة منذ زمن آدم إلى قيام الساعة؟ فنقول: إن الأرض تتغير وتتبدل ويمدها الله عز وجل، فتدك الجبال، وتصبح قاعاً صفصفاً، لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، كما أخبر الله عز وجل، فيجتمع الناس في هذا المكان عراة، ليس عليهم لباس، وحفاة: ليسوا منتعلين، وغرلاً: ليسوا مختونين كما كانوا من قبل، ويجتمع الرجال والنساء، قالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: (الأمر أعظم من أن ينظر بعضهم إلى بعض) وتدنو منهم الشمس قدر ميل، وسواء كان هذا الميل في السماء ميل المسافة، أو كان ميل المكحلة، فالمقصود: أن الشمس تكون قريبة جداً من الخلق. والإنسان في أثناء قراءته عن أحوال الآخرة لابد أن يضع في عقله أن أحوال الآخرة ليست كأحوال الدنيا، ولا تقاس بمقياس الدنيا، وعلماء الفلك اليوم يقولون: إن الشمس لو تقدّمت أمتاراً لأصبحت الأرض جمرة ملتهبة، أو ربما اختفت من شدة الحرارة، ولو تأخرت قليلاً لأصبحت الأرض جليداً واحداً من شدة البرودة. وفي يوم القيامة تدنو الشمس حتى تصير قدر ميل ولا تضر، يعني: لا تحرق أجساد العباد، وإنما يجلسون في هذا المكان خمسين ألف سنة كما أخبر الله عز وجل على هذه الحال، في مكان ضيق كثير الزحام، وهذا هو الحشر، ويصيبهم العرق فبعضهم يلجمه إلجاماً، وبعضهم يبلغ العرق منه إلى كعبيه، وبعضهم إلى ركبتيه، وبعضهم إلى حقويه، كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك. فإن قيل: كيف أن العرق يلجم بعضهم، ويصيب بعضهم إلى قدر الركبة، وبعضهم أقل من ذلك، وهم في مكان واحد؟ وهل يكون مثلاً الذين يلجمهم العرق في مكان، وغيرهم في مكان آخر؟ فنقول: الله أعلم، فإن أمور الآخرة لا تقاس بمقياس الدنيا.

نصب الموازين يوم القيامة

نصب الموازين يوم القيامة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فتنصب الموازين]. والموازين: جمع ميزان، والميزان: الآلة التي يوزن بها. والموازين عند الله عز وجل توزن فيها أعمال العباد، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الميزان له كفتان، وذلك في حديث صاحب البطاقة الذي يأتي على رءوس الخلائق فينشر له تسع وتسعون سجلاً كلها ذنوب ومعاص، وتوضع في كفة، ثم يقال: هل عملت خيراً؟ فيقول: لا. فيقال: بلى، إن لك خيراً عندنا، فتخرج له بطاقة مكتوب فيها: لا إله إلا الله، فتوضع في الكفة الأخرى فتطيش هذه الصحائف، وينجو هذا الإنسان، وهذا يدل على أن هذا الميزان له كفتان، وأن الأعمال توزن، كما قال الله عز وجل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:7 - 8]. والعمل يوزن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلمتان خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان) فأعمال العباد توزن، وكذلك صحفهم توزن، كما في حديث صاحب البطاقة، وكذلك السمين، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يؤتى بالرجل السمين يوم القيامة من أهل النار فيوضع في كفة الميزان فلا يزن عند الله عز وجل جناح بعوضة) وهذا هو ما أخبر الله عز وجل به في قوله: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف:105]. وليس بالضرورة أن يوزن كل الناس، ولكن بعضهم يوزنون. وأنكر المعتزلة وزن الأعمال، وقالوا: كيف توزن الأعمال مع أنها أعراض وليست أجساماً؟ وهذا يدل على ضلالهم، فإن الشرع لا يعترض عليه بالعقل، فإن الله عز وجل يجعل هذه الأعمال أجساماً ثم توزن بعد ذلك. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فتنصب الموازين، فتوزن بها أعمال العباد، {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون:102 - 103]، وتنشر الدواوين]. الدواوين: جمع ديوان، وهو الكتاب المدون، والإنسان يكتب عليه كل شيء كما قال الله عز وجل: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]، فيكتب عليه كل شيء، ويجده يوم القيامة، وتنشر هذه الدواوين يوم القيامة.

أصناف الناس في أخذ صحائف الأعمال

أصناف الناس في أخذ صحائف الأعمال قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتنشر الدواوين -وهي صحائف الأعمال- فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله، أو من وراء ظهره]. والشيخ هنا صنف الناس ثلاثة أصناف: فالأول: آخذ كتابه بيمينه، والثاني: بشماله، والثالث: من وراء ظهره، والحقيقة أنها تعود إلى صنفين: آخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره؛ لأن الذي يأخذ كتابه بشماله فإنه يأخذه بشماله من وراء ظهره. فأصناف الناس يوم القيامة تعود إلى صنفين: مؤمن وجبت له الجنة، وكافر وجبت له النار، والمنافق يكون تبعاً للكافر؛ لأنه في الدرك الأسفل من النار، وحينئذ فالكافر يأخذ صحيفته بشماله من وراء ظهره، والمؤمن يأخذها بيمينه. قال المؤلف رحمه الله: [كما قال سبحانه وتعالى: ((وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ)). والمراد بالطائر: العمل الذي طار منه، فالإنسان إذا عمل عملاً طار منه، سواء خيراً أو شراً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [{وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء:13 - 14]]. وقد أخبر الله عز وجل أن البعض يأخذ كتابه بيمينه، والبعض يأخذ كتابه بشماله من وراء ظهره في سورة الانشقاق كما تعلمون. قال: [ويحاسب الله الخلائق] كما في سورة الانشقاق.

كيفية حساب المؤمنين والكفار يوم القيامة

كيفية حساب المؤمنين والكفار يوم القيامة قال: [ويخلو بعبده المؤمن فيقرره بذنوبه، كما وصف ذلك في الكتاب والسنة، وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته؛ فإنه لا حسنات لهم، ولكن تعد أعمالهم وتحصى، فيوقفون عليها ويقررون بها]. والحساب ينقسم إلى قسمين: حساب المسلمين، ولفظ المسلمين يشمل المؤمنين الصادقين، ويشمل أيضاً الفساق ممن لم يرتفع عنهم اسم الإسلام، وحساب الكفار. فأما حساب المسلمين فإنه نقاش وليس فيه محاسبة، وإنما يأذن الله لكل عبد مسلم ويقرره بذنوبه ويقول: هل تعرف ذنب يوم كذا؟ وذنب كذا يوم كذا وكذا؟ ثم يعفو عنه الله عز وجل ويدخله الجنة، ولا ينجو ويخرج من هذا الحساب إلا السبعون ألفاً الذين في حديث ابن عباس، وفيه: (مع كل ألف)، وفي رواية: (مع كل واحد سبعون ألفاً)، هؤلاء يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب ولا عذاب. وأما حساب الكفار فليس حساب نقاش، وإنما هو بيان لأعمالهم، وليس وزناً لهم، ولا تعداداً للحسنات وللسيئات؛ لأنهم لا حسنات لهم، بل أعمالهم باطلة، كما قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم:18] فهم ليست لهم أعمال صالحة، ولكن حسابهم تقرير لأعمالهم ولذنوبهم حتى يعلموا، ومن أنكر منهم شهد عليه بدنه، ثم يساقون إلى جهنم وبئس المصير. ومسألة الفرق بين حساب المسلمين وبين حساب الكفار اختلف فيها العلماء، هل الكفار يحاسبون أم لا؟ فبعضهم نفى الحساب بإطلاق، وبعضهم أثبته بإطلاق. فمن نفاه بإطلاق فقد أخطأ، كما أخطأ من أثبته بإطلاق، وكلام ابن تيمية رحمه الله هنا كلام دقيق محرر. قال المؤلف رحمه الله: [وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته]. لأنهم ليس لهم حسنات حتى توزن حسناتهم وسيئاتهم، وإنما هذا الحساب للمسلمين؛ لأن لهم حسنات. قال: [فإنه لا حسنات لهم]. يعني: الكفار. قال: [ولكن تعد أعمالهم وتحصى، فيوقفون عليها]. وعد أعمالهم السيئة وإيقافهم عليها سماه بعض أهل العلم: حساباً، وسماه البعض الآخر: غير حساب، والحقيقة: أن من جعل معنى الحساب: تعداد الأعمال فقط، فإنه قال: إن الكفار يحاسبون، ومن جعل الحساب: الموازنة بين الحسنات والسيئات قال: الكفار لا يحاسبون.

الحوض المورود

الحوض المورود قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي عرصات القيامة]. العرصات: جمع عرصة، والعرصة: هي المكان الفسيح بين المباني، وعرصات القيامة: يعني: المواقف التي تكون يوم القيامة. قال المؤلف رحمه الله: [وفي عرصات القيامة: الحوض المورود]. والحوض ورد وصفه في السنة النبوية بأنه: حوض كبير يكون يوم المحشر، طوله: مسيرة شهر وأكثر، يعني: بالإبل، ولونه: أبيض من اللبن، وطعمه: أحلى من العسل، وعليه أكواب كعدد نجوم السماء، وفي بعض الروايات: أن هذه الأكواب كنجوم السماء. وفي هذا اللفظ الثاني زيادة معنى، وهي: أنها منيرة وجميلة وتشبه نجوم السماء من حيث الجمال والهيئة الحسنة، وهذا الحوض من شرب منه لا يظمأ أبداً. والذي لا يرده صنفان: الكفار، وأهل البدع، فأهل البدع لا يردون الحوض؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنا فرطكم على الحوض)، ثم قال: (إنه يذاد عنه بأقوام)، يقول: (أعرفهم) ومعرفته لهم، يعني: أنهم من المسلمين قال: فأقول: (أصحابي! أصحابي!)، وفي لفظ: (أصيحابي! أصيحابي!) فيقال: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك). والإحداث هو: العمل بأحكام الشرع على غير طريقة المرسلين. وأهل العلم يسوقون هذا الحديث في ذم أهل البدع، وهذا يدل أيضاً على أن الحوض قد يرد عنه طوائف من أهل البدع مع أنهم من المسلمين وليسوا من الكفار. وفي حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن لكل نبي حوضاً). وقد اختلف أهل الحديث في صحة هذا الحديث، وقد رواه ابن أبي عاصم، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى بمجموع الطرق، وهو عنده حسن أو صحيح.

العقيدة الواسطية [18]

العقيدة الواسطية [18] الإيمان بالقدر وما يتضمنه من المراتب وغيرها من جملة أركان الإيمان التي لا يتم الإيمان بدونها, وقد نطقت به آيات من الكثرة بمكان, وأبانته أحاديث كثيرة رواها عدة من الصحابة الكرام, منهم أبو هريرة وعبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وعمران بن حصين وغيرهم رضي الله تعالى عنهم, وصنف فيه الأئمة والعلماء, وإنما ضل فيه الجبرية والقدرية لانحرافهم عن دلائل النصوص والتسليم لها.

الإيمان بالقدر وأدلة وجوبه

الإيمان بالقدر وأدلة وجوبه إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. أما بعد: فالإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان يزول الإيمان بزواله. وقد دل على الإيمان به الكتاب والسنة. فأما الكتاب فقول الله عز وجل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49]. وأما من السنة فالأحاديث كثيرة، ومن أجمعها حديث جبريل الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الإيمان فقال: (فالإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره).

كتب مصنفة في موضوع القدر

كتب مصنفة في موضوع القدر وقد ترجم البخاري في صحيحه كتاب القدر، وكذلك في صحيح مسلم، وعند أصحاب السنن. وقد أفرد أهل العلم لموضوع القدر مصنفات مستقلة. ومن أقدم هذه المصنفات -المطبوعة الآن- كتاب القدر والأحاديث الواردة فيه، لـ عبد الله بن وهب القرشي تلميذ الإمام مالك المشهور المتوفى سنة (197). ويروى أن للإمام مالك رحمه الله تعالى كتاباً في القدر، ذكر ذلك القاضي عياض وذكره الذهبي رحمه الله تعالى. ويذكر بعض الباحثين: أن أغلب كتاب ابن وهب في القدر من رواية مالك. ولعله هو كتاب القدر وزاد عليه عبد الله بن وهب روايات أخرى. وممن ألف في القدر مفرداً من السلف أبو بكر الفريابي رحمه الله المتوفى سنة (301هـ)، وكتابه اسمه القدر وهو مطبوع. وألف أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رسائل متعددة في القدر منها رسالة: أقوم ما قيل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل، وهي مطبوعة ضمن مجموع الفتاوى. وأيضاً طبعت ضمن جامع الرسائل والمسائل التي طبعها الشيخ محمد رشيد رضا في مطبعة المنار. ومن كتبه أيضاً: كتاب الاحتجاج بالقدر على المعاصي. وهو كتاب أيضاً مطبوع ضمن مجموعة الرسائل والمسائل. ومن كتبه أيضاً: قصيدة له تائية يرد فيها على أحد أهل الذمة الذين احتجوا بالقدر على كفرهم، فرد عليه بقصيدة تائية شرحها الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في كتاب مستقل وهو مطبوع أيضاً. وأيضاً ممن أفرد موضوع القدر ابن القيم رحمه الله في كتاب سماه: شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل. وهناك كتب متعددة طبعت مؤخراً في القضاء والقدر. من أشهر هذه الكتب كتاب: القضاء والقدر للدكتور فاروق الدسوقي في ثلاثة مجلدات. وكتاب: القضاء والقدر للدكتور عبد الرحمن المحمود. والأخير من أفضل الكتب المؤلفة في هذا الموضوع.

حقيقة العبد بين كونه مسيرا ومخيرا

حقيقة العبد بين كونه مسيرًا ومخيرًا والحقيقة أن موضوع القدر موضوع يهم الجميع ويفكر فيه كل الناس. وهو موضوع حساس اختلف فيه المسلمون قديماً وما زال الخلاف مستمراً فيه إلى اليوم. وقد طرح كثير من الناس سؤالاً وهو: هل المسلم مسير أم مخير؟ يعني: هل هو مسير بقضاء سابق يدفعه إلى العمل ولا يستطيع أن يتحرك برغبته، أم هو مخير ينتقي من الأعمال ما شاء ويترك ما شاء؟ وقد تخبط في الإجابة على هذا السؤال كثير من الباحثين. فبعضهم أجاب بأنه: مسير مطلقاً، وأراد بذلك تعظيم الله عز وجل، وإثبات أن الله عز وجل هو الخالق وحده لا شريك له. وبعضهم أجاب بالعكس وقال: إنه مخير مطلقاً. ودافعوا عما سموه بحرية الإرادة الإنسانية، وصنفوا المؤلفات فيها. وحاولوا أن يدفعوا فكرة أن هناك قدر سابق قدره الله سبحانه وتعالى على العباد. والحق الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الإنسان مسير في أشياء ومخير في أشياء. فمن تسيير الله له أن خلقه في هذا الوقت مثلاً. فأنت مثلاً خلقك الله عز وجل في القرن الخامس عشر الهجري ولم يخلقك مثلاً في زمن إبراهيم أو نوح أو موسى أو عيسى أو محمد صلى الله عليه وسلم. فتحديد الوقت الذي خلقت فيه لم تخير فيه، وإنما أنت مسير فيه بتقدير الله عز وجل لك. ولهذا نفذ تقدير الله عز وجل فيك في هذا، وخلقت في هذا القرن. وكذلك طولك وقصرك ولونك وأمك وأبوك ونحو ذلك أنت مسير فيها ولست مخيراً. فالإنسان لا يختار شكله ولا لونه ولا طوله قبل أن يولد، وإنما ولد على هذه الهيئة التي خلقه الله عز وجل عليها، ولم يكن له في ذلك تدبير ولا تخيير. وهو مخير من جهة أخرى، فهو مخير في الأعمال والأقوال والإرادات التي يقوم بها. فهو مخير في فعل الصالحات أو المعاصي، وفي قول الحق أو الباطل، وفي الكفر أو الإيمان. والحقيقة هي: أن هذا الموضوع ليس هو مدار النقاش. فليس خلاف الفرق وخلاف الناس في أن الإنسان مسير في طوله وقصره، فهذا الأمر يعرفونه بالضرورة. والإنسان كما هو معلوم له فعل اضطراري وفعل اختياري. فأما الفعل الاضطراري فهو الذي يحدث فيه من غير إرادته، كالطول والقصر واللون والشكل والوقت الذي ولد فيه وأبيه وأمه وأخوته ونحو ذلك، كسقوط الإنسان عندما يسقط من مكان مرتفع فإنه لا يستطيع أن يرد نفسه مرة أخرى فكل هذه تسمى أفعالاً اضطرارية. وأما الأفعال الاختيارية فهي التي خير فيها الإنسان، فقد خلق الله عز وجل له إرادة وقدرة ينتج عنها العمل الذي يعمله.

حقيقة القضاء والقدر والفرق بينهما

حقيقة القضاء والقدر والفرق بينهما قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتؤمن الفرقة الناجية من أهل السنة والجماعة بالقدر خيره وشره]. والقدر في اللغة هو: التقدير. والقضاء: الحكم. فالقضاء والقدر معناه: الحكم والتقدير. والفرق بينهما -كما يقول بعض الشراح- هو: أن القضاء يكون بعد وجود الإنسان، والقدر قبل وجوده. فما قدره الله عز وجل حسب علمه سبحانه وتعالى وقبل وجود الإنسان يسمى قدراً، وأما تنفيذ هذا القدر ووقوعه في حياة الإنسان بعد وجوده أو في حياة المخلوقات عموماً بعد وجودها فيسمى القضاء. فإذا اجتمعا كان لكل منهما معنى مستقل عن الآخر، وإذا افترقا كان كل منهما يدل على الآخر فالقضاء مفرداً يشمل القدر، والقدر مفرداً يشمل القضاء.

الشر في المقدورات وحكمته وحكم إضافته إلى الله تعالى

الشر في المقدورات وحكمته وحكم إضافته إلى الله تعالى فإن قيل: هل في القدر شر؟ قلنا: الشر المثبت في قضايا القدر هو في المقدورات والمخلوقات التي خلقها الله سبحانه وتعالى. فالله عز وجل له خلق وله مخلوق. فالشر ليس في خلق الله الذي هو صفة من صفاته، وإنما هو في مخلوقاته عز وجل، وهو باعتبار ما يقع على الإنسان من آلام والمتاعب، وهو من جهة أخرى خير، فالآلام والكفر وخلق إبليس وقتل المقتولين وظلم الظالمين كل ذلك من القدر الذي قدره الله عز وجل؛ لابتلاء الناس في الأرض. الشر لا يجوز لنا أن نضيفه إلى الله؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض دعائه قال: (والشر ليس إليك). وطريق الجمع بين كون الشر ليس إلى الله عز وجل وبين وجوده في الواقع -مع أن هذا الوجود من خلق الله عز وجل- هو أن نقول: إن الشر ليس صفة لله وإنما أثر الصفة، وهو المخلوق الذي خلقه الله عز وجل. ولوجود هذا الشر حكمة ربانية وهي الابتلاء والامتحان والاختبار.

منشأ ضلال الجبرية والقدرية في خلق الشرور

منشأ ضلال الجبرية والقدرية في خلق الشرور وهذه هي القضية التي جهلتها بعض الفرق، فالبعض عندما أزعجتهم وضاقت صدورهم بسبب وجود الكفر والمعاصي والآفات والأمور غير المرغوبة قالوا: كيف يخلقها الله عز وجل؟! وإذا خلقها وهو مقر لها فمعنى هذا: أن فعلها ليس فيه شيء. وقال آخرون: إن هذه الأمور ليست من خلق الله حتى يخرجوا من القضية؛ لأنهم لم يفهموا الحكمة من وجودها، قال غلاة الجبرية -وهم ابن عربي الطائي الصوفي المشهور ومن سار معه على عقيدته-: إن هذه المخلوقات هي من أفعال الله والله مقر لها. فلو أن الإنسان فعل الكفر أو المعاصي فليس عليه شيء؛ لأنها من مخلوقات الله، فنسبوها لله واحتجوا بالقدر، وجاءت هذه الطائفة الأخرى تعظم الله عز وجل فنفت القدر وقالت: هذه ليست من مخلوقات الله أبداً، وإنما من مخلوقات العباد، فأشركت في الربوبية؛ لأنه ليس هناك خالق إلا الله عز وجل. والحقيقة هي: أن هذه من مخلوقات الله سبحانه وتعالى، والله خلقها ونهى عنها. فإن قيل: كيف يخلقها وينهى عنها؟ قلنا: خلقها للحكمة وهي الابتلاء؛ ليبتلي بها العباد. فقد خلقها الله عز وجل ونهى العباد عنها، فمن ترك نهي الله عز وجل وفعل هذه المحرمات فإنه يعاقب؛ لمخالفته لنهي الله سبحانه وتعالى، وخلق الطاعات وأمر بها، فمن ترك ما أمر الله عز وجل به عوقب. فالحكمة من وجود هذه الأشياء المتضادة في الكون هو الابتلاء. وهذه قضية واضحة في القرآن الكريم، فإن الله عز وجل يعلل لخلق الإنسان بالابتلاء، كما قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:2]. وقال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115]. فكل هذه المخلوقات خلقها الله عز وجل للابتلاء والاختبار، فالعبد ليس مهملاً في هذه الدنيا وإنما مختبر. وقد جاءت أحاديث كثيرة جداً عن النبي صلى الله عليه وسلم تقرر أن هذه الدار دار ابتلاء، وأن الآخرة دار جزاء، ولأجل هذا لو أطاع الإنسان الله عز وجل في الآخرة فلا تنفعه الطاعة؛ لأن دار الابتلاء انتهت بالموت أو بالقيامة الكبرى التي تزيل معالم الدنيا بأكملها.

مراتب القدر

مراتب القدر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بالقدر على درجتين، كل درجة تتضمن شيئين]. اختلف المصنفون في درجات الإيمان بالقدر، والحقيقة أن هذا الاختلاف اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد، فهم يتفقون في المعنى لكنهم قد يختلفون في اللفظ. وشيخ الإسلام رحمه الله هنا جعلها درجتين، وجعل كل درجة درجتين. وبعضهم يفصلها ويجعلها أربع مراتب. وهذه الأربع التي تمثل حقيقة القدر كلها تعود إلى صفات الله تعالى. فالمرتبة الأولى: العلم. والمرتبة الثانية: الكتابة. والمرتبة الثالثة: المشيئة والإرادة. والمرتبة الرابعة: الخلق. وكلها تعود إلى الله عز وجل وإلى صفاته. ولهذا يقول أهل العلم: القدر سر الله سبحانه وتعالى؛ ولأجل هذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخوض في القدر بغير علم، وبين أنه يجب على المسلم أن يؤمن بقدر الله سبحانه وتعالى.

مرتبة العلم

مرتبة العلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فالدرجة الأولى: الإيمان بأن الله تعالى علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلاً وأبداً، وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال]. هذه المرتبة الأولى، وهي: إثبات علم الله سبحانه وتعالى الشامل العام لكل شيء. وهذا بداية الإيمان بالقدر. وهي أن يعلم الإنسان ويوقن ويجزم بأن الله عز وجل علمه شامل وعام ليس كعلم المخلوق، فهو يعلم سبحانه وتعالى ما سيخلق إلى الأبد، ونحن لا نعلم مثلاً من الذين سيخلفوننا في هذه المدينة بعد قرن من الزمن؛ لأن علمنا محدود. والله عز وجل يعلمهم ويعلم ماذا يعملون وكيف يعملون على التفصيل الدقيق، فما تسقط من ورقة في ظلمات البر ولا حبة إلا يعلمها، وهي في كتاب عنده سبحانه وتعالى. فلا يمكن أن يضل أحد في القدر إلا لنقص علمه بعلم الله سبحانه وتعالى. فعندما يكون علم الإنسان وتصوره ناقصاً عن علم الله وسعته وشموليته يضل في القدر. وإذا أدرك هذه الصفة وآمن بها على حقيقتها فإنه لا يضل أبداً. ولهذا يقول الشافعي رحمه الله تعالى وغيره من علماء أهل السنة: ناظروا القدرية بالعلم، فإن أجابوا - يعني: اعترفوا بصفة العلم - خصموا -يعني: غلبوا- وإن أنكروا - يعني: أنكروا صفة العلم - كفروا.

مرتبة الكتابة

مرتبة الكتابة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق]. وهذه هي الدرجة الثانية، وهي: كتابة الله عز وجل لما علمه من مقادير الخلق في اللوح المحفوظ. واللوح المحفوظ مخلوق من مخلوقات الله عز وجل العظيمة الكبيرة، وهو في السماء السابعة، كما ورد في أحاديث الإسراء، ولم يثبت في صفته حديث صحيح فيما أعلم. واللوح المحفوظ كتب فيه كل شيء على التفصيل؛ لأن اللفظ الوارد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظ عام، فليس هناك شيء مما هو كائن من المخلوقات ومما يتعلق بأعمال بني آدم أو الجن أو الحيوانات أو بقية المخلوقات إلا وقد كتبه سبحانه وتعالى في اللوح المحفوظ. قال المؤلف رحمه الله: (فأول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب. قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)]. وهذا الحديث صحيح رواه أبو داود في سننه، والترمذي أيضاً. وأورد ابن أبي عاصم في السنة جملة من الأحاديث بهذا المعنى، وصححها الشيخ الألباني رحمه الله تعالى. وهذا الحديث فيه النص على الكتابة، فأول ما خلق الله القلم. والقلم مخلوق من مخلوقات الله عز وجل.

المراد بالقلم المكتوب به ما هو كائن إلى يوم القيامة

المراد بالقلم المكتوب به ما هو كائن إلى يوم القيامة فإذا قيل: هل المقصود بالقلم هنا أنه قلم واحد، أو المقصود به الجنس؟ قلنا: ورد في أحاديث أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جفت الأقلام ورفعت الصحف). وقال: (جفت الأقلام وطويت الصحف). وهذا يدل على أنها مجموعة أقلام. والوارد في النص هنا القلم، فيكون المقصود به الجنس، وأنها أقلام متعددة، كقوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ} [الإنسان:1]، فالإنسان هنا ليس شخصاً محدداً وإنما المقصود به جنس الإنسان. وفي الحديث: (قال: اكتب. قال: ما أكتب؟). وهذا يدل على أن القلم يتكلم: (قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة). فقوله: (ما هو كائن)، هذه اللفظة عامة تشمل كل شيء، حتى القرآن الكريم مكتوب في اللوح المحفوظ.

الجمع بين سبق كتابة القرآن الكريم في اللوح المحفوظ وتكلم الله به حال التنزيل

الجمع بين سبق كتابة القرآن الكريم في اللوح المحفوظ وتكلم الله به حال التنزيل فإن قيل: كيف كتب في اللوح المحفوظ ثم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وتكلم به الله عز وجل؟ قلنا: ليس هناك إشكال في هذا. فقد كتبه الله في اللوح المحفوظ، وهذه الكتابة كتابة قديمة قبل خلق السماوات والأرض؛ لأن الله عز وجل كتب مقادير العباد قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. ثم لما جاء زمن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم به سبحانه وتعالى في كل وقت بما يناسبه. والله عز وجل يتكلم متى شاء، وكيف شاء. ويتكلم بحرف وصوت، وليست أصواته كأصوات المخلوقين، ولا كلامه ككلام المخلوقين، بل هو سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

سبق كتابة كل مقدور

سبق كتابة كل مقدور قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، جفت الأقلام وطويت الصحف). كما قال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج:70]]. وهذه الآية دليل على المرتبتين، فإن قوله: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الحج:70]، فيها صفة العلم، والشمول فيها مأخوذ من قوله: {مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الحج:70]. وما هنا موصولة بمعنى: الذي، وهي من صيغ العموم. فقوله: {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الحج:70]، يعني: يعلم كل ما في السماء والأرض. فهذه هي المرتبة الأولى وهي مرتبة العلم. ثم قال: {إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ} [الحج:70]، وكتاب هنا جاء على وزن فعال. وفعال يأتي على وزن مفعول وعلى وزن فاعل في المعنى. فكتاب هنا جاء على وزن مفعول، مثل: إله يأتي على وزن مفعول، فنقول: مألوه يعني: معبود. فقوله: {إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ} [الحج:70]، يعني: أن ذلك مكتوب في كتاب. قال المؤلف رحمه الله: [{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22]]. ونبرأها يعني: نخلقها. والباري هو الخالق سبحانه وتعالى {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22].

أنواع الكتابة

أنواع الكتابة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهذا التقدير -يعني: وهذه الكتابة- التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة وتفصيلاً]. يعني: الكتابة التي كتبها الله سبحانه وتعالى على خلقه أنواع: كتابة عامة، وهي الواردة في اللوح المحفوظ. وكتابة خاصة بالعباد، وهي أنواع. فمنها: كتابة عمرية. ومعنى عمرية: أنه يكتب كل شيء في عمر الإنسان. وهذه الكتابة تكون عندما يخلق الإنسان في بطن أمه، كما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في الحديث المشهور أنه قال: (حدثني الصادق المصدوق: إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك)، إلى أن قال: (ثم يرسل إليه ملكاً فيؤمر بأربع كلمات، فيقال: اكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد). وهذه الكتابة للملك؛ لأن الذي يؤمر بالكتابة هو الملك الموكل بالإنسان، فيكتب في صحيفته تقدير هذا الإنسان حتى يموت. ومنها: كتابة حولية. وتكون في كل سنة، ويكون ذلك في ليلة القدر في رمضان. والدليل على ذلك قول الله عز وجل: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:4]. قال المفسرون: المراد: يكتب تقدير السنة للإنسان. وقد أشار شيخ الإسلام رحمه الله إلى هذا في قوله: [ونحو ذلك]، وأثبت كتابة أخرى غير الكتابة في اللوح المحفوظ وجاء لها بمثال واحد، وأجمل الثاني. فأما المثال الذي جاء به فهو التقدير العمري، وذكر حديث ابن مسعود أو بمعناه. وأما الثاني؛ فإنه لم يصرح به، وإنما أشار إليه في قوله: [ونحو ذلك]. قال المؤلف رحمه الله: [فهذا التقدير قد كان ينكره غلاة القدرية قديماً ومنكروه اليوم قليل]. وقد ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما سألوه وقالوا: (يا رسول الله! أنعمل في شيء مضى وانقضى أم في أمر مستقبل؟)، يعني: هل نعمل في شيء قد كتبه الله علينا سابقاً أو نعمل في شيء مستقبل؟ يعني: نحدثه نحن؟ (قال: بل في شيء مضى وانقضى، قالوا: ففيم العمل؟)، يعني: لماذا نعمل. (قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له).

الكتابة لا تدل على الجبر

الكتابة لا تدل على الجبر فإذا كان الله عز وجل قد كتب علينا وعلى كل الإنس والجن كل شيء، وكتب منزلتهم ومكانتهم سواء من الجنة أو من النار، -أعاذنا الله وإياكم منها- فقد يقول قائل: ألا تدل هذه الكتابة على أن الله جبرنا؟ فنقول: ليس جبراً. فإذا قيل: كيف لا يكون جبراً وقد كتبنا وانتهى الأمر؟! فنقول: إننا إذا آمنا بعلم الله الشامل العام فحينئذ يزول عنا هذا الإشكال. فإن هذا الإشكال إنما يرد عندما نظن أن الله لا يعلم ماذا سنعمل. يعني: أننا تحدث لنا أحداثاً في مستقبل الأيام، وسنختار كيف نتعامل معها بإراداتنا وبشهواتنا وبقناعاتنا، وهذا الاختيار علمه الله عز وجل قبل أن نختاره؛ لأن علمه شامل لكل شيء. وإذا كان علمه شاملاً لكل شيء فمعنى هذا أن اختيارنا علمه الله قبل أن نختاره فكتبه. وليس معنى كتابة الله له في اللوح المحفوظ أنه ألزم العباد بشيء لا يريدونه، وإنما كتب في اللوح المحفوظ ما علم أنه سيقع من العباد باختيارهم. وما كتبه الله سيقع منا باختيارنا، فلو فرضنا أن الله كتب علينا شيئاً فإننا لا نستطيع أن نغير ما كتبه الله؛ لأننا أصلاً لا ندري ماذا كتب الله علينا؛ ولهذا قال العلماء: القدر سر الله عز وجل.

فساد الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي

فساد الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي ولهذا من يحتج بالقدر فحجته أفسد حجة. مثل العاصي الذي يقول: إن الله كتب علي ألا أصلي، فإذا سألناه: وكيف علمت أن الله كتب عليك ألا تصلي؟ فهل أطلعك على الغيب، أو جاءك ملك من الملائكة وأخذك من الأرض وصعد بك إلى السماء فدخلتها ورأيت اللوح المحفوظ مكتوباً فيه: إنك لا تصلي؟ فهذا كذب. وإنما أنت الذي تركت الصلاة برغبتك. وهو سبحانه لم يكتب أنك ستترك الصلاة بعد أن انتهيت من تركها، وإنما كتبها قبل أن تتركها؛ لأنه علم أنك ستتركها فكتبها سبحانه وتعالى. فهل تركك للصلاة أجبرك الله عليه؟ كلا، لم يجبرك عليه، وإنما كتب ذلك لأنه علم أنك ستتركها. يتلخص من هذا: أن مدار موضوع القدر هو الإيمان بالعلم، فعندما يؤمن الإنسان أن الله عز وجل يعلم مستقبل الأمور وما سيختاره العبد فحينئذ تزول هذه الشبهة منه. ونضرب لذلك بمثال محسوس: إذا كان عندنا كتاب فبإمكاننا أن نفتحه أو نتركه مغلقاً؛ لأننا مختارون، ولسنا ملزمين بشيء معين. وبعد لحظات لا أحد يعلم هل سنفتحه أم لا، ولكن الله يعلم ذلك. فإذا لم نفتحه، وقبل أن نتكلم بهذا كان الله قد كتب سبحانه وتعالى: أننا سنقول: هل سنفتح الكتاب أو لا؟ ثم سنختار عدم فتحه ولم يجبرنا أحد على ذلك، وإنما كتبه الله؛ لأنه عليم بما سنفعل، وعلمه واسع شامل. فبهذه الصورة نفهم هذا الموضوع، وحينئذ فلن يحتج علينا المحتج بأنه مجبور على فعله، بل هو مختار كما بينا.

مرتبة المشيئة

مرتبة المشيئة قال المؤلف رحمه الله: [وأما الدرجة الثانية فهي: مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة، وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما في السماوات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه، ولا يكون في ملكه إلا ما يريد، وأنه سبحانه على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات]. ويدل على إثبات صفة المشيئة آيات كثيرة جداً في القرآن. وهناك آيات خاصة بصفة المشيئة المتعلقة بفعل العبد، فمثلاً: يقول الله عز وجل: {فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام:149]. ويقول: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} [هود:118]. ويقول: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:30]. فصفة المشيئة لله يجب أن يثبتها الإنسان -حتى يؤمن بالقدر- من خلال إيمانه أنه لا يمكن أن يحدث في كون الله عز وجل إلا ما شاءه الله عز وجل، حتى الكفر والمعاصي والذنوب، فجميع الأشياء لا يمكن أن تحصل إلا بمشيئة الله.

العلاقة بين المشيئة والأمر والنهي الشرعيين

العلاقة بين المشيئة والأمر والنهي الشرعيين وهناك من خلط بين مشيئة الله عز وجل وبين أوامر الله عز وجل الشرعية. فبعضهم يظن أن كل ما خلقه الله من الأشياء القبيحة والحسنة قد شاءه سبحانه وتعالى، وما دام أنه شاءه فمعنى هذا أنه يقره ويبيحه. وهذا باطل. قال: إن عندنا نصوصاً واضحة في القرآن والسنة تدل على أن الله عز وجل ينهى عن الكفر وعن المعاصي وعن الذنوب وعن القبائح وعن الظلم والزنا والفجور وشرب الخمور، ونحو ذلك وما دام أن هذه الآيات واضحة، وهي أوامر الله عز وجل فما يحدث في الكون ليس بمشيئة الله؛ لأنه إذا شاءه فمعنى هذا أنه يقره. فأصل الشبهة فاسدة، لأنه لا يلزم من خلق الله لهذه الأشياء أن يقرها، وإنما خلقها للابتلاء والامتحان. فلا يمكن أن يوجد في الكون شيء لم يرده الله.

أقسام الإرادة

أقسام الإرادة ويقسم العلماء الإرادة إلى قسمين: إرادة كونية. وإرادة شرعية. فأما الإرادة الكونية فهي: إرادة الله عز وجل للموجودات. فلا يمكن أن يوجد شيء لم يرده الله أبداً؛ لأنه لا يكون في كونه إلا ما يريد، ولأنه ليس هناك إله آخر يخلق غير الله سبحانه وتعالى. وأما الإرادة الشرعية فهي: ما أمر الله عز وجل به ونهى عنه. والإرادة الكونية أوسع، وهي تشمل المخلوقات جميعاً؛ لأن هذه المخلوقات أرادها الله عز وجل وقدرها للابتلاء، ثم أمر ببعضها ونهى عن بعضها. فالإرادة الشرعية هي ما أمر الله به، وأما ما نهى عنه فليس إرادة شرعية، وإنما هو إرادة كونية. فموضوع الإرادة كالآتي: هناك إرادة واسعة تشمل المخلوقات جميعاً، وكل المخلوقات الموجودة في الكون حسنها وقبيحها خيرها وشرها جميعاً أرادها الله كوناً؛ لأنه لا يمكن أن يوجد في كون الله شيء لا يريده. ثم هذه المرادات والمخلوقات جميعاً منها ما أمر الله به كالصلاة والصيام والحج والزكاة وبر الوالدين ونحو ذلك من الأعمال الصالحة، فهذه هي الإرادة الشرعية، ومنها ما نهى عنه فهذه تشملها الإرادة الكونية. فقول المؤلف: [ولا يكون في ملكه إلا ما يريد]، يعني: لا يمكن أن يحصل في ملك الله شيء لا يريده، والمقصود بالإرادة هنا الإرادة الكونية.

مرتبة الخلق

مرتبة الخلق قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه]. ومنها خلق أفعال العباد سبحانه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه، لا خالق غيره، ولا رب سواه. ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته. وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات. ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين. ولا يأمر بالفحشاء، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد]. فالله عز وجل هو الخالق لكل شيء، وأفعالنا خلقها الله، الصالح منها وغير الصالح. والعبد لا يمكن أن يخلق فعل نفسه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والعباد فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم. والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم. وللعباد قدرة على أعمالهم ولهم إرادة، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم، كما قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:28 - 29]]. فالعباد لهم إرادة حقيقة وهم مسئولون عن أفعالهم، ولهذا يقول الله عز وجل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:7 - 8]. فنسب العمل إلى العبد. والآيات التي تدل على أن العمل منسوب إلى العبد وأنه مؤاخذ به كثيرة جداً، ومنها قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة:277]. وهكذا بقية الأعمال منسوبة إلى العبد حقيقة. فالعمل فعله العبد، وخلقه الله في نفس الوقت. وهذه نقطة حساسة ينبغي الانتباه لها، وهي: أن بعض الناس يظن أنه إذا كان الله عز وجل خلق فعل العبد فمعنى هذا أن العبد مجبور؛ لأن فعله مخلوق. ونحن نقول: الله عز وجل خلق فعل العبد، وهو ليس بمجبور، فالعمل يتكون من القدرة على العمل ومن الإرادة له. فإذا وجدت القدرة التامة والإرادة الجازمة نتج العمل مباشرة. فالله خلق قدرة العبد وإرادته، فنتج عنهما العمل، فيكون العمل مخلوقاً لله عز وجل.

وجه نسبة العمل إلى العبد مع أن الله تعالى خالقه

وجه نسبة العمل إلى العبد مع أن الله تعالى خالقه فإذا قيل: إذا كان العمل مخلوقاً لله عز وجل فكيف ينسب للعبد؟ فنقول: ينسب للعبد على أن العبد سبب في وجوده، كما في قاعدة حدوث الأسباب فمثلاً: إذا أراد الله خلق النبات فإنه ينزل المطر من السماء فيقابل تربة متهيئة فينبت النبات فهذا النبات نبت بسبب المطر، وليس المطر هو الذي خلق النبات، وإنما خلقه الله وإنما يقال: إن المطر سبب وجود النبات؛ لأن الله جعله سبباً. وهكذا فعل العبد، فقدرته مخلوقة خلقها الله عز وجل، وهذه القدرة تنتج عنها مقدورها، وهو العمل من الصلاة والصيام والشر والخير وشرب الخمر والزنا، وغيرها من الأعمال، فهذه الأعمال تنسب للعبد مع أن القدرة مخلوقة لله. والله هو الذي خلق القدرة وجعل من صفاتها: أنها سبب في إنتاج العمل، وقد تكون سبباً في عدم وجوده إذا عطلها الإنسان. فقدرة العبد مخلوقة لله عز وجل، وهي سبب في إنشاء مقدورها، وليست مستقلة في وجود العمل عن الله، وهي ليست مثل العلم الاضطراري، كرعشة المرتعش، أو سقوط الساقط وإنما تختار الأنواع المتقابلة، يعني: أن العبد يجد بين يديه أنواعاً، فيأخذ هذا باختياره ويترك هذا باختياره. وهذا الاختيار ليس مستقلاً عن الله، بل الله عز وجل خالقه سبحانه وتعالى. وما دام أن الله خالقه فلا ينسب إلى العبد إلا على أنه سبب في وجوده، وهذا السبب اختياري يشعر به الإنسان في نفسه، كما أن المطر سبب اضطراري في وجود الزرع. وهذه الأسباب يمكن أن نقسمها إلى قسمين: أسباب اختيارية، مثل فعل العبد. وأسباب اضطرارية تنتج مقدورها من غير إرادة، كالمطر وغيره من الأسباب الأخرى. فالعبد مسئول عن فعله وسيحاسب عليه يوم القيامة، وليس مجبوراً عليه. وهذا يدل عليه القرآن والسنة والإجماع والحس. فمثلاً: أنت تشعر أنك لست مجبوراً، فإذاً: أنت مسئول عن عملك وستحاسب عليه يوم القيامة حقيقة، ولست مظلوماً في ذلك؛ لأنك مختار، وليس عندك إشكال فيه.

بيان ضلال القدرية والجبرية في أفعال العباد

بيان ضلال القدرية والجبرية في أفعال العباد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهذه الدرجة من القدر يكذب بها عامة القدرية الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم: (مجوس هذه الأمة)]. وهذا الحديث رواه أبو داود والإمام أحمد في السنن، واختلف فيه العلماء صحة وضعفاً، وبعضهم يرى أنه موقوف وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال المؤلف رحمه الله: [ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات، حتى سلبوا العبد قدرته واختياره. ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمها ومصالحها].

أحاديث القدر من صحيح الإمام البخاري

أحاديث القدر من صحيح الإمام البخاري

حديث عبد الله بن مسعود في مراحل الخلق وكتابة الملك

حديث عبد الله بن مسعود في مراحل الخلق وكتابة الملك الحديث الأول أحاديث القدر هو: حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال: إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً فيؤمر بأربعة: برزقه وأجله وشقي أو سعيد. فو الله إن أحدكم - أو الرجل - يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها). والمسائل المتعلقة بالقدر في هذا الحديث هي: أولاً: إثبات الكتابة العمرية التي في صحف الملائكة. فالملائكة تكتب ما قدره الله عز وجل على العبد في عمره، ثم تتابع هذه الأقدار؛ لأن الله سبحانه وتعالى خلق هؤلاء الملائكة يتابعون تنفيذ أقداره سبحانه وتعالى في العباد. والمسألة الثانية هي: مسألة سبق الكتاب. ومعنى سبق الكتاب: أن العبد يعمل في بداية عمره بعمل أهل الجنة أو أهل النار ثم في آخر عمره يختار غير ما بدأه في بداية عمره. فمثلاً: في بداية عمره يكون الظاهر أنه سيكون من أهل الجنة، ولكن الله عز وجل علم أنه في آخر عمره سيختار مثلاً طريق أهل النار فكتبه عليه، فعبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: (يسبق عليه الكتاب). ولهذا يقول شراح الحديث -مثل الحافظ ابن حجر رحمه الله-: هذا الحديث يدل على التحذير من سوء الخاتمة. وبعض العلماء يوجه قوله: (وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)، توجيهاً آخر فيقول: إنه ورد في بعض الروايات أنه قال: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس)، ففهم بعض أهل العلم من قوله: (فيما يبدو للناس)، يعني: أن هذا الرجل الذي تحدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث هو المنافق الذي يظهر غير ما يبطن ثم ينكشف في آخر أمره ويموت على الكفر. وهذا التوجيه ذكره الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم في شرحه لهذا الحديث، إلا أن التوجيه الأول أقوى؛ لأن قوله: (فيما يبدو للناس)، لا يعارض التوجيه الأول؛ لأنه يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس أنه سيموت عليه، ولكنه سيختار في آخر عمره عمل أهل النار، وهذا ما كتبه الله بحسب علمه الشامل، فيختار طريق أهل النار فيموت عليها. ولهذا يعتبرون هذا الحديث من أحاديث الوعيد في سوء الخاتمة.

حديث أنس فيما يكتبه الملك الموكل بالرحم في بطن الأم

حديث أنس فيما يكتبه الملك الموكل بالرحم في بطن الأم الحديث الثاني وهو: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وكل الله بالرحم ملكاً فيقول: أي ربي نطفة، أي ربي علقة، أي ربي مضغة، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال: أي ربي، ذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيكتب كذلك في بطن أمه). وهذا يؤكد الحديث السابق من كتابة الملك ما علمه الله عز وجل من فعل العبد.

حديث عمران بن حصين وغيره في سبق علم الله تعالى بأهل الجنة والنار

حديث عمران بن حصين وغيره في سبق علم الله تعالى بأهل الجنة والنار قال المؤلف رحمه الله: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:23]. ويبدو أن البخاري رحمه الله يفسر قوله: {عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:23] يعني: على علم منا. لأن بعض الناس يفهم من هذه الآية: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:23]، يعني: أنه كان عالماً وضل. ولكن يبدو من سياق البخاري رحمه الله أن قوله: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:23]، يعني: أن الله عز وجل أضل هذا العبد؛ لأنه علم أنه سيختار الضلال. وقال أبو هريرة: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (جف القلم بما أنت لاقٍ). قال ابن عباس في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون:61]، سبقت لهم السعادة. يعني: عند الله سبحانه وتعالى بحسب علمه سبحانه وتعالى. وما جاء عن أبي هريرة وابن عباس من المعلقات. ولكن الحديث المسند هو عن عمران بن حصين قال: (قال رجل: يا رسول الله! أيعرف أهل الجنة من أهل النار؟ قال: نعم. قال: فلم يعمل العاملون؟ قال: كل يعمل لما خلقه أو لما ييسر له). -أسأل الله عز وجل أن ييسرنا لليسرى- وهذا الحديث واضح أن أهل الجنة معروفون من أهل النار، وفيه الرد على القدرية.

حديث ابن عباس في سبق علم الله تعالى بما كان سيعمله أولاد المشركين

حديث ابن عباس في سبق علم الله تعالى بما كان سيعمله أولاد المشركين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين). ولهذا يمتحنون يوم القيامة -كما رجح أهل العلم- هم وأهل الفترة ومن بلغته الرسالة وهو مجنون أو معتوه، أو نحو ذلك. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذراري المشركين؟ فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين). وعن أبي هريرة قال: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه، كما تنتجون البهيمة هل تجدون فيها من جدعاء، حتى تكونوا أنتم تجدعونها؟ قالوا: يا رسول الله! أفرأيت من يموت وهو صغير؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين).

حديث أبي هريرة في نهي المرأة عن سؤال طلاق أختها

حديث أبي هريرة في نهي المرأة عن سؤال طلاق أختها عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، ولتنكح - يعني: تنكح زوجها - فإن لها ما قدر لها). فما يحصل من المصائب ومن طلب الإنسان لرزقه كله مكتوب، ولا يعني هذا أن الإنسان لا يفعل السبب، بل يفعل الأسباب ولكن لا يتعلق قلبه بها، فلا يتعلق قلبه بالمال ولا بالدنيا، ولا بالزوجة، ولا بالأبناء، ولا بمتاع الدنيا. وبعض الناس يعصي ربه من أجل الأسباب الدنيوية، فمثلاً: إذا كان عنده وظيفة فقد يعصي الله عز وجل من أجل البقاء في هذه الوظيفة، أو إذا كان عنده مال فقد يعصي الله ويأكل الربا من أجل هذا المال، أو إذا كان عنده زوجة بغي خائنة - والعياذ بالله - فيمسكها لأنها جميلة، وهكذا. فبعض الناس يعتمدون على الأسباب وينسون تقدير الله عز وجل.

حديث أسامة بن زيد في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنته حال احتضار ابنها

حديث أسامة بن زيد في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنته حال احتضار ابنها وعن أسامة قال: (كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه رسول إحدى بناته وعنده سعد وأبي بن كعب ومعاذ أن ابنها يجود بنفسه - يعني: يكاد يموت - فبعث إليها: لله ما أخذ ولله ما أعطى، وكل بأجل، فلتصبر ولتحتسب). وورد في روايات أخرى للحديث: أن هذا الابن لابنته زينب، وأنه لم يمت. (أنه جاء إليه النبي صلى الله عليه وسلم وأخذه بيده وأخذت نفسه تقعقع، فبكى صلى الله عليه وسلم، فقال سعد: ما هذا يا رسول الله؟ فقال: هذه رحمة وضعها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء). وهذا الحديث ساقه البخاري رحمه الله في باب: العمل بالخواتيم.

حديث أبي هريرة في احتجاج آدم وموسى عليهما السلام

حديث أبي هريرة في احتجاج آدم وموسى عليهما السلام وساق بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احتج آدم وموسى فقال له موسى: يا آدم! أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة. قال له آدم: يا موسى! اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده)، وفي رواية أخرى: (خط لك التوراة بيده. أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، ثلاثاً). وهذا الحديث حديث طويل، وتشعب العلماء في شرحه على مناهج مختلفة. وأصح ما قيل فيه هو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في شرحه لهذا الحديث في مجموع الفتاوى، قال: إن موسى عليه السلام لم يلم آدم على المعصية وهي الأكل من الشجر، وإنما لامه على نتيجة المعصية وهي الخروج من الجنة. فيقول: خيبتنا، يعني: أخرجتنا من الجنة. والخيبة هي تكون بالنتيجة وليست بالمعصية؛ لأن موسى عليه السلام نبي مكلم، ولا يمكن أن يلومه على المعصية وقد تاب منها، وإنما لامه على المصيبة الناتجة عن المعصية وهي الخروج من الجنة. فاحتج آدم بالقدر على المصيبة ولم يحتج بها على المعصية. ويذكر العلماء قاعدة في موضوع الاحتجاج بالقدر، وهي: الاحتجاج بالقدر يجوز على المصائب دون المعائب. يعني: لو حصل لك حادث مثلاً، وانقطعت يدك ومات معك مجموعة من الناس، فلو جاءك إنسان ولامك وقال: يا أخي كيف انقطعت يدك؟ فتحتج له بالقدر وأن هذا أمر كتبه الله عليك. ولكن لا يحتج بالقدر على المعائب، كأن يفعل الإنسان معصية ويقول: قدرها الله علي. وإذا كانت المعصية بعد التوبة منها فتعتبر من المصائب. وقد ذكر ابن القيم في شفاء العليل قولاً آخر في توجيه هذا الحديث وهو: أن موسى عليه السلام لام آدم على معصيته بعد أن تاب منها، فاحتج آدم عليه بأن التوبة من المعصية تجبها، وأن فعل المعصية مع أنه تاب منها أصبحت مصيبة في حقه، وليست معصية يريد أن يفعلها. ولهذا يقول العلماء: إن الاحتجاج بالقدر على المصائب مباح، والاحتجاج بالقدر على المعائب والمعاصي مذموم. فالإنسان لا يجوز له أن يفعل المعصية ويقول: قدرها الله علي. فإذا فعل ذلك فقد ارتكب عدة أخطاء: الخطأ الأول: أنه ادعى ما لم يعلم وكذب على الله عز وجل. والأمر الثاني: أنه احتج بركن من أركان الإيمان في غير موطنه وموضعه. وشرح هذا الحديث يمكن مراجعته في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. ويمكن مراجعة شرح كتاب القدر في فتح الباري، وإن كان لـ ابن حجر فيه اختيارات قد يكون مخالفاً للسنة في بعضها. أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح إنه على كل شيء قدير.

الأسئلة

الأسئلة

حكم من يقول: إنه كافر، وهو يعرف معنى ما يقول

حكم من يقول: إنه كافر، وهو يعرف معنى ما يقول Q إذا نصح الرجل زوجته فردت عليه بقولها: إنها كافرة، مع أنها طالبة متخرجة من الدراسات الإسلامية، وتعرف معنى ما تقول. فما الحكم؟ A هي كما قالت عن نفسها -والعياذ بالله- حتى تتوب.

أثر الهم والحزن من ضيق الرزق على الإيمان بالقدر

أثر الهم والحزن من ضيق الرزق على الإيمان بالقدر Q هل الهم والحزن من ضيق الرزق مثلاً أو من المرض أو من الدين اعتراض على قدر الله، أو هو ضعف في الإيمان بالقدر؟ A الهم والحزن لضيق الرزق إذا كان مجرد هم نفسي كأن يكون الإنسان يتعب نفسياً من ضيق الرزق، وإذا تعب نفسياً أصابه هم وحزن، فإن ترتب على هذا الهم والحزن مثلاً بحث عن الرزق بأي أسلوب ولو كان محرماً فهذا يدل على عدم الإيمان بالقدر. وكذلك إذا جزع مثلاً من ضيق الرزق فهذا يدل على عدم الإيمان. وأما مجرد المضايقة النفسية العادية التي تحصل للبشر فلا يكون الإنسان محاسباً عليها، إلا إذا تجاوزت حدودها. وبعض الناس قد تصيبه الأمراض النفسية، وهذا يدل على ضعف إيمانه بهذا الركن العظيم من أركان الإيمان.

الجمع بين دراسة القدر ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الخوض فيه

الجمع بين دراسة القدر ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الخوض فيه Q كيف يجمع بين نهي النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن الحديث في القدر وبين الدروس التي تلقى في مسائل القدر؟ A نهي النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة عن الحديث في القدر ليس نهياً عن الحديث الصحيح فيه، وإنما نهاهم عندما وجدهم يضربون كتاب الله بعضه ببعض، فهذا ينزع بآية وهذا ينزع بآية، فغضب؛ لأنه رآهم يبحثون في القدر بغير المنهج الشرعي، فغضب عليهم ونهاهم عن هذا النوع من البحث فانتهوا، وإلا فإن أحاديث القدر كثيرة. هذا أولاً. وثانياً: الحديث عن القدر يزيد في الإيمان؛ لأنه ركن من أركان الإيمان، ولا يمكن أن ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحديث في ركن من أركان الإيمان. فالمقصود بالنهي هو النهي عن الكلام الباطل والمنهج المنحرف في الحديث في هذا الموضوع.

درجة ثبوت سؤال عمر ربه تعالى كتابته في ديوان السعداء ومحوه من ديوان الأشقياء إن كان شقيا

درجة ثبوت سؤال عمر ربه تعالى كتابته في ديوان السعداء ومحوه من ديوان الأشقياء إن كان شقياً Q هل مقولة عمر رضي الله عنه صحيحة: اللهم إن كنت كتبتني شقياً فامحني واكتبني سعيداً؟ A لا أظن أن مثل هذا يثبت عن عمر؛ لأن هذا من الاعتداء في الدعاء. والدعاء الصحيح هو: اللهم اكتبني سعيداً.

انتفاء وصف الفساد عن الإرادة المخلوقة في العبد

انتفاء وصف الفساد عن الإرادة المخلوقة في العبد Q أليس الله هو الذي خلق الإرادة للعبد، فإذا كانت هذه الإرادة فاسدة فإنها تؤدي إلى عمل المعاصي؟ A الله عز وجل خلق الإرادة للعبد، والإرادة من حيث هي إرادة ليست فاسدة؛ لأن كل مولود يولد على الفطرة كما في الحديث. فهو أول ما يولد لا تكون الإرادة عنده فاسدة. وإنما هو يرغب في الشر أو في الخير بإرادته، فليست الإرادة فاسدة إلا عندما يفسدها هو برغبته، أو يفسدها غيره فيطيعه، كأن يفسدها أبوه فيطيعه، أو يفسدها صديقه فيطيعه. وإلا فإن الإنسان مختار، والاختيار فيه ظاهر. وبهذا نجمع بين الإيمان بعلم الله السابق وكتابته للأقدار وبين اختيار الإنسان وأنه ليس مكرهاً.

كيفية نزول القرآن

كيفية نزول القرآن Q كيف نزل القرآن؟ وهل نزل من الله مباشرة أم عن طريق جبريل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؟ A القرآن تكلم الله عز وجل به فسمعه منه جبريل فبلغه للرسول صلى الله عليه وسلم، ونقل له كلام الله عز وجل.

كيفية التصبر عند نزول المصائب إذا لم تحتمل

كيفية التصبر عند نزول المصائب إذا لم تحتمل Q إذا أصابتنا مصيبة فكيف نصبر أنفسنا إذا لم نتحملها؟ A إنما الحلم بالتحلم والصبر بالتصبر، والإنسان يحاول ويجتهد أن يصبر نفسه ويدربها على الصبر، ويعلم أن جزعه هذا لا يفيد، وإنما يضر نفسه ولا ينفعها، وحينئذ يشعر بالراحة.

الحكمة من كتابة الملائكة للحسنات والسيئات مع سبق كتابتها في اللوح المحفوظ

الحكمة من كتابة الملائكة للحسنات والسيئات مع سبق كتابتها في اللوح المحفوظ Q ما الحكمة من جعل الملائكة يكتبون الحسنات والسيئات وهي مكتوبة في اللوح المحفوظ؟ A الله أعلم بالحكمة. وليس كل خبر أخبر به الله عز وجل لا بد أن نعرف حكمته. وهو له حكمة قطعاً لكن قد لا نعلمها، وعدم العلم بالشيء لا يعني عدم وجوده. وليس هناك نص معين في الحكمة من ذلك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

العقيدة الواسطية [19]

العقيدة الواسطية [19] تحتل مسائل الإيمان مكانة عظيمة بين أبواب العقيدة, لما وقع فيه من الخلاف بين أهل السنة ومن ناوأهم من الفرق الضالة, ومن جملة مسائله حقيقته عند أهل السنة في كونه قولا وعملا, يشمل تصديق القلب وعمله وقول اللسان وعمل الجوارح, وقد ضل فيه الخوارج غلوًا, والمرجئة تفريطًا, فنشأ عن ضلالهم آثار خطيرة في حياة المسلمين تجاه التعامل مع المنكرات والمعاصي الصادرة من أهل القبلة.

الإيمان في عقيدة أهل السنة والجماعة

الإيمان في عقيدة أهل السنة والجماعة

أهمية باب الإيمان بين أبواب العقيدة

أهمية باب الإيمان بين أبواب العقيدة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه وسنتهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. أما بعد: فيعتبر موضوع الإيمان من أهم موضوعات العقيدة، بل من أعظم الموضوعات الأساسية في حياة المسلمين قديماً وحديثاً، وهو كذلك من المسائل التي وقع فيها الاختلاف والتفرق في حياة الأمة، وترتب عليه الكثير من المشكلات والاختلافات والتفرق. وقد ألف السلف الصالح رضوان الله عليهم تصانيف مفردة في الإيمان، وممن ألف في ذلك: أبو عبيد القاسم بن سلام، وابن أبي شيبة، وأبو يعلى الحنبلي، والعدني، وللإمام أحمد رحمه الله كتاباً اسمه (الإيمان) ما يزال مخطوطاً، وهو في (200) ورقة تقريباً، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله له كتاب الإيمان الكبير، والإيمان الأوسط. وموضوعات الإيمان موضوعات حساسة وخطيرة؛ لأنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بقضايا التكفير، ولهذا كانت مسألة الإيمان أول مسألة وقع فيها الخلاف في حياة المسلمين، ووقع بينهم التفرق بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقد خرجت الخوارج وكفرت المسلمين بالذنوب، ثم ظهرت المرجئة -كرد فعل للخوارج- فأخرجت العمل من حقيقة الإيمان، وأهل السنة وسط بين هؤلاء جميعاً. والطريقة التي سنتبعها في بيان هذا الباب هي: أننا سنتحدث أولاً: عن عقيدة أهل السنة في الإيمان مفصلة، ثم نتحدث عن عقائد الفرق الضالة، ثم نبين الآثار المترتبة على هذا الاختلاف والتفرق.

حقيقة الإيمان عند أهل السنة والجماعة

حقيقة الإيمان عند أهل السنة والجماعة وقد اتفقت كلمة أهل السنة والجماعة على أن الإيمان قول وعمل. وقد حكى الإجماع على ذلك عدد من الأئمة، منهم: الإمام الشافعي والبغوي وأبو عمر بن عبد البر والإمام أحمد، وغيرهم من الأئمة المتقدمين رحمهم الله تعالى. يقول البخاري رحمه الله تعالى: حدثت عن ألف عالم في الأمصار كلهم يقول: الإيمان قول وعمل، وسماهم. وعامة كتب أهل السنة في العقيدة يعقد فيها باب خاص بالإيمان، مثل: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي، والشريعة للآجري، والإبانة لـ ابن بطة، وغيرها من كتب العقيدة الكبيرة، وكذلك في كتب السنة مثل صحيح البخاري؛ فإنه أفرد الإيمان بباب مستقل، وكذلك مسلم وأصحاب السنن لهم كتب في الإيمان ضمن كتابهم الصحيح أو السنن.

معنى قول السلف: (الإيمان قول وعمل)

معنى قول السلف: (الإيمان قول وعمل) ومعنى قول السلف: الإيمان قول وعمل، يعني: أن الإيمان مشتمل على هذه الحقيقة المركبة من القول والعمل، والقول يراد به: قول اللسان وقول القلب. فأما قول القلب: فهو تصديقه بما أخبر الله به، وبما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم. وأما قول اللسان: فهو يشمل قول لا إله إلا الله، والذكر، وقراءة القرآن، والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، إلى آخر تلك العبادات المتعلقة باللسان. وأما العمل: فإنه يشمل عمل القلب، وعمل الجوارح: فأما عمل القلب فهو خشية الله، محبة الله، الخوف من الله، التوكل على الله، الإنابة، التوحيد، الإخلاص، المراقبة، اليقين، القبول، الرضا، وهكذا سائر الأعمال القلبية التي تكون في القلب، فهذه تسمى: أعمال القلب. وأما عمل الجوارح فهو يشمل الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وهكذا سائر الأعمال التي تكون بالبدن. إذاً: هذه هي حقيقة الإيمان، مركبة من القول والعمل، والقول يشمل قول القلب وقول اللسان، والعمل يشمل عمل القلب وعمل اللسان. وإذا أردنا أن نقسم حقيقة الإيمان على الجوارح نجد أنها اشتملت على ثلاثة جوارح: على جارحة اللسان: قول اللسان. وعلى جارحة القلب: قول القلب وعمل القلب. وعلى بقية الجوارح عموماً. ولهذا عبر بعض السلف الصالح رضوان الله عليهم عن حقيقة الإيمان وعن تعريف الإيمان بأنه: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان. وعبر بعضهم فقال: هو قول وعمل ونية. وقال بعضهم: هو قول وعمل ونية واتباع للسنة. والحقيقة أن هذه العبارات ليست مختلفة اختلاف تضاد، وإنما هو اختلاف تنوع، وهو مثل إخبار الصادقين عن حادثة معينة رأوها جميعاً، هذا يعبر بتعبير، وذاك يعتبر بتعبير آخر، والثالث يعبر بتعبير ثالث، لكنها جميعاً تتفق في المعنى. إذاً: الإيمان حقيقة مركبة تشمل الدين كله، وتشمل الإسلام كله، وتشمل العبودية لله كلها، فلا يخرج من الدين شيء ليس من الإيمان، فكل ما شرعه الله سبحانه وتعالى مما يتعلق بالعبادات القولية أو القلبية أو التي تتعلق بالجوارح من الإيمان، ولهذا لما أراد السلف أن يعبروا عن الدين كله عبروا بأنشطة الإنسان، وهي متكونة من القول والعمل، فقالوا: قول وعمل. وأصح وأدق تعريف من تعاريف السلف هو قولهم: الإيمان قول وعمل، وتفصيله على النحو السابق. وقد يقول قائل: لماذا قالوا: قول وعمل ونية؟ ولماذا قالوا: قول وعمل ونية واتباع للسنة؟ نقول: الذين قالوا: إن الإيمان هو قول وعمل ونية؛ خشوا ألا يفهم من قولهم: (عمل) عمل القلب، ومن قولهم: (قول) قول القلب؛ لأن الذهن قد ينصرف عند سماع (قول) إلى اللسان، وعندما يقال (عمل) ينصرف لعمل الجوارح، فأرادوا التأكيد على عمل القلب، فقالوا: ونية، هذا من جهة. ومن جهة ثانية؛ فإن الأعمال إذا كانت على غير السنة فإنها لا تكون من الإيمان، أرأيتم البدع التي يبتدعها الناس هل هي من الإيمان؟ لا، ليست من الإيمان، مثل: الطواف حول القبور، والذبح لها، والذكر الجماعي، والاحتفالات البدعية، والأعياد المبتدعة ونحو ذلك، كل هذه الأعمال ليست من الإيمان في شيء، وليست من حقيقة الإيمان.

أدلة شمول الإيمان لقول القلب

أدلة شمول الإيمان لقول القلب أولاً: قول القلب -الذي هو تصديقه-: الدليل عليه هو قول الله عز وجل: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14] ففي هذه الآية تحديد لمحل الإيمان. ويقول الله عز وجل: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:7] فدل على أن هناك ارتباطاً بين الإيمان وبين القلب، فقوله: ((وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ)) يعني: زين الإيمان في قلوبكم. وقال: {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ} [المجادلة:22]. وقال عن المكره الذي ينطق بكلمة الكفر: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل:106]. ولو رجعنا إلى مادة (قلب) في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن لوجدنا أن كثيراً من الأعمال علقت بالقلب، مثل: {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال:2] ونحو ذلك من الأعمال المتعلقة بالقلب، مما يدل على كثرة الأعمال القلبية التي فرضها الله عز وجل على العباد، هذا ما يتعلق بقول القلب. إذاً: من سقط عنده هذا الركن من أركان الإيمان هل يكون مسلماً؟ لا يكون مسلماً أبداً بإجماع المسلمين؛ لأن ضد قول القلب: التكذيب، ولا يكون مكذباً إلا المنافق، حتى المرجئة الذين قالوا: إن الإيمان هو التصديق القلبي فقط، قالوا: من ترك قول القلب -وهو التصديق القلبي- فهو كافر، وكذلك الخوارج، وكذلك أهل السنة قالوا: بأن من ترك قول القلب فهو منافق كافر خارج عن الإسلام.

أدلة شمول الإيمان لقول اللسان

أدلة شمول الإيمان لقول اللسان ثانياً: قول اللسان: والدليل على أن قول اللسان من الإيمان: قول الله عز وجل: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا} [البقرة:137]، ما هو الذي آمنتم به؟ القول، فالله عز وجل أمرهم أن يقولوا: (آمنا)، ولو قالوا: (آمنا) فإن النتيجة هي: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا} [البقرة:137]، وهذا دليل على أن القول من الإيمان. ومما يدل على ذلك أيضاً: قول الله عز وجل: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر:84 - 85]، وما هو الإيمان الذي آمنوا به؟ قولهم: آمنا، فقال: ((فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ))، فسمى قولهم: ((آمَنَّا بِاللَّهِ)): إيماناً. ومما يدل على ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين: (الإيمان بضع وسبعون شعبة: أعلاها قول لا إله إلا الله -هذا هو محل الشاهد- وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان). ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا) أمر الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم بمقاتلة الناس: (حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله) والشهادة: تتضمن الإخبار، والإخبار لا يكون إلا باللسان. ومما يدل على أن قول اللسان من الإيمان: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة) رواه ابن مندة. وأيضاً في الحديث الآخر: (من قال: لا إله إلا الله مستيقناً بها غير شاك دخل الجنة). وفي الحديث الآخر بدل (مستيقناً) قال: (صدقاً)، وهذا يدل على أن قول لا إله إلا الله من الإيمان. إذاً: لو أن إنساناً ترك قول اللسان هل يكون كافراً؟ نقول: قول اللسان منه ما يكون تركه لا شيء فيه، مثل: أذكار النوم والاستيقاظ منه، هذه ليست واجبة، فلو تركها فلا شيء عليه، ومن القول ما يكون تركه إثماً، لكنه لا يصل إلى الكفر، مثل: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو مستطيع له، ومن القول: ما يكون تركه كفراً مخرجاً عن الإسلام، وهو الشهادتان؛ فمن لم ينطق بهما لا يكون مسلماً، والدليل على ذلك: الأحاديث السابقة، ومنها قوله: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)، وهذا يدل على أن الشهادة باللسان ركن أساسي في الإيمان، يزول الإيمان بزواله. والدليل الثاني: ما رواه البخاري عن المسيب بن حزن -وهو أبو سعيد بن المسيب -: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى عمه أبي طالب فقال له: (يا عم! قل: لا إله إلا الله. كلمة أحاج لك بها عند الله)، فمات ولم يقلها، فأصبح مخلداً في النار، مع أنه مصدق بقلبه أن دين محمد من خير أديان البرية ديناً، كما قال ذلك في قصيدته. فلابد إذاً: من النطق بلا إله إلا الله محمد رسول الله، حتى يكون مسلماً. وهل النطق يكفي؟ نقول: لا، لابد أن تضاف إليه الأركان الأخرى، هذا أولاً. ثانياً: لابد أن يكون هذا النطق لإنشاء الالتزام بالدين، ومعنى إنشاء الالتزام بالدين: أن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وهو مصدق بدين الإسلام، ويريد أن يعمل به، لكن لنفترض أنه قال لا إله إلا الله محمد رسول الله، قولاً مجرداً بلا عمل أو اعتقاد، هل ينفعه ذلك؟ لا، لابد أن يقولها وهو يريد الالتزام بدين الله سبحانه وتعالى.

أدلة شمول الإيمان لعمل القلب

أدلة شمول الإيمان لعمل القلب ثالثاً: عمل القلب، وعمل القلب يدخل فيه التوكل على الله عز وجل، فالله عز وجل يقول: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:23]، فجعل التوكل شرطاً في الإيمان، وهكذا أنواع متعددة من أعمال القلب هي شرط في الإيمان، ولهذا ورد في حديث الشفاعة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه مثقال ذرة من إيمان) ومعنى: (في قلبه مثقال ذرة من إيمان) يعني: عمل القلب، فإذا زال عمل القلب هل يكفر الإنسان؟ نقول: إذا زال جزء منه؛ فإنه بحسب ما زال منه، فقد يزول جزء بسيط فلا يكفر، لكن إذا زال كل عمل القلب فإنه يكفر؛ لأنه لا يتصور أن يوجد مسلم لا يحب الله، ولا يخاف من الله، ولا يتوكل على الله، ولا يرجو الله، ولا ينيب إلى الله، وهكذا سائر أعمال القلب الكثيرة إذا زالت منه كلها فهو كافر بالله رب العالمين، ولهذا كان أقل أهل الجنة، وهم آخر من يخرج من النار -وهم الجهنميون- صفتهم: (من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه مثقال ذرة من إيمان) ويعرفون بمواطن السجود، وهذا يدل على أن الصلاة ركن أساسي من أركان الإيمان.

أدلة شمول الإيمان لعمل الجوارح

أدلة شمول الإيمان لعمل الجوارح رابعاً: عمل الجوارح: والدليل على أن عمل الجوارح من الإيمان: قول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:143]. وورد في حديث الشعب أنه قال: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق -وهذا عمل- والحياء شعبة من الإيمان)، والله عز وجل يقول: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:143] يعني: صلاتكم إلى بيت المقدس؛ لأنهم صلوا في البداية إلى بيت المقدس، ثم حولت القبلة، وتحدث بعض الناس عن أن الصلوات التي صلوها لبيت المقدس باطلة، فأنزل الله عز وجل قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:143] فسمى الصلاة: إيماناً، والصلاة عمل من أعمال الجوارح. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الطهور شطر الإيمان) رواه مسلم. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن). وهذا يدل على أن ترك الزنا من الإيمان، والترك من العمل، كما قال الله عز وجل: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:79]، فعبر عن ترك التناهي بالفعل، قال: ((كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ)) يعني: يتركون التناهي، ((كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)) يعني: لبئس ما كانوا يفعلونه من ترك التناهي، فسمى ترك التناهي فعلاً، فترك الزنا فعل وعمل أدخل في الإيمان، قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) إذاً: من ترك الزنا صار مؤمناً، وهكذا أحاديث كثيرة تدل على أن من ترك الكبائر فهو مؤمن. وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له). وقوله: (من غشنا فليس منا). ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (حسن العهد من الإيمان) كما رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الإيمان. إذاً: الإيمان حقيقة مركبة من القول والعمل، والقول: يشتمل على قول القلب وهو: تصديقه، وقول اللسان: وهو النطق بالشهادتين، وما يتبع ذلك من قراءة القرآن والذكر ونحو ذلك، والعمل يشتمل على عمل القلب، وهو خشية الله، والتوكل على الله، ومحبة الله، والرجاء لله عز وجل ونحو ذلك، وأيضاً: عمل الجوارح، مثل: الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة.

حكم ترك شيء من الإيمان

حكم ترك شيء من الإيمان فإن قيل: هل من ترك شيئاً من الإيمان، ولو جزءاً بسيطاً يكفر؟ ف A لا يكفر إذا ترك جزءاً بسيطاً، وذلك بحسب المتروك. والمتروك ثلاثة أنواع: النوع الأول: مندوب ومستحب لا إثم في تركه. والنوع الثاني: واجب يأثم صاحبه، لكنه غير خارج من الإسلام. النوع الثالث: ترك يخرج الإنسان من الإسلام، ويكون صاحبه كافراً. إذاً: المتروكات من الإيمان ثلاثة أنواع: الأول: ترك لا يعاقب الإنسان عليه، وهو ترك المستحب المندوب. والثاني: هو ترك الواجب وهذا يعاقب عليه، لكنه لا يخرج من الإسلام. والثالث: ترك يخرج من الإسلام، ويكون صاحبه كافراً. ترك المندوب مثل: السنن الرواتب والتسبيح، وذكر الله عز وجل في كل مكان، فهذه من النوافل، ولو أن الإنسان تركها لا يعتبر آثماً. وترك الواجب مثل: ترك بر الوالدين، والجهاد في سبيل الله، والصيام، على قول من لم يكفر تارك الصيام. وأما الترك المخرج من الإسلام فهو أنواع: النوع الأول: من ترك الإيمان كله، يعني: من ترك التصديق، وقول اللسان، وعمل القلب، وعمل الجوارح، فهذا كافر لاشك في كفره. والثاني: من ترك تصديق القلب، وهذا كافر بإجماع الطوائف؛ حتى عند المرجئة. الثالث: من ترك الشهادتين من قول اللسان، فهذا أيضاً كافر خارج عن الإسلام كما دلت عليه الأحاديث السابقة. الرابع: من ترك عمل القلب بالكلية، فهذا كافر؛ حتى لو كان مصدقاً، يعني: من ترك عمل القلب لوحده حتى لو كان مصدقاً، وحتى لو كان يقول: لا إله إلا الله بلسانه، وحتى لو كان يصلي ويصوم، ما دام أنه ترك عمل القلب بالكلية، فإنه يكون كافراً. الخامس: من ترك عمل الجوارح بالكلية، لا يصلي، ولا يصوم، ولا يحج، ولا يزكي، ولا يعمل من أعمال الإسلام الظاهرة شيئاً، فهذا لاشك أنه كافر بإجماع السلف الصالح رضوان الله عليهم.

التلازم المتين بين عمل القلب وعمل الجوارح

التلازم المتين بين عمل القلب وعمل الجوارح هناك تلازم قوي بين عمل القلب وعمل الجوارح، فعمل القلب هو: أصل الإيمان في القلب، وإذا وجد عمل القلب فلابد أن يوجد عمل الجوارح مباشرةً، والاتصال بينهما اتصال ثابت شرعاً وواقعاً. أما من الناحية الشرعية: فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) فبين أن العلاقة بين القلب والجوارح علاقة تامة. بمعنى: أنه إذا لم يوجد شيء من عمل القلب، فلا يمكن أن يوجد شيء من عمل الجوارح، وإذا وجد شيء من عمل القلب، فإنه يوجد على قدره شيء من عمل الجوارح، فمن وجد في قلبه شيء من محبة الله، وشيء من الخوف من الله عز وجل، وشيء من التوكل على الله عز وجل؛ فإنه سيوجد مقابله عمل من الجوارح، فلا يتصور أبداً أن يكون عمل القلب موجوداً، وليس هناك عمل للجوارح بالمرة، ولا يتصور أيضاً وجود عمل الجوارح بدون عمل القلب بالمرة إلا في حالة المنافق، ففي الحالة العادية لا يمكن أن يوجد أحدهما دون الآخر. فإذا تصورنا إنساناً عنده عمل من أعمال القلب فإننا نقول: في الحالة الطبيعية لابد أن يوجد عمل الجوارح مباشرةً، ولا يمكن أن يوجد إيمان وتقوى لله عز وجل وقدرة على العمل ثم لا يحصل العمل؛ لأن العمل يتكون من الإرادة التامة، والقدرة الكاملة، فينتج العمل مباشرة، يعني: ما دامت المحبة موجودة لله، والخوف كذلك فلابد أن يحصل شيء من العمل، ولا يمكن أن يفقد العمل بالكلية. وكذلك في الحالة الطبيعية إذا كان يعمل في الظاهر، فهذا مباشرةً يدل على وجود إيمان في الباطن، ويمكن أن يوجد لدى إنسان عمل في الظاهر، وليس عنده عمل في الباطن مثل: المنافق، ويمكن للإنسان أن يكون عنده عمل في الباطن، وليس عنده عمل في الظاهر في حالة المكره، وإن كان الإكراه لا يمكن أن يتصور أن يحيط بالإنسان من كل وجه؛ لأنه يمكن أن يسبح الله من غير تنبه المكرهين له، ويمكن أن يذكر الله من غير أن ينتبه المكرهين له. الشاهد هو: أن العلاقة علاقة تامة، ومطردة وقوية، وبهذه الطريقة تعلمون أن قضية الإيمان قضية حية في واقع المسلمين، وليست قضية نظريات مجردة يعتقدها الإنسان في قلبه ثم لا يعمل بها.

عقائد الفرق الضالة في حقيقة الإيمان

عقائد الفرق الضالة في حقيقة الإيمان بعد أن عرفنا حقيقة الإيمان عند أهل السنة وبينا أدلته، نتطرق إلى عقائد الفرق الضالة في هذا الموضوع، وسنركز الحديث عن المرجئة؛ لأن خطرها عظيم وكبير، وانتسب إليها عدد كبير ممن يظن نفسه على السنة.

عقيدة الخوارج في الإيمان وخطرها

عقيدة الخوارج في الإيمان وخطرها الخوارج يعرفون الإيمان كما يعرفه أهل السنة، ويقولون: الإيمان قول وعمل، لكنهم يرون أن ترك جزء من العمل أياً كان نوع هذا الجزء يخرج الإنسان من الإسلام، فلو أنه ارتكب كبيرة من الكبائر كفر عندهم، ولو أنه ترك واجباً من الواجبات وتكون كبيرة في حقه يكفر أيضاً، وهذا ما خالفهم فيه السلف، فإن الكبائر لا يكفر أصحابها عندهم. ومن الأدلة على أن الكبائر لا يكفر صاحبها: قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، فهذه الآية يبين الله عز وجل فيها أن ما دون الشرك فهو قد يغفر لصاحبه، لكن الشرك لا يغفر، ولا يمكن أن تصنف الكبائر ضمن الشرك؛ لأنها ليست شركاً، والدليل على أنها ليست شركاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما عد أكبر الكبائر فصل الشرك عن الزنا والخمر وغيرها من الذنوب الأخرى، ومن المعلوم أن الكبائر ليس فيها شيء من الشرك، هذا الدليل الأول. الدليل الثاني: أحاديث الشفاعة، وقد نقل ابن الوزير اليماني رحمه الله في كتابه: إيثار الحق على الخلق: أن أحاديث الشفاعة التي فيها أن أصحاب الكبائر لا يخلدون متواترة، ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، ومن كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان) فمن كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان -وهو عمل القلب-، وقال: لا إله إلا الله، يخرج من النار. فإن قيل: أين عمل الجوارح؟ قلنا: عمل الجوارح أخذناه من التلازم بين إيمان القلب وعمل الجوارح، فإن قوله: (مثقال ذرة من الإيمان) يدل على وجوب أن يكون له مقتضى وثمرة، وهي العمل، ولهذا ورد في أحاديث الشفاعة: أن الجهنميين من أهل الصلاة (يعرفون بمواطن السجود)، وهذا يدل على أنهم كانوا يصلون، فإذا كانوا يصلون فلابد أنهم قرءوا القرآن؛ لأن الفاتحة من القرآن وهم يصلون بها، وحينئذ يكون قد حصل لديهم مجموعة من أعمال الجوارح كانوا بها من المسلمين، ولو لم يوجد عندهم قول اللسان، لم يكونوا مسلمين، ولو لم يوجد عندهم عمل القلب، لم يكونوا مسلمين، ولو لم يوجد عندهم عمل الجوارح فإنهم لا يكونون مسلمين أيضاً. وأحاديث الشفاعة تدل على بطلان معتقد الخوارج؛ لأن الخوارج يعتقدون أن الزاني والسارق وشارب الخمر مخلد في النار، وهذا باطل؛ لأن أهل الكبائر يخرجون من النار، ولو كانوا كفاراً لما خرجوا؛ لأن الجنة محرمة على الكفار، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أتاني جبريل وبشرني أن من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، قال أبو ذر: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق)، وهذا يدل على أن أصحاب الكبائر يعذبون على قدر ذنوبهم، ثم يعودون إلى الجنة بعد ذلك؛ لأنهم لم يشركوا بالله شيئاً. والحقيقة: أن خطر الخوارج كبير، فقد تجد إنساناً يتحرج من الصلاة خلف المسلمين، ويقول: لعل هذا الإمام غير مسلم، مع أن الأصل في الناس: السلامة، فتصلي خلف المسلمين ما دام لم يظهر منهم الكفر، وبعضهم يرى أن المحكومين بغير ما أنزل الله كلهم كفار، وهذا لاشك أنه ضلال مبين والعياذ بالله؛ لأن المحكومين بغير الشريعة أصناف: منهم: من رضي وتابع على علم، فهذا كافر. ومنهم: من لم يرض ولم يتابع، فهذا ليس بكافر، والبلدان الإسلامية حكمت بغير ما أنزل الله مع أن فيها علماء وصالحين وأتقياء، لكن ليس لهم حول ولا قوة، بل إن الصحابة عندما كانوا في مكة حكموا بغير ما أنزل الله، ولم يكفرهم أحد. وبعضهم يقول: لابد أن يبين البراءة من الحاكم بغير ما أنزل الله، فيقال: إن التبيين ليس شرطاً في الإيمان حتى ترتب عليه الكفر؛ لأن التبيين قد يراه شخص ولا يراه آخر، وحينئذ قد يكفره من لم يسمع التبيين، وهؤلاء ليس لهم ولاية على المسلمين حتى يقولوا: هذا تبين منه أنه يكفر بالطاغوت، وهذا لم يتبين منه، ولهذا وجد من هؤلاء الجهال من كفر أهل العلم والصالحين والأخيار من الناس؛ لأنهم ليسوا على طريقته، وليسوا على منهجه، ولهذا يجب الحذر من مثل هذه الأفكار الضالة، والخوارج منطلقهم الأول هو الخوض في الحكم بغير ما أنزل الله، ثم يبدءون في تكفير الناس بدون بينة ولا علم. والواجب: هو أن يتعلم الإنسان العلم النافع حتى يكون على بصيرة، وحتى يعرف الكافر الحقيقي من المؤمن الحقيقي، وبهذا يكون على بينة وبصيرة.

عقيدة المرجئة في الإيمان

عقيدة المرجئة في الإيمان الإرجاء هو: إخراج العمل عن مسمى الإيمان؛ فإن المرجئة قالوا: إن العمل لا يدخل في مسمى الإيمان. والمرجئة أصناف متعددة، بعضهم من الغلاة، وبعضهم أقل غلواً، لكنهم جميعاً داخل دائرة واحدة، وغلاة المرجئة هم الجهمية الذين يقولون: إن الإيمان هو المعرفة، فإذا عرف الله، وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مسلم حتى لو لم يصدق، وهذا لاشك أنه كفر مبين، فإن إبليس يعرف الله عز وجل، وقال: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:82]. وفرعون كفر ظاهراً وهو في الحقيقة يعرف الله؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل:14]. وقال الله عز وجل كما قال موسى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [الإسراء:102]. وأبو طالب قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عم! قل: لا إله إلا الله. كلمة أحاج لك بها عند الله) فقال للنبي: هو على ملة عبد المطلب، فكفر مع أنه كان يعلن للناس ويقول: ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا الطائفة الأولى: الغلاة من المرجئة وهم الجهمية، وهؤلاء كفرهم السلف مثل ابن المبارك وغيره. الطائفة الثانية من المرجئة قالوا: إن الإيمان هو التصديق، وأخرجوا ثلاثة أشياء: أخرجوا قول اللسان، وعمل القلب، وعمل الجوارح، وهؤلاء هم الأشاعرة والماتريدية، وهم الضالون في هذه المسائل. الطائفة الثالثة من المرجئة: الذين قالوا: الإيمان هو تصديق القلب، وقول اللسان، وعمل القلب بدون عمل الجوارح، وهؤلاء أيضاً: من الضالين في هذه المسألة، وهم وإن كانوا أقل غلواً وأقل بدعة من أولئك لكنهم في دائرة البدعة، فإن من أخرج عمل الجوارح عن حقيقة الإيمان مرجئ. تنبيه: المرجئة لا يقولون: إن عمل الجوارح والقلب ليس من الإيمان، بمعنى: أنها ليست من أحكام الدين بالكلية، فهذا لا يقوله أحد، حتى الذي يقول هذا كافر لا يمكن أن يقوله، لكنهم يقولون: عمل القلب وعمل الجوارح وقول اللسان من الإيمان، لكن لا يترتب عليه كفر، فإذا ترك قول اللسان فهو مثل الذي يفعل معصية، وإذا ترك عمل القلب فهو مثل الذي يفعل معصية، وإذا ترك عمل الجوارح فهو مثل الذي يفعل معصية، ولهذا يصرح الأشاعرة بأن من ترك قول وعمل القلب واللسان وعمل الجوارح أنه يعذب في النار، لكنهم لا يعتقدون أنه كافر في الدنيا ويخلد في النار. وكذلك الذي يقول: إن أعمال الجوارح ليست من الإيمان، لا يقول: إن الصلاة والصيام والحج ليست من الدين، هذا لا يقوله مسلم، لكنهم يقولون: إن من ترك عمل الجوارح بأكملها فإنه لا يكفر، لكنه يعتبر عاص من العاصين، وهذا خطأ كبير، فإن من ترك قول اللسان وعمل القلب وعمل الجوارح بالكلية فهذا كافر بالله رب العالمين يقام عليه حد الردة في الدنيا، وأحكام الكفر في الدنيا، ويكون في الآخرة من المخلدين في النار.

الآثار المترتبة على الإرجاء

الآثار المترتبة على الإرجاء أما الآثار المترتبة على قضية الإرجاء فكيرة جداً منها: أولاً: تهوين أعمال القلب والجوارح، فإنه أصبح كثير من الناس يتهاونون في هذه المسائل، وليست -في نظره- من المسائل الكبيرة، وبهذا انتشر الفسوق في حياة المسلمين في ظل الإرجاء، وانتشرت المعاصي، والدعارة، وانتشرت الذنوب والمعاصي؛ لأنهم لا يعتقدون أن هذه الأعمال من الإيمان. ثانياً: أن الأشاعرة أخرجوا عمل القلب وعمل الجوارح من الإيمان، وعمل القلب وعمل الجوارح هو نفسه توحيد الألوهية، يعني: إذا قابلنا بين التوحيد والإيمان نجد أن توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وتوحيد الألوهية قول وعمل، فنجد أن توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات يدخل في القول، وتوحيد الألوهية يدخل في العمل. معنى هذا: أن الأشاعرة والماتريدية عندما قالوا: إن العمل ليس من الإيمان: أن توحيد الألوهية ليس من الإيمان أيضاً. ويترتب على هذا: أنهم يرون أن الطواف بالقبور ليس شركاً، وأن الذبح لغير الله ليس شركاً، وأن الاستغاثة بغير الله، مثل مدد يا عبد القادر! أو: مدد يا حسين! أو طلب تفريج الكروب، ومغفرة الذنوب من الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يعتبرونها من الشرك المخرج من الإسلام. والخلاف العميق الذي وقع بين أهل السنة وبين الأشاعرة: أن الأشاعرة أدخلوا عباد القبور ضمن الموحدين والمسلمين، وأهل السنة أخرجوهم، فاختلفنا نحن والمرجئة على طائفة كبيرة من الذين يطوفون حول القبور ويذبحون لها، هذا من جهة. من جهة ثانية: يأتي شخص ويغير أحكام الله عز وجل في مسألة التشريع العام، ويشرع للناس حكماً جديداً، هذا في حكم أهل السنة كافر خارج عن الإسلام؛ لأنه بدل الدين، وكفر بالله رب العالمين، واتخذ المبدل والمشرع إلهاً من دون الله عز وجل؛ لأن التأله معناه: التنسك والتعبد والطاعة لله، ولهذا يقول الله عز وجل عن الرسل أنهم قالوا: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]. ما معنى قوله: ((أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ))؟ يعني: تنسكوا لله، وتعبدوا لله، وأطيعوا الله، فالطاعة داخلة في حقيقة الدين، ولذا كان من يطيع غير الله عز وجل طاعة مطلقة -كطاعتهم في التشريع- كافراً بالله رب العالمين. إذاً: اختلفنا نحن والأشاعرة والماتريدية في طائفة ثانية، وهم: المبدلون لأحكام الله المغيرون لشريعته، الذين يأتون بقانون بريطاني، أو فرنسي، أو أي قانون من القوانين ويجعلونها مهيمنة على الناس، فهؤلاء ليسوا بمسلمين عندنا، أما عند هؤلاء فهم مسلمون. إذاً: الخلاف عميق وكبير وقوي، ولهذا صارت مجادلات كبيرة بين أهل السنة من جهة، وبين الأشاعرة من جهة أخرى. والأشاعرة يسمون أهل السنة خوارج؛ لأنهم يعتقدون أنهم يكفرون الناس بدون دليل أو بينة، ولما ظهر الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقال: إن الطواف حول القبور، والذبح لها، والنذر لغير الله، والسحرة والكهنة والمشغوذين كفار، قالوا: إذاً أنتم من الخوارج، فما استطاعوا أن يفرقوا بين منهج السنة الصحيح وبين الخوارج، فالخوارج يكفرون بالكبائر، وهؤلاء يكفرون بالمكفرات الحقيقية، مثل: عبادة غير الله عز وجل، ولهذا وقعت الخصومة الكبيرة بين أهل السنة وبين المرجئة في واقع المجتمع والحياة. مثال هذا: محمد علوي المالكي، هذا رجل خرافي صوفي، وهو أشعري من جهة أخرى، ففي كتابه: (مفاهيم يجب أن تصحح) له، تجد أنه يرى أن اتخاذ وسيلة بينه وبين الله يستغيث به، ويدعوه من دون الله، ويطلب منه المدد ونحو ذلك، أن هذا ليس من الشرك في شيء، وعندما رد عليه الشيخ صالح آل الشيخ بكتاب: (هذه مفاهيمنا) بين لنا أن هذا المنهج الباطل تسويغ للشرك، ودعوة إلى الشرك، فمعنى هذا: أننا لو تركنا المجال أمام محمد علوي المالكي فسيجعلنا جميعاً نستغيث بالرسول، وحينئذ سنصبح كفاراً جميعاً، ولن يصبح هناك فرق بيننا وبين اليهود والنصارى إذا استغثنا بغير الله، وإذا ذبحنا لغيره؛ لأن اليهود والنصارى كفروا من جهة، ونحن سوف نكفر من جهة أخرى، وحينئذ تضيع حقائق الدين، وتضيع عقائد المسلمين بسبب هذه الفتنة العظيمة، وركنها الأساسي هو الإرجاء. كذلك قالت المرجئة: من سب الله أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لابد أن يعتقد أن سب الله ورسوله حلال، فإذا اعتقد ذلك فهذا معناه أنه مكذب، لكن إذا لم يعتقد فهو غير مكذب، ولهذا انتشر سب الله وسب الرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من المجتمعات التي كان دعاة الإرجاء يملئونها، وأصبح الإنسان يسب الدين ويسب الله عندما يغضب على زوجته وولده. ولو قيل لهؤلاء الناس: إن سب الله عز وجل وسب الرسول صلى الله عليه وسلم كفر مبين يوجب القتل في الدنيا، هل يتجرءون عليه؟ لو تربى الأطفال وهم صغار على أن هذا من الكفر، هل يمكن أن يسبوا؟! لا يمكن أبداً. وهكذا أصبح السحرة عند محمد علوي المالكي

عقيدة أهل السنة في عصاة أهل القبلة

عقيدة أهل السنة في عصاة أهل القبلة قال: [وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية]. وهذا أيضاً مما اتفق عليه أهل السنة والجماعة: أن الإيمان يزيد وينقص. [وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة]. وأهل القبلة هم الذين قالوا: لا إله إلا الله، وصلوا، لا يكفرونهم بالكبائر، لكن إذا ارتكب أحد من أهل القبلة كفراً يخرج عن الإسلام كفروه إذا وجدت فيه الشروط وانتفت عنه الموانع. وقد نسبوا إلى القبلة؛ لأنهم من أهل الصلاة، وهذا يدل على أن من لم يصل لا يعتبر من أهل القبلة، وعلى أن تارك الصلاة ليس من أهل القبلة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم) أي: في الظاهر، فلو أن رجلاً صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، ثم طاف بقبر لا يعتبر مسلماً إذا أقيمت عليه الحجة. قال: (لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر، كما يفعله الخوارج)، فإن الخوارج يكفرون بالكبائر، ويستدلون على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن). ويقولون: النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الزاني في زناه لا يكون مؤمناً، نقول: نعم. لا يكون مؤمناً كامل الإيمان؛ لأن الإيمان فيه كمال وفيه أصل، فهو ليس بمؤمن كامل الإيمان، لكن أصل إيمانه موجود. لو أن إنساناً مات على الزنا، أو مات وهو مخمور فإنه يعاقب على ذنبه إذا شاء الله عز وجل، ثم يدخل الجنة إذا كان عنده أصل الإسلام وأصل الإيمان. ومشكلة أهل البدع في الاستدلال: أنهم يأخذون طرفاً من النصوص ويتركون أطرافاً، فتجد أحدهم يأخذ حديثاً واحداً، ولا يعرف عن عشرات الأحاديث الأخرى. يقول: (كما يفعله الخوارج) بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي، حتى لو كان الإنسان عاصياً فأخوة الدين ثابتة، كما قال سبحانه: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:178]. قوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ} [البقرة:178] المقصود: بأخيه هنا: القاتل، والضمير في أخيه يرجع إلى ولي الدم، وهو ولي المقتول، فاعتبر القاتل أخاً لولي المقتول وللمقتول أيضاً؛ لأنهم جميعاً مسلمين، لكن القاتل عاص، ويعاقب على عصيانه إذا شاء الله عز وجل. وقال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات:9]، فوصفهم بالإيمان مع أنه قال: ((اقْتَتَلُوا)). {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9]. ويقول الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10] يعني: وصفهم بالإيمان مع وجود الشحناء والبغضاء والاقتتال بينهم. قال: [ولا يسلبون الفاسق الملي الإسلام بالكلية، ولا يخلدونه في النار كما تقول المعتزلة]. المعتزلة يقولون: من فعل الكبيرة في الدنيا فهو في منزلة بين المنزلتين، لا نسميه مسلماً، ولا نسميه كافراً، وهذه بدعة جديدة، أما حاله في الآخرة فقد وافقوا الخوارج؛ لأنهم يعتقدون أنه مخلد في النار، لكن أهل السنة لا يسلبون الفاسق الملي الإسلام، والفاسق الملي معناه: المسلم العاصي، فاسق يعني: عنده عصيان، الملي: يعني: الذي على ملة الإسلام لم يكفر، ولم يخرج عن الإسلام، فهذا لا يسلبونه الإسلام، يعني: لا يجعلونه كافراً بفسوقه، ولا يخلدونه في النار كما تفعل المعتزلة والخوارج الذين اتفقوا في شيء واختلفوا في شيء، فاتفقوا على أن يخلدوه في النار، واختلفوا في حاله في الدنيا، أما حاله في الدنيا فقد اتفقوا من جهة، واختلفوا من جهة: اتفقوا من جهة أنه مسلوب الإيمان، فالخوارج لا يعتقدون أنه مؤمن؛ لأنه عندهم كافر، والمعتزلة لا يعتقدون أنه مؤمن؛ لأنه في منزلة بين المنزلتين. يقول الله عز وجل: {وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء:92] جاءت مطلقة، يعني: حتى لو كان عندها شيء من العصيان. وقال: [وقد لا يدخل في اسم الإيمان المطلق]. وعندنا الإيمان المطلق ومطلق الإيمان، فما الفرق بين مطلق الإيمان والإيمان المطلق؟ مطلق الإيمان يعني: وجود أصل الإيمان، والإيمان المطلق يعني: الإيمان الكامل، فالفاسق عنده مطلق الإيمان، ليس عنده الإيمان المطلق؛ لأن الإيمان المطلق لا يكون إلا عند من وحد لله سبحانه وتعالى، وآمن وترك الذنوب والمعاصي، لكن من كانت عنده ذنوب ومعاص فإن عنده مطلق الإيمان وليس عنده الإيمان المطلق، ولهذا يقول: وقد لا يدخل -يعني: الفاسق الملي- في اسم الإيمان المطلق، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال:2]، هؤ

الأسئلة

الأسئلة

حكم تارك الصلاة وكيفية معاملته

حكم تارك الصلاة وكيفية معاملته Q ما حكم من يترك الصلاة حيناً ويصلي حيناً، وهل يعتبر من المسلمين أم لا؟ وكيف يتعامل معه إن كان من الأقارب؟ A اتفق السلف رضوان الله عليهم وأجمعوا على أن ترك الصلاة كفر، ثم اختلفوا متى يكون كافراً؟ هل هو عند الترك المطلق، أو عند مطلق الترك، يعني: هل يكون بترك فرض أو فرضين، أو يكون بالترك نهائياً. قال بالأول بعضهم، وقال بالثاني: آخرون، والتحقيق في هذه المسألة هو: أن من ترك الصلاة حتى سمي تاركاً وصح عليه لفظ الترك فقد كفر، يعني: من يمر عليه شهران، ثلاثة، أو أربعة أشهر، فهذا يتحقق فيه اسم الترك إذا لم يصل فرضاً فيها، وحينئذ يكون كافراً، هذا بالنسبة للحكم. أما بالنسبة للتعامل فهو ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: التعامل الدعوي، فالتعامل الدعوي حتى مع الكافر، ينبغي أن نعامله بلطف من أجل أن نكسبه ونستميل قلبه إلى الإيمان، سواء كان تاركاً للصلاة، أو شارباً للخمر، أو صاحب ذنوب ومعاص كثيرة، وأن نجذبه بإحسان، لكن النوع الثاني من التعامل، هو: التعامل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يعني: لو أن إنساناً له أخت عند شخص لا يصلي بالمرة، فهذا لابد أن يسحب أخته؛ لأنها إذا بقيت عنده فستكون معاشرته لها بالحرام؛ لأن التارك للصلاة بالمرة ليس بمؤمن، بل هو كافر، والله عز وجل يقول: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10]، فلا يجوز حينئذ أن تبقى عنده أبداً. إذاً: هناك فرق بين التعامل في حالة التعامل نفسها، مثلاً: رجل لا يصلي بالمرة، وتعرف أنه لا يصلي، ثم مات فلا تصل عليه، وإذا كنت تغسل الموتى فلا تغسله، وإذا كان قريباً لك فتمتنع من الإرث؛ لأنه ليس بمسلم إذا تيقنت أنه كافر، لكن لا يستعجل الإنسان في هذه الأمور، بل ينبغي أن يكون متريثاً، ودقيقاً فيها؛ لأنه يترتب عليها كثير من المشكلات.

الفرق بين المشرك والكافر

الفرق بين المشرك والكافر Q ما الفرق بين المشرك والكافر؟ A هو نفسه الفرق بين الشرك والكفر، وهما بابان لحقيقة واحدة، فالشرك: هو عبادة يصرفها الإنسان لغير الله مع الله، والكفر جحود لما أوجب الله سبحانه وتعالى عليه. نكتفي بهذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

العقيدة الواسطية [20]

العقيدة الواسطية [20] للصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم مكانتهم العظيمة في الإسلام, فهم حملة لوائه, وناشروه في الأقطار, ولذا كانت لهم منزلتهم في قلوب أهل السنة اعتقادًا يدينون الله تعالى به, فيرون وجوب سلامة صدورهم لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, ويعتقدون فضلهم على غيرهم, وتفاضل مراتبهم, والشهادة بالجنة لمن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك, وتفاضل الأربعة الخلفاء, والبراءة من طريقة الرافضة والخوارج تجاههم, والإمساك عما شجر بينهم, وغير ذلك مما يعتقدونه بشأنهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

مسائل وأحكام في عقيدة أهل السنة في الصحابة

مسائل وأحكام في عقيدة أهل السنة في الصحابة إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. أما بعد: فسبب دخول باب الصحابة في أبواب العقيدة أنه وجد من الضالين المنحرفين عن سواء السبيل من طعن فيهم، وتكلم عليهم، ونقص من قدرهم، أو من رفع بعضهم فوق منزلته الشرعية التي يجب أن ينزله إياه. وهذا الباب يوجد في مصنفات أهل العلم في العقائد مثل: أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، والشريعة للآجري، والإبانة لـ ابن بطة، وغيرها من مصنفات أهل العلم في العقائد. وقد أفرد له البخاري رحمه الله في صحيحه كتاباً مستقلاً سماه: كتاب المناقب، وكذلك الإمام مسلم في صحيحه أفرد له كتاباً سماه: كتاب الفضائل، وأورد فيه فضائل الصحابة رضوان الله عليهم. والإمام ابن ماجة القزويني رحمه الله تعالى جعله ضمن كتاب السنة في كتابه السنن. أما الترمذي رحمه الله؛ فإنه أفرد له كتاباً سماه: المناقب أيضاً. وقد صنف أهل العلم قديماً وحديثاً مصنفات مستقلة في موضوع الصحابة، ومن أشهرها كتاب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى الذي سماه: فضائل الصحابة. والصحابة رضوان الله عليهم جم غفير، يقول أبو زرعة الرازي: إن عدد الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورووا عنه وسمعوه يتجاوزون المائة ألف، فقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بما يقارب المائة ألف، وقد رأوه صلى الله عليه وسلم، واجتمعوا به، واستمعوا إلى خطبته عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

تعريف الصحابي

تعريف الصحابي التعريف الدقيق والحد المنضبط للصحابي هو: كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك. والمقصود باسم الإشارة (ذلك) يعني: مات على الإيمان. وقولنا: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم، يشمل الرجال والنساء، ويشمل كذلك من رآه بنظره، ومن سمعه بأذنه كالأعمى، ولهذا لفظة: (من لقي) أدق من لفظة: (من رأى). وقولنا: (وهو مؤمن به) يخرج من لقيه من الكفار، كعمه أبي لهب، أو أبو جهل، أو غيرهم من الكفار الذين التقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسلموا، ومنهم اليهوديان اللذان التقيا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقالا له: (نشهد أنك رسول الله، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يمنعكما أن تتبعاني؟ قالا: تقتلنا يهود) فرجعوا ولم يؤمنوا، فهؤلاء وإن رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدوا بأنه نبي مرسل من الله سبحانه وتعالى، إلا أنهم ليسوا من الصحابة؛ لأنهم لم يؤمنوا به. وقولنا: (ومات على ذلك) يخرج به من لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مؤمن، ثم ارتد عن الإيمان، كبعض الذين التقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدوا وقاتلهم الصحابة وقتلوا، كـ مسيلمة الكذاب وغيره من المرتدين.

مسائل متعلقة بتعريف الصحابي

مسائل متعلقة بتعريف الصحابي وهناك مسائل يذكرها أهل العلم في تعريف الصحابي: المسألة الأولى: هل عيسى عليه السلام يعتبر من الصحابة؟ الواقع أن عيسى عليه السلام ينطبق عليه حد الصحابي، فقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في السماء عندما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء، وهو مؤمن به، وهو لم يمت بعد، وسينزل في آخر الزمان، ثم يموت وهو مؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم ولهذا ذكره بعض من ترجم لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. المسألة الثانية: هل النساء يدخلن في تعريف الصحابي؟ نعم. النساء يدخلن في تعريف الصحابي كما هو واضح في التعريف، فـ (مَن) مِن ألفاظ العموم التي تشمل الرجال والنساء. المسألة الثالثة: من ارتد ثم عاد إلى الإسلام بعد ذلك، كـ الأشعث بن قيس هل هو داخل في الصحابي؟ نقول: نعم. داخل في حد الصحابي، وهو ينطبق عليه أنه لقي النبي وهو مؤمن، ثم مات على الإيمان، لأنه بعد ردته آمن مرة أخرى. المسألة الرابعة: ما هو الدليل على أن من لقي الرسول صلى الله عليه وسلم ولو مرة واحدة أنه من الصحابة؟ يعني: النبي صلى الله عليه وسلم عندما حج وحج معه مائة ألف، ما الدليل على أن هؤلاء من الصحابة؟ الدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة رضي الله عنها بأن تأمر أبا بكر أن يصلي بالناس، فراجعته في ذلك، وقالت له: إن أبا بكر رجل رقيق، وإذا وقف مكانك لا يملك نفسه من البكاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكن صويحبات يوسف، مرن أبا بكر فليصل بالناس) فسمى من لقي يوسف عليه السلام من النسوة اللاتي قطعن أيديهن، وهن لم يلتقين به إلا مرة واحدة صويحبات، وهذا دليل واضح على أن من لقي إنساناً مرة واحدة فإنه يسمى صاحبه لغة. المسألة الخامسة: أن الصحابة ليسوا على مرتبة واحدة في الفضل؛ فمن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة واحدة ليس كمن عاش مع النبي صلى الله عليه وسلم وجاهد معه وبذل، وليس كمن رافقه كـ أبي بكر الصديق ودافع عنه، واجتهد في نصرة الدين معه، ليسوا على درجة واحدة.

سلامة قلوب أهل السنة وألسنتهم للصحابة رضي الله تعالى عنهم

سلامة قلوب أهل السنة وألسنتهم للصحابة رضي الله تعالى عنهم يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم]. ممن يتفق مع أهل السنة والجماعة من الطوائف في باب الصحابة: الأشاعرة والماتريدية؛ ولهذا يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه منهاج السنة النبوية: أن لفظة (أهل السنة) تطلق ويراد بها ما يطلقه العامة، والعامة تطلق أهل السنة فيما يقابل الشيعة الروافض الذين يشتمون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا المعنى يكون الأشاعرة من أهل السنة وهو الإطلاق الذي تطلقه العامة، وهذا إطلاق عرفي؛ لأن الأشاعرة وأهل السنة والماتريدية اتفقوا على مخالفة الشيعة في هذه المسألة من مسائل العقيدة، فسموا هؤلاء الطوائف أهل السنة، وهذا اصطلاح عرفي تطلقه العامة لا ينبني عليه مدح ولا ذم إلا في موافقتهم للسنة فإنهم يمدحون في ذلك. والإطلاق الثاني هو: أن أهل السنة هم الذين يقابلون أهل البدعة، وحينئذ فلا يدخل الأشاعرة، ولا تدخل الماتريدية في هذا التعريف، فإن أهل السنة هم أهل السنة المحضة الخلص الصافين من الابتداع، والأشاعرة عندهم بدع عقائدية علمية وعملية في مثل باب الصفات والإيمان والقدر وغيرها. يقول: [ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وصفهم الله به في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10]]. هذه الآية جاءت بعد آيتين في موضوع الصحابة، وهي في موضوع الفيء. الآية الأولى في المهاجرين: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر:8] إلى آخر الآية. والآية الثانية في الأنصار: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ} [الحشر:9]، والمقصود بالدار: المدينة. والآية الثالثة هي في أهل السنة الذين جاءوا من بعد المهاجرين والأنصار: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر:10] يعني: جاءوا من بعد المهاجرين والأنصار: {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر:10]، وقد أخذ بعض أهل العلم من هذه الآية فائدة فقهية، وهي: أن الشيعة ومن سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليس له شيء في الفيء، فإن الله قال: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر:8] ثم قال في الآية التي بعدها: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ} [الحشر:9] يعني: لهم نصيب في الفيء، ثم قال في الآية الثالثة: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر:10] والشيعة ليسوا من المهاجرين، وليسوا من الأنصار، وليسوا من الطائفة التي تقول: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر:10]؛ لأنهم يتكلمون في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم.

اعتقاد أهل السنة فضل الصحابة على غيرهم

اعتقاد أهل السنة فضل الصحابة على غيرهم يقول: [وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله]. طاعة هنا معطوفة على قوله: (سلامة قلوبهم) يعني: ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أصولهم أيضاً: [طاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده! لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه)]. هذا الحديث حديث صحيح رواه البخاري ومسلم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق) يعني: في سبيل الله. (مثل أحد) وهو الجبل المعروف في المدينة. (ذهباً) يعني: تصدق بأغلى أنواع الأثمان. (ما بلغ) يعني: في الأجر والمكانة عند الله عز وجل. (مد أحدهم) يعني: ما بلغ مثل ما يتصدق به الواحد من الصحابة بمقدار المد، وهو ربع الصاع (ولا نصيفه). وهنا تلاحظون مقابلة بين رجل من الصحابة ورجل من المؤمنين من غير الصحابة، هذا الرجل من المؤمنين تصدق بمثل أحد ذهباً في سبيل الله، وذاك الرجل من الصحابة تصدق بمقدار المد من الطعام، كيف عرفنا أن المقصود بالمد هنا الطعام؟ لأن المد من المكيلات، والذهب من الموزونات، ولا يمكن أن يقصد بالمد هنا مد الذهب، وإنما المقصود به مد الطعام؛ لأنه لو كان المقصود به مد الذهب لجعله من الموزونات. وما الفائدة أن يكون من المطعوم أو من الذهب؟ الفائدة: أن هذا المتصدق من غير الصحابة تصدق بما هو أكثر حجماً، وأجود نوعاً، والصحابي تصدق بما هو أقل حجماً وكماً وأقل نوعاً، ومع هذا فضل مد الصحابي على مثل الجبل من الذهب الذي يتصدق به من بعده. ولهذا صدقة الصحابة أفضل من صدقة غيرهم، وهذا يدل على أن فضل الصحابة أكبر من فضل غيرهم، فهل يصح أن يسب مثل هؤلاء الفضلاء؟!

اعتقاد أهل السنة تفاضل مراتب الصحابة

اعتقاد أهل السنة تفاضل مراتب الصحابة يقول: [ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم]. وقد سبق أن أشرنا إلى أن أهل العلم رووا فضائلهم في الصحيحين والسنن، وجعلها بعضهم من العقيدة كما فعل الإمام ابن ماجة القزويني رحمه الله تعالى في سننه المعروفة بسنن ابن ماجة حيث جعلها في كتاب السنة؛ لأن علاقة فضائل الصحابة بالعقيدة علاقة قوية. يقول: [ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم، ويفضلون من أنفق من قبل الفتح -وهو صلح الحديبية- وقاتل على من أنفق من بعد وقاتل]. لا شك أن الصحابة ليسوا على مرتبة واحدة في الفضل، وإنما هم على مراتب، فمن أسلم قبل صلح الحديبية أفضل ممن أسلم بعد صلح الحديبية. الدليل على هذا: قول الله عز وجل: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد:10]. هذه الآية فيها تقرير واضح لفضل من أنفق من قبل الفتح وقاتل على من أنفق من بعد الفتح وقاتل. والدليل على أن الفتح هو صلح الحديبية: قول الله عز وجل: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح:27]. وقد أنزل الله عز وجل في هذه الحادثة -صلح الحديبية- سورة كاملة وهي سورة الفتح وبدأها بقوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:1] فسمي صلح الحديبية فتحاً. وقد يقول قائل: كيف يسمى صلح الحديبية فتحاً مع أنه صلح اتفاق مع الكفار على شروط، وقد رأى بعض الصحابة رضوان الله عليهم أن في هذه الشروط تقليلاً لهيبة المسلمين، وتعظيماً لقوة الكافرين، ومع هذا سمي فتحاً؟ نقول: كان ذلك فتحاً بإذن الله عز وجل وبأمره، وذلك أن هذه الفترة التي عاهد النبي صلى الله عليه وسلم فيها الكفار كانت من أعظم الفترات التي أسلم فيها عدد كبير من الصحابة رضوان الله عليهم، فقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صلح الحديبية بألف وأربعمائة وحصل الصلح، ودخل مكة فاتحاً بعشرة آلاف، وهذا يدل على الفتح العظيم الذي حصل بهذا الصلح. إذاً: الصحابة الذين أسلموا قبل صلح الحديبية أفضل من الصحابة الذين أسلموا بعد صلح الحديبية. يقول: [ويقدمون المهاجرين على الأنصار]. لأن المهاجرين أسلموا قبل الأنصار، ولأنهم جمعوا بين خصلتي الهجرة والنصرة، أما الأنصار فلهم خصلة النصرة. يقول: [ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر - وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر -: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)]. هذا حديث رواه البخاري ورواه مسلم في قصة حاطب بن أبي بلتعة عندما كتب رسالة إلى أهل مكة يخبرهم فيها بأن النبي صلى الله عليه وسلم قادم إليهم، فجاء الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأرسل علياً بن أبي طالب ومعه آخر وقال: ستجدون امرأة في مكان كذا وكذا معها كتاب من حاطب إلى أهل مكة فجاءوا إلى المكان المعين، فوجدوا هذه المرأة وطلبوا منها الكتاب فرفضت، فهددها علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنها إن لم تأت بالكتاب فإنه سيعريها من ملابسها، فلما رأت منه العزم أخرجت الكتاب. فلما جيء بالكتاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال عمر بن الخطاب: دعني أضرب عنق هذا المنافق، وهذا يدل على أن موالاة الكفار من النفاق، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم في كون هذا العمل من النفاق، لكنه سأل المعين وهو حاطب - قائلاً: ما حملك على ذلك؟! فتأول حاطب وهذا يدل على أن الإنسان إذا تلبس بالكفر فإنه لا يلزم أن يكون كافراً مباشرة، ولا بد من توفر الشروط وانتفاء الموانع، ومن ذلك: التأول؛ فإن حاطباً تأول، حيث كان له مال في مكة، وليس له أحد يحمي ماله في مكة، وخشي أن يتلاعب به الكفار، فقال: يا رسول الله! إن لأصحابك من يحمي أموالهم في مكة، وليس لي أحد يحمي مالي في مكة، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمر: (وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر -وحاطب منهم- فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). وقد عد ابن سعد في الطبقات الكبرى أسماء الثلاثمائة والأربعة عشر في كتابه؛ لأنه أفرد للبدريين طبقة خاصة لفضلهم. أما قوله: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)، فليس فيه دعوة إلى فعل المعاصي، ويمكن مراجعة كلام ابن القيم رحمه الله في الفوائد لمعرفة هذه القضية. يقول: [وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة]. هذه البيعة حصلت في صلح الحديبية؛ فإن الصح

شهادة أهل السنة بالجنة لمن شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم من الصحابة

شهادة أهل السنة بالجنة لمن شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم من الصحابة يقول: [ويشهدون -يعني: أهل السنة- بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم]. فمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالجنة يشهدون له بالجنة يقيناً لا تردد فيه، أما غيرهم من العلماء والصالحين والفضلاء فإننا نرجو لهم الجنة، لكن لا نشهد يقيناً بها لأحد إلا لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيناً بها كالعشرة وهم معروفون، وسموا بالعشرة لأنهم جمعوا في حديث واحد رواه أبو داود. ومنهم ثابت بن قيس بن شماس وهو صحابي جليل تأثر من قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات:1]، ثم قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} [الحجرات:3]، وقبلها بين أن من رفع صوته فإنه يكاد أن يحبط عمله، وكان رجلاً ذا صوت مرتفع، فخشي أن يكون ممن شملته هذه الآية، فبقي في بيته لا يشهد صلاة الجماعة، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بما يظن، فبشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة. يقول: [وغيرهم]. وغيرهم كثير كأمهات المؤمنين مثلاً، وورقة بن نوفل؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تسبوا ورقة، فإني رأيت له جنة أو جنتين). وأيضاً: كأصحاب الشجرة وأهل بدر فإنهم يدخلون في هذا، وغيرهم ممن شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، ومنهم بلال بن رباح وغيره.

اعتقاد أهل السنة تفاضل الأربعة بحسب ترتيب خلافتهم

اعتقاد أهل السنة تفاضل الأربعة بحسب ترتيب خلافتهم يقول: [ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره: من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ويثلثون بـ عثمان، ويربعون بـ علي رضي الله عنهم كما دلت الآثار]. قوله: (يثلثون) يعني: يجعلون عثمان ثالثاً. وقوله: (يربعون) يعني: يجعلون علياً بن أبي طالب رابعاً. ولا شك أن أهل السنة أجمعوا على أن أفضل الصحابة على الإطلاق أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب رضي الله عنه. أما عثمان وعلي بن أبي طالب فإن أكثر أهل السنة على أن عثمان أفضل من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ووجد من أهل السنة من قال بأن علياً أفضل من عثمان، فيجعلون الترتيب كالآتي: أفضل الصحابة أبو بكر ثم عمر ثم علي ثم عثمان في الفضل. أما في الخلافة والبيعة فإنهم مجمعون على أن الخلفاء بالترتيب التالي: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي. إذاً: الخلاف الواقع بين أهل السنة في أول الأمر هو في أفضيلة علي على عثمان، وليس في كونه أولى بالخلافة منه؛ لأنهم متفقون على أن عثمان أولى بالخلافة من علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وهذا الاتفاق يدل على ضعف قول من فضل علياً بن أبي طالب على عثمان رضي الله عنهم أجمعين، فإذا كان عثمان أولى بالخلافة منه، وقد بويع بالخلافة، ورضيه علي وسائر الصحابة، وعليه أهل السنة من بعدهم، فهو أيضاً يدل على فضله عليه، وليس في فضل أحدهم على الآخر منقصة للآخر، بل هو فاضل ولكنه أمام الآخر يعد مفضولاً.

الآثار الدالة على تفاضل الأربعة

الآثار الدالة على تفاضل الأربعة وقوله: (وقد دلت على ذلك الآثار) والآثار في هذا الموضوع كثيرة جداً، منها: ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم -يعني: والنبي يقر هذا- لا نعدل بـ أبي بكر أحداً، ثم عمر ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم. وقد صرح علي بن أبي طالب رضي الله عنه أكثر من مرة على المنبر في الكوفة: أن أفضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم أبو بكر وعمر، وقد سأله ابنه محمد بن الحنفية وقال له: من أفضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال له: أبو بكر، ثم قال له ابنه: ثم من؟ قال: ثم عمر، يقول محمد: فخشيت أن أقول: ثم من؟ فيقول: عثمان. وهذا يدل على قوة رأي من فضل عثمان على علي رضي الله عنهم أجمعين. يقول محمد الحنفية: فقلت له: ثم أنت؟ فقال: ما أنا إلا رجل من المسلمين. ويقول شريك بن عبد الله القاضي، وقد كان من محبي علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يقول: سمعت علياً بن أبي طالب يقول على أعواد منبر الكوفة، أفضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر. وهذا يدل على أن من فضل علياً بن أبي طالب على أبي بكر وعمر فهو ضال مبتدع بمخالفته لأقوال النبي صلى الله عليه وسلم، ولما تواتر عن الصحابة رضوان الله عليهم في هذا الأمر، والمخالف للإجماع ضال، لقول الله عز وجل: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115].

المفاضلة بين علي وعثمان رضي الله تعالى عنهما

المفاضلة بين علي وعثمان رضي الله تعالى عنهما يقول شيخ الإسلام: [وكما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة - يعني: في الخلافة - مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي رضي الله عنهما بعد اتفاقهم على أبي بكر وعمر أيهما أفضل، فقدم قوم عثمان وسكتوا وربعوا بـ علي، وقدم قوم علياً، وقوم توقفوا]. إذاً: في مسألة أفضلية علي على عثمان أو عثمان على علي أربعة أقوال: القول الأول وهو الصحيح: تفضيل عثمان على علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. والقول الثاني: أنهم كانوا يفضلون فيقولون: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم يسكتون. والقول الثالث: أنهم كانوا يقولون: أفضل الصحابة هم أبو بكر ثم عمر ثم علي ثم عثمان. والقول الرابع: التوقف في المسألة، يقولون: أبو بكر ثم عمر ثم يتوقفون في أيهما أفضل عثمان أم علي. يقول: [لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان على علي]. وهذا يدل على أن الواسطية دقيقة الألفاظ، فقد بين أن مسألة تقديم علي على عثمان نوعان: الأولى: تقديم في الأفضلية، وهذا محل خلاف، وليست من مسائل الأصول التي يضلل فيها المخالف، وإن كان الراجح: هو تقديم عثمان على علي. الثانية: مسألة الخلافة والبيعة: ولا شك أن عثمان بن عفان متقدم على علي فيها، وهذا التقدم يصح أن يكون دليلاً على من قدم عثمان على علي في الأفضلية؛ لأنه لا يمكن أن يكون المفضول خليفة والفاضل موجوداً؛ لأن هذه خلافة راشدة أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم. يقول: [وإن كانت هذه المسألة -مسألة عثمان وعلي - ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة، لكن التي يضلل فيها مسألة الخلافة، وذلك أنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي]. ولا شك أن هذه من الدقة عند شيخ الإسلام رحمه الله. يقول: [ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله]. يعني: من طعن في خلافة أبي بكر، أو في خلافة عمر، أو في خلافة عثمان، أو في خلافة علي فهو ضال مضل، وهو أجهل من حمار أهله.

براءة أهل السنة من طريقة الروافض والنواصب تجاه الصحابة

براءة أهل السنة من طريقة الروافض والنواصب تجاه الصحابة ثم يقول: [ويتبرءون من طريقة الروافض]. الروافض: جمع رافضي، والرافضة سموا رافضة؛ لأنهم رفضوا زيداً بن علي بن الحسين عندما تولى الشيخين، فإنه عندما فضل أبا بكر وعمر على علي قالت له الرافضة: إما أن تقدم علياً وتفضله على الشيخين وإلا تركناك، فتركوه فقال: رفضتموني، فسموا: رافضة. يقول: [الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم]. والشيعة المعاصرون يكفرون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كفروهم فطبيعي أن يسبوهم ويشتموهم، ويتهموهم بأي أمر من الأمور؛ لأنه ليس بعد اتهامهم بالكفر مصيبة أكبر منها. والحقيقة: أن طريقة الشيعة طريقة خطيرة جداً؛ لأننا إذا كفرنا أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وهم نقلة الشريعة والأخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فحينئذ لا يثبت عندنا حديث، فأحاديث أبي هريرة كلها باطلة عندهم، وأحاديث عائشة مثلها، وأحاديث أنس وابن عباس وابن عمر وغيرهم من الصحابة جميعاً كلها باطلة غير صحيحة. إذاً: لن يبقى من السنة إلا مجموعة أحاديث قليلة رواها علي بن أبي طالب، أو المسور بن مخرمة أو سلمان الفارسي، وهم تقريباً خمسة من الصحابة الذين لا يسبونهم، وهذا كما قال أهل العلم في حقيقته: طي لبساط الشريعة، يعني: لا يصبح هناك شريعة؛ لأن الآثار جميعاً غير مقبولة عند هؤلاء. يقول: [ويتبرءون أيضاً من طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل]. والنواصب: جمع ناصبي، وهم من ناصبوا علياً بن أبي طالب وذريته العداء، كـ الحجاج بن يوسف الثقفي ومسلم بن عقبة الذي كان قائداً له عندما قاتل أهل مكة، وكان السلف يسمونه: مسرفاً، وغيرهم من عمال بني أمية، وبعض الأمويين ممن كان ضد أهل البيت وناصبهم العداء.

اعتقاد أهل السنة الإمساك عما شجر بين الصحابة

اعتقاد أهل السنة الإمساك عما شجر بين الصحابة يقول: [ويمسكون عما شجر بين الصحابة]. الخلاف الذي وقع بين الصحابة عندما اقتتلوا بعد عثمان بن عفان رضي الله عنه خلاف اجتهادي، فبعد قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه انقسم الناس إلى ثلاث طوائف: الطائفة الأولى: هم طائفة الخلافة، وهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه، وهؤلاء قالوا: ننتظر حتى يهدأ الناس ثم نتتبع قتلة عثمان ونقتلهم جميعاً. والطائفة الثانية: هم أهل الشام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ومن معه، وهؤلاء قالوا: لا بد من قتل هؤلاء الذين قتلوا عثمان الآن. والطائفة الثالثة: هم الذين أمسكوا عن الفتنة. والممسكون عن الفتنة أنواع: فبعضهم: أمسك عن الفتنة وهم عامة الصحابة كـ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وغيره من الصحابة؛ لأنهم يحفظون أخباراً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها ستقع فتنة، وأن الممسك عنها هو صاحب الحق. وبعضهم: أمسك لأنه لم يعرف وجه الحق في المسألة، كأهل الثغور الذين كانوا على الحدود والمشاركين في الجهاد في سبيل الله. وبعضهم: أمسك لأنه لم يعرف الحق لكنه وقع في بدعة، وهي قوله: إن الطائفتين مخطئتان. والصحيح في هذه المسألة هو: أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً أهل خير وصدق، والفتنة التي وقعت عندهم وقعت باجتهاد، والاجتهاد يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر). ونحن نعتقد أن المصيب في هذه الفتنة هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأن أهل الشام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وعمرو بن العاص رضي الله عنه ومن معهم أخطئوا في هذه الفتنة، لكن ما عندهم من الفضل والخير والجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم ومن الصحبة تمسح هذا الخطأ إن لم يكونوا مأجورين فيه؛ لأن المجتهد إذا كان مصيباً فله أجران، وإذا كان مخطئاً فله أجر، فهو ليس بآثم أصلاً. ولو فرضنا أن بعضهم وقع في الإثم؛ فإن ما وقعوا فيه من الإثم أقل بكثير جداً من فضائلهم وحسناتهم، والله عز وجل يقول: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114]. يعني: لو فرضنا أنهم وقعوا في خطأ وزلة فإن الحسنات تذهب هذه السيئة، والصحابة ليسوا بمعصومين من الخطأ، وقد يقع بعضهم في الكبائر، وقد وقع بعضهم في الزنا، لكن ما عندهم من فضل الصحبة والجهاد والصدق ونصرة الدين وإقامته ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لا يقف معه خطأ أبداً. والميزان الحقيقي الصحيح هو: أن الصحبة لا يقف دونها خطأ، والواجب فيما شجر بين الصحابة: الإمساك وترك الخوض فيه، وخصوصاً العامة ومن لا علم عنده، لا سيما وقد روي في هذه الأحداث كثير من الأخبار الموضوعة والمكذوبة والتي هي من الكذب المحض، ولهذا استغل المستشرقون وأذنابهم من المستغربين هذه الحادثة استغلالاً بشعاً؛ فإنهم اعتمدوا في كثير من أخبار في هذه الفتنة على روايات وضعتها الشيعة، وعلى أخبار موضوعة ومكذوبة، وأصبحوا يتحدثون عن الفتنة التي وقعت بين الصحابة كأنها قضية سياسية معاصرة، فتجد مثلاً بعض المستشرقين يتحدث عن الفتنة فيقول: انقسم الصحابة إلى ثلاثة أحزاب: الحزب الأول: حزب المحافظين. الحزب الثاني: حزب اليسار. الحزب الثالث: حزب المتوقفين عن الموضوع. وتقدم حزب اليمين خطوتين وتراجع حزب كذا، وهكذا يتعامل مع المسألة كأنه يتعامل مع حدث سياسي في الديمقراطية الأمريكية، وجهل أن الصحابة رضوان الله عليهم الدين تربوا على يد الرسول صلى الله عليه وسلم ما عرفوا الخبث، ولا الغدر، ولا الخيانة، وإذا وقع عند بعضهم خطأ؛ فإنه يقع باجتهاد وبنصح لله ولرسوله وللمسلمين. ولهذا أقول: تعامل هؤلاء مع هذه الحادثة ومع غيرها من الحوادث كحادثة خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه عامل قبيح جداً، فإنهم صوروهم على أنهم أحزاب سياسية، وأنهم يسعون للوصول إلى الحكم، وأن كل طائفة من هذه الطوائف تراوغ وتحاول، ثم اجتهدوا في البحث في كتب التاريخ -خصوصاً الموضوعات التي كان يضعها الشيعة- واستخدموها استخداماً قبيحاً جداً في تشويه صورة الصحابة رضوان الله عليهم. وهكذا من يعتمد في دراساته ومؤلفاته على المستشرقين يقع في نفس الخطأ، مثل الدكتور علي سامي النشار وغيره من الأساتذة الذين كتبوا في هذه الأحداث وقعوا في الخطأ، لأنهم يعتمدون على المستشرقين، والمستشرقون يعتمدون على روايات الشيعة في هذه المسألة، وقد صنف الشيعة في الجمل وصفين كتباً كثيرة جداً. ومن المصنفين ورواة الشيعة المشاهير: أبو مخنف وهو لوط بن يحيى، وقد قال عنه بعض السلف: إن الواقدي -وهو من رواة السير ومتروك في الحديث- خير من ملء الأرض من مثل أبي مخنف، لأن أبا مخنف وضاع كذاب شيعي

معتقد أهل السنة في المروي في مساوئ الصحابة وما صدر عنهم من الزلل

معتقد أهل السنة في المروي في مساوئ الصحابة وما صدر عنهم من الزلل يقول: [ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بل يجوز الذنوب عليهم في الجملة]. لكن إجماع الصحابة معصوم، أي: أن أفراد الصحابة غير معصومين، لكن الإجماع معصوم ولا شك. والدليل على عصمته: هو قول الله عز وجل: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء:115] فاعتبر سبيل المؤمنين، وأن اتباع غيره ضلال يوجب العقوبة، ويوجب أن يكون من أهل جهنم. يقول: [ولهم من السوابق -يعني: السابقة في الإسلام- والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم. وقد ثبت بقول الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم خير القرون]. وهذا ثابت في صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم). قال: [وأن المد من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهباً ممن بعدهم، كما دل عليه الحديث السابق المتفق عليه. ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه، أو غفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم وهم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة، فكيف في الأمور التي كانوا فيها مجتهدين، إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطؤوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور؟!]. وهذا واضح، فإن للصحابة من الفضل والسابقة والمكانة ما يستحق به مغفرة ذنوبهم إن وقعوا فيها. [ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة، والنصرة، والعلم النافع، والعمل الصالح، ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما من الله عليهم به من الفضائل علم يقيناً أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله]. ولهذا اهتم العلماء بجمع تاريخ الصحابة، فألف ابن الأثير كتاب (أسد الغابة في معرفة الصحابة) وألف أبو نعيم وابن مندة كتباً في معرفة الصحابة، وألف الحافظ ابن حجر (الإصابة في معرفة الصحابة) وكل من تكلم عن تاريخ المسلمين يبدأه بالصحابة وتاريخهم وفضلهم، والذي يقرأ فيه يتعجب من عبادتهم وتقواهم وإخلاصهم لله عز وجل، وخوفهم من الله عز وجل، وحرصهم وبذلهم، وجهادهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في أوقات متعبة ومضنية، ومع ذلك كانوا أشد الناس ثباتاً.

محبة أهل السنة لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم

محبة أهل السنة لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ويحبون -يعني: أهل السنة- أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم]. وأهل البيت يدخل فيهم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33]. فقوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب:33] جاء في سياق الحديث عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهن من أولى من دخل في آل بيته صلى الله عليه وسلم. وأيضاً: من آل البيت جماعات آخرين وردت فيهم رواية في صحيح مسلم من حديث الحصين بن سبرة أنه قال لـ زيد بن أرقم: ومن أهل بيته يا زيد؟ يعني: من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي، يعني: آل الحسن وآل الحسين وآل محمد بن الحنفية وآل عقيل، وهو عقيل بن أبي طالب أخو علي بن أبي طالب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم. وآل جعفر: وهو جعفر بن أبي طالب أيضاً ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم. وآل عباس: والعباس هو ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم. فكل هؤلاء حرام عليهم الصدقة. إذاً: آل البيت يشمل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وآل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العباس، يشمل هؤلاء جميعاً ومن جاء من بعدهم من نسلهم. وآل البيت لهم أحكام فقهية تحدث عنها أهل العلم في أماكنها، ومنها: أن الصدقة محرمة عليهم، وأن لهم حقاً في بيت مال المسلمين. يقول: [ويحبون أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم]. وتخصيصه أهل البيت؛ لأن أهل البيت بالذات لهم ثلاثة أمور تجلب محبتهم: الأمر الأول: الإيمان. والأمر الثاني: الصحبة. والأمر الثالث: لأنه من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. ومحبة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أمر معتبر شرعاً، ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للصحابة: (أذكركم الله في أهل بيتي). يقول: [ويحبون أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غدير خم]. وغدير خم هذا غدير قريب من الجحفة، قريب من منطقة رابغ بين مكة والمدينة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول عندما رجع من حجة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجة، لما جاء إلى غدير خم قال للصحابة رضوان الله عليهم: (أذكركم الله في أهل بيتي) وهذه وصية واضحة. وقال أيضاً للعباس عمه، وقد اشتكى إليه بعض قريش من بني هاشم، فقال: (والذي نفسي بيده! لا يؤمنوا حتى يحبوكم لله ولقرابتي) وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود الطيالسي، ورواه أيضاً الإمام أحمد في فضائل الصحابة، وفي إسناده ضعف، ويمكن مراجعة كلام محقق فضائل الصحابة على هذا الحديث. وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله اصطفى بني إسماعيل من العرب، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) وهذا حديث صحيح رواه مسلم.

تولي أهل السنة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

تولي أهل السنة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [ويتولون أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، كما قال الله عز وجل: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب:6] إلى آخر الآية]. فأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، ولا يجوز أن يتزوجهن أحد بعده صلى الله عليه وسلم كما دلت عليه أيضاً آية في سورة الأحزاب. أيضاً: أمهات المؤمنين هم من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. [ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة]. وقد ثبت أنهن أزواجه في الدنيا، وكذلك أزواجه في الآخرة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة: (أنتِ زوجي في الجنة). [خصوصاً خديجة رضي الله عنها أم أكثر أولاده، وأول من آمن به وعاضده على أمره، وكان لها منه المنزلة العالية]. ولا شك أن خديجة رضي الله عنها لها منزلة عظيمة، فقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن جبريل نزل من السماء وقال: بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب). ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر خديجة كثيراً لزوجاته، وخديجة رضي الله عنها عاضدته في بداية دعوته، فهي التي أخذته عندما جاءه الناموس إلى ورقة بن نوفل. أما الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها فهي التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في فضل خديجة: (كمل من النساء ثلاث: آسية) التي كانت زوجة فرعون وهي مؤمنة، (ومريم ابنة عمران وخديجة رضي الله عنها). وهناك مسألة يذكرها بعض أهل العلم وهي: هل الأفضل خديجة أم عائشة؟ وهل الأفضل عائشة أم فاطمة رضي الله عنها؟ والتحقيق في هذه المسألة: أنه لا يصح التفضيل بإطلاق، وإنما هذه أفضل باعتبار، وتلك أفضل باعتبار آخر، ويمكن مراجعة كلام ابن القيم رحمه الله على هذه المسألة في بدائع الفوائد، فقد وضع قاعدة ممتازة في مسألة التفضيل، وأن التفضيل بعضه يكون مطلقاً، وبعضه يكون مقيداً باعتبار. نكتفي بهذا، وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لما فيه خيرنا جميعاً.

الأسئلة

الأسئلة

الضلال المتأخرون من آل البيت وما يتناولهم من أحكام آل البيت

الضلال المتأخرون من آل البيت وما يتناولهم من أحكام آل البيت Q هل من ضل عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم من آل بيته المتأخرين يدخلون في العموم، وتنطبق عليهم أحكام آل البيت؟ A لا. المقصود من آمن وكان من الصالحين.

مراجع في الاطلاع على الفتنة بين الصحابة

مراجع في الاطلاع على الفتنة بين الصحابة Q ما هو أفضل كتاب وضح فتنة الصحابة رضي الله عنهم حتى يستطيع طالب العلم الرد على من يثير مثل هذه الفتن؟ A لا أوصي طلاب العلم بالقراءة في هذا الموضوع، لكن من الكتب التي ألفت في هذا الموضوع كتاب: (فتنة الصحابة) في مجلدين رسالة دكتوراه لـ محمد آل مخزون، وأيضاً كتاب (مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري) للدكتور يحيى اليحيى، هذه من أفضل الكتب. وأما الأشرطة التي انتشرت للسويدان في هذا الموضوع فهي أشرطة سيئة، ولا ينبغي ترويجها ولا توزيعها.

الموقف من إثبات الصحبة لجبريل عليه السلام وبعض الأنبياء

الموقف من إثبات الصحبة لجبريل عليه السلام وبعض الأنبياء Q هل جبريل عليه السلام صحابي؟ وكذلك موسى وإبراهيم؟ A أما موسى وإبراهيم فقد توفوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وأما جبريل فقد ناقش هذه المسألة بعض أهل العلم واعتبره بعضهم من الصحابة، لكن الصحيح أن عيسى نبي وفضل النبوة أعظم من فضل الصحبة كما تعلمون.

ثبوت رتبة الصحبة لبعض الجن

ثبوت رتبة الصحبة لبعض الجن Q هل من الجن صحابة؟ A نعم. هناك من الجن صحابة التقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن المؤكد. أن لهم أسماء لا نعرفها.

أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم

أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم Q يقول: من أول من آمن به عليه السلام هل ورقة أم علي؟ A أول من آمن به أبو بكر الصديق رضي الله عنه من الرجال، وعلي من الصبيان، وورقة بن نوفل آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم.

حكم القراءة في الكتب المتضمنة مرويات مكذوبة على الصحابة

حكم القراءة في الكتب المتضمنة مرويات مكذوبة على الصحابة Q كلما قرأت في كتب السير والتاريخ عما حصل بين الإمام علي رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان انقبض قلبي وتضايقت، وأحسست أن فعل معاوية لم يكن للدين وإنما كان للدنيا؟ A هذه مشكلة؛ لأن البعض يعتمد على روايات غير صحيحة، وتنقبض نفسه بدون فائدة؛ لأن الرواية أصلاً كذب، يعني: تخيل لو أن إنساناً أخبرك عن شخص تحبه بخبر كذب، ثم تقبض نفسك، فما فائدة هذا الانقباض؟ تكره الإنسان على خبر كذب ليس صحيحاً؟ ولهذا ينبغي للإنسان أن يتقي الله، وألا يقرأ في هذه الكتب التي تذكر مثالب الصحابة.

مادة كتاب نضرة النعيم

مادة كتاب نضرة النعيم Q هل كتاب نضرة النعيم يتحدث عن الصحابة؟ ومن مؤلفه؟ A نضرة النعيم لا يتحدث عن الصحابة، بل يأتي إلى مسألة من المسائل بالذات في أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الصدق ثم ينقل آيات وأحاديث وأقوال في هذه المسألة تصلح كمادة علمية للذي يريد أن يكتب أو يخطب.

حكم ذكر أخطاء الصحابة للاستفادة

حكم ذكر أخطاء الصحابة للاستفادة Q هل يجوز ذكر أخطاء الصحابة رضوان الله عليهم بقصد الاستفادة؟ A لا، الإنسان يستفيد من أخطائه هو ولا يحتاج أن يدرس أخطاء غيره حتى يستفيد، ادرس فضلهم حتى تصير مثلهم، كقيام الليل، وقراءة القرآن، والصوم، وطلب العلم، والجهاد في سبيل الله، والبراءة من الكفار، وموالاة المؤمنين والصدق فيها، هذه من أعظم الأمور التي نحن بحاجة إليها.

حكم من يطعن في معاوية رضي الله عنه

حكم من يطعن في معاوية رضي الله عنه Q ما حكم من يطعن في معاوية رضي الله عنه ويردد أحداث الفتنة؟ A الذي يطعن في معاوية رضي الله عنه منحرف ضال، كيف يطعن في معاوية رضي الله عنه وهو الصحابي الجليل؟! أما كونه اجتهد وأخطأ في اجتهاده فله أجر في هذا، وإن وقع عنده خطأ فخطؤه ليس بشيء عند حسناته وفضله، ولهذا كان الذي يسب معاوية رضي الله عنه منحرفاً ضالاً.

الجمع بين تخطئة مناوئي علي ولزوم الإمساك عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم

الجمع بين تخطئة مناوئي علي ولزوم الإمساك عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم Q هل إذا قلنا: إن معاوية أخطأ، هل قولنا هذا يعارض الإمساك عن الكلام في هذه الفتنة التي أرشد إليها في السنة؟ A لا يلزم أن يكون هذا من عدم الإمساك، يعني: نحن عندما نتحدث عن موضوع الفتنة، إما أن نتكلم عنها بشكل موسع أو مفصل ونطول فيها، أو يكون موضوع حديث دائم ومستمر، هذا هو الذي يجب الإمساك عنه، لكن عندما يذكر الموضوع بشكل مجمل، ونتحدث عن الموضوع بشكل عام؛ فإننا نقول: إن علياً رضي الله عنه هو المصيب، وأهل الشام أخطئوا في هذا، وليس في هذا قدح ولا عيب، وإنما هو خطأ إما يكون لهم أجر فيه إذا كانوا مجتهدين -وهذا هو الواقع- أو إذا وقع منهم خطأ وزلة فإنها تكون بسيطة عند فضلهم ومنزلتهم.

حكم الشهادة بالجنة لأحد الصالحين

حكم الشهادة بالجنة لأحد الصالحين Q قرأت كلاماً للشيخ محمد العثيمين على أن شيخ الإسلام يرى أن الأمة إذا تواطأت على الشهادة بصلاح أحد نشهد له بالجنة؛ فهل هذا الكلام صحيح؟ A مسألة الشهادة بالجنة فيها أقوال متعددة لأهل السنة، لكن الشهادة اليقينية للشخص بأنه من أهل الجنة لا نشهد إلا لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن بعض فضلاء الأمة الذين كان لهم جهاد عظيم، بعض العلماء يرى أن القول بأنهم من أهل الجنة وارد، ويستدل عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما أتي بجنازة أثنوا عليها خيراً فقال: (وجبت) وعندما أتوا بجنازة أخرى فأثنوا عليها شراً فقال: (وجبت) وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتم شهداء الله في أرضه). ويمكن مراجعة كلام ابن أبي العز الحنفي رحمه الله في شرح العقيدة الطحاوية، فقد ذكر الأقوال، ورجح أنه لا نشهد لأحد على وجه اليقين إلا بما شهد به النبي صلى الله عليه وسلم لأنه من علم الغيب الذي لا يدركه الإنسان.

إيضاح الآثار المروية عن عمر في اعتبار الخلافة أمرا اجتهاديا قد يليه غير عثمان

إيضاح الآثار المروية عن عمر في اعتبار الخلافة أمرًا اجتهاديًا قد يليه غير عثمان Q هناك أحاديث تبين أن أمر الخلافة أمر اجتهادي، وأقصد بذلك ما بعد الشيخين، وقد قال عمر: لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لوليته، ولو كان أبو عبيدة ولو كان ثالثاً وهكذا. فهل هذا يدل على أنه أمر اجتهادي؟ A لا، لا يدل على أنه أمر اجتهادي، فـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يتذكر الصحابة رضوان الله عليهم وما فيهم من الفضل، ويقول: لو كان ثم فلان لوليته. وهذا حديث نفس وليس أمراً مقطوعاً، متى صار الأمر مقطوعاً؟ لما تولى عثمان وأن علي بن أبي طالب هو الخليفة بعده، وهذا ما أجمعت عليه الأمة، حيث أجمعت على عثمان، ثم أجمعت على علي بعده، وإجماع الأمة معتبر كما هو معلوم. أما حديث النفس الذي حصل عند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلا يدل على أن هذا الأمر اجتهاد؛ لأن الحجة هي بعد حصول الخلافة وصار إجماعاً.

عدم تحقق الكفر في فعل حاطب رضي الله عنه

عدم تحقق الكفر في فعل حاطب رضي الله عنه Q هل كانت غزوة بدر مانعاً لكفر حاطب بن أبي بلتعة؟ A حاطب بن أبي بلتعة ما كفر حتى تكون غزوة بدر مانعة له، حاطب بن أبي بلتعة وقع في عمل كفري، لكن لم تتحقق فيه شروط الكفر حتى يكفر؛ لأنه كان متأولاً معذوراً، يعني: ظن أن هذا العمل الذي يعمله ليس كفراً، واجتهد في هذا الظن، وتأول فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك خصوصاً أيضاً مع كونه شهد بدراً، وهذا مما يدل على إخلاصه وصدقه ومحبته للمؤمنين، لأن المكفر هو: إعانة الكفار على المؤمنين، ولكن هذا المكفر ليس واقعاً في حاطب. إذاً: ظاهر العمل أنه كفر، لكن حقيقته ليست كفراً، لماذا؟ لأن حقيقة الرجل أنه ليس محباً للكافرين أصلاً، بل هو يجاهد الكافرين ويقاتلهم بالسيف، وربما جرح وصبر على ذلك، وهو مهاجر من مكة إلى المدينة، ولهذا حاطب ليس محباً للكافرين. إذاً: العمل الذي عمله كيف يفسر؟ يفسر بما قاله هو، وأنه أراد أن تكون هذه يداً عندهم، فلا يعتدوا على أمواله التي بمكة. إذاً: فـ حاطب أصلاً ما وقع في الكفر. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

العقيدة الواسطية [21]

العقيدة الواسطية [21] من أصول أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء, سواء أكانت في العلوم والمكاشفات أم في القدرة والتأثيرات, مع اعتقاد أنها ليست كمعجزات الأنبياء, ولا كدجل المشعوذين والسحرة, وأنها لا تصح إذا عادت على أحكام الشريعة بالإسقاط, إيمانًا بما ثبت بها من الأخبار, وصح عن الأخيار, خلافًا لنفاتها من المعتزلة والغلاة فيها من الصوفية, ومن أصولهم كذلك التزام أصل اتباع آثار رسول الله وسبيل السابقين الأولين, واستمساكهم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وغير ذلك من الأصول العظيمة.

كرامات الأولياء

كرامات الأولياء إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. أما بعد: يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ومن أصول أهل السنة التصديق بكرامات الأولياء].

المقصود بالأولياء

المقصود بالأولياء الأولياء جمع ولي، والولي هو: الطائع لله سبحانه وتعالى المتقي له، يقول الله عز وجل: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62 - 63]، فقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:63] تفسير وتبيين لقوله سبحانه وتعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62]. إذاً الأولياء المعنيون في كلامنا هذا هم أهل التقوى وأهل الإيمان، ممن جمع بين أمرين: الأمر الأول: صحة الاعتقاد، والأمر الثاني: صحة العمل، فليس من أولياء الله عز وجل من كان صاحب عقيدة باطلة وفاسدة، وكذلك ليس من أولياء الله عز وجل من كان فاسد الأخلاق أو مرتكباً للنواهي ومفرطاً في الأوامر. إذاًَ الأولياء المقصودون هنا هم: أهل السنة والجماعة فعلاً وحقيقة، وليس انتساباً ورسماً فقط، فالفاسق والعاصي والمبتدع لا يدخلون في الأولياء.

المقصود بالكرامات

المقصود بالكرامات والمقصود بالكرامات: جمع كرامة، والكرامة هي: أمر خارق للطبيعة والعادة يقع على يد ولي من أولياء الله سبحانه وتعالى في العلم أو العمل، ويكون لأغراض متعددة.

عقيدة أهل السنة في كرامات الأولياء

عقيدة أهل السنة في كرامات الأولياء وموضوع كرامات الأولياء بحثه العلماء في موضوع العقائد لوجود بعض الضالين في هذا الباب، فقد ضلت في كرامات الأولياء طائفتان: الطائفة الأولى أنكرت، والطائفة الثانية غلت، فأما الطائفة التي أنكرت فهي المعتزلة، وأما الطائفة التي غلت فهي الصوفية، وسيأتي الحديث عنهما بإذن الله. أما عقيدة أهل السنة في كرامات الأولياء فهم يعتقدون أن كرامات الأولياء جارية على أيدي أولياء الله سبحانه وتعالى، وهي أمور خارقة للعادة والطبيعة والجبلة، وهي داخلة ضمن معجزات الأنبياء، ومعنى قولنا: داخلة ضمن معجزات الأنبياء يعني: أن هذه الكرامات تدل على صحة وصدق الأنبياء، فلو لم يكن مصدقاً بالأنبياء ومؤمناً بحقيقة دينهم لما صح أن يكون ولياً، ثم لما صدق بصحة الأنبياء أجرى الله عز وجل على يديه هذه الكرامات، إذاً فهذه الكرامات فرع من معجزات الأنبياء، ولهذا قال بعض العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم حصلت له جميع معجزات الأنبياء، وذكر بعض أهل العلم ممن شرح العقيدة الواسطية نماذج لبعض المعجزات التي صارت للأنبياء ولم تعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذاته، مثل: إلقاء إبراهيم عليه السلام في النار، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلق في النار، لكن قلنا: إن كل معجزة من معجزات الأنبياء فقد أجراها الله عز وجل معجزة لرسوله صلى الله عليه وسلم سواء كانت منه هو صلى الله عليه وسلم أو وقعت كرامة لأحد الأولياء من المسلمين المتبعين له عليه الصلاة والسلام، فمعجزة إبراهيم عليه السلام عندما ألقي في النار حصلت كرامة لـ عبد الله بن ثوب المكنى بـ أبي مسلم الخولاني فإنه ألقي في النار، والذي ألقاه الأسود العنسي، فلم يحترق، ومعجزة انفلاق البحر لموسى عليه السلام حتى جرى على اليبس حصلت للعلاء بن الحضرمي، فإنه دعا الله عز وجل وخاض في الماء حتى قطع النهر ولم يغرق أحد لا من الخيل ولا من الرجال، وهكذا العديد من النماذج المتعددة والتي نجد من خلالها أنه لم تكن المعجزة في فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو قوله وإنما كانت في ولي من أولياء الله عز وجل المصدقين به، فلما كانت هذه المعجزة في أحد الأولياء ممن صدق بنبوة النبي كان ذلك أيضاً معجزة له صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لو لم يكن هذا الولي مصدقاً بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم لما أجرى الله عز وجل هذه الكرامة له. وهذا ما أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في النبوات وقد بينها ووضحها.

الفرق بين كرامات الأولياء ومعجزات الأنبياء

الفرق بين كرامات الأولياء ومعجزات الأنبياء ولا يعني هذا أن كرامات الأولياء مثل معجزات الأنبياء، فإن معجزات الأنبياء أقوى وأظهر وأوضح من كرامات الأولياء، من حيث الفعل ذاته هي واحدة، لكن معجزات الأنبياء أقوى، هذا من جهة. ومن جهة أخرى نجد أن المعجزات التي صار فيها تحدٍ للكفار لم تحصل للأولياء، فمثلاً: القرآن معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم لم يحصل لأحد من الأولياء، وهكذا النار التي ألقي فيها إبراهيم، فهي وإن ألقي أبو مسلم الخولاني في النار ولم يحترق إلا أنها ليست مثلها، فهي أقل منها حجماً وقوة، وأيضاً بقية المعجزات الأخرى وإن توافقت في الصورة إلا أن معجزة النبي أقوى، وهذا الفرق الأول. الفرق الثاني: هو أن كرامة الولي ليست مصحوبة بادعاء النبوة، بينما معجزة النبي فيها دعوى النبوة وهي دعوى صادقة. ومن جهة ثانية: لو أن الولي ادعى النبوة لما صار ولياً، ولما صار العمل الذي جاء على يده كرامة خارقة، وإنما يكون سحراً أو كهانة أو أي أمر آخر.

الفرق بين الكرامة والسحر والشعوذة

الفرق بين الكرامة والسحر والشعوذة وهناك مسألة أخرى يبحثها أهل العلم وهي: ما هو الفرق بين كرامة الولي وشعوذة الساحر والكاهن، فإن الساحر يعمل أعمالاً في ظاهرها خرق للعادة، والكاهن يدعي علوماً في ظاهرها خرق للعادة، فما هو الفرق بين كرامة الولي وبين سحر الساحر وكهانة الكاهن؟ الفرق بينهما: أولاً: هو أن الكرامة ليست علماً يتعلم مثل السحر والكهانة. وثانياً: أحوال الأولياء تختلف عن أحوال السحرة والكهنة، فإن أحوال الأولياء هي الصدق والعمل الصالح والبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله والإيمان الحق لله سبحانه وتعالى وما إلى ذلك من الأعمال الفاضلة الصالحة الكثيرة التي تدل على صلاح صاحبها، بينما الساحر معروف أنه كذاب وأنه أثيم وأنه دجال وأنه يكذب على الناس وأنه يتعامل بوسائل منحرفة إذاً حالة الساحر تختلف عن حالة الولي، فما يحصل عند الساحر من خوارق العادات يدل حاله على أنه ساحر، وأما الولي فإنه صادق، آمر بالمعروف وناه عن المنكر، تقي ويصلي لله عز وجل دائماً، مؤمن وصاحب عقيدة صحيحة، وإذا حصل لصاحب هذه الأعمال شيء خارق للعادة فإنه يكون كرامة ولا يصح أن يقال عنها سحراً. والكرامة ليست أمراً يطلب، وإنما هي هبة من الله عز وجل، ولا تدل على أفضلية من أجراها الله عز وجل على يده، كما قال ابن تيمية رحمه الله: إن الكرامات في جيل التابعين ومن بعد جيل التابعين أكثر من جيل الصحابة؛ لأن الكرامة - في بعض الأحيان - يكون من مقاصدها تثبيت صاحبها، ومن هنا فإن الصحابة رضوان الله عليهم كان تعلقهم بالوحي ونظرهم إليه كافياً في تثبيتهم على الإيمان، بينما احتاج من جاء بعدهم إلى الكرامة، ومع هذا لا يقال: إن التابعين أفضل من الصحابة، فليس كل من يحصل منه كرامة يدل على أنه أفضل ممن لم يحصل منه الكرامة إذا اجتمعوا في الولاية.

انتفاء صحة الكرامة المنافية لأحكام الشريعة

انتفاء صحة الكرامة المنافية لأحكام الشريعة وهناك أمر آخر ينبغي الاهتمام به وهو: أن كرامات الولي ينبغي أن تكون في حدود الشريعة، فلو أن إنساناً جاء وزعم كرامة من الكرامات وهي مخالفة للشريعة، فإنه لا يقال: إن هذه كرامة، لأن الكرامة هي التي تكون في حدود الشريعة، فدعاوى بعض الصوفية أن من كراماتهم سقوط التكاليف يجاب عليها أن التكاليف لا تسقط عن أحد حتى الموت، فالأنبياء وهم الأنبياء لم تسقط عنهم التكاليف، فهذه ليست كرامة، إنما هي غواية. وهكذا لو قال إنسان: إن من كرامات هذا الإنسان أنه يبارك لكل متزوج، بمعنى: أنه يجامع زوجته ويفتض بكارتها قبله حتى يباركها، وهذه من كراماته وخصوصياته، وهذا زنا، وليست من الكرامات، فإن الكرامات لا تكون مخالفة لأحكام الشرع.

ذكر بعض ما ثبت خبره من الكرامات

ذكر بعض ما ثبت خبره من الكرامات ليس هناك دليل يقول: إن هذه كرامة، وإنما حكى الله عز وجل كرامات متعددة وقعت لأوليائه، فمثلاً: قصة أصحاب الكهف، وقصة الخضر مع موسى عليه السلام، وقصة ذي القرنين، وقصة دخول زكريا عليه السلام على مريم ووجود الرزق عندها، قال تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:37] قال المفسرون: إنه كان يدخل عليها في الصيف فيجد عندها فاكهة الشتاء، ويدخل عليها في الشتاء فيجد عندها فاكهة الصيف، وقيل: إنه كان يجد عندها فاكهة ليست من الفواكه المعتادة في البلد، وكذلك كرامة الذي جاء بعرش بلقيس إلى سليمان عليه السلام قبل أن يرتد إليه طرفه، وقد قيل: إنه نبي، وقيل إنه ولي، وعلى كل حال فإذا كان ولياً فهذه من كراماته، وإن لم يكن ولياً فللعفاريت من الجن الذين أعطاهم الله عز وجل القوة أن يأتوا بالعرش من اليمن إلى بلاد الشام قبل أن يقوم من مقامه، وهذا دليل على الكرامة أيضاً. وأيضاً من الكرامات الواردة في السنة ما ذكر في كتاب الأنبياء من صحيح البخاري في باب ما ذكر عن بني إسرائيل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر مجموعة أحاديث هي من الكرامات. ومن الكرامات التي وردت في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم: قصة جريج العابد وكان من الأمم السابقة والذي جاءته أمه وهو يصلي في صومعته، وقالت: يا جريج! أنا أمك، كلمني -وكان في صلاته- فقال في نفسه: رب! أمي أم صلاتي، فرجح صلاته، فنادته مرة أخرى وكان في صلاته أيضاً فرجح الصلاة على أن يكلم أمه، فدعت عليه، قالت: اللهم! إن هذا عبدك جريج جئت فطلبت منه أن يكلمني فلم يكلمن، اللهم! لا تمته حتى تريه وجوه المومسات، فزنى راعٍ من الرعاة ببغية من القرية فحملت منه ثم ولدت، فقيل لها: ممن هذا؟ قالت: من الراهب الذي في الصومعة، فجاءوا ومعهم الفئوس وأرادوا تحطيم صومعته فنادوه وكان في صلاته فلم يخرج، فبدءوا يحطمون فيها فخرج إليهم، وسمع كلام البغية فتبسم ثم وضع يده على ناصية الطفل وقال: من أبوك يا غلام؟! فقال: أبي فلان الراعي!! والعادة أن الغلام لا ينطق، وهذه من كرامات الأولياء. ومن كرامات الأولياء التي وردت في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى الغار، فسقطت على باب الغار صخرة كبيرة سدت باب الغار، فدعوا الله عز وجل بأعمالهم الصالحة ثم فتحت هذه الصخرة. وهناك نماذج كثيرة، منها: قصة الأبرص والأقرع والأعمى عندما جاءهم الملك وامتحنهم. ونماذج متعددة أخرى. ومن الكرامات التي حدثت لجيل الصحابة: كرامة أسيد بن حضير عندما كان يقرأ القرآن، فجاءته السكينة ونزلت عليه وهو يقرأ القرآن كما في صحيح البخاري. ومنها أيضاً: قصة العلاء بن الحضرمي عندما مشى على النهر. ومنها: قصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما علم أن ما في بطن زوجته أنثى، وسيأتي معنا الإشارة إلى هذا.

كتب مصنفة في الكرامات

كتب مصنفة في الكرامات وممن أفرد موضوع كرامات الأولياء بالتصنيف من علماء السلف: اللالكائي رحمه الله، فإن له كتاباً من جزء في كرامات أولياء الله تعالى، حققه الدكتور أحمد سعد حمدان، وألحقه بكتاب: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة. وأيضاً ممن ألف: ابن تيمية رحمه الله، فقد أشار إلى موضوع كرامات الأولياء في كتابين من كتبه، الكتاب الأول هو: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، والكتاب الثاني هو: كتاب النبوات، وكلامه في الكتاب الأول أكثر من كلامه في الكتاب الثاني، وغيرها من مصنفاته رحمه الله تعالى.

أقسام الكرامات

أقسام الكرامات يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ومن أصول أهل السنة: التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات]. قوله: في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات يدل على أن الكرامات تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: في العلوم والمكاشفات. والقسم الثاني: في القدرة والتأثيرات. ويمكن أن نقسمها إلى قسمين: القسم الأول هو: القسم العلمي، والقسم الثاني هو: القسم العملي. فأما قوله: في أنواع العلوم: فيمثلون لهذا بقصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه التي سبقت. وأما قوله: المكاشفات: فيمثلون لها بقصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإنه كان على المنبر يوماً من الأيام، فصاح قائلاً: يا سارية! الجبل، يا سارية! الجبل، يا سارية! الجبل، وكان سارية أحد قادة عمر في العراق، وتبعد المدينة عن العراق بمفازات كبيرة جداً، فكشف لـ عمر أن سارية قد حوصر من العدو، وأن نجاته تكون بالجبل، فنادى عمر على منبره فانتقل الصوت إلى سارية فسمعه، يقول سارية: فسمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصيح قائلاً: يا سارية! الجبل، فانحزت إلى الجبل، فانتصر بذلك على عدوه، وهذا حديث صحيح صححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في كتابه: سلسلة الأحاديث الصحيحة. وأما القدرة والتأثيرات: فهو على نحو ما سبق أن أشرنا إليه في قصة العلاء بن الحضرمي، وأيضاً في قصة سعد بن أبي وقاص، فإنه سار على ماء دجلة حتى قطع النهر من دون أن يغرق.

إنكار المعتزلة للكرامات والرد عليهم

إنكار المعتزلة للكرامات والرد عليهم المنكرون للكرامات هم: المعتزلة، فقد أنكروا وجود الكرامات، وأنكروا السحر كذلك وقالوا: لو وجد السحر والكرامة لما كان لمعجزات الأنبياء معنى، ولا شك أن قولهم باطل؛ فإن الكرامة ثابتة في القرآن والسنة وفي الواقع العملي، ولا يعني وجود الكرامة على يد الولي أن المعجزة لا تكون على يد النبي، فقد سبق أن فرقنا بينهما وقلنا: إن آيات الأنبياء الكبرى لا تقع لأحد من الأولياء، مثل: القرآن مثلاً وانشقاق القمر وغيرها، وهي لا تَقع لأحد من الأولياء، هذا أولاً. وثانياً: أن الولي لا يكون ولياً إلا إذا صدق بالنبي، فكرامة الولي فرع عن معجزة النبي كما سبق أن أشرنا، فليس هناك تعارض بينهما. ثم إن حال الولي يختلف عن حال النبي، فالولي وإن كان صالحاً إلا أنه يعترف أنه ليس بنبي، ولو ادعى النبوة لما صار ولياً ولما جرت على يده الكرامة.

غلو الصوفية في الكرامات

غلو الصوفية في الكرامات أما الذين يغلون فيها فهم الصوفية، فهم يغلون في الكرامات غلواً فاحشاً إلى درجة أن بعضهم تعلم السحر من أجل إيجاد هذه الكرامات على يديه وعلى أيادي أتباعه، وممن اشتهر بهذا أصحاب الطريقة الرفاعية، فإنهم يتعلمون السحر من أجل أن يظهروا الخوارق، فإذا أظهروا خوارق العادات اعتقدوا أن هذه كرامة من الله سبحانه وتعالى، وقد سبق أن أشرنا إلى أن الصوفية يرون أن العبودية توحيد الربوبية فقط، وأن الألوهية التي هي إفراد العبادة لله عز وجل ليست قسماً من أقسام التوحيد، فاعتبروا أن الطواف حول القبور والذبح لها والاستغاثة بغير الله عز وجل ليست شركاً، فلو أن إنساناً استغاث بالأولياء أو استغاث بالجن والشياطين ونحو ذلك فليس مشركاً شركاً مخرجاً من الملة في فهمهم، وبالتالي انتشر السحر على يد الصوفية انتشاراً كبيراً في حياة المسلمين، وأصبح أقطاب السحرة ذاتهم أقطاب الصوفية في نفس الوقت، ولهذا أصبحت بعض القنوات الفضائية في هذه الأيام تجري تحقيقات ومقابلات وتنقل تقارير عن بعض أمثال هؤلاء، وتأتي بصور حية لهؤلاء الذين يبتلعون العقارب والحيات ويضعون السيوف في حلوقهم حتى تنتهي، ويشربون السم، ويدخل أحدهم في تابوت مليء بالسكاكين ويغلق عليه ثم يخرج كما هو، ويقولون: إن هذه من الكرامات! وهو لا شك أنه من السحر ومن الشعوذة، خصوصاً أن كثيراً من هؤلاء لا يرجو لله وقاراً، ولا يعظمون الله عز وجل وليسوا من أهل العلم ولا من أهل الدين؛ بل لأنهم انتسبوا إلى الطريقة الرفاعية فبدأت هذه الكرامات تنهال عليهم من كل جانب، ولا شك أن هذا من الفجور ومن السحر، بل من الكفر المخرج عن الإسلام؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:102] أي: أنه ليس له نصيب. وفي كتاب: جامع كرامات الأولياء لـ يوسف بن إسماعيل النبهاني، وهو أحد الصوفية المتقدمين الذين كانوا في القرن الماضي وفي زمن الدولة العثمانية من الأشياء العجيبة، ومثاله كتاب طبقات الصوفية للشعراني، ومثل هذه الكتب تحكي الكرامات الغريبة، فبعضهم يقع في الزنا ويسمي هذا كرامة! وبعضهم ينام مع الكلاب والدواب والخنازير في أماكنها ويسمي هذا كرامة! وبعضهم يأتي مبيته ومسراه ورجوعه إلى الأماكن القذرة والوسخة ويقولون: إن هؤلاء من كبار الأقطاب! وهذا ما يكون في الجانب العملي. وأما في الجانب العلمي فإنهم يدعون من الكرامات ما لا يخطر على بال، فيدعون أنهم يعلمون الغيب، ويدعون أنهم يعلمون الظاهر والباطن، وأنهم يعلمون كل شيء دون العرش، وأنهم يشرعون للناس، وأن الشرائع التي يقولونها هي ملزمة لهم كما أن القرآن ملزم للناس! ونحو ذلك من الأكاذيب والدجل والكفر المبين.

التزام أهل السنة باتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا

التزام أهل السنة باتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطناً وظاهراً يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ثم من طريقة أهل السنة والجماعة: اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطناً وظاهراً]. (اتباع آثار الرسول صلى الله عليه وسلم) مثل: محبة الله، والخوف من الله والتوكل على الله ونحو ذلك من الأعمال القلبية الباطنة وهي من أعظم الإيمان. وظاهراً أي: اتباع السنة الظاهرة، مثل: إطلاق اللحية، وتقصير الثياب، والدعوة إلى الله، والجهاد في سبيل الله، والصلاة مع المسلمين، وحضور الصف الأول، والزكاة، وكثرة قراءة القرآن، والتسبيح، والإتيان بالأوامر ونحو ذلك من أعمال الظاهر. فتجد أن أهل السنة من يلتزمون بهذا وذاك. وقد انحرفت طوائف عن فهم السنة في هذا الموضوع، فنجد مثلاً أن طائفة تركز على أعمال القلوب، وتقول: أهم شيء هو محبة الله والخوف من الله وغيرها من الأعمال القلبية، وتسمي الأعمال الظاهرية قشوراً، وأنها ليست مهمة، فهي قشور ظاهرية. وهذا باطل، فقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حريصين على التشبه به في صلاته مثلاً: كوضع اليدين على الصدر وغيرها. فكانوا يتشبهون به طريقة الصلاة، إلى درجة أنهم حفظوا كل شيء في صلاته وفي صيامه وفي سكونه وفي حركته وفي حجه صلى الله عليه وسلم، والتزموا بما جاء عن الرسول الكريم في ظاهرهم وباطنهم، فالذين يقولون: إن الالتزام بأحكام الإسلام إنما هو من الاهتمام بالقشور أخطئوا خطأً كبيراً وعظيماً وخالفوا منهج أهل السنة في هذا الموضوع. واعتقدت طائفة أخرى عكس اعتقاد الطائفة السابقة فأصبحوا يهتمون بالظاهر ويهملون الباطن، فتجد أنهم يهتمون بإطلاق اللحية وبتقصير الثياب، والصلاة بالنعال ونحو ذلك من الأعمال الظاهرة ويهملون الباطن إهمالاً كبيراً، وهذا أيضاً من الخطأ، فلا بد من التوازن والانضباط في شخصية المسلم والداعية إلى الله عز وجل، ولا بد أن يهتم بالأمرين جميعاً، وأصحاب الباطن الذين يتكلمون عن الاهتمام بالباطن لو اهتموا بالباطن حقيقة لنتج عن ذلك الاهتمام بالظاهر، لكن لوجود شبهة عندهم في عدم الاهتمام بالظاهر أصبحوا يقصرون فيه تقصيراً عظيماً، ولهذا كان من منهج أهل السنة اتباع آثار النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء في الظاهر وفي الباطن، فلا يصح أن يقال: إن الاهتمام بالظاهر من القشور، ويقال: إنكم أزعجتم الناس بالاهتمام بالظاهر وأشغلتم الناس باللحية وبتقصير الثياب، والناس أحوج ما تكون إلى الاهتمام الباطن، وهذا من الخطأ فإنه يجعل دين الله يعارض بعضه بعضاً، مع عدم وجود أي معارضة، فدين الله عز وجل دين واحد وليس هناك معارضة فيه، فليس الاهتمام بالباطن معارضاً للاهتمام بالظاهر، وليس الاهتمام بالظاهر معارضاً للاهتمام بالباطن، بل لا بد أن يكون الجميع على وفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم. قال المصنف رحمه الله تعالى: [واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار]. ولهذا من خالف طريقة الصحابة ومن خالف منهجهم هو ليس منهم، وبالتالي لا يكون من أهل السنة والجماعة. فلم يُحفظ أبداً ولم يدّعِ أحد ممن يوثق بدعواه أن الصحابة رضوان الله عليهم تورطوا في الفرق التي افترقت عن جماعة المسلمين كالخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة والجهمية والأشاعرة والصوفية فلا يعرف أبداً أن أحداً الصحابة رضوان الله عليهم كان متورطاً في إحدى هذه الفرق، ولا ينسب إلى الصحابة ما نسبه إليهم ذلك الدكتور علي سامي النشار وغيره من الكتاب الذين يكتبون في العقائد وكل ما نسبوا إلى الصحابة من الإرجاء فكلامهم باطل وفاسد، فالصحابة كانوا أعظم الناس التزاماً بالعلم والعمل والجهاد. يقول المصنف رحمه الله تعالى: [واتباع وصية النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) والنواجذ هي: الأضراس، (وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة)]. ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤثرون كلام الله على غيره من كلام أصناف الناس، ويقدمون هدي محمد صلى الله عليه وسلم على هدي كل أحد، ولهذا سموا: أهل السنة والجماعة، وقد سبق أن تحدثنا عن مفهوم أهل السنة والجماعة، وبينا أن طريقتهم هي الالتزام بالسنة والجماعة.

بيان سبب تسمية أهل السنة والجماعة بهذا الاسم

بيان سبب تسمية أهل السنة والجماعة بهذا الاسم وسموا أهل الجماعة؛ لأن الجماعة هي الاجتماع، ولهذا تجد أن أهل السنة يحرصون على جماعة المسلمين وعلى ائتلاف قلوبهم، ويبتعدون عن الفرقة. وقد يقول قائل: كيف تردون على الفرق الضالة وأنتم تدعون أنكم تسعون إلى وحدة جماعة المسلمين؟ فنقول: إن من السعي إلى وحدة جماعة المسلمين رد العدوان والباطل عنها، ومن الباطل: هدم الفرق الضالة، فليس المقصود عندما نقول: إنهم سموا الجماعة الحرص على الجماعة أياً كانت، وبأي طريقة، فلو قال إنسان: نريد أن نحرص على جماعة النوع الإنساني، فنجمع كل الناس بكل أديانهم، فهذا مجنون؛ لأن اليهود لن يتنازلوا عن يهوديتهم، ولا المسلمين عن إسلامهم، ولا النصارى عن نصرانيتهم، ودعواه هذا كفر جديد جاء به وهو جمع الأديان. وكذلك الذي يقول: نريد أن نجمع الفرق الضالة مع جماعة أهل السنة والجماعة. فهذا يريد أن يجمع الحق مع الباطل، والله عز وجل يقول: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:42]. والجماعة التي ندعو إليها ونحرص عليها هي جماعة أهل السنة، فهذه الجماعة ليست جماعة عضوية، أي: مجتمعين في بلد واحد ولهم حزب واحد، فهي ليست كذلك، وإنما هي جماعة وصفية، بمعنى: أن جماعتهم جماعة أوصاف، من تحققت فيه هذه الأوصاف فإنه منهم، سواء تعرف عليهم أو لم يتعرف عليهم، وسواءً كان من بلاد العرب الأخرى، أو من بلاد المسلمين الأخرى، أو من أي مكان آخر في الأرض وسواء كان رجلاً أو امرأة، أو كان عالماً أو غير عالم، وسواءً كان متخصصاً في العقيدة والعلوم الشرعية أو كان متخصصاً في الحاسب الآلي أو الهندسة أو الطب أو في أي مجال من المجالات، فإذا وجدت فيه الصفات والمقاييس الأساسية التي عند أهل السنة فهو من أهل السنة، ولا يخرج الإنسان عن وصف أهل السنة والجماعة إلا بالابتداع. يقول المصنف رحمه الله تعالى: [وسموا أهل الجماعة؛ لأن الجماعة هي الاجتماع، وضده الفرقة، وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسماً لنفس القوم المجتمعين]. ولا يجوز أن يحصل هناك فرقة بين أهل السنة، وقد تحصل لكنها لا يجوز أن تكون، فقد يغضب بعض المسلمين على بعض، ويحصل بينهم اقتتال ومشكلات مثلاً، وكل هذا لا يجوز، فأهل السنة يجب أن يجتمعوا مع بعضهم ما دام أنهم من أهل السنة، ولا يصح أبداً أن يختلفوا من أجل اجتهاد سائغ شرعاً أو من أجل خلاف شخصي. فالخلاف الشخصي لا يجوز أن يفرق جماعة أهل السنة، والاجتهاد الشرعي الذي استكمل شروطه الشرعية لا يجوز أن يفرق أهل السنة أبداً كذلك، وإذا ابتدع أحد خرج من أهل السنة ولا يهمنا الاجتماع معه، لكن أهل السنة أنفسهم لا يجوز أبداً أن يتفرقوا بسبب الخلافات الشخصية أو بسبب اجتهادات سائغة شرعاً، وأهل البدع الذين فارقوا السنة لا يجوز الاجتماع معهم وإقرارهم على الباطل، وإنما يجب توجيه الدعوة إليهم ونصيحتهم لعلهم ينتهون عما هم عليه من الباطل.

الإجماع المنضبط أصل معتمد عند أهل السنة

الإجماع المنضبط أصل معتمد عند أهل السنة يقول المصنف رحمه الله تعالى: [والإجماع هو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين]. الإجماع موضوع متعلق بأصول الفقه ويمكن أن يراجع في كتب أصول الفقه، وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة. فإذا أردتم أن تزنوا فكراً أو عقيدة أو منهجاً، فإن الميزان هو القرآن والسنة، وإجماع الصحابة. والدليل على أن إجماع الصحابة وسنتهم ومنهاجهم وطريقتهم معتبرة قول الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115] وهذا يدل على أن سبيل المؤمنين معتبر. وأما من السنة: فقوله: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجتمع أمتي على ضلالة) وهذا الحديث حسنه الشيخ الألباني في تعليقه على كتاب السنة لـ ابن أبي عاصم رحمهم الله جميعاً. ثم ضبط المصنف الإجماع؛ لأنه نقلت كلمة عن الإمام أحمد وهي قوله: من ادعى الإجماع فقد كذب، وما يدريه لعل الناس اختلفوا. وهذه الكلمة ليست على إطلاقها، بمعنى: أنه لا يوجد إجماع أبداً، وإنما المقصود: النهي عن التوسع فيه لعدم وجود المخالف عند الشخص نفسه، أي: أنك لا تجد مخالفاً فتقول: أجمع على ذلك المسلمون، فهذا خطأ. ولهذا أراد ابن تيمية رحمه الله تعالى أن يضبط الإجماع، فقال: [والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح - يعني: الصحابة وأصحاب القرون الثلاثة الأولى المفضلة أي: التابعين وأتباعهم فقط- إذ بعدهم كثر الخلاف وانتشر في الأمة] فما يدري الإنسان لعل عالماً يكون مخالفاً لما عليه الآخرون. والإجماع ما زال سارياً في الأمور العصرية، فمثلاً: بناء الدور الثاني في المسعى، فقد أجمع أهل العلم على جواز السعي في الدور الثاني ولم يخالف في هذا إلا عالم واحد وهو الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى، وهكذا نجد نماذج معاصرة يمكن أن يصح فيها الإجماع خصوصاً مع وجود الاتصال والمواصلات في هذا الزمان، ولهذا تكونت المجامع الفقهية منها: المجمع الفقهي الإسلامي الموجود في منظمة المؤتمر الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي الموجود في رابطة العالم الإسلامي، وهذه المجامع أقل ما يقال فيها: إنها تحكي اجتهاداً جماعياً، والاجتهاد الجماعي لا شك أنه أفضل من الاجتهاد الفردي.

اكتمال منهج أهل السنة في جمعه بين المعرفة النظرية وأعمال الجوارح والقلوب

اكتمال منهج أهل السنة في جمعه بين المعرفة النظرية وأعمال الجوارح والقلوب يقول المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: ثم هم -يعني أهل السنة- مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر]. لا بد من الإشارة إلى نقطة مهمة جداً وهي: أنه مرت فترة على المشتغلين بالدعوة الإسلامية والعمل وبالبحوث الإسلامية، مرت فترة صوّر كثير من هؤلاء أن منهج أهل السنة والجماعة هو منهج خاص بالعقائد النظرية، فإذا قيل عند هؤلاء: منهج أهل السنة والجماعة، تبادر إلى ذهنهم مباشرة: عقيدتهم في الأسماء والصفات عقيدتهم في القدر عقيدتهم في الإيمان، وانتهى الموضوع عند هذا الحد، وانحرف بسبب هذا التصور طائفتان متقابلتان: الطائفة الأولى انحرفت عندما ظنت أن منهج أهل السنة والجماعة هو منهج نظري محصور في أبواب نظرية معينة في العقيدة فذهبوا يطلبون بقية أمور الدين من غير منهج أهل السنة، وقالوا: إن أهل السنة ليس عندهم شيء من أعمال القلوب والإيمان والتقوى والإخلاص، فاتجهوا نحو التصوف، وأرادوا إشباع هذه الحاجة بالتصوف، ولهذا تجد هذه الطائفة تقول: نحن منهجنا أو دعوتنا دعوة سلفية وطريقتنا طريقة صوفية، فيجمعون بين دعوة سلفية أي: على طريقة أهل السنة والجماعة، وطريقة صوفية، وقالوا: دعوتنا دعوة السلف في مسائل نظرية، فأنا في الأسماء والصفات أوافق السلف، وفي القدر واليوم الآخر موافق للسلف، وهكذا لكن أعمال القلوب يتصور أن السلف ليس لديهم منهج في هذا الموضوع، فاتجه نحو التصوف لتكملة هذا الجانب، مثل موضوع الدعوة إلى الله عز وجل، حيث ظن أن السلف الصالح ليس عندهم منهجاً متكاملاً في الدعوة إلى الله سبحانه، فاتجه إلى اختراع مناهج جديدة في الدعوة إلى الله عز وجل، ولهذا ظهر من يطالب بجمع الطوائف جميعاً بحجة أننا في زمن انكسرت فيه شوكة المسلمين العامة، فنحتاج إلى جمع الطوائف جميعاً لا على عقيدة أهل السنة، بل نجمعهم جميعاً ونترك الخلافات فيما بين هذه الطوائف، ولهذا يطالبون دائماً أن نسكت عن الخوارج وعن الشيعة، وعن المرجئة، وعن الجهمية، وأن نسكت عن الأشاعرة، وأن نسكت عن الصوفية، ويقولون: لا تتكلموا في هذه الأمور، فإنكم بذلك فرقتم المسلمين وشققتم صفوفهم، وهذا باطل؛ لأن جمع الناس بهذه الطريقة غير ممكن شرعاً وعقلاً، أما من ناحية الشرع فلأن الله عز وجل نهى عن لبس الحق بالباطل، وهؤلاء على الباطل، فكيف نلبسهم بالحق ونجمعهم مع أهل الحق ونسكت عن تبيين الحق وعن الرد على الباطل؟! فهو مخالف لشرع الله وقد سبق أن أشرنا إلى نماذج من مخالفة هذا الرأي لشرع الله عز وجل. ومن جهة أنه غير ممكن واقعاً، فهؤلاء لو استمروا وقد استمروا في الدعوة إلى هذه الفكرة مدة ستين سنة تقريباً وهم يشتغلون في جمع الطوائف فما توصلوا إلى نتيجة، ولم يجمعوا أحداً، وإنما كونوا رأياً جديداً وهو: إرادة جمع الطوائف، فلم يجمعوا أهل السنة مع الخوارج وإنما بقي الخوارج على معتقداتهم، وبقيت الشيعة والمرجئة على معتقداتهم وبقي أهل السنة على سنتهم، ولم يجمعوا أحداً، وهذا دليل على بطلان هذه الفكرة واقعاً عملياً. وأنا أتوقع بل أؤكد أن السبب عند الذين دعوا إلى هذه الفكرة هو أنهم يتصورون أن منهج أهل السنة هو منهج نظري تجريدي، ولهذا دائماً تجد هؤلاء مثلاً يقولون: لماذا لا تتكلمون مع الناس في مسائل أعمال القلوب؟ فهم يتصورون دائماً أن أهل السنة والمشتغلين بالدعوة إلى العقيدة الصحيحة أنهم يدعون إلى عقائد نظرية فقط، وأما أعمال القلوب والدعوة إلى الله عز وجل فيتصورون أن أهل السنة ليس لديهم منهج متكامل، ولهذا وجد في واقع المسلمين في حياتنا وفي أماكننا التي نعيش فيها دعاة عندهم هذا الانفصام، فتجد أنه على عقيدة أهل السنة في الأسماء والصفات وفي القدر، لكنه في أعمال القلوب يتجه نحو التصوف، فتجد أنه يذهب إلى شيخ يدرس على يديه التصوف، ويبدأ يشتغل معه التصوف ويعتقد أن هذا هو المنهج الصحيح، بل إنهم يشجعون طلابهم ويشجعون من يعرفون لهذه الطريقة وهذا المنهج، وهذا لا شك أنه منهج منحرف في التربية، فليس هذا بصحيح، فأهل السنة أصحاب منهج كامل في العقائد النظرية، وفي الأخلاق، وفي أعمال القلوب وتزكية النفوس، وأصحاب منهج كامل في الدعوة إلى الله، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي السياسة الشرعية، وفي كل أمر من أمور الدين، ولهذا يعتبر منهج أهل السنة هو منهج الإسلام الصحيح وبهذه الطريقة سنفهم الإسلام بشكل صحيح، أما إذا ظن البعض أن منهج السلف هو عبارة عن قضايا نظرية حينئذ سيتجهون إلى الباطل في بقية الأمور، وهذه هي الطائفة الأولى التي انحرفت بسبب هذه الفكرة. وانحرفت طائفة أخرى بسبب الفكرة ذاتها، لكنها ضد الأولى فأقروا ضمنياً - وإن لم يقروا حقيقة بشكل علني - أن عقيدة أهل السنة هي عقيدة لتصحيح العقائد النظرية الخاطئة التي وقعت فيها الفرق الضالة، ثم لما ظنوا أن هذا هو منهج أهل السنة اكتفوا به، ولهذا أهملوا أعمال القلوب وتزكية النفوس، وأهملوا حسن الأخلاق والآداب وكرائم الصفات، وأهملوا الدعوة إلى الله عز وجل بشكل متنوع وبشكل قوي بحيث أنهم

منهج أهل السنة تجاه المنكر ومسلكهم في التعامل مع المسلمين

منهج أهل السنة تجاه المنكر ومسلكهم في التعامل مع المسلمين يقول المصنف رحمه الله تعالى في وصف أهل السنة والجماعة: [ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر]. لا يسكتون عن المنكرات، ويتميز أهل السنة دائماً بالصدق، فبعض الناس ينتسب إلى السنة وهو ينكر منكراً في مكان ويقر نفس المنكر في مكان آخر، وهذا خطأ، فتجد أنه ينكر على العامة مثلاً الزنا، لكن إذا وقع فيه شخص كبير شريف له مكانة في الناس لا ينكر عليه، مع أن العمل هو العمل نفسه، وهكذا في بقية الأمور الأخرى. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة، ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء]. يعني: الأمراء الذين يقيمون الشريعة في الناس، أبراراً كانوا أم فجاراً، وحتى لو كان الحاكم فاسقاً وفاجراً، كأن يكون يشرب الخمر ويزني، فما دام أنه لم يقع في الكفر المخرج عن الإسلام فإنه يطاع فيما أمر الله به، أما إذا أمر بمعصية فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. قال: [ويحافظون على الجماعات]، يعني: يحافظون على الجماعات في المساجد، وهناك بعض طوائف التكفير تهجر الجماعات وتشكك في الأئمة وتقول: إن بعض الأئمة قد يكون عنده عقيدة فاسدة، وهذه كلها ليست من طريقة أهل السنة. قال: [ويدينون بالنصيحة للأمة، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه)] ولهذا تجد أنهم يحرصون على الأخوة، ويجتهدون على لمّ صفوف أهل السنة، ويحافظون عليها، ويبتعدون عن الأخلاق التي تكون سبباً في سوء الصحبة أو العشرة ونحو ذلك. قال: [وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، ويأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بمر القضاء، ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً)]. ولهذا لا يصح أن يكون الإنسان طالب علم وصاحب علم كثير وهو سيئ الأخلاق، وسيئ التعامل مع المسلمين، فهذا لا يصح أبداً، فلا بد من الخلق الحسن وهي من صفات أهل السنة. قال: [ويندبون إلى أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، ويأمرون ببر الوالدين وصلة الأرحام وحسن الجوار، والإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل، والرفق بالمملوك، وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي والاستطالة على الخلق، بحق وبغير حق، ويأمرون بمعالي الأمور وينهون عن سفسافها، وكل ما يقولونه ويفعلونه من هذا وغيره فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة. وطريقتهم هي دين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، لكن لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة، وفي حديث عنه أنه قال: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص من الشوب -يعني: من القدح مثلاً أو الخطأ والزلل- هم أهل السنة والجماعة، وفيهم -يعني في أهل السنة- الصديقون والشهداء والصالحون]. يعني: وفيهم أيضاً: العامي وفيهم المتعلم، وفيهم المتخصص في أحكام الشريعة، وفيهم غير المتخصص، وقد نقل النووي أن فيهم الفقهاء والنحويون واللغويون والمؤرخون وهكذا. قال: [ومنهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى، وأولو المناقب المأثورة والفضائل المذكورة، وفيهم الأبدال]. والأبدال: جمع بدل، وقيل: أن المقصود بالأبدال هم الصالحون الذين يأتي بعضهم بدل بعض عندما يموتون، ويروى في الأبدال أحاديث كلها ضعيفة موضوعة لا تصح، والأبدال لهم اصطلاح خاص عند الصوفية، وهو اصطلاح باطل، وهو أن لهم تأثيراً في تحريك الأرض وتدبير شئون الخلق، لكن هذا ليس مقصود الشيخ، وإنما المقصود بالأبدال أي: الأولياء الذين يأتي بعضهم بدل بعض، وليس المقصود اصطلاح الصوفية. قال: [وفيهم أئمة الدين الذين أجمع المسلمون على هدايتهم، وهم الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة)]. قد سبق الحديث عن هذه الأمور جميعاً. قال رحمه الله: [نسأل الله أن يجعلنا منهم وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب، والله أعلم. وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً]. وبهذا نكون قد انتهينا من شرح كتاب العقيدة الواسطية. أسأل الله عز وجل أن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يعيذنا من شر الأقوال والأعمال إنه على كل شيء قدير.

§1/1